لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

قصص من وحي قلم الاعضاء قصص من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-19, 08:13 PM   المشاركة رقم: 1376
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*

مسحت بقايا الدموع من رموشها وإن كانت لم تعد تنزل من

عينيها ما أن شعرت بتلك الخطوات الثقيلة تقترب منها وعادت

لاحتضان نفسها بذراعها الأخرى أيضاً وأحنت رأسها للأسفل

قليلاً ما أن توقفت خطواته خلفها تماماً ، أغمضت عينيها

وتنفست بعمق نفساً حمل عطره الرجولي لكل خلية في جسدها

لترتجف كلٌ على حده ليس بسبب ذاك العطر القوي المميز فقط

بل وبسبب اليدان اللتان لامستا ذراعيها بنعومة وتحركت على

قماش أكمام فستانها الحريري حتى حضنت أصابعه يديها

الممسكتان بمرفقيها وأصبحت في حضنه تماماً تشعر حتى

بضربات قلبه الثابتة تخترق ظهرها الملتصق به وعلقت أنفاسها

حيث لا تعلم ما أن مال برأسه لتصبح شفتيه في مستوى أذنها

وشعرت بأنفاسه تخترق قماش حجابها الناعم كما تحرق بشرة

وجنتها المشتعلة بحمرة قاسية من كثرة ما كانت تمسح الدموع

المنزلقة فوقها ووجدت ذاك الهواء العالق في مكان ما في صدرها

لتخرجه في زفرة متأنية حين تسربت كلماته مع الهواء الرطب

حولهما بطيئة دافئة وعميقة كما بحته الرجولية المميزة

وهو يهمس

" كان عليا أن أكتسح عزلتك ولا تسألي لما "


فاكتفت فقط بأن أرخت أناملها سامحة لأصابعه الطويلة أن

تحضنها وقد شد عليها بقوة ولازالت على وضعها السابق بل

واكتفت بكل ذلك وبوضعهما ذاك يحضنها ممسكاً بيديها بينما

لازالت تحضن هي نفسها بيديها تلك لم تعلق على ما قال لم

تتحدث ولم يفعل هو ذلك وكأنها تسرق تلك اللحظات من ماذا

لا تعلم ؟ منه من نفسها من حاضرهما أم من ألا شيء الذي

لطالما آلت أحلامها إليه ؟ لذلك اكتفت حينها فقط بالشعور به

بدفء جسده وحرارة أنفاسه لا شيء حولهما سوى أصوات

حفيف الأوراق الخضراء المتراقصة مع النسيم والأزهار الملونة

التي ملأ عبقها المكان وصوت مياه النافورة الحجرية في مكان ما

قربهما وكأنها تحدث الليل والقمر وكل شيء لا يسمع عنهما فمن

يروي قصص العشاق حين تحوي الألم والفراق والفقد سواها ؟

من يفهم ذاك الصمت الذي حمل كل آلام الماضي ومآسيه سوى

الأشياء التي لا تعرف إلا الصمت ؟.


احتضنت نفسها أكثر مغمَضة العينين ولازالت أصابعها سجينة

يديه فجعله ذلك يزيد من احتضانه لها بشدة أكبر لازالت تستمع

لأنفاسه الدافئة التي تشعل وجنتها وصدغها بحرارة تشبه فقط

حبها واحتياجها واشتياقها إليه بالرغم من كل شيء وحتى من

ألمها الطويل منه .


ابتعدت عنه مجفلة كما حررها هو من ذراعيه سريعاً واستدارت

ناحيته ونظرت باستغراب لنصف وجهه المقابل لها لأنه كان ينظر

جانباً حيث صوت تلك الخطوات التي كانت تَعبر الممشى الحجري

باتجاههما !

وما أن نظر ناحيتها قرأت في عينيه ما تتوقعه تماماً وهو

التساؤل المدجج بالخطر عن هوية صاحب تلك الخطوات

فكلاهما يعلم بأن من تركوهم خلفهم هناك لن يفكر أحد منهم

في اللحاق بهما

بل ولن يسلك هذا الاتجاه وإن فعلها ! ومؤكد أن جميع من

يعملون هناك وصلتهم أوامر مسبقة بعدم التجول ولا الاقتراب

الليلة خصوصاً !!

نزلت بنظراتها المستغربة ليده التي مررها ببطء تحت طرف

سترته السفلي فارتفع ضجيج ضربات قلبها الصاخبة لأذنيها

وشعرت بالذعر فهو بالتأكيد يحمل مسدساً هناك لكن ما هذا الذي

يجعله يفكر في استخدامه هنا في منزل محاط بالحراسة المشددة !

من هذا الذي يخشى أن يخترق الحاجز الأمني القوي الذي

يطوقهم به واختاره بنفسه !


انتقلت نظراتها المتوجسة حيث لازال ينظر وحيث الخطوات التي

أصبح لا يفصلهم عنها سوى حاجز من الشجيرات المنسقة بعناية

ليغطي طولها كل ما تخفيه خلفها وارتجف جسدها بقوة حين مد

يده ليدها وسحبها نحوه لحظة أن ظهر لهما من كان قد اتبع

أسلوباً بارعاً في التشويق واللعب بالأعصاب وهو يسير نحوهما

بتلك الخطوات البطيئة المتأنية وكأنه لا شيء لديه وليصل متى ما

أراد !

" عمتي !!! "


كانت غسق من كسر ذاك الصمت المشحون الذي تلا ظهور ذاك

الجسد النحيل لهما لتكشف أنوار الحديقة المنتشرة حولهم

تفاصيله كما تلك الملامح المتجهمة بعبوس واضح ونظراتها

الباردة تتنقل بينهما قبل أن تنزل ليديهما الممسكتان ببعضهما

بقوة لحظة أن دس مطر مسدسه في مكانه وما أن عادت بنظرها

لعيني التي كانت لاتزال تنظر لها باستغراب قالت بجمود

" أجل عمتك ... من كنت تتوقعين مثلا ليقتله زوجك برصاصة

من مسدسه؟ "


فرفعت يدها الأخرى ومسحت بها ملامحها الجميلة الشاحبة بذعر

لم يغادرها بعد مستغفره الله بهمس خافت مرتجف بينما لم تنتظر

الواقفة مقابلة لهما أي تعليق من كليهما وهي تتابع ببرود

ونظرها ينتقل بينهما

" بما أن أمور العائلة العالقة جميعها سويت كما أرى فهل أعلم

ما مكان جبران من كل هذا ؟ "

وهنا انقبضت أنامل غسق بقوة مع انقباض قلبها وسط أضلعها

ليس فقط بسبب ما قالت بل وما استطاعت استشعاره من الواقف

ملاصقا لها وإن لم تنظر له فيمكنها أن تشعر بموجة الغضب

السوداء تلك التي عبرت مسامات جسده والتي اخترقت قماش

بدلته السوداء الفاخرة لتصل إليها فشدت أناملها على أصابعه

التي لازالت تلتف حول كفها بتملك حمائي قوي راجية أن يفهم

إشارتها تلك ولا يخرج من صمته المميت ذاك وهي واثقة من ذلك

لكن ما تخشاه فعلا أن لا ينصاع ليس أن لا يفهم .. وكم حمدت

الله حين التزم الصمت ولم يعلق بينما تجنبت هي النظر لملامحه

التي لا تعلم حتى الآن ما يرتسم عليها ولا أي نظرة تلك التي كان

يوجهها للواقفة مقابلة لهما ترفع رأسها بشموخ وكأنهما يقفان

أمام قاضٍ في قاعة محكمة موحشة لا يوجد فيها غيرهم

ثلاثتهم ! ولم تكن تعلم بأن نظراته حينها لم تكن تحمل سوى

الجمود التام ... الجمود فقط لا شيء آخر وكأنهما حجرين

أسودين جامدين .


كان عليها أن تتوقع هذا منذ زمن وأن عمتها كانت تنتظر فقط

الفرصة المواتية التي حظيت بها الآن كما تريد وبأنها لن تصمت

طويلا وتكتفي فقط بتلك العبارات الطائشة التي كانت ترميهم

بها دون استثناء وهي أولهم وها هي اختارت الوقت والمكان

المناسبين بالفعل لذلك كان عليها هي تولي المهمة وعلى هذه

المسألة المعقدة أن تنتهي بالفعل فقالت بصبر ونبرة جعلتها متزنة

قدر الإمكان لكن الجمود كان أقوى وانتصر عليها ونظرها لم

يفارق تلك العينان الغاضبة

" عمتي جبران هو من بات يرفضنا .. لقد حاولت التحدث معه

مراراً ولم يجب ثم أغلق هاتفه نهائياً ويبدو تخلص منه ولا

يمكنك لوم أ..... "


فقاطعتها متعمدة تتجاهل النظر لها كما سماعها ونظرها لازال

مركز على الواقف بثقة وصمت

" رأينا عدلك مع أبناء شراع واحداً واحداً ومع أبناء شعبك

واسمك بات مرتبطاً بالعدل لديهم وفي كل مكان وحان دوره الآن

فأنصفه بما عرفه الجميع عنك ولا تكن ظالماً يا ابن عائلة

الشاهين الشرفاء "


تنفست حينها الواقفة بجانبه بعمق تمسح بأطراف أصابع يدها

الحرة على جبينها وكم كانت ممتنة له أنه لازال يلتزم صمت

الأموات ذاك وأصابعها لازالت تزيد من الشد على يده أكثر لازالت

تترجاه في صمت تتأمل بالفعل أن يستوعبه وقالت في محاولة

جديدة ما أن رفعت نظرها بالتي لازالت تحدق في تلك العينان

السوداء الجامدة

" عمتي ما بيني وبين جبران لا دخل لمطر .... "


" أصمتي يا غسق "


ألجمتها عبارتها الحادة الآمرة تلك وتابعت من فورها تنظر

لها بضيق

" أنا لا أريد سماع ما بت أحفظه عن ظهر قلب منذ أعوام بل

أن أسمع رأيه ... "


وتابعت أيضاً وقد نقلت نظرها له مجدداً وحدث ما كانت تخشاه

غسق وتتوقعه بالفعل وهي تهاجمه بحدة

" أم لا حديث للرجال حين تذهب بعقولهم النساء ؟ "


فنظرت لها بصدمة ولم تستطع منع شفتيها من الانفراج في

شهقة صامتة فهي توقعت أن توجه له كلمات قاسية تغلبت فيها

مشاعرها نحو ابن شقيقها لكن ليس بهذه الطريقة المجنونة !

درجة أن تنسى من يكون هذا الواقف أمامها توجه له إهانة كتلك

وأعظم رجال البلاد وأكبرهم ينحنون احتراماً له !

وعلمت حينها أن الأمور ستنحدر نحو الأسوأ فرفعت نظرها به

سريعاً وهمست بخفوت تنظر لنصف وجهه المقابل لها ولملامحه

الجامدة جمود الصخر

" مطر أرجوك "

تعلم بأنه أكثر رجل عرفته يتحلى بالحكمة لما كان قاد جيوشاً

ووحد بلاداً ممزقة ونزع أحقاداً عمياء من نفوس أبنائها لكنها

تعلم أيضاً بأنه يفقد عقله ورجاحته تلك إن كان اسم جبران في

الأمر وليست تخشى على عمتها وتهور لسانها منه فهي تعلم

بأنه لن يؤذيها مهما قالت لكنها تخشى على جبران فهي لا تصدق

بأنه حتى اللحظة لم يأمر بجلب رأسه محمولاً على نصل حربة

سلاحه الرشاش وتخشى بالفعل أن يتهور ويفعلها في أي لحظة .


كانت نظراتها الراجية ملتصقة بنصف وجهه المقابل لها وحدث ما

خشيته فعلا حين ارتخت أصابعه وحرر يدها من قبضته لحظة أن

تحركت شفتاه وقال بجمود

" ليس مطر شاهين من تتحكم به النساء ولا تحركه "

فقالت المقابلة له من فورها وبحزم

" إذا أريد أن..... "

وأجفلت بصمت حين قاطعها بحزم رجولي يشبه شخصية

المحارب القديم فيه

" يمكنك الاستماع لي فقط الآن فقد سمعت ما لديك ولا داعي

لتكراره "

وألجمتها تماماً كلماته القاسية الحادة تلك ورأت حينها بالفعل

مطر شاهين الذي سمعت عنه لأعوام .. وكان المزيد في انتظارها

وقد تابع بذات النبرة القوية الحازمة

" إن كان ثمة من لديه حق يستوفيه من الآخر وكنتُ عادلاً كما

تطلبين لكان ابن شقيقك ذاك تحت التراب الآن "


وكانت عبارته تلك بل وآخر كلمات فيها ما جعل عينا الواقفة

أمامه تتسعان بذهول بينما أغمضت غسق عينيها تمسكهما

بأصابع يدها بقوة ورأسها منحنٍ للأسفل وتابع وكما توقعت

وبنبرة غاضبة هذه المرة

" فأي حق هذا الذي تتشدقون به وأي ابن لشراع صنوان

هذا الذي لا يستحق سوى الموت ؟ "


فارتجف جسدها بقوة وهي تَنزل بأناملها لشفتيها من شدة وقع

كلماته ومن الفكرة تحديداً كما ارتجف بوضوح جسد الواقفة هناك

منتفضاً بغضب وضربت أوامره عرض الحائط وهي تصرخ

بانفعال

" ليس لبشر أن يقرر مصير غيره ومتى سيموت ! ما ذنب

جبران سوى أنه كغيره حلم حلماً وأراد أن يناله بأشرف

الطرق ؟ "


وكان ذاك ما زاد النار اشتعالاً وبالرغم من الأصابع التي أمسكت

بقماش سترته عند مرفقه وعبارات الرجاء الهامس للواقفة

بجانبه إلا أن ذلك لم يوقف سيل كلماته التي خرجت بعنف

" ذنبه أنه خان وطنه وشرفه ووالده ومبادئه .. بل وسعى قبلها

لتدمير حياة غيره بدافع تملكي مريض ! فمن يرى أن ما هو

حق لغيره ملكاً له ليس سوى أحمق مغفل يفتقر للحكمة

وحسن التصرف "


كانت كلماته كسهام مسمومة يلقيها على اتهاماتها فترسلها لعالم

الأموات ولأنها لم تستطع مواجهته بالقوة التي واجهها بها

ويملكها تغيرت وجهة هدفها ومرمى نبالها للواقفة بجانبه .. فهي

من عليها أن تُهاجم دون أن تدافع عن نفسها بالطبع كما حدث

حينها وهي تنظر لها قائلة بضيق

" هو لم يبني ذلك من أوهام ولا نظر لما هو ليس ملكاً له

يا غسق أليس كذلك ؟ لما لا تعترفي بالحقيقة كاملة ؟ من ظلم

جبران في هذا ومن هو الظالم الحقيقي ؟ "


فامتلأت عيناها بدموع القهر والأسى سريعاً وإن لم تنزل منها

ونظراتها الآسية لم تفارق تلك العينان المحدقة فيها بغضب وأبت

الكلمات أن تخرج من شفتيها فتابعت جلدها ودون رحمة

" أليس من حقه أن يحظى بما تدللون به أنفسكم أبناء

شراع ؟ "


وتابعت بقسوة تشير بسبابتها جانباً

" بينما أنتم تحتفلون هنا وتضحكون ألم يفكر أحد منكم أين يكون

هو الآن ؟ ما الذي يشعر به وما يموت في داخله ؟ تبتسمون كل

صباح .. يراعي أحدكم الآخر وتسعون باستماته لأن تضمد

جراحكم من قبل أن تنزف ولم يفكر أي منكم به ....!

كم ليلة نامها وحيداً مقهوراً ليس ثمة من ولا يمسح على

كتفه مواسياً ..


وصرخت متابعة بحدة سبابتها تشير لتلك العينان الواسعة الدامعة

هذه المرة

" لقد قتلتموه .... قتلتموه جميعكم ودون رحمة ومنذ أعوام وكل

ذلك من أجلك يا ابنة دجى الحالك "


فاشتدت قبضتاها بقوة وانزلقت أول دمعة من طرف رموشها

الكثيفة معانقة احمرار وجنتها المحتقنه بالدماء وما أن تحركت

شفتيها الجافة ببطء مرتجف أوقفتها الأصابع الطويلة التي التفت

حول كفها البارد كالجليد مجدداً يكرر ما فعلته سابقاً وهي تطلب

منه الصمت وعدم التدخل وكأنه يأمرها بمنحه ذات الفرصة وهي

تعلم بأنه لازال يتصرف معها بتعقل بحكم سنها بالتأكيد وفقط لا

غير لكنها لا تريد لهذا النقاش أن يطول أكثر من ذلك وأن يأخذ

منحاً خطر سيدفع جبران وحده ثمنه فهي كانت من التهور سابقاً

أن استهانت بغضبه من ذكر اسمه فقط أمامه حين كانا في منزل

الشاطئ ودافعت عنه بشدة وحاولت تبرير موقفه واتهام نفسها

مكانه فجعلته بذلك يشتعل كالبركان وكانت أكيدة حينها من أنه

على استعداد لإعطاء أوامره لرجاله لسحبه من وسط معقله إن

أوصلته لنقطة فقدان التحكم بذاك الغضب مما جعلها تتراجع لكنها

الآن ليست الطرف الثاني في الحديث ولن يسمح لها سوى

بالصمت والاستماع والموت كمداً ومن كليهما ، وذاك ما حدث

فعلا حين قال وبضيق

" اعتقدت بأن حديثك أصبح معي وليس معها ؟ وأعتقد أيضا أن

محاولات استغلال عاطفتها الأخوية نحوه لن تنجح معي ولن

تحطم غيرها وهذا ما لن أسمح به "


كان كل واحد من بينهم ثلاثتهم يعلم بأنه أصاب الحقيقة في عينها

لذلك وما أن كانت ستتحدث قاطعها بحزم غاضب

" يمكنك الاستماع لي فقط فقد سمعت من هذا ما يكفي "


فابتلعت كلماتها كما زمت شفتيها في صمت بينما تابع هو بذات

نبرته الحازمة الحانقة

" لا حق لابن شقيقك لدي ولا يمكنكم استخدام ورقة موافقتها

الزواج به سابقاً ضدي في كل مرة فهي كانت زوجتي منذ كانت

طفلة وما من حق لشقيقك بأن يزوجها ولأي كان وهو يعلم ابنة

من تكون ومن هم عائلتها والأحق بتقرير ذلك ... "


ورفع سبابته وهو يتابع بحدة

" وقسما إن علمت حينها فقط بأنه يخطط لفعلها ولأي رجل كان

لكنت دككت مدنكم دكاً وحولتها لنيران فأخبارها لم تكن تخفى

عني وإن كانت بينكم وجواسيسي ضمن من يخدمونكم

ليل نهار "


حدقت فيه تلك العينان اللامعتان تحت الضوء الخافت بصدمة بينما

تابع هو غير مكترث بالحقائق التي أخفتها السنين عنهم ليكشفها

الآن وقال بذات حزمه الغاضب

" غسق عاشت في منزلي وزوجة لي لثلاث أشهر قبل أن

تجمعني بها غرفة واحدة ولم اجبرها على شيء هي ترفضه أو لا

تريده ونامت في سريري راضية ، وإن هي أخبرتني وإن بكلمة

واحدة فقط بأنها تريد رجلاً آخر ما كنت لألمسها ما حييت .. كما

لا يحق لأحد أن يلومها على ذلك فهو قرارها ليس قرار ابن

شقيقك ذاك ولا قراري ولا قرارك أنت فما من أحد يحق له أن

يوجه مشاعر غيره كما يريد .. "


وكان هو من أشار لها بسبابته حينها وفي نصف عينيها وهو

يتابع بحدة

" وابن شقيقك ذاك ولتعلمي فقط بأني إن استخدمت العدل معه

فأقل ما سيناله هو حكم إعدام عسكري ... هذه العدالة القضائية

فقط إن استثنينا الأمور الشخصية العالقة بالطبع "


ألجمتها عباراته الهجومية تلك بل والحقائق الصريحة فيها والتي

ما كان لأحد أن ينكرها ويبدو بأنها اختارت الند الأقوى منها

بجميع حججه ومن لن تحركه أو تلجمه العواطف ولا الامتنان

اتجاه تلك العائلة كما يحدث مع الواقفة قربه والتي كانت تنظر لها

بحزن فحجبت عيناها دموعاً رفضت أن يرياها قبل أن تستدير

بظهرها وتغادر من حيث ظهرت حاملة معها كل تلك الزوبعة التي

أثارتها في مشاعر كليهما .. أو هذا ما ظنه أحدهما فقط وهو

يستدير ناحية التي رفعت عينيها الدامعة له بصمت فرفع يديه

وأمسك وجهها وقال من قبل أن تفكر في قول ما يتوقعه جيداً

وأنفاسه المتلاحقة لا تعبر سوى عن الغضب المكبوت الذي لم

يخمد بعد

" لا تتحدثي بشيء يا غسق ... لا أريد سماع اسمه من شفتيك

تحديداً والآن بالذات "


فاحترقت الأنفاس في حنجرتها أيضاً حتى شعرت بأنها تشتعل

كالحريق درجة أن آلمتها وبقوة أكبر من ألم سجن الدموع في

عينيها المحدقة في تلك العينان السوداء التي كانت تنظر لها بعناد

رجولي حازم لازال يحمل آثار معركته الأخيرة ولكن شفتيها

ورغماً عن كل ذلك تحركت ببطء محررة كل ذاك الألم في حلقها

هامسة بضعف

" لكنه شقيقي .. "


فاشتدت أصابعه على وجهها كما الغريزة القاتلة المشتعلة في

عينيه وقال بأحرف مشدودة

" أنا لا أتحدث عن مشاعرك الأخوية اتجاهه بل عن مشاعره هو

وقسماً لن أكون أكثر عدلاً معه كما الآن "


انزلقت الدمعة اليتيمة على وجنتها الناعمة التي لازالت تحتفظ

بذات الاحمرار الملتهب وهمست بحزن محدقة في عينيه

" أنت لن تقتله يا مطر أليس كذلك ؟ "


نزلت يداه لعنقها وقال بهدوء ناقض مزاجه السابق بأكمله وإن

كانت كلماته حملت الكثير من الجدية محدقاً في عينيها الدامعة

" لن أفعلها وأنا أعلم بأنها ما قد يقتلني بداخلك يا غسق ...

لم أفعلها منذ أربعة عشر عاماً وهو يحاول قتلي لأفعلها الآن "


فتبدلت نظراتها للحيرة لحظة أن جذبها نحوه وهو ينحني نحوها

أكثر وطبع قبلة رقيقة دافئة على شفتيها كانت طويلة بقدر

نعومتها ورقتها جعلتها تغرق في طوفان من المشاعر المتأججة

التي قطعها ابتعاده البطيء عنها بالرغم من أنه لازال يأسر

وجهها في حصار كفيه وأصابعه الطويلة ونظر لعينيها وقال

هامساً بتأني

" قسماً لن أسلمك لأي رجل كان وأنا أعلم بأنه لازال لي مكاناً

وإن صغيراً في قلبك "


وتابع بجدية زحفت لملامحه قبل صوته

" وإن حدث يوماً وفعلتها فتأكدي بأن الموت كان من نصيب ما

هو لك وسط هذه الأضلع أيضاً يا ابنة الشاهين "


ملأت الحيرة العينان السوداء الفاتنة المعلقة بعينيه وترقرقت

الدموع فيها مجدداً وهي تهمس بتوجس

" أنت تخيفني يا مطر ... لما تقول هذا ؟! "


مرر طرف إبهاميه تحت رموشها يمسح بقاياً دموعها منها قائلا

بذات نبرته الجادة

" تلك هي الحقيقة يا غسق فلن يتمسك ابن شاهين بما لا يريده

ولن يأخذ ما هو ليس له ... لا يفعلها وإن كان الموت خياره

الآخر "

حدقت تلك العينان المليئتان بالحزن والأسى في نظراته المدججة

بالتصميم والجدية وتهاوى ذاك السؤال مجددا عند أعتاب شفتيها

المنفرجتان قليلا في توهان فاتن .. فما معنى هجرانه لها قبل كل

تلك الأعوام إذاً ؟

هل لأنه لم يكن في قلبه من كل هذا شيء لها ؟

فما في قلبها له كان جلياً للعيان فلما تناقض عباراته أفعاله ؟!

كان ذاك ما يحرق قلبها متسرباً مع أوردتها لكنها وكالعادة فضلت

أن يموت ذاك الجرح داخلها على أن ترى نصل سكينه يُغرس فيه

ودون رحمة إن طلبت منه جواباً وكان أقسى من كل ذلك فلن

يداوي الجرح حينها ولا صمته التام لأنه سيكون أقسى من

الحقيقة ذاتها ، أسدلت جفنيها الواسعان ببطء حين انزلقت يداه

أكثر لعنقها وشعرت بملمس شفتيه على طرف شفتيها في قبلة

صغيرة دافئة فأطبقتهما تزدرد ريقها بهدوء ووصلها همسه

المتأني

" لنغادر من هنا يا غسق "


فرفعت نظرها له وهي تتراجع خطوة عنه للوراء محررة نفسها

من دفئ ملمس يديه وغضنت جبينها الصغير مقربة حاجبيها في

نظرة استنكار واضحة لكن تلك الابتسامة الرجولية الفخمة

والشفاه الساحرة لم تسمح لها بالتحدث عما يجول في ذهنها

حينها وهو يسحبها من يدها قائلا

" لن أخرج بك من هنا كما سبق ووعدتك يا مجحفة "

وتابع وقد تحرك بها من هناك

" كنت أعني أنه علينا ان نرجع حيث البقية قبل أن أتهور

أكثر ويلحق بنا أحدهم "


وسار يسحبها خلفه تغرس أسنانها البيضاء في شفتها تمسك

ابتسامة محرجة زينت شفتيها فلن تتخيل أبداً أن يحدث ذلك

ويتكرر موقف حبيبة ذاك الآن فسيموت أحد ثلاثتهم من الصدمة

هذه المرة بالتأكيد ولن يكون هذا المتهور بالطبع .


وصل بها سريعاً حيث البقية وحيث انضما لذاك المجمع العائلي

مجدداً ولتلك الأصوات والضحكات التي وصلتهما من بعيد ، وما

أن جلسا هربت بنظرها من الجميع محرجة من انسحابها السابق

وغير اللائق أو المبرَر تجهل تماماً ما دار من حديث بعدها ، وما

أنقذ مشاعرها المتضاربة حينها أن الجميع تصرفوا وكأن شيئاً

لم يكن .. بينما أخرجها من دوامتها تلك الصوت الأنثوي الرقيق

والذي قالت صاحبته

" أبي متى سيكون بإمكاننا زيارة منزل الشاطئ في بينبان ؟ "


فغضن جبينه باستغراب قائلاً

" أنتم من تقصدين ؟ "


فرفعت كتفيها قائلة بابتسامة " أنا والكاسر بالطبع فأنا

متشوقة فعلا للسباحة في البحر "

فنظر للكاسر الذي حرك رأسه موافقاً وابتسامة واسعة تزين

شفتيه قبل ان يستوي في جلوسه يريح ظهره لظهر الكرسي وقال

ببرود

" ممنوع ... ذاك المكان شديد الخصوصية "


فحدق الجميع فيه وبنظرات متفاوتة عدا التي لم تستطع رفع

نظراتها بأحد حتى الآن وقد أنزلت يدها لتضرب قبضتها على

فخذه القريب منها مسكتة إياه عن جعل العقول هناك ترسم أبعاداً

خيالية عن تلك الأمور التي يلمح لها والتي لا تعلم ما تكون سوى

تلك الثياب الوقحة الجريئة التي يملأ بها خزانات الغرفة ؟

ولم تكن تعلم بأنها بتلك الحركة أوقعت نفسها فريسة مصيدته

وهو يمسك يدها يمنعها من إعادتها مكانها فوق الطاولة مبدداً

جميع محاولاتها لإرجاعها بطريقة لا يلاحظها أحد حتى استسلمت

ليأسها تماما مجبرة ومتأففة في صمت وقال رماح حينها بتجهم

ونبرة باردة

" أليس ثمة عشاء هنا ؟ "

فجعلت جملته تلك الضحكات تنطلق بتفاوت كما الأحاديث المتفرقة

التي عادت لتجد لنفسها مكاناً في سهرتهم تلك وأخذ حديث رماح

يجذب جميع الجالسين هناك وهو يستفسر من المقابل له عند

الطرف البعيد من الطاولة البيضاوية الشكل والواسعة عمّا بات

محور اهتمامه الوحيد يستعلم منه عن أغلب ما قيل وبات يقال

على تلك الشاشات الناطقة بينما أرضى مطر فضوله وأشبعه بما

يحتاج ويزيد يده لازالت تحتجز تلك اليد والأنامل الناعمة بينما

إبهامه يتحرك بنعومة وسط كفها مرسلا بذلك قشعريرة مدمرة

خلال كل عصب من ذاك الجسد النحيل المتناسق وصولا لعمودها

الفقري الذي تصلب بتشنج مريع كادت معه أن تفقد أنفاسها

فأحنت رأسها تفرك جبينها بأصابع يدها الأخرى والتي كانت تتكئ

بمرفقها على الطاولة تحتها ... ثم وكأن حركتها تلك أعطته

الإشارة للتمادي أكثر وكأنه يقرأ ما يحدث داخلها جيداً ويفهمه

فقد بدأ إبهامه بالعبث أكثر وصلا لرسغها مما جعلها تعاود

محاولات تحرير يدها منه .. بل ويبدو بأنه ليس الوحيد الذي كان

يلحظ ذلك وكم حمدت الله أن كان ذاك الفهم بشكل مختلف تماماً

وما أثبته صوت والدها حين وصلها موقفاً ذاك النقاش السياسي

العسكري قائلا

" غسق تبدين متعبة ؟ "


وتبعه تعليق صقر من قبل أن تفكر في رفع رأسها

" لست مجبرة على مسايرتنا إن لم تكوني بخير يا غسق "


كان الاهتمام واضحاً في نبرة صوتيهما ولم يدخل قلبها ذرة شك

بأن الأمر يضايقهم لكنها لم تستطع أيضا رفع رأسها ولا النظر

لأي من تلك الأعين المحدقة بها خشية أن يقرأ أحدهم ما تسبب

به العنيد العابث الجالس ملاصقا لها .. كما داعب جانب وجهها

بدفء تلك الأنفاس المتلفة للأعصاب حين همس لها تزين شفتيه

ابتسامة ماكرة

" إن كنت متعبة آخذك لغرفتك ولن أنزل حتى أتأكد من

أنك بخير "


ونجحت حينها في سحب يدها منه حيث يبدو أن حديثه ألهاه عنها

هامسة من بين أسنانها

" غرفتك الباردة هناك أقرب لك من هذا "


فانطلقت ضحكته المرتفعة جاعلة تلك النظرات المستغربة تسدد

سهامها نحوهما قبل أن يتلقى ضربة أخرى من مرفقها هذه المرة

فضحك ونظر ناحية ابنته وشقيقها الجالس بجوارها وقال مبتسما

ينقل نظره منهما للجالسة ملاصقة له

" إن أردتما زيارته فعلا فعليكما أخذ الاذن من مالكه الأساسي

وليس مني "


فحدقت فيه تلك العينان السوداء الواسعة باستغراب هو أقرب

للصدمة فأراح ذراعه على كتفيها وقال مبتسماً ينظر لعينيها

" العمران كانت مهرك يا غسق وأنت تنازلت عنها بأكملها وذاك

المنزل هو حق لك لا هدية مني ولا أتفضل به عليك "


حدقت في عينيه بصمت لم يستطع قراءته أحد غيرهما بينما

قاطعهما أحد ابنيهما حين قال الكاسر مبتسماً بحماس

" إذا ضمنا الموافقة "

ليتحول حماسه ذاك لعبوس تدريجي ما أن قالت التي نظرت

ليديها في حجرها

" لا ممنوع بالطبع "


فكانت حركته وتيما الطفوليتان اللتان عبرا بها عن صدمتهما

المفاجئة واستيائهما السبب في ضحك الجميع تقريباً فلوح الكاسر

بيده ناحية مطر في محاولة للانتقام لنفسه قائلا بضيق

" هذه سرقة يا رئيس البلاد ... كيف تقدم لزوجتك هدية من

مالنا وتمنعونا عنها ؟ "


فابتسم مطر ونظر لها وهو يقول

" هذا هو الاتهام الذي ليس لأي رئيس في العالم أن ينقذ نفسه

منه .. ولا تقلق هو من مالي بالفعل كما أنه وكما سبق وقلت حق

لها عندي وليس هدية "


ضمت حينها تيما يديها ونظرت عاليا حيث الأضواء

المعلقة فوقهم وقالت مبتسمة

" يا إلهي .... لقد احترت ما سأختار مهراً لنفسي فالخيارات

كثيرة "


وضحكت ما أن ضحك الجالسين حولها عدا التي نظرت للجانب

البعيد متنهدة بضيق وفي صمت بينما قال رعد مبتسماً

" أعان الله ذاك الشاب عليك بالفعل "

فكشرت في وجهه بطفولية تشبهها وقالت تمسك خصرها بيديها

" معك حق تقول هذا فزوجتك كان مهرها اليرموك كاملة وكادت

أن تقوم حرباً في البلاد لتصل إليك أما أنا فأعانه الله علي بسبب

مهر عادي ! "

فضحك ورفع كفيه مستسلماً يذكرها وبصمت بحديثه ورماح

السابق عن نجاتهما من نساء عائلتهم وزاده أن قال مبتسماً

" عليا أن أسجد لله شكراً بالفعل "

فانفجرت ضحكة أستريا المكتومة تمسك فمها بحياء بينما لم

يخجل الكاسر في فعل ذلك علانية وبصوت مرتفع فضربت فخذها

بقبضتها ونقلت نظرها منه لشخص آخر قائلة بضيق

" جدي قل شيئاً فحفيدتك هذه التي تهان طوال الوقت "

ابتسم المعني بالأمر وقال

" لا تهتمي لهم فإن لم تسلبي عقله وقلبه ما كان ليتجرأ على

خطبتك من والدك وأنت في هذا السن "

فابتسمت برضا ورفعت رأسها بشموخ وأخرج مطر هاتفه من

جيبه وفي نيته قطع كل ذاك الحديث فوحده من استشعر التوتر

العصبي للجالسة بجواره تضرب بطرف حذائها على الأرض في

صمت بينما لازال نظرها بعيداً عن الجميع وقال ما أن

وضعه على أذنه

" أحضروا لنا العشاء "


*
*
*


ارتمت بجسدها على الكرسي خلفها ما أن سمعت باب المنزل

يغلق ونظرت للفوضى حولها بتعاسة فما أن غادر آخر ضيوفهم

حتى دخلت في جدال طويل مع والدتها التي كانت تصر على أن

تغادر هي ووالدها لحفل خطوبة ابن عمتها بينما تبقى هي

لتنظيف المكان الذي لن ترضى والدتها قطعاً بأن تتركه كما هو

وتغادر ليبقى لوقت عودتهم متأخراً وإن كان فيه فقدانها لأحد

ساقيها ، ولأنها لا تشعر بالرغبة في فعل أي شيء خارج هذه

الجدران ولا رؤية أحد أصرت على أن تبقى هي للقيام بهذه

المهمة لأن والدتها بالطبع لن ترضى ولا بأن تقوم أشهر شركة

تنظيف في البلاد بذلك فستعيد تنظيف كل شيء بعدهم بالتأكيد ،

ولم تستطع إقناعهما بسهولة للبقاء وكانت حجتها الأقوى من

عناد والدتها بأن مظهرهم سيكون سيئاً حال تغيبها خاصة أنها لم

تذهب لحفل افتتاح شركته في السابق .. وبالأخص أنهم لا

يزورون منزل عمتهم تلك إلا في المناسبات الرسمية ومنذ عدة

أعوام ، بينما تحججت والدتها بأن أغلب المدعوين هناك

سيكونون من سنها وبأنها ستمرح أكثر منها حتى كانت الكلمة

الفاصلة لزوجها الذي طلب منها أن تترك لابنتها حرية اختيار ما

تريد فعله وكأنه قرأ ما يجول بداخلها وكم أسعدها بذلك ..

وها هي هنا الآن وحدها وكما اختارت تجلس وسط الكراسي

المبعثرة وبقايا الطعام حتى أن البعض يبدو اختار الأرضية

الخشبية كمكان مناسب لرمي المناديل الورقية وبعض علب

الحلويات الصغيرة الملونة وكأنه حفل أطفال ...!!

الحفل الذي لا تعلم بما تصفه وآخر ما قد تسميه به بأنه حفل

لإعلان زواجها الذي لم تكن تعلم عنه أساساً وكأنها ليست

طرفاً فيه ...!

لكنها لم تمانع ومنذ البداية أليس كذلك ؟ فكل ما يحدث إذاً

سيعتقد الجميع بأنها موافقة عليه .


شدت اناملها بقوة على قماش تنورتها الناعمة ... الملابس التي

لم تغيرها منذ غادرت لعملها صباحاً فهي لم ترتدي ولا ثياب

عملها المخصصة تلك لأنها كانت ستغادر المطار خلال وقت

قصير كما طلبت من مديرها ووافق هو مُرحباً ومن حماقتها كانت

تظن بأن الأمور سارت كما تريد من تلقاء نفسها وليس كل شيء

كان مدبراً له منذ متى لا تعلم !

وقع نظرها على خاتم الزواج الأنيق في أصبعها وامتلأت عيناها

بالدموع سريعاً وهي تتذكر الشخص الذي ألبسها إياه والذي

شعرت وجنتها ولأول مرة بملمس شفتيه واختبرت دفء أنفاسه

من كل ذاك القرب وهو يهمس في أذنها بكل تملك بأنها أصبحت

له وكأنه يذكرها هي بذلك لا الغير ..!

تذكرت أول لقاء لهما في المطار وكيف افتتنت به وأفقدها صوابها

بل وبعثر مشاعرها وعبث بها بكل سهولة .. لو أن أحدهم أخبرها

حينها بأنهما سيصلان لهذا وبأنها ستلبس خاتمه في خنصر يدها

اليسرى لملأت قاعة الاستقبال في ذاك المطار بصراخها المبتهج

لكنه دمر كل ذلك وأولهم قلبها البريء المتيم به حين اختار وبكل

قسوة أن يواجهها بحقيقة وضعهما وبمشاعره نحوها وهو

يخبرها بأنها ليست المرأة التي يريد وبأنها مجرد وسيلة جديدة

لإرضاء والدته ، تتعجب أحياناً لبراعته في أداء ذاك الدور فلم

يبدو عليه أبداً بأنه مجبر وهو يتلقى التهاني من الحضور الضيق

الذي التف حولهما مهنئين !! أم أنه يمكنه السيطرة على مشاعره

كما يفعل مع كل شيء وأولهم تلك الطائرة الضخمة

التي يقودها ؟!


وقفت ومسحت عيناها بظهر كفها بقوة ونظرت حيث علب الهدايا

التي حملت كل واحدة منها اسم صاحبها وسقط نظرها تحديداً

على العلبة المخملية الأنيفة الزرقاء اللون بحوافها الذهبية وكأنها

قطعة من بذلته المميزة تلك والتي وقف بها بين الجميع في أناقة

وتميز كم بدا فريداً من نوعه بينما تقف هي بجانبه كطائر رمادي

باهت وكئيب وسط حديقة مليئة بالأزهار الملونة وهي ترتدي

ملابس الخروج البسيطة لم يترك لها الحق ولا بأن تتأنق كمن

هم مثلها أو أقل منها في مثل هذه المناسبة وكأنه يذكرها مثل

كل مرة بأنها أقل منه وفي كل شيء .


انقبضت أناملها لا شعوريا وكأنها تمنع نفسها المتمنعة أساساً

عن الاقتراب منها وفتحها ... مؤكد تحوي طقماً ماسياً فاخراً

يشبه خاتمه بل ومستواه المادي وعالمه وما هي أكيدة منه بأنه

لم يشتريه ولم يختاره بل ولم تكن فكرته أساساً ككل شيء

يحدث منذ رأتها والدته في ذاك الحفل قبل أعوام قليلة فلن

تجد في داخلها أي رغبة ولا من باب الفضول لرؤيته .


أسدلت جفنيها المرهقان تخفي تلك النظرة الكئيبة في عينيها التي

سرعان ما أرسلت أول قطرتين حارتين تسابقتا على وجنتيها

الباردتين تتذكر ما حدث عندما اعتذر ليغادر لأن وقت رحلة

طائرته قد اقترب ووجدت نفسها في موقف سيء وأمام الجميع

حين طلبت منها والدتها مبتسمة بأن ترافقه للباب الخارجي ..

وكيف كان لها أن ترفض وبأي حجة وهي قد أصبحت زوجته في

مجتمع يرى ذلك عادياً وإن من باب الصداقة ؟ فما كان أمامها من

خيار آخر سوى السير معه وفي صمت حتى كانا عند سياج

المنزل المنخفض والمحاط بالشجيرات التي اختارت أخشابه

للتسابق عليها في تنسيق رائع ، وكانا عند البوابة الحديدية

الصغيرة والمنخفضة أيضاً والتي تفصلهم عن رصيف الشارع

العريض ووجدت نفسها في مواجهته وهو يستدير ليقف مقابلا

لها فاختارت الهرب بنظرها منه لكل شيء حولهما كما اختارت

الصمت عما يتوقعه بالتأكيد وهو تعليق لاذع منها عن كل ما

يحدث ووصلها صوته الهادئ حينها وإن لم يخلو من نبرة الثقة

المصاحبة له دوما

" اعتقدت بأن العداء بيننا قد انتهى فعلا يا كنانة ؟ "


وحين لم تعلق أضاف وبعد نفس عميق استطاعت أن تسمعه

بوضوح وكأن صبره قد نفذ وفي وقت قصير جدا

" إن كنت منزعجة بسبب الحفل فلا يد لي في كل هذا

ولم أختره "


" أنت لا تختار شيئاً أبداً... "


ذاك كان أول ما قالته وهي ترفع رأسها ونظرها به محدقة في

عينيه بجمود .. ومن خلال نظراته التي تنقلت بين عينيها علمت

بأنه يحاول ترجمة كلماتها بالشكل الذي عنته تحديداً وكم تمنى

قلبها الغبي حينها أن قال

( لقد اخترتك أنتِ )

لكنها لن تسمع ذلك بالطبع لأنها ليست الحقيقة وتحركاته هنا

جميعها عبارة عن مجموعة أوامر قد تم تقريرها مسبقاً ، سحبت

نفسا عميقا ولازالت محدقة بعينيه البنيتان اللتان تأسرانها حتى

في صمتهما المبهم وقالت حين طال صمته الذي تعلم بأنه لن

يحرر نفسه منه

" أتعلم ما معنى ان يخبرك أحدهم بأنه تمنى لك أن تسعد بالفعل

في مكان لا يجمعكما ؟ "


وبلعت غصتها كما ألمها مع ريقها وهي تتابع بصوت خرج هشا

هامسا رغما عنها

" ذاك شعوري نحوك الآن "

قالتها بالرغم من الألم الذي صاحب كلماتها تلك يؤذي قلبها قبل

كرامته فقد اكتفت من الصمت وأداء دور السعيدة الراضية طوال

وقت ذاك الحفل والذي لم تتقنه أساساً وهو يعلم ذلك جيداً فلما

يدعي الحمق الآن وبعيداً عن الجميع ؟

أغمضت عينيها بتنهيدة عميقة ولم تسمع حينها سوى صوت

صرير البوابة النحاسية وذاك الجسد الطويل المتناسق

يغادرها ....

لا بل هي سمعت شيئاً ما قبلها ... شيئاً يشبه صوته الجاد الواثق

متمتماً وهو يستدير مغادرا

" ليس أنت من يحدد هذا "


فأدارت وجهها ناحية المكان الذي كان فيه وغادر منه تنظر لتلك

الجهة بعينين ممتلئة بالدموع وكم تمنت حينها أن ركضت خلفه

وصرخت بملء صوتها بأنه بالفعل ليس هي ولا حتى هو من

يحدد هذا فحتى مشاعرهما عليها أن تتبلور حسب المسرحية

الهزلية التي وجدت نفسها فيها .

مسحت بقوة الدموع التي لا تعلم كيف ملأت وجهها هكذا تنظر

باستغراب وتوجس لقفل باب المنزل الذي تحرك فجأة مصدراً

صوتاً واضحاً في صمت المكان قبل أن يستدير مقبضه وانفتح

الباب ببطء كادت أنفاسها أن تتوقف معه خشية أن يكون أمراً

سيئاً قد حدث مع والديها ! وهمست باستغراب ما أن ظهر لها

الجسد المتواري خلفه " عثمان !! "


فابتسم شقيقها الوحيد والذي أغلق الباب دون أن يلتفت له

واقترب منها قائلا

" ما بك وكأن شبحاً ما قد دخل لك ؟ "

قالت تنظر له ونظراته تتجول في المكان الذي لازال كما تركه

" ظننتك في بريستول ! "


رفع كوب عصير لم يلمسه أحد بعد وارتشف منه القليل قبل أن

يقول وهو ينظر له بين أصابعه الطويلة

" كان ثمة صديق لي يعاني مشكلة ما ولم يعد الوقت يكفي

لأدرك حفلهم ... سأتصل برواح فيما بعد وأهنئه "


راقبته بعينين ضيقتين وهو يرتشف باقي العصير فلن تنطلي

حجته عليها أبداً فهو لطالما كان يجد الحجج كي لا يدخل منزل

عمته تلك فلم يتجاوز بعد ما حدث في الماضي على ما يبدو عكس

والديهما اللذان احتفظا بالمناسبات الخاصة ليوطدا صلة القرابة

الهشة تلك وتحامل والدهم على كرامته بينما لم يفعل هو ذلك ولن

تستغرب هذا منه فهو شخص حساس للغاية وإن كان لا يظهر

ذلك أو لا يحب أن يبدو عليه وتصرفه هذا حيال عائلتهم أكبر

دليل ...

العائلة التي شتتها وبكل أسف أحقاد ذاك الشاب المغرور قاسي

القلب والمدعو ( تيم ) .


تنهدت بعمق محاولة إخراج نفسها من تلك الأفكار فيكفيها تعاسة

وأفكاراً تشبهها ونظرت للذي وضع الكوب واقترب منها قائلا

" ولما لم تذهبي أنت معهما ؟ لا تقولي أن وا.... "


وبتر جملته وقد وصل عندها ونظر لعينيها باستغراب قائلاً

" كنانة ما بك ! ما الذي يبكيك ؟ "


أنزلت نظرها مع رأسها تنظر ليديها ولذاك الخاتم اللامع نظرة لو

أنه رآها لعلم الجواب دون أن يسأل وهمست بخفوت

" لا شيء "

لكن ذاك الجواب لم يقنعه كما أنه لا يمكنه إقناع أحد فامتدت يده

لذقنها ورفع وجهها له وقال ينظر لعينيها وجفنيها المحمران

" لا يمكنك الكذب بهذا الشأن يا كنانة فكلانا لم يعد طفلا "

أبعدت وجهها وحررته من قبضة أصابعه بينما اكتفت بالصمت

فدس يديه في جيبي بنطلونه وقال بريبة ينظر لنصف وجهها

الذي تشيحه عنه

" لا أفهم ما سبب هذه الدموع وفي هذه الليلة تحديدا ؟

لقد فاجأتني مشاعرك ! "


كانت تعلم بأن ذكائه سيدور به حول الأمر حتى يصل للبه فكان

عليها أن تجد عذراً مناسباً لكنها لم تستطع أيضا منع الدموع من

الترقرق في عينيها حين نظرت لعينيه مجدداً قائلة ببحة

" لقد ... لم أكن أعلم بأن الأمور ستتطور سريعا هكذا .... ثم ...

وأنا أجد حقاً أن ترككم والمغادرة بعيداً أمر يصعب تنفيذه "

فابتسم حينها مبدداً جميع مخاوفها وأمسك وجهها بيديه قائلا

" كيف لم تلحظِي أو تفهمي ذاك من مكالمات والدته ووالدتي !

أنا توقعت ذلك "


أجل كيف كانت من الغباء بأن لا تلاحظ ؟ وكيف كان لها أن تخمن

ذلك وهي لم تكن أساساً تهتم بمكالماتهما ولا تسترق السمع لها

بل ولم تكن تسأل والدتها عن فحواها ولا من باب الفضول ؟

حتى أنهم قاموا بتغيير مخططاتهم للحفل وعقد الزواج عدة مرات

وهي كالبلهاء تقف في مكانها بينما يسير العالم من حولها راسماً

خطوط مستقبلها !

رفعت نظراتها الدامعة به حين مسح إبهاماه على وجنتيها
المحتقنتين بشدة وقد تابع بذات ابتسامته

" ثم ومن هذه التي كانت تريد وتتمنى العودة للوطن وإن مع

زوج يأخذها لوحدها ؟ "


هربت من نظراته مجدداً ولا تعلم حتى متى سيحاصرها وستتهرب

هكذا ! همست بخفوت تشد أصابعها بقوة

" الحديث عن الأمر أسهل بكثير من تنفيذه ... أشعر فعلاً

بأني تسرعت "


قالت جملتها الأخيرة بتردد تحدق بعينيه ولم تشعر بالندم قط

لتفوهها بذاك وإن كانت الأسباب الحقيقية لازالت سجينة قلبها

فهي تشعر بالاختناق فعلا وتحتاج لأن تتحدث مع أحدهم ..

وما يزيدها كآبة بأنها لا تستطيع فعلها مع أحد فحتى رواح

والوحيد الذي يحمل سرها معها لن يجد الوقت الآن ولا

للاستماع لها .


ملأت الدموع عينيها مجدداً حين قال وقد انزلقت يداه عن وجهها

" كنانة أتعين معنى هذا ؟ أنت في موضع الآن لا يسمح بإعادة

النظر للأمور فقد أصبحت زوجته "


أرجفها سماع تلك الكلمة بطريقة هي نفسها لا تفهمها فهل

يفترض بها أن تسعد بهذا أم تكرهه !

من منهما عليه أن يكون مسيطراً على الأمر قلبها أم عقلها ؟

ذاك الجزء الحالم في داخلها والذي يريده وبتملك وإن أراد

غيرها أم ذاك الوميض الذي ينذرها بالخطر كلما تناست

واقعهما المرير ذاك مذكراً إياها بمستقبلها معه ؟

قال حين طال صمتها وبجدية تشبه نظراته لعينيها

" ثم هذا ليس بعذر لتترددي يا كنانة وزوجك ركوب الطائرة

والسفر بها بالنسبة له كنزهة صباحية بسيارته فسيكون بإمكانك

زيارتنا متى تشائين خاصة إن كان كما أشار سيتركك تمارسين

مهنة المضيفة في رحلاته إن أردت ممارسة عملك المحبب وإن

كنت لا تحتاجينه "


حركت رأسها بحيرة وعلقت الكلمات في حلقها ولم تعرف ما تقول

فقال بلهجة غامضة أرعبتها

" أم أنك تعنين الجميع بالتسرع يا كنانة ؟ "


ها هو يحوم حول السبب الحقيقي كما كانت تتوقع ولا تريد للأمر

أن يتطور أكثر من ذلك ، قالت بشبه همس

" نحن لا نعرفه ... لا نعرفهم ... أعني أننا ... أنا خائفة من

خوض التجربة وأشعر بأني حوصرت في وقت قياسي "


فحرك رأسه بالنفي وكأنه يوصل الجواب لأفكارها قبل أذنيها وقال

بجدية ويداه تمسكان بذراعيها بقوة

" لا تفكري ولا للحظة واحدة بأننا سلمناك لذاك الشاب لا ننظر

سوى لمزاياه المادية وابن من يكون ... لقد تناقشت ووالدي

طويلا في الأمر سابقاً واتصلت بزملاء كانوا لي هنا في الجامعة

وقد عادوا للبلاد وسألت عنه كثيراً ولن أتمنى لك زوجاً غيره يا

كنانة وإن كان لا يملك قرشاً واحداً "


ابتلعت غصتها مع ريقها كما الكلمات التي لا يمكنها إخراجها

بينما تابع من لم ينتظر تعليقاً منها

" كنانة عليك أن لا تتركي لتلك الأفكار مجالاً لتضعك ووالديك في

موقف محرج بل وسيء فالأمر لا يمكن التراجع عنه الآن "


ها هي نقطة والديها تعود مجدداً وها هو شخص آخر يذكرها

بذات الحقيقة القاسية والأمر الوحيد الذي يكبلها كالأغلال فإن

كانت سابقاً والأمر مجرد خطبة شفهية محاصرة به فكيف بالآن ؟

هي بالفعل خسرت المعركة وبقرار واحد منه وفي أي لحظة كانت

ستجد نفسها تجلس في الطائرة بجواره ماضيان للمجهول .


أولته ظهرها وبدأت بجمع الكؤوس الفارغة من الطاولة ووضعها

في الصينية الكبيرة التي جلبتها والدتها لتوصلهم للمطبخ بها فلن

يفهم أحد ما تشعر به في داخلها كما لن تستطيع قوله والصراخ

به في وجه الجميع كما تفعل ساندرين طوال الوقت والتي لم

تحسدها على ذلك كما الآن .... لن يفهم أحد ولا ذاك الوسيم

المتهكم والسبب في كل آلامها التي كانت ولازالت ولن تنتهي

بالتأكيد .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 08:17 PM   المشاركة رقم: 1377
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


شدت أناملها بتوتر واجتازت باب الغرفة الخشبي ذو الطلاء

المتهالك بشقوق عريضة ودخلتها للمرة التي لم تعد تعلم كم تكون

وهي تجوب المنزل الصغير المقتصر على تلك الغرفة والمكان

المطل على السماء السوداء الصافية والمزينة بالنجوم فها قد

قارب وقت الفجر ولم يرجع بعد ولا تعلم أين ذهب وماذا يفعل كل

هذا الوقت ! لو لم يكن من زاره هنا أويس عبد الجليل والذي

عرفته من صوته الذي لن تنساه أبداً لكانت خرجت الآن تبحث

عنه في المزارع الموحشة كالمجنونة ... لكن المدعو أويس غادر

قبل أن يغادر هو فإلى أين ذهب ؟ حضنت نفسها وجسدها الذي

ارتجف بقوة ما أن استجلب عقلها فكرة أن ذاك الشاب دخل منزلاً

يعلم بأنها موجودة بداخله وإن كان ملكه في الأساس وليسوا

سوى مستأجرين له ... فلم يغب عن مخيلتها ولا للحظة ما حدث

ذاك اليوم في مجلس شعيب وأشقائه ولن تتخيل أبداً لولا ظهور

يمان فجأة ما كان سيحدث لها يومها ؟ ارتجف جسدها مجدداً

وبطريقة أرعبتها وهي تتخيل بأنهم زوجوها للمدعو أويس

بالفعل ...! ليس لها أن تتوقع أي حياة تلك التي كانت تنتظرها

معه وهو يكره حتى نطق اسمها أو أن يذكرها أحداً أمامه ....!

لكنها كانت ستكون حياة واقعية خالية من الكذب والخداع كما الآن

أليس كذلك ؟ حركت رأسها بقوة تطرد منه كل تلك الأفكار ..

لكنها لن تستطيع طرد حقيقة أنه لن يكون ثمة أويس آخر

سينقذها من انكشاف كذبتها في المرة القادمة إلا إن كانت ستتبع

خططاً أخرى أقل ذكاءً وأكثر فاعلية كأن تتعذر بدورتها الشهرية

مثلاً .. لكن ذاك السلاح أيضاً لا يمكنها استخدامه فهو من يجلب

لها تلك المصيبة المحرجة في كل مرة ودون أن يسألها أي

أنه يراقب الوضع ويعلم متى تزورها ومتى ترحل عنها .

تأففت بعصبية مفرطة تلعن أفكارها الحمقاء فهذا ليس وقت

التفكير في تلك الأمور فلتطمئن أولاً بأنه لازال على قيد الحياة

ولازال له وجود في عالمها ثم لتفكر في كيفية التخلص من

اقترابه منها أو من كذبتها الحمقاء تلك وللأبد لتشعر بالراحة

وإن ليوم واحد في حياتها .

تصلب جسدها وتيبست مكانها ما أن سمعت صوت باب المنزل

الحديدي يفتح وزحفت الابتسامة ببطء لملامحها الشقراء

المتجهمة فها هو على الأقل لازال موجوداً وعلى قيد الحياة

ثم لكل مصيبة مصيبة أخرى تعالجها بالتأكيد .

لم تستطع التحرك من مكانها والخروج من الغرفة أو لم ترغب

بذلك كي لا تزعجه مجدداً بخوفها المبالغ فيه كما يصفه واكتفت

بالنظر له بعينين ملئهما التوجس والحيرة وهو يدخل الغرفة

مطأطئ الرأس بالكاد وصلها همسه وهو يلقي السلام ! وتفرست

في ملامحه التي بدا التجهم واضحاً عليها وإن لم تراها جيداً

ونظرها يتبعه وهو يجتازها جهة الخزانة الحديدية الوحيدة في

الغرفة ! وخرجت الكلمات من شفتيها متصلبة وكأنها بحثت

عنها لأشهر

" ما بك يا يمان !! هل حدث شيء ما لشخص تعرفه ؟ "

وعلقت نظراتها بذاك الظهر العريض الواقف أمام الخزانة

المفتوحة وما كان لها أن تتوقع غير ذلك من تجهمه المخيف

وتصرفه الغريب الليلة بما أنه لا أهل لها هي ولا عائلة ...!

ولها أن تتوقع أي مصيبة قادمة في الطريق فيبقى المدعو أويس

أحد أبناء عائلة غيلوان وإن لم يحمل طباعهم وتلك العائلة نذير

شؤم بالنسبة لها .. وذاك الشعور يصعب عليها تخطيه مهما

حاولت ومهما كان خاطئاً فالسنوات التعيسة التي عاشتها بسببهم

تشهد بذلك إلا إن كان ذاك الغيلواني المسالم اكتشف كذبتها

تلك وأخبره .... !!


رفعت ظهر أناملها لشفتيها تراقبه عيناها الذاهلتان وهو يخرج

ثيابه النظيفة من الخزانة ولم يجب على سؤالها وكأنه لم يسمعه

تتخيل أن ظنونها تلك حقيقية ....؟ لكنه لم يضربها لم يصرخ بها

مزمجراً ولم يمسكها من شعرها الغجري الأشقر الطويل ويرميها

خارج منزله !!


ولم تشعر بأنفاسها تعود للعبور خلال حلقها المتيبس إلا حين

استدار وقال بجمود وهو يجتازها مجدداً

" جهزي نفسك سنغادر "

فتبعته نظراتها المصدومة والغير مستوعبة لِما قال ولم تستطع

منع نفسها من اللحاق به ووقفت عند باب الغرفة وقالت بقلق

تنظر له وهو يتجه لباب الحمام

" هل عائلتك جميعهم بخير يا يمان ؟ "

وبالكاد سمعت صوته مع صرير باب الحمام الذي فتحه

وهو يدخله

" بخير جميعهم "


وغاب عنها خلف الباب الذي أغلقه خلفه وتركها تنظر لمكانه

باستغراب قبل أن تدخل الغرفة مجدداً ونظرت للساعة الصغيرة

أو التحفة الوحيدة الموجودة هناك والمعلقة على الجدار المطلي

بالأبيض الناصع وعبست ملامحها عاقدة حاجبيها الأشقران فلم

يتبقى على وقت الفجر سوى ساعتان فلما يغادران الآن

وإلى أين ؟

لم تستطع التحرك من مكانها ولم تترك لها الأفكار المشوشة

وقتاً لفعل ذلك حتى سمعت صوت باب الحمام يفتح وما هي إلا

لحظات ودخل من غادر منذ قليل شعره لازال مبللاً وقطرات من

المياه انزلقت منه على عنقه ووقف ينظر لها فأبعدت نظرها

ليديها تشد أصابعها بقوة فرمى الثياب من يديه ووصلها

صوته سريعاً

" أما زلت مكانك ؟ أخبرتك أن تكوني جاهزة "


فرفعت نظراتها له وهو يتحرك نحو الخزانة مجدداً وقالت

" هل سنترك الجنوب ؟ لكنك لن .... "


قاطعها وهو يدس النقود التي أخرجها من هناك في جيب بنطلونه

" لا لن نغادر "


وتابع وقد استدار وتحرك نحو باب الغرفة مجدداً

" سنزور الحميراء ونرجع ... تحركي بسرعة يا مايرين

فالمسافة تحتاج وقتاً "


وخرج وتركها تنظر للباب الغارق في الظلام باستغراب ...

الحميراء !!

ما الذي سيأخذهم من هنا لغرب الهازان ! وشحبت ملامحها

وتخيلت أن تضع إصبعها على صورة خريطة بلادهم ممررة إياه

من جنوبها الشرقي حتى شمالها الغربي تقريبا وانتابها الهلع

فجأة !! هي تعلم بأنه من الهازان لكنه من إحدى بلدان خماصة

فما علاقة الحميراء بذلك !

انتفض جسدها وتحركت من مكانها ما أن سمعت صوت سيارته

في الخارج فعليها أن تستعد كما طلب قبل أن يغضب منها أكثر فلا

يبدو بأنه في مزاج حسن إطلاقاً وهذه الحالات هي الأندر في

شخصيته التي عرفته عليها لذلك فمن التعقل أن تأخذ بنصيحة من

يقول بأنه عليك أن تتقي شر الحليم إذا غضب ، لم يكن بإمكانها

تخمين المكان الذي قد يذهبان له لكنها ورغم ذلك ارتدت الفستان

الذي لبسته ليلة زواجهما والذي أهدتاه لها شقيقتا شعيب غيلوان

فهو أفضل شيء تملكه وقد يكون يفكر في زيارة والده وإن

وصفه بالميت سابقاً وعليها أن تكون حسنة المظهر فأقرب ما

يمكنها تخمينه بأنهما سيزوران أحدهم هناك ، أخرجت كيساً من

الخزانة ووضعت فيه ثوباً آخر لها ووضعت ثيابه التي نزعها فهو

لا يملك غيرهم وستقوم بغسلها حيث سيصلان فهي لا تعلم حتى

الآن كم من الوقت سيمكثان هناك .

وحين دخل الغرفة مجدداً كانت تلبس عباءتها ولفت حجابها

سريعاً فستقوم بترتيبه جيداً فيما بعد المهم الآن أن تتحرك

فوراً .. وهذا ما فعلته أمام نظراته التي لم يفارقها التجهم البارد

حتى الآن !

وما هي إلا لحظات وكانت سيارتهما تغادر المزارع المظلمة تشق

طريقها عبر الطريق الترابي الرطب ففركت يديها بتوتر ودستهما

في حجرها وقالت تنظر للظلام من نافذتها

" لو أننا انتظرنا حتى بزوغ الشمس بدلاً من أن نعبر خلال

أراضي شعيب وأشقائه في هذا الظلام الموحش "


فوصلها صوته البارد فوراً

" لا أريد أن نصل لمن سنزورهم في وقت متأخر من الليل

وكأننا ذاهبان لننام فقط ، ولا أرى سببا مقنعا يجعلك تخافين

منهم هكذا "


حضنت نفسها بذراعيها وكأن برودة كلماته تلك لسعت جلدها

فهي لم تعتد هذا الأسلوب منه ولا تفهم حتى الآن ما الذي

يزعجه هكذا !

اتكأت بطرف جبينها على النافذة وهمست بخفوت

" لو أنك تسمع ما يقال عن أراضيهم وما يحدث فيها لما

كان هذا كلامك "

ولم يعلق كما لم تنتظر هي ذلك فلا يمكنها أن تنظر لهم كما يفعل

هو من لم يعرفهم ويعرف أراضي الجنوب سوى من أشهر قليلة

بينما من عاش فيه وعرفهم جيداً فلن ينسى ما قيل عن

الأشخاص الذين يدخلون أراضيهم ولا يخرجون منها ومن عمل

عندهم وتحدث عن الأمور الغريبة التي تحدث فيها فجسدها

يرتعد خوفاً فقط من التفكير في ذلك فكيف أن تفعلها وتكون

فيها ليلا هكذا ؟.


ولم تستطع أن تتنفس الصعداء وتشعر بالارتياح حتى كانا في

طرقات البلدة الترابية الواسعة وإن كانا لم يعبرا سوى من

الطريق بين أراضيهم ولم يدخلاها لكن الفكرة ذاتها كانت ترعبها

، وما أن أصبحت بلدة أباجير خلفهما وأصبحا على خط الجنوب

الزراعي حتى خرج الجالس خلف المقود عن صمته ومن ظنت

أنه لن يتحدث أبداً ووصلها صوته هذه المرة عميقاً غريباً

" سنزور منزل زوج شقيقتي هناك "


فرفعت رأسها ونظرت لنصف وجهه المقابل لها ولم يحتج الأمر

أن تتفرس في ملامحه لتفهم أكثر سبب مزاجه ذاك وتغيره

الآن ... شقيقته تلك وراء ذلك إذاً ؟ لكن ما الذي جعله يقرر

زيارتها فجأة وهو من كان يرفض ولا مجرد الحديث عنها !

هل ستفهم أخيراً ما كان يعنيه بأنه خذلها ؟

أم أن شقيقته تلك ستكون كتومة أكثر منه !

ليس لها أن تتخيل بأنه قد يفعل ذلك مع شقيقته وهو من أظهر

كل تلك الشهامة معها هي التي لا يعرفها !


نظرت لعباءتها السوداء المغلقة أزرتها وكم حمدت الله أنها

لبست ذاك الفستان فها هما سيزوران أحدهم بالفعل ...

لكن تلك السعادة لم تدم طويلاً فسرعان ما وصلها صوته العميق

مجدداً مخترقاً صوت محرك السيارة

" هي زوجة لابن أيوب الشعّاب وجوزاء شاهين الحالك "


فلم تستطع منع تلك النظرة المتسعة من الصدمة وهي تحدق به

ولا انفراج شفتيها بتلك الشهقة الصامتة فإن كانت تجهل اسم ذاك

الرجل فهي تعلم جيداً من تكون تلك المرأة .. لا بل تعرف ذاك

الاسم أيضاً والذي حمله العديد من المنتجات المحلية التي تصل

لبلداتهم تلك !

ولم تستطع جمع صورة واحدة لشاب من تلك العائلة الثرية

المعروفة مع شقيقة الذي منذ عرفته لا يملك أكثر من قوت

يومه !

أم أنه من عائلة معروفة أيضا ولا تعلم !

لكنه أخبرها سابقاً بأن منزله احترق وأنه لا يملك غيره وبأن

عمله يقتصر على زراعة الأراضي وفلاحتها وتعرفه لا يكذب أبداً

قالت حين وجدت القدرة الكافية على التحدث

" ونحن ذاهبان لهم الآن ؟ "

وكان ذاك ما استطاعت قوله ببلاهة وكأنه لم يخبرها سابقاً

بوجهتهم !

وانتقلت نظراتها لملابسها مجدداً وشعرت بالتعاسة التي نسفت

بهجتها السابقة تماماً .. وكان وكأنما قرأ أفكارها هذه المرة أو

توقعها فقد وصلها صوته الجاف الجاد

" عليك أن لا تقلقي من مقابلتهم فهم ليسوا كما يصورهم

لك خيالك "

نظرت له سريعاً وحركت شفتيها في محاولة أخري للتحدث لكن

الكلمات أبت الخروج فهو لا يعطيها أي فرصة لتستوعب مفاجآته

المتتالية تلك فتابع هو وكأنه لا ينتظر منها تعليقاً أو يتوقعه وقال

ونظره لازال على الطريق أمامه ونبرته لازالت جوفاء ميتة

" ابنهم كان صديقاً لي منذ سنوات دراستنا الابتدائية وتزوج

بشقيقتي قبل انتقالي للجنوب بقليل "


رمشت بعينيها المحدقات بجانب وجهه في محاولة لتفسير كل ما

تسمعه ... إن كانت متزوجة من قبل مجيئه فما سر خذلانه لها

إذاً !

أيكمن السر في زواجها أم ماذا ؟ وهل صداقتهم هي سر زواج

ابن تلك العائلة منها ! هل رآها وقرر كسر الفوارق الاجتماعية

بينهما وتزوجها ؟ إن كانت تحمل ملامح شقيقها فلن تستبعد أبداً

أن تُوقع بأي رجل يراها وبسهولة ...

رطبت شفتيها الجافة بطرف لسانها وكل ما استطاعت قوله حين

وجدت صوتها وملامحها تتحول للبؤس فجأة

" ليتك أخبرتني سابقاً "


وندمت سريعاً على ما تفوهت به حين لاحظت بأن تجهم ملامحه

ازداد سوءاً وعلمت بأنها ارتكبت خطأ مريعاً وتلعثمت قائلة

" كن ... كنت ... كنا على الأقل فكرنا في هدية ما نأخذها لها "

" هي ليست بحاجة لهدايانا "

كان تعليقه سريعاً وقاسياً ليس عليها فقط بل وعلى نفسه أيضاً

وهذا ما هي أكيدة منه فهو ولسبب ما لازالت تجهله يراها لا

تحتاجه ولم يعد له أي دور في حياتها !

قالت بجدية

" الهدية في معناها يا يمان ليس في قيمتها وإن كنا نحتاجها

أم لا فكم من ساكني قصور يحتفظون بزهرة يابسة فقدت كل

معنى للجمال فقط لأنها ذكرى من شخص يحبونه "

لكن كلماتها تلك كانت وصوت محرك سيارته سواء بالنسبة له

على ما يبدو فلم يكلف نفسه ولا عناء الرد عليها فنظرت ليديها

في حجرها وتنهدت بأسى بل ولاذت بالصمت فهو في مزاج

لا يسمح له ولا بسماعها على ما يبدو ... لكنها لم تكن تعلم بأن

المزيد كان في انتظارها حين وصلها صوته جاداً حازماً

هذه المرة

" ما أريدك أن تعلميه جيداً يا مايرين أنه وبالرغم من صداقتي

لابنهم وأنه زوج شقيقتي إلا أن لي حياة خاصة لا يغير فيها

ذلك شيئاً "

رفعت نظراتها الذاهلة به وكان ينظر لها هذه المرة وكأنه يحتاج

لأن يفهم جوابها من قبل أن يسمعه ونظراته لم تفارق حدقتاها

الخضراء المتسعة فتنفست بقوة قبل أن تقول بشبه همس

" أي فكرة هذه التي تكون في عقلك عني يا يمان ؟ "


عاد بنظره للطريق واشتدت أصابعه على المقود قائلا

" ليس عنك بل عنهم وما قد يعتقدون بأنه قد يؤثر بي "


فهمت الأمر الآن فهو يبدو يتعرض لضغط من صديقه ذاك ليحسن

من وضعه المعيشي وهو يرفض ولن يكون يمان الذي تعرفه إن

لم يكن كذلك ، ارتسمت ابتسامة محبة على شفتيها وإزداد فخرها

به كما إعجابها بالرغم من أنها تكره أن ينظر لها بذاك الشكل

وبأنها قد تتأثر بما قد تراه أو تسمعه هناك ، قالت بحزن ولازالت

تنظر لجانب وجهه

" يؤسفني بأن أخبرك بأني أسوأ منك في هذا .. كما يحزنني

أكثر أن يكون هذا انطباعك عني "


توقعت منه الصمت حينها ليثبت لها بأنه لازال مقتنعاً برأيه

وكلماته لكن ما حدث لحظتها فاجأها فعلاً ويده تترك المقود

وتمسك بيدها وقد رفعها لشفتيه وقبّلها بعمق ونظره لازال على

الطريق قبل أن ينزلها لفخذه ولازال ممسكاً بها بقوة مما جعلها

تخرس ونهائياً تاركة الصخب والصراخ لقلبها المرتجف وسط

أضلعها .


*
*
*



رمت اللحاف عن جسدها وجلست تنظر جهة الشرفة المظلمة

والمغطاة بستائر شفافة متدرجة في تجمع أنيق فالأمر لم يعد

صوراً تهيئها لها مخيلتها فهي أكيدة من أن حركة أغصان شجرة

التوت المرتفعة إليها ليست طبيعية !

مدت يدها لأحد الأزرار قرب سريرها وما أن ضغطته حتى عم

النور كامل الغرفة ورفعت هاتفها ونظرت للساعة فيه قبل أن

ترميه على السرير قربها وعادت بنظرها للشرفة مجدداً وتذكرت

فوراً حكايات الكاسر عن الشرفات والتي ظنت بأنه يخيفها بها

ليس إلا فهي لطالما كانت تحب اقتناء الغرف المطلة على شرفة

ومنذ كانت في بريطانيا وتعشق الوقوف صباحاً في الهواء النقي

ما أن تستيقظ وكم أحزنها أن منزل والدها لم يكن طرازه القديم

يحوي على الشرفات رغم أنه تم تجديده وعلى مر أعوام ...!

وفي منزل والدتها في العمران وهنا في منزل رعد اختارت وعلى

الفور غرفة لها شرفة واسعة ولم تكن تخاف قَط من وجود بابها

الواسع فيها فلطالما عاشت ضمن نطاق أمني ضيق وحراسة

مشددة لكن ما تسمعه الآن بات شيئاً يبعث للشك والرهبة فزحفت

من بين أغطية السرير الناعمة حتى غاصت قدماها في السجادة

الناعمة وانتفضت واقفة على طولها ما أن لمحت خيالاً ما لا تعلم

أهو حقيقة أم وهم صوره لها خوفها ؟ ما تعلمه حينها بأنه عليها

الهرب من هناك ثم التفكير فيما ستفعل بعدها ...

وما أن فكرت في الاستدارة حول السرير حتى انفتح باب الشرفة

بقوة مما جعلها تنتفض صارخة وتحركت من مكانها قافزة دون

أن تنظر ولا لما يحدث هناك وكانت على استعداد لفتح حلقها



للصراخ راكضة لولا الذراع التي أحاطت بخصرها ومنعتها من

اجتياز السرير واليد التي أطبقت على فمها وارتفعت قدماها

الحافيتان في الهواء مع ارتفاع جسدها وشعرت بذعر لم تعرفه

حياتها وعلمت أن محاولة التخلص من تلك القبضة القوية لن

تنفعها في شيء سوى إرهاق قواها وكل ما استطاعت فعله

حينها أن رفعت رأسها قليلا في حركة مباغتة جعلت شفتها

العلوية ترتفع قليلا وغرزت أسنانها في طرف تلك الكف الكبيرة

التي لازالت تطبق على فمها بقوة مما جعلها تتحرر منه وما أن

فكرت في تنفيذ مخططها القديم في الصراخ والركض جهة الباب

أوقفها ليس فقط اليد التي أمسكت بذراعها بل والصوت الذي قال

من خلفها بضيق

" انتظري يا مجنونة ستوقظين ساكني المنزل بأكملهم "


حينها فقط تسمرت مكانها وكأن القدرة على الاستيعاب عادت

لها فجأة !

ولم تتعرف على ذاك الصوت الرجولي العميق فقط بل والعطر

الذي كانت وكأنها لا تستنشقه من قوة ذعرها !

وما أن أدارتها تلك اليد لتصبح مواجهة له حتى انهارت ليس

قواها فقط بل ودموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها

واستقبل صدره لكماتها المتتالية صارخة ببكاء

" أحمق .... أفزعتني يا أ..... "


وانقطعت كلماتها في حضنه الذي شدها له من فوره وأحاطها
بذراعيه يحضن ارتجافها بقوة قائلاً

" لو أنك تجيبين على اتصالاتي ولا تعتصمين عني هنا ما كنت

لألجأ لمثل هذه الطرق فلم تتركي لي حلاً غيره "


ابتعدت عنه حينها دافعة ذراعيه عنها وقالت بضيق تمسح

دموعها

" ألم تجد طريقة غير هذه ... كدت تقتلني من الخوف "


تجاهل كلماتها لأن نظره واهتمامه كانا منصبين على كفه قبل

أن ينفضه قائلا بضيق وملامح متألمة

" وألم تجدي أنت طريقة غيرها لتدافعي عن نفسك ؟ "


قالت بعبرة عادت للسيطرة على صوتها مجدداً

" وما كنت تنتظر مني وأنت تمسك بي وتمنعني من الصراخ ؟ "


أمسك خصره بيديه وقرب وجهه منها وقال يشير برأسه جانباً

" وأين كانت كل هذه الشجاعة حين كنتِ في ذاك الملهى ؟ "


نظرت له مجفلة قبل أن تبتسم بألم قائلة

" يبدو أن تلك التجربة ما جعلني أتعلم درساً جيداً "


وتابعت بضيق تمسك خصرها بيديها

" لن نتحدث عن هذا الآن بل عن مجيئك هنا وأنا من سبق

وحذرتك واتفقنا يا قاسم "


قال بضيق مماثل يقلدها متعمداً يمسك خصره أيضاً

" كنتِ أجبتِ على اتصالاتي إذاً بدلا من تجاهلها المتكرر هكذا "


فزمت شفتيها بقوة قبل أن تقول بتملق

" وما تفعله أنت بسماع صوتي فلا وقت لديك لذلك حسبما


أعتقد ؟ "


شد على أسنانه وكأنه يكتم غضبه قبل أن يقول بحزم

" تيما لا تكوني طفلة ... أيستحق الأمر منك كل هذا الغضب ! "


أشارت بسبابتها نحو الأسفل بينهما قائلة

" بل يستحق أكثر من ذلك فما كان سيحدث لي إن كنت أواجه

خطراً ما وأنا أتصل بك وأكرر الاتصال وتتجاهله لتجيب بعدها

برسالة ....! يا لك من مهمل مستهتر "


قال بدفاع رافض

" لم أكن خيارك الوحيد يا تيما .. كما أني كنت مشغولا بالفعل "


قالت بغضب

" وما الذي عليه أن يكون أهم مني ومن اتصالي وأنا التي لا

أفعلها عادة ؟ "

حرك سبابته مشيراً لوجهها وهو يقول بضيق

" ها قد وصلنا للنقطة الأهم فها أنت تلاحظين جيداً بأنك لا

تتصلين بي مطلقاً وكأنه ليس لك زوج يفترض أن تسألي عنه

وإن برسالة قصيرة ! "

نظرت له بعينين متسعة قبل أن تكتف ذراعيها لصدرها قائلة

" أتصل بك لماذا وما الذي تفعله باتصالي فأنتم الرجال لا تحبذون

هذا كما أظن .... "


وتابعت تشير له بكفها مفروداً

" ثم إن كنت لا أتصل عادة ولم تكلف نفسك بالرد عليا حين

اتصلت فكيف إن كنت أفعلها دائما ؟ كنت ستغلق الخط في

وجهي بالتأكيد "


نظر لها بذهول وقال يشير لنفسه

" أهذه فكرتك عني ! "


فردت ذراعيها جانباً قائلة

" بل عن الرجال جميعهم فوالدي لم يكن يحب حتى أن أتحدث

عما هو ليس ضروريا ... هكذا اعتدت وتربيت "


ضيق عينيه متمتماً

" وستعاملينني كما كان يعاملك والدك ! "


حركت رأسها مع رفعها لكتفيها قائلة ببرود

" بل كما كان يحب أن أعامله ألست رجلا مثله ؟ أنتما سواء

إذاً وهذا ما أثبته لي مؤخراً بنفسك "


فتأفف ممسكا جبينه بأصابعه قبل أن يقول وهو يبعدها

" تيما بالله عليك لن تعاقبيني أكثر من ذلك بسبب أمر تافه "


نظرت له بصدمة وقالت

" أمر تافه ....! هل ما حدث تراه أمراً تافهاً ...! مقتنع تماماً بأنك

لم تخطئ "


أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها وقال ما أن نظر لعينيها التي

تعلقت بعينيه

" بل مخطئ وكل ما أفعله خطأ فقط توقفي عن معاقبتي بهذا

الشكل البشع "

نظرت لعينيه بصمت لبرهة قبل أن تقول بجمود

" ولن تكررها مجدداً ؟ "

أبعد يديه عن وجهها قائلاً

" وهل بي عقل يفعلها ! لقد انتقمت مني شر انتقام ... "

وتابع يشير بيده جانباً

" بل يكفي أن أرى اسمك على شاشته لأكون لديك على الفور "

فزحف العبوس لملامحها وقالت باستياء

" لا يمكنك إلقاء اللوم علي في هذا أبداً فأنا أفهم جيداً معنى ما

تقوله ... ثم لا تنسى بأني حين كنت أتصل بك في السابق كانت

مكالمتنا تنتهي جميعها بأن تغضب مني بل وتهينني أيضاً وتغلق

الخط في وجهي ولا تتحدث معي بعدها لأيام "


قال يحرك كتفه بلامبالاة

" ذاك كان في الماضي كما تقولين وأنت أكثر من يعلم

ما كان عليه ماضينا "


قالت بضيق

" أرأيت نفسك ! أنت لا تنسى أبدا ولن تفعل "

فسحب نفساً عميقا وأمسك صدغيه بأطراف أصابعه قائلا

بنفاذ صبر

" يا إلهي لا تصيبيني بالجنون يا فتاة "


فضربت الأرض بقدمها الحافية قائلة بضيق

" بل أنا من ستصاب بالجنون بسببك ... ألم نتفق على أن لا

نلتقي حتى تتغير نظرة والدتي للأمر وتوافق ؟

لا وقادم لمنزلها هنا ! "

نظر لها ببرود لتغييرها مسار حديثهم فجأة هذه الخبيثة

الصغيرة ..!!

كتف ذراعيه لصدره وتمتم بجمود

" منزل رعد وليس منزلها "

قالت بضيق أشد من بروده المفاجئ تشير له بسبابتها

" أنت أخللت بالاتفاق وأيا كانت المسميات ولا يمكنني أن

أثق في وعودك مستقبلا ومهما كانت "

اتسعت عيناه بذهول وقال مدافعاً وهو من أشار بيده لنفسه

هذه المرة

" تيما توقفي عن لومي وكأني المخطئ دائماً "


قالت من فورها وبسخط

" بلى أنت المخطئ وأنت تقفز لغرفتي كطرزان "

نظر لها بصدمة تجمدت معها ملامحه لبرهة قبل يقول بسخط

مماثل

" ألم تجدي شخصاً أفضل منه تشبهيني به ! "

قربت وجهها منه وقالت تحركه حتى تحركت غرتها الناعمة مع

حركته وكأن الهواء يتلاعب بها

" لا بالطبع فروميوا كان يقف تحت الشرفة ويغني ولا يتسلقها "

أمسك نفسه بصعوبة عن إمساكها وتقبيلها بعنف وقال متملقاً

يقلدها

" وطرزان أيضاً لم يكن يتسلق الشرفات "


رمت يدها متمتمة ببرود

" هو كان يتسلق كل شيء على أي حال "


فحرك رأسه مبتسما وأمسك وجهها مجدداً وقربه من وجهه

وجنونه بها بدأ يتغلب عليه وهمس من بين أسنانه ينظر لحدقتيها

الزرقاء الواسعة

" عليك أن توقفي هجومك الشرس هذا أو أني سأتّبع ذات

الأسلوب معك وطرق هجومي ليست شريفة مطلقاً فها

أنا أحذرك "


نظرت له بعينين متسعتين ليس بسبب ما قال فقط فقد بادلها

هو أيضاً ذات النظرة ما أن علا صوت الطرقات على الباب

عند أول الغرفة خلفها .. ودون شعور منها ولا وقوف لحظة

للتفكير دفعته بيديها بقوة جهة الشرفة المفتوحة وأغلقت الباب

خلفه ، وما أن نظرت لمقبض الباب الذي استدار ببطء قفزت على

سريرها جالسة تبعد شعرها المتناثر عن وجهها لحظة أن انفتح

الباب وظهرت من خلفه التي جعلت قلبها توقف ما أن رأتها وكم

حمدت الله أنها طرقت الباب ولم تدخل مباشرة فما ستظنه بهما

حينها بل وبها تحديداً ؟!

كانت تمسك مجموعة أوراق تحضنها بيدها بينما حجابها الأسود

على شعرها دون أن تمسكه بدبوس مما يعني أنها كانت في

الأسفل فهي تستخدم مكتب رعد هذه الفترة ولم تنم حتى الآن

بالتأكيد لأن حفل افتتاح البرج سيكون غدا .

" تيما لما أنت مستيقظة حتى الآن وما هذه الأصوات في

غرفتك ؟! "

قالت عبارتها تلك تنظر لها باستغراب بينما كانت تحدق هي فيها

بصدمة لم تستطع اجتيازها بسهولة فقد ظنت لوهلة بأن ما نبهها

ضوء الغرفة المتسلل من تحت الباب لكن الأمر يبدو كان أخطر

من ذلك وكم حمدت الله أن حديثه الأخير كان بصوت منخفض ،

وما أن أبعدت شفتيها لتقول بأنها كانت نائمة قبل قليل واستفاقت

بسبب أصوات أخافتها في الخارج وهي الحقيقة وإن كانت ناقصة

حتى ماتت الكلمات على طرف شفتيها وهي ترى تلك العينان

السوداء الواسعة تبتعدان عنها للسرير بجانبها وحيث يوجد

هاتفها الذي رمته سابقاً وتعلم جيداً ما سيخبرها عقلها به الآن

عن سبب سهرها حتى هذا الوقت .. وجاء حديثها مؤكداً ذلك

حين قالت ببرود وهي تستدير ودون أن تنظر لها

" ثمة أمور يمكنها الانتظار حتى الصباح فنامي الآن بسرعة "

واختفت خلف الباب الذي أغلقته خلفها ونظراتها الحزينة تراقب

مكانها بأسى فبالرغم من أنها لم تعد غاضبة منها ولم تتحدث عن

الأمر ولا وقت اجتماعهم جميعاً هنا ولم تعد معترضة وإن جزئياً

لكنها تقرأ في نظراتها رفضاً واضحاً للأمر برمته وذاك ما يحزنها

وكم تتمنى أن تصبح نظرتها له كنظرة والدها وجدها .


التفتت جهة الشرفة سريعاً ما أن سمعت الطرقات المنخفضة على

زجاجها وزحفت مغادرة السرير من فورها وتوجهت نحوها

وأغلقت بابها بإدارة المفتاح الخاص به فلن تهمل إغلاقه جيداً

مجدداً ، أبعدت خصلات غرتها خلف أذنيها ووقفت ملتصقة

بالباب هامسة بتهديد

" غادر فوراً يا قاسم قسماً إن رأتك والدتي أن أغصب منك

غضباً حقيقياً هذه المرة "


وصلها صوته المتضايق فورا

" حقيقي ! وهل رأيت المزيف مثلاً ؟ "


فأمسكت ابتسامتها بأسنانها وقالت بجدية تحذره

" بل لم ترى شيئاً أبداً فغادر بسرعة قبل أن تسوء الأمور بما لا

يمكن معالجته "

قال من فوره

" أجيبي على اتصالاتي إذاً "


نظرت خلفها بخوف قبل أن تنظر لخياله خلف الزجاج مجدداً

وهمست

" سأفعل "


قال سريعاً

" وثمة أمور عليك رؤيتها في المنزل لآخذ رأيك فيها "


اتسعت عيناها بصدمة وقالت برفض

" لا هذه لن تحدث أبداً ولن تخل باتفاقنا السابق يا قاسم أو

لن تراني أبدا "

وابتسمت ما أن سمعت تأففه الواضح قبل أن يقول ساخطاً

" أمري لله ... لست أعلم من الكبير الراشد فينا "

وسمعت خطواته يبتعد تلاه صوت أغصان الشجرة وذات الصوت

الذي سمعته سابقاً فابتسمت تمرر كفها على زجاج الشرفة البارد

هامسة

" أحبك يا متهور لكن ثمة ما هو أهم من كل هذا "


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 08:19 PM   المشاركة رقم: 1378
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 



*
*
*


لمست بأطراف أنامها الحلق الماسي المتدلي من أذنها وهي

تبتسم للداخلين للتو فذاك الباب الواسع لم يتوقف عن استقبال

ضيوفهم الليلة ويبدو لن يحدث ذلك قريباً .. استقبلتهما بترحاب

وضحكت لتعليق المرأة على أناقتها فهي في هذه الليلة تحديداً

سينظر لها الجميع بنظرة مختلفة وإن كانت أنيقة دائماً تهتم

بمظهرها وكونها فرد من عائلة السلطان المعروفة في تلك البلاد

فإن كان الانجاز الأول الذي تفعله المرأة في حياتها بأن تنجب

وإن طفلاً واحداً فالآخر هو أن تراه يتزوج .. لكن ما لا يعرفه إلا

القلة بأنها اختبرت هذا الشعور وعاشته سابقاً وبكل صدق حين

تزوج وقاص ومن كانت تعتبره الابن الأول لها ومن قبل أن تختبر

شعور الأمومة أو تعرفه ولن تكذب أبداً إن قالت أنها لم تجد

الشعور اليوم مختلفاً رغم قلقها الشديد إن كان بالنسبة لزواج

وقاص المتزعزع وبشكل ملحوظ مؤخراً أو بسبب اختيار ابنها

للفتاة التي قرر الارتباط بها ... وانتقل نظرها سريعاً ناحيتهما

فبينما كانت ملامح رواح مسترخية يضحك ويمزح مع الجميع

وقد برز في بذلة سوداء أنيقة ومميزة بالفعل الليلة كانت الواقفة

بجانبه تدير وجهها بين المدعوين طوال الوقت متجنبة الحديث

مع أي ممن يتحلقون حولهما من حين لآخر بينما تمسكت

ملامحها الشقراء الجميلة ببرود قاتل ...

هي لا تكره أن تكون ساندرين زوجة لابنها كما أنها تحبها وترى

شخصيتها متطابقة تماماً مع شخصية ذاك المشاكس الذي لطالما

أتعبها وعلى مرور أعوام حياته لكنها تخشى فعلاً من الفشل

الذريع لزواجهما أيضاً وهي التي لن تتمنى في الوجود شيئاً

كاستقرار ابنيها وسعادتهما وهي ترى وبوضوح أن ساندرين لا

تتقبل كل ما يحدث بالرغم من أنها من أعلن موافقتها عليه سابقاً

وعلى العلن !

لكنها لم تبدي إلا الكره له ومنذ طفولتهما ولن تلوم سوى ابنها

المجنون ذاك على هذا ..

وما زاد الأمر سوءاً أنه لم يبلغها أحد بأن ما يحدث الليلة ليس

مجرد حفل خطوبة لهما بل ما جلب ضرار من مشروعهم الضخم

والمهم في تلك الجزيرة إلى هنا اليوم هو عقد القران الذي تم

بالأمس ولأنهم في مجتمع حفلات الزفاف فيه تقام في الكنائس

اختاروا إقامة هذا الحفل في قصر العائلة بينما كانت باقي

الإجراءات قانونية فقط .. لكن ما أراحها أن رواح قرر سلفاً بأن

إتمام الزواج متوقف حالياً وحتى وقت لم يقرره وتأمل فعلا بأن

يكون ينوي ترك ذلك لزوجته تلك فستكون الأمور أسهل حينها

ولن تجد نفسها مع زوجة ابن أخرى غاضبة في منزل عائلتها.

تنهدت بحزن وهي تنقل نظرها منهما للمعني بالأمر ومن لم تتركه

نظراتها هذه الليلة ولم يكن سوى وقاص الذي كان على حالته

ذاتها منسجم تماماً في الحديث مع مجموعة من أصدقائه المقربين

ومن كانوا ضمن المدعوين الليلة وكانوا ثلاث شبان وفتاتان ممن

يعملون معه في مكتب المدعي العام .. كما يبدو أنهم انتهزوا

الفرصة جيداً ليتحدثوا فيما لا يتوقفون عن التحدث عنه بالطبع

وحتى في حفل كهذا لا يمت لعملهم بأي صلة ...!

كانت تراه كما يراه كل من وقع نظره عليه منفصلاً تماماً عما

حوله وهو يبدو كمن يدير نقاشاتهم تلك بحرفية لا يهتم بشيء

آخر غيرها في تلك الحفلة وذاك المكان الواسع الذي بدأ يمتلئ

سريعاً بأصدقاء العائلة المنحدرين من أصول انجليزية لأغلبيتهم

لكنها كانت ترى أيضاً ما لم يراه أحد وهو أن انعزاله المتعمد ذاك

لم يكن تاماً وكاملاً كما يوحي للجميع أو يقصد أن يُظهر ذلك كما

تجزم فوحدها بالتأكيد من استطاعت أن تلحظ تلك النظرات القليلة

الخاطفة التي سرقتها عيناه الجامدة نحو شقيقه نجيب

وزوجته ...

المرأة الواقفة ملاصقة له تقريباً يدها تحضن ذراعه ومن بدت

أنيقة بل رائعة وفاتنة الليلة وليس لها أن تقول غير ذلك وهي

من لم تكن لتتخيل أن تراها في حلة أجمل مما رأتها عليه في

الحفل السابق والذي أقاموه من أجل النجاح الأول الذي حققته

شركتهم الجديدة وها هي تخون توقعاتها فذاك اللون الدافئ

لفستانها الطويل الناعم تناغم وبشكل آسر مع لون شعرها وجمال

بشرتها النقية ولون عينيها الواسعة وكم تخشى مما يخفيه قلب

ابنها الذي لم تنجبه ذاك فهي تعرف وقاص جيداً ولها أن تتوقع

موقفه الدفاعي عنها بسبب ظروفها وما أصبحت عليه هنا لكنها

تخشى أيضاً من انحدار تلك المشاعر لما هو أسوأ من ذلك رغم

هروبها المتكرر من الاستسلام لتلك الأفكار فوقاص لن يكون بتلك

الأخلاق المتدنية أبداً فحتى وإن كان زواجه ينزلق نحو الفشل

التام إلا أن تلك المرأة متزوجة ومن شقيقه مهما كان ذاك الزواج

خاطئاً وظالماً ... وبالرغم من كل ذلك لازالت مخاوفها تطفو

للسطح كلما رأت نظراته تستقر عليها وهي من ربت ذاك الشاب

وعرفته جيداً فكل شيء في وقاص تغير تقريباً منذ أصبحت تلك

الفتاة هنا ... لا بل تحديداً منذ أصبحت زوجة لنجيب وخرجت من

عزلتها الطويلة لتشارك العائلة حياتها وكل ما تتمناه أن تكون

مجرد مشاعر إنسانية تلك التي تدفعه للمحاربة من أجلها وبكل

تلك الشراسة كقريبة له أولا وكشخص يتعرض للظلم ثانياً حتى

إن تخلصت يوماً من ذاك الزوج الفاشل فهو لا يستحق أن يخرج

من جحيم الزواج بجمانة للتورط مع من تراها لا تجيد شيئاً سوى

كرههم وبالإجماع بل وانعزالها عن كل شيء حولها وكأنها

تعيش عالماً خاصاً رغم سواده ترفض أن يشاركها أحد فيه

وأيا كان ..

فحتى هنا وفي المكان الذي عج بالضحكات والأحاديث المختلفة

كانت نظراتها تنتقل بين المدعوين فقط ... نظرات خاوية غامضة

أحياناً ومتفحصة أحياناً أخرى وكأنها تخزن صوراً للجميع في

عقلها أو تبحث عن أحدهم في تلك الملامح بينما تجهل اسمه !

فهي تراها لا تشعر بأي شيء من حولها ولا حتى تلك النظرات

الرجولية الخاطفة التي تحيطها بحماية حذرة ترفض الخضوع

لقوانين صاحبها والابتعاد عنها رغم عزمه على فعل ذلك وكم

باتت تخشى على حياة ابنها ذاك من الانحدار للأسوأ فأحواله

جميعها لم تعد تعجبها .... هجرانه الشبه تام للمنزل ..

شجاراته المتكررة مع نجيب وعلاقته الشبه منقطعة مع زوجته

والهشة مع جده والمتدنية مع الجميع !!

حتى أن صديقته الانجليزية تلك والمدعوة إلينا لم تكن مع عائلتها

الليلة هنا وقد اعتذروا بلباقة بالنيابة عنها ويبدو واضحاً بأنها

تتعمد عدم المجيء !.

تنهدت بعمق مجدداً وهي تعود بنظرها إليه وكانت نظراته هذه

المرة مركزة عليهما عكس السابق !!

فتحركت نظراتها سريعاً نحوهما وغضنت جبينها تنظر باستغراب

للرجل الذي أصبح يقف معهما ... كان تقريباً في الخمسين من

عمره وله ملامح عربية واضحة ولم تستطع فعلاً أن تحدد سنه

فلا يبدو أن للون الأبيض مكاناً في شعره الداكن بينما تؤكد

الخطوط في فكيه وملامحه أنه في سن متقدم نسبياً ويبدو أنه

لا يفتقد للحيوية والصحة لكنها لا تعرفه ولم تراه سابقاً !!

أخرجها من أفكارها تلك كما انتزع نظراتها عن تلك الجهة اليد

التي لامست كتفها فنظرت سريعاً للذي قال مبتسما بفتور

" لا تقولي شاهر أهذا أنت هنا ؟ فأنا أقف خلفك منذ وقت

وأنت لا تشعرين "

استرخت ملامحها قبل أن ترتسم ابتسامة صادقة على شفتيها

ولامست يدها ذراعه قائلة بضحكة صغيرة

" لم تترك لي شيئاً أقوله إذا "

وتبدلت نظرتها للاستغراب حين نظر حوله ثم خلفه وكأنه يبحث

عن أحدهم أو ثمة من كان برفقته ويود أن يقدمه لها ! وليس

لها أن تتخيل أن يفكر في جلب تلك المرأة معه مجدداً بعدما حدث

وفعلته تلك المرة ، راقبت بتوجس نظراته التي تبدلت للحنق

وهو يجول بنظره بين الموجودين وكأنه يبحث بالفعل عن أحدهم

وانتقلت لها العدوى سريعاً لعلها تفهم على الأقل من هذا الذي

جاء بصحبته فهو لم يفعلها سابقاً حفاظاً على سريات هويته

الانجليزية المزيفة ليتم تقديمه على أنه مجرد صديق للعائلة !

وما أن كانت ستعود بنظرها إليه لتسأله إن كان يبحث عن أحدهم

ابتعدت بنظرها سريعاً جهة باب الشرفة الزجاجي الواسع

والمفتوح وسرق نظرها تحديداً الشاب والفتاة الداخلان منه

متخالفان بذلك مع الجميع وبشكل متعمد تفهمه جيداً وهو رفض

ذاك الشاب أن يحتك بها وهو متأكد من وجودها هنا قرب الباب

مع ضرتها تستقبلان الضيوف .. ورغم كل ذلك فهي لم تتأثر

باستنتاجها المحبط للآمال ذاك وقد قالت مبتسمة بسعادة

" أليس هذا ابنك وزوجته ؟

لم أكن أتخيل أن تفعلها تلك الفتاة وتجعله يأتي !! "


قالت جملتها تلك وقد انتقلت نظراتها نحو الذي تخطاها نحو

الداخل متمتما ببرود

" لا جدوى مما تفعلونه جميعكم ... لما لا تقتنعون بذلك ؟ "

فتبعته نظراتها الحزينة المتأسية وهو يبتعد في اتجاه آخر لن

يجمعه بابنه ذاك بالتأكيد وكم يحزنها وضعهما بل ووضع جميع

أفراد عائلتها فعلاقته بشقيقه تأخذ ذات المنحدر كما علاقة

شقيقها ذاك بها وهو من اتهمها وعلانية بأنها تقف في صف

شاهر ولا يمكنها أن تراه مذنباً بينما معه هو العكس مما سبب

انقطاع شبه تام بينهم منذ تلك المشكلة أو الشجار العنيف الذي

دار بين الشقيقين قبل أعوام وكان سببه الرئيسي ذاك الابن الذي

لا يعترف بأي منهم ولا يراهم عائلة له .


انتقلت نظراتها جهة من أصبحا قربها يتبادلان التحية مع ضرتها

والدة ضرار وابتسمت بحب وهي تستقبلهما فكأنما خرج هذا

الرجل من أفكارها ! وها هو يقول مبتسماً بتكلف واضح

" نعتذر عن التأخر الخارج عن إرادتنا ... مبارك زواج

ابنك يا رقية "


فقالت بسعادة تمسك بيده بكلتا يديها

" سعيدة بحضوركما وأنا من عليها أن تعتذر لأني لم أكن معكم

في الحفل في منزلكم "


فابتسم وافترقت أيديهما بسبب التي قالت وقد اقتربت منها وقبلت

خدها مبتسمة

" مبارك لكم ولنا إذا فمصابنا واحد "


وتشاركتا الضحك فبالرغم من الفتور الواضع في علاقتها بشقيقها

الذي لم يعد يزورها سوى في المناسبات وبدعوة رسمية أيضاً

فإن زوجته تراها تختلف في أفكارها عنه وكأنها ترفض كل ما

يحدث وكم هي ممتنة لهذا فحتى كنانة توقفت عن زيارتهم ومنذ

أعوام ولن تلومها في ذلك فهي في هذا ستراعي مشاعر والدها

في جميع الأحوال وذاك ما حاولت شرحه لها متأسية بعكس

شقيقها عثمان والذي كان غضبه أسوأ من والده فهو انقطع عنهم

وبشكل نهائي عكس البقية وكم تتمنى بالفعل أن ينتهي هذا

الشقاق بين الأشقاء والذي تراه لن يتحقق مادام ذاك الشاب

المدعو تيم غاضب من الجميع وكأن غضبه ذاك لعنة عصفت

بهم جميعهم لن تختفي تبعاتها إلا باختفائها .


*
*
*


شتت نظراتها الباردة بعدم اهتمام بعيداً عنه بل وعنهما وقد

سئمت فعلا من تصنيف مشاعرها فهي لم تكن هكذا أبداً ولم تحتج

يوماً لأن تلتفت لهذه التفاهات وليس عليها أن تتساءل مجدداً

عن توجيه مشاعرها اتجاه هذا الرجل المسمى خالها ولا بأن

تسمح لكل ما يقوله ذاك المحامي الفاشل أن يؤثر في أفكارها

فجميع من في هذا الكوكب مجرد أعداء حقيقيون لها ..

عليها أن تصنف الجميع على هذا النحو وحتى خالها دجى وابن

شقيقه فهم في النهاية تركوها وحيدة حين اقتنعوا بأنها لم تعد

بحاجة لأي أحد فقد فعلوا ما يستطيعون عليه... أليست تلك كانت

عبارة طبيبها الأخيرة والتي قالها في وجود مطر وهو لم يعارض

أو يناقشه فيها ؟ إذا هم فعلو ما في استطاعتهم وهي لا تحتاج

لأي منهم .. هذا ما قررته وعازمة عليه .

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها الجميلة الرقيقة ونظرها

الشارد يتبع حركة سيدة شقراء تتمايل في فستان حريري طويل

مبتسمة ... هل هي بالفعل قررت ذلك لأنها لم تعد تحتاجهم ؟

لا بل الواقع أقسى وأسوأ من ذلك بكثير فهي لم تفقد مربيتها

وحلقة الوصل الوحيدة بينهم فقط بل وباتت ممنوعة من الخروج

لوحدها من هذا السجن الذي بات أوسع الآن وبأوامر وجهت

للحرس الواقفين في الخارج تحديداً كما يُمنع على من في مثل

حالتها اقتناء هواتف شخصية فهي لازالت الفتاة المعلولة نفسيا

بل وعقلياً وفي نظر الجميع .. لكن ذاك لن يثنيها عما عزمت

عليه وهي تدخل هذا المكان وإن كلفها حياتها .

رسمت ابتسامة أخرى متكلفة على شفتيها لم تغير شيئاً في

ملامحها الباردة حين اكتشفت أن الحديث بات موجهاً لها وهي لا

تعلم بل لم تهتم فلم تجد فيما يتحدثان عنه شيئاً مسلياً أو مهماً ولا

ينقصها المزيد من الملل وتستغرب جدياً أن هذا المدعو نجيب لم

يدعو أحداً من شلة الفاشلين تلك المدعوون أصدقائه فهل خالها

من طلب هذا بسبب طبعه الانطوائي والذي تستغرب معه أن دخل

مكانا مليئاً بالأشخاص كهذا ! أم ثمة أسباب أخرى تجهلها تدور

في هذا الرأس الخبيث ؟

قالت ببرود وصوت بالكاد يُسمع

" آسفة لقد شردت قليلا "

ابتسم الواقف أمامهما ابتسامة أظهرت خطوط فكيه العريضان

بوضوح وقال ونظراته لم تترك عينيها

" وهل لي أن أعلم فيما تفكر ابنة شقيقتي الحسناء ؟ "

ولم ينتظر منها الجواب وقد تابع ونظره ينتقل للواقف ملاصقاً لها

" هل فكرت يوماً في قراءة أفكار النساء ؟ إنها أصعب مهمة

يورط الرجل نفسه فيها كما يقولون "


فضحك نجيب سريعاً وقال يرمقها بنظرة ماكرة

" بلى ومع ابنة شقيقتك تحديداً سيكون الفشل مضاعفاً

بل ومريعاً "

فتنهدت بضيق مبعدة نظرها عنه بل وعنهما وهما يتشاركان

الضحك لحظة أن اقترب منهم أحد الخدم المنتشرين في المكان

الواسع وهمس للواقف بجانبها شيئاً ما من خلف أذنه جعله

يسحب ذراعه تاركاً أصابعها تنزلق منها وغادر خلفه مباشرة

نظراتها تتبعه حتى اختفى خلف باب صالة الاحتفالات المرتفع

ويبدو غادر المكان بأكمله وتستغرب تكرار هذا الأمر كلما كانوا

ثلاثتهم معاً وكأن الأمر متعمد !! نظرت حولها تمرر نظراتها

ببطء بين الموجودين تبحث عن تفسيرات لأمور كثيرة باتت

تجهلها فهي لا تثق في أي منهم ولا تعلم لما تشعر بأنه ثمة شبكة

عنكبوت تحاك حولها في صمت ولن تتمكن من اكتشافها حتى تجد

نفسها عالقة فيها ؟!.


أجفلت بشكل خفيف ظنت بأنه لم يلاحظه أحد سواها حين لامست

أطراف الأصابع الباردة للواقف أمامها أسفل ذراعها ومرفقها

وكان ينوي قول شيء ما مبتسماً قبل أن تنطفئ تلك الابتسامة

تاركة تجهما غامضا في ملامحه .. ومن إبعاده السريع ليده

علمت بأنه فهم أمراً ما وأثبت ذلك حين قال بأحرف مشدودة

" تخافين مني يا زيزفون ....؟ من خالك ...! "

فأبعدت نظرها عنه وهمست ببرود تمرر أصابعها على مرفقها

حيث لازالت تشعر بلمساته تلك

" بل كنت شاردة الذهن ولم .... لم أكن أتوقع بأنها يدك "

تنقلت نظراته في ملامحها وقال بجمود

" لم تنسي الماضي ولم تشفي منه إذاً ...؟ ألا زالت تنتابك

الكوابيس ؟ لازلت ترين ذاك الرجل فيها ؟ "

حضنت نفسها بيديها تقريباً في حركة لا إرادية تبعد نظرها

عن عينيه وقالت بجمود

" افضل أن لا نتحدث عن الأمر "

قال وكأنه لم يسمع ما قالت

" عليك أن تنسي كل ذلك فهو لم يعد له وجود ... كان ماض

وانتهى يا زيزفون "

فنظرت له سريعاً ولم تشعر بنفسها مطلقاً وصوتها يخرج

مرتفعاً حاداً وإن لم يكن تغلب على الضجيج من حولهما وصوت

الموسيقى التي أصبحت تنبعث من مكان ما

" انتهى كيف ؟ ماذا عن القضية وعن إسحاق وعن عائلة ذاك

الرجل ؟ وتعلم بالتأكيد بأنهم يسعون وبقوة لنقل القضية هنا

لمحاكم بريطانيا فأنت تعلم عن كل شيء ومن حيث لا أعلم ..!

كما تعلم جيداً بأن اختبائي خلف اسم مزور لن يدوم طويلاً "


كان صدرها يرتفع ويهبط بقوة من شدة انفعالها الغاضب فابتسم

بسخرية وهو يقول

" أي الإثنين تعني انجي جاكسون أم سيلين إسحاق ضرار ؟

لم أعرف امرأة مثلك تعيش بثلاث شخصيات مثبتة قانونياً

وسليمة لا نقاش فيها وأن تكون زوجة لابن عمها باسمها

الحقيقي تحديداً ! "

شعرت بغضبها يزداد مع تصاعد أنفاسها من سخريته ولا مبالاته

أولاً ومن كم الحقائق التي يعلمها عنها ثانياً فهي لم تعطي هذا

الخال حجمه الحقيقي بالتأكيد ولا يبدو لها أنه الرجل الانطوائي

المنعزل الذي عرفته في الماضي ...!!

قال حين لاحظ غضبها المكبوت والذي أوشك على الوصول

للانفجار

" حسناً أنا لا أتحدث عن القضية ولا عن إسحاق بل عنك أنت

وعن تأثير ذاك الماضي في...."

قاطعته بحزم آمر تنظر لعينيه

" لننهي الحديث في الأمر خالي رجاءً "

ولم تعجبها مطلقاً نظرة عدم الاقتناع التي رمقها بها فلما يهتم

أساساً إن كان ذاك الماضي لازال يؤثر بها أم لا وإن كانت تنفر

بالفعل من لمسات الرجال غير المتوقعة أو المقصودة ؟

ماذا يتوقعون منها مثلاً ؟ أن تجتاز كل ما حدث وكأنه لم يكن ؟

لم تكن روحها وحدها ما أزهقت تلك الليلة بل وشقيقها معها

احترقاً كما احترق جسد والدتهما أمام عينيهما وكما دُمرت

براءتها وبوحشية أمام شقيقها ... بأي حق يطلبون منها النسيان

وتخطي كل ذلك ؟

هي ماتت وانتهت منذ ذاك الوقت وعليهم جميعهم الاقتناع بهذا

ومهما كانت أسبابهم ودوافعهم فقد كان بإمكانها اجتياز كل ما

مرت به وبقوة حتى الجنون الذي كادت تصاب به وأنجزوا الكثير

وصفقوا لأنفسهم مهنئين وهم يخلصوها من كل تلك العقد

النفسية التي التصقت بها لكن هذه لا ...

لا يمكنهم فعلها كما لا يمكنها تخطيها ولا مساعدتهم في ذلك فذاك

دُفن داخلها وللأبد كما دُفنت جدتها ووالدتها ووالدها من قبلهما

قبضت أصابعها المرتجفة بقوة ونظرت جانباً متجنبة النظر لعينيه

المحدقة فيها بجمود ولم تستطع فهم ولا دراسة أفكاره فهو ثالث

شخص يعلم عنها وعن ماضيها الكثير بعد خالها دجى ومطر

شاهين لكن لم يعد يمكنها الوثوق به كما في الماضي وإن كان

دافع عن سرها ذاك وبقوة وحتى أمام القانون .

تركزت نظراتها وحدقتاها الغائمة بلون غامق فجائي أطفى عليهما

زرقة عميقة لا تشبه لونهما الأساسي بتاتاً وهي تنظر للواقف

بعيداً ومن كان ينظر لهما بتركيز منفصل تماماً عن أحاديث

الواقفين حوله ولم تفهم نظرته المستغربة المتفحصة تلك عمّا

تبحث تحديداً وهو من كان يتجاهلها بتعمد واضح ؟

ويبدو وكما لاحظت أن تساؤلاته تلك جميعها تدور حول الواقف

أمامها الآن والذي يبدو أيضاً لاحظ بوضوح نظرتها تلك بل

وتجزم بأنه كاد يقرأها وهي تعود بنظرها لعينيه ورأت فيهما تلك

النظرة وهو ينقلها بينها وبين الواقف هناك قبل أن يقول ناظراً

لعينيها

" من يكون ذاك الشاب ؟ يبدو يعرفك ؟ "

لم تفهم أكان سؤالاً ذاك أم استجواباً ! وبأي حق يرمقها بنظرة

الاتهام هذه ؟

أعليها أن تكون دنيئة منحطة كزوجها ؟

وماذا يقصد تحديداً ومما يبدو غاضباً ؟

حركت شفتيها متمتمة ببرود

" ذاك شقيق نجيب من والده ، ماذا تظنه مثلا ... عشيقي ؟

أنت لم تنسى حديثك السابق عن عُقد الماضي بالتأكيد "

لم يعلق كما لم يدفع الاتهام عن نفسه بل تنقلت نظراته بين

عينيها في شرود مبهم وكأنه يحاول تذكر شيء ما وقال بعد

برهة وبوجوم

" أهو شقيقه المحامي ؟ ذكر لي أن له شقيق أكبر منه يمتهن

المحاماة ؟ "


نظرت بريبة لعينيه المحدقتين فيها بفضول وترقب حذر لاحظته

بسهولة وقالت بدهاء أنثوي يشبهها

" بل نائب للمدعي العام في محكمة أولد بيلي الجنائية "

واصطادت بصدمة النظرة المرتبكة التي رمقها بها قبل أن

تجحض عيناه في الفراغ بوجوم مخيف وكادت تجزم بأنها نظرة

ذعر تلك التي رأتها في عينيه والتي أخفاها وبشكل سريع

وغامض عنها وهو يحدق فيها مجدداً حين قال بأحرف مشدودة

" ماذا يعلم عن الأمر ؟ هل أخبرته ؟ "

" لا ... ولا يعلم شيئاً "

قالتها مباشرة ولازالت تحاول فهم ما يجري في دماغ هذا الواقف

أمامها والذي لم تعد تراه كما كانت في السابق منذ زرع ذاك

الرجل الشكوك في داخلها حوله وها هي تزداد الآن ...!!

راقبت نظراته المشتتة والتي كانت تتسم بالثقة والكبرياء قبل

قليل ! فمما هو خائف فحتى انكشاف خبايا الجريمة لن يدفع هو

ثمنه بل شقيقها ! أم يخشى أن يُحاسب قانونياً على تستره عن

الحقيقة ؟ وذاك ليس بالسبب الكافي أيضاً !.

قال ينظر لعينيها وبجدية

" لا يجب أن يعلم شيئاً إذاً ... سبق وأخبرت زوجك ذاك بأني لا

أريد التعرف على أفراد عائلته ولا أن يعلموا هويتي ومن أكون

بالنسبة لك "

وتابع بانفعال فجائي وغريب حين رمقته بشك

" من أجل سلامتك وسلامة شقيقك يا زيزفون فتوقفي عن

التحديق بي هكذا وكأني قطة مسجونة في قفص "

رفعت حاجبيها في نظرة تعلم بأنه فهمها جيداً وكأنها تقول له

( ما بك انفعلت فجأة وبدون سبب !! )

فتأفف ونظر لساعته من تحت كم بذلته الرمادية المنشاة قبل

أن ينظر حوله قائلا

" علي أن أغادر الآن فثمة موعد مهم لا يجب أن أتأخر عنه

وزوجك يبدو سيغيب طويلا "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى غادر مبتعداً عنها بل ومن المكان

بأكمله نظراتها المشككة لازالت تتبعه حتى اختفى قبل أن تنظر

للجانب الآخر وللذي لم تحتاج للبحث كثيراً حول تلك الجهة

لتجده فقد ابتعد قليلاً عن المجموعة التي كان يقف معها منذ وقت

ولم يكن سوى وقاص ... وانعقد حاجباها البنيان الرقيقان وهي

تنظر للهاتف الذي كان يضعه على أذنه يبدو يتصل بأحدهم

وينتظر أن يجيب كما يبدو أن صبره بدأ ينفذ غضباً من الذي لم

يجب عليه حتى الآن .. ومن نظراته التي كانت مركزة على

المكان الذي خرج منه خالها للتو علمت ما ينوي فعله فشدت

قبضتاها بقوة تشد على أسنانها وتحركت من فورها ناحيته فعليها

أن توقف ذاك المتهور فوراً .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 08:21 PM   المشاركة رقم: 1379
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


رفعت كم سترتها ونظرت للساعة في معصمها قبل أن تنظر

حولها حيث القاعة الواسعة والفخمة والتي بدأ عدد الأشخاص

فيها يزداد عن توقعاتها وهذا ما سيجعل مهمتها أصعب مما كانت

تريد وتتوقع وجل ما تخشاه أن يَخيب أملها وتخرج صفر اليدين

من هنا فلم يوافق مطر بسهولة لتكون في هذا المكان ورفض

وبشكل قاطع ما كانت تفكر فيه وتخطط له ولم تُصدق أذنيها حين

أعلمها بأنها ستكون عند جسر تشيلسي وأنها ستكون هنا بعدها

بساعات قليلة .

" هذا ما يفعله إلحاح النساء المزعج "

همست بها مبتسمة وهي تنزل كم سترتها مبعدة يدها فمخططها

لازال يحتاج لوقت وبما أنهما بالكاد دخلا فلن يغادر الآن بالتأكيد

إلا إن خان توقعاتها وقرر المغادرة فور وصوله .. ولن تستغرب

أن يفعلها فهو كان صامتاً متجهما طوال الطريق إلى هنا مما يدل

على أن شيء ما لا يروق له في التواجد في هذا المكان وليست

السبب الوحيد بالتأكيد ولن تتعب نفسها في التفكير فيه فذاك ليس

هدفها .


ارتد جسدها للأمام بشكل طفيف فنظرت جانباً لصاحب البذلة

الأنيقة والعطر القوي الذي ابتسم لها معتذراً حين اصطدم بكتفها

وهو يجتازها فاغتصبت ابتسامة متفهمة تراقبه وهو يبتعد لازال

يرمقها بنظرات متسائلة بين الحين والآخر ولن تستغرب ذلك

منه بسبب ملابسها هذه فهي لا تستطيع ارتداء فستان سهرة

جميل كما جميع النساء هنا لأنها لن تتخلى عن حجابها ومهما

كلفها الأمر وعليها أن تكون هنا لذلك ستتحمل تلك النظرات بل

وتتجاهلها فثيابها أنيقة باهظة الثمن وإن كانت لا تناسب المكان

والمناسبة .


ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها .. ابتسامة هي أقرب

للانتصار حين وقع نظرها على الجهة التي يقف فيها سبب هذا

الحفل وقد عرفته سريعاً من ملامحه الارستقراطية التي تميز تلك

العائلة ومن تلك الدمية الجميلة الشقراء العابسة التي يمسك

بذراعها بتملك .. ولن تلومها أبداً فببداية كهذه سيكون الزواج

هو أكثر مشروع فاشل يحاط بتمنيات النجاح .

ولم يكن ذاك ما أبهج سريرتها بل مجموعة الشبان الذين أصبحوا

يقفون حوله هو وزوجته بملابسهم السوداء الغريبة حتى أن لون

شعر كل واحد منهم كان كذلك ويبدو بشكل متعمد فملامحهم

انجليزية ولن يحملوا جميعهم ذات الصفة ! ويبدو أنهم أيضاً

يشكلون فريقاً في شيء ما وقد يكونوا من راقصي الهيب هوب

وأرادوا حضور زواج صديقهم على طريقتهم !!

كما يبدو أنهم من المقربين له وها قد وجدت أخيراً مجموعة شاذة

تشبهها وعليها الاقتراب منهم لبعض الوقت لتزيل الشبهات وتلك

النظرات عنها والتي تجعلها كالحمقاء فهدفها يبدو أنه لم

يصل بعد .

وما أن تحركت من مكانها حتى أوقفتها الأصابع الطويلة التي

التفت حول ذراعها النحيل وما أن نظرت خلفها بل وللأعلى قليلا

وكما توقعت كانت في مواجهة الملامح الرجولية المتجهمة بل

والغاضبة على ما يبدو وإن كان ذاك القناع الجامد يخفي ذلك

وببراعة .

قال بخشونة في أول حديث بينهما يكون هو الطرف فيه

" أليس من اللباقة أن لا تتركي مرافقك ؟ أم يعجبك التسكع

في حفل لا تعرفين فيه أحداً كما أظن ! "

رمشت بأهدابها الطويلة عدة مرات وفكرت سريعاً في أن هذا
الوجه سيصبح أكثر وسامة إن تصدق عليه صاحبه بابتسامة

ما .. وتخيلت نفسها تقول له ذلك بالفعل والآن تحديداً فلم تستطع

منع الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها تخفي ضحكة ما تختبئ

خلف أنفاسها المسجونة في حلقها وعبثت أسنانها بشفتها تمسك

ابتسامتها أيضا وقالت بخفة

" معك حق فهذا أول ما سأقوله لمرافقي حين أجده "

مما جعل حاجباه يرتفعان لتترك أصابعه ذراعها فها هي تعيد

توجيه الضربة له وفي وقت قياسي لتجعل تصرفه هو الذي

يفتقد للباقة !

فمن هذا الذي اختفى وترك الآخر إن لم يكن هي ؟

وكان تعليقه الوحيد أن أدار وجهه للجانب الآخر متأففا بصمت

فهذا ما ينقصه امرأة ثرثارة أخرى طويلة لسان .

بينما راقبته عيناها بصمت تمرر طرف لسانها على شفتها العلوية

وما أن كانت ستتحدث وتريه من إبداعات النساء المزيد حتى لفت

انتباهها شخصان تحركت نظراتها معهما فوراً يتجهان حيث كانت

تخطط هي أن تذهب على ما يبدو فقد كانا واقفيْن بسبب شخص

ما يتحدث معهما وقد تحركا مجدداً من أجل البحث عن وجهة

محددة يقصدانها .. وضاقت عيناها الواسعة تنظر للشاب الطويل

الأنيق والفتاة ذات الفستان الأحمر الممسكة بذراعه شعرها البني

الناعم قد تناثر حول كتفيها وظهرها بنعومة تشبه ملامحها

وابتسامتها المتناقضة تماماً مع ذاك الوسيم العابس وهمست

بحنق طفولي

" الخائنان .. !! "

كيف لهذا أن يحدث فهما كانا أقصر منها في آخر مرة رأتهما

فيها معاً !

لما يتطور كل شيء من حولها عداها هي فقد علقت في ذاك

العمر على ما يبدو وبقيت مكانها فحتى تلك الطفلة الصغيرة

ها قد أصبح لها جسد مثالي وساقان طويلتان نسبيا عكسها

تماماً !

نظرت للواقف قربها والذي يبدو أن المشهد سرق إهتمامه أيضا

غير أن نظرته ازدادت قتامة عن السابق وكأنه غاضب من شيء

ما وبطريقة مخيفة ...!!

أدارت عينيها مجدداً جهة صاحب تلك الوسامة المدمرة ورفيقته

وتنهدت بأسى .

" هاي ... انظر لهذه المفاجأة يا رجل "

استدار شاهر حينها بنصف جسده في حركة سريعة ما أن وصله

ذاك الصوت الرجولي المرح وابتسم من فوره بمجاملة للرجل

الخمسيني والمرأة الشابة الممسكة بذراعه قائلا بنبرة عميقة

متزنة "

مرحبا سيد جوردان ... لم أتوقع أن أراك هنا ! "


واسترسل الرجل الانجليزي من فوره يروي له قصة رحلته التي

لم تكلل بالنجاح وسبب عدم مكوثه في جزر الأوركيني الشمالية

مما أتاح الفرصة للتي تركها خلف ظهره للابتعاد عنه بخطوة

صغيرة فكل ما تخطط له هو الاختفاء مجدداً والتوجه حيث كانت

تنوي قبل قليل .

*
*
*




" وقاص "
شدت كم يد سترته السوداء الفاخرة جهة مرفقه والتي كان

يرفعها بالهاتف لأذنه مناديه باسمه من بين أسنانها فأبعد نظره

عن المكان الذي علق فيه منذ وقت ونظر باستغراب للتي باتت

واقفة أمامه في الوقت الذي فتح فيه الطرف الآخر الخط أخيراً

فهمس والجمود لم يغادر ملامحه

" قليلاً فقط يا زيزفون "


وما أن كان سيبتعد عنها وذاك ما كانت تتوقعه فهو يخطط بالتأكيد

لأن يرسل أحدهم للحاق بمن غادر للتو لكنها لن تتركه يفعل ذلك

لن يدمر كل ما فعلوه لأعوام لحماية شقيقها ودفن في ماضيها

وللأبد .. لن تسمح له بفعلها ومهما كانت نواياه ، رفعت جسدها

ويدها ليده قبل أن ينفذ ما يخطط له ويبتعد عنها وسحبت الهاتف

منها في حركة لم يكن يتوقعها لما كان سمح لها بفعلها وإضاعة

الوقت عليه فإن غادر ذاك الرجل بوابة القصر الخارجية فلن يجده

مجدداً ومهما حاول وذاك ما يعرفه كلاهما .


نظر لها بدهشة وكأنه لم يستوعب حركتها تلك قبل أن يمد يده

لها قائلا بحزم

" أعطني الهاتف يا زيزفون ثمة مخابرة مهمة ثم يمكنك قول

ما تشائين ويمكنني سماعك "


دست يدها والهاتف فيها خلف ظهرها وتراجعت للخلف خطوة

قائلة بحزم

" لن أعطيك إياه لأني أعلم ما ستفعل وأخبرتك سابقاً أن

تبتعد عن كل ما يخصني يا وقاص "

حدق فيها بصمت قبل أن يقول بضيق

" ومن قال بأن الأمر يخصك ؟

لقد فهمت كلماتك السابقة جيداً ووصل ما تريدين قوله ضمنياً "

زمت شفتيها بحنق فهو لم ينسى كلماتها القاسية تلك إذاً ولن

ينساها بالتأكيد وتعلم بأن كرامته كما كبريائه جرحا وبعنف

بسببها لكنه لازال يعجز عن منع نفسه من حشر أنفه فيما

يخصها وإن أظهر عكس ذلك وتعلم جيداً بل وموقنة بأنه

سيستمر في البحث بعيداً عنها ، قالت تموه ذكاء المحامي فيه

كي لا يشك بهوية خالها ذاك وبأنها تبعده عنه تحديداً

" توقف إذاً عن مطاردة أصدقاء شقيقك ذاك ومراقبتهم فالأمر

يخصني أيضاً "

قال بحدة رامياً بحديثه السابق عرض الحائط

" وأي صديق ذاك الذي يأخذ كل تلك المساحة من أحاديثكما

منفردين وكأنكما تعرفان بعضكما جيداً ؟

بل وعربي الأصل ولم أراه سابقاً ولا من ضمن أصدقاء نجيب !

بل وليس في سن يناسب لأن تكون ثمة صداقة بينهما بينما ليس

لدى ذاك الفاشل أي أعمال ليكون له شركاء فيها أو أصدقاء

مشتركين ؟! "


اشتدت أناملها بقوة على الهاتف الذي لازالت تخفيه خلف ظهرها

وقالت بضيق

" عليك أن تعلم أمراً واحداً فقط وهو أن تبتعد عن طريقي

ولا تتدخل فيما يرفض غيرك أن تتدخل فيه "


مد يده لها قائلا بأمر ومتجاهلا كل ما قالته

" الهاتف يا زيزفون "


قالت برفض تبتعد عنه خطوة أخرى

" لا لن أعطيك إياه وذاك الرجل لا أعرفه وحديثنا كان

عابراً عادياً "


خرجت منه ضحكة ساخرة قصيرة لا مكان للمرح فيها قبل

أن يقول "

ولما كنت غاضبة إذاً ...؟ أنا نفسي لم أعرف فيك تلك المشاعر

إلا نادراً ! "


قالت بضيق

" ومن تكون أنت لتقيم مشاعري وانفعالاتي ومنذ متى تعرفني

لتحكم ؟ توقف عن افتعال المشاكل مع شقيقك بسببي لقد سئمت "


كانت تعلم بأنها كمن يحارب الهواء بما تفعل مع هذا العنيد فقد

أشار بيده حيث غادر سبب حديثهما ذاك قائلا بحدة

" هذا ليس عذراً لتمنعيني من معرفة هوية ذاك الرجل فهل لي

أن أفهم السبب ؟ "


كانت هي من ضحك تلك الضحكة الساخرة حينها وقالت

" مغرمة به وأحمي علاقتي معه منك ... أيكفيك هذا ؟ "


قال من فوره وبضيق

" زيزفون توقفي عن التفوه بالحماقات تعلمين جيداً أن ذاك

ليس ما أفكر فيه أو أعنيه "


حاولت أن تموه الحقيقة مجددا فعليها أن تطرد من رأسه فكرة

أنها تحمي هوية ذاك الرجل من الانكشاف وقالت بضيق مماثل

" ليس عليك تصنيف جميع رفاق شقيقك على أنهم مؤذيين ...

أنا قادرة جيداً على حماية نفسي "


مد يده لها مجدداً وقال بحزم

" أعطني الهاتف إذا وسأتأكد من نفسي صدق حديثك هذا ...

ولك أن توجهي لي الإهانات القاتلة حتى الصباح فلن أهتم "


فخرجت مشاعرها عن السيطرة نهاية الأمر وقالت بانفعال واضح

" توقف يا وقاص متى ستفهم ؟ حتى تصبح صفحة جديدة من

رسوماتي ؟ "
نظر لعينيها بصمت واستغراب استطاعت قراءة ما ورائه جيداً

فتأففت بضيق وأشاحت بوجهها عنه جانباً وسقطت يدها بجانب

جسدها وهاتفه لازال فيها وحدث ما توقعته جيداً حين وصلها

صوته ونبرته العميقة التي تبدلت للهدوء فجأة

" ما معنى هذا التهديد يا زيزفون ؟ من هذا الذي قد يقتلني

إن استمررت في البحث عنه ؟ "


نظرت له بسرعة وقالت بجمود

" قدري ... لا أحد سوى قدري الذي يأخذ كل من يفكر في

حمايتي أو الدفاع عني فاتركني وشأني أخبرتك بأني قادرة

على حماية نفسي "
نقل نظره بين عينيها قبل أن يقول بجمود

" لكن قدرك لم يأخذ الرجل الذي ساعدك للخروج من كل

ذاك النفق المظلم كما أظن ؟! "

فاشتدت أصابعها على هاتفه فيها حتى آلمتها وقالت ببرود ناقض

مشاعرها تلك

" ذلك لأنه لا يبحث عن الحقائق ... لا ينبش الماضي ولا يحاول

الوصول لما تسعى له أنت لكان مات مثلهم بالتأكيد ولا تنسى

بأني حذرتك "


لانت نظراته فجأة وقال بتأن

" ولماذا ...؟ لما يعنيك تحذيري وأن لا أنتهي لذاك المصير ؟

لتحميني أم لتحمي شيئاً أجهله ؟! "


أشاحت بوجهها عنه ورفعت يدها لصدرها تتنفس بقوة قبل أن

تمدها ناحيته وقالت بجمود ولازالت تتجنب النظر له

" هاتفك "

فغرضها منه انتهى وسيكون خالها ابتعد بالتأكيد ولن تكشف له

شيئاً الآن والأمور بدأت تنتقل للتعقد أكثر مما يعني بأنها اقتربت

من الانجلاء فهكذا هي حكمة الحياة كلما ازداد السواد قتامة

كان بصيص النور قريباً مثلما كلما ضاقت حبائلها فرجت .


نظرت لعينيه حين قال بنبرة أشد صلابة من نبرتها ولم يرفع

يده لهاتفه ولم يأخذه منها

" لن آخذه حتى تجيبي عن السؤال الذي تجاهلته متعمدة "


سحبت نفساً عميقاً ارتفعت معه تفاصيل صدرها الأنثوي وقالت

تزفره بقوة

" بل لأنه لا جواب لدي فخذ هاتفك أو أنت الخاسر الوحيد

إن بقي لدي "


قال ناظرا لعينيها متجاهلاً يدها وهاتفه فيها كما حديثها

" ترفضين فعلاً أن أموت يا زيزفون ؟ أم لا تريدين تحميل

نفسك ذنب ذلك ؟ "


لم تجب كما لم تنزل يدها ولم تبعد نظراتها عن عينيه فرفع يده

حينها وفي صمت وإن كانت نظرته لا تؤكد البتة بأنه مقتنع

بأجوبتها وإن كانت الصمت ، وما أن وصلت يده له أمسكه

لكن ليس لوحده بل وأصابعها معه وشد عليها بقوة ولازال ينظر

لعينيها نظرة لا تفهم أكانت تعني الإصرار والعناد على ما يرفض

التوقف عن البحث عنه وهي الحقيقة التي يصر على أنها ستكون

سبب براءتها الحقيقي أم تأكيداً على حديثه ذاك وسؤاله ؟


" وقاص "


أبعد يده وهاتفه فيها كما فعلت هي وهي تتنحى للجانب قليلاً

للمرأة التي كانت خلفها ونادته للتو برقة ونبرة هادئة والتي ما

أن أصبحت تقف معهما حتى تبين لها هويتها الحقيقية فانتقلت

نظراتها على جسدها صعوداً وابتسامة ساخرة بطيئة تزين شفتيها

وحدقتاها الزرقاء تنتقل من جسدها الذي تغير وبشكل واضح وإن

لم يصل للرشاقة المطلقة بعد يغطيه فستان عشبي اللون من

الحرير الطبيعي تزينه قطعة كريستاليه لامعة عند الصدر الذي

انكشف أغلبه من فتحته المثلثة الواسعة لينتهي قماشه لقطعتي

كريستال أخريين مستطيلتا الشكل تجمعان قماشه فوق كتفيها مما

زاد تلك الفتحة اتساعا مبرزة ما تحتها كدعوة واضحة لكل من

يراه ! بل وكأن صاحبته لم تستطع إبراز مفاتن أنوثتها إلا الآن

لتسارع لعرضها للعلن ...!!

ذقن أصبح مشدوداً بعد أن أزيل الجلد المتدلي قليلاً تحته

والممتلئ .. شفتان كانتا متباينتا العرض تماماً بسفلى ممتلئة

وعلوية رقيقة لتصبحا بذات الحجم والشكل مشدودتا الطرفين

كبالون صغير منتفخ ومطلي باللون الأحمر اللامع ... أنف مسطح

من الأسفل بينما توقفت عمليات التحسين عند عظمته العريضة

بين العينين اللتان تغير لونهما للأزرق المشوش بسبب السواد

الحقيقي للحدقة المخفية تحت تلك العدسات اللاصقة ورموش

صناعية كثيفة ... وانتهى الأمر عند الشعر الذي تحول للأشقر

الفاتح وقد تخللته وصلات لشعر حقيقي بأطوال مختلفة لتخفي

قصره الحقيقي فتنزل متدرجة حتى منتصف ذراعيها اللتان

لا زالتا تحتفظان ببعض ذاك الامتلاء الغير خاضع لطرق الصقل

الجديدة التي يبدو خضع لها ذاك الجسد !.
نظرت لعينيها ولنظرة الاحتقار والكره التي كانت ترمقها بها

واتسعت ابتسامتها الساخرة وهي تقول ونظراتها تشملها مجدداً

باستخفاف بضحكة ساخرة مكتومة

" رائع يبدو أن الحفل الممل أصبح ينزلق للأفضل وستبدأ

العروض الترفيهية الآن "


" زيزفون !! "


نظرت من فورها لصاحب ذاك الصوت الرجولي الحازم وهو

يسكتها والذي تابع بضيق ناظراً لعينيها

" توقفي عن هذا فجمانة لم تتحدث معك أو تسيء إليك "


نظرت لها مجدداً قبل أن تعود بنظرها إليه وقالت بذات ابتسامتها

الساخرة

" كانت زيزفون من تتلقى الآراء السلبية دائماً وكان لا بأس ...!

من حقها إذاً أن تعامل الجميع بالمثل أليس كذلك يا رجل

العدالة ؟ "


ولم تكترث قط لنظرة الضيق والرفض لكلماتها التي رماها بها

واستدارت ناحية التي شملتها نظراتها الساخرة مجدداً وقالت

بسخرية أشد

" ولا تخف على مشاعرها هكذا فستكون اتخذت حصانة ضد

كل هذا والفضل يرجع لك بالتأكيد "


وغادرت مبتعدة عنهما ما أن أنهت حديثها ذاك ترفع رأسها

بكبرياء أنثوي لم يزدها سوى سحراً قوياً يلتف حولها

كالمغناطيس تاركة خلفها من سحقتها تحت حذائها ذو الكعبين

المرتفعين كالسجادة فذاك ما شعرت به تلك حقاً وكم كرهت أن

اختارت صبغ شعرها بهذا اللون واقتناء العدسات اللاصقة وبهذا

اللون تحديداً فقد قرأت وبوضوح في نظراتها الساخرة تلك بأنها

تفهم محاولاتها البائسة بأن تكون نسخة عنها .. وليس لها أن

تنكر ذلك فصورتها فقط ما كانت أمام عينيها وهي تستعد لحفل

الليلة وكأنها تنوي تقليدها لشد ما يجذب زوجها لها مما أظهرها

بمظهر سخيف وستكون سخرية الجميع مثلها بالتأكيد ...

لكن لا .. هي لن تسمح لذلك بأن يؤثر عليها ولن تنجح تلك

ولا غيرها في تدمير ثقتها الجديدة بنفسها فهي راضية تماماً

عما أصبحت عليه وما كانت تريده وتتمناه منذ عرفت هذا

الرجل .


رفعت نظراتها به وكما توقعت كان ينظر لها ونظرته تلك لم تعبر

عن الرضا البتة ولم تكن لتتوقع غير ذلك لكن هذا أيضاً لن يثنيها

عن هدفها وستستعيده لها فهو زوجها وهي الأحق به من جميع

النساء وكما قالت تلك قبل قليل والتي استطاعت فهمه أكثر منها

هي الحمقاء والتي عاشت معه أكثر مما عرفته هي فهو بالفعل

كان يدعمها ويحاول جاهداً الرفع من معنوياتها المحطمة ويحاول


دائماً إفهامها بأن لا تلتفت لأي رأي غير رأيه مما كان من

المفترض أن يشكل لديها حصانة منيعة ضد آراء الأخرين بها

لترميها وراء ظهرها لكنها الحمقاء كانت العكس تماماً .


جمانة الماضي كانت لتهرب الآن لغرفتها تنحب بين جدرانها

لوحدها بسبب ما سمعته منها .. أو كانت لتحاول استدرار عطفه

وهي تصف له بكلمات متألمة باكية عن مشاعرها المحطمة بسبب

تجريحها ذاك وسيحاول هو مواساتها وتبديد شكوكها بالطبع مما

سيزيدها بكاء وكما ستفعل أي امرأة ضعيفة مهزوزة حمقاء مثلها

فينتهي الأمر بأن يتدمر منها وتفقد حتى شفقته اللحظية تلك ...

لكن جمانة الماضي تغيرت بل وماتت ولن تسمح لها بأن تظهر

مجدداً وتدمر كل ما صنعته ووصلت إليه .


رفعت أصابعها تبعد بها غرتها عن طرف وجهها ولازالت تحدق

به وأفتر ثغرها عن ابتسامة حاولت أن تجعلها كما علمتها

شقيقتها قدر المستطاع أنثوية مغرية وهي تبعد شفتيها لتتحدث

لكنها ماتت وفي مهدها كما تلك الكلمات على أعتاب شفتيها حين

قال الواقف أمامها وبضيق

" لما أنت هنا يا جمانة ؟ "


كانت تعلم بأنه لم يكن يعني الحفل بل أمامه هنا وبأنه لم يقل ما

قال لتلك ودافع عنها أمامها إلا بسبب طبعه الذي يميزه عن جميع

الرجال ، تابع ودون رحمة حين لم تعلق

" إن كنت هنا من أجل أن تتحدثي وأستمع لك فلا شيء

نتحدث عنه "


فجمعت قواها المشتتة مجدداً وقالت وإن بصعوبة

" أنا هنا ليس من أجل أن نتحدث بل من أجلك أنت "


قالتها وبكل جرأة لم تعرفها في نفسها من قبل فلم تبدي له

عبارات التودد المماثلة سابقاً لأنها لم تكن تسمعها منه لكنها

ستتحدث الآن ولن تنتظر أن يبادلها بالمثل فسيتغير كل ذلك مع

الوقت ومهما طال ، حاولت جاهدة أن لا تسمح للدموع بأن

تتسرب من عينيها حين قال وبقسوة

" هل أنت راضية الآن عما صرت عليه ؟ أهذا ما سيجعلك راضية

عن نفسك ! أرأيت ما أوصلتك له تلك الأفكار السخيفة

عن العمليات التجميلية الفاشلة "


شعرت بضربة قاسية وجهت لقلبها وكلماته صفعت وجهها وبقوة

فهو وبالرغم من أنه تجنب وبشكل واضح أن ينتقد شكلها الجديد

كما فعلت تلك قبله إلا أنه آذاها فعلاً برأيه السلبي في مظهرها

الذي تكبدت عناءً كبيراً لتصير عليه ومن أجله قبل الجميع ...

لكنها كانت تتوقع هذا وتعلم جيداً بأنه سيحدث وعليها أن لا تنسى

ذلك فهو غاضب منها ولن تتوقع منه أن ينبهر ويبتهج ويمطرها

بعبارات المديح ويتغزل بها وهو يراقصها كما يفعل الإنجليز ..

كما تعلم بأن دربها سيكون طويلاً بطول معاناتها السابقة مع

نفسها قبل أن تكون معه وهي من خسرته ومن عليها أن تدفعه

نحوها ولتمتلكه وليس لتستعيده فهو لم يكن لها يوماً ، رفعت

يدها وما أن لامست أطراف أناملها ظهر كف يده هامسة

" وقاص.... "

حتي جذبها بعيداً وتصلبت ملامحه وكأنها نار لسعته وقال بضيق

" لا تتلفظي بإسمي مجدداً ولا تقتربي مني فأنت من دمر كل

شيء يوم خيرتك واخترت كل هذه التفاهات عني "


أعادت يدها وضمتها لصدرها تتلقى باقي هجومه القاسي

" أخبرتك سابقاً ومراراً أن التغيير لا يأتي من الخارج وأن

القشور لا تُهم سوى محدودي التفكير وأن ... أو لما أتعب

نفسي بتكرار ما كررته لثلاثة أعوام كالببغاء "


حاولت بصعوبة تنظم أنفاسها كما مشاعرها المتأذية من قسوته

وقالت بضعف

" أعطنا فرصة ... فرصة جديدة ولن نقول أخيرة ... ألست من

كان يطلب ذلك ويشجعه دائماً ؟ "


أبتسم بسخرية قبل أن يقول بحدة ناقضت ابتسامته تلك

" كان ذاك قبل أن تغادري هذا المنزل وتختاري العملية فلن

تلومي أحداً سوى نفسك لأنه اختيارك "


بلعت ريقها كما غصتها وإهاناته معها وقالت بصبر

" أنت غاضب الآن ونحن في مكان غير مناسب للتحدث

فسيكو.... "


فقاطعها بنفاذ صبر ملوحاً بيده

" توقفي يا جمانة بالله عليك فهذه الأدوار لا تليق بك "


قالت بأسى حزين تضغط على وتره الحساس ونقطة ضعفه التي

تعرفها جيداً

" توقف أنت عن إهانتي برفع صوتك هكذا أمام من باتو

يسترقون السمع لنا حلفتك بالله وحافظ على كرامتي وإن

أمامهم ... أنا لا أطلب أكثر من هذا الآن "


وما أن أشاح بوجهه متنهداً بعمق ولاذ بالصمت حتى ابتسمت

بانتصار فهي تعرفه جيداً لن يجرحها أمام شخص ثالث وأيا كان

وكانت الظروف وهذه البداية وستكون جيدة كبداية فقط ولن

تضيّع كل ما علمتها إياه شقيقتها وما سهرت ليالٍ دون نوم تفكر

فيه وتحلله وتقلبه حسب شخصيته فلن تُسلم هذا الرجل المليء

بالمزايا من خارجه لداخله لأي امرأة وهي زوجته ومن تحظى

بمكانة لم تصلها غيرها ، قالت بنبرة حزينة نظرها لازال معلقاً

بملامحه

" عاملني كوقاص الذي أعرفه وإن أمام الناس ثم عاقبني

بما شئت وما تريد حين نكون لوحدنا "


وما أن نظر للأسفل ولاذ بالصمت شع وجهها بابتسامة رضا

واسعة واقتربت منه .. ودون تردد التفت أصابعها حول ذراعه

وقالت تسحبه معها

" والداي هنا ... لقد وصلنا للتو ويريدان رؤيتك "


*
*
*


رغم ابتعادهما إلا أن رأسها كان يستدير للخلف وعيناها لا زالتا

هناك وقالت ما لم تسأل نفسها قبل قوله

" من تلك المرأة غريبة المظهر مع والدك ؟ "


وسرعان ما عضت لسانها موبخه نفسها حين دفعها بسحبه

لذراعه المتمسكة بها لكي تنظر أمامها وتصمت فهي تنسى دائماً

بأنها تدني نفسها خطوة في كل مرة لتصبح في نظره مثلهم وكما

سبق وحذرها دائماً .


وما لم تتوقعه أبداً حدث حينها أن تحركت شفتاه وقال بجمود

" تلك زوجته "


فنظرت له بصدمة توقفت معها عن السير مما جعله يقف أيضاً

وحدقت فيه تلك العينان العسلية بذهول ليس لأنه أجاب وهي لم

تتوقع ذلك أبداً منه بل للإجابة نفسها !

تنقلت نظراتها الذاهلة المصعوقة في ملامح وجهه الباردة ككلماته

تلك قبل أن يتحرر لسانها المتحجر وقالت مندفعة

" زوجته كيف ومتى ...؟ بل ولما ! "


قالت كلمتها الأخيرة تلك بالكثير من الأسى والألم لكنها لم تلحظ

شيئاً من ذلك في عينيه المحدقتان بعينيها ...؟ لا شيء سوى

البرود و... اللامبالاة !! توقعت أن ترى غضباً دفيناً !

ألماً محجوباً عن الجميع عداها فيهما !

توقعت حتى الانكسار وخيبة الأمل التي تستبعدها لكنها لم تتخيل

أبداً أن يواجه الموقف ببرود تام بل وعدم اكتراث وامرأة أخرى

تقف مكان والدته وإن كانت ميتة ! فهي تعي جيداً كم يقدس

ذكراها ويحبها لكنها لم تتخيل قطعاً أن يكون والده ميتاً بالنسبة

له ولهذا الحد المريع !!

تحركت شفتاها المصابتان مجدداً في محاولة لقول شيء آخر لا

تعلمه حتى مما جعل الأحرف تخرج متقطعة مشتتة

" لكن ... لكنه... "


فقاطعها بأن سار مجدداً يسحبها معه متمتماً بضيق

" تحركي وتوقفي عن الثرثرة ماريا فرأسي يؤلمني "


رأسه يؤلمه !

جيد هو أثبت لها على الأقل بأنه يملك جزءاً بشرياً في جسده تلك

اللحظة ... ثم أيؤلمه من ثرثرتها كما يسميها بينما المكان يعج


بالأحاديث والضحكات العالية ؟ تتساءل أحياناً إن كانت دماءً تلك
التي تسري في عروقه كباقي البشر أم سائل أسود يحركه كآلة

صماء !


وصلا حيث يقف رواح وساندرين بجانبه ولهدفهما الرئيسي من

القدوم بالطبع ولن تتوقع منه أن يفعل غير ذلك ، كان يحيط بهما

مجموعة من الشبان بزي موحد جعل منهم محطاً للأنظار فهم

بدوا مميزين بالفعل حتى أن طولهم متقارب بشكل واضح

ومدهش ...! مبتسمين مرحين وحركاتهم وكأنها متناغمة

ومدروسة رغم عشوائيتها !

ولن تستغرب أبداً أن يكون له أصدقاء هكذا فهي تراه يشبه

الواقفة بجانبه تماماً شخصية تحمل الكثير من المفاجآت ويمكنك

توقع الكثير منها بل ويمكنها الانسجام مع أمثال الواقفين حولهما

يتحدون ويضحكون دون توقف .


" المعذرة "


تلك الكلمة الباردة الحازمة التي خرجت من شفتي المرافق لها

جعلت اثنين منهم ينظرا لهما للخلف قبل أن يتنحيا جانباً ليصبحا

مقابلان تماماً لرواح وساندرين وعم الصمت تلك المجموعة وكأن

حضوره وكالعادة يجذب الصمت التام كما الأحداق والنظرات ..!

وكانت ابتسامة رواح أول رد فعل له لكنها لم تجذبها بقدر ما

جذبتها تلك النظرة في عيني ساندرين وهي تنتقل ببرود في

ملامحها ولها أن تتوقع ذلك فأثر تلك الكدمة المخيفة التي كانت

تزين وجنتها لم يختفي بشكل كامل وإن كانت شفيت تقريباً وما

يزيد الوضع سوءاً أيضاً أن الجروح الصغيرة التي سببتها تلك

السكاكين أسفل فكها وذقنها لم تختفي جميعها بشكل كامل أيضاً

ولم تنجح مساحيق التجميل الخفيفة التي وضعتها في إخفاء كل

ذلك حيث أن جرحين منها كانا أعمق من الأخرى التي اختفت

جميعها وتعلم جيداً أن هذا كان سبب تلك النظرة التي وجهها

والده نحوهما أيضاً وإن كانت تستغرب أن لاحظ هذا من بعيد !

فحتى الجرح في يدها استغنت عن الشاش الطبي لتغطيته بشريط

طبي لاصق منذ أيام لتغطيته وحده لأنه بدأ يتماثل للشفاء .


علّق رواح سريعاً ومحاولاً تبديد كل ذاك الجو المشحون وقال

مبتسماً وغامزاً لها بعينه

" فعلتها إذاً ... رأيت أن كلامي كان صحيحاً "


فابتسمت له بارتباك وحضنت يدها الأخرى أيضاً الذراع التي

لازالت تتمسك بها وقالت تنقل نظراتها بينهما

" مبارك لكما .... "



وتابعت وقد استقرت نظراتها على عيني ساندرين تحديداً

" لقد جئنا من أجلكما "


لكن تلك الجميلة العابسة لم تقابل نظرتها ولا ابتسامتها تلك

بالمثل حين قالت ببرود

" هل هذا حقاً ما أردته لنفسك ماري ؟ "



فخيم الحزن على تلك الملامح سريعاً ورغم توقعها لردة فعلها تلك

إلا أن كلماتها جرحتها وبعنف خاصة وهي تناديها باسم تلك الفتاة

التي لطالما ذكرتها بأنها تشبهها فهي من اليأس والضعف أن

انتحرت بسبب حبها لرجل لا يبادلها تلك المشاعر ، وهي لا

تناديها بذاك الاسم إلا لتذكرها بذلك .. ورغم كل ذلك استطاعت ان

تجبر شفتيها على الابتسام وأصابعها تضغط بقوة على ذراع

الواقف ملاصقاً لها كي لا يتحدث وتعلم جيداً بأنه يفهم إشارتها

تلك وقالت وكأنها لم تسمع شيئاً من حديثها ذاك

" أنا حقاً سعيدة .. ومن أجلكما أيضاً "


قالت ذلك بمشاعر صادقة بالفعل فبالرغم من نظرة الجميع

لوضعها معه وبالرغم من التزاماته وعمله وبجميع مخاطره

والمهام التي جعلت حتى من امرأة أخرى شريكة لها فيه إلا أنها

سعيدة حقاً بوجودها بقربه ومعه ولن يفهم أحد مطلقاً معنى هذا

ومعنى ما تشعر به وتحتاجه .


" أتمنى ذلك فعلاً "


كان ذاك فقط ما علقت به الواقفة أمامها ونظراتها الحانقة تنتقل

للفراغ وتعلم بأنها لن تستطيع أن تغضب منها أبداً فهي تفهم

طريقة تفكير ساندرين جيداً وبأنها لا تكرهها بل تحبها وهذا

السبب الأساسي في رد فعلها ذاك لكن وبما أنهما من شخصيتان

متناقضتان تماماً فلن تستطيع أيا منهما إقناع الأخرى ولا تغيير

رأيها أو حتى موافقتها.


قال أحد من اكتفوا بالتحديق والصمت مستمعين لكل ذاك الحوار

المبهم الغامض وهو يرسم ابتسامة

" حسناً ألن تعرفنا بهما يا رواح فيبدو أن صديقات زوجتك

رائعات مثلها "


وأتبع كلماته تلك بضحكة قال من خلالها وهو يغمز لتيم والواقف

بجانب من نظرت له بصدمة

" أم أن حبيبها لن يعجبه ذلك ؟ "


لتموت تلك الضحكة ما أن رمته تلك العينان السوداء بنظرة كفيلة

بإرساله للموت فوراً بينما حاول انتزاع ذراعه منها في حركة

جعلت أصحاب تلك الملابس السوداء جميعهم يتراجعون خطوة

للوراء في رد فعل لا إرادي من معرفتهم لنيته المحتمة بينما

بقي المعني بالأمر واقفاً مكانه ينظر له بصدمة فكانت ردة الفعل

الأخرى والأسرع لرواح والذي مد يده وذراعه بطولها بينهما

وقال بابتسامة ناقضت كل ذاك الجو المشحون

" هيه توقف يا رجل فهم يحتاجون لعددهم كاملاً من أجل العرض

القادم في غوت تالند لهذا الموسم "



وحين لم يرى استجابة من الذي حاول سحب ذراعه مجدداً ممن

كانت تمسكها بقوة وترمقه بضيق غاضب هامسة

" تيم توقف "


فتحرك حينها من مكانه ووقف بينهما وقال بحزم محدقاً في تلك

العينان الغاضبة

" لا تتصرف كالمراهقين يا رجل "


وكان كلامه تذكيراً له أكثر من كونه تحذير بأن ما يفكر في فعله

الآن لن يكون في صالحه أبداً فتحرك من مكانه مغادراً من هناك

يمسك بيد التي سحبها خلفه خطواته الواسعة الغاضبة تجتاز

الموجودين يحدقون بهما فبعضهم تمكن من معرفته بسهولة

وكيف يمكنهم نسيان ما حدث في الحفل السابق الذي انتهى

برصاصة من مسدسه .. بينما ميّز البعض الآخر هويته بسبب

الصور التي جمعته بتلك الفتاة الانجليزية المعروفة وابنة رجل

واحد من أهم رجال البلاد .


كانت وجهته الباب الذي دخلا منه قبل قليل لا يرى شيئاً آخر

سواه أمامه لكن ذاك الصوت الأنثوي الذي وصله من خلف أذنه

تمكن من إيقافه مجدداً ما أن أجبرته على التوقف فوراً بوقوفها

قائلة

" انتظر قليلاً تيم لن نغادر الآن "


فاستدار نحوها وقال بضيق

" وماذا بعد ماريا ؟ مزيداً من الإهانات ؟ أم أن رفقة أولئك

الصعاليك تعجبك وقررت مرافقتهم ؟ "


نظرت له برفض محتج تخفي به أكثر مرارتها وجرحها من

كلماته لكنها لم تستطع منعها من الخروج مع صوتها الهامس

" لم أكن أتوقع أن تلك نظرتك لي ! "


لكن ذلك لم يخفف من غضبه شيئاً وهو يشير برأسه حيث

كانا قائلاً

" أنا أشرح فقط ما أراه أمامي "


فابتلعت إهانته الجديدة مع ريقها الجاف وقالت بضيق

" تفكيرهم يختلف عنا كما حياتهم وعلاقاتهم وأنت تعرف ذلك

جيداً وعشت معهم فيفترض بأنك تتفهم الأمر لا أن تغضب


هكذا ! "



ابتسم بسخرية وقال متهكماً

" ولما أنا فقط من عليه تفهم حياتهم وأفكارهم بينما معك يحدث

العكس دائماً ؟ "

وفهمت فوراً بأنه يذكرها بغضبها وغيرتها المتكررة من النساء

الانجليزيات ، قالت بأسى تنفض يدها المقبوضة الأصابع

" توقف عن رفع صوتك هكذا .. الجميع باتو يحدقون بنا

وأنت تهينني أيضاً بهذا "


فأمسك بيدها مجدداً وتحرك من فوره جهة الباب الزجاجي الواسع

وخرج بها منه قائلا

" سنغادر فوراً إذاً ولا تنسي بأن القرار لي وأنت وافقت "


فمدت شفتيها بعبوس ولم تعلق فهو على حق في هذا .. لكن وما

أن كانا في الشرفة التي دخلا منها حتى أوقفته مجدداً قائلة

" بل أريد رؤية زيزفون أولاً "


وكما توقعت ما أن نظر لها حتى رأت الغضب واضحاً في نظراته

وقال بضيق

" ظننتك طلبت أن تهنئي صديقتك البلهاء تلك فقط لا أن تسلمي

على جميع الموجودين هنا كما كنت تفعلين مع أشجار قرية حجور

سابقاً "

فلوحت بقبضتها قائلة بضيق

" تيم توقف عن تجريحي وعن نفث نيران غضبك بي "


وشعرت بالألم يمزق حنجرتها من كتم عبرة جاهدت بصعوبة كي

لا تخرج لكنها عجزت عن منع الدموع التي ترقرقت في عينيها

العسلية الواسعة تحت ضوء الشرفة القوي في مشهد جعله

يغمض عينيه متأففاً بقوة قبل أن يمسك بذراعها ويرجع بها نحو

الداخل .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 08:24 PM   المشاركة رقم: 1380
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
متدفقة العطاء


البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 80576
المشاركات: 3,164
الجنس أنثى
معدل التقييم: فيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسيفيتامين سي عضو ماسي
نقاط التقييم: 7195

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فيتامين سي متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : فيتامين سي المنتدى : قصص من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: جنون المطر (الجزء الثاني) للكاتبة الرائعة / برد المشاعر

 




*
*
*


مررت أصابعها تحت قلنصوة قميصها تدفع غرتها المقصوصة

للخلف تجمع ما افلت منها خلف أذنيها وابتسمت باعتذار

ابتسامة واسعة ما أن رفعت رأسها ووقع نظرها على العينين

الزرقاء التي حدقت بها فور أن التفت لها الذي أصبح واقفاً

أمامها بعد استدارتها والذي يبدو أنها غرست مرفقها في ظهره

بالخطأ فها قد تم القبض عليها متلبسة فهي وقفت قربهم فقط

لتعطي انطباعاً بأنها جزء من فريقهم .. وإن كانت تعلم بهذا

لكانت اختارت اللون الأسود لتناسبهم تماما ، لكنها لم تخطط قطعاً

لأن تحتك بهم مباشرة ولا أن تتبادل أطراف الحديث معهم ...

شعرت بجسدها يتصبب عرقاً وعلمت بأن هذه الأمسية لن تمضي

بسلام خاصة أنه لطالما ارتبط اسمها بالمشكلات وكم كان يناديها

ذاك العجوز البدين في صغرها ب ( دانيا مشكلات ) حتى التصق

النصف الآخر فقط منه بها في طفولتها التعيسة تلك وبات يناديها

أغلب الأطفال في ذاك المنزل به .. وتذكر جيداً حين كان يقول

أحدهم ( إن نامت المشكلات سيكون حينها بإمكاننا إطفاء النور

ولن نعاقب صباحاً ) وكانت هي المعنية طبعاً فأولئك الفتية

الجاحدون لم يكن بإمكانهم الاعتراف بأنها كانت أشجع منهم دائماً

حتى أنها كانت سبب خلاصهم من ذاك العجوز الكريه ومنزله

المشابه له .


غرست أسنانها في باطن شفتها بقوة في عادة كانت ملتصقة بها

دائماً حين تجد نفسها في ورطة هكذا فالبقية يبدو أنهم انتبهوا لها

أيضاً وأصبحت ضمن الدائرة التي اتسعت لتشملها معهم فقالت

مبتسمة في أول جملة حمقاء قفزت لرأسها

" هاي ... أنتم فريق رائع حقاً ... يعجبني لباسكم "


وشعرت بأنها باتت ترتدي قبعة الأرنب بالأذنين حينها عندما

تشاركوا في ضحكة واحدة بينما قال أحدهم وهو يشملها بنظرة

تقييمية ساخرة

" وأنت كذلك ... وتبدين ضائعة هنا ؟ "


وعادو للضحك مجدداً فشعرت بالأبخرة تتصاعد من رأسها

وقالت بضيق

" هذا لأني أشبهكم بالطبع "


وما أن تبدلت تلك النظرات الممزوجة بالتسلية للحنق من إهانتها

تلك حتى قالت بسرعة وبابتسامة متسعة

" أقصد بأني أملك موهبة مميزة مثلكم "


وأضافت ما أن ارتفعت تلك الحواجب بدهشة وكأنهم متفقون على

كل حركة يؤدونها بالفعل حتى تسرب ذلك في دمائهم !

" ليس مثلكم تماماً أعني فأنتم فريق مؤكد يقوم بعرض ما

وموحد لكني أعمل لوحدي "
يا إلهي ما هذه الورطة الجديدة التي وضعت نفسها فيها وهي من

سبق وعاهدت ذاك العابس على أن لا تفعل هذه الأمور مجدداً

أمام الناس ولا من أجل إمتاعهم مجاناً لكنها في ورطة الآن ولا

يمكنها الخروج منها بغير تلك الخدع البصرية لإلهائهم عنها فأول

ما سيحدث الآن بأن يسألوا الواقف بينهم وابن هذه العائلة إن

كانت من أحد معارفهم أو أصدقائهم ولأن جوابه سيكون النفي

سيكون على زوجته والواقفة بجانبه الإجابة عن ذات السؤال

فيعلم كل واحد منهما حينها بأنها ليست من طرف الآخر كما يظن

وسيكون عليها تقديم نفسها وقتها وبصورة رسمية وهي لا تريد

أن يصدر ذلك عنها بل عنه بما أن أمرها كان مخفياً عن عائلته

حتى الآن .


تبدلت نظراتهم للفضول سريعاً فتنهدت باستسلام وسارت بينهم

حتى وقفت بقرب ساندرين ... وهمست لنفسها

( أرجوك أن تسامحني فالأمر يبقى مجرد خفة يد وخدعاً بصرية

وأنا حقاً مجبرة )


رفعت يديها وفردت أصابعها قائلة بابتسامة

" ما رأيكم ببعض المرح إذاً ؟ "


فبدأ أولئك الشبان بالتصفيق فوراً متحمسين وضاحكين وتباينت

عباراتهم بين مرحب ومشجع بينما نظرت هي للذي كان يكتفي

بالابتسام ناظراً لها .. صاحب البذلة الأنيفة الفاخرة والوسامة

الغريبة الممزوجة بالرقة والفكاهة في مزيج يناسب تماماً

شخصيته التي سمعت عنها .. ولن تستغرب أن يكون له مجموعة

أصدقاء كهؤلاء بل ويبدو بأنه الممول لموهبتهم تلك ، نقلت

نظرها سريعاً منه لزوجته .. للتي كان يلف ساعدها حول ساعده

ممسكا يدها بيده بقوة وكأنها ستُسرق منه أو ستهرب ...!

كان فستانها مبهراً وبلون الكريما من طبقتين من الشيفون الثقيل

المنشى متسع من الأسفل ويضيق تباعا حتى الخصر وقد تم

تطريز حوافه السفلى بأزهار باللون الأحمر الغامق وارتفعت في

منتصفه من الأمام بتناسق رائع وكأنها تتسلقه بنعومة وقد

تداخلت معها وريقات خضراء صغيرة وكان التطريز مشغولاً

بالعقيق الطبيعي المحاك باليد كما يبدو وقد ظهر أيضاً عند جانبي

الخصر صعوداً حتى حواف كتفيه ثم كطوق حول عنقها عند

منتصف ياقته التي ارتفع قماشها مع نحرها فكان محتشماً بطريقة

أنيقة بل رائعة تدل على فخامته وبأنه ليس أي قطعة تشترى من

أي مكان .. ولن تستغرب ذلك مع الثروة الضخمة التي تملكها

هذه العائلة .


وما أن ارتفعت نظراتها لوجهها حتى ابتسمت لتلك الملامح

الجميلة العابسة أو الغاضبة إن صح التعبير ومن الجيد بأنه ليس

الحزن ما كان يغطيها فذاك كان سيدل على ألم كبير بداخلها وهو

أسوأ تعبير قد تراه على وجه عروس فسيكون عبارة عن واجهة

لشيء ما يموت حيث النابض وسط أضلعها ... ولا تفهم طبعاً

سبب هذا المزاج المناقض تماماً لمزاج المتمسك بها بقوة وتملك

لكنها ستسعى جاهدة لتبديده قليلاً فستكون بهذا لم ترتكب خطئاً

تُحاسب نفسها عليه فيما بعد لأنها سبق ووعدته وها هي تنقض

عهدها مجبرة .


رفعت يدها مبتسمة لتسريحة شعرها التي كانت ببساطة عبارة

عن خصلات ملفوفة تغطي ظهرها وكتفيها وتاج تجزم أنه من

ماس قد استقر فوق غرتها المتدرجة جانباً ... أمسكت خصلة

طويلة من ذاك الشعر الأشقر المموج ورفعتها بيدها وكان من

حسن حظها أن جهزت معداتها الخفية سلفاً فهي كانت تتوقع أي

شيء هذه الليلة وكان عليها أن تستعد .


رفعت يدها الأخرى ومررت ظهر سبابتها تحت خصلة الشعر تلك

أمام نظراتهم الفضولية المترقبة ومن صاحبة ذاك الشعر

خاصة ... وما أن وصلت بإصبعها لنهايتها فرقعت بسبابتها

وإبهامها تحتها وكررت ذلك عند المنتصف وعند بدايتها ثم

أفلتتها من يدها وتركتها تعود مكانها .. وما أن استقرت بثقل

كثافتها حيث مثيلاتها حتى تصاعدات فراشات بيضاء صغيرة من

شعرها لترتفع معه التأوهات الرجولية المصدومة بينما نظرت

ساندرين للأعلى من فورها تحني رأسها قليلاً تنظر حيث تلك

المخلوقات الصغيرة التي بدأت تختفي بين تفاصيل الثريا الضخمة

المتدلية من السقف وارتسمت ابتسامة دهشة على شفتيها وها

هي حصدت النتائج المبدئية كما تأملت .


بدأ الشبان من حولها بالتصفيق الحماسي وقال أحدهم

" أرينا المزيد هيا ... يالك من رائعة "


فابتسمت وحركت كتفيها ثم رفعت سبابتها وقامت بعدهم بها

وتوقفت عند رقم معين وقالت برقة للذي ابتسم لها بحماس

" أنت ... أيمكنك الاقتراب هنا قليلاً "


فتحرك من فوره واختار الطريق الأطول ليكون بينها وبين

ساندرين وهذا ما خططت له وتوقعته منه .. نظرت ليديه وقالت

" أتملك خاتماً ؟ "


فرفع يده وكأنه يتأكد أولاً من وجوده وقال مبتسما

" أنا متزوج "


فقالت مبتسمة

" جيد ... اقبض يدك الآن وقم بمدها للأمام "


فعل ما طلبت تماماً فمررت ظهر كفها تحت يده ثم فوقه ثم

ضربتها براحة يدها بخفة وقالت

" افتحها الآن "


وما أن فعل ذلك حتى شهق بصدمة يُقلب يده الفارغة وقد

هس بذهول " لقد اختفى ! "


فأشارت للذي كان يقف بجانبه هناك وقالت

" أنت قف بجانبه هنا لو سمحت "


وفعل ذلك من فوره وبأن اختار الطريق الأقصر عكس رفيقه بأن

مر من خلفها فرفعت يديها وكأنها تثبت بأنهما بعيدتان عنهما

وقالت

" هلا فتشت جيوبك الآن "


فدس يده اليمنى من فوره في جيبه الأول وأخرجها فارغة وما أن

دس الأخرى في جيبه الآخر حتى انفرجت شفتاه بصدمة وهو

يخرج يده قبل أن يرفعها والخاتم فيها فتعالى التصفيق الحماسي

مجدداً ونظرت حولها بخوف فهم بدأوا بلفت الأنظار إليهم

وورطتها ستتفاقم الآن ، نظرت للذي قال مبتسماً

" كم أنت فتاة رائعة ...!! ما رأيك لو انضممت لنا ؟ "


نظرت له بصدمة من فورها ... هذا يبدو قائد الفريق إذاً وها هو

العقاب على نقضها لوعدها ذاك قد آن أوانه ، قالت تنقل

نظرها بينهم

" وفيما سنتشارك فمواهبنا تبدو مختلفة ! "


قال الذي يبدو أنه لا يسمح لغيره بالتحدث

" مؤكد لكن هذا سيضفي تغييراً مميزاً قد يكون سبباً في صعودنا

نحو الشهرة والنجاح "
بلعت ريقها وهي تحدق فيه بذهول فهذا الشاب فقد عقله

بالتأكيد !

ولن تتخيل أن تصبح مطاردة منهم بسبب أفكاره هذه ، فركت

وجنتها بطرف سبابتها وقالت في أول محاولة للخروج من

هذا المأزق

" لأجد من يتبنى موهبتي الفردية أولاً فأنا أفكر في النجومية

مثلكم تماماً "


ولم تكن تعلم بأنها لم تلتقط طعماً بل ألقته لغيرها حين تحدث

رواح هذه المرة موجهاً حديثه لها بينما عيناه ترمق بمكر الواقفة

بجانبه قائلاً

" يمكنني تحقيق ذلك لك وبسهولة لكن دعيني أتأكد أولاً إن كنت

شقراء أو ضاعت منك الفرصة "


وكما توقعت حديثه لم يكن يستهدفها هي بشكل مباشر فلم يخفى

عليه بالتأكيد لون حاجبيها ! وقد تحقق غرضه حين نظرت له

ساندرين بغضب فغمز لها من فوره ضاحكاً .


هكذا إذا هذا هو سبب الأجواء المضطربة بينهما فهو يبدو يتعمد

اغاضتها لسبب تجهله بينما تعطيه تلك الدمية الشقراء مراده

دائماً على ما يبدو ! نظرت له وقالت بابتسامة تشبه ابتسامته

" لا يبدو أنني سأوافق فأنت أيضا لست أشقر "


فخرجت ضحكة ساندرين المكتومة في انفجار منخفض لكن ذلك

لم يجعله يستاء أبداً وكما توقعت وقد حضنها بقوة رغم وقوفها

بجانبه يلف ذراعيه حول كتفيها وضحك قائلا

" يؤسفني أن أخبرك بأني تزوجت وانتهى وقت العبث وضاعت

منك الفرصة "


مما جعل تعليقات رفاقه تنطلق ضاحكين بينما تحاول التي لازال

يحضنها ضاحكاً الفكاك منه فابتسمت وابتعدت تسير للخلف فهذه

فرصتها وعليها الفرار لمكان آخر والبحث عن هدفها الأساسي

من الدخول هنا .

*
*
*


ابتسمت برضا وإن كان قد عاد بها للداخل مجبراً ... بل ويبدو أن

الأمر لم يكن يحتاج لأن يرجعا هناك فهدفهما كان يخرج حينها

من ذات المكان بينما كان نجيب يسير خلفها قائلاً بضيق لم يبدو

على ملامحها الباردة أنها تكترث به

" لا بل عليا بالطبع الخروج معك لن تتركيني خلفك وحيداً

كالأبله "


وتوقف لتوقفها أمامهما مباشرة ليصبح واقفاً بجانبها مواجهاً

لهما أيضاً فابتسمت ماريه من فورها قائلة

" كنا سنرجع من أجلك ... كيف أنت يا زيزفون ؟ "


فابتسمت لها من فورها وإن كانت ابتسامة صغيرة رقيقة لكنها لم

تصل لعمق ورقة التي أهدتها لها وقالت

" بخير ... شكرا لك "


ونقلت نظرها بينهما قبل أن يستقر مجدداً على تلك الأحداق

الذهبية اللامعة وقالت بابتسامة جانبية

" يبدو أن أمورك تسير بشكل جيد ولن يحتاج الأمر أن أطرح

عليك ذات السؤال "


فخرجت منها ضحكة صغيرة بينما التفت ذراعاها حول خصر


الواقف بجانبها واتكأت برأسها على كتفه وقالت

" أجل إنها جيدة كثيراً "


وشعرت بنشوة غامرة وسعادة كبيرة ليس لملاحظة زيزفون فقط

والوحيدة التي يبدو أنها استطاعت أن ترى ما تحت تلك الخدوش

الصغيرة في بشرتها النقية وهي السعادة التي تشع من عينيها

وابتسامتها بل ومن اليد التي أمسكت بذراعها والذراع التي التفت

حول كتفيها وكأنه يؤكد لها في صمت ما قالته عنهما .. وحدث

بعدها ما لم تكن لتتوقعه أبداً وهو الصوت الذي خرج من تلك

الأضلع تشعر به وكأنه سرى في جسدها حين قال

" متأكدة من أن أمورك جيدة هنا يا زيزفون ؟ "


فرفعت رأسها عن كتفه وصوبت نظراتها المصدومة لوجهه

وعينيه وقد نقل هو نظراته الباردة من زيزفون للواقف بجانبها

لا يهتم إن كان سيفهم بأنه المعني بحديثه بل ويبدو أنه تعمد أن

يعلم وقالت زيزفون حينها وبهدوء حذر محدقة في عينيه

" أجل لا تقلق بهذا الشأن وشكراً لك "


فعاد بنظره لها وقال بجدية

" لا تترددي في طلب المساعدة إن احتاج الأمر إذاً فثمة من لن

يزعجني أبداً إرسالهم خلف الشمس وفي لحظات "


فاتسعت تلك الأحداق العسلية بصدمة أكبر وهي تتنقل بين ثلاثتهم

فلم تكن تعلم بأن تيم يعرفها ويبدو جيداً أيضاً ..! بل وما فجأها

أكثر التهديد الذي وجهه للواقف بجانبها ولازالت تجهل هويته

ومؤكد زوجها الذي تحدثت عنه ساندرين باشمئزاز وكره

سابقاً ...؟

لقد كان تهديداً واضحاً والرسالة قد وصلت بالتأكيد فقد اتسعت

الابتسامة الساخرة المستفزة التي كان يرسمها نجيب على شفتيه

وقال ببرود وكأنه لا يهتم لما قيل وسمع

" زيزفون قادرة على حماية نفسها ... سيكون هذا جوابها

فلا تتعب نفسك "


فكان تعليق تيم الصمت على حديثه كما زيزفون أيضاً بينما بقيت

نظرات مارية المشتتة تلتقط ردود أفعال ملامحهم المتشابهة

لحد ما .. البرود الا مبالاة العزيمة والعناد وكأنهما الاثنين شخص

واحد ..! حتى استقرت نهاية الأمر على ملامح نجيب وشعرت

برجفة خفيفة مما جعل أصابعها تلتف حول قماش السترة السوداء

الفاخرة التي يرتديها الذي لازالت تحضن ذراعاها خصره فهي لم

تشعر بالارتياح اتجاهه أبداً فلا تراه يشبه وقاص ولا حتى رواح !

فمثلما لكل واحد منهم ثلاثتهم ملامح مختلفة ووسامة منفردة

فطباعهم تبدو كذلك أيضا وخصوصا هذا الواقف أمامها الآن

فبروده وابتسامته الساخرة التي لم تفارق شفتيه وقناع اللامبالاة

الذي يضعه على وجهه يجعل الناظر إليه يدرك فوراً من أي نوع

يكون هو .


" رقم هاتفي لدى رواح ووقاص لا تترددي إن احتجت شيئاً يا

زيزفون "


كان تيم من كسر ذاك الصمت المشحون مجدداً ونبرته لم تزدد

سوى حزماً وعمقاً وإصرار مما يؤكد بأن تنفيذه لما قال أمر لن

يصعب عليه ولن يحرك فيه ساكناً بينما قابل نجيب ذلك بابتسامة

ساخرة جديدة أما رد زيزفون فكان أن أومأت برأسها في حركة

خفيفة هامسة

" تأكد من أنني سأفعل إن احتاج الأمر "


وراقبته نظراتها وهما يغادران وينزلان عتبات الشرفة الحجرية

المقوسة لازالت ذراعه تحضن كتفي السائرة بجانبه رغم أن

ذراعاها لم تعودا تحضنان خصره ... كانت لتستعين به بالفعل

إن كانت ظروفها التي يجهلها مختلفة فهي لا تملك ولا هاتفاً

تستخدمه وباتت ممنوعة من الخروج أيضاً ... بل وعليها أن تنفذ

ما تخطط له وحدها فانتقامها يخصها هي كما أنه يكفيها

متضررين بسبب حمايتها ونجيب لا تخشاه بل تخشى الشخص

المبهم الواقف خلفه ويحركه فهو لم يكشف عن نواياه كاملة حتى

الآن ولازال ثمة أهداف تجهلها بينما يسعى هو لتحقيقها من

خلالها !.


" لنرجع للداخل "


كانت تلك العبارة لنجيب فسحبت يدها منه ما أن شدها منها

متراجعاً بها خطوة للوراء وقالت بجمود تنظر لعينيه

" لم أخرج لأرجع وأنت لست مُجبراً على مرافقتي "


اتسعت ابتسامته الساخرة المستفزة تلك وقال يشير برأسه

نحو الداخل

" هيا لا تكوني حمقاء وتجعلي من نفسك سخرية لهما وأنت

تفري هكذا كالدجاجة "


شدت قبضتيها بجانب جسدها وقالت بضيق

" ماذا تعني ؟ "


قال بذات ابتسامته الساخرة

" تعلمين جيداً ما أعنيه فقد رأيتك تقفين معهما قبل قليل فلا

تعلني انهزامك بسهولة أمام ذاك المهرج البشع "


قالت محتجة

" أنا لا يعنيني رأي أي كان بي ولا تلك الفاشلة وزوجها لكنت

بقيت بالداخل ولم أخرج "


رفع حاجبيه وقال

" إذا... "


قاطعته بحدة

" لما لا تتوقف ؟ أنا أشعر بالإختناق وأحتاج لهواء نقي أتنفسه

فعد للداخل أو ابقى صامتاً "


وكان تعليقه ضحكة صغيرة ساخرة من سببها الذي قدمته قبل

انفعالها فقالت بضيق

" ليس هو ولا غيره السبب فتوقف عن التسلي بي فلا يمكنني

البقاء في الداخل أكثر من ذلك وإن كنت في قمة الانشراح "


غضن جبينه وقال باستغراب

" تقصدين أن الأمر نفسي أم أني لم أفهم جيدا ؟! "


تأففت بحنق وقالت

" هو كذلك بالفعل فهل يكفيك هذا لترحمني من سماع عباراتك

المهذبة ؟ "


وكانت تفهم معنى نظرته تلك جيداً فهو لم يكن يتوقع أن تفصح

عن أمر كهذا يظهر ضعفها فشخصيتها ليست كذلك مطلقاً لكنها

سأمت من إلحاحه وعباراته التافهة التي يضن أنه يؤذيها بها ..

وهي نفسها لم تكن تتوقع أن تعترف بهذا لأحدهم وبأنها لم تشفى

من أعراض الرهاب الاجتماعي تماماً ولازالت تشعر بالضيق

والاختناق في الأماكن المغلقة المزدحمة ولا يمكنها البقاء فيها

لوقت طويل ، أمسك بذراعها ونزل عتبات الشرفة يسحبها معه

حتى كانا قرب الطاولة الحجرية والكراسي الملتفة حولها تتدلى

فوقها أوراق الشجرة الكبيرة القريبة منها وقال بجدية لا تسمعها

في صوته الساخر البارد إلا نادراً

" يمكنك التنفس بشكل أفضل هنا بينما تخبريني ما دار بينك وبين

خالك وقت مغادرتي جعله يغادر الحفل فجأة ! "


شتت نظرها بعيداً عنه قبل أن تنظر له مجدداً وقالت بنبرة اشبه

بنبرته تلك

" لما عليا أن أكون أنا سبب مغادرته ! ولما لا تسأله بنفسك إن

كان الأمر يعنيك لهذا الحد ؟ "


نظر لها بضيق وقال بحدة

" لا تجيبي عن سؤالي بسؤال يا زيزفون وأريد الآن معرفة

ما دار بينكما ولا تنسي الاتفاق "


أشارت لنفسها قبل أن ترمي بيدها جانباً وهي تقول

" لما أنا من عليها الالتزام ببنود اتفاقك السخيف ذاك بينما

أنت لا ؟ ولم اجب لأن الجواب لديه وليس لدي فهو من غادر

ليس أنا "


عقد حاجبيه وهو يصرخ بانفعال لم تعرفه فيه إلا نادراً أيضاً

" لما اتصل بي إذاً قبل قليل يؤكد بأنه عليا أن لا أكشف هويته

لعائلتي وقال بأن كل ذلك من أجل حمايتك ؟ "


قالت بحدة تتهرب مجدداً من الإجابة فالأمر قطعاً لا يعنيه وهي

من عليها اكتشافه

" لما لم توجه هذا السؤال له هو حين طلب منك هذا ؟ لما أنا

من عليها أن تجيب عما لا يعنيها ولا يخصها ؟ "


أدلى حينها بدلوه وقال باقي ما لديه يصرخ بذات انفعاله

الغريب ذاك

" لأنه لم يكن هذا موقفه سابقاً ! بل وسألني عن وقاص وطبيعة

علاقتك به وكل ذلك تحت حجة حمايتك كما يقول !! "


هكذا إذاً هو يعلم بأن نجيب اكتشف كل شيء ويعلم عن إسحاق

بل ووصلت مخاوفه بأن كشفها أمام هذا المعتوه وبغباء ؟ إذاً

فالأمر أكبر وأخطر مما قد تتصور ...!

نظرت له بتفكير وكل تلك النقاط المبهمة تدور في رأسها قبل أن

تقول بهدوء حذر

" وأنا وجه لي ذات السؤال وكان جوابي بأن لا شيء بيننا وأنه

لا يعلم عما تعلم أنت عنه ولا عن الماضي شيئاً ... وفقط هذا

كل شيء "


وتبدلت ملامحها للجدية وهي تتابع بحدة

" ثم لم يكن اتفاقنا بأن تخبره عما علمت من تلك الأوراق "


حرك رأسه برفض شارد وإن كان ينظر لعينيها وقال بهدوء

مريب


" لم أخبره بل هو من كان متوتراً وقت اتصاله وتحدث عن

حمايتك من القانون وحين سألته بأني لا أعلم عما يتحدث قال

بأنه من الطبيعي أن نكون جميعنا نعلم عن القضية ولم يتطرق

لموضوع شقيقك وبدأ يتملص من الإجابة وكأنه استفاق لنفسه "


نقلت نظراتها بين عينيه بصمت وودت لو تصدقه لكنها لم تعد

تثق بأي كلمة تسمعها ومن أي كان وهذا ما يجعلها تحارب

وحيدة عدواً مجهولاً يبدو أنه كان أقرب لها مما تتوقع !

استمرت في الصمت كما التحديق في عينيه وكأنها تَعبر من

خلالها لدماغه وأفكاره بينما قال هو حين طال ذاك الصمت

المريب والذي لا يفهمه كالعادة

" يبدو بأنه يخشى أن يسعى وقاص خلف الحقيقة ويتأذى

إسحاق هذا ما فهمته ؟! "


وكان تعليقها الصمت بينما لازالت تحدق في عينيه تفكر في

حقيقة أن يكون استنتاجه ذاك صحيحاً لكن لما سيخاف خالها على

إسحاق أو حتى عليها لهذا الحد ! كانت علاقته بهم في الماضي

جيدة لا تنكر ذلك لكنها ليست من القوة بأن يحميهما بشراسة

هكذا أم أنه يريد حماية سر آخر من الانكشاف ! لكن ما هو ومن

يخص تحديداً ! تأفف الواقف أمامها بضجر وقال يمسكها من

مرفقها

" آخر من قد أتوقع يمكنه كشف الحقائق هو ذاك المحامي

الفاشل .... هيا نرجع للداخل فأضنك اكتفيت من استنشاق

الهواء النقي "


أجل فاشل معه حق فهو السبب في وضع كل تلك الحقائق بين

يدي هذا الصعلوك بسبب غبائه ، سحبت يدها منه بقوة

وقالت بضيق

" قلت بأنني لن أدخل هناك مجدداً وقرارك لنفسك يخصك "


ليزخف الغضب لملامحه مجدداً وقد عاد لإمساك مرفقها بل وبقوة

متعمدة آلمتها وقال من بين أسنانه

" لما لا تتوقفي عن التمرد والعناد وكأنك تملكين مثلاً ما يجعلك

بهذه الثقة والقوة ؟ ولا يكن في مخيلتك بأن تهديدات ذاك الطفل

الكنعاني تخيفني "


حاولت سحب يدها منه لكنه غرس أصابعه فيها بقوة أكبر وهو

يشد على أسنانه مكشراً أكثر حتى كانت تشعر بعظام مرفقها

ستتحطم بينما قاومت وباستماته أن لا يظهر ذلك على ملامحها

وقالت بجمود تنظر لعينيه

" أعلم أمراً واحداً فقط بأنه يقول ويفعل وأنت تعلم ذلك وموقن

منه .. وأنا لست بحاجة لأحد يحميني منك ولا من غيرك ولن

أرجع للداخل بل ولن أبقى هنا أيضاً وسأعود لغرفتي "


حينها فقط استطاعت سحب ذراعها منه بقوة تشعر بأنها ضاعفت

ألمها ذاك وغادرت من فورها ليس باتجاه الشرفة التي خرجت

منها بل في اتجاه آخر أبعد من ذلك يقودها لباب آخر للمنزل .


*
*
*



رفع نظره معه وهو يقف وقال

" أويس أنا لم أخبرك بكل هذا لأعكر مزاجك ولا لأراك

وأنت متضايق "


وعلق نظره مع الذي دس يديه في جيبي بنطلون بذلته وقد أشاح

بوجهه جانباً ومتمتماً ببرود لا يشبه ما يشتعل داخله

" أعلم لما أخبرتني ... لأغادر الجامعة من نفسي قبل أن يتم

طردي منها بطريقة لبقة إن كنت محظوظاً بالطبع "


وقف حينها ذاك أيضاً وقال بجدية

" أنت محامٍ ناجح يا أويس ويمكنك اثبات ذلك في أي مكان

بعيداً عن منبع الشائعات هنا .. وهذا بالفعل ما أريده لك "


فرص في مكان آخر ! كاد يضحك أمامه وبهستيرية في وضع

ووقت آخر ما يفكر فيه هو الضحك ، لكن ما فعله حينها أن مد

يده لكتفه وربت عليها قائلاً بابتسامة ساخرة

" أعلم وأفهم ما تريده يا صديقي ولا تقلق بشأني فالقوي

لا يكسره شيء "


وغادر بعدها ذاك المكتب يسير في أروقة مكاتب موظفي الجامعة

رأسه مرفوع وذهنه شارد ذات الوقت فما سمعه منه كان يتوقعه

ومجلس إدارة الجامعة كانوا ليصلوا لذاك القرار لكنه توقع أن

يتركوا له المجال ليدافع عن نفسه وعن والده على الأقل فلا

الوظيفة والراتب يعنيانه أكثر من ذلك لكنه اكتشف بأنهم مجموعة

أطفال نهاية الأمر .


" أستاذ أويس "


وقف مكانه والتفت لصاحبة الشعر البني الغامق والذي كانت

تربطه خلف رأسها والنظارات الكبيرة التي تحيط بعينيها الواسعة

بينما ابتسم له فمها الواسع ابتسامة قرأ فيها التردد كما الحزن

الخفي وهي تقول

" صحيح أنك ستترك الجامعة ولن تُدرسنا مجدداً ؟ "


أبعد نظره عنها يزفر الهواء من رئتيه بقوة ... رائع وها هو

الخبر وصل للطلبة أيضاً وليس طاقم التدريس فقط وهو آخر من

يعلم ، نظر لها مجدداً وابتسم بسخرية رافعاً طرف حاجبه وقال

" هذا ما سمعته أيضاً وهو حقيقي بالفعل "


انحنت كتفاها حينها كما ارتسم الاحباط على ملامحها واشتدت

يداها على المذكرات التي كانت تحضنها وقالت بأسى

" لا بالله عليك أستاذ فمن هذا الذي سيشرح لنا مادة القانون

التجاري بطريقتك أنت ؟ نحن لم ندرسها سابقاً وأصبحت الآن من

ضمن المواد الأساسية بعد قرارات الزعيم مطر الجديدة وما كنا

نتخيل أن كل ذاك العدد من الطلبة قد ينجح فيها قبل أن تدرسنا

أنت إياها "


اتسعت ابتسامته الساخرة تلك أكثر تصف حجم سخريته من كل

ذاك الوضع وقال

" للأسف البعض لم يُقدر لي ذلك مثلكم يا عبير "


تقوست شفتاها بحزن فابتسم لها برقة هذه المرة وقال يجتازها

" سيكون ثمة من هو أفضل مني بالتأكيد "


وغادر الباب الداخلي مجتازاً الطلبة المنتشرين في حديقة الجامعة

التي كافأته بالفعل على مجهوداته ومع طلبة السنة الأخيرة تحديداً

وهو يقفز بهم خطوة واسعة للأمام مع كتاب القوانين الضخم الذي

اضيف لمواد الاقتصاد والتجارة مؤخراً وبعد تغيير القوانين

الوضعية وكلياً بقوانين الشريعة الإسلامية فتناسوا جميعهم ما

فعل وبالإجماع ...! وإن لم تكن تلك الطالبة من المتفوقات ما

كانت لتأسف على مغادرته ولا لتسأله عن صحة ما قيل أساساً .


وصل سيارته وفتح بابها وأمسك بإطار نافذته الحديدي وهو

يلتفت برأسه للخلف ينظر لمبنى الجامعة الضخم يلمع زجاجه

المعتم تحت أشعة شمس الصباح الباكر واشتدت أصابعه على

الحديد البارد هامساً من بين أسنانه

" لو أجدك فقط .... لو أنك تقع في قبضتي لأنتقم منك لوالدي

قبل نفسي "


أبعد بعدها نظره عن هناك مستغفرا الله بهمس وأحرف مشدودة

ونظر لساعته في معصم يده الأخرى فعليه الذهاب لرؤيتها الآن

فوحدها من تنسيه همومه تلك مجتمعة ما أن فقط يراها .

*
*
*


ضاقت عيناه يراقب شاشة الحاسوب المحمول أمامه وما يُعرض

فيها بسبب انعكاس نور بداية النهار من النوافذ الطويلة لمكتبه

الذي يحتل الطابق الرابع والأخير من مبنى القصر الرآسي تراقب

عيناه الجالس في أحد غرف ذاك القصر الضخم في التسجيل

المعروض أمامه والخادمة التي ملأ ظهرها الشاشة بقميصها

الرقيق المصنوع من الكتان قبل أن يبتعد تدريجيا لتصل لطاولة

المكتب الذي جلس حولها شخصان ووضعت صينية الشاي عليها

وانحنت باحترام قبل أن تغادر .


انعكاس صورة جسد ما حجب النور عن تلك الشاشة لوقوفه خلفه

تماماً جعله ينحرف بنظره قليلاً ووصله صوته الحذر

" هذا تسجيل جديد ... أثمة شيء ما مهم فيه ؟ "


تمتم مطر مشير بسبابته نحو الجالسان صوت حديثهم غير مفهوم

لإخفاضه للصوت

" أجل ... انظر للجالس هنا يا قاسم ... لم أكن أتوقع أبداً أن

يكون ثمة صلة تربطه بذاك الجنرال ! هذا يجعلنا نعيد قلب

الأوراق من جديد "


نظر للتسجيل بتفحص هامساً " عمل رائع هذا الذي يقوم به

تيم ... ما كنا لنستطيع الوصول لمنزله هكذا وإن نشرنا

جواسيسنا في لندن بأكملها "


رفع يده وأغلق الحاسوب وهمس بخفوت

" لكني بث أخشى عليه بالفعل يا قاسم "


فنقل نظراته في ملامحه التي لا يظهر له منها سوى النصف

يستغرب أن يسمع هذا ومن مطر تحديدا وجميعهم يعرفون ذاك

الشاب وشجاعته ومهارته ونجاته من الموت مراراً ليعود

لمسببها مجدداً دون أن يخشاه ولا هو نفسه ....!! كما يعلمون

جيداً الصلة القوية والعميقة التي تجمعهما ومكانته الخاصة لدى

مطر من بينهم جميعاً لكنه لم يتلفظ يوماً بهذا ولم يكن يراه سوى

بطل والبطل لا يخشى شيئا ولا يُخشى عليه كما كان يقول !.


قال بريبة ينظر لقفاه لاستدارته نحو طاولة مكتبه

" ما الذي يحدث نجهله يا مطر ؟! "


استدار بجسده مقابلاً له وقال بجمود

" لم يحدث شيء "
وتابع وقد شرد بنظره لقرص الشمس الذي بدأ يرتفع في السماء

لامعاً كزجاج النافذة التي تفصلهم عنه

" لكن قد يحدث قريباً وقريباً جداً ونخسره ولن نجد وقتاً

حينها ولا لنندم فيه "


قال الواقف أمامه بتوجس

" مطر ما الذي يجري ...؟! أرجعه للبلاد إن كان في بقائه

هناك خطراً بسببهم "


نظر لعينيه حينها وقال بضيق

" ليس بسببهم بل بسبب نفسه وإرجاعه هنا ليس حلاً وأنت

تعلم جيداً تبعات ذلك وهو رميه للموت بأيدينا "


حدق فيه باستغراب لبرهة قبل أن يقول

" ماذا تعني بأنه بسبب نفسه ؟! "
تأفف وقال

" عناده على ما يعلم جيداً بأنه ليس في صالحه أعني "


حرك رأسه ساحباً الهواء لفمه دليل الفهم وقال

" آه زوجته تقصد ...؟ ألا زالت معه ؟ "


ضرب بقبضته على طرف طاولة المكتب وقال بضيق

" أجل وذاك العنيد لازال يرفض إبعادها ولن يتوقف عن جنونه

ذاك حتى نخسرهما كلاهما أو يخسر أحدهما الآخر "


نظر لنصف وجهه المقابل له وقال بتوجس مما سيقول

" وما نفع أي محاولة معه إن كان مصراً وأنت تعرفه أعند من

الصخر وقد أقسم مراراً بأنه إن تم إبعادها في غفلة عنه أن

يوقف جميع مهامه هناك لتصبح مهمته الوحيدة البحث عنها حتى

يجدها ... أي لا حل مطلقاً وأنت أكثر من يعرفه بيننا جميعاً مهما

كنا مقربين منه هناك "


مرر أصابعه في شعر قفا عنقه وقال ينظر للأسفل

" يجب أن يكون ثمة حل لن نقف نتفرج هكذا ثم كل ما نتفوه

به مستقبلاً بأنه كان قدره وسيواجهه على أي حال "


تفحصت عيناه ملامحه وقال بهدوء حذر

" أراه يؤدي مهامه وبأفضل شكل إن في تلك المنظمة البريطانية

أو فيما يخص عملنا فمما الخوف ؟ "


قال مطر بضيق وقد رفع نظره به مجدداً

" بل على العكس تماماً فهو السبب في تأخرنا عن بلوغ هدفنا

هناك حتى الآن لأنه يتهرب متحججاً وبشكل واضح فحتى حفلاتهم

التي ستكشف لنا الكثير بات يعتذر عنها بحجج سخيفة سواءً إن

كانت التي يقدمها لهم أم لنا وكل ذلك من أجل تلك الفتاة ومنذ

أصبحت تعيش معه بل ويفتعل الشجارات مع ابنة ذاك الرجل

لأمور تافهة لا تعنينا ولا تعنيه فقط ليتركها بعيداً عنه قدر الامكان

إرضاءً لزوجته تلك ، والأسوأ من كل ذلك أنه إن تم اكتشاف

هويتها الحقيقية فسينتهي من الوجود شخص اسمه تيم كنعان

وفي لمح البصر وابنة الجنرال تلك لابد وأن تفكر في فعلها يوماً

فالنساء يصبن بالجنون ما أن تقترب أي امرأة وبأي صفة كانت

من الرجل الذي تحبه وإن حدث ووضعت تلك الفتاة في دماغها

فلن يهنئ لها بال حتى تزيحها من طريقها ومن حياته وبأي

طريقة كانت ولك أن تتخيل أي طرق تلك التي تتبعها النساء ..

خصوصاً في مركز تلك وصلاحيات والدها "



تنفس بقوة وعمق وقال

" ما أعلمه عنها أنها امرأة مريضة بحب التملك أي أنها في أشد

حالاتها يأساً قد تفكر حتى في أذيته فإما أن يكون لها أو ليس

لأحد كلاعب كرة القدم الذي كانت على علاقة معه وما أن أظهرت

الصحف صوراً له مع فتاة أخرى حتى تعرض لحادث مجهول

التفاصيل بالطبع وفقد مقدرته على ممارسة الرياضة

مدى الحياة "


قال آخر عبارته تلك ونظراته تراقب الذي أمسك خصره بيديه

وقال بجدية

" لست أخشى من تملكها المرضي ذاك بل من أن تكشف هوية

زوجته الحقيقية فإن كان تيم تقمص شخصية ذاك الفتى اليوناني

بدون أي ثغرة يدخل منها الشك فماري دفينست عكس ذلك

وبمعلومات بسيطة من إيطاليا يمكن كشف الخدعة وبسهولة

خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في عائلتها هناك "


شحبت ملامح الواقف أمامه بوضوح وقال

" وحينها من ماريه هارون سيتوصلون لحقيقة تيم شاهر كنعان

ودون عناء "


أومئ مطر برأسه بنعم وقال بجدية أكبر

" ولأجل هذا يجب أن يكون ثمة حل ما للأمر غير إقناع ذاك

العنيد ولا إبعادها عنه مرغماً "


رفع يديه وقال

" كيف إن لم يكن بهاتين الطريقتين ؟ "


تنهد بعمق ولم يعلق بل وأوقف الحديث في ذاك الأمر نهائياً

والتفت لطاولة المكتب الواسعة وفتح الحاسوب مجدداً فاقترب منه

الواقف خلفه حتى أصبح يقف بجانبه يديه في جيبي بنطلون بذلته

ينظر بانتباه لما كان يشرحه له على الخارطة أمامهما وعن

خططهم المستقبلية فيما يخص البلاد لا شيء يقطع حديثه

المسترسل ذاك حتى قال قاسم

" لقد فعلت الصواب فتلك القبائل بدأت تلين على ما يبدو بينما لم

تترك في الحدود ثغرا مفتوحة للمتطرفين .. وقضية متمردي

صنوان ستنتهي قريباً كما بات يرى جميع المراقبين بل

والمقربون منهم "


ضغط زرا ما في لوحة المفاتيح قائلا

" سيكون عليهم أن يخضعوا نهاية الأمر وما أن يكتشفوا بأن

أولئك الشرذمة المتمردين لن يجلبوا لهم ولأنفسهم سوى الخزي

والعار وسيكتب التاريخ ذلك ليلحقهم حتى حفيد الحفيد

سيتخلصون منهم ودون تراجع "


قال ونظره لازال على تلك الشاشة والمربع الذي ظهر فيها "

أجل .. فلو أننا فقط نتخلص من استسلام تلك المدن لهم فسنكون

قطعنا شوطا كبيراً للأمام حينها "


أغلق حاسوبه مجدداً قائلا

" بل ستنتهي حينها جميع مشاكل البلاد ولن تجد تلك الأجندات

الخارجية مكاناً لما .... "


وقطع حديثه صوت رنين هاتفه فأخرجه من جيب سترته ونظر

للاسم على شاشته قبل أن يضعه على أذنه قائلاً

" مرحبا يا تيما "


فنظر له الواقف بجانبه من فوره وبما أن الهاتف كان جهته فقد

كان مسموعاً له وبوضوح ذاك الصوت الأنثوي الذي خرج منه

" صباح الخير أبي ... خفت أن تكون نائماً وأكون أزعجتك لكني

أعلم بأنك تغادر المنزل وقت الفجر "


مرر أصابع يده الأخرى في شعره وهو يقول بهدوء

" أجل يا تيما فما جعلك تتصلين هذا الوقت ؟ "


قالت مباشرة

" اليوم هو حفل افتتاح برج القمة أبي "


قال وقد انحرفت حدقتاه السوداء جانباً وحيث الذي كان يستمع

لها بانتباه بينما عيناه محدقتان به

" أجل أعلم بذلك فهل تتصلين لتذكيري بهذا ؟ "


خرج ذاك الصوت الأنثوي الرقيق مجدداً

" لا بل لأنه ثمة حفل وعروض رياضية يدعمها المشروع من

أجل ذوي الاحتياجات الخاصة سيقام في نادي الفروسية هنا

بالعاصمة وأريد مرافقة الكاسر له إن لم يكن ثمة مانع لديك "


أدار حينها رأسه جهة الواقف قربه ونظر له بينما أشاح ذاك

بوجهه من فوره متأففاً بصمت فابتسم وقال

" وما كان رأي والدتك ؟ "


قالت مباشرة

" لم أسألها بعد أردت أن آخذ رأيك أولاً فإن رفضت فلا داعي

لأن أتحدث معها عن الأمر "


قال من فوره

" حسناً إن وافقت هي فيمكنك الذهاب "


وابتسم ما أن قالت من في الطرف الآخر وبحماس

" شكرا أبي ... أحبك كثيرا .... وداعاً الآن "


وما أن اعاد هاتفه لجيبه نظر للذي كان ينظر جهة النافذة مكتفاً

ذراعيه لصدره عاقداً حاجبيه بعبوس وقال ببرود

" لن تكون طفلاً بالطبع وتغضب من هذا "


فقال ببرود مماثل ولازال نظره هناك

" سيعجبك ما حدث بالتأكيد فأنت والدها ولن ترضى بأن تكون

من سيتعرض للتهميش "


شده حينها من ذراعه وأداره ناحيته قائلاً بحزم

" قاسم هي زوجتك لا نقاش لأحد في هذا لكنها الآن لازالت تعيش

معي ومع والدتها فلن أتصور أن تفعلها مثلاً وتأخذ رأيك أنت

ونحن لا علاقة لنا لأنها بالطبع استشارت زوجها الذي يعيش كل

واحد منهما في مكان "


فك ذراعيه وقال بضيق

" ومن جعل الوضع يبدو كذلك غيركم ؟ "


عقد حاجبيه وأشار بسبابته لوجهه قائلا بضيق مماثل

" أنت لن تنسى بالتأكيد ما اتفقنا عليه عندما خطبتها مني "


فتنفس بضيق وقال

" لا لم أنسى ولا أرى لهذا علاقة بذاك "


قال سريعاً وبجمود

" الموقف لا يستدعي منك كل هذا الغضب إذاً فهل أفهم ما يجري

تحديداً ؟ "


أشاح بوجهه عنه وهمس ببرود

" لا شيء "


فحدق فيه مطر بصمت جعله يبادله ذات النظرة لحظة أن علا

رنين هاتفه هو في جيبه هذه المرة فأهداه مطر ابتسامة جانبية

قابلها بعبوس وأخرجه ونظر لاسمها على شاشته قبل أن يرفع

نظره للذي قال مبتسماً بسخرية

" لن تفكر بالطبع في تركها تتصل دون أن تجيب مدعياً

الغضب كي لا تتلقى عقاباً أسوأ من سابقه "


زم شفتيه بغضب من سخريته وتملقه قبل أن يتمتم بحنق

مبتعداً عنه

" كنت أعلم بأن هذا سيكون مصيري منذ وقعت بين يديك

أنت وابنتك "


وأولاه وابتسامته الساخرة تلك ظهره ووضع الهاتف على أذنه

ما أن فتح الخط قائلاً بجمود

" أجل يا تيما "


فقالت من في الطرف الآخر ودون مقدمات ولا حتى بإلقاء

التحية عليه

" قاسم أريد الذهاب برفقة الكاسر وزوجة خالي رعد للحفل

والعروض الرياضية بعد حفل الإفتتاح وسألت والداي ووافقا "


تنهد بضيق وقال ببرود

" وإن لم أوافق هل سيغير رأيي شيئاً ؟ "


وصله صوتها الرقيق سريعاً

" بالطبع لما كنت اتصلت بك "


وبالرغم من أنها فكرت في أخذ رأيه ولم تهمله بما أن والديها

وافقا بل واخبرته بأنها فعلت ذلك قبل اتصالها به ولم تخفيه عنه

إلا أن غضبه السابق تغلب على كل ذلك وقد تمتم ببرود

" إذاً لست موافق "


وأغمض عينيه وتنفس بعمق حين وصله صوتها محبطاً كئيباً

" لابأس لا مشكلة .... وداعاً "


ودس الهاتف في جيبه واستدار ناحية الذي كان ينظر له بضيق

وقال من قبل أن يعلق

" أنت قلت بأنك لن تتدخل مالم تشتكي هي لك فلا تنسى

هذا أيضاً "


ومنعه باب المكتب الذي انفتح فجأة من قول أي شيء أو التعليق

لدخول عمير وبشر الذي نظر لكليهما قائلا

" هل نغادر ؟ "

فتحرك مطر حينها وقال ووجهته الباب المفتوح

" أمامكم ساعتان فقط ولن أكون بعدها معكم "


تبعوه ثلاثتهم ليحيط بهم من كانوا في الخارج سائرين معهم

وقال بشر مبتسماً يرمقه بمكر

" تركنا لك يومان تسبح فيهما في بينبان أم أنك اعتدت

على إلقاء الأوامر من بعيد ؟ "


ضحك عمير بينما تجاهله مطر تماماً وكعادته ودخلوا المصعد

جميعهم وأخرج حينها قاسم هاتفه من جيبه وكتب رسالة سريعة

( يمكنك الذهاب )

وأرسلها لها .. فسحقاً لقلبه الأحمق فهو لم يستطع تخيلها

مستاءة وتبكي الآن وحيدة .


وما أن كانوا في الأسفل ركب مطر في سيارة قاسم وغادروا

جميعهم تاركين شوارع العاصمة المزدحمة خلفهم ليصبحوا فيما

يماثلها تقريبا عند ضواحيها وساد الصمت رحلتهم تلك ..

وبينما كان صمتاً هادئاً لأحدهم كان مدججاً بالقلق وتأنيب الضمير

للجالس خلف المقود ومن لم تزده تلك الطرقات المتفرعة سوى

توتراً واستسلم نهاية الأمر لمشاعره ويده تخرج هاتفه من جيبه

وعاد لإمساك المقود وهو فيه فهو يعلم جيداً بأنها لن تذهب ولا

بعد رسالته تلك وستكون في المنزل وحدها الآن تسجن نفسها في

غرفتها بعدما قاله لها ... نظر لشاشة هاتفه ولأنه لا يمكنه إبعاد

إحدى يديه بينما يحتاجهما للمقود ويد السرعة في هذه الطرقات

كان لا خيار أمامه سوى فتح مكبر الصوت ، كان سيتصل بالكاسر

لكنه وجد رعد خياراً أفضل وقد أجاب من فوره قائلا بابتسامة

" مرحبا بالصهر الآخر للعائلة ... ما سر هذه المكالمة على غير

العادة وفي الصباح الباكر ! "


رمق الجالس بجانبه بطرف عينيه وقال ببرود

" لا أريد أن أقول اسأل صهركم الأول وابنته كي لا أقضي باقي

عمري في السجن فيبدو أن هذا ما سيكون عليه مصيري "


ضحك من في الطرف الآخر وقال

" كن طيباً إذاً فأنا لا أستبعد ذلك ... بما يمكنني أن أخدمك ؟ "


قال من فوره ونظره على الطريق

" هل أنت في المنزل الآن ؟ "


خرج صوت رعد سريعاً

" أجل وسأغادر فوراً فعليا أن أكون في مبنى البرلمان قبل أن

أنتقل لحفل افتتاح البرج كي لا تغضب مني والدة زوجتك وينتهي

بي الأمر رفيقاً لك في الزنزانة "


ظهرت ابتسامة خفيفة على ملامحه المتجهمة وقال

" أريدك أن تتحدث مع تيما إذاً مؤكد هي في غرفتها الآن "


قال من فوره

" في غرفتها !! لا أظن ذلك صحيحاً "

قال باستغراب

" هل غادرت ؟ "
خرج صوت رعد من هاتفه ضاحكاً

" بل كانت أول من قفز لسيارة والدتها "


تنهد حينها وقال ببرود

" لا داعي لذلك إذا "

قال ذاك سريعاً

" أثمة أمر مهم ؟ لما لا تتصل بها ؟ "


قال يبعد يده عن المقود والهاتف فيها

" لم يعد من داع لذلك .... وداعا الآن وشكرا لك "


وما أن دس هاتفه في جيبه نظر للذي كان ينظر له بطرف عينيه

مبتسماً بسخرية يتكئ بمرفقه على إطار النافذة المغلقة ويضم

قبضته تحت شفتيه متكئ بذقنه عليها فقال بضيق ما أن عاد

بنظره للطريق

" لا تسخر من وضعي ولا تنسى بأنه لديك نسخة مطابقة عنها "


دس حينها شفتيه كما ابتسامته في قبضته التي يتكئ بذقنه عليها

وهو يقول مبتسماً

" لم أتركها تجمح عني يوماً "


شخر ذاك بسخرية وقال يحرك رأسه إيجاباً

" أجل واضح تماماً فأنت غادرت حضنها قبل أن تغادر منزلك

صباحاً "


فضحك مطر رافعاً رأسه للأعلى قليلاً وقال يتكئ به على مسند

الكرسي خلفه

" عليك أحياناً ترك مسافة للمرأة تُشعرها فيها بأهمية غضبها

منك ... لا تنسى ذلك أبداً مستقبلاً "


رمقه سريعاً قبل أن ينظر للطريق مجدداً وأشار بيده قائلا بسخرية

" مستقبلا !! يبدو أنك تعطي ابنتك أصغر من حجمها ومصدق

فعلاً أنها ابنة الرابعة عشرة "


ابتسم وقال يعود لجلسته السابقه

" لا .. وأعلم أن دماء عائلة الشاهين لن تخونها بالتأكيد "


تنهد بضيق محركاً رأسه ولاذ بالصمت وكانت سياراتهم حينها قد

أصبحت خارج ضواحي العاصمة فقال مطر

" ألن تذهب لحفل الافتتاح ؟ أظن أنه ثمة دعوة وجهت إليك "


نظر له قبل أن ينظر للطريق وقال بضيق " لا بالطبع ... ومن

أجل باقي أنواع المساحات التي كنت تتحدث عنها "



ابتسم وقال

" هل أفهم ما يحدث معكما ؟ "


رفع أصابعه عن المقود دون أن يبعد راحتا كفيه وقال بضيق

يمسكه مجدداً

" لأنه عليا أن لا أكون في مكان يجمعني بزوجتك حتى وقت لم

تحدده ابنتك بالطبع ويبدو حتى تأتي بنفسها وتقول لي خذ ابنتي

لمنزلك وعالمك فأنت الزوج الأنسب لها في الوجود "



قال مطر بعد ضحكة صغيرة

" يمكنك التراجع وإنقاذ نفسك فنحن لم نفعل شيئاً بعد "


نظر له نظرة قوية تهدد بالقتل وبلا تراجع وقال

" ذاك حين أفقد عقلي "


فضحك ونظر جهة نافذته ولم يعلق .


*
*
*

 
 

 

عرض البوم صور فيتامين سي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(الجزء, المشاعر, المطر, الثاني)،للكاتبة, الرااااائعة/, جنون
facebook




جديد مواضيع قسم قصص من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t204626.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 27-06-17 09:03 PM


الساعة الآن 09:10 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية