لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-10, 05:26 AM   المشاركة رقم: 1106
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

تتمة





الفطور الذي أَرسل لها صباحا ،، و ردّته كما وصل ،، تركها أكثر تقبلا للغداء ..
و جوع أيامٍ نست خلالها الأكل ..يتراكم .. ليقرص معدتها .. فتغتصب لقيماتٍ تسكت بها جوعها ..
لم تكن مشاركة أم حامد و ابنتها الغداء هي الصورة التي تصورتها - لصباحية - زفافها ..
سرعان ما سخرت من الفكرة ..
ما الذي كانت تتوقعه حقا ..؟! أن يعتزلها هذا الزوج عن الناس .. أو أن يمنحها الحق في شهر عسل كالأخريات ..؟!
ما يبدو أن حامد أسكت تساؤلات أهله .. اذ بدت أمه أكثر تقبلا لوجودها هنا في البيت مع استعداد ابنتها العروس للسفر هذا المساء ..!
تلتقط كأس الشاي الذي أعقب الغداء من يد أم حامد .. و الأخيرة تتمتم بعينين يسكنها الاعجاب الهادئ ..
- ما شا الله تبارك الله .. الله يحفظج يا بنتيه .. الله يبارك لكم و يتمم لكم على خير .. عفرا يا أميه .. لا تبطلين شعرج الليلة عند الحريم .. خلي الحرمة اللي بتعدلج .. ترفعه .. و تلمه ..
كانت عيناها تشمل عفرا الساكنة أمامها بنظرة هادئة .. تتأمل الشعر الذي انسل من رأسها ينزلق على قدها الملتف بالفستان الأحمر المذهل .. لترتاح نهايات تموجاته الثقيلة على الأريكة جوارها ..
لم تكن هذه الشابة تفوق بناتها جمالا بملامحها العادية ..
إلا أن الأخيرات لا يملكن سحر هذا الشعر .. و جاذبية عينيها الهادئتين ..
و للمرة الأولى تمتلئ روح الأم فيها بالرضا التام لاختيار ابنها ..
متأكدة بأن هذه هي الزوجة التي ستتباهى بها أمام جموع النساء ..
.
.
حرج غير مبرر يجتاح نواحيها و هي تشتت نظراتها ما بين أم حامد و ابنتها التي انزوت بعيدا عنهما تتشاغل بهاتفها لا يكدن يشعرن بوجودها ..
سرى في روحها خجل شديد يخالطه ذنب كاسح من نظرات الفرح في عيني المرأة ..
لا بد أن مئات الصور تجتاح مخيلتها .. عن ليلة السعد لابنها ..!
و ابتلعت هي همّها .. و هي تغتصب ابتسامة هادئة .. و تثبت عينيها على كأس الشاي أمامها ..
فيما برد الغرفة المكيّفة يلسع نواحيها برعشة ..
تمد يدا مرغمة .. مرتجفة .. تلتقط الكأس .. و تدسه في طرف فمها .. ترشف حرارته لتهدئ من ثوران تلك المشاعر داخلها ..
فيما تواصل المرأة التي انشغلت بصب فنجان من القهوة لنفسها الثرثرة ..
- عزمنا عربانا كلهم للعشا لي مسويه عمج الليلة .. تبين تعزمين حد من ربيعاتج .. بنتصلبها فديتج ..
رفعت عينيها بحرج اتجاهها .. و هي ترد بصوتٍ خافت ..
- لا عموه .. ما يحتاي ..
سألتها أم حامد مجددا ..
- انزين يا اميه .. محد من هل أمج بتعزمونه غير خالتج ..؟!
ازدردت لعابها و هي ترد ببصرٍ منخفض ..
- لا عموه .. بس خالتيه عذيجة ..
هزت أم حامد رأسها ..
- خير ان شا الله .. عزمناها خالتج .. بس مادري كان حرمة غيث بتيي وياها ..
و لمست أم حامد باصبعٍ من ملح جرحها الندي دون أن تعلم ..
غياب تلك الكبيرة في ظروف التردي هذه يقتلها .. لذلك خرج صوتها ميتا .. جافا .. خاليا من كل احساس ..
- حور تعبانه ما ظنتيه بتيي .. أمس سرت قبل الزفة ..
تنهدت أم حامد تهز رأسها بتفهم ..
- بعض الحريم يتعبهن الوحام .. انا شفت أمس ويهها هب طيب .. الله يعافيها .. و يتمم لها .. و يقومها بالسلامة .. الله يصلح امبينهم ..
تمتمت عفرا .. تتأمل أصابعها المنقوشة التي التفت على الكأس الساخن بشرود ..
- آمين يا الله ..
- و يفرحنا بعيالكم ..
و شعرت بأن الرشفة الساخنة تتوقف في منتصف مريئها لتستحيل إلى كرة من النار .. انزلقت لتلهب جوفها ..
احمرّت أحداقها .. و هي تخفض وجهها .. تتمتم بأملٍ كاذب .. ووجهها يحمر من فرط ما تكتم من انفعالٍ ..
- آمين ..!
راحت المرأة تواصل أحاديثها الهادئة .. و عفرا تستوعب ممتنة أنها تحاول جاهدة ازالة كل توتر عنها
الا أن صوت أم حامد العميق .. لا يقرع أعمق من طبلة أذنها الخارجية و هي تجاهد همها ..
انغرست دعوة هذه الأم الصادقة في جوفها منذ ثوان .. لتشج روحها بقسوة ..
لن تكون المرة الأولى .. و لا الأخيرة .. عليها اعتياد الوجع ..
ان كانت بساطة هذه الكلمة ستكسرها ..
فما الذي سيتبقى من رماد شعورها حين يجلب هو أخرى تملأ حياته ،، و تنجب أطفاله ..
و يلقيها في زاوية من نبذٍ و إهمال ..
ابتلعت ريقها و هي ترفع الكأس بيدٍ مرتجفة .. فيما عقلها يركز باستماته مع كلمات عمتها ..
- و بيخطفون العصر ان شا الله يسلمون .. و حامد ان شا الله من يحصل اجازة بيسفرج و يتظهرين انتي وياه و بتتمشون .. انتي هب قاصرة عن غيرج فديتج .. لكن يا أميه حامد ما رام يحصل اجازة .. و لو الشركة شركتهم .. يقول انه لازم يسلم الشغل اللي عنده الحين .. هاي حقوق .. و طلبات ناس دافعين فيها .. و عليها غرامات تأخير .. و من يخلص ريلج بياخذ اجازة .. و الله يا بنتيه ان الراحة أهم من كل شي .. و لو الريال و حرمته متفاهمين .. و الله ساتر عليهم .. و بينهم رحمة و مودة .. كل هالخرابيط مالها داعي ..
ارتجفت على شفتها ابتسامة .. و هي ترى محاولة أم حامد لتبرير انشغال ولدها .. كي لا تشعر هي بنقص العروس التي لا تتمتع بشهر حلمها كما تفعل غيرها ..!
قالت بصوتٍ هادئٍ ثابت لا يعكس ما تشعر به من حسرة ..
- أدري عموه .. تراه خبرنيه .. و بعدين أنا عقب اسبوعين بس برد أداوم في الجامعة ..
لم تستطع ام حامد اخفاء استيائها .. و تقطيبة الضيق .. حين ذكرتها عفرا بما كان يزعجها ..
- و ليش يا أميه ما وقفتي هالفصل .. ؟! هب أخيرلج و انتي توج عروس .. بتتعبج الدراسة و انتي كل شي متغير عليج ..
رفعت عفرا رأسها بهدوء تطالع أم حامد ..
قريبا .. سيجد حامد العذر .. ليبني حياته بعيدا عنها ..
لن تضيع هي ما تبقى لديها .. و ذاك المستقبل الذي يرتقبها .. فقط للتظاهر بأنها الزوجة المخلصة ..
في حين لم يبذل هو الجهد حتى لتأخير أعماله ليعكس تلك الصورة الكاذبة في عيون من حوله ..
إن كانت كل السبل قد سدت في وجهها ..
فستشق بالعلم طريقا مختلفا لا يمتد إليه عارها .. فيقطعه ..!
نظرتها ثابتة .. و صوتها هادئ .. و هي تقول باحترامٍ .. تختلق حجة مقنعة .. تكسب بها رضا المرأة ..
- عموه حامد قبل ما تبدا الدراسة بيومين بيرد يداوم .. شوه أسوي في البيت و هو ما يرد الا قرب العصر ..؟ هو اللي شار عليه و قاليه أسجل هالكورس .. يبانيه أخلص الجامعة بسرعة ..
تنهدت أم حامد دون اقتناع ..
- على راحتج يا أميه .. انتي و ريلج أخبر بأموركم ..
ثم وضعت الفنجان على الطاولة المنخفضة أمامها و هي تنظر لابنتها التي استرخت على طرف غير بعيد .. تجلس بطريقة توشك على الاستلقاء ..
و ترفع احدى قدميها على الأريكة .. فيما تضع الأخرى أرضا .. ارتفع صوت أمها بضيقٍ من ردائها الذي ظنته عفرا احدى ملابس نومها .. مستنكرة البنطال المنتفخ .. و القميص الذي كان بلا أكمام ..
- شيخة .. نشي قصري هالمكيف .. كسر عظامنا البرد ..
لتزفر شيخة و ذقنها يلتصق بصدرها .. فيما لا تفارق عينيها هاتفها الذي كان لا يتوقف كل ثانيتين عن استقبال رسالة جديدة ..!!
و صوتها المتحشرج يرد بضجر ..
- اي برد و العرب تنشف من العرق ..خليه .. خليه ..
اتسعت حدقتي عفرا بخفة مستنكرة ..استاءت من البرود الذي رأته حين راحت أم حامد تتولى صب القهوة و ابنتها تجلس غير آبهه .. و الآن ردٌّ بهذا الأسلوب المنفر .. أعلمها أي أخلاق تملكها الفتاة داخل البيت أيضا ..
راحت أم حامد تنظر لابنتها بغيظ .. تنهرها ..
- شيخوووه و مرررض .. نشي يا الله ..
الا ان شيخة التي وضعت سماعات هاتفها في اذنها و تظاهرت بأنها لا تسمع صراخ أمها التي اتكأت بيدها على الأريكة تنوي النهوض و هي تهز رأسها بشيءٍ من الحرج .. أمام عفرا ..
- حسبي الله عليج من بنت ..!!
أمسكت عفرا يد عمتها بقوة تعيدها للجلوس و هي تهب واقفة تضع كأسها على الطاولة القريبة ..
- و الله ما تنشين .. بقصر عليه أنا ..
لوحت أم حامد بيدها ..
- لا يا بنتيه يلسي .. بتنش ملعونة الصير هاي ..
اتى صوت شيخة المتشدقة ..
- خليها تنش .. هب من اهل البيت الحينه ..؟
كانت عفرا قد تحركت فعلا .. و هي تهدئ أم حامد الذي احتقن وجهها غيظا تتجاهل قول ذاك الشيء القابع في الركن ..
- ما عليه عموه .. ترانيه بنتج بعد .. و الا تامرين عليها و انا لا ..
زفرت عمتها بضيق مضاعف ..
- حسبي الله عليها من بنت .. محد بيذبحنيه غيرها ..
.
.
تطالع هي طول زوجة أخيها التي تحركت اتجاه الباب ..
هه .. بدأت تتملق أمها ..
لطالما سمعت عن حكايات الكنّات .. و ها هي توشك على أن تشهد أحدها ..
تسائلت في داخلها .. عن هذه الدخيلة ..
و أي تغيير قد يطرأ على يديها في هذا البيت ..
تجزم بأن حامد العابث قد تغير في السنة الأخيرة كثيرا .. و أضحى أكثر هدوئها .. و برودا ..
بعد أن كان الخروج مع أصدقاءه .. و التسكع في مراكز التسوق همه الأكبر ..
أصبح لا يفارق عمله و البيت ..
هل كان دخولها حياته .. حتى قبل تقدمه لها .. هو العامل المؤثر فيه يا ترى ..؟!
التوت شفتها بسخرية ..
قدومها سيطرد شيئا من الملل ..
و ربما يسد فجوة خلفتها روضة ورائها ..
و اختنقت بغصة مفاجئة ..
روضة ..!!
تلك الفجوة كانت حاضرة بوجودها ..
و لم تتضاعف كثيرا بغيابها ..
فقط شعورٌ باليأس راح ينتابها بأن الوقت قد انتهى ..
و أن المهلة انقضت ..
شعور كريه راح لا يفارقها .. حتى و هي تتنفس غيابها هذا الصباح لينفخ رئتيها هَمَّا حتى أوشكت على الانفجار ..!
ابتلعت التفكير لتعود إلى رسائل - حبيبتها - التي راحت تنهال تباعا ..
فتُغافل التفكير بها ..
مكبلة القدمين ..
بأوحال القذارة التي اعتادت التمرغ فيها ..
ثقيلة الخطوات .. لا تستطيع هربا ..
ذاك المستنقع يجرها للحضيض ..
هي التي لم تحاول حتى الكفاح للتملص منه ..
لم تلوح و لو بإصبع كي يأتي أحدا و يجرها بعيدا عن هذه الرذائل ..
فقط استسلمت ..
تركتها تثقلها .. لتطمسها حتى تصل إلى القاع ..
فيكسو الوحل إحساسها .. و حواسها ..
يملأ فمها .. و أذنيها و عينيها ..
و ينحشر مع الأنفاس .. حتى يخنقها ..
فَقُضِيَتْ ..
موحلة ..!
.
.
تنزلق طيات الحرير الأحمر على جسدها المديد .. و تتحرك بهدوء اتجاه الباب .. لتجر أطراف الثوب على الأرض ورائها ..
تموجات الشعر الحالك .. تتهادى خلفها بسحرٍ أطلق كلمات الذكر همسا من حنجرة أم حامد ..
فيما تواصل التقدم بهدوء .. من أزرار الاضاءة قرب الباب .. حيث رأت التحكم بالتكييف المركزي للمجلس ..
الحقيقة .. أنها كانت أبعد ما يكون عن الهدوء و شعور بالاشمئزاز زحف على ظهرها .. و هي ترى بعينٍ مستنكرة .. طبيعة وضع ابنة عمها التي لطالما راودها الخزي و هي تفكر بالقرابة بينهما ..
حين بات القدوم الى هنا و العيش تحت سقف هذا البيت يقينا .. كانت تشغل أفكارها بكيفية العيش في كنف ذاك الرجل ..
متناسية بأن البيت ملؤه أناسٌ غيره ..
و انها و ان لم تضطر للتعامل و التعاطي معه ..
فهناك من ستقضي عمرا بصحبتهم ..
و أولهم هذه الفتاة التي كانت تتباهى بانحرافها علنا و تحت أنف أهلها .. دون أن تبدو ردة فعلٍ واحدة عليهم .. !!
لم تكترث أم حامد كثيرا للباس ابنتها ..!!
و فكرت هي بأن أمها ستصدم ان ظهرت يوما أو أحدٍ من أخواتها بهذا المنظر لتجلس بهذه الطريقة أمامها ..!!
غير أنه لم ينقص إلا أن تهبَّ الفتاة لتصفق أمها براحةٍ على جانب وجهها تعبيرا على الانزعاج ..!
اذ لم يبدو أن ام حامد تحظى باحترامٍ كافٍ من ابنتها النزقة ..!!
ابتلعت ريقها .. و قلبها يتباطئ .. شاعرة بأن صداماتٍ كثيرة ستنشب بينها و بين هذا الشيء المسمى شيخة ..
لأنها ان قابلت شيئا من قذارتها علنا لن تسكت .. و ان كانوا ساكني هذا البيت قد اعتادوا التعايش مع انسلاخها ..
فنفسها لا زالت تثور غثيانا ما ان تقابلها .. أو يتناهى لمسامعها .. صوتها الغليظ ..!!
سحبت نفسا .. و هي تتبين بعينيها أجزاء جهاز التحكم.. لتمد اناملها و تعدل من حرارة التكييف ..
و صوت تكة تأتي من خلفها .. تجذب انتباها متأخرا من شرود عقلها ..!
.
.
.
.
صوت صديقه الذي كان ينسل من سماعة الهاتف تاه عن فكره .. و عينيه تستوعبان طول المرأة التي كانت توليه ظهرها و لا يفصله عنها سوى خطوتين ..
جزء من الثانية كان ما يحتاجه عقله ليرسم معالمها في عمق ذهنه المنبهر بتموجات ذاك الشعر الطويل ..
جزء من الثانية .. هو كل ما احتاجه الشيطان ليرسم دوائر الذهول في عينيه .. بقدها المديد الناعم الملتف بالحرير الأحمر ..
جزء من الثانية فقط .. ليرتد بنحنحة مرتفعة .. جارا الباب يغلقه وراءه .. بصدمة ..
يلعن في سرّه الخادمة التي أكدت له .. أن لا أحد هنا سوى - ماما كابير و سيخا .. و آروسا - سحب نفسا .. ينهي المكالمة دون أن يبالي بمزاح الرجل على الخط الآخر .. يحاول استعادة أنفاسه بكراهية .. يستعيذ مرارا من الشيطان .. و صورة المرأة تطفو أمام عينيه بوضوح تام ..!
الا أن صوت أمه القادم من داخل المجلس أشعل حواسه انتباها .. و هي تنادي عليه بوضوح ..
- حاااامد .. حااااااامد .. اقررررب يا بويه .. اقررررب ..
تجاهل الهاتف الذي عاد للرنين يدسه في جيبه بعد أن أحاله للسكون ..
و ابتلع ريقه .. و هو يعود ليفتح باب المجلس متنحنحا .. و عينه تعانق الأرض لثانية .. فيما صوته العميق يصدح في المجلس الصغير بقوة ..
- السلام عليكم ..
و رد صوت أمه السلام بخفة .. ليرفع عينيه في المكان ..
في لحظة استوعب عيناه شيخة التي تحركت باتجاه الباب في خطواتٍ لا مبالية ملول .. و أمه التي تجلس قرب طاولة القهوة ..
ثم انقلبت معدته بصدمة .. في احساسٍ كاسح بالغثيان ما ان استوعب ذاك الجسد الساكن بالأحمر جوار أمه ..
و كأن أحدهم وجه لبطنه ضربة عنيفة بقضيب حديدي ..
هاج القرف في داخله .. و التحكم بملامحه يتعسر عليه بعنف .. و هو لا يصدق أنه نظر اليها منذ ثوانٍ بعين رجلٍ مجردة ..!
الصدمة و الاشمئزاز .. راحت تثقل خطواته و هو يتقدم من أمه التي صدح صوتها العميق مرحبا به ..
عاجز عن التعاطي مع انفعالها الفَرِح .. يقبل رأسها بجمود .. و عيناه لا تفارقان .. الملامح المختبئة وراء تلك الغرة الطويلة ..
و فكرة واحدة تطال التفكير داخله .. فيما يطأ بقدميه على الجمر ..
يفصله عنها خطواتٍ من نار .. راحت تحرق قلبه .. و تلهب جوفه ..
هل كان هذا احساس ذاك الحيوان قبل أن تطولها يداه ..؟!
رآها في مكانٍ ما هكذا ..!! جرته فتنةً كما جُر هو منذ ثوان ..!!
تصاعد الغثيان حتى وصل سقف حلقه ..
و رغبة مفاجئة عنيفة تدفعه للامساك بشعرها الملتف هذا بقسوة .. ليضرب رأسها بالطاولة الزجاجية المنخفضة حتى تتهشم ..
فيما عينيه المحترقتين تطوفان على أنحائها ..
و من هذا القرب كاد يرى آثار يدي ذاك القذر ..
أوشك على تبين بصماته ..
طالت يداه هذا الجزء .. مست أصابعه الوسخة طرفها ذاك ..
أم دنست أنفاسه الصفراء نعومة هذا الشعر الخادع ..!!
ذاك القذر رآها بهذا الشكل .. كشف سترها .. و انتهك حرمتها .. !!
بل رأى أكثر ..
و اسودّ وجهه ..
و سؤال مجنون راح يكوي روحه كيّا ..
أين وجدها ..؟!
كيف وصل إليها ..؟
من أين له الفرصة ليختلي بها ..؟!
أ كانت تحبه .. و غدر بسذاجتها .. كما يسرد دوما في الأقاويل عن مثل هذه الفضائح ..؟!
و نسج عقله مئات الصور للحكاية الخيالية الحقيرة ..
للقاءات خفّية انتهت بسقوطها ..و جرها وشائج الشرف أسفلا معها ..
ينتفخ الغضب الدامي داخل رئتيه اللتان أوشكتا على الانفجار ..
و قبضتيه تعتصران الهواء.. فيما طاقته على التحكم بأحاسيسه تنفذ ..
تنفس بعمقٍ يلتفت لأمه .. يطوي المشاعر التي انفجرت بقوة .. فقط لأنه استطاع أن يراها بعين ذاك الدنيء ..
يلتقط فنجان القهوة الساخن من يد تلك الكبيرة متسائلا عن رد فعلها ان قذف حرارته اللاذعة في وجه عروسه بغية تنظيفها ..!!
فيما تتكلم أمه بهدوء ..
- تغديتوا الغالي ..
في رشفة واحدة .. قذف محتويات الفنجان الحار في حلقه .. ليزيد من اشتعال قهره ..
و سؤال أمه البسيط يبدو أمام احتراقه آخر شيءٍ مهم في العالم .. الا أنه يرد عليها باحترامٍ صبور ..
- تغدينا فديتج ..
- فوقه العافية .. أبوك وين ..
حدّق بتركيز في الفنجان الفارغ بين أصابعه ..
اذا لم يكن يعرفها و لا تعرفه ..
كيف اختلى بها اذا ..؟!
كيف بلغها ..؟ و هو الذي عرف عن بيت عمه التحفظ ..!!
لسانه يرد بآلية لا يحسها ..
فيما يترنح التفكير بين ملايين الأفكار الكريهة ..
- ابوي سار بيقيل ..
ثم مد فنجانه لها .. لتبادره قائلة ..
- أزيدك ..
ليلوحه بيده فقط .. و هو يهب على قدميه .. يطبع قبلة فاترة على رأسها .. و هو الذي يشتهي أن يبصق على وجه تلك المرأة القابعة خلفه ..
- بسير أقيل أنا بعد .. بريح شوي قبل العصر عدنا عشا الليلة ..
أمسكت بيده التي ارتاحت على كتفها تعتصرها بحب .. و هي لا تزال تمسك بالفنجان .. تحثه على ذلك ..
- سير ريح فديتك .. عفرا يا الغالية .. سيري ويا ريلج .. شوفيه كان يبا شي ..
الغالية ..؟!
و سُلخ شيءٌ ما داخله ..!
لا تعلمين أمي ..!
لربما كانت
الغانية .. الزانية ..!!
لربما كان لها يدٌ في ما حدث لها ..
و الا كيف ..؟!
كيف وصل لها ..
كان يشعر بها تقف من ورائه ..
تلحق خطواته ..
و راح هو يصارع قهره بشراسة ..
قهر يمتد داخله .. يكظم أنفاسه ..
يمزق إحساسه ..
يشعره بعجزه ..
قهر لا يشبهه قهر ..
( قهر الرّجال ) ..!
.
.
الغريب أن احتدام مشاعره الدفينة لأشهر لم تظهر يوما ..
لم يحرقه اليأس و الوجع و العار .. و الخزي الذي حاصره .. كحاله الآن ..
إلا حين علم للمرة الأولى بفضيحتها تلك ..
الآن راحت الحمم تغلي داخله ..
فقط لأنه شعر بأحاسيس ذاك الحيوان لجزءٍ من الثانية ..
ليدرك للمرة الأولى كيف كان الأمر من جهته ..
و بأي نظرةٍ رخيصة انتهك عرضه ..
تلك الخطوات الملتهبة راحت تدنو من فرجة الانفجار ..
فيما تتهادى هي خلفه بعد أن التفت بعباءتها و غطائها الثقيل بسترٍ كاذب ..
اذ أن هذه الشابة في نظره لا شيء قد يسترها سوى الموت ..!!

* * * * *

رغم ازدحام البيت بالخدم .. اعتدن الاعتماد على أنفسهن في تحضير طعامهن و الشراب ..
سعيدة هي بالتلهي عن أفكارها المتعبة ..
لذلك لم يكن يضريها التحرك طوال الوقت ..
وضعت الابريق الصغير الذي ملأته بالماء على النار ..
و راحت تفتش عن الشاي الأخضر .. في الأدراج المتعددة ..
سحبت نفسا عميقا حين وجدته ..
و عادت لتنتظر قرب الفرن غليان الماء ..
هذا الصباح بدا البيت كئيبا دون عفرا ..
كادت تسمع - هي الصمّاء - همس الجدران المتسائل عن طيفها الغائب ..
و انقبض قلبها ..
ذات الشعور بالحزن راودها صباح غياب حور قبل شهرين ..
ها هي تلك التي كانت الأقرب لها من أنفاسها .. تبعد ملايين السنوات الضوئية بأحاسيسها الذابلة ..
و كأنها نفتهم مع ما تبقى من روحها القديمة ..
لم تعد حور التي يعرفون ..!
بالأمس جاورتها على طاولة و لم تكد تشعر بها ..
و كبحت ابتسامة موجوعة ..
ربما لو رانت لها بنظرة حقيقية ..
لأكتشفت أي ألم راحت توراي هي وراء طبقات الصمت ..
الا أن كل واحدة راحت تشيح بحزنها عن الأخرى ..
و لم يعد خيط الاحساس ذاك يربطهم بذات المتانة .. !!
.
.
.
.
مرة أخرى .. فرد - غترته - ليعيد لفّها - بحمدانية - متقنة .. ثم يستل نظراته و يرتديها ..
يدس وراء زجاجها الداكن تعثر أحاسيسه الغريبة ..
مضطرب .. و مرتبك ..
احساس بالفرح المتزعزع الذي لم يراوده يوما بهذه القوة ..
أ لهذا كان مرتاحا لتأجيل اللقاء ..؟!
لأنه لا يعرف كيف يتصرف أصلا حين يراها ..
ما الذي سيقوله لها ..؟
هل ستفهم ايماءاته التي سيرتجل ..؟!
كان عليه أن يسأل روضة عن أي حركة يلوح بها ..
كم هو أحمق ..
ابتلع ريقه .. و هو يرفع صوته ..
- هووووووووود ..
كان أكيدا حين اتصل بميعاد منذ قليل أنها وحدها مع الخادمات في المطبخ ..
الخادمات اللواتي كنّ عقبة أخرى عليه ازالتها قبل أن تستوعب وجوده ..
لذلك ما ان أطلت الخادمة برأسها مع الباب الذي يضفي للخارج .. و تطالعه بوجه متساءل ..
حتى سأل على عجل .. و بسلطة تنفي أحاسيسه المهتزة ..
- حد هنيه ..
هزت رأسها ..
- آآآلمهآآآ ..
لوح بيده .. و هو يجتاز الدرج ..
- خلااااص روحي انتي ..
قطبت الخادمة قليلا تنظر له دون أن تتحرك .. قبل أن يعقد هو جبينه .. ناهرا اياها ..
- شعندج ..؟؟
هزت رأسها بفزع و تجاوزته للخارج .. و تبعتها عينيه يحاول السيطرة على نبضات قلبه المتصاعدة وتيرتها بجنون ..
تقدم من الباب .. و هو يجلي حنجرته .. نقر سطحه الخشبي مرتين قبل أن يدخل .. لسبب لا يعرفه ..!!
لكن ما ان تجاوز الباب حتى قفزت نظراته تمسح المكان الخالي .. الا من الجسد الذي مال على الفرن أمامه مباشرة ..
الآن شعر بأضلعه تتخلخل من فرط الضرب الذي راح يحدثه قلبه ..!
ببطء .. انتزع نظَّاراته عن عينيه .. ليرى طيفها دون حواجز ..
في عروقه سرت فرحة طفولية غريبة ..
لم يكن يرى الا قفاها ..
حتى شعرها كانت تضع عليه غطاء صلاةٍ كبير .. ستر نصف جسدها ..
الا أن سعادة لا توصف تغلغلت في عروقه ..
و هو يعلم أنه مخول برؤيتها ..
هذه الفتاة له ..
خُتم عليها بإسمه ..
له وحده دون غيره ..
يخصها و تخصه ..!
تنحنح دون شعور بصوتٍ مرتفع الا أنها لم تبدِ أي حركة..
توتر قليلا ..
كيف سينبهها لوجوده ..؟
أم ينتظر حتى تستدير اليه ..؟!
.
.
.
.
هي رغم شرودها اعتاد جزءٌ يسير من عقلها التنبه لأمور تغنيها عن السمع ..
منذ ثوان كان أحدٌ قد حجب بعضا من ضوء الشمس الذي يتسلل للمطبخ عبر الباب .. و استدارت لترى جسد الخادمة يطلع على الجانب الخلفي من البيت عبر الباب ..
لذلك لم تعر اهتماما .. حين خُنقت أشعة الشمس لثوانٍ أخرى .. معتقدة بأن الخادمة عادت للوقوف على الباب ..
كان الابريق قد بدأ الغليان ..
تراقب هي بهدوء فقاعاته المهتاجة .. تلتهم بياض الورقتين المحشوتين بالشاي .. بصبر ..
تأملت النار التي تحتضن الابريق الصغير .. و الأبخرة التي تتصاعد منه بكثافة ..
ابتسامة خفيفة مهتمة لوت زاوية شفتيها .. و هي تفكر بأنه لم يخطر لها يوما بأن تصوّر غليان الماء في ابريق ..
مؤخرا لم تذكر بأنها صورت الماء .. مع اشتداد حرارة الصيف ..
ستكون صورة الغليان جميلة ان اتخذت زاوية تلتقط فيها تصادم فقاعات الماء .. بهذا الشكل الثائر ..!
ابتسمت بخفة و هي توئد ثورة الفقاعات بإخماد النار أسفلها ..
و بواق كانت تحتضنه يمناها .. التقطت ابريق الشاي الساخن تحمله بحذر و احكام مستديرة ..
الا أن الحذر ذاك تبخر و هي ترتد للوراء بعنف حين أوشكت على الاصطدام بالبياض الذي كان يقف خلفها مباشرة ..
البياض الذي ما ان ميّزته حتى تفاقمت ردة فعلها المصدومة بقوة .. و هي ترتد شاهقة بذعر للوراء .. و الابريق يتأرجح بشكلٍ خطر في يدها ..
ناشرا قطراتٍ من لهبٍ صافي .. لتحرق ظاهر كفها مع الاهتزاز المفاجئ ..
لكن المهول في الأمر .. هو افلاتها الابريق دون شعور .. حين كوتها حرارة الماء على ظاهر يدها ..
لتنأى بجسدها مذعورة باتجاه الفرن وراءها .. و هي تضم نفسها باتجاهه ..
هي لم تسمع صوت ارتطام الابريق بأرضية المطبخ اللامعة ..
و نجت من شظايا الماء المتطاير لهبا ..
الا أن ثانية مضت أعلمتها أن الابريق قد وقع ..
و أنه دون شك .. قد انزلق نهرا حارا بينها و بين ذاك القابع ورائها ..
القابع ورائها ..؟!
و احتشدت الأنفاس في حلقها حين راحت أطراف ترتجف بعنفٍ شديد .. لا تجرؤ على الاستدارة للوراء ..
تضم يدها الصغيرة لصدرها حيث بدأت أضلعها تتخلخل تحت وطأة جنون نبضاتها ..
الصدمة التي لفّتها جمدت أطرافها و هي تشيح بجسدها عنه ..
في تلك اللحظة لم تعد تفكّر .. شلّت أحاسيسها ..
فقط تجاهد لالتقاط أنفاسا طويلة متقطعة حين أدركت أنها على وشك الاختناق ..!
.
.
.
.
يكويه الحريق وجعا في قدمه اليمنى التي اندلق عليها الماء الساخن للتو ..
لم تسعفه قفزته المتأخرة في تفادي الابريق ..
لكن ألمه آخر ما كان يفكر به ..
حين رأى جسدها الصغير المنزوي بعيدا يهتز مرتجفا ..
هل أصابها شي من الابريق أيضا .. ؟!
لم يكن غافلا عن الأذى الذي تطاير على يدها قبل أن تفلت الابريق دون قصد ..
تبا ..!!
كم هو مغفل ..!
ما كان عليه أن يباغتها بهذا الشكل ..
شعر باللهب يسري في صدره حين فكر بأن الوجع الذي يلسع قدمه يلتهم نعومة بشرتها الرقيقة ..
و ابتلع ريقه يدوس على ألمه و قدمه المتألمة ..
صوته الأجش خرج بنبرة خفيضة مناديا ..
- المها ..؟!
لم تصدر ردة فعلٍ واحدة أو أدنى استجابه على هتافه الرقيق ..
ثم استوعب غباءه .. حين تذكر بأن همسه لن يطرق مسامعها ..
فمد يده بهدوء ليلامس كتفها بخفة منبها ..
الا أن ردة فعلها المتفجرة أذهلته ..
اذ التَفَّت على نفسها بسرعة و هي تشهق .. ثم ارتدت بضع خطواتٍ للوراء ..
في تلك اللحظة انحسر الألم عن قدمه ..
و بُهت أمام انبلاجة الفجر التي أعمت شعوره ..
لم يكن يرى سوى جبين النور ذاك .. و عينان بعمق احساسٍ شج صدره .. و هو يطالع أحداقها المحمرة .. و أهدابها المبتلة ..
في حين ضمّت طرف غطاء الصلاة الكبير الملتف على رأسها .. لفمها و أنفها تستر به نصف وجهها ..
ما أربكه بحق ..
هي لمعة الندى في مآقيها ..
و رعشة أهدابها التي مالت بثقلٍ على نعومة خديها ..!
رباه ..!
هل احترقت ..؟!
دنا خطوة منها بلهفةٍ و قلقٍ لا يكبحهما ..
لترتد هي إلى الوراء أكثر ..
و تعاريج دقيقة تُنقش بعمقٍ على جبينها ..
توقف مكانه و هو يستوعب النظرة التي سكنت عينيها حين انكمشت على نفسها أكثر ..
ليدرك أن خطوط جسدها تفضح خوفا يتآكلها ..
و صدمته هذه الفكرة ..
لم يشأ أن يصدق سخافة مثل هذا الأمر ..
تخاف منه ..!
فاقترب بحذرٍ خطوة أخرى ..
لتتراجع مرة أخرى خطوتين للوراء .. و هي تطالع الباب وراءه بيأسٍ دامع .. فطر قلبه ..!!
توقف مكانه و هو يطالعها بصدمة ..
ارتعادها .. وغطاء الصلاة التي راحت تلملم أطرافه على ضآلة قامتها ..
كانت تشهق مجاهدة لالتقاط أنفاسها .. و أدمعٌ لا سبب لها تزدحم في مآقيها التي طالعته بخوف جلي ..
ابتلع ريقه بصعوبة غير قادر على التزحزح انشا واحدا ..
يطالعها بحذر .. كي لا يفزعها أكثر ..
لم يجد تفسيرا لهذا الخوف ..
أ يعقل أنها لم تعرفه ..!!
لا يظن هذا .. و الا لما كشفت عن صفحة الضياء التي تطالعه الآن ..
لم يكن واضحا ان كانت احترقت بفعل الماء الذي سقط توا .. أم لا ..
و فيما كان الحريق يلسع قدمه .. خلع حذاءه بحذر .. و هو يفكر بأن هشاشتها ربما ذابت الآن تحت مثل هذه الحرارة ..
شعر بأنه تائه لثوانٍ .. و غير قادر على التصرف ..
كيف له أن يسألها ان كانت بخير ..؟!
لا يريد الا أن يدنو منها قليلا ليتأكد أنها سالمة ..
لذلك تقدم ببطء شديد .. الا أنه تجمد في مكانه .. ما ان انفلتت شهقة من فمها .. و أدمعها المعلقة تنزلق على جانب وجهها ..
تيبست عروقه بصدمة .. قبل أن يتراجع خطوة للوراء .. و هو يرفع راحتيه في مواجهتها أمام صدره .. مهدئا ..
- خلااص .. خلاااص .. أنا بتم مكانيه ..
و اعتصرت قبضة من ألم فؤاده بقوة .. ألم حارق لم يشعر به يوما ..
لا يصدق بأنها خائفة منه .. هل تعتقد بأنه قادر على ايذائها ..؟!!
رفعت ظاهر يدها اليسرى لتمسح خدها الأيمن .. تمحو آثار بلل تلك الدمعة التي انفلتت للتو ..
ليتفسّخ شيء بين أضلعه ..
أراد أن يسألها هل احترقت ..؟!
هل يؤلمها الحرق الطفيف على ظاهر يمناها ..؟!
لمَ هي خائفة منه ..؟
لا يذكر بأنه فعل شيئا قد يدفعها للخوف ..
لم يلتقيها سوى ليلة عقد القران و كان واثقا من أنها لم تكن مذعورة منه هكذا ..!!
أراد بيأسٍ أن يسألها .. و أن تجيبه ..
أن يهدئ من روعها ..
لكن الايماءات تعوزه .. ليدرك فجأة بأنه لا يملك حرفا حركيا واحدا بين أنامله .. سوى سؤالها عن الحال ..
لذلك ارتفعت يده بسرعة .. و هو يلوح لها بيده اتجاه الابريق .. ثم يربت على يمناه .. و يرفعها مجددا في حركة سؤال ..
لكن رد الفعل الوحيد الذي قامت به .. هو أنها ضمت يمينها إلى صدرها .. و لا زالت اليسرى تشد طرف الغطاء لنصف وجهها ..
شعر بالتوتر يتضخم داخله .. و حاجز كالفولاذ ينتصب بينهما ..
الكثير من الايماءات تزدحم داخله .. و غير قادر على تحريك اصبعٍ بها ..
نظر إلى قدمه التي كانت تلسعه بقوة .. و حركها بحذر بعيدا عن الحذاء حين رأى بأن الجلد المحمر بدأ بالانتفاخ ..
رفع عينه مجددا لها ليجد أنها كانت تتابع موضع اهتمامه .. و نظرة الجزع تتفاقم داخلها .. و هي ترى الحرق الواضح الذي التهم قدمه ..
سحب نفسا عميقا .. و شعورا مغايرا بالانشراح يتغلغل خوالجه ..
قلقة عليه ..؟!
لوح لها مجددا باتجاه الابريق .. ثم أشار إلى قدمه .. و كأنه يسكب شيئا ما عليها .. قائلا ..
- ماااي حااار .. يطييير .. هنيييه ..
و أشار بسبابته إلى قدمه بتأكيد .. و هو يردد ..
- حاااااار .. آآآآآآآه ..
و أغمض عينيه بتمثيل للألم الذي يشعر .. لتفهم أن الحرق يؤلمه ..
قبل أن يفتح عينيه بسرعه .. و يكور قبضتيه .. يسألها ..
- ثلج .. ثلج .. ما عندكم ..؟!
كان ما بين حاجبيها الرقيقين يلتويان ببطء .. و هي تطالعه بشك ..
قبل أن يتلفت حوله قليلا ..
- ثلج .. ثلج .. !! هاي كيف أقولها ..؟!!!
أشار للسقف .. و هو يطالع عينيها اللتان لا تفارقانه .. الا أن السرور باغته .. و هو يرى أن نظرة الخوف تتزحزح لتحل مكانها نظرة أخرى ..
كان يلوح بفعل السقوط .. .. و قبضاته .. تتكور .. ثم يشير للسقف .. بايماءة اعتقد بأنه توحي بالنزول ..
ثم ضم يديه حول جسده .. وهزه قليلا .. يمثل الشعور بالبرد .. و هو يهز رأسه .. مكررا دون توقف كالببغاء .. ضاغطا على حروف الكلمة ..
- ثثثثلللللج .. ثللللللج ..
و طالع وسع المطبخ ليشير إلى الثلاجة .. إلا أنه كان خاليا منها ..
طالعها بقلة حيلة .. يريد أن يفتش عن ايماءة أخرى ..
حين اصطدم برؤية سبابتها النحيلة ترتفع ببطء مرتعشة .. تشير للجانب الأيمن من المطبخ .. اتجاه الباب الذي يضفي إلى ملحق المطبخ ..
.
.
.
.
ثلج ..!!
كان يمكنها استيعاب الكلمة مذ نطقها للمرة الأولى ،، قراءتها على شفتيه رغم ذعرها الذي لم تستطع السيطرة عليه كان سهلا للغاية ..
دون الحاجة للمسرحية المثيرة للشفقة التي قام بها للتو ..
نظرت مجددا لقدمه المحمرة .. حيث كان قد رفع ثوبه قليلا .. مظهرا طرف ازاره ..
لسعت دموعُ حارة مؤخرة عينيها .. و تصاعدت الغصة في حلقها ..
لم تنتبه لوجوده ..! باغتتها رؤيته بهذا القرب .. و لم تقصد ايذاءه ..
لو أنه نبهها بشكلٍ ما .. أو أن أحد أخواتها أخبرتها بقدومه بدل دفعه للمطبخ بهذا الشكل .. أو حتى انتظر على مسافة منها ..
لتجنبت ما حدث ..
الا أن وجوده المفاجئ .. و قربه أخافاها كثيرا ..
و زاولها خاطرً بأنه ربما لم يأتِ من الصالة .. بل قدم من الباب الخارجي للمطبخ ..!!
و عاد الذعر يتملكها ..
خوف يبرِّد أطرافها ..
شعور لا يمكنها تفسيره ..
في المرة الأولى كان هناك حشد معها ..
الأقربون الذين يشكلون حاجزا بينها و بين الأذى ..
لم تكن خائفة منه ليلتها بقدر ما كانت خائفة من خيبةٍ قد تصيبه ..
أو ندمٍ سيدركه ما ان يستوعب أنه أقدم حقا على الارتباط بصمّاء لن يقرع الصوت لها بابا ..!!
كانت خائفة من أن قبولها كان خطاً لا يغتفر .. بحقه .. و بحق نفسها ..
و تعاظم هذا اليقين .. حين مر يوما تلو الآخر .. و لا سؤال عنها يبدر منه ..
و لا تلويحة تأتيها رسولا عنه ..
كان لقاؤها الأول بها يتيما بشكلٍ موجع ..
وقف لدقيقة هناك .. بعد أن اختطف أنفاسها .. بلمسة حالمة ..
فسرتها بعدئذٍ بتوديعٍ معتذر ..
اذ انسل بعدها إلى الغياب تاركا شفافيتها .. و أحلاما الهشة .. عرضة لنهش الخوف الذي تآكلها يوما بعد يوم ..
حتى أيقنت بأن أي رسولٍ سيكون بينهما .. لن يحمل لها سوى تلويحةً منه .. و فراق ..!!
لكن حضوره هنا .. و كأنها استحضرته من أعماقها بأمنية .. أفزعها ..
اذ لم يكن طيفا باهتا كما كان في رأسها .. و لا بعيدا .. و هي المحمية كما التقته ليلة قرانهما ..
بل كان رجل ..!!
رجل غريب تماما .. يقف أمامها .. لا يفصلها عنه سوى خطواتٍ من خوف يعتريها ..
رجلُ يفترض بها أن لا تستتر منه بغطاءها .. كي لا تصبح مثارا لاستنكاره و سخريته ..
و أفزعها كم الحواجز التي انهارت بينهما بعقدٍ وقعته بيدها ..
لتسمح له طوعا باختراق عالمها الصغير ..
و تشرع له الأبواب ..
هو الذي قد يكون مقبلا بمنجلٍ ليحرث أعماقها .. و يزرع ألما مستطيرا .. سيقتلها ..
فجأة و أحاسيسها تستوعب حقيقة الغريب الماثل أمامها بملامحه الذكورية الخشنة .. بطوله الذي يفوقها ..
غريب ..
غريب تماما ..
لا تفقه شيئا عنه .. و عن أحاسيسه ..
عن تجاربه العديدة في الحياة .. أو حتى عمّا يخالجه بشأنها ..
للمرة الأولى تجد نفسها .. وحدها تماما .. في حضرة غريب ..
و يفترض بهذا الغريب أن يكون الأحق بأن يتغلغل في دواخل نفسها ..
هي التي ارتقبت بلهفة حضوره لليالٍ ..
و نحرها تجاهله التام لها ..
لم تفكر و لو لثوانٍ عما سيحدث ان التقته ..
و أي حديث سيكون بينهما ..
و هوّة سحيقة تسكن المسافات التي تصلها به ..
فجوة سوداء تسمى إعاقتها ..
تلك الهوة التي ستتساقط فيها الكثير من الأشياء التي قد يود أن يقولها ..
و الكثير من الاحاسيس التي سترغب بأن تصله ..
ملايين الأشياء ستهوى تباعا .. ليدرك يوما بعد يوم بأنه ناقص بشكلٍ غريب .. فقط لأنه ارتبط بعجزها ..
و اختنق النشيج المتألم في صدرها .. فيما ردع جفنيها الشاسعين صفاء أدمعها اللامعة ..
هي خائفة .. منه ..
و لا يمكنها أن تسيطر على إحساسها ذاك ..
جلي بأن ما تشعر به أربكه تماما ..
اذ أنه لم يتزحزح من مكانه .. حتى ليجد الثلج الذي كان يطلب توا .. !
.
.
.
.
هو كان منغمسا في لذة الاحساس الذي راح يسري في أوصاله و هو يطالعها دون توقف ..
لن يلام ..
و لن يردع ..
هذه فتاته التي تمنى ..
الحلم ..
الصفحة البيضاء الطاهرة التي لم يطالها عبث الدنيا الأسود بعد ..
أكثر ما كان يحب فيها .. و يحترق لهفةً عليه ..
هو الذي سيمسك بكفها الصغيرة ..
ليريها العالم خارج قمقم الزجاج الذي حبسها فيه أهلها ..
و اشتاق لأن يفعل ذلك ..
حنوٌّ صادق رنا على ملامحه و هو يتأمل انكماشها ..
أراد أن يزرع فيها طمأنينة ..
بأنه لن يؤذيها .. يقسم أنه لن يفعل ..
لن يجرحها ..
و لن يباغتها حتى مرة أخرى ..
أرادها أن تتحرك .. أن تطمئن بحضوره ..
و تدفع ذاك الخوف بعيدا عنها ..
أشار لباب الملحق .. و هو يردد بلهفة ملوحا بما ظنه سيعني جلب شيءٍ ما ..!!
- هاتيه .. هاتيه ..
ثم أشار لقدمه .. و هو يغضن ملامحه بألمٍ مصطنع ..
- حاااااااار .. آآآآآآآه .. آآآآآآآه ..
أي أنه لا يستطيع الحراك قيد أنلمه ..!!
لثانيتين ,, ارتقب رد فعلها بقلق .. هل ستتجاهله .. وتندس وراء ذعرها حتى يرحل ..
أم أن شيئا ضئيلا من القلق عليه .. و الرحمة سيحركها ..
و يدفعها للاقتراب ..؟!
و كاد وجهه أن يتفجر بابتسامة ضخمة حين تزحزحت خطواتها بحذرٍ بطيء اتجاه باب الملحق .. لكنه كبحها بجهد .. تحت نظراتها التي لا زالت تلوحه بقلق ..
ثوانٍ فقط و اختفت وراء الباب .. ليغمض هو عينيه و يطلق تنهيدة أبدية ..
متمتما بصوتٍ أجش ..
- يااا الله .. ارحمنييييييه .. فديتهاااا ..
و بسرعة غير متوقعة عادت و بيدها كيس نايلونٍ اكتسى ظاهره برودةً عَلِم أن ملؤه الثلج ..
سريعة للغاية ..!!
هل خشيت أن يلحق بها ..؟!!
ابتلع ريقه بصعوبة حين رأى قامتها الصغيرة تدنو متهادية ببطء اتجاهه .. يدٌ تعتصر الكيس .. و يدٌ لا زالت تثبت طرف الغطاء بعنادٍ على نصف وجهها ..
لتقف بحذرٍ على بعد خطوتين .. فتمد يمناها المرتعشة بالثلج .. لا تجرؤ حتى على الدنو منه ..
استقرت عينيه على نحول اليد البيضاء التي امتدت من البعيد بالثلج ..
لا تخطئ عينه الاحمرار على ظاهرها ..
أرخى جفنيه الثقيلين .. و هو يصر على أسنانه ..
تبا كم كان أخرقا حين أفزعها بهذا الشكل ..
بهدوء مد يده الكبيرة اتجاهها ..
الا أن أصابعه لم تلتقط الكيس المتدلي ،،
بل التفت على معصمها النحيل الذي شعر بأنه قد يتفتت بين أنامله ..
ليلتقط بيده الأخرى الكيس الذي أفلتته بشهقة و هي تحاول التراجع فزعا ..
.
.
.
.
و هزّها ذاك التيار بعنفٍ صعق حواسها ذعرا ..
حين شعرت بيده السمراء تمسك بمعصمها ..
قبل أن تحاول جر يدها .. كان قد قلبها ببساطة .. ليضع كيس الثلج على ظاهرها ..
يضغطه برفق ..!!
الا أن الخوف الذي لفّها .. أعمى شعورها ..
و هي تجذب يدها بقوة من ثبات قبضته .. و همسة لا تسمعها .. تنفلت مع أنفاسها المتهدجة و هي توشك على البكاء ..
- لااااا .. لااااا ..
و من القرب الذي اختصره .. رفع عينيه اليها باضطراب و هو يشهد خوفها ..
حين انتزعت يدها منه بعنف .. ضمتها لصدرها .. و قد أفلتت الغطاء الذي كانت تضمه لوجهها منذ أن دخل الى هنا ..!!
لم تستطع السيطرة على الدموع التي تزاحمت أمام ناظريها لتعميها ..
كان يقوم بتلويحاتٍ يقصد بها أن يهدئ من روعها ..
الا أن قربه هذا .. و لمسته .. أثارت فزعها بشكلٍ رهيب ..
لذلك لم تستطع الا الاندفاع و الالتفاف حوله .. لتتجاوز الباب الذي كان يسد بجسده الطريق إليه ..
تنشد الفرار عن شيء فاق هشاشة روحها ..
شيء شعرت به يكتسحها ..
أثار ذعرها بقوة ..
و لم تهدئ أنفاسها حتى و هي تتسلل إلى غرفتها بسرعة ..
لتندس فيها مغلقة الباب ورائها بالمفتاح ..
و كأنها تسد الطريق في وجه شيء راح يطاردها بشراسة أفزعت رقتها ..
لم تستطع التماسك و هي تنهار أرضا على ركبتيها تضم جسدها المرتجف بعنفٍ دون توقف ..
نبضاتها لا تهدأ ..
و دموعها تسري سيولا دافقة على خديها الصافيين ..
ربــــــــــــاه ..!
ما الذي أقحمت نفسها فيه ..!!
.
.
.
.
هو لا زال جامدا في مكانه مذهولا ..
و ملايين الأحاسيس تعصف بصدره ..
قلب الرجل داخله كان يخفق بضعفٍ كريه ..
و هو يطالع المكان الذي كانت تشغله منذ ثوانٍ قبل أن تنفلت من يده مخلّفةً ورائها بقايا شهقاتٍ مزّقت عروقه ..
أغمض عينيه بقوة يحتضن صورتها الأخيرة تحت جفنيه ..
ما الذي فعله ..!!
لقد دفعها للفرار ذعرا منه ..
كيف سيصل إليها الآن ..!!
كيف سيبلغ عمق قلبها الصغير .. و بأي سبيل ..؟!
يريد أن يسكنها كما تسكنه ..
و يستحيل هاجسها .. كما أرقته ..
أي وسيلة ستمكنه من ذلك ..
و عدة حواجز تنتصب الآن بِكِبَرٍ لتسد الطريق نحوها أمامه ..!!

* * * * *

<<

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 06-02-10, 05:30 AM   المشاركة رقم: 1107
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

تتمة






باغتها الارتباك الي راح يلسع نواحيها .. حين دلفت مأوى أوجاعها الجديد و راءه لتعلق عباءتها و الغطاء على المشجب قرب الباب .. و ألقى هو - غترته و العقال - على السرير .. ثم جلس على طرفه يسند كوعيه لركبتيه .. و يضع ذقنه على كفه .. و عيناه تطالعها ..
لم تجرؤ على مقابلة نظرته ..
ليست مستعدة بعد ..
و عزائمها التي شحذت صباح اليوم .. في نية تجاهله .. و أخذ موقع القوة كي لا ينتهك ما تبقى من كرامتها ..
تخاذلت أمام نظرته التي شعرت بها تثقب ظهرها بحدة .. حين جرت خطواتها حتى توقفت أمام طاولة الزينة ..
المكان الذي خطر لها بانها قد تجد شيئا تفعله هناك ..
فراحت تتشاغل بفك الأساور في يدها .. و العقد عن جيدها ..
اكتسح حواسها خجلٌ شديد .. و هي تشعر بهواء التكييف يلفح رقبتها و نحرها ..
شعرت بحرجٍ عارم من أن تقف أمام رجلٍ بمثل هذه الملابس ..!!
هل كان عليها أن تخلع عباءتها فور دخولها ..
لماذا دخلت إلى هنا ..؟!
لمَ لم تجلس في الصالة الصغيرة التابعة للجناح الذي خصص لهم .. حتى تتأكد من أنه قد نام ..؟!
بعد تردد اختلست نظرة سريعة لانعكاس صورته على المرآة ..
اجفلت بقوة حين اصطدم ناظريها بالبياض الذي كان يقف خلفها .. و لا يفصله عنها الا خطوتين ..
جف حلقها .. و راحت ركبتيها ترتعش ... فيما تعسرت أنفاسها ..
و الدم الذي تدافع بعنفٍ في عروقها .. لذع خديها بحمرةٍ كاسحة ..
شعرت برقبتها و جبينها يحمرّون أيضا ..
حين استدارت .. برجفة لتواجهه .. تضع يدا على صدرها .. و تبتلع ريقها .. و تشتت نظراتها في المكان بعيدا عن العينين اللتان راحتا تحدجانها بتلك النظرة الغريبة ..
احراج مهلك خالط الخوف العميق فيها .. و هي تتساءل عما قد يكون وراء نظراته الممعنة هذه ..
حتى أنها لم تجرؤ على اختلاس النظر مجددا اليه ..
فقط حاولت عبثا ستر رقبتها و نحرها براحتيها .. و هي تزدرد أحاسيسها المتوترة ..
و نظراتها تنكسر للأرض .. لا تملك الجرأة على تخيل ما قد يقول أو يفعل في أول مجابهة و خلوة بينهما .. فليلة الأمس لم تكن سوى كارثة ..!
الغريب أنها لم تشعر حتى بأن أوجاعها .. تراجعت للوراء أمام جزعها و ارتباكها ..
تتحفز حواسها ترقبا لما سيبدر منه ..
و في تلك اللحظة أدركت بأن القادم كله سيتوقف على ما سيقول .. سيرسم بيده نهج التعامل بينهما ايا كان نوعه ..!
.
.
.
.
و تضاعف الاشمئزاز في نفسه .. و هو يراقبها تلملم أطراف الخجل ..
و تشتت نظراتها بارتباك عروس حقيقية ..
أ و حقا تظن بأنه قد ينظر إليها ..
لم ينحدر به الجوع حتى يقتات فضلات الآخرين ..!
هل ارتدت الأبيض .. و نقشت الحناء .. و ذرفت على أعتاب الطهر دمعتين أمامه .. لينكسر شفقة عليها ..؟
أ ترى أنه من السهل عدم رؤيتها مسربلة بالعار ..؟
نقوش الحناء التي امتدت من أطراف أصابعها و التفت على ذراعها حتى اختفت تحت الكم الواسع .. تعرشت كنيران مستعرة في صدره ..
هذه الذراع ليست بالطهارة التي تبدو عليها ..
هذه الذراع ملطخة بلمسات ذاك المنحط .. و ربما موشومة بخطيئة قد تكون ارتكبتها سرا ..
خطيئة جعلتها لحما رخيصا و استدرجت أفواه الكلاب لها ..
و دوى السؤال في جوفه بصراخ مزّق روحه .. و هو يطالع ارتباك ملامحها الكاذب بعينٍ كارهة ..
كيف طالتها أيادي السوء دون غيرها ..؟!
أتكون هي التي انحدرت إلى متناولها ..؟!
احساس بالنفور تعاظم داخله و عيناه تتلقفان ما أبهره في لحظة غفلةٍ منه .. لتساويه بأحاسيس ذاك الحيوان ..
لو أنه فهم إحساسه لأدرك أن غضبه الأكبر كان من نفسه ..
الا أنه كان يوجه مشاعر الغضب و النفور اتجاهها .. و أكثر ما كان يقتله .. هو نظرة البراءة السمجة التي لا تطاق .. تلك التي ترتديها ..
و ذاك الخجل و الارتباك .. الذي أثار غثيانه ..
و راودته رغبة مجنونة في القتل ..
الا أن القتل لم يكن في متناول يده ..
بل كان في متناول كلماته ..
لذلك كانت حدة النصل البارد الذي شحذ مؤلمة ..
حتى و هو يضعه بغتة على عنق الشعور ..
لينحره ..!
.
.
.
.
- ليش خايفة ..؟!
كانت يدها التي تضع على صدرها ترتجف .. حين لسع السؤال البارد أطرافها ..
ابتلعت ريقها .. تجلي حنجرتها قبل أن ترد بصوتٍ خافت .. لا أثر للتماسك فيه ..
- هب خايفة ..
لم تكن تنظر اليه ..
لذلك لم ترى التواء ملامحه الساخرة ..
يقول بصوتٍ بارد .. و بريق عينيه يعكس أي مرارة يكتوي بها ..
- ليكون بس مستحية ..!!!!
لم تستطع الرد الآن .. و نظراتها تلتصق بأطراف فستانها المترامية على الأرض ..
فيما يصل الاحمرار إلى منابت شعرها ..
الحقيقة أنها تود لو يتنحى قليلا .. لتجلب شيئا تستتر به .. فوقوفه بهذا القرب جعلها تشعر بأنه يشرف على تفاصيلها ..
و خجلت كثيرا التظاهر بأن الأمر لا يضايقها في حين أنه كان كذلك ..!!
ثوانٍ من الصمت فقط ..
ثم شعرت بأن أحاسيسها تبتر بعنف كلماته التي هوت كهراوة ثقيلة على رأسها المطرق ..
ليُفرم احساسها الأخرق بالخجل ..!
و تنفجر دماء الشعور ..
تنتثر قطرات تعلقت .. تسبح في الهواء أمام عينيها المصدومتين ..
- تعرفين انيه مستحيل أطالع وحدة شراتج .. لو كانت واقفة بقميص نوم ..!
اللون الذي كان يصبغ وجهها منذ ثوانٍ انحسر ببطء ليتركها بشحوب الموتى ..
تخشب جسدها حين أصبح الهواء معدوما فجأة .. و قبضتها تشتد على صدرها حتى أوشكت على تفتيت أصابعها ..
كأنه حشر الكلمات في حلقها ..
اهانته القاسية المباشرة .. أفحمتها ..
ألجمتها ..
لم تجد القدرة على التنفس .. أو الرد ..
و حدقتيها تجحظان حتى أحرقها الدمع ..
و رعشة بدأت تلم بأطرافها المتراخية بصدمة ..
كان قوله قاتلا ..
(( وحدة شراتج ))..؟!
و ابتلعت الدمع المر .. و الصورة تهتز أمام ناظريها ..
الا أنه لم يمنحها الوقت لتستوعب وجع الطعنه و هو يباغتها بأخرى ..
- لنه ما فيه ريّال تحق له نفسه يطالع وحدة ...
و صمت متعمدا .. تاركا لمخيلتها ملئ الفراغ بالتعبير المناسب ..
احتقن الوجع المر في صدرها ..
هذا الرجل الذي وعدها يوما بأنه سيرعاها ..
و أنه سيطويها تحت جناحه سترا ..
و لن يمسّها بأذىً الا إذا بلغ أقصى الصبر ..
ترصّد أول خلوة .. ليرشق وجهها بالعار الذي التصق بها دون ذنب ..
خرجت الكلمات المتقطعة من فمها .. و هي تمسك بدموعها ..
كلماتٌ بائسة مثيرة للشفقة .. الا أنها انبلجت من أعماقها في محاولة يائسة لاسكاته قبل أن يتمادى في إيلامها ..
- ااننزيين .. ببـ.. ببسس .. خخـ.. خلااااص ..
تبا له ..
ليس له الحق في اهانتها بهذا الشكل السافر ..
لم يجبره أحد على تحمل هذا الوضع الكريه مثلها ..
اجتاحها بؤس هائل .. و دمعة هزيلة تنزلق على جانب وجهها ..
حين زحف صوته في تشفٍّ واضح ..!
- خلاص ليش ..؟ بتسكتينيه ..؟ أنا ما يبت غير الحق .. انتي تعرفين انيه ما بلمسج لو خلت الدنيا من الحريم .. المستحى و الخوف .. خليها لهلها ..
أ هذا وعده لها ..؟!
أين تبخرت شهامة تلك الليلة .. حين تكسرت هي على حدود عالمه ..
تتوسله أن يعفيها من ذل العيش معه و تعتقه من وعده ..
تلك الوعود المبهرجة التي تلاها ليلتها ..
أخبرها بأنه سيكرمها ..
و أنه ابن عمها ..
و أخيها الذي سيصون ..
و أنه اختار بارادته الحرة أن يستر عليها ..
لأنه الذي يريد الستر لأخواته ..
الا أن ما يقوله لا يمكن أن يلقيه على مسامع أخواته ..
هذه الكلمات لا تشتم بها الا ذوات الخطايا ..!!
و تهدج صوتها .. و هي ترفع رأسها له ..
وجه موشوم بالجرح البالغ .. و عينان التمع فيها بريق ملايين النجوم الآفلة ..
وانكسرت كلماتها بألمٍ فادح ..
- عيب عليك ..!
نظراتها المجروحة تلتقي الوجه الصخري البارد الذي طالعها من هذه المسافة القريبة ..
لم تكن قامتها الطويلة تناهز ارتفاعه ..
إلا أنها تطاولت على الألم تشمخ بذقنها رغما عن الذل الذي يجثو على صدرها ..
و يقين واحد حُفر داخلها و هي تلتقي احتقار نظرته .. أن هذه اللحظة التي ستحدد المصير ..
كما ارتقبت هي بقلق ردة فعله لتعلم أي نهجٍ سيتخذ ..
علمت أن ردها الآن هو الذي سيحدد موقعها بالفعل .. ان كانت رقبتها ستصبح تحت رحمة اذلاله ..
أم أنها ستضع حدا لتطاوله المؤذي بمثل هذه الكلمات دون داعٍ ..
و كرهت أن تنكسر أمامه في أول مواجه ..
كرهت أن تريه بأنه قادر على تمريغها بالاهانات متى اشتهى ..
لذلك ارتد صدى كلماتها بوجعٍ أكبر لم تستطع محوه من كلماتها ..
- و الله عيب عليك الرمسة اللي قلتها ..
أ و لا يخجل من أن يمنَّ عليها بستره ..؟!
اجتاحها رده برودا مزدريا .. اقشعر له بدنها ..
- انتي اللي بتعلميني عن العيب ..؟
خلال أشهر الملكة الطويلة لم يتطرق يوما للحديث معها بهذا الشكل المزدري الكاره ..!!
لم يحاول يوما أن يتحرش بها .. ليفتعل شجارا .. أو جدالا قد يسعى خلاله لمعايرتها بما حدث لها ..
إلا أنه اليوم بدا غريبا للغاية ..
و كأن قناعه قد أُسقط ..
يسعى جاهدا لتجريحها و امتهان كرامتها ..
لم تدرك حقا هل كانت كلماته مجرد تنفيس عن قهرٍ به ..
أم أنه بتحقيره هذا يحاول قمعها في قعر الذل لحاجة في نفسه ..؟!
في قرارة نفسها شعرت بأن هذه الثورة مجرد لمحةٍ طارئة ..
جليٌّ بأنه يستفزها .. يريد أن يفرغ انفعالا ما على رأسها ..
بالأمس لم يكن متسلحا بهذا الاحتقار و الازدراء البارد حين كانت في ذروة ضعفها ..
لو كان يقصد حقا أن يريها حجمها في عينه .. لفعل ذلك بالأمس ..
لا تبدو على سحنته الرحمة التي قد تجعله رءوفا بها في تلك اللحظات ليؤجل تهشيمها ..
الا أن ذاك اليقين لم يورثها الا جرحا أكبر ..
هو غاضب الآن .. اذا لا بأس بأن يفتت كرامتها في سبيل تبريد حر ما يشعر به ..؟!
ذاك الخاطر استفز روحها ..
وخوفها الأزلي من أن تصبح ممسحة لأقدامه يتجلى أمامها ..
ليس هذا الرجل الذي اتصل بها قبل أسبوع يخشى أن يؤذيها ..!!
يرجو صفحها قبل أن يخطئ ..
هذا الرجل بوجهٍ بديل ..
كرهت أن تضعف أمامه .. فيعتاد ارتداءه ..
الهزة الضعيفة في صوته تبخرت و هي ترفع عينيها اللتان أصبحتا جافتان فجأة بشكلٍ غريب ..
- عيب عليك تعايرنيه بشي ما سويته .. عيب عليك هالرمسة تقولها لبنت عمك ..
لكن ما صدمها و جعل الدماء تجف في عروقها .. هو رده المحتقر ..
- و أنا شوه درانيه انج ما سويتيه ..! و بنت عميه ع قولتج لو كانت حاشمة عمرها عن الدنايس ما صار لها اللي صار ..
بهت وجهها بصدمة كاسحة .. و كلماته تكتسحها ..
و استندت بيدها على طاولة الزينة خلفها حين شعرت بأنها توشك على التهاوي ..
فمها يتدلى بذهول .. و عيناها تجحظان بصدمة ..
حتى الأنفاس انفلتت بعيدا ..
شعلة ضئيلة كانت تضيء أعماقها .. انطفأت ..
و ساد ظلام ..
.
.
.
و من وراء سحب أحزانها السوداء ..
تناهت لها صورة النور تلك ..
التجاعيد الغابرة البعيدة ..
و الملامح السمراء المنهكة ..
و عينان قديمتان .. كادت تنسى تفاصيلها ..
بنظرتها الضيّقة المتمعنة .. الشاخصة للبعيد ..
البعيد الذي لا يراه سواها ..!
و اكتسحتها ذكرى اليدين الجافتين المتشففتين ..
سمراوان معروقتان .. أوشكت على الشعور بخشونتها بين أناملها ..
.
.
لكن ما فطر قلبها هو الصوت الأجش الخشن الذي ارتد صداه بين جنبات صدرها ..
بغلظةٍ رجولية مؤنبة ..
و هي تعود فجأة للوراء ..
عمراً ..
و تشعر بغطاء رأسها المنزلق يعاد بعناية .. و حزم إلى رأسها ..
.
.
(( البنت الحشيم ما تلبس شيلتهاا زينة و منظر .. تلبس شيلتها لنها تخاف من رب العالمين .. و انتن حشاام و تخاافن رب العالمين .. درب الدنايس هب دربكن ))
.
.
و ارتجف قلبها بعنف .. و ملايين الغصات تنفجر في صدرها .. و هي ترخي جفنيها بشعور لا معقول بالرفض ..
تستوعب أن الرجل الذي أبدى تسامحه و تفهمه يوما لمأساتها ..
و ادعى أنه راضٍ بقدرها ..!
بتهمها سفورا بارتكاب الاثم ..!!
بل يحشرها قسرا في رداء الرذيلة فقط لارضاء نزعةٍ لا تدري ما هيتها ..
لا تدري ان كان يخطط لذلك قبل الزواج بها - أي مهاجمتها بهذا الشكل - ,,
أم أن كلماته هذه وليدة اللحظة الغاضبة ..
لم يهمها ذاك و شعور مفاجئ بالقوة يسري في عروقها .. و هي تشعر بأن وحشية غريبة تنبض في أعماقها حين طالعها وجهه الكاره ..
وجه اعتصرت أناملها النحيلة تردعها عن القفز لتشويهه ..
و تلميحه السافر يطعنها بعنف ..
و يشق ضعفها ذاك دون رحمه ..
فيظهر صلابة باطنه ..!
هي التي ترعرعت على يدي ذاك الكبير .. لن تخذل تعاليم الدين الذي زرعه داخلها ..
هل يظنها فسقت بعد موت والدها ..؟!
باحتقار كسى ملامحها طالعته .. و قد تضاءل حجمه فجأة ..!!
ابن عمها الخارق .. أصبح مجرد متباهٍ تافهٍ في عينها ..
كالنساء يعايرها بالكلمات دون تقدير ..!!
و اشتد عودها و هي تصلب قامتها الرفيعة ..
تنفث من بين أسنانها أحرفها لهبا .. شعرت به يحرق شفتيها ..
- بنت عمك أشرف منك و من أفكارك الوصخة .. ثمن رمستك قبل لا تعقها ..
بدا و كأن كلماتها و رد فعلها أشعلا فيه فتيلا .. فطالعها بازدراء يبادلها الاحتقار ..
- رمستيه مثمننها قبل لا شوف هالويه .. و الشرف لا ترمسين عنه .. خليه لهله .. اللي شرواج ما يعرف الواحد شوه من علوم تحتها ..
قاومت باستماتة رغبتها في البصق على وجهه .. و اهتز شيءٌ من احترامٍ كانت تكنه له خفاءً ..
- الشرف أنا أهله .. و اللي شروايه ما اطول علومها ..
و علمت أنها تجاريه الآن في استفزازه و تحقق رغبته التي شعرت بها منذ البداية ..
و ها هما ينزلقان نحو هوة ..
أي فعلٍ سيعقب هذا الارتداد المخيف للكلمات المهينة القاسية ..
سقوطً ربما ..؟!
لمـــــــــن ..؟!
و أدركت أنها فجأة ترتجف بعنف ..
من فرط الانفعال ..؟ الغضب ..؟ أو خوفٌ من الموقف الذي أخذ بالتصاعد حين انطلق الشرر من عينيه ..؟
و اعتصر يديه يبقيها الى جانبيه بقوة .. و هو يحذرها من بين أسنانه .. و وجهه يوشك على الانفجار غيظا ..
- لمي ثمج .. قسم بالله ميود عمريه .. لا تخلينيه أغلط عليج ..
اندفعت غصة مفاجئة لحلقها مع تهديده .. حاولت تبديدها .. و هي تنظر له بخيبة مريرة ترد بحدة ..
- ليش انته ما غلطت الحينه و خلصت ..
و ابتلعت ألمها بقوة .. حين تهدج صوتها .. سحبت نفسا عميقا .. لتعود و تقول بصوتٍ يتهاوى ..
- بالله عليك انته ما استحيت ع ويهك .. و انته شاد حيلك من تو بالرمسة لي قلتها ..
كانت تنظر لوجهه بعينين لا تزيغان رغم ضبابية غلالة الدموع التي انسدلت عليها ..
و انكسر صوتها بضعفٍ كريه .. احتقرت نفسها لأجله .. و هي تشير لصدرها ..
- انا اللي هب حاشمة عمريه عن الدنايس ..؟ و انا اللي شروايه ماله شرف ..؟!
رفعت سبابتها في وجهه .. و دفء دمعةٍ أخيرة ينزلق على جانب وجهها ..
و شعورٌ مرًّ كالعلق .. بالظلم .. و الغبن يكتسح نواحيها .. و يهشم قوتها ..
- أنا أشرف من الشرف لو ما تدري .. أنا غيرك ما شاف طرفيه .. حاشمة عمريه و متسترة .. أبوية الله يرحمه ما هملنيه مثل ما هملوا غيري .. ربانيه خير ما ربوا العرب .. و لونيه هب خايفة من أبوية عقب موته أنا خوفيه من ربيه .. شوه ذنبيه أنا في اللي صار ..؟ بالله عليك ما تخبرنيه ..؟؟! أقولك غصبن عنيييييه ..!!!
سكتت لثانيتين تبتلع الألم الذي هدر في صدرها و حلقها الآن .. تلتمس ثباتا خادعا ..
- ما بيلس أدافع عن اللي استوى ليه زود .. أنا واثقة من عمريه .. و كانه صابك شك منيه .. فبينا رب العالمين .. بنتحاسب عنده يوم الدين .. لا تيلس تعق رمستك عليه و تظلمنيه .. خاف ربك .. انا من لول قلت لك .. ترانيه هب ناقصتنك .. و لا ناقصة هم منك .. انا ما بقى ليه غير كرامتيه .. لو بتيلس كل ساع تشرشحنيه بهالرمسة .. فأخيَر ليه ما ترد طلبتيه لوليه ..
و رفعت رأسها بشموخ مهتز مع ظلالٍ وقعت على وجهه .. و هي تقول بقوةٍ نبعت من احساسٍ بعيد كل البعد عن مشاعرها المنهكة في تلك اللحظة ..
- طلقنيه ..
.
.
.
.
كان جسده يتصلب مع كل حرفٍ راحت ترشقه به ..
ارتعاشات خوالجها أخجلته بشكلٍ غريب ..
حتى و هي تنظر له بخيبة ..
تلك الكلمة التي ختمت بها خطبتها المؤثرة بدت تافهة للغاية ..
و هو يرى بعينه استحالة تحقيقها .. هل تفر من فضيحة لتقفز في أحضان أخرى ..؟!
أ و يستر هو عليها .. ليفضحها بدوره .. ؟!
كان ذاك الغليان في صدره لا يهدأ و أمر مهم كان نصب عينيه في تلك اللحظة .. ان لم يعرف التفاصيل .. و لم يسمع الحقائق فسيجد صعوبة كبيرة في تجاوز الأمر و تصديقها ..
فيغتاله شكه الجديد بخطيئتها في كل ثانية ..
تجاهل كلماتها الأخيرة .. و أطلق سؤاله المتجمد الحارق ..
- لو انتيه صادقة .. خبرينيه كيف استوى اللي استوى لج هااا ..؟!! خبرينيه كل شي ..؟ وين حصلج ولد الكلب عسب يسوي سواته ..؟ من وين لفا عليج لو انتي ع قولتج حاشمة عمرج ..؟ خبرينيه شوه اللي صار ..!!
.
.
.
.
و جمد البرد أطرافها ..
رقائق ثلجٍ انهمرت داخلها ..
و اكتسح الجليد مدائن الإحساس ..
يفترش الأسقف و النوافذ ..
في حين سد شعورها بالبرد الأبواب في وجه الضعف الكامن داخلها ..
ليصبح حبيس الأضلع فلا يطل من عينيها سوى البرد العاصف ..
يريدها أن تخبره ما حدث ..!!!
أن تتلو عليه المأساة ..
و أن تتغنى بأوجاعها أمامه ..
هي التي لم تقدر يوما على البوح بذلك في نفسها .. يطالبها بأن تحكي له تفاصيل الألم المقيت الذي يجتر الروح منها ..!
ما الذي يظنه ..
أنها ستجلس في زاوية .. و تذرف دمعتين .. و تسرد القصة بحثا عن تعاطفه ..؟!
هي التي نُحرت حتى العرق الأخير .. حين أُجبرت يوما على سرد ما حدث على مسامع أخيه الأكبر ..!!!
و تخشبت و هي تمعن في ملامحه ..
لتدرك أنها تقف أمام هذا الرجل الغريب تماما عنها ..
هذا الرجل .. في أول يومٍ لها معه .. يطالبها بأن تشق صدرها لتجترح البوح من عمقه ..!!
و أذهلها أن يكون هذا هو سبب الضجة الذي يفتعلها منذ دخوله ..
رغبة أنانية تافه في إرضاء فضول الرجل فيه ..
الآن ..
و بعد أن قبل ايوائها تحت جنحه .. يطالبها تفسيرا لما حدث ..؟!
أين كان قبلا ..؟! أم أن ثقته دفعته للظن بأنه ستضعف أمامه الآن حين اختلى بها .. فتخبره ..!
خيبة ..
خيبة ..
خيبة ..!!
و خرج الصوت الصدئ تتبعه أعاصير الثلج منبثقة من بين شفتيها الحارقتين ..
- الحين كل هالحشرة بس عسب تعرف شوه اللي صار ..؟!!
و امتنت في داخلها أن أخاه لم يخبره شيئا ..!! لم يسرد تلك التفاصيل المشينة على مسامعه ..
وفى بوعدهِ ..!!
فجأة ..
لم تعد تتنفس ..
و لا ترمش ..
و لا تنبض بالحياة ..
مجرد كلماتٍ ميتة تساقطت من ذبول شفتيها ..
و خذلان عينيها ..
بطيئة للغاية .. كالموت الذي سرى في أطرافها ينمل فيها الشعور ..!!
- انته ما بتعرف شوه اللي صار .. و لا بتظهر كلمة وحده منيه .. لا الحين .. و لا بعدين .. اللي صار ما لك دخل فيه .. و لا تيلس تتنشد عنه .. كل اللي يهمك عرفته .. شوه اللي تباه بالتفاصيل ..؟! تذلنيه ..؟ أنا ما بدليلك رقبتيه .. لي وصلنيه منك اليوم خلانيه أعرف ان رمستك لوليه كلها فاظية .. وين اللي حالف ان الظيم ما يينيه من صوبه ..؟! وين خوية اللي بيظمنيه في بيت أبوه .. و ين اللي يباليه الستر و انا اللي شرات خواته ..؟!
و اشتد فكّها رغم أن نبرتها المتزنة الهادئة الثلجية لم تكن تعلو .. الا أن لها وقعا كالصراخ أدركته و هي ترى وجهه يكفهر ..
- انته تعرف ان اللي صار كله غصب عنيه .. هب من الحين .. من قبل لا تخطبنيه و تدق الصدر و تشد عزومك .. هب لنك متضايق من شي .. تيي و تفك الحرّة فيّه و تتحرانيه ببلعها و أسكت .. انا هي مستعدة أتحمل شتايمك هاي كل مرّة .. انته ما غلطت عليه بس .. غلطت ع ابوية .. و ع تربيتيه .. و ع اهليه كلهم .. و يوم تقول انك ما تدري لو ان اللي صار بسبتيه .. فانته ما بتدري .. تعرف ليش ..؟! لنيه هب مستعدة أبرر لك أكثر .. و لا أرضي فضولك ..
كانت الكلمات تتزاحم في ذهنها ..
ملايين العبارات راحت تتدفق من شتى نواحيها ..
من ألمها الكامن ..
من الجرح العميق و الاحساس الكريه بالمهانة ..
من الخيبة العظيمة التي ألمت بها ..
و من صدمتها المفاجئة .. باتخاذها موقع القوة بهذا الشكل ..
لكن أهم فكرة خطرة ببالها هي وحدها التي انزلقت من فمها ..
فكرة لطالما راودتها مرارة ..
و احتراق ..!
- أدري انك باغظنيه .. بسبة اللي صار ليه .. و محتقرنيه .. و تشوفنيه ما أسوى .. انا اللي حاشمة عمريه طول هالسنين .. و ساترة نفسي .. و خايفة ربيه .. بس زلة من الغير ضيعتنيه .. في خاطريه أعرف .. لو كنت أنا الصايعة الضايعة .. اللي ما خليت ريال ما رمسته و ظهرت وياه .. حبيت فلان .. و رابعت علان .. بس ربيه ستر عليّه .. و خذتك و أنا بنية .. بتطيب نفسك بس لنيه عذرا ..؟! سواد الويه .. عادي ..؟! أنا عذرا روح .. و نظيفة .. و الدنايس ع قولتك ما وصختنيه .. و ما هميتنيه .. لااا انته .. ولا أفكااارك .. و........
لم تستطع أن تكمل ..
تقطعت أنفاسها بألم مبرح .. و هي تشد على شفتيها الحمراوين وسط شحوب وجهها ..
.
.
حقا ..؟!
لمَ كان على العذرية أن تكون عذرية جسدٍ فقط ..؟!
ماذا عن الاحساس ..؟!
بغايا الشعور اللواتي يبعن الحب كلماتٍ معسولة .. و الجسد في منأى لرجلٍ مُسْتَغفل سينتهين بزواجٍ معه يوما ما ..
في أي مستوىً يُصنفن يا ترى ..؟!
أعلى من المنتهكات ..
الغافلات ..
التي شُقت ستائر حشمتهن و الستر عنوة ..؟!
ماذا عن عذرية الشعور العفيفة ..
عن طهارة الاحساس الغض الذي لم يدنسه مخلوقٌ قط ..؟!
خيطٌ و انقطع .. رمى بهن في الدرك الأسفل من القبول ..
ليرفع أرصدة عذارى جسدٍ فاسقات شعور ..!!
.
.
ربـــــــــاه ..!
أ و يستوي الخبيث و الطيب ..؟!
.
.
و بعبرةٍ أخيرة .. قاتلة ..
مريرة ..
تهدج صوتها ..
و هي تذكره بوعده القديم ..
- انت قلت ما بتمن عليّه بسترك .. و لا بتذلنيه .. لو انك هب قد هالشي .. ليش ما فكيت عمرك من لول .. أنا قلت لك خلااااص .. ما ريد أعرس .. محد بيعرف باللي صااار .. ليش ..؟؟ بس عسب تذلنيه ..؟
.
.
.
.
لو أن كلماتها قيلت في غير مناسبتها هذه .. لأتخذ فعلا آخر ..
لكن الآن .. أمام طوفانٍ من الألم راح ينضح من عينيها ..
و يتوهج من الإحمرار الحارق الذي ترتديه .. و من كلماتها ..
لم يكن ذلك سوى استفزازا للنخوة الكامنة في أعماقه ..
تلك التي كساها الغضب للحظات .. تبعثرت أغبرة الغيظ من فوقها ..
الا أن الجرح الذي كان يسكنه كبيرا ..
يصعب عليه تجاوزه ..
لم يحلم قط أن الأمر سيكون يسيرا عليه ..
لكن أن يكون بهذه الصعوبة القاتلة .. لأمر مدمر ..
حتى الأمثولات العديدة التي راحت تستشهد بها .. لم تخترق الا جزءا يسيرا من جبلٍ راح يتراكم على صدره هما ..!!
كان صوته غاضبا .. و فورة تتعاظم على ضعفها .. و تسلطه ..
على لحظةٍ زل فيها الشعور جهلا .. ليورثه هذا الشعور الكريه بأنه قد لا يكون مختلفا كثيرا عن ذاك الحيوان ..
- شوه تبينيه أسوي بج ..؟؟ من لول خبرتج انه صعب عليه أنسى السالفة .. شوه اتحرينها هينه عنديه ..؟؟ بنت عميه لي اسمها حرمتيه متعدي عليها واحد من الـ×××××× .. تبينيه أشوفج تحت عينيه و في بيتيه .. و ما أفكر كيف وصل لج ..؟ شوه سوابج ..؟ و شوه اللي شافه منج ..؟
من بين ارتعاشات أهدابها .. و شفتها .. خرج صوتها المبحوح مختنقا .. ليزيده ذنبا على ذنب ..!
- قلت بتتحمل .. بتحاول ع الأقل .. هب من أول يوم تيلس تسفه بيه كذيه ..!!
أمسك جبينه بقوة .. يضغط شيئا يوشك على الانفجار في رأسه ..
و صراخ أهوج ينطلق داخله .. بمرارة ..
- ماااا رمت .. مااااا رمت أتحمل .. من شفتج واقفة كذيه ذكرت انه سبقنيه و شاف أكثر .. اتحرين هالشي هين ..؟! أنااا رياااال ..
أغمضت عينيها بقوة .. و صوتها يرتفع قليلا تقاطعه .. يختلط بزختين من مطرٍ أسود انزلق على شحوب بشرتها البيضاء ..
- الريال يكون عند كلمته .. يدوس ع نفسه .. انته وعدتنيه .. ما تاذينيه بالرمسة .. ما حسيت بعمرك شوه كنت تقول ..؟! شككت بيه و بتربيتيه .. خليتنيه الخايسة اللي دارت ع عمرها الين صار اللي صار .. انا هب كذيه .. و انته تعرف هالشي .. ليش قلت اللي قلته ..؟!!
و انكسر صوتها ..
و شيءٍ مجهول في أعماقه أيضا ..
و هي تهمس ..
- قلت انك ما بتذلنيه .. ليش انزين ..؟ ليش ..؟
و كأن قطار مر على صدره بعد كلماته .. شحب وجهه و هو يتراجع بهدوء ليجلس على طرف الفراش و يتكئ بكوعيه على ركبتيه ..
يجر أنفاسه بصعوبة تخنقه ..
احساسين يتنازعانه بذات القوة .. و الوحشية ..
أحدها أنها لسبب أو لآخر مخطئة ..
فإن لم يكن لها يدٌ في ما حدث لها ..
فوجودها وحده على وجه البسيطة بعد ما حدث لها أكبر خطيئة .. و لا يستطيع ابعاد هذا الخاطر عن باله ..!!
و الآخر .. ليّها لذراع الشعور داخله .. ليتكسر أمام توسلها نخوته ..
و استفزازها لوعوده السابقة ..
أ و كان يعلم حين أطلقها بأن الأمر سيكون أكبر منه ..
و سيفوق حدود الاحتمال بهذا الشكل المؤلم ..
ما الذي يفعله بها ..!!
ما الذي يفعله بتلك الأحاسيس الموجعة التي تعربد داخله ..
تلك الكراهية التي تلهب ذاته قبل أن تبلغها ..!!
كم يكره ما شعر به لثوانٍ ساوت بينه و بين ذاك الوضيع الذي انتهكها ..؟
بلغ الاشمئزاز من نفسه مبلغا ..
كيف تطلع إليها بتلك العين ..!!
هذا كان أكثر ما يحرق صدره ..
زفر يطالع تشبثها بالطاولة خلفها ..
و انتكاس وجهها الذي حجبته ستائر من ليل انزلق عليه .. حرائر ملتفة ..
و انطلق السؤال على لسانه بيأس لم يستطع كتمانه ..
- شوه أسوي بج ..؟!!
صوتها المبحوح ارتفع مع رأسها الذي طالعه بمرارة ..
تعطيه الحل برأيها ..
- انسانيه .. انسى انيه موجودة .. تجاهلنيه .. لا تيلس كل خمس دقايق تفتحليه هالموضوع .. و اذا عاندك صبرك .. و لا رمت ع هالشي .. و غدت يلستيه صعبة عليك خبرنيه .. تحملنيه بس كم شهر ..
طالعها بسخرية مريرة ..
- و عقبها ..
شمخت بوجهٍ أغرقته الدموع .. فرسمت تعاريج سوداء على وجنتيها ..
- كل واحد فطريقه ..
ضحك بألم ..
لو كان الأمر بهذه البساطة ..!!
- ليش ع كيفج هوه ..؟ نحن ما قلنا لج ان الزواج بنية الطلاااق بااطل ..؟!! انتيه بتمين طول عمرج في بيتيه .. و هالشي اللي أنا و انتيه بنتحمله .. أنا قلت لج انه هب سهلة أنسى الموضوع .. و انتي قلتي بتتحملين ..
دفعت نفسها عن الطاولة .. و وقفت بهدوء تقول ببرود جلي ..
- أنا بيلس وياك ما كتب ليه ربيه .. بس الرمسة اللي عقيتها لا اتعيدها .. أنا ما بيلس لك مسطاع .. متى ما دقك الهوى سبيتنيه .. لو شايف ان هب رايم تتحمل .. خلااااص كل واحد بيروح فدربه و يشوف حياته ..
و قفزت فكرة من العدم بعد كلماتها هذه ..
لتضيق عيناه على تفاصيل وجهها البارد الذي جفت الدموع عنه فجأة..!!
- يشوف حياته ..؟!!
أ لم يكن هذا جليا منذ البدء ..!
كم كان ساذجا و مغفلا ..!!
و كاد يضحك من نفسه بذهول .. لولا أن الأمر لم يكن مضحكا ..
طوال الوقت هو لم يكن سوى ...
هل هذا ما كانت تريده ..؟!
ما تفكر به ..؟!
لم تكن تطمع في جره إليها .. بل دفعه عنها ..
تستخدمه ممحاة لينة لمحو آثار الماضي .. هكذا فقط يمكنها تركه لاحقا مع قذارتها التي سُلخت عنها ..
لتجد مغفلا آخر يجهل تفاصيل ماضيها ذاك ..!!
نظر بمقتٍ مفاجئ إليها .. يدرس خطوط حزنها الكاذب ..!!
و هو يهس بغضب ..
- تشوفين حياتج ..؟!! هذا هو اللي تبينه هاا ..؟ عسب لا تطلقتي أكون أنا الأهبل اللي خذتيه تغطين به سواد الويه اللي وراج ..؟
و وقف على قدميه بثورة يرفع صوته مجددا ..
- حياتج هاي هي .. تشوفينها .. بتمين طول عمرج الين تموتين عنديه .. تسمعين ..؟ لو تموتين ما بتحصلين الطلااااق .. لا تحلمين انج تفتكين عسب تاخذين غيري ..
لكنها لم تهتز .. نظرة مترفعه سكنت وجهها .. و هي تطالعه من مكانها ..
ثوانٍ طويلة لم يقطعها سوى تنفسه الحاد ..
فيما يبدو أن أنفاسها قد توقفت ..!!
قبل أن تصفعه بنظرة الاحتقار .. التي طالعته بها .. و هي تقول بجمود مزدري ..
- ينعافون الرياييل عقب اللي شفته يا ولد عميه ..!! يا حيوانات يتعدون على محارم اليار .. و الا رخوم متمننين بالستر على اعراضهم ..!!!

* * * * *

و أضفى المساء حلكته على السماء ..
جاء الليل يضفي جناح ظلمته ..
يحتضن تلك البقاع باحساسٍ سرمديٍ أسود ..
.
.
.
.
.
.
- حور فديتج ما تبين تخاوينيه .. ؟
كانت تضم ركبتيها على الأريكة تطالع التلفاز بعينين لا تريان ..
فانتزعها صوت أمها عذيجة من شرودها لتغتصب ابتسامة ..
- لاا فديتج .. أحس عمريه تعبانة ..
ثم انها لا تستطيع الذهاب لبيت أبيه بعد أن فرت منه ..
لن تغامر مرة أخرى بالوقوع في براثنه ..
ما كان بالأمس يكفي ..!!
ستنزوي هنا ..
و تذوي ..
و ابتلعت غصة .. و هي توسّع ابتسامتها المبهرجة ..!!
- بس سلمي على عفاري ..
عفرا التي لم تستطع الاتصال بها ..
و لم تستطع مواجهة خذلانها ..
تنهدت عذيجة عالمة بالسبب الحقيقي لتخلفها عن القدوم ..
- سلامن يبلغ .. خلاااص فديتج .. العشا زاهب .. كانج بتاكلين شي .. ارحمي عمرج .. ظناج يباله تغذية ..
هزت رأسها دون أن تتكلم ..
حين سينقضي كل هذا ..
ستفكر كم هي قوية ..
و كم من ألم دهسها دون أن تموت ..!!
فقط عليها أن تنسى كيف تفكّر و كيف تشعر ..
يجب أن تمحو تفاصيل تلك الملامح الخشنة من أعماقها ..
و ستعيش ..!

* * * * *

مُرهِقة ..
هي تفاصيل الألم ..
اذا ما استعادته .. و تأملته ..
بعد أن تلبّسها و سقط ..
تعود فترتديه ..
تجربه مرة ..
و اثنتين .. و عشرا ..
فيتمدد ..
ليطول .. و يتسع ..
يغمرها .. يطمرها ..
فيثقلها وجعا تتسربل به ..
لا تجرؤ على نزعه ..
إذ التصق بها ..
تخشى أن ينقشع جلد الشعور اذا ما جذبته عنوة تنشد لباسا غيره ..!!
تلك الابتسامة الثقيلة التي تشد خديها .. راحت تجر روحها لقاعٍ من ظلماتٍ لا يدركها فيها أحد ..!!
تتربع على عرشٍ من فرحٍ كاذب ..
من علوّ أوجاعها تطالع الأوجه المنتشرة حولها ..
كرهت تلك الأهازيج التي تهادت عليها الفتياتٍ بثيابٍ ملوّن ..
و كؤوس مترعة بنفاق سعادتها .. تدور حولهم .. ليرشفوها .. حد التخمة ..
أكثر ما كرهت هي صدق ضحكاتٍ انفلتت من أفواه أحبةٍ لا تخطئهم ..
لمعة فرح محب سكنت مآقي أمها أوجعتها ..
كم توغل في خداعهم ..!
و هبطت أكتافها تحت وطأة ما تحمل ..
كم تمنت لو تفرّ من كل هذا الصخب .. و كل هذه الألوان ..
لتنزوي في ركنٍ مظلم أخرس ..
و تنام بعينين مفتوحتين ..!
.
.
- شوي يا أميه لا ينطر ثمج .. اركدي ..!! العرايس يسون عمارهن مستحيات .. و انتي متشققة كانج هب مصدقة انج عرستي ..!!
بذات الابتسامة التي كانت تُحَجِّر وجهها .. طالعت أختها بسخرية .. ترد ببرودها المعتاد ..
- يعني العرايس يسون عمارهن مستحيات .. و هب مستحيات ..!!
غمزت لها نورة بخبث ..
- و الله انتي أدرى .. تحسين انج مستحية ..؟!
نعم ..
و الله خجلة من نفسها ..
هي التي منحته العذر ليمرغ بقاياها في الأرض ..
بيدها ناولته ذاك النصل الأسود ليمثل بفتاتها ..!!
و وطأ صدرها شعور بالغ بالندم .. و الخيبة ..
خذلان مرّ سرى في عروقها ..
و هي تمط ابتسامتها الموجعة أكثر ..
- لا أحس انيه متشققة .. و ما صدقت أعرس .. !!
ضحكت نورة بخفة ..
- أنا قلت بعد ..
كانت دانة تقترب منهن بعد أن رقصت للتو مع أحد بنات خالة حامد ..
و هي تقول لاهثة .. و عينيها تلمعان .. تهمس لهن .. و هي تجلس جوار عفرا من الجانب الآخر ..
- هاا شرااايكن .. كيف كان شكلي و انا أرقص ..
نظرت لها عفرا من تحت أهدابها الطويلة المثقلة بالكحل ..
- ما فيج حيلة ..
فيما رمشت نورة بعينها مرتين .. تميل على عفرا لتسأل دانة ببراءة ..
- انتي كنتي ترقصين ..؟ و أنا أقول بلاها البنت حولت ع الهزاز .. تحريت شي واير كهربه مكشوف.. دايسة عليه بالغلط ..
نظرت لها دانة شزرا ..
- من زين رقصج ..
ثم التفتت لعفرا ..
- ما سمعتي علوم الدار اليوم شوه قالو ..؟! يقولج حصلوا تشققات في القشرة الباطنية لسطح الأرض في العين .. هذا بسبة رقص نورة اختج أمس ..
هزت عفرا رأسها بهدوء .. قبل أن تقول و هي تنظر أمامها مباشرة لبقعة بعيدة في آخر المجلس الداخلي ..
- يا حبكن حق المظارب و السوالف البايخة .. سيرن بس هاتن ميعاد و المها .. بلاهن يالسات اروحهن هناك ..؟ خلنهن يقربن ..
نظرت نورة إلى حيث جلست ميعاد تطالع من حولها بهدوء و عينين فارغتين .. فيما استكانت المها قربها دون حركة واحدة .. ابتسمت ..
- شكلهن يكسر الخاطر.. ما تحسينهن ضايعات في الطوشة ..؟
هبت دانة على قدميها و هي تقول ..
- بسير بييبهن .. ميعاد هب في حالة .. كل العيون عليها ..!!
نظرت عفرا بقلق إلى الملامح البعيدة لعمتها .. يتراجع همها إلى الوراء أمام ما تواجه ميعاد الآن ..
ان كان ظهور ميعاد ليلة أمس لم يحظى باهتمام الكثيرين ..
فهو يثير زوبعةً الآن .. سيمر وقتٌ طويل دون أن تهدأ ..
و بعينيها فتشت عن وجهٍ آخر ...
لتلقى تلك الملامح الحبيبة لا تبعد عنها كثيرا ..
وجه السنين الماضية .. و ملامح الدهر المنقضي ..
سكنها هدوء .. و نظرة شاخصة قليلا ..
هل يؤذيها أحدهم و يرشق تماسكها الهش بخداع زوجها ..؟!
و اعتصرت قبضة من ألم قلبها ..!!
تمنت لو أنها تحمل كل ألم عنهم جميعا ..
لا بأس اذا تعاظم الوجع داخلها ليستكينون أحبتها في راحة ..!
و ارتفعت أناملها المرتعشة تلامس جانب صدرها النابض بألم ما ان طالعتها تلك الملامح التي تسكن الغياب ..
ان كانت لا تستطيع رد الألم عنها .. فكيف ستردعه عن مساس ضعفهم يا ترى ..؟!
تلك الكبيرة التي تسكنها همّا ..
أين بلغت بها الأحزان يا ترى ..؟!
.
.
.
.
- لا .. برايج بتسيرين انتي و المها صوبها .. انا ما بتحرك من مكانيه ..
كانت صوتها مشبعا بالاضطراب و هي تطالع قدميها في تلك اللحظة تهرب من عشرات الأعينٍ الفضولية التي ترصدها ..
لترد دانة باصرار ..
- ليش انزين .. شوه تسوين هنيه في آخر الميلس مندسة .. عفاري تقول هاتوها .. و طلبات العروس أوامر .. يا الله ..
ابتلعت ميعاد ريقها .. ثم ردت بتوتر و هي ترفع عينيها لتلحظ بضعة أوجه تطالعها ..
- لا دخيل الله .. قوليلها بتم مكانيه .. مرتاحة هنيه ..
- ليش انزين .. ؟؟!!
زفرت ميعاد ثم همست بضعف ..
- اذا انا منخشة في هالزاوية و ما تم حد ما طالعنيه و تنشدنيه .. تبينيه أيلس اهناك .. و كل شوي اتيي حرمة تسلم و الا تستجوبنيه .. ؟
اتسعت عينا دانة باستنكار ..
- و ليش انتي شوه مسوية ؟!
طالعتها بيأس ..
- هب مسوية شي .. خلاااص .. بس فكيناا .. أنا من لول قلت لكن ما ريد أيي الليلة لو ما انتن عزرت عليه .. و الله هب مرتاحة .. أستغفر الله .. متى بس بيتعشون العرب و نسري ..!!
نظرت دانة لميعاد بحاجب مرفوع ..
- لا تنخشين تحت الكرسي بس .. !!
ثم انقلبت نبرتها للجدية ..
- ميعاد لو بتيلسين لرمسة العرب و نظراتهم ما بتخلصين .. و انتي تعرفين هالشي .. لا تخافين .. نحن وياج .. و لا عليج من حد ..
تنهدت ميعاد تقول بنبرة مهزوزة ..
- خلاااص .. انا مرتاحة في مكانيه .. ما تبون راحتيه ..؟ أبا أتم هنيه .. شلي المها وياج و سيري صوب عفرا ..
نظرت لها دانة طويلا قبل أن تستدير للمها .. تلوح بيدها لها .. و ترفع نبرتها قليلا ..
- اتروحين عند عفرا ..؟؟
تبعت عيني ميعاد تلويحة دانة لعفرا .. ثم استدارت لميعاد تسألها بصوتٍ مبحوح .. و أناملها تتلمس اهتزاز حنجرتها ..
- أتووحين ...؟
هزت ميعاد رأسها نفيا .. فعادت المها تنظر لدانة بهدوء ..
- لاااا .. تميي هنييييه .. مييعاااد ..
تنهدت دانة .. و هزت كتفيها ..
- ع راحتكن .. انزين تبون شي ..؟
انكمشت أصابع ميعاد على الكرسي و هي تطالع المها التي لم تتزحزح من مكانها ..
- سلاامتج ..
و ارتدت دانة عائدة لأختيها ..
أغمضت ميعاد عينيها .. و هي تتدارك ما غفلت عنه بقلبٍ خافق ..
فاستدارت للمها بعينين تفتشان ملامحها ..
كيف نسيت ما دفعتها اليه ظهر اليوم ..
تفكيرها طوال الوقت بطريقة .. تشرح لحور فيها تدخلها و تعيد لها هاتفها .. و تعتذر ..
ثم همٌّ خلفه فيها هذا العشاء .. شغلاها .. عن الهشاشة المزعزعة جوارها ..
ما الذي حدث معها ..
فنجان الشاي الذي انتظرت لم يأتِ ..
ما يعنى أن فرحا شغلها ..
أو وجع ..!
و انقبض قلبها ..
لا ينقصها الا أن تؤذي واحدة أخرى منهن دون قصد ..
ملست براحتها طيات الشيفون الذي غطى ركبتيها ..
و عيناها لا تفارق حدود الوجه الرقيق جوارها ..
عيني ابنة أخيها الواسعتين .. تدوران في المكان حولها .. بإحساسٍ لا يرى ..
شرود .. أو بالأحرى تيه .. حُفر في مآقيها ..
راحت تطمئن نفسها بأن أحمد ليس غيث ..
و ان أي مخلوق ينغمس سحرا في سكون هذه الصامتة .. لن يقوى لحظة على إيذائها ..!
حفيفٌ داني اقتلع نظراتها المتمعنة ..
لتخطف تلك الألوان الفرحة أنظارها .. ببطء رفعت عينيها تتسلق الجسد المائل أمامها ..
تتابع خطوط الألوان المدموجة التي قضت وقتا لا بأس به من الأمسية تتابعه ..
الا أنها خشيت أن تصدق ما مر بخاطرها ..
أ يعقل أن ...
و تهدجت أنفاسها .. حين بلغت عينيها تلك التقاسيم الفاتنة ..
وجهٌ ملئُ تفاصيله أنوثة متفجرة .. يكسو ملامحه الغرور ..
و جسدٌ حرصت على إظهاره .. و التباهي بخطوطه .. و هي تحشره في ذاك الفستان الضيّق الطويل ..!
لثانية نسيت كيف تتنفس و عينيها تلتقي عيني الشابة الأكبر سنا ..
ثم شهقت بتقطع .. و ابتسامة ساحرة تصدمها .. حين أتى الصوت الأنثوي أجشا .. مفعما بالدفء ..
- ميعــــــاد ...؟!
كان نداءً أكثر من كونه سؤال ..
الا أن ميعاد لم تستطع الا أن تدلي فكها السفلي بغير تصديق .. و القد الطويل يلتوي في انحناءة ناعمة .. متقنة ..
فتتواضع تلك الفتنة .. و تسلّم عليها ..
فيما ذات الصوت يتابع بثقة ..
- أناا عوشة بنت مطر ..
و كأنها لا تعرفها ..!!
كادت ميعاد تختنق بحشد المشاعر التي تزاحمت في حلقها ..
عاجزة عن النطق .. لتهز رأسها ذهولا بعجز ..
و عوشة تشير بأناملها المصبوغة بعناية ..
- بيلس هنيه .. ما عليه ..؟
و جلست جوار المها التي يبدو أنها لم تكن تراها .. أو تتظاهر بذلك ..!!
ميعاد التي كانت لا تقوى الا النظر مشدوهة .. غير مصدقة ..
و كأنها تتخيل فقط ما أرادت رؤيته طوال المساء ..!!
القبول ..!
.
.
لم يكن فضولا ..!
و لا اهتماما إنسانيا بحتا ..
لا..!
لم يلن قلبها لتتعاطف مع ابنة المصرية التي أُحضرت دخيلة على جدتها ..
و لم يدفعها أحدٌ للسعي ورائها .. و تعرفها ..
هي حاجة بحتة ..
شيءٌ كانت من الغباء بحيث لم تنتبه إليه منذ البداية ..!
شيءٌ غفلت عنه .. الا أن جدتها ذكرتها به الليلة ..
حين أشارت إلى أن ذاك بات في عزلة .. لا يميل لحديث أحدٍ سوى - ابنة سيف - ..
ابنة سيف التي خطر لها فجأة بأنها لها مكانة خاصة في نفسه و الا لما اختار ايوائها في بيته ..
ثم سعى ليقحمها حصون جدته رغم رفضها ..
و اذ راحت تجرجر خيوط الأحاديث مع جدتها تبينت بوضوح أي مكانة تشغلها هذه الكسيحة في قلبه ..
و أي قربٍ قد لا ينعم به غيرها من روحه ..
ألذلك كانت تلك الزوجة المهزوزة تلازمها ..؟!
هل كانت تلتمس قبولا بها عبر استرضاءه .. و خدمة عمّته ..
ان كان هذا هو الأمر ..
فلا أمهر منها في التملق ..
الآن و قد بدا السبيل أمامها خاليا باتساعه ..
علمت أنها قادرة على أن تشق طريقا إلى حياته ..
فلا تهدر سنواتٍ من عمرها عبثا في انتظاره ..
ربما لم تكن تحبه ..
الا أن اعجابا قويا يتملكها نحوه ..
هو الرجل الذي تريد ..
و الآن و قد اصبح أي خيارٍ آخر شبه معدوم ..
بات هو القشة الأخيرة التي ستتشبث بها خشية الغرق في تيهها هذا ..
هو الرجل الذي يرضيها ..
متعجرفٌ .. و قاسٍ .. برجولة مظلمة ..
لكنها ستتمكن بأنوثتها من تليين عزائمه .. و استدراجه ..
سيعرف الفرق حتما بين نضوجها .. و بين الطيف الباهت لتلك المراهقة التي تزوج ..
لا بد أن غيظا سيتملكه نحو زوجته تلك ..
و قد يسعى لكسر أنفها .. و معاقبتها ..
أي عقابٍ سيكون أفضل من استجلابها هي كزوجةٍ له ..
ليس عليها سوى أن تحصل على التفاتة واحدة ..
و ستعرف كيف تستغل الأمر حينها ..
هه ..
لن تتخلف كثيرا عمّن سبقها ..
و بغلٍّ تملّكها .. حاولت أن لا تفكر بأمر حمل تلك الطفلة الساذجة ..!
و ادعاء جدتها ضيقه الشديد من هجرها ..
واثقة بأن كل ما يزعجه هو الزوبعة التي أثارت حول حياته بهروبها ..
و الا كيف بشيءٍ مثلها أن تحلم مجرد الحلم بأن تحصل على اهتمامه ..؟!
نفسٌ عميقٌ جرته لأعماق خبثها .. قبل أن تنتزع ابتسامة حنونة ملؤها النفاق بجهدٍ خرافي من أعماقها ..
و هي تقول بدفء ..
- من زمــــــــــــــــان خاطريه أشوفج .. و أرمسج ..
و تنهدت و هي تتمتم بإحساسٍ كاذب ..
- أخيرا ..
أصبح الحلم على بعد انامل من النيل ..
و لن تضيعه ..
.
.
.
.
على أميالٍ حسية ..
كانت شفافية طيفها تستكين جوارها ..
لا تشعر بشيءٍ مما حولها ..
و قلبٌ خافقٌ لا يهدأ ..
تلهفها لرؤيته .. لتتأكد من أنها لم تلقى رفضا منه ..
تبخر أمام ما حدث معها بعد لقياه ..
اهتز عالمها الصغير ادراكا لوجوده ..
و ضاقت أبعاده بهما معا ..
أ و يتملكها الندم على ما أقدمت عليه حين شعرت بجدية الأمر..؟!
كيف بدت في عينه هذا اليوم ..؟!
تملكه احساس ضئيل اتجاهها ..؟!
أم تعاظم في داخله يأس مما ألقى نفسه فيه ..!!

* * * * *

لن تعلم بأي لهفةٍ كان يفتش عن وسيلة ليتصل بها ..
و حرارة أحاسيسه هذا النهار لا زالت تكويه ..
- تيلفون ..؟!!
نظر بطرف عينه غير مبالٍ بصوته الذي ارتفع قليلا في المجلس الذي خلى الا من أهله بعد أن تناول المدعوون العشاء .. و مضوا الى بيوتهم .. قبل أن يزفر قائلا ..
- تستهبل انت ..؟ عارف الوضع زين و تقول هات تيلفون ..؟
رفع هزاع نظره بشيءٍ من الغرور ..
- انته اللي تقول تبا تتواصل ويا حرمتك .. و خوك حارمنك من الشوف ..
لم يكن قد أسر لأحدهم بشأن تسلله إليها ..
و لا يحلم حتى بإخبار هزاع ..
اذ أن شيئا بهذه الخصوصية لن يكون قابلا للقول أمامه ..!
- بالله عليك ما تقوليه كيف برمسها .. و هي ما تسمع ..؟!
- لازم ترمسها يعني ..؟ طرش لها مسجات ..
عقد أحمد جبينه .. قبل أن يقول ..
- مسجات شوه ياخي .. لا ما يستوي ..
أصر هزاع ..
- ليش ما يستوي .. هي ما تدرس ..؟
أجاب أحمد على مضض ..
- بلى ..
- خلاااص يا خي .. أكيد تعرف تقرا .. هات لها تيلفون .. و اكتب اللي تباااه في مسج و طرشه ..
زفر أحمد دون أن يستسيغ الفكرة الثقيلة ..
- أكتب مسج و أطرشه و أرقب نص ساعة .. و ايينيه الرد .. ياخي في شهر ما بنقول غير سالفة وحدة ..
لمعت عيني هزاع .. و هو يقول ..
- أقولك شوه .. هاتلها لابتوب .. و علمها ع المسن .. و ايلس سووولف الين ما تقول بس .. شرايك ..؟ حل حلو .. و الردود ما بتبطي .. نفس السوالف .. بدل الصوت .. كتابة ..
فكر أحمد قليلا .. و قد أصبحت الفكرة أكثر قبولا ..
- حلو .. لابتوب .. بس ياخي أنا ما حب أدسس في حجرتيه و أسنتر ع النت .. ابا أرمسها في أي وقت .. و أي مكان ..
فرقع هزاع باصبعيه .. و عينيه تلمعان بحماس ..
- عمك هزاع ياب لك الشور الطيب .. هاتلها بلاك بيري ..!!!
فيرد أحمد باستنكار ..
- بلاااك بيري ..!!!!
لم يجبه هزاع و هو يضيق عينيه على قدم أحمد الملفوفة بضمادة خفيفة .. و يتذكر ما نسي أن يسأله ..
- الا ما خبرتنيه يا بو شهاب .. كيف حرقت ريلك ..؟!
.
.
.
.
- حامد كان قبض فهد مكانه .. و خاوى ولد عمه و أخته .. يوسع صدره .. و يظهّر أهله ..
يأتي صوت عمّه مطر من البعيد .. هادئا .. لا يشبه ما يخالجه ..
هو الذي تمنى لو تطول هذه الأمسية سنواتٍ حتى يعود مستعدا لرؤيتها ..
يريد وقتا .. يصف فيه أحاسيسه ..
يريد عمرا بأكمله ..
ليهدأ ..
لم يرد أحدٌ على عمّه مطر ..
والده الذي سبق و أن عرض عليه ذات العرض .. يعلم أي حجج جاهزة للطرح يملك ..
و جدّه الذي كان قنبلة غيظٍ على حفيده المفضل .. كان يتبادل حديثا هامسا حادا مع أخيه الأكبر ..!!
وحده فهد .. قال بهدوء له ..
- انا أشهد .. مرررة يا بو علي .. حاضر مكانك .. كان في خاطرك اطول اجازتك و الشغل لاحق عليه ..
آخر ما يريده هو الاختلاء بهذه الفوضى ..
محتاج للعمل ..
ليفر من همّه إليه ..
فيرد بصوتٍ بارد متمالك ..
- لا ما عليه .. أبا أحضر الين يصبّون السطح ،، خلاااف برتب أموريه و آخذ اجازة .. هب مستعيل ..
كان الحديث قربه يزداد حدّة .. و قد بدا أن جدّه وصل في جدال إلى نقطةٍ لن يكترث بعدها أن يصرخ ذاك الهمس الذي يتداركه منذ وقتٍ طويل ..
الا أن وقوف غيث المفاجئ قطع ما كان يقال ..
ساد صمتٌ في المجلس ..
لم يبدُ أنه وحده من كان يشهد الصراع الخفي ..
اذ استشعر الجميع جو التوتر ..
و غيث يقطع المجلس بخطواتٍ واسعة .. تاركا المكان ..
وجه جده المكفهر .. لم يعبر الا عن أي مدى بلغت الأمور سوءا بينهما ..!
.
.
.
.
روحه التي كانت أبعد ما يكون عن الهدوء ..
مشحونة .. بغضبٍ لا متناهي .. بقهرٍ أسود ..
شي كان ينبع من نفسه .. على نفسه ..
تتشبع به مساماته .. و تحتقن به الأوردة ..
فلا ينقصه سوى اشعال الفتيل القصير لتنفجر ..
يستند على مقدمة سيارته بجسده الضخم .. عاقدا ساعديه على صدره القوي ..
يسحب أنفاسا .. عميقة متعاقبة .. يبتغي شيئا من التهدئة ..
و قبضةٌ قوية تعتصر هاتفه المحمول في يده ..
هذه الأيام لم يكن الحظ مواتيا له ..
كل شيءٍ يخالف ما يرغب به ..
و أكثر ما يرغب به كان هي ..
تلك التي تلوّت حتى عجز عن استبقائها ..
يعلم أن ما يسعى إليه سيعيدها دون شك .. لكنه اكتشف مع أول خيوط فجر هذا اليوم أن الصبر يعوزه ..
لا يمكنه أن يتخذ ركن انتظار .. ليقضم أصابع ترقب رجوعها بهذا الهدوء ..
ليس و كل كلمة و أخرى من جده و أبيه تستفزه .. لجلبها قسرا ..
و هذا ما يريده بعنف .. الا أنه على يقين بأنه ان فعل فسيخسرها دون شك ..
جذوة باهتة من العشق البائس الذي سكن مقلتيها بالأمس ستنطفئ بقبضةٍ يُحكمها على ضعف ثقتها ..!
لا يريد أن يطفئها ..
يريدها أن تشتعل ..
أن تحترق شوقا إليه ..
سيجاذبها أطراف الحنين .. حتى تتكسر ولها يعميها ..
فتزحف إلى طرقاته تلتمس خطواتٍ تعيدها إليه ..!!
لكن حتى ذاك الحين ..
من أين له بصبرٍ يهدئ هيجان احساسه المظلم ..؟!
من أين ..؟!
ها هي تختبر أول تماسكه .. و هاتفها المغلق طوال اليوم يعلن عصيان شرطه ذاك ..
ليلتهب غضبا ..
فيزيد خلافه مع جده الأمر سوءا على سوء ..
شعر أنه لا يستسيغ تسلّطه على أموره بهذا الشكل ..
أي شأنٍ له بابنة حمد أو ما حدث لها ..؟
تلك امرأته .. حرٌ هو في ما سيفعل بها ..!
و الآن في انتظار أن تخرج أمه نورة .. و من معها ليقلها الى البيت ..
أعاد المحاولة العشرين ..
يرفع جهازه .. و يضرب الأرقام في وتيرة متعاقبه ..
الا أن سبابته تيبست على زر الاتصال ..
حين اتت النبرة ساخرة ..
تنصب عليه من وراء كتفه ..
بصوتٍ يعرفه ..
و يمقته .. !
- و لا تضيق صدرك .. هو شرع النذر العاثر .. خيره قاصر و شرّه واصل ..
.
.
.
.
بإزدراء يتزايد داخله كلما طالعه تكبر هذا الوجه ..
لم يستطع ردع شماتته ..
بات السقوط دانيا لأشباه الرجال أمثاله ..
هذا ما يشعر به ..
فتح باب الراكب لسيارته التي تجاور سيارة ذاك الواقف بنصف استدارة ..
ليفتح درج السيارة يلتقط ما أوشك على نسيانه ..
حين أتاه الصوت البارد بقسوة ..
- لا و انت صادق شرع الحرمة الحاسر .. تتحراها ريّال .. و هي فالت تعاسر ..
كان يشير أن شماتته هذه تليق بالنساء ..
ابتسم بثقة و دس ما كان يبتغي في جيبه .. ليغلق سيارته و يتقدم اتجاه الجسد الضخم المستند على مقدمة السيارة ..
يقول بخبثٍ مستفز ..
- صدقت .. كمن عاثر ودّك ببرقع له ..
صمت بعدها لثوانٍ معدودة ..
يلتقط الهدف ..
تضيق أعين التركيز عليه ..
قبل أن يطلق ببطءٍ و قوّة الرمية الأخيرة ..
تلك التي حمّلها بصادق خيبته و احتقاره ..
- لكن شوه نقول في اللي باعه قصير و يتفلت ع الحريم مسوي عمره ريّال ..!!
.
.
.
.
ذاك الفتيل القصير كان قد أُشعل مع أول كلماته .. و بات الانفجار وشيكا ..
الا أن ما قيل صدمه بعنف ..
من أين لهذه الحثالة أن تعرف أسرار بيته ..؟
عجز عن تمالك الصدمة ..
و تصاعدت الثورة المجنونة في داخله ..
و احتقار شنيع يطالعه من وراء وجه ابن عمّه ..
قبل أن يقول بصوتٍ متحشرج ..
و قد بوغت بهذه الرمية ..
- تاكل تراب .. لا تعيف أمن يابتك ..
الا أن التهديد المصدوم لم يترك أثرا حين تقدم فهد .. متسائلا بفضولٍ متقن ..
- الا بالله خبرنيه .. بنشدك .. و انت متسلط ع اليتيمة بنت عمك .. و عقب ما ظربتها .. ربك بس حسيت انك ريال ..؟
تلك المسافة التي كانت تنكمش بخطوات فهد المتكاسلة ..
التهمها غيث .. بهرولة .. و قبضة حمّلها كل قهره .. يفجّرها في وجهه و هو يرعد بجنونٍ أهوج ..
- الله يلـ××××× ..
و انفجر الموقف بغتة بينهما ..
بعنف ..
غيث و ضغط الأيام الذي كان يُحشر فيه ..
غضبه ..
هجرها ..
و عتاب من حوله ..
ثم ذكر هذا الحاقد لامرأته ..
فهد ..
و غلّ سنواتٍ تراكم ..
لتفرقه غير عادله ..
احتقار لرجلٍ لم يكن يستحق أن يفضلوه عليهم ..
ازدراءه ..
ثم الألم الذي راح يتخبط بينهما ..
.
.
قتال الرجال جنون صرف ..
لا ثغرة للتعقل فيه ..
ككرةٍ من ثلجٍ ..
تتدحرج صغيرة ..
تتعاظم بمضيها و تقلبها ..
لا يوقفها الا هاوية ..!!
.
.
.
.
عدلت من وضع غطاءها و هي تميل على أختها فيما يتحركن وراء جدتهن التي مشت بخطوات بطيئة متجهةً إلى الباب الخارجي .. ترافقهم أم حامد التي كانت تضع يدها على ظهر المها التي تقود جدتها فيما تعثرت خطوات الأولى باستحياءٍ لا يخفى ..
همست بصوتٍ مغتاظ ..
- افففف .. و الله تعز نفسيه أركب وياه السبال عقب ما راغنا من بيته ..
اهتز ثقل نورة بضحكة مكتومة ..
- لا تقولين ..!! طلع عندج كرااامة ..!! بعدين أميه تبا تيلس شوي بعد .. و ميعاد ما تبا تضيق على أميه نورة .. غير مزنة و هند .. وين تبين ترزين عمرج انتي ..؟
نظرت لها دانة شزرا من تحت الغطاء ..
- طايحة من عينج شووه ..؟ كرامة و نص و ثلاثة أرباع .. و بعدين كان فريت مزنة و هند ورا .. عند كرسي ميعاد .. افففف .. قسم بالله .. خاطري أفره بجوتي الغوريلا .. كل يوم أحقد عليه زود عن اللي قبل ..
فتحت أم حامد الباب الرئيسي ليخرجن منه ..
قبل أن تجد نورة الوقت لقول شيء ..
سمعت الصخب القادم من مكانٍ ليس ببعيد عن المدخل ..
قريبا من السيارات التي صفت بعشوائية أمامه ..
أعقب الأمر شهقة أم حامد و هي تقول ..
- يا الله بالستر منوه هاييلا ..؟!!!
تزحزحت هي و دانة بفضول ينشدن رؤية أوضح ..
ثم شهقت الأخيرة .. و هي تهمس ..
- يمااااه ..!! يظاربووون ..
كانت الجدة تتقدم خطوتين للأمام ..
بقلبٍ جزع .. تميز الرجل الأضخم من الجسدين المتشابكين في صراعٍ عنيف .. يثير الرعب ..
تفرقت حول تخبطهم أحذيتهم و - الغتر - ..!
- هذا هب غيث ..؟!
أنوار سيارته المضاءة التي كانت ترتقب.. أجابت سؤالها ..
فارتجفت بضعف تتقدم أكثر من الدرج الذي يضفي للباحة .. و صوتها الهزيل يهتز بقوة ..
- يا الله بالعوون .. غييييث .. غييييييث ياا أمييييه .. يالله سترك .. سلاااامة اتصلي بعلي .. خليه يفارع امبينهم .. منوه هذا اللي وياااه ..
لم تكن أم حامد بحاجة للسؤال ..
كانت يدها المرتعدة تطلب رقم زوجها القابع في المجلس القريب غافلا عن الجنون المتفجر هنا .. !!
فيما سارعت دانة تمسك جدتها التي راحت تنتفض بقوة حين تصاعد الانفعال بمساعدة المها ..
كان المشهد مرعبا للغاية ..
وحشية الضرب القريبة .. و أصواتٌ تثير الذعر .. راحت تتعالى من الرجلين المشتبكين ..
قالت بصوتٍ مذعور تهدئ جدتها التي أوشكت على الزحف لتصل اليهما و توقفهما ..
- يدووووه .. اتريي بيي حد الحين .. ما بيحسوبج انتي .. يمكن يصكونج بالغلط ..
و خافت على الجسد النحيل الذي راح يرتعش كورقةٍ يابسة ..
و صوتٌ متهدج مهتز لا يوقف النداء ..
- ياااا غييييث .. يا عياااالييييه .. عينوووو خيييير ..
لم يلقى النداء الذي تبخر في لُجة العنف أمامهم صدى ..
فانكسر صوتها ..
- ياااا الله سترك .. يا الله سترك ..
و من ورائها كانت سلامة تصيح بشيءٍ في الهاتف ..
.
.
.
.
تتعاقب أذيتهما لبعضهما ..
لطماتٍ و لكماتٍ مرتدة ..
كان يشعر بالألم يتفجر في أكثر من مكان ..
و - الغتر - التي سقطت في أول اشتباكهما .. راحت تتلوى تحتهما ..
قبضة فهد التالية هوت على جانب أنفه .. لينفجر الألم في رأسه حادا ..
فيهوى بصفقة قاسية على جانب وجهه .. أعقبها بلكمة لم تصل الا جبينه ..!
الغيظ يتصاعد .. متفاقما ..
كانا متشابكان بقوة ..
كلٌّ ممسكٌ يأسا بالآخر يبغي أذيته قدر الإمكان ..
لحظةٌ سوداء ..
كل ما فيها أعمى ..
لا بصيرةٌ و لا بصر ..
إلا أنه افتراقا بسيطا أعقب تدافع .. كشف عن السواد الذي استلّه فهد من جيبه ..
و تكّة سريعه لا يخطئها ..
ثانيتين فقط كان عليه فيها أن يستوعب الأمر .. يصدقه ..
ثم ينجو بنفسه ..
لم يكن من سبيل أمامه .. سوى اندفاعه المجنون بيأسٍ ناحيته فهد .. ليلوي يده التي أمسكت بالمسدس في اتجاه بعيد ..
في ذات اللحظة التي انفجر فيها صوت الطلقة ..
و ارتد الصدى بعنفٍ مخيف ..
ليتوقف كل شيءٍ و ينتهي ..
في ثانية كان الاحتدام يبلغ مداه ..
و في الأخرى هبط الصمت الذي يعقب الجنون اذا انفجر ..
.
.
.
.
ارتدت خطوة للوراء بصدمة رافقت صوت الانفجار ..
في ذات اللحظة التي انفجر الألم في جانب صدرها الأيسر ..
و هي ترى الجسد النحيل لأمها نورة يتهاوى أمامها ..
كصورة بطيئة ..
ختامية ..
ارتخت ركبتاها هي ..
و شعرت بثقلها يهتز بدوره و لا يثبت ..
من الذي أطلق الصوت ..؟
ما هذا الضجيج ..
رأت دانة .. تحاول تدارك جسد جدتها النحيل و هي تصرخ بجنون .. تطلب النجدة ..
المها بذات الذعر الهستيري تحاول دفع الهزال الحبيب ذاك للتماسك ..
هل ماتت أمي نورة ..؟!
.
.
.
.
شعر بيد فهد تهتز بصدمة ..قبل أن يسقط المسدس منها أرضا ..!!
و بذات الصدمة أفلت هو ذراعه .. ليطالع الاتجاه الذي لوى ذراعه فيه ..
فيتوقف قلبه و هو يتبين الظلال التي تقف في المدخل الرئيسي للبيت ..
لا يخطئ نحول الجسد الذي تهاوى بين اثنتين ..
و صرخات نساءٍ تضج ..
لحظاتٍ طويلة مصدومة يقف مخدرا عاجزا عن الحراك ..
لا يستوعب ما حدث ..
باب المجلس القريب يُفتح على مصراعيه .. و يتدافعون من فيه هرولة ..
و باب المدخل .. يشرّع عن أطيافٍ متهوّرة من نساءٍ أفزعهن الضجيج ..
لم يشعر بأنه تحرك ..
لم يشعر بتلك الخطوات المتدافعة التي يسابق بها أنفاسه ..
لم يعد للوجع مكانٌ في جسده .. حين زُهق به الشعور ..
و خاطرٌ واحدة يتآكله ..
هل أصابتها الرصاصة ..
أ أخطأته لتثقب صدرا أدفأ أيامه لدهور ..؟!
هل قتلها بيده ..
كان يركع الآن أمامها بجنون ..
يدفع الفتاتين من حولها بشراسة .. ليتدارك ضعفها .. مرددا بجنون ..
- أمااااااياااااااه .. أماااااااااااااه ..
و ارتعد قلبه ملايين المرات .. حين احتضن رجفتها ..
و صوتها يتساءل .. بخفوتٍ ذاوٍ يتآكله يأس ..
- غييييييث .. غيييييث يااا بووووية .. منووووه لي ثورت فيييه .. من اللي ماااااات ..
كان يصيح بغلظة دون شعور .. و هو يفتش عن دماءٍ تنتشر ..
- شي يااااج ..؟ صاااابتج ..؟
و أخذت نفسه تهدأ .. حين ارتفعت وتيرة بكاء العجوز بضعف ..
و لا قطرة دماء .. تنزلق ..!!
لا .. قطرة دماء ..
بل قطرة ماء .. زحفت من عمق الفزع الكامن في روح طفلٍ يختبئ داخل هذا الرجل .. و هو يعتصر جسدها الناحل على صدره العريض بقوة ..
الصراخ من حوله لا يردع تسللها من زاوية عينه .. قبل أن يصرخ فيمن حوله ..
- خووزووو خلوووونيه أدخلها ..
كان الجميع في هياجٍ يصرخ ..
بكاء أحد الفتيات يستفزه بعنف ..
تلقف ضعف حبيبته بين يديه يحملها .. و هو يندفع بينهم .. ليدخلها ..
يشعر بأنه يوشك على التهاوي راحة.. و البكاء .. كالأطفال ..
فيما راح يردد في رأسه بجنون ..
بخير .. هي ..
لم يصبها مكروه ..!
و أقسم أن يدق عنق فهد بسبب ما حدث ..!!
.
.
.
.
كضوضاء الحجيج ..
انسل الضجيج ..
ركبتاها المتخاذلتان لم تستوعب أمر النهوض .. و هي تضع يدها على صدرها ..
فيما تهتز الرؤية أمامها ..
لم تمت أمي نورة ..
كانت خائفة فقط .. لم يصبها شيءٌ من وقع الانفجار ذاك ..
لم تمت أمي نورة ..
و لم يمت أحد ..
لم يمت أحد ..
كانت ستبكي ..!!
لكنها لم تستطع .. !!
لم يمت أحد ..؟
و نظرت للزوجة التي انسلت أمامها ..
ببطء داكنٌ ..
راح يسري في الأرض متلويا ..
كالليل ..
من البعيد ..
البعيــــــــــــد ..
أتى الصوت المتهدج .. يسألها ..
- نورة .. نشي يا الله .. أمي نورة بخير .. ما ياتها الرصاصة .. ماياها شي بس كانت خايفة ..
نعم تعرف هذا ..
فلم يمت أحد ..!!!
عاد الصوت يحثها أكثر .. و قد ابتعد ..
أكثر و أكثر ..
- نووورة .. يا الله نشي .. هاتي ايدج .. نورة .. ؟!!
حاولت أن تقول شيئا الا أنها لم تقدر ..
لم يمت أحد..؟!
لمَ الأرضية ملطخة يا ترى ..؟!
شعرت بيدها تُرفع عن صدرها .. و انسل جسدها لظلام غريب ..
صوت خائف .. مذعورٌ يأتي من مكانٍ ما ..
- نوووورااااااااااااااه ..!!!!!!!!!!!!!!!
ما بالها تصرخ ..
أمي نورة حيّة ..
و لم يمت أحد ..
.
.
اذن دم من هذا الذي تلمسه بيدها ..؟
هذا الذي راح يبلل ثيابها ..
صراخ يأتيها من البعيد ..
جنون ..!
ما بالهم لا يهدئون ..!!
راحت ترتخي رويدا رويدا ..
تعرف ذاك الصوت العالي الذي ردد اسمها ملايين المرات .. من وراء ظلام هبط عليها ..
لسانها كان ثقيلا للغاية .. و هي ترفع يدها تضعها على مكمن الألم في جانب صدرها الأيسر ..
متأكدة بأن عينيها مفتوحتين ..
لمَ لا ترى شيئا ..!!
أنفاسٌ متقطعة .. انزلقت .. و هي تكافح الظلام ..
كانت تسمع نفسها تردد الكلمات .. صوتها كان متحشرجا .. غريبا ..
متقطعا ..
- ممــ.. ممااا حسييت .. ببـ..ـهاا .. ماا .. ححـ.. ـسيييــ .. ـت .. مماا ..
و ارتخت الأنفاس و يدها على جانب صدرها ..
.
.
.
.
هناك ..!
حيث استقر الألم ..
.
.
و رصاصة ..!!

* * * * *


 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 06-02-10, 07:24 AM   المشاركة رقم: 1108
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 77255
المشاركات: 9
الجنس أنثى
معدل التقييم: لؤلؤة السعودية عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لؤلؤة السعودية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

واخيراً نزل البارت
الله يعطيك العافية
راجعة بعدين

 
 

 

عرض البوم صور لؤلؤة السعودية  
قديم 06-02-10, 07:55 AM   المشاركة رقم: 1109
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2007
العضوية: 43145
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: ألم111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ألم111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

ليتني غريبه حطمتي قلوبنا بالبعد والغياب وقتلتيه بنهايه قد تحرقنا مطولا لنعرف مابعدها
سلمت يمناكي من كل سوء لكن رجاء مصحوبا بأمل كبير الأ تطيلي علينا الغياب

 
 

 

عرض البوم صور ألم111  
قديم 06-02-10, 08:00 AM   المشاركة رقم: 1110
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2009
العضوية: 144200
المشاركات: 17
الجنس أنثى
معدل التقييم: معاني الروح عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدAjman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
معاني الروح غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله على السلامه ليتني

اتمنى من المشرفات تكبير الخط ليتسنى لنا القراءة

ولكم كل الامتنان

 
 

 

عرض البوم صور معاني الروح  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:59 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية