المنتدى :
كوكتيل 2000
49 - جدى الحبيب
قصة العدد
(( جدى الحبيب ))
"جدك توفّي أمس.. احضر لتسلّم الميراث.."
برقية قصيرة، وصلتني حاملة تلك الكلمات المختصرة، من بلدة بسيطة، على الحدود السورية اللبنانية..
ولقد أدهشتني تلك البرقية في الواقع..
هذا لأنني لم ألتقِ بجدي لأمي هذا قط، منذ وعت عيناي الدنيا..
كل ما عرفته عنه هو تلك الصورة الكبيرة التي كانت تحتفظ بها أمي له، والتي كانت تثير خوفي منذ طفولتي؛ بسبب نظراته القوية القاسية فيها، وشاربه الضخم، الذي يحتلّ نصف وجهه، ويمنحه مظهراً يناسب بدايات القرن العشرين، وخاصة مع تلك الحلة الثمينة النمطية، التي يرتديها في الصورة، مستنداً إلى عكّاز ضخم، من الواضح أنه كان يتكئ عليه من باب الوجاهة، لا من باب العجز..
وكانت أمي، اللبنانية المولد والجنسية، تتحّدث عنه دوماً بفخر واعتزاز، وتحكي الكثير عن قوته وشهامته وبطولاته، في مواجهة المحتلين..
وفي مرة أو مرتين فحسب، تحدّثت عن غضبه منها، ومقاطعته لها؛ عندما تزوّجت من مصري، وأقامت معه في مصر، حيث وُلدت أنا ونشأت..
ولكن جدي هذا لم يحاول الاتصال بي قط، على الرغم من أن أمي كانت تؤكّد دوماً أنني حفيده الوحيد؛ نظراً لأنها ابنته الوحيدة، وأنا ابنها الوحيد..
ولم تذكر شيئاً أبداً عن ثرائه..
أو حتى عن مهنته..
ولقد توفّيت أمي منذ سنوات قليلة، وانقطع بوفاتها الحديث عن جدي، وانقطعت كل صلة سماعية لي به تماماً..
ثم فجأة تصلني تلك البرقية!!
لم أكن قد زرت لبنان قط، ولم تكن تلك الزيارة ضمن مخططاتي القريبة، أو حتى البعيدة، حتى وصلت تلك البرقية..
كانت تحمل توقيعاً لشخص يُدعى عدنان الموالي..
واسم تلك البلدة التي أرسلت منها..
ولكن الحديث عن الميراث، جعلني أعد حقيبتي، وأستقل أوّل طائرة إلى بيروت، وأنا أحلم بذلك الميراث، الذي لا أعلم مقداره أو حدوده، ولكنه أثار في نفسي خيالات عديدة، وأملا في الخلاص من الأزمات المالية التي أمرّ بها منذ وفاة والدي، وضياع ثروته، مع الأزمة الاقتصادية العالمية..
وفي مطار بيروت وقفت أنتظر وصول عدنان هذا، والذي أبلغته برقياً بموعد وصولي..
ولقد وصل بالفعل، بعد عشر دقائق فحسب، من خروجي من المطار..
ولم أشعر بالارتياح قط وأنا أصافحه للمرة الأولى..
لقد جاء في سيارة قديمة للغاية، ولكنها نظيفة ومعتنى بها جيداً، والعجيب أنها ما زالت تعمل بكفاءة، على الرغم من أن عمرها يتجاوز نصف القرن..
|