لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-05-09, 01:54 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

سمعت دقات خفيفة على الباب ثم دخلت يولالي وقالت مباشرة :

- السيدة براندون تسأل عنك .

أسرعت كريستينا ترتب هندامها .

- حسناً خذيني إلى غرفتها .

مشت خلف يولالي إلى أن بلغتا البهو الرئيسي . وأدركت كريستينا أن جناح السيدة براندون يقع بمحاذاة البهو الكبير ، ويتكون من غرفة نوم كبيرة وحمام وحجرة صغيرة تضم آلة بيانو .
كانت السيدة براندون منفرجة الأسارير عندما دخلت كريستينا :

- أجلسي يا ابنتي هل أنتِ بخير؟

أجابتها كريستينا بانحناء من رأسها ثم قالت :

- آسفة كان علي تغيير ملابسي لتناول العشاء .

تقبلت الأمر برحابة صدر :

- لا أهمية لذلك . لا أتوقع منك أن تعرفي كل شيء منذ اليوم الأول . اخبريني ما هو رأيك في ارك اينجل؟ هل أعجبك الحال هنا؟

لم تتوقع كريستينا سؤالاًَ كهذا ، فغمغمت ببضع كلمات غامضة . فطمأنتها السيدة براندون :

- اعرف انك تحتاجين إلى مزيد من الوقت لاتخاذ قرار كهذا . ولكن أريدك أن تتصرفي وكأنك في بيتك.

أجابت كريستينا بحياء :

- هذا من لطفك يا سيدتي أعدك ببذل جهدي لتلبية كل طلباتك وأتمنى أن تحددي مهام عملي هنا وما يتطلبه بالضبط ، ونوعية واجباتي .

لوحت السيدة براندون بيدها ، تتلألأ منها الماسة كبيرة ، وقالت :

- يوجد متسع من الوقت لبحث كل ذلك أما الآن فخذي فسحة من الراحة وتمتعي بما حولك واعتقد انك تعرفت على حفيدي .

قالت كلماتها الأخيرة بدون مبالاة ولكن كريستينا أحست بتوتر خفي . أجابت على نحو طبيعي :

- نعم تعرفت عليه آتى عندما كنت أتناول الشاي .

- هذا ما قاله لي . يبدو انك تركت لديه انطباعاً طيباً .

نظرت كريستينا مذهولة :

- انك تبالغين قليلاً يا سيدتي . إن الأولاد في مثل سنه يتأثرون بسرعة .

تجهمت السيدة براندون :

- في مثل سنه؟ انه لا يصغرك إلا بأشهر قليلة . وفي الحقيقة تبدين بشعرك المتدلي فوق كتفيك اصغر منه .

قررت كريستينا اتباع سياسة الحذر :

- نعم . ولكن يقال أن البنات ينضجن قبل الصبيان ولو كانوا في سن واحدة .

ردت باقتضاب :

- من المحتمل . لم يحدث أن تعرفت على عدد كبير من البنات ، ولذلك أعجز عن إعطاء رأيي في هذا الأمر . هل تجدين ثيو صغيراً بالنسبة إلى عمره؟

سارعت كريستينا بالقول :

- لا . أبداً يبدو انه ناضج تماماً ويحب الحياة .

طاب خاطرها فتنهدت قائلة :

- صحيح انه لم يرزق بصحبة أبناء من جيله حتى الآن . واعلق آمالي عليك لسد هذا النقص قدر المستطاع . أنكما مثال الرفيقين مع بعضكما البعض .

بلعت كريستينا ريقها محتجة بدون طائل :

- ولكن اعتقدت إنني سأعمل سكرتيرة لك .

عقدت السيدة براندون حاجبيها :

- ليس تماماً يا ابنتي . أنا لا أدفعك للعمل مع ثيو . أريد القول أن لديك كامل الحرية لتقبل دعوة منه .

احمرت وجنتا كريستينا وتمتمت :

- شكراً يا سيدتي .

- هل يزعجك اهتمام حفيدي بك؟

مدت كريستينا يدها تفرك أذنها :

- كلا انه شاب مهذب ولكن لا افهم كيف تسمحين لي كموظفة ليست أرقى من الخادمات كثيراً بعمل صداقة مع حفيدك .

تجمدت عينا العجوز وقالت مصعوقة :

- أنتِ ضيفتي وكانت ربة عملك صديقتي . لا أريد سماع أي حديث عن خدمات وما إلى ذلك بعد الآن . تتكلمين كأنك تعيشين في القرن الماضي .

أطرقت كريستينا رأسها :

- أنا آسفة ولكن وضعي هنا يبدو غامضاً جداً ...

داعبت وجنتها بنعومة :

- هدئي من روعك لا داعي إلى القلق وهذا الاضطراب والآن دقي الجرس ولنذهب لتناول العشاء .

التهمت كريستينا طبقها بشهية رغم أفكارها المشوشة ومراقبة ثيو لها خلال فترة العشاء بأكملها. ثم توجهوا إلى صالون خاص تزينه ألوان ذهبية وعاجية وانتهزت كريستينا انهماك ثيو في لعب الورق لتتجول في الغرفة وتمعن النظر في اللوحات والرسوم المزخرفة . ومر أمامها شريط من صور عائلة براندون مغرقة في القدم ثم لمحت لوحة زيتية تصورت أنها بريشة الرسام الفرنسي الشهير رينوار .




انتهت من جولتها فأحست بالملل الشديد . تمنت لو تستطيع التنزه في حدائق ومنتزهات المنزل لكنها عدلت عن ذلك لمعرفتها أن ثيو لن يتوانى عن رفقتها كانت لا تريد التورط في أية علاقة غرامية معه والأفضل أن تخرج وإياه للتفرج على المزرعة والحقول المجاورة في وضح النهار وليس تحت ستار الظلام . همس ثيو في أذنها ، فاضطربت قليلاً :

- هل تحبين الموسيقى؟

أجابت :

- احبها كثيراً رغم أنني لا أجيد العزف على أية آلة .

تقدم من دولاب قديم وفتحه . رأت آلة ستيريو ومجموعة ضخمة من الاسطوانات وأشار عليها باختيار ما تريد قائلاً :

- أنها كلها موسيقى كلاسيكية للأسف جدتي تمقت الموسيقى الراقصة يوجد ما يشبه النادي الليلي في سانت فيكتوار يمكننا الذهاب معاً إلى هناك ذات مساء إذا أحببتِ .

كانت دعوته العفوية تلقائية وطبيعية لذلك كان لا يجوز رفضها ، قررت بينها وبين نفسها ولم تكن مفاجأة لم تتوقعها ، فابتسمت شاكرة .

وقع نظرها على اسطوانة تعجبها فطلبت منه سماعها وجاءت الموسيقى الناعمة لتشكل خاتمة لطيفة ليومها . هكذا حدثت نفسها وهي تتوجه نحو غرفتها مخلفة وراءها ثيو مكسور الخاطر . بدت غرفتها مريحة مزهوة باستقبالها ولاحظت أن أحداً ما أشعل المصباح بجوار سريرها . خاطبت نفسها :

- علي الاحتراس ، وإلا وقعت ضحية هذه الحياة الجديدة .

وهذه هي مشكلتها أتت إلى هنا لتعمل وتكسب رزقها بعرق جبينها وها هي تكتشف أن للحياة أشكالاً أخرى مختلفة ولن ترضى بحياة كهذه تؤدي بها إلى الكسل والخمول والاعتماد على الغير أوت إلى الفراش وظلت مسهدة لا يجد النوم إلى عينيها سبيلاً . تمنت لو نفذت خطتها وقامت بنزهة قصيرة بدلاً من الإصغاء إلى الموسيقى . إن الهواء العليل يهدئ الأعصاب و يجلب النعاس . وبعد أن تقلبت في الفراش متململة لبعض الوقت نهضت من السرير وارتدت معطفها . مشت نحو النافذة وفتحت الشيش المطل على الشرفة . كان الجو منعشاً فكرت وهي تحدق إلى صفاء الفضاء يتهادى فيه قمر فضي بشعاع باهت . تنفست بعمق وإحساس بالمرح . بدا كل ما يحيط بها عالماً جديداً لا عهد لها به .
وبينما هي غارقة في أحلامها العذبة ، لفتت انتباها حركة مكبوتة في الأسفل . عرفت لتوها القامة التي خرجت من الظلال وسطعت تحت ضوء القمر رغم اختفاء الجاكيت الأسود ، إنها يولالي تمشي بجسدها الأهيف . ورأتها كريستينا تدور حول حمام السباحة تسرع الخطى في اتجاه شجيرات كثيفة كالشبح .
عادت كريستينا إلى غرفتها وخلعت معطفها . تأكد لها أن يولالي ذاهبة للقاء أحد ما ولا بد انه شخص لا يسكن في آرك اينجل .

استلقت على فراشها يساورها الارتياب . إن هذا الشخص ليس سوى ديفلين براندون ولكن لماذا تشغل بالها به وبهذه الخادمة .

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 16-05-09, 01:55 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

مشــــاعر وليـــدة


أمضت كريستينا ليلة مليئة بالقلق ونهضت في الصباح تغشى ذاكرتها أطياف كوابيس مرعبة . فتحت عينيها خائرة القوى غير أن أشعة الشمس المنبعثة عبر الستائر أعادت إليها بعض حيويتها . وأعلن القرع الخفيف على الباب وصول يولالي تحمل كوباً من عصير الفاكهة الطازج ، وبعض الخبز ولزبده وإبريق قهوة حارة شعرت كريستينا ببعض الحرج وهي تتمدد فوق الفراش . لم يسبق لها أن تناولت فطورها في السرير ، إلا في حالة مرضها . وبدت يولالي مستاءة هي الأخرى وألقت عليها تحية الصباح بلهجة شبه عدائية . وما أن غادرت يولالي الغرفة حتى ألقت كريستينا نظرة عاجلة على المنبه الذي جلبته معها من إنجلترا . لا يزال الصباح في بدايته فقررت البقاء في غرفتها مدة ساعة أو ساعتين طالما أن السيدة براندون لا تحب النهوض باكراً كما علمت منها.
أنهت فطورها ، وارتدت بنطلوناً ضيقاً قصير الأكمام ، ثم رتبت سريرها ، وأسرعت بالعدو في اتجاه الحديقة عبر السلم الخلفي . وقادتها قدماها إلى الشجيرات الكثيفة عند أطراف الحديقة فلمحت ممراً ترابياً يؤدي إلى الشاطئ . كان الهواء يترنح بهمهمة النحل وحشرات أخرى وترامى إلى مسامعها همس الأمواج تداعب الشاطئ البعيد .
حثت الخطى ، متفادية الجذور الجافة البارزة ، حانية رأسها مخافة شبك شعرها في الأغصان المتدلية . كان ممراً ضيقاً وبدت الشجيرات الكثيفة تمتد أمامها مثل نفق داكن اخضر لا تخترقه أشعة الشمس .
وأخيراً وصلت إلى بقعة الرمال الفضية المنحدرة برشاقة نحو المياه المزبدة ورفعت وجهها تتأمل بامتنان ، تخال أنها تقف وحيدة في عالم هجره أهله ، ولم تعد تسمع سوى تغريد عصفور سعيد وصوت مياه البحر الحالم . انه شاطئ مثالي هادئ ، خاطبت نفسها ، ولا بد لها من انتهاز الفرصة غداً فتجلب ملابس السباحة ، وتنعم بدفء الموج اللذيذ . خلعت حذائها ومشت حافية إلى حافة المياه فلامست قدميها بنعومة رقيقة . ثم بدأت تمشي على الشاطئ ، والنسيم العليل يداعب شعرها ويبعث في شرايينها حياة جديدة ، طارداً بقايا ليلتها البائسة .
وخالت أنها الآن قادرة على تحمل كل المصاعب التي تواجهها في موطنها الجديد وحتى ثيو ستعرف كيف تتعامل معه ، مهما كانت نوياه . علت فمها ابتسامة وهي تفكر في ثيو ، ذلك الفتى الدمث الأخلاق المرهف الشعور ومع ذلك قررت انه لا يلائمها أن تتزوج أحد اقرب إلى مزاجها ، وتصورها لمواصفات الرجل ، رجل المستقبل ووجدت نفسها تفكر في ديفلين براندون ، فاجتاحها مشاعر غامضة وكأنها ترفض إصدار حكم نهائي عليه .

كانت غارقة في أفكارها ، تمتع أذنيها بهدير الأمواج فلم تنتبه إلى صوت إيقاع مكبوت يرتفع وراءها وعندما تبينته قليلاً ، احتارت في معرفة مكان انبعاثه ثم أدركت بهلع انه إيقاع حوافر حصان يعدو فوق الشاطئ . نظرت وجلة ممتعضة تعلن حظها السيئ ورأته بقامته الطويلة يمتطي حصاناً أسود اللون ضخماً كان عاري الصدر ، داكن البشرة يفيض رجولة ورقة . أين المفر الآن؟ فكرت كريستينا لتركض مسرعة إلى الأشجار ، فهي ملاذها الوحيد .

أدركت انه يلاحقها عمداً ، فضاعفت من سرعتها . زلت قدمها والتوى كاحلها التواء مؤلماً دفعها إلى إطلاق صرخة ألم موجعة وتهاوت على الرمال بائسة تمسك قدمها .

شد ديفلين لجام حصانه وقفز برشاقة عنه ، مندفعاً نحوها وهتف :

- هل جننتِ يا كريستينا..؟

كان يتوقد غضباً وأدركت مدى جنونها وهي تحاول الهرب على هذا النحو . كانت نزوة صبيانية لا يجوز أن تخضع لها بعد نضوجها وما هو عذرها؟ لا شيء سوى عنادها ورفضها مواجهته ، وها هي الآن تنبطح أرضاً وتخسر ما تبقى من كرامتها.

حاولت النهوض ، فتهاوت لا تستطيع حراكاً . انحنى ديفلين براندون بجانبها وراح يتفحص باهتمام كاحلها بإصبعه ، فأغمضت عينيها بقوة . قالت بجفاف :

- سأكون بخير بعد برهة قصيرة

وقف على قدميه معلناً في تهكم :

- يفرحني أن اسمع رأيك الحكيم . بدأ كاحلك بالتورم كما ألاحظ . لابد من غسله بالماء البارد وربطه . سآخذكِ إلى حجرة المركب لمعالجته .

وكأنها أصيبت بصدمة عنيفة صاحت :

- كلا! ( ثم غيرت لهجتها ) اعني ... اعني شكراً على مساعدتك ولكن سأكون بخير إذا ما استرحت لبضع دقائق هنا .

استشاط غيظاً :

- يالك من مخلوقة عنيدة . اعرف كم يصعب عليك الاعتماد علي مرة ثانية ولكن لا خيار لديك . وأعدك بالاهتمام بكاحلك ولا شيء غير ذلك ، إذا كانت الشكوك تساورك .
منتديات ليلاس
انحنى ليساعدها على النهوض ، فاشتعلت حقداً وغرزت أسنانها في يده بسرعة البرق . شتمها وسحب يده وقد لطختها بقع حمراء غائرة دامية . جلست كريستينا صامتة متوجسة تشعر بالذنب . نظرت إليه وكلمات الاعتذار ترتجف فوق شفتيها فرأته يبتسم قليلاً :

- ما معنى هذا العض ، هل صدر مني ما يغضبك؟

غصت حنجرتها :

- أنت .... أنت ....

- انكِ قليلة الحياء ، ولا بد من تلقينك بعض الدروس في كيفية التعامل مع الآخرين


وفجأة انكب فوقها وحملها إلى حصانه . أقعدها فوق السرج وامتطى الحصان وراءها ، قطعا مسافة قصيرة خالتها كريستينا أميالاً تتلوها أميال . يا لها من لحظات حرجة انعقد خلالها لسانها وهي تصارع أحاسيسها الغريبة . تجمدت فوق ظهر الحصان لا تجرؤ على الآتيان بأية حركة ، كان راكباً وراءها وكأنه لا يبال بما يدور في داخلها من صراع رهيب . لا شك انه رجل جذاب وتدرك ذلك من أعماق قلبها ، لكنها لن تفصح بأي شيء . لا ، لن تخضع لوسامته ، لن تبوح بعواطفها المتأججة .

تمهل الحصان قليلاً ، ووقع نظرها على مركب فخم يتهادى قرب الشاطئ وقرأت اسمه المطلي بإتقان : عذراء القمر . لم تكن معتادة على امتطاء الخيول من قبل فأحست بالإعياء وظل كاحلها يؤلمها بشدة . حمدت لله عندما ترجل ديفلين وحملها وأنزلها عن السرج وبدأ الحصان يعدو مبتعداً عن الشاطئ .

سألته :- لماذا فعلت هذا؟
قال :- إن الإسطبل في ارك اينجل وهو يعرف طريق العودة . مارك سيهتم به .

لم تصدقه . انه لا يسكن في ارك اينجل ورأت كوخاً صغيراً قرب تله رملية . ترى هل يعيش في هذا المكان؟ سألت نفسها حاولت أن تمشي ، فأخفقت إخفاقاً مزعجاً حملها بين ذراعيه واخذ يصعد بها السلم الخشبي . دخل غرفة كبيرة مبعثرة الأثاث تغطي أرضها بطانيات مزخرفة الألوان . ورأت في الزاوية مقعداً خشبياً تتكوم فوقه بعض الأقمشة تستر شيئاً ضخماً تحتها .

فتح باباً داخلياً فوجدت نفسها في غرفة النوم ، حيث ألقى بها فوق السرير . توارى عن نظرها لبعض الوقت ، فعرفت انه يجلب بعض الماء وضمادة . عادة يحمل إبريقاً وصندوق إسعاف وقال آمراً :

- ارفعي أطراف بنطلونك إلى أعلى . هيا وإلا طويتها أنا .

فأذعنت لأوامره صامتة . وأخذت تراقبه بحذر وهو يعلب دور الممرض والدكتور خف الألم الموجع وقد لف كاحلها ضماد متين ، قالت بامتنان : شكراً .
ابتسم بعذوبة : - حاولي الوقوف الآن .

وأمسك بيدها ، وتحاملت على نفسها حتى لمست الأرض بخفة . وقفت منتصبة رغم إحساسها ببعض الوجع وتمتمت :

- إنني بخير الآن . يجب أن انصرف .

أشار نحو الباب :

- كما ترغبين . ولكن القهوة الآن جاهزة إلا تريدين شيئاً ساخناً؟

- شكراً من الأفضل أن اذهب . ستفتقدني السيدة براندون .

ألقى نظرة سريعة على ساعته :

- في هذا الوقت؟ ما بالك ، هل تخافين مني؟

توردت وجنتاها : - ما الذي تقصده؟ لم يخطر ...

قال وهو يلتهمها بعينيه :

- يوجد مشط في الدرج أنصحك بالاعتناء بمظهرك سأتدبر آمر القهوة . انضمي لي ساعة تشائين .

استدار وخرج . ياله من وغد! خاطبت كريستينا نفسها ما الذي يدبره لها؟ يا ليتها لم تخرج إلى الشاطئ . إنها الآن أسيرة نزواته الشريرة . كان العراف على حق انه إبليس بعينه ، إبليس الذي يعذبها بأساليب ملتوية و يهزأ منها كلما حاولت مقاومته .

وقفت أمام المرآة تسرح شعرها ، وتفكر في وضعها . قررت أن تشرب القهوة فتهدأ أعصابها قليلاً ، وتتمكن من التفكير بوضوح اكثر . توجهت إلى غرفة الجلوس . كان ديفلين يجلس في الزاوية يحمل إبريقاً وبعض الفناجين . استنشقت نكهة القهوة وكأنها فخ لاصطيادها ، فجلست على طرف المقعد ، متمنية أن يظل بعيداً عنها وبدا للوهلة الاولى منهمكاً في احتساء القهوة ، فاطمأنت .

أخذت تتمعن في الغرفة . رأت صفاًً من البنادق قرب الجدار المجاور لها وبعض أدوات صيد السمك . كان كل شيء يدل على مكان لا اثر لذوق النساء فيه .
تنحنحت : - هل تعيش هنا منذ مدة طويلة؟

- منذ أربع سنوات ، منذ وفاة أهلي .

حملقت فيه كريستينا بدهشة . غاب عنها للوهلة الأولى انه ابن مادلين شقيقة السيدة براندون ، تألمت لحاله بدون أي مبرر . سألته بعفوية :

- وتسكن هنا وحدك؟

قال وهو يقهقه :

- ياله من سؤال! لا تتوقعي مني أي جواب .



وتابع وهي تشعر بالإحراج : - علاوة على ذلك ، لا شك أن عمتي قد ألمحت أمامك إلى حياتي المتحررة الصاخبة . واعتقد أن هذا هو سبب فرارك مني على الشاطئ .

رمت بشعرها إلى الوراء :

- لم افر منك . كنت أتمتع بالبحر والهواء ، ولم اكن ارغب في رؤية أحد .

قهقه عالياً :

- انه تصرف لا يليق بسكرتيرة ، إذا كنت ستمارسين أي عمل .

فغرت فاها : - ماذا تقصد يا سيد ديفلين؟ إلا تصدق إنني سكرتيرة؟
استطرد هازئاً :

- لا أظن ، لأنني اعرف عمتي جيداً . إنها إنسانه ذات شخصية مستقلة ومستبدة ولم يسبق لها أن احتاجت إلى مساعدة أحد .

وضعت كريستينا كوبها على الطاولة الصغيرة ، وشبكت أصابعها مضطربة :

- يبدو لي أن خلافاً ما نشأ بينك وبينها . لا اعرف ما هو ، ولا علاقة لي بذلك . لكنها ربة عملي ، وعاملتني بكل لياقة ، وأشعر بالحب والولاء لها . ربما كنت على حق فهي لا تحتاج إلى سكرتيرة ، ولم تعرض علي العمل إلا حرصاً على كرامتي وحفاظاً على صداقة قديمة ...

توقفت عن الكلام ، وهو يحدق فيها وكأنها مجنونة . قال متجهم الوجه :

- ما هذا؟ ما هي هذه الصداقة القديمة؟

بلعت ريقها قائلة :

- كنت أعيش مع عمتي ، وربة عملي الآنسة غرانثم غريس . ماتت منذ بضعة أسابيع ولكنها كتبت إلى السيدة براندون قبل وفاتها ، وأعتقد إنها طلبت منها الاعتناء بي . لذلك جاءت إلى إنجلترا وعرضت العمل علي والبقاء في هذا المكان .

بدا وكأنه لم يسمع كلمة قالتها :

- ولكن أنصحك بالعودة إلى إنجلترا وهذه نصيحة صديق .

تفجرت غضباً :

- لا احتاج إلى نصيحتك أو نصيحة أي إنسان . ولا يمكنني العودة إلى إنجلترا الآن بدون أي نقود .

قال بهدوء :

- يا لها من ورطة!

ردت بكبرياء :

- إنها ورطتي أنا . اعرف أن الوضع صعب ولكن علي تلبية رغبات السيدة براندون.

قال مهدداً :

- إذن ابقي عند عمتي ، وتحملي وضعك ولكن إياك أن تجئ إلى باكية صارخة عندما تسوء معك الأحوال .

وقفت متثاقلة على قدميها وقالت بصوت مرتجف :

- أنت آخر من أفكر في اللجوء إليه يا سيد براندون آسفة لإزعاجك لن ترى وجهي بعد اليوم .

مشت نحو الباب ، فأحست بيديه تمسكانها بفظاظة :

- لماذا لا تعضين الآن؟

استعادت صوابها ، وصرخت مبتعدة عنه ، والخجل يغمرها :

- يا لك من وغد أيها الإبليس اللعين!

وأطلقت ساقيها للريح ، تعدو هاربة رغم آلام قدمها . كانت تتلوى آلماً عندما بلغت سلم الحديقة المؤدي إلى شرفتها . ولم تعثر على حذائها الذي خلفته وراءها قرب الشاطئ ، فصعدت حافية القدمين . شعرت بنعومة السجادة وهي تدخل غرفتها وارتمت فوق سريرها .

استلقت منهكة ، لا تجد تفسيراً لمغامرة طفولية تخوضها مع رجل لا يحترمها تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها . رن جرس الهاتف بشكل متواصل . رفعت السماعة :
- الو .

وهدر صوت السيدة براندون :

- كريستينا؟ هذه ثالث مرة اتصل بك أين كنت؟

اعتدلت كريستينا ترفع عن وجهها شعرها المشعث :
- ذهبت في نزهة قصيرة . أنا آسفة هل كنت تريدين شيئاً؟

- تعالي إلى غرفتي فوراً .

وأقفلت العجوز السماعة بعنف .

بدلت كريستينا ملابسها بسرعة لتخفي آثار نزهتها المشؤومة وسرحت شعرها وخرجت تكاد تجري .



كانت السيدة براندون تجلس على مقعدها الوثير ، تطرز قطعة من القماش . نظرت إلى كريستينا باستهجان . ثم رأت ضمادة كاحلها فهتفت :

- جرحت قدمك يا ابنتي !
- كنت على الشاطئ والتوى كاحلي .

ركزت العجوز نظرها على الضمادة :

- هكذا إذن ولديك خبرة في تضميد الجروح والإسعاف؟

تلعثمت كريستينا وهي تشعر بالحرج والخوف :

- كلا لقد التقيت ... التقيت بابن أختك على الشاطئ . وقام بمساعدتي .

أجابت السيدة براندون بهدوء :

- صحيح؟ يا لها من بادرة كريمة . وليست هذه هي المرة الاولى كما علمت . اخبرني ثيو انك التقيت بديفلين في المارتينيك؟

قالت كريستينا بحياء شديد :

- نعم ولكنني لم اكن اعرف من هو آنذاك بطبيعة الحال .

صمتت السيدة براندون برهة ثم تأوهت :

- إنني في موقف صعب يا كريستينا . اشعر إنني مسؤولة عنك تماماً مثل أمك وعلى تحذيرك من ديفلين . لم يكن يصغي إلا لوالدته وما أن رحلت عن هذا العالم حتى تحول إلى شخص حاد الطباع ، لا يهمه رأى أحد .

وتابعت السيدة براندون ، و كريستينا تنصت باهتمام :

- لم يعد يبالي بالعائلة وسمعتها . وهكذا هجر هذا المنزل وقطن في ذلك الكوخ على الشاطئ وتخلى عن مسئوليته تجاه المزرعة وهو الآن يعيل نفسه من دخل الثروة المالية التي ورثها عن أهله ويحصل على رزقه من خلال حفر التماثيل الخشبية وبيعها .

كان صوتها جليدياً ، مفعماً بالازدراء . وعاد بكريستينا الخيال إلى ذلك المقعد الخشبي الذي لمحته في غرفة الكوخ . سألت العجوز بعفوية :

- هل يجيد حفر الخشب؟

حدجتها السيدة براندون بغطرسة :

- ما أهمية ذلك؟ انه يجد دائماً زبائن لشراء بضاعته . ولكن عمله لا يليق بمن ينتسب إلى عائلة براندون . أن واجبه أن يكون هنا ، يساعدني في المزرعة وفي إعداد ثيو من اجل ميراثه .

استفهمت كريستينا :

- ما الذي تقصدينه يا سيدتي؟

تأوهت السيدة براندون ثانية :

- أن المسألة في غاية البساطة . كان زوجي وكاري توأمين . ولد زوجي قبله بنصف ساعة ولذلك ورث المزرعة عندما توفي والده واصبح هو وأخوه كاري شريكين يديران المزرعة سوية . وفي أثناء ذلك التقى كاري بأختي مادلين وتزوجها بعد عام ، عشنا هنا جميعاً حياة سعيدة في البداية ثم بدأت المصاعب .

قالت كريستينا شاعرة بالحرج الشديد :

- هل من الضروري إخباري كل هذا يا سيدتي؟ إنها مسألة لا تعنيني و ...

استأنفت السيدة براندون التطريز :

- نعم ، من الضروري إخبارك . أنتِ الآن واحدة من العائلة يا عزيزتي . لا بد أن تفهمي سبب كره ديفلين لنا جميعاً ( وتناولت مقص الخياطة ) عندما ولدته أختي طارت فرحاً هي وزوجها وأخذا يدللانه إلى أن فسدت طباعه وتوهم ديفلين ، نتيجة الشراكة بين والده وزوجي في زراعة المزرعة ، أن له حقاً في الوراثة . وعندما أطلعناه على حقيقة الامر ، وفهم أن ثيو سيكون الوريث الوحيد ، جن جنونه . وجاراه والداه في آرائه وآخذو يضيعون أوقاتهم في السفر والرحلات والإبحار في المركب وكان ثيو في ذلك الحين لا يزال صبياً صغيراً ( وتنهدت متابعة ) وأثناء إحدى تلك الرحلات البحرية هبت عاصفة هوجاء وغرق المركب بمادلين وكاري وماتا .

صمتت قليلاً ، تتفرس في وجه كريستينا ثم استطردت :

- ومرة ثانية جن جنون ديفلين . اتهمنا بشتى التهم المخجلة و أمعن في تهمه وشتائمه إلى أن علا صراخنا بالشجار والكلام القاسي فقرر الرحيل . بعد مرور عامين أصيب زوجي بمرض شديد فطلب رؤية ديفلين ورجوت منه من كل قلبي أن نتوصل إلى تفاهم ما ، ولكنه أصر على موقفه أثناء تأبين زوجي ومنذ ذلك الوقت وهو يعمل ضدنا ويكن لنا العداء .

دهشت كريستينا لهذه العبارات فغامرت بسؤالها :

- وبأي أسلوب يمارس مضايقاته؟

أبدت السيدة براندون تأففها :

- ذهب ليدرس في الجامعة وتشرب بعض الأفكار الغريبة وعندما عاد بدأ ينتقد طريقة العمل في المزرعة ، وكيفية اقتصارنا على زراعة قصب السكر دون سواه . ادعى أن مصاعب جزر الهند الغربية وخاصة الاقتصادية منها سببها هذه الزراعة الأحادية . كان يريدنا تنويع المحاصيل . وزراعة الحبوب الغذائية وبالطبع رفضنا هذه الآراء وما لبث أن جمع حوله بعض الأشخاص الذين يشاطرون نظريته وهم الآن يدعون أنفسهم : لجنة الجزيرة .

تململت في مقعدها وعلت وجهها مسحة من القلق ثم تابعت :

- إنني أخبرك كل ذلك يا ابنتي لتأخذي حذرك أنتِ حديثة العهد هنا ، ولن يتردد ديفلين عن استغلالك خدمة لأهدافه الخاصة . حاولي تجنبه ولن يصعب عليك ذلك فهو قلما يزورنا .

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 16-05-09, 01:56 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

هزت كريستينا برأسها صامته . إنها نصيحة من السهل تنفيذها ، خاطبت نفسها .

قضت كريستينا ساعة من الزمن تملي عليها السيدة براندون بعض الخطابات وكانت في معظمها تافهة المضمون ، كما اكتشفت ، تدور حول أعمال خيرية أو تلبية دعوات اجتماعية وهذا كل شيء .

من الواضح أن السيدة براندون لا تحتاج إلى سكرتيرة ولن تجد عملاً يشغلها طوال اليوم . فكرت كريستينا .

جلست في المكتبة تكتب الرسائل على الآلة الكاتبة . راحت تستعيد آراء ديفلين حول شؤون المزرعة ، والمصاعب الاقتصادية في جزر الهند الغربية .

وجدت نفسها توافق على ما ذهب إليه ، مع إنها لم تكن خبيرة اقتصادية . تذكرت مقالاً قرأته في إحدى المجلات يناقش هذه النقطة ومن زاوية مشابهة .

أنهت كتابة الرسائل وهمت بالصعود إلى الطابق الأعلى لتطلب من السيدة براندون التوقيع عليها . لكنها ظلت مسمرة على الكرسي تغرق في لجة من القلق والاضطراب .

ماذا تفعل؟ سألت نفسها . هل تعود إلى إنجلترا ... وكيف؟ لا يمكنها البقاء في منزل مغلف بالأسرار والمشاكل ويقطنه أناس غريبوا الأطوار .

وماذا عن ديفلين براندون؟ إن مشاعرها إزاءه مشوشة ومتناقضة . انه الشيطان . عرف كيف يدبر لها مكيدة تلو الأخرى . ويتقرب إليها حتى خال إنها استسلمت له بكل جوارحها يا لبؤسها!


تلك كانت غلطة مشؤومة . لن تكررها أبداً . قررت أن تستمر في العمل في ذلك المنزل مهما كانت المصاعب .

القـــــرار الصـــعب


ومر الأسبوع التالي بشكل طبيعي رتيب . كانت كريستينا تتناول الفطور في غرفتها ، ثم تذهب للتنزه إلى أن تستدعيها السيدة براندون . ولكنها لم تغامر بالابتعاد عن المنطقة المحيطة بالمنزل متجنبة الشاطئ رغم ولعها به .
لم يأت ديفلين للزيارة ، وتفادى الجميع ذكر اسمه . أما السيدة براندون فأحجمت عن الحديث معها حول تاريخ العائلة وخلافاتها وكأنها ندمت على ما تفوهت به وظلت كريستينا تبحث عن أجوبة لمسائل تقلقها . وأدركت أن السيدة براندون لم ترغب في ذكر أي شيء يتعلق بابنها والد ثيو واحتارت لماذا تعمدت العجوز تجاوز هذه النقطة الهامة وطافت كريستينا غرف المنزل المتعددة تتمعن في صور عائلة براندون . لم تعثر على أي اثر لصورة ابن تشارلز و مرسيل براندون .

ازداد فضولها ، لكنها قررت عدم المضي في البحث في تاريخ الآسرة . تعرضت العائلة في الماضي القريب لمأساة مؤسفة ذهب ضحيتها كل من كاري ومادلين والدا ديفلين ، وربما حدثت مأساة أخرى لوالدا ثيو اكثر إيلاماً لا يريد أحد ذكرها ، وصممت كريستينا أن لا تثير الجراح ولن تجد في ذلك صعوبة .

ثم بدأت التطورات تتوالى ....

أخذت بدون إرادة منها ، تلتقي بثيو اكثر فأكثر ولاحظت انه يندفع إلى تعزيز صداقتهما ، تشجعه موافقة جدته على هذه الخطوة . رفضت كريستينا دعواته لركوب الخيل والسباحة قرب شاطئ يقع في الطرف الآخر من الجزيرة متحججة بوجع كاحلها . ولكن هذه الأعذار لم تمنعه من الانضمام إليها ساعة تنزهها في الحديقة بعد العشاء . واطمأنت إلى رفقته وهي تلاحظ اقتصار أحاديثهما على المواضيع العامة ، وبعض المداعبات الكلامية البريئة .

ولاحظت أيضاً أنها كلما أرادت الاسترخاء قرب حمام السباحة لتتمتع بأشعة الشمس يهرع ثيو إلى جانبها . فاجأها هذا التصرف إذ ظنت أن أعمال المزرعة تستحوذ على معظم وقته . كان دائم الشكوى حول المزرعة والعاملين فيها وخاصة المشرف الذي يقطن مع زوجته وولديه في كوخ ريفي وسط المزرعة .

وهي لا تزال تحتفظ اسم المشرف العام كلايف مينارد حيث التقت به وبعائلته أثناء جولة في المزرعة قامت بها بصحبة ثيو . وتذكر لهفة السيد مينارد في الإجابة على كل أسئلتها التي تحيرها عن العائلة المنكوبة ، وإصراره على تقديم الغداء لهما في كوخه . واسترسلت في الحديث مع زوجته لورنا التي طهت طبقاً شهياً من الدجاج والأرز . لكن ثيو ظل يتأفف مبدياً تبرمه . وأنقذ الموقف إعلان كلايف عن اضطراره للعودة إلى العمل ، فانفض شمل الجميع .

تذكر أيضاً مدى استياء ثيو عندما لامته على تصرفه وهما في طريق العودة حيث قال لها ببرود :

- إن كلايف إداري كفء وينال مرتباً عالياً . ولا أجد ضرورة لعقد صداقات بيننا.

تفرست كريستينا في وجهه معلنة :

- وأنا موظفة كذلك ولكنك لا تعاملني بالأسلوب نفسه .

ابتسم ثيو قائلاً :

- أنتِ من نوع آخر يا عزيزتي.

بدا جوابه غامضاً ، فلزمت كريستينا الصمت واجمة . وكم كان سرورها عظيماً عندما دعاها لتناول العشاء معه في أحد المطاعم لكنها اعتذرت بحجة انهماكها في كتابة بعض الرسائل لجدته . وبررت رفضها فيما بعد بأن عمدت إلى كتابة رسالة إلى السيد فريث . كتبت رسالة طويلة وهي تجلس في غرفتها .

وصفت له المنزل وشرحت معنى اسمه . وحكت له ما تعرفه عن تاريخ العائلة وتعمدت تحرير رسالة خفيفة مسلية ، تتضمن النواحي السارة من حياتها في سانت فيكتوار . كانت تريد إدخال الطمأنينة إلى قلب السيد فريث وتبديد أي مخاوف قد تساوره حول عملها الجديد.

لكن ثيو لم يعتبر رفضها للدعوة اكثر من خيبة أمل عابرة ، وانتهز الفرصة ليسألها ثانية في وجود جدته ولم تجد مهرباً من إبداء موافقتها وهي ترى السيدة براندون منفرجة الأسارير تبدي تأييدها لاقتراح حفيدها .

ومضت إلى غرفتها لتبديل ملابسها . قررت ارتداء فستان سهرة بالغ البساطة ووضعت بعض المساحيق على وجهها وبينما كانت تهم بهبوط السلم رأت ثيو يقف مزهواً ببذلة جديدة في البهو ، ولاح لها شاباً ناضجاً لأول مرة . تقدم صوبها متناولاً يدها وهم بتقبيل كفها ، هاتفاً :

- يا لجمالك الساحر!

سحبت يدها على عجل ، مضطربة البال . ثم لاحظت أن السيدة براندون تقف أمام باب الصالون تراقبهما بشغف ، وما لبثت أن تمنت لهما سهرة ممتعة ، وناشدت ثيو قيادة السيارة بحذر ، وعدم التأخر كثيراً ، ومضت في سبيلها .



________________________________________
قال ثيو وهو يفتح باب السيارة المكشوفة :

- سنتناول العشاء في فندق مونت فورت . ثم نذهب بعد ذلك إلى ناد ليلي .

استرخت كريستينا في مقعدها الوثير المبطن وهي تردد : - إنها فكرة رائعة .

وانطلقت بهما السيارة تنهب الأرض نهباً ، متوجهة إلى سانت فيكتوار . بدا الطريق هذه المرة اقل إزعاجاً ، رغم الحفر الكثيرة ، والمنعطفات الحادة . ولمحت كريستينا من نافذتها صخرة شاهقة تنحدر صوب البحر ويمر الطريق عبرها على نحو منذر بالخطر . حبست أنفاسها ، وأشاحت بنظرها متمنية أن يكون ثيو سائقاً ماهراً كما كان يتبجح أمامها .

انفرجت أساريرها وهي ترى في البعيد أضواء المدينة الخافتة وسمعت ثيو يعلن :

- انه موسم السياحة الآن . نحن لا نشجع السياح على المجيء إلى هنا ولكن صاحب الفندق بليرز وابن عمي ديفلين وشلته يجنون أرباحاً طائلة من هذا النشاط السياحي .

علقت كريستينا بحذر :

- إن السياحة تجارة مربحة .

ابتسم معتداً :

- لولا معارضتنا لكانوا سيطروا على المزرعة ، وحولوها إلى حدائق للتسلية . إننا في الواقع نملك معظم الأراضي هنا، ونسيطر على شتى الأمور .

التزمت كريستينا بالصمت . فكرت أن التمتع بالسلطة وقوتها تجربة مقلقة ، تنذر بعواقب لا تنتهي . وهالها أن تنتمي إلى مجموعة تحوز هذه الموصفات وداعبها في الوقت نفسه بعض الاعتزاز .
لمست كريستينا معنى هذه السلطة وهما يتناولان العشاء . كان الطعام شهياً فاخراً ووجدت نفسها تحيطها هاله من الاحترام والتبجيل وكأنها إحدى الأميرات . وراحت تراقب ثيو بحرج شديد وهو يلقي الأوامر يميناً وشمالاً ويرفض هذا الطبق أو ذاك ، مؤنباً الجرسون بأسلوب مهين .

كادت تختلق عذراً واهياً لإنقاذ نفسها من هذا الجو الخانق . لماذا لا تدعي أنها تعاني من صداع وتهرب من ثيو واستبداده؟

وما أن فتحت فمها حتى انبرى بالاحتجاج ، والرفض القاطع لأي عذر من أعذارها اقترح عليها أن يسيرا على الأقدام إلى النادي الليلي وتنشق بعض الهواء العليل لتبديد صداعها . واظب على إلحاحه إلى أن رضخت مجبرة . انتهزت هذه الفرصة الذهبية لتعلن :
- يبدو أننا لن نجد مكاناً .

تجاهلها ونادى أحد الموظفين بإشارة من يده وبسرعة عجيبة وجدت نفسها أمام طاولة معدة سلفاً ، تزينها الشموع وباقة رائعة من الزهور . قالت كريستينا وهي تجلس على كرسيها متعجبة :

- انهم يعاملونك كأنك الحاكم المطلق !

رد بفتور :

- لا تشغلي بالك انه تصرف طبيعي ستعتادين عليه .

جلب الجرسون بعض المرطبات . احتست عصير الأناناس لتروي ظمأها ، مجيلة الطرف فيما حولها . لاحظت انهما محط الأنظار وترامت إلى أذنيها موسيقى صاخبة تتماوج بين الجدران كتدفق شلالات المياه في كهف عميق . همس ثيو :
- كريستينا هل ترقصين؟
- ليس الآن يا ثيو .

كانت الموسيقى تصدح بأنغام سحرية ، ووجدت نفسها تتابع إيقاعها وهي تنقر الأرض بقدميها . ومع ذلك ، لم تكن ترغب في الرقص . تصورت منظر اندفاع الناس لأخلاء مكان مريح أمام ثيو وتخيلت نفسها وسط حلقة الراقصين والراقصات والكل يحدجها بنظرات استغراب وتعجب . لا، لن تشترك في هذه المسرحية السخيفة ، خاطبت نفسها .
اخذ ثيو يتلفت حوله ، متسائلاً بصوت مرتفع :

- لا أدري من جاء بكل هؤلاء الناس . سيصبح هذا النادي مكاناً لا يطاق إذا استمر الوضع هكذا!

وسمعته يهتف فجأة ، وكأنه لمح وجهاً أليفاً . نهض ببطء وامتعاض ظاهر . قال يخفي دهشته :

- يا له من عالم صغير!

رد ديفلين براندون :

- إن العالم يشبه جزيرة صغيرة جداً .

جلب جرسون كرسياً وجلس ديفلين بدون استئذان . أحست كريستينا بغثيان في أمعائها . حدجها ، ولوى فمه بابتسامة باهتة . أما ثيو فكان يتلظى غيظاً ، وغمغم :

- لم اكن أتوقع رؤيتك هنا هذا المساء .

رد ديفلين بفتور :

- طبعاً . ولكن أنا اهتم وأتابع استثماراتي بدقة .

امتعض ثيو :

- إن جدتي على حق . لقد قالت لي انك تستثمر أموالك بالتعاون مع بليرز وفرمبتون ألا يعد تصرفك هذا خيانة لاسم العائلة؟

اخرج ديفلين علبة فضية من جيبه وأشعل سيجارة ونفث قائلاً :

- لا يحق لك يا عزيزي ثيو التعليق على أمور كهذه .

كانا يتحدثان بالغاز غامضة ، لم تفهم كريستينا معناها . قاطعت هذه المهاترة ، أو هكذا خيل إليها :

- من فضلكما . لا يكون النقاش هكذا أمام الناس .

نظر إليها ديفلين باستخفاف :

- لا تشغلي بالك . سنعلن في العام المقبل عن كل خلافات عائلة براندون وبأسلوب يجذب المزيد من السياح . أما أنتِ يا عزيزتي كريستينا فستكونين ضحية بريئة .




ياله من نقاش مخيف ، فكرت كريستينا . ألم يكن من الأفضل لها الاكتفاء بالتنزه في الحديقة؟ ها هي تتورط اكثر فاكثر ، ولن يتورع ديفلين هذا الإبليس اللعين عن كشف قصتها كاملة معه في كوخه الحقير . وفجأة رجع الجرسون ينحني قائلاً :

- مطلوب على الهاتف سيد براندون.

تنفست الصعداء ، ثم خابت آمالها . كان الجرسون يخاطب ثيو وليس ديفلين وحملق ثيو في الرجل متعجباً :

- أنا؟ ولكن من يريدني؟

ووقف على قدميه ، ومشى وراء الجرسون مندهشاً . جلست كريستينا صامتة ، متمنية لو أن ديفلين يتركها ويعود من حيث أتى . كان وجوده قربها . لا يفصل بينهما سوى طاولة صغيرة مقلقاً يثير في نفسها مشاعر غريبة لا تدري كيف انتابتها . قررت الاعتصام بالصمت وتجاهله . قال كأنه يقرأ أفكارها :

- إنها خطة فاشلة ( وشدها من معصمها ) تعالي نرقص .

اشتعلت وجنتاها خجلاً :

- لا . لا أريد أن أرقص .

تابع بإصرار :

- أما أن نرقص أو نتصايح أمام الناس . وإياك التعلل بآلام كاحلك . انك شفيتِ تماماً وتعرفين ذلك جيداً .

رضخت بامتعاض . وقادها إلى حلبة الرقص . حاولت الاحتفاظ بمسافة بينهما ، سألت نفسها . وكيف حرك عواطفها تجاهه وهي تعرف مدى خبثه وكره عائلة براندون له؟

تأمل وجهها لحظة ، ثم سألها :

- متى سيطلب ثيو يدك؟

حبست أنفاسها :

- ماذا تقول؟ هل تريد الإيقاع بيني وبين ثيو؟

استطرد مازحاً :

- لا تتظاهري بالغباء . ما معنى وجودكما هنا الليلة؟ ولماذا أتيتِ من إنجلترا في المقام الأول؟

ازداد صخب الموسيقى . ظلت تدور حوله وكأنها تغرق في حفرة عميقة لا قرار لها .

ألح بصوت أجش :

- أريد جواباً . أليس صحيحاً ما أقول؟

تنهدت مرتاعة في غضب :

- كلا. لقد شرحت لك سبب مجيئي إلى سانت فيكتوار ، لماذا لا تصدقني؟ أنا .. أنا لم اكن اعلم بوجود ثيو حتى وصلت إلى ارك انجل . وهو ليس خطيبي فأنا بالكاد اعرفه .

بدت عيناه جامدتان في قسوة .

- لم اكن أتحدث عن الحب . ومدى معرفتك به مسألة لا أهمية لها عندي . ألم تذكري لي بنفسك انك فقيرة لا تملكين شلناً واحداً وربما كنت تبحثين عن زوج ثري مثل ثيو .

كادت أن تلطمه بقوة قبضتها . ولكنها أرادت إغاظته بأسلوب آخر :

- هل تعتقد إنني دمية معروضة للبيع؟

خرجت الكلمات من فمها حادة ، تقطر المرارة منها . وعجبت لقلقها الزائد واهتمامها بآراء ديفلين ، وكيفية اهتمامه بها .

هز كتفيه ممعناً في سخرية لاذعة :

- إن عمتي هي التي تقرر ذلك . ولا اعتقد أنها أتتِ بك إلى هنا بدون أن تتأكد من إتمام الصفقة .

- أنت مخطئ ولكن لا ألومك على إساءة فهمي . لقد أخبرتني عمتك عن مدى خيبة آمالك لحرمانك من الإرث . وأستطيع أن أتصور لماذا لا تريد أن اعقد قراني على ثيو ولكن ما لا افهمه هو لماذا تنظر إلي كجزء من مؤامرة دنيئة لتجريدك من أي حق لك في ارك اينجل .

- اعرف انك بريئة من التورط في أي مؤامرة دنيئة . إن المؤامرات هنا بدأت منذ سنوات عديدة وقبل أن تدري عمتي بوجودك . ولكن هذا لن يغير شيئاً إذا كنت تؤمنين فعلاً بكل كلمة تقولينها ، فستغادرين هذا المكان وتعودين ألى انكلترا بأسرع وقت .

توقف عزف الموسيقى وتفرق ، عائدين إلى طاولتهم . استدارت كريستينا تهم بالذهاب مرددة :

- سبق لي أن أخبرتك انه مستحيل علي الرجوع . والآن أرجوك اتركني وشأني .

شدها من يدها :

- تريدين مني أن أتركك وشأنك مع ثيو !

شمخت بأنفها :

- نعم ، إذا كان عقلك يظن ذلك .

وسحبت يدها بعنف وسارت متثاقلة نحو طاولتها . كانت أعصابها كالوتر المشدود يا لها من سخافة ! فكرت والندامة تعضها . لقد نجحت في إغضاب ديفلين ولا شك أن ثيو ينتظرها غاضباً هو الآخر .

ولكنها أخطأت الظن . رأت ثيو يجلس مبتسماً ، بادي الارتياح . أثنى عليها قائلاً :

- انك تجيدين الرقص يا كريستينا ( ثم تفرس في ملامحها ) هل أنتِ بخير؟ يبدو عليك الشحوب .

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 16-05-09, 01:57 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

ياله من نقاش مخيف ، فكرت كريستينا . ألم يكن من الأفضل لها الاكتفاء بالتنزه في الحديقة؟ ها هي تتورط أكثر فأكثر ، ولن يتورع ديفلين هذا الإبليس اللعين عن كشف قصتها كاملة معه في كوخه الحقير . وفجأة رجع الجرسون ينحني قائلاً :

- مطلوب على الهاتف سيد براندون.

تنفست الصعداء ، ثم خابت آمالها . كان الجرسون يخاطب ثيو وليس ديفلين وحملق ثيو في الرجل متعجباً :

- أنا؟ ولكن من يريدني؟

ووقف على قدميه ، ومشى وراء الجرسون مندهشاً . جلست كريستينا صامتة ، متمنية لو أن ديفلين يتركها ويعود من حيث أتى . كان وجوده قربها . لا يفصل بينهما سوى طاولة صغيرة مقلقاً يثير في نفسها مشاعر غريبة لا تدري كيف انتابتها . قررت الاعتصام بالصمت وتجاهله . قال كأنه يقرأ أفكارها :

- إنها خطة فاشلة ( وشدها من معصمها ) تعالي نرقص .

اشتعلت وجنتاها خجلاً :

- لا . لا أريد أن أرقص .

تابع بإصرار :

- أما أن نرقص أو نتصايح أمام الناس . وإياك التعلل بآلام كاحلك . انك شفيتِ تماماً وتعرفين ذلك جيداً .

رضخت بامتعاض . وقادها إلى حلبة الرقص . حاولت الاحتفاظ بمسافة بينهما ، سألت نفسها . وكيف حرك عواطفها تجاهه وهي تعرف مدى خبثه وكره عائلة براندون له؟

تأمل وجهها لحظة ، ثم سألها :

- متى سيطلب ثيو يدك؟

حبست أنفاسها :

- ماذا تقول؟ هل تريد الإيقاع بيني وبين ثيو؟

استطرد مازحاً :

- لا تتظاهري بالغباء . ما معنى وجودكما هنا الليلة؟ ولماذا أتيتِ من إنجلترا في المقام الأول؟

ازداد صخب الموسيقى . ظلت تدور حوله وكأنها تغرق في حفرة عميقة لا قرار لها .

ألح بصوت أجش :

- أريد جواباً . أليس صحيحاً ما أقول؟

تنهدت مرتاعة في غضب :

- كلا. لقد شرحت لك سبب مجيئي إلى سانت فيكتوار ، لماذا لا تصدقني؟ أنا .. أنا لم اكن اعلم بوجود ثيو حتى وصلت إلى ارك انجل . وهو ليس خطيبي فأنا بالكاد اعرفه .

بدت عيناه جامدتان في قسوة .

- لم اكن أتحدث عن الحب . ومدى معرفتك به مسألة لا أهمية لها عندي . ألم تذكري لي بنفسك انك فقيرة لا تملكين شلناً واحداً وربما كنت تبحثين عن زوج ثري مثل ثيو .

كادت أن تلطمه بقوة قبضتها . ولكنها أرادت إغاظته بأسلوب آخر :

- هل تعتقد إنني دمية معروضة للبيع؟

خرجت الكلمات من فمها حادة ، تقطر المرارة منها . وعجبت لقلقها الزائد واهتمامها بآراء ديفلين ، وكيفية اهتمامه بها .

هز كتفيه ممعناً في سخرية لاذعة :

- إن عمتي هي التي تقرر ذلك . ولا اعتقد أنها أتتِ بك إلى هنا بدون أن تتأكد من إتمام الصفقة .

- أنت مخطئ ولكن لا ألومك على إساءة فهمي . لقد أخبرتني عمتك عن مدى خيبة آمالك لحرمانك من الإرث . وأستطيع أن أتصور لماذا لا تريد أن اعقد قراني على ثيو ولكن ما لا افهمه هو لماذا تنظر إلي كجزء من مؤامرة دنيئة لتجريدك من أي حق لك في ارك اينجل .

- اعرف انك بريئة من التورط في أي مؤامرة دنيئة . إن المؤامرات هنا بدأت منذ سنوات عديدة وقبل أن تدري عمتي بوجودك . ولكن هذا لن يغير شيئاً إذا كنت تؤمنين فعلاً بكل كلمة تقولينها ، فستغادرين هذا المكان وتعودين ألى انكلترا بأسرع وقت .

توقف عزف الموسيقى وتفرق ، عائدين إلى طاولتهم . استدارت كريستينا تهم بالذهاب مرددة :

- سبق لي أن أخبرتك انه مستحيل علي الرجوع . والآن أرجوك اتركني وشأني .

شدها من يدها :

- تريدين مني أن أتركك وشأنك مع ثيو !

شمخت بأنفها :

- نعم ، إذا كان عقلك يظن ذلك .

وسحبت يدها بعنف وسارت متثاقلة نحو طاولتها . كانت أعصابها كالوتر المشدود يا لها من سخافة ! فكرت والندامة تعضها . لقد نجحت في إغضاب ديفلين ولا شك أن ثيو ينتظرها غاضباً هو الآخر .

ولكنها أخطأت الظن . رأت ثيو يجلس مبتسماً ، بادي الارتياح . أثنى عليها قائلاً :

- انك تجيدين الرقص يا كريستينا ( ثم تفرس في ملامحها ) هل أنتِ بخير؟ يبدو عليك الشحوب .

واغتنمت كلماته قائلة :

- أخبرتك إنني أعاني من صداع حاد .

- لا تقلقي . هيا بنا . آن لنا أن نعود قبل أن ينفذ صبر جدتي .

فوجئت كريستينا برباطة جأشه ، ودماثة أخلاقه وهو يمضي بها إلى الخارج ربما أدرك خطة ديفلين لاستفزازه ، فأحبط مساعيه . رأت كريستينا أن ثيو انضج عقلاً مما كانت تظن .

استلقت فوق مقعد السيارة ، وأسندت رأسها إلى الوراء ، مصممة على التزام الصمت المطبق وكأنها تعاني فعلاً من ذلك الصداع . وغرقت في تفكير عميق بينما كان ثيو يركز أنظاره على الطريق الملتوي .

استعادت كلمات ديفلين براندون . هل تصدق ما يقوله؟ حدثها بمنتهى الجدية وكأن زواجها من ثيو أمر مؤكد ومحتم! مع ذلك ، انه شخص يعاني من المرارة ويكن حقداً شديداً لعمته وحفيدها ، وكل عائلة براندون . إذن ما يقوله ليس أكثر من تنفيس لأحقاده الدفينة ، ومجرد وهم من الأوهام .

انعطفت السيارة مخلفة وراءها تلك الصخرة الشاهقة التي أرعبتها . أغمضت كريستينا عينها . وتابعت أفكارها ، أيقنت أن ديفلين مجرد إنسان خسيس ، لن تسمح له بالاقتراب منها بعد الآن . وستطرد شبحه من ذهنها وتنساه وتدفن كل ما يذكر به في طيات المجهول . أحست بالإعياء الشديد عندما توقفت السيارة أمام المنزل تمنت لو تتوجه في الحال إلى غرفتها ، وتوصد الباب وراءها لتبكي لكن أمانيها ذهبت أدراج الرياح .

كان ثيو يلح عليها الجلوس قليلاً في الصالون ، واحتساء بعض القهوة ويعلن لها أن السيدة كريستوف ستجلب لها مسكناً يزيل صداعها . أذعنت لرأيه بعد أن بدت اعتراضاً لم يقنعه ، لم تعجبها فكرة خلوتها مع ثيو مجدداً ، وتنفست الصعداء عندما رأت السيدة براندون لا تزال مستيقظة ، تجلس تنتظرهما .

جلس ثيو بجانب جدته مقبلاً يدها ، ثم انطلق يروي لها أحداث الليلة على نحو لا تذكر منه كريستينا شيئاً . عدد لها مثلاً قائمة طويلة من الناس الذين التقيا بهم في الفندق والنادي وبطريقة توحي بأنهما قضيا الوقت وسط مجموعة كبيرة من الناس وليس وحدهما ولم يأت على ذكر ديفلين ، فأدركت كريستينا أن التغاضي عنه مسألة بديهية .
دخلت السيدة كريستوف حاملة صينية القهوة ، فقامت السيدة براندون ومضت نحو الباب بعد أن طبعت قبلة على وجنة ثيو وتمنت لكريستينا ليلة سعيدة .

وما أن خرجت السيدة براندون ، وأغلقت الباب وراءها حتى استدارت كريستينا نحو ثيو تعاتبه :

- لماذا لم تخبرها حقيقة ما جرى؟

رفع ثيو كتفيه بحركة لا مبالية :

- لأنها لا تريد سماع ذلك . عليك أن تتعلمي كيفية التعامل مع جدتي وهذا ما ستكتشفينه مع مرور الوقت .

انحنت كريستينا تلتقط فنجان القهوة , ورشفت قليلاً منه بشفتين مرتجفتين . استطرد ثيو :

- كانت جدتي فرحة للغاية الليلة . ارتاحت إلى رؤيتنا نخرج ونجلس معاً . إن أحدنا يكمل الآخر ، ألا تعتقدين ذلك؟

علقت كريستينا مضطربة البال :

- اشعر بالإرهاق ، والأفضل أن اذهب إلى حجرتي وآوى إلى الفراش .

علت ملامحه ابتسامة ذات معنى :

- هل تنوين تمثيل لعبة القط والفار؟

صاحت ساخطة في حدة وغضب :

- انك شاب وقح .

اقترب منها قليلاً :

- لا يمكنك خداعي . هل تفضلين ديفلين علي؟ أتظنين أنني لم الحظ كيف كنتِ تراقصينه؟ أنا لست غبياً يا كريستينا .

وانقض عليها كالذئب الكاسر ، ملقياً بثقله فوقها . استجمعت قوها ، فدفعته عنها بقوة وركلته بقدمها ، فتدحرج فوق ارض الغرفة . استلقى على ظهره يحدق فيها . اخذ ينتحب كالطفل الرضيع . فوجئت كريستينا وانتابها الذعر :

- بحق السماء يا ثيو ما الذي دهاك؟ ما هذا العويل؟

نظر إليها والدموع تنهمر من مقلتيه :

- كيف لا ابكي وأنتِ تعاملينني بهذه القسوة؟

قالت غاضبة :

كف عن هذه السخافات . هل كنت تتصور إنني سأستسلم لتصرفاتك المشينة أيها الغبي؟

قال راكعاً على ركبتيه :

- لا . لا انك تسيئين فهمي . فقدت السيطرة على نفسي وأنا آسف جداً . لا اعرف كيف اعتذر لك . ترفقي بي يا كريستينا ، إنني احبك ....

انتفضت واقفة :

- اخرس! لن ادعك تخاطبني بهذه الكلمات أيها الأبله!

أجاب متوسلاً :

- لقد غضبت مني لأنني كذبت على جدتي ، ولم اكن صادقاً معها ، وتغضبين مني الآن لأنني أقول الصدق . ماذا افعل؟.. سامحيني يا كريستينا لم اكن انوي اطلاعك على حقيقة مشاعري ، ولكن عندما رأيتك مع ديفلين وعرفت كيف يتآمر لأبعادك عني ، كادت الغيرة تقتلني .

ياله من كابوس مرعب! فكرت كريستينا مجيبة :

- لا يحق لك أن تشعر بالغيرة ولا يوجد أي مبرر لذلك .

نهض على قدميه وحملق في وجهها :

- اسمعي يا كريستينا . أتذكرين تلك المكالمة الهاتفية في النادي؟ ذهبت إلى الهاتف فوجدت السماعة مقفلة ، فعرفت أنها خدعة ولما عدت كنت ترقصين معه فاتضح كل شيء . كانت مكالمة مجرد خدعة لابعادي عن طريقه . إن ديفلين رجل حاقد فهو يحقد على جدتي ويحقد علي انه يخطط لتدمير حياتي وأخذك مني .


قالت كريستينا بلهجة جادة صريحة :

- دعنا نؤكد حقيقة واحدة . أنا لست فتاتك .

خيم الصمت مثقل بالتوتر . أدار ظهره واعترض بصوت مخنوق :

- أنتِ تقولين ذلك بقصد جرح مشاعري .

أجابت بنعومة :

- كلا يا ثيو . إنها الحقيقة . أنا لا أحب خداعك منذ البداية وابدي أسفي إذا ما جعلتك تسئ تفسير موافقتي على الذهاب معك النادي . انه خطأ لن أكرره . تصبح على خير .

أوصدت الباب واتكأت عليه لحظة تستعيد هدوءها ثم سارت بخطوات وئيدة إلى غرفتها ...

كانت متأكدة من عدم تشجيعها لثيو على الاعتقاد بأنها أصبحت ملكاً خاصاً له . لا بد أن السيدة براندون هي التي دفعته إلى وضع كهذا . وطالما لاحظت علامات الرضى ترتسم على محياها كلما رأتهما سوية . ولكنها ظنت أن كريستينا فتاة فقيرة غريبة وتعرف أن هذه الأمور ذات أهمية بالنسبة إلى عائلة مثل براندون . إذن لا يوجد سوى سبب واحد . هل يحبها ثيو حقاً؟ حاولت النظر إلى المسألة بتجرد وموضوعية .
ولكن الحب قصة أخرى! لم يبدر منه ما يدل على حبه لها . ان تصرفه معها يتصف بالطيش وغياب الأدب والاحترام .

ظنت أن دوافع ديفلين سيئة النية ، وتهدف إلى استغلال براءتها كما حدثتها السيدة براندون أما دوافع ثيو فهي اكثر تعقيداً .
راحت تضرب أخماساً بأسداس إلى أن قر رأيها على الرحيل من ذلك المكان وبأقصى سرعة . ستقابل السيدة براندون وتقدم لها اعتذارها واستقالتها ومن ثم تكتب رسالة إلى السيد فريث تشرح له الوضع ، وتتوسل إليه لقرضها بعض الدراهم لتتمكن من العودة إلى إنجلترا . ما أن تستقر في بلدها حتى تبحث عن أي عمل وتدفع له القرض بشكل أو بآخر . وضعت يدها على رأسها . إنها تعاني الآن من صداع حقيقي . صعدت إلى فراشها ودفنت وجهها في وسادتها واستسلمت لملاك النوم مرهقة قلقة البال .

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 16-05-09, 01:59 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

المـــــنديـــــــــل


ما أن استيقظت في الصباح اليوم التالي ، حتى توجهت كريستينا إلى غرفة السيدة براندون . دقت الباب . ففتحته يولالي بوجه عابس ، وكادت أن تغلقه ثانية معلنة :

- الأفضل أن تعودي في وقت آخر ، السيدة براندون لا تريد رؤيتك الآن!

دفعت يولالي جانباً ، ودخلت إلى غرفة الجلوس :

- أرجوك أن تخبريها عن حضوري .

ترددت يولالي لحظة . ثم مشت متأففة نحو غرفة النوم . ظلت كريستينا واقفة قرب النافذة الكبيرة تمعن النظر في جمال الحديقة وزرقة البحر المتلألئة في البعيد . أدركت كم سيصعب عليها فراق هذا المكان ، بعد أن الفت عالمه الغريب . تراءى أمامها الشاطئ الفضي ، وأشجار النخيل المحيطة به وغمر أحاسيسها دفء المياه المترقرقة . أنها مشاهد لن تنساها أبداً . وستحمل معها ذكريات أليمة أيضاً ، وخاصة ذكرى ديفلين براندون بكل عباراته وآرائه وحركاته وهمساته الخبيثة .
منتديات ليلاس
أحست في قرارة نفسها أن شبحه سيظل يلاحقها مهما ابتعدت عنه . كان جزءاً لا يتجزأ من كل هذه الأجواء من المنزل والشاطئ وجزيرة سانت فيكتوار حتى المارتينيك .
تنهدت بحسرة بأسف ، واستدارت تلقي نظرة متبرمة على باب غرفة النوم المغلق بدا لها أن السيدة براندون تتعمد التلكؤ في الاستجابة لطلبها . ربما أخبرها ثيو عن أحداث الليلة الفائتة وهي تعبر عن استيائها بأسلوبها الخاص . ولعلها تنوي طردها من عملها ولا حاجة إلى تقديم استقالتها ثم لم تلبث كريستينا أن طردت هذه الفكرة من ذهنها . لا ، إن السيدة براندون تبذل قصارى جهدها لاقامة علاقة حميمة بين حفيدها وفتاة مجهولة ، متواضعة الحسب ولدت صدفة في إنجلترا ولكن ما الذي ترمي الهي من وراء هذه العلاقة؟ فكرت كريستينا ملياً . لا أهمية لذلك الآن . كل ما تريده هو الرحيل والابتعاد ليس عن ثيو بل عن ديفلين الذي كادت أن تمنحه جم مشاعرها .
انفتح باب غرفة النوم ، و أطلت يولالي تومئ برأسها علامة استعداد سيدتها لاستقبالها . كانت السيدة براندون جالسة في سريرها ، متدثرة بغطاء حريري ، ارجواني اللون ومنكبة على ما وصلها ذلك الصباح من رسائل . رفعت حاجبيها ترحب بكريستينا :

- صباح الخير يا عزيزتي . إنها زيارة مبكرة هل من مشكلة؟

أحنت كريستينا برأسها ، وجلست على كرسي ملاصق للسرير وأدهشتها هدوء السيدة براندون إلى حد أخجلها . ولمست يدها قائلة :

- ما هي المشكلة؟ هل تضايقت من قضاء السهرة ليلة أمس مع ثيو؟

اضطربت كريستينا :

- هل بلغتك أخبار ليلة أمس؟

ردت السيدة براندون بهدوء :

- طبعاً يا ابنتي لا يفوتني أي شيء يجري هنا.

وسارعت كريستينا إلى القول :

- إذن لن تكون مفاجأة لك إذا ما قدمت استقالتي ورحلت فوراً .

قطبت السيدة براندون جبينها :

- لماذا ؟

تململت كريستينا فوق كرسيها :

- المسألة واضحة لا يمكنني البقاء هنا بعدما جرى بالأمس .

هزت العجوز برأسها بسلبية وقالت :

- ولم لا؟ لأن صبياً أحمق فقد صوابه في لحظة عابرة تريدين التخلي عني؟ إن تصرفك يذهلني . هذه المسائل تتعرض لها كل فتاة جميلة مثلك.

أجابت كريستينا بصوت خفيض :

- من السهل عليك اعتباري فتاة ساذجة . لكنك لم تشاهدي بأم عينك حقيقة ما جرى .

ردت السيدة براندون :

- اعرف ما فيه الكفاية . اعترف لي ثيو بكل شيء . وهو يأسف جداً لتمزيق أكمام فستانك ويبدي استعداده لمرافقتك إلى المارتينيك كي يشتري لك فستاناً آخر جديد ....
قاطعتها كريستينا :

- يبدو وانك يا سيدة براندون مصرة على تجاهل ما قلته لك ، لقد طلبت منك قبول استقالتي .

تحولت عينا العجوز إلى قطعتي جليد :

- لا يا كريستينا . لست مستعدة أن اقبل ذلك انك فتاة جذابة وان لك أدراك هذا وأوافق على أن ثيو تمادى ....

لم تدعها كريستينا تسترسل في عباراتها :

- لا فائدة من الاعتذار يا سيدتي . أوضحت لك موقفي ، ولا انوي التراجع عنه .

علت مسحة من الشحوب وجه السيدة براندون وبدأت شفتاها بالارتجاف كورقتي خريف :

- من الأفضل لك يا كريستينا اعتبار حديثك مجرد زلة لسان . يمكنك الانصراف الآن . عندما تهدأ أعصابك سأرسل ثيو ليعتذر لك . وأرجو ألا تخيبي ظني بك فتصفحي عنه .

ازدادت كريستينا استياء وهي تتصور لقاء عاطفياً جديداً بينها وبين ثيو :

- لا حاجة إلى ذلك . أرجوك لا أطلب اكثر من قبول استقالتي والسماح لي بالرحيل إلى إنجلترا .

أجابتها السيدة براندون بحنق ظاهر :

- إن ما أحاول قوله هو انه يستحيل عليك مغادرة هذا المكان والرحيل بهذه البساطة لا يمكنني التخلي عنك يا عزيزتي .

أمعنت كريستينا في استفزازها :

- لماذا؟ هل وضعت خطة لتقرير مستقبلي ؟

قررت العجوز مهادتنها :

- أرجو المعذرة يا كريستينا يبدو إنني أخطأت التقدير ولن تتيح لي الظروف تحقيق أمنية عزيزة على قلبي وقلب عمتك . انك ترفضين هذه الأمنية بكل قواك وأستميحك عذراً إذا ما أغضبتك .

حملقت كريستينا في قسمات وجهها . اربكها تواضع ربة عملها المفاجئ ماذا قالت بالضبط؟ استفسرت علها تبدد مخاوفها :

- أتيتِ على ذكر عمتي غريس ....

أجابت السيدة براندون بانحناءة رأسها :

- عقدنا اتفاقاً ونحن في فصول الدراسة ، فالتزمت أن انجب ابناً والتزمت هي بإنجاب ابنة ، ويتزوجان عندما يبلغان سن الرشد وحافظ كل منا على هذا الاتفاق ولهذا السبب ذهبت إلى انكلترا بمجرد إعلان وفاة عمتك في الصحف وجلبتك إلى هنا لتحقيق وعد قطعته على نفسي .

جلست كريستينا صامتة ، مشوشة الأفكار . وجدت صعوبة في تصديق كلمات السيدة براندون . هل تريد القول أن عمتها غريس عقدت معها صفقة حول مستقبلها هي؟ الهذا السبب أتت إلى هنا لتنفيذ شروط الصفقة التي تخصها ، ولم تكن تدري بوجودها؟ غمرتها موجة من اليأس القاتل فقررت الإفصاح عن رأيها بوضوح :

- إنني آسفة يا سيدتي . لم يكن لي علم بكل ذلك ، وإلا لما كنت أتيتِ إلى هنا . لا شك أن الكثيرين يرسمون خططاً كهذه لمصلحة البنين والبنات ولكن نادراً ما يتوقعون تنفيذ هذه المشاريع حرفياً عندما يبلغ الأولاد سن الرشد .

توهجت عينا السيدة براندون ببريق عجيب :

- هذا ما توقعته . ولم يغب عن بال عمتك موقفاً كهذا . فكري في مستقبلك قليلاً يا كريستينا . ما الذي تأملينه؟ تقلد منصب هام؟ إنها مسألة بعيدة الاحتمال ، وأنتِ تنقصك المؤهلات اللازمة إن الزواج هو الحل الأفضل ، لا بل الوحيد ، إلا إذا كنتِ تريدين قضاء حياتك عانساً وعالة على الآخرين .

تسارعت نبضات قلبها ، فاكتفت كريستينا بالقول :

- شكراً على نصيحتك الثمينة ، وتصويرك الأمور بهذه الصورة القاتمة .

اتكأت السيدة براندون على وسادتها وأشارت :

- أحاول أن أكون واقعية . لا ادري لماذا يقلقك الزواج من حفيدي . ألا يعجبك أن تكوني سيدة ارك اينجل؟

أطرقت كريستينا برأسها . اشتعل في داخلها صراع عنيف لا بد لها من حجبه عن السيدة براندون ، وعدم إعطائها فرصة استغلاله لمصلحتها . دغدغت أحلامها فكرة استمرار بقائها في ارك اينجل والتمتع بهذه الرفاهية والثروة الطائلة التي تراود مخيلة الملايين من الناس ولكن وفي الوقت نفسه ، رن في أعماقها صوت ديفلين ساخراً محزراً ، فارتعت فرائصها هلعاً . لا يمكنها الزواج من ثيو أو من أي شخص آخر لا تكن له حباً عميقاً . علمتها تجربتها القصيرة المبتورة أشياء كثيرة حول أسرار القلب ، والعواطف الملتهبة . وهي تعرف معرفة أكيدة أن ثيو لا يثير فيها أي إحساس بالحب كما تفهم الحب وتفسيره .

داهمها الشعور بالشفقة والذنب إن ثيو يعرض عليها الزواج بإخلاص وصدق نية ومع ذلك لا تبالي به ، بل تمتعض من اهتمامه بها . في حين أن ديفلين ، الذي تعشق طيفه بدون مبرر ينظر إليها كمجرد دمية للتسلية مع ذلك يتحتم عليها مواجهة الحقائق كما هي ومهما كانت الآلام والعقبات .

رفعت رأسها ورمقت السيدة براندون :

- أنا آسفة يا سيدتي لا يمكنني الزواج من ثيو .

تجهم وجه السيدة براندون :

- إن في العجلة الندامة يا ابنتي . أنتِ ما زلت في مقتبل العمر ، وأمامك متسع من الوقت لاتخاذ قرار حول هذه المسألة ( وعلت وجهها ابتسامة شاحبة واستطردت ) إن الإنجليز مثاليون جداً ويحلمون دائماً بالحب الحقيقي الصافي . إن الأرض يا ابنتي والعقارات واستمرار الميراث هذه هي الأمور الهامة في الزواج . لم تخطر على بالك هذه الأشياء لأنها كلها بعيدة عن حياتك السابقة . سأترك لك مجالاً أوسع للتفكير والتمعن في هذه المسائل . لست في عجلة من أمري . أما الآن يا عزيزتي فيمكنك الانصراف . أرسلي إلي يولالي وأنتِ في طريقك إلى الخارج .

________________________________________
مضت كريستينا إلى غرفة الجلوس ، وهي في حالة يرثى لها . ما هذه الورطه المرهقة؟ تساءلت يائسة وهي تعود إلى غرفتها . تنوي تقديم استقالتها منذ لحظات قليلة . وها هي تحمل معها خطاب الاستقالة وتطويه في جيبها كأنه خطأ شنيع . وتتعرض لشتى الضغوط لكي تتزوج ثيو ، وبطريقة طبيعية ولا اثر لاحترام مشاعرها في كل ما يدور كأن المسألة لا تعنيها مباشرة .

قررت أن تعيد الكرة وتقدم حججاً دامغة تثبت من خلال شخصيتها وحريتها في رسم مستقبلها ولكن ما الفائدة؟

عليها الرحيل عن هذا المكان . لماذا لا تذهب إلى المارتينيك على الأقل وتشتغل هناك لاعالة نفسها ، وتوفير ثمن تذكرة العودة؟ هذا إذا رفض السيد فريث مساعدتها تلخصت مشكلتها الأساسية في كيفية الذهاب إلى المارتينيك . كان باستطاعتها الطلب من لويس ليقلها بالسيارة إلى الميناء حيث يرسو المركب المتنقل بين سانت فيكتوار و المارتينيك ولكن لويس موظف يعمل لدى السيدة براندون وقد يشي بها . إذن ليست طليقة حرة الإرادة كما توهمت .

داعبت خيالها فكرة اللجوء إلى كلايف ولورنا مينارد . ان لورنا ستساعدها إذا ما عرفت حقيقة الامر . ولكن هل يحق لها جس نبضها؟ إن كلايف هو الآخر موظف لدى عائلة براندون ومن الخطأ التوقع منه تعريض وظيفته للخطر .

دفنت رأسها في راحتيها ، تحاول إيجاد حل لورطتها وأدركت انه يوجد أمامها خيار واضح ينهي محنتها إذا ما وطدت النفس على تنفيذه .

إن ديفلين براندون يملك مركباً يبحر فيه جيئة وذهاباً . وهو علاوة على ذلك طلب منها وبصراحة مغادرة الجزيرة . هل سيكون عند حس ظنها؟ ويبدي استعداده لتقديم خدماته؟ لا تخاله سيرفض مساعدتها طالما انه لا يشعر بأي ولاء لعمته وهو الذي أعلن ذلك مراراًَ . ولكنها هي كريستينا ، مدينة له بشيء الكثير . هل يجوز لها التماس مساعدته؟ ألم يحذرها من عدم اللجوء إليه عندما تسوء أحوالها ؟ وهي الآن تلجأ إليه متضرعة ، ويا للمصيبة إذا أشاح بوجهه عنها!

مشت متثاقلة نحو النافذة . وسمعت صوتاً في داخلها يقول لها لا لن يطردها رافضاً مساعدتها ، ولكنه سيرفض ثمناً مقابل أتعابه . ضغطت بيديها على أذنيها ، لإخراس الصوت المزعج . لا بد أن تكف عن التفكير في هذه الناحية وإلا فقدت ما تبقى من بأسها وشجاعتها .

وانسلت عبر السلم إلى الحديقة ، لا تبالي بما تقوم به . كانت تلهث يهدها التعب . بلغت الكوخ . توقفت لاسترداد أنفاسها . أخذت تجيل النظر متوجسة . لم تعثر على أي اثر لمركب ديفلين ، عذراء القمر . وكان الكوخ رابطاً مسدل الستائر موصد الأبواب .

انتابها قلق اليم . لم يعد أمامها سوى العودة إلى المنزل وانتظار عودته . هذا ما يجب عليها فعله ، قالت لنفسها وقدماها تشدانها إلى الوراء .

تقدمت من الكوخ ، فرأت المفتاح لا يزال في قفل الباب . فتحته و دخلت . كان الجو في الداخل خانقاً ، يخيم عليه سكون رهيب . خطت بحذر نحو النافذة وسحبت الستار فتدفقت أشعة الشمس تغمر الجدران وتضفي بعض الدفء على قطع الأثاث .

بدا الكوخ نظيفاً ، مرتباً ، ناصعاً ويوحي كل شيء فيه أن صاحبه لم يغادره لقضاء أمر مستعجل ولن يلبث أن يعود . لا بل يدل على غياب في رحلة طويلة الأمد . راحت تبحث عن أي دليل يكشف سره الغامض . تمنت أن تعثر على عنوان أو رقم هاتف حيث يمكن الاتصال به و أدركت مدى حماقتها . إن ديفلين براندون لا يهتم بهذه السخافات . وبأي حق تسمح لنفسها التطفل هكذا؟ لا حق لها إطلاقاً .

ورأت نفسها أمام المقعد الخشبي . هنا يقوم ديفلين بممارسة فن الحفر . ازداد فضولها لاكتشاف نوع العمل الذي ينتجه . رفعت الغطاء بحذر ، والتقطت قطعة من القطع . كانت تمثل صقراً منفرج الجناحين . تأملته ملياً مبدية إعجابها بأسلوبه الفني البارع . وأخذت تتفحص بشغف القطع الأخرى التي لا تقل اتقاناً وتبرز مهارة عالية مرهفة .

وقع نظرها على قطعة ملفوفة بغلاف ورقي . فضت الغلاف وحدقت فيها . جف حلقها . كانت تمثالاً صغيراً لفتاة ساجدة على ركبتيها ولا تزال تحتاج إلى اللمسات الأخيرة ولكنها عرفتها لتوها أن التمثال يشبه تماماً الخادمة يولالي .
أعادت التمثال إلى مكانه بإصبع مرتعشة . قفز خيالها إلى تلك الليلة عندما لمحت يولالي تتسلل عبر الحديقة . لقد صح توقعها وتحققت من لقاء يولالي بالفنان ديفلين في هذا الكوخ .

________________________________________
لم تعر المسألة أهمية آنذاك . أما الآن فانتابها ثورة من الغضب . اغرورقت عيناها بالدموع . وأدركت مرتاعة أنها تعاني من الغيرة ويشتعل حسد قاتل في شاريينها يا لحماقتها ! لامت نفسها بحدة . استدارت كالمجنونة ، وخرجت من الكوخ تعدو هائمة على وجهها .

اكتشفت شيئاً جديداً حول نفسها . لمست واقعاً ملموساً ، كانت تظن انه مجرد وهم من الأوهام إنها وبطريقة ما تحب ديفلين براندون حباً جامحاً .

هزت برأسها مستنكرة عواطفها الجامحة وهي تتمهل فوق رمال الشاطئ لا إن ما تشعر به ليس حباً ، بل مجرد نزوة عابرة لا علاقة لها بالعاطفة الثابتة التي تضم روحين في عناق ابدي .

رددت بكآبة دامية لا . لا احبه وظلت تكرر العبارة كالتعويذة إلى أن استقرت ثانية في غرفتها . شعرت كريستينا بضياع تام خلال اليومين التاليين . لم تطلب منها السيدة براندون القيام بأي عمل . وواظبت على تناول وجبات الطعام ، كأنها تؤدي مهمة شاقة . وكان ثيو يتصرف أمامها على افضل وجه وذلك بعد أن أبدى اسفه الشديد لسلوكه السابق ، كان يبذل جهداً خاصاً للتودد إليها ، وتجنب كل ما يمكن أن يعكر مزاجها أو يغضبها .

ولكنها لم تعد تبالي بمسلك ثيو أو بأحلامه . كان يشغلها اكتشافها المفاجئ لمشاعرها الحقيقة وفي كلا الحالتين يتوجب عليها الفرار من هنا .. حدثت نفسها . ولا ينقصها سوى الوسيلة الناجحة .

يستحيل عليها الآن اللجوء إلى ديفلين ، وإلا كانت كمن يصب الزيت على النار ومن الأفضل لها الرحيل قبل عودته ، وقبل أن يخترق بعينيه الحادتين سرها الدفين ، ويمزق حجابها الذي يستر عواطفها .

وأضحى وجود يولالي معها تحت سقف واحد مسألة لا تطاق كانت تمر أمامها متهادية بانشراح ودلال ، كأنها تعلن عن تحديها وإدراكها لصراعها النفسي وآمالها الخائبة واستحواذها على اهتمام ديفلين كرمز للجمال والفتنة الساحرة.

ازداد تصميم كريستينا على الرحيل ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ قررت البقاء إلى أن تلتقي الدفعة الأولى من راتبها ولم يحن موعدها بعد . ولا يمكنها الطلب من السيدة براندون أن تعطيها سلفة فتثير شكوكها . ولا تريد كذلك أن ترحل وهي تدين لعائلة براندون بشيء . ويترتب عليها نقل نفسها وحقائبها من البيت إلى الميناء بطريقة ما وربما تطلب سيارة أجرة لهذا الغرض بدلاً من التسلل ليلاً ولكن ثمة صعوبة أخرى . توجد آلة التليفون في غرفة جلوس السيدة براندون ولن تتوفر لها فرصة ملائمة لأجراء مخابرة إلا في حالات نادرة . تنهدت كريستينا وهي ترى صعوبة جديدة تنتصب في وجهها .

كانت عائدة من نزهة قصيرة على الشاطئ ذات صباح ، عندما استدعتها السيدة براندون إلى غرفتها . وما أن دخلت كريستينا حتى تلقفتها العجوز هاتفة :

- تعالي يا عزيزتي علي القيام بمقدار كبير من العمل اليوم . انظري هذه للائحة من الأسماء والعناوين عليك كتابتها على مظاريف وبسرعة . وصلت بطاقات الدعوات من المطبعة هذا الصباح وأود إرسالها بدون إبطاء .

أمسكت كريستينا باللائحة تدرسها . كانت تضم أسماء أعيان الجزيرة . سألت :

- ما هي هذه الدعوات؟

أجابتها العجوز :

- إن عيد ميلاد ثيو الأسبوع المقبل وسوف نقيم له حفل بطبيعة الحال .

راحت كريستينا تقرأ الأسماء المتعددة . لم تجد أثراً لاسم ديفلين . تأكد لها أن عمته حذفت اسمه عمداً تعبيراً عن استيائها منه . هذا في حين أن أصدقاءه من أعضاء اللجنة كانوا من بين الأسماء المختارة . استدارت نحو الباب قائلة :

- سأبدا العمل فوراً يا سيدتي .

صاحت السيدة براندون :

- لحظة من فضلك .

رأتها كريستينا تغالب نفسها للنطق بشيء يقلقها . ثم سمعتها تقول :

- سأكون في غاية سرور يا كريستينا لو أن الحفلة لا تقتصر على الاحتفاء بعيد ميلاد ثيو بل تكون أيضاً حفلة إعلان خطوبة .

تجمدت الدماء في عروقها . كم كانت مخطئة ساعة اعتقدت أن هذه المسألة طويت إلى الأبد . قالت كريستينا محاولة كبت غيظها :

- ولكنك يا سيدة أفسحت لي المجال للتفكير ودراسة الموضوع ....

نظرت إليها السيدة براندون برقة :

- لا بد انك توصلت إلى قرار الآن . إن ثيو شاب حساس وعنيد لن ينتظر طويلاً للحصول على جواب منك .

ردت كريستينا بإصرار :

- لا أريده أن ينتظر . لا يمكنني الزواج منه يا سيدة براندون . أنا لا احبه أرجوكِ حاولي أن تفهميني .

تشبثت العجوز برأيها :

- أن الحب ينمو مع مرور الوقت يا عزيزتي . وهذا معنى الخطبة في المقام الأول . إنها فترة التعارف المتبادل ، وتمتين أواصر الصداقة لكي تصبح حباً بكل معنى الكلمة . إن ثيو لن يصبر كثيراً وسيجد وسائلة الخاصة لتلقينك بعض الدروس !

كانت كريستينا تتأجج غضباً :

- هل أنتِ جادة؟ ما معنى كلامك هذا؟

انهالت عليها السيدة براندون مؤنبة :

- لا تدعي السذاجة يا ابنتي . أنتِ تعرفين ما الذي اعنيه . ان وجودكما معاً في عش الزوجية تحت سقف واحد سيؤدي حتماً إلى علاقة حب وتفاهم بينكما . وعندما تعلنين خطوبتك ستلمسين بنفسك مدى التغير الذي سيطرأ على عواطفك .



كادت كريستينا تفقد صوابها :

- انك تثيرين في نفسي الغضب يا سيدة براندون . أؤكد لك أن مشاريعك مصيرها الفشل الذريع .

هزت العجوز بكتفيها متأففة :

- المعذرة لم اقصد جرح مشاعرك . آنا آسفة . كنت اطرح عليك مجرد حل عملي .

أوصدت كريستينا الباب وراءها بأحكام . ووقفت لحظة لالتقاط أنفاسها . كانت صدمة عنيفة هزتها هزاً . وحيرها أمر عمتها غريس وصداقتها مع العجوز البليدة الإحساس . توجهت إلى المكتبة وباشرت باكية كتابة مظاريف البطاقات .

كانت في حال يرثى لها ، فوجدت نفسها تخلط الأسماء ببعضها . سحبت الورقة من الآلة الكاتبة وطوتها كالكرة ثم قذفتها صوب النافذة المفتوحة . ولفورها سمعت صوتاً أليفاً يهتف وراءها :

- طلقة موفقة أيتها السكرتيرة البارعة . يبدو أن مهارتك بدأت تخونك.

مشى ديفلين بخطى وئيدة ووقف بجانبها ، يحملق في اللائحة الملقاة قرب الآلة الكاتبة . أعلن في سخرية :

- أرى أن عمتي قررت الخروج من عزلتها وإقامة حفلة اجتماعية . لا ترهقي نفسك في طباعة دعوة لي آنسة بينيت سآخذ البطاقة معي .

لفت ظرفاً جديداً على الآلة قائلة بجفاف :

- لا اعتقد انك مدعو إلى الحفلة .

استقبل كلماتها ببرود:

- إذن سأقتحم المكان اقتحاماً . هذه الحفلة لن ادعها تفوتني مهما كلف الامر أريد أن أكون حاضراً عندما يقلدك ثيو خاتم الخطبة . وبالمناسبة هل رأيت الخاتم؟ انه خاتم هائل من الزمرد والألماس ، يا للذوق السوقي المبتذل!

واظبت على الكتابة وأجابته بحدة:

- أقول لك للمرة الألف لن اعقد خطبتي على ثيو .

ارتمى فوق مقعد وثير ، ماداً رجليه أمامه :

- كلا؟ أن الجزيرة كلها تتكلم عن الموضوع .

سألته مندهشة :

- ما الذي يقوله الناس؟

قال بنبرة جادة لا اثر للسخرية فيها :

- الكل يقول انك على وشك الزواج من ثيو وستكون هذه الحفلة مسك الختام .

أجابت يائسة :

- ولكن هذه الأقوال مجرد تخمينات .

سمر عينيه على وجهها المتجهم :

- ربما. ومع ذلك ، مازال أمام عمتي متسع من الوقت لأقناعك . لن يحل عيد ميلاد ثيو قبل أسبوع ، فلا تيئسي ولا أظنك تغفلين نية عمتي في عقد قرانكما .

قالت مطرقة الرأس :

- لا . لا أنكر ولكنني لم اكن اعرف شيئاً عندما جئت إلى هنا يجب أن تصدقني .

أشعل سيجارة ثم عقب :

- أنا أصدقك . هذه مسألة بسيطة ولكن ما الذي تنوين فعله؟

- ما الذي انوي فعله؟

كاد ينفذ صبره :

- نعم إن هذه المسألة تخصني مباشرة كما تعلمين .

تنبهت إلى مغزى كلامه:

- طبعاً لأنه إذا تزوجني ثيو ورزق ولداً سيبطل أي حق لك في الإرث .

خيم صمت ثقيل ثم أطلق قهقهة ممزوجة بالمرارة :

- يا للذكاء الباهر! نعم أن مصلحتي أن يظل ثيو عازباً . هل يمكنني الاعتماد عليك لتحقيق هذه الغاية النبيلة؟

أحست بوخز حاد في حنجرتها :

- قلت لك، وبكل وضوح أنني لا انوي الزواج من ثيو . لا مبرر للتخوف على مشاريعك مني .

رد بلهجة جافة :

- أشكرك من أعماق قلبي . وكيف تنوين الهرب من مصير رسمته لك عمتي العزيزة؟

هزت بكتفها :

- لا تقلق علي . أستطيع تدبر أمري.

أجاب بعذوبة :

- ولكني قلق عليك . خاصة إذا كنت ستحتاجين إلى مساعدتي .

اضطربت قليلاً :

- لا لن احتاج إليك يا ديفلين .

نهض واقفاً وتقدم منها بحذر ثم مد يده إلى جيبه :

- اعتقد أن هذا المنديل الذي يحمل أول حرف من اسمك لم يكن في كوخي صدفة .

هتفت : - كيف وجدته؟

- لا مجال إلى المراوغة يا كريستينا . أنتِ أتيتِ إلى الكوخ تبحثين عني عندما كنت في المارتينيك .

صمتت قليلاً ثم قالت متمتمة :

- أشكرك على عرضك لمساعدتي . ولكن زيارتي إلى الكوخ لا علاقة لها بذلك . كانت مجرد فضول . وتفريج عن النفس لتبديد السأم والضجر .

حدق فيها بعينين تتماوجان سخرية واعتداداً بالنفس .

- والآن دعني وشأني . أريد الانتهاء من كتابة هذه للائحة الطويلة .

غمغم :

- كلا يا عزيزتي . أنتِ ارتكبتِ خطأ كبير عندما زرت كوخي بهذا الأسلوب واطلعت على قطعي وعملي الفني بدون إذن مني .

صاحت في وجهه :

- اخرج من هنا ودعني أكمل عملي .

رد وإمارات الهدوء تكلل محياه :

- سأخرج الآن لرؤية عمتي . وثقي أنني لن أتخلى عن مساعدتك

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الملاك الحارس, devil at archangel, دار الكتاب العربي, روايات, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير القديمة, سارة كريفن, sara craven, عبير, قيد الوفاء
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:36 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية