لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-02-16, 06:52 PM   المشاركة رقم: 76
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رحلة ضياع

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay مشاهدة المشاركة
   بالنسبة لي يناسبني بالغد الفصل الاضافي اقصد .. لا اريد ان تزول تلك السحابة الوردية التي تحوم حولي >>> فيس عايش بحالمية لووول

سعيدة بإعجابك بالنهاية يا عزيزتي
وأتمنى أن تكون الرواية إجمالاً قد راقت لك..

لا يمكنني أن أتحدث عن نهايتهما معاً بشكل مقتضب كما أفعل عادة
لأن هذا سيكون مجحفاً لسلمة الذي عشنا مع معاناته في سبيل كسب جمان
لذا لابد أن تكون النهاية مقاربة لهذه المعاناة..

سأنشر الفصل الإضافي غداً بإذن الله تعالى..
وهو خاص بسلمة أيضاً فأتمنى أن يعجبكم..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 08:02 PM   المشاركة رقم: 77
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Dec 2014
العضوية: 285617
المشاركات: 759
الجنس أنثى
معدل التقييم: مملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1593

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مملكة الغيوم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رحلة ضياع

 

السلام عليكم ورحمة الله
فصل تعويض خيال عن البؤس اللى حسينا بيه تجاه العراق واهله نهايه جميله لسلمه وجمان والاجمل عدم تخليهم عن الزهرتين الصغيرين جنان وزهره
ازاى كنتى بتقولى ان القصه تاريخيه ومش حتعجب حد بالعكس حبيبتى انتى قلمك فى سرد الخيال كما فى سرد الوقائع التاريخيه الحقيقه من قلبى انتى رائعه والله بدون مجامله الثلاث قصص على نفس المستوى من الروعه بجد اتمنى لك مستقبل باهر فى الكتابه واى جديد او قديم لديكى احنا منتظرينه بشوق
سلمت يداكى خيال فى انتظار الفصل الباقى غدا باذن الله لكى منى كل تحيه وتقدير

 
 

 

عرض البوم صور مملكة الغيوم   رد مع اقتباس
قديم 21-02-16, 07:35 AM   المشاركة رقم: 78
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رحلة ضياع

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سعيدة بإعجابك بالنهاية.. لم أعنِ أن القراء لن تعجبهم كتابتي، لكن قصدت أنهم قد لا يستسيغون رواية بها هذا الكم من البؤس والشقاء..
ربما لو كانت الرواية أطول، لكانت الأحداث أخف وطأة وازدحاماً..

شاكرة لك كلماتك الجميلة التي أسعدتني بحق.. ولكم مني كل تحية لتشجيعكم لي واستمراركم بالرد على الفصول..
لن أتمكن من وضع المزيد من الروايات في الوقت الحالي لأني سأنشغل بكتابة رواية جديدة..
ربما أعود في وقت لاحق لعرض رواية قديمة.. أو أعود بروايتي الجديدة لكم هنا..
سأقرر ذلك في حينه..

إليكم الفصل الإضافي الأخير..

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 21-02-16, 07:46 AM   المشاركة رقم: 79
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Dec 2015
العضوية: 307841
المشاركات: 179
الجنس أنثى
معدل التقييم: عالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداععالم خيال عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 460

االدولة
البلدAland Islands
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عالم خيال غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رحلة ضياع

 

~ فصل إضافي ~
ما قبل البداية


كل شيء كان غريباً على الفتى بشكل زاد وحشته..
هذا الجو الحار الجاف الذي تتشقق له الشفاة..
هذه الأكوام العالية من الرمال الصفراء التي تلسع الأقدام بحرارتها والتي تمتد على مدّ البصر..
هذه الوجوه السمراء الملتحية التي تلبس العمائم وتتمنطق سيوفها غريبة الشكل..
هذه الحيوانات الغريبة ذات السنام العالي والصوت المخيف والتي تحمل راكبها أعلى من أي حيوان آخر، وتسير به بشكل أعنف من أي حيوان آخر..
هذه اللغة الغريبة التي تزخر بحروف لم يسمع مثلها من قبل، والتي يتحدث بها أصحاب هذه البلاد بصوت خشن جهوري وكأنهم يرغبون بأن تصل أصواتهم لأبعد مدى..
هذا النداء الغريب في المدن والقرى التي مروا عليها والذي يتكرر عدة مرات في اليوم، حتى قبل طلوع الشمس، بشكل يزيد قلقه ووحشته..
أين منها جبال القوقاز الخضراء اليانعة بجوها الذي يتراوح بين أنسام عليلة وبرد قارس؟
أين منها شلالات القوقاز وأنهارها ذات المياه الباردة؟
أين منها شعب القوقاز ذوي البياض الجميل والوجوه الحليقة والعيون الملونة؟
أين منها بيوت القوقاز المتراصة البسيطة التي تعبق بحميمية يتلهف المرء إليها؟
أين منها حديث أهل القوقاز بلغتهم الجميلة وصوتهم الخفيض وهدوئهم الظاهر؟
شتان بين العالمين.. وشتان بين رقة أزهار القوقاز وبين جفاف صحراء العرب..
فلتحل اللعنة على كل من ساقه لهذا المصير..
فلتحل اللعنة عليك يا أبتاه..

***********************

انطوى الفتى في تلك الغرفة شبه المظلمة بصمت وسكون ظاهرين.. حاول تجاهل الأصوات التي يسمعها، وهو يفكر بمآله منذ غادر موطنه.. في مثل هذا الوقت، عند غروب الشمس، كان يعود من الحقل الصغير الذي يملكه أبوه وهو يحمل بعض الثمار التي جمعها من الحقل.. فيجد أمه المبتسمة رغم إنهاكها الواضح وهي تربت على رأسه وتتناول ما يملكه بصمت.. بينما صدى أصوات أشقائه يملأ البيت الصغير الدافئ مقارنة بجو الجبال القارس.. ولا يلبث الأب أن يتبعه ليبدأ الجميع عندها بمعاونة الأم لتحضير الطعام ووضعه على الطاولة الخشبية التي نحت الأب سيقانها بنفسه بنقوش على شكل أزهار وعصافير بالغة الدقة والجمال..
أما الآن، فهو قابع في هذه الغرفة لا يقدر على مغادرتها، يتضور جوعاً ويكاد يختنق من روائح العرق التي تصدرها الأجساد من حوله.. كانت الغرفة مليئة بعدد كبير من الفتية من كل عِرْق يعرفه.. من الرومان، والأتراك، والقوقاز، والحبش.. بعضهم تبدو التعاسة على وجهه والدموع تملأ مآقيه، بينما البعض غير عابئ بما يجري له وهو يتشاجر مع من حوله أو ينام نوماً عميقاً بعد رحلة متعبة كالتي مروا بها..
رأى في تلك اللحظة رجلاً كهلاً يدلف الغرفة مقطب الحاجبين.. فيدفع هذا ويركل ذاك بصمت وهو يبحث بعينيه بينهم.. ظل الفتى يراقبه بقلق وهو يراه يقترب منه، حتى وقف الرجل أمامه فأنهضه بقوة والفتى لا حول له ولا قوة.. ثم سمع الرجل يقول وهو يتفحصه بنظراته " ራኇሚዓ ሓሣኳራቺ ኇሣኳዓሓኳ "
ظل الفتى واقفاً ينظر لمحدثه بغير فهم منتظراً أن يشرح له بالإشارات ما يبغيه.. لكن استبد الغضب بالرجل الكهل الذي يقف أمامه وبدأ بصراخ لا معنى له.. تلفت الفتى حوله بحثاً عن تفسير لما يراد منه، ولما عاد ببصره للرجل أمامه فاجأته صفعة قوية دار لها رأسه قبل أن يسقط خلفاً بجسده النحيل.. ظلت أذنه تطنّ بقوة من أثر الصفعة بينما زفر الرجل بغضب واضح وهو يغادر الغرفة الصغيرة.. بدأت الدموع تحتشد في عيني الفتى مقهوراً للظلم الذي يلاقيه، وللنظرات من حوله التي حملت مزيجاً من الشفقة والشماتة.. ما ذنبه أنه لا يفهم هذه اللغة؟ ما ذنبه أن سيق لهذا المصير الظالم القاسي؟.. شعر بفتى أكبر منه سناً يقترب منه ويحدثه بهمس، لكنه لم يفهم حرفاً مما قيل له وهو يهز رأسه بصمت ويحاول الوقوف رغم الدوار.. اندفع الفتى الآخر لمعاونته، لكنه دفع يده بشيء من الحدة واتجه لجانب الغرفة لينزوي وحيداً دافناً رأسه بين ذراعيه.. لقد وصلوا مع نهاية هذا اليوم لهذه المدينة الكبيرة، ورغم أنه في كل يوم يبتعد عن موطنه أكثر فأكثر، إلا أنه في كل مرة كان يتشبث بأمل أن يلحق به أبوه أو أخوه الأكبر ويستعيداه مهما كان الثمن.. لابد أن أمه وإخوته قد اشتاقوا له، ولابد أن أباه سيرجوه العودة محاولاً إخفاء دموعه.. أليس كذلك؟..
ألستِ مشتاقة لي يا أماه؟ أنا مشتاق لحضنك كثيراً..
ألست نادماً على رحيلي يا أبتاه؟.. أنا نادم على رحيلي أشد الندم..
ألا ترغبون بعودتي إليكم يا إخوتي؟.. وأنا كذلك راغب بعودتي إليكم..
لن ألومك يا أبي.. فقط أعدني وأنقذني من هذا الجحيم..
أعدني لموطني، فلا وطن آخر لي ولن يكون..

***********************

بعد عدد قليل من الأيام، وجد الفتى أن ذلك الرجل الكهل قد فصله عن البقية وسار به وحيداً بعيداً عن تلك القافلة.. طال سيرهم أياماً عدة، والفتى يركب بغلة بطيئة السير بينما يسير الرجل أمامه على ذلك الحيوان الضخم.. ومعهم ثلاث من الحبشيين بين راكب وراجل.. تلفت الفتى حوله بتعجب وهم يسيرون وحيدين أياماً وأياماً ولا يمرون إلا ببعض القرى الصغيرة.. لكن، لم فصلوه عن البقية؟.. ما المصير الذي ينتظره وحيداً؟..
بعد فترة عجز عن حسابها، وبعد ان انبسطت الكثبان الرملية وغدت سهولاً صخرية تتناثر فيها الأشجار وتغزوها الحشائش، وجد أنهم يقتربون من قصر وحيد ذو سور واسع في وسط السهول.. لم يرَ قربه أي بناء آخر، عدا عن قلعة رآها على مبعدة في اليوم السابق.. تعجب لوجود القصر منفرداً، لكنه لم يعلق وهو يراقب اقترابهم منه حتى تجاوزوا أسواره واقتربوا من القصر الذي لم يسبق له رؤية بناء أفخم منه.. لابد أن صاحبه ملك من ملوك هذه البلاد، فليس لرجل عادي أن يمتلك بيتاً كهذا القصر وخدماً بكثرة هؤلاء الذين يراهم أمامه..
سار به الرجل الكهل في ممرات القصر، بينما بقي الرجال الحبشيين خارجه، حتى دلفا مجلساً منيراً عامراً بكتب لم يرَ الفتى بمثل كثرتهم من قبل.. ووسط المجلس، رأى رجلاً مهيباً بلحية طويلة ووجه لوحته الشمس ونظرات حادة وإن كانت عابقة بطيبة واضحة.. هبّ الرجل نحو الكهل واقترب منه محيياً فتعانقا ثم قاده الرجل المهيب نحو جانب المجلس ليجلسا على كراسٍ خشبية عليها وسائد مطرزة ملونة بهيجة المنظر.. بقي الفتى واقفاً بحيرة فلم يدعه أحد للجلوس، بينما تجاهل الرجلان وجوده وهما يتحدثان لفترة طالت.. لاحظ الفتى أن العبوس غاب عن وجه الكهل وهو يحدث ذلك الرجل المهيب، وبدأ يضحك بسرور بين فينة وأخرى.. ثم بعد زمن طال، التفت نحو الفتى مشيراً إليه وهو يحدث الرجل المهيب، فبدأ الرجل المهيب يتفحصه وبدت ابتسامة على شفتيه وهو يربت على كتف الرجل الكهل.. ثم صفق بيده بقوة، ففتح الباب ودلف منه رجل أسمر مقطب الجبين، سرعان ما انحنى أمام الرجلين ووقف يستمع لحديث الرجل المهيب.. وبعد أن انتهى، فوجئ الفتى به يقترب منه ويجذبه من ذراعه مغادرين المجلس بصمت.. تلفت الفتى خلفه، فلاحظ أن الكهل قد انشغل بالحديث وتناسى وجوده تماماً مما زاد من حيرة الفتى.. ما الذي جاء به إلى هنا ولأي أمر؟..
وجد الرجل يجذبه خارج القصر وعبر الحدائق نحو مبنى جانبي بدا عادياً مهيناً مقارنة بالقصر القريب.. فجذبه الرجل نحو جانب المبنى حيث وجد بئراً حفرت في الأرض وقربها عارضة خشبية علق عليها حبل طويل ودلو خشبي.. سرعان ما دلى الرجل الدلو في البئر وجلب به بعض الماء، ثم التفت إلى الفتى قائلاً كلمة لم يفهمها الفتى.. لكن إشارة من الرجل أفهمت الفتى أنه يطلب منه خلع ملابسه.. نظر الفتى حوله بتوتر، بينما قطب الرجل وهو يعيد قوله بحدة أكبر.. ولما لم يتحرك الفتى، وجد الرجل يقترب منه فيخلع ملابسه عنوة تاركاً ما يستر عورته، ثم فوجئ به يسكب ما يحويه الدلو من ماء عليه بقوة.. شهق الفتى لبرودة الماء مقارنة بالجو الحار وبحرارة جسده مما جعل الماء البارد كلطمة قوية أصابته.. لم يتوقع أن يخرج الماء من البئر بهذه البرودة، ويبدو أن وجوده في باطن الأرض ساعد على احتفاظه بحرارة منخفضة مقارنة بالجو المحيط بهم.. جلب الرجل المزيد من الماء من البئر، ثم أشار للفتى أن يغتسل، بينما غادر هو مبتعداً بصمت..
بدأ جسد الفتى يرتجف رغم حرارة الجو، لكنه لم يجد بداً من القيام بما أمر به الرجل.. لا يريد المزيد من الصفعات أن تصيب وجهه، فقد لقي من الإهانة ما يكفيه منذ غادر موطنه.. وما عاد بقادر على تحمل المزيد..
بعد وقت قصير عاد الرجل إليه حاملاً له ملابس غريبة بلون بني، وأمره بارتدائها بإشارة من يده.. ثم قاده للمبنى الصغير القريب وأدخله إحدى غرفه الواسعة حيث كانت خالية إلا من بعض الصناديق الخشبية والبطائن والألحفة.. جلس الفتى جانباً والرجل يحضر له بعض الطعام الغريب والماء.. ثم غادر وتركه وحيداً دون أن يطلب منه العودة لذلك الرجل الكهل.. هل جاء به الكهل لهذا الموقع لكي يستحم ويستبدل ملابسه؟.. هل سيعود مع الرجل الكهل أم أنه سيبقى هنا؟.. ليته يفهم ما يقال له، وليتهم يفهمونه.. لطلب منهم إعادته لموطنه مهما كلفه ذلك.. يمكنه أن يعمل حتى يجني من المال ما يكفي لإعادته.. لكن يجب أن يعود.. يجب أن يعود..

***********************

قضى الفتى تلك الليلة كأسوأ ما يكون.. لم يعد إليه الرجل الكهل، وقد بدا له أنه غادر بعد وقت قصير من افتراقهما، ولم يفهم الفتى السبب الذي جيء به إلى هذا الموقع.. قضى الليلة تلك في تعب وضيق مع الأجساد المتكدسة حوله في تلك الغرفة، تفترش تحتها حشية صغيرة وتلتحف بدثار رقيق لا يكاد يبعد عنها البرد.. نام في تلك الغرفة ليلتها ما يقرب من عشرة فتيان يتراوحون بالأعمار، فمنهم من يماثله في العمر ومنهم من يكبره بخمس أو ست سنين.. بينما أوى الرجال أمثال ذلك العابس لغرف أخرى في ذلك المبنى..
وفي الصباح، جاء الرجل العابس يصيح لإيقاظهم بصوته الخشن، فقفز أغلب الفتية بسرعة خشية أن ينالهم غضبه، وهم يسارعون لارتداء ملابسهم والخروج من الغرفة.. فنهض الفتى بدوره بصمت وقد فهم أن النداء عامّ عليهم، وارتدى قمصيه ثم خرج من الغرفة تابعاً البقية..
وخلال يومين، أدرك الفتى أنه قد جُلب لهذا القصر ليكون مجرد عامل من عمالها، وليرعى مع البقية ما يملكه صاحبها من حيوانات ويعتني بالمزرعة الصغيرة في جانب الحدائق.. أما الرجل الكهل فقد غاب تماماً ولم يعد منذ غادر القصر.. قضى الفتى هذان اليومان كحلم بغيض، غير مصدق ما آل إليه حاله.. صحيح أنه من عائلة فقيرة تعيش على الكدّ والزراعة، لكن أن يعمل لأبيه شيء وأن يعمل للآخرين دون أجر شيء آخر.. فلا يعدو أجره أن يكون بضع لقيمات يأكلهن وفراش ينام عليه منهكاً في الليل..
بدا أن الرجل العابس اختصه بالعناية بالحيوانات، لكن كيف يخبره أنه لا يعرف أي شيء عن ذلك؟.. لكن ما المهم؟ يتمنى فقط ألا يغضب ذلك الرجل العابس فغضبه كما رآه على بقية الفتيان شديد لا يطيقه..
أوكله الرجل العابس يوماً بنقل أكوام من التبن إلى داخل حظيرة الحيوانات في جانب منها، ولم يجعل معه أحد الفتية ليعاونه.. فلم يملك الفتى إلا أن يطيعه دون تذمر رغم علوّ الكومة وبُعد الحظيرة عنها، والشمس قد قاربت المغيب.. لكنه استمر بعمله بصمت تام ملاحظاً أن أغلب العمال قد غادروا الموقع عائدين لمبنى سكنهم بانتظار الطعام، بينما أصدرت معدة الفتى أصواتاً عالية وهي تعصره بألم لشدة الجوع..
لكن لم يطل به الوقت عندما رأى الرجل المهيب عائداً من رحلة إلى القلعة القريبة.. وسرعان ما استدعاه أحد الفتية لمساعدة بعض الرجال في نقل البضائع التي أتى بها الرجل المهيب ووضعها في إحدى قاعات القصر.. فلم يجد الفتى بداً من إطاعة الأمر ومعاونة الرجال رغم تعبه، ثم عاد بعدها منهكاً إلى المبنى الجانبي وارتمى على الفراش متعباً لا يكاد يستطيع رفع رأسه..
تلك الليلة، أمطرت السماء كما لم تفعل من قبل..
ورغم أن الفتى انتبه أثناء نومه ورأى المطر الغزير الذي كان صداه واضحاً بقوة على مبناهم، إلا أنه لم يدرك عواقب ذلك.. وفي اليوم التالي، غادر المبنى كعادته منذ فترة متجهاً إلى الحظيرة لمزاولة عمله بصمت.. لكن فور وصوله أدرك أن خطباً ما قد جرى، إذ انقلبت سحنة الرجل العابس بشدة، وبادره بصياح عصبي وهو يشير لكومة التبن التي نسيها خارج الحظيرة في اليوم السابق.. وبدا من المنظر أمامه أن المطر الغزير قد أفسدها تماماً..
لم يدرك الفتى بأي شيء يعتذر والرجل لا يفهم لغته، فاكتفى بالصمت والندم يأكله على نسيانه، لكن يبدو أن الرجل قد فهم صمته ونظراته بشكل خاطئ، إذ انفجر بغضب لم يشهده الفتى من قبل..
للحظة لم يستوعب الفتى ما جرى له، إذ فوجئ بالألم ينفجر في جانبه وشيء يرتطم بجسده ويلقيه أرضاً.. تمالك نفسه بصعوبة وفتح عينيه، وسرعان ما رأى الرجل يقترب منه ويبدأ بركل جانبه بشكل متواصل وبغضب وهو يصرخ بحدة.. كتم الفتى ألمه بشدة وهو يعض على شفته بقوة ويغمض عينيه محيطاً رأسه بذراعيه ليتقي الضربات فيه.. ثم وجد الرجل ينهضه بقوة ويدفعه بعيداً عن الموقع بعنف بحيث وجد نفسه يرتمي أرضاً.. لم يفهم سبب غضبه منه، ولم يفهم سبب طرده.. لكن هل يملك الاعتراض على شيء؟..
سار الفتى متألماً بعد الركلات التي أصابت جنبه وآلمته بشدة.. سار عبر الحدائق حتى عجز عن إكمال السير، فانزوى في جانب غير مرئي منها بعيداً عن أعين البقية وهو يتحامل على ألمه ما استطاع.. لكن عندما بدأ الألم يزداد، أطلق آهة ألم وهو ينثني على نفسه ويعض على أسنانه بقوة.. ظل على وضعه لحظات حتى بدأ الألم يخفت شيئاً ما، عندها ألقى رأسه على ذراعيه ودموعه تسيل على وجنتيه.. لو كان في موطنه، لفزع أباه لما أصابه واقتصّ له من الفاعل.. لو كان في موطنه، لفزعت أمه وسارعت لعلاجه بمغلي بعض الأعشاب التي لا يعرفها.. لو كان في موطنه........ لكن ما فائدة (لو) الآن؟.. هو ليس في موطنه، وربما لن يكون كذلك ما بقي له من العمر..
ازدادت الدموع التي تسيل من عينيه وهو عاجز عن مسحها، ثم بدأ يبكي بحرقة محاولاً ألا يصدر صوتاً يجذب له الانتباه لئلا يصيبه المزيد من العقاب.. كلما تذكر وجه أمه، ازداد بكاؤه.. وكلما تذكر ملامح بيته، ازدادت دموعه وهو يشعر بحرقة وأسىً على حاله..
لم يشعر بمرور الوقت، ولم يشعر بتلك الخطوات الدقيقة التي اقتربت من موقعه فتوقفت فجأة.. استمر في النحيب دون أن ينتبه للسؤال الذي ألقي عليه بصوت طفولي.. لم يشعر إلا بتلك اليد التي لمست كتفه بخفة.. أدرك الفتى واقعه فقفز واقفاً والذعر يعتريه خشية اقتراب ذلك الرجل منه.. لكنه لم يرَ أي من الرجال قربه، ولما خفض بصره رأى ذلك الجسد الضئيل لفتاة لا تتجاوز الخامسة من عمرها.. ترمقه بعينيها السوداوان الواسعتان وشعرها القصير الذي لا يتجاوز كتفيها يطير مع الريح بنعومة.. سمعها تحدثه بسؤال لم يفهمه، لكن نظرة لملابسها الحريرية المطرزة والأقراط الذهبية المدلاة من أذنيها جعلته يدرك أنها ذات شأن في هذا المكان.. فدمدم بلغته "هذا ما كان ينقصني.."
واستدار مغادراً وهو يسمع النداء الملحّ للفتاة التي بدأت تتبعه.. لكنه لم يلتفت وهو يعود للمبنى الذي لا يسكنه إلا من هم على شاكلته من العاملين في القصر.. بدأ الألم يعود لخاصرته بشدة، فتوجه من فوره لغرفته وهو يقول بضيق "تباً لذلك الرجل.. سأقتله يوماً وأفر عائداً للقوقاز.. لابد أني فاعل حتماً.."

***********************

في اليوم التالي، فوجئ الفتى برؤية الفتاة ذاتها تقف في الحظيرة التي يعمل فيها وهي تراقبه بصمت.. رغم آلامه، إلا أن ذلك الرجل لم يعبأ به وهو يجبره على العمل الشاق مجدداً.. فاستغرق الفتى في عمله بصمت دون تذمر حتى فاجأته تلك الفتاة بنظراتها الفضولية.. توقف قليلاً ينظر لها بدهشة، فسمعها تحدثه بلغتها التي لا يفهمها بما يشبه التساؤل.. وبعد أن طال انتظارها لجوابه، دمدم الفتى بضيق "لا ينقصني إلا فضول طفلة مثلك..”
سمع الرجل يحدثها بما لم يفهمه، لكن بدا أنه طلب منها الرحيل، فقد أطاعته دون تذمر تاركة الفتى يعود لعمله الشاق والعرق ينضح من جبينه..
لكن لم يطل غياب الفتاة عنه، إذ فوجئ برؤيتها فور مغادرته الحظيرة وهو يحمل دلواً نحو بئر قريبة.. فأسرعت الفتاة تلحق به وهي تعيد تساؤلاتها بكلمات متلاحقة، فغمغم الفتى بضجر "ألا تدرك تلك الحمقاء أنني لا أفقه كلمة مما تقول؟"
انشغل بعمله متجاهلاً إياها وهو يملأ الدلو بالماء ويعود به للحظيرة رغم ثقله بالنسبة لجسده الضئيل.. لكنه لا يملك رفاهية التذمر أو الاعتراض بأي كلمة.. ليس بعد كل ما لاقاه في اليوم السابق من أذىً وتعذيب على يد ذلك الرجل..
وبعد يوم، رغم محاولة الفتى العمل بأفضل ما يستطيع، فوجئ بصراخ الرجل العابس عليه بحدة وهو يشير لمعزة في الحظيرة بدا عليها المرض الشديد وهي عاجزة عن الوقوف.. لكن ما ذنبه هو؟.. وبعد الصراخ وبضع صفعات على وجهه، طرده الرجل من الحظيرة وأمره بالعودة لغرفته وتوعده بالحرمان من الطعام.. أو أن هذا ما فهمه الفتى من الكلمات القليلة التي تعلمها في الأيام السابقة ومن تلويح الرجل بيديه في إشارات عصبية..
سار الفتى في الحدائق بصمت وهو عازف عن العودة للمبنى في جانب المكان لئلا يرى الآخرون خده الذي احمرّ بشدة بعد الصفعات التي نالها.. فقادته قدماه لذات الموقع الذي انزوى فيه سابقاً، ووجد نفسه يجلس فيه محتمياً بعزلته عن أعين الآخرين لئلا تلحقه شماتتهم.. وهم لابد فاعلون..
بدأت الدموع تنساب من عينيه مجدداً وهو يتذكر حياته السابقة.. رغم كل تلك السنوات، لا يذكر أن أباه في يوم من الأيام قد صفعه لخطأ أخطأه.. أو أن أمه قد صرخت في وجهه بعصبية كما حدث له اليوم.. ثم كيف يحاسبه الرجل على خطأ وهو لا يدرك ما فعله حقاً؟ لا خبرة لديه بالعناية بالحيوانات، فكل خبرته كانت في العمل في الحقول.. إذن كيف يلومه على شيء لا يعرفه البتة؟..
خده الذي يحترق بأثر الصفعة يؤلمه، ودموعه التي تهطل عليه تزيده ألماً.. فحتى متى سيصبر على وضعه هذا؟.. بدأ بكاؤه يزداد والحزن يغمر صدره بقوة.. لكن لم يدم به جلوسه طويلاً حتى شعر بالخطوات الخافتة التي اقتربت منه.. رفع عيناً دامعة ليرى الفتاة الصغيرة قد اقتربت منه وقد تغيّر وجهها لمرآه.. وجدها تقبع قريباً منه وهي تهمس بشيء لم يفهمه، فازدادت الدموع الهاطلة من عينيه وهو يخفي وجهه بين ذراعيه ويغمغم لنفسه بحزن "هل ينقصني إلا أنت؟"
بعد لحظة قصيرة، نظر نحوها متوقعاً رؤية السخرية في عينيها، لكنه فوجئ بالدموع التي ترقرقت فيهما قبل أن تسيل على خديها وهي تنظر إليه.. وسرعان ما بدأت بالبكاء وهي تخفي وجهها خلف يديها وصوتها يعلو بالنشيج.. غلبته الحيرة لما يراه، ثم سارع لمسح دموعه وهو يلتفت إليها ويربت على كتفها متسائلاً بحيرة "ما بالك يا فتاة؟.. ما الذي يبكيك؟"
لكنه لم يكن بحاجة لمثل هذا السؤال.. وجدها تتمسك بذراعه وهي تبكي بحزن ظاهر، والألم بادٍ على وجهها.. فانشغل بها وبتهدئة بكائها متناسياً حزنه ودموعه.. ظل يخاطبها بكلمات كان يدرك أنها لا تفهم منها حرفاً، وتجيبه بكلمات لا يفقهها وإن كان يشعر بمعناها.. يشعر بحزنها لحزنه.. ويشعر بألمها لألمه.. غريب هذا.. كيف لفتاة صغيرة من عالم آخر أن تشعر بحزنه وألمه وتبكي لبكائه بينما لم يشعر أبواه بعطف عليه وهو يسترحمهما ألا يبيعانه؟.. لابد أنه يهذي..
بعد فترة بدأت الفتاة تهدأ بعد أن رأته قد كف عن البكاء، وسرعان ما ابتسمت له رغم الدموع التي سالت على خديها المتوردين.. واستمرت تسأله وتحدثه رغم أنها تدرك أنه لا يفهم ما تقوله.. لكنه لم يعبأ بذلك، يكفي أنها تحاول التواصل معه، وهذا نوعاً ما أشعره بشيء من السكون بعد أن كان مبلبل المشاعر لأيام طالت..

***********************

مرت عليه عدة أيام، كلما وجد الفتى فيهن الحزن يتسلل لنفسه ودموعه تتساقط رغماً عنه، وجد الفتاة تظهر له من حيث لا يدري.. وكأنه سحر ساحر يرسلها له ليخفف أحزانه.. أم أنها تشعر بحزنه رغم بعده عنها في تلك اللحظة؟.. غريب.. غريب جداً..
في تلك الأيام، سرعان ما يجدها تبكي معه بحزن ظاهر وكأن حزنه هو حزنها.. لقد علم أنها يتيمة الأم.. ألهذا تشعر بألمه لفراق عائلته وتتذكر أمها المتوفاة؟.. ربما كان كذلك.. لكن في كل مرة كان الفتى يكف عن البكاء فور حدوث ذلك ويحاول تهدئتها بالقليل من الكلمات التي تعلمهن.. يهُونُ حزنه مع مرأى دموعها، ويزداد ألمه لمرآها باكية.. فكان يمسح دموعها بيده وهو يغمغم بلغته "ما الذي جاء بك الآن؟.. وددتُ لو تركتني أبكي وحيداً لمرة واحدة..”
لكنه في قرارة نفسه كان يشعر بشيء من السكون كلما اقتربت منه.. يشعر أن مُصابَه لم يكن بذاك السوء، وأن الأمور قد تغدو أفضل في المستقبل..
بعدها، كلما رآها تقف قريباً وشفتاها ترتجفان وهي على وشك البكاء، كان يسرع لمسح دموعه ويبتسم لها شيئاً ما ليثبت لها أنه لا يبكي.. فيراها تجلس قريباً منه وقد زال حزنها بسرعة وبدأت تحدثه بلهفة عن بعض ما مرّ بها في يومها.. تحدثه عن رحلتها التي قامت بها للقلعة القريبة.. تحدثه عن سوق القلعة الذي زارته للمرة الأولى.. تحدثه عن المُهر الصغير الذي جاء به أحد الرجال هدية لأبيها.. وقلما كانت تصمت لأي أمر، بينما يكتفي الفتى بالاستماع إليها ومحاولة فهم كلماتها باهتمام شديد.. رغم رغبته الدائمة بالعودة للقوقاز، إلا أن اهتمامه بهذه البلاد قد بدأ يزداد شيئاً فشيئاً.. بدأ يشحذ سمعه لكل كلمة تقال محاولاً أن يعرف اللغة الغريبة عليه ليتمكن من الحديث مع الفتاة بسلاسة.. وكف عن التذمر والغضب كلما أمره شخص بأمر مهما كان قاسياً.. بدأ يدرك أنهم لا ينوون إعادته لموطنه.. ولم يبدُ هذا الأمر قاسياً كما كان يظن في السابق..

***********************

بعد أيام طويلة، وبعد مراقبته للوضع الذي هو فيه، ورؤيته لمعاملة الرجل المهيب الطيبة له رغم عصبية ذلك الرجل الأسمر وسوء معاملته، شعر الفتى بشيء من الألفة لهذا المكان.. تعرّف على امرأة تنضح ملامحها بطيبة ظاهرة، وهي كما علم مربية تلك الفتاة الصغيرة وتعتني بأمورها مع غياب أمها الحقيقية.. وقد أحسنت تلك المرأة معاملته، دون أن يعرف سبباً ظاهراً لهذا.. ووجدها في أوقات كثيرة تستدعيه بحجة مساعدتها في بعض أعمال القصر، لكنها تدفعه للجلوس في موقع بعيد عن الأنظار وتقدم له بعض الطعام والشراب الذي لم يذق مثل لذته من قبل.. في مرة قدمت له حلوى معجونة بماء ورد وعسل ومزدانة بفستق لذيذ، التهم ما في الإناء بسرعة للذة طعمها، بينما نظرت له المرأة بضحكة وهي تقول "حنانيك يا فتى.. يبدو أن الخَبيص قد راق لك.."
لم يفهم الكثير من قولها، لكنه ابتسم لها بدوره وشكرها بما عرفه من كلمات قليلة قبل أن يغادر القصر ركضاً وقد تحمس للعودة لعمله..
تعرّف أيضاً على صبي يقاربه في العمر أسمر اللون أكرت الشعر، ورغم قلة ما يدور بينهما من حديث، إلا أن المنافسة بينهما تشتد في أوقات كثيرة وكل منهما يتحدى الآخر في الانتهاء من عمله قبل الآخر.. ولما رأى الفتى رفيقه ذات مرة يتدرب على استخدام السيف وبدا بارعاً فيه، غالبته لهفة شديدة لتعلم الأمر ذاته ومنافسة رفيقه بل والتفوق عليه.. فنقل رغبته للرجل المهيب عندما رآه ذات مرة في الحدائق، فلم يسع الرجل إلا الابتسام برضىً ونادى الرجل العابس ليأمره بضمّ الفتى لبقية الفتية الذين يتدربون على القتال..
ويوماً بعد يوم، شعر الفتى بشيء من الألفة للمكان، وفتَنَته رؤية الرجال والفتية باختلاف أجناسهم وهم يصطفون لتأدية صلاتهم في جانب الحدائق.. وكثيراً ما كان الرجل المهيب يقف معهم يشاركهم الصلاة دون أن يبدي تأففاً لوضاعة ثيابهم أو للعرق الذي سال من جباههم من الأعمال التي تركوها لتأدية الصلاة جماعة.. بل الغريب أن الرجل المهيب لم يكن يتذمر من تركهم تلك الأعمال عدة مرات في اليوم لتأدية الصلاة ولم يطلب منهم تأجيل صلاتهم حتى نهاية النهار..
لذلك، لم يكن مفاجئاً بالنسبة له أن يفصح عن رغبته بدخول ذلك الدين الذي لا يفرق بين رجل غني وآخر فقير..
بين رجل مهيب وآخر وضيع..
بين رجل وصبي..
الكل في الصلاة سواء..
وربما كان هذا ما يبحث عنه في رحلة ضياعه هذه..
وعندما أبلغ الرجل المهيب بذلك، بدت ابتسامة سعيدة صادقة على شفتيه، وربت على رأسه بحنو بالغ وهو يغمغم "بارك الله فيك يا فتى.. ورزقك من الخير كله.."
لم يفهم معنى البركة، لكن ابتسامة الرجل انطبعت في ذهنه ورسمت البسمة على شفتيه وهو يشعر أن ضيق صدره منذ غادر موطنه قد زال، وأن صدره قد غدا باتساع هذه السهول المحيطة بهم..
ليلتها، بات الفتى هانئاً ربما للمرة الأولى منذ شهور عدة..

***********************

بعد يوم، فوجئ الفتى بالفتاة تندفع نحوه هاتفة واللهفة تبدو في عينيها.. توقف عن عمله وهو يراقب اندفاعها بصمت، فوجدها تجذبه من ذراعه وهي تصيح "أبي يريد رؤيتك.. تعال بسرعة..”
لم يكن استدعاء صاحب القصر له غريباً، لكن لم اللهفة لذلك؟.. لم يعلق وهو يتبعها تاركاً ما بيده جانباً دون أن يلتفت للرجل العابس والذي بدا التذمر عليه بوضوح.. فبوجود تلك الفتاة، من يملك الاعتراض على شيء؟..
تبعها نحو القصر بصمت كعادته، حتى وجد نفسه واقفاً أمام الرجل المهيب الذي نظر له بابتسامة خفيفة.. عندها أدرك الفتى حاله في تلك اللحظة، وغلبه الحرج لثيابه المغبرّة والعرق المحتشد على جبينه وشعره المعفر بالتراب، لكن لم يبدُ على الفتاة أي استياء وهي تمسك بيده المتربة حتى جاءت به إلى مجلس أبيها، ولم يبدُ على الرجل أي تأفف وهو يراه يطأ الفراش الثمين بقدمه التي علق الطين بها..
سمع الرجل يقول مبتسماً "أنا سعيد بكل ما سمعته عنك يا فتى.. فمنذ قدومك لا يصلني إلا كل خير عنك، ولا أسمع إلا المديح لتفانيك في أعمالك وعدم تذمرك كما يحدث مع البقية.. والآن، مع اعتناقك للإسلام، لا يمكنني أن أتذمر من أي شيء يخصك..”
لم يستوعب الفتى ما يقصده الرجل، لكنه حنى رأسه وهو يدمدم شاكراً، فسمع الرجل يضيف "بما أنك قد أصبحت مسلماً، عليك أن تحمل اسماً عربياً يناسبك.. ما رأيك؟ سأطلق عليك اسم سَلَمَة..”
نظر له الفتى بدهشة دون أن يعلق.. هل يستدعي إسلامه تغيير اسمه؟ ما به اسمه القديم؟ هل عليه نبذ الشيء الوحيد الذي بقي له من حياته السابقة؟.. هل عليه أن يصبح مثل العرب ويرتدي رداءهم ويتحدث بلغتهم ويتسمّى بأسمائهم حتى يكون مسلماً؟..
بقي واقفاً بصمت وهو بحيرة من أمره، عندما رأى الفتاة تلتفت إليه بابتسامة جميلة وهي تقول فرحة "ما رأيك؟ لقد أعجبني هذا الاسم كثيراً.. ألم يعجبك أنت أيضاً؟"
تاه قليلاً في ابتسامتها وفي نظراتها السعيدة، ثم وجد نفسه تلقائياً يقول بصوت خافت وبالقليل الذي عرفه من اللغة العربية "بل أعجبني كثيراً.. شكراً لك يا سيدي..”
قفزت الفتاة فرحة وقالت "مرحى.. غدا اسمك سلمة..”
وخرجت راكضة من المجلس وهي تصرخ "خديجة..”
تبعها ببصره وهو يودّ لو يغادر المجلس بدوره، فهذا الرجل يثير لديه هيبة لا يستطيع كسرها مهما حاول.. لكنه لم يجرؤ على التحرك دون إذن وهو يرى الرجل يرفع في يده صرة صغيرة وقال له "خذ هذا.. هذه هدية مني لك لإسلامك.. حافظ عليه من السرقة، وبارك الله لك فيه..”
تناول الفتى الصرة شاكراً، ثم غادر بعد أن أذن له الرجل بذلك.. وفور مغادرته للمجلس، فتح الصرة وتأمل الدراهم الفضية التي فيها.. أهي تساوي المبلغ الذي دفعه ذلك التاجر لأبيه لقاء بيعه؟.. ليته يعلم..
فوجئ برؤية الفتاة تعود له راكضة، قبل أن تقف أمامه بأنفاس متلاحقة وهي تقول "هذه هديتي لك.. أرجو أن تقبلها..”
رأى في يدها الصغيرة ديناراً ذهبياً يلمع.. فغلبه الارتباك وهو مدرك للفرق بين الدينار الذهبي والدرهم الفضي، فقال "لا يمكنني أخذ هذا.. هذا كثير..”
سمع صوت المرأة الطيبة القريبة وهي تقول "خذه.. فأنت تستحقه..”
نظر لابتسامة المرأة الواسعة، ثم نظر لعيني الفتاة التي حملت رجاء لم يستطع تخييبه، فتناول الدينار الذهبي شاكراً وأضافه للدراهم في الصرة.. فقالت الفتاة سعيدة "أصبح لك الكثير من المال.. ألست سعيداً؟"
هز الفتى رأسه إيجاباً بصمت.. ثم وجد المرأة تجذب الفتاة وهي تقول له "عد لعملك الآن ولا تتكاسل.. كيلا يندم مولاي على ما أهداك من دراهم..”
رأى الفتاة تلوح له بيدها وهي تصيح "أراك غداً يا سلمة..”
ظل يراقبها في ابتعادها.. ثم همس لنفسه "سلمة.. لا بأس بهذا الاسم أبداً.. على الأقل يبدو جميلاً عندما تناديني به حتماً..”
وخبأ الصرة في ملابسه وهو يغادر وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه..

***********************

بعد عدة أيام، وأثناء تنقله في الحدائق، رأى الفتى تلك الفتاة الصغيرة تقف فوق كومة من القش قريبة من السور المحيط بالحدائق.. فتمكنت بهذا من الاقتراب من حافة السور والتمسك به بيديها وهي تنظر لما خلف السور بصمت.. اقترب الفتى منها بسرعة وهتف "ما الذي تفعلينه؟ ستسقطين من الأعلى..”
نظرت له بابتسامة، وأشارت له بلهفة قائلة "تعال انظر إلى هذا..”
أسرع يصعد فوق كومة القش بحذر خشية أن يسبب ثقله في اختلال توازن الفتاة، ولما وصل قربها أشارت لما خلف السور قائلة "انظر.. أليس منظراً بديعاً؟.. بودي لو ذهبت إلى هناك..”
نظر الفتى إلى المساحات الواسعة المحيطة بالقصر والتي تخللتها الأشجار في كثير من مواضعها مع قرب نهر الفرات من ذلك الموقع.. لم يبدُ له المنظر أجمل مما يراه في القصر.. ولم يبدُ أجمل مما يذكره عن القوقاز.. لكنه لم يعترض وهو يراقب ملامح الفتاة عن قرب.. راقب النظرات اللامعة التي تبدت في عينيها، والابتسامة المندهشة التي تبدت على شفتيها وخداها يتوردان لشدة انفعالها.. وقالت له بصوت ملئ شغفاً ولهفة "بودي لو أرتحل بحرية كما يفعل أبي.. طلبت منه عدة مرات أن أصحبه في رحلات القوافل، لكنه يأبى ذلك في كل مرة..”
غمغم الفتى "وهل هذا مهم؟"
نظرت له هاتفة "بالطبع.. ألا ترغب بفعل ذلك أنت أيضاً؟"
رغم أن جلّ همه كان العودة لموطنه في السابق، إلا أن هذه الفكرة للدهشة قد بهتت ولم تعُد تراوده إلا قليلاً.. لكن لم يسعه إلا أن يوافق على قولها بهزة من رأسه.. فسمعها تقول برجاء "هل ستعاونني على ذلك في يوم من الأيام؟..”
ابتسم وهز رأسه من جديد.. وهل يسعه أن يرفض لها طلباً؟..
سمعا صوتاً حاداً من موقع قريب، فالتفتا ليريا الشاب الأسمر أكرت الشعر يقف قريباً مقطباً قائلاً "اهبطا من هذا الموقع.. أنتما تعيقان عملي..”
لم يعارض الفتى وهو يمسك الفتاة ويهبط معها بحذر حتى استقرا أرضاً.. ولما نظر للفتاة، لاحظ أن القش قد تخلل شعرها الجميل، فمد الفتى يده يزيل القش من خصلاتها وهو يغمغم "أنت بأسوأ حال..”
لكنها لم تعبأ بذلك وهي تسأله بعينان لامعتان "هل ستفي بوعدك حقاً؟"
أجاب الفتى مبتسماً "طبعاً.. ثقي بذلك..”
سمعا صياحاً حاداً من جانب القصر ينادي على الفتاة، فاستدارت الفتاة راكضة بسرعة نحو صاحبة النداء، بينما التفت الفتى الأسمر يسأل الفتى القريب رافعاً حاجبيه "بمَ وعدتها؟"
ابتسم الفتى متجاهلاً سؤال الفتى الأسمر القريب منه، والذي يراقبه بشيء من الإلحاح.. لكنه لم يلتفت إليه وهو يراقب الفتاة الصغيرة التي انطلقت راكضة نحو القصر وخصلات شعرها تتطاير خلفها بنعومة.. رآها تقف فجأة وتلتفت خلفها ناظرة إليه، فتشيع الابتسامة الجميلة على وجهها وهي تلوح له بيدها قبل أن تغيب في القصر خلف تلك المرأة الطيبة..
شيء غريب..
كلما رأى تلك الفتاة، فتَنَتـْه ابتسامتها الجميلة وعيناها الواسعتان..
لم يبتسم أحد بسعادة لرؤيته في هذه البلاد، ولم يُشعِره شيء بالألفة هنا إلا ابتسامتها التي تتلقاه بها كلما رأته.. لذلك، لا يمكنه أن يتخيل يوماً يمر عليه لا يراها فيه.. إذ سيغدو ذلك اليوم موحشاً بشكل لا يطاق..
غمغم الفتى بلغته التي لا يفهمها غيره "تلك الفتاة ستكون لي ولابد.. طال الزمن أم قصر.."
وابتعد متجاهلاً الشاب الأسمر الذي يسأله بإلحاح عن سر ابتسامته..
أجل.. تلك الفتاة له..
ولربما هذا الذي جعل قَدَرُه أن يغادر موطنه ويرتحل هذه المسافة ليستقر في هذا القصر المنعزل بالذات..
تلك الفتاة ستكون له..
فلا يظن نفسه بقادر على ألا يضيع في ثنايا عينيها السوداوين..
وألا يرى ابتسامتها الجميلة التي يخفق لها فؤاده كل يوم..
تلك الفتاة ستكون له بالتأكيد..
هذه هي الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن لأحد أن يجادله فيها..
وستثبت الأيام أنه يعرف ما يقول..

***********************

 
 

 

عرض البوم صور عالم خيال   رد مع اقتباس
قديم 21-02-16, 11:40 PM   المشاركة رقم: 80
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قاريء مميز


البيانات
التسجيل: Dec 2014
العضوية: 285617
المشاركات: 759
الجنس أنثى
معدل التقييم: مملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييممملكة الغيوم عضو جوهرة التقييم
نقاط التقييم: 1593

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
مملكة الغيوم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عالم خيال المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رحلة ضياع

 

السلام عليكم ورحمة الله
الفصل عن سلمه وضح تعلقه بها منذ طفولته فجمان كانت بالنسبه له اليد الحانيه التى تربط على الامه وعوضت عليه فقد الاسره وكون ربيعه ايضا كان متسامح ولطيف معه جعله ياءلف العيش سريعا فى القصر وخديجه كانت كالام له ولجمان
سلمت يداكى عزيزتى ومبارك على الختام واتمنى لكى قصد جديده موفقه باذن الله
الى لقاء قريب فى شيئ من ابداعاتك دمتى بود ولكى منى كل الحب

 
 

 

عرض البوم صور مملكة الغيوم   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رحلت, ضياع
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:35 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية