لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-09-10, 02:38 PM   المشاركة رقم: 31
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

وأنقطعت صرختها الثانية عندما سمعت صوت رامون يعلو على صوت الهدير الذي يصدره المطر:
" ماذا حدث , هل أصبت؟".
ورن السؤال كالصرخة في أذنها , فأعاد اليها الوعي , وأدركت أن يده هي التي تلتف على ذراعها وليست أفعى سامة من ثعابين الغابات فأجابته:
" لقد تعثرت , وأصيب كاحلي".
وتراجعت الى الوراء عندما لاحظت أنه ينحني ليفحص قدمها :
" كان الألم وقتيا , أستطيع أن أسير الآن".
ونظر الى وجهها القلق , وكان المطر ينحدر من رأسه الى وجهه , وأستدارت بسرعة لتبتعد عن مواجهته بقلب كسير , وتساءلت : هل خانتها أعصابها وفضحت سرّها؟ أما هو فأكتفى بأن قال في حزم:
" حسنا , هيا بنا!".
وكما بدأ المطر بسرعة , أنقطع فجأة , ولاحظت تينا للمرة الأولى في حياتها كيف تكون الأدغال بعد المطر , الخضرة الناضجة الرائعة تكسو كل ما حولها , وكادت تصرخ وهي تلاحظ عودة المزروعات للحياة بعد أن كانت تبدو ميتة منذ لحظات , ولكن كان عليها أن تتناسى هذا الشعور وتسير صامتة وراء رامون , ومع أنقطاع المطر خفت الحرارة التي كانت تجتاح الغابة , وحل محلها نسين بارد ورطب , وكأنه سحر مس روحها وأعاد اليها الحياة.
كان رامون يركز أهتمامه على الطريق الذي يسلكان , ولاحظت تينا أنه يسير بحرص شديد في الأدغال , يفحص بسرعة كل شجرة يمران بها , ويتوقف بين لحظة وأخرى ليختبر الأرض قبل أن يقرر أي طريق يسلكان فيه , وأنشغل تماما في أختبار كل شيء حوله بدقة , وعرفت تينا أنه يجب عليها ألا تقطع عليه تركيزه.
منتديات ليلاس
وبعد نصف ساعة من الصمت المركز , توقف وأخذ نفسا عميقا من الهواء معبرا عن الرضى , ونظرت تينا الى جوارها لتعرف السبب , وشعرت بالفل عندما رأت ممرا مطروقا ممتدا الى الأمام وسط الأرض , لقد أوشكوا على الوصول.
وحملقت فيه بشدة عندما لاحظت أنه يرسل رسالة بلغة ما , في أتجاه مجموعة من الأحراش المتشابكة المحيطة بهما , ثم أرتعشت خوفا عندما ظهر أربعة من الرجال , أكثر وحشية من أي أشخاص رأتهم في حياتها , وأطلقت صرخة خافتة وأسرعت تحتمي برامون , الذي همس:
" لا شيء يدعو للقلق , كانوا يستطيعون أيذاءنا منذ ساعات طويلة مضت لو أرادوا , أحتفظي بهدوئك , وأياك أن تشعريهم بأنك تخافيم منهم".
ساعات مضت ؟ ماذا يقصد؟هل كانوا يتعقبونهما منذ اللحظة التي غادرا فيها القارب , وربما قبل ذلك؟ كانت حاستها صادقة عندما شعرت بأن هناك عيونا تتلصص عليهما , وأرتعشت من الخوف وهم يقتربون ولاحظت أن كل شيء غريب فيهم , شعرهم المجعد الكثيف , مظهرهم القوي , أسنانهم القوية التي تبرز من بين شفاههم وترسم على وجوههم شكل الأنتصار الخبيث , وكان مما أرسل الرعب الى جسدها المرتعش طريقتهم في المشي التي تشبه القفز وهم يقتربون , ومظهرهم البدائي الذي تؤكده هذه الحلى التي يرتدونها والمصنوعة من عظام الموتى حول أجسادهم العارية والتي تصنع أصواتها عندما يصطدم بعضها بالبعض الآخر صدى يزيد تينا شعورا بالفزع وأخيرا هذه الأصوات التي يصدرونها والتي يتفاهمون بها , والتي ليس لها أي معنى بالنسبة اليها.
لكن هل كانت هذه اللغة غريبة حقا؟ أنتبهت عندما سمعت شيئا مألوفا صادرا عنهم فنظرت الى رامون , ولدهشتها الشديدة رأته يبتسم , أذن فكل شيء على ما يرام , أما الكلمات المألوفة التي سمعتهم ينطقون بها , فلم تكن سوى ترديد لكلمة ( كارامورو) , لقد كان المتوحشون يحيون رامون بلقبه.
وأستندت بجسدها المرتعش الى شجرة , وراقبت هذا الأستقبال الحار , كان رامون يربت على ظهورهم ,ويتبادل معهم الكلام بلغتهم الغريبة , كان شيئا بعيدا تماما عن الحياة العادية التي تعرفها , وتعلقت بالشجرة ودموع الضحكات تملأ عينيها وتنحدر على وجنتيها , وشعرت فجأة بلطمة على وجهها أعادتها فورا الى وعيها , وحملقت في وجه رامون الذي كان يقف في مواجهتها , ويدة مرفوعة أستعدادا لأن يلطمها مرة أخرى........وفرت الدماء من جسمها حتى أنها شعرت بصدمة عندما حاولت أن تتتكلم فلم يصدر منها صوت مفهوم , كانت عيناها فقط تعبران عما شعرت به نتيجة لتصرفه , ثم بعد تردد قالت:
"كيف تجرؤ على ذلك؟".
ورد عليها بأن هزها هزة جعلت الخوف الذي أصابها يزول كله تماما ويحل محله غضب جامح ورفعت يدها لتضرب بقبضتها هذا الصدر العريض الصخري لكن يده أمتدت لتقبض على معصمها في قوة جعلتها تتوسل اليه.
" أرجوك , أرجوك أنك تؤلمني".
" أذن توقفي عن هذه الأفعال الصبيانية الحمقاء , ستدمرين كل ما نفعل , هؤلاء الناس سيكونون بمثابة المضيفين بالنسبة الينا , وهم ينتظرون منك أحتراما , مماثلا تماما للأحترام الذي تقدمينه لأبناء قومك , فأرجوك أن تذكري هذا".
" أنا لست أمرأة من أهل هذا البلد ,وأنت لست رجلي".
" من أجل مصلحتك ستكونين أمرأتي , وسأكون رجلك , ما دمنا في هذه المنطقة".
ودفعها الى الأمام , وقال:
" أذا كنت مستعدة , يجب أن نتقدم للبحث عمن أتينا من أجله عن طبيب الأعشاب".
وكان الوطنيون الأربعة قد أختفوا وسار رامون في طريقه دون تردد وتبعته تينا , سارا مسافة بسيطة قبل أن تنفرج الأدغال فجأة عن ساحة واسعة جدا , في واجهتها كوخان كبيران من القش , وعلى الجانبين صفوف من الأكواخ الصغيرة , وكان من الواضح أن القرية كانت في أنتظارهم , فقد خرج كل من فيها من الرجال والنساء والأطفال وأسرعوا اليهم وهم يهتفون:
" كارامورو, كارامورو".
وألتصقت تينا برامون وهم يتقدمون ليحيطوا بهما لكن لفرط دهتها توقفوا على بعد خطوات قليلة , ثم ركضوا وهم ينظرون اليها , وضغطت بيدها على ذراع رامون وهي تسأل:
" ماذا حدث لماذا يحملقون فيّ هكذا؟".
وكانت أجابته الوحيدة زمجرة زادت من وعيها , وظل كل شيء متوقفا لمدة دقائق قبل أن يتقدم من خلال الجموع الراكعة أحد الشيوخ وقد بدا من مظهره وملابسه أنه رجل مهم فقال لها رامون :
" أنه رئيس القبيلة".

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 05-09-10, 02:39 PM   المشاركة رقم: 32
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

وبقيت تينا في مكانها مرتعبة من هذه العيون المحدقة فيها وبعد أن أنتهى رامون من حديثه مع الرئيس , أستدار عائدا اليها وقال:
" آنسة دونيللي , يبدو أنهم أختاروك أمرأة لي , سواء رضيت أم لا".
وردا على نظرتها التي عبرت فيها عن عدم فهمها لمعنى كلامه , قال ساخرا:
" لون شعرك هو الذي جعلهم يتخذون هذا القرار , فقد ربطوا بيني وبينك بسبب لون الشعر , أن مفهومهم بسيط , وقد سبق أن أختاروني وأطلقوا علي أسم كارامورو( رجل النار) لأنني أول رجل رأوه يطلق النار من بندقيته".
" ولكن , ماذا بالنسبة الي؟".
فأمسك بخصلة من شعرها , أغرق فيها أصابعه وقال:
" أمر بسيط جدا أنا رجل النار , وأنت , بشعرك الأصفر الناري , أمرأتي , أذن , أنت أمرأة من نار".
" أمر مضحك بالفعل ".
" لا شيء مضحك في ذلك , هؤلاء الناس يعبدون النار , ومن الآن لن تخافي من الجواهابيوز أطلاقا يا آنسة دونيللي , لأنك ( مهمة) بالنسبة اليهم.
كانت على وشك البكاء والهنود ينظرون اليها ,كل شيء حولها كان يدفعها الى الأنهيار العصبي , وتفكيرها في أنها ستشاطرهم هذا الطعام الذي يعدونه كان يبعث في نفسها الأشمئزاز ونظرت حولها بحثا عن مهرب ولم تتصور أنها تستطيع أن تصارح رامون بما في نفسها , لقد طالبها بأن تعاملهم بأدب وأحترام.
الحقيقة أن رائحة الشواء على النيران كانت شهية , ورأت تينا واحدة من نساء القبيلة تقف تحت الشواء وتفتح يديها لتتساقط فيها الدهون ثم تدلك بها جسمها العاري ويبدو أنها كانت عادة مألوفة عندهم فقد هرعت النساء لتجمعن كل نقطة دهن تتساقط من الشواء , ثم يدلكن أجسمهن بطريقة فنية يحسدهن عليها أشهر الفنانين من محترفي فن التجميل.
ولاحظت أن أعداد الطعام أنتهى , ووقفت أمرأة عجوز تقطع الثور الكبير المشوي بيديها ,وتقدم قطعة الى كل أمرأة من الواقفات , وتصورت تينا أنهن سيقدمنها الى عائلاتهم , لكن المرأة الأولى تقدمت بقطعة الشواء الى رئيس القبيلة وضيوفه , وشعرت تينا بالغثيان , لن تستطيع أن تذوق هذا الطعام أطلاقا , وأنحنى الرئيس على زوجته الضاحكة ليتسلم منها قطعة اللحم الضخمة , وأنتهزت تينا الفرصة فألقت نظرة سريعة من وراء ظهره الى رامون :
" أرجوك , لن أستطيع أن أتذوق الطعام ".
" هل ستسمحين للغثيان بأن يفسد فرصتك في الوصول الى طبيب الأعشاب؟ أن رفضك الطعام سوف يلحق بزعيم القبيلة أهانة شديدة , لذلك أقترح عليك أن تتغلبي على مشاعرك وتأكلي كل ما يقدم اليك".
وظهر تعبير ضاحك في عينيه ثم أستطرد:
" أن الطعام الذي معي لا يكاد يكفي لرحلة العودة , فأذا لم تأكلي الآن فسوف تموتين جوعا قبل موعد العاء".
وعندما أنتهى الطعام كان الظلام قد حل وبدأ الرقص حول نيران المعسكر , مصحوبا بموسيقى غير منسجمة تصدر من طبول جوفاء , مصنوعة من جذوع الأشجار , كان العازفوت يدقون عليها بعنف , ومعها غناء من شباب القرية الذين جلسوا في نصف دائرة حول نيران المعسكر مع الرئيس وفيغاس وتينا , الذين أكملوا الدائرة , وفوقهم قمر كبير ساطع يسبح في السماء ,ويرسل ضوءا كافيا فوق المكان , وتثاءبت تينا , كان يوما مرهقا حافلا بالأحداث , وأدركت بأنه يجب الأكتفاء بذلك , بالنسبة اليها على الأقل , وحاولت أن تنظر الى رامون لكنه كان غارقا في الحديث مع الرئيس , ولم ينتبه اليها حتى عندما سعلت سعلة عالية ذات معنى , كي تلفت أهتمامه وتحركت غير مرة , بأمل أن يلتفت اليها , لكن ساعة أخرى كاملة مرت قبل أن يقف الحاضرون أستعدادا للتوجه الى أكواخهم.
أوصل رامون تينا الى كوخ بسيط ليس فيه أي سرير لينام الأنسان عليه , كانت الأرض مكسوة بخشب الخيزران , أستدارت تينا نحو رامون وقالت:
" أسعدت مساء يا رامون , أشكرك أصطحابي الى هنا".
وزادها التعب عصبية فأردفت:
" أنني متعبة , هل تتفضل بالخروج؟".
أستدار على عقبيه , ناظرا اليها ومواجها غضبها ببرود:
" يبدو أن الأمر ليس بهذه البساطة , أن هذا هو الكوخ الوحيد الموجود والصالح للنوم , وأذا لم تكوني راغبة في مشاركة نساء القبيلة في كوخ واحد , فأخشى أن أقول لك أنه ليس أمامك خيار سوى ماركتي هذا الكوخ".
" أشاركك؟ لكن هذا كوخي أنا..... أنت الذي يجب أن تبحث عن مأوى آخر".
فقال ساخرا :
" أن مضيفنا سيصاب بدهشة شديدة ,ألا أشارك أمرأتي كوخها وكما قلت لك أيضا ليس هناك كوخ آخر صالح للأستعمال ".
وهز كتفيه , وسار عبر الكوخ الى كومة من الحشائش الجافة , فحمل نصفها وأتجه به الى ركن وضعه فيه وأخذ يرتبه ليصنع لنفسه فراشا , وهي تراقب غير مصدقة ثم قال :
" ها أنذا أعددت فراشي , وأعتقد أنك أقتنعت الآن بأنني باق".

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 05-09-10, 02:40 PM   المشاركة رقم: 33
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

ورمقها بنظرة خبيثة وهو يتكلم بسرعة لم تستطع معها أن تجد الرد المناسب بينما أستطرد هو :
" لا أعتقد أنك تعتبرين حقيقة أن النوم في كوخ واحد معي هو أمر مناف للتقاليد , أرفض أن أصدق أن خبيرة مثلك في الأدغال تفكر مثل هذا التفكير وهي التي أعتادت النوم في الخلاء وسط الأدغال بين الرجال , أن لنا نحن الرحالة كما تعلمين قانونا خاصا للأخلاق , لا يهتم بما يفكر فيه ضيقو الأفق من أهل المجتمع".
وفي اللحظة المناسبة , أدركت الفخ الذي ينصبه لها : أنه يشك فيها ولكنه لا يستطيع الأتهام دون دليل ..... وكأنه أراد بسؤاله دفعها الى الأعترافبأنها ليست خبيرة , ذلك أن مشاركة رجل في كوخ واحد هو أحد المآزق التي يقع فيها دائما المشاركون في مثل هذه الرحلات , كان ماكرا , لكنها كانت أيضا حسنة الحظ , فأدركت الخدعة في الوقت المناسب , ثم قررت أن تتجاهل الأمر , وتغير موضوع الحديث بعيدا عن هذا المأزق , أنها حتى الآن لم تكن تتصور أنه جاد في عزمه على البقاء معها , ألا أذا قصد بذلك أن يكون نوعا من العقاب , وبعد فترة سألت:
" ما رأي رئيس القبيلة , هل ينوي أن يسمح لنا بمقابلة الطبيب غدا؟".
كانت متأكدة أنه خلال الصمت الذي أعقب سؤالها , راح ينظر اليها مدققا وهو يقدر تماما موقفها ويعرف كل المشاعر المضطربة التي تحاول أن تخيفها , كان يراها , ويتمتع بها , ومع ذلك فأنه لم يضطرها الى العودة الى الحديث الذي تخلت عنه لكنه عندما أجاب على سؤالها , كانت لهجته تحمل سخرية عميقة:
" وعدني بأن يرسل أحد رجاله لأحضاره , كان توقيت حضورنا ممتازا , لأن الطبيب حاليا يجمع الأعشاب ليحضر الدواء لمعالجة الزعيم من هذا المرض , كل شيء على ما يرام , سيكون هنا بعد الفجر بقليل".
" هذه أخبار رائعة!".
تبددت السحابة من عيني تينا , بعد أن شعرت بأن النجاح أصبع على قاب قاب أو قوسين أو أدنى , وزايلتها كل الآلآم والمخاوف بعد أن أدركت أنها أصبحت قريبة من الهدف:
" في هذه الحال , أعتقد أننا نحتاج الى بعض النوم , فهل لك أن تذهب؟".
وسارت في أتجاه الباب , وكأنها مضيفة تقف لتنتظر من ضيفها أن يغادر الدار , لكنه بدلا من تلبية دعوتها , سار بهدوء الى فراشه وتمدد عليه :
" لن أستطيع الجدال أكثر من ذلك ,كان يومنا شاقا ومتعبا".
وأشار الى القش الملقى في الجهة الأخرى من الكوخ , وقال :
" أنصحك بشدة أن تأخذي أكبر قسط من الراحة , فستكون رحلة العودة غدا أكثر مشقة من رحلة الحضور , أذا لم تستريحي!".
" كنت أظن أنني في صحبة رجل مهذب".
منتديات ليلاس
ونهض من فراشه غاضبا وقال:
" هل كل واحد منا يبدو على حقيقته؟ أجيبي عن هذا السؤال".
وأمتلأ قلبها رعبا من العنف الذي بدا على وجهه , وزاد خوفها وفاض , عندما همس :
" لست أدري لماذا تملكين القوة التي تثير غضبي دائما ؟ منذ اللحظة الأولى التي قابلتك فيها وأنت تستمتعين بأستخدام قوتك ضدي , لقد وجهت الي غطرستك وأغضبتني وأهنتني , بل أنك حاولت أغرائي لمجرد مضايقة أنيز".
وأضطربت تينا لدرجة لم تسمح لها بالرد , لكن عينيها عكستا كل الخوف الذي شعرت به عندما سمعت كلمته بينما زمجر هو بقسوة:
" أن الأمر يبدو رخيصا وقذرا , أذا أردنا وصفه لكنه مع ذلك يطابق مقتضى الحال , أليس كذلك يا آنسة؟".
ثم أطلق ضحكة خشنة , وأتجه اليها مستطردا:
" ولكن ماذا لو أنني قررت ألا أترك الموضوع بلا نهاية يا آنسة ".
وفي الحال أدركت قصده , وكما يفعل الطفل الخائف , أسرعت تحاول الهرب لكنه كان يقف أمامها ويسد الطريق وأرتعشت وهو يجذبها من كتفيها الى صدره العريض , أرغمها على أن تنظر اليه , وقال :
" أنت تحفة فنية , هل تتصورين أنني سأسمح لك بالهرب مني مرتين؟".
وقاومته بشدة , لتبعده ولوت رأسها لتتجنبه , وقد ندت منها صرخة خافتة:
" لا , أرجوك لا ".
لكنها كانت تعرف أنها تقاوم بلا أمل فقد قرر أن ينفذ أنتقامه كاملا.
وفجأة , دفعها بعيدا عنه , وهو ينتظر رد فعلها , كانت عيناها خضراوان تفيضان بالألم , لكنها لم تعلق , وأرتفعت الدماء الى وجهه , وخفض ذراعيه الى جانبه , وتراجع خطوتين الى الوراء , ولم تعد تراه في الظلام الكئيب , لكن صوته عكس غضبه , حين قال:
"تحتاجين الى الكثير لتتعلمي الأغراء يا آنسة أن جاذبيتك تشبه جاذبية الطفل الذي لم يستيقظ بعد".
وتحولت عنه بعيدا , أسرعت الى فراشها , وأستلقت , تاركة لدموعها اعنان , فنظر اليها وتمتم :
" أصبح الموقف واضح بيننا الآن , أصبحت متأكدة أن مشاركتي لك في هذا الكوخ لا تنطوي على أي خطر , أنني سعيد الآن لأن بعض التقدم تحقق".
أدارت تينا ظهرها لرامون محاولة أن تبحث عن مكان مريح لجسمها المرهق وكان صوت أستهزائه وسخريته يرن في رأسها وظلت فترة ممختنقة في الظلام , تعاني من خشونة الفراش , وتفكر في غرابة الوضع الذي وجدت نفسها فيه , كان صوت تنفس رامون العالي يملأ الكوخ , وقد هدأ النوم من ثورته , لكنها ظلت تشعر بقسوة وحدتها ووطأة الشعور بالهجر الذي كانت تعاني منه في طفولتها وبدأت مخاوف الماضي تتسرب الى نفسها شيئا فشيئا , حتى بدأت دقات قلبها ترتفع بتأثير الخوف.
أستغرقت في نوم سيطرت عليه الكوابيس التي كانت نسيتها , العنكبوت المعلق يحملق فيها وسمعت نفسها تصرخ خائفة لوالدها , تتوسل اليه أن يأخذها بعيدا عن الأدغال , يا للمعجزة ..... في هذه المرة , أتى والدها , أخذ يربت على رأسها وهي تتوسل اليه أن يسمح لها بالعودة الى المدرسة في أنكلترا أو الى أي مكان وأن يبعدها عن الأدغال , وسمعت صوته الحلو يطمئنها , وشعرت بيده تربت على جبينها , ثم أنحسرت الأحلام القاسية , وأستغرقت في نوم هادىء , وهي تشعر بشعور مريح , ووالدها يربت على خدها ثم ينحني ليضع قبلة على جبينها.

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 05-09-10, 02:41 PM   المشاركة رقم: 34
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

7- مع طبيب الأعشاب


بدا طبيب الأعشاب وكأنه من المعمرين , والندوب والتجاعيد التي تملأ وجهه تجعله أشبه ما يكون ببطل أسطوري لكنه كان سريع الحركة , نشيطا كأنه لا يزال في ريعان الشباب.
ظلت تينا أكثر من نصف ساعة تنتظر نهاية الحديث بين الطبيب ورامون , وكان الوقت بعد شروق الشمس بقليل ,وساحة القرية كلها خالية ألا منهم هم الثلاثة , فقد أستيقظت على صوت شخص يدعوهم الى لقاء الطبيب الذي ينتظرهم والذي يرجوهم أن يذهبوا اليه قبل أن يعود الى عمله بأسرع ما يمكن.
ويبدو أن سير المحادثات لم كن مرضيا , فقد كان الطبيب يهز رأسه بالرفض مرات ومرات , ورامون يواصل محاولاته , ولكن العجوز كان يواصل رفضه وهو ينظر الى تينا بين لحظة وأخرى , وكأنها هي العقبة الرئيسية التي تدعوه الى الرفض , أخيرا هز كتفيه يائسا , وعاد اليها وهي تنتظره بمزيد من القلق.
" يبدو أن الأمر مستحيل".
قال لها ذلك بلهجة ناعمة ورقيقة , جعلتها تنتفض من المفاجأة وتراجعت الى الوراء وهي لا تتصور هذا العطف الفجائي , وكانت كل نبضة في عروقها تدعوها الى الأحتراس , فأخشى ما تخشاه أن يصيبها الضعف , وتأسرها لهجته الحانية فتسلبها المقاومة , وتصبح لعبة بين يديه .
" مستحيل لماذا؟ هل هناك سبب وجيه لذلك؟".
وتجنبت النظر الى عينيه , فأن لمحة واحدة كانت كافية لأن تدرك أن القسوة التي كانت تملأ عينيه الزرقاوين ذهبت الى الأبد وهي ان تتحمل أبدا هذا التأثير الذي ينبع من تعاطفه الجديد والذي تعرف جيدا تأثيره عليها.
أجابها بطء:
" ليس للطبيب أي أعتراض على وجودي معه أثناء تحضيره هذا المرهم الطبي , لكن أعتراضه ينصب على وجودك أنت فهو يعتقد أن حضور أية أمرأة عملية الأعداد وتركيب الدواء ستفسده وتجعله عديم الفائدة , أن هؤلاء القوم يعتبرون عقيدتهم وما يؤمنون به أهم شيء في حياتهم وفي عقيدته أن تكوين الدواء نصف النجاح , والنصف الآخر يعتمد على هذه الطقوس التي يقومون بها , فهو يعتقد أنه أذا كانت النباتات التي يستعملها تماما كما يريد , فأن ذلك كله لا يساوي شيئا أذا لم يتبع القواعد الموروثة التي أنتقلت اليه عبر قرون طويلة , قبل أن يبدأ في عمله , فهو دائما يتأكد من أن هناك أشخاصا معيين يجب أن يكونوا لحظة أعداد الدواء , فهل تقدرين الآن الموقف الذي نواجهه؟".
منتديات ليلاس
ونظر اليها صامتا , بينما أنعكست خيبة الأمل المريرة التي شعرت بها على نظراتها , كانت تتمنى أن تعود الى عمتها منتصرة , وهي تحمل هذا الدواء الجديد , لتعلن له أنتصارها ونجاحها , كان ذلك نوعا من التوصية الذاتية , ومن أسعاد عمتها التي خاب أملها في الرحلة , لكن , أذا كان ما يوله رامون حقيقيا , فلم يكن هناك سبيل للتغلب على هذه العقبة , وتملكها اليأس , والشعور بالفشل , وأهتز صوتها , وكأنها على وشك البكاء وهي تسأله:
" هل هذا هو رأيه النهائي والأخير؟ أليس هناك سبيل الى أقناعه؟".
وأخترقتها عيناه كأنه يقرأ أسرارها , كل سر , وكل أمل , وكل خوف ينتابها , عرفه بقوة بصيرته , فهز رأسه , وتردد قليلا , ثم عاد الى الطبيب.
وبدأ الحديث مع الطبيب هذه المرة بعنف , وتصميم وقوة , حتى أن تينا بدأت تشعر بالعطف على الطبيب المسكين الذي وقف حائرا , وعكس ما توقعت , بدا وكأن الرجل غير متأكد تماما من قراره , فقد نجحت كلمات رامون العنيفة في تحقيق التأثير المطلوب , وكم كانت دهشة تينا وهي ترى رامون يرفع بندقية ملوحا بها أمام وجه الطبيب الشاحب , وبعد الجدال العنيف بدأ الطبيب يتراجع , ثم أستدار على عقبيه , وأسرع الى الكوخ العام الكبير الذي بدأت تظهر فيه بعض مظاهر العمل .
وعاد رامون الى تينا مبتسما , ليشرح لها ما يشبع فضولها , قال:
" هددته بالقوة التي تحملها العصا النارية التي أملكها , لكننني أكدت له في الوقت نفسه أنها سوف تسبغ عليه حمايتها أن هو نفذ كل ما طلبناه منه , وقد رفض في أول الأمر , وأصر على أن زوجته التي دخلت معمل الولادة اليوم , سيصيبها مكروه هي أو طفلها الذي تنتظره أذا هو عصى أوامر أجداده.
وقد أكدت له أنني أعده بعدم حدوث أي ضرر للطفل أو لزوجته , ولكن لأن المخاطرة ستكون كبيرة , فقد أقترحت عليه أن يذهب الى رئيس القبيلة لأستشارته فيما أذا كانت قوتي هي الأقوى أم قوة أجداده , فأذا وقف الرئيس في صفنا فستنالين ما تريدين , كل ما أرجوه أذا أطاع أوامرنا أن يأتي طفله في ولادة سهلة , وألا.......".
لكن تينا رفضت أن تضع أي أحتمال آخر في أعتبارها , فالحصول على الدواء الآن هو كل ما تحلم به وتتمنى الحصول عليه وهو يعني بالنسبة اليها أشياء كثيرة , فأذا نجحت , فسيكون جزاء عادلا على كل هذه المعاناة في هذه الرحلة , وسيهون بالنسبة اليها كل ما حدث لها في الأسابيع الأليمة التي عاشتها , ستصبح آلامها لا تساوي شيئا الى جوار هذا الأنتصار , ولهذا قالت بأصرار:
" هذه أخبار رائعة , ولكن متى نعرف قرار الرئيس؟".
مرة أخرى زمجر رامون مترددا ثم قال لها:
" هناك شيء آخر يجب أن تعرفيه , أن المسألة ليست بالبساطة التي تتصورينها , فأذا كنت تريدين الحصول على الدواء , فيجب أن تعرفي أن هذا لن يحدث بالسرعة التي تتوقعينها وأنما سيكون علينا أن ننتظر ساعات وساعات وهو يقوم بطقوسه الدينية الطويلة , قبل أن يبدأ تحضير دوائه , ولسوء الحظ فأن هذه الأستعدادات لن تقل عن ثلاثة أيام".
وساد الصمت وتينا تحاول أستيعاب هذه المعاني التي تحتوي عليها كلماته : ثلاثة أيام , كيف تستطيع أن تتحمل الحياة ثلاثة أيام ولياليها بالقرب من رجل تحبه , بينما هو يعاملها بكل القسوة التي أشتهر بها الفاتحون من فرسان الأسبان ؟ هل تستطيع أن تقاوم هذه الأحاسيس التي تعصف بها , وأن تتظاهر بالقوة والكراهية , أم أنه يستطيع أن يكتشف ضعفها؟ وكيف يمكنها أن تتحمل العذاب الذي ستعانيه لو أنه أستمر في رقته المفاجئة , والنظرات الساحرة التي سوف تسلبها دون شك آخر قطرة من كرامتها , ولكن؟ هل تضحي بالهدف الذي تحملت كل ما تحملت من أجله بعد أن أصبح قريبا؟ هل تيأس والحلم أوشك أن يتحقق؟
رفعت كتفيها ,وقالت:
" أنني راغبة في البقاء , أذا وافقت أنت".

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
قديم 05-09-10, 02:42 PM   المشاركة رقم: 35
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 162960
المشاركات: 2,906
الجنس أنثى
معدل التقييم: نيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالقنيو فراولة عضو متالق
نقاط التقييم: 2759

االدولة
البلدLebanon
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نيو فراولة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : نيو فراولة المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

بعد ساعة كاملة , رضخ الطبيب لنصيحة رئيسه , وقادهم وراءه الى قلب الأدغال , وأختار بقعة ليبدأ فيها عمله , قريبة من القرية , حتى يسهل وصول رسول ينقل اليه أخبار طفله الذي ينتظره من يوم الى يوم , وأخبار زوجته التي تنتظر المولود , وشعرت تينا بالقلق , فقد كان يرمقها طوال الرحلة بين لحظة وأخرى بنظرات عدائية , وفكرت في ما يمكن أن يحدث لو وقع مكروه للطفل أو لأمه , وحاولت أن تمحو أية صورة للتوقعات المخيفة , وركزت نظراتها على البندقية التي حرص رامون على أن يحملها معه , وشعرت بالأطمئنان وهي تسير في حماها.
كانا يحملان معهما من الطعام ما يكفيهما ليومين أو ثلاثة , وبما أنهما لم يكونا قادرين على العودة الى القرية يوميا , فقد حمل رامون معه في حقيبته الأسرة المعلقة , والشباك التي تحميهم من الحشرات ........وبعد أن سار ثلاثتهم في الغابة مدة ساعة وصلوا الى ساحة صغيرة , كان من الواضح أنها هي المعمل الذي أختاره الطبيب , فقد كان فيها بعض الأدوات والبقايا التي يستعملها العجوز , وكوخ صغير ينام فيه أختفى في داخله بمجرد وصولهم ,وظل هناك مدة طويلة من الوقت , كانت كافية لأعداد أسرتهم المعلقة التي بقيت تنتظر من يشغلها , بينما ظل الطبيب في داخل كوخه في أنتظار الظلام.
منتديات ليلاس
وكاد صبر تينا يفرغ , كانت قلقة تريد البدء في الحال , ويبدو أن الطبيب كان ما يزال معارضا لوجودها , ولكن أخيرا , أمسك ورقة شجر في يده , وبسطها , ووضعها أمامه , وأدركت أنه يريد منها أن تجمع من الغابة , أكبر عدد ممكن منها , وأبتسمت له لكنه واجهها بوجه متجهم غاضب وبكلمات لم تفهمها , ونظرت الى رامون تطلب منه تفسير ما حدث , فقال لها مهدئا:
" لا تدعي الرجل ينجح في أستفزازك يجب أن تقدري مشاعره , فهو يعتقد أنه أول رجل في قبيلته يضطر الى خيانة تقليد أجداده ويفشي أسرارهم , وهذا يجلب له العار مدى الحياة , وهو يعتقد أعتقادا جازما الآن أنه سيصاب بمحنة كبيرة , عقابا له على ضعفه فينبغي أذن أن تعذره , ونتمنى ألا تخونه شجاعته".
وسارا في الغابة المحيطة بالساحة صامتين , يجمعان الأوراق التي طلبها الطبيب , وكانت تينا سعيدة بهذا الصمت الذي لازمهم , وكانت أية حركة صغيرة بين الأشجار , كفيلة بدفعها لأن تقفز مندفعة الى جواره , ولكنه برغم ملاحظته لما بدر منها , فأنه لم يعلق على ذلك , وظلا يجمعان الأشجار حتى غابت الشمس , ثم قفلا راجعين الى الساحة , حيث كان الطبيب يجلس ساكنا كالتمثال , محملقا بتركيز في كومة من الأعشاب , ورفع رامون يده داعيا تينا الى الصمت , ثم قادها في سكون الى الجانب الآخر من الساحة حيث أقام الأسرة المعلقة , وقال لها محذرا:
" يجب ألا نقطع عليه تركيزه".
وبعد أن وضع أوراق الشجر على الأرض أتجه الى تينا وقال:
" لماذا لا تستريحين , سأحضر لك طعامك !؟".
" شكرا , أفضل أن أحضره بنفسي , أذا كان ذلك لا يضايقك".
أختفت النظرات الرقيقة من عينيه , وعاد الى وجهه الجمود ثم قال :
" حسنا , بما أنك ترفضين أن نكون صديقين , فلا شيء آخر يمكن أن أفعله ".
وتهالك قربها جالسا على جذع شجرة ,ومد لها يده ببعض البلح الجاف , قائلا:
" آسف , ليس أمامنا خيار , ولكنني غدا سأجوب الغابة بحثا عن طعام لنا وسأجد فاكهة , وجوز الهند , وربما عثرت على عسل أيضا".
" أشكرك".
" نحن هنا المتحضران الوحيدان في هذه البقعة المهجورة وعلينا أن نقدم مثلا طيبا أمام هؤلاء المتوحشين الذين يستضيفوننا , فنحاول أن نتناسى كل المشاحنات والحساسيات التي بيننا , على الأقل خلال أقامتنا هنا".
وقفزت واقفة , ودفعت يده بعيدا عنها ليتناثر البلح الجاف على الحشائش , وكان عليها أن تقول أي شيء لتخفي هذه المشاعر التي تجتاحها والتي تصرخ في أعماقها شوقا اليه ........ وخرج صوتها غريبا وهي تقول:
" أنا لا أريد صداقتك , لا الآن , ولا غدا , ولا الى الأبد , الحقيقة أنه بعدما حدث بالأمس فأنني أتمنى ألا أراك مرة أخرى في حياتي , أنني أعرف.........".
أختلج صوتها وأكملت :
" أنك تفتقد صديقتك الجذابة دونا أنيز ,ولكن لن يكون هذا سببا لأن تعاملني كبديلة لها".
" ولكن ألم تكن هذه فكرتك في الأصل؟".
وأستعادت عيناه الزرقاوان نظراتهما الباردة العميقة ,وعندما أحمر وجهها , ضحك ضحكة خالية من المرح وكم كانت دهشتها أذ واصل قائلا:
" تعالي نعلن هدنة بيننا , يكفي هذه البقعة من الأرض وما فيها من مظاهر العداء والحروب والوحشية , هيا تعالي".
ومد يده اليها , قائلا:
" أنني أعتذر اليك عن كل ما سببته لك من مضايقات تعالي نتصافح , ونتعاهد على أننا أذا لم نكن صديقين قادرين على أن نكون فعلى الأقل لنمتنع عن أن يضايق كل منا الآخر , أرجوك قولي أنك موافقة".
وأرتفعت دماء الخجل الى وجنتيها ,وضاعت في حيرة , أما هو فأبتسم ومد يده الى آخرها فأحست كأنها مسحورة تماما , رفعت يدها ببطء حتى أصبحت في متناول يده , وأرتعشت وهي تشعر بقبضته القوية بينما همس هو في رقة:
" تيننا , أشكرك على كرمك..... هل تسمحين بأن أسمع صوتك ينطق بأسمي؟ ستعطيني أملا في أننا قد نصبح يوما صديقين".
في هذه اللحظة ضاعت كل شكوكها , وأدركت أنه يطلب منها أمرا بسيطا جدا , فهتفت:
" حسنا يا رامون".
نطقتها بسعادة وخفة , فرفع يدها الى شفتيه , وأنتظر قليلا , قبل أن يلثمها ثم تنهد معبرا عن أرتياه العميق , وأخذ يراقبها بعينيه نصف المغمضتين وهي تتناول طعامها.
ولم تعد تشعر بالجوع , أكتفت بما أكلت لكن الفترة التي قضتها في مضغ الطعام كانت فرصة لأن تحاول أن تجمع أفكارها , وتسيطر على أعصابها , وتخرج من هذه الحالة السحرية التي جذبتها اليه وأفقدتها وعيها وأستطاعت أن تسيطر على مشاعرها بعض الشيء , بينما كان رامون بجسمه الضخم متمددا على الأرض وهو يدرك تماما كل العواطف التي تعتمل في صدرها.

 
 

 

عرض البوم صور نيو فراولة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مارغريت روم, man of fire, margaret rome, رجل من نار, روايات, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير القديمة, عبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:04 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية