لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-02-17, 11:01 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

7-
خاطئ أو قديس !



- ماذا كنت تعملين في غرازنيا تحديداً , يا "دورا" ؟
كانا في المطبخ, وقد جلس"غانون" على مقعد عالٍ يشرب فنجاناً من القهوة لاستعادة توازن أعصابه بعد قيادة "دورا" للسيارة. أما "دورا" التي كانت ثلاجتها خالية من كل ما يؤكل, فقد أخذت تبحث في خزائنها عن علبة حساء كانت واثقة من وجودها في مكان ما.
وكانت"صوفي" في غرفة الجلوس تقيس كل قطعة من الملابس وهي تنظر إلى التلفزيون بفرح عارم .
- تحديداً ؟
.
ولم تلتفت. لقد حان وقت قول الحقيقة. لكنَّها لم تكن متلهفة إلى الاعتراف بأنها كانت تكذب على "غانون" . . .حسناً, لم يكن ذلك كذباً حقيقياً . .
لقد تركته يظن ما يريد في ما يتعلّق بها و ب"ريتشارد" . كانت غاضبةً منه عندما وصلوا إلى الشقة فلم تشأ الكلام. إلّا أنها علمت بضرورة فتح الموضوع الآن .
- أو بالدقة, إذا شئتِ .
- كنت في قافلة تنقل المساعدات .
عثرت على الحساء وحصرت اهتمامها في قراءة قائمة مكوِّناته. وعندما لم تسمع جواباً منه, التفتت إليه مضيفة :"ثلاث شاحنات, في الواقع ".
كان ينظر إليها بذهول بالغ :
- هل قدت شاحنة إلى غرازنيا ؟
.
- ليس طوال الطريق . كانت القيادة مناوَبةً بيننا. لكن, لا بأس في ذلك يا"غانون". فأنا لم أتّبع أسلوب السير الذي أتّبعه في لندن .
قالت ذلك لظنها أن طريقة قيادتها السيارة هي ما كان يهمه . إلّا أنّ ما كان يعنيه هو شيء آخر .
- وتركك "ريتشارد" تذهبين؟ ألا يتابع الأخبار؟ رباه , "دورا". هل لديه أيّ فكرة عن الخطر الداهم هناك؟
آه ,إنها الفكرة القديمة نفسها .لماذا تشغل الفتاة الحلوة نفسها بالقيام بأعمال كريهة خطرة , في حين أنّها تستطيع أن تكون أكثر نفعاً إن هي اهتمّت بتجميل وجهها ؟ يا للرجعية .
فكّرت أن "جون غانون" وشقيقها يمكن أن يشكِّلا ثنائياً , أو ربما ثلاثياً إذا اعتبرنا أنّ رأي صهرها "ريتشارد" ليس بأفضل من رأيهما .
- لم يعلّق "ريتشارد" كثيراً على هذا الموضوع .
ذلك لأن "بوبي" ذكّرته بحزم أن ما تفعله أختها ليس من شأنه . كما أن بإمكانه ترك الاهتمام بكلّ شيء مزعج ل"فيرغس" .ذلك أنّ تربيته لأختيه الأصغر سناً, بعد وفاة والديهم, منحه بمرور السنين سلطة كافية عليهما .
.
لكنها كانت في هذه المناسبة دون جدوى .
- أتظن"صوفي" ستحب هذا؟
أرته علبة الحساء, مرجئة الاعتراف بالحقيقة قليلاً.
- ليست "صوفي" صعبة . إنها تأكل أي شيء .
- سأفتحها إذن. لا بد أن هناك بعض الخبز في الثلاجة .
ما الذي حدث لها؟ إنه لا ينفك يمنحها الفرصة للكلام. فلماذا لا تستطيع التلفظ بالحقيقة التي تقول :
لست في الواقع زوجة "ريتشارد", ولست متزوجة على الإطلاق! ما هي الصعوبة في ذلك؟ ربّما لأنَّ زوال ذلك الحاجز سيمكّنه من معرفة السبب الحقيقي الذي جعلها تعانقه بتلك الطريقة, وستصبح مضطرة لمواجهة ذلك , فهو لم يتراجع عنها إلّا لأنّها زوجة صديقه الحميم "ريتشارد ماريوت". لقد خطر لها سابقاَ أنّ "غانون" قد يشعر ببعض السرور إذا علم أنّها ليست زوجة "ريتشارد". . .
سخرت من خداعها لنفسها وهي تفتح باب الثلاجة لتخرج منها رغيف خبز. وأحسَّت بجسدها يرتجف حين استعادت ذاكرتها الدفء الذي غمرها في حضنه بالرغم من برودة الطقس والمطر.
هل هذا هو السبب الذي يمنعها من إطلاعه على الحقيقة ؟ لأن استسلامهما للمشاعر سيصبح أكثر سهولة؟ كانت واثقة من معرفته لهذه الحقيقة التي سيستغلها لمصلحتها إذا ما سمحت له بذلك. ولم تكن تخادع نفسها. . . إنّ رجلاً يختطف طفلاً, ويسرق طائرة ويقتحم منزل صديق له ثم يحتجز زوجته, لن يتردد في إغوائها إذا ظن أن في ذلك فائدة له .
.
لقد توقف عن الجدال بعد عناقه لها مباشرة. ووافقها على ما تريد.
واثقاً من أنها أصبحت عوناً له, وأنا لن تغدر به بعد أن أصبحت كالعجينة بين يديه .
ربما كان على حقّ. فهي ستبقى كالعجينة. . .لكن غضبها جعلها تصحو من أحلامها, وتعود إلى الأرض.
ما خلا معرفته بصهرها. كان في الواقع غامضاً تماماً بالنسبة إليها. فهي لا تعرف من هو وما هي مشكلته. وأي مشكلة تلك التي أصبحت تواجهها الآن. . . لأنها حالت دون اعتقال رجال الشرطة له, وكذبت عليهم لأجله. . .وهاهو ذا الآن في شقتها بدعوة منها, وقد سمعها تطلب من "براين" أن يبعد عنها كل الناس بمن فيهم شقيقها. وكان ذلك خطأً منها, لأن "فيرغس" هو الرجل الوحيد الذي تحتاج إليه حالياً. . .لأنه يعلم تحديداً ما يتوجَّب عليها فعله. لكنَّ الخطر الوحيد هو أن يستدعي الشرطة, وهذه الخطوة هي ما ينبغي القيام به. وسيكون على حق في ذلك.
إنَّ المساعدة في إيصال مواد الإغاثة إلى شرق أوروبا كان عملاً معقولاً بالمقارنة مع ما تفعله الآن. ففي اللحظة التي اجتاز فيها هذا الغريب عتبة الكوخ, فقدت, كما يبدو, ما منحها إياه الله من عقل.
تابع "غانون" :
.
- هل حدث بينكما جدال حول هذا الأمر؟ بالنسبة إلى قيادتك لشاحنة الإغاثة؟ وهل هذا هو سبب نومكما في غرفتين منفصلتين؟
جمدت"دورا" مكانها. بينما سارع يقول على الفور:
- آسف. هذا ليس من شأني. لا تكترثي بسؤالي هذا.
ابتلعت ريقها, شاعرة بالذنب. . .الآن. . .أخبريه الآن. . .
- أنا و"ريتشارد". . ."ريتشارد" ليس. . .
- لم أستطع إلَّا أن ألاحظ أنكما لا تنامان في سريركما الزوجي.
قررت أن تقوم بالعمل الصائب وتعترف بغلطتها . هل هذا ما حرَّك فضوله إلى هذا الحد؟ هل ظنَ أنَّها استجابت لعناقه, لأن سرير الزواج كان مهجوراً, وكانت هي تتصرف بحرية في كلِّ
الأمور؟
لكنها, أيضاً, لم تتصرف كأنها عروس مغرمة بعريسها حين عانقها . . .
كانت استجابتها لعناقه غلطة سيئة فات أوان إصلاحها, لكنها ستلتزم بعدم تكرارها. صفقت باب الثلاجة بعنف واستدارت إليه :
- أنتَ على حقّ, يا"غانون" .فهذا ليس من شأنك. أنت من عليه أن يقدِّم تفسيراً منطقياً لكلّ شيء.
وضعت رغيف الخبز على المنضدة وأخذت تقطعه إلى شرائح : "لم لا تحاول القيام بشيئين في نفس الوقت؟ فبينما تقصّ عليّ ما جرى لك, يمكنك أن تكون نافعاً بفتح تلك العلبة" .
قد تبقي هذه المهمّة يديه مشغولتين, على الأقل. قال متجاهلاً أسئلتها :
- كما أنك مازلت تستعملين اسم عائلتك أنت.
انحدرت عيناه إلى يدها اليسرى الخالية من خاتم الزواج: "أنا أعرف أن هذا الأمر ليس إلزامياً. لكن, لا تبدين أنك من المطالبات بمساواة الرجل بالمرأة" .
لسوء الحظّ , لم تستطع أن تشغل فمه عن هذا الموضوع بالسهولة التي شغلت بها يديه.
- حقاً؟ كيف أبدو إذن؟
شعرت بخطاها فهي تتصرف الآن بشكل ينفعه هو ويضرّها. لكنها من البشر وتريد أن تتعلم.
- لم أحدّد بعد .
.
لم يكن قد أجاب بعد , بشكل مباشر, عن أبسط الأسئلة.
- حسناً , أعلمني حين تحدِّد موقفك . ويسرني أن أخبرك بمدى بعدك عن الصواب .
تقابلت عيناهما لحظة في معركة بين إرادتين. ثم نزل"غانون" عن المقعد المرتفع, وتناول العلبة يفتحها وهو ينظر إلى "دورا".
كانت نظرته متأملة, تحتوي على مغزى استقر في أعماقها, وجعلها تدرك أنها على حق في عدم إخباره بالحقيقة . لا بأس. لقد ساوره الشكّ إذن في أن يكون "زواجها" يواجه بعض المشاكل . لكنه , على الأقل, ما زال يظنها متزوجة , ومن رجل يدعي أنه صديقه. وهكذا سيمتنع عن القيام بعمل أحمق. إلا إذا شجعته هي . وهي لن تفعل ذلك .
لو أنها فقط تعلم المزيد عنه , ولماذا يحتاج إلى عونها. لقد سمحت حتى الآن لغريزتها بأن تقودها, فأخبرتها, رغم كل البراهين المعاكسة, بأنه يشبه الملائكة. لكن النساء ما زلن يخدعن أنفسهن دائماً منذ حواء. ولعلها تخدع نفسها الآن .
لم يكن واثقاً بها تماماً. وقد أجاب عن أسئلتها بأسئلته, ليتحاشاها, محتفظاً بأسراره .
رباه, هذا هو الدور التقليدي الذي تلعبه المرأة في كل مسرحية مثيرة .
لو كانت تشاهد هذه القصّة في أحد الأفلام السينمائية, لألّحت على المرأة الغبية بأن تخبر الشرطة, وتخرج من هناك, تهرب . .
لا يمكنها أن تقول إنها لم تتلقَّ تحذيراً سابقاً. فمنذ يومها الأوّل في الحضانة, علموهم شيئاً واحداً. . .أن لا يتحدثوا قطّ قطّ . . .إلى
الغرباء .
لا بأس ,"غانون" لم يقدم لها الحلوى. . لكن هل هذا صحيح؟ كان طعم عناقه لوزاً بالسكر وشوكولا وجيلي. .كل ذلك في حبة واحدة.
ندمت على تعليماتها ل"براين" بأن لا يخبر شقيقها بوجودها في البيت. قد يبقى "فيرغس" إلى الأبد يذكرها بعملها الغبيّ هذا, ويراقب كل حركة تقوم بها طوال السنوات العشر التالية بسبب جنونها. لكنه يفعل ذلك لأنه يحبها ويريد أن يحميها . . .
.
حسناً, ربما لم يفت الأوان بعد للاتصال به. لقد أصبحت ثقة "غانون" بها كافية إلى حد يسمح لها بالخروج لشراء ملابس ل"صوفي" , ومن المؤكد أنه لن يعترض على ذهابها إلى البقالة لتملأ ثلاجتها. عليهم أن يأكلوا. قالت له :
- عليَّ أن أخرج لشراء طعام .
- لكن الثلاجة مليئة كما تبدو لي .
قالت بحدة: " إننا بحاجة إلى بيض وحليب وجبن, وعصير برتقال لأجل صوفي. إنَّ جريدة مسائية كذلك ليست فكرة سيئة. وربما عليها أن تتناول بعض الڤيتامين أيضاً. لا أريد أن أنتظر إلى أن يذوب الثلج عن الطعام لكي نأكله . فقد مضى وقت طويل على تناولنا الفطور, ولابد أنك جائع" .
- عرفت أحوالاً أكثر سوءاً .
- في غرازنيا؟
- هناك, وفي أمكنة أخرى. كنت إلى وقت قريب مراسلاً صحفياً في وكالة أخبار, أخبار الحروب على الأخص . هذا إن كنت تريدين أن تعلمي .
- وماذا تعمل الآن ؟
- إنني مراسل حرّ. على الأقل حيث الأخطار موجودة.
- ابق هنا إذن وأطعم "صوفي" ريثما أخرج أنا للتسوّق .
- في الواقع, لا أظنّها فكرة جيِّدة يا "دورا".
- لن أتأخر .
حاولت أن تخفي ارتجاف أطرافها وصوتها. لم تفكر من قبل في احتمال أن يحتجزها في شقتها. ألم تفعل ما فيه الكفاية لكي تقنعه بأنها تسانده في مشكلته ؟ مهما تكن تلك المشكلة.
- كم ستتأخرين؟ في المرّة الأخيرة التي ذهبت فيها للتسوّق جاءت قوات الشرطة.
فتملكها الغضب :
- قلت لك إنّ ذلك لم يكن خطأي. . .ثم إنّك لست الوحيد المتورّط يا "غانون", فقد كذبت أنا أيضاً عليهم.
.
- وها أنت غيرت رأيك الآن. أنا لا ألومك يا "دورا", لكنك تتفهمين تحفظي بالنسبة إلى تركك تغيبين عن نظري مرة أخرى. إن كنت تريدين أن تتبضَّعي فأنا واثق من أن ناطورك الودود سيسره أن يساعدك ويمكنك أن تطلبي منه إحضار جريدة مسائية أيضاً, فلربما أحتلُّ الصفحة الأولى .
قالت بفزع :
- هل هذا محتمل؟ إن كان هذا صحيحاً سيعرفك الناطور. وسيكون هو الذي يستدعي الشرطة .
كان من المفترض أن تسرّها هذه الفكرة, لكنّ أيّاً من هذا لم يحدث. قال بابتسامة شبه ساخرة :
- لا أظن ذلك. . . أنا لا أبدو بمظهر حسن تماماً.
حاولت أن تهز كتفيها لا مبالية :
- على كل حال, سأنزل وأطلب منه ما أريد.
لم يكن خداعه سهلاً.
- لم لا توفرين طاقتك وتستعملين الهاتف الداخلي؟
رفع السماعة يقدمها لها. بدا لها مصمماً على عدم تركها تغيب عن نظره مرة أخرى . ابتلعت ريقها بتوتر :
- هل فصلت الهاتف الخارجي ؟
لقد كان قبل قليل يطوف أرجاء الشقة يتفحص تجهيزاتها.
- لا, لأنني سأحتاج للهاتف.
- لتتصل بالمزيد من أصدقائك المتفهمين؟
حمّلت صوتها كل ما أوتيت به من ازدراء وترفُّع: "يحتاج الرجل إلى كل الأشخاص الذين يمكنه الحصول عليهم. وتستطيع ربّما الاتصال ب"ريتشارد" أيضاً. فقط إن كان يتساءل عن مكانك. أم أن الأمور بينكما ساءت إلى حدّ القطيعة؟" .
رفع يديه كأنّه يدافع عن نفسه حين حملقت إليه وقال:
- لا بأس. أعرف أن هذا لا يعنيني لكنه كان صديقاً جيداً عندما احتجت إلى مساعدته. لكنَّ زواجاً فاشلاً يتسبَّب بما يكفي من المشاكل بالنسبة إلى أيّ شخص .
- هل تتحدث الآن عن خبرة شخصية؟
- لا, فهذه واحدة من الأخطاء القليلة التي لم أقترفها بعد. لكنني رأيت ما فعله هذا ب"ريتشارد".

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 11:02 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

- لا داعي لأن تقلق لأجله, يا "غانون". إن "ريتشارد" سعيد مثل غيره من الرجال الذين يستحقّون السعادة .
- هل يمكنك أن تضمني ذلك؟
- اسأله. لا أظنه يخالفني الرأي. أحب أن أتصل به وأجعله يخبرك بذلك بنفسه. لكنني لا أستطيع فهو مسافر طوال الوقت . ويغيّر مكانه بين يوم وآخر .
- ألا يتصل هو بك؟
- ربما يحاول أن يتّصل بي في الكوخ .
قالت ذلك دون وخز من ضمير, وقد تلاشت كل نية لديها في إخباره بالحقيقة . لقد قامت بما يكفي من الحماقات في الساعات الماضية, فلا داعي لأن تزيد الأمور سوءاً. وأضافت :
- لا يستطيع طبعاً الاتصال .
لم يفكر "غانون" لحظة بالاعتذار, فسألها:
- وماذا عن الهاتف الخلويّ؟
هذه هي المشكلة. ما إن تبدأ الأمور بالتحسن, حتى تفلت من يدها.
فقالت أول شيء خطر في ذهنها :
- هذا الهاتف جديد و"ريتشارد" لا يعرف رقمه. قد يتصل ب"سارة" فتخبره بأنني هنا .
- لكنك لم تخبري "سارة" بأنك قادمة إلى هنا .
- حقاً؟ حسناً, ستتكهن بذلك أو هو الذي سيتكهن .
أجابها بهدوء وقد بدا واضحاً أنه لم يصدّق كلمة مما قالت. وكان لا يزال ممسكاً بسماعة الهاتف .
- هل ستعطين تعليماتك إلى "براين" ؟
- وهل أملك الخيار ؟
- لا, مع الأسف .
لم تُرد أن تواجه عينيه القاتمتين المتفحصتين لحظة أخرى, فاختطفت السماعة من يده ثم أدارت له ظهرها وهي تتّصل بالناطور الذي أجاب فوراً .
.
- "براين", "دورا كاڤاناغ" تتكلّم . هل لك أن تطلب من البقال عند الزاوية أن يرسل لي بعض الخضار, من فضلك؟ سأعطيك قائمة بذلك.
أخذ "غانون" يراقبها وهي تعدّد للرجل مطالبها. كانت ترتجف متوترة. حسناً, ليس هذا مستغرباً. فقد عانت كثيراً خلال الساعات الماضية. لقد سبب لها ذلك الكثير من الإرهاق. لم تكن حتى الآن قد طرف لها جفن, لكنها, فجأة, أصبحت متوترة.
فضَّل أن يتظاهر بجهله السبب في ذلك. لكنه أمضى سنوات عديدة في دراسة الأشخاص الذين يحاولون إخفاء مشاعرهم. لقد تغيرت منذ اللحظة التي عانقها فيها في تلك الطريق الموحلة وبادلته هي عناقه. وتساءل إن كان ما أزعجها هو خيانتها لزوجها في لحظة جنون .
كانت هادئة أثناء قيادة السيارة وسط لندن. لكنَّ الوقت لم يكن مناسباً للقلق حينذاك. فقد كان جُل همِّه أن يصلوا إلى مقصدهم سالمين. . . وأن يعدّ الوقت الذي سيمضي قبل أن يزداد الألم سوءاً إلى حد يمنعه من التنقل . لكن منذ أن أُغلق باب شقتها خلفهم , بدأ توترها يزداد .
كانت مستعدة للهرب في أول فرصة, وهو ما لن يسمح لها به. إن "صوفي" بحاجة إليها. وهو بحاجة إليها أيضاً. . . وحاول أن يتجاهل هذا الصوت الملح في داخله, لكن الصوت رفض الانصياع. . . إنه يريدها. . .نعم. . .إنه يريدها أكثر مما أراد أي امرأة أخرى في حياته. هاهو يشعر الآن وهو ينظر إليها مركزة اهتمامها على ما قد تحتاجه ليوم أو يومين, بنوع من الانجذاب الشديد الذي اعتقد أنه تخلَّص منه .
.
"ريتشارد" صديقه, و"دورا" زوجة صديقه . ولن تغني الملائكة له أغاني الحب السعيد. عليه فقط انتظار اللحظة الكئيبة التي ينتهي فيها من تسوية أموره والخروج من ورطته هذه, ولا يتبقّى سوى القيام بما هو صائب والرحيل. لكن أوان رحيله لم يحن بعد وأضلعه تريه نار جهنم من الألم, كما أن الشك يحيط بمستقبل "صوفي" .
ألقت السماعة والتفتت إليه بتمرد:
- لابد أن كل شيء أصبح على ما يرام الآن.
- بالتأكيد. لقد طلبت ما يكفي لخمسة آلاف شخص .
هزت كتفيها :
- حسناً , لا نعلم متى يزورنا أولئك الخمسة آلاف, وقد يكونون جميعاً مرتدين ملابس رجال الشرطة وخوذاتهم. والآن, بما أن هذا الحساء لن يسخّن نفسه , سأسخنه أنا. وأثناء عنايتي ب"صوفي" يمكنك أن تقوم باتصالاتك الهاتفية .
- هل أنت حريصة إلى هذا الحد على التخلص مني؟ حسناً, لا أستطيع لومك . أعدك بأن لا أبقى ثانية واحدة أكثر مما تتطلبه الضرورة .
- ليس لي أي خيار آخر, أليس كذلك ؟
لم يكن هذا يعني أنها تريده أن يرحل . برغم كل شكوكها , لم تكن تحب أن تخادع نفسها . ما كانت تريده حقاً هو أن تعانقه, وتساعده في تحسين أموره . لم يتملكها مثل هذا الشعور نحو أحد من قبل طوال حياتها . هذا ما جعلها تشعر بالضعف وهي رازحة تحت رحمة مشاعر لا تفهمها. أو ربما فهمتها جيداً لكنّها لا تريد أن تعترف بها. وأضافت :
- لكنني لا أريد أن أكون خارجة على القانون , يا"غانون". أريد تسوية الأمور. وذلك لأجل "صوفي" وأجلي .
- إذن فلدينا الهدف نفسه .
- هذا جيّد. لا أظنك إذن ستمانع إن استدعيت طبيبي وجعلته يفحصها بشكل شامل .
التفتت تنظر إليه, وقد اعتصر قلبها رغم غضبها. كان جلده مغبرّاً, ومرارة الألم ظاهرة حول فمه. . ذلك الألم الذي يرفض الاعتراف به. عليه أن يرى الطبيب, هو أيضاً. لكنها لن تقول شيئاً الآن بل تركت مناقشة ذلك حتى يأتي الطبيب ويساندها .
.
- قي الواقع , ليست فكرة سيئة .
كادت تنهار من الصدمة. وقد بدا ذلك على وجهها فابتسم وقال: "أريد أن نقوم باختبار للدم . وكلما أسرعنا في ذلك, كان أفضل".
- اختبار للدم؟
- لا داعي لقلقك الزائد هذا. كل ما أريده هو أن أثبت أن "صوفي" ابنتي, ممّا يعني أن لها الحق في أن تكون هنا.
ابنته!
- ابنتك؟ لكنني ظننت. . .
- ظننت أنها مجرد لاجئة اختطفتها من بلدها دون أوراق رسمية؟
تمتمت تقول: "شيء كهذا. . ".
- هل لأن الشيء نفسه خطر في ذهنك عندما كنت هناك؟
أشاحت بنظراتها عنه. خطر لها ذلك بالفعل, فهي تشعر بالخزي من كونها جزء من عالم يترك الأطفال يتألمون بهذا الشكل.
وتابع قائلاً :
- أنا أعلم مدى صعوبة ترك الأطفال, صدقيني. لكن هذا أفضل. لأن بلادهم ستكون بحاجة إليهم. إلى كل واحد منهم. . .
رفعت رأسها تقاطعه :
- هذا إن بقوا أحياء. . .
- سيعيشون .
ومدّ يده ملامساً خدّها بأنامله, فأجفلت من لمسته. كوّر أصابعه في قبضةٍ متراخية كأنها الطريقة الوحيدة للسيطرة عليها, قبل أن تسقط يده إلى جانبه, متابعاً :"طالما أنَّ أشخاصاً مثلك يقفون إلى جانبهم" .
فقالت متحدية :" إن كان هذا رأيك, لماذا لم تترك "صوفي" مع أمها؟".
- لم يكن هذا ممكناً .
- لماذا؟
فقال بضيق:
- دعكِ من هذا, يا"دورا". إنها قصة طويلة . ألم يجهز ذلك الحساء بعد؟
بقيت تحدق فيه لحظة, ثم عادت تلتفت إلى القدر لتطفئ النار تحته.
- يكاد يجهز. هل يمكنك وضع شريحتي خبز في المحمصة ريثما أحضر "صوفي"؟
كانت "صوفي" قد ارتدت قميصاً مقفلاً داكن الزرقة وبنطالاً طويلاً. ورغم الجو المكفهِّر الملبد بالغيوم, وضعت على رأسها قبعة للشمس . وكانت جالسة على الأرض أمام جهاز التلفزيون تقلّبه من محطة لأخرى بواسطة جهاز التحكّم عن بُعد .
.
أخذت "دورا" جهاز التحكّم من يدها, تاركة فيلم الكرتون على الشاشة, ثم انحنت لتنزع بنطال الطفلة قبل أن تعثر على جورب قصير لها وحذاء خفيف في كومة الملابس . بذلت جهداً كبيراً لحملها على ارتدائهما والطفلة تترنّح من ناحية لأخرى كيلا تفوتها ثانية من الفيلم الكرتوني, ممّا ساعدها على التخلص من تلك الأسئلة المتسابقة في رأسها إلى ما لا نهاية . وعندما انتهت حاولت أن تأخذ "صوفي" لتغسل لها يديها, لكنّها عجزت عن إقناعها فاضطّرت "دورا" إلى حملها .
رأت "دورا" أن الطفلة قد تحسنت عشرة أضعاف عما كانت عليه الليلة الماضية . إنَّ تأمين الطعام والدفء والدواء لها, ساهم في تقديم العون لها. لكنها لا تزال عازمة على عرضها على الطبيب .
لا تزال تريد بعض الأجوبة, خاصة عن والدة "صوفي".أرادت أن تعلم ما جرى لها, سواء كانت القصة طويلة أم لا, فهي لا تريده أن يخفي عنها ذلك إلى الأبد. ما إن وصلت إلى المطبخ, حتى أخذ الهاتف في الرنين. وقفت تنظر إلى "غانون" مترددة . فسألها :
- ألن تجيبي ؟
- إن المجيب الصوتي يعمل. وسيحفظ لي المكالمة .
رباه لا تدعهم يقولون أي شيء يكشف حقيقتي !
رفعت "صوفي" تضعها في مقعد عالً, وناولتها ملعقة وهي تسعى جاهدة لأن لا تستمع بينما كان صوتها يطلب من المتكلم ترك رسالة .
وجاءت المكالمة :
- "دورا" أنا "ريتشارد". لقد تكلمت لتوّي مع "سارة" فقالت إن بعض المشاكل طرأت في الكوخ, ممّا جعلك تتركينه بسرعة. . .
وقبل أن تلتفت, كان "غانون" قد اجتاز الردهة وأمسك بالهاتف :
- "ريتشارد" . . .أنا "جون". . ."جون غانون" . . .
- "جون" ؟
.
ساد الصمت بينما كان "ريتشارد" يستوعب ما سمعه .
- ما الذي تفعله في شقة "دورا" ؟
- آسف, لكنني أنا المشكلة. كنت قد اقتحمت كوخك الليلة الماضية لأنني كنت بحاجة إلى مكان هادئ أمكث فيه عدة أيام . ولم يكن لديّ فكرة عن وجود أحد فيه . . .
- يا إلهي! لابد أنك جعلت "دورا" المسكينة تموت خوفاً!
- ليس بنصف مقدار ما أخافتني هي . علمت أنّ من واجبي تقديم التهنئة. لم أكن أعلم أنك تزوجت مرة أخرى .
- ماذا؟ آه, نعم. يوم عيد الميلاد. كنت سأجعلك شاهد زواجي لو كنت أعلم مكانك. سأجعلك تشعر بالملل عندما أحدثك عن مدى سعادتي بعدما أعود من الولايات المتحدة.إن كنت لا تزال موجوداً.
- لقد ولَّت أيام تجوالي, يا"ريتشارد". إنني أنتظر رؤيتك بشوق.
كان يحاول التغلب على الغصة في صوته وفي حنجرته, ولم يكد يُفلح . فأرغم نفسه على تكرار الكلمات بثبات : " أنتظر رؤيتك بشوق ".
- هذا عظيم . أخبرني يا "جون". لماذا اقتحمت الكوخ ؟ هل المشكلة امرأة ؟
- إنه أمر كهذا. فلنقل فقط إن مكاني غير محدّد إلى أن أسوي أمراً أو اثنين . وقد تلطفت "دورا" باستضافتي مع ابنتي عدة أيام. . . أرجو أنّك لا تمانع .
.
- ولماذا أمانع إن لم تمانع "دورا"؟ ماذا . . .(وقبل أن يفكر "غانون" بجواب ما, وضع ريتشارد يده على السماعة لحظة, وابتعد صوته متحدثاً بشكل غير مفهوم مع شخص) اسمع . عليّ أن أذهب يا "جون". سنتحدث عن كل شيء عندما أعود. يبدو أن لديك الكثير لتقوله . هل قلت "ابنة"؟
- نعم .
- حسناً, مهما كانت الورطة التي وقعت فيها, فإن "دورا" لها. إنها شجاعة وحازمة, وهي تعرف الكثير من الناس . إلى اللقاء عندما أعود. يا "جون" .
- ألا تريد أن تتحدث إلى . . .
لكنه أقفل الخطّ. أعاد السماعة إلى مكانها بعناية بالغة. كان "ريتشارد ماريوت" رجلاً أمضى جون حياته يتطلع إليه بإعجاب . لقد رآه ينهار عندما فشل زواجه فوضع اللوم على "أليزابيت" دون تردّد. لكنه أخذ يتساءل الآن إن كان على صواب. إن أي رجل يعامل زوجته بمثل هذه اللامبالاة , لا يستحق حبها ووفاءها.
.
كانت "دورا" تنتظر مترقبة بهدوء, وقد بان في عينيها نوع من التوجس .
- "ريتشارد" أرسل إليك تحياته مع حبه .
حاول أن يعكس صوته ما أمكنه من مشاعر .

- حقاً؟
تملكها الشك في ذلك. فهو لم يقل سوى ما ظنها تريد أن تسمعه, كيلا تشعر بخيبة أمل. وتأثّرت بذلك بشكل غريب. تابع "غانون" :
- لقد استدعوه حين كان على الهاتف .
قبض يديه بشدّة كيلا يتقدم نحوها ويأخذها بين ذراعيه, ويعانقها ويحبها كما ينبغي أن تُحب بدلاً من اختلاق أعذار لزوجها. إن أي اجتماع لا يمكن أن يمنع "ريتشارد" من الكلام مع زوجته .
- يبدو أنه لا يمانع في مكوثي هنا .
- لمَ يمانع ؟ أنت صديقه .
كادت لا تصدِّق أن كذبها لم ينكشف .
- هذا ما قاله. يبدو أنه يثق بك. . .وبي. . .
- ليس لديه ما يمنعه من ذلك .
تقابلت نظراتهما لحظة فشعرت "دورا" بقلبها يخفق وهما يتذكران تلك اللحظة في الغابة حين لم يفكر أي منهما في"ريتشارد". بالنسبة إليها, كان ذلك مفهوماً. . .أما بالنسبة إليه. . حسناً, يبدو أن "غانون" يعيش حالة من الارتباك والتوتّر محاولاً أن يختار بين أن يكون خاطئاً أم قديساً .
.
رن جرس الباب , فتوجَّه نحوه , ليريحها من عنف نظراته المتفحصة التي جعلت أنفاسها تتدافع وساقيها لا تقويان على حملها.
- يريد الرجل في الباب بعض النقود مقابل إحضاره الطعام .
- إنها في حقيبة يدي . يمكنك أن تأخذ ما تريد .
كان صوتها يرتجف قليلاً . مرة أخرى, التقت عيناهما للحظات قصيرة فوق رأس "صوفي" :
- لا أظنها فكرة جيِّدة, يا "دورا". أنتِ لا تعرفين إلى ما قد تؤدي إليه دعوة كهذه .
ناولها الحقيبة وقد بدا التوتُّر في صوته .
.

.


 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 11:03 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

8- الحب من النظرة الأولى !



- إلى أين تذهبين، يا "دورا" ؟
كانت "دورا" قد حملت "صوفي" على كتفها:
- كادت "صوفي" تقع نائمة على حسائها، ففكرت في أن أتركها تنام قليلاً. هل من اعتراض؟ أعتقد أنها لم تنم جيداً الليلة الماضية .
كان "غانون" يسدّ باب المطبخ وهو يحمل بين ذراعيه صندوق الأطعمة .
أجاب وهو يكبح تثاؤبه :
- أظن أن أحداً منّا لم ينم جيداً.
- الغرفة الاحتياطية إلى اليمين . إفعل ما ...
.
وقطعت "دورا" كلامها وما يمكن أن يحمله من معانٍ أخرى. وأدرك هو غلطتها، فارتسمت على شفتيه إحدى ابتساماته الخفيفة التي تنير شيئاً في وجهه وتضيء الأنوار في داخلها . قالت بتهذيب حذر :
- يمكنك استعمالها بكل ترحيب .
أجاب ساخراً :
- شكراً. لكن، لديّ بعض الأعمال لأنجزها قبل أن آخذ قسطاً من النوم.
تنحّى جانباً، فشعرت "دورا" به، دون أن تراه وهو يمسك أنفاسه عندما احتكت أضلعه المصدوعة ببعضها البعض. فارتجفت كأن جسدها هي قد تملَّكه صدى ذلك الألم
- هناك حبوب مسكِّنة للألم في الدرج. قد تنفعك . أو من الأفضل ربّما أن تنتظر الطبيب ليصف لك دواءً أقوى.
أجاب والعرق يرشح من جبينه :
- لست بحاجة إلى شيء. فقط أن تبتعدي عن طريقي لكي أضع هذا الصندوق من يدي.
كان عليها أن تأخذه منه، لكن حملها ل"صوفي" النائمة على كتفها، لم يسمح لها سوى بالابتعاد عن طريقه، ناظرة إلى الخلف وهو يدخل المطبخ .
لم يكن "غانون" منتبهاً إليها تحدِّق به ، فسقط فجأة منكبّاً على مائدة المطبخ وأنفاسه تتسارع محاولاً السيطرة على الألم . كانت إصابته أكبر بكثير مما ظنَّت، شعرت برغبة عارمة في الاقتراب منه لتأخذه بين ذراعيها وتحتضنه إلى أن يُشفى.
قبل أن تتمكن من القيام بشيء، استقام واقفاً، وقد شدَّ على أسنانه ليخفف من حدَّة الألم، فتوارت بعيداً عن نظره قبل أن يلتفت فيراها تحدق به. تعلم أنه يكره أن تراه في لحظات ضعفه، ولو للحظة. لكنها عندما وصلت إلى الردهة، ازداد تصميمها على استدعاء الطبيب ليراه .
.
مدَّدت الطفلة الناعسة على الفراش، ونزعت حذائها وجوربها والبنطال قبل أن تبعد شعرها عن عينيها وتُحكم الغطاء حولها . وتمهّلت إلى أن تهدأ خفقات قلبها، وتذكّر نفسها بكل الأسباب التي تمنعها من فتح قلبها له. وكان هذا الأمر يزداد صعوبة في كل مرة. عادت إلى المطبخ تقول :
- سأستدعي الطبيب .
التفت "غانون" إليها، وإذا بكل ما كافحت لاستجماعه من تصميم على أن تبتعد عنه، قد تبخر. كان لون جلده قد ازداد دكنة، وعلى وجهه ملامح رجل يكاد يفقد طاقته. تمتمت بارتباك : "جون" ؟
بقي جامداً لبرهة. ثم اندفع من جانبها خارجاً، لتسمعه بعد لحظة يحاول التقيؤ بشكل مؤلم . ترددت، تلهفت للذهاب إليه، لكي تمسك برأسه وتعانقه . لكنّها كانت واثقة من أنه يفضل أن لا يرى ضعفه أحد، فتسمّرت في مكانها.
ساد الصمت للحظات طوال، وفجأة، خافت من أن يكون قد أغمي عليه. فركضت، ثم سمعت صوت تدفق المياه عندما فتح الصنبور، فوقفت ويدها على الباب. إنه ليس بحاجة إليها هذه المرة. لكن، يمكنها أن تتصل بالطبيب وتخبره بأن لديها في المنزل مريضين و أن عليه الحضور بأسرع ما يمكن.
ما إن وضعت السماعة حتى أدركت أنه يقف في عتبة الباب ، فاستدارت نحوه . وقالت متوترة :
- من الأفضل أن تجلس قبل أن تسقط "غانون" .
ظنَّت أنه سيجادلها، لكنه رسم بيده علامة الاستسلام، وقال وهو يتقدم إلى أقرب كرسي ليجلس عليه بحذر:
- ربما تكونين على حق. ذكريني بأن لا أسمح لك بقيادة السيارة بي إلى أي مكان مرة أخرى.
- آه، فهمت. كان ذلك غثيان سفر، أليس كذلك؟
كانت تغيظه مازحة بتهكم أذهلها:
- وماذا غير ذلك؟
ثم ضغط يده على صدره كيلا يؤلمه وهو يسعل .
.
نعم، ماذا غير ذلك في الواقع؟ إنه نوع من غثيان السفر الذي يحدث عندما تنتهي الرحلة بشكل مفاجئ في أحد الحقول. نوع من غثيان السفر الذي يحدث عند تجاهل الأضلع المصدعة والركض بطفلة على الذراعين. نوع من غثيان السفر الذي تحدث له مضاعفات كثيرة إذا لم يتدخل الطب.
قالت :
- سأنتظر تشخيص الطبيب، إن لم يكن لديك مانع.
- هل استدعيته ؟
- طبعاً استدعيته. لديّ من المشاكل ما يكفيني لكي لا أضطر لاختلاق أعذار تبرِّر وجود جثة رجل غريب في شقتي.
- أنا لا أحتضر، يا "دورا". كل ما أحتاجه هو الراحة لبعض الوقت.
- أهذا كل شيء؟ عليك أن تعذرني إن لم أثق بما تقول. لكنني أنا التي أراك بوضوح هنا وأظنك بحاجة إلى أكثر من غفوة لتصبح على ما يرام .
أغمض عينيه وهو يعتصرهما، قارصاً جسر أنفه بأصابعه النحيلة.
- قد تكونين على حق. لكن، قبل أن أفكر بالقيام برحلة إلى قسم الطوارئ لإجراء صورة أشعة، عليّ أن أجري بعض الاتصالات.
- موافقة. ويجب أن يكون المحامي في رأس قائمتك. يمكنني أن أعطيك اسم محامٍ ماهر إذا شئت .
- شكراً، لدي محاميّ الخاص. لكن، هل لديك صديق في وزارة الداخلية؟ قال "ريتشارد" إنك تعرفين كثيراً من الناس.
قطبت حاجبيها: "هل قال ذلك؟" .
إذا كان "ريتشارد" قال ذلك فعلاً، فمن الواضح أنه يفترض أنها تساعد "غانون" للخروج من مأزقه. ويبدو أنه لا يرى خطأً في ذلك.
- هذا صحيح. في الحقيقة، لقد قابلت الوزير نفسه مرة، في حفلة عشاء. . .
رفع "غانون" حاجبيه ، باسماً :
- حقاً؟ حسناً، لا داعي لإزعاج الرئيس الآن. الأفضل أن تبقيه للجوء إليه عند الحاجة الماسّة. حالياً، يسعدني جداً أن أكون مع شخص بمستوى السكرتير، ما دام ودوداً.
- هل تنفع سكرتيرة أنثى؟
.
عاد يرفع حاجبيه، فتابعت قولها: " ليس كل أصدقائي ذكوراً، ولا كل الموظفين الحكوميين كذلك".
- أنا لست متحيزاً للرجال، يا "دورا". ما دام هي، هو، أو حتى هو لغير العاقل، متعاطفاً معي.
- ربما يعتمد هذا على عدد القوانين التي خرقتها.
- لم أكن أعدها.
- والأهم من ذلك، نوعها.
فهز كتفيه:
- دعينا نعدّها. هناك نقل طفلة من مخيم اللاجئين دون رخصة. . .لست واثقاً أي قانون يخرقه هذا العمل، لكنّ هذا يُعد واحداً.
- بل أظنه أكثر من ذلك.
- ثم هناك تفاصيل تهريبها عبر أكثر من حدود دولية واحدة، ولا أستطيع تذكرها حالياً.
- واستعارة طائرة دون رخصة من صاحبها.
منحها ابتسامة عريضة:
- شكراً يا "دورا". لقد نسيت هذه. لكن هنري لن يلح على إقامة دعوى عندما أشرح له ظروفي. ثمَّ، هبوط الطائرة دون تصريح رسمي. دخول البلاد دون إعلام دائرة الهجرة أو ضريبة الجمرك. وإدخال فتاة أجنبية إلى البلاد بشكل غير قانوني. قد تكون تلك المشكلة أصعب قليلاً. . .
- أتصوّر ذلك.(انتظرت. وعندما لم يذكر مزيداً من الجنح، سألته): هل هذا كل شيء؟
- كل ما أستطيع تذكره. عدا عن اقتحام الكوخ، طبعاً. لكنك سبق وعلمت بذلك. هل سترفعين دعوى، يا "دورا" ؟
- لا تتغابى أمامي، فأنا ساعدتك في ذلك. إنما عنيت المخدرات، النهب، امتلاك أسلحة غير مرخصة. . .وأشياء خطيرة.إذا كنت سأطلب خدمات من أصدقاء، فيجب أن أعرف أنك لست. . .
محتالاً. . .تستعمل"صوفي" ستاراً، وتستغلني.
كان ينظر إليها بشكل حيادي نوعاً ما، كأنه كان يعلم تحديداً ما ستقوله. هزت كتفيها:
- حسناً أنا أجهل الكثير عنك.
كانت لهجتها هادئة نوعاً ما.
.
- كل ما أريده هو أن أصل بابنتي إلى برّ الأمان، يا "دورا". إن كان لديك أيّ شك بهذا، أنصحك بأن ترفعي سماعة الهاتف مرة أخرى، وتستدعي الشرطة حالاً.
تملكتها الحيرة:
- لكن، إن كانت ابنتك، يا"غانون"، لماذا لم تسلك الطرق القانونية؟
- أتظنين أنني لم أحاول ذلك في البداية؟ هل لديك أيّ فكرة كم كانت القضية ستطول؟ أكثر الناس في الملجأ ظنوا أنني أعجبت بالطفلة فقط، وأردت أن أمنحها فرصة للحياة. بعضهم ظن أنني سآخذها للتبني إلى زوجين متلهفين للحصول على طفل، لم يصدق أحد في الواقع أنني أقول الحقيقة. ولم تكن هي في مكان نستطيع أن نجري فيه اختبار الدم لإثبات الأبوة.
- هذا صحيح. لكنّ اختطافها كان . . .
- تصرفاً يائساً؟ كنت يائساً فعلاً. كان الأمر إما أن أقوم بهذا وإما أن أتركها هناك حيث الإجراءات الروتينية البطيئة للغاية. لو كنت مكاني لما تركتها هناك ، أليس كذلك يا "دورا"؟
شعرت بأنه يدفعها إلى الاعتراف بأنها كانت ستقوم بالشيء نفسه، وبأنهما متماثلان. قد يكون على حقّ. ربما لو كانت مكانه لفعلت مثله تماماً. لكن، في هذه الظروف، كان من الجنون الاعتراف بذلك .
- سيعلمون بأنك أخذتها، أليس كذلك؟
- طبعاً سيعلمون. وهذا هو السبب في استعارتي طائرة هنري. ما كنت لأستطيع قط أن أمرّ عبر مكتب الهجرة وهي معي. ولم أستطع أن اطلب منه خرق القانون بأن يأخذنا في طائرته، بنفسه.
- لكنك لم تهتم بتوريطي معك .
- هذا غير صحيح ، يا "دورا". أنت التي ورّطت نفسك. لقد سنحت لك عدّة فرص للهرب فلم تنتهزيها. تذكري عندما نبّهك الشرطي .
حملقت إليه :
- نبهني ؟ وبماذا سيتهمونني؟
- ليس لديّ فكرة. لكنني واثق من أنهم سيفكرون بشيء ما. إلا إذا سوّينا كل شيء أولاً. تلك الفتاة التي تعرفينها في وزارة الداخلية، هل هي ودودة؟
- كانت ودودة للغاية في حفلة العشاء. كذلك في المبرّة الخيرية التي نذهب إليها نحن الاثنتين، لكن هذه الحالة هي الأولى من نوعها، وأنا لا أضمن أنها لن تذهب مباشرة إلى دائرة الهجرة إن أنا اتصلت بها. عليها أن تفكر في وظيفتها أولاً. لا أظن أنَّ الاتصال بها يُعتبر فكرة نيّرة .
- قد تكونين على حقّ. لكن عليّ أن أتحدث إلى شخص ما، وبسرعة.
- أظن أنَّ عليك أن تتحدث أولاً إلى محاميك. فقد يتقدم بطلب بعض الأوراق المؤقتة إلى أن تتمكن من إثبات حق "صوفي" في البقاء هنا. يمكنك طبعاً أن تستغل علاقاتك الصحافية. وعندما تستحيل الصحف الشعبية إلى جانبك، ستجعل البلاد بأكملها تبكي أثناء تناول الإفطار.
- شكراً، لكنني لا أريد هذا النوع من الدعاية.
.
حتى وإن كان ذلك يضمن سلامة "صوفي"، أم لديه ما يخفيه؟
- إنني أوافقك على ذلك نوعاً ما. لكنه قد يساعدك إذا قُبض عليك.
- أتظنينهم سيسجنونني ويلقون بالمفتاح بعيداً؟
- من الصعب معرفة ما قد يفعلونه تحديداً. . .فقد اخترقت قوانين دولية. ومن المحتمل جداً أن يطالب شعب غرازنيا بعودة "صوفي" إلى أمها. . .
- أمها ميتة ، يا "دورا" .
ميتة! كانت هذه الكلمة جوفاء للغاية، فارغة. . .نظرت "دورا" حولها كأنها تفتش عن كلمات لها أي معنى أو تقدم بعض التعزية. كل ما تمكنت من قوله بعض التعازي المكررة المتعارف عليها. سألته:
- أيمكنك إثبات ذلك؟
تملك "غانون" الارتياح . إنها لم تسأله كيف، أو لماذا. تلك الأسئلة التي ليس لها جواب. كما أنه لم تسأله عما إذا كان أحب المرأة التي حملت بابنته أو حتى ما إذا كانت زوجته. لكنها ستفعل، عاجلاً أم آجلاً. لن تستطيع منع نفسها من ذلك. وعندما يخبرها بكل القصة. .هل سيسرّها أن تساعده حينذاك؟
- ليس لديّ شهادة موت، إذا كان هذا ما تعنين. حتى أنني لا أعرف أين دُفنت. كل ما لدي هو ورقة خطية من شخص كان معها حين ماتت. إنها امرأة أرسلت إليّ الرسالة التي كتبتها أمها تتوسل إليّ أن أعتني ب "صوفي".
كانت الفكرة التي خطرت في ذهنها هائلة. وترددت "دورا" في النطق بها. لكنها كانت قد رأت وعرفت ما جعلها تفهم أنَّ كل شيء يمكن أن يحدث أثناء الحرب.
- هل أنت واثق من أن "صوفي" ابنتك، يا "غانون"؟
لقد طرح على نفسه هذا السؤال مئات المرات أثناء بحثه عن "صوفي". وإن كان هذا لا يهمه، فإن تضّرع امرأة تحتضر كان كافياً. كل ما كان يعرفه هو أن الطفلة كانت في مخيم اللاجئين. لقد أخبرته بذلك تلك المرأة التي أرسلت إليه الرسالة. لكن وصول الرسالة إليه استغرق أشهراً، وكان كل شيء قد انتقل من مكانه. . .تغير. . .ثم أثناء دخوله ذات يوم إلى أحد المخيَّمات، رأى طفلته الضئيلة الحجم السوداء الشعر فعرفها. لكن، من يصدّق ذلك؟
- لديّ صورة لأمي في الثانية من عمرها. و"صوفي" صورة عنها.
أومأت "دورا" برأسها:
- هذا سيفيدك.
- سيأتي اختبار الدم إيجابياً كذلك. متى سيأتي الطبيب؟
- إنه يقوم بعملية جراحية حالياً، وسيستغرق ذلك ساعة أو نحوها. هل أحضر لك شيئاً تأكله؟
هز رأسه:
- لا أظنني سأستطيع المجازفة بذلك قبل فترة، سأتصل بالمحامي الآن ثم أستلقي ساعة.
لم تلحّ عليه. لكنها تركته ليقوم بالاتصال الهاتفي بينما قامت هي بتسوية السرير الاحتياطي. إنه بحاجة إلى النوم أكثر من الطعام. وعندما ينام، ربما تتمكن من اختيار من تتحدث إليه .
قد يكون الاتصال بمحاميها فكرة جيّدة، وإن يكن لإنذاره فقط باحتمال أن يخرجها بكفالة بسرعة، ثم تأمين "صوفي" عند شقيقها "فيرغس" ومديرة منزله. قد لا يعجب ذلك أخاها لكنه لن يخذلها عند الأزمة.
كانت تُعدُّ له الغطاء حين تنبَّهت إلى أن ضيفها يراقبها. منذ متى هو واقف هناك، وعيناه المليئتان بالأسرار، مصبوبتان عليها تخترقان أعماقها؟
سألته بمرح:
- هل كل شيء على ما يرام؟
.
- نعم. سينهي مسألة الوضع القانوني بالنسبة إلى "صوفي"، مسألة بقائها هنا ريثما أثبت أنا حقها في البقاء. ثم يتصل ب"هنري" ويسوّي أمر إصلاح الطائرة. وعندما ينتهي كل ذلك، سنذهب إلى مخفر الشرطة معاً وأدلي بتصريح شامل.يبدو أنني سأكون متهماً، وعند ذلك يكون أمري بين يدي قاضي المحكمة الذي سيقرر مصيري. ما رأيك بذلك؟
- أنت لم تؤذي أحداً!
- هذا صحيح. لكنني خالفتُ القانون في نواحٍ كثيرة. ويقول المحامي إنهم سيجعلونني عبرة لغيري. وإلا، فكل شخص سيظن أنه قادر على الإفلات من العقاب مثلي.
- في هذه الحالة، الأفضل أن تمضي وقتاً طويلاً على هذا الفراش الوثير. ليست زنزانات الشرطة بالأمكنة المريحة .
قال وقد عادت إلى شفتيه شبه الابتسامة تلك:
- لابد أنك تعلمين الكثير عن هذه الأمور.
هزت كتفيها :
- أنت تعرف كيف هي.
- لا. أخبريني.
- فكرت مرة في أن أكون ممثلة. واستطعت الحصول على دور صغير في عرض على التلفزيون. أمضيت الوقت كله في "الزنزانات"، ما جعلني أمحو من ذهني كل فكرة عن التمثيل في التلفزيون.
- ماذا كان عملك الذي تعتاشين منه قبل الزواج؟ لقد قلت إنك تعرفت إلى "ريتشارد" أثناء العمل.
- كلا . قلت إن أختي عرفتني عليه. هي التي تعرفت إليه أثناء العمل. إنها عارضة أزياء وممثلة في الإعلانات. لا بد أنك سمعت باسمها، "بوبي كا?اناغ".
- أنا لا أمضي وقتاً كثيراً في قراءة مجلات الأزياء.(ثم قطب حاجبيه): هل تشبهينها؟
- قليلاً. إنها أطول مني، وأكثر تألقاً بكثير بالطبع. . .
- ربما سبق أن رأيت صورتها في مكان ما.
وحاول أن يهز كتفيه لكن أضلعه راحت تؤلمه فغير رأيه: " كنت واثقاً من أن وجهك مألوف لديّ. . ."
فقاطعته: "لابد أن هذا هو السبب".
ذلك أن الصحف نشرت صورها كثيراً أثناء الأشهر الستّة الماضية. لكن سرّها أن يظن أنه رأى صورة أختها: كانوا يأخذون لها صوراً للإعلان على ضفاف النهر قرب ذلك الجسر عند الكوخ. . .عندما هبت عليهم جميعاً عاصفة رعدية. كان "ريتشارد" هناك يعمل في الكوخ، فدعاهم جميعاً للدخول للاحتماء من العاصفة.
- ثم عرفتك إليه؟
- نعم.
.
كانت و"بوبي" تشتركان في الشقة حينذاك. لكنَّ "بوبي" انتقلت للعيش مع "ريتشارد"في نفس اليوم الذي تعرفت إليه فيه. قد يكون الحب من النظرة الأولى هو ميزة في الأسرة. أشاحت "دورا" بوجهها عن "غانون"، واثقة من أنه سيرى نفس النظرة القانطة واللهفة الطائشة التي كانت رأتها في عيني "بوبي" عندما كانت تلقي بثيابها في حقائبها، وهي تفكر في الوقت الذي ستكون فيه مع "ريتشارد".
ألقت بالغطاء على الفراش بمرح لم تكن تشعر به. ووضعت الوسائد في أكياسها بعنف كشف عن مشاعرها.
- انتهيت. . .هل أنت واثق من أنك لن تحتاج إلى ما يخفف ألمك؟
ما كانت تريده حقاً هو الاستلقاء بجانبه،لكي تخفف عنه ألمه وتضم رأسه إلى صدرها إلى أن ينام.
- لا أظن أنَّ أي شيء يمكن شراؤه من الصيدلية سيكون مفيداً يا "دورا".
شعرت بشيء ما في صوته يعني أنه لا يتحدث عن دواء مسكِّن للألم. لكن، مهما يكن ما سمعته في صوته، فهو لم يظهر في وجهه.أو ربما فقط سمعت ما كانت متشوّقة إلى سماعه، لكنه ممنوع عليه قوله.
- حسناً، أنا واثقة من أن الطبيب سيصف لك شيئاً إذا طلبت منه ذلك. حاول الآن أن تنام. لا داعي لأن تقلق بشأن "صوفي"، فأنا سأهتم بها.
بقي متردداً عند الباب، وقد لمع في عينيه شيء من الثقة.
- ثق بي يا "غانون". لن أخرج إلى أي مكان. إن هذه المشكلة تخصني الآن بقدر ما تخصك.
ثم أخذ يفك أزرار قميصه. تعلقت عيناها به وهو يكشف عن عنقه وصدره. وعندما رآها ساكنةً، توقف:
- أنا أقدر لك اهتمامك حقاً، يا"دورا". لكنني أظن أنه من الأفضل أن تتركيني أقوم بهذا العمل كله وحدي.
توهج وجهها، وهربت.
***
استيقظت "صوفي" بعد فترة، وسألت عن أبيها. احتضنتها "دورا"، ثم أخذتها إلى المطبخ لتعطيها شيئاً من الحليب والبسكويت، وهي تبحث عن طريقة تسلي بها الطفلة. كانت قد قررت لتوِّها أن تجعلها تساعدها في صنع كعكات صغيرة لأجل الشاي حين رنّ "براين" الناطور على الهاتف ليخبرها بأن الدكتور "كروفت" قد وصل، وهو يصر على أنها استدعته.
- آه، آسفة يا "براين". كان عليّ أن أخبرك بأنني أنتظره. أرسله إليّ من فضلك.
كشف الطبيب على "صوفي"، ونظر إلى الدواء الذي تتناوله، ثم نظر إلى "دورا" يسألها:
- من اين حصلت على هذا؟
- هل ثمة خطأ في هذا الدواء؟
لا. لكنه لا يوزّع عندنا.
ونقر بإصبعه على البطاقة، الملصقة على العلبة والمطبوع عليها شعار الأمم المتحدة.
- من هي؟ إحدى لاجئاتك؟
- وهل لهذا أهمية؟
- ليس بالنسبة إليّ.
نظر إلى "صوفي" ثم ابتسم لها.
- من الواضح أن الطفلة كانت مصابة بالتهاب في الصدر. لكنّها شفيت الآن. إنها هزيلة الجسم، لكنها، عدا ذلك، بصحة جيدة.
ثم نظر إلى "دورا" مفكراً: "نظراً إلى الظروف المعيشية التي كانت فيها، من الأفضل أن تحضريها إلى العيادة بعد يوم أو يومين لإجراء بعض اختبارات الدم لها، من باب الاحتياط".
- شكراً. أريد في الواقع أن أسألك بالنسبة إلى اختبارات الدم. الاختبارات المتعلقة بالوراثة. يريد والدها أن يثبت أبوّته.
.
- آه، أفهم من هذا أنه مريضي الثاني. أين هو؟
- إنه يرتاح . لديه أضلاع مصدعة تسبب له كثيراً من الألم. وكان يتقيأ، وقد بدأ الآن بالسعال.
- دعيني أراه.
قادته إلى الغرفة الاحتياطية وقرعت الباب ثم فتحته. كان "غانون" نائماً. كان متمدداً خارج السرير، كتفاه العاريتان تملأهما الرضوض، وأهدابه الكثيفة الداكنة مسدلة على عينيه النائمتين.
- هممم. . .إنه لا يبدو مشرقاً جداً، أليس كذلك؟ لا، لا توقظيه. تعلمين أن النوم يفيده أكثر من أي شيء قد أعطيه له.
- هل أنت واثق من هذا؟
- سأترك لك اسم مضاد حيوي وحبوب مسكِّنة للألم، وسآتي لزيارته في الصباح. لكن إن شعرت بالقلق، اتصلي بي في أي وقت وسآتي حالاً.
- ماذا عن اختبار الدم الوراثي؟
- هل هو على عجلة من أمره؟
- نعم . . نوعاً ما.
- حسناً، سأعود إليكم حالما أرتب موعداً في العيادة.
- شكراً يا دكتور.
وقف عند العتبة قائلاً:
- أظنك تعلمين ما تفعلين، يا"دورا" ؟
أجابت باسمة:
- ما الذي أعطاك هذه الفكرة؟
بادلها الابتسام :
- لا، حسناً، اتخذي الاحتياطات فقط.هل أعطي ناطورك "الوصفة" ليحضر الدواء لك؟ إنه يوفر عليك مشقة الخروج.
- شكراً.
أغلقت الباب خلفه، واستدارت إلى"صوفي".
- والآن، حبيبتي، فلنعد إلى ذاك الكعك
***
.
استيقظ "جون غانون" وقد بدا بوضوح كأنَّ دبابة دهسته. أو على الأقل سيارة مصفحة.
كان الوقت يدنو من الغروب، ونور الشفق الذهبي يتدفق من النوافذ، وهو مستلق في فراش مريح إلى درجة لا يمكن لأحد معه أن يزحزحه منه.
تحرك بحذر. وعندما وخزه الألم، تذكر. ومع عودة الذاكرة عادت إليه الأفكار المرة التي كانت تمتلكه حين ألقى رأسه على الوسادة. ألقى نظرة على ساعته، ثم أطلق الشتائم. كانت الساعة الثامنة. ماذا حدث للطبيب؟
أطلق الشتائم مرة أخرى عندما تحرك بسرعة. انحنى يجذب بنطاله المستعار، ففاجئته موجة من الدوار.
دخل الحمام، وغسل وجهه المتوهج بالماء الساخن. تمسك بالحوض حين كان الغثيان يخنقه مرة أخرى، لكنه رفض الإذعان لرغبة معدته في التقيؤ. وأخيراً مرت المحنة.
اجتاز الردهة ليرى "صوفي" التي عادت إلى سرير "دورا" واستغرقت في نوم عميق. بدأت نتيجة العناية تبدو عليها، كما رأى. لقد علا وجنتها تورد الصحة وبدا شعرها الأسود نظيفاً لامعاً. أزاح خصلة عن وجهها فتحركت وفتحت عينيها وابتسمت له. انحنى وقبّل رأسها محكماً الغطاء حولها. كانت رائعة الجمال وكان يحبها أكثر من الحياة نفسها.
- "غانون"؟
استدار. وكانت "دورا" واقفة في العتبة: "كيف حالك؟".
- ممتاز!
تملكته نوبة من السعال فابتعد عن سرير "صوفي" خارجاً إلى الردهة، مراجعاً كلامه إزاء نظرتها المشكِّكة: "لا بأس".
لم تناقشه، إذ لم يكن ثمة فائدة من ذلك. فقد كان يبدو فظيعاً وربما كان شعوره أسوأ. أخرجت من جيبها زجاجتي حبوب وناولته إياهما.
- ترك لك الطبيب بعض الحبوب المسكِّنة للألم ومضاداً حيوياً .
فقال وهو يدس الزجاجة في جيبه:
- لست بحاجة إلى مضاد حيوي، لكنّي بحاجة إلى اختبار دم. لماذا لم توقظيني؟
- لقد منعني من ذلك. وقد رتب لك موعداً في العيادة بعد يوم غد. وهو أقرب موعد استطاع ترتيبه.
- أما كان بإمكانه أن يجريه بنفسه؟
تأثرت لعدم صبره.
.
- يجب إجراء الاختبار ضمن شروط خاصة. هل أنت جائع؟
كان الغثيان لا يزال يهدده، فقال:
- ليس تماماً.
سألته وهي ترى وجهه الشاحب:
- ماذا عن حساء "بو?ريل" وبعض البسكويت؟
ضحك، ثم قبض على جنبه.
- تباً لذلك! تتكلمين كجدتي.
- حسناً، الجدات يعرفن بعض الأشياء. وماذا في ذلك ما دمت لا أبدو مثلها؟
كانت نبرتها لاذعة لإخفاء كل هذه المشاعر التي قد تكون مقروءة على وجهها.
ربما يجب أن تكون اللذعة في لهجتها أقوى لأنه مد يده يلامس خدها، مرسلاً رجفة خفيفة في جسمها جعلتها لا تتمنّى إلاّ أن يضمّها ويحبها.
انزلقت أصابع "غانون" تحت شعرها كأن لأصابعه هذه إرادة منفصلة. كانت بشرتها كالحرير، دافئة الملمس، حساسة. وامتلأت مشاعره بها فجأة، مخرساً صوت العقل الذي كان يقول: "لن تستطيع أن تحصل عليها، لأنها لشخص آخر".
عندما ملأ عطرها أنفه، فقد عقله. وتمنى أن يضمّها إلى صدره ويشعر بدفء أنفاسها. استطاع أن يرى هذا كله وهو ينظر إليها، تفيض عيناه بمشاعر لم يعهدها من قبل .
ماذا تراه سيختار؟ النجاة أم الانتحار؟

.

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 11:04 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

9- محكمة

ارتدت يدا "غانون"عن "دورا" كأنه لمس جمراً ، ثم تراجع إلى الخلف مبتعداً عنها ما دام يملك القوة لذلك.
كانت ساحرة. لابد أنها كذلك. إن "دورا كاماناغ" تسلب قلوب الرجال بنظرة واحدة منها ليصبحوا أسراها، ثم يشكرونها على ذلك. يظن "ريتشارد" أنه أسعد الرجال، و"جون" يعرف لماذا. قد لا تكون "باندورا" هذه سبب كل المتاعب في العالم، لكنها نوع من المتاعب على كل رجل عاقل أن يهرب منه.
شتم "غانون" أضلاعه المتصدعة، والأعراض الأخرى التي أضعفت جسمه حتى أعجزته عن الهرب ، والإنهاك الذي أضعف عزيمته إلى حد جعله لا يريد ذلك.
التقط الحبوب التي تركها له الطبيب، بينما استدارت "دورا" لتملأ له كوباً من الماء. كان من المفترض أن يشعر بالتعزية لرؤية يديها ترتجفان كيديه، لكنّه لم يشعر بالتعزية. وعندما ابتلع حبتين من الدواء، لم يكن واثقاً، من أنّه سيساعده كثيراً. كانت ألامه الجسدية مجرد عارض جانبيّ، مقارنة مع الألم الدائم في قلبه.
- "جون"...
كان يكره أن يسمعها تلفظ اسمه بهذا الشكل المتردد، البالغ الرقة. يكرهه ويتلهف إليه. واللهفة كانت الأسوأ.
- لا تقولي شيئاً، يا "دورا".
- أرجوك يا "جون".عليّ أن أخبرك بشيء.
لم يشأ أن يسمعها مهما يكن ما ستقوله.
- لا.
وأشاح بوجهه عنها فتمايل واهتز المطبخ حوله، فأخذ يدعو الله بصمت. . أرجوك، يا إلهي. ساعدني! وكأنما استجاب الله دعاءه، فقد أخذ جرس الباب يرن دون توقف. جمدا مكانهما لحظة، لا يأتيان حراكاً، ثم عاد الجرس إلى الرنين. فراحت "دورا" تسير عبر المطبخ. عندما مرت به، أمسك بمعصمها.
- عديني بشيء، يا "دورا".
همست بصوت أجش:
- لك ما تشاء.
.
- عديني بأنه مهما حدث لي، سترعين "صوفي"، وتحرصين على عدم إعادتها. .
أطلقت "دورا" شهقة صغيرة. ليس هذا بالرجل الذي يطلب المساعدة بسهولة. لكن، هاهو ذا يطلبها منها. . . يتوسل إليها.
- أعدك .
لكنّ عينيه الذهبيتين المتألقتين في وجهه المنهك طلبتا أكثر من ذلك.
- أعدك بأن أرعاها، يا "جون". سأبقيها سالمة لأجلك. وأقسم على ذلك.
- "دورا". . .
بقي لحظة طويلة يرتوي من جمالها الرقيق. كان يعلم أن عليه أن لا يلمسها. . . وأنه لو لمس وجهها ولو بطرف إصبعه سيؤدي به ذلك إلى ارتكاب حماقة، خيانة للصداقة. لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه.
كان يرتجف شوقاً إليها، ولهفة إلى وضع ذراعيه حولها وإلقاء رأسه على كتفها، ونسيان نفسه في حلاوة دفئها. لكنه دعا الله طلباً للعون وها قد استُجيب دعاؤه. فإن هو أمسك بها الآن ستحلٌّ عليه اللعنة إلى الأبد.
رأت "دورا" المعركة المحتدمة في داخله. رأت عينيه تغيمان بالحرارة التي تفيض منهما فأدركت أنها كلها انعكاس لمشاعرها هي. لماذا ؟ إن "جون غانون" رجل غريب، رجل مليء بالأسرار. ومع ذلك، في اللحظة التي أضاءت فيها النور في مطبخ الكوخ وسمعته يشتم مجفلاً، شعرت بذلك الخفقان غير العادي في قلبها. لقد سمعت ذلك الصوت الداخلي، الهادئ كأنفاس الطفل، متواصلاً كقطرات المطر، (هذا هو. . .إنه هو. . .هذا هو رجل منتصف الليل الذي يأتي في أحلامك الخفية. الرجل الذي ستتذكرينه حتى الموت ولو عشت مئة عام). أي شيء لم تجازف بعمله لأجله؟
كانت حرة تماماً ولديها البرهان على سرقته للطائرة، لكنها لم تغدر به. فقد عادت إلى الكوخ و واجهت رجال الشرطة الذين كانوا في انتظارها. ثم ذهبت تبحث عنه لكي تساعده وتساعد "صوفي".
رفعت يديها تحيط بهما وجهه. كان وجهه شاحباً. ولم تكن واثقة من منهما كان يرتجف أكثر. كل ما كانت تعرفه هو أنها ستحرك السموات والأرض لكي تسوّي أموره.
- "جـون". . .استمع إليّ. علي أن أخبرك شيء. إنه يتعلق بي و بـ "ريتشارد". إن ما عرفته عن هذا الأمر كلّه خطأ...
عاد الجرس إلى الرنين، وهذه المرة كان مرفقاً بدقات حازمة، فقال وهو يدفعها عنه:
- إنها الشرطة، يا "دورا". اذهبي قبل أن يحطموا الباب.
- الآنسة كاماناغ؟
.
لم يكن ثمة حاجة للبطاقة التي مدّ الرجل بها إليها. أدركت بالرغم من بذلته الأنيقة وربطة عنقه الحريرية، أنه كان "مفتش التحري رينولدز". ولم يكن وحده بل معه "الشرطية جونسون".
- هل يمكننا الدخول؟
والتفت إلى المرأة الشرطية يعرفهما ببعضهما البعض.
- هل لديك رخصة بالتفتيش ؟
كانت جامدة في مكانها محاولة أن تفكر.
- لم أتصور أنني سأحتاج إلى واحدة، يا آنسة "كاماناغ".
أريد فقط أن أتحدث إليك. إلا إذا كنت تفضلين الذهاب إلى المخفر. . .
- هذا ليس ضرورياً، يا حضرة المفتش. أظنني سبب وجودك هنا.
- السيد "غانون"؟ السيد "جون غانون"؟
كان "غانون" متمسكاً بباب المطبخ، فأومأ بالإيجاب. فأخذ المفتش يتلو عليه، بشكل رسمي، المخالفات القانونية المتهم بها، مع كلمات التحذير الرسمية المعتادة. منهياً بقوله:
- هلا تفضلت بالمجيء معي، يا سيدي. . .
فقالت "دورا" ساخطة:
- لا يمكنك أبداً أن تأخذه. ألا تراه مريضاً؟
- دعكِ من هذا، يا "دورا". لا تورطي نفسك.
وشهق ضاغطاً بيده على صدره وقد انتابه نوبة من السعال المؤلم.
- تباً لك، يا "غانون". فأنا متورطة فعلاً! (وعادت تواجه المفتش) لا يمكنك أن تأخذه وتلقي به في زنزانة. لن أسمح بذلك.
.
التفتت المرأة الشرطية إلى "غانون" تنظر إليه بإمعان، ثم قالت:
- إنه لا يبدو بصحة جيدة، حقاً، هل أصبت أثناء هبوطك بالطائرة، يا سيد "غانون"؟
كان جوابه أن ترنح "غانون" ثم تهاوى على الأرض ممدداً على السجادة.
انحنت "دورا" فوقه قبل أن تلتفت إليهما قائلة:
- أريتما؟ ماذا قلت لكما؟ هيا، استعملا ذلك اللاسلكي الذي تحملان واطلبا الإسعاف، الآن حالاً!
نظرت الشرطية إلى المفتش، لكنها لم تناقشها، وأخرجت جهاز اللاسلكي بينما كانت "دورا" تضع رأس "غانون" في حجرها إلى أن وصلت سيارة الإسعاف وأزاحها الممرضون بلطف ليتمكنوا من قياس النبض والتنفس ثم يضعونه على المحفة.
- أي شيطان. . .
رفعت "دورا" بصرها لترى شقيقها واقفاً على عتبة الباب المفتوح:
- "فيرغس"! ما الذي تفعله هنا؟
- تلقيت مكالمة من مفوض الشرطة يقول فيها إنك تجتازين مشكلة، فجئت لأرى أي نوع من الهراء أقحمت نفسك فيه الآن.
اندفعت تعانقه وهي تبكي وتضحك في وقت واحد:
- آه يا "فيرغس". لقد جئت في وقتك. (والتفتت إلى رجال سيارة الإسعاف) إلى أين تأخذونه؟
فأخبروها باسم أقرب مستشفى:
- هل تريدين المجيء معه ، يا آنسة ؟
.
طبعاً تريد. أنها لا تريد أن تدعه يغيب عن نظرها. لكنها لا تستطيع أن تترك "صوفي" حتى ولو جلس معها "فيرغس". إذا استيقظت الطفلة وأدركت أن والدها ليس موجوداً، ستكون بحاجة إلى شخص تعرفه، شخص تثق به.
- لا أستطيع ترك الشقة حالياً، لكنني سآتي حالما أستطيع. أخبروه بذلك حين يستيقظ، من فضلكم.
عند ذلك سألها "فيرغس":
- من هو هذا، وماذا جرى له؟
فقال أحد الممرضين:
- يبدو كأن لديه التهاباً رئوياً، يا سيدي. لكنه سرعان ما سيشفى.
قال المفتش بهزة من رأسه يخاطب الشرطية:
- اذهبي معه، يا "جونسون". ليس السيد "غانون" من نوع الرجال الذين يدعون الالتهاب الرئوي يعيقهم مدة طويلة.
فسألته "دورا" غاضبة:
- لماذا تقيد يديه إلى الحمّالة؟
- "دورا".
اقترب منها فيرغس بلطف وهو يضع ذراعيه حولها، ويقودها باتجاه غرفة الجلوس.
- لم لا تخبرينني عما كان يجري هنا؟ فلربما نستطيع القيام بشيء في هذا السبيل.
- عفواً يا سيدي. لكن، إن لم يكن لديك مانع، علّي أن أوجه إلى السيدة الشابة عدة أسئلة. أولاً هل الفتاة الصغيرة هنا، يا آنسة "كاماناغ"؟
لكن "فيرغس" تدخل قائلاً: "ومن أنت؟".
عندما أخبره المفتش، عاد يقول:
.
- حسناً، يا حضرة المفتش. إن شقيقتي في حالة صدمة. ولن تجيب عن أيّ سؤال قبل وصول محاميها. فإذا شئت أن تنتظر في صالة الانتظار في الأسفل، فأنا واثق من أن الناطور سيحضر لك كوب من شاي.
- آسف يا سيدي، لكن عليّ أن أعلم. هل الطفلة هنا، يا آنسة "كاماناغ"؟
- إنها نائمة، يا حضرة المفتش وأرجوك أن لا تزعجها.
- عليّ أن أبلغ مؤسسة الخدمات الاجتماعية. . .
وضعت "دورا" يدها على فمها:
- لا! لا يمكنك أن تأخذها من هنا. لقد وعدت "جون" بأن أرعاها.
- آسف يا آنسة، ولكن. . .
أدركت "دورا" أن المشاعر لن تفيد، فقالت:
- طلب مني والد "صوفي" بأن أهتم بابنته إلى أن يتمكن من القيام بذلك بنفسه. . .
- والد؟ المعذرة يا آنسة، لكن ذلك يتطلب إثباتاً. . .
كررت "دورا" قولها بصبر:
- لقد أخذوا والد "صوفي" إلى المستشفى للتو. وأنا الشخص الآخر الوحيد في هذه البلاد الذي تعرفه. وإن أنت أخذتها مني ستخاف وتشعر بالوحدة. وقد وعدت "جون غانون" بأنني سأرعاها، وسأفعل.
فقال "فيرغس" متدخلاً:
- في الواقع، يا حضرة المفتش، إن أفضل شيء لأختي وللطفلة هو أن يعودا معي إلى "مارلكورت".
وأخرج "فيرغس" بطاقته :
- أظن أنَّ بإمكانك أن تأخذ كلمتي وعداً بأن تقدم أختي نفسها إلى مخفر الشرطة مع محاميها صباح غد.
نظر مفتش الشرطة إلى بطاقة "فيرغس". ثم قال بضيق:
- صدقني، لست من يقرّر، يا سيدي.
- ليس عليك ذلك.
رفع سماعة الهاتف وقدمها إلى الرجل:
- اتصل بمفوض الشرطة وأنا واثق من أنه سيكلفني.
كادت "دورا" تشعر بالرثاء للرجل. فالتعامل مع شابة مضطربة هو شيء، والتعامل مع "فيرغس كاماناغ" ذي الطبيعة المستبدة، هو شيء أخر. قد تتخطى أختاه حدود اللياقة معه، وقد تغيظانه عندما ينشغل بهما ويقلق لأجلهما. لكنه بالنسبة إلى الغرباء هو رئيس "مؤسسة كاماناغ الصناعية"، وستحل الكارثة عليهم إن هم نسوا ذلك. . .
- هل تريد أن ترى "صوفي" لتطمئن إلى أنها بخير؟
فبدا على الرجل الارتياح:
- هذا سوف. . .(وأبدى إشارة تعني أنه قال كل شيء. كانت صوفي تنام بسلام وقد تأبطت دميتها). شكراً، يا آنسة. عليّ أن أبلغ "مؤسسة الخدمات الاجتماعية" بمكانها، طبعاً. وسأتركهم يوجهون أي اعتراض قد يكون لديهم، إلى السيد "كاماناغ".
.
سألت المفتش وهي ترافقه إلى الباب:
- كيف علمتم أن "جون" هنا؟
- آه، أنها الثياب. لقد اشتريت للطفلة بعض الملابس وقد أخبرت الشرطي الذي حقق معك أنها لابنة أختك. . .
- ابنة أخت زوج شقيقتي.
- نعم، وعندما وضع تقريره، عرف رئيس المخفر أنك كاذبة لأن زوجته كانت تذهب إلى عيادة الحوامل مع السيدة شيلتون، وهذا يعني أن ابنة أخت زوج شقيقتك عمرها فقط ستة أشهر. أما الثياب التي اشتريتها أنت فهي لطفلة أكبر بكثير من هذه السن.
ضحكت "دورا" ساخرة:
- لا أظنني سأكون مجرمة ناجحة، أليس كذلك ؟
- لا أرجو لك ذلك، يا آنسة!
***
في الصباح التالي، طلب "فيرغس" من سائقه أن يمرّ بهم إلى المستشفى عند عودتهم إلى "مارلكورت"، وذلك لكي تزور "دورا" و"صوفي" "غانون". وقد اتصلت بهم قبل ذلك فقيل لها أنه أمضى ليلة مريحة. . لكن لا شيء أكثر من هذا. أشاروا لها إلى الجناح الذي يرقد فيه، لكنها لم تستطع أن تراه، فسألت الممرضة المشرفة على القسم:
- إنني أبحث عن جون غانون. كانوا قد أحضروه في الليلة الماضية.
انحنت ثم حملت صوفي التي كانت تتململ عند ركبتها.
- ومن أنت ؟
- "دورا كاماناغ". وهذه ابنته "صوفي".
- آسفة يا آنسة "كاماناغ". لكن السيد "غانون" قال إنه لا يريد زائرين.
حدقت"دورا" إلى الفتاة لحظة، ثم قطبت جبينها: "المعذرة؟".
- إنه لا يريد زائرين.
- لكن. . .لا أفهم، فهذه ابنته. . . لا بد أنه يرغب في رؤيتها.
لكن الممرضة لم تتزحزح عن موقعها.
- أنا آسفة.
.
لم تستطع "دورا" أن تستوعب ما كانت تقوله الممرضة، وأخذت تنظر حولها كأن "غانون" قد يبرز فجأة بشكل ما، فينظر إليها بتلك الابتسامة الكسولة. لكن هذا لم يحدث.
لم تفهم شيئاً. ثم عادت لتدرك أنها ربما فهمت. لابد أنه ظنهَّا قد غدرت به، وأنها اتصلت بالشرطة أثناء نومه. قد يجعله هذا غاضباً منها، أما أن يرفض رؤية "صوفي"!
راحت "صوفي" تبكي، فاحتضنتها "دورا" تواسيها. ربما ظن أنها ستخاف من المستشفى. وقد يكون على حق في ذلك، سألت بعجز :
- كيف حاله ؟
- لقد أمضى ليلة مريحة . سيراه الطبيب مرة أخرى في ما بعد.
أرادت "صوفي" أن تتمسك بمئزرها وتهزها وتقول لها إن عليها أن تراه لأنها تحبه. . . وإن عليها أن تخبره. . . لكن المرأة لم تكن تفعل إلا ما أمرها به "غانون".
- هل يمكنني أن أكتب له رسالة؟ أم أنه منع ذلك أيضاً؟
قالت الممرضة بشبه ابتسامة:
- ليس كما أعرف. أتريدين أن تكتبي شيئاً الآن؟
- نعم. (ثم عادت فقالت): لا! (كانت بحاجة إلى أن تجلس وتشرح كل شيء كما يجب. لا أن تخط بضع كلمات على ورقة. . .أو. . . ربما هذا. . .هذا سيصلح) في الواقع. . .
دفعت الممرضة إليها قلماً وقطعة ورق، وقبل أن تتوقف لتفكر، كتبت ببساطة (صوفي سالمة.أحبك، "دورا") ثم أضافت رقم هاتف "فيرغس" وقبل أن تطوي الورقة وتناولها للممرضة قالت هذه الأخيرة:
- سأهتم بإيصالها إليه.
- شكراً.
ألقت "دورا" آخر نظرة حولها، متلهفة إلى رؤيته من خلال باب مفتوح حتى ولو لم يكن يراها هو. لكنَّها اعترفت بالهزيمة وتركت المستشفى.
استطاعت أن تكبح انعدام صبرها بصعوبة إلى أن وصلت "مارلكورت"، مسقط رأسها، إلى المنزل الذي يعيش فيه "فيرغس" هذه الأيام وحيداً، دون رفيق سوى خدمه. . وكانت واثقة من أن "جون" قد اتصل بها ليقول إنه فهم، ويطلب منها أن تعود لأنه بحاجة إليها. لكنه لم يفعل.
تلقى "فيرغس" اتصالاً من محامي "غانون"، يرتب أمر "صوفي" لكي تبقى تحت وصايته إلى أن تصدر نتيجة اختبار الدم. قالت "دورا" له بغيرة:
- ولماذا أنت؟ إنه لا يعرفك ولم يقابلك قط.
- إنه يحميك، يا"دورا" فهو مدرك جيداً أنه ورّطك في كل أنواع المشاكل. لا أظنك تدركين تماماً معنى ذلك.
كان عليها أن ترضى. وكان عليها أن تكتب رسالة طويلة توضح له فيها كل شيء. تخبره عن "ريتشارد"، وعن زواجه من أختها. تشرح له لماذا لم تخبره بالحقيقة. ثم كيف اقتفى رجال الشرطة أثره، وعرفوا مكانها.
لكن، بعد ثلاثة أيام مرّت كأنّها الدهر كلّه، عادت إليها الرسالة دون أن تُفتح. فاندفعت بتهوُّر عائدة إلى لندن، مصممة على محاصرة المستشفى إلى أن يسمحوا لها برؤيته، لكن دون جدوى.
كان قد خرج من المستشفى على مسؤوليته ولم يعد لديها أدنى فكرة عن مكانه. لكنَّ محاميه لم تدهشه رؤيتها، كما يبدو. لكنه هو أيضاً كان مقيَّداً بالأوامر، فلم يستطع مساعدتها.
.
كانت "دورا" تقف خارج مكتبه، تجهد ذهنها رافضة الاعتراف بالهزيمة. ظهرت موظفة الاستقبال التي قدمت لها فنجان قهوة عندما كانت تنتظر الدخول إلى مكتب المحامي. كانت امرأة شابة قرأت عن "دورا" في الصحف وأظهرت اهتماماً كبيرا بمرافقتها لقوافل الإغاثة. واقتربت منها تسألها:
- هل سبق أن ذهبت قط إلى المحكمة المحلية، آنسة كاماناغ؟
عقدت دورا حاجبيها:
- المحكمة المحلية؟
- أنا واثقة من أنك ستجدينها ممتعة. يوم الجمعة القادم، مثلاً. عند الساعة العاشرة تقريباً.
***
أمضت "دورا" الأسبوع التالي في تسلية "صوفي" متحدثة إليها طوال الوقت إلى أن أصبحت قدرة الطفلة على فهم اللغة الإنكليزية لا تُصدّق.
أخذتها معها للتسوّق، وحين أصبح الجوّ دافئاً، كعادته في شهر آب، أخذتها تعلمها السباحة في بركة سباحة "فيرغس".
لكنّها لم تتوقف عن التفكير قطّ في يوم الجمعة، آملة أن ترى"جون"، رغم خوفها من أن يكون غير راغب في رؤيتها مرة أخرى. لكنها ستجعله يصغي إليها. فهي تحبه.
- أسبح، "دورا"! "صوفي" أسبح.
كانت "صوفي" راكضة نحوها وفي يدها (نفاخات) السباحة لكي تنفخهما لها. فحملتها ووضعتها على ركبتيها تدغدغها حتى أخذت الطفلة تصرخ ضاحكة. كانت تصدر عنهما جلبة صاخبة جعلتهما لا يسمعان وقع الأقدام خلفهما.
- ما هذا كله؟
-"بوبي"، "ريتشارد"!
حملت "دورا" "صوفي" بيد واحدة، ثم عانقت أختها وصهرها بالذراع الأخرى.
- ما أجمل أن أراكما. متى عدتما؟
- الليلة الماضية. مرحباً يا حلوة.
قالت بوبي للطفلة برقة وهي تدعك وجنتها بلطف: "سمعت أن أحداثاً هامة تمرّ بكم"
قلبت "دورا" شفتها:
- لقد تحدثتما مع "فيرغس"؟
- نعم. هل يمكننا القيام بشيء؟
- هل تأخذاني إلى لندن غداً؟ ليس لديّ سيارة هنا ولديّ موعد في المحكمة المحلية.
- ماذا بالنسبة إلى "فيرغس"؟ ظننته قد تولّى زمام كل شيء؟
ما كان أخوها ليتأخر لو كان الأمر يتعلق به. لكنه كان مصمماً على أن تبقى بعيدة عن هذا الأمر.
- هذا صحيح. لكن هل تعلمين يا "بوبي" أنه نسي، بشكل ما، أن يذكر أن محاكمة "جون" ستكون غداً؟ ما هو السبب في رأيك؟
- هل سألته؟
.
- لا. ولم أخبره بأنني أعرف ذلك. ولو أخبرته لحرّك السماء والأرض لكي يمنعني من الذهاب.
- إنه فقط يريد أن يحميك، يا "دورا" أنتِ تعرفين الصحافة. . .لقد ذهبت إلى الكوخ هاربة منها. . .
- لا تهمني الصحافة. إنني ذاهبة سواء جئت معي أم لا.
- أنا لم أقل إنني لا أريد. لكن ... حسناَ، إنني، في الواقع، لا أستطيع. لدي اجتماع لا يمكنني أن ألغيه. . . وهو سبب عودتنا من الولايات المتحدة مبكرين. لكننا سنأخذك إلى المدينة، فأنزل أنا هنا وتذهبين أنت مع "ريتشارد" إلى المحكمة، أليس كذلك يا حبيبي؟
فقال:
- ما من مشكلة. لكن، ماذا بالنسبة إلى هذه الحلوة الصغيرة؟
- السيدة "هاريس" سترعاها. إنهما صديقتان حميمتان.
فضحكت بوبي:
- أراهن على ذلك. فالسيدة هاريس محبطة الأمومة، وانشغالها بهذه الصغيرة هو مكانها الطبيعي. أتظنينها ستحبني؟
- امنحيها فترة تعتاد فيها عليك. كنا نهمُّ بالنزول إلى البركة للسباحة. .لم لا تنضمين إلينا؟
ألقت "بوبي" على الماء نظرة شك فقالت "دورا":
- لا بأس بذلك. فقد فتح "فيرغس" الماء الساخن لأجل "صوفي".
- آه لابد أنه وقع في حبها، هو أيضاً. سأذهب لتغير ملابسي.
ثم ذهبت باتجاه غرفة تغيير الملابس، ترفل ثوب رائع من الحرير بلون القشدة والمشمش.
سألها"ريتشارد":
- كيف حال "جون"؟
- خرج من المستشفى، وعدا ذلك لا أعرف شيئاً عنه. إنه...
لم تستطع أن تكمل. . .لم تستطع أن تقول: إنه لا يريد أن يراني. فضّل البقاء بعيداً، لأجل قضية المحكمة.
أحس ريتشارد بترددها، فقال:
- لكنه ترك ابنته معك.
- مع "فيرغس"، في الواقع.
.
رفع "ريتشارد" حاجبيه، فابتسمت: "مؤسسة الخدمات الاجتماعية" أرادت أن تأخذها وتضعها في دار للعناية إلى أن تنتهي إجراءات إثبات الأبوة. لكنك تعرف "جون" اتصل ببعض الأصدقاء. ومن ثم أصبح حاله أفضل مما كان متوقعاً.
- ولديه جلسة في المحكمة غداً؟
- نعم. وأنا خائفة جداً يا "ريتشارد". قال إنهم يريدون أن يجعلوا منه عبرة لغيره منعاً من أن يتشبه به الآخرون.
وأخذت ترتجف فجأة بشدة جعلتها تضع "صوفي" على الأرض: " هل من الممكن أن يرسلوه إلى السجن؟".
- ستتغلبان على الصعاب. إنكما قويان بما يكفي لمواجهة ذلك. هيا، لا تدعي الطفلة تراك تبكين. ما اسمها؟
- "صوفي".
- إنها تشبه" جون" بشكل محيّر، كما ترين.
- حقاً؟
ضحكت وهي تذرف الدموع.
- عندما كان طفلاً، كان هزيلا ورزيناً. ماذا حدث لأمها. هل تعلمين؟
- أعلم أنها ماتت، فقط.
كان في صوتها كل الشكوك. فهي لم تستطع التخلص منها تماماً.
- لا بأس به، يا" دورا" إنّه رجل جيد.
- حقاً؟
كيف أمكنها أن ترتاب بأمره؟ لقد جازف بكل شيء لأجل "صوفي". لو أنها فقط استطاعت أن تثق به كلياً، لكان هنا معها الآن. . . معها ومع "صوفي".
أومأ "ريتشارد"، كان سؤالها مجرد كلمة تلقى دون انتظار جواب. ثم جلس القرفصاء ومدّ يده.
- كيف حالك يا "صوفي"؟ أنا " ريتشارد". أنا أعرف "بابا".
حدقت "صوفي" إليه لحظة، ثم ناولته ( النفاخات ) لينفخها. ضحك "ريتشارد" وأطاع على الفور هذا الأمر الصامت.
***
.
كانت المحكمة المحلية مزدحمة. محامون ببذلات قائمة، وكلاء قضاء، شهود ينتظرون الإدلاء بشهاداتهم. وكان "ريتشارد" و"دورا" منحشرين في الشرفة المزدحمة وعندما ازداد توترها أمسك بيدها:
- هل ستكونين على ما يرام، يا "دورا"؟
- ماذا ؟ آه، نعم.
وإذا بها تراه هناك، في قفص الاتهام. همست : " أواه، يا جون!".
وتشبثت بيد "ريتشارد" : " أواه، يا حبيبي المسكين!".
كان يبدو نحيلاً مرهقاً، إلى حدّ أسوأ مما توقعت. كان اللون الوحيد في بشرته ناجم عن تبدّد سمرته الناتجة عن التعرض للشمس ما منحه لوناً أصفر يوحي بالمرض. وكان ثمة ظلال قائمة حول عينيه وتحت وجنتيه. حتى إنَّ الشق الذي في ذقنه بدا أعمق، وأكثر وضوحاً.
قالت وهي تنهض قليلاً:
- كم يبدو مريضاً!
لفتت حركتها انتباه "غانون" فرفع بصره. .حدق إليها لحظة، ثم حوّل نظراته عنها متعمداً، ناظراً أمامه عندما بدأ القاضي كلامه:
- "جون غانون". لقد اعترفت أنك مذنب بالنسبة إلى التهم الموّجهة ضدك. .
سألت "دورا" بدهشة:
- متى؟ متى فعل ذلك؟
نظر "ريتشارد" إليها:
- الأسبوع الماضي بكل تأكيد. . .
رفع القاضي بصره إلى الشرفة بفروغ صبر، منتظراً الصمت. وعندما ساد السكوت، تابع يقول:
- لقد تلقيت عدداً مؤثراً من التقارير تشيد بصفاتك الحميدة، والظروف المخففة في هذه القضية. لكن، عليّ أن أقول، يا سيد "غانون"، إنك في لهفتك لتخليص ابنتك من مخيم اللاجئين، قد أظهرت عدم اكتراث متهوِّر وطائش بالقانون. . ( تابع الرجل قراءة القائمة بصوت منخفض رتيب، بدت معه لـ "دورا" التعسة أنها تحتوي على كل جنحة أو عمل بسيط قد يكون "جون غانون" ارتكبه منذ أن ترك المهد). و استناداً إلى هذا كله، ليس أمامي من خيار سوى الحكم عليك مدة ستة أشهر. . .
- كلا!
.
صرخت "دورا" وهي تقفز واقفة قبل أن يتمكن"ريتشارد" من منعها: " كلا!".
اندفع هذا الصوت من الشرفة الصغيرة المزدحمة إلى قاعة المحكمة حيث التفت الجميع ينظرون إليها.
- ستة أشهر.
كرر القاضي قوله، محملقاً في "دورا"، يتحداها أن تقول كلمة أخرى.
لكنها كانت أضعف من أن تقول شيئاً وهي تنهار على صهرها لا تعي شيئاً.
بقيت للحظة لا تدري أين هي، ولا ماذا حدث. ثم اندفع هول ما حدث إلى ذهنها دفعة واحدة، فحاولت أن تجلس.
- يجب أن أراه.
حملقت إلى الرجل الغريب الذي كانت يده القوية تمنعها من الحركة.
عادت تقول بسرعة :
- "جون غانون" يجب أن أراه، الآن.
- لا يمكنك ذلك، مع الأسف، يا آنسة. فقد ذهب .

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
قديم 26-02-17, 11:05 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2016
العضوية: 321995
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: mymemory عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
mymemory غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : mymemory المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي رد: أغنية كي يرحل

 

10- سجين مدى الحياة


حدقت "دورا" في الرجل، أحد حجّاب المحكمة، ورأسها ما زال يسبح.
- ذهب؟
سألت بغباء، وهي تحاول الجلوس فتجد أطرافها كالماء ممّا جعلها تستسلم، وتعود إلى الاستلقاء على الأريكة. بدت هذه القطعة من الأثاث غير عادية في مكتب حاجب المحكمة. لكن، ربما لأنهم يواجهون كثيراً من هذه الحالات. وعندما عادت إلى السقوط، قال لها:
- إبقي مستلقية يا آنسة. ستشعرين بتحسن بعد لحظة.
بدت نبرته ناتجة عن خبرة. لكنّها شكت في ذلك.
كيف يمكنها أن تشعر بتحسن قبل أن ترى "جون" وتجعله يصغي إليها؟ كانت واثقة من أن الفرصة ستسنح لها هذا النهار لتواجهه، وتجعله يستمع إليها. ولكن، بدلاً من ذلك، انتهى كل شيء بشكل رهيب. فقد أغمي عليها. أغمي عليها! من ذا الذي سمع بشيء محزن بهذا الشكل. . .؟
أغمضت عينيها إزاء أشعة الشمس الحارة التي كانت تتسلَّل من النوافذ، وحاولت أن تركز أفكارها على الصداع الذي كانت تشعر به. لقد ذهب"جون". هذا ما قاله الرجل. إلى أين؟ هل وضعوا القيود في يديه، ثم أخذوه في إحدى السيارات التي تراها في نشرات الأخبار على شاشة التلفزيون، وذلك ليقضي مدة سجنه؟ كررت تقول:
- ذهب؟ هل قلت إنه. . .
.
- هذا صحيح، يا آنسة. والآن إبقي فقط حيث أنت إلى أن يعود صديقك بسيارته.
- أبهذه السرعة. . .؟
- إنهم لا يتسكعون بعد أن يسمعوا الحكم في القضية. والآن، هل ستحاولين الجلوس مرة أخرى؟ ببطء. . .حذار.
وفجأة، بدا كأن ليس ثمة داعٍ للعجلة. . .لكن "دورا" سمحت له بأن يساعدها على الجلوس.
- اشربي قليلاً من هذا فقط، ثم اجلسي هادئة. وسرعان ما تصبحين على ما يرام.
شربت "دورا" شيئاً من الماء المقدم لها ثم تذكرت ما عليها قوله:
- شكراً آسفة لإزعاجك.
التفتت عندما فُتح الباب ودخل "ريتشارد":
- لقد ذهب، يا "ريتشارد". . .
- أعلم هذا. لقد حاولت التحدث إليه لكن الوقت كان قد فات. هل بإمكانك الحركة؟ السيارة في الخارج. . .
- طبعاً يمكنني الحركة.
وقفت، فأمسكها بذراعها وهو يراها تترنح ويدها على رأسها. قال الحاجب محذراً:
- إنها بحاجة إلى التمهل، إلى أن تتحسن تماماً.
- عليّ أن أتحدث إليه. إنَّ ذلك ضروري للغاية. . .إنه يظنني أبلغت الشرطة عنه، وهذا غير صحيح. . . عليك أن تراه. . وتخبره.
- يمكنك أن تخبريه ذلك بنفسك، يا "دورا".
.
- لكنني لا أستطيع. . .ألا ترى؟ إنه سيرفض التحدث إليّ.
حدّق "ريتشارد" بها.
- لكنني كنت أظن. . آه، يا إلهي، إنك تحركت بسرعة. . .
رأى وجهها يعود إلى الشحوب، فحملها ثم خرج بها واضعاً إياها في المقعد الخلفي من سيارته حيث جلست مترنحة، وشدّ حولها حزام المقعد.
- هل ستكونان على ما يرام يا سيدي؟
إنني ذاهب لأحضر زوجتي، أختها. وهي سترعى "دورا". شكراً لمعونتك لنا هنا.
مضت بهما الرحلة تعيسة. لم تكد "دورا" تشعر بدخول "بوبي" إلى السيارة وجلوسها على المقعد الخلفي معها واضعة ذراعها حولها. لكنها لم تتقبل التعزية. كانت تظن أنه ما إن يراها "جون" حتى يصبح كل شيء على ما يرام.
كم كانت حمقاء! لقد حدق بها كأنها غير موجودة. وستمضي ستة أشهر قبل أن تتمكن من رؤيته، لأنه لن يسمح لها بزيارته في سجنه. وهي ليست بحاجة إلى سؤاله، فقد كان ذلك ظاهراً في وجهه.
لكنه حتماً يريد أن يعرف أخبار "صوفي"، وكيف حالها، وماذا تفعل. . ويرى صوراً لها. . .لكن رجاءها تلاشى بالسرعة نفسها التي انتعش فيها. إن "فيرغس" هو الذي سيهتم بهذا الأمر. وهذا هو سبب تسليم مسؤولية "صوفي" إليه. ليس بسبب نفوذه،أو لأن أحداً لن يجرؤ على تحدي سلطته. لقد طلب "جون غانون" من "فيرغس" أن يساعده لأنه لم يعد يحتمل التعامل مع امرأة غدرت به. وقد وافق "فيرغس" على ذلك،بأمل إبقائهما متباعدين. لم يكن ثمة فائدة من طلب العون من أخيها لأنه لم يكن راضياً عن "جون". إنه لم يقل هذا. لكن، كان واضحاً تماماً أنه لا يعتقد بأن "جون غانون" هو أهل لأخته الصغيرة الغالية.
نعم، لقد فعل كل شيء لأجل "صوفي"، وأنجز لها جميع الأوراق الرسمية منذ أثبت اختبار الدم أبوّة جون لها. لكنه لم يتوقف قط عن تذكيرها بأن "غانون" كان على وشك توريطها معه في قضيته، وكان يمكن بسهولة أن تقف معه في قفص الاتهام. كأنها كانت ستكترث بهذا الأمر.
إن مشكلة "فيرغس" هي أنه لم يعرف الغرام في حياته. لذلك، لم تكن تتوقع منه التفهم.
قالت "بوبي" عند وصولهم إلى البيت:
.
- لماذا لا تصعدين إلى غرفتك وترتاحين قليلاً؟ أنتِ ما زلت ترتجفين.
- لا. عليّ أن أرى "صوفي"، أين "صوفي"؟ (كانت الطفلة صلتها الوحيدة ب"جون". وتملكها خوف مفاجئ من أن يبعدها "فيرغس" إلى مكان ما). يجب أن أرى "صوفي".
- إهدأي حبيبتي. ستجدينها في المطبخ مع مديرة المنزل، كما أظن. هيا بنا، سأذهب وأحضرها.
لكن"دورا" كانت سبقتها بأمتار.
كانت "صوفي" جالسة على كرسي عند المنضدة ملتفة بمئزر كبير وعيناها مسمّرتان على صينية كعك. وحالما رأت "دورا" انزلقت عن الكرسي وهرعت إليها، تحيط ركبتيها بذراعيها. انحنت "دورا" تحتضنها. احتضنتها بشدة أكثر مما ينبغي.عليها أن لا تتعلق بالطفلة، لأنها ستكون لها حياة أخرى.. في مكان ما مع"جون". أرخت يديها من حولها وأخذت تنظر إليها. لقد تغيرت قليلاً بعد أيام قليلة فقط من تغذيتها بطعام السيدة "هاريس". قالت لها وقد اختنقت بالدموع وهي تساعدها للعودة إلى كرسيها:
- ستحتفظين لي بواحدة من هذه الكعكات. أليس كذلك يا حبيبتي؟
أمسكت "بوبي" بذراعها:
- تعالي الآن يا "دورا" واستلقي قليلاً. أنا والسيدة "هاريس" سنهتم ب"صوفي"، وربما تسبحين قليلاً بعد ذلك.
لم تكن تريد أن تخسر دقيقة واحدة تمضيها مع "صوفي". لكن الصداع كاد يقتلها.
- قد تكونين على حق. سأستلقي لمدة نصف ساعة فقط. . .
- إبقي حتى ترتاحي. ستكون معنا بأحسن حال، اذهبي وسنراك عند الغداء.
التفكير في الطعام جعل "دورا" تشعر بالإغماء. طوال الأسبوع، كان التفكير بالطعام يشعرها بذلك. قد يكون هذا سبب إغمائها، في النهاية، وهذا لن يفيد. ستكون بحاجة إلى كل قوّتها إذا شاءت أن تجتاز كل هذه المعاناة.
- أنا بحاجة إلى ساعة فقط.
- خذي كل ما تحتاجينه من وقت.
.
***
وصل "فيرغس" إلى البيت بعد الساعة الرابعة تماماً. سأل وهو يتوجه إلى بركة السباحة:
- أين "دورا"؟
استدارت "بوبي" عند سماع صوت أخيها، وكانت واقفة بجانب البحيرة في ثوب سباحة أبيض، بانتظار أن يغيّر "ريتشارد" ثيابه ويلتحق بها.
- إنها مستلقية في فراشها، وهي مرهقة الأعصاب.
فقال بحدة: "لماذا؟ ما بها؟".
لكنَّها تذكرت أنَّه لا يجب أن يعرف شيئاً عن رحلة أختها إلى لندن، لكنها قالت:
- لا شيء. لا بدّ أنها حرارة الجو فقط.
- "غانون" في السيارة. جاء ليأخذ ابنته.
ونظر حوله: "أين "صوفي"؟".
- في المطبخ مع السيدة "هاريس". لقد بدأت بتناول الشاي لتوها. من الأفضل أن تدعو السيد"غانون" لتناول كأس شراب أثناء انتظاره.
- هل أنت واثقة من أن "دورا" ترتاح؟
- كانت مستغرقة في النوم حين صعدت لأراها منذ عشر دقائق. لماذا يا "فيرغس"؟ هل تحاول أن تبقيهما منفصلين؟
فقال عابساً:
- أنا أكثر حكمة من أن أحاول منع "دورا" من فعل شيء تريده، يا "بوبي". "غانون" هو الذي لا يريد أن يراها. إنه يريد فقط أن يأخذ ابنته ويرحل.
- هذه دناءة بالغة منه بالنسبة إلى ما فعلت "دورا" لأجله.
- ربما هذا صحيح. ولا أنكر أنني سأفتقد "صوفي" هنا. لكنه عنيد.
آه، يا "فيرغس".
- لا تقولي(آه، يا"فيرغس"). إنه قراره هو.
- لكن، ألم تفعل شيئاً يجعله يغير رأيه؟
.
- أنا رأيته، لكنك لم تريه أنت. لقد صمم الرجل على ما يريد. لكن، ما دامت "دورا" ليست موجودة الآن، سأطلب منه الدخول وانتظار "صوفي". يمكنك أن تقدمي إليه شراباً إذا شئت. هذا سيمنحك فرصة تخبريه فيها برأيك، ريثما أذهب أنا إلى المطبخ لأرى "صوفي".
استدار بسرعة واتجه نحو باب المنزل الأمامي.
سمعت صوت "ريتشارد" يقول:
- هل سمعت صوت أخيك؟
وكان متّجهاً من غرفة تغير الملابس نحو بركة السباحة.
- إنه هو.
- هذا مؤسف. ظننت أننا سنحجز البركة لنا، أنا وأنت، لبعض الوقت.
- لا أحد هنا الآن.
ابتسمت له بإغراء، ثم أطلقت صرخة سرور وهو يمسك بها ويرفعها عن الأرض، فأخذت تعانقه.
توقَّف "جون غانون" فجأة، وهو يستدير حول زاوية المنزل. كان "فيرغس كاماناغ" قد أخبره بأنّ "دورا" نائمة، وإلا لما كان خرج من السيارة. ليس معنى هذا أن "فيرغس" كان بحاجة إلى اقتناع أكبر بأن من الحكمة أن لا يتقابلا. كان واضحاً أنه لا يحب يشجع رجلاً كان على وشك أن يورط شقيقته في مشكلة خطيرة مع القانون، وفي مشكلة خطيرة بالنسبة إلى زواجها. . سواء كان يعلم أم أنه مجرد تكهن. . .لكنَّ "غانون"، لا يستطيع لومه لرغبته بأن يدخل إلى المنزل ويخرج منه بأقصى سرعة. إنها جراحة مؤلمة، لكنها ضرورية.
وكانت مؤلمة حقاً، أشبه باستئصال قلبه، أن يستلقي على سريره في المستشفى، سامعاً توسلها إلى الممرضة. أن يمسك برسالتها بيده دون أن يفتحها. أن يخبر محاميه أن لا يعطيها عنوانه مهما كانت الظروف. لكن هذا كان عملاً صائباً، وكان يعرف ذلك.
ومع ذلك، في أعماق روحه، كان الأمل ما زال يمتلكه. حتى اليوم، عندما التفت ورآها مع "ريتشارد". لقد صرخت حينذاك، لكنه كان يعلم أنه لا يستطيع مواجهة "ريتشارد"، لأن كل مشاعره كانت ستظهر بوضوح على وجهه. لن يتمكّن من إخفاء ألمه، أو شعوره بالذنب .
.
والآن، ها هو ذا يرى أسوأ كوابيسه أمامه. فهي هنا، مطوّقة بذراعي أقدم أصدقائه، وهو زوجها. الرجل الذي يحبها. يمكنه أن يتفهم ذلك، لأنه هو نفسه يحبّها. إنه يحبها حتى الجنون. إنه يعرف ذلك الآن تماماً مهما كانت شكوكه من قبل. كما يعرف أنه كان عليه أن يمتثل لوحي غريزته ويبقى في السيارة.
انحبست أنفاسه وارتفعت يداه تحلان ربطة عنقه بعد أن كادت تخنقه الغيرة، مستديراً ليهرب قبل أن يرياه.
- جون.
لقد فات الأوان. وقف، ثم استدار ببطء بينما كان "ريتشارد" يتوجه نحوه ماداً يده وعلى شفتيه ابتسامة عريضة:
- تباً لك. ما أحسن أن أراك. كما أن "دورا" كانت شديدة الانفعال والقلق لأجلك.
والتفت ماداً يده إلى المرأة التي خلفه:
- ها هو ذا "جون" هنا أخيراً، يا حبيبتي.
أرغم "جون" نفسه على الوقوف ليصافح "ريتشارد" كيلا يدع شيئاً من مشاعره تبدو وهو يستدير إليها قائلاً وهو يبتسم:
- "ريتشارد". . .
ثم سكت حائراً. لم تكن المرأة التي وراء "ريتشارد" هي "دورا". . . المرأة التي كان يعانقها "ريتشارد" لم تكن "دورا".
ثم قال "ريتشارد":
- أخبرتك بأنني أسعد رجل في العالم. ويمكنك أن ترى الآن السبب. .
والتفت نحو زوجته:
- "بوبي"، حبيبتي. هذا "جون غانون". هل تذكرين؟ كنت أريده أن يكون وصيفي في العرس لكنه كان مسافراً إلى بلاد أجنبية. أين كنت في عيد الميلاد، يا "جون"؟
- في رواندا، كما أظن.
كانت، ظاهرياً، تشبه "دورا". لهما الشعر الأشقر الطويل نفسه، والقوام الرشيق نفسه، لكنها كانت أطول وأكبر سناً، ومتألقة بشكل يناسب عالم الأزياء والجمال.
- بوبي؟
كرر الاسم كالمسحور. فقالت:
- أخت "دورا" الكبرى.
لكنه لم يستوعب الأمر. وأخطأت هي في تفسير ذلك فقالت:
- "باندورا" و"بوباي"، إنهما اسمان أسطوريان. وكانت أمنا تعشق الأساطير.
ابتلع ريقه، محاولاً أن يستوعب هذا.
- و. . كيف نجا "فيرغس" من اسم أسطوري؟
ضحكت:
- تقول حكايات الأسرة إنّ أمنا أرادت أن تسميه "بيرسو"، وهو اسم إله إغريقي كما تعلم، لكن والدنا أصرّ على رفض ذلك.
.
كان لا يزال ينقل نظراته بينهما.
- وأنت متزوجة من "ريتشارد"؟
فقالت ضاحكة:
- إن كان أخبرك بخلاف ذلك، فهو كاذب. وعليه أن يدفع غرامة.
وأخذت تدفع بزوجها إلى الخلف نحو بركة السباحة. فقال بسرعة جعلتها تتوقف عند حافة المياه:
- أين "دورا"؟ يجب أن أراها.
- لكنني ظننت. . . إن "دورا" في الطابق العلويّ، يا "جون". مستلقية على سريرها، لقد أغمي عليها في المحكمة. كان الأمر يفوق قدرتها على الاحتمال. . الحرارة وغير ذلك. لكنك تعرف ذلك، فقد كنت هناك .
- أين يمكنني العثور عليها؟ يجب أن أراها الآن.
كان يتكلم بإصرار، فابتسمت "بوبي":
- في الطابق العلويّ، الباب الثالث إلى اليمين.
أنهت كلامها ثم غاب الاثنان تحت الماء.
* * *
صعد "غانون" السلم الواسع المصنوع من خشب السنديان، ببطء. "دورا" ليست متزوجة من "ريتشارد"! بقي يردد هذه الجملة في ذهنه مرة بعد مرة. وما زال عاجزاً عن تصديق ذلك تماماً وفهم كيف حدث هذا الالتباس. افترض الشرطي أنها "بوبي" وناداها بالسيدة "ماريوت". وقد قبل هو ذلك دون سؤال. لكن، لماذا تركته يظن ذلك؟
الباب الثالث إلى اليمين. طرق الباب بخفة لكنه لم يسمع جواباً. وفي السكوت سمع انفجار ضحكة طفلة من المطبخ. "صوفي". لقد وجد "صوفي". لقد أحضرها إلى الوطن سالمة واجتاز بها كل المخاطر. ولن يمنعه الآن شيء تافه كالباب. أدار المقبض وفتحه. . وبعد ذلك لم يعد شيء مهماً. فقط أنه يحبها.
كانت نائمة وشعرها منتثر على الوسادة الذهبية الأطراف ومغطاة بملاءة. "الأميرة النائمة"! تشوّق إلى إيقاظها بقبلة. لكن هذه ليست قصة من القصص الخرافية، وهو ليس أميراً.
بدلاً من ذلك، ركع بجانب السرير مسنداً ذقنه على يديه. كان كل جزء منه يتلهف إلى أن تستيقظ لكي يأخذها بين ذراعيه. ومع ذلك كره أن يخسر لحظة الأمل الرائعة هذه. ما كان له أبداً أن يفقد "الأمل".
ثم لاحظ شيئاً غير عادي. كانت وجنتها مبللة. مدّ يده يلمس وجنتها بطرف إصبعه، ناقلاً طعم دموعها المالح إلى شفتيه. كانت تبكي في نومها.
.
قال يناديها برقة:
- "دورا". ."دورا"، يا فتاتي الحبيبة.
تحركت "دورا"، وفتحت عينيها. ظنت أنها سمعت"جون" يهتف باسمها. ومضت لحظة لم تستطع أن تقرر فيها ما إذا كانت نائمة أم مستيقظة. ثم، عندما استقرت عيناها على وجهه، أدركت أنها لا بد تحلم، لأن "جون" في السجن. ومن غير الممكن رؤيته. . .ومع ذلك هل يمكن للحلم أن يبدو واقعياً بهذا الشكل؟
لم تجرؤ على مدِّ يدها للمسه، خوفها من أن تتلاشى صورته الحبيبة. بدلاً من ذلك، همست: "جون"؟
- نعم، يا حبيبتي.
لقد ناداها بحبيبته. شعرت بأنفاسه على وجنتها وهو يقول هذه الكلمة ومع ذلك لم تجرؤ على التصديق. مدت يدها تلمس يده التي كانت على الملاءة بجانب يدها. . ثم عادت ترفعها بسرعة مليئة بالرعب من أن يكون ذلك مجرد تجسيد لشوقها البائس. خافت إن هي حاولت إمساكه أن تستيقظ ولا يبقى لها سوى الفراغ. سألها:
- لماذا تظاهرت بغير حقيقتك، يا "دورا"؟
إنه يتكلم مرة أخرى. هل يمكنها أن تجيب؟
- لأنني كنت خائفة.
- مني؟
- لا.
.
ومدت يدها تمسك بيده متلهفة إلى إقناعه:
- من نفسي. من مشاعري. . .أنا لست أحلم، أليس كذلك؟
هزّ رأسه وهو يأخذ يدها يضغطها على وجنته، مقبلاً أصابعها.
- لكنني لا أفهم. سمعت القاضي يحكم عليك. . .(جلست فجأة بعد ما استيقظت الآن تماماً): آه، يا إلهي. لقد هربت. .
وضع إصبعه على شفتيها يسكتها:
- لا! لا يا حبيبتي.
ثم نهض يجلس على حافة السرير ملامساً وجهها، وشعرها، قبل أن يجذبها إلى صدره يحتضنها: "لن أهرب أبداً. . .ألا تعرفين ذلك؟ فالأشهر الستة التي حكم القاضي بها عليّ هي مع وقف التنفيذ، لكنني ما زلت سجيناً. سجينك أنت، طوال الحياة".
وأخرج من جيب قميصه ورقة قدمها إليها. كانت تلك الورقة التي كتبتها له في المستشفى:
- هل كنت تعنين ما تقولين حقاً؟
رفعت رأسها ونظرت في عينيه:
- أنت تعلم أنني أعنيها. لماذا رفضت رؤيتي، يا "جون"؟ ولماذا أعدت إليّ رسالتي دون أن تفتحها؟
- أنت تعرفين السبب. كنت أظنك متزوجة ب"ريتشارد"، يا "دورا".
- لكن، لا بد أن "فيرغس"، أو غيره، قد أخبرك بالحقيقة.
وأطلقت شهقة قصيرة: "لكن، لم يفعلون ذلك؟ لا أحد غيرنا يعلم هذا. آه، يا "جون". يا ليتني كنت من الشجاعة بحيث أثق بك كلياً".
.
جاء دوره في الشعور بالحيرة:
إن لديك من الشجاعة ما يكفي عشرة أشخاص. لكنني لا أفهم. إذا كنتِ لا تظنين أن "ريتشارد" هو الذي كان يبقينا متباعدين، فلماذا، في رأيك، فضلت الابتعاد عنك؟
احمر وجهها: "كنت معتوهة. . ." .
لقد بدت شكوكها الآن تافهة وسخيفة للغاية.
- هيا، تكلمي. من غير الممكن أنني سيء إلى هذا الحد.
- لكن الأمر. ظننت. . .
لم يكن من السهل حقاً أن تعترف:
- ظننت أنك لا تريد رؤيتي بسبب الشرطة.
- الشرطة؟ وما دخل الشرطة في هذا الأمر؟
- كنت نائماً. وكان بإمكاني الاتصال بهم. فظننت أنت أنني ربما قمت بذلك. كان هذا السبب في منعك لي من الخروج إلى البقال.
- آه، نعم. فهمت .
- كنت على حقّ، في الواقع. ولو إنني لم أكن سأتصل بالشرطة، بل ب"فيرغس" فقط. ظننت أن بإمكانه أن يساعدك.
- لكنك لم تفعلي ذلك، حتى عندما كنت نائماً .
- هل أنت واثق من ذلك؟
- لقد أوضح رجال الشرطة كيف عثروا عليّ، بالنسبة إلى الملابس.
- أنا آسفة جداً.
لا تكرّري هذا القول. ليس هناك ما يجعلك آسفة. أنا من عليه أن يقدم كل الاعتذارات، وكل الأجوبة.
ركعت "دورا" على السرير ووضعت ذراعيها حول عنقه.
- لا يا "جون". ليس لديّ شكوك ولا أسئلة. إنك هنا الآن. وما خلا ذلك، لا أهمية له.
- حتى والدة "صوفي"؟ إنك لم تسأليني عنها.
- ستخبرني إذا شئت أنت ذلك. لكن هذا ليس واجباً عليك....
- لكِ الحق في أن تعلمي.
.
رفع ذراعيها من حول رقبته وأمسك يديها لحظة. ثم تركهما ووقف، وسار إلى النافذة ينظر إلى المناظر الريفية في آخر أيام الصيف. لم تحتج على ذلك. إن لديه شيئاً يريد أن يخرجه من صدره، وكم يسعدها أن تسمعه إن كان هذا سيجعله يشعر بتحسن. إنها تعلم الآن أن الشرف هو أمر طبيعي جداً لديه، ممّا يمنعه من إلحاق الأذى بأحدٍ عمداً. حتى وإن كان في ذلك ألم له.
نزلت من السرير ووضعت عليها معطفاً منزلياً وتكورت على الأريكة بجانب النافذة وذراعاها حول ركبتيها، منتظرة بصبر. قال أخيراً:
- كنا في قبو. . أنا و"إيلينا" فقط. كان ذلك مصادفة، فنحن لم نتعارف من قبل، لكننا ركضنا، نحن الإثنين، إلى الملجأ نفسه حين بدأ قناص بإطلاق النار. لم يكن من المفترض أن أكون هناك، لكن سيارتي تعطلت وكنت أبحث عمن يصلحها. .لم يكن من عادة أيّ قناص أن يبقى في المكان مدة طويلة، إذ من السهل تحديد مكانه. ظننت أننا سنبقى هناك ساعة أو اثنتين على الأكثر. لكن، عندما هبط الليل، راحت المدفعية تقصف، فوقعنا في الشرك. كان الجوّ بارداً للغاية، ولم يكن هناك ما نشعله للتدفئة. لكننا اشتركنا بما كان عندنا من طعام قليل، كان لدي بعض قطع الشوكولا، والماء. وكان لديها بعض الخبز. فقد كانت تشتريه حينها من الفرن. . .
- تعال اجلس، يا "جون".
ربتت على الأريكة بجانبها. فالتفت إليها. وابتسمت له .
- لا.
جلس بجانبها يغطي فمها بيده: " لا تبتسمي لي . ليس قبل أن تسمعي كل شيء".
ولم يرفع يده إلا بعد أن اطمأن إلى أنها أطاعته. قالت تشجعه:
- أخبرني إذاً عن "إيلينا". ماذا حدث؟
سألته فقط لأنه كان بحاجة إلى أن يخبرها، وليس لأنها كانت تريد أن تعلم. كان كل شيء واضحاً تماماً. شخصان محتجزان بمفردهما في قبو ببرودة الثلج، خائفان من أن تسقط فوقهما قنبلة في أي لحظة فيموتان. لذلك، جمعهما المودّة والخوف المشترك، وحاول كل منهما أن يخفِّف عن الآخر. ولا بدّ أنهما شعرا بارتباط مصيرهما برباطٍ وثيق. لكنَّ الحرب فرّقتهما قبل أن تلد "صوفي".
روى لها قصَّته، فكانت كما توقعت تماماً
أرادت "دورا" أن تعلم ما إذا كانت "إيلينا" شابة، جميلة. لكنها قاومت وخزة صغيرة من الغيرة. كانت تعلم أن هذا ليس هاماً. فما حدث لم يكن بدافع الحب. . بل كان بدافع الحاجة. .
- ثم انتهى القصف وكنا لا نزال حيين. وكان عليّ أن أكتب "تقريراً"، كما كان عليها هي أن تعثر على أسرتها، في مكان ما، وترى ما إذا كانوا أحياء. كان كل منا على عجلة للذهاب إلى مكان مختلف، لذلك افترقنا ليذهب كلٌ منا في اتجاه. كان ذلك من الأمور التي تحدث في الحرب. لكنني كتبت لها عنواني على قطعة من الورق وأعطيته لها. كان لدي شعور حينذاك بأنها قد تحتاجه.
- هل أحببتها، يا "جون"؟
.
- كنت أحبّ الاعتناء بها. أنا أحبّك أنتِ وسأتزوجك أنت.
- حقاً؟
كان لهذه الكلمات وقع جميل في أذنيها.
- لكن متى؟ ما زال هناك أمور كثيرة عليّ أن أقوم بها، وأناس كثر عليّ أن أساعدهم.
فقال بسرعة:
- لا قوافل إغاثة أخرى، يا "دورا". لا يمكنك العودة.
- لأجل "صوفي".
- لأجل "صوفي"، نعم. كذلك، لأنني أحبك، يا "دورا". لأنني لا أستطيع العيش من دونك.
ومرَّ بيده على خدها.
- لكن هناك أولاداً كثيرين مثل "صوفي". لا أستطيع أن أخذلهم. إنهم بحاجة إليّ .
نظرت إليه تريده أن يفهم أن ليس بإمكانها أن تترك ذلك ببساطة.
- إنهم سيحصلون علينا، نحن الإثنين. لقد طلبوا مني وضع كتاب بهذا الشأن، وربما أفلام تلفزيونية وثائقية.
- هذا رائع ، يا "جون".
- يسرني رضاؤك. لكن هذا سيستغرق وقتاً، ويمكننا معاً أن نكسب الكثير من المال.
- معاً؟
- أنا وأنت و "صوفي".
فقالت: "يمكننا أن نقيم مؤسسة إغاثة لمساعدة نساء أمثال "إيلينا" وأطفالهن. وربما نطلق عليها اسمها".
- أو اسم "صوفي".
أجابت موافقة: " أو"صوفي" ".
.
- والآن، يا "دورا"، هل عليّ أن أركع على ركبتيّ لكي تعطيني الجواب؟
- لا، حبيبي. ونعم، أرغب في الزواج بك.
- أكاد لا أصدِّق ما يجري. أنا لستُ أحلم، أليس كذلك؟
- لا، حبيبي. لستَ تحلم .
نظرت إليه بابتسامة خفيفة:
- لكنَّ ما ستراه بعد الزواج سيكون أقرب إلى الحلم.
- لا أستطيع الانتظار.
ورأت في عينيه الذهبيتين بريقاً من السعادة والأمل. . .والحب.
مالت برأسها إلى الوراء تنظر إليه من خلال أهدابها المسدلة بطريقة لم يطق معها صبراً، فأخذها بين ذراعيه، يضمُّها إلى صدره بقوّة ولهفة. عانقها طويلاً، شاعراً بالحرية، في أن يجعلها تعلم مقدار حبِّه لها. وقال:
- إنني أحبك، وأظنني أحببتك منذ اللحظة التي رأيتك فيها واقفة و"صوفي" بين ذراعيك، ساخطة من الجرأة التي اقتحمتُ فيها البيت.
اتسعت عيناها:
- لم يكن الأمر كذلك. كنت ساخطة لأنك أحضرت طفلة معك أثناء اقتحام البيت. . .لكن، رغم ذلك، أدركت أنك مختلف. وأنك رجل أحلامي. . حبيبي آتياً إليّ في سكون الليل. أنت على حق يا "جون". أكاد لا أصدِّق ما يجري. أهو الحبّ من النظرة الأولى؟ (وتابعت) أحببني وعدني بأنك لن تتوقف أبداً عن حبّي.
وعدها "جون غانون"، ووعدها، ووعدها.
* * *
- "بابا"!
رأت "صوفي" أبيها يعبر الشرفة، فانزلقت مبتعدة عن "ريتشارد"، وأخذت تسبح بنشاط إلى السلم. وكان أبوها قد وصل إليه ورفعها إلى أعلى يضمها إلى صدره غير مكترث بالمياه التي تقطر منها. وقالت له:
- أنا أجيد السباحة.
فقال ضاحكاً:
- هذا ما أراه.
أخذ المنشفة التي ناولته "بوبي" إياها، ثم لفّها بها، مجففاً وجهها.
- من علمك كل هذا؟
- "بوبي" و"غاسّي".
.
- "غاسّي"؟
- أظنها تعنيني أنا.
اقترب "فيرغس" وهو يحمل صينية عليها كؤوس.
- لقد تعلمت هذا الاسم من الفتاتين، كما أظن. وهما تظناني لا أعلم.
- أين "دورا"؟
- ستكون هنا بعد دقيقة.
رأى "جون غانون" التحدي في عيني "فيرغس كاماناغ" فقابله بمثله قبل أن يومئ نحو الشراب.
- هل أنت فقط مسرور لأنني سأبقى على العشاء، أم أن شراب الورد هو للاحتفال بشيء خاص؟
- إن الوقت الطويل الذي أمضيته في الطابق العلويّ، من الأفضل أن يعبِّر عن شيء خاص. ألا تظن هذا؟
فأجابه "جون":
- هل يصلح العرس لأن يكون شيئاً خاصاً؟
توقف "فيرغس" لينظر إليه بهدوء:
- عرس؟ أليس هذا أمراً مفاجئاً نوعاً ما؟ ألا يمكننا أن نبدأ بخطبة؟ خطبة طويلة جداً؟
- بصراحة، يا "فيرغس"، كان هذا أطول أسبوع في حياتي. لكن، عليك أن تسوّي هذه المسألة مع "دورا"، إذ يبدو أنها مستعجلة نوعاً ما.
- "فيرغس"!
استدار الاثنان عندما خرجت "دورا" إلى الشرفة خلفهما. توجهت إلى أخيها ووضعت ذراعيها حوله وقبلته:
- يا لك من أخ حبيب، شكراً لإحضارك "جون" إلى هنا سالماً. كنت واثقاً من أنك لم تكُن راضياً عنه، لكن، كيف يمكنني قط أن أشك في حبك؟
تنحنح "فيرغس"، وقال:
- "صوفي"هنا، وأنت هنا.فإلى أين كان سيذهب؟
.
لكنه، للحظة قصيرة هادئة، ألقى على "جون غانون" نظرة أنذرته بألا يقوم أبداً بأيّ شيء قد يؤذي أخته. ولا بد أن الجواب الذي رآه في وجه الرجل قد طمأنه، لأنه فجأة، ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة وأخذ يسكب شراب الورد في الكؤوس.
- هيا بنا، جميعاً. لقد سمعتم الرجل. هذا احتفال.
فسألته "صوفي":
- ما معنى إي. . إي إحتفال، يا "غاسّي"؟
لم تستطع "بوبي" و"دورا" أن تنظر الواحدة منهما إلى الأخرى. بينما سعل "ريتشارد". لم يحدث قط أن دعا أحد "فيرغس كاماناغ" بلقب "غاسّي" في وجهه.
- احتفال، يا حلوة، احتفال. إننا نحتفل عندما يحدث شيء خاص. ( وأخذ الطفلة من "جون") الكبار ذلك مع شرب شيء اسمه (ش ر ا ب ا ل و ر د) ويمكن للصغار الحلوين أمثالك أن يشربوه معنا أيضاً. . .أو يشربوا الحليب. . .ما رأيك؟
فتمتمت "بوبي":
- هذا إفساد للبهجة.
بينما تابع "فيرغس" منمّقاً:
- حليب بالفريز أو ربما بالموز. مع بسكويت بالشوكولا. هيا بنا نذهب ونسأل السيدة "هاريس" إن كان لديها بعضاً منه لأجلك.
- أتعلمين؟ أظن أن الوقت قد حان لكي يتزوج "غاسّي". (قالت "دورا" ذلك عندما توارى "فيرغس" داخل البيت، وألقت على أختها نظرة طويلة وقد ضاقت عيناها) قبل أن يستقر به الأمر في إحدى دور المسنّين.
- أو أسوأ من ذلك. كأن يبدأ بتربية القطط بدلاً من الأطفال ليتسلّى.
وضعت "بوبي" يديها حول خصرها كأنها تحميه. أجابت "دورا" مفكرة:
- لا أظن أنَّ القطط ستمنعه من الزواج. كما أنِّها تسبب له حساسية. وهكذا، لا بد من الزواج. لا أدري لماذا لم يفكر في ذلك من قبل.
فتمتم "جون":
- من المؤكد أنه قادر على أن يفكر بنفسه بذلك.
.
تأبطت "دورا" ذراعه:
- كان المسكين "فيرغس" مشغولاً برعايتنا طوال حياته، محاولاً جهده إبعاد المشاكل عنا، ممّا جعله غير قادر على البحث عن زوجة مناسبة. إنه ليس من النوع الذي يعثر على واحدة في يوم عاصف. فهو أكثر تنظيماً من أن يتصرف بهذا الشكل. . .ثم أي نوع من الفتيات يبلغ بها الطيش حد اقتحام "مارلكورت"؟
فقال "ريتشارد " متدخلاً:
- ربما عليكما، أنتما الاثنتين، أن تبحثا له عن زوجة. وعلى كل حال، عندما تجدان المرأة المناسبة، لن يستغرق الأمر وقتاً على الإطلاق.
فسأله "جون": "لم لا"؟
ضحك "ريتشارد": " ألم تخبرك "دورا"؟ إن الحبّ من النظرة الأولى هو ميزة آل "كاماناغ". ما إن تعجبهن، حتى لا تجد لك من مهرب. ثم هل تعرف ما خطر لي الآن عدا ذلك؟".
فسألته "بوبي": "حسناً ماذا؟".
- لا شيء مهم، سوى أنّهم يقولون، الثالث هو الثابت. ولا أدري لماذا لا ينطبق هذا القول على الأعراس؟
ورفع كأسه: "نخب من نشرب الآن؟".
قالت "بوبي": "الأعراس عموماً".
قال "جون": "عرسنا بشكل خاص".
فقالت "دورا" باسمة للرجل الذي تحب: " نخب كل عرس. والأسرع هو الأفضل".

.

 
 

 

عرض البوم صور mymemory   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليز فيلدينغ, أغنية .. كي يرحل!, احلام, his little girl, دار الفراشة, liz fielding, روايات, روايات مكتوبة, روايات احلام, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية
facebook




جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:27 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية