لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 08-05-24, 09:12 PM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,178
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

لا تعلم من منهما أصاب الآخر بالعدوى من كثرة ما نظرا
نحو باب الغرفة المفتوح والغارق في الظلام فالوقت كان
يمضي ويمان لم يرجع بعد وتأففت الجالس هناك تخرج
دون توقف كما تمتماته المتفرقة الغير مفهومة ومتأكدة من
أنه لولا كذبتها بخصوص باب المنزل لكان غادر منذ وقت
وتتفهم وضعه ومخاوفه لأن ضوء النهار كابوس بالنسبة
لأمثاله خاصة هنا في الجنوب الغربي من البلاد والأقرب
نوعاً ما من مدن الثنانيين .

وقف فجأة على طوله مما جعلها تقف أيضاً بينما قال بضيق
ينظر نحو الخارج

" عليّا المغادرة وإن قفزت من الجدار فوقت الفجر
بدأ يقترب "


فتحت فمها وكانت ستقول الحقيقة وتتركه يغادر لأنها آمنت
بأنه على حق ولن تتسبب في الإمساك به ومن ثم موته عند
أحد صخور جبال مدن الثنانيين العالية لكنها توقفت بسبب
باب المنزل الذي أُغلق بقوة حينها وخطوات يمان التي
اقتربت منهم تُسمع بوضوح وكأنه يسحب حذائه على
الأرض سحباً وهذا المتوقع من رجل متعب لم ينم ويحمل
طفل في الرابعة على كتفه .
حين دخل الغرفة تبعته مايرين بالرغم من أنه لن يتركها
تأخذه منه كما فعل مع شقيقه بالتأكيد بينما قالت بقلق تنظر
له وهو يضعه على الفراش بجانبه

" لقد تأخرت ! "

استوى في وقوفه وقال بينما نظره موجه نحو الواقف
مكانه هناك وكأنه يتأكد من وجوده
" اضطررت للذهاب لمنزل صاحب الصيدلية ليفتحها
ويعطيني الدواء "

حينها فقط انتبهت لكيس الأدوية في يده وسرق نظر كلاهما
الذي قال بضيق بينما كان نظره على عيني يمان


" فكرت في طفلاك فقط ونسيت بأنه ثمة من عليه أن
يغادر من هنا قبل طلوع النهار وباب منزلك مغلق عليه "

تبدلت نظرات يمان للاستغراب ونقلها سريعاً نحو مايرين
التي ابتسمت ابتسامة من وقع في مأزق وحركت كتفيها
قائلة

" لم يكن أمامي حل غيره "

وبالرغم من أنها قالتها بصوت منخفض إلا أنها وصلت
للذي شد على أسنانه بغضب وقال

" فعلتها بي إذاً ؟ تباً لك من امرأة "

أمسكت خصرها بيديها تنظر له بغضب بينما كانت نظراته
لها مماثلة وكأنهما يتشاجران بها ولم تستطع قول شيء
بسبب يمان الذي قال بضيق فارداً يديه

" أنهيا هذا الجدال "

وعقد حاجبيه بقوة ما أن عاد ونظر نحوها نظرة كانت
كفيلة بإسكاتها تماماً ، وما أن نقل نظره نحو الفتى الواقف
مكانه تابع من فوره قائلاً بجدية

" لن أمسَّك بسوء وسأتركك تذهب ولن يعلم أحد بما دار
بيننا ودخولك أراضي غيلوان لكن ثمة سؤال عليك أن
تجيب عليه قبل أن تغادر "


كان الانتباه واضحاً في نظرات الفتى وهو ينتظر ما سيقول
وذاك ما جعله يتابع مباشرة

" لما تحوم حول منزلي وما الذي تريده مني ؟ "

تبدلت تلك النظرات في عينيه للحنق فجأة وقال

" طننت بأنه لديك سؤال جديد لم أسمعه واجب عليه
سابقاً "

اتسعت عينا يمان بذهول قبل أن ينظر نحو مايرين في
حركة بدت لا إرادية فرفعت له حاجبيها بمعنى

( أنظر بنفسك لتتفهم موقفي )

ولأنها نالت من لسانه اللاذع أكثر بكثير مما سمع هو
وعلم الآن بالتأكد سبب عدم تحكمها في غضبها ، وما كان
أمامها من حل سوى التحدث وإن كان الطرف المعني بالأمر
يسمعها وقالت بابتسامة مائلة

" لا تفكر في ردها عليه لأنه سيرميك بواحدة أشد منها "

تنهد بضيق وعاد بنظره نحوه وقال معلقاً على حديثه بينما
خرجت كلماته حانقة تعبر عن استيائه

" أعدته لأن الجواب لم يقنعني بل هو ليس جواباً فإن كنت تريد الخروج من هنا عليك قول السبب "

لاذ بالصمت للحظات ينظر لعينيه ولأنه لا مفر لديه وهو
خياره للخروج من هنا قال مستسلماً وإن بكلمات متضايقة

" نحن نعلم عن كل شبر في هذه المزارع ولا نضايق أحداً
ولم أكن أريد مضايقتك ولم أفعل شيئاً أيضاً "

ظهر الضيق واضحاً في صوت يمان حين قال

" اقترابك من منزلي ألا يكفي ؟ هذه حرمات لغيركم عليكم
احترامها "


ظهر الغضب واضحاً في العينان متباينة اللون وتسلل
لصوته ما أن قال وهو يشير بيده نحو الخارج

" من يسمعك يظن بأنني كنت أحاول القفز من سور منزلك
أو دخوله !! كنت أراقب المكان حوله فقط وأنت ليس
المعني ولا زوجتك أيضاً "


وتابع من فوره وبتملق بينما أشار نحو مايرين برأسه وإن
كان ينظر لعيني يمان

" ثم لا تخف على هذه المرأة سوى من فضولها "


اتسعت عيناها بسبب ما قال بينما نقل يمان نظره بينهما
باستغراب قبل أن يعود وينظر أليه قائلاً

" ماذا تقصد بهذا ؟ "

قاطعتهما هي حينها تتهرب من جواب سؤاله الذي لا تضمن
أن لا يجيبه عليه وقالت بضيق تمسك خصرها بيديها


" أنا من تشعر بالشفقة حيال المرأة التي ستكون مستقبلا
زوجة لك "

وما أن نظر ناحيتها غرست أسنانها في طرف شفتها في
إشارة له ليصمت فشد شفتيه بضيق وقال

" لن يكون ذلك أبداً فلن أنجب للحياة طفل يقاسي ما عانيت
أنا منه "


وغادر على الفور ناحية الباب ونظراتها الحزينة تتبعه
تشعر بالشفقة حياله فهو على حق فلن يكون مصير طفل
ينجبه سوى مأساة تشبه مأساته حتى أنه فقد جميع أحلامه
كطفل وكرجل .

بينما كانت النظرات التي ودعه بها يمان مختلفة تماماً
مدججة بالاستغراب ومليئة بالتساؤلات والتي ما أن سمع
صوت الباب الخارجي يغلق بقوة بعد مغادرته نقلها نحو
مايرين وقال

" ما معنى ما قال ومن هم الزهريين الذين تحدثتِ معه
عنهم سابقاً ؟ "

انتقلت نظراتها الشاردة بحزن لعينيه وقالت

" القصة يطول شرحها لكنهم الفئة الوحيدة التي تعاني
في هذه البلاد مع الحرب أو بدونها "

حرك رأسه بعدم فهم وقال بنفاذ صبر

" يمكنك قول ما يجعلني أفهم منها "

تنهدت باستسلام وقالت

" ثمة جبال تحيط مدن الثنانيين من الناحية الشمالية
تسمى جبال ثنان وثمة حضارة قديمة جداً كانت هناك شبه
منتهية سوى من بقايا أعمدة بسيطة متفرقة ، ووسط
صخور تلك الخبال يوجد كنوز مدفونة منذ تلك الحقبة وقد
قام من دفنها باستخدام الجن لحراستها عبر الأزمنة دون أن
يجرؤ بشري على لمسها وإن كان يعلم مكانها فسيتعرض
للأذى منهم ولهذا يلجأ مهربون الأثار للسحرة للتفاوض مع
تلك الجنود ألا مرئية ، وكالمعروف عنها فإن شياطين الجن
لا تقدم للبشر أي خدمات دون مقابل والمقابل بالطبع ليس
مادي هو أمر يمس الدين دائماً ، ومن أجل تلك الكنوز
تطالب بدماء بشرية وتحديداً الزهريين الذين اطلق عليهم
هذا الاسم نسبة لدمائهم المائلة للون الزهري ويميزهم لون
العينان المتباين كما رأيت في ذاك الفتى وهم نتاج أب ثناني
وأم عربية أو العكس ، ولا يكون المولود زهرياً إلا فيما ندر
فيمكنك تخيل كم من علاقات غير شرعية تقام من أجل هذا
بسبب رفض الثنانيين الزواج الشرعي مع العرب ؟ وكم من
مكاسب معنوية لدى شياطين الجن من هذه المعاصي التي
تبدأ بالزنا وتنتهي بالقتل "
توقفت عند ذلك فهي شرحت له الأمر في أبسط صورة
ممكنة ، وبالرغم من صمتها إلا أنه كان كما يبدو لم يغادر
دهشته بما سمع حتى ظنت بأنه لن يقول شيئاً لكنه تمتم
فجأة وبعدم تصديق

" ما كل هذه الخرافات يا مايرين ! "

حركت كتفها تلوي طرف شفتيها في صمت بادئ الأمر فهي
تفهم وتعذر هذا وتتفهمه لأنه أمر يصعب تصديقه ، ولأنه
من طلب وألح على معرفته قالت موضحة أكثر

" قد تراها خرافات لأنك لم تكن تعيش في الحالك لتسمع
عنها لكنها حقيقة موجودة وذاك الفتى دليل حي أمامك ،
وبالرغم من عيشي هنا فهذا أول زهري أراه في حياتي
لندرتهم وصعوبة نجاتهم من القتل بعد ولادتهم مباشر ، ولم
يستطع ذاك الفتى أن يثق بنا لأنه إن فكرت في بيعه
للباحثين عن أمثاله فستجني ثروة هائلة بذلك فهو لا يمكنه
الوثوق بأحد ، وكان خائفاً من طلوع النهار وهو محتجز
هنا لأن مغادرته حينها فيها هلاكه المحتم "


حرك رأسه بضياع وهمس بشرود وإن كان ينظر لعينيها

" وكأنني أسمع قصة من الخيال "

ابتسمت بسخرية وقالت

" تشبه الخيال نعم لكنها حقيقة لطالما سمعت عنها ومنذ
صغري "


وشردت عيناها في الفراغ متابعة

" كان ثمة عجوز تسكن حدود بلدة حجور وكانت معها
طفلة تساعدها في عملها في توليد ومعالجة النساء وقت
الحرب ، أعتقد بأن اسمها كان دانيا أو ما شابه وكانت تلك
الطفلة تُعرف بقطعة الجلد التي تغطي عينها والجميع يظن
بأنها تعرضت لحادث وفقدتها كما قالت تلك العجوز ، لكن
بعد اختفائها بسبب اختطاف والدتها لها قالت تلك العجوز
بأنها زُهرية وأنّ والدتها تريد بيعها "


" والدتها !! "

همس بتلك الكلمة بعينين متسعة من الصدمة فرفعت نظرها
له وقالت ساخرة وإن بمرارة

" ستكون أنجبتها لذاك السبب أساساً فلما لا تفعلها ؟ "

تخللت أصابعه شعره يتنقل نظره في المكان بتشتت وكأنه
يحاول استيعاب كل هذا أو تصديقه وظهر دليل ذلك ما أن
همس ولازال ينظر للفراغ بضياع وحيرة

" الأمر معقد ويصعب فهمه قبل محاولة استيعابه !! "

وتابع سريعاً وهو يرفع نظره لها مجدداً

" وماذا عن جرحه ؟ "

قالت من فورها

" توقف النزيف كما أنه قال بأن الألم في رأسه يخف
تدريجياً أي لا مشكلة في الجمجمة بالتأكيد "


وتبدلت ملامحها للتوجس ما أن علا الاستغراب نظراته
وبدأت ضربات قلبها بالتصاعد وكأنه توقع سؤاله التالي
حين قال ينظر لعينيها

" لازلت أتسائل عمّن علمك التمريض ؟ "

شعرت بالارتجاف يعلوا جسدها من أخمص قدمها وصولا
لمنابت شعرها وتلعثمت وهي تحاول التبرير قائلة

" إنها ... هي ... "

واندفعت الكلمات منها بسرعة ما أن وجدتها أخيراً

" جارة لنا علمتني كل هذا لأني كنت أتعرض لحوادث كثيرة
بسبب عملي مع زوجة شقيقي جسار في المطبخ "

" وما اسمها ؟ "


بادرها بالسؤال التالي بسرعة خاطفة لم تتوقعها حتى فقدت
التركيز والإدراك لبرهة وهي تقول ببلاهة

" زوجة جسار ؟ "

قال بضيق

" لا بل الطبيبة بالطبع "

حاولت جاهدة إخفاء دهشتها بل خوفها وتوترها فجميع
المشاعر انتابتها حينها وإن كانت تحاول عبثاً فمن كان
ينظر لعينيها بجمود منتظراً حينها يعلم الجواب سلفاً لكنه
ينتظره منها رغم يقينه من أنها لن تجيب لأن ذلك معناه
الاعتراف بكل شيء وبلعبتهما تلك أمامه خاصة أنها
لازالت تتجنب الكذب عليه وقالت حقيقة عيشها بجوار
منزلهم وإن لم تقل اسمها .

كان ينتظر بصبر طويل يريد أن يعلم نهايته ويعلم مؤكداً
بأنه يمضي ببطء شديد مؤلم عليها فقدت معه القدرة على
النطق وحتى التفكير ، أنين جاد الذي تخلل الصمت
المشحون بينهما كان هو ما أنقذها هذه المرة وأضاع
الفرصة من شقيقه للوصول لمرادة وما جعلهما يتوجهان
نحوه معاً فكان يهذي دون توقف منادياً والدته وهو ماجعل
عيناها تدمع وهي تحضنه قائلة

" أنا هنا لا تخف "

تحرك يمان حينها ناحية كيس الأدوية وفتحه قائلاً

" مؤكد يمكنك إعطائه حقنة خافض الحرارة "

نظرت له وقالت ويدها تمسح على ظهر الصغير المتعلق بها

" أجل فقط عليك مساعدتي بتثبيته "

*
*
*


حين وصلت سيارته شوارع لندن المزدحمة كانت وجهته الأولى
هي الشقة التي غادرها صباحاً أو قبل ساعات قليلة تكفي لرحلة
بريستول ذهاباً وإياباً ولولا الضرورة ما كان ليفعلها لذلك عليه
رؤيتها أولاً وقبل زيارة مكتبه .

حين وصل الباب الذي لازال الحارسان موجودان أمامه وقفا
مجدداً في وجهه وقال أحدهما

" أخبرناك سابقاً بأنه لا يمكنك الدخول "

ابتسم وقال فارداً يديه

" لكني صاحب الشقة "

لكن ذلك يبدو لم يعجب الذي أشار له برأسه قائلاً بضيق

" أتلهوا معنا يا فتى "

أومأ برأسه متقبلاً إهانته تلك وهو يخرج بطاقة الباب من جيب
سترته ورفعها أمامهما قائلاً

" ها هو مفتاحها لدي فتنحيا جانباً رجاءً لا وقت أمامي "

قال الواقف أمامه مجدداً

" جلبك لمفتاح الباب لن يجعلنا نقتنع بما تقول "

تأفف بنفاذ صبر ودس يده في جيب سترته الداخلي وأخرج
بطاقته منها ورفعها أمامهما فتنحيا بسرعة وبحركة واحدة وقال
الذي استلم وحده مهمة التحدث منذ وصوله

" المعذرة سيدي نحن مكلفان بأوامر محددة ولم نكن نعلم
عن هويتك "


أعادها لجيبه قائلاً

" لابأس وأحسنتما صنيعاً "

وما أن دخل وأغلق الباب واجتاز الممر القصير الذي يفصله عن
بهو الشقة وقف ينظر للتي كانت تجلس على طاولة الطعام وفي
يدها كوب قهوة بينما تمسك بالأخرى شوكة تحاول أن تقطع بها
الكرواسون المغطى بصوص الفستق موضوع في الطبق أمامها
فابتسم رغماً عنه واقترب من مكانها قائلاً

" لا يأكلونه هكذا يكفيك تعذيباً لها "

رفعت نظرها له حينها وقالت بضيق

" أين كنت ؟ "

قال ولازالت شفتاه تحتفظ بابتسامتها بينما أمسك خصره بيديه من
تحت سترته المفتوحة

" هل أعتبرها جلسة تحقيق ؟ "

تجاهلت ما قال وهي تقف قائلة وبذات نبرتها المتضايقة

" أخبرتني البارحة أنك لن تغادر "

تركت يداه خصره قائلاً

" أجل وهذا ما كنت أخطط له بالفعل لولا حدث أمر طارئ جعلني
أغادر وتركت رجلا أمن عند الباب ومفاتيح الشقة جميعها لدي "


لم تعلق كما لم تبعد نظرها عن عينيه فنظر للساعة في
معصمه وقال

" سأستحم وأغادر لمكتبي هنا هل ترافقينني ؟ "

وما أن طال صمتها رفع رأسه ونظر لها فانحنت قليلاً وحملت
الطبق وقالت ببرود مغادرة مكانها

" لا داعي لذلك "

وتوجهت ناحية السلالم المؤدي للغرف ونظره يتبعها باستغراب ،
ما بها غاضبة هكذا !! مؤكد ليس بسبب خروجه من هنا !
لابد وأنها لازالت تأخذ الأدوية التي تساعدها على النوم لذلك
عاد المزاج الذي يعرفه سابقاً ومؤكد لن تتركها قريباً إن كان
من قتل نجيب يهدد حياتها درجة أن تصمت عنه كما حدث مع
جريمة شقيقها !

تنهد بقلة حيلة وتحرك من مكانه أيضاً وفي ذات الاتجاه وغادر
بعد حمام سريع وكان باب غرفتها مغلقاً كالمعتاد .

حين وصل مكتبه كان الوقت قد تجاوز الظهيرة ، وما أن فتح بابه
وقف الجالس خلف حاسوبه الشخصي وقال ينظر له مبتسماً

" لقد انتهيت للتو "


اغلق الباب واقترب منه قائلاً بترقب

" وماذا وجدت فيه ؟ "

نظر للشاشة المقسومة لأربعة أجزاء أمامه تعرض صوراً لأبعاد
مختلفة وقال

" لا شيء يدعوا للريبة يا وقاص "

وقف بجانبه ونظر لها أيضاً هامساً باستغراب

" متأكد ؟! "

نظر له وقال

" لا شيء أبداً سوى حركة الحرس ولم يقترب أيّا منهم من
جدران القصر "


نظر لعينيه بتفكير للحظات لأن عقله ابتعد كلياًّ عن مكانهما لبرهة
وقال أخيراً والحيرة تملأ عينيه

" ولا أجزاء ناقصة في التسجيلات ؟ "

حرك رأسه وقال

" لا .. جميعها سليمة تماماً وتوقيتها صحيح "

حرك رأسه بضياع متمتماً

" لا يمكن هذا "

غضن الواقف أمامه جبينه باستغراب قائلاً

" ماذا حدث ؟! "


أشار بيده جانباً وقال بتشتت

" ثمة متسلل .. لكن كيف سيدخل إن لم يجتز أسوار القصر !! "

نظر له بتفكير لبرهة وقال

" قد يكون من الداخل ؟ "

حرك وقاص رأسه ينفي الفكرة وقال

" مستحيل فلا رواح ولا والدي ولا حتى جدي لهم شعر
طويل !! "


أمال شفتيه في حيرة قبل أن يقول

" ألا توجد آلات مراقبة داخلية ؟ "


قال بشرود وإن كان ينظر لعينيه

" لا ... لأن جدي كان يرفض ذلك "

" ولما ! "


قالها ذاك مباشرة وباستغراب فحرك وقاص كتفيه متمتماً

" يرى الأمر تعدي على الخصوصيات ولأننا لم نتعرض لحوادث
مريبة يوماً "


رفع حاجبيه مستغرباً وفرد كفه قائلاً

" كان بإمكانكم وضعها في أماكن غير غرف النوم خاصة بعد
جريمة مقتل شقيقك "


وراقبت نظراته الذي رفع رأسه عالياً وأخرج الهواء من صدره
في تنهد طويل وقال

" لا أعلم كيف يمكنني تفسير هذا يا آنسون !! "

قال تلك الكلمات بما يشابه اليأس وكأنه يعلن انهزامه أمام ذاك
الأمر المعقد فقد كانت أفكاره تتشتت وتضيع تدريجياً يحاول أن
يجد تفسيراً منطقياً لما يحدث بينما عاد نظره الشارد ليلتصق
بالذي لامست أصابعه لحيته البنية الخفيفة ينظر للفراغ بتفكير
قبل أن يقول بصوت خفيض شارد

" ممرات وأبوب سرية مثلاً ؟ "

لم يستطع وقاص إمساك ضحكة قصيرة تحررت من شفتيه
المتجهمة وقال

" تمتلك مخيلة واسعة "


نظر له الذي لم يعجبه ما قال معلقاً بضيق

" فسر لي الأمر إذاً ؟ "


ولم يترك له المجال ليتحدث وقد تابع من فوره وبكلمات جادة
ينظر لعينيه

" هل تعلم تاريخ بنائه مثلاً ؟ وهل تملك خارطة هندسية له ؟ "

حرك وقاص رأسه بالنفي وعدم الاقتناع معاً وقال بحركة خفيفة
من كتفيه

" نحن نعيش فيه منذ كنت طفلاً ولم أرى يوماً الخرافات التي
تتحدث عنها "

وتابع من فوره ملوحاً بيده بعدم اهتمام

" هذه أفكار مجنونة وأبعد عن الواقع "

أومأ الواقف أمامه برأسه في صمت بينما شرد بنظره في الفراغ
بتفكير عميق وكأن الفكرة لم تغادره بعد ومقتنع بها تماماً لأنه
يعلم جيداً الحقبات التي مرت بها بلاده وكيف قد يفكر من عاشوا
في مثل تلك القصور قديماً ووقت الحروب خاصة .

كان سيقول شيئاً لكنه توقف فجأة بسبب باب المكتب الذي انفتح
على اتساعه وهو ما جعلهما ينظران له بحركة سريعة وكانت
الصدمة من نصيب وقاص الذي همس ما أن رأى الواقف أمامه

" جدي !! "

والتصقت نظرات كليهما بالذي تقدم نحو الداخل عدة خطوات حتى
أصبح لا يفصله عنهما إلا القليل ونظر لعينيه بغضب قائلاً

" أين أخذت الفتاة ؟ "

شد على أسنانه بقوة وشتم بهمس قبل أن يقول

" فعلَتها تلك المرأة وأخبرتك إذاً "

صرخ فيه من فوره يشير بعصاه جانباً

" وهل تريد للجميع أن يتستر على أفعالك ؟ "

أشاح بوجهه جانباً وفي صمت ووقع نظره على آنسون الذي كان
يشاهد ما يحدث أمامه بعينين ذاهلة وقد ابتسم فجأة وقال

" يبدو أن عليّا المغادرة "

وتحرك من مكانه على الفور قائلاً

" أراك لاحقاً "

وغادر المكتب مغلقاً بابه خلفه ومخلفاً صمتاً مريباً لم يدم لأكثر
من ثواني معدودة قبل أن يقول وقاص وقد عاد بنظره للعينين
المشتعلة أمامه

" جدي أنت ... "

وتوقفت كلماته ما أن صرخ مقاطعاً له

" أنا لست جدك وأعد الفتاة فوراً يا وقاص أو فعلتها بنفسي
وعلى طريقتي التي لن تعجبك بالتأكيد "

بادله الصراخ بالمثل حينها فهو بات فعلياً يفقد كل شيء وحتى
صوابه إن كان الأمر يخصها

" زيزفون هي من طلبت مني هذا وإدخالها للمصح ليس حلاً ،
عليك أن تقتنع بهذا وبأني لن أسمح بحدوثه "

كانت النظرات المشتعلة هي الرسائل الصامتة المتبادلة بينهما
لوقت وكأن كل واحد منهما يقول للأخر لن تجبرني على تغيير ما
أقول وما أفعل ، وما أن كان سيتحدث وبما بات يعرفه جيداً سبقه
قائلاً بجدية ينطر لعينيه

" جدي ثمة قاتل يدخل القصر ويخرج ولا أحد يعلم عنه
وزيزفون خائفة ولا تتحدث "

توقع أن ينعته بالكذب أو الجنون أو أي صفة من الصفات التي
يتحفه بها مؤخراً لكنه فاجأه بأن تجمدت ملامحه كما عيناه
المتسعة فتابع دون أن يحاول تفسير ذلك

" لا وجود له في آلات المراقبة الخارجية بينما رأته جمانة
وأسماء أيضاً في جناحها وكأنه يخترق الجدران "

توقع منه أن يقول أي شيء ومهما كان بعد أن سرد عليه ما
حدث وأن يساعده على فك رموز هذا اللغز الذي بات يؤرق نومه
وصحوته وهو يواجهه وحيداً لكن ما قاله لم يصل له أي بُعد من
تصوراته وهو يدير ظهره له قائلاً بغضب من بين أسنانه

" تباً لك مطر شاهين "

وهو ما جعل عيناه تتسع على أقصاها وتبعه بخطوات
مسرعة قائلاً

" جدي انتظر ماذا يحدث ؟ وما علاقة مطر شاهين بهذا ؟ "

لكنه لم يتوقف ولم يهتم لنداءاته حتى غادر مبنى النيابة وركب
سيارته وأمر سائقها بالتحرك دون أن يهتم للذي كان يناديه حتى
اختفت سيارته عنه ينظر لمكانها بعدم تصديق فلم تغادره كلماته
بعد وها هو يعيدها للمرة الثانية ويتهم ذات الشخص وفيما يخص
زيزفون تحديداً فالأولى كانت حين علم عن شقيقها التؤام !!


*
*
*

ما أن فتحت عيناها تحركت حدقتاها بشكل دائري ونظرت حولها
تغضن جبينها باستغراب واحتاج عقلها لبعض الوقت لتذكر ما
حدث وأين هي الآن ! لامست يدها نعومة الغطاء المصنوع من
الفراء الناعم الذي كان يغطي جسدها ونظراتها معلقة بالسقف
وكأنها تتأكد من أن وجودها هنا حقيقي ! .
جلست حين ارتبط عقلها بالواقع وأبعدت شعرها للخلف بعيداً عن
وجهها تستغفر الله بهمس خافت ونظرت ناحية النافذة التي
لازالت مغطاة بستائر ثقيلة لا تسمح لأي نور بالتسلل من خلالها
جعلت الغرفة غارقة في الظلام التام ، نظرت ناحية هاتفها وتأففت
ما أن تذكرت بأنها لم تغير توقيته بعد وصول طائرتهم لكنها
تشعر بأنها نامت جيداً وبما أنها لم تنم إلا بعد سماعها أذان الفجر
فستكون نامت لوقت طويل !.

غادرت السرير وتوجهت ناحية الستائر وأبعدتها وفتحت النافذة
وكانت النسائم المحملة بعبق الزهور في استقبالها ممّا جعلها
تبتسم مغمضة العينين بادئ الأمر ، وما أن فتحتهما أخرجت
رأسها قليلاً تنظر للسماء وشهقت مصدومة ما أن رأت الشمس
في كبدها ممّا يعني بأنه وقت الظهيرة ..!! هذا إن لم تتجاوزه .

توجهت ناحية الحمام بخطوات شبه راكضة وغادرته خلال
لحظات ولبست سترتها ومشطت شعرها بحركة سريعة ثم توجهت
نحو باب الغرفة وفتحته وهناك بدأ العالم حولها بالتباطؤ وكأنها
ليست من كانت تركض قبل قليل كتلميذة مدرسة فاتها وقت
الذهاب لها .

وقفت أمام الباب تدير رأسها كما مقلتيها السوداء في المكان
بتردد فالصمت هنا مميت وكأنها لوحدها موجودة فيه ! أو هكذا
خيل لها فما أن تجاوزت الباب بخطوتين ظهرت من بداية الممر
الخادمة التي توجهت نحوها تحمل أغطية وشراشف مطوية في
يديها ، وما أن وصلت لها توقفت وابتسمت مومئة لها برأسها
وقالت باحترام

" مساء الخير سيدتي "

أجبرت شفتيها على اهدائها ابتسامة مماثلة وقد تأكدت الآن بأنها
نامت حتى المساء وتشعر بحرج كبير من الخادمة فكيف سيكون
الأمر مع البقية ؟
كانت تصارع لسانها لطرح السؤال الذي ولحسن حظها أن
الواقفة أمامها أجابت عليه من نفسها قائلة وذات الابتسامة
تزين شفتيها

" السيدة جوزاء في الأسفل "

أومأت برأسها مبتسمة في صمت بينما تابعت المرأة الخمسينية
قائلة بوقار شديد

" إن قررت النزول سأقوم بترتيب الغرفة وتغيير الأغطية "

همست مبتسمة وكأنها روبوت مبرمج

" شكراً لك "

قالت الواقفة أمامها

" هل تتناولين الفطور هنا أم في الأسفل ؟ "

خرجت منها ضحكة صغيرة محرجة وقالت

" أي فطور هذا وقت المساء ؟ "


ضحكت الخادمة دون أي قيود وقالت

" السيدة جوزاء منعت الجميع من إزعاجك "

وتابعت مباشرة ترفع يديها المليئة بالأغطية بحركة خفيفة

" حتى أني سأرتب غرف الفتيات الآن وقت الظهيرة "

قالت بابتسامة خجلة

" نمت في وقت متأخر البارحة "

كان الإحراج من نصيب الخادمة حينها وقالت معتذرة وموضحة

" أعتذر سيدتي لم أكن أقصد إحراجك وأعلم كالجميع بأن
طائرتكم وصلت في وقت متأخر ، نحن هنا في خدمتك تنامين
وتستيقظين متى ما أردتِ ذلك "

ابتسمت لها بارتياح وقالت

" شكراً جزيلاً لك "

أومأت لها مبتسمة وقالت

" المعذرة منك سأدخل غرفة الآنسة يمامة لترتيبها "

أومأت لها أيضاً وفي صمت وعيناها تتبعها في حيرة وهي تدخل
الغرفة المجاورة لغرفتها فهي لم تقل بثينة أي ستكون تلك الفتاة
التي قابلتها البارحة في الشرفة !
هل لديهم قريبة تعيش هنا معهم ؟! تنهدت في حيرة وتحركت من
هناك ونزلت السلالم بخطوات بطيئة تنظر نحو الأسفل منحنية
قليلاً حتى ظهر لها جسد جوزاء الواقفة توليها ظهرها تتحدث في
هاتفها بصوت لم تسمعه بوضوح ، وما أن استدار جسدها قليلاً
نحوها اعتدلت في وقوفها وابتسمت وإن بتوتر ما أن وقع نظرها
عليها وقد أهدتها ابتسامة حقيقية ونظرها لم يتركها وهي تنزل
باقي العتبات بينما كانت ما تزال تتحدث في الهاتف حتى أصبحت
في الأسفل حينها أبعدته عن أذنها فقالت بضحكة صغيرة محرجة
وهي تقترب منها

" لا يمكنني قول صباح الخير ... لِما تركتني أنام كل هذا
الوقت عمتي ؟ "

وما أن وقفت أمامها لامست يد جوزاء ذراعها وقالت مبتسمة

" لأنك متعبة بالتأكيد ولا ضرورة لإيقاظك مبكراً "

وتابعت من فورها تبعد يدها عنها

" كيف كانت ليلتك ؟ "

ابتسمت وقالت

" نمت بعد الفجر لكنه كان نوماً مريحاً للغاية "

كانت جوزاء ستتحدث لولا أوقفها باب المنزل الذي فُتح فجأة
وسرق نظر كلاهما وكنانة تحديداً وهي ترى الفتاتان اللتان دخلتا
منه ترتديان الزي المدرسي وحجاب ناصع البياض وتحمل كل
واحدة منهما حقيبة مدرسية على كتفيها وقد وقفتا كلاهما
ونظرهما موجه نحوها تحديداً ، وبالرغم من أنها لم ترى بثينة
سابقاً إلا أن فضولها لم يدفعها لرؤيتها ونظرها قد تركز على
صاحبة الوجه الدائري والعينان الواسعة الحزينة تميزها الأحداق
الرمادية الكبيرة المستديرة والجفنان المائلان قليلاً ، وتبدلت
نظرتها للاستغراب ما أن تحرك ذاك الجسد النحيل بخطوات
مسرعة نحو السلالم يداها تمسكان بقوة بحزامي حقيبتها المثبتة
على كتفيها !! حتى أن رأسها ارتفع معها وهي تصعد السلالم
وحال جوزاء لم يكن مختلفاً عنها ولا بثينة أيضاً بالرغم من أن
خطوتها كانت تتحرك نحوهما ، واستطاعت سرقة نظرهما ما أن
وصلت وقالت مبتسمة تنظر لكنانة

" مؤكد أنتِ زوجة غيهم ؟ "

ابتسمت لها بحبور وقالت

" وأنتِ بالتأكيد بثينة "

قالت بضحكة

" أصبتِ "

وسلمت عليها تقبل خداها وقالت ما أن ابتعدت عنها بحماس
وابتسامة متسعة

" هل تحبين مشاهدة الأفلام والبرامج الغنائية ؟ "

" بثينة !! "

كان ذاك صوت جوزاء الغاضب محذراً فنظرت لها وقالت
بضحكة مشاكسة

" حسناً أمي أنا فقط أطمئن على رفيقتنا خلال الأيام القادمة "

نقلت كنانة نظرها بينهما باستغراب ليس فقط بسبب حديثها
السابق عن الرفقة خلال الأيام القادمة بل والأفلام وبرامج
التلفاز ! لكنها لم تحصل على أي أجوبة وقد قالت جوزاء بضيق
تنظر لابنتها

" ابتلعي لسانك وأخبريني ما بها يمامة ؟ "

حدقت فيها بصمت فقالت حانقة

" تكلمي لا تنظري لي هكذا كالبلهاء "

حركت حينها يديها وقالت تمسك ضحكتها

" كيف سأتحدث وأنتِ طلبتِ أن أبتلع لساني "

وانطلقت حينها الضحكة التي كانت تخفيها وهو حال كنانة التي
جاهدت أن لا يخرج صوتها بينما غطت شفتيها بظهر أصابعها
محرجة ما أن رأت الغضب في عيني جوزاء التي لم تبعد نظرها
عن ابنتها وقد قالت مجدداً وبحزم آمر

" ما بها يا بثينة ؟ "

حركت كتفيها وقالت

" لا أعلم حقاً "

قالت جوزاء والضيق لم يغادر صوتها بعد

" كيف لا تعلمين ؟ ألم تكونا معاً أم أنك تتركينها وحيدة
في المدرسة "

اتسعت عيناها بذهول وقالت بكلمات مندفعة

" أبداً أمي فهي لا تبتعد عني أساساً ، ألا تعلمين بأنه لا صديقات
لديها هناك "

شدت شفتيها بضيق وقالت ما أن حررتهما

" هل تكرر الموقف السابق ؟ لقد نبهت معلماتها جيداً "

حركت رأسها بالنفي وقالت

" لا لم يتكرر بل وسألتها أستاذة الرياضيات والعلوم أيضاً إن
كانت تريد الإجابة وحل المسائل لكنها رفضت بل ولم تكتب ولا في
ورقة كالمرة السابقة ولم تتحدث اليوم مطلقاً !! "

تبدلت نظرات جوزاء للاستغراب ولاذت بالصمت في لحظة تفكير
قبل أن تقول بنظرة تشكيك

" هل تقابلت وأبان اليوم أو البارحة ؟ "

اتسعت عينا ابنتها مجدداً وقالت باستغراب

" أبان ليس هنا أمي "

تنهدت حينها بضيق وتمتمت ببرود تومئ برأسها

" أجل كيف نسيت هذا !! "

وتابعت من فورها ترفع سبابتها بينهما بتهديد

" إن علمت بأنك من ضايقها يا بثينة سيكون عقابك شديداً "

شهقت بصمت وقالت بكلمات متضايقة

" أمي هل سبق وفعلتها مثلاً ؟ أنا ابنتك ولست متبناة من
ملجأ للأيتام "

رمقتها جوزاء ببرود وقالت

" أتمنى هذا "

حدقت فيها ببلاهة وقالت

" أن كنت متبناة !! "

عادت كنانة لإمساك ضحكتها بينما صرخت جوزاء بغضب
في ابنتها

" بثييينة "


فقفزت في مكانها وركضت ضاحكة باتجاه السلالم بينما تنهدت
جوزاء بضيق تراقبها وقالت

" ستصيبني بالجنون هي وشقيقها ذاك "

بينما اكتفت كنانة بالابتسام في صمت تنظر لها ونظرها لازال يتبع
خطوات ابنتها التي كانت تقفز عتبات السلالم وكأنه بيانو ضخم
وتحار فعلياً في أمر هذه المرأة فبقدر ما هي رقيقة ولبقة حازمة
وصارمة واجتمع النقيضان !! تعامل أبنائنا بحزم بينما تعامل
الغرباء بمحبة فياضة !!

اختفت الابتسامة التي كانت تزين وجهها ولم تشعر بها ما أن
نظرت لها وقالت

" المعذرة منك يا كنانة فيمامة فتاة لبقة ورقيقة ولا تفعل هذا
وتتجاهل أحداً "


أومأت برأسها مبتسمة وقالت

" لا بأس عمتي أنا لست غاضبة ولا مستاءة "

وترددت قليلاً قبل أن تقول

" وجدتها البارحة جالسة في الشرفة وكانت تبكي "

ظهر الحزن واضحاً على عيني وملاح جوزاء وقالت ونظرها
ينتقل لأعلى السلالم

" يا لصغيرتي الحبيبة ، مؤكد تفكر في أخوها وشقيقاها
الصغيران وما حدث مع والدها "

كانت نظرات كنانة الحائرة ملتصقة بملامحها ليس فقط لأنها ترى
وجه آخر لهذه المرأة نادرة الوجود وهو الحزن الحقيقي العميق
بل وبسبب ما قالت عن الفتاة المجهولة عنها حتى الآن ! وقالت
نهاية الأمر ترضي فضولها

" ما علمته أن ابنتك الأخرى صغيرة هل يمامة قريبة لكم ؟ "

نظرت لها وقالت وبكل بساطة

" إنها زوجة أبان "

" ماذا !! "

خرجت منها تلك الكلمة بصوت مرتفع مصدوم وعيناها تكاد
تخرج من مكانها مما جعلها هي أيضاً تستغرب في نفسها ذلك
وقالت محرجة

" المعذرة منك لكن الأمر مفاجئ لي وهي صغيرة و.. "

وضاعت منها الكلمات أمام جمود ملامح جوزاء والتي فاجأتها
بان لانت فجأة وقالت

" أفهمك يا كنانة .. "

ولاذت بالصمت لبرهة قبل أن تتابع بهدوء وكلمات متزنة
واثقة تشبهها

" هي شقيقة صديق أبان المقرب وحين ألححت عليه في أمر
الزواج قال بأنه يريدها لكنه يريد انتظارها لتكبر ولأن تلك المدن
الزراعية يزوجون بناتهن في سن مبكر عقدنا لهما فقط وحين
احترق منزلهم وحدثت أمور عدة جلبتها إلى هنا لتعيش معنا
كابنة لي حتى يكون الوقت الذي تصبح فيه مستعدة للزواج "


قالت الحقيقية وإن كانت ناقصة فلن يعلم أحد غيرها وأبان حقيقة
ما حدث وبأنه اتخذها حجة كاذبة وهي حاصرته بها ، وحين طال
صمت كنانة التي كانت وكأنها في بُعد آخر قالت جوزاء مبتسمة
تنظر لعينيها المحدقة فيها بتفكير

" لا يبدوا أنك مقتنعة بهذا "


أجفلت مصدومة وقالت

" لا أبداً أنا فقط أحار كيف أن ابنك أحبها واختارها زوجة له
وهي في هذا السن !! "


حركت جوزاء كتفيها وقالت بضحكة صغيرة

" تحدث كثيراً وكم من ربى طفلة أحبها فيما بعد وتزوجها "


ضحكت وقالت

" أجل معك حق "

وتابعت من فورها بصوت باسم

" بعض الفرص لا يجب تركها تضيع منا ويبدو أنها فتاة هادئة
ومهذبة وستكون امرأة رائعة الجمال "


ابتسمت جوزاء بحب وقالت

" أجل .. سبحان الله الذي وضع حبها في قلبي من أول يوم
رأيتها فيه وهو ما جعلني أقرر ذلك دون تردد "


ورفعت يدها ومسحت بها على ذراعها وقالت بسعادة

" كم أحمد الله أني زوجت كلا ولداي بمن أريد وكما أتمنى "

شعرت كنانة بمشاعرها تتعاضم ناحيتها وأمسكت بيدها
وقبّلتها وقالت

" بارك الله لنا فيك "

ابتسمت لها بحب وكانت ستتحدث لولا باب المنزل الذي انفتح
مجدداً وكان غيهم الداخل منه حينها فهربت بنظرها منه دون
شعور بينما سمعت الواقفة بجانبها تقول بضيق

" حتى وقت الظهيرة لتأتي ؟ "

قال حينها ببرود وهو يغلق الباب

" أخبرتك منذ البارحة بأنه عليا زيارة السفارة البريطانية أولاً ،
ثم كان عليّا جلب الفتاتين من المدرسة نيابة عن أبان "


وقال آخر كلماته بضيق ولم يكتفي بذلك وقال وقد عاد لوضع
البرود القاتل وهو يتوجه نحو السلالم

" ثم نحن لسنا ملزمين بأن نكون هناك قبل صياح الديك "

وصعد عتبات السلالم بخطوات واسعة ونظرات كنانة الغير
مستوعبة تتبعه وكأنها تقول ( ما هذا بحق الله !! ) هل هذا الذي
حددت والدته مصيره وهو نفد دون اعتراض ؟!
إن كان سيد قرارته فكيف سيكون ! أجل معه حق يغضب فهو
يجلب الزوجة التي أرغمته عليها بدلاً من التي يريد هو .

" قد يبدوا لك وللجميع بأنه رجل بارد متعجرف لكنه يملك قلباً
بنقاء الماء "

جعلتها كلمات جوزاء الباسمة تلك تنظر لها مصدومة قبل أن
يتبدل الأمر لابتسامة محرجة مع مزيج غريب من الاستغراب
بينما تابعت جوزاء دون أن تهتم لتقلبات ملامحها كما يبدو وقالت
بكلمات باسمة

" غيهم الأكثر براً وإطاعة لي بين أبنائي لكنها جينات عائلة
الشاهين لا مفر منها "

وأتبعت كلماتها بضحكة وقالت وتأثيرها لم يغادر شفتيها

" ما أن تعيشي معه ستعرفينه أكثر فهو إن أحب شخصاً يحبه
بصدق لا يتخلى عنه ولا يُقصر في حقه ويهبه وإن على حساب
نفسه "
سيطر الحزن على عيني كنانة وإن ادعت الابتسام وأنزلت رأسها
للأسفل تخفي عنها لمعان الدموع فيهما بينما كانت تشد يداها
بقوة آلمتها ، أرادت أن تسأل لما لم تتركيه يتزوج المرأة التي
أراد ويحب وحكمتِ عليه بالتعاسة وهو يعيش مع امرأة لا يريدها
وحكمتِ عليها بأقسى من ذلك لأنه لا يبادلها مشاعرها القوية
نحوه ؟ وبما أنه يحب بصدق ولا يخون من أحب فقدت حكمتِ
عليها أيضاً بالعيش ذليلة تحت رحمة مشاعرها تلك ما عاشت .
لا بل هي لن تسمح بذلك وستغادر عمّا قريب وهذا ما هو واضح
جداً أمامها وسيكون بقرار منه أيضاً .

تذكرت فجأة وبحزن قبلته لوجنتها في المطار والكلمات التي
قالها عن سرير يجمعهما وشعرت بجسدها يتعرق خجلاً
وتساءلت في حيرة لما يقول هذا وهو يحب امرأة أخرى ومجبر
عليها كما قال ؟! ألا يحترم حبه لها وشغفه بها على الأقل !!
أهكذا هم الرجال تتغلب المتعة على مشاعرهم لتكون امرأة مكان
أخرى متى أراد دون اعتبار لمشاعر كليهما ؟ .


" كنانة !! "


رفعت رأسها ونظرت ترمش بعينيها لجوزاء التي كانت تحرك
رأسها لها مبتسمة بمعنى ما بك فقالت محرجة

" آسفة لقد شردت قليلاً "

قالت جوزاء بعد ضحكة صغيرة

" لا تفكري كثيراً فيما قلت حياتكما معاً ستبرهن لك كل ذلك "

وتابعت من فورها تريح يدها على كتفها

" كنت أقول بأني وغيهم ذاهبان لمنزل عائلتي في العاصمة
حوران ثمة ظروف يمرون بها وأريد أن أكون معهم ولن أفكر في
أمر المنزل والفتاتان وأنتِ هنا "

وقالت آخر كلماتها تبتسم لها بثقة لكنها لم تغادر استغرابها بعد
بسبب ما سمعت منها وقالت

" هل ثمة أمر سيء حدث ؟ "

تنهدت جوزاء بحزن تُحرك رأسها وقالت بنظرات شاردة حزينة

" مطر شاهين حياته لا تتوقف عن تقلباتها أبداً ، ثمة قضية ثأر
قديمة فُتحت دفاترها الآن تخص ابنة وحفيدة عمي دجى "

ازداد الاستغراب والتساؤلات في عيني كنانة فربتت على كتفها
مجدداً وقالت

" القصة يطول شرحها سنتحدث فيها بعد عودتي أو ستريها في
الأخبار في وقت أقرب من ذلك "

ابتسمت بحزن وبالرغم من أنها لم تفهم شيئاً قالت

" أتمنى أن تنجلي تلك الغمامة قريباً "

أمنت جوزاء متمتمه بحزن وقالت ونظراتها تشرد للفراغ مجدداً

" أراح الله قلب شقيقي فلم ترحمه الحياة أبداً "

وعادت ونظرت لها وقالت مبتسمة بمزاج مختلف فجأة

" عليك أن تتحملي جنون بثينة أما يمامة فهي كالنسمة من رقتها
لا تُتعب أبداً "

أومأت برأسها مبتسمة وقالت

" كوني مطمئنة "

قالت وذات الابتسامة تزين شفتيها

" أبان الآن في حوران وسأبلغه عن وجودك ومنزله أساساً في
الأعلى ومستقل أما غيهم فقال بأن أسبوعه مليء بالرحلات وقد
لا يزور المنزل ، وعمك أيوب مسافر ولن يعود قبل نهاية
الأسبوع "

قالت مبتسمة

" أعادهما الله سالمين "

مسحت يدها على ذراعها وقالت بحنان

" سلمك الله بنيتي "

وكانت ستتحرك من مكانها لكنها تراجعت ونظرت لها وقالت

" سيأخذك السائق اليوم لتشتري ثياباً وكل ما تحتاجينه وبعد
عودتي سنخرج معاً لشراء جهازك كاملاً "


ابتسمت لها ممتنة وشكرتها هامسة فقالت محرجة

" أعذريني يا كنانة فلم نقم بواجبك أبداً "

قالت مباشرة

" لا تقولي هذا عمتي فهذه الأمور لا تهمني ومتفهمة لما
تمرون به "


ابتسمت لها بحب وكانت ستتحدث لولا قاطعها الذي نزل آخر
عتبات السلالم وقال متوجهاً نحو باب المنزل ونظره عليه

" أمي أنتظرك في السيارة لا تتأخري "

سرق نظر كلاهما وكان قد غير ثيابه ببنطلون من الجينز الفاتح
وقميص رمادي وسترة شبابية سوداء كلون حذائه ، وبينما
التصقت به نظرات كنانة الحزينة التي كانت تشعر فقط بالشفقة
حيال نفسها تمتمت جوزاء بضيق

" وكأنني لا أنتظره منذ الصباح ! "

ونادت بعدها على الخادمة التي جلبت ابنتها من ناحية المطبخ
تمسك بيدها حتى وصلت لها فرفعتها في حضنها ونظرت ناحية
الواقفة قربها وقالت مبتسمة

" أراك بخير يا كنانة .. اعتني بنفسك جيداً "

ابتسمت لها بحب وودعتها تقبل خدها وداعبت وجنة الصغيرة
التي كانت تمسكت ذراعاها الصغيران بعنق والدتها وأوصلتهما
عند الباب وقالت تتجنب النظر نحو الخارج وحيث السيارة
المتوقفة قربه

" حفظكم الله وأوصلكم سالمين "

وما أن خرجتا أغلقت الباب دون أن تترك فرصة للواقف في
الخارج أن يراها أو تنظر له وتوجهت نحو السلالم متمتمه
بسخرية

" أسبوعك مليء بالرحلات أم تتهرب يا ابن عائلة الشاهين كما
وصفتك والدتك ؟ وكأني لم أعمل في مطار سابقاً وأعلم معنى هذا
التطوع "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 01:23 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية