كاتب الموضوع :
جوووجووو
المنتدى :
الارشيف
فتح لها كلاي باب السيارة حيث اطمأن إلى راحتها قبل أن يتخذ مقعد القيادة ولاحظت هي الأعين التي تراقبها باهتمام من مختلف الأنحاء وعرفت أنها ستكون عرضة للألسن لأيام عديدة بعد ذلك من قبل زملائها الرجال الذين يعملون معها على السقالات إذ يمدون أيديهم لمساعدتها بأدب مبالغ فيه.
قال: الأمر نفسه كان سيحدث من قبل زملاء العمل لو كنت أنت رجلا اصطحبتك فتاة وربما أسوأ"
ضحكت هي قائلة: هل تحصل معيشتك من وراء قراءة الأفكار؟!" أجاب: كلا ولكنني كنت مهندس بناء أيضا"
قالت وهي ترمقه بنظرة جانبية من تحت أهدابها الكثيفة: أحقا؟ هذا صحيح" فقد كانت تعمل مع أبيها في البناء أثناء عطل الصيف الطويلة من الجامعة وكانت تعرف طريقته في العمل فقد كان يستغل أقل خطأ ليجعل من مقترفه موضع سخرية وهزء. وكانت تكره هذا الأسلوب ولكن هذا خشن من شخصيتها . هدرت سيارة الأوستن بخفة وهو يتوجه بها نحو الشارع الرئيسي, قالت جو: إنها سيارة جميلة" أجاب: نعم كانت لأبي, إنه لم يستعملها كثيرا مؤخرا ولكنه لم يقبل أن يبيعني إياها إلا بعد أن تأكد من أن عمري كاف لأجعله يثق بي" سألته: وكم عمرك؟ أجاب: ثلاثة وثلاثون. ما رأيك؟ لقد أراد العجوز أن ينتظر عاما آخر ذلك أنه لم يمتلك سيارته الأوستن الأولى إلا في الخامسة والثلاثين ولكنني أرغمته على تسليمي إياها بعد أن هددته بشراء سيارة بي. إم. دبليو."
دخل في هذه الأثناء موقف سيارات مطعم جورج. حدق فيها كلاي لحظة ثم قال "معك حق طبعا, فهذا مجرد غداء فقط ولكنني سأعطيك فكرة عن موضوع العشاء"
قبل أن تستطيع استجماع أفكارها كان قد فتح باب السيارة لها ولم ينطقا بكلمة وهو يقودها إلى داخل المطعم وبنظرة من كلاي إلى النادل سارع هذا يقودهما إلى مائدة بجانب نافذة تطل على النهر.
بقيت تحدق من النافذة إلى ذلك المنظر أو أي شيء يجعلها تتجنب النظر في ذلك الوجه المقابل لها . لقد أمضت حياتها العملية مع الرجال وكان من النادر أن يعوزها الأمر إلى كلمة واحدة معهم ولكنها لا تجد الآن شيئا لتقوله. لكن مشكلة كهذه لم تكن تضايق كلاي الذي قال: دعيني أحاول أن أقرأ أفكارك مرة أخرى" واتسعت عينا جو الرماديتان . لم تكن الأفكار التي تعتمل في ذهنها من النوع الذي تحب أن يقرأه.
سألها ببشاة: البط؟
قالت في محاولة لتلطيف الجو: هل هذا يعود إلى التدريب أم إلى قوة الملاحظة؟"
أجاب مشيرا إلى الطيور في النهر: قوة الملاحظة. بدا لي إعجابك بها فتساءلت عما إذا كنت تودين واحدا منها لغدائك"
وناولها قائمة الطعام متابعا قوله: أو ربما تريدين إلقاء نظرة على أنواع الطعام هنا" عندما عاد النادل إليهما كانت قد اختارت ما تريد بهدوء. سألها: أتريدين أن تشربي شيئا؟" عصير الأناناس من فضلك" وأدلى كلاي بطلبه إلى النادل طالبا مياها معدنية لنفسه.
سألته: لقد قلت إنك قادم لتوك من كندا؟ ماذا كنت تعمل هناك؟" كانت تحاول أن تجعل جو الحديث طبيعيا.
أجاب: كنت أعمل. لقد كانت أمي كندية – فرنسية وعندما توفيت أدركت أنني لا أعرف عنها وعن وطنها سوى القليل فأردت أن أتعرف إلى كل ذلك.
عادت تسأله: هل أنت في عطلة الآن؟" تردد برهة قبل أن يقول: لبس تماما, ولكنني أبحث عن أصدقائي القدامى وعندما قالت موظفة الاستقبال في شركة ريدموند أن جو كان يعمل هنا كان من السهل علي أن أجرب حظي في أن أجده حيث يقوم البناء نظرا لقربه من منزله. لقد اشتريت كوخا على ضفاف النهر في ناحية كاملي عندما كنت هناك في عطلة الأعياد."
حسنا هذا شأنه هو فما الذي دعاها لأن تثرثر فرحة كالأطفال قائلة: إنني أعشق تلك الناحية كاملي, فهي ما زالت تمثل جمال الطبيعة الفطري الذي لم يلحقه التشويه."
قال دون أن يلحظ ما أصابها من إثارة: نعم ولهذا السبب اشتريته وقد تبدو هذه حماقة إذ أن مكتبي في لندن وكان يناسبني أكثر لو اشتريت شقة هناك ولكنني لم أستطع مقاومة جمال ذلك الكوخ , إنه قديم وفي حاجة إلى اصلاحات كثيرة ولكنني أظن ذلك جزء من روعته , لقد انتهى ترميمه الآن وهو صالح للسكن ولكنني ما زلت مخيما بجانبه حاليا."
سألته: إذا فأنت لن تعود إلى كندا؟" أجاب: ليس في المستقبل المنظور على الأقل" لحظها بنظرة ثاقبة وهو يسألها هازئا: هل سرك هذا؟" أنقذها مجيء النادل بالطعام من الارتباك في الجواب ونظرت إلى سمك السلمون الذي وضعه أمامها وقد شعرت بالاشمئزاز من لونه الوردي نفس اللون الذي كان يصبغ جبينها.
قال وهو يقدم الطبق: سلمون؟ إنني مسرور جدا به"" نظرت إليه لتكتشف أنه لم يكن يسخر منها كما ظنت وأن ابتسامته كانت للطعام.
ازدردت ريقها وهي تتناول منه الطبق سائلة: هل عملت مع أبي مدة طويلة؟" أجاب: كان أول مدير مشاريع أعمل معه, التحقت بشركة ريدموند عقب تخرجي من الجامعة ووضعت تحت إمرته في العمل وكنت بذلك محظوظا جدا لا بد أنك تفتقدينه كثيرا." قالت: نعم إنني أفتقده لقد كنت أريده لكي.." وسكتت إذ كان ما تعنيه شأنا خاصا لا تحب أن تشارك فيه أحد أو تتحدث فيه علنا. أحس بأنه دخل خطأ , منطقة خطرة من مشاعرها فغير الموضوع حيث أخذ يصف حياته في كندا والبلاد نفسها حتى بدأت أخيرا تسترخي في مكانها.
عندما قدمت القهوة اتكأ في مجلسه إلى الخلف وأخذ ينظر إليها جادا وهو يسألها: ما هي خطتك المهنية للمستقبل؟ يا جوانا؟ إنك طبعا لن تبقي في البناء" أجابت بزهو: إنني أول امرأة استخدمتها شركة ريدموند كمهندسة بناء وقد قررت أن أكون أول امرأة يستخدمونها مديرة للمشاريع"
إذا كان قد شعر بالدهشة لجوابها هذا فإنه استطاع إخفاءها ولكن سؤاله التالي أوضح تفهما منه لما يمكن أن ينطوي تحت هذا القرار من مشكلات إذ قال: أتظنين أن هذا العمل يترك مكانا لحياة خاصة بك؟" أقرت قائلة: ليس كثيرا" عاد يسألها: ولكن ماذا بالنسبة إلى الزواج وإنشاء أسرة؟" أجابت: إن الرجال يستطيعون القيام بالأمرين في الوقت ذاته" لم تكن غريبة مثل هذه المناقشات فقد اعتادت شقيقتها الكبرى دوما أن تحاول إقناعها بأن تتخذ مهنة تقليدية حتى أنها عرضت مرة أن تسجل هذه المناقشات على آلة تسجيل كي تستمع إليها ولو مرة واحدة يوميا وذلك تجنبا لها للمضايقة, ولكن عبثا فمنذ وقت طويل توقفت هيثر عن محاولة تغيير أطباع شقيقتها وتكتفي حاليا بأن تثابر على تقديم الثياب الجميلة لها من متجرها لكي تحسن من مظهرها.
أجاب كلاي: هذا صحيح ولكن الرجال لا يحبلون وصعود السلالم ونزولها طيلة النهار بالنسبة إلى امرأة حامل يسبب مشكلات لها ألا تظنين هذا؟" لكن لما كانت جو غير مصممة على الزواج في المستقبل المنظور فقد تجاهلت السؤال وألقت نظرة إلى ساعتها قائلة: يجب أن أعود فقد تأخرت" نظر إليها كلاي لحظة مفكرا ولكنه لم يتابع الموضوع بل بالعكس, أشار إلى النادل طالبا قائمة الحساب ثم سألها: وبالنسبة إلى العشاء أين سأوافيك بالسيارة؟" حملتها دهشتها لرغبته في أن يراها مرة أخرى على أن تطلق ضحكة حائرة وهي تقول: ليس ثمة حاجة لذلك يا كلاي لقد كان لطفا منك أن تدعوني مرة إلى الغداء." مال إلى الأمام قائلا:إنني لم أحضرك إلى هنا لأكون لطيفا إنني أرغب في رفقتك يا جو غرانت لقد كنت أنت من اشترط ذلك في البداية طبعا, ربما غيرت رأيك"
" لكنني لم ..." وأحجمت جوانا عن إنكارها وهي تقف, لقد كان حوارا سخيفا ولم يكن في نيتها الاستمرار فيه , ونهض كلاي بدوره بينما ابتسمت هي قائلة وهي تمد يدها إليه برزانة قائلة: لا أريد أن أستعجلك وأشكرك على هذا الغداء. لن أزعجك في توصيلي إذ يمكنني أن أستقل سيارة أجرة إلى عملي." هز يدها صامتا بينما اجتازت هي قاعة الطعام قاصدة مكتب الاستقبال لتستعمل الهاتف, وأخذت تفتش في حقيبتها بضيق , وكان هو مستندا إلى الجدار يراقبها فقال: أيمكنني أن أقدم إليك بعض القطع النقدية الصغيرة؟" قالت ببرود: كلا شكرا" ولكن لما لم تجد شيئا منها في حقيبتها غيرت رأيها فقالت بحدة: نعم" قال برقة وهو يقدم حفنة من قطع النقد الفضية : لن تصل أية سيارة قبل عشر دقائق لماذا تعارضين أن أوصلك بسيارتي؟" رفضت أن تبادله نظراته وهي تختار قطعة العشرة بنسات ثم طلبت بغضب رقم مركز التاكسي في الهاتف. كان الهاتف يرن في أذنها "مركز التاكسي أية خدمة؟" قالت جو متجاهلة الرجل الواقف إلى جانبها: أريد سيارة إلى مطعم جورج بأسرع وقت ممكن" قالت الفتاة: إننا مشغولون قليلا الآن ولا يمكننا تأمين ذلك قبل عشرين دقيقة"
هتفت هي: عشرون دقيقة !
تناول كلاي السماعة من يدها وقال " لا ضرورة لذلك شكرا"
ثم وضع السماعة قائلا لها: لا يمكنني أن أجعلك تتأخرين عن العمل خاصة بالنسبة إلى وقتك في مواعيدك. وأعدك بأن تكوني آمنة معي فلا تخافي"
قبل أن تقول شيئا كان قد فتح الباب مسرعا بها نحو السيارة , جلست جو على المقعد الجلدي وهي تشعر بصعوبة في تنفسها, كانت دوما متمالكة الأعصاب في العمل ماعدا أثناء زيارة مدير المشاريع. ولكنها لا تدري لماذا فقدت سيطرتها على أعصابها عندما دخل كلاي تاكيراي مكتبها. إن كلمة "آمنة" غير صحيحة أبدا صحيحة أبدا ذلك أنه كان رجلا مزعجا لدرجة خطيرة.
لم يدر بينهما أي حديث وهما يخترقان الطريق الريفي شعرت جو بالارتياح أخيرا وهي ترى أعمال البناء تلوح لها من بعيد ودخل كلاي إلى الساحة ثم توقف.
كان كلاي يهز رأسه وهو يميل ليفتح لها باب السيارة وبقيت هي لحظة دون حراك وقد ساورها الارتباك تماما وقال: حسنا هل ستبقين جالسة هنا طيلة بعد الظهر؟ كنت أظنك في عجلة من أمرك"
أجابت وهي تحاول جمع شتات نفسها: نعم أشكرك مرة أخرى على الغداء"
ترجلت من السيارة ثم أسرعت باتجاه مكتبها رافضة أن تستلم للدافع الذي كان يغريها بالنظر إلى الخلف.
لم يتصل هاتفيا بها إلا يوم الخميس وكان قد مضى أسبوع بكامله . عندما سمعت صوته الخفيض يقول" جوانا"
قالت بمثل لهجته" كلاي"
قال لها: كيف حالك يا جوانا؟ " وأمكنها أن تتصور اللحظة الفكهة في عينيه تلك.
أجابت هي " إنني بخير شكرا , وأنت؟ هل تستمتع بإجازتك؟"
أجاب: ليس كثيرا فقد كنت في ميدلاند طيلة الأسبوع في عمل ولكن يمكنك أن تنسيني مشقة كل ذلك , إنني أدعوك إلى العشاء الليلة"
قالت متجنبة الرد" لماذا أنا؟" لم تكن تريد أن تظهر شوقها البالغ لهذه الدعوة.
ضحك قائلا" هل ستأتين؟"
دار صراع في نفسها بين عقلها ورغبتها للتغلب الرغبة أخيرا بقولها" بكل سرور"
نهـــاية الفصل الأول
|