لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء


فرسان الارض- الكتاب الاول

بسم الله الرحمن الرحيم اصدقاء المنتدى, هذه رواية خيالية من تأليفي, ارجو منكم موافاتي بالاراء حتى استكملها, وشكرا لكم منتدى ليلاس الثقافيمنتدى ليلاس الثقافي

 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 22-04-07, 12:57 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 27623
المشاركات: 12
الجنس ذكر
معدل التقييم: اسلام ادريس عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
اسلام ادريس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
افتراضي فرسان الارض- الكتاب الاول

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اصدقاء المنتدى, هذه رواية خيالية من تأليفي, ارجو منكم موافاتي بالاراء حتى استكملها, وشكرا لكم

[URL="http://www.liilas.com/vb3/"]منتدى ليلاس الثقافي[/URL

فرسان الارض..

على ارض بعيدة..

كانت موجودة في زمن موغل في القدم..

ستدور الاحداث..

وعن شخصيات لا نقرأ عنها الا في كتب الاساطير المنسية..

ستكون المغامرة..

انهم ابطال لم يسعوا للبطولة..

ولكنها كانت قدرهم..

معارك لا تنتهي..

ومغامرات مثيرة..

واجواء ساحرة..

انها ملحمة عن الشجاعة..

عن الصراع الازلي.. بين الخير والشر..

ملحمة سنطلق عليها لقبا مميزا..

انه لقب الفرسان.. فرسان الارض..

اسلام ادريس


الكتاب الاول..

(فارس الصحراء)..

اسمه مجد..

ينتمي الى قبيلة تعيش في الصحراء الشمالية..

كان قدره ان يغادر الصحراء..

تاركا وراءه كل شيئ..

ليبدأ مغامرته الكبرى..

لايعرف كيف, واين, ومتى تنتهي..

امور كثيرة سيراها مجد خارج الصحراء الشمالية..

وامور اكثر سيواجهها.. فمالذي سيواجهه ياترى؟!..

انه من الصعب الاجابة في هذه المساحة الضيقة!!..

فالأمر بالتأكيد يحتاج الى مساحة اكبر.. واكثر رحابة!!..








طبول الحرب..

امتدت الصحراء الواسعة برمالها التي تسلطت عليها اشعة الشمس, وتلالها الرملية المتناثرة هنا وهناك, وجبالها العالية التي بدت كأشباح قائمة في المدى البعيد..
ومن خلف تل رملي انطلق صهيل قوي قبل ان يبرز جواد اسود كليل بهيم بلاقمر, وعلى صهوته استقر الفارس..
بنيان متماسك وقوي, بشرة سمراء لوحتها الشمس, عينان سوداوان واسعتان يعلوهما حاجبين كثين, وندبة امتدت على جانب وجهه الايسر, وشعر اسود طويل انتثر على كتفيه بلا انتظام..
ملابسه بدت بسيطة ومتمشية مع اجواء الصحراء الحارة, ومن حزامه تدلى سيف ضخم, وعلى ظهره كنانة امتلأت بالسهام, وعلى كتفه الايمن قوس ذو وتر مشدود جيدا..
اسمه مجد, فارس ينتمي الى واحدة من القبائل التي تسكن الصحراء الشمالية منذ سنوات طويلة للغاية, وكعادته كل يوم, خرج على صهوة جواده الادهم مبتعدا عن مضارب القبيلة, يجوب الصحراء الواسعة بحثا عن صيد ما..
وهاهو يدور بعينيه في كل اتجاه, وماان وقعتا على غزال يقتات من شجيرات الصحراء الجافة حتى تألقتا, وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة واسعة وهو يقول:
- هاهو صيد ثمين ايها الادهم.
قالها وجذب من كنانته سهما, وبكل هدوء ثبته في وتر القوس, وصوبه تجاه الغزال الغافل عن الخطر المحدق به, وافلت السهم ليشق الهواء بصفير حاد قبل ان ينغرس في عنق الغزال الذي سقط مضرجا في دمائه التي سالت تروي الرمال العطشى..
ولكز مجد جواده ليتقدم به نحو الغزال الصريع, وعاد يعلق القوس على كتفه, وماان هم بالترجل عن صهوة الجواد حتى تناهى الى سمعه صوت حوافر جواد يقترب من جهة الجنوب, فقطب وهو يدير عنان الجواد, ومن خلف التلال بدا جواد اشهب يقترب وفارسه يصيح بأعلى صوته:
- مجد.. يا مجد.
قال مجد متعجبا:
- انه زعس!!.. مالذي اتى به الى هنا؟!.
وسرعان ما اتته الاجابة عندما توقف الجواد الاشهب امامه وزعس يقول بصوت لاهث:
- هجير وفرسانه يهاجمون يامجد.
قطب مجد مرة اخرى قبل ان يقول:
- هجير وفرسانه؟!.
هز زعس رأسه بالايجاب وهو قول:
- اجل يا مجد, انهم يهاجمون بأعداد كبيرة هذه المرة, وقد اخذ فرساننا على حين غرة.
شدد مجد قبضته على عنان الادهم وقال بلهجة امتزج فيها الغضب بالصرامة:
- هلم بنا اذن يا زعس, فلابد من تلقين هجير وفرسانه درسا قاسيا.
قالها وانطلق يتبعه زعس..
انه هجير زعيم عصابات الجبال البعيدة, وهاهو يغير على مضارب القبيلة من جديد, ولكن بأعداد كبيرة هذه المرة, اذن فهو ينوي فرض سيطرته التامة بلاشك..
وارتقى مجد تلا رمليا يشرف على مضارب القبيلة ليطالعه مشهد فرسان هجير وقد اشتبكوا مع فرسان القبيلة في معركة حامية الوطيس..
واستل مجد سيفه ورفعه عاليا وهو يهتف:
- لقد اتاك مجد يا هجير.
قالها وانطلق يهبط التل مثيرا خلفه عاصفة من الغبار, وهلل فرسان القبيلة لدى رؤيته في ساحة المعركة, فمجد لم يكن ابدا مجرد فارس عادي, بل هو تميمة النصر في اي معركة تخوضها القبيلة..
وبدا مجد على متن جواده الادهم, وسيفه يضرب يمينا ويسارا كأسد ثائر تجرأت مجموعة من الثعالب على اقتحام عرينه في غيابه, وبات واضحا ان الهزيمة ستكون من نصيب هجير وفرسانه, وعلى صهوة جواده زمجر هذا الاخير وهو يقول غاضبا:
- تبا لك يا مجد.. تبا لك.
ثم التفت الى احد فرسانه وقال:
- قم بتنظيم انسحاب سريع يا سعدون.
قالها وانطلق بجواده نحو خيام نساء القبيلة, فقال سعدون يسأله:
- الى اين تذهب ايها الزعيم؟.
مجيبا قال هجير وهو يبتعد بجواده:
- نفذ ماامرتك به ولا تسأل يا سعدون.
ولم يمض على عبارته وقت كثير قبل ان يبدأ فرسانه في الانسحاب من ساحة المعركة يجرون وراءهم اذيال الهزيمة, واخذ فرسان القبيلة يطلقون صيحات حماسية, في حين اعاد مجد سيفه الى غمده, ودار بعينيه بين جثث القنلى التي مزقتها السيوف والرماح, وتنهد بقوة قبل ان يقول:
- معركة اخرى, والمزيد من الدماء تروي الرمال.
ودون ان يشارك الفرسان حماسهم لكز جواده ليبتعد به عن المكان, ولكنه سرعان ماجذب عنانه ليتوقف عندما سمع صوت صراخ وعويل آت من خيمة كبيرة توسطت خيام النساء, فأسرع الى هناك ليستطلع الامر, وقبل ان يبلغ الخيمة اعترض زعس طريقه ليقول وقد تجهمت ملامحه:
- لقد اختطف هجير الاميرة ياسمينا زوجة الامير خالد يا مجد.
قال مجد منزعجا:
- ماذا؟!!, وكيف نجح هجير في اختطاف الاميرة يازعس؟!!.
زفر زعس وقال مجيبا:
- من المؤكدانه استغل الفوضى التي سادت المضارب يامجد و..
قاطعه مجد ليقول بحزم:
- ابلغ الامير خالد ان الامير ياسمينا ستعود الى القبيلة قبل ان تتوسط الشمس كبد السماء.
ودون ان يضيف حرفا انطلق بجواده الادهم كالريح, فقال زعس مندهشا:
- انتظر يا مجد, لا تذهب اليهم وحدك يا مجنون!.
ولكن مجد اختفى مع جواده خلف التلال, فعض زعس على شفته السفلى قبل ان يقول:
- لابد ان يعلم الامير خالد بهذا, لابد.
* * * *
مبـــارزة..

- لقد اجاد هجير اختيار مخبئه حقا.
قالها مجد وهو يسير بجواده الادهم الهويني عبر ممرات الجبال التي اكتنفها الضباب, وامتدت يده الى مقبض سيفه تحسبا لأي هجوم مباغت من فرسان هجير..
واسمتر مجد في طريقه عبر الممرات الجبلية دون ان يصادف اي اثر او علامة على وجود اي كائن حي في هذه الجبال حتى بلغ ساحة واسعة بين الجبال, فجذب عنان الادهم ليتوقف, وترجل عن صهوته وهو يتلفت حوله و..
- هجير..اني اتحداك ان تواجهني الآن في عرينك, وبين رجالك.
قالها مجد وهو يستل سيفه ويلوح به في الهواء, وسمع صدى صوته يتردد من حوله, ولكن مامن اجابة على تحديه لهجير, فقطب قبل ان يصيح مرة اخرى:
- اخرج من مخبئك يا هجير, وواجهني كرجل.
وماان اتم عبارته حتى انطلق سهم يشق الهواء لينغرس في الارض امام مجد الذي قال بصرامة:
- انك تثبت لي جبنك وتراجعك عن مواجهتي يا هجير.
ومع آخر حروف عبارته برز من خلف الصخور العملاقة فرسان هجير واحاطوه بدائرة مغلقة, فقال مجد متسائلا:
- اين زعيمكم هجير, لقد تحديته هو؟.
اتته الاجابة من خلفه بصوت هجير الغليظ:
- خلفك مباشرة يا مجد.
التفت مجد الى مصدر الصوت ليرى هجير واقفا امامه وقد عقد ذرعيه امام صدره العريض غزير الشعر, فقال:
- اين الاميرة ياسمينا يا هجير؟.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي هجير وهو يقول:
- يالوقاحتك يا مجد!, الا ترى انك محاط بفرساني من كل جانب دون اي فرصة للفرار!.
نظر مجد الى فرسان هجير بلامبالاة وقد قبض كل واحد منهم على رمحه, وتعبير متحفز على وجه كل واحد منهم, قبل ان يعود بعينيه الى هجير ويقول:
- الاميرة ياسمينا ياهجير.
اطلق هجير ضحكة قصيرة ثم قال متسائلا وقد تألقت عيناه:
- اذن, فأنت تريد الاميرة ياسمينا يامجد, اليس كذلك؟.
لم ينبس مجد ببنت شفة تعليقا على سؤال هجير الذي قال متابعا:
- لنفعلها على طريقة الاجداد يامجد, سنتبارز هنا بين رجالي, مبارزة حتى الموت, واذا انتصرت علي سيسلمك رجالي الاميرة ياسمينا, فما رأيك؟.
تقدم مجد بضع خطوات للامام قبل ان يقول مجيبا:
- موافق ياهجير, لنفعلها على طريقة الاجداد.
استل هجير سيفه ونظر الى سعدون وقال:
- احضر الاميرة ياسعدون.
قال سعدون مترددا:
- ولكن ايها الزعيم..
قاطعه هجير ليقول بشراسة:
- قلت لك احضر الاميرة ياسعدون.
أومأ سعدون برأسه وقال:
- امرك ايها الزعيم.
وغاب لحظات قبل ان يعود ومعه الاميرة ياسمينا بملامحها الرقيقة التي اعتراها الشحوب والرعب الشديدين, وماان رأت مجد حتى قالت بلهفة:
- مجد, انقذني من هؤلاء الوحوش.
نظر اليها مجد وقال بلهجة واثقة:
- اطمئني يا سمو الاميرة, فكل شيئ سيكون على مايرام.
افلتت ضحكة ساخرة من هجير قبل ان يمسح شفتيه بظهر كفه ويقول:
- حذار من الاسراف في التفاؤل يا عزيزي مجد, فأنت ستواجه هجير.
لاح شبح ابتسامة متهكمة على شفتي مجد وهو يقول:
- اجل, سأواجه هجير الذي فر من ارض المعركة اليوم كفأر مذعور.
اشتعل الغضب في عيني هجير الضيقتين, وامسك سيفه بكلتا يديه وقال:
- سأروي الارض بدمائك يامجد.
قالها وانقض كثور هائج على مجد الذي ظل واقفا في مكانه دون ان يحرك ساكنا, وماان رفع هجير سيفه ليهوى به على رأسه حتى تحرك بسرعة, فتلقى سيف هجير على حد سيفه, وفي ذات اللحظة دفع قدمه في معدة هجير الذي تراجع للوراء وقد اختل توازنه, فسقط ارضا على ظهره..
- يالشجاعتك الفائقة يا هجير.
قالها مجد بسخرية, فتجهمت ملامح هجير بشدة, وهب واقفا بسرعة, واطلق صيحة عالية وهو ينقض مرة اخرى على مجد الذي رفع سيفه يصد سيف هجير, وتردد صليل السيوف, وبقوة امتزجت بشراسة اخذ هجير يسدد ضرباته الى مجد الذي تحرك برشاقة وهو يصد هذه الضربات على سيفه بمهارة متحركا الى اليمين واليسار..
وتصبب العرق غزيرا على وجه هجير, وراح صدره يعلو ويهبط وقد تلاحقت انفاسه, فقال مجد ساخرا:
- هل اصابك اليأس من هزيمتي ياهجير؟.
فزمجر هجير وعاود الانقضاض على مجد, والتقت السيوف مرة اخرى بصليل قوي وعنيف, هجير يضرب بقوة وعنف محاولا افقاد مجد سيفه, ومجد يتحرك برشاقة, وسيفه يضرب بسرعة ودقة محاولا افقاد هجير قوته اكثر واكثر..
واثمرت محاولات مجد, فهجير بدأ يقف قوته, واصيبت ضرباته بالوهن, فاستغل مجد هذا وانقض يسدد عدة ضربات متلاحقة الى سيف هجير انهاها بضربة بارعة الى مقبض سيفه ليسقطه ارضا..
وانتفض جسد هجير عندما وضع مجد ذبابة سيفه على عنقه وقال:
- بإمكاني الآن ان انهي حياتك القذرة يا هجير.
تبادل فرسان هجير نظرات ملؤها الدهشة لهزيمة زعيمهم, وتوقعوا ان يغوص سيف مجد في عنقه, ولكن مجد ابعد السيف عن عنقه وقال وهو يوليه ظهره:
- ولكني سأتركك حيا تتجرع مرارة هزيمتك مرتين في يوم واحد.
قال هجير بصوت لاهث وهو يستل من حزامه خنجرا ماضيا:
- الامر لم ينتهي بعد يا مجد.
وانقض يريد ان يغمد الخنجر في ظهر مجد الذي استدار بسرعة وكأنما توقع فعلا خسيسا كهذا من هجير, وبكل قوته دفع سيفه للامام, فشهق هجير واتسعت عيناه عن آخرهما عندما غاص سيف مجد في صدره ونفذ من ظهره, وجذب مجد سيفه ليطلق هجير شهقة اخيرة قبل ان يسقط على وجهه جثة هامدة ودماؤه تسيل على الارض..
وقال مجد وهو يعيد سيفه الى غمده:
- لقد ارتوت الارض بدمائك انت يا هجير.
واتجه نحو الاميرة ياسمينا وقال يسألها:
- هل انت بخير يا سمو الاميرة؟.
هزت الاميرة ياسمينا رأسها ايجابا, في نفس اللحظة التي استل فيها سعدون سيفه وقال:
- لقد قُتل زعيمكم امام اعينكم, فهل ستتركون قاتله يفر منكم؟.
اتته اجابة الفرسان وقد اشهروا رماحهم, فقطب مجد وهو يستل سيفه..
ان هزيمة كل هذا العدد من الفرسان مستحيلة مهما بلغت شجاعته, فالكثرة ستهزم الشجاعة دون شك و..
وانطلق سيل من السهام يخترق صدور واعناق فرسان هجير, فدب الذعر في نفوسهم, وتراجع سعدون يحتمي بصخرة وهو يهتف بسخط:
- تراجعوا يارجال, تراجعوا.
وتنفس مجد الصعداء عندما رأى كوكبة من فرسان القبيلة يقودهم زعس يقتربون منه, وماان توقفوا امامه حتى ترجل زعس عن صهوة جواده وقال وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه:
- مرحى يامجد, لقد قتلت هجير.
ابتسم مجد بدروه وقال:
- لولا وصولكم للحقت بهجير يا زعس.
وتلاشت ابتسامته وهو يقول مردفا:
- والآن, ساعد الاميرة على امتطاء صهوة جواد وعد بها الى القبيلة.
قالها وقفز على صهوة جواده الادهم, ولكزه بكعبه, فرفع الادهم قائميه الاماميين واطلق صهيلا قويا قبل ان ينطلق بفارسه ويختفي عن الانظار, فهز زعس رأسه وقال:
-انت بطل لم يسع للبطولة يا مجد.
وصمت لحظة ثم قال مردفا:
- ولكنها قدرك الذي لا مفر منه يا صديقي.
* * * *
ذكــرى من المــاضي..

-" لماذا تعلمني القتال يا ابي؟".
قالها صبي في التاسعة من عمره, اسمر البشرة, ذو شعر اسود قصير, فابتسم والده وقال مربتا على كتفه:
- حتى تصبح فارسا بالطبع يا مجد.
قطب مجد وقال يسأله:
- ولماذا تريدني ان اصبح فارسا يا ابي؟, لأدافع عن مضارب القبيلة؟.
اتسعت ابتسامة والده, وداخل لهجته قدر كبير من الغموض وهو يقول:
- كلا يا مجد, مالهذا السبب ادربك حتى تصبح فارسا.
قال مجد متسائلا:
- لماذا تدربني اذن يا ابي؟!.
اتسعت ابتسامة والده اكثر دون ان ينبس بحرف واحد ردا على سؤال مجد!!.
* * * *
تداعت هذه الذكرى من قلب الماضي الى ذهن مجد وهو جالس امام خيمته يتطلع الى السنة اللهب التي اخذت تتطاير من كومة الشجيرات المشتعلة امامه..
السماء توسطها قمر كامل الاستدارة ارسل سنا من ضوئه على الرمال فمنحها القا فضيا ساحرا, هبات من الهواء البارد تحركت بين التلال, وتسللت بين خيام القبيلة..
-" لماذا دربتني اذن اذا لم يكن من اجل القبيلة؟!, لماذا ياابي؟!.
قالها مجد بصوت هامس وهو يحرك الشجيرات المشتعلة بخنجر صغير في يده..
هذا السؤال يؤرق تفكيره على الدوام, ولا يفارقه ليلا او نهارا, يطرحه على نفسه مرارا وتكرارا دون ان يحصل على اجابة شافية..
حتى والده رفض ان يمنحه هذه الاجابة الشافية كلما طرح عليه هذا السؤال..
ففي كل مرة يسأله فيها يبتسم تلك الابتسامة الغامضة ويربت على كتفه ويقول:
- دع الايام تجيبك يا مجد, وليس انا.
حتى مات والده متأثرا بجراح بالغة اصيب بها في واحدة من المعارك التي خاضتها القبيلة ضد عصابات الجبال البعيدة..
ومرت السنوات, واصبح هو فارسا لايشق له غبار, بل تحول بمرور الايام الى مثل يحتذى به في الفروسية, والشجاعة, والاقدام, وتناقل ابناء الصحراء احاديث فروسيته كالاساطير, اصبح رمزا للنصر في كل معركة يقود فيها فرسان القبيلة..
ولكنه ابدا لم يشعر بالالفة والارتياح مع كل هذا, لم يفخر يوما بالدماء التي اراقها سيفه لتروي رمال الصحراء, دائما يراوده شعور بأنه لاينتمي الى هذه الصحراء, لاينتمي الى صراعاتها وحروبها التي لاتنتهي, انه لم يصبح فارسا ليعيش ويموت ويدفن في الصحراء و..
- كعادتك يا مجد,تفضل البقاء وحيدا.
قال مجد دون ان يلتفت الى قائل العبارة:
- انت تعلم انني افضل الوحدة يا زعس, بعيدا عن الآخرين.
ابتسم زعس وقال وهو يجلس الى جواره:
- حتى لو اخبرتك ان الآخرين يقيمون احتفالا من اجلك؟.
لاح شبح ابتسامة على شفتي مجد وهو يقول:
- انا لا استحق ان تقام الاحتفالات من اجلي.
قال زعس مستنكرا:
- لماذا تنتقص من قدر نفسك هكذا يا مجد؟!.
هازا كتفيه قال مجد:
- وماقدر نفسي يا زعس؟, بل ماقدر حياتي وضربة سيف او طعنة رمح قادرة على انهائها في لمح البصر؟.
قال زعس:
- الموت هو النهاية لكل كائن حي يا مجد.
وصمت لحظة ثم قال مردفا:
- ولكن ليس هذا ماعنيته, فأنت افضل فرسان الصحراء الشمالية بلا منازع, واليوم فقط اثبت هذا بذهابك وحيدا الى الجبال وبارزت هجير وقتلته بين رجاله, وفي بؤرة نفوذه وقوته, انت فارس الصحراء يا مجد و..
قاطعه مجد ليقول مقطبا:
- فارس الصحراء؟!, من اوحى اليك بهذه الفكرة السخيفة يا زعس؟!.
مبتسما قال زعس:
- انها ليست فكرة سخيفة يا مجد, ولكنها الحقيقة التي تأبى الاعتراف بها.
وربت على كتف مجد قبل ان يقول مردفا:
- انت فارس الصحراء, شئت ام ابيت يا مجد.
قال مجد محاولا الاعتراض:
- ولكن يا زعس..
قاطعه زعس ليقول:
- في كثير من الاحيان تغدو البطولة امرا محمودا يا مجد, وانت بطل باعتراف الجميع, فلا تدر ظهرك لهذه البطولة يا صديقي, وحذار ان تترك احدا يسلبك اياها.
وقام واقفا, ونظر الى السماء ثم قال:
- القمر بدر هذه الليلة, ولو صدقت اساطير الاجداد, فإن ارواح الابطال القدامى تتحرك بيننا الآن.
تجهمت ملامح مجد دون ان يعلق على عبارة زعس الذي ابتعد عن المكان بخطوات واسعة..
انه لا يؤمن بالاساطير التي يستمتع عجائز القبيلة بسردها على مسامع الاجيال الجديدة من ابناء القبيلة..
اساطير عن الابطال القدامى, وارواحهم التي تتحرر في ليلة اكتمال القمر والكثير من هذه الامور التي يراها محض هراء..
" ودع الايام تجيبك يا مجد, و ليس انا"..
"وليس انا.."...
* * * *
مــرآة الافــق..

اسمه همام, حكيم الصحراء الشمالية, هكذا يعرفه ابناء الصحراء, يعيش وحيدا في خيمته عند اطراف الصحراء الغربية, لا احد يعرف اصله او المكان الذي اتى منه على وجه التحديد, الكثيرون قالوا بأنه واحد من جماعة مارست فنون السحر المختلفة منذ زمن بعيد, واستوطنوا الجبال البعيدة قبل ان تتخذها شرذمة من الرجال مقرا لها, قالوا بأن افراد جماعته غادروا الصحراء فجأة ولم يبق سواه..
البعض الآخر زعموا بأنه قادم من بلاد بعيدة تقع وراء البحر العظيم الواقع خلف الجبال البعيدة,وزعموا ايضا انه يعرف اسرار الماضي, وباستطاعته قراءة المستقبل, والكثير من الاقاويل والمزاعم, ولكن لا شئ مؤكد على الاطلاق.
المهم انه موجود, يملك حكمة وعلما لايملكهما احد في الصحراء, وكل من يشعر بحاجة الى النصيحة يذهب اليه, والكثير من امراء القبائل يستشيرونه في امور استغلقت عليهم, فتحول الى رمز الحكمة, والمعرفة, والغموض في الصحراء.
وفي يوم اشرقت فيه الشمس, ونشرت اشعتها الذهبية على كل شيئ استيقظ مجد من نومه وعرق غزير يغمر وجهه..
صدره اخذ يعلو ويهبط مع تلاحق انفاسه, لازالت تفاصيل الحلم الذي رآه عالقة في ذهنه, يراها ماثلة امام عينيه..
لقد رأى نفسه يهيم في الصحراء على صهوة جواده الادهم, بلا هدف او جهة معينة يذهب اليها, عندما ظهر والده فجأة..
ووجد نفسه يهتف:
- ابي, مالذي تفعله هنا؟!.
ابتسم والده وقال:
- لقد جئت لأدلك على الطريق يا مجد.
قال مجد يسأله:
- الطريق؟!, عن اي طريق تتحدث ياابي؟!.
اتسعت ابتسامة والده وقال وهو يشير بسبابته الى نقطة ما بدت لعيني مجد يكتنفها ضباب كثيف:
- هذا الطريق يا مجد.
وكما ظهر والده فجأة, اخنفى فجأة, واستيقظ من نومه والعرق يغمر وجهه..
- ياله من حلم عجيب.
قالها مجد وهو ينهض من على فراشه البسيط, وتناول اناءا فخاريا امتلئ بالماء, وارتشف منه بضع رشفات ومسح شفته بكفه ثم قال:
- اي طريق هذا الذي اشرت اليه يا ابي؟, اي طريق؟.
- الحكيم همام, لا احد سواه قادر على جعل الامور واضحة امام عيني.
قالها مجد واسرع يرتدي ثيابه, ولف حول خصره حزاما تدلى منه سيفه الضخم, وغادر الخيمة, واطلق صفيرا متصلا, فجاوبه صهيل قوي قبل ان يظهر جواده الادهم من خلف تل رملي قريب, وماان توقف الجواد امامه حتى ربت مجد على معرفته وقال مبتسما:
- كيف حالك ايها الادهم؟.
صهل الادهم واخذ ينفث الهواء من منخريه, فربت مجد مرة اخرى على معرفته قبل ان يشرع في تثبيت السرج على ظهره, وماان انتهى حتى اعتلى صهوته بقفزة رشيقة ولكزه بكعبه وقال:
- هيا ايها الادهم, هيا.
صهل الادهم ورفع قائميه الاماميين ثم انطلق مثيرا خلفه سحابة كثيفة من الغبار..
وعبر رمال الصحراء المنبسطة انطلق بفارسه نحو اطراف الصحراء الغربية حيث يعيش الحكيم همام..
ان الحلم الذي راوده يحمل رسالة ما بالتأكيد..
لقد اراد والده ان يرشده الى طريق ما لابد ان يسلكه..
ولن يجد مجد في الصحراء كلها شخصا باستطاعته ان يدله على هذا الطريق سوى الحكيم همام..
-" الحكيم همام رجل كلنا نثق بعلمه وحكمته يا مجد"..
-" وسيأتي يوم, ستسعى فيه الى نصيحة الحكيم همام ومساعدته يا مجد"..
عبارات رددها والده على مسامعه كثيرا وهو لايزال بعد صبيا..
عبارات بدت له حينذاك غامضة, بلا معنى, ولكنها الآن باتت واضحة, لقد اتى اليوم الذي تحدث عنه والده اخيرا..
اليوم الذي يسعى فيه الى الحكيم همام يطلب المساعدة والنصيحة..
وامام عينيه لاحت خيمة الحكيم همام, وامام مدخلها وقف الاخير وابتسامة واسعة تتألق فوق شفتيه..
ولابد لنا من وقفة لتأمل ملامح الحكيم همام وهيئته..
انها ملامح لابد ان تزرع المهابة في نفس كل من ينظر اليها..
القامة طويلة, البشرة بيضاء, العينان رماديتان واسعتان تحيطهما التجاعيد, الانف طويل ومستدق, الشعر رمادي قصير, اللحية رمادية تصل الى منتصف الصدر, الثوب رمادي فضفاض, وفي يده استقرت عصا خشبية على قمتها بللورة سداسية الاضلاع انعكست عليها اشعة الشمس..
- لقد انتظرت هذه الزيارة لسنوات طويلة يا مجد.
قالها الحكيم بصوت عميق عندما توقف الادهم امامه, فترجل مجد عن صهوته وقال متعجبا:
- انتظرتها؟!, ولسنوات طويلة؟!, ولكن كيف وانت لا تعرفني, ولم ترني قبل هذه اللحظة؟!.
اتسعت ابتسامة الحكيم همام اكثر وقال:
- انا اعرف هذه الصحراء بكل مافيها ومن فيها كما اعرف نفسي يا مجد.
قطب مجد دون ان يعلق, فضحك الحكيم همام ثم قال وهو يستدير نحو مدخل الخيمة:
- اتبعني يا مجد.
تردد مجد قليلا قبل ان يهزم تردده ويدلف الى الخيمة وراء الحكيم همام..
الخيمة من الداخل بدت شديدة النظافة, وتعبق بها رائحة عطرة, وفي منتصفها انتصب عمود حجري مصقول متوسط الطول لم ير مجد له مثيلا من قبل, وعلى قمته المستديرة استقر حوض زجاجي امتلئ بسائل فضي اللون..
- ماهذا الشيئ ايها الحكيم همام؟!.
قالها مجد وهو يشير بسبابته نحو العمود والحوض, فابتسم الحكيم همام وقال:
- اقترب يا مجد ولا تخش شيئا.
وماان اصبح مجد الى جواره حتى قال مردفا:
- هذه هي مرآة الافق يا مجد.. ارث قديم في الواقع.
وصمت لحظة ثم قال مكملا:
- لقد اتيت لتعرف الطريق الذي ينبغي عليك ان تسلكه, وهذه المرآة ستساعدك على هذا يا مجد, ستجعل الطريق الذي اشار اليه والدك في الحلم واضحا امام عينيك.
قال مجد مندهشا:
- ولكن كيف..
ولكنه بتر عبارته عندما مرر الحكيم همام البللورة في قمة عصاه فوق سطح السائل الفضي وهو يتمتم بكلمات لم يفهم منها حرفا واحدا, ونظر اليه الحكيم وهو يقول:
- والآن انظر الى المرآة لتعرف ماجئت تبحث عنه هنا.
حدق مجد في وجهه دون ان يجرؤ على النظر في الحوض, فابتسم الحكيم همام وقال:
- انظر يا مجد قبل فوات الآوان.
انتفض جسد مجد قبل ان ينظر الى سطح السائل الفضي, وامام عينيه تموج سطح السائل وتحول الى سطح شفاف, وفي المرآة رأى مجد مالم يكن يتوقعه ابدا!!..
فأمامه رآى غابة, اشجار عالية, وحشائش متشابكة, ورأى نفسه يقاتل قوما لم يتبين ملامحهم, انه هو بلاشك, ولكن اين توجد هذه الغابة يا ترى؟!, انها ليست هنا في الصحراء بالتأكيد!..
وفجأة تغير المشهد في المرآة ليرى مجد نفسه في ارض صخرية موحشة, ومن حوله جبال عالية ذات قمم مدببة, وضباب كثيف حول هذه القمم, وامامه مباشرة قلعة ضخمة جدرانها مبنية من حجارة شديدة السواد, لها ابراج اشتعلت النار في قممها, بوابتها حديدية برزت منها نصال حادة يقطر الدم منها..
وللمرة الثالثة تغير المشهد امام عينيه ليرى سهلا فسيحا, تدور فيه معركة رهيبة, وفي السماء ظل اسود عملاق حجب اشعة الشمس, واخذ ينفث السنة متتابعة من اللهب فوق رؤوس المتقاتلين..
واخيرا تموج سطح المرآة ليرى مجد نفسه على صهوة جواده الادهم, امامه طريق طويل تسلطت عليه اشعة الشمس, وهاهو يلكز جواده لينطلق به عبر هذا الطريق..
وعاد سطح المرآة الى لونه الفضي مرة اخرى, ومرت لحظات من الصمت قبل ان يقول مجد متسائلا:
- ماهذا الذي رأيته ايها الحكيم؟!.
مجيبا قال الحكيم همام:
- انه الطريق الذي اشار اليه والدك يامجد, وارادك ان تعرفه وتسلكه.
قال مجد يسأله مرة اخرى:
- ولكن كيف تعرف كل هذا ايها الحكيم؟, ولماذا اشرت الى هذه المرآة بأنها ارث قديم؟.
ابتسم الحكيم همام وقال وهو يربت على كتفه:
- ليست كل الاسئلة تحتمل الاجابات يا مجد.
ساد الصمت للحظات قبل ان يقول مجد:
- مارأيته في هذه المرآة يشير الى شيئ واحد ايها الحكيم.
ونظر الى عيني الحكيم همام مباشرة وهو يردف قائلا:
- الرحيل عن الصحراء الشمالية.
قال الحكيم همام وهو يربت على كتفه مرة اخرى:
- انه قدرك يا مجد.
هز مجد رأسه بالايجاب وقال:
- صدقت ايها الحكيم.. انه قدري الذي لا مفر منه.. الا اليه.
* * * *



الرحــــيـــل..

دلف مجد الى خيمة الامير خالد وانحنى امامه وهو يقول:
- لك السلام يا سمو الامير.
ارتسمت ابتسامة على شفتي الامير خالد وقال وهو يشير لمجد بالاعتدال:
- اجلس يا مجد..اجلس يا بطل.
اتخذ مجد مجلسه على بساط مجاور لمجلس الامير خالد الذي قال وابتسامته تتسع:
- اولا, وقبل ان اعرف السبب الذي طلبت لقائي من اجله, اريد ان اشكرك بشدة على انقاذ ياسمينا من قبضة هجير يا مجد, صحيح انه شكر متأخر بعض الشيئ, ولكنك تستحقه بالطبع.
قال مجد:
- لم افعل شيئا استحق عليه الشكر يا مولاي, ماهو الا واجب كان سيقوم به اي فارس بالقبيلة ان لم اقم به انا.
قال الامير خالد:
- لا احد في القبيلة يملك شجاعتك واقدامك يا مجد.
ورفع حاجبيه وقال بلهجة طغى عليها الاعجاب:
- ان تقتحم عرين هجير وحدك, وتبارزه بين رجاله وتقتله امام اعينهم!, انها لعمري شجاعة تستحق كل اعجاب وكل تقدير يا مجد.
اطرق مجد برأسه وهو يقول:
[URL="http://www.liilas.com/vb3/"]منتدى ليلاس الثقافي[/URL- اشكرك يا مولاي على هذا الثناء.
ابتسم الامير خالد وقال:
- لا تشكرني على ماانت حقيق بنيله يا مجد.
ثم انه قال مردفا:
- والآن هات مالديك يا مجد, فكلي آذان مصغية.
مرت هنيهة من الصمت قبل ان يقول مجد:
- في الواقع انه قرار اتخذته واردت ان اخبرك به يامولاي.
قال الامير خالد يسأله:
- اي قرار هذا يا مجد؟.
اخذ مجد نفسا عميقا ملأ به صدره واخرجه في زفرة قوية قبل ان يقول ردا على سؤال الامير خالد:
- انه قرار بالرحيل يا مولاي.
بدت الدهشة على وجه الامير خالد وهو يقول:
- الرحيل؟!!!.. مالذي تقصده يا مجد؟!!!.
مجيبا قال مجد:
- الرحيل عن الصحراء الشمالية يا مولاي.
ظل الامير خالد على دهشته وهو يحدق في وجه مجد, ولكنه سرعان ماتجاوز دهشته وهو يقول متسائلا:
- ولماذا قررت امرا كهذا يامجد؟, اعني مالسبب الذي دفعك الى هذا؟.
لم ينطق مجد بكلمة واحدة يرد بها على الاميرخالد, وفي هذه اللحظة تنازعته رغبتان متناقضتان..
الاولى ان يخبر الامير خالد بكل شيئ, عن الحلم الذي رآه, وذهابه الى الحكيم همام, والمشاهد التي رآها في مرآة الافق..
والثانية ان يكتم الامر ويحتفظ به لنفسه, والا يطلع عليه احدا على الاطلاق..
- لم تجب عن سؤالي يا مجد.
قالها الامير خالد بحزم ليحسم مجد امره ويقول:
- اعذرني يا مولاي, ولكني افضل الاحتفاظ بالسبب لنفسي.
قطب الامير خالد وهو يقول:
- حتى عني انا يا مجد؟!, امير القبيلة ورأسها؟!.
ازدرد مجد ريقه بصوت مسموع ثم قال:
- ارجوك يا مولاي.. انه رجاء اتمنى ان تحققه لي.
تطلع اليه الامير خالد للحظات قبل ان يتنهد ويقول:
- ولكن, الا تعلم بأن القبيلة تحتاج اليك يا مجد؟, فمن الذي سيقود فرسانها اذا ما قررت عصابات الجبال ان تقوم بهجوم انتقامي علينا؟.
قال مجد مجيبا:
- سيمر وقت طويل قبل ان يفكر رجال هجير في الهجوم علينا يا مولاي, على الاقل حتى تنتظم صفوفهم ويعتادون موت زعيمهم.
وارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة وهو يقول:
- ودعني اقولها لك يا مولاي, فالقبيلة بها فرسانا اشداء قادرين على تولي القيادة افضل مني, فقط امنحهم الفرصة ليثبتوا لك كفاءتهم وجدارتهم.
ابتسم الامير خالد بدوره وهو يقول:
- كلا يا مجد, فليس في الصحراء كلها من يفوقك فروسية وحسن قيادة, فأنت الافضل بلا منازع, وبشهادة الجميع كذلك.
انفرجت شفتا مجد ليقول شيئا ما, ولكن الامير خالد قال مستدركا:
- ولكني لا استطيع ان اقف في طريقك يا مجد, فأنت كوالدك الراحل تماما, اذا ما قرر ان يفعل شيئا, فإنه يمضي فيه حتى النهاية دون ان تثنيه قوة عن عزمه.
وربت على كتف مجد وهو يقول:
- اذهب يا مجد, ولكن حاول ان تعود الينا سالما, فإنها لخسارة فادحة ان تفقد الصحراء فارسا مثلك.
حاول مجد ان يبتسم وهو يقول:
- اعدك بأن احاول يا مولاي.
وكانت عبارته هي فصل الختام.
* * * *


الشمس بدأت رحلة الغروب, اضواؤها الدامية لطخت صفحة السماء وانعكست على رمال الصحراء الممتدة, هبات من الرياح الباردة اخذت تسري معلنة بداية ليلة جديدة..
وامام خيمة مجد وقف زعس بملامح متجهمة, وذراعين معقودين امام صدره ينظر الى مجد الذي انهمك في تثبيت السرج على ظهر الادهم..
- ولماذا الآن بالذات يا مجد؟.
قالها زعس وهو يخطو للامام قليلا, فقال مجد يجيبه دون ان يتوقف عما يفعله:
- لكل شيئ وقت معلوم يا زعس.
ازدادت ملامح زعس تجهما وهو يقول:
- ولماذا الرحيل يا مجد؟!, لماذا يا صديقي؟!.
- منذ وقت طويل وانا اشعر بأنني لا انتمي الى الصحراء يا زعس.
اجاب بها مجد وهو يتأكد من احكام اربطة السرج, فقال زعس مستنكرا:
- الهذا السبب فقط قررت الرحيل بهذ البساطة عن الارض التي نشأت فيها؟!.
وهز رأسه وهو يردف قائلا:
- كلا يا مجد, ان عقلي يأبى ان يصدق, فأنا واثق من وجود سبب آخر دفعك لاتخاذ قرار كهذا.
اطرق مجد للحظة قبل ان يلتفت اليه ويقول:
- صدقت يا زعس, فهناك سبب آخر يدفعني للرحيل.
تهللت اسارير زعس وقال بحماس:
- لقد كنت وا..
ولكن مجد لم يمهله وقال يقاطعه:
- ولكني لن اخبر به اي مخلوق يا زعس.
قال زعس مندهشا:
- ولكني صديقك الوحيد يا مجد, فكيف..
عاد مجد يقاطعه ويقول:
- لا داعي لجدل عقيم ومحاولات لن تجدي نفعا يا زعس.
ساد الصمت بعد عبارته, واخذ الظلام يفرض هيمنته تدريجيا, وعلى ظهر الادهم قام مجد بثبيت لفافة جلدية وضع بها شيئا من الطعام وجرابا جلديا للماء, و..
- سأرحل معك اذن يا مجد.
- قالها زعس بتصميم, فاربدت ملامح مجد والتفت اليه بحركة حادة وهو يقول:
- ماذا تقول؟!, ترحل معي؟!.
هز زعس رأسه ايجابا وقال:
- اجل يا مجد, فمادمت ترفض اخباري بالسبب الذي يدفعك للرحيل عن الصحراء, فسآتي معك, و..
قاطعه مجد بلهجة صارمة كحد الحسام:
- مستحيل يا زعس, فقرار الرحيل قراري انا, طريقي الذي سأسير فيه وحدي,ولن يشاركني فيه احد, هل تفهم هذا؟.
قال زعس بعناد وهو يعقد ذراعيه امام صدره:
- حاول ان تمنعني اذن يا مجد.
تجاوز مجد المسافة التي تفصله عن زعس بقفزة واحدة وقال:
- زعس, لا تجبرني على فعل مالا احب.
ابتسم زعس وقال يسأله:
- ومالذي ستفعله يا مجد؟, هل ستقتلني حتى لا ارحل معك؟.
ضيق مجد عينيه وهو يقول:
- كلا يا زعس, ولكن هناك وسيلة اخرى بالتأكيد .
اتسعت ابتسامة زعس, وقبل ان يهم بسؤال مجد عما يعنيه فاجأه هذا الاخير بلكمة قوية على فكه ارتج لها كيانه, وعاجله مجد بلكمة اخرى اشد من الاولى ليسقط على الرمال فاقد الوعي وخيط رفيع من الدم يسيل من ركن فمه, فتنهد مجد وقال:
- سامحني يا زعس, ولكني لا اعرف مالذي سأواجهه خارج الصحراء, ولااريد ان اعرض حياتك لأي خطر يا صديقي.
قالها واعتلى صهوة الادهم, والقى نظرة اخيرة على زعس قبل ان يلكز الادهم الذي صهل بقوة وانطلق به مبتعدا..
انطلق والظلام يواصل فرض السيطرة.. والانتشار..

* * * *










عن قرية الاقزام.. وحكيم.. ونبوءة..

اخيرا تخطى حدود الصحراء الشمالية..
هكذا فكر مجد وجواده الادهم ينطلق به فوق ارض كساها الاخضرار تماما..
اخيرا اصبح خارج الصحراء الشمالية بعد كل السنوات التي قضاها فيها, وبعد كل المعارك التي خاضها, والانتصارات التي حققها على اعداء قبيلته,وهاهو مقبل على فصل جديد من فصول حياته..
انه الآن في ارض لم تطأها قدمه من قبل, لا يعرف ماينتظره فيها, ولاشيئ يضيء ظلام الطريق امامه سوى تلك المشاهد التي رآها في مرآة الافق عند الحكيم همام..
رفع عينيه الى السماء ليجد انها تدثرت بضوء شاحب يعلن ميلاد يوم جديد, لقد ظل يعدو بجواده طوال الليل دون ان يتوقف الا لماما ليتناول شيئا من الطعام والشراب..
ومن حوله, ومع بداية شروق الشمس اخذت ملامح الارض تتضح امام عينيه اكثر من ذي قبل, فبين الحين والآخر مرت به تلال مكسوة بأعشاب خضراء اختلطت بها زهور متعددة الالوان, ومع توغله في هذه الارض اكثر واكثر كانت اعداد التلال من حوله تزداد, ومن مكان ما تناهى الى سمعه صوت مياه متدفقة, فقطب وهو يقول:
- من المؤكد ان هذه المياه قريبة من هنا ايها الادهم.
ولم يمض الكثير على عبارته حتى لاح امام عينيه نهر تدفقت مياهه من الشمال الى الجنوب, فجذب عنان الادهم الذي اطلق صهيلا قبل ان يتوقف امام حافة النهر وهو ينفث الهواء من منخريه..
وترجل مجد عن صهوته, ودار بعينيه في المنطقة المحيطة بالنهر..
في الجهة الاخرى من النهر بدا امامه صف من الاشجار تفاوتت في احجامها, فمنها ما كان ذا ارتفاع شاهق واغصان متشابكة واوراق كثيفة, وبعضها ذو ارتفاع متوسط واغصان متفرعة بدت كأذرع مفرودة في الهواء, وبين هذه الاشجار نمت حشائش كثيفة متوسطة الارتفاع, بعضها اكتسب لونا قرمزيا داكنا اختلط بلون ابيض باهت, والبعض الآخر اكتسب لونا ازرق خالطه شيئ من اللون الاخضر, ومن بين اغصان الاشجار تعالى صوت تغريد عذب انتشت له نفس مجد..
ولاحت ابتسامة على شفتيه وقال وهو يربت على عنق الادهم:
- انه مكان جميل وهادئ, اليس كذلك ايها الادهم؟.
قالها وانحنى على ركبتيه امام مياه النهر, وبمياهه الباردة اخذ يغسل وجهه وذراعيه, في حين انحنى الادهم يقتات من الارض الخضراء..
ومع ملامسة المياه لوجهه شعر مجد بأنه في امس الحاجة الى قسط من الراحة بعد رحلته الطويلة من الصحراء حتى هذا المكان..
وعلى الارض الخضراء تمدد وهو يسبل جفنيه, واخذ النوم يغزو عينيه وكل حواسه سريعا, ولكن قبل ان يغرق فيه تماما صهل الادهم فجأة, ففتح عينيه وهب واقفا وهو يستل سيفه بسرعة, ولكن جسدا دافئا ارتطم به بقوة ليسقطه ارضا ويفقده سيفه..
واعتدل مجد جالسا وهو ينظر الى مهاجمه, وتجهمت ملامحه عندما رآه, ذئب ضخم, فراؤه شديد السواد, عيناه حمراوان بلون الدم, انيابه ضخمة يسيل منها الزبد..
وببطئ امتزج بالحذر نهض مجد, وبخطوات وئيدة اخذ يقترب من سيفه وعيناه معلقتان بالذئب الذي بدا وكأنه ادرك ما يسعى اليه, فزمجر قبل ان ينقض مرة اخرى على مجد ولعابه يتطاير في الهواء, وقبل ان يبلغ منتصف المسافة بينه وبين مجد انطلق سهم من مكان ما يشق الهواء بصفير حاد لينغرس في عنق الذئب, فسقط ارضا وهو يطلق عواءا متقطعا والدماء تسيل منه بغزارة..
وما ان همدت حركة الذئب تماما حتى اخذ مجد يتلفت حوله بحثا عن المكان الذي انطلق منه السهم تحديدا..
ولكن بحثه لم يطل, فمن بين الاشجار على الجهة الاخرى من النهر برزت فتاة تمسك قوسا في يدها..
متوسطة القامة, سمراء البشرة, عيناها سوداون ضيقتان, شعرها اسود قصير لا يصل الى كتفيها, ثيابها بدت بسيطة تنم عن الفقر ورقة الحال..
- من انت؟, ومالذي تفعله هنا؟.
قالتها الفتاة وهي تثبت سهما آخر في القوس وتصوبه نحو مجد الذي قال وهو يلوح بكفه:
- على رسلك, فلست اضمر لك اي شر.
قطبت الفتاة وهي تقول:
- انت لا تنتمي الى هذا المكان, اليس كذلك؟.
أومأ مجد برأسه ايجابا وقال:
- هذا صحيح, فأنا غريب عن هذا المكان.. قادم من الصحراء الشمالية.
ازدادت تقطيبتها وهي تقول:
- لم ار اي غريب هنا من قبل.
قال مجد مندهشا:
- لماذا؟!, الم يأت اي غريب الى هنا من قبل؟!.
تطلعت اليه الفتاة قليلا قبل ان تخفض قوسها وتقول ردا على سؤاله:
- ليس في هذه الايام على الاقل .
قال مجد يسألها:
- مالذي تقصدينه بهذه الايام؟.
اولته الفتاة ظهرها وقالت دون ان تهتم بالاجابة على سؤاله:
- لا انصحك بالبقاءهنا طويلا, فالذئاب كثيرة في هذه البقعة, وهذا الذئب ماهو الا اول الغيث.
قال مجد متسائلا:
- الاتدليني اذن على مكان آمن انال فيه قسطا من الراحة؟.
قالت دون ان تلتف اليه:
- اذا سرت بمحاذاة النهر صوب الشمال ستجد خانا يملكه عجوز يدعى آسر, ستحصل هناك على ماتريد.
وصمتت لحظة ثم قالت:
- ولكن احذر ايها الغريب, فعيون الملك كاسر وجواسيسه في كل مكان تترصد الاخبار له.
قالتها واسرعت تختفي بين الاشجار, وظل مجد واقفا في مكانه للحظات قبل ان ينظر الى الذئب الصريع وهو يقول:
- يالها من فتاة!.
وانحنى يلتقط سيفه ويعيده الى غمده, واعتلى صهوة الادهم وقال وهو يلكزه:
- هيا بنا.
* * * *
فوق ربوة لا ترتفع عن سطح الارض كثيرا لاح خان العجوز آسر, مبني من حجارة بيضاء خالطها شيئ من سواد, سقفه مبني من الخشب, وتعلوه مدخنة اسطوانية من الحجر تعالى منها دخان اسود, وسبق مدخله طريق صاعد على كلا جانبيه سياج خشبي قصير..
وارتقى مجد الطريق الصاعد على قدميه بعد ان ربط عنان الادهم في جذع شجرة قريبة, ودفع الباب الخشبي ودلف الى الخان..
المكان بالداخل بدا واسعا, وفي كل مكان تراصت ارائك وطاولات خشبية مثبتة الى الارضية الحجرية, ومع اول خطوة خطاها مجد داخل الخان, ساد صمت مفاجئ وعيون رواد الخان تتجه اليه, فقال:
- مرحبا.. اسمي مجد, وانا قادم من الصحراء الشمالية.
لم ينبس احدهم ببنت شفة في حين اتاه صوت واهن يقول:
- هنا ايها الغريب.
التفت مجد الى مصدر الصوت ليرى عجوزا قصير القامة, ممتلئ الجسد يتوكأ على عصا خشبية غليظة واقفا امامه, فقال مبتسما:
- انت آسر مالك هذا الخان, اليس كذلك؟.
قال العجوز وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه:
- هل بلغت سمعتي الى الصحراء الشمالية ايها الغريب؟.
قال مجد وابتسامته تتسع بدروه:
- كلا, ولكني التقيت منذ قليل بفتاة عند النهر هي التي ارشدتني الى هنا.
قال آسر متسائلا:
- اهي فتاة متوسطة القامة, سمراء البشرة, ذات عينين سوداوين, وشعر اسود قصير؟.
هز مجد رأسه ايجابا وقال متعجبا من دقة وصف العجوز للفتاة:
- اجل, وهي تجيد استخدام القوس ايضا.
اطلق آسر ضحمة قصيرة قبل ان يقول:
- انها حفيدتي زهرة ايها الغريب.
قال مجد وقد التقى حاجبيه:
- حفيدتك؟!, وهل اعتدت تدريبها على استخدام القوس بهذه الدقة؟؟!.
هم آسر بالاجابة على سؤاله, ولكن الاجابة اتته من ركن خافت الاضاءة بالخان:
- في ظل مانعانيه هذه الايام يغدو هذا امرا طبيعيا ايها الغريب.
حانت من مجد التفاتة الى الركن الذي اتت منه الاجابة, وضيق عينيه محاولا استجلاء ملامح صاحبها, ولكنه لم ير سوى جسد ضئيل تخرج منه سحب زرقاء داكنة ذات رائحة نفاذة..
- انه القزم فاتح, من المترددين كثيرا على الخان.
قالها آسر قبل ان يمسك بذراع مجد ويقوده نحو احدى الارائك الخشبية وهو يردف:
- تعال يا مجد, فلابد انك متعب وبحاجة الى الراحة.
ولوح بعصاه في وجوه رواد الخان وهو يقول بغلظة:
- الام تنظرون؟, هيا عودوا الى احاديثكم التافهة, هيا.
ساد الصمت لهنيهة اخرى قبل ان تعلو اصوات رواد الخان, وسعل آسر قبل ان يقول:
- اعذرهم يا مجد, فلم ير احدهم غريبا هنا من قبل.
قال مجد وهو يجلس على الاريكة وعيناه تتجهان لااراديا الى حيث جلس القزم فاتح:
- هذا ماقالته لي حفيدتك ايضا.
لماذا يراوده شعور بأن عيني القزم مثبتتة عليه؟ََ!..
اشار آسر بعصاه وقال بعد اذ مط شفته السفلى:
- كلهم من الاجيال الجديدة التي ولدت ونشأت في ظل حكم الملك كاسر الذي يحكم هذه البلاد منذ سنوات طويلة, ولم يشهد احدهم ايام العدل والرخاء قبل جلوسه على العرش, في تلك الايام كان امرا عاديا ان نرى الغرباء القادمين من الصحراء الشمالية, اوحتى من الاراضي الجنوبية.
قال مجد وهو يتناول منه كوبا امتلئ حتى حافته بسائل داكن له رائحة عطرية قوية:
- لابد انكم تعانون كثيرا من هذا الملك كاسر.
ابتسم آسر وقال:
- هذا صحيح يا مجد, اننا نعاني منه اكثر مما تتصور.
ارتشف مجد بضع رشفات من الشراب, فوجد طعمه رائعا, فقال يسأل آسر:
- مم صنع هذا الشراب؟.
قال آسر مشيرا الى صدره بسبابته:
- انه مشروبي الخاص الذي اصنعه بنفسي من مزيج من الاعشاب العطرية و..
ولكنه بتر عبارته عندما انفتح باب الخان بقوة, ودلف اليه خمسة جنود يرتدون دروعا سوداء ازدانت عند منتصف الصدر بشعار يمثل طائرا اسطوريا ينفث النار من فمه بلون احر دموي, وقد امسك كل واحد منهم بسيف ضخم..
وساد الصمت في الخان, واخذت عيون رواده تحدق في الجنود الخمسة بخوف واضح, وبصوت منخفض قال آسر:
- انهم من جنود الملك كاسر.
وتقدم نحو الجنود وقال يسألهم:
- مالذي تريدونه؟, لقد اديت ماعلي من ضرائب و..
قاطعه احد الجنود ليقول بصوت مخيف:
- لقد رصد جواسيسنا غريبا وصل الى خانك منذ قليل, فأين هو يا آسر؟.
ازدرد آسر ريقه بصعوبة وقال:
- عن اي غريب تتحدث ايها الجندي؟, فلم ارى اي غرباء منذ وقت طويل.
انقض عليه الجندي ورفعه من عنقه وهو يقول بصرامة تجمد الدماء في العروق:
- حذار من الكذب على جنود الملك كاسر ايها العجوز اللعين, فأنت تعرف عقوبة هذا جيدا و..
قاطعه مجد ليقول وهو يستل سيفه:
- هاأنذا, فاتركه وشأنه ايها الوغد.
افلت الجندي آسر وتركه يسقط ارضا, والتفت الى مجد الذي ارتسم التحدي على ملامحه, وقال:
- هل تتحدى جنود الملك كاسر ايها الغريب؟.
قطب مجد وهو يقول:
- الجندي الحق لا يستعرض قوته امام الضعفاء امثال هذا العجوز المسكين.
اربدت ملامح الجندي وهو يقول:
- حذرا من التعدي على جنود الملك كاسر ولو بالكلمات ايها الغريب والا..
قال مجد ساخرا:
- والا ماذا ايها الوغد؟, هل ستفعل معي مثل مافعلت مع آسر؟.
جز الجندي على اسنانه وقال:
- ستدفع ثمن جرأتك هذه غاليا ايها الغريب.
والتفت الى الجنود الاربعة وراءه وقال:
- هيا نمزقه اربا يا رجال.
وفي نفس اللحظة التي انقض فيها الخمسة على مجد وصيحات هادرة تنطلق من حناجرهم, اعتدل القزم فاتح في جلسته وتألقت عيناه وقال وهو ينفث الدخان الازرق من قصبة قصيرة في يده الصغيرة:
- ترى هل..
* * * *
خمسة جنود اشداء, يرتدي الواحد منهم درعا صلبا, ويمسك بسيف ضخم ينقضون على مجد الذي لم تهتز في جسده شعرة واحدة مع الصيحات الهادرة التي انطلقت من حناجرهم..
وماان اصبح اول الخمسة على مقربة منه تحرك مجد, وبقفزة بالغة الخفة اعتلى الطاولة الخشبية امامه, واطلق صيحة مجلجلة وهو يركل الجندي في فكه بقوة القته ارضا ليحدث اصطدام درعه بالارض الحجرية للخان دويا وصخبا شديدين..
وهبط مجد على قدميه بين الجنود الاربعة, وانقض بسيفه على اقربهم اليه, والتقى السيفان بصليل قوي رددته جدران الخان..
وامام اعين رواد الخان الذاهلة دار اشرس واقوى نزال شهدوه في حياتهم..
فصحيح ان ضربات مجد لم تنجح في اختراق دروع الجنود الا انه تحرك بخفة ورشاقة مذهلتين..
جسده تحرك في كل اتجاه دون ان يستقر في مكان واحد, فتارة تراه يضرب سيف جندي, ثم ينحني ليتفادى سيف الثاني, ويدور حول نفسه وهو يعتدل ليسدد بمقبض سيفه ضربة قوية الى فك الثالث..
ولهث جنود الملك كاسر وهم يتطلعون الى مجد بعيون ملأها الغل والحقد..
انهم يواجهون الآن خصما غيرعادي..
فارس من طراز خاص لم يواجهوا مثله من قبل..
ضرباته عاجزة عن اختراق دروعهم والنفاذ الى صدورهم..
ولكنها ضربات قوية, عنيفة على نحو لم يعهدوه حتى في اكثر تدريباتهم قوة وشراسة..
وقطب الجندي الذي ركله مجد في فكه مع بداية القتال وقال وهو يلوح بسيفه في الهواء:
- قد تكون فارسا مغوارا ايها الغريب, ولكن فرصتك في هزيمتنا ضئيلة مهما طال امد هذه المبارزة.
قطب مجد بدوره, وادرك ان الجندي محق في كل كلمة نطق بها..
فهو بالفعل فارس باسل, وشجاع..
قادر على الصمود لأطول وقت ممكن دون ان يناله سيف بضربة قاتلة..
ولكن مهما طال امد احتماله وصموده, فهو مجرد بشر في نهاية الامر..
والدروع تمنح مهاجميه نقطة تفوق لا يمكن اغفالها..
- القتال لم ينته بعد يا هذا.
قالها مجد وهو يمسك سيفه بكلتا يديه, كل شبر من وجهه ينطق بالتحدي ورفض الاستسلام..
حتى لو كان الموت هو النتيجة..
فهو لن يخشاه.. سيواجهه كفارس..
لقد عاش فارسا لايشق له غبار..
وان مات, فلابد ان يموت كذلك ايضا..
وبكل قوته انقض على الجنود الخمسة في مشهد يثير الاعجاب الى اقصى حد..
سيفه يضرب بقوة..
يصد.. ويضرب, ثم يصد من جديد..
ينحني بخفة, يقفز فوق الطاولات والارائك الخشبية, يطير في الهواء ليضرب بقدميه معا, فلا استسلام, ولاتراجع ابدا..
ومن مكانه تألقت عينا فاتح وهو يقول:
- شجاعة وبسالة نادرتان.
واستل من حزام حول خصره خنجر وهو يردف قائلا:
- اعتقد ان سنوات الانتظار لم تذهب هباءا.
وبمهارة القى الخنجر نحو واحد من الجنود الخمسة الذي تراجع للوراء بحركة غريزية, وارتسمت ابتسامة واثقة على شفتي فاتح عندما احتك الخنجر بكتف الجندي وتجاوزه لينغرس في طاولة خشبية..
وهوى صمت ثقيل على الخان..
صمت دام للحظات قبل ان ينفصل الدرع عن صدر الجندي ليسقط على الارض محدثا دويا قويا ويهتز للحظات قبل ان يستقرساكنا..
وقطب مجد عندما لمح حزاما جلديا عريضا يسقط عن كتف الجندي..
حزام ثبت الدرع الى جسده قبل ان يمزقه فاتح بخنجره..
هذه هي نقطة الضعف اذن..
والوسيلة لهزيمتهم كذلك..
فقال وهو ينقض على الجندي الذي فقد درعه ويغمد سيفه في صدره:
- لقد تغير الوضع الآن ايها الاوغاد.
وسحب سيفه ليطلق الجندي شهقة قوية ويسقط على الارض جثة هامدة..
واستؤنف القتال من جديد, ولكن على نحو مختلف هذه المرة, فضربات مجد اصبحت تنتقي اهدافها بدقة, ودون اي مجال للخطأ..
ضربة الى الحزام الجلدي, فينفصل الدرع الصلب, ثم يغوص السيف لينتزع حياة من جسد صاحبها..
وسقط جندي ثان, وتبعه الثالث والرابع, واتسعت عينا الخامس في رعب شديد عندما رأى دماء رفاقه تلوث ارضية الخان, وسيف مجد..
مجد الذي اخذ صدره يعلو ويهبط, وقطرات من الدم على وجهه..
- الرحمة ايها الغريب, الرحمة.
قالها الجندي وهو يلقي سيفه ارضا, وينحني على ركبتيه امام مجد..
وتوقع جميع رواد الخان ان ينتزع مجد درع الجندي ويقتله, لكنه اعاد سيفه الى غمده وقال بلهجة آمرة:
- اذهب.
تطلع اليه الجندي وهو عاجز عن التصديق ان قد نجا من الموت, وكأنما تطارده شياطين الجحيم مجتمعة هب واقفا واستدار يغادر الخان دون ان يهتم حتى باستعادة سيفه الذي القاه ارضا..
وزفرمجد قبل ان ينظر لآسر ويقول:
- اعتقد انني افسدت عليك كل شيئ.
لم ينبس آسر ببنت شفة, فالدهشة عقدت لسانه واعجزته عن النطق..
- ماحدث قد حدث بالفعل, ولااظن آسرا سيأسى كثيرا على ترك الخان.
قالها فاتح وهو يغادر الركن خافت الاضاءة..
قامة ضئيلة وقصيرة كما ينبغي لقزم ان يكون, وجه مستدير مكتنز, انف صغير, شفتان رفيعتان, عينان زرقاوان واسعتان اكثر من المألوف, وشعر اشقر قصير..
وقال وهو يقترب من آسر:
- من الافضل ان تعجل بالرحيل من هنا يا آسر قبل ان تجد حشدا من جنود الملك في الخان, فينتقموا منك شر انتقام.
هز آسر رأسه ايجابا وقال بصوت بحه الانفعال الشديد الذي يجيش به صدره:
- انت محق يافاتح, فلابد ان ارحل سريعا, لابد.
منحه فاتح ابتسامة مشجعة قبل ان ينظر لمجد ويقول:
- وانت.. اتبعني.
قالها واسرع يغادر الخان, وتردد مجد للحظات قبل ان يربت على كتف آسر ويقول:
- اتمنى لك حظا طيبا.
وغادر الخان ليجد فاتح على صهوة جواد ابيض يقل حجمه عن نصف حجم الجواد العادي, له معرفة وذيل بلون ازرق داكن, وعلى شفتيه ابتسامة واسعة وهو يقول:
- هيا بنا, فلاوقت نضيعه.
وتألقت عيناه جذلا وهو يلكز جواده الذي اطلق صهيلا رفيعا قبل ان ينطلق بسرعة فوق العشب الاخضر, فاعتلى مجد صهوة جواده ولكزه لينطلق به خلف فاتح..
وفي رأسه تردد سؤال واحد..
فبعد الذي حدث في الخان..
وهزيمته لجنود الملك كاسر..
الى اين يأخذه القزم فاتح ياترى؟.
* * * *
تحت سماء زرقاء صافية تدثرت بسحب بيضاء, وقرص شمس ارسل اشعته الذهبية الدافئة,وفوق مساحات منبسطة من الاخضر المرصع بالعديد من التباب المتفاوتة في درجة ارتفاعها عن الارض انطلق الجوادان, جواد فاتح الابيض بذيله ومعرفته الازرقين, وجواد مجد الادهم..
الحماس ارتسم على وجه فاتح المكتنز, في حين بدا التجهم على وجه مجد, وعشرات من الاسئلة تعربد في رأسه دون اجابة..
واستمر الجوادان في انطلاقتهما حتى ارتقيا تبة متوسط الانحدار ذات قمة منبسطة, فجذب فاتح معرفة جواده ليتوقف مطلقا صهيله الرفيع ويتوقف ضاربا الارض بقائميه الاماميين, فجذب مجد عنان الادهم ليتوقف بدروه..
- اقترب وانظر يا مجد.
قالها فاتح وهو يجفف عرقه بكفه, فلكز مجد الادهم ليتقدم به نحو حافة التبة, وماان فعل حتى حلت الدهشة والانبهار محل التجهم على ملامحه, فقد طالعه اسفل التبة مشهد لا يمكن وصفه الابأنه رائع وخلاب..
فأمام عينيه امتد سهل شديد الانبساط, شديد الاخضرار, في منتصفه تدفق نهر ذو مجرى عريض ومتسع انعكست اشعة الشمس على مياهه فبدت كبحيرة متألقة من الذهب, وفي اكثر من موضع اعترضت مجراه تكوينات صخرية بديعة, وفوق هذه التكوينات الصخرية بدت مجموعات من الطيور الملونة التي لم ير مجد مثلها من قبل في حياته اخذت تصدر اصواتا عذبة بلغته في وقفته فوق التبة مع فاتح, ولكن اكثر مااثار دهشته هو ان النهر استمر في تدفقه حتى اخترق دغلا كثيفا بدا واضحا على امتداد البصر, وبدا وكأن الدغل يضم النهر اليه ويحتويه في قلبه..
- انه مشهد رائع, اليس كذلك؟.
قالها فاتح وابتسامة ترتسم على شفتيه الرفيعتين, فهز مجد رأسه ايجابا وقال:
- بل هو اكثر من رائع, فالطبيعة هنا على النقيض تماما من الصحراء الشمالية التي جئت منها.
اتسعت ابتسامة فاتح وهو يقول:
- اتعلم انني اتمنى رؤية الصحراء يا مجد؟.
ابتسم مجد دون ان يعلق, فهز فاتح كتفيه وقال وهو يشير بسبابته نحو الدغل:
- هناك.. في قلب ذلك الدغل توجد قريتنا يا مجد.
تلاشت ابتسامة مجد وهو يقول:
- قريتكم؟!.
هازا رأسه ايجابا قال فاتح:
- اجل يا مجد, قرية الاقزام.. التي سآخذك اليها الآن.
تبدى الشك في عيني مجد وهو يتطلع الى الدغل البعيد, فضحك فاتح قبل ان يقول:
- اطمئن يا مجد, فلو اردت بك سوءا لما اهتممت بمساعدتك في خان آسر.
قال مجد دون ان ينظر اليه:
- اعتقد انني بحاجة الى الكثير من الشرح والتوضيح لكثير من الامور.
تألقت عينا فاتح وهو يقول:
- ستحصل عليهما بالتأكيد يا مجد, ولكن ليس مني.
متسائلا قال مجد:
- ممن اذن يافاتح؟.
مجيبا قال فاتح:
- من الشخص الذي يعرف عن هذا الارض اكثر مما اعرفه انا يا مجد.
مرة اخرى قال مجد يسأله:
- اهو واحد من الاقزام؟.
قال فاتح يرد على سؤاله:
- اجل, ولكنه ليس قزما عاديا.. انه حكيم الاقزام الذي عاش من السنوات الكثير, وخبر الحياة بحلوها ومرها, وعركته تجاربها اكثر مما يمكنك تخيله.
ثم انه قال بعد هنيهة من الصمت:
- والآن دعنا نواصل طريقنا, هيا ولا تخش شيئا يا مجد.
قالها ولكز جواده لينطلق به هابطا التبة نحو السهل الاخضر, وتردد مجد قليلا في اللحاق به, ولكنه هزم تردده وقال بعد اذ زفر بقوة:
- الامر منذ بدايته لم يكن عاديا على الاطلاق.
ولكز الادهم وهو يقول مردفا:
- فلابأس من اتباعك ايها القزم.
* * * *
عبر ممرات ممهدة بعناية بين اشجار الدغل, بمحاذاة الضفة الشرقية للنهر الذي ضاق مجراه مع توغله في قلب الدغل سار جوادا فاتح ومجد الهويني..
وبعينين لم تفارقهما الدهشة والانبهار اخذ مجد يتأمل كل شيئ من حوله, الاشجار ذات الجذوع الضخمة والارتفاع الشاهق, بأغصانها المتشابكة, واوراقها الخضراء العريضة التي القت ظلالا وارفة, والطيور الملونة التي تنقلت بين اغصان الاشجار في تشكيلات بديعة متناغمة, ومياه النهر الشفافة التي بدت من خلالها الاسماك بالوانها الرائعة واشكالها المختلفة..
- نحن نقترب من القرية كثيرا يا مجد.
قالها فاتح بلهجة غلب عليها الحماس, فأومأ مجد برأسه ايجابا دون ان ينبس ببنت شفة..
ومع انحناءة النهر انحنى سار الجوادان وغادرا منطقة الاشجار الى مساحة مستديرة وواسعة خالية من الاشجار..
وامام عينين مجد المندهشتين بدت قرية الاقزام التي اخترقها النهر في منتصفها تماما, وعلى ضفتيه بنى الاقزام منازلهم..
منازل مبنية من اخشاب الاشجار ذات اسقف مصنوعة من اغصان الاشجار المجدولة في ضفائر سميكة واوراق الاشجار الخضراء, وفوق اغصان الاشجار التي احاطت بالقرية بنيت اكواخ من الخشب, ومن مداخلها امتدت سلالم من الحبال التي تم تثبيتها الى جذوع الاشجار السميكة..
وتعلقت انظار الاقزام المندهشة بمجد, فابتسم فاتح وهو يقول:
- انها المرة الاولى التي يرون فيها رجلا عاديا يأتي الى القرية.
هز محد رأسه ايجابا وقال:
- هذا يبدو واضحا من الدهشة على وجوههم.
هز فاتح كتفيه وقال:
- الكثير من الاقزام الذين ولدوا ونشأوا في هذه القرية لم يغادروها ابدا, قلة فقط هي من تغادر القرية بين الحين والآخر.
قال مجد متسائلا:
- وانت من هذه القلة, اليس كذلك؟.
قال فاتح مجيبا:
- بل انا اكثر قزم غادر هذه القرية يا مجد.
وصمت لحظة ثم قال مشيرا الى منزل بدا اكبر من كل منازل القرية على الضفة الاخرى من النهر:
- هذا هو منزل حكيم الاقزام يا مجد.
وامام جسر خشبي صغير ترجل الاثنان وعبراه الى الضفة الاخرى, وامام بوابة المنزل توقفا, وقال مجد يسألفاتح وهو يشير بسبابت الى نقوش غائرة على البوابة:
- ماهذه النقوش يافاتح؟.
مجيبا قال فاتح:
- انها عبارة ترحيب بلغة الاقزام القديمة.. لغة موغلة في القدم لم يعد احد يتحدث بها الآن الا ندرة من الاقزام.
قال مجد يسأله مرة اخرى:
- وهل تجيد هذه اللغة يا فاتح؟.
هازا كتفيه قال فاتح ردا على السؤال:
- القليل منها فحسب.
ثم انه اردف ويده على مقبض البوابة:
- انتظرني هنا قليلا يامجد.
وما ان غاب داخل المنزل حتى اخذ مجد يتأمل القرية من حوله, منازلها على الارض, والاكواخ الخشبية فوق الاشجار والاطفال يصعدون اليها او يهبطون منها, النساء وقد انهمكن في ملئ الجرار بالماء من النهر, الرجال وفد انهمك بعضهم في صيد الاسماك, والبعض الآخر اخذ ينقل اخشابا مقطوعة الى بعض الاكواخ على ضفة النهر..
وعقد مجد مقارنة بين هذا المجتمع الصغير الرائع, وبين حياة الصحراء القاسية, حيث الرمال الممتدة, والحرارة المحرقة نهارا, والبرودة القارصة ليلا..
وانتزعه من تأمله صوت البوابة الخشبية وهي تنفتح, ورأى فاتح يغادر المنزل يتبعه حكيم الاقزام..
عجوز طاعن في السن, جسد نحيل, وظهر منحن, وجه بيضاوي حفر فيه الزمن اخاديد عميقة, عينان خضراوان واسعتان تشيان بحكمة بالغة..
- هذا هو حكيم قرية الاقزام يا مجد.
قالها فاتح باحترام بالغ, في حين تفحصت عينا الحكيم كل شبر من ملامح مجد, وعند عينيه توقفتا, وشعر مجد برعشة تسري في جسد وعيني الحكيم تخترقانه وتنفذان الى اعمق اعماق نفسه, واخيرا ابتسم الحكيم وهو يقول بصوت واهن النبرات:
- روح الفارس بداخلك ثائرة ومتمردة يا مجد.
ثم انه اخذ نفسا عميقا قبل ان يقول وهو ينظر لفاتح:
- انه هو حقا.
قطب مجد ولم يفهم ماعناه الحكيم الذي اردف قائلا:
- اتبعني يا مجد, فمن حقك ان تعرف وتفهم كل شيئ مادمت قد وصلت الى هنا, وفيى هذا الوقت بالذات.
تبعه مجد وفاتح الى خارج القرية حتى بلغا مكانا هادئا بين الاشجار, وعلى صخرة قريبة من النهر جلس الحكيم وقال:
- ما سأخبرك به الآن امر قديم للغاية يا مجد, لايعرفه الكثيرون من سكان هذه الارض, وقلة هي من تذكره كما حدث بالضبط.
وصمت هنيهة ثم قال:
- فالامر يعود الى زمن بعيد وموغل في القدم عندما حكم هذه الارض ملوك انحدروا من سلالة اطلق عليها الناس سلالة الملوك الاقوياء, ملوك حكموا الناس بالعدل, ودافعوا عن الارض ضد اعدائها زمنا طويلا, فازدهرت الحياة وانتعشت.. حتى جاء اليوم الذي اطلق فيه ساحر عجوز نبوءة ازعجت ملك البلاد واغضبته بشدة, نبوءة عن اقتراب نهاية زمن الملوك الاقوياء وسيادة الشر والظلام لزمن طويل قبل ان يظهر فارس من ارض صحراوية ليقود قوى الخير ضد قوى الظلام في معركة فاصلة واخيرة.
وصمت الحكيم للحظات التقط فيها انفاسه ثم قال مكملا:
- وارسل الملك فرسانه لقتل الساحر العجوز قبل ان تنتشر نبوءته ويصدقها الناس, ولكنهم لم يجدوه, بحثوا عنه طويلا دون فائدة, وتنفس الملك الصعداء عندما استهزأ الناس بالنبوءة واعتبروها محض هراء وتخريف رجل عجوز, الا نحن معشر الاقزام.
واغلق عينيه قليلا قبل ان يفتحهما ويتابع:
- فنحن لاننسى النبوءات ابدا, وتاريخ امتنا حافل بالكثير من النبوءات التي تحققت, كنا واثقين من صحة النبوءة التي اطلقها الساحر قبل ان يختفي دون اي اثر.. حتى جاء اليوم الذي ظهر فيه كاسر في بلاط الملك.
ساد الصمت قليلا, وعينا مجد وكل حواسه معلقة بشقتي الحكيم الذي قال:
- ساحر شرير, اجاد فنون السحر الاسود والاتصال بأرواح اكثر مخلوقات العالم الآخر شرا, وفي زمن يسير تمكن من السيطرة على الملك وكل شيئ في البلاد, وماان ثبّت وجوده في البلاط حتى تخلص من الملك وابنائه ووزرائه وقادة جيشه المخلصين, واعلن نفسه ملكا على البلاد, ليبدأ عهد الظلام الذي ذكرته النبؤة, ويعاني الناس ويلات الظلم والذل والاضطهاد, واضطررنا نحن الاقزام للهجرة من الاراضي الجنوبية الى هنا بعد ان اباد الملك كاسر الكثيرين منا, وفي هذه الغابة انشأنا هذه القرية, وعشنا جميعا على امل ان يتحقق الجزء الآخر من النبوءة بظهور ذلك الفارس.
وازدرد مجد لعابه بصعوبة, وخفق قلبه بين ضلوعه بقوة عندما نظر الحكيم الى عينيه مباشرة وقال وهو ينهض من على الصخرة:
- ولقد تحققت النبوءة اخيرا, وجاء الفارس من ارض صحراوية, جاء بعد كل هذه السنوات من الظلام الجاثم فوق الصدور ليثبت لنا معشر الاقزام ان صبر السنين لم يذهب هباءا, وفي خان آسر تحدى هذا الفارس جنود الملك كاسر وهزمهم, فأحيى الامل في نفوسنا من جديد.
وتشبث بذراع مجد وهو يقول مضيفا:
- هذا الفارس هو... انت يا مجد.
وساد بعد عبارته صمت رهيب!!..
* * * *

 
 

 

عرض البوم صور اسلام ادريس   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ادريس سلام, فرسان الارض, قصة قصيرة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:15 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية