لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القسم الادبي > البحوث الاكاديمية > البحوث الأدبية
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

البحوث الأدبية البحوث الأدبية


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-06-07, 11:30 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري

ملكة الانيمي


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9911
المشاركات: 4,590
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 590

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى توفيق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : merouane المنتدى : البحوث الأدبية
افتراضي

 

جريمة غسيل الأموال وآلية الحد من انتشارها


إعداد / عبد الله محمد بن الداسي


بسم الله الرحمن الرحيم
جريمة غسيل الأموال وآلية الحد من انتشارها لا يخفى أن ظاهرة غسيل الأموال والجرائم المالية قد تنامت في ظل العولمة ونمو فعالية أسواق المال الدولية، كما أدى التطور الالكتروني للعمليات المصرفية إلى تسهيل نقل الأموال والأرباح الناجمة عن عمليات الجريمة المنظمة وجعل هذه الأموال وكأنها ناجمة عن مصدر مشروع، وأصبحت حركة هذه الأموال تؤثر في الموارد المحلية والدولية وتهدد الاستقرار الاقتصادي وخاصة في البلدان الصغيرة ومنها موريتانيا وبقية الدول العربية وقد احتلت هذه الطاهرة أهمية كبرى على الساحة الاقتصادية العالمية خلال الفترة الأخيرة ، إدراكاً من المجتمع الدولي لآثارها السلبية المدمرة على الاستقرار الاقتصادي بشكل عام ، وعلى المناخ الاستثماري بشكل خاص ، وذلك على الصعيدين الدولي والمحلي.


و يمكن تعريف جريمة غسيل أو تبييض الأموال: بأنها مجموعة العمليات التي يتم من خلالها تحويل الأموال المتأتية عن أعمال محظورة إلى أموال شرعية . ومن الأمثلة على الأعمال والأنشطة المحظورة أو غير المشروعة : تجارة المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض واللصوصية والسطو والتزوير والتعامل بالبضائع المسروقة والابتزاز والاحتيال والتهرب من الضرائب. المراحل التي تمر بها عملية غسيل الأموال ثلاث هي : الأولى تتمثل بنقل الأموال من المصدر الذي يربطها بالجريمة، الثانية تتعلق بإخفاء المعالم التي يمكن من خلالها اقتفاء أثر مصدر الأموال. الثالثة تمكن مرتكبي الجريمة من استخدام الأموال بعدما أصبحت مغسولة أي أموالاً شرعية. وتأخذ عمليات غسيل الأموال وسائل مختلفة من أهمها الأتي:
1- التحويل والإيداع عن طريق البنوك: حيث يتم إيداع الأموال المشبوهة الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في بنوك إحدى الدول التي تسمح بذلك ومن ثم تحويلها إلى الوطن الأصلي للمودعين، وبذلك يكون البنك قد قام بغسيل تلك الأموال الناتجة عن عمل غير مشروع وجعلها تبدو كأي أموال مشروعة. 2- الصفقات النقدية: حيث يتم استخدامها من قبل غاسلي الأموال وذلك عن طريق تحويل العملة المحلية الضعيفة المتجمعة من الأعمال غير المشروعة إلى ذهب أو مجوهرات أو غيرها من الأصول التي يمكن بيعها في الخارج مقابل العملات الأجنبية وإيداعها في البلد الأجنبي حيث تكون تمت عملية غسيل الأموال. 3- إعادة الإقراض: حيث يقوم غاسلو الأموال بإيداع أموالهم في أي بلد خارجي تتوافر فيه العديد من المزايا منها عدم وجود ضرائب عالية على الدخل والاستقرار السياسي والنقدي، وتوافر وسائل الاتصال الحديثة، ثم بعد ذلك يتم طلب قرض من احد البنوك في بلد آخر بضمان تلك الأموال المودعة في بنك البلد الأجنبي مما يمكنهم من الحصول على أموال نظيفة في مظهرها تستخدم في شراء ممتلكات أو عقد صفقات تجارية أو ما يشابهها من النشاطات. 4- الفواتير المزورة: وتتم من خلال عمليات الاستيراد والتصدير، فصاحب الأموال غير النظيفة يقوم بإنشاء أو شراء عمل تجاري (إنشاء مشروع) في البلد الذي تجلب منه الأموال، ويقوم بعمل مماثل في البلد الذي تودع الأموال فيه، وتتمثل عملية الغسيل في هذه الحالة في شراء أو بيع السلع عن طريق عمليات صورية، حيث يشتري الغاسل للأموال سلعا من الشركة التي يراد تحويل الأموال إليها وذلك بإحدى الصور الآتية:ـ أ. رفع قيمة السلع أو الخدمات الواردة في الفاتورة ويكون الفرق هو المال المغسول. ب. إرسال فواتير مزورة فيكون المال الإجمالي المدفوع هو المال المغسول. 5- الانترنت: حيث تلعب شبكات الكومبيوتر دورا بارزا خلال السنوات الأخيرة في تسهيل عمليات غسيل الأموال وذلك من خلال الانترنيت الذي يعتبر احدث طرق غسيل الأموال المشبوهة، خاصة انه أسهل استخداما وأيسر في التعامل مع البنوك بضغطة زر تفتح لك آفاق الدخول في حسابات وأنشطة مالية ومصرفية مع أي جهة أو مؤسسة تشاء من خلال تعاملات ذات صلة بالاستثمار. الأساليب التقليدية في جريمة غسيل الأموال :
1- تهريب وتبادل العملات : وتتم هذه العملية من خلال إيداع هذه النقود في حساب جار في أحد المصارف أو المؤسسات المصرفية التي تزاول مثل هذه الأعمال ليتم من بعد نقلها بحرية إلى حيث لا تطالها العدالة . 2- الجنات المالية أو الملاذات الضريبية . 3- استخدام الشركات الوهمية . 4- الصفقات الوهمية . 5- دور السمسرة . 6- دور القمار والكازينوهات . 7- شراء الأصول المادية والوسائل النقدية . الأساليب التكنولوجية المتقدمة في جريمة غسيل الأموال 1- أجهزة الصراف الآلي . 2- الخدمات المصرفية الإلكترونية . 3- بنوك الإنترنت . 4- النقود الالكترونية والتشفيرية . 5- الاتصالات الالكترونية . 6- البطاقات الذكية . دور البنوك في عمليات تبييض الأموال ( غسيل الأموال ) : 1- المؤشرات الدالة على قيام العميل بتبييض الأموال : هناك مؤشرات كثيرة تدل على قيام العميل بعملية تبيض الأموال نذكر منها مايلي: • وجود زيادة واضحة في الإيداعات النقدية في الحسابات الفردية . • طغيان التعامل المالي النقدي مع البنك من قبل شركة أو شخص سواء بالسحب أو الإيداع بدلا من أشكال التعاملات المصرفية الأخرى . • رفض العميل تقديم معلومات تخوله عادة الحصول على خدمات وتسهيلات مصرفية والتي يعتبرها العميل العادي ميزة إضافية . • العملاء الذين يكتشف في أرصدتهم أوراق نقدية مزيفة بمعدلات واضحة . • تورط بعض العاملين في المصرف في تسهيل عمليات تبييض ( غسيل ) الأموال ويتبين ذلك من خلال التغييرات الملحوظة والمفاجئة في المستوى المعيشي وظهوره بمظهر لا يتناسب مع حالته المادية . • رفض إتمام عملية الإيداع النقدية التي تصل إلى الحد المقرر في القانون من قبل المودع إذا علم أنه يجب التحقق من هويته . • العملاء الذين يتفادون الاتصال المباشر مع البنك ويستخدمون أجهزة الصراف الآلي لغايات إجراء الإيداعات أو السحوبات المالية الضخمة . 2- السياسات التي تتخذها البنوك محاولة لتفادي الوقوع في شرك عمليات تبيض الأموال : • اعرف عميلك • ضمان وجود آثار للعمليات حيث توجب هذه السياسة على البنك الاحتفاظ بنسخة من مستند إثبات الشخصية الذي قدمه العميل والاحتفاظ بقيود وسجلات خاصة حول العمليات المصرفية المشتبه بها لتمكين الجهات الرقابية وفي حالة تبين وجود عمليات غسيل للأموال من إعادة بناء العمليات المصرفية التي قام بها الغاسل وتتبع المبالغ المغسولة حيثما ذهبت . • الاجتهاد واجب حيث يتوجب على القائمين على المؤسسات المصرفية توخي الحذر في التعاملات التي تتم مع الأشخاص والشركات والبنوك في البلدان التي لا تطبق نظما ومعايير خاصة متعلقة بمكافحة عمليات التبييض أو التي لا تكون هذه الإجراءات فيها غير ناجعة بما فيه الكفاية . وجوهر هذا المبدأ أنه لا يجوز للبنوك أن تغمض عيونها عن أي عملية منها أو إليها مشكوك فيها أو مشتبه فيها . • التقيد بالقوانين والتشريعات • التعاون الفعال بين البنوك والأجهزة الأمنية • إجراءات مناسبة للرقابة الداخلية . • البرامج التدريبية . التوصيات : إنه ومع تصاعد وتيرة هذه الجريمة في الآونة الأخيرة فإنه يتعين وضع القواعد والتشريعات الضرورية اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة ومنها على سبيل المثال :
1- إصدار قانون خاص بمكافحة عمليات غسيل الأموال المشبوهة بحيث يشتمل على مواد قانونية تعتبر المساعدة على غسيل الأموال جريمة يعاقب عليها القانون بالإضافة إلى تجريم القيام بغسيل الأموال بشكل عيني أو مصرفي. 2- في ظل نمو أسواق المال والعولمة الاقتصادية بات من السهل انتقال الأموال من دولة إلى أخرى وعليه فإنه يترتب على البنوك التعامل بشكل تام مع سلطات تنفيذ القانون لاكتشاف التدفقات غير المشروعة. 3- متابعة سلوكية العمليات البنكية المثيرة للشك لاتخاذ قرار بشأنها. 4- إعداد برنامج تدريبي متكامل للبنوك في هذا الشأن يتضمن احدث برامج التدريب المطبقة في المؤسسات المالية ذات الصبغة العالمية. 5- تطبيق إجراءات مجابهة غسيل الأموال على منتجات البنوك من عمليات الإقراض ونحوها وذلك من خلال التحري والحصول على البيانات اللازمة عن العميل طالب الإقراض والنقود بضمان ودائعه. 6- إلزام البنوك بان توافي البنك المركزي بالتقارير الخاصة بالعمليات أو العملاء الذين أثيرت حولهم شكوك ومبررات تلك الشكوك. 7- تطوير وتحديث القواعد المتعلقة بسرية العمل المصرفي وصولا إلى التوافق بينها وبين محاولات مكافحة نشاطات غسيل الأموال . 8- مراقبة التحويلات النقدية التي ترد أو تتم من وإلى الدول المعروفة دوليا أنها ملاذ آمن لغسيل الأموال وهي 31دولة حسب قائمة وضعتها (FTAF ) ومن هذه الدول جزر كايمان وجزر الفوكلاند التابعة لبريطانيا وموناكو وسويسرا وهولندا وجزر جرينادا وسنغافورة ومصر ولبنان. 9- اللجوء لاستخدام شبكة الإنترنت العالمية لتحقيق أواصر التنسيق وتوفير المعلومات عن المشبوهين أو المدانين بالقيام بثل هذه النشاطات على الصعيد العالمي . 10- وتوطيد عرى التعاون الدولي في مجال مكافحة غسيل الأموال لتضييق على غاسلي الأموال أو الهاربين بالأموال الناجمة عن ارتكابهم الجرائم . ونؤكد في الختام أن غسيل الأموال ، نشاط إجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الأموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، إلى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقترفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن المسلم به أنه ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية أنشطة المكافحة.

المراجع العامة :
1- غسيل الأموال جريمة متعددة الرؤوس . د/ سعيد النحلاوي. 2- جريمة غسيل الأموال المدلول العام والطبيعة القانونية – دراسة مقارنة – أروى فايز الفاعوري , إيناس محمد قطيشات . 3- جرائم غسيل الأموال , دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الأموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم المحامي يونس عرب , مجلة البنوك المجلد 19 , العدد 9 شهر تشرين الثاني 2000, ص 8072 .. 4- الأسس القانونية لعمليات البنوك , د: سميحة القليوبي . 5- المساهمة الأصلية في الجريمة – دراسة مقارنة – د: فوزية عبد الستار . 6- مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة , د: سليمان عبد الله . 7- الحلقة العلمية التاسعة عشر , ورقة بحث مقدمة من د.فياض القضاة بعنوان ( دور البنوك في مكافحة تبييض الأموال ) المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب –المنعقدة في عمان 26-28/9/1994. 8- مجلة الإسكان الاقتصادي ، محمد عبيد , غسيل الأموال والاحتيال البنكي , عدد 32جزيران2001ص 29. 9- الأعمال المصرفية والجرائم الواقعة عليها ,د. نائل عبد الرحمن صالح وآخرون .

والله الموفق والهادي إلى أحسن طريق .


 
 

 

عرض البوم صور منى توفيق   رد مع اقتباس
قديم 16-06-07, 06:09 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26712
المشاركات: 32
الجنس ذكر
معدل التقييم: merouane عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
merouane غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : merouane المنتدى : البحوث الأدبية
افتراضي

 

حسنا ... حسنا

وأنا لن أبقى مكتوف الأيدي أطالع فقط بدون إضافة ما وجدته ..

جرائم غسيل الاموال

المحامي يونس عرب

دراسة في ماهية ومخاطر جرائم غسيل الاموال والاتجاهات الدولية لمكافحتها وبيان بخطط المصارف لمواجهة هذه الجرائم .
نشرت على جزأين في مجلة البنوك في الاردن

تمهيد :-

تعتبر جرائم غسيل الاموال ( Money Laundering ) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، انها التحدي الحقيقي أما مؤسسات المال والاعمال ، وهي ايضا امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة ،
وغسيل الاموال ، جريمة ذوي الياقات البيضاء ، تماما كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية ،
وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية .
وغسيل الاموال ايضا ، نشاط اجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الاموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، الى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا ايضا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقارفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة .
لا احد يعرف الحجم الحقيقي للمبالغ التي يجري غسلها عبر انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ولكن ثمة اتفاق عالمي انها مبالغ ضخمة بالمليارات ، والتقدير الحالي انها تبلغ نحو 100 بليون في امريكا وحوالي 300 بليون في العالم ، وجرائم غسيل الاموال ليست حكرا على الدول الصناعية او مجتمعات الثروة ، بل انها تتسع وتنمو في بنية الدول التي يسهل النفاذ عبر ثغرات نظامها القانوني .
وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الاموال متغيرة وعديدة ، وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية ( مواد ثمينة ) ، وموجودات عقارية او نحو ذلك ، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الاكثر استهدافا لانجاز انشطة غسيل الاموال من خلالها ، واذا كانت البنوك مخزن المال ، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الاموال القذرة صفة المشروعية .
ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيسي في عمليات غسيل الاموال ، ويرجع ذلك الى دور البنوك المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية ( الاجنبية ) والحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغيرها ، وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط اكثر سهولة من حيث الاداء واقل رقابة من حيث آلية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية او بنوك الويب على شبكة الانترنت ، ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خير وسيلة لتستغل بغرض من اجل اخفاء المصدر غير المشروع للمال .
ومن جهة اخرى ، فان البنوك ذاتها ، تعد راس الحربة في مكافحة انشطة غسيل الاموال ، لحماية نفسها أولا من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها او مشاركتها في هكذا انشطة ، وللمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الاموال.
وتحتاج البنوك لمعرفة معمقة وشاملة بشان الاليات التي تتبع لغسيل الاموال ، مع الادراك انها اليات متغيرة ومعقدة غالبا ما تنشا من فكرة احتيالية او جرمية تولدت عن معرفة معمقة لصاحبها بالعمل المصرفي ان لم يكن قد لجا لخبرة مصرفية مميزة للحصول على الفكرة . من هنا كانت عمليات غسيل الاموال في الحقل المصرفي وليدة ( خبرة ) مصرفية ، ومن هنا ايضا فان كشفها ومنعها يحتاج ( خبرة ) مصرفية ، وهذه الحقيقة تدفعنا للقول ان غسيل الاموال ومكافحته صراع بين خبرات فنية من ذات المصدر والبيئة مع تباين في الهدف ، فغسيل الاموال جهد شرير ومكافحته جهد خير ، وبين الخير والشر ثمة مساحة من الاجتهاد والحركة يجب ان تسد دائما لصالح الخبرة الخيرة اذا ما اريد لانشطة المكافحة ان تنجح وتحقق فعالية مميزة .

1. يد القضاء تمتد لما فوق البحار

حتى وقت قريب كان يسود الاعتقاد ان يد القضاء لا تمتد الى الاشخاص الاجانب الذين يملكون المال القذر او يمارسون انشطة تتصل بغسيل الاموال من خارج الحدود او اؤلئك الذين لا ينتسبون الى نطاق اختصاص المحكمة التي يوجد في نطاقها المؤسسة المصرفية او المالية التي تم من خلالها اجراء عمليات الغسل ، وكذلك كان يسود الاعتقاد ان مكافحة غسيل الاموال مقتصر على اموال المخدرات القذرة ، وبكل الحالات لا يمتد الى الاموال الناشئة عن الفساد المالي والاداري للقيادات والمسؤولين المدنيين والعسكريين ، لكن هذا المفهوم يتغير شيئا فشيئا ، وتمتد يد القضاء لتطال من هم خارج نطاق الاختصاص المكاني للمحاكم ولتطال ايضا مسؤولين متنفذين عن محاولات وانشطة غسيل الاموال المتحصل من الفساد الاداري .

وتمثل قضية لوزارينكو ( رئيس الوزراء الاوكراني السابق ) مثالا مميزا في هذا الحقل ، فقد تمت ادانته لانشطة غسيل الاموال من قبل القضاء السويسري وفي الوقت ذاته وبعد هربه الى امريكا ومحاولاته اللجوء السياسي للتملص من الحكم السويسري الصادر بحقه ، جرى توجيه الاتهامات اليه وتجري محاكمته امام القضاء الامريكي .

فقد ادين لوزارينكو من قبل القضاء السويسري بتاريخ 29/6/2000 بالحبس لمدة 18 شهرا لقيامه بانشطة غسيل اموال تبلغ 880 مليون دولار في الفترة ما بين 94 - 97 ، من بينها 170 مليون تم غسيلها عبر حسابات سويسرية ، أما لوزارينكو فقد اعترف بعملية غسل 9 ملايين فقط ، وقد تم اعتقال لوزارينكو من قبل السلطات السويسرية في كانون الثاني عام 1998 عندما دخل سويسرا بجواز سفر بنمي ( بنما ) مزور واطلق صراحه بالكفالة البالغة 3 ميلون دولار امريكي ، وما لبث ان غادر الى الولايات المتحدة في عملية لجوء سياسي في نيسان عام 1990 بعد ان تم ظبته من قبل دائرة الهجرة في نيويورك لخرقه نظام الهجرة والفيزا ودخوله غير المشروع ، وبناء على طلب امريكي قامت السلطات السويسرية بتجميد ارصدة 20 حساب بنكي يعتقد انها تعود الى لوزارينكو ، وتم القاء القبض عليه واحتجازه ومنع كفالته نيابة عن السلطات السويسرية ، ولم يلبث ان تقدم المدعي العام في سان فرانسيسكو بلائحة اتهام ضد لوزارينكو وشخص اخر هو بيتر كيرتشينكو الذي يعتقد بانه هو الذي قام بتنفيذ عمليات غسيل الاموال ، وتتضمن اللائحة اتهامهما بتحويل 114 مليون دولار امريكي الى ( البنك التجاري في سان فرانسيسكو ، والباسفيك بنك ، ووست اميركا بنك ، وبنك اوف اميركا ، وميرل لينش ، ولمؤسسة افليت بوستن روبيرتسون ) خلال الاعوام من 94 -99 ، ولم يتم توجيه الاتهام الى أي من هذه المؤسسات ، اضافة الى توجيه الاتهام لهما بشراء موجودات ومشاريع في امريكا خلال عامي 97 - 98 نقدا . وتوجيه الاتهام بالاحتيال وتحويل اموال مسروقة الى الولايات المتحدة ، وقد اجاب لوزارينكو في الجلسة الافتتاحية بتاريخ 13 حزيران 2000 بانه غير مذنب .
وقد نشات وهذه القضية جراء انشطة تحقيق امتدت الى عامين كاملين تعاونت فيها الشرطة الفدرالية الامريكية واجهزة التحقيق في سويسرا اضافة الى جهات امنية في روسيا الاتحادية واوكرانيا ، وجرى التحقيق في مصادر هذه الاموال التي تبين انها نجمت عن استغلال رئيس الوزراء لمهام وظيفته هذه التي تولاها في الفترة ما بين ايار 96 وحتى تموز 97 ، وجراء تلقيه مبالغ نقدية من افراد ومؤسسات ورشاوى لتسهيل تنفيذهم لاعمالهم ، وتعد هذه القضية اول قضية وفق قانون غسيل الاموال الامريكي تستخدم الاجراءات فيها بشأن انشطة ارتكبت خارج الولايات المتحدة وتتعلق بشخص من خارجها ، وتستند المحكمة في اختصاصها الى ان جزءا من الانشطة الجرمية في بعض الحالات قد ارتكب داخل الولايات المتحدة وجزءا اخر من الانشطة كانت الولايات المتحدة فيه محطة لعمليات التحويل وادماج المبالغ محل الجريمة ضمن النظام المالي الامريكي واعادة تحويلها الى جهات اجنبية اخرى ، الى جانب ايداع النقود في بنوك الولايات المتحدة وشراء موجودات ومشروعات فيها .

2. مفهوم ونطاق جرائم غسل الاموال

ان اصطلاح غسيل الاموال يرجع من حيث مصدره الى عصابات المافيا ، حيث كان يتوفر بيد هذه العصابات اموال نقدية طائلة ( غالبا بفئات صغيرة ) ناجمة عن الانشطة غير المشروعة وفي مقدمتها المخدرات والقمار والانشطة الاباحية والابتزاز وتجارة المشروبات المهربة وغيرها ، وقد احتاجت هذه العصابات ان تضفي المشروعية على مصادر اموالها عوضا عن الحاجة الى حل مشكلة توفر النقد بين يديها ومشكلة عدم القدرة على حفظها داخل البنوك ، وكان احد ابرز الطرق لتحقيق هذا الهدف شراء الموجودات وانشاء المشاريع ، وهو ما قام به احد اشهر قادة المافيا ( آل كابون ) ، وقد احيل ( آل كابون ) عام 1931 الى المحاكمة ، لكن ليس بتهمة غسيل الاموال غير المعروفة في ذلك الوقت ، وانما بتهمة التهرب الضريبي ، وقد اخذ الحديث مداه عن المصادر غير المشروعة لهذه الاموال في تلك المحاكمة خاصة عند ادانة ( مير لانسكي ) لقيامه بالبحث عن وسائل لاخفاء الاموال باعتباره المحاسب والمصرفي العامل مع آل كابون ، ولعل ما قام به ( ميرلانسكي ) في ذلك الوقت وفي بدايات تطور الصناعة المصرفية يمثل احد ابرز وسائل غسيل الاموال فيما بعد ، وهي الاعتماد على تحويل نقود الى مصاريف اجنبية واعادة الحصول عليها عن طريق القروض .

وقد عاد المصطلح ( غسيل الاموال ) للظهور مجددا على صفحات الجرائد ابان فضيحة (ووترجيت ) عام 1973 في امريكا ، لكن ظهوره القانوني تحقق في اول دعوى امام القضاء الامريكي عام 1982 ، ومنذ ذلك الوقت جرى شيوع الاصطلاح للدلالة على انشطة اسباغ المشروعية على الاموال القذرة المتحصلة من مصادر غير مشروعة عن طريق ادخالها ضمن دائرة الاموال المشروعة في عملية تتخذ مراحل متتعددة واشكال عديدة تؤدي بالنتيجة الى اظهار المال وكان له مصدرا مشروعا .

وجريمة غسيل الاموال لا تقف عند حد امتلاك شخص لمال غير مشروع وادخاله في النظام المالي للدولة ، بل هذا مفهومها البسيط ، وهي في الحقيقة جريمة تتعدد انماطها وتطال المسؤولية فيها مرتكبها والمساهمين فيها والمتدخلين والمنتفعين ، ولعل الوقوف على انماط جرائم غسيل الاموال يستدعي ابتداءا تحديد المقصود بغسيل الاموال من الوجهة القانونية وتبين مراحل تنفيذها .
ويعد تعريف دليل اللجنة الاوروبية لغسيل الاموال الصادر لعام 1990 الاكثر شمولا وتحديدا لعناصر غسيل الاموال من بين التعريفات الاخرى التي تضمنتها عدد من الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية ، ووفقا للدليل المذكور فان غسيل الاموال (( عملية تحويل الاموال المتحصلة من انشطة جرمية بهدف اخفاء او انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الاموال او مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم )) وعملية الاخفاء او الانكار تمتد لحقيقة او مصدر او موقع او حركة او ترتيبات او طبيعة الحقوق المتحصلة من هذه الاموال او ملكيتها مع توفر العلم ان هذه الاموال متحصلة من جريمة جنائية ، ووفقا لهذا التعريف فان غسيل الاموال بالمعنى البسيط هو اظهار المال الناتج عن جرائم جنائية - كترويج المخدرات او الارهاب او الفساد او غيرها - بصورة اموال لها مصدر قانوني ومشروع .

3. مراحل عملية غسيل الاموال
هذا عن المفهوم ، أما عن كيفية تحقق غسيل الاموال ، او مراحل ذلك ، فلا بد لنا ان نتذكر ان عملية غسيل الاموال ليست فعلا واحدا ، ولكنها عملية تنطوي على مراحل وسلسلة من الاجراءات ، من هنا يكون لادراك مراحلها اهمية في تحديد ما ينشأ من صور جرمية ترتبط بهذه المراحل ، وبشكل عام فان غسيل الاموال يمر بمراحل اساسية ثلاث يمكن ان تحصل جميعها دفعة واحدة ويمكن ان تحصل كل مرحلة فيها مستقلة عن الاخرى والواحدة تلو الاخرى ، وقد عرضت مقالة غسيل الاموال في العدد السابق لهذه المراحل ونكتفي في هذا المقال بذكرها مع بيان محتواها العام :- فالمرحلة الاولى هي عملية ادخال المال في النظام المالي القانوني ( PLACEMENT ) ، وهدف هذه المرحلة التخلص من كمية النقد الكبيرة بين يدي مالكها في البلد او الموضع الموجودة فيه وذلك بنقلها من موضعها او موضع الحيازة وتحويلها الى اشكال نقدية او مالية مختلفة كالشيكات السياحية والحوالات البريدية وغيرها .

أما المرحلة الثانية فهي عملية نقل وتبادل المال القذر ضمن النظام المالي الذي تم ادخالها فيه ( ALYERING ) واما المرحلة الثالثة فتتمثل بعملية دمج المال نهائيا بالاموال المشروعة لضمان اخفاء المصدر القذر لها ( INTEGRATION ) ولتحقيق نجاح هذه العمليات الثلاث فان استراتيجيات غسيل الاموال الجرمية تنطلق من الحاجة الى اخفاء المصدر الحقيقي للملكية غير المشروعة ، والحاجة الى المحافظة على ترتيبات عملية غسيل الاموال ، والحاجة الى تغيير الالية وتعددها من اجل تحصيل كمية كبيرة من النقد المشروع .

4. الانماط الجرمية الرئيسة لجرائم غسيل الاموال
اذا ، امام التعريف المتقدم ، وامام مراحل عملية غسيل الاموال المتقدمة ، يمكننا تبين الانماط الجرمية الرئيسية التالية لعمليات غسيل الاموال :-
1 - جريمة غسيل الاموال نفسها باعتبارها الجريمة الاساسية التي تنشأ عن امتلاك شخص ( طبيعي او معنوي ) اموالا غير مشروعة جراء جريمة جنائية اخرى ، واتجاه نية هذا الشخص لمباشرة عمليات غسلها وابرام الاتفاق لتفيذ ذلك مع الجهات الوسيطة والمنفذة والمساهمة .
2 - جريمة المساعدة في انشطة غسيل الاموال مع توفر العلم بان المال غير مشروع ، وتمتد هذه الجريمة الى كل من ساهم في اية ترتيبات او اجراءات في اية من مراحل غسيل الاموال المشار اليها اعلاه سواء اكان شخصا طبيعيا او معنويا ، وهي الصورة الجرمية التي يجري على اساسها ملاحقة المؤسسات المالية والمصرفية اذا ما كانت متورطة في ترتيبات او اجراءات غسيل الاموال وهي جريمة قصدية يتطلب لها من حيث الركن المادي توفر العلم لدى مرتكبها بعدم مشروعية المال واتجاه ارادته لتنفيذ النشاط الجرمي الذي يتبع في صورته المرحلة التي يساهم فيها .
3 - حيازة او امتلاك او الاحتفاظ بالاموال محل عملية الغسيل او متحصلاتها مع العلم بالطبيعة غير المشروعة لها ، والفرض في هذه الصورة ان الشخص ليس متورطا بعمليات الغسيل ذاتها وانما يحتفظ او يحوز او يتملك المال غير المشروع على نحو يساهم في اخفاء مصدر المال ، ويساعد المجرم الذي يملك المال اصلا في الاحتفاظ بمتحصلات الجريمة ، وهي ايضا جريمة قصدية تتطلب صورة القصد في ركنها المعنوي.
4 - جريمة عدم الابلاغ عن انشطة غسيل الاموال المشبوهة ، او الاخفاق في منعها او الاهمال في كشفها ، او مخالفة متطلبات الابلاغ عنها ، او الاخلال بالتزامات الابلاغ عن الانشطة المصرفية او المالية المقررة بموجب تقارير الرقابة الداخلية او الخارجية وتقارير المؤسسات ذات العلاقة عند توفر الرابط بينها وبين المؤسسة المعنية ، وهذه الصور اضافة الى صور فرعية تنشأ عنها ، تتعلق بجرائم في غالبها ليست قصدية وانما من قبيل جرائم الخطأ والاهمال ، لكنها تنشأ مسؤوليات جزائية ومدنية وتأديبية ايضا ، وهي التزامات تتصل بالتعليمات والانظمة المقررة في المؤسسات المالية والرقابية او التي تتقرر بموجب القوانين كما في العديد من الدول الاوروبية وامريكا .
هذه هي ابرز الصور الجرمية في ميدان غسيل الاموال ، وتتباين الاتجاهات التشريعية الوطنية بشأنها ، فنجد على سبيل المثال القوانين البريطانية تحدد خمسة انماط من بين جرائم غسيل الاموال في حين نجدها اوسع من ذلك في القانون الامريكي لما يتضمنه من تفصيلات بشأن الادوار الوسيطة والنهائية للمساهمين في عمليات غسيل الاموال ، ولكن بالعموم ، فان الاطار العام لتجريم انشطة غسل الاموال ينطلق من محاور اساسية ، اولها وجود الاموال القذرة ، وهي هنا اموال متحصلة من جرائم جنائية تفتقد لاي مصدر من مصادر اكتساب الاموال المشروعة ، وثانيها : القيام بسلوكيات مادية تستهدف اخفاء المصدر غير المشروع لهذه الاموال ، وهذه السلوكيات تتباين تبعا لدور مرتكبها في عملية غسيل الاموال وتتباين ايضا بين سلوكيات ايجابية ، أي القيام بعمل ، وسلوكيات سلبية أي الامتناع عن العمل . وثالثها : توفر الركن المعنوي للجريمة الذي يتخذ في بعض صورها صورة القصد وفي صور اخرى صورة الخطأ .

5. الجهود الدولية لمكافحة غسيل الاموال

يمكن القول ان عام 1988 يمثل سنة الارتكاز بالنسبة للجهود الدولية في حقل غسيل الاموال على ان يكون مفهوما ان الاهتمام الدولي والإقليمي والوطني في هذا الموضوع قد بدأ قبل هذا التاريخ بسنوات ولكنه بقي ضمن اطار البحث العلمي ورسم الخطط وبناء الاستراتيجيات دون ان يصل الى اطار دولي لتوحيد جهود المكافحة ، ففي عام 1988 وتحديدا في 19 /12/88 صدرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة انشطة ترويج المخدرات ( اتفاقية فينا 1988 ) وتعد اهم اتفاقيات الأمم المتحدة باعتبارها قد فتحت الانظار على مخاطر انشطة غسيل الاموال المتحصلة من المخدرات واثرها المدمر على النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول ، وهذه الاتفاقية لا تعد من حيث محتواها اتفاقية خاصة بغسيل الاموال اذ هي في الاساس اتفاقية في حقل مكافحة المخدرات ، بيد انها تناولت انشطة غسيل الاموال المتحصلة من تجارة المخدرات ، باعتبار ان تجارة المخدرات تمثل اكثر المصادر اهمية للاموال القذرة محل عمليات الغسيل . ومن المفيد ان نشير في هذا المقام ان الربط بين المخدرات وغسيل الاموال اوقع العديد من الدراسات القانونية في منزلق ادى الى تصور انشطة غسيل الاموال جزءا من انشطة المخدرات فقط ، لكن لم تلبث الجهود العلمية والبحثية ان تبينت التمييز بينهما بل تتجه الان للقول بظهور مصادر جديدة للاموال القذرة اكثر اهمية من المخدرات مثل انشطة المقامرة وتحديدا عبر الانترنت والانشطة الاباحية وانشطة الفساد الاداري والمالي وتحديدا من قبل القيادات المتنفذة المدنية والعسكرية في مختلف الدول وفي مقدمتها دول العالم النامي .

الى جانب جهد الأمم المتحدة ، وبعد عام واحد تقريبا تأسس اطار دولي لمكافحة جرائم غسل الاموال ( FINANCIAL ACTION TASK FORCE ON MAONEY LAUNDERING - FATF ) نشأ عن اجتماع الدول الصناعية السبعة الكبرى ، وقد عكفت هذه المنظمة على تحديد انشطة غسيل الاموال وفتحت عضويتها للدول الراغبة ، وشئ فشيء وعبر خبرائها ولجان الرقابة اخذت تكشف عن اوضاع غسيل الاموال في دول العالم كل ذلك عبر الية التقارير السنوية التي تصدرها وتحظى باهتمام الجهات الحكومية والتشريعية في مختلف دول العالم ، ففي تقريرها لعام 2000 مثلا حددت هذه المنظمة 15 دولة غير متعاونة في ميدان مكافحة انشطة غسيل الاموال من بينها دولة عربية واحدة هي لبنان التي بدورها تقدمت للمنظمة بايضاحات واعتراضات على وضعها ضمن هذه القائمة السوداء . ويرجع لهذه المنظمة الفضل في وضع اول دليل ارشادي لانشطة غسيل الاموال وهو في الحقيقة توصيات ( التوصيات الاربعون ) يجري الاعتماد عليها في وضع استراتيجيات المكافحة والتدابير التشريعية ويعتمد عليها من قبل المؤسسات المالية والمصرفية لتقيم ادائها في هذا الحقل .

أما من حيث الجهد القانوني فيظهر بشكل بارز في اطار الاتحاد الأوروبي ، حيث صدر عام 1990 الاتفاقية الاوروبية المتعلقة باجراءات التفتيش والضبط الجرمي لغسيل الاموال وحددت الاطار الدولي للتعاون في حقل مكافحة الانشطة الجرمية لغسيل الاموال ومثلت الاطار القانوني الارشادي للبرلمانات الاوروبية في معرض اتخاذه التدابير وسن التشريعات للتعاون من اجل مكافحة جرائم غسيل الاموال . وعلى هدي التوصيات الاربعين الصادرة عن اطار الذي انشأته مجموعة الدول الصناعية السبعة صدر عن اللجنة الاوروبية / الاتحاد الأوروبي دليل الحماية من استخدام النظام المالي في انشطة غسيل الاموال لعام 1991 وقد هدف هذا الدليل الارشادي الى وضع اطار قانوني لجهات مكافحة غسيل الاموال في دول الاعضاء وقد جرى تطبيق محتواه في العديد من التشريعات الاوروبية منها قانون العدالة الجنائية البريطاني لعام 1993
ومن حيث الجهد المالي وعلى صعيد الهيئات المتخصصة فان اللجنة الدولية للنظام البنكي والممارسات الاشرافية اصدرت مبادئ ارشادية للحماية من جرائم غسيل الاموال في كانون اول عام 1988 عرفت باسم ( BASLE STATEMENT OF PRINCIPLES )
وفي المرحلة الحالية ثمة جهود واسعة في الاطار المالي والتكنيكي لمكافحة غسيل الاموال وتحديدا لاستخدام الوسائل الالكترونية تبذل من قبل الهيئات المالية الدولية غير الربحية او التجارية مثل هيئة سويفت التي عكفت على اجراء دراسات واصدار سياسات وتوجيهات ارشادية في ميدان الدفع النقدي الالكتروني والاموال الالكترونية ووسائل واليات غسيل الاموال باستخدام شبكات المعلومات وفي مقدمتها الانترنت واستخدام التقنيات الحديثة لتبادل البيانات المالية ، ويتقاطع مع هذا الجهد مع الجهود المبذولة في حقل البنوك الالكترونية وبنوك الانترنت المتخذة من قبل الهيئات المتخصصة والخبراء في البنك الدولي وبنك التسويات ومختلف منظمات النظام الاقتصادي والتجاري الدولي وكذلك منظمات وهيئات وشبكات النشاط المصرفي سواء غير الربحية او التجارية .

6. الاطار القانوني لمكافحة جرائم غسيل الاموال

ان بناء اطار قانوني عربي لمكافحة جرائم غسيل الاموال لا بد ان يكون واضح المعالم متسما بالشمولية والاحاطة يتحقق من خلاله فعالية المكافحة وسلامة النتائج .

هذا الاطار يتعين ان ينطلق ابتداءا من استراتيجية واضحة المعالم تحدد مصادر الخطر ، انماط عمليات الغسيل ، المراحل التنفيذية لها ، الترتيبات التي يتخذها غاسلوا الاموال ومعاونيهم ، والبناء القانوني القائم بما يحتويه من ثغرات تمكن لغاسلي الاموال النفاذ من خلالها لتحقيق انشطتهم غير المشروعة . فاذا ما وقفنا على المحتواة الفني لعلميات الغسيل والواقع القانوني القائم الذي يتيح النفاذ ، انتقلنا الى تبين خصائص النظام المالي العربي والانشطة المصرفية العربية والواقع القانوني المتصل بها لتبين اوجه التخصيص الخاصة بالبيئة العربية ، وبتكامل هاتين الصورتين تتضح لنا النتائج فتتحدد امامنا وبشكل دقيق الصور الجرمية المتعين اتخاذ التدابير لمكافحتها فيجري عندئذ تحديدها بشكل دقيق لننتقل الى الجزء الثاني من الاستراتيجية وهو اليات المكافحة ، وهي هنا اليات مركبة ادارية ومالية وقانونية ، يستتبعها اليات تعاون وطني واقليمي ودولي ، تترابط حلقاته وتتشابك محققة في الوقت ذاته توازن بين اهمية المكافحة وفعاليتها من جهة ، وموجبات حماية السيادة الوطنية والاقتصاد الوطني من جهة اخرى .

وبناء هكذا استراتيجية يتعين ان يعتمد على خبرات وكفاءات بحثية وعلمية وعملية من مختلف القطاعات تحقق القدرة على الاحاطة بمختلف ابعاد المسألة ، القانونية والفنية والادارية ، وهو اطار يجيد معرفة الواقع ويتميز بسعة الاطلاع على عالم ما وراء الحدود ، فيستفيد من الانشطة المتخذة في دول اخرى وفي النظم المقارنة دون ان يغفل الخصائص الذاتية للمجتمع المحلي وللاطار الاقليمي الذي تتبع له الدولة .

فاذا تحقق وجود مثل هذه الاستراتيجية كان من الواجب ان ننتقل الى اليات تنفيذها ، وهو ما يستتبع استثمار كل جهد او اطار وطني وعربي وعالمي ، وتنفيذ الاستراتيجيات يتحقق لاتخاذ التدابير التشريعية القوانين او الانظمة او التعليمات ) وابرام اتفاقيات التعاون الثنائية والاقليمية والدولية ، وتنفيذ برامج التوعية العامة ، وتنفيذ برامج التأهيل والتدريب للاشخاص والجهات التي تنيط به الاستراتيجية مهمة المكافحة او الرقابة على الانشطة المالية او مهمة الاخبار عن الانشطة المشكوك بها ، ويمثل الاطار التدريبي والتأهيلي احد اهم روافع فعالية انشطة المكافحة ، فلا قيمة للتدليل الارشادي النظري او للاستراتيجية المفرغة على الاوراق او للقوانين المحفوظة بين دفتي كتاب اذا لم تتحقق للمرتبطين بها قدرة التنفيذ العملي لمحتواها ، ويتمتد التدريب الى موظفي المؤسسات المالية والمصرفية بمختلف مراتبهم ووظائفهم والى جهات الضابطة العدلية والقضائي والقانون والى الجهات الحكومية وجهات القطاع الخاص في ان معا .

عندما كان الاستيلاء على المال هدف لعصابات السطو ، سؤل احد اشهر مجرمي عمليات السطو في امريكا عن سبب استهدافه للبنوك ، فقال انه هناك توجد النقود ، ومع تغيير النمط الجرمي من عمليات السطو التقليدية الى جرائم اصحاب الياقات البيضاء وتحديدا الجرائم الاقتصادية وجرائم الكمبيوتر ، سؤل احد اشهر ( الهاكرز) عن سبب استهدافه البنوك ايضا ، فقال انها مخزن للبيانات المالية ، ولو عاد الزمان وسألنا ال كابون عن سبب استهدافه المصارف في انشطة غسيل اموال المافيا لقال انها المدخل الى دمج المال القذر بالاموال المشروعة .

7. الاستراتيجيات المصرفية لمكافحة جرائم غسيل الاموال

• سلوكيات لازمة لمواجهة خطر غسيل الاموال

لدى المصارف عادة ادلة توجيهية بشان انشطة غسيل الاموال والمسائل المتعين ملاحظتها وايلاؤها الاهتمام واخضاعها لمزيد من الفحص والتدقيق عند حصولها من قبل احد الزبائن ، ومهم الاشارة هنا ان هذه الادلة التوجيهية التي تصدر عن منظمات وهيئات مصرفية وتنظيمية وقانونية لا تتضمن عادة كافة الانشطة والوسائل نظرا لتسارع وتنامي وتغير انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ونظرا ايضا لان هذه الادلة لا تكون بعيدة ايضا عن ايدي غاسلي الاموال ومنظماتهم الجرمية .وليس المقام لاعادة استعراض هذه القواعد والتوجيهات فهي متوفرة بين ايدي المصرفيين ، لكننا نقف على اكثر السلوكيات اهمية في سياسة الحماية من غسيل الاموال خاصة تلك التي تظهر في البيئة المصرفية العربية اكثر من غيرها .

• لا تهاون في التثبت من شخص العميل وخاصة الاشخاص المعنوية

اول واهم عنصر من عناصر ضمان عدم الوقوع في منزلقات انشطة غسيل الاموال ، عدم تهاون المصرف في التوثق من شخص العميل وتحديدا لدى بدء التعامل ، واذا كانت المصارف العربية تولي اهتماما بشان الاشخاص الطبيعية فان اهتمامها ليس بذات القدر بشان الاشخاص المعنوية وتحديدا الشركات والمؤسسات والجمعيات ، مع ان الخطر في الغالب قد يكون لدى هذه الفئة ، ان الشركات الوهمية او مؤسسات وشركات وجمعيات المواجهة احد اهم وسائل غاسلي الاموال ، وقد لوحظ في السنوات الاخيرة اتجاه عريض نحو فتح حسابات لشركات اجنبية غير مقيمة او لشركات اشخاص ( وطنيين ) منشاة في الخارج او المناطق الحرة او غيرها بالاكتفاء بوثائق غير كافية لمعرفة البنك لعمياه بالشكل المطلوب ، والاخطر التجاوز في احيان كثيرة عن عناصر هامة للتوثق ، صحيح ان البنوك تتطلب وثائق مصدقة ، لكن كثيرا من السلوكيات تتجاوز اهمية التوثق من حقيقة وجود الشخص المعنوي ، مكتفية بالظاهر غالبا ، مع ان اهم ما دربت عليه المؤسسات المصرفية ان معرفة الزبون تتطلب معرفة سياسة عمله ونطاق نشاطه وليس معرفة شخصه فحسب .

• الحذر من العميل الذي يخفي المعلومات او يقدم معلومات غير كافية

هذه القاعدة تعرفها المؤسسات المصرفية ، لكنها في الحقيقة وفي الواقع العملي متجاوز عنها كثيرا ، لقد اظهرت الدراسات التحليلية لتقارير انشطة غسيل الاموال العالمية ان اكبر صفقات غسيل الاموال كان يمكن كشفها من قبل البنك بمجرد ملاحقة ما يظهر من عدمك دقة العميل في تزويد البنك بالمعلومات ، سواء المتعلقة بشخصه او عمله او نشاطه ، وليس معنى ذلك ان الزبون المتحفظ محل للشك ، لكننا هنا نقف امام ملاحظة قد تمثل مدخلا اساسيا للحماية ، فالزبون الممتنع عن تزويد معلومات بخصوص غرض العمل و عناصر الائتمان او عن مراكز العمل او غيرها مما تتطلبه الاعمال والخدمات المصرفية قد يخفي حقيقة ما تستلزم سيرها والتوقف عندها .

• نشاطات غسيل الاموال عادة ما تغاير الانشطة التي من اجلها بدا التعامل

تنبه الادلة الارشادية عادة الى وجوب اخذ الحذر من تغير انشطة الزبائن ومن الانشطة التي لا تتلاءم مع اعمالهم الاعتيادية ، وتتطلب التدقيق فيها ، وهذه في الحقيقة مشكلة في البيئة العربية ، البيئة التي يسعى ذوي المال فيها الى اصطياد كل فرصة لتحقيق الدخل بسبب عدم وضوح معالم الانشطة الاستثمارية وتارجح المشاريع بين الفشل والنجاح واتجاهات التغيير، لكن هذا الواقع لا يمنع البنك من الوقوف على انشطة زبونه ، مثل ورود او صدور حوالات - خاصة بالوسائل الالكترونية - بمبالغ كبيرة دون وضوح مصدرها او من مصدر لا يتواءم مع طبيعة نشاط العميل ، او اتجاه العميل الى تمويل صفقات او مشاريع بشكل مفاجيء تغاير انشطته التمويلية.

• اعتماد سياسة التقارير الدورية حول النشاط المصرفي وتحليل مخرجاتها .

تعلم البنوك ان ثمة عددا كبيرا من التقارير تستوجبها انشطة الاشراف على العمل المصرفي واخرى تتطلبها الادلة التوجيهية لمكافحة غسيل الاموال ، ويلاحظ في البيئة العربية انه وان كان ثمة التزام بتنظيم هذه التقارير بانواعها لكن ثمة ايضا استهانة بسياسات تحليلها واستظهار النتائج منها ومواصلة قراءة التغيرات الواقعية بين تغيير واخر ، وفي هذا الاطار فان تقارير الايداعات والسحوبات وتقارير النقد الخارجي والمقاصة وتقارير الحوالات مع بيان مصادرها وتحديدا البنك الاول الذي استلم النقد من العميل ، وتقارير الائتمان والاقراض وغيرها تساهم فيحال قراءتها المتفحصة التحليلية من المصرفيين الخبراء على كشف العمليات المريبة وعلى الاقل تحديد الموضع الذي يحتاج توثيقا وفحصا اكثر من غيره ومن ثم التحرك الفوري اذا ماتبين وجود فعل غير مشروع .

هذه السلوكيات الادبية ، حزء يسير مما تتضمنه عادة الادلة التوجيهية الموجودة بين ايدي المصرفيين ، لكن التساؤل ، لماذا هذه السلوكيات الاربعة دون غيرها ؟ انها مسالة تتصل بما يظهره واقع النشاط المصرفي العربي ، اذ قد لا تكون السلوكيات الاخرى ذات اثر في ظل رقابة البنك الداخلية وفي ظل سياساته العملية وكذلك في ظل انشطة الاشراف والرقابة من البنك المركزي .

8. حالات عملية

- في احد البنوك ، لاحظ احد الموظفين ، ان عميلا لبنك وهو وسيط مجوهرات قد اودع مبلغا ضخما في فترة قصيرة لا تتفق مع عمله الاعتيادي ، وليتوثق من صحة ملاحظته قام بتحليل كشف حساب ايداعاته ولاحظ حركة الحساب فتاكد ان ايداع 25 مليون دولار خلال ثلاثة اشهر امر غير اعتيادي في نشاط هذا العميل ، فقام العميل بملء استمارة الرقابة على حسابات العميل التي يتطلبها القانون عند زيادة الايداعات عن المبلغ المقرر قانونا واضافة لذلك ابلغ جهات التحقيق المختصة . وفعلا ادى ذلك الى كشف واحدة من اكبر عمليات غسيل الاموال على مدى سنتين تقوم بها منظمة جرمية ، بلغت المبالغ المغسولة فيها نحو 1,2 مليار دولار ، وتبين ان المشاركين فيها نحو 127 شخصا جرى القاء القبض عليهم وجرى ملاحقة احد المصارف الكولومبية لضلوعه في هذا النشاط وعلى اثر عمليات الملاحقة تم ضبط اكثر من طن من المخدرات حيث ظهر ان مصدر الاموال القذرة هي انشطة المخدرات .
- في عملية مصرفية معقدة ، جرى ادانة اثنين من كبار موظفي احد البنوك في لوكسمبورغ وتسعة من موظفي المصرف اضافة الى 75 شخصا آخر في عدد من البلاد التي شملتها العملية … هذه العملية كشفت اهمية ملاحظة الانشطة المريبة والمتغيرات التي تحصل على موظفي البنك ، وكشفت ايضا اهمية تقارير الاداء التي تظهر بشكل تفصيلي الانشطة العملية للمدراء مقيسة بصلاحياتهم .
في هذه العملية ، التي هي في الحقيقة غسيل للاموال المتحصلة من المخدرات المبيعة في الولايات المتحدة ، كانت تجري عمليات التحويل النقدي للاموال او نقلها ماديا لتوضع في حسابات سرية في البنك ويجري التغطية على عمليات الايداع بتوقيع نماذج فارغة من كشوف رقابة الحسابات الخارجية ، ثم تجري عمليات تحويل جديد للاموال الى احد البنوك في بنما وغيرها من المصارف ويتم استعمال هذه النقود كودائع لضمان قروض او لشراء السندات وشهادات الايداع التي تستخدم ايضا لضمان قروض لدى بنوك اخرى ( طرف ثالث ) ثم تستخدم اموال القروض لتسلم الى مالكها الاخير ( الذي تبين انه في دولة اوروغواي ) ، ولم تقف عمليات الغسيل عند هذا الحد ، بل استخدمت الاموال في انشطة شرعية كشراء فنادق ومطاعم وعقارات واسهم مالية وغيرها .

الخاتمة :- مدخل خطط البنوك لمكافح غسيل الاموال

ان القراءات النظرية لعشرات التقارير الدولية ، ومتابعة وسائل غسيل الاموال التي تعرضها الادلة التوجيهية ، تبقى المتطلب الاساسي للمعرفة بمخاطر هذا النشاط والياته ، لكنها قطعا لا تمثل الوسيلة الفاعلة لمكافحة هذه الانشطة .
المعرفة متطلب رئيسي ، ومصادره متوفرة للبنوك ، لكن غير المتوفر امتحان هذه المعرفة عمليا ، مع ان الخطورة تكمن في عدم تعميم البنوك لادلة المكافحة التوجيهية على كافة موظفيها وانحصارها في فئة الادارة العليا . وهو سلك خاطيء لان اكبر عمليات غسيل الاموال كشفت في الغالب من قبل موظفين حذقين لاحظوا انشطة مريبة سواء على الزبائن او اشخاص ادارات المصرف .
والامتحان العملي لقدرة المصرف على الاحاطة بانشطة الغسيل ، يتاتى من اخضاع الموظفين الى برامج تدريبية عملية تتناول تحليلا معقما لحالات تتصل بانشطة دوائر البنك المختلفة ، وهي حالات أما واقعية ازو افتراضية لكنها بالنتيجة حالات يمتحن فيها قدرة الموظف على التقاط مايسمى ( الحالة المريبة ) وقدرته سواء هو او جهة الاختصاص في البنك على تحليل هذه الحالة والتوثق من مدى حصول النشاط غير المشروع .

في احدى الانشطة التدريبية المهمة لحالات غسيل الاموال ، لفت انتباه احد المشاركين - وهو موظف برازيلي- الى وجود حالة شبيهة في المصرف الذي يعمل يعمل فيه ، وما ان عاد الى عمله شرع في تقصي الحالة وقدم بشانها - بعد جهد رقابي وتحليلي امتد لايام - تقريرا لادارة البنك ، وجرى اعطاءه الصلاحية للتعاون مع الجهة الرقابية للتوثق من نتائج التقصي ، وكانت مفاجاة للجميع ان يكشف جهد هذا الموظف عن محاولة للشروع في واحدة من اكبر عمليات غسيل الاموال احد اطرافها كبار المتنفذين من سياسيي العالم الثالث الذي سعى لاسباغ المشروعية على اموال تحصل عليها من انشطة النساء واستغلال الوظيفة . ان ما قام به هذا الموظف كان احد اهم العوامل لانشاء وحدة متخصصة في البنك لتحليل دراسة تقارير العمل ونماذج الرقابة المالية ودراسة تحليل تقارير النقد الاجنبي ونشاط الاشخاص غير المقيمين بشكل رئيس.

............................................................ ..................................انتهت الوثيقة

 
 

 

عرض البوم صور merouane   رد مع اقتباس
قديم 16-06-07, 06:13 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26712
المشاركات: 32
الجنس ذكر
معدل التقييم: merouane عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
merouane غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : merouane المنتدى : البحوث الأدبية
افتراضي

 

وهذا أيضا عن غسيل الأموال

أساليب مبتكرة لعمليات تبييض الأموال

أشار تقرير شاركت في إصداره عدة هيئات رسمية أميركية مسؤولة عن التعاملات المالية وتطبيق القانون، إلى أن المجرمين الذين يقومون بعمليات تبييض الأموال توفرت أمامهم أساليب مبتكرة للقيام بعملياتهم الإجرامية.

ومن بين تلك الأساليب استخدام بطاقات الاتصالات الهاتفية المدفوعة مقدماً، وبطاقات الهدايا، وغيرها من الخدمات التي يُدفع ثمنها مقدما.

التقرير بعنوان (تبييض الأموال وتقييم ما تمثله من تهديد)، ونشر يوم 11 كانون الثاني/يناير، 2006، عن 16 هيئة حكومية رسمية. ويعتبر أول تحليل على مستوى الحكومة الأميركية كلها عن عمليات تبييض الأموال التي تتم في الولايات المتحدة.

وقامت مجموعة العمل التي تولت إعداد التقرير بتحليل الإحصائيات الصادرة عن الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون، والبيانات والمعلومات الخاصة بالمراقبة والقواعد المنظمة لعمل المؤسسات المالية لتقييم المخاطر المحتملة التي تسمح للمجرمين بتبييض الأموال في النظام المالي بالولايات المتحدة.
وفي تصريحاته للمراسلين الصحفيين عن التقرير يوم 11 كانون الثاني/يناير، 2006، ذكر ستيوارت ليفي، وكيل وزير المالية الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بطاقات الاتصالات الهاتفية المدفوعة مسبقاً كأحد الأمثلة المستخدمة في تبييض الأموال، باعتبارها "بديلا نقدياً آخذاً في الظهور، حيث يستطيع أن يستخدمه المستهلكون الشرعيون العاديون ومن يقومون بعمليات تبييض الأموال."
وقال إن تلك البطاقات توفر "وسيلة سهلة بلا هوية ويمكن حملها والتنقل بها لإيداع النقود ثم سحبها."
وأضاف ليفي "إنه نظراً لأننا نجحنا في التوصل إلى بعض الأموال التي أجريت لها عمليات تبييض من داخل النظام المصرفي، فإن المجرمين أخذوا يبحثون عن وسائل بديلة."
ثم أشار إلى أن المجرمين "أذكياء ومبتكرون."
وأوضح ليفي أن الابتعاد عن التعامل وجهاً لوجه مع الزبائن والمتعاملين يمثل تحدياً لقدرة المؤسسات المالية، خاصة البنوك، على القيام بعملياتها التقليدية الخاصة بالمراقبة والأمن.

وذكر التقرير أن السلطات الأميركية قلقة من أن الأساليب التقنية المبتكرة يمكن أن تسهل عمليات تبييض الأموال داخل القطاع المالي الرسمي وتساعد المجرمين والإرهابيين على إخفاء المكاسب المالية الناجمة عن عمليات وأنشطة غير مشروعة، أو التكتم على أموال لها علاقة بالمنظمات الإرهابية.
ومن جانبها صرّحت سوزان بايز محافظ الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي بالولايات المتحدة) التي

تحدثت أيضاً مع وسائل الإعلام، بأن التقرير "يعطي البنوك فكرة أفضل عن نوعية التهديدات الموجودة بالفعل."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 16/كانون الثاني/2006 - 15/ذي الحجة/1426

 
 

 

عرض البوم صور merouane   رد مع اقتباس
قديم 16-06-07, 06:15 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 26712
المشاركات: 32
الجنس ذكر
معدل التقييم: merouane عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
merouane غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : merouane المنتدى : البحوث الأدبية
افتراضي

 

غسل المال الحرام.. رؤية إسلامية

أ.د. عباس أحمد الباز

دكتوراه في الفقه وأصوله - جامعة الكويت

من المصطلحات الشائعة ذات الصلة بموضوع المال الحرام والمال المكتسب بطريق غير مشروع مصطلح "تبييض المال الحرام" أو "غسل المال الحرام"، وقد يُطلق عليه "غسيل المال القذر".
وقد شاع هذا المصطلح في أمريكا وأوروبا أكثر من شيوعه في البلاد العربية والإسلامية؛ لما تتمتع به دول أمريكا وأوروبا من خصوصية اقتصادية، ولأن مثل هذه العملية تحتاج إلى اقتصاد متطور لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.
والغرض من دراسة هذه العملية ليس بيان الموقف الشرعي منها بقدر ما هو بيان وعرض لمشكلة لها ارتباط بموضوع المال الحرام؛ ذلك أن الذي يقوم بهذه العملية هم أفراد في عصابات إجرامية لا تهدف من وراء هذه العملية تقديم أي نفع للأمة أو الوطن، وإنما تهدف إلى الحصول على مكاسب خيالية بأساليب خارجة عن القانون. وأنا لست معنيًّا هنا بإبداء رأي شرعي في هذه المسألة، مع أن الرأي الشرعي والقانوني فيها واضح، وسيظهر ذلك للقارئ بعد عرض ما يتعلق بهذه العملية من معلومات، وبعد بيان الموقف الاقتصادي والقانوني منها.
اقرأ حول هذا الموضوع:
* مفهوم غسل المال الحرام
* آثار عمليات غسل المال الحرام
* الموقف الدولي من عمليات غسل المال الحرام
* غسل الأموال في الرؤية الإسلامية

مفهوم غسل المال الحرام
رافق قيام الجريمة المنظمة وانتشار عصابات الإجرام قيام نشاطات اقتصادية واسعة غير مشروعة من قبل هذه العصابات، حيث تحصل هذه العصابات على أموال طائلة عن طريق نشاطاتها الإجرامية.
ولما كان كسب المال عن طريق النشاط الإجرامي محظورًا، فإن الدولة التي يقع فيها مثل هذا الأمر تلجأ إلى محاربة العصابات الإجرامية ومطاردتها لمنعها من الاستمرار في ممارسة أعمالها الإجرامية. ولكي تفلت هذه العصابات من هذه المطاردات، خاصة تلك المطاردات التي تتمكن الدولة من خلالها بالاستيلاء على أموال هذه العصابات، وتجميد أرصدتها، فإنها تلجأ إلى نقل أموالها المكتسبة من مصادر حرام، من أماكن اكتسابها وحيازتها، إلى أماكن أخرى خارج الدولة، حيث يتم توظيف هذه الأموال في مشاريع إنتاجية ومرافق اقتصادية، دون أن تعلم الدولة التي دخلتها هذه الأموال أن هذه الأموال مصدرها حرام أو مخالف للقانون، حيث إن العنصر الأساسي في هذه العملية هو إخفاء مصدر هذا المال الذي دخل في مشروع اقتصادي، ولذلك تُعرَّف عملية تبييض المال الحرام أو غسيل المال القذر بأنها: "عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي منه الأموال".
ولما كانت هذه العملية تقوم على السرية المطلقة، فإن عصابات الإجرام وجدت في المصارف المكان الأنسب للقيام بعمليات تبييض المال الحرام وغسيله؛ نظرًا لما تتمتع به المصارف من حرص دائم على السرية الكاملة فيما يخص الودائع التي تدخل إلى خزانتها، وترفض تقديم كشف حساب أو إظهار رقم لرصيد المتعامل معها، وهذا بدوره شجَّع عصابات الإجرام على وضع مثل هذه الأموال في مصارف عالمية على شكل ودائع ادخارية تحقق أرباحًا بفوائد ثابتة.
فكأن هذا المال الآتي من مصدر غير مشروع إذا أُدخل في عمل يُقِرُّه القانون ويأذن به تحوَّل من مال حرام قذر إلى مال نظيف، كالثوب المتسخ الذي يحمل القذر إذا وُضع في الماء النظيف أصبح نظيفًا وزال عنه القذر، ولهذا أطلق الاقتصاديون على هذه الظاهرة اسم تبييض المال الحرام أو غسيل المال القذر.
مصادر المال الحرام الذي يخضع للتبييض:
من الحقائق المسلمة في الدول التي ينتشر فيها كسب المال بطريق غير مشروع أن هناك نسبة كبيرة من الأموال التي تخضع لعملية الغسل والتبييض بعد حيازتها من طريق يحظره القانون تأتي عن طريق الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة على المستوى العالمي؛ نظرًا لما تُدِرّه هذه التجارة من ملايين الدولارات سنويًّا تذهب كلها إلى جيوب قادة العصابات الإجرامية، وقد وجدت عصابات الإجرام المنظم أن في هذه التجارة إكسير الحياة لمؤسساتها الإجرامية، حيث أصبح هذا النشاط الآثم قاسمًا مشتركًا بين مؤسسات الجريمة المنظمة، وهو ما أدى إلى قيام تحالفات إستراتيجية بين هذه المؤسسات الإجرامية على نطاق واسع في الدول التي تشتهر بعمليات تبييض المال الحرام: كروسيا، وإيطاليا، و الدانمارك، وتركيا.
وتبييض الأموال غير المشروعة لا يشمل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات والعقاقير المحرمة فحسب، بل يمتد ليشمل عائدات الجريمة كلها، ومنها الأموال الناتجة عن الجرائم الخطيرة، مثل جرائم السطو، والاختلاس، والابتزاز، والخطف، وسرقة الآثار والمقتنيات الفنية، وعمليات التزوير الواسع النطاق للنقود والعملات، وكذلك تشمل عمليات تبييض المال الحرام الأموال المحرمة التي تنشأ عن جرائم الدعارة، والفجور، والميسر.
حيث تشير التقديرات إلى أن نصف مجموع هذه العمليات مصدره تجارة المخدرات غير المشروعة، أما النصف الآخر فمصادره متعددة ومتنوعة، مثل: أعمال الاحتيال والتزوير، وسرقة السيارات، وما شابه ذلك.
كما أن تهريب الأسلحة يعتبر مصدرًا مهمًّا للحصول على المال الحرام، فإذا تم جمع هذه الأعمال الإجرامية، فإنها تشكل في النهاية فئة كبيرة من النشاطات التي ينشأ عنها المال الحرام.
كمية المال الحرام التي تُغسل في العالم:
أصبحت عوائد المال الحرام تشكل عبئًا ثقيلاً على الدول، وأصبحت الدول تنظر إلى العمليات التي يتم من خلالها تبييض المال الحرام على أنها من المحظورات القانونية والاقتصادية التي ينبغي ملاحقتها ومنعها.
ومما تعترف به الدول في هذا الموضوع أيضًا صعوبة تقدير الكمية الحقيقية للأموال الحرام التي تخضع لعمليات التبييض والغسل؛ لأن هذا من قبيل العمل الإجرامي، والعمل الإجرامي لا ينجح إلى إذا كان سريًّا مستترًا بعيدًا عن المراقبة، وبعيدًا عن أعين الناس.
فعلى الرغم من التنسيق المتزايد بين الأجهزة السرية في العالم التي تختص في مكافحة الجريمة والمجرمين، فإن هذه الأجهزة لا تملك خريطة كاملة عن حركة الأموال القذرة التي يعتقد أنها تمثل أرقامًا خيالية، حيث أُعلن في آخر مؤتمر لمكافحة الجريمة المنظمة في العالم الذي عقد في فيينا عاصمة النمسا أن "المافيا" الإيطالية تحصل على أرباح تزيد عن ثلاثمائة مليار دولار من بيع المخدرات. وهناك إحصائيات وتقديرات أولية تشير إلى أن حجم الأموال القذرة التي تخضع لعملية الغسل يقدر بمائة مليار دولار داخل الواليات المتحدة الأمريكية، وثلاثمائة مليار دولار في مختلف أنحاء العالم. ويقدر خبراء اقتصاديون آخرون أن كمية المال القذر المتداول الآن في العالم يبلغ حوالي ستمائة مليار دولار.
وبتقدير الخبراء الاقتصاديين، فإن هذه الأرقام تعني أن دخل الجريمة المنظمة يشكِّل أكثر من ثلث الناتج القومي لكل دول العالم، حيث يستخدم جزء من هذا الدخل في التأثير على ضعاف النفوس من العاملين في أجهزة مكافحة الجريمة، وفي تسهيل القيام بالعمليات الإجرامية من خلال إغلاق العيون وصم الآذان بعد ملء الأفواه بالنقود. كما تستغل هذه الأموال في إظهار كبار المجرمين في بعض الأحيان بمظهر الأبرياء الذين يقدمون العون والهبات لدور العلم والعبادة والعلاج وملاجئ الأيتام وكبار السن.

آثار عمليات غسل المال الحرام
الذي أثار العالم في العقدين الأخيرين من هذا القرن هو ضخامة حجم هذه الأموال الناتجة من عملية تبييض الأموال الناشئة عن الجريمة التي أصبحت تستخدم في تقوية وتدعيم مؤسسات الجريمة المنظمة، وفي ضرب الأنشطة المالية المشروعة، وفي الفساد والإفساد؛ ولذلك شعرت الدول بالمساوئ والآثار السلبية التي تنشأ عن عمليات غسل المال القذر، حيث لم يقتصر ضرر هذه العملية على الناحية الاقتصادية، بل تعداه إلى الناحيتين السياسية والاجتماعية؛ ولذا كان من الضروري البحث عن هذه الأموال ورصدها، واتخاذ الإجراءات القانونية لتجميدها ومصادرتها، وتحويلها من سلاح في يد العصابات إلى سلاح يُستخدم ضدها.
وقد أمكن استخلاص جملة من الآثار السلبية التي تنجم عن عمليات تبييض المال القذر وغسله، تشكِّل في مجملها القوة الدافعة للدول للاستمرار في مطاردة عصابات الإجرام التي تسعى إلى القيام بعمليات غسيل المال الحرام، حيث تتلخص هذه الآثار والمساوئ في الأمور التالية:
أ - إن عمليات تبييض المال الحرام تؤدي إلى انتشار الجرائم، وتؤدي إلى زيادة عدد المجرمين؛ بسبب التحالفات التي تخلقها هذه العملية بين العصابات الإجرامية في البلاد التي تنتشر فيها عمليات تبييض المال الحرام. فقد عُقد مؤتمر في إيطاليا في الفترة من 18 – 20 حزيران سنة 1994م، نظمه المجلس الاستشاري الدولي العلمي والفني، بالتعاون مع حكومة إيطاليا، وتحت رعاية فرع الأمم المتحدة لمنع الجريمة. وقد كشف هذا المؤتمر عن بعض الحقائق المتعلقة بعصابات الإجرام التي تقوم بعمليات تبييض المال الحرام، ومن هذه الحقائق أن هذا النشاط الآثم أصبح قاسمًا مشتركًا بين مختلف مؤسسات الجريمة المنظمة وتشكيلات إجرامية لا ترقى إلى مستوى التنظيم المؤسسي، مثل تحالف كارتل كالي، والمافيا الصقلية، وتحالف المافيا الروسية، وتشكيلات إجرامية باكستانية، ودانماركية، وتركية، وهولندية.
ب - إن عمليات تبييض المال الحرام تتم في العادة خارج حدود البلد الذي أخذت منه؛ خشية انكشاف أمرها ومصادرتها؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى إخراج الأموال الطائلة والمبالغ الكبيرة، ومن ثَم حرمان البلد وأهله من هذه المبالغ الطائلة من الأموال التي لو اكتسبت بوسائل مشروعة لكانت رافدًا للحركة الاقتصادية في البلد، ولما خرجت من داخل حدود البلد.
ج - إن عمليات تبييض المال الحرام تؤدي إلى إثراء المجرمين بسبب غير مشروع، وتجعل من هؤلاء أصحاب رؤوس أموال طائلة يسخِّرونها في العمليات الإجرامية، وفي الاستمرار في السلوك المنحرف الخارج على القانون.
د - كما أن عمليات تبييض المال القذر تؤدي إلى تمكن عصابات الجريمة المنظمة من التفوق في المنافسة على المؤسسات التي تمارس أعمالاً مشروعة، بحكم تركز الثروة ورأس المال في أيديها، وهذا يؤدي إلى إخراج مؤسسات الأعمال المشروعة والنظيفة من السوق بالإفلاس نتيجة عدم قدرتها على المنافسة.
ويُذكر في هذا المجال أن بنك الاعتماد والتجارة الدولية الذي كان قائمًا قبل أن يعلن إفلاسه عام 1991م كان من أكبر البنوك العالمية، حيث كان ينتشر في أكثر من مائة وستين دولة في القارات الخمسة وبلغت موجوداته وودائعه ما يزيد عن تسعة بلايين دولار أمريكي، وكان ترتيبه السابع بين البنوك في العالم، وقد تعرَّض هذا البنك لأكبر عملية احتيال وغسيل للأموال القذرة عرفها النظام المصرفي العالمي حتى الآن، أدت إلى إعلان إفلاسه وتصفيته وخروجه من السوق.
هـ – ومن الآثار السلبية التي تنشأ عن استمرار عمليات غسل المال الحرام، زعزعة الأمن الاجتماعي داخل المجتمع، وانتشار الابتزاز، وعمليات السطو المسلح، وقتل الناس، وأخذ أموالهم؛ وهو ما يجعل المجتمع ساحة إجرام، ويفقد أفراده عنصر الأمان والطمأنينة التي هي غاية كل إنسان في كل الأوطان والبلدان.
و- والمسألة الأكثر خطورة التي تنشأ عن عمليات تبييض المال القذر أن هذه العمليات تؤدي إلى انتقال القوة الاقتصادية في الدولة إلى أيدي العصابات الإجرامية، والقوة الاقتصادية بفعل نفوذ وسيطرة رأس المال على المشاريع داخل البلد، وهذه القوة الاقتصادية يمكن تحويلها إلى قوة سياسية مسيطرة تحكم وتتحكم في كل مقدرات البلد؛ ومن ثَم يُصبُّ النفوذ السياسي داخل الدولة في أيدي عصابات الإجرام، حيث يعزو خبراء الاقتصاد السبب أو الأسباب التي من أجلها تتم محاربة غاسلي الأموال القذرة إلى جملة من الأسباب أهمها: أن هذه العمليات تهدِّد المنظومة الدولية الموحَّدة للمؤسسات المالية، كما أنها تعمل على إفساد القادة، وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في الدولة؛ لهذا تبذل دولة مثل كولومبيا جهودًا مضنية لتخليص مؤسساتها السياسية والمالية من النفوذ الضخم لمافيا المخدرات التي تلجأ إلى غسل أموالها في كولومبيا.
لذلك وجدت الدول التي تمارس فيها عمليات تبييض المال الحرام نفسها أمام هذه المساوئ التي تنشأ عن هذه العملية مُضطرة إلى مكافحتها بالقوة، واتخاذ الإجراءات الرادعة للتخفيف من نشاط العصابات الإجرامية في هذا المجال والقضاء عليها؛ لهذا اتخذت سبل مكافحة غسيل المال الحرام شكلاً دوليًّا فرض على الدول أن تتوحَّد في مواجهة هذه العصابات كي تنجح في مكافحتها.

الموقف الدولي من عمليات غسل المال الحرام
ظهر فيما مضى أن الاحتيال بغسل المال الحرام عن طريق استثماره في مشاريع مباحة هو نوع من الجرائم الاقتصادية التي تلاقي معارضة من كافة الدول. وقد أخذ هذا النوع من الاحتيال يتنوع عالميًّا مع تقدم استخدام الأساليب الفنية الأكثر تقنية في الأجهزة المصرفية في العالم، حيث لم تَعُد هذه الجريمة تخص دولة بعينها، بل هي قضية عالمية؛ لأن الأموال التي تنشأ عن الجريمة تتحرك عبر الدول سعيًا وراء التمويه والاستثمار الجيد، بعيدًا عن احتمالات الضبط والمصادرة؛ مستفيدة من الثغرات القائمة في التشريعات الوضعية والإجراءات القانونية المنفذة لها.
ومن ثَم فإن الإرادة الجماعية للدول والرغبة الصادقة في التعاون الدولي ضرورية لمحاربة هذه الجريمة. فهناك توافق متنامٍ في العالم، يدفع بقوة نحو اتخاذ خطوات سريعة لمعالجة هذه المشكلة، وقد اتخذت سبل المكافحة لهذه الجريمة شكل المكافحة القانونية وشكل المكافحة الاقتصادية، وبخاصة في الدول النامية التي هي محط أنظار عصابات تبييض الأموال الحرام. فمثل هذه الدول التي تمر اقتصادياتها في مراحل الانتقال والتغير نحو الازدهار والتقدم تكون الفرصة سانحة لتبييض الأموال فيها واستثمارها في مشروعاتها المتعددة؛ وهو ما يحتم على هذه الدول أن تصدر التشريعات، وأن تسن القوانين التي تجرِّم من يقوم بعمليات تبييض الأموال الحرام داخل حدودها. وكذلك ينبغي عليها أن تصدر القوانين التي تسمح بالكشف عن أصحاب رؤوس الأموال التي توضع في مصارفها إذا وقع الشك في مصدر هذه الأموال.
وللمرة الأولى تشرك الدول الأوروبية الأكثر تطورًا والأكثر تضررًا بهذا العمل موظفين كبارًا من أجهزة الأمن والتجسس من ست وعشرين دولة في لجنة خصصت لمكافحة العصابات التي تلجأ إلى غسل المال الحرام، وقد أدت المطاردات المستمرة لهذه العملية إلى تضييق الخناق على تجار المخدرات والمهربين الذي يصرفون أموالهم القذرة في بلدان أوروبا الاشتراكية، مستفيدين من قصور أنظمة الرقابة المصرفية والمالية في هذه البلدان.
ويعتقد الاقتصاديون أن الطريقة الفعَّالة في مكافحة غسيل المال الحرام أن تقوم جميع الدول بتشديد الرقابة، وبالتنفيذ الحازم للقوانين المتعلقة بالتجارة وبالأنظمة المصرفية، حيث تقوم المجموعات الإجرامية بتذليل كل الحواجز التي تحكم التجارة العالمية وحركة انتقال رأس المال.
لذلك فإن اللجنة الدولية المستقلة لمكافحة غسل الأموال القذرة تمدُّ يدها للتعاون مع جميع الحكومات، بعد أن وضعت برنامجًا مكونًا من أربعين نقطة من الإجراءات المضادة لعمليات غسل الأموال القذرة، وهي تشجع مسؤولي المصارف؛ ليقوموا بالإبلاغ عن تحويلات المبالغ الكبيرة المشبوهة، وأن يقوموا بجمع المزيد من المعلومات عن زبائنهم.
وقد تركزت عمليات غسل الأموال القذرة في أمريكا وأوروبا، حيث قامت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتوقيع بروتوكول خاص لمكافحة من يقومون بهذه العمليات. وقد عُقد في العاصمة الأرجنتينية مؤتمر دولي في شهر كانون الأول من عام 1996م كُرِّس للبحث في سبل مكافحة غسل الأموال، حيث شارك في هذا المؤتمر وزراء مالية من أربع وثلاثين دولة.
ومع كل هذا فما زالت المصارف الأمريكية وفروعها في الخارج وشركاؤها في روسيا وفي دول أوروبا الشرقية تشعر بالقلق الشديد من ضخامة المبالغ التي تحول إلها عن طريق منظمات الإجرام في تلك البلدان.
وفي روسيا فإن المافيا الروسية تلعب دورًا من أخطر الأدوار، مستفيدة من شبكة الجواسيس التي كان جهاز المخابرات الروسي قد أنشأها داخل الولايات المتحدة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث تحول العديد من هؤلاء الجواسيس للعمل في مجال نقل الأموال غير المشروعة، وقد ذكر واحد من المؤتمرات الأخيرة للإنتربول (البوليس الدولي) أن دوائر الجريمة المنظمة في موسكو قد حولت إلى الخارج مائة مليار دولار.
وتشير المعلومات كذلك إلى أن المصارف السويسرية تُصب فيها الأموال القذرة. ولكن بفضل الضغط الأمريكي، فإن مديري هذه المصارف أدخلوا إجراءات صارمة تتطلب تقديم وثائق رسمية عن منشأ المبالغ الكبيرة المطلوب إيداعها أو تحويلها.
وفي الآونة الأخيرة أصبحت دولة جنوب أفريقيا مركزًا لتبييض الأموال القذرة؛ لخلو تشريعاتها من أحكام مكافحة مثل هذا النوع من الجرائم، ولأن تبييض الأموال لا يعتبر عملاً مخالفًا للقانون إلا إذا كان مرتبطًا بتجارة المخدرات؛ ولهذا كان من الصعب تقدير قيمة العملات الصعبة القذرة التي تمر في جنوب أفريقيا لإعادة إدخالها بعد ذلك في اقتصاديات الدول الغربية، حيث يؤكد الخبراء تزايد الحسابات الدولية الغامضة في المصارف الجنوب أفريقية.
ففي جنوب أفريقيا مصارف كبيرة حديثة، وسوق نقدية متطورة، وقوانين مرنة، وهي تتمتع بمنفذ سهل نسبيًّا إلى اقتصاد الدول الأوروبية والآسيوية والأمريكية، حيث تسعى لجنة القوانين الجنوب أفريقية - وهي هيئة استشارية - إلى أن تُلزم المصارف بأن تكون أكثر تشددًا بالكشف عن هويات زبائنها، وأن تبلغ السلطات المختصة بكل صفقة مهمة، فيما يتم إنشاء وحدة من الشرطة للتحقيق في الصفقات النقدية المثيرة للشبهات.
الإجراءات الدولية لمكافحة تبييض المال الحرام:
ولمزيد من التعاون الدولي في مجال التحريات، والمساعدات القانونية المتبادلة، وتسليم المجرمين، وتعقب الأموال الناشئة عن عملية تبييض المال الحرام ومصادرتها، فقد قامت الدول المعنية بهذا الموضوع بالتنسيق فيما بينها لاتخاذ التدابير القانونية والاقتصادية اللازمة لملاحقة غاسلي المال الحرام، وقامت بعقد المؤتمرات والاتفاقيات التي منها:
أ - عقد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988م.
ب - عقد الاتفاقية الأوروبية الخاصة بغسل وتفتيش وضبط ومصادرة إيرادات الجريمة لعام 1990م.
جـ – عقد المؤتمر الدولي لمنع ومكافحة غسل الأموال، واستخدام عائدات الجريمة في إيطاليا من 18 - 20 حزيران/ يونيو عام 1994م، ونظمه المجلس الاستشاري الدولي والفني بالتعاون مع حكومة إيطاليا وتحت رعاية فرع الأمم المتحدة لمنع الجريمة.
أما المكافحة الاقتصادية فقد تمثلت فيما يلي:
(أ) تكثيف الجهود الدولية للحد من استخدام النظام المصرفي في عمليات تبييض المال الحرام، وقد تمثل ذلك في إعلان بازل وتوصيات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية التي ضمت الدول السبع الصناعية، حيث كان من أهم توصيات فرقة العمل المنبثقة عن قمة الدول السبع الأكثر تقدمًا والأكثر تضررًا من هذه العملية ما يلي:
1. تجريم أفعال غسيل الأموال وتقرير عقوبات رادعة لها.
2. تقرير المسؤولية الجنائية للمصارف والشركات باعتبارها شخصيات اعتبارية، بالإضافة إلى إيقاع المسؤولية الجنائية على العاملين فيها، واعتبارهم شركاء في الجريمة في حال وقوع عملية تبييض للمال الحرام في مؤسساتهم.
3. الاحتفاظ بسجلات هوية للعملاء ومعاملاتهم والتبليغ عنهم إذا وقع الشك في مصدر أموالهم.
4. اتخاذ التدابير اللازمة للتحري عن الأشخاص الذين يمتلكون مؤسسات أو شركات لا تمارس نشاطًا تجاريًّا في البلد الذي يقع فيه المكتب المسجل .
5. التحري عن العمليات الكبيرة، وعن الأنماط غير المعتادة للمعاملات التي ليس لها هدف اقتصادي واضح أو هدف قانوني ملموس.
6. ويمكن للمصارف أن تحترز من عمليات غسيل المال الحرام إذا عرفت زبائنها الذين يودعون لديها أموالاً أو يتلقون بواسطتها تحويلات مالية، ووجوب تبليغ السلطات المختصة في حال إيداع كميات كبيرة من الأموال النقدية.
7. تشديد الرقابة على الأموال التي تدخل المصارف في كل دولة، ومعرفة مصادر الأموال التي يفتح أصحابها لهم حسابات في هذه المصارف، خاصة إذا كان المبلغ كبيرًا، ويشتبه أنه من كسب غير مشروع.
ففي لبنان مثلاً: طلبت اللجنة التي تدرس التشريعات المتعلقة بتبييض الأموال، إلزام المؤسسات المصرفية والمالية الخاضعة لسرية المصرفية بالقيام برقابة ذاتية على العمليات التي تجريها مع زبائنها؛ لتلافي تورطها في عمليات يمكن أن تخفي تبييضًا لأموال ناتجة عن جرائم المخدرات، ودعت اللجنة المصارف إلى وجوب التحقق من هوية زبائنها الدائمين والعابرين، ووضع أصول ملائمة من أجل استدراك ومنع إجراء عمليات لها علاقة بتبييض الأموال وبالامتناع عن إجراء أية عملية مشبوهة، وقطع التعامل مع أي عميل يطلب إجراء عمليات مشبوهة.
(ب) كما أن الجهات الدولية المهتمة والمعنية بمكافحة غسيل المال الحرام تشجع على إنشاء وحدات استخبارية مالية؛ لمراقبة حركة الأموال غير المشروعة، حيث بلغ عدد هذه الوحدات في أنحاء العالم عشرين وحدة.
ومن البلدان التي أنشأت مثل هذه الوحدات بلدان صغيرة، مثل: سلوفانيا، وبنما، وأخرى لها صلاحيات قضائية في أماكن متعددة تقوم بينها وبين المؤسسات المالية علاقة عمل وثيقة تشكل نهجًا مهمًّا في توفير سبل الوقاية الضرورية، وتوفر سبل المساندة في التقصي ومحاولة إبقاء المصارف في منأى عن الفساد، وعن استغلالها من قبل أعضاء عصابات الجريمة المنظمة.

غسل الأموال في الرؤية الإسلامية
أولاً: الرؤية الإسلامية لمعالجة مشكلة تبييض المال الحرام:
هذَّب الإسلام أتباعه، وردع الجريمة وأسبابها بما فرض من تعاليم شرعية ونظم أخلاقية تحمي المجتمع وتصونه من أسباب الجريمة والانحراف، فالإسلام يدعو إلى إقامة الخير، ونبذ الشر، والقضاء على المنكرات.
والأخلاق هي العاصم للإنسان من جميع التصرفات الشائنة، وهي التي تجعل منه إنسانًا خيِّرًا لأهله ووطنه؛ ليكون مفتاحًا لكل خير مغلاقًا لكل شر، فهي تهذِّب النفوس وتطهِّرها من كل دنس وخبث، وترتقي بالفرد إلى درجة الكمال الإنساني، وترفعه من مقام الخضوع للشهوات إلى مقام العبودية لله تعالى، فتجعل الفرد نافعًا لنفسه وللمجتمع، وتجعل منه - في ذاته - مثلاً صالحًا، فلا يصدر عنه ما يوجب الذم واللوم، ولا يقع منه ما يخل بالمروءة أو يقلل من قيمته، فهو يتحلى بأفضل السجايا ويتخلى عن نقائص الدنيا.
كما أن الشريعة الإسلامية تحرص على حمل الناس على طاعة أوامرها ونواهيها طاعة اختيارية، وتعتمد في تحقيق هذه الطاعة على إيقاظ الشعور الإيماني في النفوس، وتذكير المسلم باليوم الآخر، وما فيه من ثواب وعقاب، وبيان ما في أوامرها ونواهيها من خير ومصلحة للناس في الدنيا والآخرة.
لكن لما لم يكن الناس سواء في يقظة الضمير الديني، وتحقق الإيمان، واستحضار اليوم الآخر وخشيته لتحقيق الأوامر والنواهي، كانت العقوبات التي توقعها الشريعة على الذنوب والجرائم هي الطريقة الملزمة لتنفيذ أوامر الله ونواهيه. فالعقوبة رادعٌ للجريمة لتوفر غريزة الخوف عند الإنسان، ولما فطر عليه من حرص على كف الأذى عن نفسه، فإذا رأى الإنسان في الجريمة نفعًا له وأراد ارتكابها فإن شبح العقاب المرعب يردعه عنها.
ومن المسلمات البديهية أن ردع الجريمة والمجرمين من شأنه حماية مصالح الناس وإبعاد الأذى عنهم، ومصالح الناس هي الدين، والنفس، والمال، والعقل، والنسل. وهذه المصالح لا قيام للحياة بدونها؛ لذلك كان الاعتداء عليها جرمًا يستوجب العقاب، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول هو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة يُعَدُّ دفعها مصلحة.
وقد كان منهج الإسلام واضحًا في محاربة الجريمة مهما كانت صغيرة، وشرع العقوبات المغلَّظة التي تمنع الاعتداء على أموال الآخرين وممتلكاتهم، وسد كل طريق يمكن أن يسلك منه المجرم إلى الجريمة، ولم يتهاون في أمر الجرائم الكبرى التي يقع فيها الاعتداء على النظام العام داخل الدولة، فالسارق الذي يعتدي على أموال الغير وممتلكاته تقطع يده، وقاطع الطريق الذي يسلب الناس أموالهم، ويفسد على المسافرين أمنهم واطمئنانهم، وينشر الفساد في الأرض يعاقب بقطع يده ورجله من خلاف. هذه عقوبات شديدة يُراد منها استئصال الجريمة وأسبابها. وعظم الجريمة يناسبه تغليظ العقوبة، وإلا لم يتحقق الغرض من العقوبة.
فمؤسسات الأمن الغربية التي تلاحق عصابات الإجرام التي تقوم بعمليات تبييض المال الحرام لو كانت جادة فعلاً في احتواء هذه المشكلة والقضاء عليها، فإن عليها أن تسلك مسلك الإسلام في تربية الفرد على الأخلاق الفاضلة، وأن تعمل على وجود الشعور الداخلي الذي يمنع الفرد من الإقدام على الجريمة. فالدولة التي لا تربي أفرادها على الأخلاق والفضائل الحميدة، كيف لها أن تطالبهم بأن يكونوا أفرادًا صالحين بعيدين عن الإجرام؟!!
كما أن سن القوانين الهزيلة التي لا تردع مجرمًا ولا يرعوي بها من كان خارجًا على القانون يفتتح الباب أمام أهل الإجرام للسير في طريقهم المنحرف؛ إذ أن القانون الهزيل لا يأتي بعقوبة صارمة. ودليل ذلك أن أيًّا من الدول اليوم لا تقطع يد السارق ولا تقطع يد المحارب ورجله، وتكتفي بإلقاء المجرم في السجن، بينما لو كان المجرم يعلم أنه لو أقدم على أخذ مال غيره تقطع يده لدعاه ذلك إلى أن يفكِّر ألف مرة قبل أن يُقْدم على مثل هذا الفعل.
فالدولة بقوانينها الهزيلة ونظام أخلاقها الفاسد تساعد في وجود المجرمين والمنحرفين الخارجين على القانون، وهي بذلك تكون شريكًا فيما يقع من جرائم ومن عمليات سطو ورشوة وأخذ مال الغير بالقوة. والغريب الذي لا يقبل به عاقل أن الدول تتناقض مع نفسها في محاربة الجريمة، فهي تدَّعي مثلاً أن نسبة من المال الذي يخضع لعمليات التبييض مصدره الدعارة ومواخير الزنى، وهي في ذات الوقت ترخص هذه المواخير وتشجع على فتحها، فإذا جاءت عصابات الإجرام وحصلت على المال من هذه المواخير واستثمرته بعد ذلك كانت خارجة على القانون.
فعلى الدولة التي تتطلع إلى حماية نفسها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من هذه الجريمة الخطيرة أن تحذو حذو الإسلام، وأن تسلك منهجه في تغليظ العقوبة على مقترفي الجريمة، وأن تبذر في المجتمع بذور الأخلاق الفاضلة لتثمر أفرادًا أسوياء أصحاب فضيلة ونفوس طاهرة. وبغير ذلك تبقى الجهود المبذولة في محاربة عصابات الإجرام لا تجدي نفعًا ولا تقدِّم حلاًّ. فالإيمان بالله تعالى، والتحلي بالخلق الإنساني الفاضل هما السبيل الأمثل للقضاء على عنصر الشر في المجتمع.
ثانيًا: الموقف الشرعي من المال الحرام بعد تبييضه:
ولو أردنا أن نخرج هذه العملية ونعرضها على قواعد الفقه وأصوله للوقوف على حكم الشرع فيها من حيث الحلال والحرام، لوجدنا أن مثل هذه العملية تنافي الشرع وأحكامه ولا تتفق مع قواعده وأصوله، ذلك أن الإسلام يحرِّم كل كسب بطريق محرم. والأموال التي تخضع لعمليات الغسل والتبييض أموال تنشأ عن الجرائم، وعن التزوير، والسرقة، والدعارة، والسلب، والاعتداء على ممتلكات الآخرين بالسطو أو النهم، إلى غير ذلك من الوسائل المنحرفة التي لا يجيزها الإسلام.
لكن لو حصل أن عرضت أموال من هذا النوع على المسلمين بعد مصادرتها وتجميدها من قبل الدول، بخاصة الأقليات الإسلامية التي تعيش في البلدان التي يقع فيها غسيل للمال الحرام أو توجد فيها الجريمة المنظمة، فقد رأينا كيف عرضت أموال اليانصيب على المسلمين في بريطانيا، على أن تنفق في بناء المساجد، وإقامة دور العبادة، وطباعة القرآن الكريم.
فهل الإسلام يمنع من قبول المال الحرام والانتفاع به بعد تبييضه وإدخاله في مشروعات لا يحظرها القانون؟ وماذا يكون رأي الشرع إذا وقع مثل هذا المال في قبضة رجال الأمن، وتمَّ توزيعه على الأقليات في البلاد، ومنها الأقليات المسلمة؟ وما الموقف الشرعي من هذا المال في حال ما إذا وضعت الدولة يدها على مشروع يتعامل بمنتج حلال فيه نفع للناس كان هذا المشروع قد أسس من هذا المال الحرام؟ وهل يحل للمسلمين أن ينتفعوا بمنتجات هذا المشروع أم يحرم عليهم؟ وهل منع الجريمة بالاستيلاء على المال، وإيقاف عملية تبييضه وغسله، ومنع استمرار تحصيله بطريق حرام يكفي للحكم بإباحة الانتفاع بهذا المال الحرام؟ أم أن الحرام لا يزول إلا إذا أُغلق هذا المشروع وتم القضاء عليه نهائيًّا؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة جميعها واحد وهو جواز الانتفاع بهذه الأموال لو فُرِض عرضها على المسلمين؛ لأن المنظور إليه في هذه الأموال أنها أموال كسب غير مشروع ليس له مالك مخصوص، والمال الحرام في يد المسلم إذا كان مالكه الحقيقي مجهولاً غير معروف، فإن حكمه الدفع إلى الفقراء والمساكين، وإلى المصالح العامة للمسلمين.
والمال الذين يخضع لعمليات التبييض هو مال حرام في وصفه وكسبه، وصاحبه مجهول، ولا يمكن بحال الوقوف عليه فيما لو فُرِض البحث عنه. فليس هناك فرق بين المال الحرام الذي في يد المسلم والمال الحرام الذي يخضع لعمليات الغسل والتبييض؛ لأن كليهما مال حرام في حكم الشرع جهل مالكه. فيجب التخلص منه بوضعه في مصرفه الملائم وهو المصالح العامة، والفقراء، وأصحاب الحاجة.
وسواء تمت مصادرة هذا المال والاستيلاء عليه قبل إدخاله في عملية التبييض أو كان الاستيلاء عليه بعد خضوعه لعمليات التبييض، فمثل هذه العملية لا تغيِّر من صفة هذا المال؛ إذ إنه مال حرام أُخذ بطريق لا يُقِرُّه الشرع ولا يقبله القانون.
ولا يجوز قياس هذا المال على بعض الأعيان التي إذا تغيرت من حال إلى حال يختلف فيها الحكم الشرعي: كالخمر إذا تخللت أصبحت جائزة الاستعمال لتحولها خلاًّ.
ووجه عدم صحة القياس أن الأعيان يكون تغيرها جذريًّا، أي يكون تغيرًا ماديًّا حقيقيًّا يتعلق بجوهر المادة ووصفها، فالسائل المُسْكر إذا تحول إلى خل فقد تحول جوهره بالكامل إلى مادة جديدة هي مادة الخل، ولم يَعُد يسمَّى خمرًا. ومثل هذا التحول لا يكون في المال؛ لأن المال جوهره واحد لا يطرأ عليه أي تبدل أو تغير؛ إذ الحرمة فيه صفة منفكة عن ذاته لا تختص بحقيقته وجوهره، فلا يكون المال الحرام بعد غسله وتبييضه مالاً حلالاً.
ولا يعترض أحد بالقول: إذن كيف جاز قبول مثل هذا المال وهو مال حرام؟
فإن هذا الاعتراض ليس في محله، وجوابه أننا قبلنا هذا المال لا على أنه مال حلال، بل قبلناه بوصفه مالاً حرامًا نشأ عن الجريمة لم يُعرف له مالك، فيؤول إلى المصلحة العامة للمسلمين، وإلى من يحتاج إليه من الفقراء والمساكين، وهو لهم حلال؛ لأن الشارع الحكيم أباحه لهم.
والخلاصة في هذه المسألة أن الموقف الشرعي من هذا المال هو جواز أخذه وتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، أو إعطاؤه للجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية التي تقدم عملاً نافعًا للمسلمين، فإن مثل هذا المال حكمه حكم كل مال مكتسب بطريق غير مشروع جُهل مالكه، إذا دُفِع إلى المسلمين لا يجوز حرقه أو إتلافه أو إهلاكه، بل الواجب استغلاله واستثماره فيما يعود على المسلمين بالخير والفائدة.
والقول: إن هذا المال مصدره حرام، فلا يجوز للمسلمين أن يقبلوا به أو أن ينتفعوا به ما دام أنه من كسب حرام، وما دام أنه من مصدر لا يقره الإسلام ولا يقبل به، فإن مثل هذا القول لا يُلتفت إليه؛ لأنه يؤدي إلى تفويت هذا المال على المسلمين، وتحويله إلى غير المسلمين ينتفعون به ولا ننتفع نحن به، وليس هذا في مصلحة الإسلام وأهله.

 
 

 

عرض البوم صور merouane   رد مع اقتباس
قديم 16-06-07, 06:36 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري

ملكة الانيمي


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 9911
المشاركات: 4,590
الجنس أنثى
معدل التقييم: منى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدامنى توفيق عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 590

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
منى توفيق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : merouane المنتدى : البحوث الأدبية
افتراضي

 

شكراً أخي على هالإضافة الرائعة منك وأي طلبات تانية أنا جاهزة

 
 

 

عرض البوم صور منى توفيق   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تبيض الاموال, بيوت, غسل الأموال
facebook




جديد مواضيع قسم البحوث الأدبية
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:57 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية