لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


مقيدة بالأحزان

رواية سوف تذوقوا فيها نكهة الطرفة, ومرارة الحزن وحلاوة الحب جميعها ممزوجة في كأس واحد يسمى ... � ∫Ξ∫ ᆻᆻ|مقيدة بالأحزان ]|ᆻᆻ ∫Ξ∫ �

موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-04-11, 12:37 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي مقيدة بالأحزان

 

رواية سوف تذوقوا فيها نكهة الطرفة, ومرارة الحزن وحلاوة الحب جميعها ممزوجة في كأس واحد

يسمى ...



� ∫Ξ∫ ᆻᆻ|[مقيدة بالأحزان ]|ᆻᆻ ∫Ξ∫ �





.~. لـــ تحميل الرواية كاملة هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا .~.




القيد الأول ...

مقيدة بالأحزان

القيد الثاني ...

مقيدة بالأحزان

القيد الثالث ...

مقيدة بالأحزان

القيد الرابع ...

مقيدة بالأحزان

القيد الخامس ...

مقيدة بالأحزان

القيد السادس ...

مقيدة بالأحزان

القيد السابع ...

مقيدة بالأحزان


القيد الثامن ...

مقيدة بالأحزان

القيد التاسع ...

مقيدة بالأحزان

القيد العاشر ...

مقيدة بالأحزان

القيد الحادي عشر ...

مقيدة بالأحزان

القيد الثاني عشر ...

مقيدة بالأحزان

القيد الثالث عشر ...

مقيدة بالأحزان

القيد الرابع عشر ...
مقيدة بالأحزان

القيد الخامس عشر ...
مقيدة بالأحزان











# المقدمة #


في لحظة من الزمن خطف القدر زوجها, بدون سابق إنذار, غدر بها, وجعلها وحيدة وفي عنقها معلق 4

أولاد, حكم عليهم باليتم وهم لا يزالون ورودا يانعة لم تتفتح بعد, لم تكن مستعدة لحمل أكبر منها, فالسنين

لم تنحتها وتعجنها بشكل كافي حتى تكمل المسير كأرملة, أرملة .. وشم سوف يلصق بها ما حيت, وهي

بالكاد وضعت قدمها على أول درج من سلم الثلاثين.

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  

قديم 07-04-11, 12:43 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي

 

* (( القيد الأول )) *





كصفعة قوية جاءها خبر وفات زوجها, الذي خرج كعادته إلى العمل, لم يكون ذلك اليوم يختلف عن أخوته, استيقظ منذ الساعة الخامسة صباحا , لكي يلبي نداء الرب....

أنها تذكر ذلك اليوم القاتم اللون بأدق تفاصيله, فكيف تنساه, وقد كان يوم الرحيل, رحيل الحبيب الأول والأخير في سجل قلبها ....

خرج من الحمام ليجدها تنتظره و ابتسامة تشع من شفاهها المكتنزة, مدت يدها نحوه محملة بفوطة, أمسك بما تحمله تلك اليد وتعمد أن تلامس أصابع يديه يدها البيضاء, فابتسمت على استحياء, وقال:

- مشكوره ياقلبي... ما أعرف كيف بسوي شيء بدونك

لترد والابتسامة لم تهجرها:

- عشان تشوف أنه دنياك بدوني بتكون فوضه.

بحركة سريعة أمسكها من خصرها, وسحبها على حين غرة نحوه, ليتلاقى الجسدين, وتتصافح الأنفاس الملتهبة...

وقال:
- وأنا قلت غير هالشيء.. يا كيكتي.

أخذت تبعده عنها...

فتفاجئ من فعلها ...

وأخذ يحدق بها بعينين تعكسان الإستغراب...

فسألها:
- وش فيك ...؟؟!!!

لترد وقد تحررت أخيرا من حضنه :

- شكلك نسيت ولي العهد إلي ياي في الطريق, تريد تخنقه ...

وأشارت نحو بطنها المكورة...

ضرب بكفه على جبينه وقال:

- أوووووووووووووووه ... كيف أنسى هالشيء .... متى بيي ونرتاح ... بسببه غادية ترتيبي الثالث في قائمة أولوياتك ... كنت على الأقل قبل في المركز الثاني بعد عيالك ... الحين رديت ورى بدل لا أتقدم ...
ضربت كتفه بخفة .. وقالت:

- يالشيبة تغار من هالياهل إلي بعده ما أنولد.

ليرد ضاحكا :

- مو حقي ... حرام عليك .. مو قادر أتحمل .

وطبع قبلة على السريع على شفتيها ... وركض مسرعا نحو باب الغرفة وهو يضحك قائلا:

هذه تصبيره علين يشرف الحبيب .

وضعت أطراف أصابعها على شفتيها وابتسمت وهي تسترجع أول صفحة من ذكرى يوم الوداع في أجندت ذاكرتها.

قاطع تصفحها للماضي صوت ابنتها الكبرى وهي تسألها:

- أمي .. أمي ... أمي ...

بدرت منها رعشت العودة من عالم الذكرى ... إلى الحاضر المرير ... نظرت نحو ابنتها وقالت:

- وش فيك فطوم ؟!!

لترد من فورها:

- أنت وش فيك أمي ..؟! من وقت وأنا أناديك.

لم تقدر على البوح بالحقيقة, فابنتها فاطمة بالكاد تخطت عتبت الماضي, وبصعوبة, فهي الكبرى, فرحتهم

الأولى, لهذا كان سيف يعاملها بطريقة خاصة, غير أخوتها الباقين, كان يغدق عليها عطفه لدرجة بعض

الأحيان كانت هي نفسها تغار منها, لهذا كان خبر وفات أبيها كالصاعقة التي أصابتها, فأدخلتها في غيبوبة

الصدمة لأسبوعين كاملين, كانت ترفض حقيقة بأن أبيه رحل ولن يعود لهم, كانت كل يوم تنتظر أباها أمام

الباب كعادتها ... فهي كانت دوما أول المستقبلين له حين عودته من العمل منذ كان عمرها سنتين, ما أن

تقع عيناها عليه حتى تقول بصوت مفخم والابتسامة تشغل أكبر حيز من وجهها:

- تحياتي سيدي الرائد..

وتؤدي التحية العسكرية .

ليرد عليها هو الأخر بالتحية العسكرية ,

ويقول:
- تحياتي أيه المجند.

وتنفجر بعد ذلك قهقهاتهما ...

وتقفز نحوه لتحضنه وتقبله على جبينه.

ليكافئها سيف بلوح شكلاه .

للأسف لن تعود تلك الأيام ... ولن يفتح الباب عندما تدق الساعة 3 مساءا ... سوف يضل ساكنا إلى الأبد ....

كانت تنظر إلى ابنتها وطيف دمعة على عيناها
وهي تسترجع وجعها في خلدها

وضعت كفها على خد ابنتها وأخذت تمسحها وهي تسرق ابتسامة باهتة من شفتيها:

- ما في شيء حبيبتي ... خير وش تبين؟

- أنا ما أريد شيء ... بس صويلح يريدك .

قوست حاجبيها إلى أعلى مستغربتا وقالت:

- هذا وش يريد في ها الوقت ..؟

رفعت فاطمة كتفيها إلى أعلى وهي تقول:

- ما أعرف ...

لتزفر ما أدخلته في صدرها من أكسجين ... وتقول بضيق:

- الله يعيني عليه .

وذهبت بخطى متثاقلة لترى هذا الزائر الثقيل على صدرها ...





,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,






جذبته من ذراعه ... وصرخت به وقد احتقن وجهها من الغضب :

- إياك تخرج من هني .

ليرد عليها وقد عقد حاجبيه بصوت أعلى من صوتها:

- وش بتسوين إذا طلعت .. ها .. تكلمي يحصيص .

أخذت تغرس أظافرها في ذراعه ... وقد زاد حنقها عليه:

- تعرف أزين يا محمد أني أقدر أسوي أشياء ... مو شيء واحد ... وبعدين أنا اسمي حصة مو حصيص.

دفع يدها بعيدا عن ذراعه ... وزمجر بها قائلا:

- طالت وشمخت يا حصيص ... من تحسبن نفسك ... أنت ولا شيء ... أنا خليتك إنسانة لها قيمة....

ليدوي صوت صفعة في أركان الغرفة .

حدق بها بعيناه المتسعتان

وقد وضع يده على خده المشتعل بنار الغضب قبل لهيب الصفعة

لم يخفها ذلك الغضب الذي أتقد به جسده كله .

قابلته بنظرة لم تلهبها نيران غضبه وقالت بنبرة تحدي واضحة كوضوح الشمس في كبدي السماء :

- علين هنا وبس, إنسانة أكثر منك, يا ..

وقبل أن تكمل جملتها, جاءتها صفعة جعلت الدنيا تدور بها, لتهوي إلى الأرض مجبرتا .. وقد سالت الدماء من فمها, وزمجر بها قائلا:

- أنا الغلطان يوم ما سمعت كلام أهلي وتزوجت بك يا بنت الفقر... مكانك تحت وبيظل تحت ... فلا تحاولين أن تركبين فوق ...

وخرج تاركا إياها تشتعل بحطب الحقد و البغيضة...






,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,







كان ممسكا بتلك الورقة الصفراء اللون وهو غير مصدق لما تضمنته, هذه الورقة الصغيرة تحتوي على أمر موته...

كيف يموت وهو لايزال في عقدة الثالث... والعالم قطبا يترقبه لكي يكتشفه ... ؟

كيف يموت ويترك أمه وأخواته الثلاث لوحدهن يواجهن براثم هذا العالم الموحش ...؟

كيف يموت ولم يتبقى إلا أسبوع واحد فقط ويعقد قرانه بالمرأة التي يعشقها ...؟

كيف ..؟!!!
كيف ..؟!!!
كيف ...؟!!!

أسألت كثيرة تبحث عن أجوبة في عقله العاجز عن إيجاد أجوبة تبل ريقه ...

لكن حتى لو وجد أجوبة لها ...

فهي لن تكفيه ...

فهو يريد أن يعيش ...

يريد أن يتزوج بمن أحب...

أن يصبح أبا ...

أن يرى ابنائه وهم يكبرون ...

وأن يصبح كهلا ....

يريد أن يكمل دورة حياته ... بدون نقصان ...

لكن كيف يحصل هذا ...؟

وهذه الورقة الصفراء التي تستقر في كفة, تقف حاجزا بينه وبين المستقبل, الذي سوف يتبخر أمام عيناه ...

حنا رأسه إلى الخلف , ليسنده على الجدار, ويطلق تنهيدة نابعة من الحزن القابع بداخلة ...

ومن ثم رفع يده وغطى عيناه, فالدمع يريد أن ينسكب ويغسل ولو جزء صغير من وجعة, لطعنة الموت الغادرة التي باغتته ...

تعالى صوت رنين هاتفه النقال ... ليذبح لحظة الحزن تلك ... ولو لدقائق معدودات .. أنتشله من جيب كاندورته بوهن أصاب جسده منذ عرفة بخبر موته المرتقب...

ليرد بدون أن يتعين الرقم المشع من الشاشة .. وبصوت ألتهمه الحزن:
- ألو ..

ليأتيه من الخط الآخر صوت حنون .. متلهف لخبر يسر :

- بشر ولدي .. إن شاء الله الأمور كلها تمام ...؟

كم زادت سؤال والدته من هالت الحزن المحيطة به ...

ماذا يقول لها ...؟

كيف يجيبها ...؟

أيقول لها بأن ابنها الوحيد, سندها في الحياة سوف يموت بعد سنة أو أقل...؟

أيقول لها بأنها هي و بناتها الثلاث سوف يكملن حياتهن في هذا الدنيا الغادرة لوحدهن بلا معين ولا حامي من غدرها الذي أصابه ...؟

ماذا يقول ...؟

لا يستطيع أن يقول شيء من هذا, لأنه بقوله للحقيقة سوف يذبحها, كما ذبح هو, لا يريدها بأن تحزن, فهذه أمه نبع الحنان الصافي, الذي لا يتحمل أن يرى في عيناها الألم والحزن, فقد كابدت الكثير في حياتها من سلسلة أحزان لا تنتهي, والآن وعندما ذاقت طعم السعادة يأتي هو فيذيقها مرارة الحزن من جديد ...

لاااااااااااااا

مستحيل

مستحيل ...

جمع ما يقدر علية من بقايا قوة في داخلة ... وغذى بها صوته وقال:

- لا تخافين يا أم حميد, ما في شيء , بس تعب شوية, تعرفين بسبب التجهيز للعرس, نسيت نفسي ...

لترد وقد تجلى في صوتها نبرة الأرتياح:
- الحمد لله يا ولدي, قلت لك لا تتعب عمرك, لكن كنت تعاند وتراكض تيب هذا وتتعاقد عند هذا, ما يهم كيف بيكون العرس, المهم صحتك يا ولدي ...
كتم بكاءه في صدره وهو يسمع كلمات أمه التي أججت الوجع في صدره ... ورد قائلا :

صحيح يا أمي, كلامك صحيح, خلاص, خلاص ما براكض يمين ويسار, ما براكض...

(( آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أمي يا ليته كان بس تعب, ياليت, لرقدة من اليوم علين يوم العرس, بس هو مو تعب, هو مرض خبيث, صدق إلي سماك خبيث, دخلت في جسمي بدون ما أحس بك, وقعدت تاكل فيه بهدوء عليين استلسلم لك, آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أمي .. آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ))


روح هائم تلفض بالوجع الداخلي ....


)






+++ يتبــــــــــــع +++








** ملاحظة: بإذن الله سوف يكون كل أسبوع جزئين, وسوف يكونان بين أيديكم يا إما الأربعاء أو الخميس أو الجمعة, أرجو بأن تكونوا في ضيافتنا خلال هذه الأيام ولم تندموا **

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 07-04-11, 12:00 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
Flowers

 

* (( القيد الثاني )) *




دخلت الصالة, لتجده يتصرف على راحته, كأن البيت بيته, وبجسده المكتنز متربع على كبد الكنبة التي تتوسط الصالة,
ورائحته الكريهة تهجم على خلاياها الشمية لتخنقها قبل أن حتى تصبح بمقربة منه, ليقف من فورة ووتجلى تلك الرقعة التي
تكسي جسده والتي من المفروض أن يكون لونها أبيض, لكن طغى السواد عليها, ابتسم تلك الابتسامة الواسعة التي كشفت
عن أسنان كساها اللون الأصفر الغامق, يتخللها بعض السواد, وقال مرحبا كأنه هو صاحب البيت وهي الضيفة:
- يا مرحبا بأم حمدان, يا مرحبا الساع..
-
قالت وهي تحاول أن تتحامل على ضيقها, وعلى تلك الرائحة النتنة المنبثقة منه:

- مرحبا بك يا بو أحمد

- أخبارك وأخبار العيار ؟ وأخبار بو سيف وأم سيف..؟

- يسرك الحال , الكل بخير وسهاله.


- أخبارك أنت, وأخبار أحمد؟

- بخير الحمد لله, نسأل عنكم.

- تسأل عنكم العافية.

- ليش اللتات إلي بره مبنده, لا يكون خربانه؟!


كانت قوى التحمل لديها بدأت تنفذ, وهي ترد على سؤاله الحشري:

- لا مو خربانات, بس تعرف الحين وقت نوم.

يرفع كلى حاجبيه, ويقل مستغربا:
- وين نوم يا أم حمدان, الساعة توها داخلة عشر, هذا وقت عشى مو نوم, حشى أنتم دياي

ترقدون ها الوقت.

وأطلق تلك الضحكة التي تخرم الرأس قبل طبلة الأذن, فقالت وقد بانت بوادر الضيق
على وجهها:

- تعرف الأولاد وراهم مدارس الصبح, عشان كذية ينامون من وقت.

- يعني تعشيتوا ؟؟


لتهز رأسها بنعم, وهي مدركة لما يرمي إليه, فقد فاته العشاء المجاني.


صفق بكفيه ببعضهما البعض وقال:

- أخس فاتني, تعرفين أني يعجبني طبخك, ما في أحد مثلك يعرف يطيخ المكبوس لحم, صح وش كان عشاكم؟


هنا وصلت حدود عدم التحمل, ومع هذه الأشكال لا ينفع الجلد معهم, يجب أن تنفجر عليهم مباشرة, وإلا تمادوا:

- صالح اسمح لي, أنا تعبانه وأريد أرقد.

تجلى الخوف على محياه, وقال:

- خير خير , وش فيك ؟ لا يكون الفيروس إلي منتشر ها الأيام, أيوه, هو الفيروس شكلك فيك الفيروس, قعدي ... قعدي أرتاحي.

وأخذ يشير لها بالجلوس على الكنبة.

لتنفذ ضيقها بداخلها: (( أفففففففففففففففففف وش ها الصقة, وش أسوي به عشان يغور ؟ ))

- بروح أي بلك ماي, أنت بس قعدي ورتاحي.

وقبل أن تدرك ما قال, وجدت طيفه قد دخل المطبخ, لتذهل من وقاحته التي ليست بالغريبة عليه.






_______________








وصلها صوت نحيبها قبل جسدها, فهلعت وركضت نحوها, لتجدها وقد فتحة مناحة ليس لها أول من آخر:

- خلاص راح ... راح محمد عشان يطلب أيدها.

فهبت إليها أمها وحضنتها, وقالت مواسية:

- هالغبي إلا وسوى الي براسه.

لتصرخ بأعلى صوتها, من بين شهقاتها الباكية:

- لحقيني أمي لحقيني .. أحسني بموت.

وضعت يدها على رأس ابنتها وأخذت تتمتم بشيء لبضع دقائق, ومن ثم أجلستها وقد بدأت تخف نوبة بكائها, ومن ثم قالت لها:

- بسم الله عليك بنتي عين وما صلت على النبي أصابتك, الحين بطسل بخالتك عشان نلقي
بصره لمحمدوه هذا....


وقبل أن تمسك بسماعة الهاتف, لمحت احمرارا على طرف فم ابنتها, وقالت داعية:

- الله لا يوفقك محمدوه, هذا من عمايله, صح ؟


لترد وغصة من البكاء تتحشرج في حلقها:

- أيوهههه .

وتعو لموجة النواح

لتربت على كتف ابنتها مواسية

وتضغط بسرعة البرق على الأرقام بيدها الأخرى, ليأتيها بعد صياح طال من على الخط الآخر صوت بالكاد تلتقطه أذنها:

ألو ...

لترد وصوت الضجيج يكاد يخرم طبلة أذنها:

- ألو شيخه وش الأصوات إلي عندك؟ ما أسمعك ...

- وش؟!!

لترد بصوت أعلى من قبل:

- أقولك ما أسمعك, وش الضجة إلي عندك, أنت وين؟

لترد صارخة:

- أنا في حفلة ملكة بنت رحمة, تعرفينها.

قوست حاجبيها بضيق, وقالت:

- وش قلت؟! ملكة وبنت أختك هني المسكينة تنوح عسب ريلها إلي ما فيه خير.

لترد عليها مرتاعة:

- خير وش فيها حصة؟ وش سوى ريلها؟

- تعالي أنت وأنا بقولك كل شيء, بس تعالي خلينا نلقى بصره له, لازم ما نخليه يعرس.

- بس الحفلة توها بادي, وما لحقت آكل شيء.

لتقول بضيق يغلف صوتها:

- لا حول ولا قوة إلا بالله, ما همك إلا كرشك, تعالي وأنا بعشيك أحلى عشوه, بس تعالي بسرعة البنت بتروح من يديه.

جاءها صوت أختها الضاحك من الطرف الآخر من الخط, ليليه صوتها:

- أنت بتعشيني, منين يا حسرة, أترك اللحم والشحم, وأروح آكل عظام الدياي.

لتزجرها:
- أقولك يا شيخه, تعالي الحين, تراني من الضيق ما أشوف إلي قدامي.


لترد من فورها:

- أزين أزين بيي, حشى كأنك بطلعين لي من السماعة وتاكليني, ما أحد يتفاهم عندك, يلا جهز لي شيء آكلة تراني يوعانة موت, وأنا ما أعرف أشتعل وبطن خاليه, أنت تعرفيني أزين.








__________________







ابتسمت وهي تقول بمكر:
-
- لا تخافين .. هذا أخوي يتدلع عليك, يبى يشوف غلاته عندك بس.

لترد عليها مدافعتا, وشيء من بحة الخوف تحيط بصوتها:

- لا حرام عليك, صوته البارحة كان وايد تعبان.

لتقول ساخرة:
-
- أيوه أيوه .. اتصالات من ورانا... وش هالخيانة... ما تقدرين تصبرين كمن يوم.. خليه يشتاق لك على الأقل.
-
لترد عليها وقد بان الخجل بنبرة صوتها:

- هو أتصل بي, تبين ما أريد, كيف؟ هو زوجي, تبينه يعصب عليه قبل لا يلمنا بيت واحد.

لتكمل مزحتها قائلة:

- أيوه ... شكله أثمرة أخيرا كورساتِ المكثفة فيك, أباك كذية زوجة مطيعة, همك زوجك بس.

لتلتقط آذنها صوت ضحكتها من على سماعة الهاتف, ومن ثم صوتها الذي بالكاد يسمع:

- لا تخافين علية, بخليه في رموش عينه.


- الله وش هالكلام الكبير, وينك يا حميد تسمع هالكلام, وينك؟

لتقول باستحياء:

- بس خلاص ما أقدر بموت من الحياء, بسكر أحسن.

- بتشردين يا ريموه, توه بدأ الكلام يحلو.

- بس هند, والله مو قادرة أتحمل, ويهي أحترق من الحياء, وبعدين وراية باكرة قومه من الصبح عشان أروح الصالون, يلا مع السلامة.

عادت ترمي بتلميحاتها الساخرة :

- قول أنك مستعلة تسكرين التلفون عشان تكلمن حبيب القلب, الحين موعدة صح, الله يرحم
أيام أول كنت تكلمين بساعات ولا يهمك شيء, الحين يي حميد وأكل الجو عليه.

لتقول بضيق زائف:

- تعرفين أنه ما أحد يعطيك ويه, يلا فارق مع السلامة.

وتغلق الخط من فورها, وترسم ابتسامة فرح يتدفق من ذكرى الحبيب.







___________________








أخذت تنظر إليه بنصف عينيها, قد أعتصر وجهها الضيق والغضب معا, فهذا المخلوق


المتجرد من الحياء, لا يزال يثرثر بلا توقف, وهو يأكل كعكة الشكلاة التي أخذها من


المطبخ بدون إذن, بطبع, كيف يخرج من هذا البيت خالي الوفاض, كان يجب أن


يحصل على مبتغه, حتى لو كانت مجرد كعكة صغيرة الحجم, المهم شيء يصل إلى


معدته.

أخذت تتأفف, لعله يلاحظ ويخجل من نفسه ويرحل, لكن بلا فائدة, كان منهمك في مضغ

الكعكة, والتكلم في مواضيع لا تهمها.


فلجأت للحل الثاني, وهو بأن تمثل دور الناعسة, أخذت تتثاءب وتمد أطرافها.

لا حيات لمن تنادي..

شخص متبلد المشاعر ..

لا يوجد في وجهه ذرت من الحياء ولا حتى الكرامة...


بدل أن يسألها هل أنتِ نعسانة ؟ هل أرحل ؟


جاءها سؤال آخر, يفتح بابا مطولا للحديث ..


سألها بفمه المملوء بالكعك, وقد تطايرت بعض قطعها من فمه بصورة تقزز الناظر لها:

- من سوى هالكيكه العجيبة؟ لا تقولين عروستنا سوتها ؟

وابتسم ضاحكا ...

لتقابل سؤاله, بعلامة استفهام كبيرة رسمت على وجهها, وترجمتها بسؤالها:

عروستكم ..

وقبل أن تكمل سؤالها, جاءتها صرخة ابنتها فاطمة الهلعة:

- أمي لحقي مريم .. مريم ما أدري وش صار لها ... لحقي..


ليقع قلبها من عرشه إلى الأقدام من شدت خوفها.







_______________









حاول للمرة العاشرة أن يقوم, لكن بلا فائدة, فقواه قد خارت أمام الهجوم الكاسح الذي


شنه عليه خبر حضوره, حضور الموت, ضيف ثقيل على القلب, يفرض نفسه بالقدوم


لزيارة هذا الجسد الفتي, ويرحل لكن معه ذكرى من هذا الجسد, وهي جوهر هذا الجسد,


نبع حياته, ألا وهو الروح.

أراد أن يصرخ...

أراد أن يشكو ...

أرد أن ينفجر...

أراد أن يبكي...

لكن لم يقوى على فعل شيء من هذا ...

فالإستسلام ...

هو العدو الآخر الذي أستغل ضعفه ...

و احتل جسده ...

الفاقد للنضال ...

وللمقاومة...

دفن وجهه بين يديه ...

وبدأ يشحذ همته المتهالكة ...

فلا بد من رحيل من هذا المكان الذي حكم علية بالإعدام..


أدخل ما باستطاعته من الهواء إلى رئتيه المتعطشتان للحياة...


ومن ثم قبض بطرفي الكرسي الذي بات رفيقه في الساعات الماضية ...

وقام أخيرا ....

لتتم أول مهمة بنجاح ...

وليأتي الأصعب ...

كيف يجبر هاتين القدمين المتثاقلتين على المشي ....

بعد أن استنفذ قواه الموشكة على النضوب ...

خطى أول خطوة ...

خطى وهو لا يعي ما يحدث حوله ...

خطى الخطوة الثانية ...

لكن الخطوة الثالثة لم يكتب لها الحياة ...

فقط ردعها صوت صارخ ... مضرج بدماء الحزن الممزوج بالهلع :

بعد ريلك عن عباتي .... يلا يلا بنت بتروح من بين يدي ... بعد ...

رفع رأسه الذي بات ثقيل الوزن نحو صاحب الصوت, لتقع عيناه على امرأة فضت

الهندام, سكن الخوف أركان وجهها البيضاوي, والدمع انسكب من عيناها الجاحظتين,

كان يرى فمها يتحرك, لكن صوتها لم يصل إلى طبلتي أذنيه, كأن قدرته على السمع قد

أصابها العطب, كما أصاب سائر جسده . وأسقطها فريسة له الواحد تلو الآخر, ليأتي الدور الآن على أذنيه.

أخذ يحدق بها بعينان تائهتين, يحاولن أن يفكن شفرة الكلمات الخارجة من شفتيها

المكتنزتين, فعقله لم يعد ملكه, بات مشلولا بصدمة التي صفعته بقوة, فهشمت خلاياه.

ضل على هذا الحال لبضع دقائق, ولربما سوف يضل على حاله بضع دقائق أخرى, لو

أنها دفعت به بعيدا فخوفها على فلذت كبدها فاض عن قدر التحمل عندها, فختل توازنه

وسقط, وركضت هي بجزع وراء ابنتها المحاصرة بالموت..







________________









فتحت الباب ووجهها أحمر قاني من الغض المرسم عليه, وقالت صارخة:

- يوم ما يتي أحسن, ما قلت لك تين بسرعة.

لترد عليها بهدوء الخائف:

- يا صالحة والله العظم تأخرت لأني ما لقيت أحد ييبني, بعد شدة يلا يلا أدبر سيارة.

رفعت رأسها لسماء, لتتبعها كلتى يديها, وتقول شاكرة :

- أحمدك يا رب وأشكرك يوم خليت عبدوه يصيح وما يسكت, وخليتها أمه تتصل بسواق ييب الخدامة معه عشان يشلونه البيت الحمد لله.

عادت تصوب بصرها نحوه أختها المحدقة به بنفاذ صبر, و أكملت بتفاخر:

- وأنتِ تعرفين أختك, إلا وألصق فيها علين خلت السواق يوديني...

قاطعتها أختها, التي تعلم جيدا بأن أختها سوف تسترسل بالحديث إذا لم توقفها:

- خلاص فهمت فهمت, يلا خلينا نلقى لهالمسكينة بصرة, بتموت عليه من كثر الصيياح.

لتسألها:

- وينها الحين أهي..؟

لترد وقد خطت الحزن على عيناها:

- في حجرتي, كنت أباها تنام شوي ترتاح, بس ما طاعت.

ورفعت رأسها للأعلى وأخذت تدعو:

- الله لا يوفقك يا محمد على سواتك هذه , لا أنت ولا أهلك.

لتزجرها أختها قائلة:

- وش هالدعوه؟ أنتِ خبله ؟ تدعين على ولي نعمتك.

ابتسمت بسخرية وقالت:

- وين ؟ هذا أول, الحين بتاخذه وحدة ثانية وبتلهف كل شيء.

ابتسمت وقالت بمكر:

- لا إن شاء الله ما بييصر شيء من ذي.

لترد وشغف ينحت وجهها لجوب يشفي غلها:

- وش عندك بصره ؟

لتضرب شيخه صدرها بكل فخر, وتقول وثقة تنضح في صوتها كما وجهها:

- أفع عليك أنا شيخة أم الطبوب , الحل عندي.

لتجاوبها والفرحة تشع من محياها:

- كفو ... هذا عشمي فيك شيخه.

رسمت الحيرة عليها قبل أن تسأل مستفسرة:

- بس الأول بعرف, وش قلب الريال عليها؟ ! ما كان يحبها ويموت فيها, وما يرفض لها طلب.

ضيقت عيناها, وقطبت حاجبيها, ونفثت غلها في صوتها:

- أقص أيدي إذا ما كانت أمه هي إلي غسلت مخه, ما كان حلو وعين الله عليه, بس شكلها زنت على رأسه علين استسلم ووافق, أبونها ما تحب حصة وما تريدها له.

أشارت بأصبعها بلا وقد كان التفكير العميق يسكن ثنايا تعابير وجهها:

- لا لا لا , مو هذا السبب, لو كان السبب هو زن أمه لكن سوى ها الشيء من زمان, هذا عمل, شكلها أمه مسوية له عمل.

لتأيدها أختها من فورها وبنفس الوقت تطعم غرور أختها بلقاح المديح:

- صح صح . العمل لعب بمخ محمد, وخرب حيات بنتي, لحقينا يا شيخة , لحقينا.

رفعت أنفها إلى أعلى وقت بات رأسها يسبح في سحاب الغرور, وقالت بنبرة الثقة التي تسكن صوتها:

- لا تخافين , كل شيء بيكون تمام التمام, بس أنت جهزي عشاك, تعرفين مخي يسكر يوم أكون يوعانه
.









+++ يتبع +++













** ملاحظة: بإذن الله سوف يكون كل أسبوع جزئين, وسوف يكونان بين أيديكم يا إما الأربعاء أو الخميس أو الجمعة, أرجو بأن تكونوا في ضيافتنا خلال هذه الأيام ولم تندموا **

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 10-04-11, 09:22 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
Wavey الجزء الهدية لكل قارء ممتبع لروايتي

 

(( القيد الثالث ))









كان يعرف جيدا بأنه عندما يفتح هذا الباب, سوف تهجم عليه حمم من الغضب الذي لا ينتهي, يدرك جيدا بأنها لن تجعل فعلته تمر مرور الكرام, لكن لابد من المواجهة ووضع النقاط على الحروف, فهو الرجل في هذه الزيجة, وهو صاحب القرار الأول والأخير.
فتح الباب ورأسه شامخ في السماء.
وقد جهز أسلحته المشروعة وغير المشروعة, لدفاع عن حقه الذي شرعه الله له.
ليصدم من وراء الباب بشيء لم يكون موجودا في قائمة توقعاته .
لقد كانت جالسة في منتصف السرير, كملكة متوجة على عرشها, تاجها شعرها الكستنائي الذي انسل حتى كتفيها , وابتسامه تحيط بشفتيها شبه المسطحتين, تضاعف حجمهما بسبب الحمرة الوردية الفاقع لونها, والتي تثير الغريزة المدفونة, وعينان واسعتان مزينتان بالكحل العربي, يتربع في كبدهما قرصين عسليا اللون, تصوبان عليه نظرات الشغف.

ذهله .. بل صعقه ما وقعت عيناه عليه

أين تلك المرأة التي هاجت وماجت عليه منذ بضع ساعات مضت ؟

والتي كانت تتوعد ؟

وتصرخ ...

أين هي ؟

أمعقول أن هذه حصة ...زوجته التي رفضت رفضا قاطعا زواجه من أخرى ؟!!!

أمعقول ؟!!!

نصبت ساقها الرشيقة , وحررتها من ظلمة ثوب النوم ذو اللون الناري الخانق لها.

وقالت وهي تشير له بالجلوس إلى جنبها, بصوت يستفز ذكورته:
- تعال قربي... ليش واقف كذيه ؟!

أبتلع ريقه, قبل أن يبوح بحيرته لها:
- حصه ... وش هناك ؟!!


ضحكت برقه مفتعله, وقالت من بين ضحكاتها المتواصلة:

- وش بيكون هناك, أباك تقعد جنبي ... هذا حرام ؟!!


لم يبل ريق نفسه المتسائلة جوابها, فعاد يسأل ولكن بطريقة أخرى, وقد رص على عيناه ليتجل تعجبه لها:

- حصه ... وش صار في غيابي وقلب حالك ؟!!

رسمت ابتسامة طرفيه

وقامت من عرشها

وبقدميها الحافيتان اقتربت منه

وهو مسلط منظار عيناه عليها بتوجس الحذر

عندما غدت مواجهتا له

رفعت يدها وهي تتمايل بغنج

وصفعته بخفه

وقد عضت على شفتها السفلى

وقلت بعد ذلك بدلع:
- هذا إلي صار... صفعتك صحتني ... وخلتني اكتشف فيك الرجل القوي إلي كل مره تحلم به ..

ضيق الخناق على عيناه, وهو يحدق بها بعدم التصديق لقولها ...


في حين أنها أخذت تفتح أزرار ( كندورته ) وهي تحاول تأجيج نار الشغف واللهفة فيه:

- أبا أشوف ذاك الوحش مره ثانيه ... فطلعه لي ...


أمسك برسغيها وأشل حركتهما, وقال:

- حصه .. أنت قاعدة تضحكين عليه ... وألا ...

لتقاطعه بشفتيها اللتين اتحدت بشفتيه

ليبدأ جدار الحذر في داخله بتصدع


ومن ثم تقول بوجه باسم وقد حررت شفاهه من قيودها:

- تعال وأكتشف بنفسك

لتحرر يديها من يديه المخدرتان ...

وتبتعد عنه وهي تتمايل كغصن البان نحو السرير

وهو يتبعها بعينيه الجائعتان





____________





أخذت تلامس أصابعها الصغيرة, اللاتي فقدن حلويتهن بسبب الشحوب الذي تسلل إلى عروقها...

انسلت دمعه من مقلتها, وهي ترى ابنتها, فلذت كبدها تضوي أمامها, وهي واقفة تتفرج بلا حراك...

لتقول بحرقة وأسى تخنقان كلماتها:

- ليش يا مريم .. ليش تريدين أن تتركينا وتروحين عند أبوك ... ليش ؟ !... هل أنت مشتاقة له .؟!! .. كيف طيب تشتاقين له .. وأنت حتى ما شفتيه ... وألا أنت مغتصة لأنك ما شفتيه ... وعشان كذيه تريدين تروحين له .. بأي طريقة .. حتى لو كان الثمن حياتك ؟!! لكن حن ما شبعنا منك .. ها الست سنين ما تكفي .. نباك تكون عندنا .. لا تخلينا .. لا تخلينا ...

وأمسك بتلك اليد الهشة, كما يمسك الغريق بطوق النجاة ..

والدمع شكل طرقا على وجنتيها, وعادت من بين شهقات البكاء تقول:

- لا تروحي عنا .. لا تروحي عنا ...

ومن ثم ألقت بجسدها نحو ابنتها التي أخترق جسدها الضئيل بالكثير من الأجهزة والمحاليل, وبسببها غرقت في نوم عميق مجبرتا, وضمتها بكل ما أوتيت من قوة, كأن بفعلها هذا سوف تجذبها من براثم الموت الحائم حولها.




________________





لا يعرف كيف ركب السيارة وشق طريقه إلى منزله بسلام

لا يعرف كيف أنسل نحو غرفته دون أن يلمحه أحد

لا يعرف كيف ألقى بجسده المتهالك على سريره

لا يعرف شيئا ..

ولن يعرف

فعقله شل تماما

فخبر موته كان كالضربة القاضية التي أودت بحيات عقله

قبل جسده

لقد سقط في هاوية عميقة لا أول لها ولا آخر

أخذ يسترجع تلك اللحظة الفاصلة في سلسلة حياته

كان يجب أن يستشف الخبر من تعابير وجه الطبيب الذي كان ينبأ بخبر سيء ...

كان يحاول أن يجد الكلمات التي كما يبدو تبعثرت في عقله قبل أن تزور مسمعه

لكن هو لم يلحظ ذلك, فلم يكون في قائمة توقعاته هذا الخبر الجلل

كان يضن بأنه مجرد إعياء عابر و سوف يرحل مع الراحة

لكن كان الموضوع أكبر من ذلك بمراحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــل

ما إن أخيرا رمى الطبيب رمح الخبر الفاجعة عليه بقوله:
- للأسف ما أدري كيف أقول لك الخبر, بس ... بس ... للأسف مطر أخبرك ... للأسف أنت .. أنت فيك سرطان الرئة

سرطان

سرطــــــــــــــــــان

سرطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــان


تردد صداها في زوايا عقله


أسترسل أخيرا الطبيب في الحديث


لكن بعض فوات الأوان


فقد بات هو جسد بلا روح


لا يفقه شيء من حوله


فكلمت (( سرطان ))

لزالت تجتاح عقله بالزلازل

قام

نعم قام, وكأن شخص آخر يتحكم به

خرج من الغرفة

وأحاسيسه الخمس قد عطبت

لم يلحظ بأنه بات خرج غرفة الطبيب

إلا بعد أن أمسك الطبيب بكتفه

وهزه

ليستيقظ من بنج الصدمة الذي تخلل عروقه

ويقول الطبيب مواسيا, ومحاولا أصلاح ما يمكن إصلاحه:

- لا تخاف يا حميد, الطب الحين تطور وايد, وفي أمل كبير تشفى من المرض, بس خلي أيمانك بربك كبير

ابتسما ابتسامة ساخرة لم تدم في ثنايا شفاهه, وقال وقد قص خيط نهت تلك الذكرى البغيضة:

- كلام يا طبيب تقوله لمرضاك عشان توهمهم بأنه فيه أمل, أنا مو ياهل , ولا غبي, ولا جاهل بهذا المرض, خلاص أنا انتهيت, انتهيت, وبيغليبني ها المرض مثل ما غلب أبوي من قبل, الطب مهما تطور ما بيقدر على ها الخبيث, ما بيقدر...
وهوى بقبضة يده على سريره
لعله يمتص ولو جز صغير من بركان الغضب المتفجر بداخله

أخترق عباءة الظلام الكاسيت لجسد غرفته, ضوء منبعث من هاتفه النقال, الذي بشره بوصول رسالة له

نظر ببطء عدم المهتم نحو الهاتف النائم على يمينه

ضغط على زر الهاتف

ليصطع له اسم

جلجل كيانه

وصب عليه حمما جديدة من الألم

أنه الاسم

الذي اقترن باسمه

بصفته

الحبيبة

الزوجة

وأم لأبنائه

أو كان مقترن بكل هذه المهام

توجع

تألم

بكى بحرقه

تصهر قلبه

لدرجة أنه لم يفتح الرسالة

كيف يفتحها ؟؟

كيف يفتح بابا آخرا عليه لجيوش العذاب

فهو قد انهارت حصونه

ولم يعد يقوى على هجوم آخر

لقد مات في داخله

قبل أن يموت جسده

الذي لن يطيل البقاء في عالم الأحياء





_____________





كانت على وشك أن تضغط على زر الإرسال, حين باغتها صوته, فجعل جسدها يرتجف:
- أصبحنا وأصبح الملك لله, من صباح الله اتصالات وبربره, يا حرم خافي ربك, الناس تبد يومها تسم وتدعوا, وتتسمع للقرآن, وأنت ركضه صوب التلفون تبين تبربرين في علوم ما لها فايده .

لترد عليه عليه غاضبة:

- بسم الله الرحمن الرحيم, كمن مرة قلت لك لا تطلع عليه كذيه فجأه؟ بغلى قلبي يوقف


ومن ثم تحولت لسانها من لغة الغضب إلى لغة السخرية:

- وبعدين العدال يالسديس, ما كأنك قبل شوي صدعتني في الحيرة بصوتك إلي كأنه صوت حمار, فتركت لك الحيرة تتهن فيها, وش جابك هني؟


ليفتح عيناه على مصرعيهما, ويقول بذهول نحت صوته:


- أنا صوتي صوت حمار؟؟!!!


وما لبث أن أخذ يتكلم وبكل فخر وثقه تعمي سامعيها:

- أنت ما تعرفين أنه الناس تدفع لي عشان يسمعون شلاتِ؟


دوت ضحكتها الساخرة أرجاء البيت, قبل أن تقول باستهزاء:

- يا غبي, يدفعون لك عشان يسكتونك ويرتاحون مو عشان يسمعون نغيقك.


وعادت تكمل سلسلت ضحكاتها


ليرمقها بنظرة غاضبه

فهو لا يملك سواها


وقال:
- الأحسن لي أروح لأبو سالم آخذ كمن فلس, فالمعاش طلع أمس, وبعد أتريق أزين مو مثل ريوقك هذا إذا طبختِ اليوم, لأنك من تمسكين ها التلفون ما تخلينه.

أخذت تشير له برحيل, وهي تقول وضيق مرسوم على قسمات وجهها:

- روح .. روح .. هذا إلي شاطر فيه يا عبيد, تجمع كمن درهم ما يبلن ريق أحد, وبعد تتشرط وتقول تريد ريوق الزين, أول تشطر ويب لنا بخت فلوس وبعدين تشرط يا الشيخ.

ضيق عينه اليمنى وهو ينظر إليها بغضب تأجج أكثر بداخله:

- هذا إلي أخذه منك يا صالحة , تكسير, إلي عرفه أنه الحريم يشجعن ريايلهن, يساعدنهم, وأنت من عرست بك وكل يوم مكسرة مياديفي, ومو عاجبك شيء من إلي أسويه, ما يكفيك كل يوم حليلي أمشي من بيت لبيت ألقط لك الفلوس عشان تعيشين مثل الناس.

وضعت يدها في خصرها, وقالت والضيق ينبعث من عيناها التين نحتتهما السنين لتخلف أثارها عليها:
- تشوفني قطوة قدامك عشان تقول تلقط لي ...

ليقاطعها قبل فوات الأوان و يجرفه غضبها :
- لا حوووووووووووله... خلاص يا كلمة ردي مكانك, يلا أنا رايح .


وندفع نحو الباب مسرعا


لكي ينفذ بجلده من سياط لسانها الطويل


أخذت تتمتم بضيق , وتسب وتلعن الساعة التي تزوجت فيها هذا الرجل, وهي لم تحرره من مجهر عينيها حتى وهو قد بات خارج البيت.

ما إن نفثت جزءا بسيط من حنقها على زوجه في كلماتها النارية, حتى رفعت رأسها نحو السماء, وقالت:

- الله يرحمك يا بوي, ليتك ما غصبتني أعرس بهذا الريال إلي ما فيه فايدة, وجوده مثل عدمه, الله يرحمك بس ويغفر إليك.

وختمت دعائها بهز رأسها بأسى

ومن ثم عادت تكمل ما بدأت به, قبل أن يقاطعها ذلك الزوج المعدوم الفائدة

أخذت تضغط على أزرار الهاتف من جديد

جاءها من خلال أسلاك الهاتف الممتدة, صوت رنين, الذي لم يدم طويلا

ليقتل صوت الرنين صوت أقرب منه إلى الهمس:
- ألو ... مرحبا أمي ..

لترد عليها:

- وين محمدوه ؟

لترد عليها بنفس درجة الصوت الهامسة:
- راح يتسبح ..

- يعني أقدر أكلمك على راحتي؟



- أيوه .. أيوه ..



لتسأل وشغفها لإخبارها جلي على محياها:

- ها بشري وش صار البارحة بينك وبينه ؟

لتسبق ضحكتها كلماتها المتخللة السماعة:

- كل خير, عملت إلي قلتنه لي أنت وخالتي البارحة.

كسا وجهها الراحة ,وهي تقول:

- تمام, والعمل هل خلتيه تحت مخدته, مثل ما وصتك خالتك؟؟



- أيوووووه .. هذا أصلا كان أول شيء عملته يوم دخلت الحجرة.



لتخط تلك الابتسامة الشيطانية, وتردف قائلة:


- تمام .. تمام .. ما بقى إلا ننتظر أسبوع ونشوف النتيجة .


ليهجم عليها صوت ابنتها المرتبك قبل أن تكمل كلامها:

- أمي .. أمي لازم أسكر, شكله محمد خلص.


لترد هي الأخرى من فورها:

- أزين ..أزين .. يلا عيل مع السلامة.



ومن ثم ما لبثت أن لاح في خلدها ذكرى شيء, لتقول صارخة, لتلحق على ابنته, التي كانت على وشك إغلاق السماعة.


- حصه .. حصه ... لا تسكرين..


ليأتيها صوتها المتعجل, كأن شيئا يلاحقها:


- أيوه أمي وش هناك ؟


- لا تنسين تشربينه الدوى إلي عطتك خالتك إياه مرتين في اليوم.


- لا تخافين عليه أمي, ها الشيء ما طار من بالي, يلا لازم أسكر باب الحمام أسمعه ينفتح, مع السلامة.


- يلا .. مع السلامة.

لتغلق السماعة من هنا, وتشق ابتسامة انتصار طريقهما على شفتيها من هنا, وتفكر لدقائق, قبل أن تقول:

- لازم أكلم شيخه وأخبرها عن إلي صار, طلعت صدق شيوخ مو سهلة, تستاهل ذيك الدياية إلي طبختها لها البارحة.

وبالفعل شرعت بالاتصال بأختها أو بالأصح شريكتها في الجرم ..





____________________





أقبلت عليها ولهفت العتاب تنضح من عيناها, مع مزيج من الهلع الأموي يحيط بثنايا وجهها:

- وش هذا يا شمسة؟ .. ليش ما خبرتينا البارحة يوم تعبت مريم ؟!! لو ما قعدت أتصل بك وألقى تلفونك كله مغلق.. وبعدين اتصلت للبيت وفطوم خبرتني .. كنت ما بعرف .. متى بتتركين ها العادة الشينة عنك؟!!

لترد عليها, والدمع يتربص بمقلتيها المحاطتان بحمره كستهما من كثرت البكاء, وقالت بصوت أعياه السهر, وكبلته الروح الباكية:
- والله ا أمي ما كنت أريد أتعبكم, أعرف كنتم مشغولين بموضوع محمد.

لتقاطعها وهي تزجرها قائلة:
- وش ها الكلام يا شمسة؟! مريم أهم وألا موضوع أخوك أهم ؟!! لازم مريم أهم ما يحتاج تفكير... ما أعرف كيف أنت تفكرين ؟!!

ومن ثم هزت رأسها بأسى, ونفضت تلك الروح الغاضبة, وقالت:

- نسيت حتى أسلم عليك من الضيق من فعلتك ... المهم اتركينا من هذا وطمئنيني وش قال الدختور؟

وهجمت عليها بمجهر عيناها التواقتين لخبر يثلج الصدر ..


لترصد عيناها, فك ابنتها السفلي وهو يرتعش, والدمع تمرد على مقلتيها, ونفجر, وقالت بحرقة لم تهجر روحها المعذبة منذ ليلت البارحة:
- قال ... قال بأن حالها تدهورت وايددددددددددددددددددد ... ولازم نسفرها بسرعة تتعالج بره .



لتطلق العنان لبكائها الموجع, الذي أدمى قلب أمها ...


التي ضمتها بقوة, لعلها تبعث لها بالقليل من السكينة, وقالت وقد حاولت بأن تظهر الجلد في معالم وجهها, وصوتها, فإذا انهارت انهار الصرح كله:

- بس يا شمسة .... تعوذي من بليس... إن شاء الله بتسافر وبتتعالج ... وبترجع مثل قبل وأحسن بعد ... بس أنت هدي .. هدي ...

لتتمرد عن حضن أمها, وترفض وجودها فيه, وتقول وقد خطت الغضب المضرج بالحيرة في عيناها:

- كيف يا أمي بتسافر... كيف ؟!! كأنك ما تعرفين الحال !!!


لترد عليها بابتسامة أمل تريدها أن تصيب بها قلب ابنتها المثقل بالأحزان ...


وقالت:

- هذه مو مشكلة, الدولة ما تقصر, وبتسافر وتتعالج, بس أنت هدي أعصاب, وإن شاء الله الأمور بتنحل, بس هدي , فإذا شافتك المسكين بهذا الحال, بتخاف... وهي مو ناقصة ...

وأخذت تمسح على يد ابنتها المرتعشة من برد البكاء ...

وألقت نظراتها على الكائن ضئيل الحجم, المكبل بأسلاك لا تنتهي ...

لتتبعها ابنتها بعينيها ...

لترى هي الأخرى ما يدمي فؤادها....


نائما على السرير أبيض اللون ...

لا يعي ما يتربص به ببطء ...




__________________




كان يقدم قدما ويعيد الأخرى إلى الخلف ..


كانت هذه حالة منذ أكثر من ساعة...


برغم أنه طوال الليل كان يهيئ نفسه لهذه اللحظة ...


اللحظة المصيرية في حياته ...



التي سوف تذبحه من الوريد إلى الوريد ..



إلا أن قواه خذلته في آخر لحظة





( ( لا ما أقدر أعملها ... ما أقدر ... بس لازم لازم أسويها ... طول الليل وأنا أجهز نفسي لهذه اللحظة .... إذا تراجعت الحين ... ما بقدر أعملها مرة ثانيه .. أنا عارف ها الشيء ... يلا يا حميد تحرك ودق الجرس ... وإن شاء الله الباقي بيهون ... هذا القرار الصحيح فلا تتراجع عنه ... لا تتراجع ))


أدخل ما قوت رئتيه على احتوائه من الأكسجين ...


وكأنه يشحذ الهمة للمضي قدما في تنفيذ قراره الذي أتخذه لليلة البارحة


ووقع عليه موافقته


وما إن أخرج الهواء من صدره


حتى تجمدت تعابير وجهه


التي كانت منذ ثواني يخنقها الألم


وخطى تلك الخطوتين التين سوف تحددان مصيره المقبل...



وقبل أن يضغط أصبعه جرس الباب


إذا بصوت بوق سيراه يقاطعه


فانتفض جسده لمباغتته له على حين غيرة منه


نظر نحو مصدر الصوت


ليجد سيارة

BMW

عائلية


فتحت إحدى مراياها


لتكشف عن وجه باسم

ويقول:

- السلام عليكم حميد.


حاول أن يقابل ابتسامة الرجل بابتسامة حتى ولو كانت باهتة, وقال:


- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته عبد الله , كيف حالك ؟


ليترجل الرجل من سيارته


ويقبل نحو حميد


والبسمة لم تفارقه


لتتصافح الأنوف قبل الأيادي


ويرد الرجل عليه :

- بخير, الحمد لله, كيف حالك يا معرسنا ؟

لم يرد عليه, فقد التقط رادار عيناه صورة الحبيب

القابع خلف شباك السيارة الخلفي

ابتلع ريقه وهو يسرح في عوالم اللقاء الأول

فهو نسخة كربانية عما يراه الآن

لقد كانت تحادث من وراء باب السيارة أخته هند التي قامت هي بإيصالها

فهما كانتا يدرسان في نفس الكلية

كان هو خارجا لرؤية أحد أصدقائه

حين حباه الله فرصة بأن يرى هذا الملاك العائش بين بني البشر

عينان واسعتان

يحمينهما رموش طويلة

تتوسطانهما أنف حاد المعالم

يقبع في قاعه

فم صغير

محاط بجنديان من الشفاه كرزية اللون

كل هذا يعيش على أرض وجه طفولي

تقطر البراءة منه

فز قلبه لما رأى

ليعلن حالت عشق عاصف

ومن أول شرارة

حب حكم عليه بالموت قبل أن يلتقي الأحبة حتى

أوجعه ذلك الخاطر

انتشله صوت عبد الله الجزع

والذي أحاط يده بذراع حميد

وأخذ يهزه

لينقذ حميد من الغرق أكثر في بؤرة الوجع القاتلة

نظر إليه بعينان تائهتان

قال عبد الله الذي بان الخوف عليه, وسلب ابتسامه :

- خير يا حميد, وش فيك ؟؟!! لي وقت أكلمك وأنت مو معايه .

رد علي سؤاله بصوت واهي:

- ما شيء, بس سرحت شويه.

وعاد ينظر إلى من سرق قلبه

ليتتبع عبد الله عيني حميد, ومن ثم يقول وابتسامة ماكرة تخط على شفاهه:
- أيوووووووووه قلت لي سرحت

وضل يسهب في كلامه ممازحا لحميد

الذي عاد ليقذف بنفسه في حديث النفس

(( الله خالك تشوفها ذلك اليوم حتى تعشقها والله الحين يرسلها لك عشان تخلص الموضوع وتريحها وترتاح ))

رفع بصره نحو السماء

ومن ثم شعر بقوة جارفة تدب في جسده

فعاد لينظر إلى عبد الله الذي كان لا يزال يتحدث

فيقاطعه خوفا من زوال هذه القوى السحرية :
-
- عبد الله, ممكن أكلم ريم إذا أمكن؟

نظر إليه متعجبا, قبل أن يقول بصوت لم يخلو من نبرة الاستغراب:
- تكلمممممم ريم !!! ليش؟!!

ليرد, ولم يعر بالا لتعجب عبد الله:

- بتعرف بنفسك بعدين, الأول اسمح لي أكلم ريم, أرجوك الموضوع ما يحتمل التأجيل, أرجوك ..

التفت إلى خلفه حيث تجلس ريم, ومن ثم عاد ينظر بتفحص نحو حميد, الخاوي من التعابير البشرية في تلك اللحظة, وبعد طول صمت قال:

- حاضر, بروح أناديها لك.

دنت الساعة المرتقبة

التي صارع من أجلها كثيرا روحه الرافضة للقرار المجحف بحق قلبه

لتنزل من السيارة بعد حديث دار بينها وبين أخيها

وتكشف عن جسد ممشوق القوام

مكسو بعباءه

ليفز قلبه

مثل ما صار له مع أول نظره

أخذت تقترب منه باستحياء

ومع كل خطوة

يزيد نبض قلبه المتمرد لفعله

وتهرب أنفاسه الثائرة عنه

أخيرا

أصبحت أمامه

دق ناقوس النهاية

قالت من وراء نقابها, وقد نكست عيناها بخجل عذري:

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا حميد.

ليرد عليها, برعشة تجلت على صوته, فإعصار مدوي من المشاعر المتناقض, بين مؤيدة ومعارضة, يعصف بداخله المحطم:

- وع ...وعليكم السلام.

لتسأله بصوت هامس:

- كيف حالك ؟

ليرد عليها بصوت راجف, تشتت كلماته :

- بخير ..بخير.

ثم عاد الصمت يزور المكان

ضلت تترقب كلماته

وهو يقاتل من أجل أن تخرج هذه الكلمات من جوفه

طال صمته

وطال انتظارها

فكان لابد بأن تقتل هذا الصمت الذي جعل الحيرة تتسل إلى عقلها بسؤالها, وقد طأطأت رأسها أكثر من قبل:
- خير يا حميد؟ عبد الله يقول تريد تكلمني في موضوع مهم.

لااااااااااااا
يوجد من مفر

ولا ملاذ

سؤالها هذا حاصره

أغلق منافذ الهرب عليه

إذا لا خيار أمامه إلا إلقاء القنبلة

التي صحيح سوف تألمها في البدء

لكن لن تقتلها ببطء

لن تعذبها

عاد يلملم شتات قواه

ويشحذ بها صوته

ليدفع بتلك الكلمات الآبية للخروج

من فمه:
- ريم, إلي بقوله لك مو إنت السبب فيه, أنا .. أنا السبب, إنت بنت والنعم فيك, ما شيء ينعاب فيك, بس أنا فيه المشكلة... فيه أنا .. أنا ...

بدأ يشعر بأن قواه تريد أن تخذله

لهذا قرر أن يرميها قبل أن يعود لنقطة الصفر

- ريم إنت .. إنت طالقــــــ ...

ارتعش صوته في آخر حرف نطقه

لقد قالها

نعم نطق بها

وذبح نفسه

قبل أن يذبحها

أخذت تحدق به

والجمود يكسو قسمات وجهها

لا رد منها

لا ردت فعل تبدر منها

فهي لم تستوعب ما الذي تسلل إلى مسمعها منذ قليل

أما عبد الله

فقد أقبل إليه مسرعا

وفي محياه الدهشة مرسومه

وأخذ يسأله:
- وش هذا يا حميد ؟!! قاعد تمزح أنت؟!!!

أراد أن يصرخ

أراد أن ينفجر باكيا

لكن لم يفعل شيئا من ذلك

ولن يفعل

سوف يضل يكتم في داخله

ويكتم

ويكتم

ويكون هو في نظر الجميع المجرم


لكن لا يكترث


فهو يعلم جيدا بأن فعله هذا



سوف ينقذها من العيش مع شخص حكم عليه بالإعدام



نظر نحو عبد الله الذي احتقن وجهه بالدم, وقال بصوت خاوي من الحياة, فهو مسلوب الروح الآن:

- خلاص, انتهى كل شيء.




وأولاه ظهره وذهب نحو سيارته



وعبد الله الثائر المائج



يصرخ باسمه




ويأمره بتوقف



لكن ما من مجيب




لم يلتفت



ولن يلتفت إلى الوراء




لأنه سوف يضعف




سوف ينهار




إذا راءها




لهذا أكمل خطاه



ورحل



وهو في داخله عاقد العزم على أن لا يعود




بدأت أنفاسها تعلو صوتها




حين بدأ عقلها استيعاب الذي جرى بعد أن تحرر من وطأة الصدمة





وضعت يديها على عنقها



وهي تحاول استجداء الأكسجين لكي يزور رئتيها



لكن بلا فائدة



فصرخت مستنجدة بأخيها



فهي تشعر بأن روحها سوف تخرج من جسدها:


- عبد اللـــــــــــــــه ... إلحقنـــــــــــــــي...











+++ يتبــع +++










** ملاحظة: بإذن الله سوف يكون كل أسبوع جزئين, وسوف يكونان بين أيديكم يا إما الأربعاء أو الخميس أو الجمعة, أرجو بأن تكونوا في ضيافتنا خلال هذه الأيام ولم تندموا **

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 14-04-11, 10:05 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي

 

*(( القيد الرابع ))*






يومه العصيب لم ينتهي

لازالت سلسلة المواجهات في بدايتها

ها هو الآن سوف يواجهه أمه وأخواته ويلقي عليهن بخبر تطليقه لريم

سوف يتلقى صفعة أخرى بكل تأكيد

تزيد من نزفه

وأوجاعه

لكن لم يعد يهمه شيء

فقد تبلدت مشاعره

نعم

لقد صارت من جليد

وكيف لا وقد نحر حبيبته بيديه هاتين

سوف يسهل الباقي أمام ذلك الفعل الشنيع الذي أرتكبه في حق نفسه قبل أن يكون في حق ريم

جذب ما يستطيع عليه من أكسجين إلى صدره

وأقبل نحو صالة حيث أمه وأخواته الثلاث يجلسن يتسامرن

وأخذت القنبلة تبد عدها التنازلي

زفر الهواء من صدره مصحوبا بالسلام:
- السلام عليكم .
لترد عليه أخته هند مازحة:
- حي الله من شافك, شكله البيت غادى فندق بالنسبة لك ها الأيام, إذا ما ييت أحسن.
ضربتها أمها ضربة خفيفة على فخذها وقالت لها :
- ما تشوفين أخوك تعبان وأنت قاعدة تضحكين عليه.
لترد هند ونظرت انكسار في عيناها, وهي تمسح فخذها:
- وش قلت أنا ؟!!!
لتشير لها أمها بصمت, وتقول آمرة :
- جب أنت جب ...
لتتأفف هند وتقول:
- ما كنت أمزح.
لم ترد عليها أمها بل صوبت عيناها نحو ابنها الذي كان واقفا مطأطأ الرأس, وقالت:
- تعال حميد, تعال أقعد ويانا, خلنا نتكلم مع بعض, من زمان ما قعدت معانا, لا تراكض تجهز في ها العرس, أرتاح , أرحم عمرك.

حان وقت التفجير, لقد ابتلع ريقه بصعوبة, وفجر الخبر في وجوههن:
- ما بيكون هناك عرس, أنا .. أنا .. أنا طلقت ريم.
ليحدقن به والصدمة تنحت عيونهن قبل وجوههن
ليعم الصمت لثواني قلائل
ومن ثم تقوم أمه والصدمة لا تزال ترافقها وقبل أن تنبس بحرف
قاطعها بقوله:
- أعرف با تسأليني ليش ... جوبه لسؤالك بيكون أنا السبب البنت ما فيه أي عيب, بس أنا ما عدت أبغيها, أنا السبب.
ورحل وقد شعر برعشة تهز كيانه
ولم يرد أن ترصدها أعيون أمه وأخواته
الآتي كانت أمواج الصدمة تصفعهن تارة يمنتا وتارة يسارا.






______________






فتح الباب الرئيسي للمنزل, ليفاجأ بشخص كان يتهرب منه في الفترة الأخيرة واقفا أمام بابه
لقد فات الأوان للهرب
بادر الرجل باللقاء السلام:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ومن ثم تبعها بتحيت الأنف

ليرد عليه السلام, وفي داخله يفكر بوسيلة لتملص من هذا الضيف الثقيل على قلبه:
- وعليكم السلام, كيف حالك أسماعيل؟
- الحمد لله, كيف حالك أنت يا محمد إن شاء الله بخير ؟
- بخير الحمد لله, يسرك الحال يا خميس.
أخيرا بعد طول بحث لمعت في رأسه فكرة للهرب بأقل الخسائر.
فنفذها محمد من فوره:
- أسمح لي يا خميس, كنت بخليك تدخل, بس الحرمة والخدامة قالبات البيت فوق حدر, ما حلالهن التنظيف إلا اليوم, وقت العطلة.
وبين سطور هذه الجملة معنى مبطن بأن ترحل يا أيه الضيف الغير مرحب بك
ليرد عليه خميس بابتسامة, ويقول:
- مو مشكلة , أنا أصلا ما ييت عشان أقعد, بس بقولك كلمتين ورايح.

ابتلع محمد ريقه ببطء وهو مدركن عما سوف يحدثه عنه

لم يسعفه عقله بمنفذ آخر

فرضخ مجبرا للإصغاء لخميس

ليقول والبسمة على محياه:

- في الأول مبروك سمعت إنك بتعرس للمرة الثانية.

أخذ يحك على شعره الأجعد العاري

والارتباك تملك كل خلاياه

ويرد محمد بصوت بالكاد يمكن سماعه:
- الله يبارك فيك.
خميس:
- تعرف أنه أنا عتبان عليك, يعني أنا صديقك الروح بالروح أعرف من الغريب, ما عيبني هذا منك.
ليعود ليبتلع محمد ريقه الجاف, ويقول والارتباك قد وصل لصوته:
- والله الموضوع صار بسرعة.
خميس:
يلا ها المرة بعديها بس المرة الثالثة ما بعديها, هذه إذا كانت فيه مرة ثالثة.

وانفجر ضاحكا

ليسايره محمد مجبرا بضحكة مصطنعة

ويقول خميس بعد أن توقف عن الضحك:
- المهم هذا مو موضوعنا, الموضوع إلي يتك فيه هو فلوسي.
ليرد محمد ببلاهة مقصودة:

- ها اااااااااااااااا فلوسك ؟!!

ومن ثم ارتدى محمد قناع المسكنة وهو يقول:
- يا حسرة منين, أنت عارف الحال يا ربيعي.
لترحل روح المرح, وتهجم روح الضيق نفس خميس:
- يعني تريد تفهمني بأنه ما عندك فلوس, كيف عيل بتعرس ها؟
ليعود الارتباك يهز داخله, ويشتت أوراقه, ويرد محمد بكلمات مشتته غير مفهومة للسامع لها:
- والله . ... هو .. أمكن ... لا .. لتساهيل ... يعني .. أمكن نؤجل العرس علينا الله يفرجها.

هنا تجلى الغضب في وجه خميس وقال بنفاذ صبر:
- لا علين هني وبس يا محمد, صبرت عليك وايد, وعلى شردتك عني في الشهور إلي مضت, تحسبني ما حسيت, والحين تكذب عليه عيني عينك, تحسبن ياهل قدامك, لا أنا ريال ..أفهم وألقطها على الطاير, بس كنت الأشهر الماضي أعديها لك عشان نحن أصدقاء وما حبيت أن أضغط عليك, بس الحين خلاص شكلك أنت مو حاسب لصداقتنا أي قيمة, عطني فلوسي الحين ... عطني.
وأخذ يشير له بيده بدفع.
ليرد وروح الخوف تسكن بداخله:
- والله العظيم يا خميس ما عندي, والله, شوف حتى.

وانتشل محفظته من جيب ( كندورته ) وفتحها أمام عيني خميس وهو ييقول بجزع:
- شوف حتى فلوس في بوكي ماشيء.
هز خميس رأسه يمنتا ويسرا وهو يقول بضيق يغلف كلماته الناطق بها:
- ما لي دخل, أنا مو ولي أمرك, أنا بعد عندي مصارف وعيال وحرمة أكد عليهم, وبعدين أنا صبرت عليك وايد, صبرت سنه, أحد غيري من ثاني يوم طلب بفلوسه.

ليعلو صوت محمد:
- أقولك ما عندي, منين أييب لك فلوس ؟!
لتبرز عروق وجهه خميس المحتقن بالغضب, ويقول بكلمات ملتهبة:
- شكله الكلام عندك ما يفيد, بروح مركز الشرطة وهناك بطلع حقي أبرك ما خسر كلامي على ريال مثلك.
ليوليه خميس ظهره ويذهب بخطى واسعة
وتتحول القطة إلى سبع, فيزأر محمد قائلا:
- روح .. روح تحسبني بكلامك بخاف, لا .. أنا ريال والتهديدات ما تخوفني, قال صديق قال, أمحق صديق.

وختم كلامه بضحكة ساخرة.





________________





مدت أم محمد يدها المحملة بفنجان القهوة التي فاح منه رائحة الهيل, وقالت:
- خذي وشربي, وهدي أعصابك, إن شاء الله الأمور بتنحل.

لترد عليها بأسى يقطر من كلماتها :
- كيف يا أمي... كيف ؟!! من بيسافر عنديي ؟
لترد أم محمد عليها بضيق :
- وش ها السؤال الغبي؟!! وين راح أخوك محمد, أهو بسافر معك.

لترد عليها والخيبة تتربع على قسمات وجهها:
- أنت تعرفين بأن أبويه مو موافق على سفرتي مع محمد.

وضعت أم محمد الفنجان جانبا, وأكملت بقولها الزاجر:
- خليك من كلام أبوك, أبوك ما يعرف شيء, يعني ما يؤمنك مع أخوك, هذا كلام ينقال ؟!! بتسافرين عند محمد وخلاص الموضوع, لا تعطين الموضوع أكبر من حجمه أنت بس, ويلا خذي فنيانك وشرب قهوة, ورحمي نفسك من التفسير, شوفي ويهك وش صار, كله من التفكير وقلت النوم.
ألتفتت إلى خلفها, حيث تنام فلذت كبدها بسكون الذي يسبق عصف الألم, وقالت وهي تتأملها:
- . لا تخافي عليه أنا بخير ما دان الأمور بتتيسر وبقدر أسفر مريم تتعالج.

لتربت على كتف ابنتها شمسة, وتبعث الأمل في كلماتها لروح ابنتها القلقة:
- أنتِ بس قولي إن شاء الله, وكل شيء بيتيسر.
مسحت دمعتها التي انسلت بدون إذنها من عينها, لتقضي عليها, وقالت:
- إن شاء الله, إن شاء الله يا أمي.
وعادت تنظر نحو أمها, وقدت مسحت روح الحزن ببصيص الأمل الذي بدأ يتسلل إلى قلبها.
لتقابل الأم ابنتها بابتسامة واسعة تخفف من وجعها, قالت:
- وش رايك شمسة, أنا أبات الليلة هني وأنت ترجعين لبيتك؟ وتشوفين عيالك, تلقينهم مشتاقين لك, لهم أسبوع ما شافوك.

لتقول ولهفت الشوق تسكن ثنايا عينيها:
- وأنا بعد مشتاقة لهم وايد, بس والله ما أقدر, ما أرتاح إلا وأنا قرب مريم, إذا رحت للبيت بيظل عقلي وتفكيري هنا.

صرت عينها اليسرى وهي تقول معاتبة:
- وش هالكلام؟ يعني ما تؤمنين مريم عندي؟!!!

قبل أن تدافع شمسة عن نفسها

رن الهاتف النقال الخاص بهما

التي من فورها تعينت الرقم

لتكسوا عيناها نظرة تعجب

لتقابلها شمسة بالسؤال الحائر:
- وش فيك أمي؟ من إلي متصل؟!!
رفعت كتفيها بحركة تنم عن عدم المعرفة وقالت:
- ما أعرف, رقم غرب, خليه يولي, صرعونا ها الهنود يتصلون بسبب وبدون سبب.
ركد الهاتف أخيرا عن الصياح

لتقول أم شمسه:
- وأخيرا سكت ما بغى, المهم وش أنتِ قلتِ, الليلة أنا ببات عند مريم, خلاص.
ليعود يصيح هاتفها من جديد مقاطعا شمسة
لتعاود تعين الرقم, وتجده نفس الرقم الغريب, وتقول والحيرة ملئ وجهها:
- نفس الرقم الغريب, بشوف من هذا.
ما هي إلا ثواني معدودات لبت فيها أم شمسه نداء الهاتف.
- ألو ..
صرخت بأعلى صوتها:
- هذا أنت محمد؟!! ليش تكلمني من رقم غير رقمك؟!!!
فخرجت عيناها من محجريهما وهي تسم الجواب لسؤالها
لتجزع شمسة مما وجه أمها المرتاع
ولتصرخ الأم بملء فمها:
- أنت في مركز الشرطة!!! ليش وش صار؟!!






__________






كان منكسا رأسه هربا من عيني والده التين كانتا تطلقان عليه رصاصة الغضب من خلال انعكاسهما من مرآة التي تتوسط شباك السيارة الأمامي, لم ينتبه على عصى أبيه التي هوت عليه بدون سابق إنذار, ليتأوه من الألم, ويقول والغصب يعتصر وجهه:
- وش فيك أبويه؟ أنا مو ولد صغير تضربني.

لتزجر الأم كذلك الأب على فعلته:
- وش هذا يا بو محمد؟!! محمد الحين ريال, ليش تضربه؟!

ليرد عليها أبو محمد وهو مقطب الحاجبين محمر الوجنتين من شدت الغضب الذي تملكه:
- من سواته, هذه السوات ما يسويها إلا العيال الصغار إلي ما فيهم عقل, فشلتنا الله يغربلك, آخر أيامي أروح مراكز الشرطة, فشلتي الله يفشلك.
لم يرد عليه محمد بل اكتفى بطأطأة رأسه, فهو يعلم في قرارة نفسه بأنه مهما قال فلن يوقف غضب والده الجارف عليه, لهذا فضل محمد الصمت لكي يخرج بأقل الخسائر الممكنة.

لتتكفل أمه بدفاع عليه بقولها:
- يا بو محمد هدي أنت, الحمد لله الأمور انحلت.
ليبتر جملتها بكلماته النارية:
- تقولين انحلت! لا ما بتنحل علين يرجع الفلوس لريال, والله طلع الريال ولد أصل يوم طلبت منه يمهلك شهر عشان تدبر فلوس وتدفع له, ما ردني, كيف الريال الزين يصاحبك أنت يالدعلة.
ثم أخذ يوخز محمد بعصاه وهو يقول متوعدا:
- إياني وإياك تكسر كلمتي وما تدفع له الفلوس بعد شهر, يأني..
لتبتره زوجته محاولة تهدأة النفوس:
- يا ريال أستهدي بالله, وش ها الكلام, هذا ولدك ما يحتاي تتوعد, وبعدي أنت تعرف أنه ولدي ما يسوي ها العلوم, أقص أيدي إذا ما كانت الحية الرقط هي إلي خلته يتدين.

لتعلو ضحكت أبو محمد المستهزئة, ومن ثم قال:
- والله إنك ضحكتيني وأنا ما أبا أضحك, هذا ولدك هو الحية مو حرمته,دوم يضحك عليك وأنت تصدقينه كأنك ما تعرفين علومة الشينه.

لتتأف أم محمد ومن ثم تقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله, وش ها الريال؟

ليعود أبو محمد يوخز محمد الجالس في المقعد الخلفي لسيارة بجوار والدته, ويقول زاجرا له:
- وأنت يالدعلة المرة اليايه لا تتصل بأمك وتخبره على سواياك الشينه وتقولها لا تخبرين أبويه, سمعت, هذا إلي ناقص تبى أمك تراكض في مراكز الشرطة عند الريايل.
ومن ثم صوب بصره نحو زوجته الذي تجمع الدم في وجهها من الغضب, وقال:
- هذا إلي تريدين شمسة تسافر معه مع بنتها المريضة, تبينه يبلشهم بمشاكله وهي في الغربه, لا والله ما خليها تروح عنده.
ومن ثم أعتدل أبو محمد في جلسته في المقعد الأمامي, وأمر السائق قائلا:
- يلا كبير أسرع, نبى نرجع البيت نرتاح, تعبنا نراكض لها الولد نصلح سواد ويهه.
ومن ثم خط ابتسامة طرفية لم تدم طويلا, وأكملا قائلا:
- والله نكته, بدال ما أهو يهتم بنا, ويرعانا في كبرتنا, أحن نروح نراكض نحل مشاكله .
وهز رأسه بأسى


- هدي يا أختي, والله ما فهمت عليك شيء, لحظة دقيقة راجع لك.
لتلتفت وراءها وتصرخ بصوت هز البيت بمن فيه:
- يالبهم ... قلت لكم سكتوا, ما تشوفون أني أتكلم على التلفون, سكتوا, والله تراني يا يب العصى وأضربكم واحد واحد.

ليعم الصمت بعد زجرها

وتعاود التكلم على الأثير
- حسبي الله على ها العيال ما يفيد عندهم الطيب لازم العين الحمرة, يلا قولي وش كنت تقولين يا صالحة؟

لتصرخ بأعلى صوتها:
- وشششششششششششششششششششششششش ... محمدوه أنسجن , ليش ؟!!

- مديون .. صدق ولد فقر.

لتقول شيخة والحيرة تنضح من عيناها:
- وش فيك معصبه عليه, أنا إلي سجنته عشان تصارخين عليه؟!!!
ليعود صوتها يعلو :
- وش بسبب عملي أنسجن!!!
كانت مستعدة لكي تدافع عن نفسها بكل جوارحها
لكن لمعت في رأسها فكرة
غيرت أوراق اللعبة في عقلها
لقول شيخه بمكر النساء :
- يا صالحة يا أختي يا حبيبتي , أعرفك تلقطينها على الطاير, وش فيك؟ عملي نجح, ومحمد ما بيعرس, من بيؤمن بنته عند ريال رد سجون ومديون بعد, ما أحد, شغل ها المخ شويه.

وابتسامة فخر ردت بعد أن شحنتها أختها بكلمات المديح قالت شيخة:
- شفت عاد, عشان تعرفين أختك ما يخيب لها عمل, روحي الحين أتصلي بحصة, وبشريها بالعلوم الزينه, وقولي لها ما تنسان من الحلاوه .






________






كان هائما في الخروج حين قالت أمه, وضيق يخطو خطوطه العريضة على محياها:
- أيوه أطلع, أهرب مثل كل يوم, من عملت عملتك الشينه, ما قمنا نشوفك, مستحي صح, عارف إنك غلطان.

لم يرد عليها, فقط اكتفى بإلقاء نظرة عليها, وهم بالمسير من جديد, لم يرد أن يحتك بأمه.

لتقاطع خطواته من جديد بصوتها الجهوري الثائر:
- هذا مو حميد ولدي, لا والله, حميد ما يسوي ها السوايا, ما يطلق بنات الناس بدون سبب, ويخلي الناس يتكلمون عنها بالشين, أنت ما بظرك شيء, بس المسكينة هي إلي بياكل الناس ويهها.
هنا تمرد عن الصمت وقال حميد لها وهو لا يزال موليها ظهره:
- أنا قلت إني أنا السبب.
لترد عليه أمه بنفس درجة الصوت الحادة:
- الناس ما لها إلا الظاهر, وش دراهم إنه أنت السبب على قولتك, المسكينة من الحين بيتزوجها؟ قولي, تكلم ..

كم أوجعه بأن يكون هو الجلاد في نظر من يحب

لكن رغم ذلك

ابتلع وجعه

وصمد في هجوم أمه اللاذع

الذي لا يريد أن ينتهي:
- روح عيش حياتك, ولا يهمك, وخلي المسكينة ريم هي إلي تتعذب, روح ..أنت الكلام عندك ما ينفع..روح .

ورحلت لتتركه يكابد أوجاعه لوحده





_________





قام من مقعده وبث غضبه الذي يتقد في نفسه المضرجة بالأوجاع في صوته:
- دكتور أنا أعرف كل ها الكلام, إلي أنا أعرف الزين أنه كلام ما له أساس من الصحة, بس أعطني المسكنات وخلصني, أنا ورايه أشغال.

ليقوم الطبيب هو الآخر من وراء مكتبه المكتظ بالأوراق, ويقول محاولا إخمد حدت غضبه:
- يا حميد وش فيك انفجرت عليه كذية؟ هدي يا ريال, هدي, والكلام إلي أقوله لك مو كلام مو صحيح, هو كلام صحيح ومثبت علميا, الطب تطور وايد خلال السنتين الفايتتين.

ابتسما ساخرا لثواني قلائل, ومن ثم قال بنبره دنت حدتها:
- نفس الجملة, أنتم الأطباء ما تملون من أعادتها.

زفر الطبيب ما في رئتيه, وقال:
- يا حميد, أنت أقعد وهدي, وخلنا نتفاهم.

ليهز حميد رأسه بضيق, وينظر إلى أعلى وهو يردد قائلا:
- لا حول ولا قوة إلا بالله, لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم يعيد تصويب عيناه المصممتان نحو الطبيب, ويقول بنبرة لا تهزها مشاعر التردد:
- دكتور خالد, أنا قلت لك ما أريد أتعالج, خلاص, نقطة انتهى السطر, عطني الحين الوصفة وإلا تراني بروح لأي مكان ثاني آخذ منه الأدوية.

ومد يده مستعجلا إياه الطبيب بكتابة الوصفة.

مسح الطبيب على وجهه بقلة حيلة, ومن ثم قال كآخر محاولة لاستجداء عاطفته لكي يعود لطريق السليم:
- وأمك وخواتك, ما فكرت بهن؟ تريدهن يخسرنك كما خسرن أبوك من قبل؟ من بيرعاهن من بعدك, قولي؟

غمس حمد وجهه في كلى يديه, وضل على هذه الحال لبضع دقائق

والطبيب لم يعتقه من مجهر عيناه المترقبتان لرده

ليحرر حميد وجهه من حاجز يديه

ويقول:
- خلاص .. ما أريد منك شيء, خل وصفتك لك.

واندفع نحو الباب

حين استوقفه صوت الطبيب:
- خلاص بعطيك الوصفة.

ألتفت نحو الطبيب الذي بانت عليه علامات عدم الرضا, والذي بالفعل شرع في تنفيذ ما قال.

ما إن انتهى من كتابة الوصفة, حتى قام من كرسيه وتوجه نحو حميد المنتظر بالقرب من باب المكتب.

مد الطبيب بعد أن أصبح مواجها لحميد ورقة الوصفة الطبية

والذي بدوره حميد مد يده ليأخذها

إلا أن الطبيب بحركة سريعة أبعدها عن متناول يد حميد الذي استغرب فعله

وقال الطبيب:
- الأول لازم تروح معايه مكان, وبعدين بعطيك الوصفة, لا تخاف ما بخدعك.

أخذ يحدق به حميد لثواني

ومن ثم رضخ لطلب الطبيب مجبرا.




_______




منذ دخل المنزل وهو يدور في أرجاءه, لم يركد في مكان, فجمر الغضب يلهب صدره.
أقبلت نحوه بغنج مصطنع
فالفريسة أصبحت لها وحدها
تستطيع أن تنقض عليها في أي لحظة
بدون منافس
بعد أن جاءتها الأخبار السعيدة من أمها
مدت يدها نحوه
لتسكنها ظهره
فتجفله
هو الذي كان في أوج غضبه
لينفذ جز من غضبه عليها:
- وش فيك حصة ؟ ما تشوفين أفكر.
لترد عليه بهدوء لم تكن تعرفه قبل, وتقول بصوت حاني وقد جعلت شفتيها تتزين بابتسامة جذابة:
- إلي فيه, إني ما أقدر أتحمل أكثر أشوفك في ها الحال يا حبيبي, ما يهون عليه أشوفك مغتم ومتضايق وأنا قاعدة كذية ما أسوي شيء, حتى قلبي يعورني عليك, ها حسبه بنفسك.
ولتمسك بيده اليمنى, وتضعها على قلبها
وهي مدركة لنقط ضعف فريستها
ولهذا بدأت باستغلالها
لكي تعود من جديد خاتما في أصبعها
تفعل بها ما تشاء
لم يدم انتظارها لرؤية نتائج ما نفذته من مخططها الشيطاني
فقد بدأ العرق يتصبب من جبينه
وهو مسمرون عيناه نحو يده الساكنة على صدرها
ابتسمت ابتسامة النصر
وقالت:
- وش رايك نروح لغرفتنا وتفضفض لي هناك.
لم يكن معها, فقد كان ف عالم الخيال اللذيذ.
ليرد عليها كالأبله:
- هاااااااااااااااااااااا
لتمسك بيده اليسرى
وتقوده قائلة بدلع مفتعل:
- تعال حبي, خلني أريحك, فأنا الوحيدة إلي تفهمك في ها العالم.
فتبعها بدون مقاومة
فسلاحها الأنثوي لا يمكن أحد بأن يقاومه
خاصة بنسبة لشخص مثله
لا يشبع أبدا




________




مد أصبعه أمامه, وقال:
- تشوف ها العيال الصغار.
تتبع أصبع الطبيب الممتد, لتقع عيناه على أطفال في عمر الزهور, يلعبون ويضحكون, ويرسمون, دون أن يأبهوا بما حولهم.

نظر نحو حميد قاصدا, وقال وقد فتح عيناه على مصراعيهما لكي يلتقط ردت فعله:
- إلي تشوفهم كلهم قدامك, فيهم السرطان.

هنا هجم حميد بعيناه المندهشتان ناحية الطبيب
لتتكفل تعابير وجهه بالقول عما يحس به الآن
بدون أن يعبر بلسانه
ابتسم الدكتور باقتضاب, ومن ثم أردف قائلا:
- متفاجئ صح, من حقك, كيف ها الأولاد إلي يأكل فيهم ها المرض, يلعبون كأنه ما فيهم شيء؟
وأخذ نظرة خاطفة على الأطفال المنهمكين باللعب
ومن ثم عاد يسلط ضوء عيناه على حميد, وأكمل قائلا:
- الجواب بسيط, هو النفسية, فقط النفسية.
ونصب أصبعه السبابة مؤيدا لكلامه.
وأكمل الطبيب كلامه, وقد لاحظ الاهتمام الذي يبديه حميد لسماع ما سوف يقوله:
- إذا كانت نفسيتك مقاتله, وتأبى الاستسلام, ومتمسكة بالحياة, وتقابل المرض بابتسامة, فالمرض سبحان الله يتراجع, وأما إذا كانت نفسيتك مستسلمة لمصيرها, ومكتئبة, هذا بمثابة الوقود للمرض, يغذيه فيكبر ويكبر ولا تنفع أدويه ولا علاج له.
نكس حميد عيناه لثواني
ومن ثم عاد ببصره نحو تلك الملائكة الصغيرة
الباسمة الضاحكة
المتجردة من قيود الحزن
وهو مندمج في النظر إلى وجوههم الباسمة
لاحظ طفلة تركض نحوهم
والابتسامة تنير وجهها الذي نهش به المرض.
تعجب
لكن لم يطل تعجبه
حيث أن الطفل أقبلت نحو الطبيب خالد
وقالت ببراءة الطفولة النقية التي لم يسلبها منها المرض العين:
- دكتور شوف ... شوف.
ومدت نحوه قطع ورق
وأخذ تقفز والفرحة تقطر من وجهها الطفولي
جثا الطبيب خالد أمامها
وبابتسامة واسعة قال وهو يمسك
الورقة:
- أهلا مريوم... وش هذا؟
لترد وقد زادت مساحة ابتسامتها:
- اللوحة إلي طلبت مني أرسمها.
مدت أصبعها الذي فقد تورده نحو اللوحة
وأخت تقول والبسمة تأبى الرحيل عن شفتيها:
- هذا هو الأسد, شوف .. شوف .. ومعاه أولاده.
ليقول والإعجاب ينطق من عيناه:
- الله حلوووووووووو وايد .. طلعت رسامة خطيرة.
لتقفز ووجهها تهلل بفرحة المنتشي بانتصاره, وقالت:
- صدق دكتور .. صدق ..؟؟؟
ليهز رأسه بالإيجاب
وأردف قائلا:
- وعشان تصدقين, بنخلي صديقي حميد, يشوف اللوحة ويقول رايه بها, موافقة.
لتهز رأسها بعنفي الشغوف بنعم
فرفع الطبيب يده المحملة نحو حميد, وقال:
- وش ... رأيك حميد, مو حلوه رسمت مريم.
نظر نحو ذلك الكائن الصغير الواقف أمامه
ليغرق في عيناها الواسعتان
المتطلعتان لجواب يسعد قلبها الصغير
ابتسم
أمسك باللوحة الممتدة له
وألقى عليها نظره فاحصة
وقال بنبهار:
- واااااااااااااااااو وايد حلوه.

لتعود تقفز من الفرح ومهللة:
- هي هي هي .

فقال الطبيب:
- ما قلت لك أنه رسمتك حلوه... هل شافتها أمك ؟
فتوقفت مريم عن القفز لترد على الطبيب:
- لا راحت تتكلم بالتلفون... يوم ترجع بخليها تشوفها.
الطبيب:
- أنا متأكد بأنها بتعجبها وايددددددددددددددددددد.
ومدى يديه بجهتين متعاكستان
كان حميد قد تقمص دور المتفرج
يرصد كل حركات ذلك الكائن الصغير
الذي بالكاد بدأ مسيرته في الحياة
ليباغته هذا المرض البغيض
ويخنق أنفاسه
لكن رغم ذلك
لا توجد بواد لليأس على وجهها الندي
لا تزال تضحك أمام وجهه الألم
قال في سره ليلخص وجعه :
(( حرام ها الملاك الصغير يموت, حرام ها الابتسامة تنمسح, حرم ها الطفلة يسرقها الموت من أهلها, ليش يا هالمرض تجبرت وتعنترت على ها البنت الصغيرة؟ ليش .. ليش.. ))
أخرجه من الغوص في أعماقه الثائرة صوت الطبيب وهو يناديه:
- حميد ...حميد ...
ليرد عليه وهو لا يزال بين العالمين:
- هااااااا .. وش هناك؟!!
ليرد على سؤاله الطبيب:
- وش فيك أنت؟!! .. شكلك ما سمعت إلي قلته ..على العموم كنت أسألك وش تريدنا نخلي مريوم ترسم لنا المرة اليايه.
ليرد وقد فوجئ بالسؤال:
- هااااااااااااا.. .. ما أعرف...

ثم نظر نحوها

لتقول وترقب يسكن عيناها البنيتان:
- أطلب مني أرسم أي شي.. أنا أعرف أرسم أشياء وايدددددد..
وفتحت يديها على مصراعيهما.
ابتسم لحماسها, فأخذ يفكر, فلم يكن يقوى على قتل هذا الحماس وهو في المهد
أنحنا نحوها, وقال وابتسامة تسطع من شفتيه:
- وش رايك ترسمين أبوك وأمك وأنت.

ليجد الفرحة تضوي في وجهها

وتقول بحرقة المحروم:
- ما أعرف أرسم أبوي ... لأني ما شفته, فهو مسافر من زماااااااااااااااااااااااااااااااااان.

نظر نحو الطبيب خالد ليتأكد مما أستشفه من كلام مريم الأخير

ليجده بهز رأسه له يؤكد ما توصل إليه من حقيقة توجع القلب

أرتبك

تشتت تفكيره

ماذا يفعل

ماذا يقول

فجأه المنقوذ من تلك الروح المرحة التي تسكن في جسدها المتهالك
وهي تقول:
- بس أقدر أرسم أمي وفاطمة وحمدان وحامد وأنا . ... تريد أرسمهم لك.
ليهز رأسه بمعنى نعم
وفي داخله يقول :
(( حرام هذه الروح السعيدة إلي ترفض الحزن أن تموت, حرام .. ))
قال الطبيب لها:
- شوفي ها المرة بعطيك هدية يوم تخلصين اللوحة, وش رايك؟
بحماس يهز كامل جسدها قالت:
- أيوه أيوه أيوه.

قال حميد وهو ينحني نحوها, وقد استمد ابتسامة فرح من مريم:
- لا .. أنا إلي بهديك هدية كبيرة وايد يوم تخلصين اللوحة.

لترد عليه مريم بفرحة لا تسعها الدنيا:
- صـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدق
ليهز رأسه بنعم
لتباغته بقبله سكنت خده الأيمن من فرط سعادتها
وهو مشخص العينان من المفاجأة
وتردف قائلة:
- الحين بروح برسم اللوحة... وأنت روح ييب الهدية الحين يلا يلا ...
وأخذت تشير له برحيل
ليرد عليها بعد أنا ذهبت سكرت المفاجأة والبسمة لاتزال رفيقه:
- لا مو اليوم خليها باكر, لأني أباها حلووووووووووووه وايد.

مريم:
- أزين بست توعدني إنك باكر تيب الهدية, وإذا ما يبت الهدية ما بخليك تشوف الصورة.

وقطبت حاجبيها

ومدت شفتيها

لينفجر كل من حميد والطبيب ضاحكين

أخيرا ضحك

ضحك من قلبه

فهو لم يذق طعم الفرحة منذ فجع بخبر مرضه بالخبيث

ضحك ضحك تنعش روحة قبل جسده

ومن ثم أردف حميد قائلا:
- أوعدك .. أوعدك ...

وعاد يكمل ضحكته التي لم يردها أن تهجره

وجدت البسمة من جديد طريقها على شفتيها وقالت:
- يلا لازم أروح ابدأ أرسم عشان أخلصها باكر, قبل لا تجي, يلا باااااااااااااااااااااااااااااي.
وأخذت تلوح بيدها مودعة
ليلوح كلن من حميد والطبيب مودعين كذالك
وروحها المرحة قد داعبت شفاههم
لترسم البسمة عليها
نظر نحوه
ليجد أن حميد لازال يلوح مودعا لمريم
وابتسامة واسعة تداعب شفتاه
شعر بأنه حقق ما ابتغاه من هذه الزيارة
ومن ثم قال له وهو يمد الوصفة الطبية نحو حميد, لكي يتأكد من نجاح خطته:
- خذ حميد, هذه الوصفة مثل ما قلت لك, بس لا تنسى بأن ها المسكنات مع الوقت ما بتفيد.
نظر نحو الطبيب الواقف بجواره
ومن ثم صوب عيناه نحو الورقة الساكنة بين أصابع الطبيب خالد
وابتلع ريقه
وأخذها




_______




بعينان يقدحان بالشرر

وبوجه يغلي من الغضب
أسترسل بقذف كلماته الملتهب:
- خلني ما أسوى بيسه عند الريايل, ولا في السيارة قعد يضربني وكلمني كأني ياهل قدام السواق, ما كأني ريال خطت شواربه ولحيته.
دنت نحو شفتيه
لتضع رحيق أنفاسها فيهما
وتنسكب خصلات شعرها الحريرية على وجهه المشتعل بالحمرة
ومن ثم انتصبت وهي تمسح على شعره الأجعد ذو اللون الليلي
وتغريه بابتسامتها القاتلة له
وقالت وهو يتوسد فخديها ويتطلع للمزيد من غاراتها المحببة إلى قلبه:
- قلت لك أهلك ما يحبونك, يعني أنت كفرت يوم تدينت؟ لا إنت أول ولا آخر واحد يتدين, كل شباب ها الأيام بيوتهم قايمه على الديون.
ليخط ابتسامة ساخرة ويردف قائلا:
- قولي ها الكلام لأبوي, كأن أستغفر الله سويت منكر يوم تدينت.
لتعود لتشحنه على أهله بكلماتها:
- حبيبي محمد, كل إلي تسويه أنت بنظر أهلك غلط, وإلي تسوية أختك المسكينة شمسة صح في صح, وش ها الأهل إلي يميزون بين عيالهم, حرام والله حرام.

أخذ يجول بحدقة عينيه يمنتا ويسارا وهو يقلب كلام زوجته في عقله.

لاحظت ذلك, فأرادت أن تظهر نفسها الحمل الوديع أمامه.

عادت لتنثر خصلات شعرها على وجهه

ليشتم ريح الياسمين يعبق منها

وتدنو بشفتيها نحو أذنه

وتهمس:
- ما أحد فاهمنك مثلي يا حبي.

وضحكت بغنج

لينتهي وقت الحديث

وكذلك التفكير

غرس أصابعه خلال خصلات شعرها

وخنقهم


وسحبها بقوة

بعيدا عنه

ليجعلها تستلقي على السرير مجبرتا

وتلفح وجهها الخائف أنفاسه الملتهبة

ومن ثم ما لبث أن تحول الخوف إلى

ابتسامة واسعة

تشغل أكبر حيز من وجهها

وهو يهوي نحوها

يغدق عليها

بقبلاته

الملتهبة

المتعطشة لجسدها الأسمر اللون

في كل أجزاء جسدها الشبه عاري

وهو يقول في خضم ذلك:
- صدقتي .. يا حصة ... صدقتي ما أحد فاهمني مثلك .. ما أحد ..

لتغمز السنارة

فالفريسة قد ابتلعت الطعم

وتمت المهمة بنجاح




_________




طال انتظاره لتكرم المصعد له والوصول إليه
حاول أن يضغط على الزر مرة وإثنين وثلاث
بلا موحيب
زفر بضيق
ومن ثم قرر النزل على الدرج
أقبل نحو الباب المجاور للمصعد
حيث يؤدي إلى الدرج
وقبل أن يحرك الباب
هجم على مسمعه من وراء الباب صوت ذبحه البكاء
تصرخ قائلة:
- وش فايدة الأهل ييا بوبييه يوم الحين نحن محتاجينهم وكل واحد يتحجج بحجج مالها معنا, أكثر يوم نكون مو محتاجين لهم يعرضون خدماتهم, أهل ما فيهم فايده.
فضوله دفعه لنظر من خلال القطعة الزجاجية التي تعلو الباب
ليجد امرأة ثكلى
منهارة
الدمع أنساب بغزارة
من عينين بات لونهما أحمر
أوجعه ما رأى
من بين شهقاتها الباكية قالت:
- يا بويه ما قصدت بس... والله من قهري مريم بروح من يدي وأنا ما أقدر أسوي شيء ... ما أقدر .. والله قهر ... أفهمني ... أفهمني .. الحين كيف بسافر بمريم وما عندي محرم... كيف ..كيف؟!!

وعادت تسكب سيولا دامية من مقلتيها التين لم تقويا على حرارة تلك الدموع

لم يستطع النظر إليها أكثر من ذلك

فقد آلمه حلها

فشتت نظره بعيدا

ليرى رجلا مقبلا جهته

يريد أن يستخدم الدرج

شعر بأنه من واجبه بأن يحميها

ويجعلها تسكب حزنها بدون أن يقاطعها أحد

فمد يده مانعا الرجل من المضي قدما

وقال له:
- في عمال يشتغلون الحين داخل, فما أقدر اسمح لك تدخل, فالسموحه أخوي.

ليرد الرجل:
- مو مشكلة.

وانصرف

زفر زفرة ارتياح

وعندما أعاد بصره نحو الباب الفاصل بينه وبينها

اصطدم بعيناها الداميتان

لقد كانت لا تبعد عنه سوى مسافة شبر واحد فقط

ارتبك

تشتت أفكاره

فما كان منه إلا الجمود مكانه في خضم الفوضى التي تعم بداخلة

(( أمعقول بأنها شافتني وأنا أشوفها من الزجاج ؟!! ))

سؤال عصف بعقله

وهي الأخرى لم يكن حالها أفضل منه

فهذا الرجل ضخم الجثة

عريض المنكبين

فارع الطول

يكاد يلاصقها

ويأبى التزحزح من مكانه لكي تمضي في طريقها

في البدء ضنت بأنها صدفة

هي كانت تريد أن تخرج من الدرج

وهو يريد الدخول ليستخدم الدرج

لكن وقوفه أمامها كصخرة لا تتزحزح

وكذلك نظره المسلط عليها

مسح هذا الضن من عقلها

فثارت عليه بسياط لسانها المتقد بالغضب:
- لو سمحت بعد من قدامي, وأترك عنك ها الحركات.
في البدء لم يفهم جملتها, ومن ثم ما لبث أن أستوعب ما بين السطور
ليقول مدافعا عن نفسه:
- لااااااااااااااااا
وهو يلوح بكلتا يديه بالنفي مؤيدا لصرخته.
ويكمل:
- أنت فهمتي غلط.

لتبتر جملته بصوت حازم:
- فهمت صح والا غلط .. هذا ما يهم, المهم الحين تبعد عن طريقي, وإلا
لم يعجبه أسلوبها في الحديث وتلمحها المبطن
لهذا استوقفها برفع يده آمرا لها بالتوقف
وقائلا:
- ما يحتاج تهددين أختي

وخطى خطوة واحدة إلى يمينه, وقال والضيق ينحت وجهه, وهو يشير لها بالمضي:
- تفضلي الطريق كله لك.

هي الأخرى لم يرقها تصرفه الساخر, لكن فضلت بألا تعطيه قدرا أكبر من قدره, فهي مدركة تماما بأن هذه الأشكال من وجهة نظرها إذا أعطتهم فرصة فلن يتركونها بحالها أبدا.
فمشت مبتعدة دون إن تنظر إليه
ليقول بينه وبين نفسه وهو يتبعها بنظره:
(( أمعقول هذه نفسها التي كانت تبكي من شويه ؟!! ))
لكن في قرارت نفسه كان يحس بأن هاتين العينان قد مرتا عليه في صفحات حياته الماضية
لم يعر هذا الموضوع الكثير من التفكير
كان يريد أن يهم في الرحيل
حين رصدت عيناه ملاك السعادة يدنو منها
ويحيطها بذراعيه الصغيرتان
ويريها لوحته
لتخرج عيناه من محجريهما
وهو يستنتج الصلة بينهما
(( إنهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أم مريم
سبحان الله ))






+++ يتبع +++

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:56 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية