لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


موضي حلم يموت تحت الاقدام للكاتب محمد الحضيف

السلام عليكم .. هذه قصة من روائع القصص التي قرأتها ومن أوائلها أيضا .. نقلتها إليكم آملة أن تحظى بإعجابكم ..

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-04-08, 01:23 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الارشيف
افتراضي موضي حلم يموت تحت الاقدام للكاتب محمد الحضيف

 

السلام عليكم ..
هذه قصة من روائع القصص التي قرأتها ومن أوائلها أيضا ..
نقلتها إليكم آملة أن تحظى بإعجابكم ..













موضـــــــــــي حلم يموت تحت الأقدام ...
للكاتب السعودي الدكتور محمد الحضيف ..




( إلى حي بن يقظان 00 ) ( "الإنسان" الذي أشعل النار (المقدسة) في حروفي 00)


الساعة تقترب من الثامنة حينما استيقظت 00 - لقد تأخرت 000 قلتها 00 وأنا أصر أسناني غيظا ، من المنبه 00 الذي يخذلني في كل مرة 000 نفضت الشرشف عن جسمي ، وقفزت من فراشي 0 الربع ساعة التي أمضيها عادة في الاستعداد ، اختصرتها إلى خمس دقائق 0 ركبت السيارة وانطلقت 00 كل شيء اختصرته 00 إلا السرعة ، فإنها قد تضاعفت 0 يجب أن أصل ، ولو أدرك نصف الاجتماع 0 كان ذهني مشغولا بحساب عدد التقاطعات المتبقية ، حتى أصل إلى الطريق السريع ، عندما دوى ارتطام ، عنيف في الجانب الأيمن من مؤخرة سيارتي ، وعكس اتجاهها تماما 0 حينما استعدت توازني ، بعد مفاجأة الصدمة ، كانت (أشلاء) سيارتي متناثرة أمامي ، ولمحت من بعد ، السيارة التي صدمتني تلوذ بالفرار 00 قلت في نفسي : سيارة فخمة 00 لماذا يهرب صاحبها ، ورفرف من رفارفها يعادل قيمة سيارتي 00؟ لم أحتج لتفكير طويل ، لكي أقرر أن أطارده وأنسى الاجتماع 0 الصدمة قوية ، والتلفيات في سيارتـي كبيرة ، وأنا لا أستطيع أن أتحمل خسائر بهذا الحجم 00 الاجتماع يمكن أن يعوض 0 هكذا حدثت نفسي ، وأنا أنطلق وراءه بنصف سيارة تقريبا 0 كان مرتبكا ، لذلك لحقته بسرعة ، وبدأت مطاردة غير متكافئة بين سيارته الفارهة ، والـ (نصف) المتبقي من سيارتي 0 شعر أني مدركة 00 لا محالة 00 فأنا صاحب حق ، والوضع الذي آلت إليه سيارتي ، لم يبق لي شيئا أخسره 0 عند أحد المنعطفات خفض من سرعته كثيرا 0 لاحظت ذلك ، من نور الكوابح الذي ظل مضاء أطول من كل مرة 0 لقد استسلم 00 قلت لنفسي ، وبدأت آخذ وضع الاستعداد للوقوف 0
فجأة 00 رأيت باب الراكب الذي بجانبه يفتح ، ولاحظت أنه يميل ، ويدفع (شيئا) إلى الخارج 00 ثم أعقب ذلك صريخ عال لعجلات سيارته يصم الآذان ، وهو ينطلق بسرعة عاليه ، تاركا المكان ممتلئا برائحة احتراق الإطارات ، إثر احتكاكها الهائل بالأرض 0 حينما فتح الباب 00 وقذف بذلك (الشيء) ، كان أول ما سقط حقيبة 00 ثم شيئا ملتفا بقماش أسود 00 كأنه 00 - يا إلهي 00 امرأة 00 بل فتاة 00 هكذا صرخت ، وأنا أتقدم ببطء تجاه ذلك (الشيء) ، الذي قذف من السيارة 0 نهضت 00 وأخذت تنفض الغبار الذي علق بعباءتها ، وتتراجع ملتصقة بالجدار 0 حينما اقتربت منها ، أخذت تبكي ، وهي تلملم أطراف (مريولها) الذي تمزق ، إثر سقوطها من السيارة 0 - طالبه 00 قلتها ، وأنا أنظر إلى (مريولها) ، وأغراضها المدرسية التي تناثرت من حقيبتها 00 وقفت قريبا منها ، وصرت أسمع بكاءها ، وحشرجة صوتها وهي تقول : - أرجوك 00 أرجوك 00 أستر علي ، الله يخليك 00 لا تفضحني 00 لم أدر ماذا أصنع 0 شعرت بارتباك وحيرة شديدة 00 وتعطلت قدرتي على التفكير 0 الموقف يبعث على الريبة : أنا 00 وفتاة 00 على ناصية الشارع 0 ثوبها ممزق ، وأغراضها مبعثرة على الأرض 00 قلت لها 00 بعد تردد ، دون أن أحدد ما هي خطوتي التالية : - اركبي 00 سأوصلك إلى بيت أهلك 00
صاحت ، بهلع : - لا 00 لا أريد بيت أهلي 00 ستذبحني أمي 00 أرجوك 00
كان يجب أن أتصرف بسرعة ، خاصة وأن المشهد أصبح ملفتا للنظر 0 السيارات المارة ، صار أصحابها يحدقون بنا ، وكاد فضول بعضهم يدفعه للتوقف 0 - اركبي الآن 00 ونتفاهم فيما بعد 00 في المقعد الخلفي لو سمحت 00 شرعت أجمع أغراضها ، التي تناثرت من حقيبتها المدرسية 00 ثم عدت أدراجي إلى السيارة 00 لم تكن قد ركبت 00
- لماذا لا تركبين 00؟
- الباب لا ينفتح 00
- تعالي إلى هذا الباب 00 ألقيت نظرة إلى داخل السيارة ، كان حطام الزجاج يملأ المقاعد الخلفية 00
- أووف 00 لا باس 00 اركبي في المقعد الأمامي 00 ركبت ، وحينما استوت على المقعد ، أخذت تجمع عباءتها ، لتغطي بها (مريولها) الممزق، الذي أنشق عن ساقها إلى أعلى ركبتها بقليل 0 لمحت كفها 00 بيضاء صغيرة ، خمنت أنها لا تزيد عن الخامسة عشرة
- تدرسين 00؟
- نعم 00
- في أي صف ؟
- الثالث متوسط 00 كان ظني في محله 00 لون (مريولها) يشبه لون مريول شقيقتي ، التي تدرس في نفس المرحلة 0
- (وش) اسمك 00؟
- موضي 000 كنت أسير بالسيارة على غير هدى ، وطاف في رأسي كثير من الأفكار : أسلمها للهيئة 00 أرجعها إلى بيت أهلها 00 أعيدها للمدرسة 00 أنا قطعا لا أستطيع أن أبقيها معي 00 سألتها :
- موضي 00 من هذا الذي كنت معه 00؟ لم ترد على سؤالي 00 ولا أدري تحديدا لم سألتها 0 كنت أريد أن اختلق حوارا ، لأصنع جوا من الثقة ، يساعدني في فهم ملابسات أمرها 00 ويمهد الطريق إلى قلبها 00 القلـوب المغلقة مثل دهاليز الاستخبارات 00 مرتع خصب للخوف 00 والتوجس 00 والشك 00 والريبة 00 الساعة الآن تجاوزت التاسعة والنصف 00 الوقت يمضي ، وأمامي أعمال كثيرة يجب أن أؤديها 00
حين فشلت محاولتي لاستدراجها للكلام ، رأيت أن احسم الموضوع مباشرة 00 قلت لها : - موضي يجب أن تختاري بين أمرين 00 أسلمك للهيئة ، أو أوصلك لبيتكم 00 بقاؤك معي غير ممكن 00 كما أن أهلك لابد أن يعرفوا عن سلوكك 00 انفجرت باكية ، وبطريقة تنم عن سلوك طفولي حقيقي ، رفعت غطاء وجها ، وهي تتوسل إلي بعينين دامعتين ، أن لا أفعل 000
- أرجوك 000 اذبحني 00 لكن لا تسلمني للهيئة 00 لا (توديني) لبيتنا 00 والله هذي أول مرة أطلع فيها مع رجال 00 ضحكت علي البندري 000 أشفقت على ذلك الوجه الطفولي البريء 0 قلت لها ، وأنا أسحب يدي من يديها ، وهي تحاول أن تجرها لتقبلها ، رجاء أن لا أسلمها للهيئة ، أو لأهلها :
- طيب 00 طيب 00 خلاص 00 لن أسلمك لأحد 00 لكن ما العمل 00؟
- إذا جاء وقت طلوع الطالبات 00 أنزلني عند المدرسة 00
- متى 00؟
- الساعة الواحدة 00 بعد صلاة الظهر 00
- بقي أكثر من ثلاث ساعات 00 وأنا مشغول 00 أطرقت لحظات ، تعاقب خلالها على وجهها انفعالات من كل نوع 00 الرهبة 00 القلق 00 الخوف من المجهول 0 ثم نظرت إلي بعينين فارغتين تماما من أي بريق 00 وقالت : - نزلني عند المدرسة 00 - وبعدين 00؟ - أنتظر 00 وإذا طلعوا الطالبات 00 أروح لبيت أهلي 00 شعرت في أعماقي بحزن شديد لهذه البراءة الساذجة 0 هي بالتأكيد ليست من ذوات السلوك المنحرف المتمرسات 00 ولا تعي خطورة الذي تقوم به 00 ولا عاقبة تصرفاتها 00 - أنت صاحية 00 تقعدين في الشارع ثلاث ساعات 00؟ لم ترد بشيء ، لكن الفضول دفعني لأن أسألها عن مكان مدرستها ، لأستدل من ذلك على اسم الحي الذي يسكنه أهلها 000 - أين مدرستك يا موضي 00؟ - في حي الأمل 00
حي الأمل 00؟ شعرت بمثل المسمار يخترق قلبي 00 هذا من المضحكات المبكيات 0 ما أكثر ما نسمي الأشياء بغير حقيقتها 00 ما أكثر ما نزيف المعاني 00 والواقع 00 والأحلام 00 هذا أفقر أحياء الرياض 00 لو سموه (حي اليأس) 00 أو البؤس 00 أو التعاسة 0 الأمل 00؟ إن كان فيه للأمل بصيص 00 فوجود هذه (الزهرة) فيه 00 هذا الكائن الطفولي الذي تتعرض البراءة فيه للاغتيال 00 تداعت إلى ذهني الصور والمعلومات التي لدي عن حي (الأمل) ، وحاولت أن أفهم العلاقة بين تلك السيارة الفخمة وحي (الأمل) ، حيث تقيم موضي 0 لا يمكن أن يكون صاحب تلك السيارة يقيم في ذلك الحي 00 لسبب بسيط هو أن ثمنها يعادل قيمة خمسة من (جحور) ذلك الحي ، التي يطلق عليها مجازا 00 (منازل) 00 كما أن سيارته ستجد صعوبة في اختراق زواريب ذلك الحي ، الذي لا يتسع أحدها ، إلا لمرور سيارة واحدة صغيرة 00 ولأن سكان ذلك الحي كذلك 00 غالبا ما يتسببون بإغلاق الشوارع ، بإيقاف سياراتهم بطريقة خاطئة ، لا تتحملها هذه الطرق ، الضيقة أصلا 0 ماذا يكون 000؟ إنه 00 (أحدهم) 00 إنه فجور المترفين ، إذ يتربص بعوز المحرومين 00 وحرمـان البؤساء ، ليطلق غرائزه 00 تفتك بإنسانية البسطاء 00 وتفترس الشرف ، والكرامة 00 أعرف هذا الحي 0 جئته في أحد المساءات ، قبل عام تقريبا ، بصحبة صديق ملتزم ، من الناشطين في الأعمال الخيرية التطوعية 00 لتوزيع صدقات عينيه ومالية 0 لا أدري كيف أقنعنـي عبد الكريم أن آتي معه 0 فأنا رغم تعاطفي مع حالات البؤس الإنساني ، إلا أنني سلبي جدا في التعاطي معها 0 أحتاج إلى وقت طويل ، لأتفاعـل مع الحدث ، أو الحالة ، وأحتاج لوقت مثله ، لأترجم التفاعل إلى فعل 00 لم تكن المرة الأولى التي يعرض علي عبد الكريم فيها مرافقته ، للقيام بمهمات من هذا النوع ، وكنت في كل مرة ، أتذرع بحجة مختلفة 0 لكني أتذكر ، أنه في تلك المرة استفزني 00 وسخر من (الإنسان) البليد ، الجامد في داخلي ، كما قال :
- هل تريد أن ترى البؤس يمشي على قدميه 00 هل تريد أن تستعيد شيئا 00 شيئا فقط ، من إنسانيتك المهدرة ، بين كلام مجرد عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه 00 لتولد 00 وتشب 00 وتكبر 00 وتمنح الحياة ، لكائنات لم تعرف معنى للحياة منذ خلقت 00 وبين سلوك استهلاكي بشع ، حولتك الرأسمالية المتوحشة من خلاله ، إلى (آلية) من آليات السوق 00 أنت في قوائم التحليل الاقتصادي ، عند (آدم سميث) ، وتلامذته 00 رقما 00 آلية 00 قدرة شرائية 00 أنت باختصار 00 (لا إنسان) 00 دع عنك الهمهمة المعتادة : "الله لا يؤاخذنا صرفنا واجد اليوم" 00 اليوم 00 وكل يوم 00 أنت تفعل الشيء نفسه 00 تتقمص نفس الدور المسخ 00 (آلية) 00 كأني بك مسرورا ، وهم ينادونك : MR. MARKET MECHANISM اليوم 00 وكل يوم 00 أنت تمارس بسادية ، وأد الإنسان في داخلك 0 تعـال معي لتستعيد إنسانيتك ، حينما يفجرها الألم 00 لمشهد الحرمان 00 الـذي يصنعـه الفقر 00 تعال لترى الإنسان عند نقطة الصفر 00 كيف هو 00 أتعلم ماذا يكون الإنسان عند نقطة الصفر 00 ؟ تستلب الحياة من كل شيء فيه 00 إلا عينيه 00 أتعلم ماذا يكون الإنسان عند نقطة الصفر 00؟ الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد 00 أنت تعرف السعادة 00 وربما سمعت عن الشقاء ، هو لا يعرف إلا الشقاء 0 أنت تعرف شيئا اسمه الحزن 00 والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن 00 أنت تعرف الشيء ونقيضه ، بدرجات متفاوتة 00 هو يعرف الكلمة وحدها 00 بمعناها السلبي فقط 00 بدون أضدادها ، وبأقصى درجاتها قسوة 00 البؤس 00 والعجز 00 والحرمان 00 والألم 00 والعري 00 والجوع 00
استفزني عبد الكريم بكلامه ، واستثار التحدي عندي ، فقررت أن أذهب معه 00 لأرى هذه (البيئة) التي سوف تعيد خلق الإنسان في داخلي ، كما يقول ، ولأتأكد إذا ما كان ذلك (الإنسان) الجامد البليد موجودا 00 كنت أتنقل مع عبد الكريم ، من بيت إلى بيت 00 كنت معه في سباق مع الألم 00 في كل مرة يغرس نصلا 00: - أترى هذا الطفل 00 لا يملك إلا ثوبا واحدا 00 إذا عاد من المدرسة خلعه 00 وخرج إلى الشارع ، يلعب بسروال فقط 00 أتدري لماذا ؟ 00 ليس لغزا 00 ولا رياضة ذهنية 00 إنه لا يملك غيره 00 ويجب أن يبقى نظيفا 00 حتى يستطيع أن يذهب به من الغد إلى المدرسة 0 لم ينتظر مني تعليقا 00 في بيت آخر 00 - أرأيت هذه الطفلة 00 تم سحبها من المدرسة بعد أن وصلت الصف الرابع 00 لا 00 أهلها ليسوا ضد تعليم البنات 00 لكنهم اضطروا لذلك ، لأن شقيقها وصل سن الدراسة 00 وليس لديهم القدرة على الصرف إلا على (دارس) واحد 00 فكان الولد 00 من منزل لآخر 00 حتى استغرقنا النصف الأول من الليل 00 كنت لا أسمع 00 إلا : أرأيت 00 أرأيت 00 كان عبد الكريم ، وهو يتجول بي من بيت لبيت 00 يفتح أمامي أبواب الحزن والبؤس 00 على مصاريعها 00 ويوقفني على مشاهد للحرمان 00 ويسكب في عيني ألما 00
- توصلني قريب من مدرستي 00 لو كلفت عليك 00؟ أتى رجاؤها مخنوقا 00 ممزوجا بالخوف ، ليقطع علي سلسلة الصور التي تداعت إلى ذهني عن حي الأمل ، وما بقى من آثار تجربه إعادة اكتشاف الإنسان البليد الجامد، المغموس بالتفاهات ، الموجود في داخلي 000
- لا 000 تبقين معي إلى وقت الخروج من المدرسة 00 ثم أوصلك 00 غمرها شعور بالسكينة 00 لاحظت ذلك وأنا أرى صدرها يهبط 00 ثم تطلق نفسا عميقا ، دفع غطـاء وجهها إلى الأمام 00 أخذت أقلب الأفكار فيما أفعله ، لأخرج من هذا المأزق الذي وقعت فيه 0 الواقع المزري لحي الأمل كان حاضرا ، وأنا أبحث عن حل يتجاوز 00 أن (أتخلص) أنا ، من (ورطة) موضي 00 كنت أريد حلا لها هي ، حتى لا تعود لنفس الطريق 0 من السهل أن (أرميها) ، كما تقول ، قرب مدرستهـا ، لتذهب لبيت أهلها ، وسوف تجد إجابة تقنع بها أمها ، عن سبب تمزق (مريولها) 0 أشعر أني غير قادر على الخروج بشيء ذي بال 00 في موضوعها 0 هل يملك (رجال الهيئة) حلا يعطي التجاوز فرصة ، ويوفر علاجا جذريا 00 لو أني لجأت إليهم 00؟ ماذا لو اتصلت عليهم لطلب الاستشارة فقط 00؟ مرت دقيقة أو أكثر ، والأفكار تطوح بي يمينا وشمالا ، قبل أن يقطع تفكيري صوت بكائها0 توهمت في البداية أنها سمعتني ، وأنا أحدث نفسي حول الاتصال بالهيئة 0 التفت إليها ، كانت قد وضعت وجهها بين كفيها وتنتحب
000 - ما بك يا موضي 00؟
قالت بصوت يقطعه البكاء 00 - كيف أشكرك 00 (وشلون) أشكرك 00؟ لم يكن بكاؤها عن سبب ، كانت تفرغ شحنة عاطفية مكبوتة 00 منذ الصباح ، وهي تراكم هما 00 وخوفا 00 وإحباطا 00 وعجزا 00 وقلقا 00 وتنتظر أملا 00 حين اقتربت من مقر عملي ، قلت لها : - موضي 00 سأنزل هنا 00 لدى أمور سأنجزها 00 قد يحتاج ذلك ساعة أو أقل 0 سأقف هنا 00 المكان آمن 00 سأترك مكيف السيارة مفتوحا 0 أبق الأبواب والزجاج مغلقة 00 لا تفتحي لأي إنسان ، مهما كانت الأسباب 00 ولا تغادري السيارة أبدا 0 سأترك جوالي معك 00 اتصلي على هذا الرقم عند أي طارئ 00 ولا تردي على أي اتصال 0
كنت أهم بالنزول ، عندما قالت : - خذ الجوال 00 أنا لا أعرف كيف استخدم الجوال 00 هذه أول مرة في حياتي 00 أرى فيها جوالا 000 توقفت للحظة ، قبل أن آخذ منها الجوال ، الذي بقى في يدها الممدودة 00 وشعرت بمثل حد السكين يحز في أعماقي 00 وتداعت إلى ذهني قصة (ولد البسام) 00 والصدى يجلجل في تلك المساحات الفارغة ، في قطعة اللحم التي تدعي مجازا (قلبا) : "هذه 00 أول مرة 00 في حياتي 00 أرى فيها 00 جوالا 000" 00 يا لبلادة المترفين 000 التقطت منها الجوال ، والمرارة 00 والشعور بالإحباط 00 وغياب (الإنسان) ، ترغم شفتي على الانفراج ، لتصنعا شيئا يسمونه (ابتسامة)
- ليه تضحك 00 ما أنت مصدقني 00؟
- مصدقك 00 والله يا عمري 00
- أجل ليه تضحك 00؟
- أضحـك على الإنســان البليد في داخلي 00 الرقم 00 العينة المسحية في أبحاث السوق 00
- ما فهمت 000
- تفهمين بعدين 000 أغلقت الباب ومضيت 0 حينما سرت بضع خطوات سمعت نقرا على الزجاج 00 التفت ، كانت تلوح بيدها 00 تناديني 00 رجعت ، ولما فتحت الباب ، قالت : - أبغى أطلب منك طلب 00 لكني خجلانه 00
- تفضلي 000
- أنا جايعة 00 من أمس الظهر 00 والله ما ذقت شيء 00 أصل أمس 000 خلص الزيت ، وما قدرت أمي تطبخ 00 وحنا 00 بعد 00 يعنى 000 لم تستطع أن تكمل عبارتها ، ولم تقدران تفصح عما كانت تريد قوله 00 كانت تفرك كفيها ببعضهما ، مطأطئة رأسها 00
حرت في مكاني لبضع ثواني 00 ها هو الإنسان البليد في داخلي ، يتلقى صفعة ثانية 00 - جائعة 00 وأنا رائحة الشواء ، الذي أتخمت منه البارحة ، حتى لم يبق مكانا لنسمـة هواء 00 ما زالت خياشيمي 00 هناك شيء نفعله حينما يبلغ بنا الشعور بالمرارة والمهانة أقصاه 000 نبصق على شيء 00 صورة المسئول في الجريدة 00 مثلا 00 أو على الأرض بجانبنا 00 وهو أقصى احتجاج نقدر عليه 00 كنت أريد أن أبصق على خيالي ، الذي يعكسه الزجاج 00 على (شكل) الإنسان الذي أدعي أنه موجود لدي 00 كنت أهم بأن أفعل ذلك ، لكني خشيت أن تفهم أنها هي المقصودة 00 رفعت رأسها ، وأنا مازلت واقفا 0 كانت عيناها تلمعان من خلف غطاء وجهها 0 قالت ، وهي ما تزال تفرك كفيها ، لكن بوتيرة أقل : - الظاهر أن طلبي ما كان في محله 000 أو (شكلي) أحرجتك 00
- لا 00 أبدا 00 نمشي الآن 000 كنت على وشك أن أغلق الباب حين لمحت بقعة دم على ثوبها ، قريبا من موضع الركبة 0 انقبض قلبي بشدة ، وداهمني خاطر سيء 00 وشعور بالغضب ، لم أستطع أن أواريه ، فقلت لها بلهجة جافة 00 لا تخلو من اتهام : - موضي 00 من وين الدم هذا 00؟
- انجرحت ركبتي 00 يوم طحت من السيارة 00 عيناها مازالتا تلمعان من خلف الغطاء 00 معلقتان بوجهي ، الذي ارتسمت عليه علامة استفهام كبيرة 00 أحست أن إجابتها لم تقنعني ، وأني لم أصدق كلامها ، فأزاحت عباءتها ، ورفعت ثوبها عن موضع الإصابة ، دون أن تتكلم ، أو ترفع رأسها 0 كان جرحا سطحيا ، تيبس الدم حوله 0 ليس عميقا ، لكنه بدا ، بلونه الداكن ، وتشققاته ، التي أبرزها إهابها الأبيض الرقيق ، مثيرا للألم والشفقة 0 أغلقت الباب ، وركبت من الناحية الأخرى 0 كانت ما تزال مطأطئة رأسها 00
أعرف أني جرحت كرامتها 00 كثيرا ما نوقع أذى بهذا الحجم وأكثر ، بالآخرين 00 وكثيرا ما يكون ذلك بدافع من الشعور بـ (طهرانية) مبالغ فيها لذواتنا 00 والشعور بـ (دنس) الآخر ، وقابليته للخطيئة ، التي تحتاج إلى (مخلص) مثلنا 00 لم يقف يوما في صف ، ويسمع 000 "من كان منكم بلا خطيئة 00 فليرمها بحجر 000" 00 وأحيانـا نمارس الأذى ، ونوقعه بقسوة 00 لا تعطي فرصة للتجاوز 00 على من نحب 00 بدعوى الحب 00 كيف يؤذي من يحب 000؟ حاولـت أن أغير الموضوع ، وألطف الموقف ، بسؤالها عن ماذا تريد أن تأكل ، لكنها لم ترد0 فكرت أن أشتري لها سندويتشات وعصير ، لكني لا أعرف محلا قريبا ، يقدم هذا النوع من الفطائر ، وعملية البحث ستأخذ مني وقتا 0 اتجهت إلى مطعم قريب ، يقدم وجبات سريعة 0 في الطريق إليه لمحت صيدلية 00 نزلت واشتريت شاشا ومعقما ولاصقا 0 وصلنا المطعم 00 قلت لها : - انزلي 000 - إلى أين 00؟ - إلى المطعم 00 لتفطري 000 نزلنا وفي قسم العائلات ، أخذنا إحدى المقصورات 0 كانت تتلفت 00 واضح أنها تدخل مطعما لأول مرة 00 قالت ببراءة : - آكل قدام الناس 000 ما يشوفوني الرجال 00؟ - لا 00 أنت لوحدك هنا 00 تيقنت أنها بريئة 00 ولم تتمرس على الانحراف 00 تستحي أن يراها الرجال كاشفة وجهها وهي تأكل 00 الحياء لا يتكلف ، ولا يصطنع 00 التظاهر في مثل هذه المواقف ، بغير الحقيقة ، يتطلب درجة عالية من الخبث ، والتمرس على المكر 00 لا يمكن أن تتقنه طفلة في هذا السن 00 وأوجعني قلبي مرة أخرى 00 أن ظننت بها ظن السوء 00
طلبت لها أكلا ، وسألتها إن كانت تريد عصيرا بعينه ، قالت : - أبغي (كوتيل) 00 - تقصدين كوكتيل 000؟ - ماالأكل،0 أسمع البنات يقولون ، عصير (الكوتيل) حلو 000 مرة أخرى يبرح بي الألم 00 تبدو لغة المحرومين 00 ساذجة 00 بريئة ، لكنها تدمي القلب 0 يحق لك أن تزهو 00 ابن الطبقة الوسطى ، أو فوقها بقليل 00 تعرف الكوكتيل 00 والسكالوب 00 والستيك 00 ها أنت أمام كائن يشاركك نفس الكوكب 00ونفس الوطن 00 بل على الطرف الثاني من المدينة 00 ربما لم يعرف سائلا غير الماء في حياته 00 أو معلبات الكولا ، التي تعمل عمل الأسيد في قنوات جهازه الهضمي 0 إنه (البرجوازي) البشع 00 يتربع في داخلك 00 كتمثـال من البرونز 00 منصوب في ميدان ، في عاصمة (رأسمالية) 00 يأتيه العمال ، والمهاجـرون المغتربون 00 المسحوقون 00 يتمسحون فيه 00 ويطوفون حوله 00 يلتقطون الصور التذكارية 00 ويصطنعون عنده (لقطات فرح) 00 انتزعوها من بقايا آدمية مطحونة 00 في قيعان المناجم 00 أو بين هدير آلات المصانع 00 يتفصدون دما 00 وعرقا ، يصنع منه طلاء 00 يحفظك من الصدأ 00 ويبقيك لامعا 00 متوهجا 00 ليؤموك مرة ، تلو أخرى 00 صرت (ربا) صنما 00 حولك 00 (يولد) فرح المسحوقين 00 ومن عصارة أجسادهم تبقي لامعا 00 لتسعدهم 00 أي فخر أعظم من هذا 000؟ جاء الأكل ، واستلمته من العامل ، ووضعته على الطاولة 00 وقلت لها : - أفطري 00 بعد عشر دقائق أرجع لك 00 - وين تروح 00؟
- أتركك 00 تأخذين راحتك 00
- لا 00 لا تتركني 00 أنا راحتي معك 00

يتبــــــع,,












( أقدار : هذه بداية المشوار .. عساه يرضيك يالغلا)

 
 

 

عرض البوم صور النهى  

قديم 17-04-08, 02:13 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم النهى
ما اكدر اوصفلج شعوري وانا اقرا هذه القصة المئلمة الحمد الله على نعمه التي انعم بها علينا فنحن دائما متبطرون
ما اروح لزواج صديقتي بفستان احد المدعوين شافني لابسته
ما اكل من هاي الاكل او من هذا المطعم لاني مللت طعامه اشتري لي ولاطفالي ملابس دون حاجة فقط لانها اعجبتني
وغير يضطر لبيع شرفه من اجل لقمة واحد لايهم نوعها بقدر اهمية كونها تسد جوعه
الله على هذه الدنيا غابة بكل معنى الكلمة
صاحب السيارة الفارهة استغل صغر سنها وحاجتها وارادة ان يلعب بها ويرمها لان ابنة فقر وابناء الفقراء لا احد يطالب بحقوقهم
ولكن الله سبحانه وتعالى فوق الجميع وهو من سيطالب بحقهم عاجلا غير اجلا
عزيزتي النهى انتظر تكملتك واهلا وسهلا بك ونورتي القسم

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة  
قديم 17-04-08, 03:38 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
أميرة الرومنسية



البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29213
المشاركات: 2,295
الجنس أنثى
معدل التقييم: اقدار عضو على طريق الابداعاقدار عضو على طريق الابداعاقدار عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 250

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
اقدار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

موضي من اجمل وأغلى القصص التي وصلتني من شخص عزيز ..


ومحمد الحضيف من اروع الكتاب الذين يخلفون في نفسي اثراً حين أقرأ لهم او اسمع عنهم ..





كانت موضي حكاية فقر .. وأحلامٍ نمت على ضفاف الطهر والبراءة وقلوب العذارى ..









اما النهى .. هي القارئة والكاتبة ذات الطراز النادر الراقي




بداية لااستغربها ابداً من مثقفةٍ كأنتِ ياالنهى ..




سأكمل موضي معكِ رغم قراءاتي المتعددة لها ..


مميزة اينما كنتِ .. وأشعر بالفخر دوماً بقربكِ ووجودك معي ..!


ودي وشكري لكِ بلا حدود

 
 

 

عرض البوم صور اقدار  
قديم 18-04-08, 06:50 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مالكة القلوب


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53295
المشاركات: 3,145
الجنس أنثى
معدل التقييم: مذهلة الخليج عضو له عدد لاباس به من النقاطمذهلة الخليج عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 129

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مذهلة الخليج غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : الارشيف
افتراضي

 


سلام
والف شكر على القصة الحلوه
ياالنهى بجد اختيار موفق
وتمنى تكملينها عشان نعرف باقي الاحداث
ومره ثانية شكرا على القصة
بجد استمتعات مره في قراءة سطورها
مذهلة



 
 

 

عرض البوم صور مذهلة الخليج  
قديم 19-04-08, 10:48 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 65992
المشاركات: 389
الجنس أنثى
معدل التقييم: النهى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 18

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
النهى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : النهى المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

موضي حلمـ يموت تحت الأقدامـ ..

بقية الحكــاية ‘‘




جاء الأكل ، واستلمته من العامل ، ووضعته على الطاولة .. وقلت لها :
- أفطري .. بعد عشر دقائق أرجع لك ..
- وين تروح ..؟
- أتركك .. تأخذين راحتك ..
- لا .. لا تتركني .. أنا راحتي معك ..
انتفض قلبي لعبارتها .. تملكني براءة الأنقياء .. وصدق المشاعر

تذكرت الشاش والمعقم الذي اشتريته ، فأخبرتها أني سأذهب لإحضار بعض الاغراض من السيارة . كنت أريد أن أدعها لوحدها ، حتى تنتهي من إفطارها ، ولأحضر تلك الاغراض لتطهير جرحها .. رغم أني تعمدت التأخير ، إلا أنني حينما عدت ، كانت ما تزال في بداية وجبتها . شعرت بحرج ، لكنها نظرت إلى بعينين ساكنتين ، وقالت :
- خفت .. لما تأخرت علي ..
جلست أرقبها تتناول الطعام . تتصرف بهدوء وعفوية ، دون إحساس بالمكان حولها .. كانت جائعة فعلا ... طريقة إلتهامها للطعام .. تلقائيتها في التصرف .. حينما نزعت غطاء وجهها ، الذي كان يتدلى على كتفيها ، ووضعته على الكرسي بجانبها .. تنقلها بين صنف وآخر من الطعام بدون أي (إتيكيت) .. كأنما تتذوق (العالم) لأول مرة .. بل هي كذلك .. إنها الدهشة التي تصيبنا ، حينما نصادف الاشياء للمرة الأولى ، فنتصرف مثل الاطفال

.. "أوووه أيها المترف" .. يلج نداء في داخلي .. "أصبحت تعلم المحرومين الاتيكيت" .. أصبحت انت (الاستاذ) .. وغيرك حولتهم الدهشة إلى أطفال .. لم لا تفهم ..؟ إنه الجوع ، والحرمان .. والبراءة التي ما تلوثت ..

شعرت بفيض من الحب يغمر قلبي تجاهها .. براءتها .. عفويتها .. تلقائيتها .. والشعور بالامان الذي هبط عليها ، وهي معي .. فنسيت العالم من حولها . حينما يسكن إنسان إليك ، تعتريك حالة من الاستسلام .. والحب اللانهائي .. تأمل حينما يدفن طفل رأسه في حجرك .. ويغفو ، تنتابك حال من الاستسلام غريبة .. وتحس أن قلبك تحول إلى مهد له .. لوحده .. وتتمنى لو توقف العالم كله من حولك .. بساعاته .. وسياراته .. وضجيجة كله .. لكي لا يصحو . هكذا كان شعوري نحوها .. وأنا أنظر إليها .. تحيلني سكينتها .. وإطمئنانها إلي .. إلى (إنسان) .. قال عنه عبدالكريم يوما ، إنه غير موجود ، وددت لو أخذتها إلي .. وضممت رأسها إلى صدري .. ليذوب الجليد .. لأبكي .. لأستعيد إنسانيتي المهدرة .. أليس شيئا هائلا أن تجد إنسانا يسكن إليك ، و .. تسكن إليه .. ؟

تذكرت صاحب السيارة الذي قذفها ، فتداعى إلى ذهني مخزون هائل من اللعنات ... أي نفس سويه يسوغ لها أن تفتك ببراءة مثل هذه ..؟ أي توحش قادر على أن يغرس خنجر الغدر في هذا الطهر الفطري ...؟ كنت ساهما .. أهلوس بمثل هذه الأفكار .. وأتذكر كثيرات .. فتك بطهرن .. بسبب مثل هذه البراءة ، والعفوية ، جالسا قبالتها .. شاخصا .. صامتا ، حين قالت ، وهي ترفع خصلة شعر سقطت على وجهها :
- كثر الله خيرك ..

دبت الحياة في محياها ، بعد الجوع والعطش ، كما نبت الحيا في أرض مجدبة .. غمرها الغيث . وجهها عاد أكثر بشاشة .. جبينها العريض صار أكثر ضياء .. عيناها ، كأنما أوقدت فيهما قناديل فـرح .. امتد وهجها إلى ثناياها ، فازدادت ألقا .. لتصنع لها إبتسامة آسرة .. كلما افتر ثغرها

عندما أنهت ترتيب عباءتها ، وشرعت تضع غطاء رأسها ، ووجهها في مكانه ، قلت لها :
- لابد أن أعقم الجرح ، حتى لا يلتهب ...
هزت رأسها موافقة . رفعت ثوبها إلى حدود الجزء الممزق ، ليظهر الجرح ، ولأتمكن من تنظيفه . أخبرتها أن المادة المعقمة تحتوي على مادة قلوية ، وستشعر نتيجة لذلك بألم ، وعليها أن تتحمل

كنت قد أنهيت تنظيف الجرح ، ووضعت الشاش واللاصق عليه ، وأتهيأ للنهوض ، حين شعـرت بكفيها تطبقان على جانبي رأسي ، وتأخذه إليها ، ثم تنحني وتطبع قبلة على جبيني ، وتقول :
- يا ليتك (أخوي) ... يا ليتك ...
وسكتت ..

رفعت رأسي ، ونظرت إلى وجهها .. كان ينطق بكل اللغات .. إلا لغة الجسد .. لقد تلاشي الجسد ، كوسيلة تعبير بيننا .. ولم يكن ثمت إلا أنا .. ودوائر من النور .. تلتمع في مساحات وجههـا .. الـذي غدا أمامي كمحراب هائل .. طفقت أردد فيه الصلوات ..
- اعتبريني أخا لك ...
قلتها وأنا أنهض ، وهي تتبعني بنظراتها .. وتغالب دمعتين ..

عقربا الساعة في سباق ، الصغير يؤشر على الرقم 11 ، والكبير إلتحم بالرقم 2 .. لا أدري أيهما سبق . لم يعد لتقسيم الفراغات في تلك الدائرة التي يسمونها (ساعة) ، أي معنى لدي ... في لغة الوقت ، التي أخترعوها ، الساعة الآن هي الحادية عشرة وعشر دقائق .. أما الوقت لدي ، فقد اختزل إلى بداية ونهاية .. كلاهما إسمه .. موضي .. الزمن فيه لا يحسب بالعقارب .. ولا بفراغات الدائرة ، وتقسيماتها .. إبتدأ بفتاة تقذف من سيارة ، كنتيجة مبكرة لعملية سوف تتم ، بالضرورة لاحقا ، وتحدث في كل لحظة ، يدفع الطرف الأضعف فيها .. دائما ، الثمن الباهض من شرفه .. وكرامته ، وإنسانيته .. وحقه المفترض في حياة كريمه .. لا تخضع لإبتزاز المال .. ونفوذ السلطة .. تأتي المرأة ممثلا (مواظبا) للطرف الاضعف .. الممتهن .. المبتز .. المستهدف .. المقذوف .. ليس من سيارة يمتلكها مترف ، (قادر) .. بل من حقها .. أن يكون لها كينونة .. في بعدها الانساني .. لها اعتبارها .. وكرامتها .. ضمن القانون السرمدي : "و لقدكرمنا بني آدم" ... ينتهي الوقت .. متى ينتهي ..؟

عند الساعة الواحدة .. حينما تدلف موضي ، بخطوات متوجسة إلى بيت أهلها ..؟ وقت طويل .. لو كان الزمن يقاس بعذابات المحرومين وأوجاعهم .. وبأحلامهم التي تنتهي تحت أقدام نزوات (القادرين) .. وصلت إلى مقر عملي .. ونزلت .. لم يتبق وقت للعمل اليوم . تركتها في السيارة ، وذهبت لإنجاز بعض الأعمال المعلقة ، ولأعتذر عن التأخير .. وعن بقية اليوم .. بدوت أمام الزملاء متوترا .. شارد البال .. غير قادر على التركيز .. وقعت اسمى في المكان غير الصحيح أكثر من مرة .. وأختلف توقيعي عن الآخر أكثر من مرة .. ناديت أحد الموظفين بغير اسمه .. ظروف عائلية ... كان هذا هو التبرير .. وانسحبت ..

جزء من الشرود والتوتر الذي انتابني في العمل ، كان بسبب الضغط النفسي الذي فرضه التفكير المتواصل في أمرها .. لقد قررت أن لا أنزلها عند المدرسة .. سيطر علي هم واحد : هـل أتركهــا تذهب بهذه البساطة .. دون أن تتعلم درسا ، يمنعها من العودة لنفس السلوك ..؟ هل أدعها تعود لبيت أهلها .. لتعود بعد ذلك لنفس الطريق ..

عدت إلى السيارة بغير الوجه الذي ذهبت به .. مهمومـا .. متجهما .. ومتوترا .. ضاقت على الأرض بمارحبت .. ركبت ، وسحبت الباب خلفي بقوة .. ولم أكلمها .. كنت ، حينما خرجنا من المطعم ، قد ألنت لها القول ، ولاطفتها ، وحدثتها حديث القلب للقلب عن خوفي عليها .. وقلقي على مستقبلها ، ورجوتها أن تنتبه لنفسها .. وختمت ذلك بمزحة ، فقلت :
- إن عاهدتني أن تلتزمي بما قلت لك اشتريت لك أسكريم (كون زون) أو (باسكن روبنز) ، لكن باسكن روبنز أمريكي ، وأنا مقاطع البضائع الأمريكية ..
ضحكت ببراءة الآمن في سرية ، وقالت بعفوية أخذت قلبي :
- أبغى اكتب اسم الاسكريم .. حتى إذا رحت للمدرسة أقول للبنات إني أكلته ..
ثم أضافت :
- أبلا نوره .. دائما تنهي الحصة بتذكيرنا بمقاطعة البضائع الأمريكيــة .. لكن ..
ثم سكتت قليلا .. لتقول : .. البنات في الفسحة يعلقون على (أبلا) نورة ، ويقولون : "الأبلا ساكنة في شمال الرياض .. وتحسب الناس كلهم مثلها ، يستطيعون أن يشتروا بضائع أمريكية" .
أندفع الدم إلى وجهي ، وشعرت كأنما لفحتني موجة حارة .. إنها فوقية المترفين ..

إنها (ماري أنطوانيت) ، التي تطالب الجائعين ، الذين يتظاهرون من أجل الخبز .. أن يأكلوا (بسكويت) .. أوهي (أبلا نورة) .. التي تطالب الجوعى والعراة .. أن لا يشتروا من (مكس) ، أو (نكست) ، أو (فرساتشي) .. كيف لا تقرأ (أبلا نورة) هذا الوجع والبؤس .. الساكن في كل قسمة من قسمات تلك الوجوه ، وهي تصافح عينيها كل صباح .. كيـف تستطيـع أن تعيش في عالمين منفصلين ..؟

كيف يصنع الترف كل هذه الحجب الغليظة من البلادة .. واللامبالاة بمعاناة الآخر .. ووجعه .. وبؤسه ..؟

كيف يهوي الانسان (في داخلنا) إلى تلك الاعماق السحيقة ، فلا يسمع منه زفرة ألم .. ولا يتسلل من تلك اللجة الجليدية .. شئ من مشاعر .. صرخة واهية .. تجاه الحرمان الذي : يخنق أحلام الصبايا .. يغتال الفرحة في عيون الأطفال .. ويقتل الكبرياء في جباه الرجال ...؟

لست وحدك .. هناك ألافا مثلك .. وألافا مثل نورة .. حينما استقريت على المعقد ، بتلك الحالة المتوترة ، تطلب الأمر مني وقتا ، لأخرج المفتاح من جيبي .. ولاحظت ذلك ..

عندما بدأت أدير المفتاح ، لتشغيل السيارة ، صدحت اغنية من (الراديو) ، الذي يبدو أنها قد عبثت به أثناء غيابي .. كان المغني يردد : "زمانك لو صفا لك يوم ... زمانك ما صفا لك دوم وعينك لو أهتنت بالنوم ... ترى الأيام دواره ترى الايام دواره .."

للحظـة .. استسلمت لكلمات الأغنية ، التي فتقت جرحا جديدا .. ثم أقفلت الراديو .. بانفعال . قالت ، وكأنها تريد أن تخفف من حدة التوتر ، الذي لاحظته على ، حينما عدت :
- الاغنية كلماتها حلوة .. صح ..؟

لم أرد عليها ....
- ما تسمع أغاني ..؟
- لا ..
- حرام ..؟
- نعم ..
- أنت كنت تسمع قبل (شوي) !!
- أنت تحققين معي ..؟
- أنت زعلان .. أنا سألتك .. لأن فيه معلمة عندنا تقول ، الذي يسمع أغاني كافر ..
- لا .. ليس كفر .. لكن حرام ..
- ما فهمت ..
- سماع الأغاني معصية .. ويفسد الأخلاق .. وأنت ما أفسدك إلا سماع الأغاني .
- يعني أنا فاسدة ..؟
- هذا الذي قمت به .. ماذا تسمينه ..؟

ران الصمت بيننا .. بدأ الندم يأكل نفسي .. لقد هدمت كل ما بنيت هذا الصباح .. بلحظة غضب ، أشعر أني انتقم لنفسي منها .. أن تورطت بها .. أضاعت وقتي .. وأوقعتني في حيرة .. وحملتني مسئولية الحفاظ عليها .. أنا الذي لم أعش إلا لنفسي فقط .. وتحاشيت كثيرا أن أصيخ سمعي لوجع الناس .. أو أجرح ناظري بمشاهد البؤس والحرمان ..

مازالت الذاكرة تكويني ، باسترجاع تلك المناظر التي رأيتها .. وبتذكر ذلك الأنين .. الذي اجتاح هدوئي ، في (مغامرتي) اليتيمه في حي (الأمل) مع عبدالكريم ..

كيف أريد علاجها ، وأنا قد شرعت بإدانتها .. وتجريمها ..؟ قلت ، بعد أن أستعدت هدوئي ، وبلهجة بالغت بأن أشعرها من خلالها بالمحبة والحنان :
- موضي حبيبتي .. أليس هذا الذي فعلتيه خطأ ..؟

- صح .. لكن خلني أسألك سؤال .. أعطني فرصة .. أقول لك شيء ..
- أنا الذي أريد أن أسألك سؤالا .. .. من هو الشخص الذي كنت معه الصباح ..؟
- لا أعرفه ..

- تركبين مع شخص لا تعرفينه ..؟
- والله العظيم لا أعرفه .. أصل الموضوع .. البندري ..
وأخذت تبكي .. وتوقفت عن الكلام ..
- تكلمي يا موضي .. أرجوك ..
- "أنا شفت إكسسوارات حلوة على زميلتي البندري .. أعجبتني .. قالت لي : أعجبتك ..؟ قلت لها نعم .. قالت قولي لأبوك يشتري لك مثلها .."

هي تعرف أن الوالد غير موجود .. لكنها .. وانخرطت بنوبة بكاء أشد مما سبق .. تركتها حتى سكنت ، وأنا أكثر فضولا لمعرفة التفاصيل .

شعرت أن المسألة أكبر من طيش مراهقة ، إلا أنـي لم أجرؤ أن أطلب منها مواصلة الحديـث . لكنها ، حينما ألتفتت تطلب مني منديلا تمسح به دموعها ، رأت اللهفة في وجهي ، لمعرفة تفاصيل الموضوع ، ورأيت أنا في عينيها انكسارا يذيب الحجر الأصم ..

استأنفت الحديث :
- البندري تعرف أن الوالد غير موجود .. لذلك ، قالت لي : "وإذا ما عندك أب .. لازم يكون لك (صاحب) .. تطلعين معه .. يشتري لك اللي تبين .. ويؤكلك في المطاعم" .. قلت للبندري : أنا ما أعرف أحد ، قالت : "ما يهمك .. أنا أعطيك رقم واحد .. عنده سيارة (كشخه) .. تكلمينه .. "فعلا .. كلمته أكثر من مره .. وسمعني كلام حلو .." أمس قال لي .. الصباح لا تمشين للمدرسة .. روحي للشارع العام .. وأجـيء أخذك من هناك الساعة 7 " .. فعلا .. رحت للشارع العام .. وجاء الشخص الذي رأيتني معه ، وركبت ، كان أول شيء قال لي : "أنا أحبك يا موضي .. البندري كلمتني كثيرا عنك .. أنت تستأهلين كل خير .. أنت بس تدللي .." .
بعد ما مشينا بفترة بسيطة ، قال إن فيه (جمس) ، مثل سيارة الهيئة يمشي خلفنا .. ثم أسرع .. وصدمنا فيك ..

كنت أستمع إليها مذهولا .. أحاول أن أكذب سمعي ..
- ومصدقة انه يحبك ..؟
- لا .. طبعا .. كلام فاضي ..
- وأنت صدقتي البندري .. يمكن الذي اشترى لها الاكسسوارات أبوها .. ؟
- لا .. أبوها غير موجود .. أمها مطلقة .. وهي ساكنة مع أمها .. وأبوها ساكن في مدينة ثانية .. ولا يعترف فيهم

شعرت برغبة حقيقية بالبكاء .. البندري أيضا ضحية .. بيت ممزق .. وفقر .. ألعن من .. غير إبليس ..؟
- وأنت .. الوالد أين هو ..؟
ترددت برهة من الوقت .. ثم قالت :
- مسجون ...
ثم أضافت ، وقد استحال وجهها إلى الأصفر الشاحب : .. ولا عندنا أحد يصرف علينا ..

في هذه اللحظة لم أملك أن أمنع نفسي عن البكاء .. أوقفت السيارة على جانب الطريق ، وبدأت أبكي بكاء صامتا .. بنفسي هذه الطفلة .. وألاف غيرها .. ألعن من .. غير إبليس ..؟

جوفي كان يشتعل غيظا .. وعجزا .. وإحتقارا ، لذات .. ظلت طويلا .. في منفاها الجليدي ، لا تحس بلهيب المعاناة لبشر .. يتحالف الفقر ، والحرمان ، والأهمال .. مع (القوانين) المتخلفة ، والبيروقراطية القبيحة .. المسخ ، في إذلالهم ..

كنت منغمسا في لحظة وجع حقيقي .. أغلق الدمع عيني ، فلم أعد أرى شيئا ، عندما سحبت يدي وقبلتها ، وهي تقول بعينين دامعتين ، ووجه صار مرتعا للألم فقط :
- تبكي من أجلي .. يا ليتك .. يا ليتك ..
ثم خنقتها العبرة ..

كنت قد عزمت على أمر بخصوصها .. وأنا أعود إلى السيارة ، بعد أن تركتها لأصلـي الظهر ، في مسجد على الطريق ، وقع في نفسي أن أمرها ، يحتاج حلا جذريا . بعد خروجي من المسجد ، فوجئت بعدم وجودها في السيارة .. شعرت كأنما يد قد اخترقت صدري .. وانتزعت قلبي منه .. تساءلت ..: أين تكون ذهبت ..؟ .. هل هربت ..؟

انتابني شعور مزيج من القلق والسخط .. أشد شيء آلمني .. إحساسي أنني بعد كل الذي صنعته من أجلها .. لم تثق بي . ليس أقسى من أن تفقد الثقة .. أو لا تكون محل ثقة .. لإنسان تحبه . كنت على هذه الحال ، إذ رأيتها تخرج من مصلى النساء .. فأشرق وجهي .. وأحسست قلبي يعود إلى مكانه .. صرت أخاف عليها .. وفرحت أنها حريصة على الصلاة . تبقى الصلاة ذلك الرباط الوثيق ، الذي يشد الانسان إلى الخير والفضيلة ، مهما اجتالته الشياطين ..

يؤلمني كثيرا مشهد الانسان الذي لا يصلي .. أشفق عليه من النهاية البائسة .. أحس أن الصلاة هي العتبة الأخيرة .. التي يقف الإنسان عليها ، قبل أن يهوي .. إذا ما تركها ، إلى درك .. يكون فيه ، هو والحيوان سواء ..
قالت وهي تفتح الباب لتركب :
- خفت تطلع من المسجد .. ولا تلقاني .. ثم تروح وتتركني .. فاستعجلت بصلاتي ..
تنهدت ، وقلت في سري :
- "أنا الذي خفت .. أنك رحتي وتركتيني .."
صارت بالنسبة لي ، حبلي الوحيد إلى الحياة (الحقيقية) ... التحدي الحقيقي لاستعادة إنسانيتي المهدرة .. الشمعة التي تتقد لتنثر الضوء ، والدفء في صقيع أعماقي المظلمة

في الطريق إلى المدرسة قلت لها :
- قبل أن أنزلك عند المدرسة أريد أن نمر من عند بيتكم ، حتى أعرف مكانه .. ردت بتوجس ، وكأنها شكت أني سأذهب بها إلى أهلها :
- لماذا ...؟
- يمكن أزوركم الليلة ..
- والله ..؟
- إحتمال ..

تعرفت على موقع البيت ، ثم توجهت بها إلى المدرسة .. لم تكـن الطالبـات قد خرجن بعد .. فانتظرنا في السيارة في شارع مجاور .. كانت أسراب الطالبات قد بدأت بالخروج من بوابة المدرسة عندما بادرتني قائلة :
- ما قلت لي إسمك ..؟
- محمد ..

نزلت .. وأغلقت الباب .. وبعد بضع خطوات ألتفتت نحوي ولوحت بأطراف أنا ملها .. خرجت من حي (الأمل) .. أحمل قلبا .. و(أملا) .. وإنسانية مستعادة ..

عند إحدى الاشارات ، نبهني سائق السيارة الذي بجواري ، إلى أن الباب لم يغلق جيدا .. التفت لأغلقة ، فوجدت قصاصة ورقة .. كانت قد كتبتها .. وتعمدت أن تتركها لأجدها.. قرأتها .. ثم دسستها في جيبي .. وتأكدت مرة أخرى أن البراءة لو تمثلت إنسانا ، وسارت على الأرض ، ومشت بين الناس .. لكانت هي ..

صليت العشاء في نفس المسجد .. ثم أنطلقت باتجاه بيتهم .. كنت قد عرفت منها عدد إخوانها وأخواتها ، واتفقت معها أن تذكر لأمها أن إحدى المعلمات تجمع معلومات عن الأسر المحتاجة ، وأنها قد استدعتها وطلبت منها معلومات عن بيتهم وأسرتهم .. وصلت .. وقرعت الباب .. كنت مرتبكا قليلا . أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش) .. بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد .. تساءلت في نفسي .. : أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟

هل يمكن أن يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري .. وموضي ..؟ من أين جاء مفهوم (الصاحب) .. الذي يوفر ما عجز عن القيام به (الأب الغائب) .. مسجونا كان .. أو مطلقا .. أو ميتا .. أو حتى عاجزا .. متخليا عن دوره ..؟ من المسئول عن نشوء مثل هذا (العجز) .. في ظل الغياب القسري للأب ..؟ من (الطرف) الآخر الذي (تخلى) عن دوره .. فسقط مثل هؤلاء (الضحايا) ..؟

فتح الباب ، وأطل طفل لا يتجاوز التاسعة . حسب توصيف موضي ، هذا شقيقها محمد . هناك بنت تكبره .. نوف ، أصغر من موضي ، في الصف السادس الابتدائي .. وأصغر منه بنت في الصف الأول .. أظن أن إسمها إبتسام ، ثم عبد الاله في حدود الخامسة . سألته :
- اين الوالدة ..؟
- من أنت ؟
- مشرف إجتماعي .. من الجمعية الخيرية ..



يتبــــــــــــــــع ,

 
 

 

عرض البوم صور النهى  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد الحصيف, الكاتب السعودي, رواية, قصة حلم يموت
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:15 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية