لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 10-05-24, 04:49 AM   المشاركة رقم: 37
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,178
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

تقاطرت الدموع من عينيها مجدداً وهي تنظر لما يعرض على
شاشة هاتفها وكأنها تراه للمرة الأولى وليست المرة العاشرة
تقريباً تعيده دون توقف وكأنها تعاقب نفسها بهذا وتكوي قلبها
المحترق أساساً تنظر للخارجين من الملهى الليلي وقد التقطتهم
ألآت تصوير هواة التشهير ومطاردة المشاهير بينما يداهما
تمسكان ببعضهما خارجان من هناك ، من المكان الذي ما كانت
لتتصور بأن يدخله وإن وحيداً فكيف أن يكون برفقة امرأة وهذه
تحديداً ؟! والتي كانت تلوح للمصورين مبتسمة حركة خطواتها
توضح الوضع الذي وصلته بسبب سهرتهم تلك .

دفنت ملامحها وعبراته في ركبتيها تحضنهما بقوة جالسة فوق
سريرها وهذا حالها منذ وقت بل ومنذ عادت من المستشفى نهاراً
، فها هو اختار أقسى طريقة لقتلها وهو من يعلم بأن أكثر ما
يقودها للجنون هو اقتراب أي امرأة منه وإن كان كارهاً لذلك
فكيف أن يكون الأمر طواعية ! يا إلهي ما أقسى هذا الشعور ،
إنها نار تتآكلها من الداخل وباتت عاجزة عن تحملها .

ولا تجزم بأنه قد يفكر في فعل هذا انتقاماً منها لأنها لم تعد تعنيه
ولا حتى بمشاعر كره قد يوجهها نحوها فهي في نظره ليست
سوى امرأة خائنة نجسة بل ورفضت حتى تلقي عقابه المجهول
لتكفر عن ذلك الإثم ، وقالها قبل مغادرته من هنا بأنه لها ما
اختارت أن تريد لنفسها وها هو يختار أيضاً وهي المتضرر في
كلا خياريهما فمن ستلوم في هذا ؟ مطر شاهين ؟ والده ؟ نفسها
أم الجميع معاً ؟ لكن النتيجة واحدة وأنها خسرته وللأبد حيّاً كان
أم ميتاً .

تعالت شهقاتها الباكية ولازالت تدفن بكائها الموجع في ركبتيها
وأصابعها قد آلمتها من كثرة شدها على الهاتف فيها قبل أن
ترميه بعيداً دون أن تعلم أو تهتم أين أصبح وما حدث له فالمهم
لديها أن تتوقف عن سماع تلك الأصوات التي تذكرها بما لم
تنساه ولازالت تراه وإن ابتعد عن عيناها ، وعادت كلماته
لمهاجمتها وبقسوة تشبه كلماته تلك .

( تجنبي ما تعلمين جيدا بأنه سيغضبني ، لا تخرجي من داخلي
تيم الذي لا أريدك أن تريه )

( أنت الحد الفاصل بين ماضي وحاضري ماريا، أنت طفولتي
ووالدتي التي فقدتها بسبب الجميع عداك، لا أريد أن أضعك في
مرتبتهم ماريا لا تختاري ذاك لنفسك )

ضربت قبضتها على ساقها وصرخت بألم وحسرة وصوت باكي

" وها هي اختارت ذلك ، ها هي مارية اختارت كل ما حذرتها
منه سابقاً "

وقفت مغادرة السرير عند ذاك الحد ونظراتها الدامعة تنتقل حولها
كالضائع في الظلام الدامس وكأنها تبحث عمّا يساعدها في اتخاذ
قرارها ذاك والمضي فيه .. ثيابها ، حذائها ، هاتفها .. أي شيء
، فهي لا يمكنها تحمل كل هذا وعليها أن تفعلها والآن .

لكنها توقفت مكانها ولسبب مختلف تماماً وأقوى من كل القوى
التي كانت تحركها حينها وهو باب الغرفة الذي انفتح بعد
طرقتين متتابعتين لم تكن كافية سوى لمحاولة مسحها للدموع من
عينيها في محاولة فاشلة فذاك القماش الناعم لم ينجح سوى في
جعل بشرة وجنتيها تحترق أكثر ولم يخفي إرهاق عينيها ولا
احمرار جفنيها ولا في تغيير صورة الملامح الرقيقة الباكية وهو
ما قرأه الداخل من الباب حينها بوضوح وما جعل حاجباه ينعقدا
وبقوة بالرغم من كلماته الهادئة حينها قائلاً

" مساء الخير ماري "

حاولت جاهدة أن تجيب ، لا بل أن تصرخ في وجهه بقوة

( أنا لست ماري ، أنا لست واحدة منكم أنا مارية هارون فقط ،
أعيدوني لبلادي ولبلدتي ولمنزل عمي القديم وكل التعاسة التي
عانيتها فيه ، أعيدوني حتى مارية الشابة التعيسة هناك )

لكنها عاجزة عن قول كل ذلك لأن مصيرها حينها السجن
والموت فقط وليس هي وحدها بل والكثيرون .. تيم رواح وقاص
هزار كين عمها الحارثة وزوجته وساندرين وحتى كنانة
وعائلتها وسلسة طويلة سيقودهم كل واحد فيها للأخر وستنهي
حياة الكثيرين بسببها لذلك عليها أن تكون
( ماري دفسينت ) فقط أحبت ذلك أم كرهته نفسها حتى تنتهي
نهايتها بالتأكيد وتُنهي حياتها التعيسة بيديها ووحيدة .
قال الذي لم يغادر الاستغراب ملامحه بعد بينما انتقلت نظراته
لأذنها المغطاة بضمادة ولاصق طبي

" ما الذي يبكيك ماري ؟ هل الجرح في أذنك يؤلمك ؟! "

لمعت عينيها بحزن وتذكرت حينها فقط بأنه ثمة ألم وجرح هناك
فهي كانت تعاني ما هو أقسى من ذلك بكثير يذبح قلبها ويمزقه ،
إيماءة صغيرة من رأسها هو كل ما استطاعت الرد به وعيناها
تمتلئ بالدموع دون شعور منها ولم تستطع قول أي شيء بينما
لم ينتظر هو ذلك قائلاً

" ألم يصف لك الطبيب أي مسكنات ؟ "

تحركت شفتاها حينها وقالت ببحة تهرب من عيناه التي نظرت
لعينيها مجدداً

" بلى ولازال القليل على وقت أخذها مجدداً "


قال والتجهم لم يغادر ملامحه بعد

" تناوليها الآن إذاً ، هل ستتحمل الألم فقط لأنه لم يحن وقتها ؟
سأتصل بطبيب العائلة غداً فيبدو أن ذاك الطبيب فاشل ومبتدئ "

تنهدت باستسلام ولم تعلق أو تعترض بينما يبدو لم ينتهي ما لديه
فقد قال بضيق

" وعلى فاليريو أن يُخرج ذاك القط من هنا أو رميته بنفسي في
النهر فلن نتحمل حادث مشابه مجدداً "

اتسعت عيناها ونظرت له مصدومة فيبدو بأنهم لم يجدوا غير ذاك
القط المسكين لتلفيق الجريمة له لأنه بالطبع لا يمكنه لا الدفاع
عن نفسه ولا قول الحقيقة ، كما يبدو أن هذا الرجل علم للتو بما
حدث لذلك جاء الآن للاطمئنان عليها ، قالت وقلبها يتألم على
القط المسكين

" لا عمي أرجوك فهو .. "


وتاهت الكلمات منها تحاول أن تجد تتمة مناسبة لكذبتهم تلك
فعليها فعلياً أن تكتسب خبرة في هذا فيبدو بأنها ستحتاج للكثير
منه وهي هنا ، وسارعت ما أن رأت الاهتمام في نظراته

" أعني بأنها لم تقصد أذيتي أنا من تصرفت معها بشكل خاطئ
وآذيتها دون قصد لأني لم أتعامل مع القطط سابقاً وهي تصرفت
بطبيعتها الحمائية فقط "


وسحبت نفساً عميقاً لصدرها اكتشفت معه بأنها كانت تحبس
أنفاسها في مكان ما بسبب توترها المريع ، وتابعت حين لم ترى
أي لين في ملامحه وبكلمات راجية حزينة تشبه ملامحها المجهدة
من كثرة البكاء

" لا تخرجها من هنا أرجوك عمي "

فهي لا يمكنها تخيل أن يفعل ذلك بفاليريو وليس بالقطة المسكينة
فمن الواضح أنها تعني له الكثير من سلالتها والمكان الذي جاءت
منه واسمها ، وما تركها هنا إلا لأنه يرفض تركها وحيدة في
شقته في نورثد بالتأكيد ، كما يبدو جلياً أن والده يكره القطط
ومجبر على تحمل وجودها هنا ووجد الآن سبباً مناسباً لرميها
إلى الخارج ، غمرها ارتياح لا يمكنها وصفه ما أن قال وإن
بعدم اقتناع

" حسناً فقط لأنك تريدين ذلك لكن حادث آخر مشابه لن أقبل
رجائك أبداً ماري "

ابتسمت بامتنان واضح وإن لم تصل تلك الابتسامة لعينيها المتعبة
الحزينة وقالت

" لن يتكرر هذا أبداً تأكد من ذلك "

استدار جهة الباب قائلاً

اتمنى ذلك .. وسأخبر الطبيب يراك غداً "


وغادر ونظراتها تتبعه بينما قال وهو يغلق الباب

" طابت ليلتك ماري "

وأغلق الباب على صوت تنهدها القوي بينما علقت نظراتها
الحزينة مكان تواجده وكأنها تراه من خلف الخشب المصقول ولا
تعلم متى ستعتاد الكذب على هذه العائلة وهي توهمهم بأنها فرد
منهم ؟ وليس أي فرد فاكتشاف كذبتها هذه لا أسوأ منه سوى
حقيقة أن صاحبة الهوية الحقيقية ميتة بالفعل ولم يعد لها
أي وجود .

أبعدت نظرها عن هناك ليستقر في الجانب الآخر وحيث هاتفها
المرمي أرضاً والذي يبدو اجتاز تلك الحادثة بسلام ولم يتحول
لقطع مبعثرة في المكان وشحبت ملامحها بحزن فهذه العائلة التي
تتألم لأجلها لا تختلف عن تلك الفتاة التي سرقت حلمها منها ولا
والدها الذي يسعى وبكل جهد لتدمير وطنها فهم أعداء لها
ولبلادها ، فقط هذا ما عليها الاقتناع به والتوقف عن توبيخ
نفسها ولومها فإن اكتشفوا هويتها الحقيقية لن يرحمها
أحد منهم .

أغمضت عينيها بقوة وحركت رأسها في رفض وهي تتذكر ما
كانت تنوي فعله قبل قليل وغلبتها فيه مشاعرها وتمتمت
بأسى حزين

" توقفي عن الجنون مارية انت اخترتِ وجوده حياً وهو اختار
طريق آخر بعيد عنك وانتهى "

وغطت عيناها بكفها عند نهاية كلماتها الباكية تلك ولم يعد يمكنها
التحكم في الدموع التي عادت للنزول منها مجدداً فاليوم كان
أقسى بكثير من تحملها وها قد انتهى بتحطم حلمها بمستقبل
يجمعهما وللأبد .

*
*
*
كان الأمر يحتاج لأن يجتاز بها أكثر من شارعين ليتخلص من
أولئك الصحفيين المزعجين قبل أن يرتكب جرما في أحدهم بسبب
غضبه المكبوت ذاك بينما كانت خطواتها تترنح لسيرها بصعوبة
ليس فقط بسبب سحبه لها بخطوات لا يمكنها أن تجاريها بل
وبسبب وصولها لحالة الثمل بسبب كثرة المشروب والرقص
هناك

سحبها من ذراعها ناحية باب السيارة الخلفي المفتوح ودفعها
نحوه هامسا بغضب من بين أسنانه

" تحركي قبل أن أقتلك "

وكانت دفعته تلك كفيلة لرميها داخلها وقد ارتمت نائمة على
ظهرها بينما كانت مقابلة له وأبعدت الخصلات التي غطت وجهها
قائلة بابتسامة مائلة وعينان نصف مفتوحتان وكلمات كسولة

" لا يتصرف الرجل هكذا مع حبيبته "

ورمت رأسها للخلف وقد أطلقت ضحكة عالية وكأنها تُكذب نفسها
فيما قالت قبل أن تنظر له مجدداً من باب السيارة المفتوح وقالت
بكلمات خدرة تبرم خصلة من شعرها حول سبابتها

" هل سنذهب لغرفتك "

ضرب بكفه على سقف السيارة وصرخ بغضب ينظر لعينيها

" توقفي عن التفوه بالحماقات أعلم أنك تعين جيدا ما أقول
وهي المرة الأخيرة التي أتلقى فيها اتصال من والدك يطلب مني
البحث عنك لأني في المرة القادمة سأنقل له فقط صور ما تفعلين
وما سيحدث بعدها وأنت تغادرين من هنا مع أول شاب
سيصادفك "

تأوهت وقالت ولازالت تلعب بخصلة شعرها الأحمر حول أصابعها

" تغار تيموثي "

ضرب الباب هامسا من بين أسنانه

" سافلة "

وبإشارة من يده للجالس في الأمام قام ذاك من فوره بتشغيل
السيارة وهو ما جعلها تجلس مسرعة ونظرت من النافذة صارخة
بالذي تركاه واقفاً مكانه

" هيه افتح الباب لا أريد المغادرة مع هذا بل معك "

لكن أيّا منهما لم يستجب لصراخها الهستيري ذاك ، لا الذي غادر
بها من هناك مسرعاً ولا الذي تركاه واقفاً عند الرصيف ينظر
للسيارة المبتعدة بحاجبين معقودان بشدة ونظرات غاضبة غائمة
، وما أن اختفت سيارتهما مع صوت صراخها الهستيري المرتفع
الرافض تحركت خطواته نحو الجانب الآخر دون اهتمام وسار
عبر الزقاق الفارغ المظلم والذي ما أن وصل نهايته وقف مكانه
بسبب الذي خرج حينها من خلف أحد البنايات العالية حيث كان
يقف ينتظره ومن احتاج لثواني قليلة ليتعرف على ملامحه
المختفية تقريباً خلف ظل المبنى المقابل من الجانب الأخر ولم
يسمح لنور العمود خلفهم هناك لجعله يراه بوضوح ، همس
بخفوت ونظراته العابسة الجامدة تتفحص ملامحه

" زين "

ابتسامة متشنجة كانت رد فعل الواقف على بعد خطوات منه أو
بالأحرى متوترة وهو ما أخفاه وهو يهمس أيضاً وإن بصوت
أوضح

" مرحبا "

يعلم بأنه رد فعل سخيف منه وعبارة ترحيب بدت الأسخف في
تاريخه لأنه يعلم أي شعور ينتابه وهو يقف أمام هذا الشاب
تحديداً وأي سطوة لحضوره لا يشبهها سوى ما يشعر به حين
يقف أمام زعيمه ذاك ، كما لم يستغرب أيضاً نظراته له حينها
فهي المرة الأولى التي يأتي بحثاً عنه بل والأولى التي توكل له
فيها مهمة ومن أي نوع كانت وكم كانت شاقة بالنسبة له ،
فبالرغم من بساطتها إلا أنه كان من الصعب حقاً أن يعثر على
شخص لم يعد يملك منزلاً ولا رقماً للتواصل معه ويبدو بأنه
انفصل كلياً عن البقية لهذا لا يعلم أحد عنه شيئاً ولهذا تم تكليفه
هو بهذه المهمة فكان وكأنه يطارد السراب فحتى وقوفه بالقرب
من مبنى البحرية في نورثد والمنظمة السرية التي يعمل فيها بل
وحتى منزل ذاك الجنرال الذي يُعد خطيباً لابنته لم يساعداه في
العثور عليه ، أي سيكون أوقف جميع نشاطاته السابقة وهو ما
لم يجد له أي تفسير حتى الآن !!

ولم يصدق عيناه وهو يرى صورته في صفحات أخبار المشاهير
قبل قليل ممّا جعله يتوجه نحو ذاك الملهى سريعاً والذي كان
ولحسن حظه أنه قريب منه .

" ماذا تريد "

لم يستغرب بالتأكيد كلماته تلك وإن كان يستغرب القسوة والحدة
فيها ! وبات الأمر واضحاً لديه بأنه ثمة مشكلة ما وتبدو كبيرة
جداً أحدثت شرخاً واسعاً بين هذا الشاب ومن كان يعتبره ابن له
وإن لم ينجبه ! سحب نفساً عميقاً لصدره وقال

" الزعيم طلب أن أتحدث معك فقدت جميع الاتصالات بك بعد
احتراق شقتك "

قال مباشرة وبذات نبرته الجامدة

" لا هاتف لدي "

حدق فيه زين باستغراب ولم يستطع استيعاب ما قال وهو ما جعل
نظراته تنتقل من عينيه لسترته نزولا لجيبي بنطلونه في نظرة
تؤكد عدم اقتناعه بالأمر وأكده كلماته وقد قال باستغراب

" وكيف تتواصل مع .. "

" أخبر زعيمك بما قلت "

وتوقفت كلماته بسبب مقاطعته له بتلك العبارة الحازمة وهو ما
جعله يعود وينظر لعينيه الغاضبة بطريقة لا يفهمها ! ومؤكد يعلم
ما كان ينوي قوله فكيف تواصل مع والد تلك الفتاة التي أخذها
من هناك إن كان لا يملك هاتفاً !
يحار فعلاً في أمر هذا الشاب فعدد المرات التي قابله فيها قليلة
بعدد المرات التي زار فيها منزلهم هناك وإن لم يدخله يوماً لكنه
مزيج مختلف تماماً عن كل من عرفهم في حياته ويحار فعلياً إن
كان يمكن لهذا الوجه الوسيم أن يعرف الابتسام أو المزاح !
قال أخيراً وما لم يعد يمكنه تركه في نفسه أكثر

" وهل ستعمل بدون أوامر "

" أجل "

لم يستطع منع عيناه من الاتساع بسبب جوابه ذاك فكيف يكون
هذا ! لقد فقد هذا الشاب عقله بالتأكيد !! ولم يترك له مجالاً لقول
شيء مما يفكر فيه ويظهر واضحاً في عينيه وهو يقول بحزم
بينما دس يداه في جيبي بنطلونه

" الأمر لا يعنيك يا زين قم فقط بما طلب منك "

وهو ما ألجمه تماماً عن قول أي شيء يزم شفتيه بقوة ولن
يستطيع بالتأكيد مناقشته فيما يخصه وحده ، لكن ثمة ما لم
يستطع إمساك نفسه عنه وهو يراه يدير ظهره له مغادراً لذلك قال
سريعاً

" وأزير ؟ "

توقفت خطواته حينها وإن لم يستدر نحوه وهو ما شجعه وتابع
قائلاً

" إنه يسأل عنك دون توقف "

كان الحزن واضحاً في آخر كلماته تلك فتعلقه بأولئك الأطفال
أصبح أكبر من تصوره هو نفسه ! تابع حين لم يصدر أي رد فعل
عن الواقف مكانه هناك
" وأنت تعرف سلوكه جيدا أخشى أن يصبح عنيفا مع الأطفال
أو يؤذي نفسه "

تحركت حينها خطواته وقال بكلمات باردة بالكاد سمعها تنتقل له
مع النسيم وكأنها جزء منه

" سأزوره في أقرب وقت "
وابتعد عنه خلف ظلال البناية المجاورة قبل أن يستدير خلفها
ويختفي عنه تماماً فأطلق نفساً عميقاً واستدار نحو الطريق الآخر
متمتماً يحرك رأسه بعجز

" يا لك من والد ياتيم !! "

*
*
*
كان جميع المتحلقين حول النار الواسعة في غناء وتصفيق
مستمر والأجواء بالنسبة لهم لا يضاهيها أي شيء عدا من القليل
من الأشخاص الذين قرروا الابتعاد عنهم والتحدث معاً في أماكن
بعيدة قليلاً عن كل ذاك الطرب ، وأحدهم كان رواح الذي جلس
وحيداً على طرف صخرة بعيدة مولياً ظهره للجميع بينما ثمة
عينان كانت تراقبه طوال الوقت وهي كاترينا أو كاتي كما يسميها
الجميع ، والتي حاولت كثيراً حتى أصابها اليأس أن تقنع التي
لازالت تجلس داخل الخيمة أن تغادر وتكون معهم لكن جوابها
كان الرفض حتى أقلعت عن الفكرة حين تحول رفضها ذاك لغضب
وتركتها وانضمت للبقية .

توقفت عن الغناء والتصفيق ووقفت وتوجهت نحوه قبل أن تمر
بأحد المقاعد الخشبية المعدة للرحلات وحملته في يدها حتى كانت
خلفه وشعر بوجودها واستدار رأسه نحوها فقالت بضحكة خجولة

" هل أتطفل قليلاً على خلوتك ؟ "

قال مبتسماً

" بالطبع كاتي "

دارت حوله ووضعة كرسيها مقابلاً له وجلست قائلة بابتسامة
ودود

" يبدو أنك تشعر بالملل هنا ؟ "

حرك رأسه نافياً وتمتم بابتسامة محرجة

" أنا لا أحبذ هذه الأجواء فقط "

قالت بضحكة صغيرة

" أنتم العرب تظنون دائماً أننا ما أن نجتمع سنحتسي المشروب
ونمارس الجنس "

وخبت ضحكتها وشعرت بالإحراج ما أن لاحظت بأن كلماتها تلك
أو آخر ما قالت جعله يحرج وقد شغل نظره بالغصن اليابس
الذي كسره بين يديه قائلاً

" لا ليس كذلك قطعاً فأنا ولدت وتربيت هنا وأعرف الاختلاف
جيداً "

ابتسمت بارتياح حينها وقالت

" حسناً هل تشاجرتما إذاً ؟ "

وراقبت بفضول رد فعله وهو يكسر الغصن مجدداً قبل أن يرمي
قطعه الصغيرة تحت قدميه وخرجت منه ضحكة صغيرة وقال وهو
ينظر لهم

" نحن لم نتفق يوماً لنتشاجر ، إننا في شجار مستمر "

ضحكت أيضاً وقالت

" لا أعلم كيف تزوجتما حقاً !! "

نظر حينها جانباً وقال بابتسامة مائلة

" وما أنا كنت أتخيل هذا لكنها فعلتها وأتاحت الفرصة لي "

كانت تنظر لجانب وجهه تحاول فهم شخصيته فعلاً بل وفهم
المزيج الغريب بينهما وكيف يمكن أن يكونا زوجين وهل ستنجح
حياتهما معا ! قالت مبتسمة تنظر لعينيه ما أن نظر لها

" لقد عرفت ساندرين منذ طفولتي بل وفي أول يوم لي في
المدرسة الابتدائية ، لقد كنت طفلة هادئة وخجولة بينما كانت هي
العكس تماماً "

وقاطعت نفسها بضحكة صغيرة بينما ابتسم الجالس أمامها
وتابعت
" كان سبب تقربي منها أني أحتاج للحماية من الأطفال
المتنمرين "

ارتفع حاجباه مبتسماً فضحكت بإحراج وقالت

" أجل عليّا الاعتراف بهذا فهي كانت مع حيويتها المستمرة
شجاعة ولا أحد يمكنه الاقتراب منها أو من صديقاتها "

واتسعت ابتسامتها وهي تتابع قائلة

" كان ثمة فتى يضايقني كثيراً بسبب سخريته من تسريحة
شعري حينها ، لقد طرحته ساندرين أرضاً ولم يجرؤ على فعلها
بعد ذلك وأتممت سنوات دراستي الابتدائية محمية تماماً "

وتشاركا الضحك معاً مع نهاية كلماتها تلك وقال رواح

" وكيف تقبّلت هي صداقتك وأنتما النقيض تماماً ! "

حركت كتفيها وقالت مبتسمة

" ساندرين لم تكن ولازالت لا تمنع أحداً من مصادقتها أو
الاقتراب منها لكن من يفهمها فقط يمكنه الاستمرار صديقاً لها
لأن الأغلبية يبتعدون بسبب صراحتها أمّا أنا فكان ذاك أكثر ما
يعجبني فيها "

أومأ برأسه موافقاً ما قالت وفي صمت بينما تابعت هي من فورها
وذات الابتسامة تزين شفتيها

" إنها مختلفة تماماً ، لا تهتم بأن ترضى الناس عنها ولا تسعى
لإرضائهم ، لا تجامل أحداً ولا تتبع مصالحها وذات الوقت هي لا
تؤذي من لم يتعرض لها فهي ليست وقحة ، الوقح هو من يهاجم
الجميع تقريباً من أساء إليه ومن لم يفعل ذلك وخاصة الأضعف
منه في نظره لكن هي لا تفعل هذا أبداً حتى أنها بالرغم من
تدربها على رياضة الكاراتيه في صغرها وشجاعتها لم تتنمر على
واحد من الطلبة يوماً ولم تتعرض لمن لا يتعرض لها "

وتابعت تنظر لعينيه المحدقة بها باهتمام وانتباه

" وحتى الآن إن في الجامعة أو منظمة الإغاثة فقط إن تعرض
شخص ما لها يتحول لعدو فعلي في نظرها حتى أنها كانت السبب
دائماً في إبعاد الطلبة المزعجين عنّا في البحوث والرحلات
التعليمية فكل ما يفعله الواحد منهم أن يعتذر ما أن يجدها في
المجموعة "

وختمت كلماتها تلك بضحكة فقال رواح ضاحكاً

" هذا استغلال بشع "

حركت رأسها برفض وقالت مبتسمة
" ليس كذلك فأنا أحبها كثيراً وأحببت شخصيتها لأنها مختلفة
وصريحة وواضحة لا تؤذيك في غيابك وتطعن ظهرك بينما تُظهر
لك العكس تماماً في وجودك ، أي لا وجه آخر لديها هو
واحد فقط "


أومأ موافقاً لما قالت وأبعد نظره للأسفل متمتماً بابتسامة غريبة

" وأنا أحب هذا فيها ، بل وما يجعلني متعلق بها "

ارتسمت المفاجأة على وجه المقابلة له وقالت

" لكني أراها تراك عكس ذلك تماماً ! "

نظر لها وحرك كتفيه قائلاً

" هذا هو الواقع للأسف "

اقترب حاجباها باستغراب وقالت

" لما لا تخبرها بكل هذا إذاً ؟! "

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وقال

" وهل ستصدق هذا ! هي من أرغمتني على إيذائها دائماً حتى
باتت تكرهني "

كان يتجنب النظر لها بينما شعرت فعلاً بألم خفي إن في نظرته
تلك أو كلماته وهو ما جعلها تقول وبنبرة جادة

" لا أراه كرهاً أكثر من كونه غضب ، إنها غاضبة منك فقط "


جعلت كلماتها تلك نظراته تعود نحوها وباهتمام واضح فقالت
مؤكدة

" عليك أن تفكر في طريقة أخرى غير إيذائها لأنها تُظهر رفضها
لك فقد يكون ما في داخلها نحوك مختلف تماماً "

أومأ برأسه موافقاً وشردت نظراته للأسفل وقال وكأنه
يحدث نفسه

" وهو ما أنا عازم على فعله فإمّا أن نستمر معاً بعد ذلك أو أن
أتركها تبحث عمّن هو أفضل مني في نظرها ويمكنها أن تهبه
مشاعرها "

لم تستطع منع ابتسامة ظهرت على شفتيها بسبب آخر ما قال
وتخيلها لذلك حقيقة فخرجت كلماتها مختلطة بضحكة

" حسناً أنا لا يمكنني أنْ أصدق أنَّ ساندي قد تركض خلف رجل
أو تبكي فراقه أو جراحه لها ، وحتى إن أغضبته فلن تسعى
لترضيه وإن غضبت منه فلن تسامحه أبداً فهي تنتقدني دائماً بعد
كل قصة حب فاشلة وتوجه لومها بأكمله نحوي وبأني السبب
بالرغم من أنه هو من تركني "


تشاركا الضحك معاً بسبب آخر كلمات قالتها وقال رواح مبتسماً

" أنت فتاة رائعة كآتي وأتمنى أن تلتقي بمن يستحقك لأن جميع
من هجروك لم يكونوا يستحقونك "

اتسعت عيناها باندهاش وجمعت كفاها بجانب وجهها وقالت

" يا إلهي أنت لست ثري ووسيم فقط بل ولبق ورائع "

وعادا للضحك مجدداً ووقفت حينها وقالت مبتسمة

" أتمنى فعلاً أن تستمرا معاً وليس العكس فلن أتمنى لصديقتي
المقربة شخصاً أفضل منك "

ورفعت كرسيها وغادرت ونظره يتبعها للخلف وانحرف قليلاً نحو
خيمة معينة مضاءة قبل أن يعود به للأمام ورفع غصن يابس آخر
وكسره بين يديده متمتماً بابتسامة جانبية

" إما أن أمتلك قلبك ساندي أو أن أكسر الموجود بين أضعلي
هكذا وأنسى أمرك "
*
*
*

تقلبت في سريرها متأففة وهذا حالها منذ وقت فقد اتخذت جميع
الوضعيات لعلها تنام وبلا فائدة بالرغم من أنها استيقظت باكراً
ولم تنم منتصف النهار لكنها لم تستطع النوم الآن ! وبالرغم من
السكينة التي شعرت بها بعد مكالمة عمتها وقاسم لكن يبدو أن
مفعول كل ذلك كان لحظي فقط واختفى .

رمت اللحاف عن رأسها متأففة ولازالت نائمة مكانها وغابت
نظراتها الحزينة في الفراغ الشبه المظلم فهي لن تنام بالتأكيد
وقلبها يتألم على الموجودة بعيداً عنها فكيف بالموجودين هنا قربها !

جلست تبعد خصلات شعرها الناعم عن وجهها ونظرت للأرض
وهي تنزل قدميها وتدسهما في الحذاء المنزلي الناعم ووقفت
وغادرت الغرفة ، لن تفكر في الصعود مجدداً بكل تأكيد وكان
قاسم محقاً بأنه ما كان عليها فعل ذلك وهو غاضب لكن ثمة شطر
آخر من قلبها موجود هنا عليها أن تحاول من جديد لعلّها تخرجه
من عزلته تلك بالرغم من تفهمها لما يشعر به وعجزه الذي
يكسر قلبه لكن هذا لن يساعده في اجتياز ما حدث بل سيزيد
وضعه سوءاً ومتيقنة من أنه لولا يقينه من أن الحرس
المنتشرين في الخارج لن يسمحوا له بالمغادرة لكان فعلها دون
تراجع أو تفكير .

حين وصلت باب الغرفة وقفت تنظر للنور المنبعث من أسفله
بحزن فها هو لم ينم أيضاً ولن يعرف النوم طريقاً لعينيه بالتأكيد ،
لم تمسك مقبضه وتديره كالمرات السابقة لتتأكد إن كان فتحه أم
لا قبل أن تغادر في صمت في كل مرة بل طرقت عليه بكفها وقالت
برجاء حزين

" جدي افتح الباب أرجوك ، أعدك أن لا أتحدث أبداً إن كنت لا
تريد هذا ، فقط اتركني أكون معك "


وتكسر صوتها وقالت بصوت شبه باكي والدموع تلمع في عينيها
ما أن لم يصدر عنه أي رد فعل

" جدي أنا أحتاجك أرجوك لا تكن قاسياً مع نفسك ومعي "

وابتسمت شفتاها من وسط الحزن المخيم على ملامحها ما أن دار
قفل الباب وانفتح لتجده واقفاً أمامها فارتمت في حضنه سريعاً
وطوقت جسده بذراعيها تشعر بملمس يده على شعرها وهمست
بعبرة مكتومة

" كم أتمنى من الله أن لا احرم منك أبداً "

بينما اكتفى هو بالمسح على شعرها بحنان فابتعدت عنه ونظرت
لعينيه وقالت بابتسامة حزينة

" هل يمكنني النوم هنا معك "

وحين عبست ملامحه وتغضن جبينه وحاجباه وفي صمت تمتمت
بعبوس رقيق يشبهها

" ليس الأطفال فقط من حقهم هذا "

ظهر طيف ابتسامة على ملامحه المتجهمة وتمتم بابتسامة جانبية

" لو يعلم قاسم فقط عن هذا "

ابتسمت شفتاها وشعرت بانتشاء كبير فهي على الأقل نجحت
ليس فقط في جعله يفتح باب غرفته أخيراً بل وفي رسم ابتسامة
على شفتيه وإن كانت لا تقارن البتة مع ابتسامته التي عرفتها
طوال فترة معرفتها له ، حركت كتفها قائلة بضحكة صغيرة

" لن يعلم إن لم تخبره ، وإن أخبرته فسأغضب منك "

وتجهمت ملامحها مع آخر كلمات قالتها في عبوس طفولي مازح
فاتسعت ابتسامته وهو ما شجعها كي لا تنتظر منه الموافقة على
طلبها وهي تندفع داخل الغرفة بينما أغلق هو بابها قبل أن
يستدير نحو سريره الواسع والذي باتت تنام في منتصفه تقريباً
وتغطي نصف جسدها بلحافه وكانت تضم يديها تحت وجنتها
وتنظر له مبتسمة بحب فكم يعشق هذه الفاتنة الصغيرة ، لا
يظاهي شعوره نحوها سوى ما يشعر به نحو والدتها والتي
وهبتها له هدية من الخالق كانت المؤنس الوحيد له في سنوات
غربته تلك وإن كانت كالبدر تماماً لا يراها إلا مرة واحدة
كل شهر .
توجه نحوها وجلس بقربها ويده تمسح على خصلات غرتها
الحريرية الملمس ينظر مبتسماً بحب لملامحها الفاتنة الجميلة
وكأنه ينظر للمرأة التي أحبها وكانت زوجة له لفترة قصيرة
سرعان ما سرقها منه كل شيء حية وميتة ، تبدلت ابتسامته تلك
للحزن وكم تمنى أن كان السند لتلك الزوجة ولهما من بعدها ، أن
يحميهما ابنته وحفيدته والذكرى الوحيدة التي تركتها له من
بعدها وكم كره عجزه وقلة حيلته ، الشعور الذي ما أن ينتابه
تمنى أن غادر هذه الأسوار العالية وقتل البقية المتبقية من رجال
تلك العائلة لعله يرتاح وترتاح البشرية جمعاء منهم وأولهم
عائلته وليُعدم بعدها لم يعد يعنيه هذا .

عادت الابتسامة لشفتيه وإن كانت حزينة ذابلة ما أن قالت التي
تعلق نظرها به فوقها مبتسمة

" أخبرتني سابقاً عن الطريقة التي تعرف بها والدك بوالدتك
لكنك لم تخبرني كيف افترقا وما حدث معها وكيف توفيت ؟ "

تنهد بعمق وقال وأصابعه تحرك خصلة من غرتها الناعمة نحو
الخلف ونظره عليها

" طلقها ما أن علم جدي شاهين عن تلك الزيجة بينما تقبل
وجودي بينهم وكفرد منهم "

عبست ملامحها وهمست بأسى

" ولما رفض وابنه يريدها ! "

ابتسم بحزن وعادت يده للتحرك متحسساً كفه نعومة شعرها وقال
ناظراً لعينيها

" لأنها من الشهبان كما أخبرتك وما كان جدي ليوافق مناسبة
لصوص وقاطعي طرق وهم أشراف الجنوب وسادتها "


تنهدت بحزن متمتمه

" لقد كسر قلبه بما فعل "

اومأ برأسه إيجاباً وقال بشرود

" أحياناً يتبع المرء عاطفته وتكون العواقب سيئة لأنه تغاضى
عن كل ما يعلم بحدوثه ومنذ البداية "

تقوست شفتاها بحزن قائلة

" لكن قتل تلك العواطف مؤذي أيضاً "

تمتم حينها بحزن ونظره يستقر على عينيها مجدداً

" ليرحمهم الله جميعاً "

ومال طرف شفته وتابع

" لكنها امرأة قوية وحياتها لم تنتهي عند ذلك ، لقد تزوجت
ثلاث مرات متتابعة دون أن تهتم "


قالت بضحكة صغيرة

" كان الرجال يتسابقون عليها كما يبدو "

ابتسم وقال بشرود حزين

" كانت جميلة كالبدر "

تنهدت حينها وقالت مبتسمة

" لي أن أتخيل هذا إن كانت بملاح والدتي ولون عيناي وشعر
فاتح طويل "

نظر لها ولامست سبابته المثنية نعومة وجنتها وقال بحب

" أجل فقد تقاسمتما كلاكما حسن جدتك وجدة والدتك وكل واحدة
أخدت القليل من واحدة "

اقترب حاجباها الرقيقان وقالت بحزن

" وكيف ماتت ؟ "

أبعد يده عن وجهها وسحب الهواء لرئتيه وزفره وقال

" كنت خارج البلاد حينما علمت بأنها توفيت ودُفنت في المقبرة
التي كانت تخص عائلتها فهم كانوا يدفنون موتاهم بجانب بعضهم
ومنذ أعوام "


ونظر لعينيها مجدداً وغيّر مجرى الحديث بأكمله وهو يحاول
الابتسام وإن من أجلها فقط

" ما رأيك أن نترك كل هذا وأروي لك قصة مختلفة كنتِ
تحبينها كثيراً "

خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت

" كنت طفلة ! "

اتكأ بطرف رأسه على ظهر السرير ورمقها بطرف عينيه قائلاً
يشاكسها

" لا أراك مختلفة الآن "

اتسعت عيناها مصدومة بسبب كلماته تلك ممّا جعله يضحك ..
ضحكة شعرت بها أحيت قلبها الممزق الحزين وكم حمدت الله أنها
رأتها على وجهه وفي هذا الوقت تحديداً والذي تمر فيه عائلتهم
الصغيرة بأصعب محنة قد يكونوا مرو بها في حياتهم ، قالت
وكلماتها تختلط بضحكة صغيرة

" موافقة إن كان قاسم والكاسر لن يعلما "

ضحك مجدداً ولامست يده شعرها من جديد وقال مبتسماً

"موافق فلعلنا نرويها كاملة هذه المرة فقد كنتِ تنامين في
منتصفها في كل ليلة حينها "

عبست ملامحها فجأة وقالت

" لأنك كنت لا ترويها لي إلا وقت النوم وكانت مرات قليلة تلك
التي قضينا فيها الليل معاً ، وما أن أسألك عنها صباحاً تقول بأن
قصص النوم وقت النوم فقط "

ابتسم وقال ويده تبعد خصلات غرتها للوراء

" هيّا انتبهي إذاً وفي صمت لأن أسئلتك الكثيرة حينها كانت
السبب في نومك قبل أن تنتهي "

قالت بضحكة

" لن أسأل وأنا بهذا العمر بالتأكيد "

ابتسم وبدأ بسرد قصة طفولتها المتوقفة منذ أعوام وبكلمات
رجولية عميقة باسمة

" يُحكى في سالف الزمان أنه وفي أحد البلدان يوجد ملك يعيش
في قلعته الكبيرة والتي كانت تقبع عالياً فوق أحد الجبال وكان
للملك ثلاث فتيات جميلات "

تثاءبت فجأة رغم انتباهها وتركيزها معه مما جعل ابتسامته
تتسع وتابع

" كان الملك يحب فتياته حباً كبيراً ويخاف عليهن درجة أنه كان
يمنع خروجهن ولأي سبب كان ، وفي أحد الأيام استيقظ صباحاً
على صوت صراخ يعمّ القصر بأكمله حتى وصل لغرفته فغادر
الغرفة راكضاً ليفاجئ بأصوات تصرخ بذات العبارة

( الأميرة اختفت ، الأميرة اختفت )

ليكتشف الجميع بأن الأميرة الكبرى لم تعد موجودة وبطريقة
غامضة لا أحد يفهمها لأن أبواب القصر كانت مغلقة جميعها ،
ولم ينتهي الأمر عند ذلك فما أن مرت أيام قليلة وفي غمرة بحثهم
الذي لم يتوقف اختفت الأميرة الوسطى وبذات الغموض
والطريقة ... "

ابتسم وتوقفت كلماته ما أن أغمضت عينيها وانتظمت أنفاسها
وتركت قصتها معلقة كطفولتها ، انحنى نحوها وقبّل جبينها بحب
، وما أن ابتعد عنها اتكأ بطرف جبينه على ظهر السرير مجدداً
ينظر بحزن لملامحها النائمة الساكنة يشعر بألم لا يمكنه وصفه
مصدره قلبه ، كانت لتلومه لأنه تزوج وحكم عليهم بتلقي العقاب
معه وهو من كان يعلم حينها بالثأر الذي سيلاحقه لكنها تمتلك
قلباً لم تمتلكه جميع النساء وعقلاً فاق سنها بأعوام كثيرة وكم
يتمنى من الله أن يحميهما ، لا يهتم لما سيحدث له المهم لديه أن
تسعدا وأن تكونا بخير فقد كانت سعادتهما الثمن لكل ما حدث .

*
*
*
*
*
*

وضعت في حقيبة يدها آخر ما ستأخذه معها وهي تذكرة المغادرة
، وهذا ما جاءت به ستغادر به حتى جرح كرامتها ومشاعرها
لتترك ذكريات جديدة سيؤلمها تذكرها طوال عمرها ، ولم تكن
تتخيل بأن قرارها هذا سيكون سريعاً هكذا لكنّها لن تدفع كرامتها
ثمناً لمشاعرها مجدداً ومهما حدث ، بالرغم من أنّه يعز عليها
فراق عمتها جوزاء ويمامة وبثينة وأن تغادر دون علم الجميع
لكن لا يمكنها تحمل كل هذا فكلما طالت فترة بقائها سيكون
قرارها هذا أصعب على نفسها وعلى الجميع .

ارتفعت عينها الحزينة نحو الصناديق والحقائب التي كانت تملأ
أكثر من نصف الغرفة الواسعة وقد التفت حولها الأشرطة
الحمراء وزينتها باقات الأزهار البيضاء ، وتجمعت الدموع في
عينيها وهي تتذكر كيف قمن بتجهيزها بأنفسهن من أجلها بعد
أن قامت والدته بشراء الكثير حتى ترجتها أن تتوقف لكانت
غرفتان وليس واحدة فقط ستكون ممتلئة بهم .

وعلى الرغم من الثراء الذي يتمتعون به وبمكالمة هاتفية واحدة
كان أفخم وأكبر مركز تغليف سيقوم بما هو أجمل من هذا بكثير
وخلال ساعات قليلة إلا أن جوزاء اختارت أن تفعلنه بأنفسهن
ولم تقترب ولا الخادمات من أغراضها ، وفهمت لما فعلت هذا ما
أن رأت الحماس وسمعت الضحكات من الفتيات وكانت لحظات لن
تنساها ما عاشت ، وكم كان رائعاً أن عاشوا تلك اللحظات معاً
ولم تصل هذه الصناديق جاهزة لتستمتع بالنظر لها من الخارج
فقط ، وأدركت كم هي امرأة عظيمة ولا تتكرر أبداً ، وعلمت الآن
لما استطاع شقيقها ذاك توحيد بلاد ممزقة وقيادتها حتى وهو
بعيد عنها .

تنهدت بعمق وهي تبعد نظرها عنهم لحقيبتها الصغيرة بين يديها
فهي لا تريد أن تتراجع عن هذا فبالرغم من كل المحبة التي
شهدتها من هذه العائلة إلا أنها مفروضة على قلب شخص ما
هنا وهو الأهم منهم جميعاً ومن سيغلق عليهما باب منزل واحد
بل وغرفة واحدة وسيكون معها بينما قلبه ومشاعره مع امرأة أخرى .
امتلأت عيناها بالدموع وهي تتذكر الليلة الوحيدة التي نام فيها
هنا بل والتي زار فيها المنزل فهو ولأسبوع كامل تحجج بأنه لديه
رحلات ومنشغل بينما نام تلك الليلة فقط هنا ولم تلتقي به لكن
علمت بأنه موجود في الأعلى ولم تستطع النوم تلك الليلة أبداً
وكانت تتقلب في سريرها وكأنه جمر متقد تحتها وقررت نهاية
ليلتها تلك بأن تتصل به وتخبره بأنها تريد التحدث معه وكانت
ستخبره بقرارها الانفصال عنه وعودتها لعائلتها إن كان
سيعاملها باقي حياتهما هكذا فهي ليست مجبرة على العيش معه
مجرد جسد امرأة في حياته وهو كذلك لأن قلبه مع غيرها طوال
الوقت ، لكن المفاجأة وما زاد عزمها على فعل هذا بل وما جعلها
تبكي تلك الليلة وبحرقة حتى غلبها النعاس أنها حين اتصلت به
كان هاتفه مشغولا وفي ذاك الوقت المتأخر فما سيكون ذلك ومع
من سيتحدث ! خاصة أنها جربت الاتصال به خلال ثلاثون دقيقة
في أوقات متفرقة وقلبها الغبي يحاول تبرئته وبأنه قد يكون تلقى
اتصال ما خارجي بسبب فارق التوقيت بين البلدان لكن رقمه كان
مشغولاً طيلة تلك المدة ، ولا تعلم كم استمرت مكالمتهما تلك كل
ما تعلمه بأنها شعرت بأذى لم تشعر به حياتها وبنار تشتعل
داخل قلبها وكأنه يحترق فعلياً .

وما أن استفاقت صباحاً حجزت تذكرة عن طريق الانترنت وذهبت
لاستلامها اليوم وقت خروجها مع الفتاتين لشراء باقي الأغراض
واستغلت فرصة أن كانت عمتها ليست معهن لأنه ثمة ضيوف
لديها .

مسحت الدموع عن عينيها بحركة سريعة ونظرت مستغربة لباب
الغرفة الذي طرقه أحدهم فمن سيكون هذا وفي هذا الوقت !
وأول ما أخبرها به عقلها أنها إحدى الفتاتين فقامت بدس حقيبتها
في درج طاولة السرير وحمحمت قليلا ليبدو صوتها طبيعياً وقالت
تنظر للباب

" تفضل "

وما أن انفتح الباب حاولت بكل جهدها إخفاء التفاجئ في عينيها
ما أن وجدت جوزاء تقف أمامها وقد دخلت قائلة بابتسامة

" ما الذي يوقظ عروسنا حتى هذا الوقت ؟! "

حاربت توترها باستماته وهي تقول مبتسمة وإن كانت
ابتسامة متشنجة

" نمت قليلاً بعد الظهر ويبدو أني أدفع ثمن ذلك الآن "

اقتربت منها وقالت تجلس أمامها على السرير بينما قدماها على
الأرض عكسها

" هذا لأنك تشعرين بالملل وما أن ننتهي من التحضير لزفافكما
ستمارسين عملك السابق وسيصبح يومك مليئاً "

ابتسمت والدموع تملأ عينيها في تناقض يعبر فعلياً عمّا يحدث
داخلها وفي وقت آخر كانت لتسعد بهذا ، لكنّ تلك الابتسامة
تلاشت أيضاً وبكل ما تحمله من حزن وخيبة أمل ما أن قالت
الجالسة أمامها بنظرة عتاب واضحة

" هذا إن كان ثمة بقاء لك هنا معنا "

من شدة صدمتها لم تستطع قول شيء وهربت بنظراتها
المصدومة ليديها التي كانت تشدها في حجرها بينما تابعت حوزاء
دون أن تنتظر تعليقاً منها

" علمت من بثينة بأنك زرتِ مبنى السفارة وأحد مكاتب الرحلات
الجوية اليوم "

رفعت نظرها لها حينها وقد تبين لها كيف علمت بينما تابعت
موضحة

" هي لم تكن تنقل لي ما فعلتموه ولم أسألها بل كانت تتحدث مع
يمامة التي كانت تسألها عن ذاك المكان وأنا سمعتهما مصادفة
واستفسرت منها عن الأمر "

نظرت ليديها مجدداً وقالت متلعثمة

" في الحقيقة أنا ... "

وخانتها الكلمات وشدها ليديها يزداد أكثر تشعر بأنها متنفسها
الوحيد لما يحدث داخلها بينما اختصرت جوزاء كل ذلك
قائلة بريبة

" هل تمر علاقتكما بأي مشكلات يا كنانة ؟! "

شعرت بالألم في قلبها بسبب سماع ذلك ولم تستطع رفع رأسها
ولا النظر لها بينما همست شفتاها بصعوبة وبحة بكاء خفي

" أنا قررت المغادرة فعلاً والانفصال عنه "

وشعرت بأنفاسها علقت في مكانٍ ما وهي تقول ذلك ، ولأنه لم
يبدر أي رد فعل من الجالسة أمامها رفعت نظرها لها وشعرت
بالألم وهي ترى العتاب وخيبة الأمل واضحاً في عينيها يعبر عن
حزنها لقرارها هذا فقالت بأسى حزين ونبرة اعتذار

" أعلم بأني مخطئة بتصرفي هذا وبأنه يفتقر للباقة لكني أحببتكم
ويعز عليّا فراقكم أو قول هذا لك وأنتِ من أرادتني ومن بين
جميع الفتيات زوجة لابنك وشعرت بالخجل من نفسي "

وامتلأت عينها بالدموع عند آخر كلمات قالتها وإن لم تفارق
رموشها السوداء الكثيفة بينما قالت جوزاء مجدداً وبإصرار
وبنبرة جادة

" ما الذي بينكما يا كنانة ؟ أخبريني وأعدك أن أترك الخيار لك
ولن اجبرك على تغيير أي قرار تتخذينه ، فما الذي حدث جعلك
تقررين الانفصال عنه ؟ "

كانت نظرات جوزاء ملأها إصرار وعزيمة لمعرفة جواب سؤالها
ذاك بينما وجدت كنانة صعوبة لم تعرفها في حياتها وهي تحاول
إخراج تلك الكلمات من قلبها قبل عقلها ولسانها وكأنها لم تعرف
اللغة يوماً ! ونجح الأمر أخيراً وهمست وإن بصعوبة

" لأنه لا يحبني "

وامتلأت عينها بالدموع مجدداً وهي تتابع وكأنها تنتزع الكلمات
من روحها انتزاعاً

" بل امرأة أخرى "

وكان رد فعل جوزاء هو اتساع عيناها في صمت وفي نظرة
عبّرت عن اندهاشها بأمر متيقنة من أنه لا وجود له ! بينما قرأته
الجالسة أمامها بشكل مختلف تماماً وبأنه رد فعل على علمها
بأنها علمت عن هذا الأمر وهو ما جعلها تتابع بنبرة شبه باكية
وأول دمعة تنزلق من طرف رموشها

" لِما أجبرته على تركها والزواج بي عمتي ؟ لِما أحرقتِ قلبيهما
وكتبتِ التعاسة لنا ثلاثتنا ؟! "

كانت هذه الصفعة الأخرى لجوزاء ففوق أنه يريد أخرى هي من
حرمته منها وأرغمته على الزواج بغيرها ! لكن سرعان ما
تغيرت ملامحها من الصدمة للاستغراب والجدية وقالت

" من أخبرك بهذا ؟! "

رفعت حينها كنانة يدها لعينيها ومسحت الدموع من رموشها
وكأنها تمنع تسرب غير تلك الدمعة اليتيمة منهما بينما هربت
بنظراتها ليديها التي أصبحت في حجرها مجدداً وتنفست بعمق
وكأنها تستجمع قواها لقول ما تريد قوله ، وبالرغم من ذلك
خرجت كلماتها حزينة تعيسة ما أن قالت

" هو بنفسه قال لي بأنه يريد فتاة أخرى وبأني اختيارك أنتِ
وليس هو "

أشاحت حينها جوزاء بوجهها جانباً تضرب فخذها بكفها تكتم
غضباً ما متفجراً داخلها وهمست لنفسها

( ويلك مني يا ابن جوزاء ، ما هذه الأكاذيب التي تصوغها
وما سببها ! )

نظرت لها عند تلك الفكرة وقالت

" أخبريني الآن ما الذي حدث بينكما مفصلاً ومنذ تقابلتما
أول مرة "

رفعت كنانة نظرها لها حينها وشعرت بالتوتر فثمة أمور لم تخبر
بها ولا والديها ولا تعلم كيف ستصوغ الأحداث دون أن يعلم عقل
هذه المرأة بأنها تخفي أمر ما فهي باتت تعلم عن أهم ما حدث
بينهما ولم تخبر به أحداً وهو علمها بوجود امرأة أخرى في
حياته ، ولأن الجالسة أمامها متيقنة بأنه ثمة أمر ما جعله يقول
ذلك كانت تنتظر وبإصرار أن تعلم السبب فهي تعرفه جيداً لم تكن
ثمة أي واحدة في حياته لكان أخبرها عنها حين قررت تزويجهما
بل وسألت كل واحد منهما إن كان لديه فتاة يريدها أو يُكن لها
في قلبه شيئاً وإن بينه وبين نفسه لتزوجه بها ومهما كانت وابنة
من ستكون فكان جوابه النفي ، بل وهو من أخبرها بنفسه بعد
عودته من سفره الذي التقاها فيه أول مرة أنها تعجبه ويريدها !
بل ولم تخفى عنها مشاعره نحوها وكان متلهفاً لإحضارها إلى
هنا على الرغم من الظروف التي كانت تمر بها عائلتيهما !!

قالت مجدداً وبرجاء حازم حين لاحظت التردد الذي تخفيه عيناها

" إن كان لي خاطر لديك أخبريني بكل ما حدث ولن يعلم أحد ولا
غيهم أو والديك بما دار بيننا وأعدك وأنا ابنة الشاهين "

وراقبتها بفضول وهي تسدل جفناها تخفي حدقتاها عنها وكأنها
تحاور نفسها وتقنعها بفعلها ، وبالفعل كانت قد شجعتها كلماتها
تلك وهو ما ظهر جلياً في عيناها ما أن نظرت لها مجدداً وإن
كانت كلماتها حزينة حين قالت

" سأخبرك بكل ما حدث لكن تعديني أيضاً بأنك لن تمانعي رحيلي
وستزوجينه بالمرأة التي يحب ليكون سعيداً معها "

كانت تُخرج كل كلمة من داخلها وكأنها تنتزع أشواكاً تمزقها
وتشعرها بألم لم تعرفه حياتها حتى ظهر ذلك جلياً على ملامحها
وعيناها ، وتجاوزت جوزاء الألم الذي شعرت به وهي ترى
الدموع تلمع في عينيها وهي تقول تلك العبارة التي لا تخرج من
أي امرأة بسهولة وتشعر بما تعانيه الآن وهي تقولها ، ولأنها
متيقنة بأنه ليس ثمة امرأة أخرى غيرها لا في قلبه ولا حياته
قالت وبجدية واثقة

" أعدك وأقسم لك "

بدأت حينها كنانة تسرد لها كل ما حدث منذ لامست عجلات
طائرته أرض المطار وحتى اللحظة واستطاعت قول كل شيء
دون أن تخفي شيئاً عنها وكأنها تقف أمام قاضي محكمة ! وهي
بالفعل لا تشبه أي امرأة عرفتها فأخبرتها عن كل شيء حتى
السبب الذي جعلها لا تخبر والديها بما بينهما وهي تستمع لها في
صمت وانتباه دون أن تقاطعها سوى من تبدل ملامحها بين
الضيق والاستغراب والحنق والحيرة مع كل حدث ترويه لها حتى
انتهت ولاذت بالصمت تنظر لعينيها بحزن وهو ما جعلها تهرب
منهما وأشاحت بوجهها جانباً وكأنها لا تريد أن تقرأ شيء ما
فيهما حينها بينما غمغمت شفتاها بخفوت لم يفهمه سواها

" تباً لك يا ابن جوزاء أتنتقم لكرامتك منها ! "

وهو ما فهمه ذكاءها سريعاً ما أن علمت بما حدث فهو شعر
بالإهانة وجرح كرامته وذاك ما دفعه لفعل كل هذا بسبب التخوف
الذكوري الفطري من أن تعتاد على أذية مشاعره ودون رحمة
كلما انزعجت منه أو أزعجها ، لكنّه اختار أقسى الطرق على قلب
المرأة وهو معاقبتها بامرأة أخرى وإن كان لا وجود لها ، وهذا
ما يشعرها بالغضب منه لأنه كان بإمكانه فعلها بما هو أيسر من
ذلك ليس أن يوصلها لهذه المرحلة ويبدو لازال يحمل المزيد لأنها
لازالت تقاوم ولم تعلن هزيمتها أمامه وتتأدب كما يريد ، نظرت
لها مجدداً وقالت بهدوء

" كنانة أنا على استعداد لفعل ما تريدينه ولن أرغمك على أي
شيء فقط أريد أن تجيبيني على سؤال واحد وبصدق وكأنك
تتحدثي مع نفسك "

قالت آخر كلماتها تلك بترقب شديد جعل الجالسة أمامها تشعر
بالحيرة وكل ما صدر عنها إيماءة من رأسها موافقة فقالت
جوزاء دون انتظار كلماتها وبنبرة جادة

" هل ثمة مشاعر ما تحملينها له ؟ "

وكان ذاك ما جعلها تهرب بعينيها منها مجدداً بل وتمنت أن فرت
هاربة من الغرفة بأكملها بسبب كمية الحرج التي شعرت بها ،
لكن لا الموقف ولا ما هي فيه الآن يسمح لها بهذا لذلك وكما
طلبت منها قالت وكأنها تحدث نفسها بينما كانت نظراتها الحزينة
مركزة على يديها في حجرها مجدداً

" لقد رأيت وعرفت الكثير من الشبان بحكم عملي إن عرب
كانوا أم أجانب لكن لم يحدث معي ما حدث حين التقيت به وتحدثنا
وهو لا يعلم من أكون "

رقّت ملامح جوزاء والابتسامة الودود تزين شفتيها بينما تركيزها
مع التي سحبت نفساً عميقاً لصدرها وزفرته بقوة وكأنه تشجع
نفسها على المضي فيما تابعته قائلة وإن بتشتت وتردد كبيرين

" لقد.. لقد شعرت بأشياء لم أعرفها حياتي لكن حين لم يحضر
الحفل وقال بأنه يريد فتاة أخرى ولا يريدني ومن قبل أن يلتقي
بي ويعرفني أدركت حقيقة ما أشعر به نحوه حين تبدلت
مشاعري له للألم والجراح بدلاً من الكره "

قاطعتها عبرة مكتومة كادت تنفجر معها باكية وتابعت والدموع
تملأ عينيها مجدداً

" لقد أخبرني بأنه يرضيك بي وسيرضي قلبه بها فيما بعد
ويتزوجها أيضاً "

ارتفع حاجبا جوزاء وهي تسمع ذلك بينما رفعت كنانة رأسها
ونظرت لعينيها هذه المرة وأشارت بيدها لنفسها وقالت بأسى
والدموع لازالت تحرق جفنيها

" كيف يمكنني استحمال كل هذا ؟ أن يعيش معي وقلبه مع
أخرى ثم يتزوجها لأصبح أنا مجرد زواج صوري في حياته
وأراهما معاً أمامي وأحترق في صمت "

كانت جوزاء تمسك نفسها بالقوة عن شتمه وسبه أمامها وقول
الحقيقة لها لترحمها ممّا هي فيه الآن وتعاقب ذاك المتلاعب
الكاذب وتُفشل مخططه لكنّها تعلم جيداً بأن هذا لن يعالج الوضع
فهي تعرف شخصية ابنها ذاك جيداً فلو كان أبان مكانه لفعلتها
دون تردد لأنه متلاعب مشاكس ومرح سيأخذ الأمر بفكاهة
وانتهى لكن غيهم مختلف عنه تماماً وما كان ليفعل هذا لو لم
يشعر فعليّا بالإهانة منها وإن لم تقصد ذلك وكانت مفارقات
قصتهما السبب .

مدت يدها نحو يديها وشدت عليهما بقوة وقالت بابتسامة حنون
تنظر لعينيها

" أنتِ امرأة رائعة يا كنانة فبالرغم من كل ما حدث وأخبرك به
ومشاعرك نحوه تطلبين مني تزويجه بها والابتعاد عنه وهو لك
ملكك كما أراد قلبك ! "

تكسر صوتها حينها وهمست بصعوبة وكأنها تجبر نفسها على
قول ذلك

" لأني لا أؤمن بأنه يمكن لامرأة أخذ مكان واحدة غيرها في قلب
رجل ومهما فعلت خاصة إن كانت ما تزال على قيد الحياة وثمة
أمل لديه في الوصول لها "

وتخللت عبرة مكتومة كلماتها وهي تتابع بعينين دامعة

" وكذلك لا أريد له التعاسة فهو لم يختر كل هذا بل قدرنا
التعيس "

ملأ الحزن عينا جوزاء حتى كادت تشعر بالأمر واقع أمامها
وامتدت يدها لذراعها ومسحت عليها قائلة

" كم أنا فخورة بك يا كنانة فالمرأة العظيمة فقط من تفعلها
وتضحي بسعادتها من أجل من تحب ولا تحارب في معركة
ليست لها "

كانت كلماتها تلك أقسى على الجالسة أمامها من أن تثني بها على
نفسها فهي تؤكد لها بأن نيل قلب رجل ينبض لأخرى أمر
مستحيل لذلك لم تجد ما تعلق به بينما لم تنتظر جوزاء ذلك وهي
تبعد يديها عنها قائلة

" أنا وعدتك أن يحدث ما تريدين لكن لي طلب واحد فقط
قبل ذلك "

اكتفت كنانة بالصمت أيضاً بينما اقترب حاجباها باستغراب تنتظر
التي قالت بعد صمت لحظة

" أريد منك أن تؤجلي قرارك هذا لثلاثة أشهر فقط "

من اتساع عيني كنانة حينها وتبدل ملامحها فهمت جوزاء
رفضها للأمر لذلك سبقتها قائلة برجاء

" أقسمت عليك بالله أن لا تمانعي "

وهنا حاصرتها في زاوية ضيقة فهي لم تعرف منها الأيام
الماضية سوى المحبة وعاملتها وكأنها ابنتها بل وأكثر من ذلك
ووصل بها أن تقسم مترجية إياها ! غطى الحزن ملامحها وقالت
مستسلمة وإن كانت غير مقتنعة

" من أجلك فقط لأنه يعز عليّا رفض ما تريدين وأنتِ من عاملتني
كابنة لك أمّا بقائي هنا أكثر من هذا فلن يزيد الأمر إلا صعوبة
وسوء بالنسبة لي "

وكان ذاك ما جعل ملامح جوزاء تسترخي فهي خشت أن ترفض
ولن تستطيع إجبارها حينها أو ستخبرها الحقيقة وهذا ما لا تريد
فعله الآن وها هي والحمد لله لم تجبرها على فعلها ، أمسكت يدها
بين يديها وقالت مبتسمة بحنان ومحبة

" ونظرتي لك لم تخب أبداً ولن يجد ذاك الغبي امرأة تساويك أبداً
ليجد أفضل منك "

وأرادت أن تقول وهو يعلم ذلك جيداً لكن لكل شيء أوانه ، بينما
أرخت كنانة نظراتها للأسفل تخفي المرارة والحزن في عينيها
بسبب كلماتها تلك وهو ما جعل جوزاء تكمل ما بدأته قائلة

" وثمة أمر ما آخر "

رفعت نظرها لها حينها وفي صمت فتابعت من فورها

" ستعيشين معه خلال تلك الأشهر في منزلكما "

وما أن كانت ستتحدث وبما تعلمه جيداً وأظهرته ملامحها وهو
الرفض القاطع قاطعتها قائلة بجدية ويداها تشد على يديها
بينهما أكثر

" أعلم ما تودين قوله وما تشعرين به ولك أن تضعي الحد الذي
تريدينه بينكما هذه الفترة وإن نام كل واحد منكما في غرفة
لترجعي لعائلتك عذراء كما جئتِ "

أشاحت كنانة حينها بوجهها جانباً ولم تعلق ولم تستطع جوزاء
تفسير ذلك سوى بأنه رفض تكره البوح به وهو المرجح
لذلك قالت

" أنا سأفعلها وأترجاك إن كنتِ سترفضين "

وهو ما جعلها تنظر لها بحركة سريعة وقالت مندفعة باستنكار

" حاشا لله عمتي ينقطع عنقي قبل أن تفعليها "

وتابعت من فورها والأسى يرتسم على ملامحها الجميلة

" لكن أنا .. "

وانقطعت كلماتها وكأنها فقدت القدرة على النطق فجأة وملأت
الدموع عينيها مجدداً وقالت بأسى حزين تترجاها أيضاً

" سيكون الابتعاد أقسى حينها وكذلك نسيانه ، ارحمي قلبي
أرجوك فلن تُجدي محاولة اقترابي منه لتغيير مسار مشاعره
منها نحوي "

وانسابت أول دمعة متغلبة على صمودها ما أن قالت آخر كلماتها
تلك وهو ما جعل الجالسة أمامها تقول وبجدية واثقة

" أعلم لكن لي غرض ما من هذا بعيد جداً وأعدك يا كنانة لن
تخرجي من هذه المعركة إلا المنتصرة على كل شيء وأولهم
نفسك وهو وامرأته تلك أيضاً "

لم يبدو الاقتناع على الملامح الحزينة التعيسة ولن تلومها على
هذا لأنها لا تعلم عمّا تعلم به هي لذلك حاولت مجدداً وبلا يأس

" ثقي بي يا ابنتي وحينها ستعلمين معنى وصدق ما قلت الآن "

أومأت برأسها موافقة حينها وإن لم يغادر الحزن ملامحها ولم
تتحدث فتنهدت بارتياح فهي على الأقل لم ترفض وهو الأهم في
الموضوع ، ربتت يدها على ظهر كفها النائم في كفها الآخر
وقالت تنظر لعينيها

" وستخبريني كل ليلة بما حدث وما قال وستفعلي كل ما سأطلبه
منك وانسلخي عن شخصيتك الاستقلالية هذه الفترة فقط "

كانت ترى وبوضوح عدم الاقتناع في عينيها بل والحيرة
والاستغراب ولن تستغرب هذا منها والصراع الذي يحدث داخلها
الآن لكنّها ستفعل ما طلبت منها وهو المهم بالنسبة لها ، وكم
تحمد الله أنها علمت عن الأمر قبل أن يكتشفوا اختفائها فجأة
وستكون طائرتها تحلق في السماء حينها .

وقفت مغادرة السرير ما أن رسمت خطوط مخططها القادم كما

تريد ولامست يدها كتف الجالسة مكانها تنظر لها فوقها وقالت
مبتسمة بحب

" سأتركك تنامي الآن ولا تفكري في أي شيء وأوله السفر من
هنا ولا تنسي وعدك لي "

جاهدت كنانة نفسها لرسم ابتسامة وإن كانت متشنجة مزيفة وقد
همست شفتاها

"حسناً "

بادلتها جوزاء ابتسامة أخرى لكنها أكثر صدقاً وعمقاً وانحنت
نحو طرف رأسها وقبلته وقالت وهي تستوي واقفة

" هيّا تصبحي على خير فأمامنا يوم طويل غداً للبحث عن فستان
زفاف أسطوري لم تلبسه واحدة غيرك من قبل وإن اضطررنا
لجلبه من الخارج "

وأنهت كلماتها تلك بحماس باسم بينما لم تستطع الجالسة تحتها
مشاركتها فيه ، ولأنها تفهم هذا وتعذرها تركتها وتوجهت نحو
باب الغرفة وغادرتها مغلقة الباب خلفها بهدوء بينما وقفت مولية
ظهرها له تفكر في كل ما سمعته منها وملامحها تتقلب بين
الحنق والغضب وارتفعت يدها لذقنها ومسحت عليه وتمتمت
متوعدة

" لك ما تريد يا ابن جوزاء انتقم لكبريائك منها هذه الفترة ثم
عليك تلقي عقابك الذي تستحقه "

وتحركت من هناك متابعة توعدها وتمتماتها الحانقة

" لن أكون ابنة شاهين الحالك إن لم أجعلك تترجاها لترضى عنك
وتنتهي نهاية أبان "
*
*
*
أغلقت مصحفها وشفتاها تتمتم بآخر كلمات قرأتها بسبب
الطرقات المنخفضة على باب غرفتها ووضعته جانباً وانفتح الباب
كاشفاً عن جسد والدتها التي دخلت واقتربت منها في صمت
وخمنت من طريقة وقوفها وترددها بأنها ستتحدث عن موضوع
وثاب مجدداً فشعرت بالصداع يرتفع في رأسها لمجرد التفكير في
الأمر وأن تستمع لسيل إلحاحها الآن ، فهو منذ غادر تلك الليلة
لم يرجع وغضب والدها لم يغادره أيضاً كما يبدو ليتصل به
ويطلب منه العودة كما اعتاد بل واعتادوا جميعاً وإن كان سبب
خروجه في كل مرة غضبه هو من أمر ما وليس العكس كما الآن
، وفي أبعد توقعاتها ما كانت لتتخيل أن يفعلها ويطرده ومن أجل
من ؟ واحدة من بناته وهو الذكر الوحيد له بينهن ! ويبدو بأنه
تواصل مع والدتها لما كانت لتصمت كل هذه الأيام .

وقفت وتوجهت نحو سريرها تبعد خصلات غرتها الناعمة خلف
أذنيها تسمع خطوات التي تبعتها وقد غادرت صمتها أخيراً قائلة

" هل تحدثت مع زوجك ؟ "

اغمضت عينيها وتنهدت بضيق فها هي ستمارس هوايتها
المحببة وهي الإلحاح ولن تعجز في إيجاد خيارات أخرى غير
ابنها ذاك بالتأكيد والدليل ها هو أمامها ، جلست على طرف
سريرها قائلة

" لا أمي فهاتفه مغلق "

وقفت قربها وقالت تمسك ظهر يديها بكف الآخر في وسطها

" إذاً عليك زيارته في المستشفى والاطمئنان عليه ، لا نريد أن
نصبح قطعة لحم إبل عجوز في أفواه الناس "

لو كانت الجالسة تحتها في مزاج غير الذي هي فيه الآن لضحكت
فعلياً على التشبيه الذي اختارته لكن لا مزاجها ولا تلك العبارة
التي تذكرها بماضيها وخوفهم الدائم من أحاديث الناس ساعداها
على ذلك ولم يزدد وضعها إلاّ سوءاً ونظرت لها فوقها
وقالت بضيق

" كيف سأذهب له وقائد مسافر ووسام بعيد عن هنا وملتزم
بدراسة أبنائه ولا يمكنه التغيب عنهم ؟ ثم ما الذي سأفعله هناك
فهو محاط بحراسة مشددة بالتأكيد "

ولم يؤثر ذلك أيضاً بالتي ضربت على ظهر كفها قائلة ببرود

" وسام لن يمانع إن أخبرته وسيترك السيارة لزوجته
لتتكفل بالأمر "

حدقت فيها جليلة باستغراب قبل أن تحرك يدها جانباً قائلة بضيق

" يترك السيارة لها ونسافر نحن لحوران على أقدامنا ! "

أمالت رأسها جانباً مبعدة نظرها عنها وتمتمت حانقة من نفسها

" آه فعلا ... استغفر الله "

وما أن نظرت ناحيتها سبقتها تنهي أي مجال لمناقشة الأمر أكثر

" عمته قالت بأنه لم يتواصل معهم أحد منذ ليلة الحادث ولم
يصلهم خبر موته فهو بخير والحمد لله "

وما أن كانت ستتحدث وبما تعلمه جيداً قاطعتها برجاء حانق

" أمي بالله عليك لا يمكنني الذهاب له هناك وسط رجال مطر
شاهين وهم رفاقه ومؤكد لن يتركوه وحيداً "

وتابعت من فورها وقد تبدلت نبرتها للبرود ملوحة بيدها

" ولا تخشي من أحاديث الناس فلا أحد هنا يعلم ذهبت أم أتيت ،
وإن كنت هنا أو هناك "

كان رد فعلها أن أبعدت نظرها عنها مشيحه بوجهها جانباً
ومتنهدة بضيق وتمتمت ببرود

" لا أعرف واحدة ترفس النعيم بقدميها مثلك "

" صبراً جميل وبالله المستعان "

همست جليلة بتلك الكلمات وهي تبتعد بوجهها جانباً أيضاً ،
وأغمضت عينيها بقوة ما أن قالت التي عادت ونظرت لها
وبضيق تشير لها بيدها

" أنا من يقول هذا يا جليلة وليس أنتِ "

تنهدت بنفاذ صبر تستغفر الله في قلبها وانحنت نحو الأسفل قليلا
تمسك يديها بطرفي الفراش عند جانبيها تنظر للأرض تحتها
تحاول فقط تهدئة نفسها فهي لا تريد أن تخطئ مع والدتها وتنفث
نيران ما تشعر به فيها فهي ورغم سلبيتها إلا أنها والدتها
وتحبها وواجب عليها احترامها ، لكنها تعبت من ترديد ذات
الكلمات وبأنها ابنتهم وعليهم أن يشعروا بها ، أغمضت عينيها
بحزن ما أن قالت الواقفة فوقها برجاء

" جليلة برضايا عليك يا ابنتي لا تجعلينا ملهى لأحاديث الناس
وتشمتيهم بنا وبك فليست هذه المرة الأولى التي تتطلقين فيها
وليس من أي رجلان "

شعرت بكلماتها تجرح كرامتها مجدداً بينما أفرغت كل ذلك
باعتصار اسفنج الفراش بين أصابعها حتى كانت تكاد تخترقه
من فوق غلافه القماشي لازالت على وضع جلوسها السابق تنظر
للأرض وقد لمعت دموع القهر في عينيها بوضوح وما أن قالت
الواقفة قربها ودون يأس ولا مراعاة لمشاعرها

" الناس يا جليلة إن ... "

قاطعتها حينها وهي ترفع رأسها لها بحركة غاضبة وقالت

" أمي سألتك بالله حين تطلقتِ من زوجك السابق هل قالت الناس
بأنه المخطئ وبأنك مظلومة وبأنك تركتِ فلذة كبدك لأن بقائك
معهم كان جحيماً أكبر من تركهم والمغادرة ؟ "

كانت تحاربها في أرضها وهي تذكرها بتجربتها الواقعية التي
شهدتها بنفسها لكن ذلك لم يجدي كما يبدو وهي تهاجمها
قائلة بضيق

" لا يمكنك المقارنة بين والد شقيقاك وعمير ولا العائلة التي
عشت معها بمن تعيشين معهم "

استوت في جلوسها حينها وقالت بحرقة تشير لنفسها

" ومن قال هذا ؟ هل عشتِ معي هناك لتحكمي ؟ "

قالت بضيق تعدد لها وهي تلوح سبابتها نحوها

" أجيبي إذاً هل ضربك ..؟ هل آذاك ..؟ هل أهانك بكلمة
واستنقص من قدرك أو قدر عائلتك ؟ أو هل ترك مصيرك لأهله
يتحكموا بك كنعجة لديهم وخادمة لهم لتقارني ؟ "

فردت ذرعيها قائلة باستنكار

" أمي أنا لم أقل بأنه عاب بي أو بكم أنا أتحدث عن الأسباب
التي لا يعترف الناس بوجودها فهم يحكمون بالظاهر فقط "


وحين علمت بأنها لازالت بكامل قوتها الهجومية عكسها تماماً
وثمة سيل أقوى من هجومها قادم نحوها قالت تنظر لها برجاء
وكلمات متأسية لعلها ترحمها

" أمي حلفتك بالله الرجل هاتفه مقفل وعمته لا أخبار لديها ولا
يمكنني التواصل مع أحد ولا الذهاب لحوران وحادثه لم يكن
سهلاً فلن يغادر المستشفى خلال أيام بالتأكيد فإن كان وجودي هنا
يضايقك أُخبر وسام يأتي ليأخذني لديه "


وقالت آخر كلماتها تلك بأسى حزين لأنها باتت تشعر بالفعل بأنها
عبء ثقيل عليهم ووجودها هنا يشكل ذعراً حقيقياً لوالدتها التي
تفكر في الناس وأقاويلهم أكثر من تفكيريها فيها هي وكأنها
شوكة في حلقومها لن ترتاح إن لم تنتزعها !
قالت التي استفاقت من صدمتها مهاجمة لها

" ومن قال بأني متضايقة من وجودك ! لا تتهربي من أخطائك
بمهاجمتي يا جليلة "


" أخطاء !! "

همست جليلة بتلك الكلمة فقط تنظر لها بدهشة فعادت لمهاجمتها
تشير لوجهها بسبابتها

" أجل مخطئة ومكانك هو منزلك وإن كان زوجك ليس موجوداً
فيه فلن تغفل الناس طويلاً عن وجودك هنا ولن أتحجج في كل
مرة لمن يريد زيارتنا من عماتك وبناتهم أو بنات أعماك "


أطبقت شفتيها بقوة تمنع نفسها فعلياً من التحدث هذه المرة فقط
لأنها والدتها وإن كانت أنفاسها الغاضبة المكبوتة أكبر دليل على
ما تكتمه ، ولا تفهم كم مرة ستوجه سكينها نحوها وتغرسه في
قلبها ودون رحمة ؟!


صوت رنين هاتفها الذي ارتفع مالئاً الأجواء المشحونة رغم
صمتهما كان طوق نجاتها الفعلي وكم شعرت بأنه جاء في الوقت
المناسب وإن كانت تجهل هوية المتصل وما سيحمل لها أيضاً
لكنها متعبة نفسياً أكثر منه جسدياً وبحاجة ماسة فعلاً للهرب من
إلحاح والدتها في ذات الموضوع الذي لا حل لديها له وتعجز عن
إفهامها هذا فهل ستركب الحافلة وتذهب لحوران مسافة سفر
لوحدها لترضيها وترضي أفواه الناس !

وقفت من فورها وتوجهت نحوه ورفعته تنظر للرقم الغير مسجل
لديها والذي عاود الاتصال مجدداً ما أن انتهى اتصاله الأول ،
ولا تنكر بأنها شعرت بالريبة وخافت من فعلها وفتح الخط وهي
تتذكر تلك الرسائل التي وصلتها سابقاً لكنها خمنت أيضاً بأن
يكون شخصاً تعرفه بالفعل أو شقيها قائد قد اتخذ وسيلة أخرى
غير رقمه الموجود لديها ليتواصل معها وهو ما شجعها على
فعلها وفتحت الخط ووضعته على أذنها قائلة بتردد

" مرحباً من معي "
تحررت أنفاسها العالقة وأراحها صوت المرأة التي قالت سريعاً

" السيدة جليلة عُرابي معي ؟ "

تعالت ضربات قلبها وشعرت بالخدر في أطرافها جميعها عدا
حدقتاها التي توجهت نحو والدتها المتوجهة نوحها حينها ويبدو
قرأت جيداً ما يحدث من التغير المريع في ملامحها فهي نادتها
بلقبه وليس لقبها أي ستكون من طرفه وتعرفها من خلاله ،
خرجت كلماتها بصعوبة وصوت منخفض

" أجل أنا هي "

وصلها الصوت الانثوي الواثق سريعاً

" معك الدكتورة سعاد أشرف من مستشفى حوران المركزي "

أمسكت يدها بساعد والدتها التي كانت تضم يديها عند وسطها في
حركتها المعتادة وإن كانت تنظر لها بفضول خالطه الكثير من
الاستغراب وكأنها تحتمي بها من السقوط وكم شعرت بالخوف
ممّا قد تحمله هذه المكالمة فلم يتصل بها أحد من المستشفى من
قبل ليفعلوها الآن ! ولما اختاروها هي وليس رقم منزله هناك
كالمرة السابقة ؟! ولم تستطع ولا الترحيب بها بسبب تيبس
لسانها فكم هو مريع شعور انتظار الفاجعة ! إنه أكبر من عيشها
نفسها ! ورحمتها من في الطرف الآخر أخيراً وقالت دون انتظار
أكثر

" أردت إعلامك بأن السيد عمير استفاق قبل لحظات "

شعرت بالحياة تذب في عروقها مجدداً وتركت يدها ساعد والدتها
حينها ورفعتها لصدرها ولم تستطع تدارك مشاعرها تلك اللحظة
ولا منع الدموع التي ملأت عينيها وهي تحاول سحب أنفاسها
العالقة بين حنجرتها المتشنجة ورئتيها المتوقفتان عن العمل
بينما همست شفتاها بما يشتبه ابتسامة سعادة

" حمداً لله .. الحمد لله "

كانت عيناها الدامعة تنظر لوالدتها التي كانت تشير لها بيدها تريد
معرفة ما يحدث ولم تستطع إجابتها بينما تابعت من في الطرف
الآخر قائلة

" لقد طلب مهاتفة زوجته وعمته لطمأنتكم عليه وقد كلفني أحد
مرافقيه بهذا "

لا يمكنها نكران ما شعرت به حينها ولا استغرابها لأن يختارها
أيضاً بالرغم ممّا حدث قبل الحادث ومجيئها إلى هنا ومعرفته
لمشاعرها نحوه ! لكنها تجاوزت كل ذلك لما هو أهم منه وقالت

" وكيف هو وضعه ؟ "

صمت من في الطرف الآخر جعلها تشعر بالريبة وتأكد لها ذلك ما
أن قالت ببعض التردد المناقض لحديثها السلس الواثق سابقاً

" حقيقة الأمر ليس جيداً وليس سيء "

تعالت ضربات قلبها وقالت باستغراب

" وكيف يكون هذا ! "
قالت تلك مباشرة

" الإصابات والكسور في جسده كثيرة لكن لم يحدث أي نزيف
داخلي والحمد لله ولم يدخل في غيبوبة بما أنه أفاق وتحدث
وإن قليلاً "

وتابعت من فورها وكأنها تتوقع المعتاد وهو السؤال عن إمكانية
زيارته وطلب رؤيته

" هو نائم الآن ورئيس الأطباء أوصى بمواصلة حقنه بالمسكنات
، أي سيكون نائماً اغلب الوقت لأنه كان يتألم كثيراً حين فتح
عينيه "

اشتدت أصابعها على الهاتف فيها ونظرت ناحية والدتها مجدداً
وسألت عمّا سيخلصها من إلحاحها المستقبلي بالتأكيد

" هل ستطول فترة مكوثه في المستشفى ؟ "

وصلها صوتها سريعاً

" لا يمكننا تحديد هذا بسبب وضعه فما يحدده هو فترة العلاج
التي يحتاجها هنا ومدى استجابة جسده لذلك "

تنهدت بعمق متمتمه

" حسناً شكراً لك "

وقالت سريعاً قبل أن تنهي تلك الطبيبة المكالمة

" هل يمكنني الاتصال بك للاطمئنان عليه مستقبلاً "

كان صوتها باسماً حين قالت مباشرة

" بالتأكيد سيدتي ومتى أردت ذلك "

شكرتها مجدداً وأنهت الاتصال معها ونظرت لوالدتها التي
قالت بترقب

" ماذا قالت وما هي حالته ؟ "

وراقبتها بفضول وقد انشغل نظرها مع حركة سبابتها وهي تخزن
رقم تلك الطبيبة قائلة

" قالت بأنه يحتاج لوقت للتعافي التام لكنه تجاوز مرحلة الخطر
وفتح عينيه اليوم وتحدث "

جمعت الواقفة أمامها يديها عند شفتيها هامسة بسعادة وارتياح

" حمداً لله "

وراقبتها وهي تضع هاتفها على الطاولة خلفها وما أن استدارت
نحوها ونظرت لها قالت جليلة باستياء

" لا تنظري لي هكذا أمي ، الطبيبة قالت أمامك بأنه لن يغادر
المستشفى الآن "

ضربت كفها بالأخر في وسطها وقالت متملقة

" أنا لم أسمعها أنتِ من سمعها "

اتسعت عيناها بصدمة فهل تشك في صدق ما تقول ! لكنها لم
تترك لها مجالاً لا للتحدث ولا الدفاع عن نفسها وقد قالت
بحدة وحزم

" أنا لن أتحدث معك في الأمر مجدداً لكن أريدك أن تعلمي بأن
المرأة التي لا تقف مع زوجها في محنته لا تستحق أن تكمل
حياتها معه "

وتابعت بضيق وهي تتركها متوجهة نحو باب الغرفة

" قلت ما لدي وإن كنت لا أراك تهتمين أساساً بالحياة معه ولن
تغادري من هنا مجدداً "

وضربت الباب تغلقه خلفها وتركت التي انهارت على الكرسي
قربها وقد ضمت رأسها بين يديها تنظر للأرض وقد تسابقت
خصلات غرتها الناعمة للتسلل من بين أصابعها وأغمضت
عيناها بقوة ورأسها يكاد ينفجر بسبب الشجار الذي يحدث داخله
وكل ما حدث ، كلمات والدتها كلام الطبيبة وحتى ما حدث قبل
مجيئها إلى هنا .

رفعت رأسها مستغفره الله بهمس خافت ونظرت نحو هاتفها الذي
عاود الرنين مجدداً وعادت لدس خصلات غرتها خلف أذنيها
ومدت يدها نحوه وأجابت سريعاً قائلة

" مرحباً رحاب ماذا حدث معك ؟ "

وكانت هذه إحدى صديقاتها في العمران ومن أعلمتها وحدها
بوجودها هنا بل وغادرت اليوم باكراً خلسة من هنا من أجلها قبل
تحرك الناس في المدينة ودون أن يشعر والداها أيضاً لتقوم
بسحب عينة من دمها لتعرف سبب الحالة التي مرت بها فقد
تكون مصابة بأحد أمراض الدم ، ولأنها لم تشفى تماما من آثار
ضرب وثاب لها خرجت قبل وقت بداية الأعمال ودوام المدارس
هنا ولن تخبر والدتها بالتأكيد كي لا تمنعها أو تخبر والدها
لتذكرها مجدداً بأنها السبب الوحيد لتحدث الناس عنهم دائماً .

ولن تنسى النظرة المصدومة في عيني صديقتها تلك ما أن رأت
وجهها وقد قالت مباشرة ودون تفكير

( هل يضربك رجل مطر شاهين ذاك )

وحين نفت لها ذلك لم يخنها ذكاؤها بالطبع وهي تتوقع الشخص
الصحيح وهو وثاب وكانت غاضبة منها قبله هو وتستغرب أن
تصمت عمّا حدث لها وهي التي عملت ضمن مكاتب إدارة جمعية
حاربت بالدرجة الأولى المتسببين في قضاياً العنف الأسري لكن
المرأة تبقى دائماً سجينة لأفكار عائلتها ومجتمعها مهما حاربت
ذلك ، وحاولت تهدئتها وهي تخبرها بأن والدها وقائد اقتصوا
لها منه .

تنهدت بعمق تهرب من التفكير في كل ذلك وهي تسمع كلمات
التي قالت بعد أن لاذت للصمت لبرهة تقلب أوراق ما قد وصل
صوتها بوضوح لها

" نتيجة عينة الدم ظهرت من وقت مغادرتك لكن نقلها للطبيبة
لتراها هو ما احتاج لبعض الوقت "


شعرت بضربات قلبها وكأنها مطرقة صغيرة تضرب طبلة أذنيها
بحركة متكررة وهمست بترقب

" وماذا قالت ؟ "

أتاها الجواب سريعاً من محدثتها تلك

" قالت بأنه أنتِ من عليها التحدث معها وليس أنا لأنها سألت
عن أمور وحدك من يعرف إجابتها "

عادت ضربات قلبها للتسارع بجنون وقالت بريبة واستغراب

" ما معنى هذا ! ما الذي أظهرته نتائج التحليل ! "

وانتظرت بفضول مريب التي رحمتها أخيراً قائلة

" ما أن رأت الورقة سألتني إن كنتِ تتناولين نوعاً من الأدوية
المسكنة أو مضادات الاكتئاب والصداع النصفي وبجرعات زائدة
حتى أنها خمنت بأنك حاولتِ الانتحار "

اتسعت عيناها بقوة قائلة بجزع

" ماذا ...! أعوذ بالله "

وتابعت من فورها مستنكرة ذلك

" ثم أنا لا آخذ هذا النوع من الأدوية ولا المسكنات ولا وقت
الزكام وإن كان شديداً فكيف سآخذ كمية كبيرة منه ! "


قالت تلك سريعاً

" هذا ما أظهرته نتائج التحاليل بل وقد قامت بشرح الأعراض
التي ذكرتها لي وكأنها أنت من يتحدث ، وقالت بأنه عليها أن
تتوقف عن هذا أو ستتعرض أعضاء جسدها للأذى كالكبد
والكليتين وستصاب بمتلازمة السيروتونين "


همست مصدومة

" سيرتو ماذا ! "

كانت وكأن ذاك فقط ما سمعته من كل تلك الفواجع بينما قالت
محدثتها موضحة

" السيروتونين مادة كيميائية طبيعية يفرزها جسدنا يا جليلة
ومسئولة عن ضبط الانتباه والسلوك ودرجة حرارة الجسم لكن
زيادتها عن الحد الطبيعي يسبب تصلباً في العضلات ونوبات
صرع وحتى الوفاة إن لم يتم علاجها "

لامست يدها صدرها وهمست بعدم تصديق

" يا الله ما هذا وكيف حدث ! "

كانت تعيش صدمة لم تعرفها حياتها فهي لم تتعرض من قبل لأي
مرض غريب أو مزمن وكانت تتمتع بصحة جيدة ولم يسبق أن
حدث ذلك لأحد تعرفه ! بينما كان كامل انتباهها مع التي قالت

" ثمة جرعات دواء دخلت جسدك بكمية كبيرة يا جليلة وإن لم
يكن بسببك فبسبب شخص آخر "

تحرك رأسها بعدم تصديق متمتمه

" وكيف يكون هذا ! "

وغاب نظرها للفراغ تحاول استيعاب ذلك وإيجاد جواب له فهي لم
تفعلها ولم تتناول أي نوع من الأدوية الفترة الماضية ! وتذكرت
فجأة المكان الوحيد الذي تناولت منه الطعام ولمرات عديدة قبل
مرضها وهي عمته وابنتها ، لكنها عادت وحركت رأسها في
رفض تغمض عينيها بقوة تطرد منه تلك الأفكار فهي لا يمكنها
ولا مجرد الشك في نوايا تلك المرأة الطيبة ، لكن ابنتها تلك ؟
كانت الافكار تتزاحم في رأسها وبالكاد انتبهت لكلمات التي قالت

" الطبيبة قالت بأن هذا يحدث غالبا مع الأطفال لتناولهم الدواء دون علم ذويهم أو المرضى النفسيين أو كبار السن لكن من في
مثل وضعك وحالتك لا يكون إلا من أراد قتل نفسه بالتأكيد "

لم يلتقط دماغها فعلياً سوى آخر كلمات قالتها فهمست

" أعوذ بالله "

بينما تابعت تلك من فورها

" وقالت إن لم تشعري بالتحسن عليك زيارة الطبيب سريعاً
ودخول المستشفى "

حركت رأسها بالنفي متمتمه بضياع لم يغادرها بعد

" لا حمداً لله باتت الأعراض أقل من السابق "

بدا الارتياح واضحاً في صوتها و قالت مبتسمة

" اتمنى لك الشفاء التام صديقتي "

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها أيضاً وإن لم تصل لعينيها
وقالت بامتنان

" شكراً لك يا رحاب لن أنسى ما فعلته من أجلي أبداً "

رن صوت ضحكة واضحة من محدثتها تلك وقالت

" ما أجمل أن أسمع هذا من زوجة أحد رجال الدولة "

وكان لها مفعول السحر على ملامح جليلة أيضاً وقالت بشبح
ابتسامة

" أعرفك جيداً لن تحتاجي له وإن طلبت أنا منك ذلك "

ضحكت مجدداً وقالت

" ومن يعلم ؟ "
ابتسمت جليلة بحب وقالت

" أعرف استقلاليتك جيداً وكم أتمنى من الله أن يعوضك عن كل
ما مررتِ به خيراً "


قالت التي اختلطت كلماتها بضحكتها

" لا تتمني لي الزواج مجدداً أرجوك يكفيني والدتي "

ضحكت رغماً عنها ولأول مرة منذ لم تعد تذكر متى فرحاب إحدى
ضحايا الطلاق التعسفي لكنها كانت مثالاً للمرأة القوية ورغم
صغر سنها وتعلقها العاطفي بذاك الرجل الذي رماها خلف ظهره
دون اكتراث أثبتت للجميع بأنها القادرة على علاج نفسها بنفسها
والوقوف وكأنها لم تتعرض لتلك الضربة القاسمة القاتلة
وساعدتها جمعية الغسق في إتمام دراستها الثانوية المتوقفة ثم
اختارت دراسة التحاليل الطبية وهي تعمل الآن وتغيّرت
شخصيتها تلك بشكل جذري وكأنها ليست هي نفسها ، ابتسمت
بحزن وحنان وهي تتذكر التي غادرت غاضبة من هنا وقالت

" هم الأمهات جميعهن هكذا ، ليحفظهن الله لنا "

وصلها صوتها الهامس بحنان

" آمين يا رب "

وتابعت من فورها

" عليّا العودة الآن للمختبر ، إن احتجتِ أي شيء أخبريني فوراً
يا جليلة "

قالت ممتنة

" شكراً لك يا رحاب وأعتذر على إرباكي يوم عملك "

قالت تلك سريعة بنبرة توبيخ

" لا تكرري هذا مجدداً أو غضبت منك "

ابتسمت بحب وقالت

" ليحفظك الله دائماً "

وأنهت الاتصال معها وشرد نظرها للفراغ وهي تتذكر كل ما
سمعته منها وشعرت بالاختناق وارتفعت يدها لصدرها تشعر
تحت ملمسها بازرار بيجامتها القطنية الناعمة وتعالت أنفاسها
وهي تتخيل أن استمر ذلك وحدث ما قالت عنه تلك الطبيبة ،
وعادت التساؤلات لمهاجمة رأسها ولم تستطع إبعاد الشبهة عنهم
فهي لم تأكل شيئا ولا من مطعم خارجي ! وقادها تفكيرها لكأس
العصير ذاك والذي قالت بأنهم من يعدونه بأنفسهم ولا تفهم لما
هو تحديداً ! هل لأنه القاسم المشترك في كل مرة جلبوا لها فيها
الطعام ؟! أجل فهو كذلك بل والشيء الوحيد الذي يمكن من خلاله
فعلها .

حركت رأسها بقوة تغمض عينيها وتعوذت من الشيطان هامسة
لكن سرعان ما عادت لذات النقطة فلا خيار آخر أمامها والطبيبة
لم تذكر سبباً آخر غير الأدوية والنسبة مؤكد كانت واضحة في
عينة دمها بالرغم من مرور أسبوع كامل وتحسن حالتها فكيف
كانت سابقاً !

لا يمكنها ولا مجرد التفكير في اتهام عمته ولا تصدق أن تفعلها
تلك المرأة الطيبة لكن ابنتها لن تستبعدها ولا يمكنها تبرئتها
مهما حاولت خاصة وهي لاحظت سلوكها الغريب نحوها مراراً
ونظراتها الكارهة المشمئزة تلك لكن لما ! ماذا فعلت لها لتكرهها
هكذا درجة أن تفكر في أذيتها هكذا واحتمال قتلها !

تخللت أصابعها بين خصلات شعرها وأمسكت برأسها فهي لم تعد
تفهم شيئاً ممّا يحدث ولا تنكر شعورها الغريب بالخوف !! .

أوقفت التفكير في كل ذلك وتحركت نحو باب الحمام المغلق
متمتمه بضيق

" وتريدين مني الذهاب هناك الآن يا أمي لأكون معهم وحيدة !
هل جننت لأفعلها "

*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 04:49 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية