ورأته يضع قناعه القرمزى فتراجعت قليلا الى الوراء لأن الرجل قبالتها تحول الى شيطان فى غمضة عين.
سألها:
- كيف ترين شكلى ؟ هل أنفع ؟
قالت وهى تضحك ضحكة بريئة:
- ستخيف كل فتيات الحفلة
سألها مقهقها:
- المهم أن لا أخيفك أنت. هل تخافين منى يا كارا؟
فاعترفت له:
- احيانا . لا عجب ان ترتدى الوانا متنافرة حتى لا يعرفك الناس
سألها بجدية:
- ما الذى تقصدين يا صغيرة؟
- كل الفتيات اللواتى عرفتهن فى حياتك لا يعنين لك اى شئ . انهن كالزبد الذى يتحطم فوق صخور خليج التنين . عندما نتكلم عن منزلك احس حبا وحشيا يتملكك ولا يمكن لأى امرأة ان تنافسه . انا أرثى لحال المرأة التى ستأخذها هناك لتصبح زوجة لك.
- هيا بنا الى الحفلة.
فاستدارت فى ثوبها الحريرى ونزلت السلالم معه . وصلا مدخل الفندق وكانت مجموعة من المقنعين تخرج من المصعد . كان الجميع فى طريقهم الى الحفلة المقنعة . وحيا بعض الرجال لوكان تحية عرضية وحدقوا فى كارا وانحنوا لها ببرود.
لا يهمها ما كان يفكر فيه هؤلاء . ربما وصلت الى سمعهم انباء الليلة التى امضتها فى غرفة نوم لوكان والتى لن يصدق احد انها كانت ليلة بريئة . اى فتاة تشارك لوكان غرفة نومه لا بد ان تكون لعوبا . سألتها احدى النساء وكأنها تعرفها:
- هل انت ذاهبة الى الحفلة يا آنسة ستيفانوس؟
كانت ترتدى ثوبا يعود الى القرن الثامن عشر وتبدو عليها اناقة بنات باريس كأنها ضيفة احد المزارعين الاغنياء وليست من سكان الجزيرة.

هزت كارا رأسها ايجابا. لم يكن يهمها ان تتصرف بلياقة مع من ينظر الى لوكان على انه عابث ماجن.
- اريد محادثتك بعد قليل . لدى ما اريد التحدث به معك.
وسارت مبتعدة . سألها لوكان وهو يفتح لها باب العربة التى طلبها لهما ناب لتقلهما الى الحفلة:
- هل تعرفينها؟
فهزت رأسها بالنفى . ونسيت الحادثة فى طريقها الى المنزل الكبير حيث ستقام الحفلة.
Shell
كانت ساحة كبيرة فى الحديقة تحيط بها الاعمدة قد تحولت الى قاعة للرقص. وبدت الموسيقى قديمة العهد رومانسية يتمايل عليها الراقصون والراقصات وسط الاعمدة فى بحر من ضوء القناديل.
اسرع نبض قلبها وهى تراقص لوكان خاف عامود ضخم واستدارت فابتسمت له كان مثل الكثيرين يلبس لباس المهرج ولكنه يختلف عنهم جميعا بقامته الفارعة وقناعه القرمزى. كانت بين ذراعيه اللتين اطبقتا عليها بشدة وقد اغلقت عينيها وتركت الموسيقى تنساب حتى تدخل كيانها.
افلتت بالذاكرة الى زمن اخر ومكان اخر . كأنها بين ذراعى نيكوس فى انديلوس. ولكن لا . لا يمكن تشبيه رقصها مع نيكوس بهذا الشعور الحالم بين ذراعى لوكان والسعادة العارمة التى تغمرها . تغيرت الموسيقى الى الفالس وهما يدوران بخفة. وشعرت بجسده القوى يعصرها عصرا وتكاد تذوب لتصبح قسما منه. ما هذا الشعور السحرى؟ لا يمكن ان يكون حبا, لا بد انه سحر اسود. هذه المرة سيتحطم قلبها حقا ولن تجرح كالمرة السابقة يوم تركها نيكوس وتزوج.
توقفت الموسيقى ومعها السحر . وامسك لوكان بها من يدها وجرها الى حيث طاولة الطعام اكلا السمك والقريدس مع الصلصة وشربا عصير التفاح. كان لوكان منشرحا وكانت كارا تلاحظ النساء وهن يلاحقنه بنظرات الاعجاب.
وبدت ملكة الكرنفال آية للناظرين فى لباسها الوطنى الجميل . واخبرها لوكان ان الملكة سترسل احد خدمها بعد قليل لتختار الرجل الذى يروقها لمراقصتها فالس الامبراطورة . وهذا التدبير جزء من الاحتفال يجرى كل سنة. سألته كارا:
- هل اقرأ لك طالعك هذا المساء؟
- لا . لا اريد . تعالى نرقص. قال ذلك وامسك بها ودخلا وسط الجموع الراقصة. لا حظت كارا المرأة الفرنسية التى كلمتها فى الفندق ترقص قربها . وكانت ترمق كارا بعينين مؤنبتين كأنها تقول لها: انا لا اوافقك على تصرفاتك. اشبه بصديقة من طفولتها كانت دائما تسبب لها القصاص فى ايام الدراسة.

قال لوكان:
- من هذه المرأة ؟ تبدو كأنها تعرفك يا كارا.
- انا لا اعرفها . الناس يهمسون عنى وعنك. وهى مهتمة بهذا الامر.
- للأسف . ان جزيرة دى لوك مكان صغير تنمو فيه الشائعات بسهولة وتكبر اكثر من حجمها الطبيعى . ها تمانعين يا كارا ان تكونى آخر فتيات لوكان سافدج؟
- وهل هن كثيرات يا لوكان؟
اعاد السؤال:
- ماذا تعتقدين؟
- انت لا يهمك رأيى كثيرا
- لننس الموضوع
قال ذلك وقبض على اصابعها بشدة شعرت معها بوجع فى عظامها. كانت الحفلة تزداد صخبا . البالونات الملونة ذات الاشكال المتنوعة تطفو مع الاشرطة الورقية التى تلف الجميع برباط وهمى . واعلن ان ملكة الكرنفال ستختار مرافقها للفالس الامبراطورى. وهمست الملكة فى اذن خادمها اسم مرافقها. هز الغلام رأسه ايحابا وذهب وسط الجموع.
شاهدت كارا الخادم يمشى نحوها حيث يقف بقربها اطول مهرج فى الحفلة.
انحنى لوكان من مكانه للملكة ثم نظر الى كارا وقال:
- هل تأذنين لى؟
وتمتم:
- لن يقبلوا عذرى ان انا رفضت مراقصة اجمل فتاة فى جزيرة دى لوك !
- انا واثقة مما تقول . ارجوك تمتع بوقتك كما يحلو لك.

-سأفعل.
كانت الملكة سعيدة جدا بمراقصته. وسرت همهمة بين الجميع عندما ضم لوكان الملكة بين ذراعيه ودار بها كأنه ملك فعلى. رقصا وحدهما فى الحلبة دورة كاملة قبل ان يدخل عليهما بقية الراقصين والراقصات.
واصبحت ساحة الرقص بعد قليل كالبحر المتحرك يتموج بالألوان ... العيون وحدها تلمع من تحت الأقنعة.
تراجعت كارا الى الوراء قليلا ثم جمعت ثوبها بيديها وركضت بين الاعمدة الى الحديقة . كانت تحاول ان تقنع نفسها بأن مراقصة لوكان لفتاة اخرى , فتاة جميلة جدا .. لا يعنيها فى شئ . واخذت تتمشى وسط الاشجار بقلب يثقله الحزن.
شعرت كارا بأن شخصا يتبعها. والتفتت بسرعة فاذا بها وجها لوجه امام المرأة التى ترتدى ثوبا من القرن الثامن عشر . قالت المرأة:
- لو عاملنى رجل كما عاملك لوكان فلا أكلمه مرة ثانية . كانت تنظر الى كارا على ضوء القمر.
- لحقت بك لأكلمك قليلا
سألتها كارا:
- اكره ان يتبعنى احد او ان يتجسس على . من انت ؟
- صديقة لبول ودومينى ستيفانوس.
قالت كارا متعجبة وغضبى:
- كم العالم صغير!
فرفعت المرأة قناعها عن وجهها وقالت:
- منذ اخبرونى باسمك وبأنك يونانية عرفت انك الشقيقة الصغرى لبول. لقد التقيته فى باريس مع زوجته الجميلة دومينى السنة الماضية . التقينا فى متحف اللوفر . وكنت بصحبة صديق يعرف شقيقك مغرفة جيدة. تعشينا نحن الاربعة فى مطعم ماكسيم وامضينا سهرة ممتعة معا . وتكلم بول بحنان عن انديلوس وتاريخها القديم...
اقتربت المرأة من كارا ورفعت اصبعها الى خدها وفيه خاتم من الماس يرسل بريقا اخاذا . كان الخاتم للزينة وليس خاتم زواج
- كم هو رجل عظيم , شقيقك.
وضحكت كأنها حية رقطاء تبث السم فيما حولها.

- اننى فخورة بمعرفتك . سأكتب الى دومينى اخبرها عن هذا اللقاء بيننا.
حدثت كارا نفسها .. ستجلب لى هذه المرأة المشاكل . انها لئيمة ولم تعرف حبا حقيقيا فى حياتها كالحب الذى يربط بين دومينى وبول.
قالت المرأة:
- يا عزيزتى كارا . انت لست بالجميلة التى تجذب اليها لوكان سافدج , ولا من النوع الذى يقيم علاقات غرامية مع امثاله
وضحكت ضحكة عابثة:
- لذلك لم تتحملى رؤيته يراقص فتاة خلابة مثل الملكة ... فهربت الى الحديقة فى العتمة .
- انا ولوكان صديقان ليس الا.
تكلمت كارا باليونانية وبلهجة فيها عزة وكرامة
- واذا كتبتى الى اخى بما يسئ الى سمعتى او سمعة لوكان سافدج ....
ولم تكمل حديثها.
قالت المرأة بلهجة ساخرة:
- وما هى السمعة الحسنة التى يتمتع بها لوكان سافدج ؟ كل سكان الجزيرة يعرفون ان شقيقه مقعد بسببه . لو مات برايد لأصبح لوكان سيد خليج التنين ومالكه.
- لم يكن لوكان مسؤولا عن الحادث هو نفسه اخبرنى القصة بكاملها . ان شقيقه برايد هو الذى اقترح ان يتسلقا الصخور ...
- هو الذى اخبرك ؟ وهل تصدقين كل ما يقوله لك ؟ ان دا مربية التوأمين منذ ولادتهما ومدبرة المنزل سمعت لوكان يتحدى برايد للتسلق. وهى التى اخبرت والدتهما بذلك بعد الحادث. كان برايد ضعيفا محطم الضلوع بعد الحادث ولم ينف او يؤكد قصة شقيقه لوكان . وحين استعاد قواه لم يعد يذكر من الذى طلب التحدى . ومن المناسب للوكان ان يبدو شهيدا امام الفتيات القاصرات اللواتى لا يرين خلف عينيه الخضراوين الحيوان المفترس الذى يقبع تحت جلده.
- تتكلمين عن لوكان سافدج كأنك تكرهينه . ما الذى فعله لك؟
- لا شئ