كاتبه الفصل عذوووووووووووووب
9- رحلة العمر
مادت اشجار الصفصاف الباسقة وتلاعبت نسمات ايلول القوية بالاغصان قطعة قطعه ... ان اوائل الخريف ونهاية الصيف موسم جميل جدا في الريف الانكليزي وكأنه مكافاة للطقس قبل ان يهجم برد الشتاء القارص .
قعدت باميلا قرب البحيرة وشعرها المخملي الاشقر تبعده عن وجهها عقدة من الساتان الازرق المتناسق مع لونها ولون عينيها ثم اسندت ظهرها الى جذع شجرة سنديان غليظة راسخة في القدم .
منتديات ليلاس
وراحت تقضم ورقة عشب خضراء بكسل وهي تحدق الى المياه الهادئة ... كان كل ما يحدق بها في هذا الوادي المزروع هادئا ساكنا حتى صعب عليها ان تتصور ما مر بها من عذاب في الاسابيع القليلة الماضية .
لقد وجدت اخيرا ان الضغط المزدوج الذي يمارسه عليها بول برغبته في الانتقام وبرغبته في جسدها هو اكثر من ان تطيقه .
بعدما تركت منزله في منتج هاستنغز عادت الى لندن فوضبت اغراضها واستقلت قطارا متوجها الى موطنها حاولت بيرل ان تحصل على تفسير منها ,
ولكنها لم تقل شيئا بل دفعت لبيرل حصتها من ايجار الشهرين المقبلين ووعدت بالعودة عما قريب .. مع انها سرا كانت تشك في العودة .
راقبتها بيرل تكتب رسالة استقالتها التي ارسلتها بريديا قبل ان تباشر بتوضيب حقائبها . اتصل بول لكنها رفضت التحدث اليه
وقبل ان يجد الوقت الكافي للعودة من هاستنغز كانت في طريقها الى بلدتها الصغيرة حيث يعيش والدها .
هاهي ذي تجلس هنا في الهواء النقي المنعش غير راغبة في العودة الى المدينه . والداها سعيدان بعودتها لأنهما لم يوافقا اصلا على فكرة مكوثها في لندن وهما في الوقت الحالي يترقبان زواجها من رجل يعيش في مجتمعهما .
كانا يتوقان ان تستقر مع زوج ما في مزرعه حافلة بالاحفاد بأصواتهم الدافئة الحبيبة .
وظفت باميلا في المصرف المحلي . وكان الجميع حتى مدير المصرف السيد أولدفيلد , متأثرين بفطرنتها المالية , اما انطوني ابن السيد أولدفيلد فقد كان قطعا يظهر لها اكثر من اهتمام عابر وكانت تعلم ان تشجيعا صغيرا منها قد يقوده الى طلب يدها .
ولكنها لن تتمكن ابدا من الزواج به فهو لم يطلق عقال قلبها ولم يدفعه الى الخفقان كما كان يفعل بول غراينجر علما ان بول لم يكن يفكر فيها الا في الاستيلاء عليها ليرميها بعد ذلك جانبا .
لا جدوى على اية حال من التفكير في العودة الى المدينة ... فما تزال واثقة من تمسك وتصميمي بول على افساد اية فرصة قد تمنحها وظيفة ما .
ربما كان على حق فيما يختص بها ربما قدر لها الا تكون سيدة اعمال .
اشار تهشم اوراق الاشجار اليابسة الى ان في الغابة كائنا ما , رفعت باميلا رأسها متوقعه رؤية ظبي صغير او سنجاب او حيوان من الحيوانات المختلفة القاطنة في تلك الارض الخصبة ,
ولكنها عوضا عن ذلك شاهدت وجها لم تفكر قط في انها ستراه ثانية . كان بول يقف هناك ينظر اليها .
دوى صوتها بغضب مذهول :
- انت ... ماذا تفعل هنا ؟ انها املاك خاصة . اسمع ما عدت موظفة عندك لذا انا غير مضطرة لتحمل رفقتك بعد الآن .
وهمت بالوقوف ولكن يده القوية اعادتها الى الارض وصرخ غاضبا :
- اجلسي ! مازلت صعبة المراس كما كنت دائما . لن اعضك ان ازعجت نفسك بعض الشيء وتصرفت كامراة متمدنه لما انتهى بنا الامر الى الجدال .
انخفض الى الارض وجلس الى جانبها . لكنها لم تتراجع :
- ولم اكون مؤدبة معك انا ارفض ان تكون بيننا علاقة ؟ اشكرك لأنك دفعتني الى مغادرة لندن محطما بذلك احلامي بمستقبل مهني . الا تظن انك عاقبتني بما فيه الكفاية؟ احذرك .. لن تقدر على فعل المزيد لذا من المستحسن ان تعتبر القضية منتهية .
- هذا ما افكر فيه بالضبط باميلا . لقد قررت انا اسامحك على خداعك لي وانا هنا هنتظر اعتذارك .
هبت باميلا على قدميها واقفة وراحت تحملق اليه مدهوشة :
- تريد مني ان اعتذر ؟ يالك من وقح ! لقد اعترفت بأن تنكري كان خطأ جسيما واعتذرت عنه منذ زمن بعيد . ولكنك ضخمت الامر حتى اقنعت نفسك بالانغماس في الانتقام مني . ثم وبعد ان دمرت آمالي بمستقبل عملي تتبعني الى بلدتي متوقعا مني الاعتذار ثانية ؟ ستسمع اعتذاري ان دخل ابليس الجنة !
- امسك بول بيدها وجرها حتى تجلس قربه :
- اوه ... توقفي عن هذا باميلا . اقسم انك مهوسة بالامور المأساوية حتى يكاد يليق بك التمثيل اكثر مما يليق ببيرل .. لم الحق بك الى هنا .. ولولا انغماسك في بؤسك منذ مدة لعرفت ان ثمة سباق سيارات يجري في سهول ميدلاند . وانا كما تعلمين اهوى سباق السيارات وكنت قبل هذا السباق قد امضيت اسبوعين محاضرا في جامعه برمنغهام محاضرات تتعلق بالاقتصاد وسوق القطع . وهكذا تجدين انني في رحلة عمل لا في رحلة انزال العقوبات عليك . علمت بيرل انني قادم الى هذه المنطقة فطلبت مني زيارتك للاطمئنان على صحتك ولما سألت امك عنك اخبرتني انك تتنزهين في الغابة .. والآن .. اتظنين ان بأمكاننا تبادل حديث طبيعي .دار رأس باميلا لقد جاء بول لدافع نبيل بناء على طلب بيرل سرعان ما ادركت ان تصرفاتها معه كانت طفولية ولكن انى له ان يعرف شيئا عن العذاب الذي سببه لها حبها له ؟
- انا آسفة بول . انت في غاية اللطف . ولكننا كما تعرف في خصام دائم حتى بت غير قادرة على تصور وجود علاقة متمدنة بيننا ... كيف حال بيرل ! لم اسمع شيئا عنها منذ مدة .
- اعرف , ولهذا طلبت مني المجيء فعلاقتها بتالبوت علاقة جادة ولن يدهشني ان يتزوجا قريبا على اية حال بيرل ستضطر الى تسليم الشقة الا اذا اردت الاحتفاظ بها لنفسك.
لم يدهشها ما سمعته عن بيرل وتالبوت , فقد لاحظت قبل ان تغادر لندن شدة تقاربهما .
- اعتقد انك كنت مخطئا بشأن تالبوت اذن فهو ليس زير نساء كما صورته لي .
فهز بول رأسه :
- لن اعترف بهذا تمام فلنقل ان بيرل استطاعت ترويضه.
فابتسمت باميلا بحزن :
- انا سعيده لأجلها . اعرف انها تحبه حقا واعرف ايضا انهما سيعيشان في سعاده . اظنهما مهما قلت عنهما من افضل الاشخاص الذين عرفتهم .
فكر بول بحذر قبل ان يقول :
- ربما انت على حق . ولكنهما مؤخرا لم يكونا لطيفين معي . لقد طلبت مني بيرل ان اقول لك انني لن اقف في وجهك اذا عدت الى لندن لقد شرحت الموقف كله , واظنني كنت قاسيا معك لذا اعتذر عما در مني وأوكد لك ان بأمكانك استعادة وظيفتك في مؤسستي ان شئت كما اعد بألا اضايقك بعد الآن .
وقفت باميلا ثم نظرت الى بول ساخرة :
- هكذا اذن ... بكل بساطة ! تدمر حياتي كلها ... تجعلني اهرع الى حضن اهلي .. ثم تأتي الى بلدتي معتذرا عن قسوتك طالبا مني العودة , وما ذلك الا لأن احد زبائنك عاتبك على فعالك ... حسنا ... انس الامر ! قد لا تكون هذه البلدة مثل لندن ولا هذا المجتمع مثل مجتمع المال , لكن الناس هنا يحترمونني .
وقف بول ليمسك ذراعها بقسوة :
- مازلت كما انت . لم تسمعي كلمة مما قلته لك ...؟ انا لم آت معتذرا ! وما من احد في الدنيا يجعلني افعل ما لا اريده . وليس هناك في الدنيا مال يكفي لإجباري على فعل شيء ما ضد ارادتي .. كنت احاول ان اكون مهذبا كيسا معك . وهذا ما لا يفهمه على ما يبدو عقلك الصغير الملتوي . لا ادري كيف انقل رسالتي الى عقلك الاعوج هذا . انت اشد امرأة مراسا قابلتها في حياتي .
نظرت باميلا الى عينيه الرماديتين العاصفتين بتحد :
- ولماذا تتعب نفسك ؟ لم لا تنساني ولم لا تتركني وشأني ؟ .
جذبها بول اليه ساحقا ذراعيها بعنفه كانت ذراعاه الفولاذيتان تأسرانها وعيناه الحادتان تلمعان وكانهما قطعتا الماس لكن فيهما رقة ما مستترة تخشى الظهور وكان صوته اجش متهدجا وهو يقول لها :
- ليتني استطيع ان اتركك وشانك . لكنك تلاحقينني ليل نهار وكانك ساحرة وثنية . احس برغبتي فيك عندما نفترق ولا استطيع منع يدي عن ملامستك عندما ألقاك . لن تهربي الى أي مكان في العالم قد اعجز عن ايجادك فيه .
وضمها اليه بعناق محموم فشعرت بالعذاب بين ذراعيه . كانت اصابعه تداعب بلطف كل ذرة من بشرتها التائقة اليه فأشتد توتر باميلا حتى الانهيار
استرخت ذراعاه عندما احس بتجاوبها ومد يده بدوره ليشد رأسها الى عنقه ... سحب بول انفاسا عميقا فيما شعرت هي بان حبها يكاد يفجر قلبها .
- اريدك باميلا.. من الجنون مقاومة ما نحس به معا .
شاهدت باميلا الرغبة تطل من عينيه فتجمد الشوق الذي اشعله حبها له . الرغبة ... أهذا كا ما يشعر به تجاهها...الرغبة؟ سعى اليها ليحصل على ما يريده ولينهي عذاب شوقه ؟
ومتى اشبع شوقه اليها ورغباته الجسدية يغدُ جريا للزواج بسوزي التي سيمنحها الحب والاحترام اللذين يكنه الرجل
ارسلت هذه الفكرة رعشة بارده الى عروق باميلا فانسلت من بين ذراعيه دافعه صدره عنها بيديها .
فاجأه العنف المباغت في حركتها فوقف ينظر اليها مرتبكا لكن الرغبة المشتعله في عينيه ما تزال ترسل شررها .
كان خوفها من سيطرته عليها وشعورها بالقرف من تجاوبها المستكين اليه يزيدها غضبا الى غضب .
- اكرهك ! انت كالآخرين . لن اكون ألعوبة بين يديك فأنا انسانة لا لعبة الكترونية . عد الآن ! عد الى سيارات السباق والى عملك او اىل العوبة اخرى تستطيع ان تجد عندها التسلية التي تنشدها . دعني وشأني ! انت تقرفني .
ثم هرعت لا تلوي على شيء والدموع تتدفق على وجهها .
وصلت الى المنزل ثم اتجهت فورا الى غرفتها متجاوزة امهاالتي سألتها عما اذا رات الشاب الذي يزورها . فهزت رأسها وتابعت سيرها الى غرفتها لتغلق الباب وراءها . فقد كانت تعبه من الركض ومن قلبها الخافق .
كانت الدموع قد جفت من مآقيها عندما سمعت هدير محرك سيارة فأسرعت الى النافذة وهناك رات بول يبتعد .
كان حنين في قلبها يطالبه بالرجوع ... ولكن عقلها قال لها ان هذا خير لها .
مرت الاسابيع التالية دون احداث تذكر ولكنها خلالها كانت تظهر مهارتها في حقل المال في المصرف وقد بدا لها السيد أولدفيلد سعيدا الى اقصى حد لأن اهتمام ابنه طوني بها قد تزايد .
وقد قام بما في وسعه لتشجيعه على هذه العلاقه . ولكن عواطف باميلا كانت متحجره , فربما لم ينل بول منها ما يريد ولكنه سرق بكل تاكيد قلبها .
كانت مسرحية بيرل قد اخذت تجول في الاقاليم بعد نجاحها الساحق على مسارح لندن . وكان النقاد قد حيوا بيرل لبراعتها وتوقعوا ان تلع في افق الفن ...
اكتملت سعادة باميلا عندما استلمت منها رسالة صغيرة ولكن سعادتها كانت اكبر عندما قرأت دعوة الى حضور حفلة عرسها قبل اسبوعين من انتقالهما لعرض المسرحية في المسرح المكشوف في ريجنت بارك .
تلقت الدعوة بمشاعر مختلطه فهي مسرورة باقدام بيرل وتالبوت على الزواج , ولكن معرفتها ان بول سيكون جاضرا مع سوزي ربما جعلها تعيد التفكير ثانية .
غير انها قررت اخيرا ان علاقتها ببيرل اهم من تفسدها من اجل بول . لقد دمر لها حتى الآن عددا كبيرا من الاحمها لذا لن تسمح له بحرمانها من سعادتها برؤية بيرل عروس .
قادت باميلا سيارتها بنفسها الى لندن نعم لا تنكر انها تكره اجتياز هذه المسافة كلها , ولكنها الطريقة الوحيدة للانتقال ومعها هذه الهدايا كلها لبيرل , هذا عدا ملابسها .
كان بيرل وتالبوت قد استأجرا جناحا لهما في الفندق حيث ستتم مراسم الزفاف لذا كان لباميلا الشقة كلها في كينغستون .
من حسن حظها ان ازدحام السير كان خفيفا فتمكنت بذلك من الوصول قبل الوقت المحدد .
في الشقة اغتسلت ثم راحت تعد ما ترتديه للحفلة . كانت باميلا قد اختارت ثوبا اشترته يوما بتهور عندما خرجت مع بيرل وهو اغلى ثوب اشترته في حياتها .
والواقع انها ماكانت لتشتريه لولا اصرار بيرل يومذاك لذا بدا لها من المناسب ان ترتديه ليوم الزفاف .
الفستان بسيط مصنوع من الحرير الاسود الناعم , ياقته مستديره بسيطه ولكن بضيق عند الخصر قبل ان ينسدل الى الكاحلين بخطوط ناعمه متهدله . لم يكن للفستان ميزة خاصة ولكنه انتعش عندما التصق بحنايا جسد باميلا التي بدت وهي مرتديته خلابه ساحرة وكأنه صنع خصيصا لها .
شكرت بيرل في سرها لإصرارها على شرائه فقد بدت بالفستان انيقة جذابة وكانها احدى الممثلات الشهيرات اللاتي يعملن مع بيرل .
اما الحذاء الاسود اللماع العالي الكعبين فقد اظهر رشاقتها وطولها المديد , ثم بعد ذلك اكملت زينتها بسلسلة ذهبية تدلت من عنقها وبسوار ذهبي جميل .
تدلى شعرها البراق مسترسلا على كتفيها فأضاء وجهها بشعاع طبيعي لا اصطناع فيه رمت على كتفيها الكاب المخملي الاسود وتوجهت الى التاكسي الذي طلبته .
اكتظت غرفة الاستقبال بالضيوف فضغطت باميلا نفسها لتمر بين الجموع بحثا عن بيرل وتالبوت واخيرا شاهدت بيرل واقفة بين مجموعه ضخمة من الناس . حينما شاهدتها بيرل ركضت اليها تعانقها بحرارة .
- اوه يابام ... ما اسعدني ان اراك لقد اشتقت اليك كثيرا .
وصاح صوت رجولي عميق مرتفع :
- اجل ... لقد احست بالوحدة حتى قررت اخيرا التفتيش عن رفيق جديد .
رفعت باميلا رأسها فشاهدت تالبوت يضحك لها وهو يقترب من بيرل واضعا يده بتملك حول خصرها النحيل :
- من هذه المخلوقة الساحره العائدة من البرية ؟ ترى هل خبأتها عني لئلا اعدل عن ان اصبح مواطنا مستقرا ؟
فضربته بيرل بين ضلوعه مداعبة :
- توقف عن هذا تالبوت . انا من دفعتها الى شراء هذا الفستان . ولكنني لم استطع اجبارها على ارتدائه لذا اعتبر ارتدائها اياه اطراء لي الليلة . فلا توترها والا غضبت مني لأنني اجبرتها على شراءه .
- حسن جدا يا عزيزتي. انا لن اتجادل مع عروسي الليلة . في الحقيقة يا بام تبدين ساحرة . لكن للآسف حياتي الرومانسية ما عادت ملكا لي , فأنا مرتبط لذا سأحاول ان ابحث لك عن رفيق يضفي قليلا من النكهة على حياتك .
- لا بأس بي هكذا تالبوت . سأكون على ما يرام وحدي . فأنا كما تعلم اعرف بعض الحاضرين الليلة .
كانت باميلا غارقة في حوار عميق مع والد بيرل عندما نظرت الى الغرفة فطالعها بول غراينجر .
امسكت اصابعه السمراء القوية بكأسه الطويلة فيما اتكأ جسده بعفوية الى المدفأة . بذلته السوداء المحاكة يدويا زادت من سطوته . فتعجبت باميلا من تأثير وجوده فيها ...
لو ابتسم لها لرمت نفسها بين ذاعيه طوعا ,, تتوسل اليه حتى يسامحها ويتقبل حبها . ولكن عينيه كانتا تجولان فيها بدون اهتمام .
دهشت باميلا لعدم وجود سوزي معه .. لماذا لا ترافقه احداهن الليلة ؟ربما سوزي تتحدث الى شخص آخر ؟ ولكن بعد نظرة سرية شاملة للغرفة اكتشفت ان لا اثر لها . فحارت في ما تفكر وتحركت مع الاخرين الى الغرفة التي ستقام فيها مراسم الزواج مشتتة الذهن .
لا حقتها عينا بول طوال مراسم الزواج, وخلال حفل الاستقبال فيما بعد .. كان وجهه جامدا عابسا دائما , وكانت كلما احست بنظرته البارده الرمادية تستقر عليها تقتنع اكثر فأكثر بأنه لم يتوقف لحظة عن كرهها .
ولكنها ادركت الآن ان الحب اهم عندها من أي مستقبل مهني , والحب الوحيد الذي تتوق اليه , هو حب بول . ولكنه يكرهها وهو الى ذلك سيتزوج بسودزي لذا عليها اقناع نفسها بالوظيفة التي تقوم بها في بلدتها الصغيرة .
ودع بيرل وتالبوت ضيوفهما وغادرا المكان لبدء شهر عسلهما المنعزل عن الناس في مزرعه تالبوت البعيده شمالا . كانت باميلا تحاول تجنب تقدم الضيوف وتدافعهم عندما سمعت صوتا مألوفا قربها :
- لا بأس في هذا جيفري .. سأعتني ببام الآن .
لكن الرجل شد بيده على ذراع باميلا :
- انس الامر يابول . فستكون هذه الحسناء رفيقتي ... ابحث عن تسلية اخرى الليلة !
وقبل ان يعرف احد ما حدث كان بول قد هجم على الرجل الذي ارتد الى الوراء راميا الى الارض باميلا التي اصطدم رأسها بمؤخرة كرسي .
عندما انحنى بول عليها حاولت الاحتجاج واهنة ولكنه حملها بين ذراعيه , ورأسها ما يزال يؤلمها .
- لا احتاج رعايتك وعنايتك فما عدت سكرتيرتك . دعني وشأني !
لكنه تجاهل اعتراضاتها :
- انت لست في وضع تعرفين فيه ما تقولين او تفعلين . لا ادري مادهاك بام .. تأتين الى هنا مرتدية فستانا وكانك ملكة من ملكات الجمال , ثم تبدئين بالتحدث مع ذلك المتطفل . الديك فكرة عما كان سيحدث لو تركتك معه ؟
- ما كان ليحدث أي شيء ! انا قادرة على العناية بنفسي . انت تصدق دائما اسوأ الامور عني .. لايمكنك تحمل ان يجدني رجل آخر مرغوبة كما تجد سوزي .
- دعي سوزي وشأنها .
واعطى حارس الباب بطاقة سيارته ليحضرها .. فكان ان اسرع الحارس الذي قاد السيارة الى حيث يقف بول . وضع باميلا في المقعد الامامي وهناك غرقت في النوم من جراء سقطتها تلك .
عندما استيقظت في الصابح التالي , احست وكأن رأسها بالون منفوخ على وشك الانفجار , كما احست بفمها جافا .
دفع نور الشمس الشاحب المتسلل من النافذة الآلم الى رأسها فأشاحت وجهها عنه . ولكن ما هي الا فتره قصيرة حتى استردت وعيها فوجدت انها ليست في رغفتها في الشقة او في منزل اهلها .
كان للغرفة مظهر رجولي ... فالسجاد بني غامق والجدران مكسوة بورق جدران لونه عاجي قاتم . والاثاث بسيط جميل والنافذه مغطاة بالخيزران الاسود .
تذكرت بسرعه الليل الفائت كما تذكرت بول وهو يحملها ويضعها في السيارة ... ولكنها لا تذكر شيئا بعد ذلك ... فماذا تفعل هنا بحق الله ؟
كان فستان السهرة والكاب ملقيين على كرسي مجاور وما كانت ترتدي الا ثيابها الداخلية . فارتجفت حرجا ورفعت رأسها عن الوسادة ...
لكن الما اعمى بصرها واجبرها على اعادة رأسها الى الوسادة . كانت تعلم ان عليها مغادرة هذه الغرفة , ولكنها مريضة بحيث لن تتمكن من الحراك فتأوهت متألمة ثم اغمضت عينيها .
تصاعد صرير خفيف للباب وهو ينفتح ببطء , ثم اعقبته خطوات ناعمه في الغرفة ففتحت باميلا عينيها واذا به يقف بجانب السرير.
جعلت نظرة واحده الى الجسد المألوف عيناها تنفتحان على وسعهما . ابتسم لها بول وعيناه قلقتان :
- ارى انك عدت الى عالم الحياة ... كيف حالك الآن ؟
اغمضت باميلا عينيها من جديد :
- رهيبة !
فهز رأسه :
- لست دهشا , نظراً لحجم الضربة التي تلقاها رأسك . لكن لا تقلقي قال الطبيب ان بضع ساعات من الراحة ستشفيك . احضرته البارحة ليعاينك لكنك كنت غائبة عن الوعي .
- اظنني احتضر.
فضحك بول :
- حسنا , اشكري ربك لوضعك هذا فهو على الرغم من خطورته غير مميت , وعليه ستستردين عافيتك غدا . اما الآن فما عليك الا اغماض عينيك طلبا للراحة . لقد فقدت وعيك في السيارة , لذا حملتك الى شقتي ثم استدعيت الطبيب وكنت قبل وصوله قد وضعتك في الفراش ولأنك دون شك لا ترغبين ان يفسد النوم ثوبك , نزعته عنك .
- اتقصد انك انت من نزع عني ملابسي ليلة امس ؟
فكشر عن وجهه مازحا :
- اخرجي من هذه الالاعيب فأنا اؤكد لك انني لم امسك .هيا عودي الآن الى النوم , فلست في حالة تخولك الدخول في نقاش ... سأتحدث اليك فيما بعد عندما تصبحين افضل حالا .
ترك الغرفة مغلقا الباب بهدوء وراءه اما هي فتاهت في سبات عميق مضطرب . وعندما استيقظت منه كان المغيب في هذا اليوم الخريفي قد خيم على الغرفة ...
ففتحت عينيها ببطء تتأمل ما يحدق بها فكان ان اتجهت نظرتها الحائرة الى الكرسي الذي قبعت عليه ملابسها , ولكنها التقت بعيني بول المتفرستين .
- لقد نمت النهار بكامله ... كيف انت الآن ؟
حركت باميلا رأسها من جانب الى اخر ورفعته عن الوساده ثم رفعت الغطاء الى كتفيها قبل ان تجلس .
- انا بخير .
صمتت ثم اضافت على كره منها :
- اشكر لك عنايتك بي . لا اريد التطفل عليك اكثر لو سمحت احضر لي ثيابي واترك الغرفة , سأرتديها واعود الى منزلي .
هز بول رأسه وهو يتقدم ببطء الى السرير. كانت عيناه تطوفان فيها وكأنهما تمتلكانها . فخفق قلب باميلا وطفق يخفق بجنون حتى كادت لا تسمع كلماته لارتفاع ضرباته .
- ليس الآن . سيحل الظلام قريبا . لذا ليس من الحكمة التجول ليلا. امضي الليلة هنا , وانا اقلك صباحا الى المنزل هذا اذا كنت مصرة على الذهاب .
وابتسم بعجرفه .
احست باميلا بضعفهما الكامل امامه . نظرت اليه :
- ارجوك بول ... دعني اذهب الى البيت .. لا اريد التشاجر معك ابدا .
انحنى بول فوق السرير ليضع يده تحت ذقنها فرفع وجهها واذا عيناه تلتقيان عينينها .
- اذن لا تتشاجري معي ... ذا كل ما كنت اريده من دائما ...وانت تعلمين هذا . فلا اطلب منك الا التوقف عن مشاجرتي والبدء بأن تحبيني .
ضمها الى صدره فابتعدت عنه :
- لا تلمسني ... ارجوك ... لا تلمسني !
- انت اطلبين المستحيل . لا يمكنني ابعاد يدي عنك ولو اردت .
وكأنما ليبرهن عن صدق كلامه راحت عيناه تتأملانها بشغف فيما راحت يداه تداعبان وجنتيها وعنقها . فقالت بصوت متوسل :
- بول !
لم تكن واثقه مما تريد , اتريد منه ان يتوقف او ان يستمر ولكن بول لم يكن حائرا لأنه سرعان ما اطبق عليها منعا لأي احتجاج قد يتصاعد الى تفكيرها , كلاما كان ام فعلا . وضع يده خلف ظهرها فأحست فجأة بصدمة عندئذ ثابت الى رشدها ثانية .
فرفعت راحتي يديها تدفعه بعيدا عنها , فتراجع ,لكن عينيه تركتا وجهها فتشنجت واجهشت بالبكاء مرتجفة ... عندئذ تحول تعبير وجهه الى الحيرة والارتباك :
- ما الخطب الآن ؟ لن افهمك ابدا باميلا .
- لقد سلبتني كل شيء ... مستقبلي , كرامتي , وحبي . ولم تترك لي أي شيء .. حتى جسدي .!
ابتسم بول لكن صوته كان متهدجا :
- انت محقه يا حبيبتي . اريد منك كل شيء ... اريد معرفة كل ذرة من كيانك .
ورفع رأسها بإصبعه ثم التقط وجهها بين يديه :
- اريد عقلك وتفكيرك وجسمك . دون اسرار .. دون تنكر ... ودون ان يكون بيننا شيء .
مدت باميلا يدها لتوقف يده الممتده .
- بول لا تفعل هذا .
وانسلت من بين يديه دافنه رأسها في الوسادة قائلة له بتشيج باك :
- اريد الذهاب الى البيت بول ... لا يمكنني البقاء هنا ... ليس الآن ... احبك حبا جما ... حبا لا اقوى معه على رؤيتك تبتعد عني الى ذراعي سوزي .
امسك بول بكتفيها :
- اهذا ما تظنين ايتها الحمقاء الصغيرة ! اتظنين انني اهدر هذا الوقت كله لو كنت ارغب في علاقة عابرة ؟ الا تعلمين انك اوقعتني تحت سحرك منذ اللحظة الاولى التي نظرت فيها الى عينيك وانت تركضين في الشارع ؟
ابتسم وقد رأى نظرتها المصعوقة :
- هاتان العينان الزرقاوان الدافئتان كان لهما تأثير مدمر في نفسي . حتى ذلك التنكر الرهيب لم يمنعني من الرغبة فيك .ظننت نفسي افقد عقلي لرغبتي في امرأة اشبه برقيب التدريب في الجيش . واشكر الله لانقطاع الكهرباء ذاك اليوم ... عندما عدت وشاهدتك في شقتك علمت انني وجدت امرأة لن استطيع نسيانها . لكنك كنت مستعره غضبا ومصصمة جدا على مقاومتي .. فلم استطع تركك ترحلين ... لهذا السبب هددتك .. كنت مضطرا لإبقائك الى جانبي بأية وسيلة ممكنة .
مسدت يده شعرها , ثم اجرعه بلطف الى كتفيها . واكمل هامسا :
- اريد الزواج بك ... هذا ان لم تعترضي على التخلي عن وصفك كأمراة متحررة .. وهذا امر عادي , فأنا لم احظ بحريتي منذ التقيت بك .
بدا الذهول على باميلا :
- تتزوجني ؟ لكنك قلت للمجلات انك ستتزوج سوزي .
فضحك بول :
- سوزي فتاة مجتمع عابثة تافهة وعلاقتي بها كانت للتسلية فقط . اتعلمين انني لم ارها منذ خرجت معي تلك الليلة؟نعم تلك الليلة التي وجدت انني لا افكر الا فيك . وان كنت تذكرين عدت الى المكتب لأخرج معك . لم اقل يوما لها انني احبها . ولم اطلب منها قط الزواج ... وما قلت للمجلات اننا مخطوبان الا لأن ذلك كان الطريقة الوحيدة لأبعاد اولئك النسوة المجنونات عن دربي ... ولم اقل لك انني احبك لأنني كنت اخاف ان افزعك فتهربين مني , لأنك كنت كلما لمستك او اقتربت منك تقفزين كالمجنونة . لكني لم اعد اخاف .. اتعلمين انك تتكلمين اثناء نومك ؟ لذا .. لدي اسباب قوية للاعتقاد بأن تمثيليتك الصغيرة قد وصلت الى نهايتها . لقد اكتشفت باميلا الحقيقية . باميلا ... باميلا التي ستكون زوجتي وام اطفالي , والتي ستشيخ معي حتى نصبح عجوزين . احبك باميلا .. واريد منك ان تتزوجيني . اتظنين ان بأمكانك ان تكوني سعيده مع زوج له مهنتي ؟
رمت باميلا نفسها بين ذراعيه ودفنت رأسها في صدره :
- اوه .. بلى يا بول ... مليون مرة نعم ! اظنني احببتك .. منذ رأيتك , لكنني كنت اضع ذلك التنكر الكريه . ثم بعد هذا كنت دائما غاضبا . فظننتك لن تسامحيني , وعندما اخبرتني سوزي انكما متحابان ظننت ان لا طائل من وراء أي شيء .
رفع بول رأسها بلطف :
- احبك بجنون , والطريقة الوحيدة لأنجو من جنوني هو بقاؤك الى جانبي لأحظنك بين ذراعي ولأعانقك .. ولكن الآن .. اظن ان من المستحسن التوجه الى منزل والديك .. فلا اثق بنفسي ان بقيت معك على انفراد وانا لا انوي ان افسد نواياي الشريفة تجاهك .
فابتسمت باميلا بسرور :
- حسنا ياحبيبي , انما لا تنس ان امامنا رحلة طويلة .
وفعلا امامهما رحلة طويلة انما هي رحلة العمر السعيدة.
تمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمت بحــــــــــــــــــــــــ الله ـــــــــــــــــــــــــــــمد
اتمنى تعجبكم
وتعطونى رأيكم فيها
تحيـــــــــــــــــ Disckoooooo ــــــــــــــــاتى