لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 08-05-24, 09:05 PM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,178
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*

ما أن اجتاز الباب الزجاجي المفتوح حتى لفحت وجهه
نسائم البحر التي تحركت بسببها خصلات شعره القصيرة
الناعمة وعبثت بأطراف قميصه بينما وقف مكانه يداه في
جيبي بنطلونه تراقب نظراته الحزينة الجالسة أمام اﻷمواج
الداكنة ، وبالرغم من انتشار المصابيح المضاءة فوقها
لكنها لم تفعل شيئا يذكر مع هذا الظلام الموحش سوى
إظهار جسدها النحيل تحضن ركبتيها بقوة وتتطاير خصلات
شعرها حولها كأشرطة حريرية سوداء لامعة ، فهي يبدو
استفاقت وغادرت الغرفة وهو لم يشعر بها لأنه ثمة باب
آخر لها يوصل للخارج هنا مباشرة وهو كان مستلقي على
اﻷريكة في صالون المنزل ، وها هي قد اختارت اﻹختلاء
بنفسها هنا أمام البحر كما اختار هو هذا المكان تحديداً
لجلبها له فهو العقار الوحيد المملوك لها الآن كما أنه
المكان المناسب لتكون فيه بعيدة عن جميع الضغوطات كما
طلب الطبيب منهم وهو لن يسمح بأن تتأذى نفسيتها أكثر
من ذلك وأن يجدوا أنفسهم فيما لا تحمد عقباه فما مرت به
اليوم لا يمكن لبشر تحمله ولا تجاوزه بسهولة فكيف بقلب
كقلبها والذي يعرفه جيداً بل وأكثر من نفسه .

تمنى بالفعل أن سمع وهو في مكانه هناك صوت بكائها بل
وصراخها ينبهه بأن جسدها قد فارق النوم الطويل الذي
علق به بسبب المهدئات الكثيرة التي تلقاها لعل ذلك يخفف
مما تشعر به في داخلها لكن ذلك لم يتحقق واستمرت في
صمتها وعزلتها فما علمه أنها استقبلت كل تلك الفواجع في
المحكمة بالصمت قبل انفجارها الأخير ، ويعلم بأنها لن
تفعلها وإن كانت تعلم بأنها أفضل بكثير على قلبها من
كتمان كل شيء في داخله حتى ينفجر ويتحول لأشلاء .

نظر للعتبات القصيرة القليلة التي اجتازتها قدماه قبل أن
يغوص حذائه في الرمال الناعمة تأخذه خطواته ناحيتها
ينظر لخصلات شعرها المتطايرة مع نسيم البحر خلفها
والذي فقد نصف طوله تقريباً !! في آخر مرة رآه فيها يذكر
بأنه تجاوز وركيها قليلاً أمّا الآن فلا يتجاوز نصف
ظهرها ! وشعر بشعور قاسي داخله حين تساءل فجأة ما
الذي خسرته أيضاً غيره ولا يعلمه ؟

توقفت خطواته فجأة فبالرغم من أنه لازال بعيداً عنها إلاّ
أنها شعرت به وقد وصله صوتها الذي كان وكأنه مدموجاً
مع صوت الأمواج الهادئة بالرغم من نبرة الضيق فيه
ما أن قالت

" إن كنت هنا لإلقاء اللوم عليّا فيما حدث يا رعد فأنا
مكتفية من هذا تماماً وبت أكره كل شيء حتى القلب
الموجود وسط أضلعي "


قالت آخر كلماتها تقاوم نبرة الألم والمرارة في صوتها وهذا
ما ظهر جلياً له وهو ما جعله يغمض عينيه متنهداً بحزن
قبل أن يعود وينظر لها فهي علمت بأنه من جلبها إلى هنا
إذاً وشروده طوال ذاك الوقت في السقف فوقه لم يترك له
مجالاً ليشعر بباب غرفتها وهو يُفتح ! غادر صمته أيضاً
وقال بكلمات هادئة متأنية ولم تفارقها نظراته وإن كانت لا
تزال توليه ظهرها

" لا يا غسق أنتِ لست هنا لأجل هذا يا شقيقتي "

اكتفت بالصمت حينها ورضي هو به فهو بالفعل لم يجلبها
إلى هنا ليتحدث معها في الأمر برمته فكيف أن يلومها
عليه ؟ الأوان قد فات على إلقاء اللوم ولن يصل بهم هذا
لأي نتيجة سوى مضاعفة عذابها لنفسها .

نزل نظره ليده المقبوضة وفتحها وظهر قرص تخزين
البيانات متوسطاً كفه وتسائل أهو وقته أم ليس بعد ؟
وتذكر كلمات والده حين أعطاه إياه قبل عامين من الآن .

( أريد أن ترى غسق هذا حين تتصالح مع نفسها وتشعر
بأنها باتت أقوى من صدماتها نحو الجميع وحتى أنا )

لا يفهم ما عناه والده بهذا ومتى سيكون الوقت الذي يتحدث
عنه وتكون فيه هي صامدة أمام صدمة هو السبب فيها
ولما ؟! انقبضت أصابعه عليه بقوة ورفع نظره للبحر
الأسود وخطواته تقوده نحوه حتى أصبح يقف بجانبها بينما
يتبع نظره صوت الأمواج التي يسمعها ولا يراها ، وما لم
يتوقعه حينها أن يتخلله صوتها وقد قالت بنبرة عميقة
حزينة

" والدي شراع كان يعلم عن كل هذا ..! كل ما جعل مطر شاهين ورجاله يغادرون البلاد وما جعلني أُحرم من ابنتي "

استدار وجهه ناحيتها وعيناه تتسع بذهول بينما انقبضت
أصابعه على القرص فيها بقوة أكبر وتسائل هل عنا والده
بكلماته تلك هذا الأمر حين قال ( وحتى أنا ) أم ثمة ما
يخفيه أيضاً عنها وأشد قسوة من كل ذلك ؟!

لم يستطع إبعاد نظراته الضائعة عنها بينما كانت ما تزال
تنظر للبحر بشرود وحزن حتى قال بتوجس

" وهل سيتوجه لومك ناحيته بعد أن علمتِ عن هذا !! "

نظرت له فوقها وقالت بكلمات مندفعة وصفت المرارة
والألم في عينيها الواسعة المجهدة

" أنت لا تعرف مشاعري اتجاهه .. أنا أحبه أكثر منك أنتَ
ابنه ، ثم هو لا يد له في ذلك وإن علم به "

كانت لحظة صمت طويلة تلك التي عقبت كلماتها وكل واحد
منهما ينظر لعيني الآخر وإن كان أحدهما واقف والأخر
جالس وكأنها تثبت له صدق ما قالت حتى خرج عن صمته
قائلاً بجدية

" لكنه أخفاها عنك ويفترض بأنه لا أسباب تشفع له ؟ "

لا ينكر بأنه انتظر وبفضول تعليقها على الأمر لكنها في تلك
اللحظة أبعدت نظرها عنه للبحر أمامها وكأنها تتهرب من
السؤال ذاته لا من الجواب عليه وهو ما جعله يقول مجدداً
ونظراته لم تتركها

" كانت أمور كثيرة ستتغير إن أخبرك أليس كذلك ؟ "

اشتدت يداها حول ركبتيها وغمرت الدموع عينيها بحزن
وإن لم تفارق رموشها وخرجت كلماتها من عمق مشاعرها
نحوه وجروح تجربتها الأخيرة

" أنا لا أعرف أسبابه لكني أؤمن بأنها حقيقية "

جعلته كلماتها تلك يستدير بكامل جسده نحوها وقال ما لن
يسمح لتردده أن يمنعه من قوله بينما كانت كلماته
قوية جادة

" لما يكون هذا ناحية والدي فقط يا غسق ؟ "

وكالمتوقع منها تماماً وما كان موقناً منه فقد وقفت على
طولها حينها ومواجهة له أيضاً هواء البحر القوي يعبث
بفستانها الطويل كما خصلات شعرها المتراقصة معه
وقالت بقوة وثبات تنظر لعينيه

" ووالدي دجى أيضاً لم ولن ألقي باللوم عليه فيما فعل لأن
ما أجبره عليه واجبه وشهامته ولا ذنب له فيه "

" وماذا عن مطر ؟ "

قالها سريعاً ودفعة واحدة بالرغم من أنه كان قد قرر أن لا
يتحدث عن كل هذا لكنها من قاده له وبما أنها وجدت
الأعذار لوالدها الحقيقي ووالدها الذي رباها فهو من باب
أولى فغسق التي يعرفها جيداً ما كانت لتفكر بهذه الطريقة
وكانت ستلقي باللوم عليهما وهذا تغيير جذري في
شخصيتها لم يعهده لذلك قال ما قاله ، لكن ما حدث حينها
فاق توقعاته وهي توليه والبحر ظهرها مغادرة ترفض قول
أي شيء يخص الأمر كما يبدو وهو من توقع عكس ذلك
وإن تقرر مهاجمته لكن أن تصمت !!

سار بخطوات مسرعة خلفها وأمسكها من ذراعها وأدارها
نحوه وكان سيعيد سؤاله مجدداً فمن الإجحاف أن تتغير
نظرتها نحو الجميع عداه ، صحيح بأنه أخفى كل هذا عنها
لكن والده ووالدها ارتكبا ذات الجرم حيالها ، لكن لسانه
توقف مكانه لأنها سبقته قائلة بكلمات متأنية عميقة وإن
تخللتها نبرة حزن واضحة تنظر لعينيه وكأنها تبحث عن
الجواب فيهما

" هل شعورك نحو والدك هو ذاته نحو زوجتك ؟ بل وأنا
شقيقتك هل يكون الخطأ مني ذاته حين يكون منها ؟ "


غضن جبينه وشردت نظراته في عينيها بتفكير عميق وما
فهمه من كلماتها بأن جرحها منه أعمق من الجميع
لذلك قال

" تقصدين كبرياءنا وجرح كرامتنا هو المتحكم في الأمر؟"

ظهرت ابتسامة ساخرة متألمة تزين طرف شفتيها
بوضوح وقالت

" بل أقصد بأن هذا هو شعوره ناحيتي الآن والحديث في
الأمر لم يعد يفيد بأي شيء "


وغادرت ما أن أنهت كلماتها تلك وتركته واقفاً مكانه
نظراته تراقبها بضياع خالطه الكثير من الحزن فهي كانت
تقصده هو إذاً وتبدوا يائسة تماماً من أن تجد لنفسها العذر
لديه ، ويفهم موقفها تماماً فكلمة آسف تفقد معناها لدينا
حين نستشعر رفض الطرف الآخر لها .

نظر للقرص في يده نظرة تفكير مطولة قبل يتنهد بعمق
ودسه في جيبه هامساً

" ليس وقته إذاً "

وغادر أيضاً عائداً نحو الداخل فيبدوا أن والده يقصد أمراً
أبعد من هذا وهو ما بات يخشى من انكشافه !!


*
*
*

جعلت كلماتها تلك جميع الجالسين قربها ينظرون لها بعدم
تصديق بينما وقف المشرف على الرحلة ما أن سمع
صوتها ونظر لها مستغرباً وقال

" لما تريدين النزول ساندي هذا ممنوع ؟! "

" ولما ؟ "

قالتها سريعاً وبرفض حانق تمسك وسطها بيديها فنظر
للمضيف الواقف بجانبه والذي حرك كتفيه في صمت قبل
أن يعود بنظره لها وقال مبتسماً

" لأنه وقت الإقلاع أولاً ولأن الرحلة على شرفك
ثانياً والأهم "

حدقت فيه بصدمة قبل أن تصرخ بغضب تشير بسبابتها
نحو الأسفل

" أنا لا شرف لدي وأريد النزول حالاً أو ضربتكما ووصلت
لقائد الطائرة بنفسي "


وقف المشرف الآخر مغادراً مقعده أيضاً وقال عاقداً حاجباه
بقوة ينظر لعينيها

" الرحلة كانت ستلغى نهائياً لأن تكلفة أقل طائرة أصبحت
أكبر من الميزانية المعدة لها ولولا زوجك الذي فعل هذا من
أجلك ما كانت ستكون هناك رحلة "


شدت شفتيها بقوة أمام الحقيقة التي واجهها بها وكانت
غائبة عنها كما الجميع ونظرت نحو رواح الذي أهداها
ابتسامة عريضة وكأنه يقول لها أنا بطلك الأسطوري المنقذ
، وحين لم يجد أي تغير في ملامحها أشار بحركة من
حاجبه الطويل خلفها وقال بابتسامة

" أيرضيك فعل هذا بأصدقائك ؟ "

" أجل "

قالتها سريعاً وبكامل ثقتها وهو ما جعله يمسك بيدها
وسحبها منها بالقوة لتجلس مكانها قائلاً بضيق

" اجلسي هيا يا حمقاء "

سحبت يدها منه بحركة غاضبة وهمست بكلمات أشد غضباً
تنظر لعينيه

" لا أفهم لما تحب إفساد كل ما تعلم بأنه يسعدني ؟ "

بادلها الهمس بمزاج مشابه تقريباً

" وهل كان يسعدك أن تُلغى الرحلة ؟ "

شدت على أسنانها بغضب هامسة من بينها

" الأمران سيان الآن بالنسبة لي "

تنهد بيأس يحرك رأسه وعاد للنظر لحاسوبه قائلاً ببرود

" أنا في رحلة لفرنسا أساساً وطائرة شركتي مقلعة من
أجلكم فلما أستقل غيرها ؟ "

ابتسمت بسخرية متمتمه

" يالك من بخيل "

وحين لم يبدي أي رد فعل وأصابعه عادت للتحرك بسرعة
على الأحرف في حاسوبه الشخصي المستقر في حجره
ضيقت عينيها وهي ترمق نصف وجهه المقابل لها
والمضاء بسببه كاشفاً أكثر عن بياض بشرته النقية مع
سواد لحيته المحددة بعناية فهو قال هذا بنفسه وبأنها
شركة أي أنه كأقل تقدير يمتلك عشر طائرات هذا إن لم
يكن مئة ، وطائرة خاصة بكل تأكيد فلما سيبخل على نفسه
هكذا ؟ لا تعلم لما لا تشعر بأنه يقول الحقيقية ؟ مؤكد يفعل
ذلك فقط لتصمت وتجلس ولا خيار غيره أمامها فلن يرضى
ولا قائد الطائرة بأن يسمح لها بالنزول ، الحمقاء لو أنها
فقط انتبهت لشعارها وحاولت تذكره لعرفته وكشفت لعبته
وما كانت لتصعد وإن قتلوها ولا يهمها أن تلغى رحلة
الأحلام بالنسبة لها ولأعضاء المنظمة جميعهم .

تنفست بقوة وضيق ولازالت تحدق به وقالت ترمقه بشك

" وستنتهي رحلتك معنا في مطار كاليه؟ "

" أجل "

تمتم بتلك الكلمة دون أن يبعد نظره عمّا هو منسجم بفعله
فأبعدت نظرها عنه وقالت ببرود

" يصعب عليا تصديقك "

رمقها بطرف عينيه حينها وقال يمسك ابتسامته

" لكن لا حل غيره أمامك والوقت كفيل بكشف ذلك لك "


وعاد للهرب من عينيها ما أن أمالت وجهها ناحيته قليلاً
وعادت للتحديق فيه بصمت وتشكيك فهي لا يمكنها تصديق
ما يقول هذا الدبور وفي جميع حالاته حتى أنه لم يغضب أو
يوبخها على حديثها ذاك أمام الجميع والمشرف قال بأنه
زوجها ! وهذه كارثة أخرى وضعها فيها فهي لم تخبر غير
كاتي بالأمر .

نظرت للكرسي المجاور لها من الطرف الآخر وحيث الفتاة
الشقراء التي كانت تحني جسدها قليلاً تحاول رؤية الجالس
بجانبها فنظرت نحوه بحركة سريعة وكان منشغل مع
حاسوبه كما تركته ، وما أن عادت ونظرت لها مجدداً
ابتسمت تلك ورسمت لها بسبابتها ثلاث ورقات في الهواء
علامة الحظ فأهدتها ابتسامة هازئة وعادت بنظرها للأمام
متمتمه بحنق

" أعلم جيداً غرضك وأمثالك "

وصلها حينها صوت الجالس بجوارها والذي لم يخلوا من
التسلية قائلاً

" ما الذي تقولينه ؟ "

لوحت بديها أمامها بحركة غاضبة وقالت بضيق دون أن
تنظر له

" لا تتحدث معي مطلقاً حتى نصل "

كتم صوت ضحكته التي ارتفع لها رأسه عالياً قبل أن يعود
لحاسوبه وتمتم مبتسماً

" أمرك سيدتي "


وعلا حينها صوت المضيفة معلنة عن بداية رحلتهم فكتفت
يداها لصدرها واتكأت برأسها للأعلى مغمضة عينيها فإما
أن تنام أو تقضي الرحلة كاملة هكذا ولن تفتحهما مطلقاً هو
قرار نهائي لا تراجع فيه ، بينما غيَر الجالس بجانبها من
وضع جلوسه واستدار نحوها وأسند مرفقه بطرف كرسيها
بينها وأسند رأسه بأصابع تلك اليد ينظر لملامحها الطفولية
الجميلة مبتسماً يمسك نفسه بصعوبة عن الضحك وهو يرى
تشنج ملامحها التي كانت تدعي النوم ، أبعد يده واقتربت
أصابعها من خصلة قد تحررت من المشبك الذي تمسك به
غرتها وأعادها ببطء نحو الأسفل هامساً بما لم يسمعه
غيره بينما لم تفارق الابتسامة شفتيه

" لنرى كيف ستكون الأمور بعد هذه الرحلة الجميلة
فاتنتي "



*
*
*

كانت نظراتها لا تفارقه بينما لازالت عيناه مغمضة تماماً
واللفافة حول رأسه أصبحت ملطخة ببقعة كبيرة من الدماء
ولا تصدق حتى الآن بأنها فعلتها وضربته !

وها هي تأكد لها بأنها من سلالة غيلوان بالفعل ليس فقط
لإقدامها على قتل أحدهم دون تردد بل فتى في هذا العمر
كانت ستنهي مستقبله بيديها وتُدمي قلب والدته عليه ،
لكنها لم تجد حلاً غيره حينها وهي تراه يرفع سكيناً ينوي
به ذبح زوجها والرجل الوحيد لها في هذه الحياة فهل تقف
تتفرج عليه ؟

أبعدت نظرها عنه وتنهدت بضيق ما أن تذكرت توبيخ يمان
لها والذي يُفترض أن يكون بسبب خروجها وليس بسبب
ضربها لمن كان ينوي قتله ! ومؤكد لازال يؤجل ذلك حتى
يعود بشقيقه من المستشفى بالرغم من أنه حلها الوحيد
أيضاً فما الذي كان بيدها تفعله والطفل أمامها حرارته
مشتعلة بسبب تبلل ملابسه بالماء ولم تجد خياراً غيره ولم
تستطع ولا مجرد التفكير في الذهاب لمنزل أويس مجدداً
فقد تجده هناك لأن الباب بينهم لازال مؤمن بقطعة من حديد
لضمان بقائه مغلقاً حتى يجف الإسمنت المثبت به فلم تجد
حلاً غير الخروج والبحث عنه أو عمّن يساعدها وإن كانت
فِعلتها المماثلة سابقاً جعلتها تدفع الثمن غالياً ولازالت
تبعاتها حتى اليوم ، لكن إنقاذ شقيقه أهم بالنسبة لها ومن
رميها في الشارع ولن تمانع .

وقفت على طولها ما أن فُتح باب الغرفة وتوجهت مسرعة
نحو يمان الذي كان يحمل شقيقه فوق كتفه ويبدو نائماً
ومدت يديها لأخذه منه لكنه قال وهو يتوجه به نحو الفراش
المجاور لشقيقه الآخر النائم

" سأضعه مكانه فهو نائم وثقيل "

ابتعدت عنه تنظر لقفاه بأسى حزين وهو ينحني ويضعه في
مكانه قبل أن تبعده ناحية النائم في الطرف الآخر من الغرفة
أو المغمى عليه بمعنى أدق والله وحده يعلم إن كان سيفيق
أم لا وما سيجلبه الأمر لكلاهما من مشكلات .


" ألم يفتح عينيه بعد ؟ "

نظرت ليمان وصاحب تلك الكلمات القلقة وهو يقف بجانبها
بينما كان نظره ملتصقاً به وقد حملت نظراته تلك ذات القلق
والتوجس ، ولا تفهم السبب الحقيقي أهو خوفه ممّا قد
تفعله بهم عائلته أم السبب الذي لازالت تجهله وجعله
يصرخ بها بسبب ضربها لرأسه بالحجر ؟! همست بخفوت
ونظرها يعود نحوه أيضاً

" لا "

قال مباشرة وهو يتقدم نحوه

" عليّا أخذه للمستشفى إذاً لا أريد أن يموت بسبب
إهمالي له "

لكنه توقف مكانه بسبب يدها التي أمسكت بذراعه وقالت
بكلمات سريعة

" توقف يا يمان ولا تتهور "

نظر ناحيتها والرفض في نظراته كما ملامحه الحانقة تقرأه
بوضوح فقالت من قبل أن يقول ما تعرفه جيداً بينما كانت
نبرتها جادة تماماً وهي تنظر للون الفضة في عينيه

" التصرف بما توجبه مبادئنا السامية لا ينفعنا دائماً ، ولا
تنسى أين نحن الآن وما سيحدث إن فكرت عائلته في
الإنتقام له "

وكما توقعت لم تقنعه كلماتها تلك وقد قال بضيق ورفض
وهو يشير بيده نحوه

" ونتركه يموت هنا ثم ندفنه وننكر هذا ؟! كل ما سيفعلونه
بي سيكون أفضل بالنسبة لي من فعلها "

حررت ذراعه من قبضتها وقالت بنفاذ صبر

" يمان أنت لا تعلم عن حياة الجنوب شيئاً ، أنا أعلم جيداً
تبعات هذا خاصة أنه كان في أراضي غيلوان "

قال مباشرة وبضيق

" وما دمتِ تعلمين لما فعلتِ هذا ؟ "


زمت شفتيها تكتم ألم كلماته بادئ الأمر حتى قالت وبضيق
أشد تلوح بيدها

" كنت تريد أن أتركه يطعنك بالسكين ؟ لا أفهم لما تدافع
عنه يا يمان وهو كان ينوي قتلك ! "

صاح فيها من فوره

" لأننا كنا نتحدث ولسنا نتقاتل "

اتسعت عيناها وقالت مستنكرة

" تتحدثان !! وهكذا يكون الحديث ؟! "

قال مباشرة وبإنفعال شديد

" أجل فهل سمعتِ مثلاً ما كان يقول قبل أن تضربيه
على رأسه "


شدت على أسنانها تكتم غضبها بل كلماتها التي ترفض
تحريرها فهو لم يفكر في أنها فعلت ما فعلته خوفاً عليه
ولإنقاذه ، وتعلم بأن قول ذلك لن يفيد في شيء لذلك قالت
بكلمات جادة تنظر لعينيه

" اطمئن فجرحه ليس عميقاً ومؤكد هو غائب عن الوعي
فقط فلا تستعجل "

نظر لعينيها بصمت للحظات وقبل أن يقول وهو يبحث عن
الجواب فيهما قبل كلماتها

" يبدو أنه ثمة من علمك التمريض ؟ "

حدقت فيه مصدومة ولأنها لم تكتسب في حياتها براعة
إنقاذ نفسها في المواقف الطارئة وفي وقت قياسي لا ينتبه
له الواقف أمامها بل ولم تتعلم فن الكذب والتحايل عجز
عقلها قبل لسانها عن فعل ذلك وتحولت لصورة ساكنة
لامرأة بلهاء لا شيء لديها سوى التحديق حتى فعلها أمر
آخر وفي الوقت المناسب وكان المنقذ لها وهو صوت
الأنين المتقطع والذي كان مصدره المستلقي منذ وقت على
فراش يمان فنظرا كلاهما ناحيته وقد ارتفع صوت أنينه مع
تغضن جبينه بتألم حيث كان يعيش مرحلة العودة للواقع
تدريجياً حتى تلاه ارتفاع جفنيه ببطء ليكشفا عن عينيه
اللتان جعلتا كل واحد منهما يتيبس مكانه ، وحتى يمان
الذي كان ينوي التوجه نحوه قبل هذه اللحظة كانت نظراته
تحاكي الدهشة والإستغراب وهو ينظر للأحداق الواسعة
متباينة اللون حيث كانت إحداها زرقاء باهتة بلون واضح
جداً والأخرى سوداء تماماً في تناقض غريب لم يعرفه أو
يراه يوماً !!

بينما كانت نظرات مايرين له مختلفة تماماً وحدقتاها
الخضراء متسعة بشدة بسبب نظراتها المصدومة الموجهة
نحو عينيه أيضاً بينما همست شفتاها تعبر عن كل ما كانت
تمر به

" زهري ... !! "

كان رد فعل المستلقي هناك أن أبعد نظره عنهما وجلس
بمساعدة نفسه بحركة بطيئة معتمداً على يد واحدة بينما
كان يمسك بالأخرى رأسه وملامحه تعتصر بألم وتوجهت
نظرات يمان نحوها وقد قال باستغراب

" ما هو هذا الزهري ؟! "

نقلت نظرها له وكانت تنظر لعينيه بذهول وصمت فقط
وكأنها لازالت تنظر لتلك الأحداق الغريبة وهو ما زاد من
حيرته وتساؤلاته قبل أن ينتقل نظر كلاهما نحو الذي قال
بكلمات متألمة لازال يمسك رأسه بيده بينما نظره موجه
ناحية مايرين

" أنتِ من ضربني ؟ "

حدقت فيه ببلاهة بادئ الأمر بسبب نظرته التي لو كانت
رصاصة لقتلتها وكأنه رجل وليس فتى لم يتجاوز الخامسة
عشر أو أقل من ذلك لنحول جسده !! لكن سرعان ما تبدل
مزاجها للبرود وقالت

" أجل "

أشاح بوجهه عنهما بينما خرجت كلماته الهامسة المتألمة
من بين أسنانه

" تباً للنساء "

اتسعت عيناها بما مزج الصدمة والغضب معاً بسبب وقاحته
وجرأته وصاحت فيه بحدة

" أكنت تريد أن أتركك تقتل زوجي ؟ "


تجاهل كلماتها تلك وانحنى بجسده وهو يقف بحركة
بطيئة قائلاً

" عليا المغادرة قبل طلوع النهار ، سيغضب الزعيم
إن تأخرت "

كان يمان من غادر الصمت الذي وقع فريسته بسبب كل ما
لم يفهمه ويستوعبه حتى الآن وقال باستغراب

" لديك زعيم !! "

نظر له الذي وقف على طوله وبصمت يحدق في عينيه ممّا
جعله يعود لوضع الحيرة والضياع وهو ينظر للون عينيه
الغريب حد القشعريرة التي تسري في جسدك ولا تفهم
سببها ! بينما كان عقله يفكر فقط في أن هذا الفتى الذي
كان يسابق الريح فوق الأرض الرطبة ومن صرعه وتغلب
عليه لديه زعيم يأتمر بأمرته !!

كان صوت مايرين هو ما أخرجه من كل ذلك وما أن قالت
تنظر للواقف أمامهما

" هو زهري مثلك ؟ "

عاد يمان لنقل نظراته بينهما باستغراب وحيرة حتى استقر
نهاية الأمر على الفتى الذي ارتفع طرف شفتيه بسخرية
وقال ونظره موجه ناحية من وجهت ذاك السؤال له

" لا فالأمر ليس كما تعتقدين ، أنا الزهري الوحيد
في المجموعة "

غضنت جبينها باستغراب بينما كانت تنظر لعينيه بتفكير
فهو لن يعترف لها بذلك وإن كان حقيقي لأجل حمايتهم
بالتأكيد ، قالت وذات النظرة المتسائلة في عينيها

" لابد وأنكم عصابة إحراق الحقول ؟ سمعت عنكم سابقاً "


ارتفع حاجبا يمان الذي سمع أخيراً امراً يفهمه فهو سمع
عن هذا أيضاً مؤخراً وبعد أن بات الأمر يتكرر كثيراً ،
والغريب في الأمر أن المتضرر دائماً هي أراضي شعيب
غيلوان وأشقائه !

وتذكر سريعاً كلماته الغاضبة ناحيته والكره الموجه نحوه
وتسائل ما الذي يدفع عصابة من الفتية الصغار لفعل هذا
وبشعيب غيلوان تحديداً ومن يهاب الغراب الطيران فوق
اراضيهم الشاسعة تلك !!

والأغرب من ذلك كيف يصمت لهم ولم يمسك بهم حتى الآن
ويراهن بأنه قادر على فعلها وخلال ساعات معدودة ؟!
حرك رأسه في حيرة وقال وكأن عقله يعود به خطوات
للوراء ودون تفكير مسبق وهو ينظر لعينيه
بتساؤل وتشكيك

" وزعيمك هذا أقوى منك ؟"


كان رده المبدئي والمتوقع ضحكة ساخرة ولن يستغرب هذا
منه لأنه ترك كل تلك الأمور ليسأل عن هذا !

ورغم ذلك كان ينتظر جوابه بالكثير من الفضول حتى قال
أخيراً والسخرية لم تغادر كلماته كما ابتسامته

" كيف يكون زعيماً إذاً "

عاد حاجبا يمان للإرتفاع بعدم تصديق وتعجب بينما تولت
مايرين مهمة السؤال التالي والمتوقع وقد قالت بريبة

" ما علمته بأنكم فتية ، هو إذاً في مثل سنك ! "

ظهر الضيق على ملامحه فجأة وقال بانفعال مفاجئ

" أنا لم أقل بأني منهم ولا أننا نكون من تتحدثون عنهم "

كانت نظراتهما الصامتة له تؤكد عدم اقتناعهما بما قال
وهو المتوقع وإن لم يقولاها علانية وهذا ما اعترف به
لنفسه مستسلماً بل وما جعل كلماته تتسم بالجدية حين قال

" إن قررتم تسليمي لشعيب غيلوان فعليكم قتلي فوراً "

همس يمان بذهول لم تخفيه ملامحه

" قتلك ! "

وذاك لم يجعله يفهم ما يقصده إلا بأمر واحد فقال سريعاً
وبكلمات ساخرة

" تفكرون إذاً في بيعي لمهربي الأثار "

نقل يمان نظراته الذاهلة بينه وبين مايرين التي كانت
نظراتها له معاكسة تماماً ولم تبدوا عليها علامات
الإستغراب والحيرة مثله لأنها كما فهم يبدو تعلم جيداً ما
يتحدث عنه وقد تولت مهمة الحديث حينها وقالت ونظراتها
لم تترك تلك العينان التي سمعت عنها كثيراً منذ طفولتها
ولم تراها حقيقة أمامها إلا الآن

" أنت لا تعرف يمان جيداً فهو يرفض أن يأخذ جنيهاً لم
يستحقه ليبيع بشري مقابل المال ! "

لاذ بالصمت التام ونظراته الحائرة تنتقل نحو يمان الذي
كان سيتحدث لولا أوقفه صوت آخر من خلفه وهو أنين
شقيقه مما جعله يستدير ويتوجه نحوه مسرعاً ومايرين في
إثره وكان يعتقد بأن حالة جاد تقهقرت مجدداً لكنه فوجئ
بأن مصدر الصوت هو صدر عَنان هذه المرة فأمسك
بذراعه وقلبه على ظهره وظهر له حينها وجهه المتعرق
ووجنتاه المحمرة بشدة فأمسكت مايرين فمها بيدها
مصدومة وقالت

" يا إلهي لقد كان بخير وكنت أتفقده طوال الوقت "


استدار رأسه فقط نحوها أعلاه وقال بضيق

" من الطبيعي أن يمرض أيضاً فهو تبلل مثله بالتأكيد "

شدت شفتيها بقوة وصمت بادئ الأمر فها قد حان وقت
توبيخها ومحاسبتها ، وما ذنبها هي فيما حدث ؟

من هذا الذي يتوقع مطر الربيع الذي يهطل فجأة ويكون
قوياً ووقته قصير ؟ كانت تعلم بأنها لن تكون غير المذنبة
في نظره ورغم ذلك قالت وبضيق مدافعة عن نفسها

" لا تلقي باللوم عليا يا يمان فأنا كنت نائمة وأخاف
عليهما مثلك تماماً "

لم يعلق على ما قالت وكأنه لا يسمعها أو لا يهتم بما تقول
وهو ما جعلها تبعد نظرها عنه متنهدة بأسى بينما حمل هو
شقيقه على كتفه وغادر به الغرفة بخطوات مسرعة
ونظراتها الحزينة المتأسية تتبعه حتى غادر الغرفة فأي
ليلة هذه التي عاشها ؟ لذلك لا يمكنها لومه ولا الغضب منه
ومهما قال ، نظرت ناحية الذي تحركت خطواته أيضاً ناحية
باب الغرفة ليغادر فتوجهت نحوه مسرعة وأمسكت بيده وأعادته مكانه قائلة

" اجلس هنا لن تغادر قبل أن تتناول الطعام وأطمئن بأن
جرحك لم يعد ينزف "

كان عليها منعه من المغادرة قبل أن تعلم منه ما تريد
معرفته كما عليها التأكد بالفعل بأن جرحه لا يحتاج لغرز
ليتوقف نزيف الدم منه فهي تعلم بأن أمثاله لا يدخلون
الأماكن العامة نهاراً ولا يلجئون للمستشفيات أبداً خاصة أن
الإصابة في رأسه فحتى ارتداء النظارات الشمسة لن ينفعه
وهو لا يضع ولا عدسات لاصقة تخفيها ، ابتسمت شفتاها
حين جلس مكانه السابق دون أن يعترض وسارت نحو
باب الغرفة قائلة

" لا تفكر في المغادرة فباب المنزل لا يُفتح إلا من
الخارج "


قالت ذلك لتضمن عدم تفكيره في فعلها بعد خروجها فهي
تحتاج فعلياً التحدث معه وهذه الفرصة لن تتكرر لها أبداً ،
ما أن كانت خارج باب الغرفة وقفت واستدارت نحوه ومدت
رأسها منه ونظرت لعينيه المحدقتان بها كقطة متوجسة
بسبب لونهما الغريب وقالت مبتسمة لتطمئنه أكثر

" ولا تقلق فلن نؤذيك ولن نسلمك لأحد أقسم لك "

لمحت نظرة طمأنينة صغيرة في عينيه جعلتها تومئ له
برأسها مبتسمة تؤكد صدق كلامها وغادرت بخطوات
سريعة نحو المطبخ تُعدل حجابها الذي سقط بسبب خطواتها
المسرعة تلك ، وما أن دخلته وبحركة سريعة أيضاً سكبت
نصف العشاء الذي تركته ليمان في طبق ووضعته ورغيف
خبز في صينية وعادت نحو الغرفة فلا وقت أمامها
لتسخين الشاي وهذا يكفيه ليسد جوعه فالله وحده يعلم
متى كانت آخر مرة أكل فيها .

شعرت بالارتياح حين وجدته جالساً مكانه ينتظرها فتوجهت
نحوه ووضعت الطعام أمامه وجلست بعيداً عنه تنظر له
وهو يأكل بشهية مفتوحة ودون توقف بالرغم من أنه كان
يسرق نظره نحوها كل حين فيبدو أنه لا يستطيع أن يثق
بأحد بسهولة ومهما أبدى له !

وكم شعرت بالأسى والحزن ناحيته هو وأمثاله فهم أطفال
ولدوا بلا هوية ولا عائلة ولا انتماء فقط لبيعهم ومن ثم
قتلهم بدم بارد فدمائه تباع بمبالغ هائلة بينما يعيش هو
الفقر والجوع والعوز ، عليها إذاً أن تحمد الله فثمة من هم
في هذه الحياة تعرضوا للظلم أكثر منها ، قالت ونظراتها
الحزينة لم تفارقه

" ما هي قصتك ؟ "

رفع نظره لها بينما توقفت يده والخبز فيها دون أن يوصلها
لفمه ونظر لعينيها بصمت لبرهة وقبل أن يقول ببرود

" وما علاقتك بقصتي .. هذا أمر لا يخصك "

لاذت بالصمت متجمدة الملامح وكأنه ضرب وجهها
بصفيحة حديدية ساخنة فبقدر شعورها بالشفقة حياله إلا
أنه وقح وعناده وقوة نظراته تفوق عمره بأعوام !
تنهدت بضيق وقالت

" أنا كنت أعني ... "

وعادت وقاطعت نفسها حين أدركت بأن ما كانت تفكر في
قوله سيجرحه كونه لن يكون يعلم بالتأكيد من هو والده أو
من هي والدته لأن السبب الأساسي هو إنجابه فقط ولا يهم
من باع نفسه لأجل ذلك أو فكر في بيعه هو فالمئات من
العلاقات الغير شرعية المماثلة تحدث لينتج عنها طفل
زهري واحد وبعد أعوام عديدة خاصة مع حرص الثنانيين
المميت على عدم التناسب بينهم وبين العرب لهذا السبب
تحديداً أي أن ولادة طفل مثله تشبه هلال العيد تحدث مرة
واحدة في العام إن لم يكن عدة أعوام ، كما أن والدته
يصيبها نزيف حاد وقت ولادته ولا تحمل بعدها مطلقاً ، أي
بأنه فرصة واحدة في ولادة وحيدة خاصة أن ثمنها سيكون
غالياً على مخالف قوانين الثنانيين حال اكتشافه .


حركت رأسها تطرد منه كل تلك الأفكار فعليها معرفة ما هو
أهم من ذلك بالنسبة لها لذلك قالت تنظر له بفضول وقد عاد
للانشغال بطعامه

" مؤكد أنتم تعلمون عن كل شيء في هذه الأراضي لذلك ثمة ما أريد سؤالك عنه "

لم يبدر منه أي اهتمام ولا انتباه لما تقول ولم تنتظر هي
منه ذلك وتابعت وإن كانت ضربات قلبها بدأت تخونها
بسبب الحديث عن الأمر

" بئر أرض غيلوان المدفون والأصوات التي تخرج منه
مؤكد تعلم عنها "

ازداد توجسها مع ارتفاع ضربات قلبها أكثر حين توقفت
يده ورفع رأسه ونظره لها هذه المرة ولم تفتها النظرة التي
رأتها في عينيه حينها وكأنه فوجئ بمعرفتها بالأمر لكنه
خان جميع توقعاتها حين هرب بنظره منها ليده متمتماً
ببرود

" لا أعلم عمّا تتحدثين "

" بل تعلم جيداً "

قالتها بكلمات قوية سريعة بل وأكيدة من كل حرف فيها
لكنه تجاهل كل ذلك وهو يعود لجمع الخبز والإيدام بأصابعه
ونظره عليه فتنهدت بضيق وعلمت بأن مهمتها لن تكون
سهلة بل ولن يفيد الصراخ وإلقاء الأوامر عليه فيبدو بأن
الدماء الزهرية التي تسري في عروقه تصنع منه مزيجاً
غريباً لا يشبه أقرانه ولا أي أحد لذلك حاولت جمع قواها
لتكون هادئة ولتخرج كلماتها صادقة لتصل لعقله وليس
لتأكيد صدقها وقالت

" يمكنك الوثوق بي فأنا أكرههم أكثر منكم "

كتمت غضبها بصعوبة حين خرج الهواء من بين شفتيه في
تأفف واضح ورفع نظره لها هذه المرة وقال بضيق

" أخبرتك بأني لا أعلم عمّا تتحدثين عنه فالآبار كثيرة
والريح تصفر فيها طوال الوقت "


حركت رأسها بقوة ورفض وقالت مباشرة وبنبرة قوية
واثقة لأنه تبدو وحدها ما تجدي معه

" لكن ما تم ردمه واحد ولا أعلم إن كان ثمة غيره ! وما
خرج منه لم يكن صوت ريح أنا لست طفلة ولا غبية "

شعرت بالحرارة تخرج من أذنيها بسبب غضبها المكبوت
وهو يتعمد تجاهلها مجدداً ويعود لشغل نظره ببقايا الخبز
يجمعها معاً بأصابعه فقالت في محاولة جديدة ودون يئس
لأنه سبيلها الوحيد

" أنا لا أعرفك ولا أعلم من تكون وما هو اسمك وأقسم
بأني لن أؤذيك أبداً ولن يعلم أحد بما دار بيننا ... أعدك "


كانت النتيجة ذاتها وهو ما جعلها تتنهد بنفاذ صبر ، لكن
عليها إيجاد حل ما لجعله ينطق بما لديه ولا سلاح أمامها
كامرأة سوى الإلحاح المزعج مع عنيد مثله لذلك قالت
بإصرار

" أخبرني فقط هل سمع أحد منكم تلك الأصوات التي كانت
تخرج منه ؟ "

كانت ستعلن يئسها التام من جعل لسانه يتحرك مجدداً لكنه
فاجأها حين نظر لعينيها وقال بكلمات بطيئة متوجسة

" وأنتِ كيف سمعتها ! "

شعرت ببرودة غريبة تسري في عروقها ولم تصدق أذناها
وهي تسمع ذلك وما هو بمثابة اعتراف حقيقي منه بأنه
سمعه أيضاً مثلها ولم تكن تتوهم ذلك فقالت تروي
بالتفصيل ما حدث معها

" كان الوقت متأخراً واضطررت للخروج بحثاً عن
المساعدة وفجأة ركض أحدهم ورائي فدخلت أراضيهم
وضِعت هناك ووجدت نفسي أمامه فاحتميت به وسمعت
أصواتاً تخرج منه "


لاذت بالصمت تنظر لعينيه ولونها الغريب الذي باتت تألفه
وتراه مميزاً عكس رؤيتها لهما أول مرة بينما كانت تنتظر
بفضول وترقب كبيرين ما ينوي قوله بعد كل هذا الصمت ،
ولم تخنها توقعاتها فقد همس بخفوت وكأنه يخشى من
الجدران أن تنقل صوته

" وكان صراخ رجل ؟ "


اتسعت عيناها وحركت رأسها بسرعة قائلة

" أجل لكن لا يبدو أنه رجل يتم تعذيبه ليكون سجيناً !! "

حرك رأسه موافقاً حديثها وفي صمت فقالت سريعاً

" سمعته إذاً ؟ "


كان جوابه إيماءة جديدة وإن كانت ملامحه تتسم بالجمود
التام لكنه يكفيها كاعتراف منه وما جعلها تقول
بحماس شديد

" اخبرني إذاً كيف أصل إليه مجدداً أو خدني إليه "

قال مباشرة وبذات نبرته الجادة

" لا يمكن لأننا ممنوعون من الاقتراب منه "

اجفلت ملامحها في صدمة وقالت

" ولما ؟! "

لم يُجب واكتفى بالتحديق فيها بصمت فعلمت بأنها سألت
عمّا لا يمكنه التحدث عنه ! لكنها استطاعت ترجمته سريعاً
وقالت تنظر لعينيه

" زعيمكم ذاك من منعكم ؟ "

كان جوابه الصمت أيضاً وهذا يعني بأنها أصابت الحقيقة
فشخص مثله لا تصدق بأنه ثمة من يُملي عليه أوامره غير
من يعترف به زعيماً له وهذا لا يصب في صالحها فها قد
عاد للاختباء خلف صمته ، قالت بنظرة إصرار ليعلم بأنها
لن تدعه وشأنه مجدداً

" أخبرني فقط لا أريد الذهاب له "

كان رد فعله المبدئي أن تنهد بضيق وقبل أن يقول مستسلماً

" أجل لأن واحد منا مات بسببه "

أتسعت عيناها بذهول وقالت دون شعور منها

" ولما ؟! "


كانت تنتظر جوابه بقلب واجف وعقل متوقف عن العمل
تماماً تكاد تفقد أنفاسها من شدة رهبتها وترقبها الشديد
لجوابه ذاك لكنه فاجأها أن قال ببرود

" بسبب ما تشعرين أنتِ به الآن "

تبدلت جميع مشاعرها تلك وغضنت جبينها باستغراب
وقالت

" ما هو ؟ "

قال مباشرة وببرود أشد

" الفضول "

سحبت نفساً غاضباً لرئتيها وكورت شفتيها بضيق قبل
أن تقول

" وهل تنكر بأنه أمر يثير الفضول ؟ "

رفع المنشفة وبدأ بمسح يديه دون أن يعلق على ما قالت
فأبعدت نظرها عنه وقالت بحنق تنظر ناحية الباب المفتوح
والغارق في الظلام

" الحمقى ردموه بعدها وضاعت الفرصة "

وعادت ونظرت له سريعاً حين خان توقعاتها في أن يقول
أي شيء مجدداً وقد قال بجمود

" من الجيد أن حدث ذلك لكنتِ ميتة الآن بسبب
نزولك له "

شدت شفتيها بضيق من أسلوبه النزق وقالت بعدها

" أنا لم أقل بأنني سأنزل "
لم يعلق بينما اعتدل في جلوسه بعد أن رمى المنشفة من
يده في الصينية وقد نصب ركبته وأراح ساعده عليها وهي
تراقبه في حيرة فحتى طريقة جلوسه تشبه الرجال !!
تصرفاته كلماته وكأنه رجل في جسد فتى ؟!

باتت تحار فعلياً كيف يكون زعيمهم ذاك إن كان هذا مجرد
تابع له ! عادت لإزاحة كل تلك الأفكار من رأسها وقالت ما
هو أهم بالنسبة لها

" لكن لما لا يسمعه عمالهم ؟! "

قال دون تردد ولا تفكير

" لأنها لا تخرج في أي وقت ونحن لم نسمعه سوى
مرتان فقط بالرغم من تحركنا الدائم حوله وهم ممنوعون
من التجول في الأراضي ليلاً ومن يجدوه فيها وكائناً من
يكون فسيموت فوراً "


أجفلت بعينين متسعة بسبب ما قال ، وهل عليها أن تتوقع
غير ذلك من مجرمين أمثالهم ؟ إذاً هو سر خطير ذاك الذي
يخفونه !! قالت تنظر لعينيه بفضول

" هل مات صديقك ذاك لأنه نزل فيه ؟! "

تغيرت ملامحه للحزن فجأة والذي غطا عليه الغضب
المكبوت سريعاً وقال وكأنه يقاوم نبرة الألم في صوته

" أجل واختفى داخله ولم يخرج أبداً ووجدناه بعدها بيومين
ميتاً وجسده منغرس في عمود سياج حديدي صدئ قد
اخترق صدره وخرج من ظهره في رسالة واضحة لكل من
يقترب من تلك اللعنة "


بدأت أنفاسها ترتفع بالتناغم مع ضربات قلبها وعيناها
تحدق فيه بذهول لهول المنظر الذي تخيلته ورأوه وهم في
هذا السن ! ولكي تبتعد عن الحديث في الأمر الذي يؤذيه
كثيراً بالتأكيد وإن لم يُظهر ذلك قالت ساخرة

" أتصدق فعلاً أنها لعنة ؟ أنا لا يمكنني تصديق ذلك "

كان رد فعله المبدئي ابتسامة ساخرة أيضاً بينما ظهرت
المرارة واضحة في صوته حين قال

" أمثالي حياتهم كاملة عبارة عن خرافة "

شعرت بالحزن يسيطر على قلبها وبالشفقة حياله ورغم
ذلك لم تظهرها في عينيها ولا صوتها حين قالت

" وحياتك وأمثالك تحمل الكثير من الأكاذيب التي يصعب
تصديقها ، وما سمعته في ذاك البئر حقيقي وواضح لا
علاقة للجن به"


عاد لوضع البرود مجدداً وقال

" إن لم تصدقي هذا فستكون نهايتك مثل نهايته تماماً
لا تنسي ذلك "


لكنها وكسابقتها تجاهلت تماماً ما هددها به كمصير لها
وقالت بنظرة تفكير لم تبعدها عن عينيه

" إذاً هو نزل ثم أمسكوا به وقتلوه ثم رموه بعيداً لتكون
بمثابة عقاب لكم ؟ "

قال سريعاً

" ليس صحيحاً فالبئر لا نهاية له "


لم تستطع إمساك ضحكة صغيرة تغلبت عليها وقالت

" تفكيرك يشبه سنوات عمرك ، كيف تم ردمه إن كان
لا نهاية له "


قال باستهزاء من أفكارها هي

" لقد انجرفت التربة إن كنتِ لا تعلمين هذا "

" ماذا !! "

همست بتلك الكلمة مصدومة تنظر لعينيه فقال

" لقد اختفى أكثر من نصفها داخله "

حركت رأسها في حيرة وضياع وقالت بأفكار مشتتة

" لكن ... إن كان لا نهاية له لكانت اختفت جميعها وما
كانوا ليفكروا في ردمه أساساً !! "

قال دون اكتراث

" هذا لا يعنيني ولا تنسي بأنك وعدتني بأن لا يعلم أحد
بما قلت "


حركت رأسها متمتمه

" لا تخف لن أوقعك في مشكلة مع زعيمك ورفاقك "

أشاح بوجهه جانباً وتمتم مثلها ولكن بابتسامة ساخرة

" أتمنى ذلك "

شدت على أسنانها تكتم غيضها منه وتنفست بعمق تهدئ
نفسها وقالت

" لديا سؤال أخير "


كان على حالته تلك ينظر فقط ناحية باب الغرفة المفتوح
والظلام في الخارج فتابعت من فورها لأن هذا يبدوا ممتزجاً
مع شخصيته

" زعيمكم ذاك هل هو ابن شعيب غيلوان ؟ "

نظر لها بسرعة نظرة حارقة كفيلة بقلتها وصاح بحدة

" ما هذا السؤال ؟! "

تجمدت ملامحها في صمت بادئ الأمر ولا تعلم أغضبه أن
خمنت بأن ابن عدوهم هو زعيم لهم وإن كانت تجهل
أسباب كرههم له أم لأنها أصابت الحقيقة التي يخفيها
شعيب عن الجميع !! ورغم ذلك تابعت ودون أن تهتم
لمزاجه ذاك

" هو لديه ابن فلن يكون ثمة غيره يكن له عداءً واضح
ليحرق حقول ... "


وتوقفت كلماتها بسبب مقاطعتها لها قائلاً بسخرية تغير
معها مزاجه فجأة

" أنتِ تصدقين الخرافات والشائعات كثيراً ... كم تبدين
حمقاء "

كانت قد وصلت لأقصاها بسببه حينها وهو ما جعلها تقول
بحنق وضيق شديدين

" لما لا تتحدث معي باحترام فأنا أكبر منك سنناً "

رماها بالقذيفة الأخرى متمتماً ببرود

" لا علاقة لعقولنا بتاريخ ميلادنا "

اتسعت عيناها من حجم إهانته تلك ، وكيف لها أن تتوقع
غير ذلك ممن تربى في ظروف ومكان الله وحده يعلم ما
يكون ؟ ورغم ذلك صرخت به غاضبة

" أصمت لم أعد أريد أي أجوبة منك ولا أن أسمع
صوتك أيضاً "

قال سريعاً وبكل وقاحة

" أنتِ من طلب سماعه "

" يا إلهي ما هذا ! "

همست بتلك الكلمات تمسك رأسها بيديها وتأففت بغضب
تمسك نفسها كي لا تنسى الظروف التي عاشها واجبر على
العيش فيها ونظرت له ما أن وقف على طوله قائلاً بضيق

" لما لا يرتاح كل واحد منا من الآخر ؟ تبدو لي الفكرة
جيدة وهو وقتها "


وقفت أيضاً وقالت تمنعه

" لن تغادر قبل مجيء يمان فهو صاحب المنزل ومن يراك
ضيفه ، ثم أنا لم أرى جرحك بعد "

تنهد بضيق وهو يبعد نظره عنها متمتماً بحنق

" ما هذه الليلة الطويلة "

تحركت نحوه قائلة ببرد

" من الأفضل لك أن تكون كذلك كي تعود لرفاقك قبل
طلوع النهار "

وما أن وصلت له رفعت العلبة التي كانت تحوي الضمادات
والكحول الطبي قائلة

" هياّ اجلس سأفتح الضمادة لأتأكد من أن النزيف توقف "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 02:50 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية