لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-10-17, 08:45 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوتوبيا الشياطين (النسخة المعدلة)

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء علي مشاهدة المشاركة
  
لفت نظري ذكر عوي ذئاب ثم رؤية مجدي لكلب أسود ما ويبدو غير طبيعي اجتماع الحيوانين في مكان واحد خاصة أن الكلب لم يبد للضابط أليفاً.
فلنهمل اختفاءه المفاجيء ونتركه للأحداث أيضاً.

الكلاب تعوي أيضاً وقد يظنها البعض ذئاباً.
تحياتي لك.

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 11-10-17, 08:51 AM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوتوبيا الشياطين (النسخة المعدلة)

 




4 ـ تلك الفتاة
لقد عاد الشويش الأخر عبد الرحيم من إجازته، الحقيقة لا أجد فارقاً كبيراً بينه وبين ديريني، إنه نحيل وله شارب ينافس شارب الأول، فالشارب هنا مهم جداً وبه تقاس رجولتك.. لذا فشاربي المتواضع بالنسبة لشاربيهما يجعلني أبدو لهما كالمراهقين..
عبد الرحيم كذلك يسكن في بلدة مجاورة لكفور الصوالح وهو يتناوب الراحات مع ديريني الذي يسكن معه في نفس بلدته لعل اسمها طانطور أو حنطور ..لا أذكر حقيقة .. المهم أنه حينما عاد برهن على أن له زوجة محترفة تجيد صنع الفطير (المشلتت)إياه الذي يبض بالسمن البلدي..
وكالعادة أتوقف بعد اللقمة الثالثة أو الرابعة ولا استطيع تحمل كل هذا الدسم ..هذه مشكلتي مع الفطير بالسمن .. لا أستطيع أن أشبع منه أبداً من فرط الدسم ..
سمعت ديريني يسأل رفيقه عن البط المحمر.. فأجابه بفم ملئ بالفطير والبيض:
ـ الزيارة القادمة إن شاء الله..
..إذن موعدنا مع البط سيكون بعد حين.. لا فرصة لديك لتناول طعام بيتي ههنا إلا مع نزول أحد الرجلين للراحة.. أو حينما يدعوك العمدة على الغداء.. أو أن تأخذ أجازة كبقية الخلق وتعود لأهلك.
لكنني لا أستطيع طلب إجازة بهذه السرعة ولا أريد حقيقة.. رغماً عن اشتياقي لطعام السيدة الوالدة ونظرات والدي البوليسية المرعبة .. لن أفكر في إجازة حتى أتأكد أن كل الفتيات التي تعرفهم أمي قد تزوجن أو متن..
لابد أن أنفض عن رأسي كل تلك المشاعر الأسرية السخيفة التي لا تقدم ولا تؤخر..

وقفت أتأمل قوة النقطة المهيبة فخر الجندية وهما يفتكان بالفطير بالسمن والجبن الفلاحي بكل رضا عن النفس.. أنت بحاجة لعشرة فكوك حتى يمكنك ملاحقة فكي ديريني وعبد الرحيم وهما يأكلان.. لم يكن الشارب الضخم بعائق لهما عن القضم والمضغ والبلع.. ماذا لو كان هناك بط في الموضوع أيها الوحوش..
هنا تذكرت!
إذا لم يكن هناك بط.. فعليك أن تجد واحدة..
إن معي بندقية صيد قد أتيت بها من القاهرة.. لكنني نسيتها وانشغلت عنها بصيد حشرات الليل الزاحفة والطائرة..
قد حان الوقت للخروج في رحلة صيد حقيقية عند أطراف القرية.. بالقرب من تلك البقعة التي أرعبتني يوماً ما في الليل.. هناك تنشط الطيور البرية..
هناك هواء الريف العليل يقوم بعملية مسح وتنظيف لبقايا عوادم المدينة العالقة بصدري..
لمحت في جهة الأفق الشرقي سرب من الطيور يحلق فصوبت البندقية وكتمت أنفاسي.. لكن حينما دوت الطلقة سمعت صرخة أنثوية حادة لا علاقة لها بالطيور التي واصلت التحليق بسلام..
هذه الصرخة الأنثوية الهستيرية تأتي من على الأرض..
وفهمت على الفور أنني ارتكبت خطئاً صغيراً!!..
لقد كدت أفقا عين فلاحة من الفلاحات برصاصة طائشة.. ولا تسألني كيف أخطأت سرب الطيور في السماء وكدت أصيب تلك الفلاحة على الأرض هذه أشياء تحدث ..صدقني ..
كان صدى الطلقة يتردد في نفس الوقت الذي كانت الفتاة تصرخ وتولول وتلطم خديها معتقدة أن الطلقة أصابتها في مقتل.. صبراً يا حمقاء لقد كدت تقتليني رعباً ..
- أهدئي يا ..... الطلقة لم تصبك ..
تحسست جسدها بحركة هستيرية سريعة ثم فوجئت بها تتغير مائة وثمانون درجة ..الهرة الخائفة تحولت لنمرة شرسة ..كانت تتوعدني بالويل والثبور وعظائم الأمور وأنني لو مسستها فلن أجد مكان في القرية يحول بيني وبين انتقام أهلها ..كان يمكنني إسكاتها بمجرد الإعلان عن هويتي لكنني لسبب ما كنت مستمتعاً بشراستها.. قلت لها بتهذيب :
ـ دعيني أصحح خطئي ..
ـ كيف ..؟
ـ سأتزوجك ..
بالطبع صدمتها عبارتي الساخرة و تورد خداها خجلاً وهي تلوح بكفها في وجهي متهمة إياي بقلة الحياء .. وأن أهلها سيحولونني إلى (كفتة) لو علموا بفعلتي ..
ـ أنت لا تعرف من أكون.. أنا فاطمة بنت جابر الصوالحي.
طبعاً كانت تعتبر مجرد ذكر اسم أبيها كافياً كي أنهار وأطلب الصفح.. سألتها في بساطة متجاهلاً ثورتها :
ـ ما الذي أتى بك إلى هنا يا فاطمة؟.. المكان هنا نائي وخطر بالنسبة لفتاة مثلك ..
ـ لا شأن لك بي ..
قالتها في غل وعيناها تقدحان الشرر.. ثم أدركت أنها قد أطالت معي الحديث أكثر من اللازم فاستدارت مبتعدة لا تلوى على شيء.. هرة ساذجة كانت..
ـ انتظري حتى أوصلك ..؟
ـ لا شأن لك بي ..
ووقفت وحدي أردد أسم فاطمة بنت الحاج جابر الصوالحي كأني أتذوقه..
المسكينة لم تنتبه إلى أنها أخبرتني باسمها كاملاً ..المسكينة لم تنتبه إلى أنني رامي بارع وأنني لا أخطئ هدفي أبدا ..
لقد أصبت هدفي و بمهارة ..
هنا لمحت تلك اللفافة التي سقطت منها فيما يبدو، وانحنيت على الأرض لألتقطها.. قلبتها في يدي بحيرة، ثم خمنت أنها نوع من البهارات أو التوابل.. وقررت الاحتفاظ بها كتذكار لهذا اليوم..
وهكذا دسستها في جيبي وعدت أدراجي إلى نقطة الشرطة قانعاً بصيد اليوم..
وجدت ديريني يغسل بعض الثياب في طست وعبد الرحيم يعد بعض الشاي..
حينما رآني الأول تساءل في دهشة :
ـ أين البط يا فندم؟..
لوحت ببندقية الصيد قائلاً في جزل :
ـ لقد اصطدت بطة.. لكن ليس كأي بطة..
قال في فرح وهو يعصر الثياب بحرفية نسائية يحسد عليها :
ـ الله أكبر.. لكن أين هي يا فندم؟..
أرحت البندقية على عاتقي وتوجهت للسلم الموصل للاستراحة قائلاً :
ـ هذه البطة ليست للأكل أيها الوحوش..
***
مشروع اليوتوبيا يمر بمنعطف تاريخي..
كنت جالساً في النقطة أرمق القرية الساكنة من النافذة المجاورة لمكتبي.. لا شيء سوى صوت الناموس الخارق للدروع ومجموعة هناك من البط تسبح بانسيابية في ترعة القرية.. باليه بحيرة البجع كما يحلو لي أن أسميه!
فاطمة بنت جابر الصوالحي.
لم أنس الاسم ولا صاحبته منذ عدت من رحلة الصيد..
جابر الصوالحي دعني أهنئك على تلك اللوحة الفنية المبهجة التي رسمتها هرموناتك.. أنت فنان ضل طريقه إلى الطين والزرع.. اتمنى لو قابلتك لأشد على يديك..
تباً أنا بحاجة للثرثرة مع أحدهم..
وتذكرت الرفاق في القاهرة وشعرت بالحنين إلى تلك الجلسات الدافئة..
لم يكن لي هنا سوى ديريني وعبد الرحيم..
وطبعاً علاقتي بهما لا تسمح بمثل تلك الفضفضة.. هنا تذكرت اللفافة.. الشيء الوحيد هنا من رائحة فاطمة.. لقد تركته في سترتي الأخرى.. غادرت مكتبي مزمعاً الصعود للاستراحة حيث تركت السترة لكن ارتطمت عيناي بحبل الغسيل الذي صنعه ديريني قبالة الباب وأدركت أنني قد تأخرت جداً..
كانت السترة معلقة على الحبل والماء يقطر منها.. أولجت يدي في الجيب بسرعة فعثرت يدي على اللفافة وقد تحولت إلى عجين..
عصرتها في غل كأني أعصر عنق ديريني نفسه ثم تركتها وعدت خائباً إلى مكتبي وإلى تأملاتي الشاعرية..
ماركس ترى ماذا سيكون رد فعلك على ما أنا فيه الآن؟.. طبعاً لم أكد أتذكره حتى وجدته يتمطى في المقعد المقابل للمكتب..
ـ هل أيقظتك؟..
نظر لي بوجه مغتم وقال متجاهلاً سؤالي:
ـ هل جئت لكفور الصوالح من أجل أن تقع في حب فتاة قروية؟..
هذه هي روعة ماركس.. أنه ليس بحاجة لمقدمات.. قلت بترفع:
ـ ليس حبا.. لقد قابلتها لتوي..
أغمض عيناً وفتح الأخرى فيما معناه : ألعب غيرها..
فعدت أقول بتؤدة :
ـ إن تلك القرية أرض بكر وخصبة.. فما الذي يضير لو قطفت من تلك الأرض زهرة برية يانعة.. أنت تفهمني أليس كذلك؟..
عقد ساعديه أمام صدره وهو يرمقني بنظرة شك مزعجة.. ذكرني بمدرس اللغة العربية حينما كنت أتحجج أمامه بحجج واهية كي أفلت من العقاب.. سألني متبرماً :
ـ وكيف ستقطف تلك الزهرة يا ترى؟..
أجبته بتلقائية :
ـ سأتزوجها طبعاً..
***
رأيت حاجبي ماركس ينعقدان بشدة وصوته يزداد تجهماً وعمقاً :
ـ زواج أيضاً!..
قلت له ببساطة :
ـ لماذا تعارض فكرة الزواج لهذا الحد.. هل أنت معقد لهذه الدرجة؟..
نظر لي بامتعاض.. ثم قال كأنما يخاطب طفلاً:
ـ قاموس اليوتوبيا يا عزيزي لا يحتوى على لفظة زواج..
قلت له مؤمناً :
ـ أعرف يا رفيق.. لكن لو فكرت هنا في طريقة أخرى فستطير رقبتي.. لابد أن أتزوج كما يتزوجون وإلا فسوف أتحول لراهب.. وهذا هو مالم نتفق عليه ..
وضع كفه على عاتقي بحنو أبوي كنت مفتقده وبشدة.. وقال:
ـ بل أنت الذي مازالت متأثراً بضوابط مجتمعك المتخلف..
قلت له في ضيق :
ـ لا تقل هذا يا رفيق؟..
نظر لي بعينيه العميقتين اللتان تسبران غوري دائماً وهمس:
ـ يمكنك أن ترتبط بأي أنثى تريد.. لكن لماذا تلك الفتاة القروية بالذات؟..
شعرت بصدري يزداد ضيقاً وبالدماء تحتشد في أذني..
ـ أنت تحبها يا رفيق؟..
قلت بشيء من الحدة :
ـ أنت لا تفهمني.. أنا لا أعرف دوراً للقلب الذي أملكه سوى أنه مجرد مضخة تضخ الدماء.. فاطمة بالنسبة إلي مجرد جزء صغيرمن مشروعي.. فهمت الأن لماذا أبعدت حينما أقحمت القلب في الموضوع.. المسألة مسألة زواج فقط يا صاحبي ..نواة لمجتمع اليوتوبيا الذي أحلم به..
لم أصرح له أنني كنت بحاجة إلى أن .. أحم .. ألبي نداء الطبيعة لو جاز لي التعبير.. ولا سبيل لذلك في مجتمعنا سوى بالزواج .. ولما لم يكن من الزواج بد .. فلتكن رفيقتي إذن فتاة قروية من وراء الجاموسة كما يقولون..
أريد تلك الفتاة ..تلك الأرض البكر التي لم تحرث بعد .. هذه هي فتاة أحلامي يا سادة.. لو صح التعبير فـأنا لم أكن يوماً حالماً لكنني أحاول التقريب ..
لست على استعداد للزواج من سوزان أو سوسن .. فلا أريد لزوجتي أن تكون قريبة مني في ثقافتها ..أريد أن يكون بيني وبينها مفاوز وقفار .. أريدها ان تنظر لي دائماً من أسفل لأعلى نظرة انبهار ..
قال ماركس وهو ينفخ :
ـ إنها ليست من مستواك الاجتماعي..
نظرت له مصدوماً..
ـ لماذا تتكلم بهذه النبرة الطبقية يا رفيق؟.. أنت الذي علمني أن الناس مستوون كأسنان المشط .
ـ هو كذلك يا رفيق.. لكن لا ينبغي أن تصادم مجتمعك بهذه الفجاجة..
قلت له وقد فشلت في ابتلاع كل تلك المتناقضات :
ـ و نسف مبدأ الزواج.. أليس هذا يصادم أسس المجتمع؟..
سكت ماركس برهة وهو ينظر لي في برود مفاجئ.. ثم قال ضاغطاً على حروف كلماته :
ـ هذا القرار يهدد اليوتوبيا..
قلت في تصميم :
ـ أنا أفعل هذا من أجل اليوتوبيا نفسها..
هنا انفجر ماركس في ثورة :
ـ أنت أناني لا تفكر إلا في نزواتك الحقيرة..
طبعاً غلى الدم في عروقي وشعرت أنني على وشك ارتكاب
جريمة.. لقد تجاوز ماركس كل الحدود معي ولم أكن لأسمح له بالمزيد..
ـ أنت لست وصياً علي..
أشار لي بسبابته محذراً أو مهدداً :
ـ ستندم على هذا..
ـ أنا نادم فعلاً لكن ليس على قراري..
ـ لقد أنذرتك..
وفي لحظة تلاشى ماركس ووقفت وحدي أحدق في الفراغ الذي كان يحتله منذ لحظات..
الغرفة خالية..
هل كنت أحدث نفسي منذ البداية؟..
اخترعت شخصية ماركس وتبادلت معها الحوارات ولا وجود لها إلا في ذهني..
هل هذا هو الجنون الذي يتحدثون عنه.. ربما..
لكنه ليس من النوع الخطر.. ليس من النوع الذي يعيق عن الزواج على الأقل..
سأطلب يد فاطمة من أبيها ولتزأر العاصفة ..
***
حينما جن الليل توجهت لمنزل جابر الصوالحي أو دواره كما يطلقون عليه ههنا.. كان لا يختلف كثيراً عن سائر الدور ..فقط هو انظف قليلاً لأن حظيرة المواشي منفصلة عنه .. ولا يختلف كثيراً من حيث الأثاث ..كنت أجلس في حجرة الضيوف حيث الدكة العتيدة التي تعاقبت عليها أجيال وربما مات عليها العشرات من أجداد جابر الصوالحي .. الكليم الرمادي والطست والأبريق النحاسي .. ذكر البط الذي يرمقك في شك وفضول ..قبل أن يعلن عن رأيه فيك وبصراحة كوااااااك... من ثم تكشر له أنت عن أنيابك فيفر مرفرفاً بجناحية وقد تأكد أنك مجنون تماماً ..لا أحد عاقل يفعل هذا مع ذكر بط أبداً ..!!
ثم يظهر أخيراً رب الدار..
ها هو الحاج جابر يمد إلي كفه الناعمة مصافحاً ..هذه كف كفت عن الشقاء..
لكن لماذا أرى ركن فمه يختلج وهو يرحب بي..
ـ الدار نورت يا حضرة الضابط
ابتلعت ريقي محاولاً تذكر ما جئت من أجله على حين صفق الحاج جابر بكفيه طالباً واجب الضيافة..
وعاد ينظر إلي نظرة زائغة ..الرجل منزعج جداً من زيارتي ولا يرحب بي البته لكنه مضطر لمراسم الاستقبال والضيافة كما يقتضي الدين والعرف وإلا ..فهو يعتبر زيارة ضابط النقطة عمل مشين يهدد سمعته خصوصاً حينما يأتيه بالزي الرسمي ..
ـ خيراً يا حضرة الضابط .. ؟
فتحت فمي لأتكلم لكن خرتيتاً أدمياً اقتحم الحجرة حاملاً صفحة عليها كوبي شاي ..علمت فيما بعد أن هذا الخرتيت أحد ابناء الحاج جابر يدعى مداح ..
ـ اتفضل شاي ...
قالها الخرتيت وهو يضع الصفحة أمامي فتناولت كوباً وأنا ألعنه في سري ..لقد بعثر الوغد ما قضيت الليل في نسجه من كلمات ..
لكن لا بأس ..لنرتجل .. رشفت رشفة من كوب الشاي ..وانسلت من بين شفتي كلمة :
ـ جئت بخصوص ابنتك فاطمة ..
كان الحاج جابر يتناول كوب الشاي لكنه لسبب ما قرر التخلي عنه في اللحظة الأخيرة ليسقط على الكليم وينتثر الشاي على الأرض.. ورأيته يقف في حدة وهو يردد في جزع:
ـ فاطمة ...
نظرت له مستغرباً ردة فعله! على حين نهض الخرتيت محاولاً إصلاح ما أفسده أبوه لكن هيهات ..أكملت في بساطة متجاهلاً الخرتيت العاكف على تنظيف الكليم والذي صار لونه بنياً – أعني الكليم طبعاً - :
ـ نعم يا حاج جابر.. فاطمة.. جئت أطلب منك يدها ...
هنا برك الحاج جابر على مقعده واضعا كفه على جبهته متنفساً الصعداء ولعله أطلق سبة أو ما شابه لكن لا أستطيع الجزم حقيقة..
كما أن عندي من الأسباب ما يجعلني اتجاهل ردود أفعاله الأن ..
وتوقف ولده عن التنظيف وصاح في بلاهة :
ـ يد فاطمة أختي ..!!
ابتسمت له في مقت متحاشياً ركله ثم التفت إلى الحاج جابر منتظراً رده ..
أخيراً استجمع الحاج جابر شتات نفسه.. وتحول فرقه إلى فرحة عارمة بالخبر السعيد.. لقد جاء لابنته العريس الذي كان ينتظره..
فقط هو كان مضطرباً لأن زيارتي كانت بمظاهر رسمية وليست بمظاهر عائلية ودية..
ثم إنه بدأ يتكلم عن أشياء فاجأتني حقيقة.. لا أحد يتقدم لخطبة فتاة هكذا دون وجود للأهل في الموضوع.. وأسقط في يدي حقيقة.. لقد نسيت أمر الوالد والوالدة تماماً !!.. الأخيرة ستصاب بفالج حينما تعرف أن ولدها فضل قروية على كاميليا ..
كان لابد من إقصاء أبواي من الصورة حتى يتسنى لي اتمام تلك الزيجة ..
وهكذا صرحت للحاج جابر أنني مقطوع من شجرة كما يقولون..
لكنك يا حاج جابر ستناسب رجلاً.. وليس الرجل من قال هذا أبي ولكن الرجل هو من سيقف إلى جانبك لو فكر ضباط ثورة يوليو في التعرض لأملاكك .. ولم يكن الحاج جابر ليقاوم ..
لو كنا في اليوتوبيا الحقة لكان طلب الزواج شيئاً مشيناً ..
أيها الرفيق جابر أنا بحاجة لرفقة أبنتك فاطمة لنكون نواة لليوتوبيا .
تفضل يا ولدي وهل أجد لابنتي رفيق خير منك ..
هذا هو العشم يا رفيق جابر لن أؤخرها عليك ..لا عليك يا بني ..
لا يوجد رفاق كثر اليوم يمكنك أن تردها وقتما تشاء ..وهكذا تمضي الأمور دون تعقيدات مجتمعنا الرجعي !!..
لكن ما باليد حيلة ..
ـ علينا أن نأخذ رأي البنت أولاً ..
قلت له:
ـ بلا شك يا حاج جابر ..تفضل.. تفضل..
وابتسمت في خبث .. كنت أحاول تخيل ردة فعلها حينما تكتشف حقيقة عريس المستقبل .. لكن ما حدث بعد أدهشني..
جاءت على استحياء ودون أن ترفع طرفها عن الأرض قالت الكلمة التي سحرتني :
ـ الذي يراه والدي يكون ..
وغداً ..ستقولين ما يراه زوجي يكون .. هذه هي فتاتي ..
إنها مثل سائر الفتيات ..لا يرفضن عريساً تقريباً.. حتى وإن كان يعاكسها في الصباح.. وفكرت كم أنا محظوظ كوني في الوجه البحري حيث يسهل قبول عريس قاهري مثلي لو كنت في الصعيد الأن لما خرجت حياً تقريباً من دار الحاج جابر ..لم تكن المسافة فقط هي الفارق الوحيد بين الصعيد والوجه البحري كما كنت أتصور .. صدقت يا والدي العزيز ..
بالفعل أنا الأسعد حظاً منك ..والأيام التالية ستؤكد ذلك..
***




 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 13-10-17, 06:29 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Feb 2015
العضوية: 289774
المشاركات: 1,941
الجنس أنثى
معدل التقييم: شيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسيشيماء علي عضو ماسي
نقاط التقييم: 4305

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شيماء علي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوتوبيا الشياطين (النسخة المعدلة)

 

أخيراً استطعت قراءة الفصل مع عشرات التحويلات والإعلانات المتقافزة في وجهي كلما حاولت الدخول خلال اليومين الأخيرين !!
ما هذه التطورات هنا ؟
يبدو لي أن الرفيق مجدي قد بدأ ينسلخ تدريجياً من مبادئه دون أن يدرك، وربما يعطي لنفسه التبريرات اللازمة في بعض المواقف أيضاً. شيء يسعدني بالطبع.
اقتنعت إذن أن هذا الماركس هو من خيالك؟ عذراً، أقصد اعترفت؟!
متشوقة أنا للتعرف على هذه الفاطمة التي سببت لك ذلك.
بكل تأكيد لا تبدو لي البذرة المناسبة سيدي.
فتاة كانت تتجول على أطراف القرية قرب مكان ارتعب منه ديريني أبو شنب وإن كان تجوالها في وضح النهار حتى لا تبدو لي كشخصية على وشك القبول باهتزاز في مبادئها.
بالطبع سبب ذهابها لذاك المكان يحيرني.
أتربي دباً برياً ما يرعب أهل القرية مثلاً؟!

بانتظار الفصل القادم لمحاولة الوصول لشيء إذن.

 
 

 

عرض البوم صور شيماء علي   رد مع اقتباس
قديم 14-10-17, 07:55 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوتوبيا الشياطين (النسخة المعدلة)

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء علي مشاهدة المشاركة
   أخيراً استطعت قراءة الفصل مع عشرات التحويلات والإعلانات المتقافزة في وجهي كلما حاولت الدخول خلال اليومين الأخيرين !!
ما هذه التطورات هنا ؟
يبدو لي أن الرفيق مجدي قد بدأ ينسلخ تدريجياً من مبادئه دون أن يدرك، وربما يعطي لنفسه التبريرات اللازمة في بعض المواقف أيضاً. شيء يسعدني بالطبع.
اقتنعت إذن أن هذا الماركس هو من خيالك؟ عذراً، أقصد اعترفت؟!
متشوقة أنا للتعرف على هذه الفاطمة التي سببت لك ذلك.
بكل تأكيد لا تبدو لي البذرة المناسبة سيدي.
فتاة كانت تتجول على أطراف القرية قرب مكان ارتعب منه ديريني أبو شنب وإن كان تجوالها في وضح النهار حتى لا تبدو لي كشخصية على وشك القبول باهتزاز في مبادئها.
بالطبع سبب ذهابها لذاك المكان يحيرني.
أتربي دباً برياً ما يرعب أهل القرية مثلاً؟!

بانتظار الفصل القادم لمحاولة الوصول لشيء إذن.

هو يعتقد عكس ذلك وهو أن هذه الفتاة القروية عجينة سهلة التطويع، ولا تنس أن مشكلة تلك البقعة النائية تكون عند الليل، أما في النهار فالأمر يختلف. بالنسبة لقصة تربية دب في كفور الصوالح فستكون دعابة ثقيلة من فتاة القرية التي ينبغي لها ألا تجيد سوى تربية البط وعمل الأرز (المعمر).
لنأمل إذن أن تكون زيارتها للبقعة النائية زيارة بريئة.

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 16-10-17, 09:56 AM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: يوتوبيا الشياطين (النسخة المعدلة)

 

5ـ ذلك الدجال
تم تحديد موعد الزفاف بعد الاتفاق على مقر السكن، والذي سيكون في شقة قمت باستئجارها في البندر الذي تتبعه القرية .. وهذا طبعاً بعد جدال طويل حيث يعتبر هنا السفر للبندر تغريبة كتغريبة بني هلال.
وأخيراً انتهت المفاوضات .. واندلعت الزغاريد التي تشبه أصوات أجهزة الإنذار من كل شق في بيت الحاج جابر ..
الأيام التالية سيكون على أن أمارس دور الخاطب الولهان الذي يهرول كل يوم جمعة إلى منزل خطيبته حاملاً كيس الفاكهة المعطوبة أو علبة الشيكولاتة الحجرية في يد وباقة من الورد في الكف الأخرى.. طبعاً لغة الورود هنا غير رائجة وكذلك الشيكولاتة فسأكتفي إذن بكيس الفاكهة لحين إشعار أخر ..من يدري ربما أدخل عليهم يوماً بقفص طيور !! المهم كان كل شيء يمضي بسهولة ويسر وإيجابية وشعرت أن أيامي صار لها مذاق خاص مرهف ..وعبير مميز .. كل شيء صار مصبوغاً باللون الوردي حتى أني نسيت هدفي الأسمى، باختصار ..كانت هناك مصيبة في الطريق تتجه أنت إليها كالأبله أو تتجه هي إليك كالعمياء..
***
إن موعد الزفاف يقترب ...
لكن مع اقترابه لاحظت أن أهل فاطمة يضطربون..
من الطبيعي أن تضطرب فاطمة الفتاة البكر المقبلة على الزواج لكن لماذا يضطرب أبوها؟ ما سر ذلك القلق ؟ وهل هناك سر ما يخفونه عني ؟..
أذكر جيداً كيف جاء الحاج جابر وولده مداح وجلسا إلى جواري في إحدى ليالي الجمع، وكيف قامت فاطمة وأخلت لنا حجرة الضيافة، قلت لنفسي :المصيبة قادمة إذن لا محالة. بعد دقائق من الإقبال والأدبار تكلم الحاج جابر :
ـ هناك شيء لابد منه قبل الزفاف يا بني...
ابتلعت ريقي منتظراً المصيبة التي سيتحفني بها حماي، قلت له من بين اسناني :
ـ أعتقد أننا اتفقنا على كل شيء...
ـ بقي شيء مهم حتى يتم الزفاف بسلام..
بدأ صبري ينفذ.. لست مستعداً لبذل المزيد من المال، سيفتضح أمري أمام أسرتي في القاهرة لو طلبت منهم المزيد..
ـ هل قصرت في شيء ..؟
ـ حاشا لله ..إنه مجرد عرف في قريتنا دأبنا عليه من قديم..
عرف! هذا العرف لابد أنه سيكون سعره فلكياً، هذا واضح في لهجتهم معي.
وتنهد الحاج جابر قبل أن يقرر إفراغ ما لديه دفعة واحدة :
ـ بصراحة لابد أن تذهب للشيخ علوش قبل الزفاف ..
في البداية شككت فيما سمعته أذناي؟.. قلت له في غباء :
ـ الشيخ علوش هذا هو المأذون هنا..
تبادل الحاج جابر النظرات مع ولده مداح ثم قرر أن يوضح ..
ـ إنه شيخ القرية يا بني...
شيخ القرية هذه تحتمل شيئين، إما أن يكون شيخ مسجدها أو...
ـ هذا أمر لا بد منه.. لقد دأبنا عليه منذ ظهر الشيخ علوش في قريتنا.. حينما يقدم أي واحد من أهل كفور الصوالح على الزواج لابد أن يذهب للشيخ علوش ويعطيه (الحلوان) كي تتم الزيجه على خير..
حاولت أن أتمالك أعصابي قائلاً :
ـ لكنني لست من أهل القرية..
ـ لكنك على أرضها و ستتزوج بنت من بنات القرية..
ـ إنها إتاوة إذن..
قلتها ونبرة الغضب تعلو تدريجياً في صوتي.. لاحظ الحاج جابر ذلك فابتلع ريقه قائلاً :
ـ إنها أعرافنا..
ـ هل ذهبت إليه؟..
أطرق الحاج برهة ثم رفع طرفه وقال :
ـ لقد ذهبنا.. والدور دورك..
استندت بكفي اليسرى على فخذي متسائلاً :
ـ وإذا لم أذهب؟..
أحمر وجه الحاج جابر ولم يستطع النظر في عيني، ولم أفهم السبب،
ـ الزواج لن يتم بدون إرضائه.. إنه يقوم بربط المقبلين على الزواج..
قالها جابر وهو يعصر فخذه بكفه في عصبية، سألته في غباء متوقع :
ـ يربطهم أين بالضبط؟..
نظر لي في دهشة ثم فهم أنني أجهل من دابة فبدأ يشرح لي معنى الربط هنا..
علوش هذا يقوم بما يشبه الإخصاء الذي كانوا يصنعونه للعبيد قديماً.. لكنه هنا بدون جراحة.. إنه عن طريق السحر الأسود كما يدعون..
الآن أفهم لما لم يسمحوا لفاطمة بالجلوس معنا..
قلت لجابر بامتنان مصطنع :
ـ الحقيقة أنك أفدتني كثيراً يا حاج جابر..
قال لي متلهفاً :
ـ ستذهب إليه يا ولدي؟
نهضت مكشراً عن أنيابي ..
ـ تريد لضابط النقطة ان يذهب لاسترضاء دجال كلعوش هذا
لابد أنني بدوت له كالمسوخ بسبب نظرة الرعب التي تجسدت في عيني الحاج جابر..
ـ يا ولدي علوش هذا قادر..
ـ حسناً سأذهب إليه ..
ثم استطردت في قسوة :
ـ لكن ليس لدفع الإتاوة بالطبع.. بل للقبض عليه بتهمة ممارسة الدجل والشعوذة..
نهض الحاج جابر محاولاً تهدئتي :
ـ لا تكبر الموضوع يا ولدي..
ـ لقد كبر.
ـ نحن لا نريد له أن يؤذيك..
ـ يؤذيني!!
قلتها متقززاً كأني أتقيأ وكل خلجة من خلجاتي تنتفض غضباً.. لا داعي للإفساد الزيجة الآن، سأنصرف قبل أن أرتكب جريمة.
مررت بفاطمة عند باب الدار فرأيت نظراتها تقول لي الكثير ..
نظرت لها بمعنى : اطمئني سألقن هذا الدجال درساً وأعود إليك، تباً لماذا تشيعيني بنظراتك الملتاعة كأنني لن أعود..
صبراً أيها الدجال... صبراً يا كفور الصوالح..
في الطريق فكرت، هذا الوغد يسيطر على عقول القرويين هنا بالإيهام، الإيهام وحده كان الحل المنطقي الذي توصلت إليه.. وطبعاً لن ينجح ذلك المأفون معي لأنني لن أسمح للإيهام بالتسرب إلى روحي..
إنني أشعر بالإهانة، مجرد أن يطلب مني أبو فاطمة هذا الطلب يعد إهانة..
وصلت إلى النقطة فجمعت ديريني وعبد الرحيم وسألتهما عن مكان علوش هذا..
رأيتهما يتبادلان النظرات الجانبية وقد فهما ما وراء سؤالي..
هما يعرفان معنى إقدامي على الزواج في كفور الصوالح، وربما كانا يتوقعان سؤالي هذا بل ينتظرانه..
هنا أخبرني ديريني أنه يسكن في ذلك البيت الطيني الخرب وسط المقابر .. توقفت قليلاً وتحسست عنقي لا إرادياً وقد تذكرت تلك الليلة المرعبة التي قضيتها هناك وما قاله لي ديريني يوم عدت..
" النداهة نفسها لا تجرؤ على الذهاب لهناك في مثل هذا الوقت يا فندم.. "
صحت في صرامة :
ـ رجل واحد يخيف قرية بأكملها.. كيف؟..
قال عبد الرحيم وقد قرر أن يدلي بدلوه :
ـ إنه ليس بمفرده يا فندم..
ـ لديه تشكيل عصابي إذن..
ابتلع ريقه قبل أن يردف بصوت مبحوح :
ـ لا يا فندم.. إنه (مخاوي)..معه بسم الله الرحمن الرحيم.
قلت لهما بلهجة آمرة :
ـ هذا الدجل لابد أن ينتهي من كفور الصوالح..
قال ديريني :
ـ يا فندم أنت لا تعرف ما حصل للضباط الذين سبقوك هنا في النقطة مع الشيخ علوش..
هناك تاريخ أسود إذن مع هذا العلوش.. لكن لماذا لم يحك لي ديريني قصص هؤلاء الضباط السابقين بدلاً من قصص أخواله المعاتيه؟
الأمر واضح، علوش هو تابو القرية، لذا هم يكتفون بالتلميح دون التصريح قدر الإمكان.
قال ديريني:
ـ لقد احتك ضباط كثر بالشيخ علوش.. خالد بك وعلي بك وإسماعيل بك.. أذكر خالد بك كيف زاره أحدهم في الحلم وأملى عليه طلب النقل إملاءً.. في الصباح نهض ليكتب طلب النقل وهو يرتجف كالمحموم..
وطقطق عبد الرحيم بلسانه وهو يقول متذكراً :
ـ و علي بك الذي استيقظ يوماً ليجد النار قد شبت في ثيابه دون سابق إنذار.. ولم يستطع الخروج من النقطة وكلما أحضرنا له ثياب جديدة تعود النيران لتشتعل فيها.. وتتحول إلى رماد.. وفي النهاية استسلم الضابط وأعلن التوبة عما بدر منه تجاه الشيخ علوش..
وسكت عبد الرحيم ليكمل ديريني بقية المآسي قائلاً :
ـ أما إسماعيل بك.. فقد تفاجأ الناس به وهو يدخل على الشيخ علوش بيته وسط مريديه عاري كيوم ولدته أمه ..وكالمنوم جثي على ركبتيه مقبلاً قدم الشيخ وهو يهذي كالمحموم .. طبعاً بعدها لم يعد يصلح لشيء.. لقد ترك كفور الصوالح والخدمة كلها ...
كنت استمع لهما عاقداً ساعدي أمام صدري ودمي يغلي..
" لا تغتر بالريف يا مجدي.. من يدري ما الذي قد تواجهه هناك..."
هل كان نقلي لكفور الصوالح بعينها صدفة، لابد أن سمعة القرية وصلت للقاهرة وصار الكل يهرب من الخدمة هنا، طبعاً فيما عدا واحداً كان يسعى حثيثاً بحماقة منقطعة النظير للفرار إلى الريف..
الرسالة التي وصلتني واضحة تماماً.. لن يجرؤ أحد على مواجهة علوش هنا..
حتى ممثلي السلطة..
طبعاً لم أصدق حرفاً مما سمعت.. غاية ما هنالك أن الرجل يملك نوع من التأثير في الأخرين.. جو المقابر الذي يحيا فيه وادعائه أنه على صلة بالشياطين يكفيان في بيئة تقتات على الخرافة كي يصير وثناً يعبد..
أين أنت يا ماركس الآن؟.. أتمنى الآن لو كنت حقيقة وليس مجرد وهم وخيال في عقلي لترشدني الطريق..
لكن علي أن أهدأ بالاً.. لقد بني الشيخ علوش هذا جداراً صلباً من الخوف بينه وبين الناس.. ولن يكون هدمه سهلاً .. لكنه ليس مستحيلاً.. لابد من هدم أسطورة هذا العلوش في قلوب أهل القرية أولاً.. لابد من استغلال موضوع زواجي كفرصة لهدم تلك الخرافة..
سأذهب إليه وحدي..
***
شواهد القبور..
مشهد لا يتناسب مع شاب مقبل على الزواج مثلي، لكنني مقبل على ما هو أسوأ من مشهد القبور هذا، مقبل على لقاء علوش.
توقفت وجذبت نفس عميق وأنا أنظر للكوخ إياه..
أمام الدار يجلس رجل نحيل يشبه الفأر المذعور عرفت فيما بعد أنه مساعد علوش ويدعى عطوة، يقوم هنا بدور مساعد الشيطان .. يتناول عطوة العطايا من الزوار ويدخل بها الدار ثم يعود بعد قليل ليسمح لصاحبها بالدخول على حضرة الشيخ علوش .. تجاهلت نظرات مريدي علوش من أهل القرية التي أعرف فحواها: لقد جاء البيه الضابط بنفسه صاغراً للشيخ علوش قبل الزواج..
الشيخ علوش سره باتع ..بركاتك يا شيخ علوش.. حتى الحكومة لا يمكنها مقاومته!
وابتسم مساعده الوغد ابتسامة منتصرة حينما رآني قبل أن يستدير ليعلم سيده بخبر الموسم لكنني استوقفته وقلت ضاغطاً على حروف كلماتي :
ـ أخبره أنني انتظره هنا ..
ثم استطردت في اشمئزاز حقيقي :
ـ لن أتقدم أكثر فالرائحة لا تطاق ..
هنا تجمد الحاجب ولم يعلق ولا أدري هل صدم من الإهانة أم لكوني أجد المكان كريه الرائحة فعلاً..
ـ لكن..
قاطعته في صرامة :
ـ سأقابله هنا أمام الناس..
هرش في فوديه متردداً للحظات ثم حسم أمره واستدار ليغيب داخل الدار..
نظرت لمريدي علوش فرأيت عيونهم تقول الكثير ..
إصراري على مقابلة علوش أمامهم حيرتهم.. وأشعرتهم أن القادم لن يكون كما يتوقعون..
قلت لهم باشمئزاز :
ـ كيف تتحملون تلك الرائحة ؟..
انتفض الجلوس وهم بعضهم بالقيام لكنني أشرت لهم في صرامة أن اجلسوا .. العرض لم يبدأ بعد يا سادة..
ولم ألبس قليلاً حتى انفتح الباب مصدراً زئيراً مرعباً كبيوت الرعب وشممت رائحة مجرور عفن أدارت رأسي..
في البداية تصورت أن علوش هذا يربي قرداً في داره ثم تبين لي أن القرود لا يلبسونها ثياب الريف.. إنه علوش ذاته..
عجوز متغضن الوجه عينه اليمنى عوراء.. واليسرى تلتمع كقرص شمس صغير يشع شراً وشرراً.. وتذكرت أساطيرنا التي تتحدث عن الأعور الدجال.. هذا الرجل هو نموذج مجسد لتلك الأسطورة..
عينه السليمة ترمقني بحقد رهيب.. هذا الرجل يكرهني بشدة..
سألني بطريقته متأففة :
ـ خيراً يا بك؟..
ـ سيكون خير بلا شك .. فلعلك تعلم أنني مقبل على الزواج وبما أنك مهم جداً لأهل القرية فيمكننا اعتبارك من أعيانها.. لذا جئت كي أدعوك لحفل زفافي ؟
تبادل العجوز النظرات مع ذيله ثم عاد ليقول لي بنفس الطريقة الباردة الخالية من أي مشاعر :
ـ هذا واجب يا حضرة الضابط ..
لوحت له بكفي صائحاً :
ـ سأنتظرك يا شيخ علوش ..
قال مؤمناً وهو يشير إلى عينه العوراء :
ـ (عيني) ..
ثم أخرج من بين طيات ثيابه لفافة مريبة لوح بها لي في بطء مستطرداً :
ـ وهذا حجاب مجاني إكراماً للحكومة ..
نظرت إليه وقلبي يغلي حقداً.. لابد أن أنهى تلك المهزلة لصالحي قبل أن أصير أضحوكة القرية.. قبضت على يده الممسكة بالحجاب المزعوم وقلت له ضاغطاً على حروف كلماتي :
ـ شيخ علوش.. سأعطيك مهلة كي تبحث لك عن عمل محترم غير الدجل.. وإلا...
ـ يا حضرة الضابط أنا لا أوذي أحداً..
ـ هذا لأنك لا تفهم معنى الإيذاء أصلاً .. ماذا تسمي استغلال حاجة الناس وإرهابك لهم بأمور الدجل والشعوذة تلك؟
ـ هل اشتكى لك أحدهم مني؟
ـ وهل يجرؤ أحدهم على شكايتك؟
ثم لوحت له بسبابتي مهدداً..
ـ لديك مهلة حتى أعود من أجازة الزواج..
ثم التفت إلى القوم الجلوس الذين تجمدوا في أماكنهم فبدو لي أقرب للأنعام منهم للبشر.. ربما هم يستحقون ما يفعل بهم حقاً..
ـ متخلفين..
قلتها ثم تركتهم وانصرفت..
رباه كيف كان يرمقني الشيخ علوش في تلك اللحظة وقد أوليته ظهري .. لقد اهنته وتحديته امام أهل القرية وليصنع أقصى ما عنده .. وليركب أعتى ما لديه من خيل دجله وشعوذته ولنرى ما يصنع..
هذا ما كنت أفكر فيه في تلك اللحظات ولم أكن أعرف ما تخبئه لي الأيام وقتها.. لكنني أراني الأن عائداً إلى النقطة مختالاً كالطاووس الأحمق الذي استفز لتوه غولاً جائعاً لا يرحم ...
***
الحقل والظلام وصوت العواء إياه..
كنت أعدو فراراً من شيء ما يطاردني وهو يلهث والزبد يتطاير من شدقيه.. كيان أسود أشبه بكلب.. ولم يكن له ظل ..كيف أدركت هذا في الحلم وأنا أجري أمامه ؟.. لا ادري لكن هذا هو ما بثه الحلم في عقلي..
ولم تدم المطاردة طويلاً ..سرعان ما لاحت لي شواهد القبور ثم ذلك البيت الطيني الخرب.. وشممت الرائحة الخبيثة إياها ..منزل علوش في الحلم يبدو كالكابوس داخل كابوس .. ولا مناص إلا بالدخول فراراً من الكلب الأسود الذي لا ظل له ..
وبالفعل دفعت الباب ودخلت ..
كان هناك يبتسم بعينه الواحدة ويشير لي أن هلم.. كأنه يدعوني لوليمة..
ما سر هذا الترحيب الغير معتاد؟
حاولت أن اقول شيئاً لكن صوتي لم يغادر حنجرتي ..
هناك مائدة خشبية عليها ساعة رملية غريبة الشكل .. في أعلاها سائل أحمر كالدم ينساب ببطء للجزء السفلي ..ما معنى هذا .. صرخت ..
وكالعادة لم يخرج صوتي للفضاء .. كررت الصراخ .. حتى تحررت صرخة مدوية ادركت على إثرها انني تحررت من ذلك الكابوس وعدت إلى عالمي حيث حجرة الاستراحة القابعة فوق النقطة ..
ما معنى هذا الكابوس ؟ ومن قال أن للكوابيس معنى أصلاً؟ هذا تجده عند العوام أما عندي فلم يكن هذا سوى نتيجة حتمية للقائي بعلوش
وتأثر عقلي الباطن بذلك، وهكذا عدت أغوص في فراشي من جديد،
وما زاد في ثقتي أنني استيقظت في اليوم التالي نشطاً فلم يحدث لي شيء كما توقع لي أهل تلك القرية وعلى رأسهم فاطمة وأهلها، لكن لسان حالهم كان يقول : الانتقام موعده يوم الدخلة، حينها سيقرر الشيخ علوش أن يسلب الضابط القادم من مصر فحولته وسيخرج في اليوم التالي مثل الطائر المنكس منتوف الريش ..
وكنت أنا أقابل كل ذلك بابتسامة هادئة غير مهتمة.. يا حمقى أنتم لا تفهمون، هذا أخر شيء يمكن أن يشغل بالي، أنتم لا تعرفون مجدي سليمان..
وابتسمت أكثر..
***


 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(النسخة, المعدلة), الشياطين, يوتوبيا
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t205183.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 30-09-17 09:12 AM


الساعة الآن 09:20 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية