لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات احلام > روايات احلام > روايات احلام المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات احلام المكتوبة روايات احلام المكتوبة


229 - كذبة بيضاء - ديانا هاملتون ( كاملة )

حبايبي حبيت اهديكم هالرواية من سلسلة احلام لأنها من جد اعجبتني وللأمانة كتبنها الاخت الغالية عذوووب اتمنى ان تستمتعوا بها:flowers2: كذبة بيضاء ديانا هاملتون روايات

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-01-09, 10:34 PM   3 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي 229 - كذبة بيضاء - ديانا هاملتون ( كاملة )

 

حبايبي حبيت اهديكم هالرواية من سلسلة احلام لأنها من جد اعجبتني وللأمانة كتبنها الاخت الغالية عذوووب
اتمنى ان تستمتعوا بها



كذبة بيضاء

ديانا هاملتون
روايات احلام


كـ xt & كـ وورد هنـا

الملخص
كانت اليسا برانان عارضة أزياء جميلة وموهوبة وشديدة الحذر من الرجال ...
حاول رجال كثيرون دعوتها الى الخروج لكنها قلما اكترثت للأمر خشية الوقوع في الفخ ..
فكيف تستطيع الآن العثور على زوج بسرعة ؟
الحل بسيط .. ستشتري زوجا لمدة قصيرة وتتركه فيما بعد !! ومن افضل من جيثرو كول
منظف النوافذ المعدم والبسيط لكي يقبل بهذا العرض ؟
... ولكن لو كنت تعلمين يا أليسا ان جيثرو كول مليونير متنكر وانه رجل أعمال لا يرحم ,
فهل كنتِ قدمت نفسك له على طبق من ذهب ؟منتديات ليلاس







1- منظف النوافذ
ثبت جيثرو كول السلم الألمنيوم على جانب الفان ووضع الدلو وادوات تنظيف النوافذ في الجزء الخلفي من سيارته
ثم مسح العرق عن جبينه بساعده الذي لوحته الشمس مبعدا خصلة متمرده من شعره الاسود تدلت على عينيه .
تنهد تنهيده ارتياح فقد انتهى يوم آخر من العمل الشاق امضاه متنقلا على السلالم في شمس شهر تموز الحارة منهمكا في تنظيف النوافذ.
فبعد جهد جهيد اكتسب خبرة في العمل ولم تعد الشكاوى تنهال عليه لإغفاله عن بعض البقع اللزجه أو الزوايا المتسخة.
كشف له عمله في تنظيف النوافذ ناحية جديده لم يكن يراها من قبل في ذلك العالم المتطور المغلف بالتهذيب السطحي...عالم المال والاعمال.
جلس خلف عجلة القيادة وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة وبرقت عيناه الكهرمانيتان ببريق غريب .
كان ينتقل في هذا الفان القديم بينما سيارته الجاغوار يعلوها الغبار في كراج مقفل في الناحية الاخرى من المدينة ويرتدي بنطلون جينز باليا وقميصا بحاكية رثاثة.
هذه الملابس التي كان ينبغي القاؤها في القمامة منذ اعاد ملابسة غير الرسمية الى منزله الكائن في 182البرت تيراس .
وادرك فجأة انه اقام هناك اكثر مما ينبغي . اذ اعتاد ان يمضي ليلة واحدة يطمئن فيها عن اخبار مربيته السابقة .
لكن الوقت سرقه هذه المرة وتحول الى غسل النوافذ بدلا من ادارة اعماله ومشاريعه الكبيرة المنتشرة في انحاء العالم , من احدى غرف الادارة او قضاء اجازة في كوخة المنعزل .
ولكن عندما مر ليسلم على مربيته بريغس كما اعتاد ان يفعل كل 11 شهرا تقريبا, وهو في طريقه الى منزله الريفي اذا بجدول مواعيده يطل برأسه .
وبدلا من ان تتوتر اعصابه راح يستمتع بكل دقيقه من وقته ! وكانت نفسه تحدثه بأن سروره سيكون اكبر ان حصل على ما يريد أو اوشك ان يفعل .
فكلما أتم صفقة غير عادية كان يشعر باثارة غريبة ولم يحدث قد خلال سنواته الـ34 ان تعلق قلبه بأمرأة .
فالمرأة برأيه سهلة المنال ... ماعدا هذه اليسا برانان .
ومع انه لم يحرز تقدما كبيرا في ملاحقته لها فهو واثق من نجاحه في نهاية المطاف لأنه يحصل دائما على مبتغاه .ولو انه سمح للفشل بأن يترك بصماته لما تمكن من انشاء امبراطورية اعمال ضخمة من الصفر.
كما ان ملاحقته لتلك المرأة تبعث في اثارة نادرة وهو الذي تلاحقه النساء منذ بلغ الـ20 وبدأ يجمع المليون الثاني .
قاد سيارته وهو يفكر متأملا . لقد رأى أليسا برانان للمرة الاولى منذ عام بينما كانت تعرض مجموعة الازياء الاولى لمصمم ايطالي موهوب فافتتن جيرثو بها ايما افتنان , وهو الذي يقدر جمال النساء .
ولو لم تكن برفقته صديقه له لقاء بشيء في هذا السبيل .
ولكن فانونه هو الوفاء لأي علاقه مع امراة مادامت هذه العلاقة قائمة . وان لم تخنه ذاكرته , ففي تلك بالذات قطع علاقته المرأة بعد انا اهداها قطعة من الحلي الثمينة كما اعتاد أي يفعل في ظرف مماثل ومن دون جدال او اتهامات .
وبعد ان استعلم عنهابطريقة سرية علم ان اليسا برانان عارضة الازياء المثيرة التي بدأ المصممون فجأة يتهافتون عليها , معروفة بالانطواء على نفسها وحب العزلة فهي لاتخرج مع احد ابدا كما انها نادرا ما تظهر في المناسبات الاجتماعية او الخيرية .
فقطع على نفسه وعدا بان يجعلها تغير رأيها بالنسبة الى الخروج مع الررجال الا ان اهماكه بالاعمال واضطراره الى السفر بعيدا والغياب طويلا , حالا دون قيامه بشيء في هذا الصدد .
في غمرة انشغاله ببناء امبراطوريته كان لينسى أي امرأة اخرى لم يرها سوى مرة واحده .ولكن ذلك القوم الممشوق وتلك الملامح الرائعه لم تفارق خياله .
وفي الاشهر الـ12 المنصرمة لم يقم أي علاقة مع امرأة اخرى رغم تهافت الكثيرات عليه فقد اقنع نفسه بأنه منشغل جدا بالسفر من مكان الى اخر وبأنه لم يعد شغوفا بالنساء مع بلوغه الـ34 من العمر .
ولكن عندما رآها مجددا في شوارع مدينته القديمة الطراز ادرك ان شغفه بالنساء لم يتلاش حقا.
اجتاز ملتقى طرق مزدحم واتجه نحو السوق وتلك المخلوقه الجميلة المراوغة التي فتنته لا تغيب عن ذهنه .عند رؤيته لها تحولت زيارته لمربيته وزوجها الى شيء مختلف تماما , فقد كان هذا مسألة حظ اكثر منها مجرد مصادفة .
لكن ما لبث ان ابعد تلك الفكرة عن رأسه .. الحظ ؟ انه لا يؤمن به . فهو سيد مصيره ويمسك بزمام الامور في حياته .
فلماذا لا تكترث له اليسا اذن ؟
عقد حاجبيه الاسودين عابسا وهو يركن سيارته اما منزله , ويترجل منها صافقا بابها خلفه بقوة. اجتاز الرصيف وقدا بدا الاكتئاب على وجهه وهويرى مربيته بريغس خلف السياج الترابي تسقي النباتات التي كانت تضفي اشراقا على الحديقة الامامية الضيقة .
قالت له مبتسمة :
- ابشرك ياسيدي الصغير لقد استعاد هاري قدرته على المشي وهو مستعد للعودة الى العمل .
رفعت بصرها الى قامته الطويلة المهيمنة على قوامها القصير والممتلئ سيبقى دوما في نظرها سيدها الصغير ول اصبح في التسعين .
واضافت قائلة :
- ولا يمكننا ان نقدم اليك ما تستحقه من الشكر لأنك عملت مكانه حتى شفي اذ خشى هاري ان يجد زبائنه بديلا عن خاصة وانه لا يزال مبتدئا في العمل .
فمنذ حوالي 6 اشهر استغني المصنع المحلي عن خدماته بحجه انه فائض عن الحاجه ولم يشأ هاري ان يعيش اقل من مستواه بينما يزال قادرا على العمل . فكرامته لا تسمح له بذلك .
- سرني جدا القيام بذلك . وانت تعلمين هذا .
واخذ ينظر اليها وهي تسقي النباتات. منذ اسبوع ولم يكن هذا الكلام صحيحا... صحيح انه مستعد للقيم بأي شي من اجل مربيته بريغس الا ان العمل اسبوعا بكامله على تنظيف النوافذ مضن جدا لكنه فعل ما رآه واجبا عليه .
ويبدو ان المرء يكافأ حسب اعماله اذ كوفئ هو برؤية أليسا او آلي كما علم انها تحب ان تدعى مرة اخرى .
- اذهب واغسل يديك ريثما اعد الشاي .
ولحق بها الى المنزل بينما كانت تتابع :
- دخل هاري ليغتسل الآن . يمكنك ان تستحم قبل العشاء لقد اعددت فطيرة اللحم المفضله لديك .
ذهب ليغتسل يديه بينما ارتحلت به افكاره الى سنوات خلت . ثمة اشياء لا تتغير ابدا ومنها طعام الطفوله. وابتسم وهو يغسل يديه في الحوض وقرقعة الاطباقتتناهى الى مسمعه من المطبخ الصغير .
تزوجت مربيته هاري بعدما بلغا 50 من العمر لكنها ستبقى دوما بالنسبة له هو مربيته بريغس ومحور طفولته وحدها بريغس منحته حنان الامومه اذ تغلب حب امه للحياة على تفانيها في تربيتهما هو واخته الصغرى كلو .
نشف يديه ووجهه وعاد الى المطبخ ورائحة الصابون تفوح منه .
- اشرب الشاي قبل ان يبرد ثم اخبرني عما تنوي القيام به . فأنا اشعر بالذنب لأفسادي اجازتك ولا اريد ان اسمعك تقول انك عائد الى لندن او امستردام او أي مكان اخر فأنت تجهد نفسك كثيرا .
اخذ كرسيا وجلس عليه ومد ساقيه الطويلتين مبتسما لنبرة صوتها الجاده ثم تلاشت الابتسامه عن وجهه وقد تغيرت ملامحها بعد ان شعرت بوخزة ألم فهي متعبه من العمل المنزلي وتبدو اكبر من سنها .
مالذي تنوي القيام به؟ فالآن وقد شفي هاري من الانفلونزا بات حرا ليتابع حياته او ليقضي عطلته في بيته الريفي على الحدود بين وايلز وشروبشاير لكنه لم يشأ ان يزعج نفسه بذلك لأن شفاء هاري اعطاه الفرصة ليتابع ملاحقته لأليسا
واخذ يحملق باكتئاب في فنجانه الفارغ عليه ايضا ان يقوم بشيء ما تجاه مربيته بريغس وزوجها . فقد كان يخالها ستصمد الى الابد ولكنه اخطأ الظن اذ حان الوقت لترتاح في حياتها وتمضي ما تبقى لها من العمر .
- خطر لي ان اقضي يومين معك ان كان هذا يناسبك .
واخذ يراقبها عن كثب وهي تمد يدها لتتناول فنجانه الفارغ وتعيد ملأه. ثم تابع كلامه قائلا :
- فأنا انوي ان اعرض على هاري عملا .
وكانت هذه افضل طريقه حتى لا يشعر وكأنه يقدم لهما احسانا .
*************
دفعت آلي اجرة التاكسي ثم وقفت تنظر مذهوله الى المبنى الذي تقطن فيه ,هي التي تحتقر الكذابين نطقت لتوها بأكبر كذبة في تاريخ العالم .
بالرفم من السحب التي كانت تلف لندن شعرت بالحر الشديد واخذت قطرات العرق تتصبب فوق شفتها العليا بينما عظامها تترنح ولم تكن تعرف كيف ستتمكن من دخول المبنى لكنها استطاعت ذلك بشكل ما بينما كان المصعد يرتقي بها الى شقتها
شعرت بالغثيان والتوتر وهذا ما جعلها عاجزة عن ادخال مفتاحها في القفل من المحاولة الاولى .
هذا جزاؤها لأنها اخبرت المحامي تلك الكذبة السافرة .
دخلت غرفة الجلوس الصغيرة الانيقة محدثه نفسها بأن تهدأ فليس امامها متسع من الوقت لتحول الكذبة الى حقيقة وان بقيت متوترة فلن يجديها ذلك نفعا .
خلعت حذائها العالي الكعب ثم اتجهت الى غرفة نومها وهي تنزع الدبابيس من شعرها المعقوص الذي كانت تنظمه بشكل كرة عند اسفل رقبتها فيسبغ عليها مظهرا محنكا .
ثم خلعت الطقم الكلاسيكي الطراز الذي ارتدته لذلك الاجتماع واستبدلته ببنطلون جينز وقميص مقفل فشعرت وكأنها استرجعت شخصيتها الحقيقية المختلفة كليا عن عارضة الازياء المتفوقه مما ساعدها على تهدئة اعصابها .
نظفت وجهها من المساحيق وهي تحاول النظر الى الوضع من ناحية حياديه فتذكرت فضولها وهي توافق محامي عملها الراحل على طلبه للاجتماع بها .
قالت لها امها :
- لعله ترك لك سيئا في وصيته .
ولم تأت على ذكر اسم شقيق زوجها فابيان الذي تتفوه به بسبب ماحدث بينهما منذ عدة سنوات . وتابعت تقول :
- لعله شعر بالذنب في نهاية عمره .
لكن نبرة صوتها لا تدل على اقتناعها بهذا فقالت آلي باسمه :
- هذا مستحيل حسب معرفتي به اظنه ترك لي معولا لأحفر بع قبري .
ولكن من باب الفضول قطعت عطلتها الصيفية الطويلة التي خصصتها لملازمة امها التي تعاني حالة اكتئاب عميقة اقلقتها ووافقت على الاجتماع بمحامي عمها فابيان مما حتم عليها ان تمضي ليلة في شقتها في لندن وتتناول عشاء عمل مع وكيلة اعمالها.
وهكذا غادرت بيتها الضيق القاتم في ضواحي مدينة شروزباري الذي تقيم فيه امها لورا مع شقيقتها فران لتستقل القطار المتجه الى اوستن وخلال الرحله كانت تجري في ذهنها عمليات حسابية .
منذ سنه تقريبا ارادت التخلي عن عمل عرض الازياء الذي بدا لها انه لن يؤدي بها الى شيء الا انها مذاك الحين وهي تجتهد في التوفير حتى جمعت مبلغا ضخما يصلح عربونا لمنزل في الريف تقطن فيه امها وشقيقتها ويكون قريبا من المدينه حتى تتمكن فران من الذهاب يوميا الى عملها
وحوله حديقه واسعه ترضي شغف امها بزراعة النباتات شغف تملكها خلال السنوات التي امضوها في ستدلي حيث حولت الحديقه المهمله الى جنة عدن فحياة المدينه لن تسعد امها التي تحب الآفاق الواسعه وغناء الطيور.
وبفضل الدخل المرتفع الذي تجنيه ولأنها لم تتجاوز بع الـ22 من عمرها وامامها سنوات من العمل يمكنها ان تأخذ قرضا تعطي امها حصة كبيرة منه فهي تكره ان تعمل امها في تنظيف البيوت لتنفق على نفسها .
ربما كان هذا السبب الحقيقي الذي دفعها لأخذ اجازة ففضلا عن حاجتها لأستعادة نشاطها وطاقتها يلزمها بعض الوقت لتقنع امها بقبول المال ولم تستطع التطرق الى الموضوع الليلة الماضية الا بعد ان نامت فران .
- لا اريد منك ان تنفقي نقودك علي . هذا لطف منك يا حبيبتي لكنني لااستطيع ان اقبل ذلك .
واغرورقت عينا امها بالدموع التي اصبحت مؤخرا سهلة الانهمار لكن آلي ألحت عليها بالقبول قائلة :
- لن يذهب المال هدرا يمكنك استثماره في العقارات اما بالنسبة الي فما حاجتي الى هذه الاموال كلها ؟
وعلى عكس زميلاتها لم تكن آلي فتاه اجتماعية تنفق المال على الرحلات او الاجازات بل كانت تحتاج الى المال لتسديد ايجار شقتها الصغيره وشراء بعض الملابس اللائقه للظهور اما الناس .
مست وترا حساسا وهي تقول لها :
- امتهنت عرض الازياء لأكسب المال بسرعه من اجلك مضت سنوات ظننت فيها انني لن اجني مبالغ طائلة ولكن بعد ان حصلت عليها الآن لا اتوقع منك هذا العناد انا اعرف كم كنت سعيده في ستدلي ولو تمكنت بعد موت ابي من العوده اليها لما ترددت لحظة ليتني استطيع ان اعيد اليك ستدلي ولكن بامكاني ان اشتري لك بيتا ريفيا تغرسين الورود حول بابه ان شئت .
وحالما رأت شفتي امها ترتجفان ندمت لذكرها ستدلي اذ بقيت لورا وفية لذلك المكان الذي دفنت فيه اجمل ذكرياتها .
بقيت آلي قلقة ازاء تدهور حال امها يوما بعد يوم وحاولت البحث عن الطريقة المناسبة لأقناعها بقبول ماتقدمه لها وكان ان وصلت الى مكتب المحامي الذي استقبلها بالترحاب قائلا :
- ترك عمك الراحل فابيان برانان مزرعته للحكومه اما قصره المعروف بأسم قصر ستدلي ومحتوياته فقد تركها لك .
ثم رفع بصره اليها وهو يعيد وضع نظارته على عينيه :
- ولكنه وضع شرطا واحدا وهو ان تكوني متزوجه عند موته او خلال شهر بعد موته .
حدقت آلي مذهوله الى عينيه البنيتين المتهكمتين وشعرت بالغثيان .
للوهلة الاولى شعرت بالبهجه اخيرا كفر عمها فابيان عن ذنوبه قصر ستدلي المنزل المحبوب الذي امضت فيه الاعوا الـ15 الاولى من عمرها المكان الذي ما انفكت تحت اليه امها والذي يختزن اجمل ذكرياتها ذلك المنزل سيصبح ملكها .
وستعيش لورا سعيده فيه بعد سنوات طويلة من العمل الشاق وستسترجع ذكرياتها السعيده وستشعر بالتحسن والرضاء والسكينه وهي تعمل في الحدائق الرائعه المحيطه به .
لكن الشرط الذي وضعه عمها فابيان سرق منها بهجتها فهو يعلم جيدا انها لا تريد الزواج ولن تأتمن رجلا واحدا على سعادتها وامنها .
الشرط الذي وضعه لم يكن سوى تعبير عن حقد ذلك الرجل العجوز .
وفي تلك اللحظة ادركت مدى كراهية عمها لهم واخذت نفسا عميقا وقد قررت في قرارة نفسها بألا تدع فابيان ينتصر عليها فقالت تكذب مكابرة :
- لا ارى أي مشكله كنا قد قررنا انا وخطيبي الزواج قبل نهاية السنه الا اننا سنقدم الموعد بما يتفق مع الشرط .
ونظر اليها بهدوء واتزان فرأت نظراته تستقر على اصابعها الخالية من خاتم الخطبة فنطقت بكذبة اخرى بكل هدوء :
انني لا البس خاتمي يوميا فهو ثمين جدا واخشى ان افقده .
ثم نهضت واضافت قائلة :
- هل قلت ان امامنا شهرا ؟
- او اقل قليلا في الواقع .
ونهض بدوره وهو ينظر الى الملف بين يديه ويقول :
- مات عمك منذ اسبوع كما تعلمين مما يعني انه لم يتبق سوى3 اسابيع لقد حاولت ان اثنيه عن وضع ذلك الشرط فلم انجح .
فقالت موافقه :
- نعم لقد كان فاتيان رجلا عنيدا .
ثم استدارت لتنصرف وعند وصولها الى الشارع شعرت بالانزعاج لحماقتها وادركت ان تلك الكذبة انبعثت من احساس غريزي ناشئ عن حلمها باعادة ستدلي الى امها .
ومع انها كانت تحتفظ بذكريات سعيده ايضا عن السنوات التي عاشت فيها مع ابويها في ستدلي الا انه كان ينبغي ان تغادر المكتب في اللحظة التي سمعت فيها ذلك الشرط .
لكن امها ترغب في العودة . وان تمكنت من الحصول على ذلك الميراث الذي تركه عمها مدلي اما انفها ليعود فيبعده عنها بذلك الشرط الكريه الذي وضعه فسيكون ذلك رائعا وكن كيف ؟ كيف تحول ذلك الحلم الى واقع ؟
دخلت المطبخ واعدت لنفسها كوبا من القهوة الثقيلة السوداء واخذت ترتشفها مقطبة الجبين .
حاول رجال كثيرون في الماضي دعوتها الى الخروج معهم لكنها قلما اكترثت للأمر خشية الوقوع في ذلك الفخ . كما انها لم تكن تبغي ان تعبث او حتى ان تقيم علاقة جاده فما الفائدة اذن ؟
لم تكن غافلة عن الجمال الذي ورثته عن امها بل تعتبره مجرد ميزة ممكن ان تنفعها اذ انه يشبه الذكاء والموهبة وعليها ان تكرسه لمصلحتها وهي الآن تجد في العمل لتعيد الى امها سعادتها المفقوده .
ومن المؤكد ان بامكانها استلال هذا الجمال في العثور على زوج .
وضعت فنجانها الفارغ من يدها واخذت تذرع غرفتها الصغيرة محاولة استجماع افكارها عليها ان تجد طريقة ما . حسنا , ستلبس زيا تنكريا وتهب الى حفلة حيث توقع برجل لا رفيقة معه و ...
وتوقفت فجاة عن التفكير , فهي ليست معتوهة تماما لتفكر بهذا الشكل ؟
لن تجد رجلا عاقلا يوافق على الاقتران بها اسميا فقط حتى تتمكن من المطالبة بميراثها .
على ان يختفي حالما تحصل على مبتغاها وعلى ان يرفع قضية طلاق بعد سنتين ولكن ما الذي سيدقعه للقبول بهذا الزواج ؟ وتسمرت في مكانها وقد اتسعت عيناها عندما اجاءها الرد :
- سأمنحه المال .!
ستشتري زوجا لفترة قصيرة !
ستخصص المبلغ الذي وضعته جانبا لتشتري به كوخا ريفيا لأمها واختها فران فان اصبح ستدلي ملكا لها فلن تحتاج اليه .
انها ترعف الرجل الذي سيقبل عرضها هذا. وسيبدو لائقا بها ان ارتدى ملابس انيقه فمظهره يثير خيال معظم النساء وان تزوجته فلن يساور الحيرة الناس . كما ان ذلك المحامي لن يرتاب في شيء .
جل ماعليها التاكد منه هو ما اذا كان جديرا باثقه لكنها تعلم بأنه لطيف وحساس ومعدم ومن المؤكد انه سيستغل هذه الفرصة التي ستكسبه مبلغا محترما .
صحيح انها تعرفت اليه منذ اقل من اسبوع فقط وصحيح ايضا انه ابدى اهتماما ملحوظا بها لكنها تجنبته ببروده وادب كما اعتادت ان تفعل دوما لذا ستضع النقاط على الحروف منذ البداية حتى لا يسيء فهمها ولا داعي للقلق ابدا .
سارت نحو الهاتف تلتقط السماعه لتلغي العشاء مع وكيلتها ثم سارت نحو غرفة النوم واخذت تحزم امتعتها فمنظف النوافذ جيثرو كول هو املها الوحيد .
2- المطلوب رقم واحد
قالت المربية بريغس وهي تحمل صينية الشاي الى غرفة الجلوس :
- افترض انه بعد ان عض هاري على جرحه وقبل بك شريكا له بقيت هنا بسبب تلك الشابة الفائقة الجمال التي جاءت الاسبوع الماضي لتشكرك على مساعدتك امها على الطريق .
بدا على جيثرو نفاد الصبر. فهو لايدري مالذي جعله يبقى هنا ومن المؤكد انه لا يريد التحدث في هذا الموضوع وراح يسترجع في ذهنه احداث الايام الثمانية الماضية فعند وصوله كان ينوي القيام بزيارة خاطفة فحسب ولكن اذا به يجد هاري على فراش الموت يتأوه ويئن وقد اقعده المرض كما ان سيارته الفان تحتاج للتصليح فكيف له ان يصلحها وهو بحالته هذه وان يتسلق السلالم وهو لا يكاد يستطيع الوقوف على قدميه ؟
فوجد جيثرو نفسه مضطرا الى اخذ السيارة الى الكاراج يبعد عدة شوارع عن البيت واثناء عودته عثر على امرأة انيقة رشيقة منهارة على الرصيف علم فيما بعد انها والدة آلي .
وعندما افاقت اخبرته انه لم يغم عليها من قبل فأوصلها الى منزله واصر على ان يعد لها فنجان شاي ويبقى عها حتى تعود اختها من عملها .
كانت المراة تدعى لورا برانان ولم يكن قد عرف بعد صلتها بألي وعلى الرغم من ضعفها وشحوبها خيل اليه انها كانت في صباها آية في الجمال ولكن لحزنها الذي في عينيها اثار قلقه فاستغل فرصة وجوده لوحده مع اختها ليقول لها :
- لا اريد ان ابو متشائما لكنني ارجو منك اقناعها باجراء فحوصات طبيه عامه .
- سأبذل جهدي لكنها لا تريد ان تتوقف عن العمل ولو انها تعلمت مهنة جيده بدلا من الاعتماد على رجل عديم النفع لما اضطرت لتنظيف بيوت الناس طوال النهار والمكاتب حتى منتصف الليل مرتدية ثيابا بالية .
بدا واضحا ان الاخت فران تكره الرجال ...
ودعها وغادر المنزل نابذا هذه الحادثة من ذهنه ولكن في اليوم التالي وبينما كان واقفا على السلم الالمنيوم يغسل نوافذ مربيته بريغس اذا بالمرأة التي شغلت ذهنه خلال الاشهر الـ12 الماضية تتوقف على مقربة منه لتشكره على مساعدته امها .
ذهل لرؤيتها مرة اخرى وعجز لسانه عن الكلام ولكنه ما ان تمالك نفسه حتى حسم امره فهو لن يتركها تفلت منه من جديد ولن يدع العمل يحول دون ملاحقته لها .
وعند المساء قرر اخذ اجازة من العمل فارتدى سروالا قديما تعلوه قميص بالية اللون وهي الملابس التي يرتديها عادة في بيته الريفي حين يتفحص الاسيجة او يساعد البستاني .. ثم اجتاز تلك المسافة القصيرة التي تبعده عن منزلها حيث تعيش مع امها حاملا معه باقة ازهار لهذه الاخيرة .
وامضى بعد ذلك ساعه في الثرثرة وشرب الشاي فرحة الام بالازهار وعرفان جميلها لأنه ما زال يتذكر بيتها مسه ضميره لاسيما عندما بدا واضحا انها ظنه منظف نوافذ يكافح في سبيل لقمة عيشه .
خلال زيارته تلك اكتشف بعض الامور فأليسا ستبقى في المنطقة عدة اسابيع ولم تشأ له ان يعرف نوع مهنتها لأنها اقفلت الموضوع تماما عندما ابتدأت الام لورا تتحدث عن الازياء .
بدا له وكانها لا تريد منه ان سرى الناحية المتألقه من حياتها كي لا ينظر اليها نظرة رجل لامرأة ولكنها لاتعلم كم تبدو الآن مثيرة في تنورتها القطنية وبلوزتها المحتشمة .
وشعر بغصة امام انوثتها الفائقة اذ لم ير يوما شيئا يضاهي جمال مشيتها هذه . والحقيقة انه لم يستطع ان يسلخ نظراته عن قوامها الرقيق وعينيها الخلابتين الداكنتي الزرقة اللتين تزينهما اهدابها الطويلة وشفتيها الممتلئتين .
ولكم ازدادت فرحته حين تلقى دعوة الى العشاء في الليلة التالية . على الرغم من النظرة السريعه العابسه التي رمقت بها آلي امها وابتسامتها الضجره عندما قبل الدعوة لم يمنعه ما رأى منها القبول فهو يعشق التحدي .
عاد الى منزل مربيته وهو يقسم انه سيمحو ذلك الضجر من شفتيها.
سألته مربيته وهي تناوله القهوة السوداء الثقيلة التي يحبها:
- هل افهم من التذمر البادي عليك انك لم تحصل على اكثر من تناول الشاي مع امها ؟
هز رأسه وهي تضع طبق البسكويت على المنضده آملا ان تقفل الموضوع لكنها استمرت بالكلام قائلة:
- خلال الاسبوع الماضي كنت تخرج كل مساء تقريبا للاطمئنان عن حال السيدة برانان لتعود بعدها عابسا وعلى وجهك ملامح التصميم ولا يمكنك ان تنكر ذلك .
لكنه لم ينكر فعندما قبل دعوت لورا الى العشاء احرز تقدما مع آلي اما حين كان يزورها للاطمئنان عن حالها فحسب املا ان تقبل آلي دعوته للتنزه على ضفاف النهر او لمرافقته الى سوق المدينه فقد كانت ترفض بأدب .
لكن رفضه هذا زاده اصرار وعزما على جعلها تغير رأيها به فتابدله المشاعر الملتهبة نفسها التي يكنها لها .
ولكن في الليلة الماضية اخبرته لورا ان آلي عادت الى لندن ولمحت له بطريقتها الرقيقة بأنها آسفة للغاية لأنه يضيع وقته فابنتها لا تهتم بالرجال .
وكان المعنى واضحا وهو ان آلي فتاة تكره الرجال .
وراح يقطع الشوارع المضاءة بنور الشفق بخطوات متثاقله وقد تملك الغضب .. الغضب من نفسه اكثر منه من آلي لأنه كان موضع سخرية فدفعه ذلك الى ان يستعجل هاري ليقبل به شريكا ممولا .
- انها خطة التوسع اشتر فان في حاله جيده واكتب اسمك ورقم هاتفك على جانبه واستخدم عاملا ودربه على العمل فإن لم تفعل ذلك فلن يتحسن عملك ابدا .
سيهتم محاسبوه بالامر حتى لا يكتشف الرجل العجوز ان ارباحه تأتي من حساب جيثرو الخاص فهو يريد ان يضمن مستقبل مربيته .
بعد انتهاء المناقشة ذهب هاري الى الفناء ليتفحص الفان الي يكاد يكون جيدا بينما دخل جيثرو ليحزم حقائبه محاولا ان يبعث الحماسه في تلك الاجازة غير المستعجله وان ينسى اليسا برونان ايضا .
لكن المربية كان لها رأي اخر فقالت له بجفاء :
- عليك ان تحسن مظهرك ياسيدي الصغير ارتد ملابس انيقة عندما تذهب لزيارتها واحمل لها باقة زهر وعلبة حلوى .
انها تعلمه كيف يغري النساء ولكن كي له ان يقول لها انه لم يجد يوما صعوبة في الوصول الى المرأة بل الصعوبة هي في ابعادهن عنه ؟
ماكان ليتعذر عليه ان يشتري لآلي مصنعا من الشوكولاته وحقلا من الازهار او حتى ان يطال القمر ويضعه بين يديها !
ان كفاحه الشاق في الحياة وخبرته في النساء جعلاه يعلم ان ملاينه ستسهل عليه طريق الوصول اليها لكنه ارادها ان تحبه لنفسه وليس لثرائه هذا ما كان يسعى اليه قبل ان يعلم انها تكره الرجال وشعر بأنه احمق رجل في العالم .
ابتلع جرعة من قهوته قبل ان يهب واقفا فراحت المربية تنظر اليه مذهولة وهو يدور في انحاء الغرفة يسوي الستائر وو شارد الذهن يحاول حتما ايجاد طريقة يصلح بها حياته العاطفية .
كان على وشك ان يعلن عن رغبته في احضار سيارته الجاغوار والتوجه الى التلال عندما سمره صوت المربية مكانه .
- يبدو لي ان ملاحقتك لهذه الفتاه ليست من طرف واحد لأن السيدة التي يهمك امرها على وشك ان تقرع جرس الباب .
*&*&*&*&*&*&*&*
لم يسبق ان شعرت آلي بمثل هذا التورت من قبل. فمنذ رأت سيارة جيثرو الفان القديمة متوقفه امام المنزل رقم 182 اخذت تذرع الرصيف ذهابا وايابا محاولة استجماع افكارها لمقابلته .
كانت قد صممت على ان تسلم جدته رساله تطلب منه فيها ان يزورها بعد الانتهاء من عمله لأنها تريد منه خدمة .
كانت تعلم انه يعيش مع جدته لأنهه سألته اثناء تناوله العشاء في منزلها عما اذا كان يسكن لوحده قأجابها قائلا :
- اعيش حاليا مع ....
توقف فجأة عن الكلام مما جعلها تظن انه يشعر بالخزي لأنه يسكن مع شخص في مثل سنه لأنه غير قادر على دفع اجرة المسكن لنفسه .
ويوم اصطحبت امها الى السوبر ماركت في سيارة فران وضعت يدها على ذراعها بعجله عند وصولها اما منزل جدته قائلة :
- قفي يا آلي ذلك هو الشاب الرقيق الشهمم الذس نقلني الى البيت بعد ان اغمي علي في الشارع .لم استطع يومها ان اشكره كما يجب واريد ان افعل ذلك الآن .
العجوز الصغيرة الجسم البيضاء الشعر التي تقف عند اسفل السلم تصدر له تعليماتها وتنبهه الى الزوايا اشرق وجهها عندما شرحت لها لورا ماحدث وصاحت له بشكرها الى اعلى السلم وحذت آلي حذوه فكل من يسدي معروفا الى اها يستحق شكرها .
بدا على الرجل الواقف في اعلى السلم وكأنه تلقى صدمة تاركا السيدة العجوز تؤكد على ان جيثرو يتمتع بقلب كبير , وانه تمت تربيته تربية حسنة ولكن عليهما ان يعراه لأنه لم ينزل عن السلم فهو جديد في العمل مع انه سريع التعلم .
استنتجت آلي عند هذه النقطه ان جيثرو رجل خجول الى حد لا يستطيع معه ان يتحدث عن نفسه وربما ليس ذكيا فشعرت بالاسف العميق نحوه .
فهو في بداية الـ30 من عمره ويحاول تعلم تظيف النوافذ بينما وسامته البالغة ورجولته النابضة وشعره الاسود الناعم وقامته الرائعه تتيح له ان يكسب ثروة طائلة من العمل في حقل عرض الازياء فاستعجلت امها بالذهاب لتوفر عليه مزيدا من الارتباك .
لكن رأيها فيه تغير كليا عندما زارهن حاملا باقة كبيرة من الزهر لأمها وجلس مسترخيا بالغ الثقة بنفسه وفي كل مره كان يرفع فيه نظره اليها كان يخيل اليها وكأنه يأكلها بعينيه وفي كل مرة دعاها للخروج كانت ترفض آمله ان تجعله يفهم انها لا تهتم ابدا لما يدور في ذهنه وها هي الآن نريد ان تطلب منه ان يتزوجها .
شعرت بالغثيان وعصر اللألم قلبها لكنها ما لبثت ان تمالكت نفسها لتقف اما الباب بكل ثقة بالنفس .
خطر لها انها تترك له رساله حتى يتسنى لها الوقت الكافي للتفكير في ما ستقوله له .
لكن لماذا بقي اليوم في المنزل ولم يذهب الى العمل ؟ اتراه تأخر في النوم ؟ ام خسر زبائنه لعدم كفائته ؟ او لعل ذلك الفان القديم قد تعطل ؟
مهما كان السبب فهو سينتهز الفرصة ليكسب مبلغا من المال .ولم يكن امامها سوى ان تطلب منه ذلك الآن . ففي الامس وصلت متأخره الى شروزباري ووجدت امها مستيقظه تشاهد التلفزيون فاضطرت ان تشرح لها ما حصل عند محامي عمها فابيان وتعيد عليها الحديث كلمة كلمة .
كانت تفكر ان تؤدل الموضوع الى ان تحل هذه المشكلة او تتخلى عن الفكرة برمتها لكنها لم تستطع ان تكذب على امها .
منظر السعاده على وجه امها حين علمت ان شقيق زوجها قد ترك قصر ستدلي لابنتها آلم آلي اكثر من الاحباط الذي بدا في تينك العينين الزرقاوين وهي تخبرها عن الشرط . تنهدت لورا قائلة :
- هكذا اذن .. لطالما كان متحجر القلب .
ضمتها آلي في تلك اللحظة بين ذراعيها وقد ازدادت تصميما على ان تحقق حلم امها وتعيد لها ذلك المنزل الجميل الذي امضت سنوات طويلة تحن اليه .
- لا تنبسي ببت شفة امام احد ولا تندهشي لما قد يحدث اظنني اعرف الطريقة المناسبة لاستعيد البيت .
خرجت تلك الكلمات من فمها بسهولة في غمرة العواطف ولكن الامر تغير تماما في وضح النهار .
لم يكن امامها سوى المحاولة ويمكنه ان يرفض ان شاء ...
استقامت في وقفتها ودست خلف اذنها خصلة شعر افلتت من العقده التي تربطها .
فتح الباب قبل ان ترفع اصبعها عن زر الجرس وقالت لها جدته :
- الانسة برانان اليس كذلك ؟ تفضلي بالدخول .
بعث مظهر السيده الاطمئنان في نفس آلي فقد كانت ترتدي مئزرا يغطي جسمها البدين وملامح وجهها الرزينه تتناقض مع عينيها الباسمتين وراحت آلي تفكر بأن جدته امرأة يمكن لأي فناة ان تطمئن اليها ثم قالت بسرعه :
- لا اريد ان ازعجكم هلا سلمت هذه الرسالة لجيثرو .
- ولم لا تسلمينه اياها بنفسك .
وتنحت جانبا لتدع الفتاة تمر .
حاولت ان تهدئ من خفقان قلبها وهي تتخطى العتبة وبدا ان السيدة العجوز لا تحبذ المضطربين اذ قالت لآلي وهي تسير امامها:
- من هنا لو سمحت قولي ما عندك واريحي الفتى المسكين من تعاسته بأي طريقة كانت .
ودفعتها بيد حازمة الى غرفة الجلوس التي تعج بمقاعد ثقيلة الوزن من طراز العهد الفكتوري سمعت الباب ينغلق خلفها ووجدت نفسها تحدق الى ظهر جيثرو كول .
بدا مستغرقا في تأمل المناظر من النافذه ولكنها لم تكن واثقة ما اذا كان بامكانه ان يرى شيئا من خلال تلك الستائر السميكة , وتذكرت فجأة كلام جدته والحاحها عليها ان تريحه من تعاسته ولما حاولت حل هذا اللغز ازداد اضطرابها حدة .
اخذ قلبها يخفق فتنحنحت لتنبهه الى وصولها وعندما استدار نحوها ببطء شديد شعرت وكأنها تنظر الى انسان غريب فذلك الرجل البسيط الظريف الجذاب اختفى ليحل محله رجل صلب الملامح بشكل متغطرس في عينيه نظرة بارده لا مبالية .
وعلى الرغم من انه كان يرتدي سرواله القديم وقميصه البالي استطاع ان يحيط نفسه بهالة من السلطه واتسعت عيناها وهي تراه اكثر ارهابا من جدته التي لاتهزم .
اسبل جيثرو جفنيه وتلاشت الابتسامه التي كانت تحاول ان ترسمها على ثغرها وبدا القلق في العينين الواسعتين الداكنتي الزرقة لأول مرة تبدو ضعيفة الى هذا الحد حتى الهدوء البارد الذي كان يلازمها امحى بطريقة بأخرى .
رفعت يدها الى فمها لتخفي شبه ابتسامه استحالت الى عبوس فجاءت هذه الحركة لتناقض رشاقتها المعتاده اذ كانت اقرب الى الارتباك الاخرق .
اخمد رغبة ساورته في ان يزيل قلقها بكلماته الرقيقه وليقول لها انه مستعد لحل كل مشاكلها فهي ليست له ولن تكون له ابدا لأن مشاعرها تأخذ منحنى مختلفا .
مال الى الخلف وسألها بفتور محطما جدار الصمت بينهما :
- كيف يسعني خدمتك ؟
ثم نظر الى ساعته وكأنه يعد الثواني التي يمكنه ان يمكنحها اياها.
جاهدت آلي لتتمالك نفسها . ماهذا ؟ انه مجرد رجل .. لم يستطع أي رجل ان يرهبها من قبل وهو لا يختلف عن غيره وتلك الملامح الخشنة الكئيبة قد لاتكون اكثر من مجرد نكد وشراسة ولعل غروره مجروح لأنها رفضت بعناد الخروج معه .
حسنا ستقدم اليه الآن اكثر من مجرد مواعيد سخيفة والمال , المال الكثير .
عدلت كتفيها تحت قميصها القطني الذي كان يعلو سروالا اخضرا فضفاضا قديما لا يثير فيه أي مشاعر ثم اخذت نفسا عميقا وقالت بهدوء :
- اريد منك خدمة وسأدفع لك في المقابل مبلغا كبيرا .
ثم نطقت بالمبغ الذي لديها وهي تراقبه بدقة لتسجل تغير ملامحه ولكنه لم يبد أي اهتمام بالامر . كانت واثقة تماما من انه سيطير فرحا لحصوله على هذه الثروة الصغيرة ثم يبدأ بطرح الاسئلة عما تريده منه وشعرت بخيبة امل كبيرة ما لبثت ان تحولت الى احساس بالانزعاج .
كانت تبذل جهدا بالغى للتفاهم مع هذا الانسان الضخم المرعب ! ولابد ان جدته العزيزة مسمرة خلف الباب تسترق السمع . فقالت بصوت يلفه القنوط :
- افضل ان نذهب الى مكان اخر حيث يمكننا ان نتحدث على حريتنا . ولكن علي ان اخبرك ان المبلغ الذي ذكرته لك غير قابل للزياده .
قالت هذا حتى لا يخطر بباله ان يرفع الملبغ .
فاكتفى برفع حاجبه قليلا مما اثار سخطها لماذا لا يقول لها لا . شكر. اذهبي من هنا وينتهي الامر ؟
- ان كان الامر لا يهمك فكن صريحا معي حتى لا اضيع المزيد من وقتك الصمين !
ادرك انها على وشك ان تنفجر غضبا وهذا ماكان يتمناه فرؤية تلك المرأة التي طاردها بكل جوارحه تلك المرأة التي لم تمنحه قط نظرة خاصة هذه الرؤية اثارت طباعه والشعور بأنه كان احمق .استدارت على عقبيها ونفاذ الصبر باديان عليها فقال لها :
- الامر يهمني .
ثم لعن نفسه لأنه لم يدعها ترحل وتغيب عن بصره وعقله . لكنه اضاف بعد ان رأى الارتياح على وجهها وهي تعود فتستدير نحوه .
- يتملكني الفضول لمعرفة الخدمة التي ستفعين لأجلها هذا المبلغ .. هل نخرج ؟
تركها منتظرة في الردهة دقيقة او اكثر بينما ذهب حسب ما خيل اليها لخبر جدته بخروجهما معا . ستطلب منه تلك السيده العجوز ان يخبرها ان كان وماذا فعل ؟ اتراها تبالغ في حمايته بسبب ضعفه وعدم مهارته او مبالاته ؟
لم تستطع ان تقتنع بذلك خصوصا بعد دخولها الى الغرفة واحساسها بتلك الهالة من السيطرة التي تحيط به ورؤيتها تلك النظرة البارده المتفحصة في تينك العينين الذهبيتين .
وارتجفت لدى سماعها صوته :
- جاهزة ؟
- نعم .
ولحقت به ولكنها توقفت عندما فتح لها باب الفان القديم وقالت:
- من الافضل ان نذهب سيرا على الاقدام الى الحديقة العامة ونجلس على مقعد خشبي .. ما من داع للذهاب في سيارة .
بدت لها السيارة على وشك ان تنهار وفكرة ان تصعد فيها معه زادت من توترها .. ستشعر براحة اكبر في الهواء الطلق وبين الناس .
وقفت مسمرة مكانها على الرصيف ولكنه قال برفق :
- ارى ان نذهب بالسيارة لارتشاف فنجان قهوة في مقهى اعرفه له حديقة خلفية تطل على النهر . وان طال حديثنا نبق على الغداء .
ولوى شفته مضيفا :
- اتخشين ان يراك احد في سيارة كهذه ويسئ الى صورتك كعارضة ازياء مشهورة ؟
انه يعلم اذن! ولن تسأله كيف الا انه مس وترا حساسا فيها , فراحت شفتاها ترتجفان وقالت بغضب وهي تربت على بنطلونها الفضفاض :
- اتظن انني كنت سألبس ثيابا مماثلة لو انني اخشى ذلك ؟
ثم صعدت الى السيارة لتبرهن له ولكنها ما لبثت ان ندمت على ذلك وتمنت لو انها اصرت على مرافقته سيرا على الاقدام الى الحديقة العامه .
حتى قرقعة محرك السيارة لم تخفف من الصمت الذي ساد بينهما مما زاد من اضطرابها. في الواقع لم تفهم آلي ما اصابه .
فطوال الاسبوع الماضي اظهر حماسة ولهفة لصحبتها وقد بدا جليا انه مفتون بها ويريد الخروج معها . واذا به يتصرف الآن وكانه يكرهها كل الكره هي التي ظنت انها عثرت على الرجل المناسب خالي الوفاض من المال والآمال بعيد عن غرور الرجال الذي يجعلهم يظنون ان المرأة تنصاع لإرادتهم من نظرة واحده .
تنهدت من دون وعي فرفع جيثرو نظره اليها واذا بالالم يعتصر فؤاده وهو يتأمل وجهها الشاعري وجبهتها العريضة وانفها الصغير المستقيم وشفتها العليا الممتلئة وفمها المثير وبشرتها النقية التي لا تشوبها شائبة وشعرها الذهبي المضموم الى الخلف ليكتشف عن جيدها الطويل الرقيق .
منتديات ليلاس
عاد يحدق في الطريق اماه وقد توترت ملامحه كان عليه ان يخبرها بانه لا يهتم لمالها ويتركها تذهب في سبيلها فقد جعلت منه رجلا احمق من دون ان تقصد حقا . فما الذي يجبرها على تعليل سبب كرهها للرجال غريب ؟
شعر بالضيق والانقباض وهو يوقف السيارة في فناة مقهى جميل على ضفاف النهر .
لقد جاءا لارتشاف فنجان قهوة فحسب فما الداعي الى الغذاء ؟ ولماذا البقاء طويلا معا ؟ عاجلا او اجلا ستطرح مشكلتها ليقدم لها النصيحه المناسبة ثم يعيدها الى بيتها ونسى كل شيء عنها وعن مشاعره نحوها .
كان يدس يده في جيبيه ليخرج ثمن القهوة عندما رآها تفتح حقيبة كتفها وهي تقول بهدوء :
- دعني ادفع ذلك .
ثم اعطت الموظف ورقة مالية اراد جيثرو ان يغادر المقهى على الفور اذ لم يعتد ان تدفع عنه امرأة وكره الاستعلاء الذي تعامله به لأنها ستدفع له اجر خدماته ولكن قبل ان ينتهي هذا النهار البائس سيخبرها عن نفسه ومن يكون .
كلمات قليلة منه تدرك هي بعدها ان النقود التي وضعتها على المائده اجرا لخدماته قد تكون في نظرها كثيرة لكنها بالنسبة اليه مجرد فكة يضعها في جيبه .
وبينما كان مستغرقا في افكاره اشار الى باب يؤدي الى حدائق تغمرها اشعة الشمس وتشرف على النهر .
تبعها الى المائدة الوحيدة ذات المظلة وانعكس ظل المظلة الخضراء على آلي فبدت بمظهر خلاب ويداها الرقيقتان تسويان خصلات شعرها الذهبي وتدسانها خلف اذنها مما جعله يشعر بغصة في حلقة واأسفاه عليها !
لكنه عاد فذكر نفسه بحزم ان ليس بامكانها ان تغير ماهي عليه وأسف لجمال هذا الوجه وتقاسيمه هذا الوجه الجميل الذي خلق للحب .
اخذ يزمجر بصمت وهو ينتظر تقديم القهوة فاستقام في جلسته ليدخل صلب الموضوع لأن الانتظار اصبح ضربا من التعذيب النفسي . كان يريد ان تخرج من حياته .. تخرج منها الى غير عودة .
- والآن ماهي الخدمة التي تريدين ان تعطي عليها اجرا ؟
توقفت آلي عن العبث بخصلات شعرها وامسكت بطوق حقيبتها لتخفي ارتجاف يديها لقد حانت اللحظة وبصراحه كانت مذعورة للغاية . اذ ليس من السهل ان يمتثل رجل مثله لرغباتها . هذا الرجل المقطب الجبين لايقدم على عمل لا يريده وليكن الله بعون كل من يحاول ان يحمله على ذلك .!
لكنها سبق ان خطت الخطوة الاولى فلتمضي قدما اذن .
وقالت :
- اريدك ان تتزوجني .
3- الصفقة
بدات الدماء تغلي في عروقه لو قدمت له هذا العرض منذ يومين لطار فرحا ولما تردد لحظة في ان يتزوجها ويدخلها حياته ويؤدي واجباته كامله .
يا إلهي لابد انه وقع فعلا في الغرام. فما من امرأه سواها استطاعت ان تثير فيه ذاك السرور البالغ وكلما نظر اليها اشتغلت نيران الهيام في قلبه فارتشف جرعه كبيره من القهوة ليهدئ مشاعره .
طوال الاسبوع الماضي لم تتخط تصرفاتها معه حدود الادب المتحفظ وها هي الآن تريد الزواج به وستدفع له اجرا في المقابل .
نظر الى عينيها المضطربتين ولاحظ انها كانت تعض على شفتها تنتظر جوابه فقال لها :
- لماذا ؟ هل انت حامل ؟
كان هذا اول تفسير طرأ على ذهنه فما الذي يدفع فتاة رائعه الجمال الى البحث عن زوج الا ان كانت حاملا وتريد ابا لطفلها بعد ان تخلى اباه عنها ؟
توهج وجهها احرا وقالت :
- كلا , كلا طبعا .
فأعاده ردها الى نقطة الصفر ....
مال في جلسته ووضع يده على مسند الكرسي حتى يتسنى له ان يستجمع افكاره واظهر لها رقة ودماثة تتناقضان تماما مع غليان مشاعره ثم سألها :
- لماذا لا تخبرينني عما يدعوك الى الزواج ؟ ولماذا اخترتني انا بالذات ؟
كانت آلي تجاهد للحفاظ على هدوئها لتكافح رغبة تدفعها الى الهرب .فذاك الرجل المهذب الرقيق الذي تسكع حولها اكثر الامسيات الماضية لا يشبه هذا الرجل الذي يجلس قبالتها على المائدة
هذا الرجل يبدو خشنا وكانه بامكانه ان يتولى قيادة جيوش ضخمة بحركة واحده من حاجبيه الاسودين المستقيمين .
فكيف تخبره بأنها حسبته سيرضى بأي شيء لسوء وضعه المادي .
وتذكرت فجأة انها لم تلمح فيه هذا الصباح صورة الرجل الذي عرفته الا حين قالت له انها تريد الزواج به فقد ارتسمت على وجهه علامات الصدمة نفسها التي بدت عليه حين شكرته لمساعدة امها .
وها مو ينتظر ان يسمع سبب عرضها الزواج عليه ولابد انه يعتبرها مجنونه تهذي !
بدت عيناه الذهبيتان يقظتين بالرغم من انه كان يجلس باسترخاء شابكا ذراعه فوق مسند الكرسي ولفت انتباهها قماش قميصه الرقيق الذي يكشف عن عضلاته القوية ومنكبيه العريضتين وصدره الذي ينبض رجوله .
عضت شفتها وخفضت بصرها انه مثير حقا وماذا في ذلك ؟ انه الشخص نفسه الذي يكافح في سبيل لقمة عيشه . هيا يا امرأة قولي ماعندك. اخذت نفسا عميقا ووضعت راحتيها على المائده وهي تحدث نفسها بانها لن تخسر شيئا في مطلق الاحوال .. ثم قالت له :
- اورثني عمي عقارا شرط ان اكون متزوجه عند وفاته او ان اتزوج في غضون شهر ولكن قلما يهمني امر العقار او الزواج .
ورفعت عينيها لتشبكها بعينيه وتؤكد على صدق كلامها واستطردت :
- الا ان امي تريد قصر ستدلي فقد امضت فيه اسعد سنوات حياتها وهي مستعده للتضحيه باي شي لكي تعود اليه .
تنهدت برقه وبصوت لايكاد يسمع فوجد نفسه يسألها برقة وهو يلعن الطريقة التي استطاعت ان تثير بها شهامته :
- ولماذا تركت ذلك المنزل ؟
فاجابت بمرارة :
- اراد عمي ان يستعيده كان لجدي ولدان فابيان ومارك وهو ابي وعمي يكبر ابي بعدة سنوات وكان يرى فيه انسانا ضعيفا واهنا لا اهمية له ورجلا حالما لا رجاء فيه . وعندما مات جدي انتقل قصر ستدلي هذا الى عمي فابيان ولما كان هذا الاخير منشغلا ببناء مستقبله في لندن ومنغمسا في ملذات الحياة ولا رغبة له في العيش فيه سمح لوالديّ بأن يعيشا فيه بموجب عقد ايجار لخمس سنوات ومقابل مبلغ متواضع فقد كان ابي يؤلف قصصا لم تكن ناجحه تماما ولكنه كان يجني منها ما يكفي ليعيلنا . لم يكن يهم والدي نقص المال فقد كانا يعيشان في عالم الخيال بعيدين عن الواقع . ولكن عند بلوغي الـ15 استحالت حياتهما حزنا اذ طردنا فابيان من المنزل رافضا تجديد العقد لأن زوجته العتيده كانت متشوقه الى حمل لقب سيدة القصر .
لاحظ توتر فمها وصرير اسنانها وهي تتابع كلامها .
- وهكذا خرجت مع والديك من المنزل ؟
أومأت برأسها وهي تمسك بملعقة القهوة وتحركها في الفنجان ثم ما لبثت او وضعتها جانبا لتشبك يديها بسرعه حتى تخفي توترها وعندما عادت الى الكلام كان صوتها هادئا منضبطا فتساءل عما قد يحدث ان اطلقت العنان لمشاعرها المكبوته .
- غادرنا ستدلي وانتقلنا للعيش مع خالتي فران التي هجرها زوجها ريثما يجد لنا ابي بيتا للايجار . ومازلت اتذكر امي وهي تحاول التسلح بالشجاعه قائلة ان من غير المهم ان يكون منزل الذي سيجده متداعيا ما دام في الريف وله حديق وكانا اشبه بولدين مرتبكين , ثم ....
وتهدج صوتها لكنها سيطرت عليه ...
- اشترت دار النشر التي طالما تعامل ابي معها ورفضت تجديد عقد ابي مدعية ان عمله لا يناسب السوق ولم يقو على مواجهة فقدانه لبيته وعمله مصدر عيشه الوحيد في آن معا فانتحر .
مد جيثرو يده بحركة غريزية يغطي يديها قائلا :
- ما افضع هذا يا آلي ! .
ولم تحاول ان تبعد يديها فتشعر بالسرور لذلك اذ جل ما اراد ان يمنحها اياه في تلك اللحظة هو بعض التعاطف الانساني .
قال برقة :
- هل خطر لك ان عودة امك الى ذلك المنزل قد تعيد اليها ذكريات مؤلمة لا تستطيع احتمالها ؟
- آه , لا .
بدت واثقه جدا من ذلك حتى ان شبح ابتسامه بدا على شفتيها :
- بعد موت ابي بسنتين سمعنا ان قصر ستدلي قد عاد خاليا لأن زوجة فابيان رفعت عليه دعوة طلاق وسافرت الى فرنسا بينما انتقل هو للعيش في لندن عندما سمعت امي الخبر عادت الحياة تسري في عروقها من جديد فسافرت لتراه وقد اعدت خطة في راسها في تلك الفترة كنت تركت المدرسة ورحت ابحث عن طريقة شرعية لأكسب النقود بسرعه فخطر لمي ان نعود للقصر حيث يمكننا ان ننشئ دار حضانه صيرة في الحديقة المسورة . وافق فابيان على ذلك شرط ان تسمح له امي بزيارتها باستمرار فلطالما كان عمي معجبا بأمي ويعتبر اخاه العاجز عديم النفع غير لائق بها وهكذا لم يكن هناك من جدوى في ذلك .
وهزت كتفيها باستسلام ثم نظرت اليه مباشرة وعيناها تلمعان وقالت بحزم :
- ان نفذت شرط وصية فابيان فسأعيد الى امي سعادتها وبهجتها بالعيش حيث طالما تمنت . كما انني سأستمتع بهزم فابيان ولو مرة واحده لهذا السبب علي! ان اعود الى مكتب المحامي متأبطة ذراع زوجي .
- ولماذا اخترتني انا بالذات ؟
رفعت نظرها اليه ثم سحبت يديها من يده ببطء وكأنها لم تتنبه من قبل الى تمسه بها ثم اجابت بصراحه :
- لأنني لا اعرف رجلا أخر قد يقبل الزواج بي حسب شروطي .
حثها عطفه عليها على التغلب على توترها وفتح قلبها له فأضافت تقول :
- تصورت انك ربما تجد المال مفيدا لك فتستطيع به ان تشتري سيارة جديدة انت بأمس الحاجه اليها .
- وما هي شروط الزواج ؟
- زواج بالاسم فقط علينا ان نظهر معا امام الناس الى ان يصبح ستدلي ملكي ولكن خلف الابواب المغلقة لكل منا غرفة منفصلة وحياة مستقلة وبعد فترة وجيزة فلنقل سنه مثلا يمكننا الانفصال بحجة اننا لم نتفق .
لعام كامل ستشتريه وتدفع له اجرا يعيش اثناءه معها ومع ذلك لا يعيش ... ولما ادرك ان ما من وسيلة لأقناعها بمشاركته الغرفة.. شعر بان ذلك سيدفعه حتما الى الجنون .
لكن تلهفها الى اعادة السعادة الى امها اثار مشاعره فقد عانت وامها الامرين كان يعرف ان ما سيقترحه سيدفعه الى الاعتراف بشخصيته الحقيقية .
ولكن قبل ذلك عليه ان يطرح عليها سؤالا :
- ان لم تتزوجي يباع المنزل فلماذا لا تشتريه اذن ؟ فالمبلغ الذي ستفعينه لي يصلح عربونا ويمكنك بعدها ان تدفعي الاقساط مما تكسبينه فعارضات الازياء الشهيرات يكسبن جيدا .
- هذا صحيح .
لكن الطريقة التي يراوغها بها من دون ان يعطيها جوابا حاسما ابتدأت تخيفها وتثير توترها .
- ولكن انظر الى الموضوع بشكل واقعي .. بلغت اليوم ذروة النجاح بعدما استغرق مني ذلك سنوات طويلة ولكني لا استطيع المجازفة فقد يتجاوز ثمن القصر والارض المليون جنيها اذا ما عرض في المزاد.
احنى رأسه باقتناع صامت للحظة خلت كان على وشك ان يكشف لها عن نواياه فقد خطر له ان يشتري هذا العقار لأن استثمار المال في العقارات مربح ويمكنه بعدها تعين امها مسؤوله عنه مقابل اجر تافه ومن دون ارتباطات او اسراف في الشكر فهو لا يريد منها شيء .
لكنه يريد اولا ان يسمع اثباتا منها اذ ليس لديه ما يجعله يشك في كلام امها . عليه ان يسمع ذلك منها حتى يمكن من ان ينبذها من ذهنه والى الابد .
- آلي .. هل انت فتاة طبيعية ؟
اتسعت عيناها وهي تنظر اليه غير مصدقة ثم توهج وجهها احمرار.
- ايها الوغد المغرور الأنني لم اشأ الخروج معك او مشاركتك الغرفة نفسها بعد الزواج افترضت حالا انني غير طبيعية ؟
وتناولت حقيبتها وهبت واقفة وهي تنظر اليه بغضب بالغ :
- انني انسانة طبيعية كثلك ولكنك لم ترق لي وكل ما اريده منك هو قطعة ورق تثبت انني متزوجة .
وضاقت عيناها وتوتر فكها وقالت وهي تصر اسنانها :
- وبما انك لن تتكرم علي بذلك فأقول لك وداعا ؟
ثم ابتعدت مرفوعة الرأس متنقلة بين الموائد بينما اخذ جيثرو يلاحقها بنظراته وقد ارتسمت على ثغره ابتسامة عريضة كشفت عن اسنانه البيضاء فغضبها شديد وانكارها البادي الصدق غيرا مجرى الامور اليس هذا ماحدث للتو ؟
لم يكن لقول لورا ان ابنتها تكره الرجال أي علاقة بمشاعر ابنتها . فالحذر من الرجال هو الاصح . اتراه بسبب شيء حدث لها في الماضي ؟ وصمم على ان يعرف ماهو ليعمل بعدها على تغيير موقفها منها .
اما ادعاؤها انه لا يعجبها وانها مصرة على عدم مشاطرته الغرفة ان تزوجا فذلك شيء اخر ينوي تغيره .
نهض واقفا ببطء وعنمها مر بالقرب من زوجين في منتصف العمر باد عليهما الفضول ابتسم لهما ثم دس يده في جيبه واخرج هبة سخية ليضعها في الصينية على المائده ثم لحق بآلي .
وكان لديه كل الرغبة في التكرم على السيدة !
كما انه لا يتوقع أي شيء سوى متعة النتيجة السعيدة .
4- في الفخ
وقفت آلي في فناء المقهى الجميل واشعة الشمس تغمرها كان هذا الصباح مريعا ليس لن جيثرو المغرور لم يبد ادنى اهتمام بما عرضته عليه فحسب
بل لأنها فقد الامل في اقناعه بتغيير رأيه فقد ثارت ثائرتها بشكل لم تعهده من قبل وكلمته بفظاظه وغضب ونفاد صبر ! الا انها لا تعرف كيف حدث هذا ولماذا ؟ هي التي يلقبها زملاؤها بلوح الجليد لبرودتها .
اما املها في ان ترث قصر ستدلي فقد تبخر في الهواء .
كيف لها انو تواجه امها وتخبرها بأنه لم يعد من امل في استعادة ستدلي . ماكان عليها ان تزرع الامل في قلب عزيزتها المسكينه او ان تكذب على المحامي من البداية .
ارخت كتفيها وفترت همتها . واذ ابعدت من راسها فكرة العودة الى المدينة سيرا على الاقدام استدارت لتعود الى المقهى وتطلب سيارة تاكسي واذا بها بصطدم مباشرة بصدر جيثرو الرحب .
- هل انت مستعده للذهاب ؟
تسللت رقة صوته وعذوبته وانفاسه الخفيفة فوق صدقها الى كيانها والله وحده يعلم كم بقيا واقفين على هذه الحال اشبه بعاشقين تيمهما الهوى !
قفزت مبتعده عنه وقد تسارع نبضها .
- انا ذاهبه ..
وذعرت وهي تسمع صوتها المخنوق وترى تلك الابتسامة العريضة على وجهه ...تلك الابتسامة الشبيهة بابتسامة القرصان .
ابتلعت ريقها بتشنج وهي تلملم بقايا كرامتها المبعثرة وحاولت تتمالك نفسها لتتابع كلامها قائلة :
- انا ذاهبة لأطلب سيارة تاكسي ولا حاجة لن تضيع وقتك اكثر من ذلك .
فقال بمرح وعيناه تتراقصان تحت اهدابه الكثيفة :
- وقتي هو ملكي واستعمله كما اشاء .
ورفع يده يزيح خصلة من الشعر الاسود عن عينيه بينما شد بالاخرى على مرفقها مضيفا :
- لا تستقل زوجتي العتيده سيارة تاكسي بينما انا موجود لأقلها بسيارتي .
شعرت آلي بقديميها تتسمران على الحصى وبأنفاسها تنقطع ان كانت قد سمعته جيدا فعليها ان تعود معه الى المقهى وتقدم له افخر انواع الطعام احتفالا بتغلبها على خطة فابيان المخادعه تلك .
لماذا لم تفعل هذا اذن ؟ ولماذا هذا الشعور العميث بالخوف يشلها ؟ احست وكان مستقبلها لم يعد ملكها وكأن كل ما جعل حياتها رضية واضحة قد تغيرت , ولن يبقى شيء على حاله .
لعل هذا تاثير الصدمة فحسب .. هذا ما راحت تقوله لتخفف عن نفسها فهي لم تتوقع ذلك خاصة بعد ان استسلمت للفشل .
ومن الطبيعي ان تصعقها موافقته ولكن سرعان ما ستحسن حالها .
- هل نذهب ؟
وترك مرفقها ليخرج من جيبه مفاتيح السيارة بينما بللت هي شفتيها بلسانها شاعرة بدفء الاحتكاك بينهما يتبدد تاركا جسمها باردا كالثلج .
ارتجفت متشنجه وهو يسير امامها الى السسيارة التي بدت اكثر رثاثة وعجزا بين السيارات الفخمة اللامعه .
وادركت ان عليها ان تقول شيئا يعبر عن شكرها بدلا من هذا الاحساس الغريب , بانها واقفه على رمال متحركه .
لكنه وفر عليها عناء محالة العثور على شيء لائق تقوله لأنه حالما انطلق بالسيارة قال لها:
- سآخذك الى البيت لأنني اتوقع ان تخبري امك وخالتك بالامر بعد عودتهما من العمل ولكن كيف ستبررين لهما هذه المفاجاة ؟ علي ان استعد للاحتفال الذي سنقوم به .. لا اظنك تتوقعين حفلة زفاف كبيرة اليس كذلك ؟ فليس لدينا القت الكافي لهذا وحتى ان كنت تريدين ذلك . خاصو وان الزواج قصير الامد لذا من النفاق ان نتبادل العهود ونحن لا ننوي الوفاء بها . اليس كذلك ؟
- نعم طبعا .
لقد ادهشها فرط احساسه وتسءلت عن سبب ذلك فهي لم تكن تعلم شيئا عن مزاياه باستثناء شهامته مع امها عندما كانت بحاجه للعون وهذا يعني انه سجل نقطتين لصالحه استجمعت شجاعتها لتطرح عليه السؤال الذي قد يجعلها 3 نقاط
سمرت عينيها على الطريق امامهما ثم سالته :
- وهل تقبل بأن يكون زواجنا صوريا ؟
ألقى عليها نظرة جانبية . كانت تبدو متوتره فيداها تبعثان بحزام مقعدها .
ثم اجابها ببساطه :
- طبعا فشرطك واضح وصريح .
واضاف في قرارة نفسه : صوري فقط ياحبيبتي حتى تغيري رأيك وصدقيني لن يطول الامر وسأكلفح في سبيل ذلك حتى الرمق الاخير .
عادت عيناه تتسمران على الطريق امامه وقد شعر بتوترها يتبدد قليلا . ولكن الطريق امامه طويل فهذه البدياة فقط. لقد خطت هي الخطوة الاولى نحو الثقة ويجب ان تتعلم بعد ذلك ان تعجب به . ومن هذه النقطة يبدأ كل شيء .
- شكرا .
قالت ذلك ببساطه وقد استرخت اصابعها فوق حزام المقعد واحتفظت بالصمت بقية الرحلة . لكن جيثرو كان يعلم ان ذهنها كان مشغولا . فبعد سرورها بهزيمة عمها وعثورها على طريقة تنفذ بها الشرط عليها ان تخطط للمستقبل وتجد ماتقوله لأمها وخالتها عن سبب تهورها بالاستعجال بالزواج .
ادرك ما يجول في ذهنها من دون ان تنطق بحرغ لم يحدث قط من قبل ان انسجم مع انسان الى هذا الحد .
كانت اليسا المراة المناسبه له نصفه الثاني ولابد انه شعر بذلك في عقله الباطن منذ رآها للمرة الاولى واعتصر قلبه.. سيكون من الصعب عليه الالتزام بشرطها .
لحسن الحظ انه حكيم بما يكفي لينتظر الفرصة المؤاتية هو يعلم انهما متلائمان تماما ولكنها هي تجهل ذلك . ويمكنه ان ينتظر فهو يحصل دوما على ما يريده في نهاية المطاف .
عندما توقف الفان امام بيت فران حاولت آلي ان تبعد افكارها التي كانت تشغل ذهنها شاعره بالخزي لأنها لم تقل له كلمة واحده منذ اثلج ووافق على التزامه بشرطها لقد باعها سنه من حياته وكل ما فعلته اثناء الدقائق الـ20 الماضية هو تجاهلها له .
- ادخل لتناول الغداء معا .
ادهشها هذا الدافع المفاجئ للتكفير عن خطتها لماذا تشعر بالذنب مادامت تدفع له مبلغا جيدا مقابل دوره في .. هذه الصفقة ؟
فهي صفقة بكل ما للكلمة من معنى ولكن ثمة امور كثيرة عليهما ان يناقشاها.
- علينا ان نرتب امورنا لن تعود امي وخالتي من العمل قبل الـ 5.30 وسيتسنى لنا الوقت الكافي للتحدث معا كما انني اريد ان اعطيك الشيك .
كانت قد فتحت باب السيارة وترجلت منها عندما اخذ قلبها يخفق بسرعه لضخامة ماهي مقدمة عليه . فهي تريد ان تستعيد ستدلي لأجل امها ووحده جيثرو سيساعدها ولهذا فهي مدينة له بغداء .
- آسف ولكن علي ان اعتذر .
اذهلها رفضه وجعلها تعود الى مقعدها وهي تميل براسها وتنظر اليه بارتباك . هذا الرجل الي امضى معظم ايام الاسبوع الماضي متسكعا حولها , رفض دعوتها له ولو انه بحاجه الى المال الى الحد الذي يبدو عليه لكان اكثر لهفة لوضع يده عليه . فالمال هو السبب الوحيد الذي جعله يقبل .
مال نحوها وقد لاحظ التقطيب الذي ظهر بين عينيها الزرقاوين الرائعتين , وتابع قائلا:
- علي ان اعثر على مكتب تسجيل عقود الزواج واحدد موعدا للاحتفال فأنا لا اعرف نظام العمل في هذه المكاتب , ولا اريد المجازفة بألا اجد موعدا مناسبا كما سنحتاج الى شهادات الميلاد هل شهادة ميلادك هنا أم في لندن ؟
مرت لحظة بدت فيها وكأنها لا تفهم عما يتحدث ثم أومأت مجيبة :
انها هنا تحتفظ امي بالاوراق الرسمية في صندوق في غرفة نومها .
تنهد بارتياح من السهل عليه ان يحصل على شهادته .. يكفي ان تصل بمساعده الشخصي جايمس ابوت ليذهب الى بيته في حي مايفير حيث الخزانه التي يحتفظ فيها بأوراقه الشخصية . ولكن لو كانت اوراقها في لندن لأدى ذلك الى تاخر بداية حياتهما معا .
امتثلت آلي لطلبه على مضض وهي تجد عذره منطقيا ولكنها لم تشعر بالارتياح الى ذلك فمع ان الخطة خطتها الا انه وحده من يصدر الاوامر .
عادت وفي يدها المستند العرس عرسها ايضا وعليها ان تشارك في تحديد موعد الاحتفال .. ستذهب معه ايعقل الا يأخذ برأي العروس في قرار كهذا ؟
واذا بها تتوقف فجاة في منتصف الردهة وقد علا الاحمرار خديها . لن تكون عروسا بكل ما للكلمة من معنى فلماذا تراها تتساءل عما قد يحصل ان اصبحت عروسا حقيقية لعريس بجاذبية جيثرو ؟
حاولت عبثا ان تهدئ من خفقان قلبها وتطفئ النيران المستعره داخلها بينما كانت متوجهه الى حيث ينتظرها في الفان .
فتحت باب السيارة وقالت :
- سآتي معك علينا ان نحدد الموعد معا .
كان توتر ذقنها يدل على عنادها الا انه طغت عليه النظرة المتلهفة المرتبكة في عينيها والتوهج في وجهها ... تلك المراة الباردة المتحفظة التي تحذر نظراتها الرجال من الاقتراب منها تحولت في تلك اللحظة الى كتلة احساس ومشاعر .
تملكه احساس بالبهجة لكنه عاد وذكر نفسه بان الوقت مازال مبكرا .. صحيحي ان مظهرها البارد المتحفظ تصدع بعض الشيء ولكنه عليه ان يوسع ذلك الصدع برفق حتى لا يتسنى لها ان تتراجع .
كان قرارها بمرافقته طبيعيا تماما . فتملكه الاغراء لحظة .. لحظة واحده وشعر برغبة جامحة في ان تبقى الى جانبه ولا تغيب عن ناظريه ابدا لكنه قال لها :
- الافضل ان تبقي هنا وتفكري في ما ستقولينيه لأمك لا اظن ان فكرة تخليك عن مدخراتك بأجمعها وارتباطك برجل غريب في سبيل اسعادها فحسب قد بروق لها .
ومال نحوها يأخذ منها المستند ثم ادرار محرك السيارة مضيفا :
- فكري مليا في الموضوع اياك ان تعطيني المال مقدما فما ادراك ما قد يحدث ؟ سآخذ منك النوقد ولكن بعد ان توقع معا على عقد الزواج .
ثم ابتعد بالسيارة تاركا اياها واقفه على الرصيف كارها ما فعله فقد اصبح اصدار الاوامر الاستبدادية للآخرين جزءآ من نجاحه في ادارة اعماله . انها طبيعة ثانية فيه. ولكن معاملتها هي بالذات بهذه الطريقة تركت في فمه طعما مرا .
الا انه لم يجد بدا من ذلك فعليه ان يتصل بجايمس ويدعو المربيه بريغس وزوجها هاري ليرقصا في عرسه شرط ان يكتما هويته ولا يظهرا أي دهشة ان دعتهما آلي جدي وجدتي !
كما عليه ان يقنع هاري بأن يدعه يستعير منه هذا الفان المتداعي ويرتب امر ركن سيارته الجاغوار في مكان آمن الى اجل غير مسمى وان يتصل بالبستاني ومدبرة المنزل في بيته الريفي ويخبرهما بأن يأخذا اجازة لمدة اسبوعين .
عليه المضي بقصة الفقير الضعيف العاجز فأن علمت بشخصيته الحقيقية وبان المبلغ الذي ستقدمه له لا يكاد يزيد عن الفكة التي يضعها في جيبه فستدرك ان لديه سببا خفيا يدفعه الى الموافقه على الزواج بها مقابل المال وعندها ستنهي كل شيء سواء حصلت على ستدلي ام لا .
وقطع على نفسه وعدا بألا يحصل ذلك .
5- العاشقان المزيفان .
لم تتاخر لورا في العودة الى المنزل .كانت آلي قد راقبت جيثرو يبتعد وقد تملكها شعور بالهجر لامبرر له وامضت بعد ذلك نصف ساعه وهي تحاول التحرر من تلك الحاله النفسية السخيفة التي جعلتها تركز افكارها عليه بدلا من البحث عن طريقة مناسبة لاخبار امها عن زواجها من رجل حسن الشكل يعمل منظف نوافذ .
وصلت امها ولم يكن لدى آلي أي فكرة عن كيفية جعل خبر زواجها مقبولا .
قالت لورا وهي تجلي على كرسي وتزيح خصلة شعر عن جبينها :
- لقد ارجأت عملي في منزل السيدة تومبسون لم يكن مسرورة مني ولكنني ادركت فجأة بأنه ليس من العدل ان اودعك بمفردك في البيت بينما اعمل انا طوال اليوم خصوصا وانك اخذت اجازة طويلة لتمضي بعض الوقت معي . ما رأيك لو نقوم عصر هذا اليوم بشيء ما معا . قد نجول على المتاجر اذا احببت او نذهب الى السينما ولكنني أود اولا ان اشرب فنجان شاي .
تشبتت آلي بهذه المهملة المؤقته واستدارت لتضع ابريق الشاي على النار وتعد صينيه الشاي بدت امها شديدة الارهاق ... صحيح انها بلغت الـ 41 الا انها لم تكن ضعيفة البنية ولا تعد عجوزا على الاطلاق . لكن التعب النفسي هو الذي يثقل كاهلها فهي تكدح في العمل لتؤمن لقمة عيشها ويبدو انها لا ترى بصيص امل .
حسنا سيتغير ذلك كله تقريبا .. سكبت آلي الماء المغلي على اوراق الشاي وفي صدرها رغبة ملحه لأخبارها بأن كل شيء سينتهي على ما يرام . ولكنها كبحت جماح نفسها لتظهر لها ان الحصول على ستدلي مسألة ثانوية .
لم يسبق لألي ان كذبت على امها من قبل ولكنها مضطره الى ذلك الآن. لقد اصاب خيثرو حين قال ان الحقيقة لن تروق للورا لأن امها انسانة شاعرية وعاطفية ومنذ نعومة اظافرها ادركت آلي ان والديها يعيشان بعيدا عن الواقع .
وان علمت ان ابنتها تتزوج من اجل الفائدة المادية فحسب حتى ولو كانت تلك الفائده قصر ستدلي فستجد ذلك مريعا .
وان ادركت الثمن الذي اصطرت ابنتها لتعيد لها القصر فلن تشعر بالسعاده فيه ابدا .
سكبت الشاي في الفناجين ووضعت البسكويت في الطبق لم يعد لديها عذر للتأجيل وتنحنحت آلي بتوتر ثم قالت وهي تتجنب النظر في عيني امها :
- اريد ان اخبرك شيئا .
- هل هو خبر جيد ؟
قال لورا ذلك وهي تقضم قطعة بسكويت وتحرك السكر في شايها . كان بأمكانها ان تأكل ما تشاء من دون ان يزيد وزنها وقد ورثت آلي عنها ذلك. لكنها في تلك اللحظة حسبت انها لن تذوق طعم الاكل مره اخرى .
_ اظن ذلك .
قالت آلي هذا محاولة ان تتظاهر بالسعادة التي ينبغي ان تغمر العروس . لكنها ادركت انها فشلت في ذلك بشكل محزن اذ قالت لها امها :
- لا يبدو الامر كذلك من حيث اجلس , اشعر وكأنك على وشك الاعتراف بأنك كسرت كل الاطباق الصينية الفاخرة التي تملكها خالتك فران .
لم يكن من السهل عليها اعلان الخبر لذا مطت آلي فمها بشكل ابتسامة وقالت:
- سأتزوج .
- تتزوجين .
كررت لورا ذلك وهي تعيد قطعة البسكويت الثانية الى الطبق .
- انت ؟ لكنك لطالما قلت ان الزواج والاستقرار هو اخر شيء تريدينه .
وتسمرت في مكانها وهي تضيف قائلة :
- هل لذلك علاقة بالشرط الاحمق الذي وضعه مك في وصيته؟ عندما اخبرتني انك ستجدين وسيلة لاستعادة بيتنا القديم ظننتك ستتشاورين مع المحامي للطعن في الوصية لسخافة ذلك الشرط .
وحملت لورا فنجانها الفارغ الى حوض الغسيل .
- ولكنك ان كنت تفكرين بتغيير رأيك والزواج لأعود انا الى قصر ستدلي فانسي الامر . اقسمم لك الا تطأ قدماي ذلك المكان ان انت فعلت ذلك .
واخذت تغسل الفنجان بعنف تحت الماء المتدفق حتى انها لم تسأل عن هوية العريس . هذا كان رأيها في رغبة ابنتها المفاجأة في الزواج .
تقدمت نحو امها تحتضنها وهي تتظاهر بالضحك قائلة :
- هل انت مجنونة ؟ اعرف كم تحنين الى ذلك المكان القديم , ولكن لتعودي اليه علينا ان نتخطى بعض الحدود وبيع نفسي هو احدها .
كانت تكره الكذب على امها اشد الكره ولكن هل من خيار آخر ان كانت سعادة امها المسكينة في مستقبل يرضيها على المحك ؟ ولكنها لم تكذب على الاقل بالنسبة الى بيع نفسها لأن جيثرو لن يضع اصبعها عليها .فهذا جزء من الاتفاقية .
منتديات ليلاس
ولن تكتشف لورا قط ان ذلك الزواج كان مؤقتا ومجرد عقد عمل اما بالنسبة اليها فارتباطها بجيثرو لمدة عام سيزعجها بعض الشيء ولكنه ثمن بسيط عليها ان تدفعه .
ادركت ان كلماتها قد اثارت الشكوك امها حين نفضت هذه ذراعي ابنتها من حولها ثم استدارت اليها بحزم :
- ان اخبرتني بأن الزفاف سيقام خلال الاسابيع الثلاثة القادمة فسأدرك انني كنت على صواب انظري اليّ واخبريني ان هذا غير صحيح .
وبسخط قالت :
- انه طبعا صحيح اردنا ان نصيب عصفورين بحجر واحد كان بامكاننا ان ننتظر قليلا حتى يتسنى لنا الوقت لحفلة زفاف كبيرة , ولكن علينا ان نتزوج قبل عرضي القادم وقررنا ان يكون الموعد خلال الاسابيع الثلاثة فيجتمع شملنا نحن وتحصلين انت على ستدلي ونسعد جميعا ماعدا فابيان الذي سينظر الينا من قبره ويصر على اسنانه !
- من هو سعيد الحظ الآن ؟ هل اعرفه ؟
لم تكن لورا قد اقتنعت كليا ولا شك ان الشكوك ستتملكها عندما تعلم هوية صهرها العتيد قالت آلي اخيرا :
- طبعا تعرفينه . انه جيثرو كول .
ثم تملكتها الحيرة عندما رأت الشكوك تبتعد عن وجه امها .
- منظف النوافذ .
سألتها هذا وكأن ثمة رجلين يحملان الاسم نفسه .
- هو نفسه . لا تقولي ان لا يليق بي لأنه منظف نوافذ .
جعلت امها في موقع الدفاع بدلا من الهجوم لأن لا احد يتهم لورا بالتكبر ويفلت من العقاب .
- لا , طبعا ! فأنا لا احتقر ابدا العمل الشريف مهما كان نوعه .لكنني حسبتك تعرفينني اكثر من ذلك من مجرد النظر اليه يمكنك القول ان طموحه اقوى من معظم الرجال وقد ينتهي به الامر الى انشاء امبراطورية نوافذ .
- كما انه جذاب جدا .
قالت آلي ذلك وهي تتساءل من اين اتتها هذه الكلمات.. ولماذا؟ ولكن عقلها الباطن نبهها الى انها ضرورية لانها لأول مرة منذ التقت قنبلتها تلك التمعت عينا امها قائلة بجفاء :
- لا حظت ذلك اذن . كنت اعلم انه معجب بك من تكرار زياراته لنا بعذر او بدون عذر ومن عدم قدرته على رفع عينيه عنك ولكنك كنت دوما تضعينه في مكانه , وفي المرة الاخيرة التي رأيته فيها اشفقت عليه فنصحته بألا يضيع وقته لأنك لا تحبين الرجال .
هذا هو اذن سبب اعتقاده بأنها غير طبيعيه وليس كما ظنت غرور الرجل فيه . وشعرت ببهجة غريبه فهو لم يتكلم بدافع غباء الرجل الذي يظن المرأة التي ترفض مشاركته فراشه شاذة .
- ما الذي جعلك تغيرين رأيك فيه فجأة ؟
- التقينا هذا الصباح وذهبنا معا لتناول القهوة , ثم ...
آه رباه ! لن تقتنع لورا ابدا بأنها وقعت في غرام رجل عرفته لأسبوع كانت خلاله تعامله بجفاء .
ثم جاءها الالهام من حيث لا تدري وتابعت تقول :
- لا ادري ان كنت ستصدقين هذا.لكنني ادركت فجأة انه الرجل الوحيد في العالم الذي يهمني امره .
لم تكن تكذب ابدا فقد اصبح جيثرو الرجل الوحيد الذي يهمها امره لأنها لا تعرف رجلا غيره يقبل ان يبيعها سنه من حياته . واذ مست وترا حساسا اخذتها امها بين احظانها وهي تبتسم ملء فمها :
- ولماذا لا اصدقك ؟ هذا ما حدث بالضبط بيننا انا وابيك .
***********
بعد مرور عدة ساعات سألت آلي امها :
- هل وجدت الكؤوس؟ سيصل جيثرو بين لحظة واخرى .
- انها في المطبخ! وضعت الشراب في الثلاجه هل اخرج الى الدكان لأحضر شيئا تتناوله مع الشراب ؟
جعلت الاثارة لورا كفتاة صغيرة . لقد وقعت ابنتها اخيرا في الغرام وستتزوج برجل يعجبها هي وامها وفوق ذلك ستتمكن من العوده الى قصر ستدلي من جديد وتحاول تحقيق حلمها بأنشاء دار حضانة للاطفال .
- لا , لا داعي لذلك سنشرب كأس عصيرونخرج بعدها انا وجيثرو لأننا نريد ان نقضي الامسية وحدنا .
قالت هذا بحزم وهي تضغط بأصابعها على جبينها المتألم فشخرت فران التي كانت جالسة عند النافذة تقرأ صحيفة المساء باستهزاء .
عليها ان تبعد جيثرو من هنا وتعود الى شخصيتها العادية هادئة منضبطه متحفظة فلم تعد بحاجه الى تمثيل أي دور لأجله .
كانت مسرورة لتغلبها على هذا الموقف فلورا تحسبها قد وقعت في شباك جيثرو , الذي اعجبها منذ البداية منذ حملها على الرصيف وكانت سعيده وعند العصر خرجتا معا اى السوق واختارت آلي شيئا تلبسه في الاحتفال اذ ادعتان ليس لديها شيئا مناسبا وحذت لورا حذوها .
عندما لاحظت آلي فرحة امها وهما تجربان القبعات على رأسيهما ادركت انها على صواب كان من الصعب عليها ان تتظاهر بالاهتمام وتناقش المقارنة والافضلية بين طقم قصير كلاسيكي من الحرير القاتم الزرقة وثوب بسيط من الكتان البرونزي اللون فوقه جاكيت مستقيمة فهي تعلم ان أي شي قد يكون مناسبا شرط الا ترتدي سروال جينز وقميصا مقفلا .
ولكن ما ينتظرها هو ان تلعب دور العاشقه امام فران الساخرة ولورا الشغوف فأخذت راحتاها تنضحات عرقا وقلبها تتسارع خفقاته مع اقتراب موعد وصوله .
وضعت فران جريدتها جانبا ونظرت الى ساعتها :
- لقد تأخر .
فقالت لورا بجفاء :
- 10 دقائق فقط .
فهي لم تصفح لها بعد عن ردة فعلها تجاه النبأ اذ قالت بحده :
- فليكن الله بعوننا يا آلي . هل جننت ؟ انك لا تعرفين هذا الرجل جيدا وربما سمع عما ستكسبينه من مال اظنه سيحوم حولك سنتين وينتزع منك ما يستطيع انتزاعه ثم ينبذك ولا شك انه ينبض بالرجوله ولكن ليس من الضروري ان تتزوجيه .
مرت الدقائق ببطء مؤلم وآلي تعلم انه ان لم تتوقف فران عن النظر الى ساعتها كل ثانية ووالدتها عن تسوية الوسائد واصلاح الستائر من حين الى آخر فستنفجر غضبا .
وفجأة ازداد توترها وشعرت بالهزيمة لن يأتي.. لقد هرب.. وبدد امالها كلها .
ولكن عندما دخل المنزل بطلته الوسيمة بلغ منها الارتياح مبلغا فابتسمت له مرحبة بشكل تلقائي .
كان انيقا بقميصه الابيض المقفل الذي يبرز تفاصيل صدره الرحب ويعكس سمرة بشرته وبدت ساقاه اكثر طولا في بنطلونه الجينز الاسود المرتب .
ومع انه انتبه الى نظرات فران البارده الا انه لم يأبه لها وتقبل عناق لورا وتهنئتها وبظرف وكياسة بدت طبيعية فيه ثم تقدم الى آلي التي كان قلبها يخفق بشدة بين ضلوعها حتى يكاد كل من في الغرفة يسمعه .
- هل افتقدتني ياحبيبتي ؟
كانت لهجته الرقيقة العذبة تقطر ثقة بالنفس ومد يده الضامره الى يدها فأخذ قلبها يخفق ذعرا .
لم يكن من بد من هذا التماس بينهما لا سيما انهما في الغرفة نفسها مع امها وخالتها . ولم يسعها سوى الابتسام مردده في نفسها بأنه يؤدي دوره , وان ذلك اللمعان الخبيث في عينيه مرده الى الشيك الدسم الذي سيقبضه .
كانت قد قررت ان يغادرا المنزل فورا وارتشافهما العصير الذي اصرت لورا على تقديمه .
- عصير ياعزيزتي .. ام تراكما حلقتما فوق السحاب ؟
اخذت آلي تفكر مشوشة الذهن , بالعصير الذي اعدته لورا وهي تقاوم الرغبة بالابتعاد عنه .. لم تعلم ما الذي تملكها .. ولم تتصور يوما انها قد تسمح لأي رجل ما بأن يقترب منها ولا يجوز ابدا ان تعرض آلي برانان نفسها لهذا النوع من الاخطار .
لكن الامر لم يكن عاديا انه مجرد تمثيل ومن الضروري ان تؤدي دورها بمهارة حتى تصدق امها نسيج الاكاذيب الذي نسجته .
قالت لورا:
- هلا سكبت العصير ياجيثرو ؟ فأنا لست ماهرة في ذلك .
ثم ناولته ابريق العصير ولكن فران نهضت عن كرسيها قائلة بجفاء :
- دعيني اهتم بالامر , من المؤسف افساد احلام الحب الغضة التي لا تصمد عادة لمدة اطول من شهر العسل .
كان من الاسهل لها ان تتجاهل تعليق خالتها اللاذع اكثر من ضغط يد جيثرو على ظهرها وهو يشدها اليه .
دفعته عنها خلسة ثم مدت يدا مرتجفة الى الكوب قائلة :
- رشفة واحده تكفي يافران .
عليهما ان يغادرا المكان وبسرعه فتقف عندها على ارض صلبه ويتبدد الضباب المزعج من امام ناظريها ففي تلك اللحظة كانت تشعر وكأنها ترى الاشياء من خلال ستارة متأرجحه .
- وقطرة واحده لي ايضا .
قال جيثرو ذلك بأسف فتنهدت آلي بارتياح لأنه اراد بدوره الانتهاء من هذه التمثيلية المفروضة عليه ثم تابع قائلا :
- فانا لم اتناول شيئا منذ الفطور .
- اواه يا آلي كيف امكنك هذا ؟ قلت لي ان جيثرو لن يشاركنا العشاء .
ثم توقفت لورا عن تعنيف ابنتها والتفتت الى صهر المستقبل وهي تبتسم له بحنان الام قائلة :
- ساعد لك العجه اتفضلها بالفطر ام بالجبن ؟
شعر بجسم آلي اللين يتصلب بجانبه وسمع صوت انفاسها المتسارعه التي مالبثت ان توقفت واحس برغبة جامحه بقبول هذا العرض فإن طالت زيارته فستجد آلي نفسها مرغمة على الاستمرار بلعب دور زوجة المستقبل العاشقة امام اسرتها .
لكنه اكتفى بذلك في الوقت الحالي وان سعي للمزيد فستكرهه .
امسك بيديها وقال بابتسامة رقيقة :
- شكرا يالورا لكننا انا وآلي سنتناول طعاما خفيفا في المدينة .
وزال التوتر عن وجهها الناعم واسترخى فمها الجميل بابتسامة صغيرة وكان هذا تعويض كاف .
ثم اضا ف ببطء وبطريقته الماكرة في الاخذ بالثأر :
- علينا ان نناقش امورا كثيرة فقد حصلت على رخصة خاصة وسيقام الزفاف غدا عند الـ3 عصرا .
واذ رأى الذهول يلف الجميع نظر الى الام والخالة بعينيه الذهبيتين الضاحكتين وقال :
- ارجو ان تساهما في نجاح هذا الحفل وتباركا سعادتنا عندما نعقد القران .
6- خائفة من شيء ما
سألته بارتياب :
- هل انت واثق من ان هذا الشيء سيوصلنا الى هناك ؟
وضمت حولها تنورة طقمها الازرق التي تزوجت بها لتتمكن من الصعود الى سيارة الفان القديمة المحزنة الشكل .
لم تكن ترغب في الذهاب الى رحلة شهر عسل زائف او حتى قضاء الجزء الاول منه في سيارة متداعية في مكان منعزل .
حول جيثرو عينيه عنها وهو يتاوه انه يوم زفافه وهذه السيده الرائعه الجاذبية هي عروسه مع انها لا تنظر الى الامر من هذا المنظار لكنها ستفعل ذات يوم وهو يقسم على ذلك .
- لعلها متداعية ولكنها صالحه للاستعمال.
قال ذلك بصوت مختنق اذ كانت تدور في داخله معركة شرسه مع مشاعره الجامحه ... عندما طلب جيثرو من هاري ان يستعير الفان سأله وقد تملكته الحيرة عما يدفعه لأخذ الفتاه المسكينه في رحلة شهر العسل في تلك السيارة المتداعية بينما سيارته الجاغوار الجديده يلفها الغبار ؟
وسألته المربيه بدورها :
- لماذا هذه العجلة في الزواج ؟ ولماذا تخفي شخصيتك الحقيقية ؟ ولماذا تدعي انني جدتك ؟ هذا لا يعجبني ياسيدي الصغير.. تبدو لي مخادعا وانا لم اعهدك كذلك من قبل .
لكنهما احسنا التصرف اثناء الاحتفال المدني القصير اما لورا فكانت تبدو مغتبطه للغاية وهي تكفكف دموع الفرح في عينيها . وحدها فران كانت تصدر الملاحظات اللاذعه فتسأل عما دفعها لحضور الاحتفال وجل ما فعلته هو السخرية .
بعد ان انتهى الاحتفال وضعا الحقائب في الجزء الخلفي من الفان وانطلقا معا لقضاء اغرب شهر عسل في التاريخ .
وانطلقا بالسيارة وسمع آلي تتنهد فاعتصر قلبه الالم كان يحلم بعرس حافل ليفتخر امام العالم كله بعروسه الجميله بدلا من عقد زواج مدني لم تتعد مراسمه بضع ثوان .
كم تمنى ان يهرب بها الى جزيرة منعزلة ويغرقها بالهدايا ويرويها من نبع حبه العميق وكم تمنى ان يطوق عنقها الجميل بالماس ويزين اصابعها بالخواتم الثمينه والذهب .
فذلك المحبس النحاسي زهيد الثمن ويرى فيه اهانه لجمالها الرائع , وانكارا محزنا لقيمتها لديه .
ولكنه ارا منها ان تحبه لذاته وليس لملايينه ولتحقيق هدفه عليه ان يتحلى بالصبر كما كانت مربيته تقول .
- ليس من الضروري ان نذهب الى شهر عسل . كان لطفا من صديقك ان يعيرنا كوخه الريفي ولكن بما اننا لن نمضي شهر عسل بكل ما للكلمة من معنى فلا ارى ضرورة لذلك ما رأيك لو نذهب الى لندن ؟ لقد اتفقنا على استعمال شقتي طوال مدة زواجنا . كما علينا الاتصال بمحامي فابيان لاعطاءه شهادة الزواج .
فأجابها بثقة :
- امامنا وقت كاف لهذا.. يمكنك ان تتصلي هاتفيا من الكوخ لتحديد موعد . امامك 3 اسابيع لتلوحي في وجهه بالاوراق مطالبة بميراثك .
وقعقع المحرك وهو يشق طريقه نحو الطرق الجانبيه فهو لن يتجه ابدا نحو بيتها في لندن .
الليلة الماضية وبعد مغادرتها المنزل راحت تصف له شقتها الصغيرة المؤلفة من غرفة نوم شبيهة بالخزانه وغرفة جلوس فيها اريكة تصلح سريرا يمكنه ان ينام عليها . ففي المناسبات النادرة التي كانت تأتي فيها امها لزيارتها كانت هي نفسها تستعملها ولكنها غير مريحه بعض الشيء .
قلما يهمه ان يعيش في شقة صغيرة وينام على فراش قاس , طالما سيكون معها والى جانبها ولكن عند عودتها الى لندن ستحاول ان تتغيب قدر الامكان كان يعلم انها ستفعل ذلك فما ان ينتهي عملها مع المحامي حتى تهرع لتناول الغاء مع وكيلة اعمالها وقبل ان يعي هو ما يحدث تكون قد رحلت الى اخر الدنيا لعرض الازياء
مبتعده قدر الامكان عن زوجها غير المرغوب فيه لكنه لسوء الحظ زوج ضروري .
كان بحاجه الى اسبوعين بمفردهما حتى تغير رأيها بالنسبة الى دوره في حياتها . وما ان يحقق مآربه بنجاح ستكون اريكة النوم تلك والحياة المنفصلة اخر ما تريده .
- فكري بالامر لقد سبق ان اخبرت امك ان زميلا لي في المدرسه قدم لنا منزله الصيفي في الريف لنقضي في اسبوعين ..ولا تنسي انها اخذت رقم الهاتف واذا حاولت الاتصال بنا ولم يرد عليها احد فتساورها الشكوك لتكتشف لا حقا اننا اهملنا فرصة قضاء شهر العسل منعزلين في الريف .
اقرت آلي بانه على صواب وتملكها الخوف عليهما ان يتجنبا كل ماقد يثير ارتياب امها بشأن دافها الحقيقي للزواج به .
وذلك حتى تعود لورا الى ستدلي بسلام . فبعد مرور عام قد تصدق ان زواجهما لم ينجح .
كانت العزلة الرفيية هي التي تخيفها ففي لندن يمكنها ان تبتعد عنه معظم الوقت فتعود الى مزاولة عملها وتنشغل به عنه وتتحمل مسؤولية نفسها من جديد .
اذ منذ اتفقا على الزواج وهو يتولى زماما الامور فقد اسرع بعقد الزواج مخبرا لورا بأن لا فائده من المماطله ماداما يعلمان انهما سيمضيان حياتهما معا . واتصل بزميل قديم له يطلب منه ان يعيره منله الريفي لأن وضعه المادي لا يخوله قضاء شهر عسل في فرنسا او الجزر الكاريبيه .
- هل هو منعزل كليا ؟
سالته ذلك وهي تحاول ان تطمئن نفسها بأن ليس هناك ما يدعوها للارتياب لأنهما اتفقا على ابقاء الزواج صوريا ولا تظنه قد يحاول شيئا معها .
فأجابها بمرح :
- لن يقلق راحتنا سوى زقزقة العصافير ورفرفة الفراشات وطنين النحل .
فأخذ قلبها يخفق بعنف وهي تسأله بيأس :
- الا تشعر بالسآم البالغ حين لا تجد شيئا تعمله ؟
وارتجفت وسرت قشعريرة في جسمها عندما التفت ليرمقها بنظرة قصيرة مدمرة وقد التوى فمه وبان المكر في عينيه ثم قال لها بلطف :
- ساجد ما افعله , ويمكنك ان ترهني على ذلك .
وجدت ان من الحكمة الا تتفوه بكلمة اخرى بقية الرحله . لم يكن في الواقع يعني شيئا كان يغيضها فحسب مازحا مرفها عن نفسه على حسابها .
تمنت الا يستمر على هذا المنوال خلا الاسبوعين القادمين فهي قد تجن ان فعل واخترق الصمت بقوله :
- كدنا نصل .
كانا يهبطان تدريجيا مرتفا شديد الانحدار ويجتازان طريقا وعره يحدها صفان من الشجيرات تكاد تنعقد فوق الرؤوس حاجبه نور الشمس انها حدود اقليم وايلز الريفية حيث تطري الغربان بدا الريف شاعريا حقا .
لم تشا ان تفكر في الشاعريه لكنها لم تستطع منع نفسها من ذلك وقد وجدا نفسيهما اخيرا امام سور حديقة مرتفع له مدخل مقنطر لاح منه جزء من كوخ حجري اكبر مما كانت تتصور وكانت الورود تحيط ببابه الخشبي الواسع ونوافذه التي كان زجاجها يلمع تحت اشعة شمس العصر .
- هذا رائع !
رغم صمتها المطبق ازاء قدوم الى هنا لم تستطع آلي كبح آهة الاعجاب مما استطاعت ان تراه من الحدائق الواسعه والكوخ بطراز سطحه المائل الذي يبدو ان صديق جيثرو فضله على غيره ولو مالت بعنقها لرأت الممر المقنطر في الجدار الحجري المرتفع الذي يحد مروجا فسيحه واشجارا كثيفه وتلالا بعيده .
كان مكانا رائعا لقضاء اشبوع او اثنين , ينعم فيه المرء بالسكينه ويتمرغ في صفاء جنة عدن ولكن توترها تفاقم عندما استدار جيثرو حول الفان وفتح لها الباب لتترجل .
لو انه حاول ان يلمسها لأفسد جمال المشهد , وبدد نشوة السكون التي تغمر هذا المكان السحري التقطت انفاسها وقد تملكها التوجس مما ينتظرها فبعد ذلك المشهد المسرحي الذي لعبه الليلة الماضية امام امها واخالتها ادركت ان اقل لمسه منه كفيلة بأن تضرم النيران في عروقها.
لكنه لم يحرك ساكنا ليساعدها على النزول وانما فتح الباب ومد يده ليحمل الحقائب الملابس وبينما كانت مستغرقة في تأمل المكان باعجاب .
تركها تتأمل وحمل الحقيبتين متجا الى باب الكوخ لقد استطاع بشكل ما ان يجد وقتا ليبتاع بذلة تليق بالمناسبة بدت جديده دون شك ولكن التفصيل غير المتقت والقماش الرخيص لم يقللا من شان الحسم الرائع تحته او من رشاقة تحركاته .
ابتلعت آلي غصة وهي تتبعه .
فتح الباب الضخم ثم عاد يحمل الحقيبتين ويدخل وهو يدعو الله ان يكون خدمه قد امتثلو لأوامره اذ أي اغفال منهم كفيل بأن ينسف خطته من اساسها .
لم يكن قلقا بشأن جيم البستاني فهو جدير بالثقة ولا يحشر انفه في ما لايعنيه وهو لن يقترب من المنزل خلال هذين الاسبوعين لأن رب عمله امره بذلك ولكن ايثل مدبرة المنزل التي تتولى شؤونه اثناء غيابه ستتشوق لمعرفة السبب الذي جعله يطلب منها ان تملأ الثلاجه وغرفة المؤن وتغيب عن المنزل لفترة اسبوعين .
لكنه لا يستطيع منعها من التسكع قرب الكوخ متظاهره بانها تغادر المنزل بعد الامتثال لأوامره بتموين المكان بالطعام والشراب وعيناها السوداوان تلتمعان بالفضول الانثوي وهي تنتظر لترى لماذا يريد الانفراد بنفسه في البيت او ما اذا كان برفقته احد ما ؟
سار مباشرة نحو المطبخ فشعر بالارتياح اذ وجده خاليا ثم عاد ليحضر آلي التي كانت تتسكع في الردهة وهي تدير في اصبعها محبس الزواج المبهرج الخالي من الذوق .
شعر بالعطف نحوها كان التوتر يسيطر عليها بعد ان فقدت الهدوء الاسطوري ونفورها من الرجال الذي كان طبيعة فيها وليس تظاهرا كما اكتشف بنفسه .
رفعت بصرها لتراه امامها وحاولت ان تبتسم ولكنها عادت وترددت خائفة واخذت تلوك شفتها السفلى فسأل نفسه : لماذا ؟ لماذا هذا الخوف ؟ في الماضي نجحت في رفض محاولاته الخثيثة لدعوتها الى العشاء معه وهو لا يذكر انها خرجت عن هدوءها وانضباطها الا حين توهجت خجلا وهي تطلب الزواج به .
لعله نزع عنها احدى تلك الطبقات التي تحمي القلب .. او لعل شوقه اليها تسرب الى قلبها .. اوا لعلها شعرت بتجاوبها معه فخافت .
بدا له هذا منطقيا . وشعر بالرضا فارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة سرعان ما محاها , اذ ادرك ان من الافضل له الا يستعجل الامور .
تنحنح بحده ومد يديه الى الحقيبتين ثم صعد بهما على السلم الخشبي المصقول وهو يقول :
- تعالي واختاري غرفة لك يا آلي قال لي بيل اننا سنجد الكثير من الطعام والسراب في الثلاجه وغرفة المؤن .
- كم غرفة هناك ؟ انه اكبر بكثير مما كنت اتصور .. حين قلت انه كوخ للعطلات تخيلت انه مؤلف من غرفتين في الطابق السفلي وغرفتين في الطابق العلوي , في بقعة معشوبة .
كان كعب حذائها يوقع على الارض المصقولة ايقاعا انثويا جميلا وبدا صوتها لا هثا مضطربا على الرغم من ان السلم لم يكن عاليا الى ذلك الحد وارجع هو ذلك الى شعورها بالارتياح لأنها تعلم انه لن يخون العهد ويطلب منها ان تشاركه غرفته اخذ يفكر بذلك بجفاء فهو ليس غبيا لكي يطلب منها ان تشاركه كهذا , خصوصا في هذه المرحله الا انها كانت تجهل نواياه .
وقف ينتظر وصولها عند قمة السلم ثم قال لها بمرح :
- كان هذا الكوخ بيتا ريفيا مهملا ومهجورا عندما ....
ماهو الاسم الذي اطلقه على زيل الدراسة ذاك! اوه لقد نسيه ! على الكاذب الناجح ان يكون قوي الذاكرة والواقع انه يتحلى عادة بذاكره قوية , ولكنها خانته الآن . وانهى كلامه قائلا :
- عندما اشتراه صديقي .. انه يحوي غرف نوم .
وفتح لها باب امامه وهو باب غرفة اخته الصغرى كلو التي تستعملها حين تتمكن من الابتعاد عن اصدقاءها :
- يمكنك ان تختاري سواها لكن لهذه الغرفة حماما خاصا .. لعلك لا تفضلين مشاركتي الحمام الرئيسي .
كان مسرورا للهجته العقلانية التي تلكم بها ومحاولته مراعاة مشاعرها . ولكن النظرة الغريبة التي بدت في عينيها حيرته اذ قطبت جبينها ومال رأسها الجميل جانبا وكأنها تفكر مليا .
- يبدو انك تعرف المنزل جيدا , هل تأتي اليه غالبا ؟
- ليس قدر ما اشاء .
لم يكن يردها ان تكثر من الاسئلة عن علاقته بصاحب هذا البيت لكنه رد على هذا السؤال بسهولة وفي مطلق الاحوال هو لم يقل سوى الحقيقة وفيما بعد حين تطلب منه الا يفترقا ابدا سيترددان على هذا المكان كثيرا . قد يجعله بيته الاساسي ولا يسافر الى لندن الا عندما يشاء ويصطحبها معه طبعا اما منزل لندن فسيحتفظ به للحاجة ولا شك ان هذا المنزل الريفي ملائم جدا لتربية اولادهما .
يا الهي ! غطى ضباب احمر ناظريه وهو يفكر في انجاب اطفال منهما حاول ان يهدئ من جنوح مخيلته .
سألها بصوت ابح :
- حسنا ؟ هل تريدين ان تري الغرف الاخرى ؟
اتسعت عيناها لتشتبكا بعينيه ووجدت نفسها عاجزه عن تحويل نظراتها عن هاتين العينين الذهبيتين العميقتين السوداوي الاهداب .
كلامه كله منطقي ولكن شيئا في صوته جعلها تشعر بالوهن والانوثة البالغة
ثمة شيء يحدث بينهما وهي تشعر بذلك انه شيء لا تعرف ما هو . شيء يجعل الجو بينهما يتارجح بين الطنين الرقيق والوخز الحاد .
رفعت اخيرا عينها عن تينك العينين الذهبيتين المغناطسيتين وقالت بصوت حاد مرتفع :
- لا ... لا ابدا هذه الغرفة ممتازة .
وكادت ان تقع على الارض وهي تسرع الخطى غاضبه من نفسها لترفاتها الساذجه .
قال لها جيثرو :
- اراك فيما بعد اذن .
ثم ترك الغرفة مغلقا الباب خلفة فانهارت على غطاء السرير المطرز بالازهار وهي تشتم نفسها .
لم تكن تعلم ما يجري لها . لماذا تعجز عن التفكير بوضوح؟ ولماذا تتصرف كمعتوهة وتتكلم بصوت مرتفع وتتعثر في سيرها او تتصور شررا يتطاير في الجو بينهما ؟
اخذت تدير في اصبعها المحبس المعدني الرقيق هل هو حقا مصنوع من النحاس ؟ وتملكتها رغبة جنونية بأن تخلعه وتقذف به الى اخر الغرفة ثم تأوهت بحده : مالذي حدث لها بحق الجحيم ؟ فهي التي طلبت من ان يتزوجها عارضه عليه ذخيرة العمر .
كان هو بحاجه الى المال وكانت هي بحاجه الى زواج صوري لتسلم امها مفاتيح قصر ستدلي وتخبرها بأنه ملكها لتفعل به ما تشاء .
لقد عقدت صفقه مع جيثرو وهو ملتزم بها حتى الآن . ولكن استغلاله منزل صديقه الصيفي ليمضي فيه شهر عسل وهمي يزعجها ولكنه منطقي كما اوضح لها . ولقد كان شهما للغاية عندما عرض عليها الغرفة الوحيده ذات الحمام الخاص ليجنبها الحرج اذا ما اصطدما ببعضهما بالصدفة .
فلماذا كل هذا التشكك, اذن ؟
ليس هناك من سبب واضح بل لا سبب على الاطلاق .
صحيح انه اخذ يتسكع حولها منذ اسبوع يثرثر معها وصحيح انه كان معجبا بها , ولكن المسآله لم تكن جاده وليس بينهما من التزامات فما عرضته عليه اخمد أمله بامضاء امسيات صيفيه مرحه معها لأن النقود هي اكثر اهمية عنده . وهذا بالضبط ما توقعته .
عليها ان تكف اذن عن التفكير بالامر وتصور اشياء لا وجود لها .
نهضت عن السرير واخذت تتفحص الغرفة لتبعده عن ذهنها . بدت الغرفة الجميلة وكأنها صممت لامرأة فالقماش منقوش بالورود والسجاده وردية اللون والجدران تبنيه والاثاث اثري الطراز اما الحمام فصغير ولكنه يحتوي على كل ما تحتاجه المرأة .
لابد ان صديقه ذاك رجل سخي ليطلق يد جيثرو في بيته الجميل . اخذت تفكر في ذلك وهي تفرغ ملابسها التي كانت تحتفظ بها في منزل امها لتستعملها اثناء زياراتها لها .
وضعت على السرير بنطلون جينز ازرق وقميصا قطنيا لترتديهما وهي تفكر بأنها ستسأله عن صديقه ذاك, وعمله وزوجته وابنته صاحبة الغرفة .
كان هذا موضوعا ملائما يمكنها التحدث فيه اثناء الساعات الطويله التي ستمضيانها في هذه العزلة .
بعد ان خلعت طقمها الازرق غسلت وجهها واسنانها وقررت ان تستحم بعد العشاء مباشرة لتنام باكرا فتختصر بذلك الوقت الذي عليهما ان يمضياه معا وتعود في الوقت نفسه الى شخصيتها الطبيعية هادئة متحفظة منضبطه المشاعر .
كانت تفكر في ذلك وهي تزرر قميصها وتضم شعرها الى الهلف بشريطه قديمة .
ثم فتحت باب الغرفة وذهبت تبحث عنه .
لقد عاد اليها انضباطها .
ولا شيء يمكن ان يغير هذا ... ابدا .
7- بذور الغيرة
خرجت من غرفتها رافعه الرأس وقد ضاقت عيناها وبان العزم على وجهها واذا بها تصطدم بجسم جيثرو الدافئ الذي ينبض حيوية ورجولة .
شهقت بعنف وهو يطوقها بذراعيه حتى لاتقع وبذلك ذهب كل تصميمها على العودة الى طبيعتها هادئة متحفظة منضبطة مع الربح .
ولاحظت انه بدل ملابسه وارتدى قميصا ابيض التصق بحسده الذي كان لا يزال مبتلا بعد الحمام .
شعرت بالارتياح الشديد عندما قال:
حافظي على توازنك .
ثم ابتعد عنها واضاف بمرح :
- كنت ذاهبا لأعد العشاء تعالي معي يمكنك ان تعدي المائده وتجلبي الشراب .
وراح ينزل السلم غافلا عما تركه خلفه من اضطراب نفسي . واخذت تفكر وهي تتبعه ببطء ان لديه اولوياته ومنها ان يملأ معدته بالطعام بدلا من ان يغدق عليها بحنانه .
اما اهتمامه بها قبل عرضها الزواج عليه فسرعان ماتحول الى حب للمال فحسب .
ينبغي ان تكون ممتنه لذلك وليس متكدرة.
دخلت الى غرفتها لتعود وتنزل الة المطبخ بعد 5 دقائق ,حامله الشيك . صحيح ان المبلغ يقفل حسابها في المصرف لكن الامر يستحق العناء لأنه سيمنح امها الحق في العودة الى ستدلي كما يؤكد على ان سبب وجودهما هنا معا لا يتعدى المصلحة التجارية .
وضعت الشيك على حافة المائده حابسة انفاسها بصمت.. لابد انه سمع حركاتها , لانه استدار ليقول بمرح :
افتحي زجاجة مرطبات من فضلك . تجدين الاشربة المحلاة في غرفة المؤن .
واشار بالملعقة الخشبية ناحية باب بجانب المدفأة ليعود ويركز انتباهه على الطعام الذي يعده محركا مقلاة تفوح منها رائحة بندورة مع الثوم .
لم تشأ ان تناقشه فقد كانت تنوي ترك المطبخ بنفس الهدوء الذي دخلت فيه وتذهب بعدها في نزهة طويلة سيرا على القدمين اذا ارادت الانفراد بنفسها .
لكنه تنبه الى صمتها ذاك. ولهذا لم يكن عليها ان تشعر بالحرج وستبقى لتناول الطعام معه . بهذه الطريقة ستتمكن على الاقل من ان تثبت لنفسها بأنها استعادت رباطة جأشها مرة اخرى وكسبت المعركة .
كان رف الاشربه المحلاة بالسكر مزدحما وشعرت آلي بالانزعاج وهي تختار زجاجة مرطبات .
- لا يمكننا ان تستفيد مؤن صديقك .
قالت له ذلك بخفة وهي تعود الى المطبخ:
- هل من متاجر قريبة من هنا ؟ يمكنني ان اعيد له ما استعملناه واشتري ما يلزمنا من حاجيات .
هنأت نفسها لنجاحها في التحدث بهدوء واتزان , واضافت باختصار:
الشيك على المائدة واظنك تحب ان تدخله في حسابك في المصرف في اسرع وقت ممكن .
لم يكن بامكانها ان تجد كلمات افضل لعرض الجانب التجاري من علاقتهما فإن لاحظ لهفتها اليه, فسيدك توترها وهي لا تحتمل ان يظن انها مفتونه به . لأنها ليست مفتونه به , حسنا ليست مفتونه به تماما.. بل ليست مفتونه به على الاطلاق !
- القرية تبعد 5 اميال من هنا والمتجر الوحيد لا يقدم سوى السمك والبطاطا المشوية .
ونظر اليها وهي تفتح الادراج ووجهها الجميل خال من أي تعبير .
كم صعب عليه ان يبتعد عنها . ولكنه قرر الانتظار حتى يكسب ثقتها واحترامها فهو يريد منها ان تقع في غرامه وتشاركه احلامه بشأن مستقبلهما معا قبل ان يغويها .
قال لها :
- يمكن لذلك ان ينتظر .
فهو لن يمس ابدا قرشا من مالها ثم اخذ يسكب الطعام وهو يضيف قائلا :
- لا يمانع بوب ان نأكل طعامه .
توقفت عن فتح الزجاجه ونظرت اليه بازدراء لقد فات الاوان فلا بد ان كلماته جعلته في عينيها اكبر طفيلي في العالم وبهذا الطريقة لن يكسب احترامها ابدا !
لكن كلماتها جعلته يتأكد من ان حبه لها القى بعقله في غيبوبة...
- في المرة الاخيرة التي تحدثت فيها عن صديقك قلت ان اسمه بيل .
تآوه مبتسما وهو يأخذ الزجاجه من يدها ويفتحها :
- بيل , بوب لطالما كره هذين الاسمين ولم يستطع قط ان يقرر ايهما يفضل لذا كان يجيب على الاسمين .
رأت هذا معقولا الى حد ما خصوصا انه زال الشك الذي تملكها بأن صديقه مجرد خدعة وقد اكتشف بشكل ما ان اصحاب هذا البيت غائبون فأراد ان يستقل غيابهما .
لم تشأ ان تسيء الظن به فلا تحسبه انسانا مخادعا يستغل الفرص المتاحه امامه . كان هذا الامر بالغ الاهميه بالنسبة اليها وان لم تكن تعرف لماذا,ومع ذلك نظرت اليه يسكب الشراب ثم سألته :
- ماهي شهرة بوب ...بيل هذا ؟
لم يكن ليلومها على شكها فخطر على باله اسم مساعده الشخصي الذي لا يمكن ان ينساه ابدا فأجابها قائلا :
- ابوت .
رباه كم يكره هذه اللعبة الملتوية الغبية !
شعر للحظة برغبة جامحة في الاعتراف بالحقيقة لكنه ان فعل فستتساءل هي عن السبب في قبوله الزواج بها ما دام لا يحتاج الى نقود وعندها ستهرب منه لأنها لا تريد حتما ما يريد وهو الزواج الفعلي القائم على الحب .
ليس حاليا ولكن هذا سيحدث عند ذلك سيخبرها بالحقيقة راجيا ان تسامحه لهذا الخداع وتفهم سببه , وقال يدعوها :
- كلي .
وعندما جلست قالت
- خبرني عنه .
ولأنه كان جاهزا لهذا السؤال اجابها :
- ماذا تريدين ان تعرفي ؟
واخذ جرعه كبيرة من كوبه فالفضول يعشعش في عقول النساء ولا شك انها سترغب بمعرفة كل تفاصيل حياة بيل ! ماعليه سوى ان يحدثها عن صديقه المزعوم ذاك واصفا لها نفسه . لن يختلق لها المزيد من القصص لأنه يعرف حق المعرفة انه لا يصلح لتلفيق الامور .
- كل شي .
اجابت بذلك مصممه على ملء الوقت بالحديث عن شخص لم تعرفه من قبل فذلك افضل من هذا الصمت المزعج الذي قد يدفعها للمجازفة بخوض غمار المسائل الشخصية .
- كما تشائين .
قال ذلك مذعنا فقد سبق له ان توقع هذا كما ان ذلك سيوفر عليه الوقت عندما تدق ساعه الحقيقة ويكشف لها عن شخصيته الحقيقية .
عندما يحين ذلك فهذا انها وقعت في غرامه ولن يضيع بعدها الوقت في احاديث لا طائلة منها بل سيطلب منها ان تعود الى الحديث الذي على وشك ان يتبادلاه ..
افرغ كأس المرطبات بسرعه محولا عينيه عنها وهي تلمس جانب فمها مستدركة قطرة مرق ثم التفت الى طعامه وهو يروي لها سيرة حياته .
- انه في مثل سني تعلمنا في المدرسة الرسمية نفسها وتخرجنا من الجامعه نفسها .
هذا يفسر النبرة المثقفة في صوته فقد حصل على ثقافة جيده فلماذا ينتهي اذن بعمل تنظيف النوافذ , وفي سن الـ 34؟
ذات يوم في المستقبل وقبل ان يفترقا ستسأله عن ذلك . عادت تركز انتباهها الى كلامه من المفرتض ان تستمع الى سيرة صديقه العطوف , لا ان تتأمل صفاته هو .
- حين كان في الجامعه حاول العمل في سوق الاسهم , ولكن وقعت ازمة سنة 1987, فباع اسهمه كلها باسعار مرتفعه جدا وحول المبلغ البسيط الذي انفقه الى ثروه متواضعه. واخذ بعد ذلك يشتري محلات تجارية فاشله ويحول نوع تجارتها الى نوع اخر , ثم يبيعها فأصبح اليوم مالك امبراطورية تغطي الكرة الارضية ويعتبر من اغنى رجال هذه البلاد .
- حسنا فعل .
قالت ذلك صارفه النظر عنه تقريبا .
- ولكن ماذا عن اسرته ؟ والديه , زوجته , اولاده ؟
ضاقت عيناه واعاد ملء كوبيهما معا . من الواضح ان قصص الثروات لا تهمها . كانت اعين النساء اللواتي عرفهن تتألق اهتماما وجشعا, ولكن حبيبته آلي تهتم اكثر بالناحية الانسانية من الرجل . فدعم هذا في نفسه رايه السابق في انها المرأة الوحيده التي تناسبه.
وهو سيخبرها الآن اشياء عن حياته الماضيه لم يسبق ان اخبرها لأحد من قبل , من دون ان تعلم طبعا, انه يتحدث عن نفسه , وليس عن صديقه . ولكنه على كل حال شعر بالارتياح وهو يفتح لها قلبه .
- كنت ...
وتوقف عن الكلام عليه ان يتذكر انه لا يتحدث عن نفسه .
- عاش مع والديه في منزل يمكنك اعتباره فخما نوعا ما . ولكن من شدة انشغالهما لم يكن الوالدين يمضيان مع ابنهما وقتا كافيا. وقبل ان يلتحق بالمدرسه التمهيديه لم يكن يخرج الا مع مربيته في نزهة على الاقدام .
فقالت آلي برقة دمعت عيناها :
- آه , ياللطفل المسكين ! لا بد انه شعر بوحده بالغة .
صحيح انها كانت تبذل جهدها إخفاء مشاعرها المتأججه خلف مظهرها البارد , الا انه كان لها قلب حنون ورقيق . فامتلأ قلبه حبا لها وارغه نفسه على التمسك بكرسيه حتى لا يقفز ويأخذها بين ذراعيه .
قال لها بصوت خشن ردا على رقة قلبها :
- هذا ليس صحيحا ابدا منحته مربيته بريغس كل ما هو بحاجه له فعلمته الا عتماد على النفس والفرق بين الخير والشر . كانت حازمة معه انما بعدل فوهبته حنان الام من تلك المرأة الجميلة التي نادرا ما لاحظت وجوده اذ كانت دوما مشغولة بقضاء اوقات ممتعه وباحثه عن اعجاب الرجال .
سألته والتفكير يبدو في عينيها الزرقاوين العميقتين :
- هل تعرف امه ؟ يبدو وكأنك تعرف الكثير عنها .
- لم ارها سوى بضع مرات .
قال ذلك باقتضاب وهو يدرك انها الحقيقة ... ذكريات غامضة ونادرة لا مرأة رشيقة وانيقة تفوح منها روائح العطور الثمينه , وتطلق ضحكات رنانه مرحه خالية من أي عاطفة .
وقبل ان تبدأبطرح الاسئلة عن علاقته بصديقه بعد المدرسه اضاف قائلا :
- كان في 12 عندما ولدت اخته كلو وبعد مرور شهر تقريبا اختفت والدته وعرف فيما بعد ان والد ابتها تلك ثري يوناني , وان كلو في الوواقع نصف اخت له ثم وقع الطلاق بينها وبين ابيه الذي انطوى على نفسه وبدأ يميل الى الانعزال عن الاخرين وعندما كان بيل يعود الى بيته خلال العطل الدراسية كان يلاحظ ان اباه يتجاهل كليا كلو وهذا امر طبيعي اذا اعتبرنا انو زوجته القت بالطفلة على كاهله وهربت مع الرجل الذي بامكانه انفاق مزيد من المال عليها .
منتديات ليلاس
- ولكن الذنب ليس ذنب الطفلة !
اعترضت آلي بحراره .. مساكين الاطفال ما افضع الا يغدق الوالدان حنانهما عليهما ! وكم هي محظوظة لتلك العالاقه الوثيقة بينها وبين امها .
- لا , لم يكن الذنب ذنب كلو .
وافقه جيثر الرأي مبتسما لحماسها .
- ابقى العجوز المربيه لترعى كلو مع انه في تلك الحقبه غارقا في الديون من دون ان يعلم احد بذلك . ولما بدأ بيل بجمع ثروته كان بامكانه مساعدته على ايفاءها ولكنه لم يعلم بحجم تلك الديون الا بعد وفاة والده .
وجاهد ليمحو نبرة الندم من لهجته ثم تابع قائلا :
- ثم بيع منزل الاسرة لسداد الديون ولم يكن بيل او كلو يحتفظان بذكريات سعيده عن ذلك البيت ثم ارسل كلو التي كانت في الـ14 من عمرها الى مدرسه داخليه , واشترى هذا البيت لأجلهما ليقيما فيه اثناء الاجازات رغم انها منذ سنتين بدأت تميل الى قضاء اجازاتها مع مجموعة من اصدقاءها وهي الآن على وشك ان تنال اجازة الهندسة الداخليه , ويبدو انها ستجتاز الامتحان بنجاح بعد ان تركت المدرسة انضمت لفترة من الزمن الى العاطلين عن العمل فذاق صديقي حينها الامرين , والحقيقة انه كاد يفقد صوابه وبذل جهدا كبيرا في اقناعها بان تلك الطريقة ستدمر حياتها .
- اني استعمل غرفتها الآن اذن .. ارجو الا تمانع لأن غرف النوم تعتبر اماكن خاصة هل هي بخير الآن ؟
بدا لها الامر غريبا اذ اندمجت بكليتها في قصة مضيفهما الغائب فشعرت وكأنها تعرف ارجل حق المعرفة فطمانها جيثرو مبتسما :
- نعم انها بخير , ولا تتخطى المصروف المحدد لها .. انه قادر حتما على جعلها تعيش في رفاهية طوال حياتها ولكنه يصر على ان يكون ذلك من مجهودها الخاص , ولكن انتبهي .... في المناسبات عندما تزداد نفقاتها تجدينها قادرة على اخذ منه ما تريد اذ بأمكانها ان تحركه باصبعها الصغير ! اما بالنسبة الى سؤالك الثاني فهي لا تمانع ابدا في استعمالك غرفتها .. ان كلو اكرم الناس الذين عرفتهم .
نقل الاطباق الى الحوض حيث غسلها بالماء قبل ان يضعها في آلة الغسل وشعرت آلي بأنه مغرم بأخت صديقه ! اذ لا يمكن التغافل عن الشغف الذي لمسته في صوته وهو يتحدث عنها ولم يهتم حتى باخفاء انبساط ملامحه الخشنه حين ذك اسمها .
وتملكها الذعر وهي تدرك ان تلك الغصة في حلقها هي دليل غيرة. فراحت تقنع نفسها بألا تتحامق لأن ما يجمعهما مجرد صفقة تجارية ولا شأن لها بحياته الخاصة .
اخذت تنظر اليه بعينيها اللتين لفهما الحزن وهو يمسح يديه وانحبست انفاسها وهي تنظر الى كتفيه العريضتين وخصره الضيق وساقيه الطويلتين .
الاحتمالات كثيرة , ولكن أي احتمالات ؟
لم تشأ ان تجيب . وعندما ابتسم لها وسألها ان كانت تريد قهوة , اومأت براسها وهي تنظر بعيدا لأنها لم تستطع ان تحتمل تلك الرعشة التي سرت في جسمها من رأسها الى اخمص قدمها .
فأرغمت نفسها على التفكير في شيء اخر .
اتراه ادرك ان طريقة حياته العميقة لا تجعله زوجا صالحا لأخت صديقة؟ الهذا السبب حاول ان يستجمع عزيمته ويعمل منظفا للنوافذ ؟ الهذا السبب ايضا, تشبث بعرضها عليه المبلغ الكبير من المال مقابل زواجه بها , وبذلك يوفر لديه شيء يمكن ان يقدمه لفتاته كلو ؟
بعد سنه تنهي دراستها ويصبح حرا فهل ينوي ان يستعمل المال الذي كسبه في دعم عملها ؟
بدا لها ذلك منطقيا بشكل مفزع ... لم تهتم قد بدعواته المتكررة لخروج معه . انه من اكثر الرجال اغراء وحوله هالة من السلطة والقوة التي تفتن النساء . ولعله خلف وراءه سلسلة من العلاقات السطحية العابرة فهو يحتفظ بمشاعره الحقيقية حتى يتمكن من موافاة المرأة التي يحب غير خالي اليدين .
فلماذا يزعجها هذا ؟فزوجهما صوري منذ البدايةفلماذا تشعر بالنبذ والازدراء ؟ ولمذا بدت هذه الليلة الصيفية الدافئة فجأة كثيبة بارده ؟
8- براعم الاحاسيس
كان الجو يبشر بنهار صيفي رائع اخر ...استيقظت آلي مكتئبة المزاج .
لقد تصرفت الليلة الماضية بحماقة ولكن لحسن حظها لم يدرك جيثرو سبب توترها المفاجئ الذي جعلها ترفض تناول القهوة وتندفع خارجة من الغرفة بعد القاء التحية المسائية المختصرة .
لعله رد خروجها بتلك الطريقة السيئة التي مللهامن صحبته او الى واقع انه منظف نوافذ وضيع لا يستحق ان يعامله الاخرون بتهذيب .
تصاعدت الدماء الى وجهها تحت ملاءة السرير... ولكنه على الاقل ما كان ليستطيع ان يتكهن بان تصرفها ذاك هو ردة فعل مفاجئة لشعورها بانها زوجة منبوذة مجروحة الكرامة .
نهضت من السرير وتوجهت الى الحمام وهي تخلع قميصها .. عليها ان ترجع نفسها , وتكف عن الشعور والتصرف بهذا الغباء . وقفت تحت الدوش آمله ان يخفف الماء الساخن من توتر جسدها .
لم يكن جيثرو يريدها كما انها لم تكن تريده ولكن ما سبب موقفها الغريب ذاك ؟ لقد شعرت وكان عصا هوت على راسها وعندما احست بعطفه وحبه لأخت صديقه ؟ لابد ان ذلك يعود الى الاجهاد .
كان زواجها من جيثرو خدعه للحصول على قصر ستدلي , خدعه تمنح امها السعاده والراحه .
ولا حاجه بها اذن للشعور بالذنب فمرده الى الضغط النفسي واعتقادها بأنها ترغب في ان يضمها جيثرو بين ذراعيه من جديد .
عليها ان تكف عن ذلك لأنها ستمضي عاما كاملا في هذا الزواج الزائف فلتبدا اذن بمعانلته بتهذيب بارد , لتكتف بتعليقات لا معنى لها عن حالة الجو وهي تعد الفطور .
ارتدت بنطلونا كحلي اللون مع بلوزة بيضاء من دون كمين , وانتعلت حذاء من الكتان وتركت شعرها منسدلا على كتفيها ليجف .
دقت ساعة المطبخ ال 7 لكنها لم تر اثرا لجيثرو فارتأت الا تبدأ باعداد الفطور الآن اذ قد يفضل النوم حتى الظهر .
فهي لا تعرف شيئا عنه ولا يهمها ان تعرف .
- اجائعة انت ؟
سمعته يقول ذلك وهو يدخل المطبخ من باب الحديقة فقفزت مذعورة وراح قلبها يخفق بشدة .
نظرت اليه بطرف عينها ثم تناولت ابريق الشاي لتملأه بالماء . كم يبدو جذابا نابضا بالرجولة , هل تحيط به دوما تلك الهالة المثيرة الخطرة ؟ وهل يثير في كل امرأة تلك المشاعر الغريبة ؟
طفح الماء من الابريق , فمد يده القوية الرشيقة يأخذه منها وهو يقف الصنبور , فوقف على مفربة منها , وجسمه الضخم يكاد يحتك بجسمها . كان يرتدي بنطلونا باليا وقميصا اسود من دون كمين ...
كان مفعما بالحيوية , ذا بشرة لوحتها الشمس تغطيها شعيرات جسمه السوداء وكل خليه فيه تنضخ بالرجولة , حتى انها كادت تشعر بحرارة جسده ورائحة رجولته .
شعرت بالدوار فأغمضت عينيها كي لاتراه ثم قالت :
- اردت ان اعد الفطور لكنني حسبتك نائما .
وتساءلت ما اذا كان هذا صوتها ام صوت دجاجة تزعق .
- يوما ما ستعلمين متى استيقظ.
اجاب بنبرة غامضة يلفها المرح والدفء والمشاعر . ولكنها لن تسأله عما يعنيه بقوله هذا وتنحت جانبا مبتعده عنه , قال :
- سأعد الفطور بنفسي لم لا تذهبين لاكتشاف بقية انحاء المنزل ؟ وعندما انتهي اناديك ؟ تصرفي وكأنك في بيتك .
وكأنها في بيتها ... وكأن ...وتشبثت بفكرة الخروج من المكان بسرعه وفتجت احد ابواب الردهة ثم اغلقته خلفها واسندت طهرها اليه , وهي تضع اصابعها على صدغيها اللذين اخذا ينبضان ثم اخذت نفسا طويلا مرتجفا .
عليها ان تكف عن خداع نفسها متظاهره بان ردة فعلها هذه نحو جيثرو هي نتيجة الاجهاد فحسب مقنعه نفسها بأنها قادرة على الحفاظ على هدوئها وانضباطها وهي الى جانبه .
الحقيقة المرة هي انه جعل مشاعرها تتفتح فهو الرجل الوحيد الذي نبهها الى انوثتها الى حد جعلها تفقد السيطرة على نفسها .
ها هي تقر اخيرا بذلك ولكن عليها ان تقوم بشيء حياله فهي تعيش تحت سقف واحد مما يجعل مهمتها صعبه على الاقل اثناء شهر العسل الزائف هذا .
ولكن عند عودتهما الى لندن ستشتغل بعملها وتسافر الى كافة انحاء العالم لعرض الازياء فتتمكن من مواجهة الامر فلا تراه الا عند الضرورة حفاظا على المظاهر لتبعده بعدها عن ذهنها .
ويمكنها ان تبدا بتنفيذ ذلك في الحال فتتوقف عن التفكير فيه عليها ان تفكر في امر اخر ... هذه الغرفة مثلا .. اترى ملأ مضيفها الثري الغائب حياته بمقتنيات جميله ليتناسب لأنه لم يكن لديه شي اخر ؟ ومرت بأصابعها ببطء فوق سطح زجاجي لخزانة تحتوي على ادوات مائدة من العهد التيودوري , وتنهدت .من الغريب ان تشعر بتجاوب ذهني مع ذلك الرجل الذي نشأ محروما من حب والديه .
لم يكن الامر مماثلا بالنسبة اليها فحتى الـ15 امضت طفولة مثالية مع ابوين محبين رفيقين , وروابط اسرية عميقة مكتملة , اذا كان ابواها يشركانها في حياتهما , ويعاملانها كمثيل لهما .
انها تتذكر مثابرتها على التدقيق في مسودات الطبع لقصص ابيها ,ومناقشة حبكة مسرحياته الجديده واعطاءه افكارا كان ياخذها دوما في الاعتبار . وما زالت تتذكر امها وهي تسألها النصيحه عن تطوير الحديثة التي كانت تنشئها .
ولكن بعد موت ابيها بتلك الطريقة اصبحت حذرة وخائفة فانكبت على عملها وراحت تكنز المال وكأن لا شيء يهمها سواه .
انفتح الباب بصمت وقال جيثرو :
- لقد انتهيت . هل نأكل في الخارج ؟ انه صابح مشرق .
سألته وهي ما زالت مستغرقة في افكارها :
- هل السيد ابوت متزوج .
ثم استدارت تواجهه وهي تستجمع شجاعتها امام تأثيره القوي الذي لم تعد تستطيع مقاومته .
نظر اليها لبرهو وكأنه لم يفهم سؤالها , ثم قست نظراته واستحال الذهب في عينيه الى برودة الثلج بشكل ما كانت آلي لتصدقه لو لم تره بنفسها. ثم توتر فمه وتصلبت ملامحه وهو يسألها :
- لماذا تريدين ان تعلمي ؟ ام انه مجرد سؤال غبي ؟ فضول نسائي طبيعي عن الوضع العائلي لكل رجل يتراوح عمره بين الـ19 و الـ90 خصوصا اذا كان مليونيرا ؟
شعر وكانه وقع في بركة عميقة من الماء البارد . لقد كان هو نفسه هدفا لصائدات الكنوز . مما جعله قادرا على تميز هذا النوع من النساء من النظرة الاولى وكان بامكانه ان يراهن على آلي بحياته بأنها ليست من هذا النوع .
ولكن مالذي قد يدفعها الى طرح هذا السؤال ؟
اخذت عيناه تتفحصان ملامحها وكأنه يبحث عن الجواب فيها . كانت اهدابها الكثيفة تغطي عينيها وقد علا الاحمرار وجنتيها . اهو لون الخزي لأنه استطاع ان يتسلل من خلال سؤالها الى نفسها الجشعه ؟
انهكه الندم فلو انه اجاب على سؤالها بالنفي لابتسمت له ببلاهة وطلبت منه ان يعرفها عليه وعندها كان سيتخلى عن الزواج الزائف في تلك اللحظة بالذات ويترك اماله ليمحوها الزمن !
- يالك من رجل كريه ساخر لاذع .
ورفعت عيناها فاشتبكتا بعينيه بازدراء وازاحت خصلة طويلة من شعرها عن وجهها بغضب ثم انفجرت فيه بحده :
- ان كنت حقا تريد ان تعلم فقد فكرت في ما اخبرتني عنه وشعرت بالاسى نحوه وتساءلت عما اذا كان ذلك الرجل الذي يبدو انه حصل على كل شيء قد استطاع ان يجد امرأة يحبها , فالحب لن يخترق بسهولة قلب رجل لم يعرفه قط.
قالت هذه الكلمات بازدراء عنيف جعله يكره ما يميزها عن الاخريات من اللواتي لا يهمهن سوى حجم رصيد الرجل في المصرف ولا يكترثن البته بشخصه او تفكيره ومشاعره ...
قال لها والندم باد على وجهه :
- انا آسف .
ولكن هذا لم يكن كافيا لأنه لم يخفف من شدة غضبها ,وارادت ان تندفع خارجه من الغرفة لكنه وضع يده على كتفها فشعر بها تتسمر مكانها :
- اظنني بالغت في ردة فعلي .
قال ذلك برقة . أليست هذه هي الحقيقة ؟ كيف يثيره سؤال واحد بريء, بهذا الشكل ؟
- عرف بيل نساء كثيرات تلهفن للحصول عليه وحاولن دخول حياته وجيبه بمعسول الكلام , حتى اصبح لا يثق بامرأة دون الـ50 .
شعر بجسمها تحت يده يتوتر فوضع من دون قصد يده الاخرى على الكتف الاخرى , واخذ يمسد عضلاتها المتشنجه بحركات متناغمه .
- ولكن سيسعدك ان تعلمي انه تزوج حديثا من امرأة وجد فيها اعظم حب في حياته .
شعر بها تسترخي وعضلات كتفيها تكاد تذوب تحت يديه .
- سرني هذا .
قالت ذلك بصوت خافت , ثم ابتلعت ريقها بصعوبه عندما انزلقت يداه عن كتفيها واخذتا تلامسانها .
وكان هذا جنونا قد يرغب في علاقه عابرة ولكنها بيست كذلك .
لا يمكنها ان تعرض نفسها للألم والمذلك . فهو يعشق كلو لقد رات ذلك في وجهه وسمعته في صوته . فالعبث مع المراة التي اشترت سنه من عمره لن يكون اكثر من طريقة ممتعه لقضاء رغبته العابرة , اما بالنسبة اليها ...
ابعدت تلك الافكار غير المرغوب فيها عن ذهنها , وتقبضت يداها ودفعته بهما .
- آلي ..
وتهدج صوته العميق عندما سقطت يداه الى جانبه . وكانت ترى لمعان الرغبة في عينيه الذهبيتين وهو يأخذ نفسا عميقا معذبا . ان لم تكن حذره فستهرع اليه ... الى ذراعيه , وتغرقه بحبها وتشبع ظمأها الى حنانه . كان ذلك اكثر مما يمكنها صده والاغراء اعظم من ان تقاومه .
تصاعدت من حنجرتها آهة عذاب واغمضت عينيها وقد تملكها الوهن والاستسلام .
- اريدك يا آلي . يمكنك ان تنكري قدر ما شئت , ولكن هذه الرغبة متبادله , اريد ان اجعل هذا الزواج حقيقيا . لكنني شبق ان وعدتك بأنني لن استعجلك حتى تعترفي بنفسك بانك تريدين ذلك, انت ايضا . والآن , هل نأكل ؟
شعرت بالدوار . لقد تحدث عن رغبته في ان يجعل هذا الزواج حقيقيا وبصوت مجرد من الاحساس وكأنه يقرأ قائمة بمشتريات من السوق وها هو يقترح عليها بهدوء ان يتناولا الفطور .
لم تشعر في حياتها قط بفقدان مماثل للشهية !
- لم يكن ذلك جزءا من الاتفاقية .
قالت ذلك وهي تصر اسنانها والغضب يتملكها لأنه احس برغبتها وهو يستغلها لمصلحته .
- الفطور ؟
وغاظتها ابتسامته الكسول , فقالت له :
- تعلم جيدا انني لم اقصد ذلك ! لا تخبرني بانك نسيت الاتفاقية بيننا . لم يمض على زواجنا 24 ساعه , وها انت تعطيني اشعارا مسبقا بأنك تبذل جهدك لتنهي ذلك الاتفاق .
- لم ابذل جهدي ياحبيبتي . فأنا لم ابدأ بعد المحاولة ... يكفي ان اقترب منك حتى يحدث شيء عنيف مدمر . ولكنني سبق ان وعدتك بأنني لن استعجل الامور وسأنتظر حتى تصبحي مستعده للاعتراف بذلك , وتواجهي ما تريدينه . والآن سنؤجل الحديث في الموضوع ونرتشف القهوة قبل ان تبرد , وانا بحاجه الى بعض منها .
فتح الباب وتنحى جانبا لتمر . كان من الصعب وضع ذلك الموضوع جانبا , كما اقترح . اذ عليها ان تعرض القواعد الاساسية لعلاقتهما مرة اخرى بصراحه ووضوح .
ولكن كيف ستقوم بذلك بينما اوضح انه يعرف كيف يجعلها تتجاوب معه حتى من دون ان يحاول معها شيئا ؟
لكن الجواب لم يأتها الا بعد ان تبعته الى حيث اعد مائدة الفطور في ظل شجرة اجاص معمرة .
سحبت كرسيا وجلست عليه واخذت تنظر اليه بعينين ذا بلتين.
كان قد غطى ابريق القهوة فبقيت ساخنه عبقه . اخذت من يده الكوب الذي قدمه لها , وهي تقول:
- لقد عقدنا اتفاقا وتسلمت اجرة دورك فيه , لذا اتوقع منك ان تنفذه حرفيا . وليس ان تفعل ما يحلو لك بعد ان حصلت على النقود .
من ناحية شعرت بالزهو للهجتها الحازمة , ومن ناحية اخرى بصعوبة الفراغ .. الشعور بأنها تلقي بعيدا شيئا مهما , شيئا يمكنه ان يشتري حياتها .
نظرت الى القهوة السوداء الثقيلة التي كانت في امس الحاجه اليها وادركت انها لن تستطيع ان تبتلع منها جرعه واحده , اذ في حلقها غصة مؤلمة , ولكنها اضافت قائلة :
- ان كنت تريد علاقه عابرة لتتسلى خلال الاشهر الـ12 القادمه فانس الامر .
وعقدت ذراعيها على صدرها وقد بدا العناد على وجهها .
- انا لست دمية بين يديك لتلهو بها يا سيد كول فلدي مشاعر .
فقال بلطف :
- اعرف ذلك ياسيدة كول . ولكن السؤال متى ستطلقين العنان لتلك المشاعر ؟
تملكها الضيق والاضطراب لرقة صوته وحلاوته ولمعان عينيه الذهبيتين المغناطيسيتين , ولمناداتها بالسيده .وعضت شفتيها لتمنعهما من الارتجاف , ثم ذكرت نفسها بامرأة الاخرى .وقالت بصوت خشن :
- انت لا تعلم شيئا عني , لكنني اظنني عرفتك بما يكفي لكي ارى فيك شعورا واحدا حقيقيا وهو انك مغرم بأخت صديقك كلو . وبما انك تريد ان تتزوج اخت صديقك هذا فهو لن يقومك بدرجة عالية . وربما يضع لك صفرا على عشرة كما اتصور . واظن ان المال هو سبب موافقتك على الزواج بي , وبعد عام لن تكون خالي اليدين , وتستطيع ان تستغل القسم الاكبر من المال في مساعدتها على المباشرة بعمل , فتكون شريكها فيه . ولكن لا تنتظلا مني ان اسليك اثناء انتظارك لها .
9- مستنقع الخداع
تنهد جيثرو وراح يبتسم بصمت , اذ لم يكن ينوي ان يكشف اوراقه بهذه السرعه ويخشى ان يكون قد افسد خطته كلها. عذره الوحيد هو اعتقاده انها ليست من صائدات الكنوز .
اضف الى ذلك تجاوبها النرتجف مع لمساته عندما اخذ يمسد كتفيها , مزيلا بذلك توترها وفقدانه سيطرته على نفسه وتلاشي ارادته القوية .
ولكن تصرفه هذا كشف نواياه واوحى لها بتلك الفكرة الغريبة عنه وعن كلو , فالرجل المعروف بتحليه بأدهى الادمغة العملية في العالم افسد وبشكل شنيع للغاية خطته في التودد الى زوجته !
زوجته ...
كان عطشه الى الارتواء من نبع حنانها شديدا الى حد انه قد يحطم جدار اللامبالاة الذي بنته حول نفسها ليعيد اليها جمال الحب وتألقه .
كان ولعه بها مدمرا وعلى الرغم من الجهود التي بذلها في انكارها لهفتها اليه الا انه لاحظ تجاوبها وادرك ان بوسعه ان يحملها على الاعتراف ه بسهولة .
لكنها بدت بالغة التوتر والتحفظ , وذراعاها ملتفتان حول جسدها الرشيق والواقع تحت اشعة الشمس المتسربه من بين اوراق الشجر , جلتها اشبه بمخلوقه اثرية .. لم تشرب قهوتها وظهرت في عينيها نظرة شجية حدثته بأنها تفكر بالهرب .
بلغ به غراما مبلغا! فهو يحبها من كل قلبه . ولكن عليها ان تشعر اولا بالثقة نحوه لتسلمه مستقبلها وسعادتها , وتعود بعدها وتستسلم له بكليتها .
لم يكن بوسعه التراجع , وعليه ان يجد طريقه يخفف بها من الضرر الذي احدثه فقال لها برقة :
- اخطأت حين حسبت انني احب كلو .. لطالما اعتبرتها اختا لي , وهذه هي الحقيقة .
نظرت اليه غير مصدقه . اتراها متشككه؟ انها لا تثق به وعليه ان يجد حلا لذلك , ويقول شيئا اكثر اقناعا ولكن لفكرتها الخاطئة عن مشاعره نحو كلو جانبا اسمى .
ادركت بالغريزة سبب محبته لأخته اذ كانت كلو كل ما لديه من اقرباء فأبوه ميت وامها هجرت البيت بعد ولادةكلو بشهر وكان يشعر بالقلق حيال الصغيرة الجريئة عندما كانت تحول القاء نفسها من فوق حاجز السرير وكان ينصحها موبخا تارة ومحاولا اقناعها تارة اخرى . وكم كان سروره عظيما عندما اخذت تقوم بشيء ينفعها في حياتها.
اما آلي فالتقطت هذه الذبذبات وهذا يعني انها بدات تقرأ احاسيسه وتهتم به لشخصه باعتباره انسانا وليس وسيلة الى غاية .
انه امر ايجابي وعليه الآن ان يتحلى بالصبر فحسب .
ابعد قهوتها التي اصبحت بارده واستبدلها بكأس عصير برتقال .
اجفلت قليلا وكأنها احست بتهديد ما فانقبض قلبه ألما فقال بلطف كارها واقع ان تراه خطرا عليها :
- كلو سيدة جميلة .. في سنك تقريبا ولكني لا اضمر لها نوايا سيئة بالنسبة الى عفتها . كما ان الزواج بها مستحيل . ثم ... .
وانخفض صوته :
- انني افضل الشقراوات الزرقاوات العينين الطويلات الرشيقات الرقيقات .. .
ولاحظ الاحمرار علا خديها فسكت عن الكلام .
كان واثقا من انها فهمت ما يقصد فهو لن يستعجلها ولن يعود الى ماكان اخطأ في قوله سابقا . ولكن ثمة فكرة اخرى خاظئة عليها ان يصححها .
كان قلبه يخفق بين ضلوعه لكن صوته بدا هادئا وهو يقول موضحا :
- عنيت ما قلته بالنسبة الى رغبتي في ان يكون زواجنا حقيقيا . لم اقل ذلك لأحصل منك على ما اريد , ولكنني كنت اعني الى الابد , الى ان يفرقنا الموت .. كنت اقصد رابطا ابديا , واطفالا ... .
قفز الى شفتيها السؤال .. لماذا ؟ ولكنها كبحته . لم تشأ ان تسمعه يحاول ان يقنعها بحبه له هذا غير صحيح . ولكن اتراها تريد ان يكون صحيحا ؟
لم تستطع ان تجيب . اما السبب الوحيد الذي يحثه على جعل زواهما حقيقيا فهي الاموال التي تجنيها . اتراه يعنقد انها وقع على صيد ثمين , وانه لن يضطر بعد اليوم لأن يزعج نفسه بالعمل كمنظف نوافذ ليكسب لقمة عيشة ؟
ولسبب تجهله لم تستطع تصديق هذا ايضا.. ربما هي نبرة الاخلاص التي بدت في صوته حين انكر علاقته بكلو , وتحدثه عن رغبته بجعل زواجهما خقيقيا , وبأنجاب الاطفال .. فبعث فيها احساسا بالثقة فيه .
شربت عصير البرتقال لتتخلص من جفافا حلقها , ثم اتجمعت دفاعاتها , قالت :
- انا لا اريد الزواج , وقد اوضحت لك ذلك عندما عقدنا هذه الاتفاقية .
ساد الصمت بينهما , وتركها تستوعب كلامه وتدخله في ذهنها ليتجذر ويؤتي ثمرا . فابتسم لها برقة وقال :
- هذا صحيح . ولكنك قد تبدلين رأيك مع الوقت .. امامك سنه لتعيدي حساباتك , فلم لا ندع هذا الموضوع جانبا ونستمتع ببقية النهار .
وتلمس ابريق القهوة ثم عبس مشمئزا :
- سأصنع المزيد من القهوة فهذه اصبحت بارده كلي شيئا .
واشار الى الكرواسان وطبق الفاكهة الطازجة, ثم اتجه الى المطبخ كان يتصبب عرقا وقلبه يخفق بشده ... جهوده في كتم الحقيقة كانت غباء تقريبا بينما كل ما يريده هو ان يأخذها بين ذراعيه ويجعل كل ذرة من كيانها تنادي بسمه .
وتأوه وهو يضع الابريق على الموقد .
************
- هل انت جائعه ؟
- اكاد اموت جوعا !
اجابته آلي بابتسامة عريضة اضاءت وجهها ومنحته جمالا لا مثيل له . حول جيثرو نظراته عنها قبل ان يدمر اشراقها هذا , خطته في ابعاد يده عنها ثم انزل حقيبة ظهره التي فرغت من الفاكهة والماء وفتح النوافذ .
نظر اليها وقد عجز عن كبح نفسه . كانت مجموعة من النمش الخفيف تعلو انفها , واكنت بشرتها محمرة , وانعقدت حبيبات العرق فوق شفتها العليا المستديرة . فقد امضيا معظم النهار الاول من شهر عسلهما المزعوم , في استكشاف المنظقة الريفية حولهما .
فطافا في الحقول والغابات حتى بان تأثير الجهد والهواء النقي عليها . فبدت ناعسه ملوحه البشرة وقد فقد زر قميصها الابيض الذي لطخه الفطر الذي جمعته الغابات .
قال لها وهو يتذكر احد الاسباب التي جعلته يقع في غرامها :
- لا اراك موسوسة بمظهرك بالنسبة الى عملك كعارضة ازياء , وانا اجد في ذلك ميزة حسنة .. ثمة غصن دقيق في شعرك .
ومد يده يزيح الغصن فارتجفت اصابعه وهو يلمس شعرها الاشقر اللامع الكثيف .
وشهقت هي رغما عنها ولكنها احالت الشهقة الى تثاءب كي لا يتساءل عن السبب الذي جعلها تشهق للمسه شعرها . ورفعت اصابعها تغطي بها فمها , ثم استرخت في جلستها وهي تقول :
- اني اتزين امام الكاميرا ساعه عرض الازياء فقط .
وغضنت انفها وهي تقول :
- ماتراه هو ماتحصل عليه .
وياليتني احصل عليه ! اخذ يفكر في ذلك بعنف ثم اشار اليها يدعوها الى الدخول , وقد وقف بعيدا عنها بأدب , فأدرك ان تمثيل دور الاخ الاكبر اصعب مما كان يظن .ولكنه احسن فعلا خلال ذلك اليوم الصيفي الطويل .
- لابد ان هذه مكتبة .
هتفت بذلك وقد بالاهتمام حيال الغرفة الصغيرة واخذت تتأمل الجدران المكدسة بالكتب :
- لابد من ان هناك المئات من الكتب .
ومرت بيدها على بعضها . وقد بدا لها ان كل واحد منها قد قرئ. كان ذوق مضيفها يتراوح بين ديلان توماس , بروست,ديكنز , وعدد من المجلدات الضخمة التي تتناول البيئة واصلاح الاراضي وقد بان عليها كثرة الاستعمال .
سألته بصوت بالغ الحماسة:
- هل هو من هواة الزراعه ام ربما من انصار البيئة الى جانب تمتعه بقل عملي ؟
كان شعورها بمعرفة صديق جيثرو, هذا مريحا بشكل غريب , لا بل اوشك ان يبدو غير طبيعي , ولكن عطفها عليه لحرمانه من عطف الابوين وتلاؤم ذوقيهما وتعمدها تسليط الضوء عليه والتحدث عنه وضع جيثرو وتأثيره عليها , في الظل مؤقتا .
- نادرا ما أقرأ عن الاشتراكية .
قالت ذلك وهي ترى كتابا لـ " ب.د. جايمس " لم تكن قد قرأتهفقررت ان تستعيره وتأخذه معها الى غرفتها بعد تناول الطعام . فان شغلت ذهنها بالقراءة تناست ما يجري لها واهاقها وتوترها .
- انني اجد في الكتاب صديقا رائعا . واظن ان حبي للأرياف هو من تأثير امي فيّ وتأثير السنوات التي امضيتها في ستدلي .
تملكها شعور بالحقارة وهي ترى نفسها معتوهة بشكل محزن . ولكنها تابعت لاهثة :
- اظن ان صديقك يشعر بالارتياح في الاماكن الفسيحه الخالية من البناء , والا لما احتفظ بهذا البيت بعد ان استلقت اخته بحياتها .
- ما اجمل اهتمامك بهذا الرجل !
قال جيثرو ذلك بلهجة رسمية متكلفة , ولكنه ما لبث ان ندم لزج نفسه في هذا الموقف الهزلي المضححك الذي يغار فيه من نفس ! وتنفس بعمق وتمنى لو انه لم يبدأ بهذه التمثيلية ولكن عليه ان يستمر فيها حتى يحين الوقت المناسب فان اعترف بأنه هو نفسه المضيف الغائب لفن تصدقه وستظنه مجنونا .
- اظنه ينوي الاستقرار هنا بشكل دائم تقريبا فهو مكان ملائم لانشاء اسرة كما انه يحب المحافظة على الطبيعة ولقد اجتزنا هذا النهار جزءا بسيطا من اراضيه .
علم ان صوته جاف ولكنه لم يستطع ان يلطفه اذ ساوره شعور كريه بأنه لم يصل معها الى نتيجه فهي اكثر اهتماما ببيل الزائف منها بالشخص الواقف امامها لأنه الرجل الذي تزوجتخ منظف النوافذ المفلس لا يستحق اكثر من نظرة عابرة .
كانت قد ادارت ظهرها له وشعرها الطويل المتأرجح الى الامام يخفي وجهها , ولكنه لمح احمرار بشرتها ورفرة اهدابها الكثيفة وهي تخفي عينيها المعبرتيه . ولاحظ اها عثرت على صورة اخته في اطارها الفضي وفي نيتها ان تحفظ في ذاكرتها بتلك الملامح الجميلة والشعر الاسود .
- هذه كلو .
قال ذلك بلهجة جافة , وشعر بحاجه الى الخروج الى الهواء الطلق . لقد اغرق نفسه في نستنقع الخداع , وعليه ان يجد طريقه ليخلص نفسه قبل ان يقول او يفعل شيئا يدمر امله في اكتساب ثقتها ,ناهيك عن حبها .
- ارى ان نرتاح نحن الاثنين ثم نجهز شيئا للعشاء .
خرج من الغرفة لأنه لم يستطع البقاء قريبا منه . عليه ان يضع خطة محبكة ولن يتمكن من التفكير بصفاء ان بقي الى جانبها .
اعادت آلي الصورة الى الرف . كانت كلو جميلة للغاية , ولكن صوت جيثرو بخلاف المرات الماضية لم ينطو على ذرة دفء وهو يتحدث عنها . اهذا يعني ان ما قاله كا ن صحيحا , وان ما من مشاعر عاطفية تربطه بكلو ؟ ام انه مستاء منها فحسب ؟
هلا لنها اخذت تثرثر اخبرها عن صديقه الذي اصبح القاسم الوحيد المشترك بينهما ؟ وعندما اخبرها ان صديقه يملك مساحات واسعه من الاراضي المحيطه بالمكان , بدت عليه الهزيمة ,مما اثار استغرابها لأن جيثرو بالرغم من فقره يتمتع بثقة بالنفس وكأنه قادر على ان يملك العالم عند قدميه لو اراد ذلك فقط .
قطبت جبينها وهي تصعد الى غرفتها ثم خلعت ثابها ووقفت تحت الدوش .
اتراه يشعر بعقدة نقص ازاء الرجل الاخر , الثري المتأنق ؟ هذا محتمل جدا نظرا للهوة الشاسعة بين زميلي الدراسة .
فهل تقول له ان متاع الدنيا كله لا يعني شيئا ما دام الا نسان يحتفظ بكرامته ؟
قررت وهي ترتدي ملابسها الا تفعل ذلك فسيظنها تستعلي عليه , ومن الافضل ان تبقى العلاقة بينهما سطحية قدر الامكان .
ولكنه تحدث مطولا عن صاحب هذا البيت , ولم يذكر شيئا عن نفسه , واسرته وحياته السابقة قبل ان ينتقل ليعيش مع جدته .
كان النهار حارا , فاكتفت بارتداء قميص قطني ناعم وسروال قصير. لن تقول له شيئا يجعله يظن انها تريد ان تصبح علاقتهما شخصية . ولم تعرف لماذا اخذت تثرثر عن صديقه الرائع الناجح , وكانها تحاول ان تعيره بفشله .
عندما اقترح في البدياة ان يخرجا للنزهة معا رفضت ببرودة اذ كان ذهنها مشغولا بكلامه عن رغبته في جعل الزواج حقيقيا وهذا ما ايقظ فيها مشاعر ورغبات لطالما اعتبرتها عيبا .
ولكن بدت لها الاعذار التي لفقتها في ذهنها لرفض الخروج معه او سخيفة فقبلت مرافقته من دون قلق لأنه كان مثال الرفيق العفيف .
ولكن بينما كان في الشرفة في آخر النهار الممتع وابعد ذلك الغصن عن شعرها , اذا بكل شيء يتغير بالنسبة اليها .
فتلك اللمسة الصغيرة لشعرها حثتها على التنبه الى كل ما يتعلق به .. طوله و عرضه , رائحته , واكثر من أي شيء اخر الرجولة المتفجرة منه . تحول الزواج من هذا الرجل الى اغراء من الصعب مقاومته .
ولما وعت هذا الخطر الفجائي المحدق دخلت المكتب حيث اخذت تثرثر بحماقه زعجته وجعلته يشعر بالنقص . فما كان منها الا ان انهت ذلك النهار الممتع بتصرف فظ .
ربما هذا من حسن حظها والفظاظة في افضل من .. من وقع نظراته الدافئة على ملامحها حين عاد يعلن عن رغبته في ان يجعل زواجهما حقيقيا .. وان ينجب منها اولادا , ومن تلك المشاعر التي تساورها كلما اقترب منها .
الافضل ان تبتعد عن ذلك .
فلماذا هذا الشعور بالهزيمة اذن ؟
ورفضت ان تبحث عن جواب لسؤالها , ونزلت الى المطبخ لتباشر باعداد العشاء .
10- جبانه
تناولا العشاء على الشرفة . ولكنها لاحظت ان كليهما اكتفى بتحريك طعامه في الصحن بشوكته .
كانت آلي قد شوت لحما واعدت سلطة من الخضار التي وجدتها في قعر الثلاجة . وعندما جاء جيثرو قال باقتضاب :
لا تقلقي سنشتري مؤنا بدلا من التي استهلكناها قبل ان نرحل لأننا لا نريد ان يخسر الرجل الذي يملك الكثير شيئا . اليس كذلك ؟
ادركت انه لا يزال غاضبا منها او مجروح الكرامة شاعرا بالنقص فقد ابدت اهتماما كبيرا برجل فاحش الثراء على خلاف الرجل الذي تزوجته ,مما اثار استياؤه.
لكنها تلهفت الى ان تخفف عنه المه , بالهمس له ان فقره لا يهمها وانه قادر على تحقيق المستحيل عله عندها يستعيد كرامته .
ولكن , الم يسبق ان قررت بألا تتطور علاقتهما لتصبح شخصية حميمية ؟ وحالما تم الزواج اعلن عن نواياه ولا يمكن ان يكون اعمى الى حد انه لم ير مدى انجذابها اليه .
صحيح انها بذلت جهدها لأخفاء مشاعرها ولكن يبدو انها لم تبذل جهدا كافيا .
ولم تقل شيئا.. لا شيء ذا اهمية . واخذت تتأمل مغيب الشمس ونور الشفق يلف الحدائق وهديل الحمام يتردد في الاجواء وهي تدرك انه مهما حدث لاحقا فهي لن تستطيع ابدا ان تسمع هديل الحمام من دون ان يملأ قلبها هذا الحزن الذي جعله يشعر بالبروده والوحشة .
وفوجئت به يقول بصوت خشن , يتناقض مع جمال الشفق:
- هل انت دوما بهذه الثقة؟ لا ترين سوى ماهو تحت انفك وتعتبرينه الحقيقة كلها ؟ الا تنظرين مطلقا الى ما وراء المظهر الخارجي للاشياء ؟
لم يعلم لماذا قال ذلك , ولكنه اراد فقط ان يعبر عن مكنونات قلبه, اذ رغم احساسها تجاه ما يدور بينهما من مشاعر هي ايضا تعاني منها بدت عاجزة عن رؤيته بشخصيته الحقيقية... انها تتحمله فقط لأنها مضطره الى ذلك . اما اعجابها فمنصب على الشخص المبهم الذي يملك البيت والاراضي ومنزلا في حي ما يفير في لندن وطائرة خاصة واعمالا منتشرة في انحاء العالم اجمع .
ضاقت عيناها :
- اخبرني ماذا تعني بذلك ؟
راقبته بامعان كأنها تحاول قراءة افكاره .. بدت مثيرة جدا في ذلك الضوء الخافت وشعرها يومض كالذهب وعيناها مشتبكتان بعينيه وشفتاها ناعمتان مسترخيتان بشبه ابتسامه اتراها حالمه من تأثير الجو الشاعري ؟
كانت يداه ترتجفان تحت المائده ... تنفس بعمق فلن يستطيع ان يخبرها بأنه الرجل الذي يملك كل شيء الرجل الذي بدا جليا تعاطفها معه , وحتى ان صدقته فهو لا يريد ان يراها تعيد تقويم الامور معبرة عن اعجابها واحترامها لانجازاته تلك وليس للانسان الذي فيه .
وبدلا من ذلك , قال لها :
- لقد اتخذت لنفسك مهنة متألقه في مواجهة ما لا بد انه وضع صعب وطننت انك تعلمت الحذر . ولكن اذ بك تتورطين بزواج حتى انني نهيتك عن الدفع لي قبل ان اوقع اوراق الزواج اتذكرين ؟ وظننت ان لديك من الوعي بحيث تصرين على ان اوقع على الشروط قبل الزفاف اذ بعد الطلاق قد اطالب بجزء من دخلك .
لاحظت نبرة المرارة في صوته فأسرعت تقول له :
- حسبتك لا تريد الطلاق .
لم تعرف لماذا قالت ذلك . من المؤكد انها تتمنى نسيان كلامه لها هذا الصباح . اتراها شاعريه المكان تتحدث بلسانها ؟
اتكأ الى المائده بساعديه اللذين لوحتهما الشمس وهو يقول برقة :
- هذا صحيح انا لا اريد الطلاق صدقيني حبيبتي انا لا اريده . اردت فقط ان الفت انتباهك الى تهورك فقد اكون اسوء انسان في العالم .
اخذت تضحك بهدوء وهي تعترف :
- لست غبيه الى هذا الحد فانا اثق بك , والا لما اقترحت عليك الزواج .
ادركت فجاة انها لطالما وثقت به .. كانت تعرف في اعماقها انه جدير بثقتها .
- هل تثقين بي حقا ؟
اتكأ الى الخلف في كرسيه وعقد ذراعيه الى صدره كان يرتدي قميصا ابيض فضفاضا من الحرير الممتاز مفتوحا عند العنق وكماه مثنيان الى اعلى وقد شعث النسيم شعره الاسود الكثيف ولكن الظلا بدا يهبط وكان من الصعب رؤية التعبير الذي ارتسم على ملامحه ولكنها شعرت بتوتره تحت مظهره البارد ذاك .
كم تمنت ان تخفف من توتره ولكنها لم تعرف كيف الا ان شاءت ان تخضع لغريزتها العمياء التي كانت تدفعها الى ان تدس اصابعها في شعره الناعم .
وطردت تلك الافكار المربكة من ذهنها صحيح انها تثق به لكنها لا تستطيع ان تثق بتأثيره فيها :
- هل لنا اذن ان نستمر في العمل على هذا الاساس ؟
اراد ان يعتبر اقارها هذا امرا مسلما به .
- اخبريني ما الذي حث عمك على وضع ذلك الشرط في وصيته ؟
نظرت آلي اليه بطرف عينيها . كانت متوتره من احساسها بتلك المشاعر المتأججه نحو هذا الرجل ... زوجها وخفق قلبها بشده بعد ان تبين لها ان لزواجهما معنى اسمى من مجرد وسيلة للحصول على قصر ستدلي .
لم تتوقع ان يطرح هذا السؤال . لقد توقعت ... ماذا ؟ شيئا حميما اكثر ؟ محاولة للتقرب منها اكثر ..؟ تأكيده ثانية على رغبته في جعل زواجهما حقيقيا ؟
ابتلعت جرعه من عصيرها ممزوجه بخيبة الامل , وهي تعنف نفسها بألا تكون بهذا الغباء, ثم هزت كتفيها بخفة , قائلة:
- لم ألم عمي قط لرفضه تجديد عقد الايجار, فستدلي كان ملكة واراد ان يتزوج ويعيش فيه لكنني كرهت السرعه التي طردنا فيها منه . وبعد مرور سنتين انهار زواجه وعاد ستدلي خاليا سبق ان اخبرتك بذلك لقد حطم فؤاد امي عندما سمح لها بالعوده الى المنزل شرط ان يغازلها ساعه يشاء حينذاك كرهته اشد الكره .
- فهمت .
نظرت اليه من بين اهدابها ثم عادت تعبث بكوبها لم بلغ اهتمامها بهذا الرجل الى هذا الحد؟ فلم تعد ترى في الكون سواه ؟
- انا .. حسنا لم نره او نسمع عنه منذ سنوات طويله ولم نرغب بذلك وعندما استلمت عملي كان علي ان اعرض الازياء في مناسبة خيرية وكان عمي هناك.. كنت اعلم انني لن اكون مهذبة معها لذا حاولت جاهده ان اتجنبه . وعندما نزل في اثري كنت مستعده لمجابهته.. بدأيقول انني اشبه امي في صباها ولا بد انني ابحث عن زوج فهل هذا هو السبب في اختياري مهنة عرض الازياء ... هل ابحث عن فرصة جيده للعثور على زوج غني يريد زوجة جميلة يزهو بها؟ كان يتحدث الي بنبرة ساخره ويرمقني بنظرات قذرة . واضاف قائلا انني ورثت عنه ذكائي لأن والدي هما مجرد حالمين ولهذا لا يظنني سأقترف غلطة امي واتزوج رجلا فقيرا عاجزا لايمكنه ان يمنحني حياة مترفة. عندها استشطت غضبا ولت له انني لا انوي الزواج باحد ابدا . وان كان هو نموذجا لجنس الرجال فأنا لم اخطئ في عزمي هذا .
وابتسمت ليثرو بأسى مضيفة :
- لم نفترق طبعا بشكل ودي وسمعت بعد ذلك انه مات بنوبة قلبية مفاجئة . واظنه وضع ذلك الشرط في وصيته من حقده عليّ. اراد ان يريني ما اخسره بعدم زواجي .
وساد صمت عميق .
وتحركت آلي في كرسيها شاعره بالحرارة شاكرة عتمة الجو التي جعلت جيثرو غير قادر على رؤية مدى انزعاجها لصمته هذا .
وعندما اصبح صمته لا يطاق قالت تدافع عن نفسها :
- لا اشعر بالخزي لأنني هزمته بهذا الشكل .
شعرت بسخافتها عندما مال الى الخلف , وضغط زرا على الجدار فأضاء الشرفة بضوء خافت ثم قال:
- لم اقل ان عليك ان تشعري بالخزي فأنا شريكك في هذا بمحض ارادتي .
ارسلت عذوبة لهجته رجفة في كيانها واخذت تتمعن في كلماته مفسرة شريك بـ اليف بـ زوج, فعادت الى رأسها الافكار المربكة التي جاهدت لكي تطردها منه .
ترنح الكوب من يدها من دون وعي منها فسالت منه قطرات الشراب على سطح المائده الابيض حاول مرتبكة ان تمسحها بأطراف اصابعها , ولكن جيثرو امسك بيدها , ثم ابقاها في يده , وتمنت هي لو انه يفعل لأن اصابعها التفت بشده على اصابعه وارتجف جسمها لملامسته لها , واخذ قلبها يتخبط بين ضلوعها بشده حتى كاد يسمعه .
قال بصوت مرح :
- ولماذا صممت على عدم الزواج ؟
فسحبت آلي يدها وكأن يده احرقتها وكانت تتساءل عما اذا كان يسخر منها .
ربما ان اخبرته كل شيء قد يفهم السبب الذي جعلها تصمم على قضاء حياتها وحيده .
تمهلت في الجواب فمال الى الخلف في كرسيه وفي عينيه نظرة غامضة وقال بلطف :
- انا اعرفك جريئة ومفعمه بالحيوية والنشاط فلا تخبريني بأنك خائفة من الحب والمشاعر .
اقبض قلبها انه يسخر منها اذ ان اسبابها قوية مستمده من المنطق فقالت ببروده :
- انا لست خائفة وانما عقلانية لا اريد ان انتهي مثل امي او خالتي فران لقد وقعتا في الغرام وانتهى بهما الامر وحيدتين مهجورتين ورأيت مافعل ذلك بهما اصبحت خالتي كئيبة مليئة بالمرارة , اما امي .... .
وهزت كتفيها باسطه يديها بعجز :
فقد ذاعت ولم يعد لديها ما تعيش من اجله . منذ سنوات اخذت على نفسي عهدا بألا أأتمن رجلا على احلامي او سعادتي الشخصية ومرة بعد مرة كنت ارى نفسي على صواب فقد رأيت كثيرات من صديقاتي وزميلات المدرسة وهن متلهفات الى الزواج والسعاده تغمرهن واذا بهن يسرن نحو الطلاق بعد ذلك بـ6 اشعر . الحب , النشوة ... سمها ما شئت فما هي الا كلمة تصف بها حاجة الجنس البشري للتناسل فأن هي دامت تجعل منك انسانا عاجزا معرضا للآلام, معتمدا على غيرك وان تبددت تركتك في الفراغ والوحشة .
- آه , انه رأي لاذع وساخر .
قال لها ذلك عندما توقفت تستجمع انفاسها فقالت وقد ضاقت عيناها :
- لا , بل عملي .
فاطلق آهة خافته ماكانت لتسمعها لولا حسها المرهف واضاف قائلا :
- انت تعلمين انني اريدك وان استطعت الاعتراف بذلك فمشاعرنا ستكون متبادله . لا يمكنك التغاضي عن ذلك الاحساس الذي يسري في كيانك عندما اقترب منك وعن النيران التي تستعر في عروقك كلما لمستك.
واذا اراد ان يثبت تأثيره فيها مد يده من فوق المائده ولامس ذراعها بخفة . انحبست انفاسها مدركة انه عليها ان تبعد يدها عنه ولكنها لم تشأ ذلك .
منتديات ليلاس
لكنه ابعد يديه عنها ليمسك بيديها ويرفعهما الى فمه ويطبع قبلة خفيفة على اصابعها .
- سمي ذلك غريزة التناسل ان شئت ولكنها ليست بداية سيئة وتعني لي اكثر من ذلك بكثير .
لسعتها لهجته الهادئة المتزنه بقسوة وشعرت بالبروده والضياع بشكل مخيف لم تشأ ان تسمع كلامه وعيناه تحدقان فيها بكآبه واضحه :
- انا احبك لابل مغرم بك, ولن اكف عن حبي لك طالما حييت فما رأيك في بداية كهذه ؟ قد تقعين في حبي ان منحت نفسك الفرصة لذلك ولكنك لا تؤيدين الرأي القائل ان العالم ضائع من دون الحب أت لا تجازفين بمشاعرك خوفا من ان تتألمي قد لا يعجبك ذلك ولكن لا يمكنك ان تكبحي رغباتك ومشاعرك ولا يمكنك انكار ذلك الضعف خوفا من الغدر .
ابتعد عنها خطوة وظله الاسود يلوح فوقها مما جعله يبدو اضخم واقوى. كل كلمة قالها كانت اشبه بسكين اغمدت في قلبها .. طلب منها ان تحبه لكنها لا تستطيع فما يطلبه هو ان تعرض نفسها لكل الاشياء التي تخشاها خيبة الامل وجرح الفؤاد وهذا ما لا تريده .
- اذهبي الى مراشك .
قال لها ذلك بصوت هادئ اثار غضبها .
- استلقي في سريرك آمنه واسألي نفسك ان كنت تدركين ما تخسرينه . ولكنني اشك في ان يعطيك قلبك الطاهر الجواب لأنك جبانه يا اليسا .
11- فردوس الحب
جبانه .. اطلق هذه الكلمة كالرصاصة في عقلها لتستقر فيه وقتا طويلا ثم ادار على عقبيه عائدا الى المنزل المظلم
انكرت كل ذرة من كيانها هذه الاهانه وسارت على الشرفة غاضبة عاقده ذراعيها على صدرها .. كيف يجرؤ على اتهامها بالجبن ؟
اليست هي تلك الفتاة القوية التي حالت دون انهيار امها بعد ان انتحر ابوها قبل سنوات عديده ؟ اليست هي التي سعت لتعمل في عرض الازياء رغم كرهها لهذه المهنة, لأنها وجدت فيها الطريقة الاسرع والافضل لتحصل على المال ؟ المال الذي كانت بحاجه اليه لتعيش امها مستقرة في منزل ريفي خاص بها فتعيد بذلك اليها شيئا من سعادتها المفقدوه ؟
لقد امضت سنوات تجري الجراحات التجميلية الصعبة وتقف امام عدسة التصوير مبتسمه بأوضاع خاصة متكفلة دوما اظهار شخصية مغايره لشخصيتها وذلك قبل ان تصل الى القمة وتجلس متربع عليا وعندما تحداها عمها فابيان بتلك الوصية قبلت التحدي من دون تردد او وخز ضمير فكذبت اامام المحامي .
أولم تتحل بالشجاعه الكافية لتعرض الزواج على جيثرو 1 فكيف يتهمها اذن ...؟
جمدت قدماها وتقلصت معدتها لقد قصد شيئا مختلفا تماما فهو بلا شك مؤمن بقدرتها على تحمل مسؤولية حياتها والاعتماد على نفسها انما كان يتهمها بالجبن من ناحية الاعتماد عليه وعلى حبه .
عادت تجلس على كرسيها بضعف .
هل هي من الشجاعه بحيث تتقبل حبه وتؤمن به ؟ وترضى مبادلته بالمثل ؟ لم تكن تعرف .
قبل ساعه كانت تعرف الرد . لأن الطريق الذي ارادت السير فيه واضح تماما... انه طريق الامان . ولكن ... ها هي الان تعيد النظر فيه !
تفتح السؤال داخلها بالزهرة واذا بها تعرف بالاجوبة التي ليست سوى الحقيقة ... اراحت رأسها على مسند كرسي وتركت الامور تأخذ مجراها ... تركت الدفء يتغلغل في عروقها والاجوبة تتواتر بسرعه .
لم يؤثر فيها رجل آخر مثلما اثر هو فيها .
لم يصل رجل آخر الى قلبها ليجعلها تثق به غريزيا وتهتم بما يحدث له. ان انتهى زواجهما كما خططت له, اختفى هو من حياتها فلن تستطيع احتمال ذلك .
لن تدع ذلك يحدث فهو زوجها وستتخذه رفيقا لها وقلما يهمها ان كان فقيرا ففي داخل جيثرو كول طاقات عظيمة وتحيط به هالة من القوة والطموح يجهلها ويمكنهما معا , ان يحققا المستحيل .
وقفت منتصبة القامة وعلى وجهها ابتسامه رقيقة ثم دخلت المنزل عازمة على ان يصبح زواجهما حقيقيا هذه الليلة . زواج مبني على الحب وزواج يدوم الى الابد .
وها هي تتحلى بالشجاعه الكافية لتخطو هذه الخطوة .
***************
اخذ جيثرو ينظر عبر نافذة غرفته لكن الظلام منعه من رؤية شيء عدا انعكاس صورته في الزجاج .
ابتعد عن تلك الصورة المتجهمة الساهمة العينين بنفاذ صبر ثم خلع قميصه ليستحم وبعدها الى الفراش فان بقي صاحيا محاولا ان يتكهن بما يجول في رأسها فسيصاب بصداع قوي .
اخذ يفكر مشمئزا من نفسه لأنه لم يعطها الوقت الكافي لتعرفه جيدا وتجعل منه جزءا من حياتها فلا ترى مستقبلها بدونه كما ان خططه كلها لم تثمر, ولم يعد هناك ما يمكن انقاذه .
المشكله هي ان عقله يتوقف عن التفكير عندما يكون بجانب آلي فيتصرف حسب ما يمليه عليه قلبه , وبعد الذي قاله هذه الليلة لم يعد بوسعه التراجع ولا التظاهر بأن شيئا لم يحدث ...
لقد كشف اوراقه امامها سواء قبلت حبه ام رفضته لكنها ابت ان تكشف نفسها وقلبها له ولهذا لم يشأ ان يجعل زواجهما حقيقيا .
اطلق سلسلة من الشتائم وهو يتوجه الى الحمام لعلها الآن في سريرها تخطط للهرب او ربما تشعر في اعماقها بالخزي لتجاوبها مع رجل لم تستطع ان تحبه . ومن يدري قد تكون مجروحه المشاعر لأنه رفض ماقدمته له .
لماذا لم يتجاوب معها ؟ لقد ارادت ان يحملها الى عالمه ولم يكن ذلك الامر بالصعب فلماذا فضل ان يتمسك بالقيم ؟
لم تخفف المياه الساخنه من وطأة توتره النفسي اذ تملكهالاحباط وهو يرى ان اسلوبه العنيد ابعده عن المرأة الوحيده التي استطاع ان يحبها .
لم يجد الى النوم سبيلا ... لف منشفة كبيره حول خصره متمنيا لو ان سيارته الجاغوار معه لقطع بها مئات الاميال ليعود عند الصباح متذرعا بحجه ما لتصرفه هذا .
لكن مع هذه الفان المتداعية لا سبيل الى ذلك ! سيكتفي بجولة في الجوار. سيرتدي ملابسه ويأخذ مصباحا يدويا ويسير حتى الفجر .
توتر فكه وهو يعيد الى ذهنه ذكرى ما حصل . مالذي دفعه الى هذه الغطرسه ليأمرها بأن تقع في حبه وان لم تقدر على ذلك ينعتها بالجبن؟ لن يلومها ان شهدت بأنه مجنون !
وجد غرفته غارقة في الظلام مع انه تركها مضاءة هل هل احترقت كل الاضواء ؟ مستحيل . ربما انقطع التيار الكهربائي ... تقدم الى زر النور في الجدار ولكن قبل ان يصل اليه قالت آلي :
- لماذا تأخرت ؟
سمع حفيف الملاءات القطنية في السرير المزدوج الضخم فتساءل عما اذا كانت تسمع دقات قلبه الذي كان يخفق بشده بين ضلوعه ليصم اذنيه .
قال لها بصوت مخنوق :
- آلي ؟
سمعها تتمتم ضاحكة في الظلام :
- وهل كنت تتوقع احدا سواي ؟
كانت عيناه قد اعتادتا على الظلام فاستطاع ان يرى السرير والوسائد المتكومه. سار نحوها وهو لا يكاد يجرؤ على التنفس لم يطرح الاسئلة... انها اكثر لحظات حياته اهمية , فما قد يحدث الآن , او يقال سيؤثر على مستقبلهما معا .
انه متلهف للغاية الى ان يجمعهما ذلك المستقبل .. حتى الآن كان يحاول ان يوجه علاقتهما نحو الطريق الصحيح ولكنه الآن سيترك زمام الامور لها , املا بأن تحسن التصرف اكثر منه .
مد يده ليشعل المصباح الكائن بجانب السرير فلاحظ ان يده ترتجف اراد ان يراها بوضوح وينظر في عينيها الجميلتين ويكتشف ما يدور في ذهنها .
وقع عليها الضوء الناعم فأظلمت حدقتا عينيها الكبيرتين وكانت خصلات شعرها الرائع منتشره على الوسائد التي كومتها خلفها ...
رفعتملاءة السرير الى ما تحت ذقنها وجالت عيناها ببطء عليه .
اختنقت انفاسه في صدره وشعر بغصة في حلقه وهو ينتظر تلهف الى ان يلمسها الا ان رغبته في معرفة ما احضرها الى سريره كانت اعظم .
اغمض عينيه لحظة ثم تأوه , فقالت بصوت اجش :
- لقد فكرت في ما قلته لي وعندما توقفت عن شتمك ونعتك بكل الاسماءالقذره التي اعرفها رأيت انك على حق لقد حان الوقت لأكف عن الخوف من مشاعري .
كانت تتنفس بصعوبه ... فسرت في جسمه قشعريرة .
وبقي ينتظر ممتنعا عن طرح الاسئلة , كي لا يرغمها على قول ما لا تريده .
قالت والاضطراب باد في صوتها وعلى محياها :
- فقررت المغامرة .
ثم اشاحت بوجهها عنه مسبلة اهدابها الطويلة واضافت قائلة :
- اظنني اسأت التصرف .
وقطبت حاجبيها مضيفة :
-ما اريد قوله انني موافقه على اقتراحك بأن نجعل هذا الزواج حقيقيا .
وتنفست بحده وهي ترمقه بغضب :
- انك لا تسهل الامور علي .. هلا قلت شيئا ؟ او انضممت اليّ؟
لاحظ نبرة السخط في صوتها وكبح رغبة تحثه على الاندفاع نحوها . عليه اولا ان يعرف اتراها قررت قضاء صياتها معه ام انها تود اللهو ريثما تنتهي سنة زواجهما هذه ؟ اذا كانت هذا ما تريده فلن يرضخ لها .
- لماذا ؟
سألها متوترا وقد تصلب جسده , لأن امورا كثيره تعتمد على جوابها له .
فقالت شاهقه :
- ماهذا السؤال السخيف ؟ ماذا تظن برأيك ؟
- انا لا اقصد مشاركتك سريري ولكن لماذا غيرت رأيك من ناحية ائتمائي على سعادة مستقبلك ؟ اننا نتحدث عن المستقبل البعيد .
اومأت باقرار صامت وهي تحني رأسها بتعاسه لهذا المشهد الفوضوي الذي احدثته ثم سمعته يكرر سؤاله وانما بلهجة ارق هذه المره وكأنه عرف ان شجاعتها الحديثة الولاده قد ابتدأت تتسرب منها قال :
- لماذا ؟
- لأن ....
وتلاشى صوتها .. ولم تعد تعرف كيف تعبر له عن شعورها ولكن فكرة خسارة هذا الرجل جعلتها تندفع قائلة :
- اذا كان الحب يعني ان تستعر النيران في عروقي عند كل لمسة منك او ان اصاب بالذعر بمجرد التفكير في ان أي ضرر قد يحدث لك , او ان اشعر بالخوف لاحتمال الا اراك ثانية , يمكنني القول اذن انني احبك .
كانت اصابعها تعبص بملاءة السرير بتوتر .
وقف جامدا وقد اخذ جسده المتناسق الرائع يرتجف وضاقت عيناه الذهبيتان. فخافت من ان تكون قد اقترفت اكبر غلطة في حياتها .
اهو من الذين يفضلون الامساك بزمام الامور ؟ او من الذين يجدون النساء اللواتي يعرضن انفسهن منفرات ؟
وهل كذب عليها حين قال انه يحبها ؟
تأوهت وقد غمر الحزن قلبها ... عند ذلك تحرك من مكانه وكأن هذا الصوت الخافت قد بدد السحر الذي كان مستوليا عليه مانعا اياه من الحركة , واذا به يقفز الى السرير بجانبها .
احتضنها بذراعيه .
- كم انا متشوقا لسماع هذا منك قوليها مرة اخرى .
- احبك .
شعرت بالبهجة وهي تردد هذه الكلمة فعادت لترددها وصوتها يهتز بالسعاده :
- احبك ياجيثرو .
رفع نفسه على مرفقه لينظر الى اعماق عينيها وقال بصوت خشن :
- اقسم لك بانك لن تندمي ابدا وسأسعدك ولن افارقك يوما .
ونظر الى جمال وجهها :
- منذ رأيتك للمرة الاولى اصبحت هاجسا في كياني يملأ قلبي وعقلي .
هتف باسمها بصوت مرتجف وقال :
- انني عادة رقيق غير متهور لكنك سلبت عقلي مني .
كان ينتفس بعنف وقد توترت عضلاته للجهد الذي كان يبذله للسيطره على مشاعره .
وابتلعت هي ريقها وقد اكتسحتها الغيرة لا شك ان في حياته نساء كثيرات فهو رجل قوي التأثير والنساء يرينه جذابا للغاية .
لكن ذلك كان في الماضي وهذا لا يهمها ... ما يهمها هو المستقبل فقط. وهي زوجته وهو يحبها . وتخللت شعره الكثيف الاسود بأصابعها شاعره بالدوار .
ولكن كان هناك شيء عليه ان يعرفه .
- ربما ..ربما ستتفاجأ ... فأنا لم يسبق لي ان طارحت رجلا الغرام من قبل .
ها هي قد قالتها لا حاجه بها للشعور بالاحراج او انها سخيفه وهي سعيده لأنها فضلت ان تنتظر الحب تنتظره هو .
- آلي ؟
كان في صوته بغته :
- هل انت عذراء ؟ يالها من هديه تقدمينها اليّ .
اخذها بين ذراعيه برفق وتملكها الوهن بين احضانه .
وعندما اصبحت اخيرا زوجته حقا , دخلت معه فردوسا من السعاده وعلمت انها ارتبطت بهذا الرجل الى الابد , روحا وجسدا .
12- ارض الواقع
- ليس هناك شيء بهذا الجمال .
قالت آلي ذلك في طريق عودتها الى المنزل من جوله فوق الجبل .
- لاجدال في ذلك .
واشتدت اصابعه على يدها ... قريبا يكشف لها هويته . ولكن ليس الآن فهو يعلم انه قلما يهمها ان تزوجت بصاحب ثروة عظيمة او برجل فقير لأن حبيبته الحلوه احبته لشخصه وليس للحياة المترفة التي بامكانه ان يقدمها لها .
لذا ما من سبب لأخفاء الامر عنها ولكنه لا يريد ان يعكر شيء صفوة فردوسهما هذا .
امضيا 10 اياما رائعه اكتشفا خلالها بعضهما البعض ومن يكونان حقا مثل أي زوجين عاشقين .
اخذت تلامس براحتيها كتفيه مائله برائسها وقد غيرت الشمس لون شعرها المشعث بينما تغلغلت اصابعه في خصلاته الحريرية.
- لا اظننا سنتناول العشاء . اليس كذلك ؟
- الحب يدعونا . اليس كذلك يازوجتي الحلوه ؟

قال هذا وعيناه تتألقان بينما ضمها الى صدره .
كانت اوهى من ان تجيبه فتعلقت بعنقه وحملها الى المنزل . ولكن جرس الهاتف رن للمرة الاولى منذ حضورهما الى هنا .
- الافضل ان تجيب انت , لعله صديقك .
قالت له ذلك وهو يضعها على الارض .
- آه , انسي الامر .
اجابها وفي عينيه نظرة ماكرة , ولكنها هزت رأسها نفيا فأضاف :
- حسنا مادمت مصره , ولكن لا تغيري رأيك .
- ومن قال اني سأفعل .
ووضعت اصبعها على فمه قائلة برقه :
- اجب على الهاتف قبل ان ينفجر , ونادني اذا كانت امي .
واتجهت نحو المطبخ تغمرها سعاده لم تعهدها قبلا .اخرجت من البراد صندوقا يحتوي على عصير التفاح وسكبت لنفسها كأسا وراحت تتسكع في المطبخ تستمع الى جيثرو عل المتصل امها , وكانت قد طمأنتها على وصولها بالسلامه من دون ان يتحطم الفان القديم بهما .
عليها ان تقنع جيثرو بأن يستبدل السيارة القديمة بأخرى افضل حالا . ولكن الافضل ان تنتظر قليلا اذ بعد ان يستقرا في شقتها الصغيرة في لندن يمكنهما ان يناقشا ما سيفعله بالنقود التي اعطته اياها .
فان شاء ان يستمر في تنظيف النوافذ فلا بأس ولكن عليه ان يحتفظ بدفاتر مناسبه ويعلن عن خدماته ويحصل على بوليصة تأمين ولكنها ستؤجل الحديث في هذه الامور في الوقت الحالي .
بعد يومين تنتهي اجازتها لذا تريد ان تستغل هذه الفترة اقصى حد ولن تبدأ بالثرثرة عن العمل وكيفية ترتيب امورهما اذا اضطرت لترك عملها عند الولاده .
عندما دخل المطبخ كانت كتفاه متوترتين . غسلت كأسها ثم قالت :
- يبدو انها ليست امي هل تريد كوبا من عصير التفاح ؟
هز رأسه نفيا لكنه لم يذكر اسم المتصل وقال :
- اريد شيئا اخر .
ومد يده الى زجاجة عصير الليمون في البراد وسألها :
- اتريدين عصيرا ؟
اخذت تنظر اليه وهو يفتح الزجاجه لكن تلك النظرة المتجهمة في عينيه اقلقتها :
- هل من خطب ؟ اخبرني ان كان ثمة خطب .
لابد انها تلك المكالمة الهاتفية لعله صاحب البيت صديقه القديم قد طلب منه ان يرحل لأنه يريد المنزل وهذا هو سبب تجهمه ؟
- ما من خطب اطلاقا .
ما عدا توقيت مخابرة كلو السيء ... لكنه تجاهل بحزم مخابرة اخته وقرر ان يتفرغ بكليته لآلي ولما تبقى لهما من شهر العسل . انها ليلتهما الاخيرة في هذا الفردوس , وهو لا يريد ان يفسدها .
سرعان ما سيقتحم حياته العالم الحقيقي بمعاملاته الكبرى وقاعات الاجتماعات وقرقعة الفاكس ومجموعه من الموظفين .....
غدا يشرح لها كل شيء اما الليلة فهي ملكهما ملكهما وحدهما .
ورماها بالابتسامه التي طالما شلت حركتها .
- اعتقد يا سيده كول اننا على موعد مع الحب .
ةتناسى تلك الحادثه مؤقتا .
**************
بعد ذلك بوقت طويل تحركت بين ذراعيه لم يغمض له جفن لكنها هي استرسلت في نوم عميق وادارت رأسها ناعسه .
- كم الساعه الآن ؟
- استيقظ الجمال النائم اخيرا ... انه الفجر تقريبا سنغادر اليوم رأسا الى لندن .
ادارت رأسها لتنظر اليه وفي ظل الضوء الخفيف بدت ملامحه رزينه وعيناه غامضتين .
- حسبت اننا سنبقى هنا حتى بعد غد .
قالت ذلك باحتجاج فقد وضعت خطه ليومهما الاخير هنا .. نزهة في البحيرة المنعزلة على التلال المشجره سباحه في المياه المنعشة وغداء رومانسي على ضفاف البحيره .
- اخشى ان اخيب املك حبيبتي .
واستند الى الوسائد خلفه شابكا ذراعه خلف رأسه :
- عليك ان تقابلي المحامي لأنهاء مسألة الميراث فالوقت يمر لا تنسي كما انني مضطر لمقابلة شخص بخصوص مسألة قد تكون عاقبتها وخيمه .
الا يمكن تأجيل هذه الامور ليوم واحد فحسب ؟ رفعت نفسها على مرفقها واخذت تمعن النظر في وجهه كانت عيناه مغمضتين بحزن .. لم يكن يخدعها فقد سمعت نبرة الاسف في صوته لأنه لم يستطع اخفاءها وادركت انه مثلها يأٍف لنتهاء هذه القصيده الريفية الشاعريه .
- ماهي تلك المسأله ؟
اتراه يحاول ان ينشئ عملا يضمن مستقبلهما ؟ هل اجرى اتصالات في لندن بهذا الشأن ام هو مجرد عذر .
مالت الى تصديق التعليلي الاخير حين قال :
- سأخبرك كل شيء حين انتهي منها .
لكنه رأى ان بأمكانه ان يشرح لها الامر الآن . فما زال لديهما الوقت قبل ان ينهضا ويبدآ بحزم الامتعه , ولكن من اين يبدأ ؟هل ستجد الامر مسليا ؟ وتفهم سبب اخفائه حقيقة حياته عنها ؟ ام ترى الامر خداعا وتفقد ثقتها فيه ؟
لكنها ازاحت عن ذهنه مشكلة طرح الموضوع , عندما طوقت عنقه بذراعيها ووضعت رأسها على صدره قائلة :
- هذا البيت افضل من بيتي الصغير بألف مرة .لكن ياحبيبي قلما يهمني اين نسكن ما دمنا معا .
كانت واثقة من ان تلك المخابرة هي من صديقه وهو يطلب منه مغادرة المنزل خلال الايام القليلة التي امضتها معه لا حظت شعوره الطبيعي بالسلطة فأدركت انه يشعر بالضيق في داخله لاضطراره الى حرمانها من اخر يوم في شهر عسلهما ولكنه لم يكن في وضع يسمح له بالاعتراض .
****
- هكذا اذن ؟
وحمل جيثرو حقيبتها وتوجه الى سيارة الفان... لقد داهمهما الوقت ... فقد تركها نائمة ريثما ينجز بعض الاتصالات الهاتفية ثم يغلق نوافذ المنزل ويعد القهوة والخبز المحمص للافطار . لكنها اصرت على نزع ملاءات السرير قبل الرحيل وتنظيف المطبخ قائلة :
- لا يمكننا ترك الفوضى تعم المكان , وماذا سنفعل بشأن الطعام ؟
بدا عليه عدم الاكتراث فخشي ان تظنه ناكرا للجميل .
عندما تركا الفان في موقف السيارات قالت له قلقة :
- هل يمكن تركها هنا ؟ الن يقطرها احد بسيارته ؟
- هذا يخفف عني مشقة نقلها الى ساحة الخرده .
ثم طلب منها ان تحث الخطى الى مكتب التذاكر قبل ان يفوتهما القطار .
هذا ايضا سيجعلها تظنه عديم المسؤولية ايضا لكنه سبق ان اتصل بهاري ليحبره اين بأمكانه ان يجد الفان ليحضرها ويبيعها بأي ثمن يحصل عليه .
اشترى تذكرتين للدرجة الاولى بواسطة بطاقة المصرفيه وعندما دخلا القطار قبل ثوان من انطلاقه قالت :
- لا مكننا الجلوس هنا في الدرجة الاولى .
كم بدت جميلة بارتباكها وتورد وجهها خجلا ... كانت ترتدي بنطلونا ابيض يعلوه قميص ليموني اللون من دون كمين . وابتسم لها ببطء :
- لا تقلقي اشتريت تذكرتين للدرجه الاولى .
- اتعرف ثمنها ؟
عظيم ...عظيم جدا ! ستظن الآن انها تزوجت رجلا مسرفا ... وجلست بهدوء في مقعدها بينما اطلق هو تنهيده .. الليلة بالذات سيكشف لها الحقيقة !
جلس بجانبها وامسك بيدها وراح يعبث بخاتم الزواج الرخيص في اصبعها غدا سيبتدله باخر اكثر قيمه قال بلطف :
- ربما ان هذه الليلة هي الاخيرة في شهر عسلنا الرسمي , سأدعوك لتناول العشاء في مطعم وادللك للغاية .
كان يعرف فندقا فخما قرب ويندسور يقدم طعاما ممتازا وفيه غرفة الطعام المضاءه بالشموع وجناح خاص بالعرائس .
اتصل هذا الصباح لحجز هذا الجناح ومائدة لشخصين واتفق مع مساعده جايمس ابوت ليأخذهما بسيارته الى هناك هذا المساء ثم يأتي ليقلهما غدا ظهرا ... انه مكان مثالي لشرح المسألة لها .
- لا اريد ان تدللني. ولكن لا بأس بالعشاء .
وضغطت بدورها على يده ثم اخذت تنظر من النافذه مفكره .
ان كان يريد ان يبدد نقوده فستفعل ماطلبه منها فالمال ماله في كل حال ولكن عليهما ان يتحدثا بصراحه عن ضرورة التوفير في المستقبل .
لقد علا الاحمرار خديها وهي تفكر بتلك اللحظات الحميمه التي امضاها معها فخطر لها ان تكون حاملا الآن .
ولكن فكرة انجاب طفل منه جعلتها تشهق قليلا فقال جيثرو برقة :
- بماذا تفكرين ؟
التفتت اليه وهي تريح رأسها على مسند الكرسي وقد احاط شعرها المسترسل كتفيها .
- افكر في مدى حبي لك .
وكان هذا من الصحه بحيث اعتصر الالم قلبها بشده كان يبدو وقورا رغم اختياره ارتداء البذلة الرخيصة التي ارتداها يوم زفافهما فوق قميص يماثلها رخصا وربطة عنف لابد انه استعارها من جده هاري او من متشرد تكرم عليه بها .
كان حبيبها الغالي يبذل جهدا ليبدو انيقا لأجلها لكن قلما تكترث لما يرتديه لأنها ماكانت لتصدق انها قد تحب رجلا الى هذا الحد .
***
رافقته الى شقتها الصغيرة لتعرفه عليها وعندما حمل حقيبتيهما الى غرفة النوم قال له :
- آسفه لهذا السرير المنفرد . علينا ان نتدبر امرنا الى ان استبدله بأخر مزدوج .
ونظرت اليه بأسف :
- لم احاول قط ان اجعله مريحا وعلينا ان نستعمل وساده واحده ونرى كيف يمكننا ان نجعله بهيجا .
فقال بغير اهتمام :
- لا عليك ولا تزعجي نفسك بافراغ حقائبي سأقوم بذلك فيما بعد .
ونظر الى ساعته ثم طبع قبله خفيفة على طرف انفها واضاف :
- علي ان اخرج الآن وسأتي لأصطحابك عن الـ7 ارتدي ثوبا جميلا .
فسألته بسرعه :
- اتي معك الى اجتماع العمل ذاك ؟
لم تكن تريده ان يقفز الى عمل مشكوك فيه ليؤمن مستقبلهما .
- كلا .هز رأسه بحزم وكأنه يشعر بأنها ستضيع وقته :
- حددي موعدا مع محامي عمك الراحل وعليك ان كانت امك تريد الانتقال الى ستدلي ان تحصلي على رخصة بالمفتاح لكي نرى ما اذا كان صالحا للسكن .
اخذت تنظر اليه وهو يغادر الشقة. هل سيدوم اجتماع العمل حتى المساء ؟ لقد جاء بها الى هنا ثم اندفع خارجا من دون ان يكترث بهذه الثقه التي ستصبح عشهما الزواجي الى ان يتمكنا من الانتقال الى ماكن اوسع .
جل ما كان يثير اهمامه هو الخروج من البيت والتأكد من مطالبتها بارثها . ألأنه يعلم مدى لهفة امها للعودة الى هناك ام انه عقار ثمين للغاية ؟
لكنها طردت هذه الفكرة من رأسها بحزم ... لن تشك فيه ابدا .
اذا كان بيته الجديد لا يعجبه فهي لا تلومه اذ ليس فيه ما يستحق المديح كما انه مشغول باجتماع العمل ذاك . ألم يقل لها انه سيخبرها كل شيء عنه عندما ينتهي منه ؟ انه ليس غبيا ولن يغامر ان لم يكن متأكدا من النجاح .
ووهي تثق به تماما .
13- سكين في القلب
اتصلت آلي بالمحامي وحددت معه موعدا بعد يومين وبدلا من الاتصال بأمها التي كانت في تلك الساعه في عملها قررت ان تتصل بوكيل اعمالها اذ عليها العوده الى جني المال , لكنها سترفض السفر الى ما وراء البحار لأنها تأبى الابتعاد عن جيثرو الا للضرورة القصوى .
هتفت كريستا فيشر قائلة :
- ياعزيزتي ارسلتك السماء الي لتخرجيني من المأزق الذي وقعت فيه ... انا واثقه من ذلك .
فضحكت آلي وهي معتاده على العواطف الزائفه من وكيلة اعمالها ولكن تلك المشاعر الجياشة تخفي خلفها عقلا عمليا حادا وقال آلي :
- هل لديك شيء لي ؟ ولكنني لا اريد السفر . انتهت ايام الرحلات الطويلة فأنا امرأة متزوجه الآن .
ولأنها توقعت صرخة من كريستا ابعدت سماعة الهاتف عن اذنها وعندما اعادتها كانت المراة تقول :
- عدة عروض .. لقد سأل عنك اصحاب مركز بيور ماجيك لمساحيق التجميل .. فأخبرتهم انك في اجازة لكنهم مازالوا يبحثون عن بديلة لك ... سأتصل بهم في الحال . والآن لنعد الى موضوعنا يا عزيزتي . لقد خذلتني ماربيتا اذ كان من المفروض ان تكون نجمة عرض ازياء الخيري والمهرجان اللذين سيقامان هذه الليلة لكنها اتصلت بي هذا الصباح لتعتذر عن ذلك اذ سقطت الغبية وتأذت .. هل تصدقين ؟ ماذا كانت تحسب نفسها فاعله وهي تتسكع في اراضي سكوتلندا المعشوشبة مع احد الاثرياء يصطادان الدجاج البري ؟ لا استطيع ان اتصور ذلك ! اتصلت بساشاديل بصفتها بديلة لها ولكنني افضلك عليها . والآن ما رأيك لو نتناول الغداء معا ونناقش هذا الامر ؟
- انا لست ..
فقاطعتها :
- سأراك بعد ساعه ... في مطعم دوسر علي ان اقفل الآن .
وضعت آلي السماعه ثم دونت اسم المكان تحت رقم كريستا وكعادتها لم تدعها وكيلة اعمالها تتلفظ بكلمة. لكن الغداء سيساعد على مرور الوقت .. يمكنها ان تعرف نوع العمل المعروض عليها ثم تشرح لكريستا بأنها لا تستطيع الاشتراك في مهرجان الليلة. لأنها ستتناول العشاء مع زوجها ولا يمكن ان تلغي ذلك الموعد !
امضت ساعه من الوقت لتعقد شعرها الى الخلف وتتبرج وترتدي بنطلونا ازرق وستره مناسبه . كانت هذه احدى البذات المحتشمه التي ترتديها حين لا تريد ان تبدو انيقه.
طلب جيثرو منها ان ترتدي ثوبا خاصا لهذه الليلة ولا شك ان الثوب الاسود الذي تحتفظ به للمهرجانات سيفقده صوابه . عليها ان تثبت له انها قادرة على الاعتناء بمظهرها حين تريد ذلك .
وصلت متاخره بـ5 دقائق الى المطعم وتوجهت فورا الى مائدة كريستا .
- آسفة للتأخر لكن السير مزدحم للغاية .
قالت آلي ذلك وهي تجلس على كرسيها فأجابت كريستا:
- لا داعي للقلق. ارجو ان يكون لديهم اطباق جيده لتناولها .
واشارت كريستا الى النادل ثم سألت آلي :
- ماذا تريدين ؟
- مياها معدنية مع الليمون .
وتناولت آلي قائمة الطعام واختارت منها سلطة ثمار البحر .
- ولكني جد هذا المكان الأنسب لاكتشاف المواهب . اذ يبدو ان جميعهم من الشباب! انظري الى تلك الفتاة عند المائده قرب النافذه .. انها تتغدى مع حبيبها , انه رجل رائع! استدعي الى الهاتف قبل لحظات من قدومك هل يمكنك رؤيتها؟ تلك التي ترتدي الثوب الاحمر المتألق ؟
اسندت ذقنها على يديها وقد ضاقت عيناها العسليتان وهي تتابع :
- ان صففت شعرها بشكل جميل , ووضعت المكياج الكامل على وجهها دت جيده للتصوير ما رأيك ؟
ازاحت آلي كرسيها لتتمكن من النظر الى الخلف ولكنها لم تستطع ان ترى الفتاةسوى رأسها وكتفيها .
انها كلو ابوت ..
فقد تذكرت بوضوح ذلك الوجه الجميل في الصورة ذات الاطار الفضي.. الشعر الاسود الفوضوي الذقن العنيدة والثغر الشبيه بورقة شجر ..
ان لم تلكن تلك الفتاة هي كلو فلا بد انها شبيهة بها.. ستخبر جيثرو عنها عند المساء ... واخذت تتساءل عمن يكون حبيبها .
- وجهها مميز جدا .
وافتها الرأي باسمة ثم عادت تلتفت الى كريستا التي كانت تطلب سلطة ثمار البحر فأظهرت لها استعدادها للعوده الى الحديث عن العمل ورحت تشرح لها بأنها مشغولة هذا المساء :
- حسنا ....
لكن كريستا قاطعتها مستفهمه :
- والآن اخبريني عن زوجك هذا ظننت انك لا تهتمين بالزواج , لابد انه شخص مميز ليجعلك تغيرين رأيك .. متى حدث ذلك ؟ يا الهي اهذا هو خاتم زواجك ؟
التهبت عينا آلي غضبا قلما يهمها ان تضع خاتما يبهر الانظار .
ولحسن الحظ سكتت كريستا فجأة لتمسك معصم آلي بيد كمخلب النسر قائلة :
- لقد عاد اليس الحب جميلا ؟ انظري اعتقد انه يكتب شيكا .
فقالت آلي تنبهاا :
- اخفضي صوتك .
ثم امالت كرسيها لترى الرجل الذي فتن كريستا وماتت الابتسامه على ثغرها .
كان جيثرو يرتدي بذله رمادية بالغة الاناقة مختلفة كليا عن تلك التي ارتداها يوم زفافهما وكان قميصه فاتح اللون وربطة عنقه رماديه هادئة اللون مخططه بالازرق وقد بدا انه قص شعره الاسود الكثيف حديثا وهالة السلطة والثقة البالغة بالنفس تحيط به بجلاء.
لم تكن تمانع ان تنفق مدخراتها على صفقات عمل او ان يدخل بها دنيا الاعمال لكنها تأبى ان يعطي فلسا واحدا من ذلك المال لهذه الفتاة ايا كانت صفتها .
رأته يعيد الغطاء على قلمه ويضع دفتر شيكاته في جيبه الداخلي ثم رمى الشيك على المائده ويرفع به بعد ذلك اصابعه ليلامس وجه كلو الجميل بمحبة فائقة .
تسمرت الي في مكانها من تأثير الصدمه عاجزه عن رفع نظراتها عنهما . بدت لها الصورة وكأنها تمر بحركة بطيئة وعندما رأت الفتاة ذات الثوب الاحمر تمد يدها لتمسك بتلك اليد التي كانت تلامسها بلطف وتشد عليها بيدها شعرت بالغثيان .
لقد كذب جيثرو عليها انه مغرم حتما بشقيقة صديقه الثري وهي الآن ترى البرهان بعينيها المتسعتين ذهولا وهذا يعني ان...
لم تحتمل متابعة التفكير في ذلك ليس الآن وليس هنا ستفكر في الامر فيما بعد , عندما تهدأ اعصابها وادارت ظهرها لهما بينما كان النادل يضع طبق الطعام امامها .
اللحم ... شرائح السلمون المدخن ... صلصلة .. واجفلت شاعره بألم مفاجئ في معدتها ستتقيأ ادركت ان ذلك سوف ...
- هل انت بخير يا حبيبتي ؟
تناهى صوت كريستا القلق الى مسمعها متقطعا وكأنه قادم من مكان بعيد يغمره الضباب .
يجب الا تلفت الانظار اليها فإن بقيت مسمرة مكانها وهي تدير ظهرها الى القسم الرئيسي من القاعه فلن يلاحظ جيثرو وجودها .
وفي مطلق الاحوال لا تخاله يحول انتباهه عن الفتاه ذات الثوب الاحمر .
قبضت طعنه عذاب اخرى على معدتها بقوة, فقالت بألم وعلى فمها ابتسامة مغتصبه :
- انا بخير علي الذهاب الى الحمام المعذرة .
واندفعت نحو حمام السيدات .. على الرغم من ارتباكها لملمت بقايا كرامتها يجب الا يراها جيثرو , في هذه الحالة المريعه... عليها ان تسيطر على نفسها تماما عندما تسأله ان يفسر موقفه .
لحسن الحظ لم تتقيأ.. اقفلت الباب على نفسها حيث اسندت جبينها على الجدار البارد .
لقد كذب جيثرو عليها كل ما بدا لها رائعا في زواجهما ليس سوى الكذب يدعو الى السخرية .
منذ اخبرها عن كلو شقيقة صديقه الغني حدثتها غريزتها الانثوية بأنه مغرم بتلك الفتاة وخطر لها انه تزوجها هي من اجل ان يضع يده على مبلغ كاف من المال ويثبت لصديقه انه ليس ذلك المفلس الذي لا رجاء منه , وبعد الطلاق سيعود حرا لكي يتزوج كلو .
هذا لا يعني انهما سيحتاجان الى موافقة اخيها طبعا . لكنه لا يريد ان ينفر منه رجلا يملك كل تلك الاموال .
وتذكرت ميراثها وشعرت وكان ماء مثلجا يسكب على رأسها .
هل حاول ان يحذرها مما يمكن ان يحصل عندما اتهمها بالمبالغة في ثقتها وعدم اصرارها على طلب اتفاقية قبل الزواج اذ يمكنه ان يأخذ منها كل ما يستطيع الحصول عليه فيطالبها بنصف ماتملكه عندما يتطلقان ؟ وبالرغم مما قاله , فان الزواج سينتهي في الوقت الذي يناسبه .
تأوهت بألم بينما قلبها يحدثها بأن هذا لا يمكن ان يكون صحيحا .كيف امكنه ان يظهر لها تلك المشاعر العنيفة والرقة بينما هو مغرم بامرأة اخرى ؟
لكنها راتهما معا بأم عينها وتعرفت على المراة التي برفقته كما انه رجل... ولا بد انه شعر بتجاوبها معه فاستغل ذلك. ولماذا لا يستغلها اثناء انتظاره انتهاء معاملات قصر ستدلي ليصبح ملكها ؟
عليها ان تسيطر على نفسها قبل ان تتحطم تماما وتكف عن تعذيب نفسها بأسئلة تعجز عن الاجابة عنها . وقررت ان تتفاهم معه على كل شيء الليلة . فمن المفروض ان يصطحبها الى العشاء ان استطاع ان يسلخ نفسه عن كلو .
منتديات ليلاس
وتساءلت بشيء من السخرية عما اذا كان سيرتدي بذلته التي تدعو الى السخرية تلك ام هذه البذلة الانيقة الرمادية اللون .
ساعدتها السخرية على تمالك نفسها والخروج من الحمام واذا بها تجد نفسها امام كلو التي كانت تغسل يدها .
غسلت بدورها يديها ثم نظرت الى الفتاة الاخرى وهي تسير نحو المرآة ثم قالت بلهجة عوية :
- هل تقابلنا من قبل؟ اسمك كلو ابوت . اليس كذلك ؟
رمتها كلو بابتسامه جميله ثم عادت تنظر الى المرآة وهي ترفع يدها لتدفع شعرها الاسود عن وجهها ولمع خاتم الزواج العريض في اصبعها .
انها متزوجه! ولم تصدق ما رأته عيناها ... هل يسرق جيثرو زوجة رجل آخر ؟ عندما تحدث بعطف عن اخت صديقه الغني لم يذكر انها متزوجه .. هل المشهد الذي راته في المطعم له معنى آخر ؟ اتراها كانت تظن اشياء فظيعه عنه من دون سبب ؟ واخذ رأسها يدور .
وقالت الفتاة بابتسامة اخرى :
- لا ... والا لتذكرت ذلك , ثم انني ادعى كلو كول وليس كلو ابوت فشهرتي ليست جميلة اللفظ ولكنها ملتصقة بي .
استجمعت آلي كل ماتملكه من ثبات وتوازن للخروج من الغرفة .
عدا عن الامور المرعبة الاخرى كلها تزوجت من رجل متعدد الزوجات ليس هناك أي تفسير اخر .
قطبت كلو جبينها وهي تنظر الى تلك الشقراء الطويلة الفاتنه تندفع خارجة من الغرفة بشكل مفاجئ ثم هزت كتفيها بخفة وعدلت خاتم الخطوبة الماسي في اصبعها .
عادت آلي الى مائدتها وجلست على كرسيها :
- ما الذي اخرك الى هذا الحد ؟
سألتها كريستا هذا فأجابت بلطف وهي تتناول طعامها :
- لا تقلي علي اسئلة محرجة ياعزيزتي في أي وقت تريدينني هذا المساء واين ؟
كانت تشعر الآن ببرودة الثلج انها قوية ولن تسمح لرجل بأن يجعلها ضائعه منهارة او يملآها بالمرارة التي ستدمر حياتها في النهاية.
فهي لها حياتها ومستقبلها ونفسها لتعتمد عليها . وليست بحاجه الى اكثرمن ذلك .
خالتها فران محقه وكل ما حدثتها به غريزتها كان صوابا فليس من رجل جدير بالثقة وكلهم في النهاية مخادعون .
14- لن اتوقف عن حبك ابدا
كما جرت العاده في العروض التي تنظمها تلك التي لا تعرف التعب مادلين فلوريد بالمر سار كل شيء على ما يرام .
ومع ان الفوضى سادت في كواليس المسرح اذ اصيب احد المصممين بثورة من الغضب وهدد المنسق الرئيسي بالمغادرة الا ان الجمهور لم يعلم بالامر وقدم الطعام والشراب على الموائد المحيطة بقاعه الرقص كما سار عرض الازياء على احسن ما يرام .
- يمكنك ان تذهبي الآن .
فكت الخياطه اخر زر من الازرار الصغيرة المغطاة بالحرير التي تزين ثوب الزفاف الاسطوري الجمال فأنزلته آلي عن جسدها وخطت من فوقه وهي تتنفس بارتياح .
كان عرضها لهذا الزي الرائع وابتسامتها وهي تسير ببطء تحت الاضواء الناعمه قد احدث اول شرخ في الدرع الذي احاطت نفسها به ضد مشاعر الحزن والآلم فالوسيقى الشاعرية الحالمه جعلت الدموع تلمع في عينيها وحملتها على التفكير بجيثرو
فما الذي قد حصل يا ترى ؟ ولكن لا جدوى من قلقها هذا كما اخذت تحدث نفسها الآن , متجاهله ثرثرة العارضات المشغولات بارتداء ملابسهن ووضع اللمسات الاخيرة على شعورهن وتبرجهن .
كان من الفترض ان تختلط العارضات والمصممون على حد سواء بالمدعوين المرتدين ملابس السهرة, المتحلين بالمجهورات في قاعه الرقص , في هذا الفندق الضخم فعند انتهاء العشاء تفتح حلبة الرقص فيختلط النجوم الذين دفعوا مبالغ طائلة للحضور ليس فقط لمساندة هذا العرض الخيري ولكن ليظهروا فعلهم هذا للناس .
خطر لها انه تستحيل تخصية ساخرة لاذعه ولكن اليس لديها كل الحق في ذلك ؟
بعد ان فرغت غرفة الملابس من الناس اخرجت ثوبها الاسود من الكيس ولبسته .
ستقوم بواجبها وتختلط بالاخرين وتبتسم ... فهي ذاهبة الى حفلة قبل ان تغادر المنزل وتركت ملاحظة لجيثرو بجانب الهاتف تقول فيها ( لدي عمل الليلة فلا تنتظرني ) ولم تضف كلمة اسفة .
فهي تريد ان تؤخر المواجهة بينهما قدر المستطاع حتى تتأكد من انها ستعالج الامر معه بكرامة وبرود تامين . لا يمكنها الانهيار او اظهار ما احدث فيها خداعه لها لقد حطم حبها وضاعت ثقتها به ولكن عليها ان تحتفظ بكرامتها .
وضعت الثوب الذي جاءت به في الكيس ولبست الحذاء الاسود ثم وقفت اما المرآة تنظر الى نفسها رغم المكياج المتقن كان وجهها شاحبا وعيناها حزينتين .
وفجأة خطر لها فكرة الا تذهب الى الحفلة .. لا يمكنها ان تفعل هذا . فرفعت حما لات ثوبها فوق كتفيها وحملت حقيبة يدها ثم توجهت الى الردهة .
لا فائدة من تأخير ما لا يمكن تجنبه فالثغرة البسيطة التي نتجت عن عرضها ثوب الزفاف ذاك قد سويت بنجاح واستعادت سيطرتها على نفسها ... وان انتظرت فلن تكون مواجهتها مع جيثرو اسهل .
طلب لها البواب سيارة اجرة واعطت سائقها عنوان شقتها ولكن عندما مرت بها السيارة على الرصيف المحاذي للنهر امرت السائق قائلة بتوتر:
- لقد غيرت رأئي انزلني هنا .
- هل انت واثقة ؟
لم تكن واثقه تماما من ذلك اذ كانت يدها ترتجف وهي تناوله اجره . اومات له وقد منعتها غصة في حلقها من ان تتكلم ورأته يهز كتفيه ثم يبتعد .
تملكها التوتر من جديد كيف يمكنها ان تواجه جيثرو وتخبره بما عرفته عنه وبما راته لقد رات خاتم زفاف في اصبع كلو التي اصبحت الآن وباعترافها كلو كول .
استجمعت شتات نفسها قبل ان تواجهه ان ثوب الزفاف ذاك اخرجها عن هدوئها بعد ان ظنت انها امسكت بزمام الامور وتخلصت من توتر اعصابها .
اغرورغت عيناها بالدموع فغامت الرؤية امامها وكانت الشمس التي اوشكت على المغيب قد توارت خلف سحابة بيضاء فبدا النهر قاتما كالزيت , وقد القت الاضواء انعكاسات راقصة فوق المياه .
لماذا لا تستطيع التوقف عن حبه ؟ لماذا لا يتبدد ألمها ؟ فهو لا يستحق مشاعرها هذه.
هب نسيم بارد اقشعر له بدنها فارتجفت وهي تسمع خطوات ثابته خلفها مباشرة وشعرت بلفحة مفاجئة من الهواء وشمت رائحة عطر غالي الثمن واذا بذراعين قويتين تحيطان بها وهو يديرها نحو جسده القوي الدافئ.
جيثرو .. ووهنت ساقاها . كيف يمكنها التعلق به بمثل هذا الضعف بينما هي تعلم مدى القسوة التي ايستغلها بها ؟ كيف يجعلها تحبه وتثق به بينما الخيانه والخداع في نواياه ؟
وضعت راحتيها على كتفيه وتحسست قماش سترته الناعم الغالي الثمن واخذت عيناها الذاهلتان تقيمان سترته البيضاء وربطة العنق السوداء وكان ضوء النهار المتوارى يلقي على وجهه ظلا جعله يبدو جذابا لللغاية .
دفعته عنها بضعف وقد اختنقت انفاسها في صدرها لكنه امسك ذقنها بيده وارغمها على النظر اليه وشتم بصوت خافت وقد رأى الدموع تنهمر على وجنتيها .
- اصعدي في السيارة .
امرها بذلك بحزم وهو يحمل حاجياتها المبعثرة بيد ويحيط خصرها بيده الاخرى وخطر لها ان تضرب الارض بقدمها وتخبره بأنها لن ترافقه الى أي مكان .. ابدا بعد الآن . ولكن اخذ بعض المارة يتسكعون حولهما وينظرون بفضول والله وحده يعلم ما قد يحدث ان هي اثارت البلبلة.
خيل اليها انه قد يقع شجار وتأتي الشرطه ورجال الصحافة وتوهجت امام عينيها التفاصيل المثيرة لزواجها في اعمدة الصحف الشعبية الباحثة عن الفضائح ارتجفت وهي تذعن له سامحه له بان يدفعها نحو السيارة المنتظرة .
فتح جيثرو الباب الخلفي للسيارة الفخمة وصعد الى المقعد الوثير بجانبها وهو يامر السائق قائلا:
- الى بلو بور يا جايمس بسرعه لو سمحت .
ما الذي حدث؟ ما الذي يفعله؟ وتملك آلي الذعر وحاولت ان تخرج من السيارة قبل ان تظهر سيارة شرطة خلفهما, ويلمع الضوء الاخضر وتزعق صفارة الانذار ولكن يدي جيثرو ضغطتا على خصرها النحيل مثبتا اياها على مقعدها .
- اهدئي ياحبيبتي اعرف بما تفكرين وانا اتحمل وحدي مسؤولية هذه الفوضى .
حافظ على هدوئه طوال الوقت الى ان اوصل اخته الى المصرف لتضع الشيك في حسابها , وبعد ان اجتمع للمرة الثانية مع خطيبها الجديد ومحاميه الخاص ليدرس تفاصيل مشاركة الخطيبين له في الشركة فقالت له كلو من دون مناسبة :
- لقد تذكرت الآن كان وجهها مألوفا فإما انها عارضة ازياء او ممثلة قالت لي اننا تقابلنا من قبل لكنها ظنت ان اسمي ابوت نعم اظنها قالت ابوت .
وعندما انتزع منها التفاصيل لذلك اللقاء المصيري في حمام النساء ادرك ما فكرت به آلي . ومنذ ذلك الحين وهو يشتم نفسه في كل لحظة .
ازدادت سرعة السيارة وشعر بعدائها في اللهجة التي سألته بها :
- من اين حصلت على سيارة الرولز هذه ؟ اياك ان تقول انك خرجت واشتريتها وهذه البذلة الثمينه من السوق من المال الذي دفعته لك فأنا لست بذلك الغباء .
والتفتت تنظر اليه وقد شحب وجهها وتوترت شفتاها بمرارة :
- والى اين تأخذني الآن ؟
- الى العشاء , هل نسيت موعدنا ؟ وانا اعرف انك لست غبيه فأنت حبيبتي المعبودة .
وامسك بيدها مشبكا اصابعه بأصابعها كادت تصدقه , تصدق ذلك الاخلاص العميق العذب في صوته الى ان تذكرت انه انتهازي ويحاول استغلالها من كافة النواحي .
سحبت يدها من يده وشبكت ذراعيها فوق صدرها فقال لها بصوت رقيق خافت وبنبرة هازلة :
- لم اسرق الرولز اذا كان هذا ما تخشينه . انني اختفظ بها لتنقلات رجال الاعمال الاجانب حين يزورون لندن . اذ يبدو انها تؤثر فيهم وجايمس ابوت السائق , هو كبير المساعدين الشخصيين لي ويمكن الاعتماد كليا على فطنته وحذره ولكن , من الافضل ان نرجئ حديثنا الى ان تصل الى مقصدنا .
نسيت للحظة انهما ليسا بمفردهما وقد تكون اذنا السائق مرهفتين. ولكن ماذا قال اسمه ؟ جايمس ابوت ؟ ليس بيل ولا بوب . اتراه ينسى دوما اسماء الاشخاص ؟ اترى السائق هو صديقه الثري ؟
آه انها لا تعرف ما يجري ! وسألته بصوت هادئ:
- كيف علمت اين تجدني فأنا لم اترك بيانا تفصيليا بخط رحلتي .
- بلى , قرات الورقة التي تركتها لي ووجدت رقم وكيلة اعمالك فاتصلت بها واخبرتني اين اجدك هذا المساء . انتظرت في الخارج ولحقت بسيارتك عند مغادرتك المكان .. الامر بسيط كما ترين .
بسيط كل شيء معقد مع جيثرو كول
توقفت عن تحليل الامور وتسمرت في زاوية مقعدها تحدث نفسها بانها حالما يصلان الى مقصدهما ستسأل السائق ان يشرح لها ما يحدث لأنها لن تثق بكلمة مما قال جيثرو !
ولكن خطتها هذه لم تنجح وكيف يمكن ذلك .
وحالما وطت قدماها الارض المبلطة بالحصى وجدت جيثرو يقف في الجانب الاخر من السيارة المترفة , ويدق على سطحها فإذا بالرولز تنساب مبتعده عائده الى الطريق المحفوف بالاشجار .
اظهر نور خفيف اسم الفندق القائم فوق رواق ذي اعمده وشعت الاضواء على السيارات الفخمة التي كان سائقوها ينتظرون داخلها بثيابهم الرسمية .
لم يصطحبها الى بقعة منعزلة بل الى مكان عام وما من سبب يدعوها للخوف وهي تعلم جيدا انها لا يمكن ان تخاف منه ابدا لأنه عاجز عن ايذائها جسديا قد يؤذي قلبها ويحطمه بسهولة وعليها هي الا تسمح له بذلك .
- والآن ؟
سألته ذلك متعبه بينما كان يحمل اغراضها وكيسا جلديا يحتوي على ما يحتاجه لقضاء الليل . كان نهارا شاقا يوتر الاعصاب , اذ خلال 12 ساعه تحولت من عروس تغمرها نشوة السعاده الى زوجة مخدوعه مليئة بالمرارة .
- سنتعشى معا . هل نسيت موعدنا ؟ سنمكث الليلة هنا في الجناح العرائس وغدا يأتي جايمس ليقلنا الى البيت فنحن نملك بيتا في حي ما يفير وانا واثق من انه سيعجبك .
كان يتكلم برقة وقلبه يتلوى في داخله لأنها بدت له بكل هذا الضعف والهشاشة.. تلهف الى ان يأخذها بين ذراعيه ويشعر بدفئها قربه ويمحو ألمها . لكن عليه ان يسير معها بحذر فهو يعلم انه يقف الآن فوق رمال متحركه متيجة عناده وانانيته .
تجاهلت كل ما قاله لها , وركزت ذهنها على كلمتين فقط اثارتا رعبها بحيث لم تستوعب أي شيء اخر ... جناح عرائس .
لا يمكنها ان تمضي الليلة معه ... كانت تخشى ان تخونها مشاعرها .
اقترب منها ووضع يده على ظهرها يدفعها برقة لصعود الدرجات الثلاث المؤدية الى المدخل عليها ان تستجمع قواها لتقاومه , وقمع ذلك الصوت الذي يردد في نفسها ويسألها ان كان يسعها ان تمضي معه ليلة اخيرة , وترتوي من تلك المشاعر التي وحده يمكنه ان يوفرها لها .
ضربت قدمها الارض وقالت بقوة وعناد :
- ابق هنا ان شئت ولكن اطلب لي سيارة اجرة اذا كنت تريد عشاء شاعريا .. فاستدع زوجتك الشرعية ! ام تراها اكتفت بالغداء معك ؟
شد يده على خصرها كان قادرا على حملها وادخالها الى الفندق ولكنه قال برقة فائقة :
- لقد وجدت حبنا اكثر شاعرية يا حبيبتي فهو من الذهب الصافي كما انك زوجتي الوحيده ولا اريد سواك انها اختي التي شاركتني الغداء . هل ندخل ؟ ام تفضلين ان نتحدث هنا ؟ لكنني احذرك فالمسألة معقده وقد ياخذ حلها ساعه او ساعتين .
بدأ رأسها يدور فسمحت له بان يقودها الى ردهة الفندق الانيقة من دون ان تعي حتى ذلك . ارادت ان تصدقه ولكن كيف تستطيع ذلك ؟
لم يذكر من قبل ان له اختا لنه لم يتحدث عن نفسه قط .. انها لاتعرف عنه الآن اكثر مما تعرف حين عرضت عليه الزواج .
وكانت واثقة من انه تناول غداءه مع كلو ابوت سابقا والتي اصبح اسمها الزواجي كلو كول ألم تر بعينيها خاتم الزواج الذهبي المتألق في اصبعها ؟
انه مخادع محتال وساحر ناعم اخذ احد الموظفين حاجياتهما وهو فتى في ريعان الشباب مزهو ببذلته الرسمية الانيقة وقفت هي وجيثرو على السلم الكهربائي واتجها الى جناح العرائس المخيف .
قبلت مرافقته لأنها ارادت ان ترعف الحقيقة وتخبره بانها ليست تلك الغبية التي تغض الطرف عن اكاذيبه شرط ان يحملها بين ذراعيه ويأخذها الى عالم الحب !
لم يكن لذلك علاقة برغبته في ان تصدق كلامه حين قال انها زوجته الوحيده التي لا يريد سواها .
كان الجناح اسطوريا وبالرغم من اضطرابها استطاعت ان تلاحظ غرفة الجلوس والحمام وغرفة النوم العصرية الطراز التي تسبح غرفة الجلوس والحمام وغرفة النوم العصرية الطراز التي تسبح في ضوء خفيف , وتغطي ارضها سجادات سميكة كان الديكور مزيجا بارعا من اللونين الوردي الهادئ والاخضر القاتم والتبني . وكانت تعطر الجور ورود يانعه يفوح شذاها في انحاء الغرفة .
امام كل هذا الترف والسرير الضخم بأعمدته الاربعه تقدمت واغلقت باب غرفة النوم وقد تصاعدت الدماء الى وجهها ووضع جيثرو بعض المال في يد الغلام قائلا:
- لقد تأخر الوقت وعلينا ان نتحدث في امور كثيرة لذا امرت بارسال الطعام الى هنا .
خلع سترته ونزع ربطة عنقه فضاقت عيناها وهي تنظر اليه .. قال يطمئنها :
- يمكنني ان ادفع الحساب فأنا لا اريد ان تمضي الشهرين التاليين من حياتك في غسل الصحون .
التصق قماش قميصه القطني الابيض الغالي الثمن بحسمه. كيف يمكن ان يبدو هذا الانسان الانتهازي جذابا الى هذا الحد ؟
واذ تذكرت سبب وجودها هنا معه قالت بنفاذ صبر :
- قلما يهمني كيف تنفق النقود التي تكسبها مني لأن هذا الترف كله لا يؤثر بي ما اريده هو الحقيقة ولا شيء سواها . لماذا كذبت علي حين انكرت حبك لأخت صديقك ؟ لماذا غيرت اسمها كول ؟ لماذا تلبس في اصبعها خاتم زواج ؟ ولماذا كنتما تتعانقان اثناء الغداء ؟... البيت في حي ما يفير.. السيارة الخيالية التي تحتفظ بها , لتؤثر على الزائرين ... والسكرتير الخاص ... .
كانت تسير في انحاء الغرفة من دون وعي منها فأمسكها بكتفيها وادارها بلطف لتواجهه .
- لماذا لا تجلسين ياحبيبتي ؟ اذا اصغيت الي يمكنني ان اشرح لك كل شيء .
واخذت اصابعه تمسدان كتفيها بخفة فترنح جسدها مائلا نحوه .
ووجدت في الجلوس منقذا لها . تلمست حافة الكرسي خلفها ثم جلست عليه واغمضت عينيها شاعره بالارهاق يغمرها بأمواج سوداء . وعندما ارغمت نفسها على فتح عينيها , كان يمسك بيده قطعة ورق .
- هل تعرفين هذه ؟
كان يحمل الشيك الذي اعطته اياه بعد الزواج , واخذت تراقبه وهو يمزقه ببطء واصابعها ترتفع الى صدغيها.
- لا افهم !
- طبعا لا تفهمين . وكيف يمكنك ذلك ؟ لكنك سوف تفهمين اعدك بذلك !
لم تكن وعوده تستحق التلفظ بها .وهي ليست مستعده للجلوس والاستماع الى ما يريد ان يقوله لها .
قفزت واقفه واخذت تتفحص انحاء الغرفة بحثا عن حقيبة يدها :
- سأخرج من هنا استدع سيارة اجره او افعل هذا بنفسي. لا اريد البقاء هنا , وانا لا اعرفك .
وكان اسرع منها وامسك بها قبل ان تصل الى الباب مثبتا ذراعيها على جنبيها ناظرا اليها بحزم :
- بل تعرفين كل شيء عني .
ورأى الذعر في عينيها قبل ان تغرورقا بادموع . كانت شفتاها ترتجفان وصبرها قد نفذ تماما .
قال وهو يأخذ نفسها عميقا:
- عودي الى الوراء بذاكرتك يا آلي ... اخبرتك في البيت الصيفي كل شي عن صاحبه كل ماقلته لك صحيح ماعدا هويته . لقد اخطأت في اسمه الاول عندما سألتني عن شهرته اعطيتك اسم مساعدي الشخصي لأنني ادركت انني لن انساه كنت احدثك عن نفسي , ياحبيبتي اما كلو فهي اختي وانا احبها كثيرا فقد اجتزنا معا اوقاتا صعبه .
لم يكد جيثرو يجرؤ على التفس وهو يحيطها بذراعيه ... احس وكأنه يمسك بقنبله موقوته يمكن ان تنفجر في أي لحظة لم تكن تكافح على الاقل للتملص منه طالبه الخروج من هنا . لكنها بدت مضطربه .
شعر برجفة ضئيلة في جسدها وبدأ التوتر يتبدد في عضلاتها ولكن في تلك اللحظة طرق شخص ما الباب .
التفتت وهو يشتم بصوت خافت فرأى النادل في معطفه الابيض يجر عربة الطعام فقال بحده :
- ليس الآن يا مايك . الق هذا في القمامه ثم احضر غيره بعد قليل . والافضل ان تتصل هاتفيا قبل ذلك !
- لم تكن مهذبا معه .
قال آلي ذلك بجفاء بعد ان اغلق الباب خلف العربة. ما الذي كانت تفكر فيه وهي تسمح له بالامساك بها بينما تعلم جيدا كيف يجعلها الاقتراب منه تنسى كل شيء . ؟
- شعرت بذلك بما اني من المساهمين في هذه المؤسسه يحق لي مرة في الحياة بان اكون فظا مع المستخدمين , لكنني سأعتذر فيما بعد . هل يعجبك هذا ؟
وابتسم لها فرأى التوتر على وجهها قبل ان تدير ظهرها اليه فقال بتثاقل:
- كل شي قلته لك هو الحقيقه يا آلي .
صرت اسنانها لتمنع نفسها من الصراخ . هل يعرف ماهي الحقيقة ؟ ايمكنها ان تصدق كل ما يقول لها ؟ وهل يمكنها بعد ذلك ان تثق به ؟
ارجوك يا إلهي ! لاتدعه يبتسم لي مرة اخرى لا تدعه يلمسني لأنني سأنهار ان فعل ذلك .
كانت تتضرع الى الله بكل عواطفها لكن ذلك لم ينفعها لأن جيثرو تقدم منها ووقف وراءها وانسلت اصابعه في شعرها لتزيح مشابكه وتتركه منسدلا على ظهرها .
- حاولي ان تسترخي .
قال ذلك واخذ يمسد كتفيها ورقبتها .... ثم حملها بين ذراعيه فتعلقت به وهي تشهق بتعاسه وسار بها الى غرفة النوم فمددها على السرير بعد ان ابعد ذراعيها عن رقبته .
خلع حذائها وركع بجانبها ممسكا بيديها الى ان خفت شهقاتها ثم تناول منديلا ورقيا من جانب السرير وناولها اياه .
نادرا ماكانت تبكي لابد ان مظهرها اصبح مريعا فعيناها منتفختان حمراوان وانفها متورم . ثم قالت تتحداه بلهجه متسلطه :
- ان كنت بهذا الثراء وتملك منازل في كل مكان ولك اسهم في فندق ولزر رويس والله يعلم ماذا بعد , لماذا كنت تنظف النوافذ وتقود سيارة محطمة ؟ لماذا وافقت على الزواج بي حين ذكت لك انني سأعطيك اجرا ؟
- ولا تنسي السيارة الجاغوار والطائرة الخاصة والشركات في كل انحاء العالم .
قال ذلك وهو يضحك في وجهها دون خجل ... بدت له صغيره ورقيقه . نهض واقفا وجلس على الفراش بجانبها , واضعا ذراعه عليها .
مضت لحظة ظن فيها انها ستتملص منه مبتعده لكنها لم تفعل .
بدت وكأنها لا تكاد تتنفس وقد اتسعت عيناها فغامت عيناه وهو يعترف قائلا :
- لقد اخفيت عنك شخصيتي الحقيقية لأنني وغد واناني لم افكر الا بنفسي اردت منك ان تحبيني لشخصي وليس لرصيدي في المصرف . لقد عرفت نساء كثيرات تهافتن عليّ لأجل مالي . منذ عام تقريبا رأيتك للمرة الاولى في حفل عرض ازياء فوقعت في شباكك ولم استطع ان امحوك من ذهني .
ولكني لم استطع القيام بشيء في هذا السبيل لأنني امضيت بعد ذلك عاما بكامله اجول انحاء العالم ولكن يوم رأيتك عند اسفل السلم ذلك النهار تشكرينني لأنني ساعدت امك قفز قلبي فرحا وعجز لساني عن الكلام . كنت سومها اساعد هاري في عمله فقد كان مصابا بالانفلونزا , ومربيتي بريغس ... .
- هل تلك هي المربية بريغس؟
سألته بسرعه وقد بدأت الامور تتجلى . كم شعرت بالاسف حيال الطفل الصغير الذي حرم من حب والديه وتذكرت كيف طمأنها جيثرو الى ان المربية اغدقت عليه بالحنان الامومه .
- ظننتها جدتك .
- اعلم ذلك , وقد تركتك تظنين ذلك كما تركتك تظنين انني اكسب عيشي من تنظيف النوافذ . وعندما شرحت لي حاجتك الى الزواج وعرضت علي اجرا لذلك تمسكت بهذه الفرصة واخذتك الى المنزل الذي امضي فيه اجازاتي وطلبت من خدمي ان يرحلوا لفترة ثم حاولت جاهدا ان اجعلك تحبينني لأنني كنت اعلم انك المرأة الوحيده التي سأحبها في حياتي . في مناسبات عدة اوشكت ان افسد الامور لأنني كنت متلهفا اليك ولم اكف للحظة واحده عن التفكير بردة فعلك عندما تعرفين الحقيقة وتظنين انني خدعتك وضللتك .
رفع ذراعه عنها واضاف :
0 انت حرة في الذهاب ان شئت .
واستطرد بصوت منخفض :
- انني اعلم ان الممتلكات المادية لا تعني لك شيئا اعلم انك احببتني حين ادركت انني لا املك سوى ملابس رثة وسيارة الفان المتداعية وانا سأتفهم اذا كرهت الرجل الذي كذب عليك مهما كانت نيته حسنه في ذلك سأتفهم واحاول ان اواجه الامر .
نظر الى اهدابها الكثيفة وهي تنسدل لتخفي عينيها . كانت مستلقية بجمود تام ... اتراها تعيد النظر بما قاله لها , وتقرر انها لا يمكن ان تحب رجلا كاذبا ؟
شعر ببرودة تتملكه وغمر الثلج قلبه .. كيف يمكنه ان يحتمل ابتعادها عنه ؟ كيف يمكنه ان يعيش مع الندم وخسارة حبها ؟
واذا بها ترفع يدها تلمس شعره , وقد بدت الدموع في عينيها ثم اهتز صوتها قليلا وهي تقول :
- لطالما شعرت برباط غريب يربطني بصديقك الثري الوهمي ذاك حين اخبرتني عن حياته المبكرة , وعن عدم ثقته بالاهرين وبالنساء خاصة , لأنهن يرغبن فيه لأجل امواله فحسب . وها قد اكتشفت انك كنت تتحدث عن نفسك وبأمكاني ان افهم ذلك بشكل افضل , لأنني احبك الى حد انك اصبحت جزءا مني .
- ياحبيبتي .
كان صوته مفعما بالعواطف وهو يمسكبيدها ويقبل كل اصبع فيها .
- انا لا استحقك لكنني سأبذل كل جهدي لأنال ثقتك .
- ابدأ بالمحاولة الآن على الفور , وسأجعلك تعلم مدى نجاحك في ذلك .
في تلك اللحظة رن جرس الهاتف فاحمر وجهه وهو يمد يده الى السماعه وضحكت آلي ووضعت يدها على يده قائلة :
- لاتنس ان التهذيب لا يكلف شيئا فأنت تطلب منه ان يتصل هاتفيا اولا اليس كذلك ؟
طبع قبلة على خدها قبل ان يرفع السماعه ويقول :
- الغي الطلب يا مايك انا وزوجتي لدينا كل ما نريده .
***
بعد ذلك بساعات اخذت آلي تتمطى وهي تتلمس وجه جيثرو النائم بقربها حرك رأسه على الوساده واشتدت ذراعه التي كان يطوقها بها حولها .
- اكاد اموت جوعا , لم آكل شيئا منذ الفطور كما لم استطع ان اتناول غدائي بعد ان رأيتك مع كلو .. انك لم تخبرني بأنها متزوجه .
نهض جالسا مستندا الى الوسائد ثم انار المصباح بجانبه فبدا السرير ككهف وردي ونظر الى ساعته قائلا:
اتثرثرين دوما عند الثالثة صباحا ؟
- ربما .
رماها بتلك الابتسامه البطيئة التي كانت دوما تجعل خفقات قلبها تتسارع .
- كلو ليست متزوجه , ولكن بأمكاني ان افهم سبب ظنك هذا .عند رفعت يدها تريني الخاتم لم ار سوى حلقة ذهبية فهو واسع على اصبعها .
عاد ذلك الشعور الهائل بالالم الذي تملكها حين رأت جيثرو وكلو معا يسيطر عليها في تلك اللحظة.
رفعت ركبتيها وألقت عليه نظرة جانبية قائلة :
- كان بأمكاني ان اقابل اختك واتغدى معكما لم يكن من داعي لتتركني كما فعلت .
فتنهد قائلا :
- اعرف ولكنني انسان عنيد فعندما شارف شهر عسلنا على الانتهاء كان علي ان اخبرك الحقيقة كاملة فقررت ان اخبرك في اخر يوم لنا في البيت الصيفي . ولكن انانيتي جعلتني ارغب بالاسبمتاع بحبك لي لأجل شخصي وليس لمالي . لكن , وفي الليلة الماضية اتصلت كلو هاتفيا اذ تعرفت حديثا على مهندس الديكور غاي فيلو واحبا بعضهما ويريدان الزواج . وعندما اخبرتني بذلك قلقت حيال ماضيها السيء فأخبرتها بأنني افضل ان اجتمع به اولا . ولهذا السبب اسرعت بالعودة الى لندن مصمما على انهاء مسألة كلو وخطيبها لأتفرغ لك بكليتي , فاحضرك الى هنا واخبرك بكل شيء ستتعرفين الى كلو في الوقت المناسب .
- اتمنى ذلك , وربما الى المربية بريغس.
- اذن فقد صفحت عني ؟
فابتسمت له مازحة :
- حسنا .. لو لم اكن جائعه ... لصفحت عنك .
وبرهانا على ذلك اخذت معدتها تقرقع . نهض جيثرو من السرير قائلا :
- سأرى ما يمكنني ان افعله .
فقالت :
- قد تجد شيئا في البراد .
لكنه ارتدى معطف الحمام وهو يجيبها قائلا :
- يمكنني ان افعل افضل من ذلك فأنا اعرف اين يحتفظون بالمافاتيح . ابقي كما انت وسأعود حالا .
نهضت من سريرها ثم دخلت الحمام حيث اخذت تدهن جلدها بزيت معطر للبشرة تفوح منه رائحة الازهار والورود كانت سعيده الى حد لا يوصف . ما الذي جعلها تفقد ثقتها به ؟ ألم تكن سعيده الى حد لا يوصف .
ألم تكن تعلم دوما انه على خلاف مظهره لديه طاقات كامنه هائلة وبأمكانه ان ينجز الكثير ؟ كم تعب في حياته ليصل الى هذا الثراء .
بعد مرور 10 دقائق كانا جالسين الى مائده صغيرة مستديرة يأكلان السلمون المدخن والبيض المسلوق ويرشفان العصير قالت آلي :
- لا اظنك بحاجه الى جمع المزيد من المال , اليس كذلك ؟ ان انك مدمن على العمل ؟
فابتسم لها :
- كنت كذلك قبل ان التقي بك . لقد قررت ان ابيع معظم املاكي واعين مساعدين لي لأدارة ما تقى منها , انا المنزل الصيفي فسيكون مكانا مثاليا لتربية اولادنا .واحب ان اركز اهتمامي على الاعتناء بالطبيعه . سنحتفظ ببيتنا في حي ما يفير لكي ننزل فيه عندما نأتي الى لندن لنعرف اولادنا على معالمها , البرج, محكمة , هاميتون , وكل تلك المشاهد ...
وضحك :
- ان بعت املاكي كلها اصبحنا اثرياء بشكل يدعو الى الاشمئزاز , لكنني اظن ان بأمكاننا ان نواجه ذلك . ما رأيك ؟
- رأيي ان بأمكاننا ان نواجه أي شيء مادمنا نحب بعضنا البعض .
قالت ذلك والاخلاص باد في عينيها .
نهض وامسك بيدها داعيا اياها للوقوف بجانبه ثم سألها برقة :
- اتظننين ان بأمكانك ان تعتادي على حلقة عريضة من الذهب وخاتم يزهو بماسة كبيرة بدلا من هذا الخاتم النحاسي التافه ؟ كم كرهت نفسي حين وضعته في اصبعك بينما كنت اريد ان اغطيك بالمجوهرات .
فقالت باسمة وهي تمسك بالخاتم المصنوع من المعدن الرخيص :
- سمني عاطفية لكنني لا استبدل خاتم زواجي بكل ذهب العالم وفي مطلق الاحوال ...
وابتسمت له بعينين دامعتين :
- لا بأس ان علقت فيه ماسة تنسجم معه اذا كان هذا يسعدك .
ابتلع جيثرو غصة نتجت عن سعادته الكبيرة وقال لها بصوت يفيض بالمشاعر :
- لن اتوقف عن حبك ابدا . حبي لك يزداد مع نفس اتنفسه .
منتديات ليلاس
؛:؛ ـــتــــــ ـــــمـــــ ــــــتـــ ؛:؛

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 04-11-09 الساعة 08:11 PM
عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس

قديم 12-01-09, 10:37 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

حبايبي نزلتها لكم مرة وحدة عشان ادري ان الواحد يمل ويطفش وهو قاعد يستنى
اتمنى اكون قدرت اعوضكم بشي بسيط عن غيابي
تقبلو تحياتي
ودمتم بود

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 17-01-09, 08:42 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 100212
المشاركات: 3
الجنس أنثى
معدل التقييم: راحت النفس عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدDubai
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
راحت النفس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

تسلم ايدج ياتمااراا

ويعطيج الف عافية ^_^

 
 

 

عرض البوم صور راحت النفس   رد مع اقتباس
قديم 17-01-09, 09:58 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

[COLOR[/COLOR]

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راحت النفس مشاهدة المشاركة
   تسلم ايدج ياتمااراا

ويعطيج الف عافية ^_^

الله يعافيك يقلبي هذا واجبنا وشكرا لمرورك اللي العطر

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 18-01-09, 08:21 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 66854
المشاركات: 2,022
الجنس أنثى
معدل التقييم: safsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جداsafsaf313 عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 585

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
safsaf313 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات احلام المكتوبة
افتراضي

 

خطيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييره

 
 

 

عرض البوم صور safsaf313   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام, bought: one husband, diana hamilton, دار الفراشة, ديانا هاملتون, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات احلام المكتوبة, روايات رومانسية, كذبة بيضاء
facebook



جديد مواضيع قسم روايات احلام المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t102482.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ط­ط¸ط§طھ ط±ظˆظ…ط§ظ†ط³ظٹط© ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„ط³ط±ظٹط± This thread Refback 30-09-16 02:15 PM
ظƒط°ط¨ط© ط¨ظٹط¶ط§ ط¯ظٹط§ظ†ط§ ظ‡ط§ظ…ظ„طھظˆظ† This thread Refback 09-08-14 03:03 AM
ظƒط°ط¨ط© ط¨ظٹط¶ط§ ط¯ظٹط§ظ†ط§ ظ‡ط§ظ…ظ„طھظˆظ† This thread Refback 02-08-14 11:22 AM


الساعة الآن 09:43 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية