منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   الحب لا يأتي سيراً على الأقدام (https://www.liilas.com/vb3/t82186.html)

بـراءة 21-06-08 11:03 PM

الحب لا يأتي سيراً على الأقدام
 
http://www.alamuae.com/up/Folder-001...026_alhope.gif

مرحبا .. أنا جديدة في ها المنتدى ..

ودي ألاقي قراء لقصصي البسيطة ..

ترا لا يغركم العنوان .. صح عندي 12 قصة بس للحين احس اني مبتدئة ..

ابي ارائكم و انتقاداتكم و تعليقاتكم على كل شخصية ..

http://www.alamuae.com/up/Folder-001/1212826749_678.gif

الحب لا ياتي سيرا على الاقدام .. ابدا ما سلكت مسار قصص الغرام في تصوير الحب النقي ..

سلكت مسار حقيقي واقعي .. لكن في اشياء بالقصة فيها من المبالغة .. في هذي القصة حسيت اني ضفت شي جديد

راح تلاحظونه ..الحب مب معناته ان واحد مع وحدة كل يوم يتواعدون في مطعم او يسهرون و هم يكلمون بعض في التلفون بعدين حد يجكهم.. و يتحدون العالم عشان حبهم المزيف .. انا ابدا ما تحجى عن هذا الحب .. اتكلم عن اعجاب يسمونه حب و رغبة ملحة للزواج لكن شوفوا شلون القصة و اختلاط المشاعر و تصويبها نحو هدف واحد ..



بمجرد ان اشوف بعض الردود راح احط الجزء الاول


http://www.alamuae.com/up/Folder-001...29111_9889.gif

بـراءة 22-06-08 09:44 AM

الحب لا يأتي سيراً على الأقدام

الجزء الأول

نظرت للساعة متنهداً .. التاسعة مساءاً .. متى سيخرج ذلك الرجل ؟ تأملت باب ( السوبر ماركت ) من خلال نافذة السيارة .. جاء ليشتري سجائر فقط ! .. يبدو أنه سيخرج بكل شيء هناك .. أسندت ظهري .. هكذا سأتأخر على العشاء .. كله بسبب هذا الصديق المزعج .. لا .. أنه ليس صديقاً لي و لن يكون .. لا أستطيع احتمال ثقل دمه .. و إتكاله علي في كل شيء ..
ها هو يخرج من السوبر ماركت و هو يحمل علبة السجائر .. و زاد من قهري عندما استدار لأحدهم و اندمج في حديث ما .. ماذا يفعل ؟ أنه لا يبالي بالوقت الذي ضيعه علي ..أتساءل ..هل يتعمد اغاظتي أم أنه لم يقصد .. ربما كنت أركز في تصرفاته لأظهر سلبيات شخصيته ..ها هو يقترب من السيارة و يفتح الباب ثم يجلس و يلتفت لي قائلاً :" هل تأخرت ؟"
نظرت له بغيظ ..ثم قدت السيارة .. بقي يحملق بي بين الفترة و الأخرى ثم همس :" حسام .. أهناك شيء ؟ "
رمقته بحدة .. فنظر لي بارتياب .. قلت غاضباً :" مهند .. هل تريدني أن أصارحك بها هكذا ؟ "
قال مستغرباً :" تصارحني بماذا ؟ "
صحت مشتعلاً :" أنا لست متفرغا لك دوماً لأقضي معك مشاويرك .. و ليس واجباً علي أن أوصلك للسوق أو محل بيع الملابس .. و لا أنسى فعلتك بي يوم أمس .. أرجوك لا تعتمد علي في كل شيء .."
حملق بي لبرهة ثم عبث بشعره بحرج .. و أشاح بوجهه نحو النافذة .. ثم قال بخفوت :" أنت تعلم أني لا أستطيع سياقة السيارة بسبب مرض الصرع .. أ.. "
نظرت له لبرهة .. ثم نظرت للطريق و قلت :" لماذا لا تتخذ لك سائقاً خاصاً بك "
نظر لي .. ثم قال :" أنت الذي توصلني من وزارة إلى وزارة ..للبحث عن عمل .. مادياً لا أستطيع .. "
" و سائق أبيك "
التفت لي مغتاظاً :" ما بك حسام .. لقد أخبرتك مسبقاً أني على خلاف مع عائلتي بأكملها عدا عن ابن عمي و أنا أعيش حالياً في شقة منفردة "
ثم أشاح بوجهه نحو النافذة و فتح علبة السجائر و كاد أن يشعل سيجارة لولا أني أفزعته بصرختي :"مهند .. كم مرة علي أن أخبرك أني أكره السجائر .. و رائحتها "
نظر لي لبرهة ثم دس العلبة في جيبه متنهداً و همس مخاطباً نفسه :"ما هذا الاذلال ؟ "
بعد فترة أوقفت السيارة عند العمارة التي يسكن فيها ..فقال بارتباك و هو ينكس رأسه :
" لدي موعد غداً في المشفى لتخطيط في المخ"
تنهدت :" و المطلوب مني ايصال حضرتك يا صاحب السمو إلى المشفى أليس كذلك "
صمت فقلت :" طلبك مرفوض ! "
نظر لي باستياء .. ثم قال :" شكراً على أية حال"
و خرج من السيارة .. أشعر بتأنيب الضمير .. لكنه يبالغ في الاعتماد علي و لا أدري لماذا لديه مشاوير كثيرة كل يوم ..نظرت للذي تركه في السيارة من آثار .. نظارته الشمسية نساها كالعادة .. علبة لشيء التكروني صغير .. و رائحة عطره المميزة تملأ أنحاء السيارة ..تنهدت بعمق .. أنه شخص مزعج حقاً ..
--
بعد العشاء جلست مع زوجتي ( جمانة ) أحادثها عن هذا الصديق ..قالت :" صحيح أن تصرفاته مزعجة لكن .. كونه محتاج لك لا يجب عليك رده بهذا الاسلوب ..إن كنت تستطيع مساعدته "
" بات يعتمد علي في أشياء كثيرة .. و لا أنسى يوم طلب مني أن أذهب لأخاه و أطلب منه أن يسامحه ..ثرت غضباً "
ابتسمت .. ثم نهضت قائلة :" أنا سأذهب لأساعد خلود على النوم "
ضحكت :" أنا لم أرى هذه الشقية اليوم ..أنا سأذهب لأحكي لها قصة ما قبل النوم "
=
في اليوم التالي و في مقر عملي ( أعمل مدرساً في مدرسة ابتدائية ) .. جلست على مكتبي فاقترب مني أحدهم و كان أستاذاً جديداً .. ابتسم :" أهلاً أستاذ حسام .. كيف حالك ؟ "
"أهلا أستاذ ............."
ضحك :" سهيل ..اسمي سهيل ..أنظر.. مكتبي بجانب مكتبك .. حتماً ستكون بيني و بينك علاقة جيدة "
ابتسمت فقال :" هل أدعوك على وجبة غداء هذا النهار ؟ "
بادلته الابتسامة و قلت :" لا مانع "
=
و فعلاً ..كانت وجبة غداء دسمة و لذيذة في مطعم لم أكن أعتقد أن مأكولاته بهذه اللذة ..رفعت رأسي و نظرت لهذا الصديق الجديد .. سهيل .. جسمه ضخم .. أسمر البشرة .. صافي الوجه ..شعره مموج طويل ..بشوش .. و يهتم كثيراً بتفاصيل الأمور ..خطر ببالي مهند .. يا ترى ماذا فعل بموعد التخطيط .. على الفور اتصلت به .. فكان هاتفه مغلق .. أيمكن أنه في المشفى الآن ..ربما ..
شعرت بلسعة .. ماذا لدي الآن .. ها أنا في قمة تفرغي .. لماذا أعرضت عنه .. لكن تخطيط مخه يستغرق وقتاً .. و أذكر أني ذهبت معه يوماً و قد ضاع يومي بأكمله و تشتت أوقاتي .. نظرت لسهيل الذي كان يأكل بشهية مفتوحة ..
فأتممت غدائي ..
--
قضيت وقتي بعد ذلك في شقتي .. أساعد صغيرتي على حل واجباتها .. اقتربت زوجتي جمانة و جلست أمامي قائلة :
" حسام .. لماذا نعيش هنا .. إن كان منزل والدك واسعاً و الغرفة التي خُصصت لنا لازالت فارغة .."
رفعت رأسي و نظرت إليها لبرهة ثم قلت :" منعاً للمشاكل .. تعرفين .. أنتم النساء دائماً تختلقن المشاكل بين بعضكن البعض "
" لا .. أختك و والدتك طيبتان للغاية و أنا أكره وجودي في الشقة لوحدي ..مع ابنتي الصغيرة و أنت دائم الخروج"
تنهدت :" لا يعني .. لا "
قالت بعزم :" إذاً فلأعود لوظيفتي "
نهضت ثائراً :" ما بك أنت اليوم ؟ تريدين افتعال الشجار من لا شيء ؟ "
و رميت بالقلم من يدي قائلاً بغيظ :" سأترك لك الشقة ..."
و خرجت من الشقة أتجول هنا و هناك ..رن هاتفي النقال .. فكان المتصل مهند ..أجبت :" أهلاً مهند .. كيف حالك مع التخطيط ؟ "
ارتبك قليلاً :" أ أ.. التخطيط ؟ نعم ... "
" ماذا ؟ لا تقل لي أنك لم تذهب "
تنهد :" بلى .. ذهبت ..."
" من أوصلك ؟ "
صمت .. ثم قال :" و هل هذا المهم ؟ المهم أني ذهبت .. أنا اتصلت بك لأخبرك أن كمال يدعوك على عشاء الليلة .. و اجلب معك أي صديق لديك .. سيقيم عشاءاً ضخماً "
ضحكت :" يحب الازدحام في منزله.. لا أدري لماذا "
"حسناً .. أنا في عجلة من أمري الآن وداعاً "
و أغلق الخط ..
=
شققت طريقي ناحية متجر لبيع ربطات العنق .. أنا صرت أتوه عندما أقف بجانب مهند و أناقته .. يصرف نصف مصروفه على تلك الملابس .. و وددت لو أشتري حذاءاً جديداً .. و أثناء ما أنا أبحث في المحلات خطر ببالي أن أصطحب معي سهيل لتناول العشاء عند كمال .. اتصلت به فأجاب :" أهلاً .. أهلاً حسام ..كيف حالك "
" بخير ؟.. ألديك أمر تنشغل به الليلة ؟ "
" مم.. أشياء بسيطة يمكنني تأجيلها ..ماذا عندك "
" أريد أن أعرفك على بعض أصدقائي .. هل لك أن تأتي معي لتناول عشاء في بيت أحد الأصدقاء "
" مم .. ربما .. أو ..نعم .. نعم .. أستطيع المجيء .. شريطة أن تأتي أنت لإيصالي لمنزل صديقك .. لأني لا أدله "
" حسنٌ "
left

http://www.alamuae.com/up/Folder-001...1922_09876.gif

و قد بدت بشرتها السمراء أنقى و أصفى من قبل .. و بدت عينيها أكثر اتساعاً و شعرها الطويل أكثر نعومة ..

==

جلس سهيل خلفهما ينظر إليهما ...فدعوت أنا كمال لمشاركتهما الحديث .. و نهضنا و جلسنا على مقربة .. ألقى جليل علينا نظرة ثم قال مخاطباً مهند :" أرجوك لا تتحدث عن شيء تجهله "

==

خاطبته هامساً :" منذ متى و أنت تأخذ و تعطي مع جليل ؟"
رفع رأسه و نظر لي بتلك العينين الناعستين ..ثم حك خده قائلاً :" و هل هذا يزعجك "

==

نظر إليه جليل لبرهة فابتسم سهيل :" أنا سهيل .. صديق حسام .. أتمنى لو نصبح صديقين .. فأنت شخص أعظم من أفوت على نفسي فرصة مصاحبته "

==

ثري و لبق لكنه يهتم بالمظاهر كثيراً ..و لم يتزوج لحد الآن ..جلسنا في زاوية نتحدث ..

بـراءة 22-06-08 09:54 AM

ملاحظة : القصة طويلة .. و الأجزاء الأولى بس للتعريف عن الشخصيات و طباعهم ..

HOPE LIGHT 22-06-08 10:17 AM

سلمت يمناك ... قصة من بدايتها تعد بالجمال و التشويق ...
اسلوبك يشد القارء ...
تقبلي مروري...

بـراءة 23-06-08 10:38 PM

الجزء الثاني

عدت للشقة .. فدفعت زوجتي بنظارة مهند الشمسية نحوي و قالت بحدة :" خذ نظارة صديقك "
أخذتها .. و نظرت لعيني جمانة الملتهبتين .. لمَ كل هذا الغضب ..؟ اتجهت نحو غرفتها و قالت :" و لن أصنع عشاءاً الليلة أني متعبة "
ضحكت :" لا بأس ..سأتناول طعام العشاء الليلة مع أصدقائي "
التفتت و نظرت لي بقهر.. ثم تظاهرت بعدم الاكتراث حيث قالت :" فلتذهب "
و دخلت الغرفة .. و لا أدري لماذا كنت قاسياً .. فقد عدت للخروج من الشقة و صعدت سيارتي متجهاً لمنزل والدي .. ألقيت التحية عليهم ..و جلست بينهم .. فوجئت بأختي ( هيام ).. و قد بدت بشرتها السمراء أنقى و أصفى من قبل .. و بدت عينيها أكثر اتساعاً و شعرها الطويل أكثر نعومة ..نهضت هي و خرجت من غرفة المجلس .. فأسرعت لأمي أسألها :" ما بها هيام .. تبدو جميلة "
ضحكت :" و هي طوال عمرها جميلة .. لكنها تهتم أكثر الآن .. ربما تريد عيش السنوات التي فاتتها .. فقد بلغت السبع و عشرون عاماً "
ثم نكست رأسها و قالت بأسى :" و لم يعد يتقدم أحد لخطبتها كالسابق "
تنهدت ثم قلت :" لكنها جميلة .. و سوف تتزوج إن شاء الله "
ابتسمت أمي :" أراها متقبلة لموضوع الزواج عكس الماضي .. ليتها تتزوج .. أريد أن أراها عروساً .."
و استدركت قائلة :" أين ابنتك خلود ؟ لماذا لم تأتي بها ؟"
=
الساعة التاسعة إلا ربع ..عدت للشقة ..رأيت جمانة جالسة تشاهد التلفاز و تعبث بأصابعها بشعرها الطويل..بمجرد أن رأتني .. ظهرت عليها ملامح الانزعاج ..فاتجهت نحو غرفتي متجاهلاً إياها .. ارتديت البذلة الجديدة مع ربطة العنق و الحذاء و خرجت ..و لم أكن أكترث بأمر جمانة ..و كنت واثقاً أن لشجارنا تكملة..
صعدت السيارة متجهاً لمنزل سهيل .... و اتصلت به فأجاب :" أهلاً حسام ستأتي الآن ؟ لكني لم أجهز إلى الآن .."
ابتسمت :" لا بأس .. سأجلس معك قليلاً .. هيا .. أنا آت"
وصلت لمنزله و ترجلت من سيارتي ..اتجهت نحو الباب و قرعت الجرس ..و تأملت الحديقة الداخلية .. أتساءل لماذا تبدو بهذه البشاعة .. لماذا لا يزرعها..؟ إلى الآن لم أتعرف على سهيل جيداً ..و هناك الكثير من الأمور المهمة لم أسأله عنها .. لذلك سأبقى أتحدث معه هذه الليلة ..و أتعرف عليه أكثر ..
"أدخل "
--
جلست معه في صالة منزله الكبير و قلت مندهشاً :" ياه ..منزلك رائع .. أ.. أين أهلك .. لا أراهم "
ضحك :" خرجوا .. لدي أختان فقط ....."
و قال و هو يرتب ملابسه :" أنا أحضر نفسي حالياً للزواج "
قلت فرحاً:" حقاً "
ابتسم :"نعم و أود لو أتزوج من المقربين لي .."
و نظر لي نظرة عميقة فقلت :" هيا فلنذهب لمنزل كمال .. تأخرنا"
--
دخلت معه غرفة المجلس الكبيرة لمنزل كمال ..و قد اجتمع الكثير من الأصحاب..أصدقاء الطفولة .. و الأقارب و الكثير ..اقترب مني كمال و سلم علي فرحاً..هو شاب تعرفت عليه عن طريق مهند..ثري و لبق لكنه يهتم بالمظاهر كثيراً ..و لم يتزوج لحد الآن ..جلسنا في زاوية نتحدث .. رأيت سهيل قد ابتعد عني و اتجه نحو مهند ..هل يعرفه ؟ و كان مهند منشغل بالحديث مع ( جليل ) و هو شاب لديه إعاقة في ساقيه و لا يستطيع المشي..بصراحة ليست مجرد اعاقة .. بل هو تشويه ..ساقيه ملتفتان على بعضهما البعض .. ترى عن ماذا يتحدثان ..و كأنها مشادة كلامية حادة ..
جلس سهيل خلفهما ينظر إليهما ...فدعوت أنا كمال لمشاركتهما الحديث .. و نهضنا و جلسنا على مقربة .. ألقى جليل علينا نظرة ثم قال مخاطباً مهند :" أرجوك لا تتحدث عن شيء تجهله "
قال مهند بحدة :" المشكلة أنك حساس زيادة عن اللازم .. "
قلت أنا :" ما المشكلة ؟"
قال مهند :"طلب أن يستقيل من عمله و خلق مشكلة كبيرة .."
ثم نظر إليه بعمق و قال :" هيه جليل .. لقد شجعك المدير و لذلك لا يجب عليك التذمر من الراتب فأنت عملك محدود لأنك معاق"
نظر إليه سهيل بحدة ثم نظر لي مستنكراً فصرخ جليل مغتاظاً :" اعاقتي لا تمنعني من الابداع و العمل .. فها أنا أبرمج و أصمم و هم لا يقدرون ..و المدير يبقى يمن علي لأنه قبلني موظف لديه .."
هز سهيل رأسه مؤيداً.. فقال مهند ساخراً:" هيه ..هل تخدع نفسك ؟.. هل صدقت كل مجاملات الناس ؟ أتساءل لماذا هذا الغرور و على ماذا ؟ الكثيرون يعملون في هذا المجال و قدرتهم تفوق قدرتك ..لا تتوهم جليل "
صرخ به كمال :"هيه مهند .. ما بك " و بقي سهيل ينظر إليه مستنكراً..فقال مهند و هو ينهض :" قلت لي .. تفكر بالزواج ؟"
و ضحك ساخراً:" واهم ..."
و مشى ..نظر لي سهيل باستغراب ..ثم نظر لجليل الذي ينكس رأسه بحزن ..و صدرت منه عبارة :" إنسان بغيض "
--
و أثناء العشاء جلس مهند بقربي نتشارك في صحن ما ..خاطبته هامساً :" منذ متى و أنت تأخذ و تعطي مع جليل ؟"
رفع رأسه و نظر لي بتلك العينين الناعستين ..ثم حك خده قائلاً :" و هل هذا يزعجك "
قلتها بسرعة :" نعم .. "
نظر لي باستغراب .. ثم قال :" جليل يحتاج لبعض التوجيه "
صرخت به :" لكن ليس منك "
لمعت نظرة غضب في عينيه فقلت أنا :" مهند .. باختصار .. ابتعد عن جليل .. إن كنا نحن نستحملك و نبتلع عثراتك .. فجليل حساس و كل كلمة تقولها سيأخذها على محمل الجد "
ثم همست في أذنه قائلاً باحتقار :" مهند .. اعرف قدر نفسك و وجه نفسك أولاً "
حملق بي بغضب ممزوج بأسى .. ثم نهض مسرعاً .. فسحبته بقوة و أجبرته على الجلوس .. و همست :" أكمل عشاءك "
و سهيل ينظر إليه باحتقار ..
=
بعد ذلك .. رأيت جليل منزوي على نفسه بجانبه كمال ..اقتربت منهما .. فسبقني سهيل .. يبدو على سهيل أنه مهتم بأمر جليل كثيراً ..اقتربنا منهما .. فسمعنا جليل يقول بحزن :" كل شيء لا أوفق فيه .. لماذا ؟ ألأنني معاق "
فوجئنا بسهيل يندفع نحوه و يمسك كتفه و يقول :" لا .. لا .. إن كانت الاعاقة لا تؤثر على ابداعك في البرمجة و غيره .. فهذا جيد .. الله لا ينسى عباده .. و قد منحنك موهبة عظيمة .. يجب أن تثق بنفسك و تترك عنك الأقاويل و الكلمات العابرة "
نظر إليه جليل لبرهة فابتسم سهيل :" أنا سهيل .. صديق حسام .. أتمنى لو نصبح صديقين .. فأنت شخص أعظم من أفوت على نفسي فرصة مصاحبته "
رأيت جليل قد انشرحت أساريره ... و لمعت نظرات الثقة من جديد في عينيه ..
جاءنا صوت مهند و هو يخاطبني :" حسام .. لا تخرج من دوني ..أريد منك إيصالي في طريقك لشقتي "
--
في السيارة .. في الخلف يجلس سهيل .. و مهند كان جالساً بجانبي يتحدث عن تخطيط اليوم .. قال باستياء ممسكاً برأسه :" شعرت بدوار غريب برأسي .. قد تكون الطبيبة وظفت للتو .. لأنها خطأت في البداية في أمر ما .. و حتى ( مصعب ) قال لي .."
ثم تعلثم و ابتلع كلماته .. فصحت به مستنكراً :" مصعب ؟؟؟ أتقصد ..."
بسرعة أخذ يبرر :" هيه حسام لا تفهمني خطأً .. "
صرخت به :"ذلك المنحرف ؟.. إذاً لازلت ترتاد معه تلك الأماكن "
نكس رأسه :" لا .. لكني احتجت له ليوصلني حيث المشفى فقط .."
" أنت شخص حقير .. و لا تستحق مصاحبة الناس لك .. و تختار دائماً أصدقاء يناسبوك فعلاً "
نظر لي عاضاً على شفتيه .. ثم نكس رأسه .. نظرت أنا لسهيل الذي ينظر لمهند باحتقار .. بعد فترة قال :
"وددت أن أحدثك يا.. .....ما أسمك "
استدار له مهند :" أنا ؟ "
" نعم "
" مهند .. "
نظر له بحدة :" الشاب الذي جرحته منذ قليل ( جليل ) .. ألم تفكر بمواساته ؟ "
نظر لي مهند .. ثم تنهد ..:" إلى أين تريد الوصول يا......... ."
" سهيل يا مهند ..لا أريد الوصول إلا للسبب الذي دفعك لجرح شاب معاق حساس "
نكس رأسه صامتاً .. حتى أوصلته حيث العمارة التي يسكن فيها .. فتح الباب .. فاستوقفته :"هيه "
التفت لي .. فأعطيته نظارته الشمسية .. سحبها و قال و هو ينظر لسهيل :" وداعاً .. سهيل .."
و غادر ..
في ذلك الوقت لم أكن أعتقد العلاقة التي تربطنا نحن الخمسة سوف تتطور و تصل لأقصى الدرجات ..
أنا حسام .. الشاب الطويل .. المتزوج .. الأسمر البشرة و الخفيف الشعر و الصغير العينين .. و لدي لحية و شارب خفيفين..
و مهند .. الشاب القصير القامة .. جسده ممتلئ قليلاً ..بشرته بيضاء متوردة .. وجهه مدور عريض ..شعره أسود ناعم يغطي أذنيه و جبينه.. و لديه نظرة مميزة ناعسة بعينين سوداوتين شديدتا العمق بلمعة رمادية ..و سكسوكة ..
كمال .. شاب طويل القامة ..أبيض البشرة ..وجهه طويل.. بعينين عسليتين صغيرتين و أنف طويل منسق.. و شعر خفيف بني ..و حاجبان خفيفان و لقد اعتاد ألا يربي لحية أو شارب ..برغم أن الكثيرين يستنكر ذلك ..ملامحه أجنبية ..
سهيل .. ضخم الجثة .. طويل و عريض المنكبين .. شعره طويل لحد كتفيه .. و خفيف ..حاجباه عريضان غليظان.. أسمر البشرة و لديه لحية ..لديه عينين صغيرتين و نظرة حادة واثقة ..
جليل .. ضئيل الجسد .. نحيف كثيراً .. يبدو أنه يصغرنا بأعوام .. عيناه جاحظتين بلون أزرق .. بشرته بيضاء مليئة بالبثور ..و شعره و حاجباه خفيفان .. جبينه عريض .. شكله يبدو أنه لازال مراهقاً فلم تنمو له لحية و لا شارب ..


http://www.alamuae.com/up/Folder-001...1922_09876.gif

التفتت له و قلت بهمس :" سهيل كفى .. أنه مصاب بالصرع كذلك لا يمكنه قيادة السيارة لذلك يعتمد علي "
نظر لي لبرهة .. فأتممت :" حالته متدنية للغاية .. "
=

.. التفتت لابن عمه الذي انتبه له فجأة و اقترب قائلاً :
" مهند ؟ ما بك.."

=

و زدت رعباً عندما رأيت دماً يتسلل إلى قطعة القماش ..صرخت و أنا ممسك بيديه :
" أرجوك مهند ..ارفق بنفسك "

=

ثم نظر لجليل و قال مبتسماً :" جليل .. أنا آسف"

بوسي 23-06-08 10:58 PM



الأخت العزيزه براءه.....

تحيه تقدير وأعجاب.....علي هذا الأسلوب الرائع جدا


والمتمكن بحرفيه عاليه من اللغه ....والألفاظ....


المنسابه بسهوله ويسر....كما ينساب الماء


أعجبتني جدا ....فكره القصه....وهي تبدو ....جديده تماما


وأيضا وصفك للأشخاص.....جعلني أستطيع تخيلهم بسهوله


والفكره المبتكره الرائعه......لوضع أجزاء من البارت الجديد


لتحميس القارئي.....لأنتظار البارت التالي....بفروغ صبر


أنتظر بشوق القادم....لأعرف ماذا سيحدث لأبطالنا الخمسه


وعلاقاتهم المتشابكه ....وهل يبحرون سويا في بحر الحياه


أم يتفرقون ويذهب كل منهم بطريق


موفقه دائما عزيزتي....أسعدك الله....


وأكرمك


ودمت لنا أخت مبدعه مميزه


ألف شكر



HOPE LIGHT 24-06-08 08:38 AM

شكرا على هذا الجزء أختي براءة...حقا أسلوبك رائـــــــــــــــــع بكل ما تحمله الكلمة من معنى... و فريد من نوعه...
جزء تخللته أحداث كثيرة...
ما هي حقيقة مهند؟؟؟
وما هي قصة سهيل؟؟؟
أسئلة كثيرة ننتظر الأجزاء القادمة لكي نحصل على الأجابة...
تحياتي...

بـراءة 24-06-08 01:15 PM

الجزء الثالث
في اليوم التالي .. في المدرسة..كنت أخاطب سهيل و أنا أصحح الأوراق :"تقريباً أنا اعتدت على مهند"
قال سهيل :" اعتدت ؟ شخص بهذه المواصفات لا يطاق "
رفعت رأسي و قلت :" لكن للأمانة هو بشوش و طيب القلب .."
صاح سهيل :" طيب القلب يتعمد جرح مشاعر الناس .. ثم .. لماذا لا يعمل ؟"
"معظم الوظائف لا تناسبه .. "
قال بسخرية :" و من يكون حتى لا تناسبه "
التفتت له و قلت بهمس :" سهيل كفى .. أنه مصاب بالصرع كذلك لا يمكنه قيادة السيارة لذلك يعتمد علي "
نظر لي لبرهة .. فأتممت :" حالته متدنية للغاية .. "
تنهد سهيل :" بعيداً عن المرض .. ألا يجب أن يكون لبق قليلاً ؟ "
شعرت بتأنيب الضمير لأني تكلمت كثيراً عن مهند و بالغت في سلبياته فالتفتت لسهيل و قلت :
" غير الموضوع .. و كفانا غيبة "
"حسناً فلنعود للحديث عن جليل .."
ضحكت :"سهيل .. تحب الحديث لتضييع الوقت "
ثم قلت :" جليل ..مبدع حقاً و طموح ..حساس كثيراً.. و لأي موقف محرج يفقد ثقته بنفسه كاملة .."
" أنه يحتاج لتأييد شديد "
ثم ابتسم :" هذا الشاب جذبني "
--
زرت مهند في العصر في شقته و كان معه ابن عمه .. كان مشتت بأفكاره و لا يركز على ما أقوله له .. كان يسند رأسه على الكرسي و ينظر لي بعينين ناعستين ..صرخت به :" مهند ..ألن تغير شيئاً من ذاتك ؟ "
تمتم :" نعم .. نعم .."
صرخت به :" ماذا تقول ؟ أأنت في وعيك ؟ "
حرك أصابعه ببطء و غاص بها في شعره و أغمض عينيه .. ما به ؟ .. التفتت لابن عمه الذي انتبه له فجأة و اقترب قائلاً :
" مهند ؟ ما بك.."
صعقنا به و جسمه بكامله يرتجف ..و عينيه تدمعان و ينظر للاشيء ..هوى من على الكرسي .. فأسرعت له .. و أسرع ابن عمه هلعاً يبحث عن قطعة قماش .. رماها لي و قال :" ضعها بين أسنانه ..سوف أبحث عن الدواء بسرعة "
التفتت له بسرعة و وضعت تلك القطعة بين أسنانه .. و عينيه تدمعان بشكل مخيف و هو ينظر للسقف..حالته مفزعة للغاية و مخيفة ..و زدت رعباً عندما رأيت دماً يتسلل إلى قطعة القماش ..صرخت و أنا ممسك بيديه :
" أرجوك مهند ..ارفق بنفسك "
==
في المشفى كنت أنظر إليه و هو نائم على السرير بهدوء .. خاطبني كمال بحزن :" ألن تتحسن حالته و لو قليلاً "
نظرت إليه و همست :" فلنخرج "
و في ممر المشفى رأيت ابن عمه يتصل لأحد ما و يقول :" ماذا تقول عمي ؟ ألن تأتي ؟ ....ماذا تقول ؟؟ تعودت ؟"
مهند مسكين و يثير الشفقة .. إلا أن أحداً لا يشعر به ..
في الطرف الآخر هناك شخص يثير الشفقة ..جليل .. زرناه في منزله ..و رأيت غمزاته و لمزاته لوالده يمنعه من مساعدته على دفع الكرسي ..أخبرناه بأمر مهند فقال بأسى :" ألا يواظب على شرب الدواء ؟ لماذا حالته بهذا السوء ؟"
قلت أنا بأسف :" ساءت حالته لدرجة أن الدم يخرج من فمه جراء عضه للسانه .."
قال كمال :" هيه .. دعونا نفاجئه و نذهب ثلاثتنا له اليوم "
ابتسمت :" بل دعونا أربعة ..."
استغرب جليل :" و من رابعنا ؟"
ابتسمت :" سهيل ..."
--
أجاب الطرف الآخر :" آلو .. "
ابتسمت :" أهلاً "
ضحك بفرح :" أهلا بك .."
" ماذا لديك الآن ؟ "
" مم ..مشغول قليلاً "
" هل تستطيع المجيء معنا الساعة السابعة لزيارة مهند في المشفى ؟"
قال مستغرباً :" مشفى ؟ "
" نعم .. أصيب بنوبة صرع حادة .. و نحن سنذهب للترفيه عنه "
" أ..ربما أستطيع .. اتصل بي بعد ساعة "
=
و في سيارة واحدة اجتمعنا ..خاطبنا كمال بجدية :" هيه .. أتمنى أن تعاملوه بلطف و خاصة أنت يا حسام "
قلت مستنكراً :" أنا ؟ أنا أكثر شخص يهتم بأمور مهند "
و قال جليل :" أهو في حالة مستقرة ؟ "
قلت أنا :" لا أدري .. لكن على حسب علمي إذ أصابته النوبة تتبعها نوبة أخرى أخف بقليل "
و قال سهيل :" هل تواتيه النوبات كثيراً "
قال كمال :" للأسف نعم .. ففي مرة من المرات جاءته النوبة مرتين يوم ذهبت معه إلى للبحر ..و لم أكن أستطيع فعل شيء .. سوى النظر إليه "
تنهد جليل و قال :" ما سبب نوباته يا ترى ؟ لا أظنه يعاني مشاكل عظيمة "
الظاهر لنا هذا ..
في غرفته في المشفى .. جلسنا حوله و الطبيبة واقفة تخاطبه بجدية :" الأمر صار خطيراً .. و أنت تعلم أن النوبة إن اشتدت أكثر فأكثر ربما يؤدي هذا للموت .. ألا تتناول الدواء ؟ "
نظر لها بحرج و حك خده ..ثم قال :" أ.. بلى .. لكن .. ليس كل يوم .."
تنهدت :" مضطرة لزيادة الجرعة "
قال مستاءاً :" رباه .. "
خرجت هي من الغرفة ..فاستند و هو ينظر لسهيل تحديداً .. ثم قال مشيراً له باصبعه :" سهيل ..أليس كذلك ؟"
اقترب منه سهيل و جلس أمامه و قال :" نعم .. أتمنى أنك بخير "
ابتسم :" بخير.. "
ثم نظر لجليل و قال مبتسماً :" جليل .. أنا آسف"
قلت أنا :" الغريب فيك يا مهند أنك إن مرضت تعقل "
ضحك و قال :" و السيء فيك يا حسام أنك تعاملني هكذا دوماً "
قال كمال بحماس :" إذ تحسنت مهند .. سوف أدعوكم أنتم الأربعة عندي على غداء "
قاطعته :" لا .. سنذهب جميعاً لشاطيء البحر و نستمتع بالشواء و السباحة "
نكس جليل رأسه ..فكدت أموت غضباً من نفسي ..كيف لم أكترث بجليل ؟ فاجأني عندما قال :" متى ؟"
" بعد أن يتعافى مهند "
ابتسم .. :" شيء جميل "


http://www.alamuae.com/up/Folder-001...1922_09876.gif

صرخت حتى كدت تفجير الهاتف :" لماذا؟!!!! ألم أمنعك ؟ تعانديني ؟ عودي حالاً "

--

"لماذا أنتما تنظران لمهند من زاوية واحدة فقط ؟ و تركزان على سلبياته تركيز بشع "

--

ثم نظرت لجمانة باحتقار و قلت :" انهضي هيا .. ماذا تنتظرين "

--

و تبادلت مع جمانة نظرات ثاقبة تنذر بخطر محدق ..

بـراءة 25-06-08 11:04 AM

الجزء الرابع

عدت لشقتي .. و ناديت زوجتي فلم أجد الجواب .. تلفتت حولي باستغراب ؟.. عدت أنادي :" جمانة ؟"
تقدمت و دخلت غرفة النوم فلم أجدها ..خرجت منها و دخلت غرفة ابنتي خلود .. فلم تكن هناك !! هل ذهبت جمانة لمنزل أباها ؟ ..لا أتمنى ذلك آبداً.. اتصلت لها فأجابت :" أهلاً حسام "
" أهلا .. أين أنت ؟ "
قالت بثقة :"في منزل أهلك "
" لماذا ؟"
" أناقشهم في موضوع العيش معهم .."
صرخت حتى كدت تفجير الهاتف :" لماذا؟!!!! ألم أمنعك ؟ تعانديني ؟ عودي حالاً "
صمتت ثم قالت :" تعال أنت لأخذي ؟"
زفرت ..ثم قلت بحدة :" أعانني الله عليك .."
--
دخلت المنزل أبحث عنهم ..رأيت زوجتي جالسة مع أختي هيام تتحدثان .. اقتربت منهما .. فنهضتا .. و تبادلت مع جمانة نظرات ثاقبة تنذر بخطر محدق ..مشت هيام بتمايل قائلة بأنوثة :" سأترككما وحدكما "
و قد زادت في فتنتها و جمالها و أكثر شيء يميزها بشرتها السمراء الصافية و عينيها الخنجريتان ..
التفتت لجمانة التي رمت بجسمها على الكرسي بغضب .. اقتربت منها و قلت بحدة :" ما هذا التصرف ؟ "
التفتت و قالت :" أهلك موافقون فلمَ أنت معارض "
صرخت بحدة :" أتعلمين ؟؟ أنت مزعجة بشكل كبير "
و استدرت قائلاً :" اجلبي ابنتك و لنغادر "
فزفرت هي باستياء ..
هنا استوقفني أخي ( جهاد ) ..و هو ينزل على الدرجات :" لحظة حسام ؟ "
التفتتُ له و قلت منزعجاً :" ماذا ؟ "
ضحك و هو يقترب مني :" هيه ما بك ؟ لا تزورنا إلا قليلاً ؟ "
و طوقني قائلاً :" هيا نريد الاجتماع في رحلة ..لقد مللنا "
نظرت له مبتسماً :" إلى أين تريد الذهاب ؟"
بقي يفكر قليلاً .. فقلت أنا :"ما رأيك بنزهة على شاطئ البحر ؟ "
ضحك :" رائع .. و لتذهب الأسرة بأكملها "
ابتسمت أنا :" لا يا جهاد .. أنا أدعوك على أساس أني سأذهب مع أصدقائي .."
" لا بأس يا رجل .. أنت مع أصدقائك ستذهبون بسيارة و نحن بسيارة .. و ستكون الأسرة مبتعداً عنك لا تقلق "
تنهدت:" بودي لو أقول دعها ليوم آخر .. و لكني سأنشغل .."
ثم ابتسمت :" لا بأس .. أنا أنتظر تحسن حالة أحد أصدقائي لنتجهز للرحلة "
ثم نظرت لجمانة باحتقار و قلت :" انهضي هيا .. ماذا تنتظرين "
عضت على شفتيها بقهر .. ثم نهضت ..
=
في يوم آخر .. زارني كمال في المدرسة .. و جلس كعادته بأناقة على الكرسي و عطره يملأ الغرفة .. لقد كون له محل صغير لبيع ألعاب الأطفال و لكنه في الأساس يعتمد على والده..ابتسم :" مهند خرج من المشفى دون إذن من الطبيبة "
تنهدت :" ما هذا المستهتر ؟ "
قطب سهيل جبينه :" كم عمره الآن ؟..يتصرف كالطفل تماماً .. ألا يجب أن ..."
صاح كمال باستغراب :" هيه ..هيه ..ما بكما .. أنا فعلت هذه الأمور في السابق أيضاً ..و أظن أن الكثيرين يفعلونها ..لماذا أنتما تنظران لمهند من زاوية واحدة فقط ؟ و تركزان على سلبياته تركيز بشع "
لزمنا الصمت ..فقال مبتسماً :" إذاً متى الرحلة ؟"
ضحكت :" لازلت تذكر ؟ ..على فكرة أهلي سيشاركوننا أيضاً "
قال سهيل متعجباً :" أهلك ؟!!! هل يهتمون بأمور كهذه ؟ "
عدت أضحك :" لم أأخذ رأيهم جميعاً .."
قال سهيل بجدية :" ماذا عن جليل ؟ هل ستجرحون مشاعره ..لازلت أظن أن هذه الرحلة ستؤثر فيه "
قال كمال بسرعة :" هو من قال ..شيء جميل ..سوف يستمتع بمشاهدة البحر و السماء الصافية و الهواء العليل "
تنهدت أنا .. ثم قلت :" متى تريدون الرحلة الآن ؟ "
قال سهيل :" إن أمكن ..غداً .. فهو يوم إجازة .."
و أيده كمال :" نعم "
فهززت رأسي ايجابياً ...


http://www.alamuae.com/up/Folder-001...1922_09876.gif

ضحكت أمي و قالت هيام منزعجة :" أصحابك سيأتون أيضاً ؟ "

==

" ما بك مهند ؟ حسام يمزح معك "

==

نظر لي بعينيه الناعستين ..ثم قال :" إذ كنت أنا بهذا السوء في نظرك ..لماذا بقيت على رفقتي ؟ لست محتاجاً لي "

==

فوجئنا بكمال يصرخ به غاضباً :" سهيل .. لا أسمح لك .. أنت انضممت لنا مؤخراً و لا تعرف مهند جيداً .. لذا فلتكف عن الحديث عنه بهذا الاسلوب .."

بوسي 25-06-08 12:31 PM


سلمت يداك أختي

ننتظر القادم بفضول

حسام -كمال سهيل -مهند

وعلاقاتهم بالأشخاص المحيطين بهم

وننتظر الرحله لنتعرف عليهم اكثر

الف شكر
كل التحيه والود

rozta 26-06-08 08:25 AM

قصة جميلة ومشوقة والاحداث مثيرة للاهتمام .
فما سبب تصرفات مهند ؟
وما الذى سيحدث فى هذه الرحلة ؟
ننتظر باقى الاحداث بشوق لمعرفة ما سيحدث و
اتمنى لكى التوفيق فى باقى القصة .

بـراءة 28-06-08 07:54 PM

الجزء الخامس

دخلت الشقة فهاجمت أنفي روائح رائعة ..أسرعت للمطبخ ..فإذا بالطاولة مملوءة بأصناف الطعام..و كانت جمانة ترتب المائدة و قد لفت نظري أنها ارتدت أجمل ما لديها و سرحت شعرها .. واتتني رغبة جنونية بالإعراض عنها..و كنت أضحك في نفسي من منظر جمانة و هي تقلد أختي هيام في أسلوب الغنج فلا يناسبها ..نظرت لها باحتقار ..و اخترت أطباقي و انزويت مع ابنتي في غرفتها على أساس أني سأساعدها على تناول الغداء.. في الحقيقة شعرت بعد ذلك بجمانة تبكي ..و كنت أقسي قلبي ..لتطول مدة الخصام ..و لأرى أطباق و أطباق لذيذة مراضاة لي ..
بعدها مباشرة ذهبت لمنزل والدي ..و حدثت الأسرة عن موضوع الرحلة ..فرفض والدي الذهاب .. أما الباقي وافقوا متحمسين ..هل سآخذ معي جمانة؟؟ ..لأدعها قليلاً .. و سآخذ ابنتي خلود فقط ..
قالت هيام و هي تحرك شعرها الطويل و تسحبه للخلف :" لأول مرة تطرح علينا فكرة الذهاب لرحلة "
ضحكت :" صحيح ..فالفكرة طرحتها أولاً على أصحابي و لكني شفقت بحالكم فوددت أن تأتوا أيضاً "
ضحكت أمي و قالت هيام منزعجة :" أصحابك سيأتون أيضاً ؟ "
" نعم ..و لن أكون معكم "
و أطلقت ضحكة ....
رن هاتفي فكان جليل.. أجبت :" أهلاً .. جليل "
" حسام ..حقاً ستذهبون غداً ؟ .. كم الساعة ؟ "
" الرابعة عصراً ..و سنظل لوقت العشاء.."
"جميل .. هل أخبرتم مهند ؟ "
"في الحقيقة لا أعلم ... و لكن كمال لن ينسى ذلك "
" إذا وداعاً .."
" وداعاً "
يبدو أن جليل متحمس للذهاب ..لا .. أنه يتألم و لكنه يخفي ذلك تظاهراً بالحماس ..
عدت للشقة و تعمدت أن أقول لجمانة :" جهزي ملابس سباحة لي و لخلود .."
نظرت لي باستغراب :" لمَ ؟ "
ابتسمت :" سأذهب غداً مع أهلي و أصحابي للبحر "
نظرت لي لبرهة و ودت قول شيء و لكنها تراجعت ..ثم هزت رأسها ايجابياً ..
--
في السيارة و على الطريق المؤدي للبحر .. التفت جليل للخلف مبتسماً :" سيارة أهلك وراءنا مباشرة "
و قال سهيل الذي كان يجلس في الأمام :" ستكون رحلة ممتعة حتماً "
نظرت لكمال الذي أخرج من حقيبته التوت و قال :" أتربدون شباب ؟"
هجم سهيل على التوت ضاحكاً :" كم أحبه " _سهيل تأقلم معنا بسرعة _و سحب جليل عدة حبات منه ..و أكلها بشهية ..فمددت أنا يدي للخلف قائلاً :" أنا أريد أيضاً "
قمنا بأكله بشهية ..مما لفت نظري كمال و هو يلتفت لمهند الذي يجلس بجانب النافذة و يقول :" ألا تريد مهند ؟"
من دون أن يبعد أنظاره عن النافذة همس :" لا "
نظرت له عبر المرآة ..ثم قلت :" ما بك يا ( سيد قزم ) .. ؟ "
و سيد قزم هو لقب نلقبه به لقصر قامته .. في الغالب يضحك عندما يسمعه و لكنه قال هذه المرة بنفور :" تسخر ؟"
نظرت له مستغرباً .. فقال جليل :" ما بك مهند ؟ حسام يمزح معك "
تنهد هو ..مما أثار عجبي .. لمَ كل هذه الكآبة ..؟ هذه الرحلة كانت في الأساس لأجله ..
نظرت لسيارة أهلي و قد صارت بجانبنا .. هتف أخي جهاد :" فلنتسابق حسام "
فسمعت صوت أمي يزلزل السيارة :" لا .. أجننت ؟ هذا خطر .. فلنسير بهدوء "
ضحكت أنا قائلاً :" الأمهات دائماً هكذا "
ثم نظرت لمهند و قلت بهدف فتح حديث معه :" بالمناسبة ما حال أمك ؟"
نظر لي من طرف عينه ثم قال :"و ما شأنك ؟ "
!!!........
=
أهلي بسطوا بسطاهم بقرب البحر فرحين ..و كانت معهم ابنتي خلود ..جلسنا نحن على بساط آخر ..و قال سهيل :
" آتي لنا بابنتك لنراها "
ضحكت .. و استدرت هاتفاً :" خلود .. تعالي "
نهضت هي و ركضت باتجاهنا و ارتمت بحضني بخجل ..ضحك جليل :" تشبهك كثيراً "
قلت أنا فرحاً :" اقترفت جريمة "
قال كمال مستغرباً :" قتلت شخصاً ما ؟"
ضحكت :" بل ..تركت زوجتي و لم آتي بها إلى هنا .. "
قطب سهيل حاجبيه :"لماذا ؟"
" كنا متخاصمين "
و قال كمال :" لا تشوه نظرتي للزواج .. فأنا سأتزوج عما قريب "
صاح جليل :" حقاً .."
ضحك :" عندما أجد الفتاة المناسبة "
التفتتُ أنا لمهند الذي نهض مبتعداً عنا ..ناديته :" إلى أين ؟ "
استدار لي و قال :" لا شيء .. أريد التدخين فحسب "
و مضى في طريقه ..فقال سهيل بانزعاج :" لم تبقى صفة قذرة إلا و اتصف بها "
فوجئنا بكمال يصرخ به غاضباً :" سهيل .. لا أسمح لك .. أنت انضممت لنا مؤخراً و لا تعرف مهند جيداً .. لذا فلتكف عن الحديث عنه بهذا الاسلوب .."
صاح سهيل :" تدافع عنه لأنك تشبهه .. أنا لم أصارحك بهذا من قبل احتراماً لك .. "
نظر كمال لسهيل بغضب ثم قال :" أنت شخص متكبر لا يعجبك الناس و تحب أن تغرق في الغيبة البشعة "
ثم نهض غاضباً و قال :" أنا سأذهب للجلوس مع مهند "
و ابتعد ..فقال جليل مخاطباً سهيل بضيق :" لماذا ؟"
انفعل سهيل :" لأن كمال لا يحسن إلا نقل الكلام .."
نظرت له مستغرباً فأتمم :" هل استغربتم صمت مهند ؟.. كمال ينقل إليه كل كلمة نقولها عنه و يضخم الأمور أيضاً ..لهذا مهند غاضب منا جميعاً عدا عن صديقه الذي ينقل له ما يقال عنه .. كمال "
قال جليل متنهداً :" لا تشك سهيل .. مهند يغرق في حالة من الصمت بعد أن يتعرض لنوبة صرع خوفاً من الموت"
قلت أنا :" لكن مهند بدا فظاً معي في السيارة .. و أيضاً مهند يدخن أمامنا و لا يكترث لانزعاجنا ..لماذا ابتعد هذه المرة ؟ لابد أنه غاضب منا كثيراً "
رفعت رأسي و نظرت لمهند الذي يسير بجانب كمال بقرب البحر و يدخن ..ثم نظرت لجهاد أخي و هو يهتف بي :
" ألن تسبحوا ؟ "
" بلى "
"هيا إذاً "
نظرت أنا لجليل فقال بسرعة :" أنا سألاعب طفلتك قليلاً .."
ثم قال مخاطباً إياها :" هيا انهضي و ادفعيني يا صغيرة .."
نظرت لي .. فهززت رأسي ايجابياً .. نهضت هي و صارت تدفع كرسيه المتحرك بكل قوتها .. ربما يحاول جليل أن يشعرني أنه مرتاح لحاله هذه ..أنه يثير وجعي ..نظرت للاثنان اللذان جلسا يراقبان البحر ..قلت مخاطباً سهيل :
" سأرى ما به هذا المهند "
اتجهت نحوهما و حين بلغتهما قلت :" ألن تسبحا ؟ "
استدار لي كمال بينما مهند لازال ينظر للبحر و هو يدخن .. جلست بجانبه و قلت مخاطباً كمال :" هيا فلتنهض لتلبس ملابس السباحة .." فنهض و غادر مدركاً أن لدي رغبة بالحديث مع هذا الرجل ...
نظرت لمهند بعمق ..و كيف كان يرمق البحر و هو ينفث دخان سيجارته ..همست :" ماذا قال لك عنا ؟"
لم يجب فقلت :" أجب .. لأبرر لك "
أجاب متنهداً :" لست مضطراً "
قلت أنا بسرعة :" لا .. مضطر .. يجب أن تعلم أن كمال قد يوصل لك معلومات خاطئة "
نظر لي بعينيه الناعستين ..ثم قال :" إذ كنت أنا بهذا السوء في نظرك ..لماذا بقيت على صداقتي ؟ لست محتاجاً لي "
قطبت حاجباي :" بقيت على ذلك لأنك أنت محتاج لي .."
نظر لي بحدة .. ثم همس:" لا .. أنت مخطئ .. أنا لست محتاجاً لك .. انت اعتقدت هذا لمجرد أني عاجز عن قيادة السيارة و أعتمد عليك في توصيلي ؟ .. أنا أستطيع الاعتماد على كمال و أتركك .."
ثم همس بقهر :" لماذا تتحدث عني بهذا الشكل ؟ "
نظرت له لبرهة .. و همست :" مهند اسمع ..."
قاطعني :" لا تنكر "
تنهدت :" لن أنكر أني تحدثت عنك و غبتك .. و ها أنا أعتذر .. آسف .."
و قبلت رأسه فنظر لي مطولاً ..قلت :" ألن تسامحني ؟ "
زفر .. :" بلى .. سامحتك "
ابتسمت ابتسامة عريضة و نهضت مشيراً لكمال و سهيل و جهاد و هم يسبحون في البحر :" هل ستضيع عليك هذا البحر و هذا الجو ؟.. انهض للسباحة "
نظر لي لبرهة .. ثم عاد يدخن :" ليس لي مزاج لذلك "
بسرعة سحبته بقوة من قميصه و جريت به نحو البحر و هو يصرخ ضاحكاً :" هيه حسام .. أجننت "
و بقينا جميعاً نلعب بمياه البحر ..و نسبح هنا و هناك ..


http://www.alamuae.com/up/Folder-001...1922_09876.gif

رفعت رأسي لهم .. فرأيتهم لازالوا متسمرين فاغرين أفواههم ..نظرت لخلفي .. و كانت هيام تلعب مع خلود في البحر و ترفع عباءتها بأنوثة و تبقى تتحرك في الماء بمرح

==

نظر لي بارتياب ثم همس :" هل لي أن أعيش معك مدة قصيرة .. فقط ريثما أجد عملاً "

==

:" لا أدري لماذا تبقى على مصاحبة هذا الشخص ؟ يريد مشاركتك شقتك .. إن كان أهله لم يتحملوه ..فهل ستتحمله أنت ؟ "

==

ابتسم بعمق .. ثم همس :" سأتزوج قريباً .. و إن شاء الله من المقربين "
و غمز لي .. و المقربين هذه تثير شكوكي ..

ارادة الحياة 15-04-09 11:05 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزتي براءة
اتمنى ان اراك بين صفحات قصتك
لتكملي مشوارها
ولترسي بها في ميناء السلام واكتمال الافكار
انتظر تواجدك المثمر

dali2000 06-01-10 03:14 PM

السلام عليكم

بقية المحافظة على القصص ،،تم وضع قانون جديد للروايات الغير مكتملة بقسم من وحي قلم الاعضاء

يرجى زيارة هذا الرابط

http://www.liilas.com/vb3/t134089.html

ولفتح القصة لتكملتها يرجى ،،وضع طلب بهذا القسم الخاص

http://www.liilas.com/vb3/f30/

تغلق الرواية من تاريخ وضع الرد

نرجو التعاون ،،موفقة

بوح قلم 11-04-11 07:33 AM

تنقل للقسم المناسب

بوح قلم 11-04-11 07:42 AM

الجزء السادس

في وقت المغرب .. جلسنا نتسامر فيما بيننا .. فخاطبني سهيل :" هيا ..نريد شيئاً من الشواء "
ضحكت :" تداري بطنك دائماً .."
و استدرت قائلاً :" أمي ..نريد من ما تشوينه "
و عدت أنظر لمهند و أكمل حديثي معه :" و ماذا قالوا لك "
تنهد :" رفضوني .. علي البحث عن عمل في ......"
و تسمر ..بل تسمر جليل و سهيل و كمال .. استدرت ..فرأيت أختي هيام و هي تحمل الطعام بيد و بيد أخرى ترتب خمارها و تهمس :" حسام .. الطعام "
نهضت و سحبت منها الطعام و همست بحدة :" فلتذهبي "
غادرت ..فعدت لهم و بسطت الطعام أمامهم و قلت بحماس :" رائحته طيبة للغاية .. "
رفعت رأسي لهم .. فرأيتهم لازالوا متسمرين فاغرين أفواههم ..نظرت لخلفي .. و كانت هيام تلعب مع خلود في البحر و ترفع عباءتها بأنوثة و تبقى تتحرك في الماء بمرح ..عدت أنظر لهم .. همس كمال مشيراً لها :" أهذه أختك "
و لكزه سهيل .. و قال مهند مغيراً مجرى الحديث و هو يباشر بتناول الطعام :" هيا .. فلتأكلوا "
و حتى جليل لم يبعد أنظاره عن البحر .. أقصد عن التي تلعب في البحر ..
=
و انتهى هذا اليوم ..و مر أسبوع .. و جليل لازال مستقراً في عمله .. أما كمال فقد سافر لشراء المزيد من ألعاب الأطفال .. ليبيعها في متجره ..اتصل بي ذات يوم مهند و قال حرجاً :
" هل لي بمقابلتك ؟ .."
قلت مستغرباً :" لماذا ؟ "
" مم .. هناك موضوع أريد التحدث معك فيه "
و تقابلنا في مطعم ما .. خاطبته :" ماذا لديك ؟ "
نظر لي بارتباك ..ثم قال ..:" آ ..حدثت مشكلة كبيرة بيني و بين أهلي .. "
" ماذا جرى ؟ "
نكس رأسه :" أفسدت عليهم فرصة مهمة .. لا داعي لأن أدخل في التفاصيل ..لكن والدي .. حرمني من مصروفي "
نظرت له لبرهة فقال :" و لا أدري من أين أدفع لأجار الشقة التي أسكن فيها "
قلت أنا :" اختصر "
نظر لي بارتياب ثم همس :" هل لي أن أعيش معك مدة قصيرة .. فقط ريثما أجد عملاً "
صعقت !! .. نظرت له باستنكار و صرخت :" تعيش معي !!!!!!! "
نكس رأسه و وجهه يلتهب بحمرة الخجل .. قلت أنا بحدة :" أنت تعلم أني أعيش في شقة صغيرة بها غرفتين فقط .. أين سأدعك تنام ..ثم .. لم تفكر أني رجل متزوج .. و زوجتي محجبة و ليس من السهل أن أدعك تعيش معنا و لو ليوم "
أشاح بوجهه عابثاً بشعره محرجاً .. فخاطبته ثائراً :" أنت فاقد للمسؤولية .. كيف تثير أهلك عليك و أنت تحتاج لهم أمس الحاجة ؟ شخص مستهتر .. و تريد مني أن أتحمل مسؤولية اسكانك معي ؟ "
و أتممت :" متى ستعقل ؟ و متى ستترك الاتكال على غيرك .. تتكل علي في كل شيء حتى مكان سكنك ؟؟ يا لك من مزعج .. كم عمرك الآن .. ست و عشرون سنة.. ؟ و لازلت تتصرف كالمراهق الأبله "
انتفض غاضباً و همس :" كفى حسام .."
ثم أطفئ سيجارته مستعداً للمغادرة و قال بغضب :" أكان عليك إذلالي بهذا الشكل ؟ قلها ببساطة .. لا تستطيع تلبية طلبي و سأجد غيرك "
و نهض فقلت أنا بسخرية :" من سيلبي طلبك قد جنى على نفسه ..إلا إذا كان مصعب .."
نظر لي من طرف عين .. و مشى..
فناديته :" لحظة .. يا سيد قزم "
التفت لي مستاءاً :" رجاءاً نادني باسمي و احترمني كما أحترمك .."
ابتسمت بسخرية :" و منذ متى كنت حساساً ؟ "
تنهد :" قل .. ماذا لديك "
ضحكت و أنا أتفحصه بنظراتي :" من سيعيدك لشقتك ؟ "
قال بنفور :" سأصعد سيارة أجرة "
نظرت له باستغراب :" و منذ متى تتنزل لصعود سيارات الأجرة ؟ "
تنهد و استدار مغادراً ..
=
و في يوم آخر التقيت بسهيل و صرت أحدثه في مقهى ..قال منزعجاً :" لا أدري لماذا تبقى على مصاحبة هذا الشخص ؟ يريد مشاركتك شقتك .. إن كان أهله لم يتحملوه ..فهل ستتحمله أنت ؟ "
تنهدت :" و لكنه يثير شفقتي "
و قال سهيل :" دعنا من الحديث عن مهند ..مم .."
رفع رأسه و نظر لي مبتسماً :" ما رأيك بي ؟ "
ضحكت :" ما القصة ؟ "
" فقط قل .. ما رأيك بي ؟"
ابتسمت :" رجل ذو شخصية جميلة اجتماعية عصبي قليلاً و متقلب المزاج و لكن رجل بمعنى الكلمة ..و أكثر ما يعجبني فيك ضخامة جسمك .. تبدو مصارعاً "
ابتسم بعمق .. ثم همس :" سأتزوج قريباً .. و إن شاء الله من المقربين "
و غمز لي .. و المقربين هذه تثير شكوكي ..
--
و اتصل بي كمال و أخبرني أنه سيشتري بذلات لنا نحن الأربعة .. حيث كان قد أخذ مقاساتنا قبل أن يسافر..
قال :" أي لون تريد ؟ "
" مم .. ربما ..فلتجعله أسود .."
ضحك :" اتصلت بسهيل و طمع باثنتين .. و قال مهند أنه يريد بذلة مناسبة للزواج .. و جليل أراد لون بني "
قلت باستغراب :" مهند يفكر بالزواج حالياً ؟ "
قال ببساطة :" من زمن ..لكنه لم يحدد أي فتاة لحد الآن "
ثم قال بجدية :" اهتم به حسام .. في هذه الفترة بالذات .. أنت تعلم أن ابن عمه منشغل حالياً بالامتحانات و لو أتته نوبة صرع و لا أحد معه في تلك الشقة .. ربما تأتيه نوبة قلبية تؤدي للموت .. أتفهمني ؟ "
هززت رأسي :" لا تخف "
--
على الفور اتجهت نحو شقته .. قرعت الجرس ..فخرج لي و هو يرتدي ملابس النوم ..و شعره متداخل فيما بعضه بعشوائية ..قال مقطباً حاجباه ...:" حسام ؟ "
" هيا أفسح لي لأدخل "
ابتعد مستغرباً .. فدخلت .. و اتجهت نحو الصالة و جلست على أحد المقاعد ..فجاء و جلس أمامي و قال و حشرجة تخرج مع صوته تدل أنه كان غارق في نوم عميق :" هاه ؟ ماذا لديك ؟ "
" قلت لي .. تريد العيش معي في شقتي ؟ فلتلم حاجياتك .. ريثما أجهز لك الغرفة .."
انفرجت زوايا فمه بفرح ..



قالت بحدة :" لن أحادثك .. سيكون حديثي مع والدي عن ما تفعله بي .. إن كنت لا تغار علي فلي أهل يغارون علي"

==

قلت :" ماذا أفعل .. شخص مريض لا يسعني إلا مساعدته .."

==

..نظرت له جمانة باستياء .. ثم همست لي :" قل له أن يكف عن التدخين .. نكاد نختنق "

==


صرخت مفزوعاً :" مهند .. مهند .. ارفق بنفسك .. ستموت ..ستموت! "


بوح قلم 11-04-11 07:43 AM

الجزء السابع

تركته يلملم حاجياته ..و يتصل بصاحب العمارة ..و اتجهت نحو شقتي و دخلت غرفة ابنتي خلود و صرت أتفحص السرير ..أظنه يكفي مهند .. و قمت باخراج ملابس ابنتي من الخزانة و نقلتها لغرفتي .. هناك خرجت زوجتي جمانة من الحمام و تأملتني مستغربة و أنا أنسق ملابس خلود و أصفها في خزانتنا الكبيرة .. اقتربت قائلة :" ماذا تفعل ؟ "
التفتت لها و قلت بجدية :" هيه جمانة تفهمي الأمر .. لدي صديق سيأتي للعيش معنا عدة أيام و ......"
صاحت بغضب :" ماذا تقول ؟!!! أجننت ؟ تجلب لي أشخاص غرباء .. ؟ و حتى حريتي في شقتي ستسلبها مني ؟ "
اقتربت منها و قلت بهدوء :" جمانة .. ما هي إلا عدة أيام "
قالت بحدة :" لن أحادثك .. سيكون حديثي مع والدي عن ما تفعله بي .. إن كنت لا تغار علي فلي أهل يغارون علي"
خرجت من الغرفة متجاهلاً إياها .. و رحت أعلق قماش كبير كفاصل يقسم الشقة لقسمين ..لكي لا تكون لها حجة ..
بصراحة هي محقة !..
..
بعد ذلك .. أتيت بمهند و استقبلته في الشقة .. فدخل محرجاً .. و عينيه مدفونتان في الأرض .. و احترق خجلاً عندما رأى القماش الذي يقسم الشقة .. حثثته على الغرفة .. فدخلها و وضع حقيبته بجانبه و قال و هو يحك خده بخجل:
" آسف ..أظن أنني سببت لك الازعاج "
قلت بسخرية :" و لماذا تظن ؟ بل تيقن أنك أزعجتني و سببت فوضى و قلق و مشاعر متضاربة بيني و بين زوجتي "
نظر لي و وجهه ملطخ بحمرة خجل حارقة ممزوجة بشيء من الأسى .. ثم قال مازحاً :
" فلتدع المدام تصنع لنا عشاءاً مميزاً "
" و هل صدقت نفسك ؟.. أنها مضربة عن فعل أي شيء "
حملق بي لبرهة.. فقلت أنا :" لا تقلق .. هناك ما يكفي من الخبز و الجبن ..ليسد جوعنا "
هز رأسه مبتسماً .. فدخلت ابنتي خلود و قالت مندهشة :" بابا .. ماذا يفعل هذا بغرفتي ؟"
انصهر مهند خجلاً .. فحملتها و قلت ساخراً :" أنه اللص الذي جاء يسرق غرفتك منك " و ضحكت ..
و بقيت أتناول معه العشاء المزعوم ..و بشهية ! ..خاطبني بعد أن تلاشت نوبة الخجل .. :" حسام .. إن تقدم شخص مثلي لابنتك .. هل ستقبل ؟ "
نظرت له طويلاً .. فكأنني أريد استشفاف ما يريد الوصول إليه .. ثم قلت :" لا "
نظر لي باستغراب :" لماذا ؟ هل أنا بهذا السوء ؟ "
ضحكت :" نعم .. للأسف .."
نظر لي طويلاً ..مهند يعلم أني لا أحب مدحه حتى لو كان على صواب .. لا أدري لماذا ؟.. ترك ما بيده من طعام و خرج متنحنحاً .. و مشى نحو الحمام لغسل يديه .. نهضت أنا و اتجهت نحو غرفتي فرأيت جمانة قد بدت كأسد مفترس .. كانت غاضبة بشكل مخيف ... نظرت لي بنظرة قاتلة .. ثم نهضت من على الكرسي و اتجهت نحو الخارج .. فخاطبتها :
" احذري .. مهند في الحمام "
زفرت :" رباه "
--
في صباح اليوم التالي .. جلست على مكتبي مخاطباً سهيل :" البارحة لم أنم .. جمانة لم تسكت عن التذمر "
قال مستغرباً :" لماذا ؟ "
ضحكت :" المشكلة هذا الذي استقبلته بشقتي "
فتح عينيه باستغراب :" وافقت على عيش مهند معك ؟؟؟ لماذا ؟؟ "
قلت :" ماذا أفعل .. شخص مريض لا يسعني إلا مساعدته .."
"و أين هو الآن ؟ "
" صعد سيارة أجرة .. ربما سيزور أهله و تعود المياه لمجاريها "
" أتمنى ذلك "
--
بعد انتهاء الدوام ذهبت مع سهيل لمنزل جليل ..صعقت به و قد تغير كثيراً.. قد اتخذ له تسريحة شعر جديدة ..
سأله سهيل :" ما هذه الأناقة يا رجل ؟ و لماذا "
ابتسم :" كمقدمة للزواج .. على الأقل "
ضحكت أنا باستغراب :" حتى أنت ؟!! جميعكم تسعون للزواج ؟ صدقوني أنه بشع .. اسألوني أنا "
قال سهيل :" أنت حالة استثنائية يا حسام .. اما كان الخطأ العقلي فيك أم في زوجتك .. و الأرجح أنه فيك "
و غرق الاثنان في الضحك..
==
و أنا في طريق عودتي للشقة رن هاتفي .. فكان مهند .. أجبت :" ماذا لديك يا مهند ؟ "
" أنا منذ ساعة على باب شقتك أنتظرك .. هيا تعال "
" حسنٌ .. "
وصلت للشقة .. فرأيته مستند على باب الشقة يحادث حارس العمارة .. فوجئت بحارس العمارة يلتفت لي و يقول :
" ها قد جاء "
و غادر .. ! أكان يتحدث عني ؟.. اقتربت من مهند و خاطبته باستغراب :" ماذا لديك مع حارس العمارة "
تنهد:" و ما المهم في الأمر .. افتح الباب .. فلقد تعبت من الوقوف "
و دخلنا الشقة .. و فوجئت أنا بأصوات تنبعث من المطبخ .. اتجهت حيث هناك .. فكانت جمانة تعمل بجد و تطهو طعام الغداء و كم كانت الرائحة شهية للغاية .. اقتربت منها .. فارتدت حجابها مسرعة و همست :
" صديقك هنا ؟ "
ابتسمت :" نعم .. أ.. ماذا تطبخين ؟ "
ابتسمت :" سترى "
و كم كنت قاسياً طوال المدة الفائتة على هذه المرأة المسكينة التي تسعى لرضاي ..خرجت من المطبخ فرأيت مهند يتصل بأحد ما .. ظل ينتظر الاجابة ثم أجاب مرتبكاً :" مـ.. مرحباً جمال .."
صمت للحظات ثم قال :" ماذا قال أبي عن الموضوع ..؟ ....... و لماذا ؟ .. ألم ... جمال .. أنت ضدي أم معي ؟ ... و الآن ماذا أفعل ؟ .. إلى متى سأظل أعيش مع صديقي ؟ .. "
ثم قال باستياء :"اقنعه أرجوك ..وداعاً "
و أغلق الهاتف ..اقتربت منه و قلت :" هاه .. ماذا جرى ؟ "
نظر لي بحزن ..ثم تنهد :" ساعدني على ايجاد عمل و إلا بقيت معك طوال حياتي "
صرخت باستنكار :" ماذا ؟ "
==
و منذ ذلك الوقت بدأت أبحث عن عمل له .. المشكلة أن أعمال الحاسوب كلها لا تصلح له كونه مصاب بالصرع .. و الأماكن التي فيها موظفين قلة لا تنفع أن يعمل فيها ..سألت المشرف الاجتماعي لدى مدرستنا عن احتياج المدرسة لمشرف اجتماعي .. فمهند درس علم نفس عدة سنوات ..أجاب المشرف أن المدرسة لا تحتاج .. و كنت أقول في نفسي ذلك أفضل لأن مهند لن يفلح في هذا العمل ..ترى ماذا يحب أن يعمل مهند بالضبط و ما الذي يميل له ؟ إن أسأله هذا السؤال يتحير .. و يقول أنه لو وجد عملاً لما تردد في العمل ..
--
و في المساء .. كنت جالساً أشاهد التلفاز .. بينما جمانة تساعد خلود على كتابة واجباتها .. و مهند يدخن بقرب النافذة ..نظرت له جمانة باستياء .. ثم همست لي :" قل له أن يكف عن التدخين .. نكاد نختنق "
تنهدت .. و نظرت له و صرت أناديه :" مهند .. أطفئ سيجارتك "
و لا حياة لمن تنادي كان يراقب الشوارع ساهماً .. نهضت متجهاً نحوه ..وقفت بجانبه و سحبت من يده السيجارة بهدوء ففزع .. ثم تنهد و سحب السيجارة من يدي .. فقلت له بجدية :" كفاك تدخيناً .. خنقتنا "
نظر لي لبرهة ثم نظر لجمانة ..و رمى بالسيجارة من النافذة .. و عاد لغرفته ..وقفت للحظات أتأمل جمانة و خلود .. ثم اتجهت لغرفة مهند .. طرقت الباب .. فأجاب :" من ؟ "
" أنا .. و من سأكون "
" أدخل "
دخلت فرأيته يرتدي ملابس النوم .. سألته مستغرباً :" ستنام الآن ؟ الساعة لازلت الثامنة و النصف "
ابتسم ببهت :" لكي لا أثقل عليكما .. "
نظرت له طويلاً .. فخرج هو من الغرفة متجهاً للمطبخ .. لحقت به .. فرأيت يصب له ماءاً ..فجأة توقف عن الصب .. و بقى يتأمل كأس الماء بعمق ..و بيده الأخرى عبث بشعره ثم ضغط على جبينه .. فسألته :" ما بك ؟ "
بجهد حرك بؤبؤيه و نظر لي و هو يمسك برأسه ..فوجئت بالكأس الذي بيده يهوي و ينكسر .. نظرت له بسرعة ..و كان كما توقعت جاءته النوبة المرعبة ..أمسكته فهوى هو على الأرض و هويت معه .. انطلقت صرخة مدوية من جمانة لدى رؤيتها له ..صاحت برعب :" رباه .. ما الذي يجري ؟ " و صارت تصرخ خوفاً ..
بسرعة تناولت فوطة صغيرة بيضاء و وضعتها بين أسنانه و صرخت بجمانة :" اجلبي حقيبته بسرعة "
ركضت بسرعة ..أمسكت بشدة على يديه .. عدت أنظر للعينين الجامدتين و الدموع التي تبلل وجهه و لجسمه و كيف يرتجف بكل ما فيه و للدم الذي يلطخ الفوطة ..رمت جمانة بالحقيبة و صرخت خائفة:" أنه يزداد في ذلك يا حسام ..سيموت "
صرخت بها :" أبعدي أنت خلود "
و مددت يدي و سحبت الحقيبة و صرت أبحث عن الأقراص التي يتناولها ..و هو يزيد في ارتجافاته .. رأيت مادة غريبة تخرج من فمه مع الدم .. صرخت مفزوعاً :" مهند .. مهند .. ارفق بنفسك .. ستموت ..ستموت! "


بوح قلم 11-04-11 07:43 AM

الجزء الثامن

في صباح اليوم .. و مع أصوات تغاريد العصافير وقفت أمام المرآة أرتب ربطة عنقي .. التفتتُ لجمانة النائمة بعمق ..:
" جمانة كفاك نوماً .. استيقظي "
و اتجهت نحوها أهزها :" استيقظي .. ما هذا النوم الثقيل ؟ "
فتحت عينيها ببطء .. ثم عدلت من جلستها و أخذت تعبث بشعرها قائلة :" صباح الخير "
" صباح النور ؟.. هيا قومي و جهزي لي طعام الافطار "
نظرت لي لبرهة ثم قالت :" هل ذهبت للاطمئنان على صديقك ؟ "
هززت رأسي سلباً :" ليس بعد "
قالت و هي ترتب شعرها :" بعد نوبته غرق في نوم مخيف .. أتساءل إن كان بخير أم لا "
ابتسمت قائلاً :" هل خفت ؟ عليك الاعتياد على هذه النوبات "
قطبت حاجبيها :"لم أستطع النوم من الفزع .. و كذلك خلود بدت متوترة .. حسام .. متى سيغادر ؟ أنه يسبب لنا قلقاً "
قلت و أنا أسرح شعري:" إلى أن يجد عملاً "
نظرت لي طويلاً ثم همست :" لم أتوقع أن نوباته بهذه القوة ..هيا اذهب للاطمئنان عليه "
" و أنت انهضي لتجهيز الفطور و لا تنسي أن تضعي الخمار"
خرجت من الغرفة متجهاً لغرفة مهند .. طرقت الباب فلم أجد الجواب .. فتحه ببطء .. فرأيته متكوم على نفسه على السرير و قد دفن وجهه في الوسادة .. ناديته :" مهند "
همس :" ماذا ؟ "
قلت مستغرباً :" ظننتك نائماً ".. و جلست على حافة السرير و قلت :" أأنت بخير ؟ "
نظر لي بعينيه الناعستين .. و رأيت أن بعض من مناطق جسمه تحول لونها للأزرق .. كتحت عينيه و حول فمه و رقبته و أصابع يديه .. قبض على الوسادة ثم همس :" سأموت "
قطبت حاجباي و قلت :" بعد كل نوبة تقول هذا .. لماذا ؟ قليلون من هم يموتون من مرض الصرع و حتى لو تدنت حالتهم كثيراً ؟ قل لي .. هل تناولت دواءك "
زفر :" لا "
صحت بغضب :" لماذا ؟ الساعة الآن السادسة و النصف و من المفترض أن تتناوله الخامسة ..ألا توقت منبهك للاستيقاظ لتناوله ؟ لماذا تهمل نفسك و صحتك مهند ؟ .. "
تنهد و قال منزعجاً :" كفى ..لا تعاتبني أكثر .. "
و سحب المجر و أخرج أقراصه و ابتلعها حتى من دون ماء ..ربتتُ على كتفه و قلت :
" سأذهب للمدرسة .. إلى أين تريد مني إيصالك "
نظر لي متنهداً فقلت :" أهلك .. بالرغم من كل شيء هم أهلك و يجدر بك زيارتهم "
قال بضيق و هو يعبث بشعره :"لا .. سأذهب للحديقة العامة .. ثم سأرى إن كنت أستطيع الذهاب لمقر عمل جليل "
قطبت حاجباي :" لماذا "
أجاب بانزعاج :" أوه .. أني في حال سيئة لا تسمح لي بتقبل العتاب و الصراخ "
" حسنٌ ..هيا .. سأدعك تبدل ملابسك .. و تعال فنحن ننتظرك في المطبخ "
و ساعدته على النهوض ..
--
خرجت من الغرفة و طللت على المطبخ فرأيت جمانة قد جهزت الفطور .. وضعت خمارها على رأسها و همست :
" ماذا الآن ؟ "
جلست بجانبها و قلت :" بخير .. لكنه يفكر بالموت ككل مرة "
تنهدت .. فدخل علينا مهند متنحنحاً .. ثم همس و هو يرتب ربطة عنقه:" صباح الخير "
أجبنا :" صباح النور "
جلس بجانبي .. فصبت جمانة له حليباً .. و أعطتني الكأس لأوصله له .. رشف منه قليلاً .. ثم وضعه جانباً .. فخاطبته جمانة :" أأنت بخير أخي ؟ "
من دون أن يرفع أنظاره همس :" بخير .. و .."
صمت قليلاً .. ثم قال :" آسف .. لأني "
و رفع رأسه و نظر لها لبرهة ثم نهض قائلاً :" أ.. حسام .. أنا أنتظرك .. بالخارج "
=
في المدرسة أخبرت سهيل بالذي حدث فقال :" و لماذا لم تأخذه للمشفى "
"أخبرني من قبل أن لديه يوم الثلاثاء موعد تخطيط .. حتماً سيخبر طبيبته بالذي جرى "
" أين هو الآن ؟ "
"أوصلته للحديقة العامة .. كان كئيباً ..يفكر بالموت "
تنهد سهيل :" أتمنى له الشفاء "
ثم ابتسم قائلاً :" ألا تزور أهلك حسام "
قطبت حاجباي مستغرباً :" بلى "
ابتسم بارتباك :" اشتقت لأخاك جهاد .. لماذا لا نتناول الغداء عندهم "
ابتسمت :" فكرة جميلة "
ثم قلت :" لماذا لا نجعل الفرحة فرحتين و ندعو جليل و مهند لـ.. "
قاطعني بضيق :" لا لا .. أريد أن أبقى معك لوحدنا "
نظرت له باستغراب :" بالرغم أننا في كل صباح نبقى لوحدنا "
صاح :" ما بك يا رجل ؟ هل مللت مني "
ضحكت :" لا تظن بي ظن السوء"
=
و أثناء ما كنا نتناول طعام الغداء في غرفة المجلس مع أبي و أخي ..كنت أرمق سهيل بينما كان يتحدث بلباقة مع أبي .. سهيل رجل طيب لديه أخلاق عالية و أشعر به قريب كثيراً مني ..كذلك لديه بنية ضخمة رائعة .. بصراحة سهيل يعجبني من جميع النواحي عدا أنه صريح جداً بردود أفعاله ..و ذلك يمكن أن يكون سلبياً ..
اتصلت بجمانة و سألتها إن كانت تناولت غدائها أم لا .. فقالت أنها ذهبت لزيارة والدتها لكنها أعرضت عن تناول الطعام لأن لا شهية لها لذلك .. و طبعاً حققت معي طويلاً .. أين كنت ؟ و لماذا لم تتناول الغداء معي ؟ أنت تتجاهلني .. إلى آخره و كم أكره ثرثرتها ..كذلك اتصلت بمهند فبدا مستاءاً .. و قال أنه في بيت أحد أصحابه القدامى .. و طلب مني أن ألا أتصل به مجدداً .. فلم أعاتبه على ما قاله و أغلقت الخط ..
بينما كنت أجلس مع سهيل نتبادل الأحاديث و الضحكات ..طُرق الباب .. فكانت أختي هيام .. طلت برأسها و الخمار يغطي رأسها عدا عن خصلة من شعرها الناعم تدلت على كتفها .. قطبت حاجباي غاضباً .. فهمست مشيرة لي :
" حسام .. أريدك "
نظرت لسهيل فرأيته متجمد مكانه و هو يرمقها ..نهضت ثائراً .. و اتجهت لها .. فتحت الباب و خرجت معها .. خاطبتها بحدة :" ألا تفهمين أنني مع صديقي .. "
و لمست تلك الخصلة التي تتدلى من خمارها و قلت :" و لماذا لا تغطين شعرك كاملاً .. ماذا تريدين ؟ "
نظرت لي لبرهة ثم ضحكت و قالت:" أخفتني ..كنت أريد أن أقول لك أني بحاجة لألوان زيتية ..هل لك أن تشتريها لي ؟ "
تنهدت :" من أي محل ؟ "
وضعت اصبعها في فمها و قالت :" بصراحة .. لا أعلم أين يبيعون هذه الألوان "
زمجرت :" يا رب .. و ماذا أفعل ؟ أحوم بين المحلات ؟ "
ابتسمت :" حسام .. اسأل هنا و هناك .. أرجوك أنا بحاجة لهذه الألوان اليوم "
نظرت لها لبرهة ثم قلت :" لا تدخلي علي مرة أخرى و أنا مع أصدقائي ..تعلمي طرق الباب.. و الآن ابتعدي "
استدارت ضاحكة :" أنتم الرجال دائماً هكذا .. "
عدت لسهيل و سألته :" أتعرف محلاً .. يبيع ألوان زيتية "
قال متعجباً :" لا .. لماذا ؟ "
تنهدت :" أختي تريد مني شراء لها هذه الألوان ..تريدها اليوم "
و قلت منزعجاً :" أوه .. علي الذهاب لجلب زوجتي من منزل والدتها و لا أنسى مهند .. أتساءل لماذا جهاد لا يتعب نفسه في خدمة أخته .. ليس لديه شيء يشغله .."
نظر لي سهيل طويلاً و هو يفكر ثم قال مرتبكاً :" أنا فارغ تماماً .. يمكنني .."
ثم نظر لي يتحقق من ردة فعلي .. و أتمم :" سأرى إن كنت أستطيع مساعدتك .. فاليوم سأخرج مع أختي للتسوق "
نظرت له لبرهة ثم ابتسمت :" أشكرك "
أشار باصبعه :" قلت لي .. ألوان زيتية .."
و ابتسم بعمق ..



و نظرت لي :" و هذا يجبرنا على سلك طريق الطلاق "

==

صرخت به :" أنت مصعب أليس كذلك ؟ "

==

اقتربت أكثر له فتيقنت أنه ..أنه قد شرب خمراً أو ما شابه ذلك

==

" و لكن ..أختك قالت أنها تحتاجها اليوم "
صرخت به مستنكراً :" و ما أدراك أنت ؟ "




بوح قلم 11-04-11 07:44 AM

الجزء التاسع

بعد أن خرج سهيل بقيت في غرفة المجلس ساهماً .. ليس لي مزاج للذهاب لجمانة ..فلأتركها قليلاً إن كانت هي لم تتصل بي بعد .. دخلت أختي هيام تتمايل في مشيتها و شعرها الطويل ينساب على كتفيها بنعومة ..جلست بجانبي قائلة :" أتعلم ؟ طلبتني مجلة ( الأبطال ) للأطفال للعمل معهم .. أتساءل هل سأنجح ؟ "
تسائلت :" للرسم ؟ "
ابتسمت :" نعم .. ما رأيك "
سخرت :" رأيي أنك لست كفؤاً .. و لا أظنك سترسمين لهم جيداً .. هل صدقت أنك رسامة فعلاً ؟ "
احمر وجهها و قطبت حاجبيها غاضبة :" ماذا تقول حسام ؟ أنا لست رسامة .. إذاً ماذا تسمي كل هذه اللوحات التي تملأ غرفتي .. بصراحة أنت دائماً تحبطني "
ضحكت ساخراً فقالت :" و متى ستشتري لي الألوان ؟ "
" قلت لصديقي سهيل أن يشتري لك الألوان "
قال باهتمام :" سهيل ؟ و منذ متى تعرفت عليه "
قطبت حاجباي :" و ما شأنك ؟"
نظرت للساعة فكانت الخامسة .. موعد دواء مهند .. أتساءل إن كان تناوله أم لا.. لا أظنه تناوله .. فالشقة مقفلة و مفتاحها عندي .. اتصلت به فكان هاتفه مغلقاً .. رباه ! مؤكد أنه لن يكترث و لن يتعب نفسه بالاتصال بي و طلب مفتاح الشقة لأخذ أقراصه ..رغم أنه البارحة هوى إثر نوبة صرع .. إذا كان خائفاً من الموت حقاً .. لماذا لا يتناول أقراصه بانتظام .. أتساءل لو كان يأخذ حقن ماذا سيفعل ؟ رن هاتفي فظننت أنه هو .. لكنه كان كمال .. أجبت بفرح :
"أهلاً بالغالي .."
أجاب بحماس :" أهلاً حسام كيف حالك ؟ "
" بخير .. متى ستعود ؟ اشتقنا لك .. "
ضحك :" ربما غداً .. أو بعد غد .."
" نشاطاتنا كلها معطلة .. لا نستطيع فعل شيء بدونك "
" هيه .. لا تفعلوا شيئاً .. لدي أفكار كثيرة ..فقط سأخبرك بها عندما أعود .. "
=
الساعة الثامنة ذهبت لمنزل والد جمانة ..و وقفت أمام الباب لفترة أقرع الجرس ..رباه ..هكذا سيضيع وقتي .. أخيراً فُتح الباب و كانت والدة جمانة .. نظرت لي لبرهة ..ثم قالت :" تفضل بني "
و دخلت و دخلت من خلفها ..و رأيت جمانة جالسة في صالة منزلهم ..بمجرد أن رأتني أعرضت عني غاضبة ..!! لماذا ..ألم نكن متراضيان في الفترة الأخيرة ؟ جلست بجانبها و قلت :" هيا لنعد للمنزل "
نظرت لي بحدة ثم أشاحت بوجهها .. جلست والدتها و تنهدت قائلة :" بني .. ماذا جرى لك ؟ جمانة زوجتك و أم عيالك ..و أنت بت تعاملها كشيء لا يخصك "
نظرت لجمانة التي تشيح بوجهها عني فقلت :" علاقتي حالياً بجمانة تسير على ما يرام "
صاحت جمانة :" لا .. ليس كذلك.. ليس هناك زوج يعامل زوجته كما تعاملني أنت"
نظرت لها لبرهة ثم همست :" جمانة ما الذي جرى ؟ "
قالت مغتاظة :" إن لم تترك عنك الخروج من المنزل من دون أن تعلمني .. و إن لم تُخرج صديقك من شقتنا.. و إن لم تهتم بي أكثر و تخرجني للتنزه و لتناول طعام الغداء في الخارج .. هذا يعني أنك لا تحبني .. "
و نظرت لي :" و هذا يجبرنا على سلك طريق الطلاق "
نظرت لها بصدمة .. فقالت والدتها و هي تنظر لي بحدة :" أتظن أنها مجرد وردة تعبث ببتلاتها ثم ترميها ؟ "
نظرت لها مقطباً حاجباي .. ثم نظرت لجمانة التي تشتعل غيظاً .. و قلت :" خالتي أيمكنك تركنا نتفاهم لوحدنا ؟ "
تنهدت .. ثم غادرت .. نظرت لجمانة و قلت :"آسف جمانة ربما انشغلت عنك في الفترة الأخيرة "
بضع كلمات فقط و شيء من الملاطفة ابتسمت .. جمانة كالثلج تماماً .. مهما بلغت صلابته يذوب إثر حرارة كلماتي ؟.. عدت معها للشقة و بقيت أحادثها مراضاة لها ..رن هاتفي فكان سهيل .. زفرت جمانة بضيق و قالت :
" لا تستطيع أن تغير من نفسك شيئاً "
ابتسمت :" لا بأس جمانة .."
و ضغطت زر الاجابة :" أهلا سهيل ماذا لديك "
قال بحماس :" وجدتها ! "
أجبت أنا منفعلاً :" ماذا وجدت ؟ "
ضحك :" وجدت .. وجدت الألوان الزيتية أخيراً "
قلت باحباط :" و كل هذا الانفعال لأجل الألوان الزيتية ؟ "
صمت قليلاً .. ثم قال :" هل آتي لأعطيك إياها "
" و لماذا تتعب نفسك ؟ غداً في المدرسة سآخذها "
" و لكن ..أختك قالت أنها تحتاجها اليوم "
صرخت به مستنكراً :" و ما أدراك أنت ؟ "
ارتبك .. و تمتم بخوف :" أنت قلت ذلك "
فكرت قليلاً .. ثم ضحكت :" حقاً .. و لكن أنت لديك أختين و أدرى بحركات الفتيات .. كذبة لتعجيل تلبية الطلب "
--
الساعة العاشرة و خمس و أربعون دقيقة .. استلقيت على سريري.. و جمانة تساعد خلود النوم .. مهند لم يعد إلى الآن .. أتساءل إن كان بخير أم لا .. اتصلت به ..فلم يجب .. عدت أتصل به مرات و مرات .. أخيراً جاءني الرد و لم يكن صوت مهند .. بل كان صوت خشن :" مرحباً .. مهند سوف .."
صرخت به :" أنت مصعب أليس كذلك ؟ "
صمت لبرهة فعدت أسأله بحدة :" أين مهند ؟ "
" بجانبي في السيارة .. سوف نقضي مشواراً قصيراً .. ثم سأوصله لشقتك .. سنتأخر حتى الثانية عشر"
" دعني أحادثه "
" أنه متعب .. وداعاً "
و أغلق الخط .. قطبت حاجباي مستغرباً .. ما به مهند ؟ رباه ؟ .. ربما .. ربما واتته النوبة الثانية .. أتساءل إن كان بخير أم لا .. أسندت رأسي على الوسادة .. اشتقت لكمال .. هو شخصية جميلة للغاية .. مرح .. و اجتماعي .. و طيب القلب ..هل سيعود غداً .. علينا أن نستقبله استقبال محترم .. بالرغم أنه الوحيد بيننا من يسعى بجدية إلى تطبيق افكار خرافية .. لكن ! سأتناقش غداً مع سهيل في هذا الموضوع و سأبشر مهند بأنه سيعود غداً .. لأنهما قريبان لبعضهما كثيراً ..
=
تسلل إلى مسامعي صوت رنين الجرس و صوت جمانة الناعس :" من الذي يأتينا في هذا الوقت ؟ "
عدلت من جلستي و أنا أفرك عيناي :" مهند .. حتماً "
زفرت هي و غطت وجهها باللحاف ..و نهضت أنا ببطء .. و خرجت من الغرفة .. فتحت الباب .. رأيت مهند منكس رأسه و ربطة عنقه مفتوحة باهمال و سترته يحملها بيده ..و بدا في حالة سيئة ..كان خلفه مصعب .. قال مرتبكاً :
" وداعاً "
و أطلق ساقيه للرياح .. دخل مهند الشقة .. و وقف لبرهة .. فأغلقت أنا الباب و اقتربت منه قائلاً :
" لازلت مكتئباً ..أتساءل ماذا يمكنني أن أفعل لك "
استدار لي مبتسماً و هالات سوداء واضحة تحت عينيه .. :" ما الذي تقوله "
و كان صوته متحشرجاً باهتاً .. عبث بشعره ..أشار لباب غرفته و تمتم بكلمات غير مفهومة ..ثم اقترب من الستار الذي يقسم الشقة لقسمين و صار يعبث به ..شككت بأمره .. خاطبته :" هيه مهند "
نظر لي مبتسماً ابتسامة غريبة لم ترحني ..هل .. هل هو .. ..اقتربت منه بحذر أتفحصه بنظراتي .. رأيته يزيح الستار .. فصرخت به :" هيه .. أجننت ؟ زوجتي .. "
نظرت لي مستفهماً .. :" و ماذا يعني ؟ "
و كانت نبرته غير مريحة أبداً .. نظرت له بعمق ..ثم همست :" لا تقل لي أنك فعلتها مهند ؟ "
نظر لي مستفهماً .. فأمسكت ذراعه و سحبته ناحيتي أبعده عن الستار .. نظرت له بعمق .. بينما كان منشغلاً بالتلفت حوله و التبسم بلا سبب أو داعي ..اقتربت أكثر له فتيقنت أنه ..أنه قد شرب خمراً أو ما شابه ذلك ..من رائحته ..
نظرت له بحدة مشمراً عن ذراعي ..


بوح قلم 11-04-11 07:45 AM

الجزء العاشر
في صباح اليوم التالي ..طرقت باب غرفته و كان الساعة الخامسة .. كنت أود محادثته قليلاً .. أجاب :" أدخل"
دخلت فكان جالساً بقرب النافذة يدخن ..اقتربت منه أكثر ..و كان وجهه ملطخ بحمرة واضحة إثر صفعاتي له في البارحة ..جلست بجانبه و حملقت به طويلاً .. نظر لي لبرهة ثم عاد ينظر للنافذة و ينفث دخان سيجارته ..خاطبته :
" لمَ لم تنام ؟ "
تنهد :" و هل سأنام بعد ما فعلته بي ؟"
قلت بحدة :" و لك جرأة أيضاً .. شخص مثلك يجب أن يخجل من نفسه "
التفت لي و قال :" قلت لك .. أجبروني على شرب الخمر "
نظرت له باحتقار .. ثم قلت :" كيف أجبروك ؟ هل لك أن تفهمني ؟ "
تنهد .. ثم قال :" هناك ...... "
قاطعته :" لن أسمع شيئاً .. "
و نهضت قائلاً :" فلتشرب دواءك "
=
وضعت جمانة الفطور .. جلست بجانبها أتناول طعامي .. بينما مهند سحب علبة عصير من الثلاجة و جلس في الصالة .. نظرت لي جمانة ثم قالت :" سأذهب لأقل أنه قد زاد الجرعة هذه المرة .."
" ماذا ستفعلين ؟ "
" سترى .."
و نهضت .. فأمسكت يدها قائلاً :" هيه .. إلزمي حدودك .. و لا تأخذي راحتك في الحديث .. و لا تجرحيه أفهمتي ؟ "
تنهدت :" لا تخف "
و خرجت .. فعدت أنا لصحني .. لكن الفضول سيطر علي .. فنهضت من مكاني و اتجهت نحو الباب و طللت على الصالة .. رأيت جمانة تجلس أمام مهند و هي ترتب خمارها ثم تقول :" كيف حالك مهند ؟ "
نظر لها لبرهة .. ثم غض بصره و هو يرشف رشفة من العصير ثم همس :" بخير "
" مهند أنت مرتاح معنا "
نكس رأسه ثم قال :" هذا السؤال أنا من يجب عليه طرحه عليكما "
ابتسمت :" و أنا أجيبك و أقول لك بصراحة أني ما عدت أرتاح لوجودك بعد ما جرى البارحة "
نظر لها طويلاً .. ثم نكس رأسه خجلاً .. فقالت :" في البداية أزعجتني بوجودك و قيدت حريتي .. و حتى بعد أن ظهرت مظاهر مرضك شعرت بفزع غريب .. لكن الذي فعلته البارحة فاق كل الحدود .. تشرب الخمرة ؟!! "
حك مهند خده خجلاً .. ثم همس :" أيمكنني أن أحكي لك ما جرى "
وضعت رجلاً على رجل و قالت متنهدة :" قل "
قال مرتبكاً :" لجأت لأحد أصحابي القدامى .. فقادني لل..للملهى .. أ.. لم أكن أريد الدخول .. لكني كنت متعباً و لم أستطع مجادلته أو معارضته .. فدخلت .. و لجأت لكرسي و رميت بجسدي و حاولت النوم .. لكن .... "
رفع رأسه ببطء و همس :" لكن .. واتتني النوبة .. "
نظرت له جمانة بدهشة :" أحقاً "
عاد يغض بصره و يقول :" نعم .. فـ.. فكانوا من حولي سُكارى غير واعين و لايقاف نوبتي .. أرغموني على شرب الخمرة "
و عبث بشعره .. خجلاً .. :" صدقوني لم أكن أنوي شرب الخمرة .. "
صمتت جمانة لفترة ثم قالت :" أنا آسفة .."
=
في المدرسة .. رأيت سهيل منفعلاً .. نهض من كرسيه و اقترب مني و وضع علبة الألوان الزيتية و قال :
" ها هي الألوان الزيتية .. إنها من أجود أنواع الألوان "
أخرجت محفظة نقودي و قلت :" بكم اشتريتها ؟ "
قال مستنكراً :" ماذا تقول يا رجل نحن أخوان .. و اعتبر هذه الألوان هدية لـ.... "
و ابتلع باقي الكلمات .. نظرت إليه فكان متجمد في مكانه ..خطر ببالي مهند فكدت أن أخبر سهيل بما جرى لكني التزمت الصمت .. هكذا ستتوتر العلاقة أكثر فأكثر ..بينه و بين مهند..
قال سهيل متحمساً :" اليوم سيأتي كمال أليس كذلك ؟ "
" ذكرتني .. علينا فعل شيء له ..كمال دائماً يفاجئنا و يدخل الفرح لقلوبنا .. ألم يحن دورنا ؟ "
" بلى حان .. "
" إذاً فكر معي "
=
كالعادة لم نستطيع جلب فكرة جديدة .. فاتصل بنا كمال قرابة الساعة الواحدة ظهراً .. فتجهزنا للذهاب لاستقباله ..في المطار نحن الأربعة .. قال جليل و هو يراقب الناس :" أين هو ؟ أترونه "
قال مهند مشيراً لأحدهم :" أهذا هو ؟ "
سخر سهيل :" ما هذا العمى ؟ ما الشبه بين كمال و هذا الشخص ؟ "
نظر إليه مهند و تنهد مستاءاً .. فقال سهيل :" منذ زمن و لم نراك ..ترى هل تخطط للزواج "
تجاهله مهند و هو يراقب الناس فهمس جليل بسهيل :" كفاك .. أتريد منه أن يعود للغياب و الابتعاد عنا "
أجاب سهيل بلا اكتراث :" فليغيب كما يشاء .. بصراحة هناك شحنة تنافر بيني و بينه .."
و التفت لمهند و قال :" لازلت تعيش مع ....."
قاطعه مهند بغضب :" أتساءل لماذا هذا التطفل القبيح ؟ .. "
قال سهيل بسخرية :" تطفل ؟ أنظر لنفسك أولاً أيها القصير و كيف هي تصرفاتك توحي بأنك "
فوجئنا بمهند يقبض بأصابعه على قميص سهيل و يقول مشتعلاً :" إن لم تكف عن هذا لسوف ترى ما لا يرضيك "
من ناحية أخرى يزمجر سهيل :" أرني يا سيد قزم ماذا ستفعل ؟"
صحت بهما:" كفى ما بكما ؟ "
و أبعدت يد مهند عن سهيل و قلت :" أتريدان الشجار هنا ؟"
همس مهند بغضب :" هو يتحرش بي دائماً .. لا أدري إلى أين يريد الوصول .. التفريق بيننا .. ربما نسى أنه مجرد شخص جديد انضم لنا لم نعرف عنه إلا القليل .. و مع هذا يعطي لنفسه الأحقية في التدخل بيننا بشكل مزعج "
قال جليل :" اهدأ مهند "
استدار مهند لجليل و قال :" ستدافع عنه حتماً يا جليل .. لا أدري كيف خدعك "
صرخ سهيل :" الزم حدودك .. أن أملك من الأصدقاء الكثير هذا لا يعني أني مخادع .. بل شخص محبوب .. ليس مثلك "
قطب مهند حاجبيه مستاءاً :" متغرطس مثير للازعاج "
اقترب منه سهيل مغتاظاً :" أنت تحتاج لأنبهك على ما تقوله "
استنكر مهند :" من تظن نفسك ؟ "
صاح سهيل و هو يرفع يده :" سأريك من أظن نفسي "
جاءنا صوته :" هيه !! "
التفتنا إليه .. صرخنا في وقت واحد :" كمال !!! "


بوح قلم 11-04-11 07:46 AM

الجزء الحادي عشر


مر اسبوع .. و فكرة غريبة تراود جليل ..يريد اجراء عملية تجميل لساقيه كونهما متشوهتان ..كمال بعد سفرته تلك توسع محله لبيع ألعاب الأطفال ..و ها هو يبدأ بانشاء محل آخر في منطقة أخرى للألعاب أيضاً .. مهند و أخيراً وجد عملاً .. في شركة خياطة للملابس .. و هو يكون مشرفاً على تنظيم العمل بين الخياطات و الخياطين .. يقول أن المكان حار جداً .. و متلوث .. و يقول أنه يشعر باشمئزاز من الجلوس مع الآسيون و لكنه حتماً سيعتاد على ذلك.. و طبعاً عاد للعيش في شقته السابقة و سكنت الخلافات بيني و بين جمانة..أما سهيل مصاب بالكآبة الشديدة و الملل و لا أدري لماذا ..
لذا اقترح كمال أن نذهب لقضاء رحلة ما .. جلسنا في غرفة المجلس الخاصة لمنزل جليل نتناقش في هذه الرحلة ..
قال كمال متحمساً :" نذهب للتخييم .. و "
قاطعه سهيل مستاءاً :" لا .. نريد رحلة قصيرة "
قال مهند :" إذاً فلنذهب لمدينة ملاهي "
نظر إليه سهيل باحتقار :" و هل نحن أطفال "
تنهد مهند :" مجرد فكرة "
و قال كمال :" بصراحة الفكرة أعجبتني "
و التفت لي و قال :" ما رأيك حسام ؟ "
ابتسمت :" أظننا سنستمع .. "
و قال جليل ضاحكاً :" منذ زمن و لم نذهب للملاهي .."
فقال مهند و هو يضع رجلاً رجل و يرمق سهيل :" إذا متى ستذهبون "
قلت أنا :" لكن القرار ليس بالاجماع "
ضحكوا .. فنظرت أنا لسهيل الغاضب .. سألته :" هاه ما رأيك ؟ "
زفر :" اعتبروه بالاجماع "
=
اتفقنا أن نذهب ليلاً .. و حذرت كمال و مهند من لبس البدلات الأنيقة كعادتهما .. لأننا ذاهبون لمدينة ملاهي .. و هذه الملابس لا تتناسق مع رحلتنا .. في سيارة كمال الفخمة التي اشتراها من فترة قصيرة..كانت الساعة العاشرة و النصف .. قال جليل :" ما اسم هذه الحديقة "
أجاب كمال :" ( مدينة الترفيه ) .. هي جديدة .."
قال مهند : " هل سيكفينا الوقت ؟ "
و قال كمال :" نعم ..فهي لا تغلق إلا عند الساعة الثانية عشر "
أخرج سهيل كيس التوت من حقيبة كمال قائلاً :" شكله مشهي "
صاح به كمال :" أتركه .. أتركه "
=
مر الوقت و نحن في السيارة و حل الصمت بيننا و بلغت الساعة الحادية عشر إلا ربع ..و قد دخلنا منطقة مظلمة مليئة بالأشجار المتشابكة .. و لم تكن معبدة .. كانت وعرة و منحدرة قليلاً .. أحسست بها منطقة نائية غريبة .. أشبه بغابة مخيفة غامضة .. تنهد جليل :" تأخرنا عن مدينة الملاهي "
و همس مهند بقلق :" أين نحن كمال ؟ "
صمت كمال لبرهة .. ثم همس :" لا أدري .. و كأننا تهنا "
صاح سهيل :" ماذا تقول ؟ "
و قال و هو يتلفت حوله :" هل ضعنا في مكان مخيف مظلم كهذا ؟ "
خاطبت أنا كمال قائلاً :" سر .. سر .. لعلنا نجد ما يهدينا "
قاد كمال السيارة ببطء .. و قال مهند بخوف و هو يرمق المكان المظلم :" هناك أشياء تتحرك .. لكني لا أراها "
صاح سهيل بفزع :" ماذا قلت ؟ أشياء تتحرك .. "
خاطبتهم :" كفى .. ليس هنالك أي شيء .. الرياح تحرك الأغصان ..لا تربكوا كمال "
و جرى صوت حفيف الأشجار مرعباً ..قبض سهيل على يدي و قال :" كمال .. ارجع "
و قال جليل بصوت متقطع :" نعم .. فلنعود إذ كنت لم تعرف لحد الآن الطريق الصحيح "
صاح كمال :" ألا ترون أن المكان مظلم عدا عن مصابيح سيارتي ..دعونا نكمل طريقنا "
فوجئنا بشيء كبير أسود يلتصق بالنافذة التي تجاور مهند .. صرخنا فزعين .. و دققت أنا النظر في ذلك الشيء .. الذي أبرز جناحين مخيفين و طار .. هل كان حشرة ضخمة ؟ حشرة بهذا الحجم .. أخذنا نلهث بخوف و كل واحد يضع يده على قلبه .. قال كمال و هو يضع يده على كتف مهند :" أأنت بخير "
بالكاد خرج صوته :" نـ .. نعم "
و قلت أنا :" ظننا أن سكتة قلبية أصابتك "
كنت أريد تلطيف الجو لكن لا فائدة ..طل جليل على الخارج و قال :" ما هذه الأشياء بحق الجحيم ؟ "
فوجئنا حينها بمخلوقات أشبه بالحشرات الكبيرة المقززة السامة تتقافز على السيارة كالمطر ..شعرت بالسيارة تسقط على منحدر وعر و حاد .. تفجرت السيارة بالصرخات ..صاح سهيل :" سأموت و لم أتزوج هيام "
!! توقفت عن الصراخ فجأة .. كأنني سمعت اسماً مألوفاً.. هيام أختي ؟؟ ضجت السيارة بالصراخ حتى ارتطمنا بشيء أوقفنا بقوة .. بقينا متصلبين في السيارة كأن على رؤوسنا الطير .. بعد دقيقتان زفرت أنا .. فزفروا يطلقون كمية كبيرة من الهواء المحبوس في داخلهم ..و استدار مهند لسهيل و رمقه بحدة .. و كذلك فعل كمال ..أما جليل نظر لسهيل بصدمة ..و أنا تظاهرت بأني لم أسمع شيئاً.. همس كمال :" منذ متى ترغب في ذلك ؟ "
نكس سهيل رأسه ثم نظر لي من طرف عينه خجلاً .. ثم قال متنهداً :" أ.. حسام .............. "
فوجئنا بالسيارة تبدأ بالتحرك ..فصرخ مهند :" اخرجوا "
فتحنا الأبواب مسرعين .. و خرجنا .. عدا عن سهيل يحاول سحب جليل بكل قوته .. صرخ :" ساعدوني "
بدأت الصخرة التي توقف السيارة بالتزحزح .. فأسرعت أنا لمساعدة سهيل صارخاً :" مهند أخرج الكرسي المتحرك"
أسرع مهند لخلف السيارة لفتح صندوق السيارة و كان يرتعد خوفاً .. للتحرك البطيء للسيارة ..تعاونت مع سهيل على اخراج جليل من السيارة .. فرأيناها تتحرك .. صرخنا :" مهند .. ابتعد "
ارتبك مهند و هو يمسك بالكرسي ..صرخ به كمال :" ابتعد .. ماذا تفعل ؟ "
نظر للسيارة و هي تتحرك ناحيته ببطء .. بسرعة ركض ناحيتنا بالكرسي ..صرخ كمال :
" سيارتي ستسقط في المستنقع "
أسرعنا إليها نمسكها من الخلف ....و نحاول سحبها .. صاح سهيل :" لا فائدة .. ابتعدوا لكي لا تتأذوا "
و انفلتت الصخرة التي توقفها .. فزلزلنا صوت ارتطامات السيارة بالمنحدر .. حتى المستنقع ..و هالنا منظرها و هي تغرق في تلك المياه .. صرخ كمال :" سيارتي !!! رباه "
وقفنا متسمرين نتأمل السيارة و هي تغرق في المستنقع .. ركض كمال بجنون على المنحدر ناحية المستنقع المخيف صارخاً :" سيارتي ...سيارتي " ..
صرخت به :" كمال .. عد "
و ركض مهند خلفه و هو يناديه :" كمال توقف .. ذلك خطر "
حتى بلغه فأمسكه و صار يهدئه :" كمال .. كمال .. لا بأس .. لا تدع حياتك تذهب سدى لأجل سيارة "
صرخ به :" هذه السيارة الوحيدة التي اشترتيها من مالي الخاص "
و التفتت للمستنقع و صرخ :" أيها الحقير .. لماذا ابتلعتها ؟ "
=
تلفتت حولي و خاطبت كمال الذي في قمة بؤسه :" الآن .. إلى أين نتجه ؟ "
زفر :" ستعودون مشياً ؟ "
و قال جليل :" على الأقل نجد ما يرشدنا .. أو سيارة أجرة "
تنهد مهند :" أي سيارة أجرة في هذا المكان النائي "
أفزعنا صراخ سهيل .. التفتنا له :" ما بك سهيل ؟ "
رأيناه يقفز من مكان لمكان فزعاً .. صرخ :" هناك أشياء تتحرك من حولي "
نظرت أنا إلى المنطقة المحيطة بي .. و رأيت حشرات كبيرة مخيفة و غريبة تتحرك بسرعة .. رأينا سهيل يركض صاعداً يتخطى المنحدر .. و ركض خلفه كمال و هو يدفع جليل الذي على الكرسي .. صحت بهم :" هيه توقفوا "
خاطبني مهند و ينظر للأسفل بفزع :" فلنلحق بهم حسام "
و لم ينتظر مني جواباً .. بل ركض خلفهم خائفاً .. و لم أجد سوى أن ألحق بهم ..
=
غاب عن أنظارنا سهيل و جليل و كمال .. و بقيت أنا أصعد التل المليء بالصخور الكبيرة الصلبة .. أمامي مهند .. عندما رأيته يوشك على الابتعاد قليلاً .. صحت به :" مهند انتظر "
استدار لي و هو يلهث :" ماذا ؟ "
خاطبته بترجي :" انتظرني .. "
نظر لي بعمق ثم قال :" سوف نتوه إن لم نسرع حسام .. البقية سبقونا بأميال "
"لا بأس مهند .. الآن يجب أن نحرص أن لا نتفرق .. أنا و أنت"
مد يده لي و قال :" هيا حسام "
مددت يدي و قبضت على يده بقوة .. حاولت رفع جسدي ..فهمس مهند و هو يحاول رفعي :" أنك ثقيل .. لا أستطيع "
و نظر لي بيأس .. ثم قال :" اصعد لوحدك .. أنا سأنتظرك .. للأسف لا يمكنني رفعك .."
نظرت له لبرهة ثم شعرت بلسعة حادة في ساقي ..صرخت بحدة ..و لم أستطع تمالك نفسي ..فكدت أسقط .. لولا أن مهند مد يديه الاثنتين و رفعني بكل ما أوتي له من قوة ..و أنا أشعر بشيء يسري على جسدي بأقدام حادة مؤلمة ..
و مهند يستمر في رفعي و هو يهمس يخاطب نفسه :" سنسقط .. "
و كنت حقاً أشعر أننا سنسقط ..إلى الهاوية ..



صعقنا بصوت قوي مرعب .. كأنه صوت وحش كبير استيقظ للتو .. هذا ما شعرت به .. رأيت أوراق الشجر تتطاير ..

==

"ثم جئت و فضحت نفسك يا سهيل .. و أنت تعلم أني من يريد الزواج من أخت حسام "

==

هنا رأيت ملامح الانهيار على وجه جليل .. صرخ :" أنت .. أنت شخص منبوذ سيء .. حقير و تافه و مستهتر "

==

أشار لخلفه قائلاً :" هناك .. مع بعض قطع متكسرة من كرسي جليل "




بوح قلم 11-04-11 07:47 AM

الجزء الثاني عشر

لا أدري كيف تمكن مهند بعد ذلك من الصعود و هو يمسك بجسدي بيد واحدة و اليد الأخرى بها يتمسك بالصخور .. و كنت أحرك ساقي بسرعة لكي يسقط ذلك المخلوق ..و بعد أن عضني فوق العشر عضات ..سقط أخيراً .. و كنت أتألم كثيراً .. و كم كنا في خطر كبير .. فمهند يتسلق ذلك التل المليء بالصخور ممسكاً بجسد أضخم من جسده ..و لم أكن أساعده أبداً .. بل كنت مشغولاً بالألم الكبير الذي يسيطر على ساقي ..
=
ها نحن في أعلى التل أخيراً .. جلست على الأرض بسرعة و رفعت طرف بنطالي .. لأرى منظر ساقي المريع .. و كيف كانت مليئة بالقرصات الواضحة ..كانت ساقي تنزف دماً .. مد مهند يده ناحيتي و قال و هو ينظر للطريق الذي سلكه سهيل و جليل و كمال .. :" انهض .. انهض حسام .. سوف نتوه إن لم نلحق بهم .. لقد اختفوا عن أنظارنا "
صرخت به :" ألا ترى ساقي أيها الأبله ؟ هل تظن أني أستطيع المشي ؟ "
و همست و أنا أنظر لساقي الجريحة :" ما هذا المخلوق العنيف ؟ .. "
جلس مهند و صار يتفحص ساقي مقطباً حاجباه ..ثم أخرج منديلاً من جيبه و صار يمسح عنها الدماء و ينظفها .. و أنا أصرخ متألماً ..ثم قال يترجاني :" ستستطيع المشي حسام .. أنها مجرد قرصات .. قم و دعنا نسير .. لكي لا نتوه "
صرخت به مغتاظاً :" ما بك أنت ؟ ليس لديك مشاعر ؟ إذ كنت خائفاً أن تتوه .. فلتلحق بهم وحدك "
تنهد .. ثم نزع ربطة عنقه و ربط ساقي بها و غطاها ببنطالي ..و خاطبني :" تريد الاستلقاء و الراحة هنا ؟ "
نظرت له لبرهة ثم قلت منفعلاً :" و كأنك مستاء مني ؟ على فكرة إذ كنت تظن أنك أنقذتني فعلاً فأنت مخطئ.. لم تفعل شيئاً.. سوى تأخيري بمحاولتك التافهة برفعي بيد واحدة حتى قرصتني تلك الحشرة .."
عض على شفتيه منقهراً ثم همس :" أنت شخص غريب مريض "
ثم نهض قائلاً :" أنا سأتبع البقية .. يبدو أن هذا المكان أعجبك و لا تريد مغادرته "
و مشى مغادراً .. لم أصدق ما أراه .. رأيته يغيب على أنظاري شيئاً فشيئاً حتى اختفى ..كدت أموت خوفاً و أنا أتلفت حولي .. مرت دقيقتان و أنا لازلت غير مصدق ..هل تركني مهند فعلاً ..؟
لا أدري كيف تمكنت من النهوض .. و صرت أحاول المشي بضع خطوات متألماً ..وجدت أحدهم من بعيد يمشي ناحيتي .. ضحكت فرحاً ..و حاولت المشي لأقترب منه صارخاً :" مهند .."
و كان مهند فعلاً .. لكنه عاد لي مستاءاً حزيناً .. اتجهت له بسرعة و طوقته قائلاً :" ظننتك تركتني "
و ضربت كتفه بخفة ضاحكاً :" لأول مرة أشعر أنك مهم بالنسبة لي .. و أني أحتاج لك "
تنهد مستاءاً .. فسألته :" ما بك ؟ غضبت لأنني قلت لك ................... "
قاطعني :" لا .. "
ثم أخرج من جيبه شيئاً لم أفهم ما هو إلا بعد أن دققت فيه .. كانت عجلة كرسي جليل المتحرك .. صحت مصدوماً :
" أين وجدتها ؟ "
أشار لخلفه قائلاً :" هناك .. مع بعض قطع متكسرة من كرسي جليل "
" رباه ! "
نكس رأسه مستاءاً .. ثم قال فجأة :" لماذا لم تخطر ببالي هذه الفكرة من قبل ؟ "
و أخرج من جيبه هاتفه قائلاً :" كان يجب أن نتصل بهم لنعرف مكانهم "
قلت بحماس :" نعم فلتتصل هيا "
قال و هو يضغط الأزرار :" سأتصل بسهيل .. لأن كمال كان يضع هاتفه في السيارة و جليل ربما سقط فأسقط الهاتف "
توجعت .. جليل ربما سقط ؟ أنه أضعف من أن يسقط على هذه الصخور الحادة .. تنهد مهند و هو يعيد هاتفه لجيبه :
" خارج الخدمة "
و ضرب كتفي ضاحكاً :" ها أنت تقف على قدميك .. ما هذا الدلال ؟ "
ضحكت :" و أنت ؟ كم أنت قاسي .. لماذا ...... "
صعقنا بصوت قوي مرعب .. كأنه صوت وحش كبير استيقظ للتو .. هذا ما شعرت به .. رأيت أوراق الشجر تتطاير ..
ركضت مع مهند مسرعاً ناسياً ألم ساقي ..
=
بعد ركضنا المتواصل رأينا شيئاً أشبه بالكهف ..من حوله الأشجار المتشابكة .. يصدر منه أصوات مخيفة للغاية ..صرخت بمهند :" فلنهرب مهند .. "
رأيته يحملق بالكهف مقطباً حاجباه .. ثم قال :" أترى ؟ "
من دون ألتفت صحت مرعوباً :" رباه !!!! "
أمسك بي و همس :" أنظر "
و أنا أشدد من قبضة يدي نظرت لذلك الكهف فراعني منظر ضوء مخيف يصدر منه .. صرخت مرتاعاً .. فقاطعني مهند :
" هيه أجننت ؟ .. أنهم البقية "
و اتجه نحو الكهف بكل بساطة و أنا متسمر في مكاني ..دخل هو الكهف ..و غاب أن أنظاري .. ثم سمعت صدى ضحكات مألوفة .. بسرعة ركضت نحوه فكان بداخلهم البقية و كم سُعدت لرؤتيهم ..
=
قال جليل و هو ينظر للنار التي أشعلوها:" نعم حسام .. تحطم الكرسي تماماً "
نظرت له لبرهة.. و كان وجهه مخضب بالأتربة و قميصه ممزق ..
قلت :" لا بأس .. فجسدك ضئيل و سهيل ضخم و قوي و يستطيع حملك .. "
رأيت كمال و سهيل قد انفردا في زاوية ما يتحادثان بحدة .. اتجهت نحوهما و اختبئت خلف احدى الصخور لأسمع كمال يقول :" ثم جئت و فضحت نفسك يا سهيل .. و أنت تعلم أني من يريد الزواج من أخت حسام "
همس سهيل بغضب :" أنا أحق يا كمال .. و أنا من فكر فيها قبلك "
" لعلمك جميعنا فكرنا فيها منذ أن رأيناها لكن على مستويات .. حتى مهند لمح لي أنه يريد خطبتها لكن بعد أن يكون نفسه .. و جليل أيضاً .. لمح لذلك .. لست أول شخص فكر فيها لكن أول شخص صرح برغبته بغباء "
صرخ سهيل :" مهما فعلت .. فهيام لي .. و أنا من سيتقدم لها "
قال كمال بثقة :" أنا قلت أني سأتزوج أخت حسام يعني سأتزوجها .. و سترى "
صدمت !! جميعهم يريدون الزواج من أختي ؟ هذا غير معقول ؟..
عدت لأرى مهند يخاطب جليل من بعيد دون أن ينتبه لي :" و تظن نفسك جدير بها ؟ "
أجاب جليل :" أكثر منك يا مستهتر يا مزعج يا ..."
قاطعه مهند :" رغم ذلك .. كل فتاة لو خيرت بين خريج سجون و معاق ستختار خريج السجون "
هنا رأيت ملامح الانهيار على وجه جليل .. صرخ :" أنت .. أنت شخص منبوذ سيء .. حقير و تافه و مستهتر "
ضحك مهند بسخرية ثم قال :" كل فتاة تتأثر بمظهر خاطبها بنسبة خمسٌ و تسعون بالمائة .. لو فرضنا أني تقدمت لأخت حسام .. ماذا سترى .. رجل يقف على قدميه ..و هذا أقل شيء تتمناه الفتاة..أما أنت لو تقدمت لها سترى رجل لا يسمى رجل من النظرة الأولى .. على كرسي متحرك و جسد ضئيل و ساقين تثيران النفور و وجه شاحب"
عض جليل على شفتيه قهراً .. و تمتم :" أ .. أنت .. أنت .."
ثم نكس رأسه بقهر .. و قال :" هذا إذ كانت فتاة عادية .. "
نهض مهند و أشعل سيجارته و مضى نحو ناحية أخرى .. لا أدري بماذا شعرت حينها .. أختي .. ربما ستكون السبب في تشتت هذه المجموعة .. لكني إلى الآن لا أصدق .. بعد كل هذه السنوات تحظى هيام بأربعة معجبين و متلهفين للزواج بها .. أربعة دفعة واحدة ؟!! شيء غريب ..




و همس و قد جحظت عيناه غضباً :" سأقتلك "

==

استدار لي سهيل صارخاً :" لماذا تدافعون عن شخص كهذا ؟ ..لماذا لا يزال معنا .. لماذا لا نتعاون على رميه من المنحدر ؟ لماذا تتقبلون منه كل شيء يفعله .. أتساءل هل يستحق منكم هذا ؟ "

==

صرخت به :" تتفاخر بعضلاتك على شخص مريض ؟ "

==

احمر وجه مهند غضباً .. و هو يعض على شفته


>> الجزء الياي حماسي .. و الجزء اللي عقبه أنصحكم تقرونه لانه مهم و هم حماسي ..


بوح قلم 11-04-11 07:48 AM

الجزء الثالث عشر

صرنا نمشي في تلك الغابة المخيفة نبحث عن الطريق العمومي .. حينها كانت الساعة الواحدة صباحاً .. قال جليل الذي كنت أنا و سهيل نمسك به :" الساعة الواحدة .. لسوف تقلق علينا أهالينا "
و قال كمال :" نعم .. أختي وحيدة الآن في المنزل لأن والدي مسافران .. ربي احفظها "
و قال سهيل :" أمي شديدة القلق علي .. لربما لا تنام الليلة "
و قلت أنا :" زوجتي لن تخاف علي بل ستشك في"
و التفت سهيل لمهند و شد شعره بخفة و قال :
" الوحيد المرتاح هو مهند .. لن يقلق بشأن أهله لأنهم لا يعلمون عنه شيئاً .."
انزعج مهند و هو يرتب شعره ..و قال كمال :
" فعلاً .. حتى لو تأخر حتى أذان الصبح لن يعلم عن أمره أحد و لن يحاسبه أحد "
نظر إلينا مهند من طرف عين .. ثم همس :" فعلاً .. مرتاح "
فسألته بجدية :" ألن تعود المياه لمجاريها ؟ "
نكس رأسه .. ففاجأه سهيل بضربة على رقبته قائلاً :" لن تعود لأنه لا يريد أن تعود .. هل هناك شخص يكره أهله "
أبعد مهند يد سهيل عنه بغضب و قال :" أولاً .. ليس من شأنك .. و علاقتي بأهلي أنت لا تعلم عنها شيئاً .. و في المرة القادمة لا تمد يدك علي حتى لو كان مزاحاً .. فإن لم تكن تعلم يدك تسبب أذى أكبر من مما تتصوره "
قال سهيل بحدة :" أنت من يصر على توتر العلاقة بيني و بينك .. لا فائدة .. شخص مثلك لا يحاول اصلاح ما تلف.. أيها القصير القزم "
نظر إليه مهند مشتعلاً ثم قال :" للمرة المائة .. أقول لك نادني باسمي و لا داعي لهذه الألفاظ التافهة "
و قال سهيل بحدة أكبر :" ألم تتساءل لماذا نناديك بهذا اللقب .. لا لتصغير حجمك و تحقيرك .. بل لأنك حقير أصلاً "
احمر وجه مهند غضباً .. و هو يعض على شفته .. ثم قبض على قميص سهيل ففوجئنا بسهيل يبدأ مشاحنة عنيفة معه .. أسرع كمال لايقافهما بينما كنت أنا أمسك بجليل ..و لم يستطع كمال فعل شيء .. صاح جليل :
" سهيل كفى .. كفى .. "
لكن الاثنان غرقا في عراك مخيف عنيف .. و كان كمال يحاول الامساك بسهيل لكنه لم يستطع .. رأيت سهيل خلع معطفه مستعداً ليغرق في العراك بشكل أعمق .. ثم لوى بيد مهند للخلف .. مهند بيده الأخرى أخرج من جيبه مقص الأظافر الخاص به .. صرخت به :" لا .. مهند " ..
لكنه لم يكترث .. و غرس ذلك المقص في ذراع سهيل ..صرخ سهيل متوجعاً .. ثم ترك مهند و وضع يده اليسرى على ذراعه اليمنى .. و همس و قد جحظت عيناه غضباً :" سأقتلك "
ابتعد مهند و يلهث و حبات العرق واضحة على وجهه المحمر ثم قال و هو يمسك بالمقص :
" إن اقتربت .. سأريك ماذا سأفعل بك "
سهيل و هو يتنفس بصعوبة.. و قد احمرت عيناه بشكل مرعب :" أرني "
صرخت بهما :" كفى .. كفى "
اقترب سهيل من مهند الذي يمسك بالمقص بقوة .. فوجئنا بمهند يهاجمه بالمقص .. صعقت عندما رأيته يغرس المقص في كتفه بقوة .. بسرعة سحب سهيل المقص و رماه في اتجاه آخر ..صرخ جليل :
"سهيل .. سهيل .. عد .. لا تتشاجر معه أكثر "
التصق مهند بشجرة ما و هو يلهث .. و صاح كمال و هو يمسك بسهيل :" كفى سهيل .. مهند مريض "
دفعه سهيل بقوة ..و قال :" أهذا مريض ؟ .. يا له من متوحش "
و ركض ناحية مهند .. بينما مهند تلفتت حوله بسرعة ..عندما بلغه سهيل حاصره بذراعيه .. نظر إليه مهند برعب ..
تركت أنا جليل على الأرض و ركضت نحو سهيل و أمسكت به قائلاً :" سهيل .. سهيل أرجوك "
استدار لي سهيل صارخاً :" لماذا تدافعون عن شخص كهذا ؟ ..لماذا لا يزال معنا .. لماذا لا نتعاون على رميه من المنحدر ؟ لماذا تتقبلون منه كل شيء يفعله .. أتساءل هل يستحق منكم هذا ؟ "
نظرت لعلامات الخوف البارزة على وجه مهند المحمر ..و صرخت بسهيل :" لن أتركك تؤذي مهند "
نظر لي سهيل بدهشة .. ثم قال :" أنصحك أن تبتعد يا حسام "
صرخت به :" تتفاخر بعضلاتك على شخص مريض ؟ "
دفعني بيده قائلاً :" فلتبتعد .."
و مد يده ناحية مهند و قبض على قميصه ..و خاطبه :" إذ كنت جبان هكذا ؟ لماذا تجرأت و جرحتني بذلك المقص ؟ "
أسرعت و سحبت يده عن مهند و سددت قبضة يدي ناحية بطنه .. فصرخ متوجعاً .. ثم همس لي :
" لا أريد أن أؤذيك حسام .. ابتعد أرجوك "
و دفعني بقوة ... حينها جاءنا صوت قوي مخيف زلزل قلوبنا ..

قال سهيل :" أمعقول ؟ .. الساعة الآن متأخرة .. ماذا تفعل فتاة في هذا الوقت ؟ "

=

.. فصعقنا بجثة رجل مرمية أمام سيارتها

=
ارتبكت هي أكثر و صارت تنحرف عن مسارها .. صرخ سهيل بانفعال :" الرجل وراءك .. أنظري خلفك أرجوك "

=

نظر لي كمال بعمق ثم همس :" لو ترك مهند التدخين و تقدم لخطبة أختك هل ستوافق ؟ "




بوح قلم 11-04-11 07:49 AM

الجزء الرابع عشر

ركضنا بسرعة نتخطى الأشجار المتشابكة .. سهيل كان يحمل على ظهره جليل ..كنت أنا بطيء قليلاً .. فكنت في المؤخرة و أشعر بذلك الصوت المرعب يخترقني ..و مهند و كمال في المقدمة .. أثناء ركضنا المتواصل الطويل كل واحد منا تعرض أما للسعة حشرة .. أو سقوط في حفرة ..أو تعرقل بحجرة .. و أنا تعرضت للثلاثة .. ارهقنا تماماً ..
غاب ذلك الصوت المرعب .. سمعت كمال يصرخ :" الطريق العمومي يا شباب "
صرخنا في وقت واحد :" أحقاً "
و ركضنا نتخطى الأشجار .. و أخيراً وقفنا نحن الخمسة نراقب الطريق العمومي الذي ظهر أخيراً .. صحنا بفرح و طوقنا بعضنا بعضاً .. صاح جليل :" الحمد لله .. الحمد لله "
نظرت لكمال بفرح و ضممته بقوة قائلاً :" رباه .. كنا قد فقدنا الأمل "
للأسف ظننا أن الطريق العمومي سيكون الحل و لكن الحل الأصلي هو سيارة الأجرة ..ظللنا ننتظر سيارة تمر ..مشينا في الشارع بارهاق ..قال مهند و هو يلهث :" رباه .. أشعر أننا سنموت قبل أن نصل لبيوتنا "
نظرت أنا لسهيل الذي يحمل جليل على ظهره .. أعانه الله ..أخيراً رأينا سيارة ضخمة تسير في الطريق ..كانت كالحلم الذي تحقق .. صرخنا و نحن نشير لها :" توقف .. توقف .." و وقفنا أمامها بسرعة ..توقفت أخيراً .. فجرينا نحو السائق و كان رجل يبدو في الأربعين من عمره .. نظر إلينا مستغرباً .. فصاح به كمال :" سيدي .. هل لك أن توصلنا معك "
قطب حاجبيه و هو يتفحص وجوهنا و ملابسنا الرثة بأنظاره ثم قال :" أ.. بصراحة لست مطمئن "
صرخ به سهيل :" لست مطمئن ؟ هل ترانا مجرمين مثلاً "
و اقترب منه مهند و قال بهدوء :" سيدي ..لقد تهنا في هذه المنطقة و خسرنا سيارتنا في مستنقع .. "
و خاطبته أنا :" فلتساعدنا أرجوك .. سوف ندعو لك في كل صلاة "
تفحصنا بنظراته ثم تنهد :" تفضلوا "
صعدنا السيارة الواسعة فكانت تكفينا نحن الخمسة.. شعرنا حينها براحة عميقة و نحن في السيارة .. و قصصنا حكايتنا بالتفصيل للرجل ..و ظننا أن الآن انتهت رحلتنا المرعبة.. الساعة كانت الثانية و النصف .. و كان الطريق فارغاً..
رأينا سيارة أمامنا .. سمعنا الرجل يقول :" أنظروا لمن في السيارة .. أنها فتاة "
قال سهيل :" أمعقول ؟ .. الساعة الآن متأخرة .. ماذا تفعل فتاة في هذا الوقت ؟ "
و قال جليل :" غضوا البصر .. غضوا البصر "
و انشغلنا بالحديث و كانت سيارة الفتاة تبعدنا بأميال لكنها لا تزال واضحة لنا .. فجأة توقفت ..حتى اقتربت سيارتنا من سيارتها قليلاً .. فصعقنا بجثة رجل مرمية أمام سيارتها .. نزلت هي من السيارة .. و تقدمت لرؤية الجثة ..قبل أن تطل هي على الجثة صعقنا بالجثة تتحرك و تزحف أسفل سيارة الفتاة .. و الفتاة واقفة حائرة ..ربما ظنت أنها تتوهم .. لكننا رأينا ذلك الرجل دخل السيارة من الباب الخلفي من دون أن تنتبه الفتاة !! كانت تحوم حائرة و لم تنتبه أنه في سيارتها ..
تبادلنا نحن النظرات مصعوقين .. و صدمنا بالفتاة تعود للسيارة و تصعدها دون أن تنتبه للرجل الذي يجلس في الخلف و الذي اختبئ في المقاعد الخلفية .. صرخنا نحن في وقت واحد :" لا !!!!!!!!!"
حركت هي السيارة و مشت بها .. بسرعة قاد الرجل ذو الأربعين السيارة و هو يقول بقهر :" رباه .. "
و بات يضرب بوق السيارة لينبهها و صرنا وراءها مباشرة .. فكانت مرتبكة و منزعجة تظننا نحاول معاكستها .. فتح مهند النافذة و صاح بها :" وراءك .. أنظري وراءك .. "
ارتبكت هي أكثر و صارت تنحرف عن مسارها .. صرخ سهيل بانفعال :" الرجل وراءك .. أنظري خلفك أرجوك "
و لم تكن تنظر للخلف أبداً سوى أنها ترمقنا من خلال المرآة و لا أدري كيف اختبئ ذلك الحقير لم تنتبه له إلى الآن ..
أسرع الرجل ذا الأربعين بالسيارة حتى صرنا بجانبها ..صرخ بها كمال :" خلفك يا فتاة .. خلفك رجل يريد ايذائك .."
و صاح جليل:" أخرجي من السيارة "
نظرت إلينا و هي تبكي خوفاً .. ثم صرخت :" ألا تخجلون ؟ كلكم على فتاة ضعيفة "
خاطبتها بانفعال :" لا .. لا تفهمينا خطأً .. سوف يؤذيك ذلك الرجل "
صعقنا بها تفقد سيطرتها على السيارة و تنحرف إلى الصخور الكبيرة .. من قوة الانحراف .. انقلبت السيارة على أحد جانبيها ..و بدأت بالاشتعال .. صرخنا رعباً .. و أوقف الرجل ذا الأربعين السيارة .. خرجنا و ركضنا نحو سيارة الفتاة .. فتح الرجل ذو الأربعين الباب و صرخ بالفتاة التي بدأ الدم يبلل خمارها و وجهها :" أخرجي .. أخرجي "
همست باكية :" لا سامحكم الله يا منحرفين .. "
صرخت بها :" أقسم لك أننا نريد انقاذك .. أخرجي .. أقسم أننا لن نمسك بسوء .. فقط أخرجي .. ستموتين "
أسرع كمال للباب الخلفي و فتحه صارخاً :" الرجل سيموت "
تعاون سهيل مع كمال في اخراجه و كان مغشاً عليه ..و يبدو أنه تعرض لضربة قوية برأسه ..قال مهند للفتاة مشيراً للرجل .. :" هذا من كنا نريد أن ننبهك على وجوده .. "
تمايلت هي تتألم برأسها .. صرخنا :" ستموت الفتاة "
و التفت أنا للرجل ذو الأربعين :" عليك نقلها لسيارتك "
احمر وجهه ثم قال :" مستحيل "
و قال مهند مؤيداً :" اعتبر نفسك والدها .. "
و قال كمال :" بسرعة قبل أن يموت الاثنان .. "
قمت أنا و سهيل بنقل الرجل للسيارة و تركناه على المقعد الأمامي .. وقف الرجل ذو الأربعين ينظر للفتاة ..مد يديه مرتبكاً .. ثم همس :" أستغفرك يا رب .. "
ثم صرخ بنا :" غضوا أبصاركم .. "
و أخيراً حملها من سيارتها و نقلها لسيارته و تركها على المقاعد الخلفية .. بينما ساعدت أنا جليل على الخروج ..صعد الرجل سيارته و هتف بنا .. :" ظلوا هنا .. سأعود لكم .. "
=
حتى السادسة صباحاً .. كان لازال لدينا أمل بعودة الرجل.. سهيل استلقى على الأرض و نام .. جليل يجلس وسط الأعشاب ساهماً ..مهند أخرج علبة سجائره و صار يدخن .. ملابسه رثة و ممزقة إلا أن علبة السجائر لازلت تبدو جديدة ..لم يمسها أي سوء .. للعلم .. جميع هواتفنا النقالة فقدناها ..كمال بقي يتحدث معي عن سهيل :" أنه بدا لي في هذه الرحلة أسوأ مما كنت أتصور "
و قال :" و كيف قال ما قال عن أختك .. كيف رضيت ؟ "
أشحت بوجهي .. فهمس هو :" لو تقدم سهيل لخطبة أختك .. هل ستوافق ؟ "
زفرت .. ثم قلت مغيراً الموضوع رافعاً طرف بنطالي .. :
" أنظر .. ربطة عنق مهند الأنيقة جفت عليها دمائي .. أتساءل إن كان سيستعيدها أم لا "
و قلت مبتسماً :" لقد هزأت مهند كثيراً .. لكنه كبر في عيني .. فقد اكتشفت أنه رغم كل عيوبه إلا أنه طيب القلب و يشعر بمن حوله .. رغم أننا كنا دائماً نصفه بعديم الاحساس .. لكنه بدا لي أكثر شخص يشعر بالناس "
و نظرت إليه و هو يمشي و يدخن و قلت مبتسماً :" و لو يترك التدخين ... لكان فعلاً شخص مثالي "
قال باستنكار :" الآن العيب الوحيد في مهند أنه يدخن ؟"
" مم ..تقريباً "
نظر لي كمال بعمق ثم همس :" لو ترك مهند التدخين و تقدم لخطبة أختك هل ستوافق ؟ "

ثم ضرب كتف مهند ضاحكاً :" آسف .. لأني مزقت قميصك الأنيق .. "

=

فرأيت جمانة تنظر لي بلهفة و دموع تملئ مقلتيها .. همست :" لماذا ؟ .. "

=

" أنسيت ؟ سيذهب ليجري عملية تجميل بساقيه "

=

" أريد أن أتقدم لخطبة أختك .. "


بوح قلم 11-04-11 07:52 AM

الجزء الخامس عشر
نظر لي كمال بعمق ثم همس :" لو ترك مهند التدخين و تقدم لخطبة أختك هل ستوافق ؟ "
نظرت له باستياء و صرخت :" كمال ما بك ؟ تصر على الحديث في هذا الموضوع الحساس المحرج ؟ "
سمعنا صوت مهند يهتف :" عاد الرجل "
رفعت رأسي فرأيت سيارة الرجل ذا الأربعين و هو تقبل نحونا .. ابتسمت بفرح .. و نهضت و نهض كمال .. و رحت أوقظ سهيل ..بلغنا الرجل و أوقف سيارته و هبط منها .. صحت به ضاحكاً :" كم أنت رائع "
=
أمام منزل كمال .. هبط و هو يخاطب الرجل :" أشكرك يا ابن الأصول ..كم أنا ممتن لك "
و استدار لنا قائلاً :" و أنتم يا شباب .. سنلتقي فيما بعد "
صحت به ساخراً :" احذر لكي لا تخيف أمك "
و ضحك سهيل :" لسوف يظنونك لصاً "
و قال مهند :" قبل أن تدخل اتصل بالاسعاف "
ابتعد قائلاً :" تحبون السخرية .. وداعاً .."
=
أمام منزل جليل .. هبطت أنا و أمسكته من جانب و سهيل أمسكه من جانب ..قرعنا الجرس .. فخرج والده و اندهش و هو ينظر لجليل .. و صاح :" جليل .. لماذا سهرت من دون أن تقلنا يا بني .. أخفتنا عليك .. و أين كرسيك ؟ "
قال جليل :" لا بأس أبي .. سوف أحكي لك ما جرى .. "
=
أمام منزل سهيل ..قبل أن ينزل قبل رأس الرجل ثم ضرب كتف مهند ضاحكاً :" آسف .. لأني مزقت قميصك الأنيق .. "
ضحكت و أنا أنزع ربطة عنق مهند من ساقي و رفعتها قائلاً :" المسكين مهند .. تمزق قميصه و تلوثت ربطة عنقه .. أناقته كلها تلاشت " و قهقت ساخراً ..
تنهد مهند مستاءاً .. فعاد سهيل يضرب كتفه و يقول :" هيه ..لا تتظاهر بأنك منزعج مني .. "
و أشار لكتفه ثم لذراعه و قال :" أنظر ماذا فعل مقصك بي .. من المفترض أني أنا من أغضب "
قال مهند بنفور :" اهبط .. اهبط .. "
خرج سهيل قائلاً :" وداعاً .. "
=
و في الطريق يخاطب الرجل ذو الأربعين مهند :" الآن أين منزلك ؟ "
" عمارة الشروق .. هل تدلها ؟ "
قلت أنا بسرعة :" اتجه نحو شارع الأسواق في آخره ستجد منزل مهند "
التفت لي مهند و نظر لي لبرهة ثم عاد يقول للرجل :" عمارة الشروق لو سمحت سيدي "
قال الرجل ذو الأربعين مستغرباً :" الآن ماذا ؟ العمارة أم المنزل ؟ "
قلت أنا :" المنزل يا سيدي .. "
و نظرت لمهند الذي ينظر لي بعمق ثم همس :" أنت تعلم أني على خلاف مع أهلي منذ أكثر من عشر سنوات "
شهق الرجل :" عشر سنوات ؟"
تنهد مهند .. فخاطبته أنا :
" سوف تبقى قليلاً هذا الصباح مع أهلك ..لربما تعود المياه لمجاريها ..ثم عد إلى شقتك متى شئت "
عبث بشعره ثم قال بضيق :" بصراحة .. ليس لي مزاج للعتاب و الصراخ "
قاطعته :" كل مرة تتحجج بهذه الحجة السخيفة ..سوف آتي معك أيضاً .. "
نظر لي لبرهة ثم قال مشيراً لملابسه :" على الأقل سنبدل ملابسنا و نرتاح "
=
الرجل أوصل كل واحدا منا لشقته..تحسست أنا جيبي .. رباه مفتاح الشقة ليس معي .. قرعت الجرس .. بعد ثوان سمعت صوت جمانة :" من ؟ " .. أجبت ضاحكاً .. :" أنا زوجك .. حسام "
بسرعة فُتح الباب .. دخلت .. فرأيت جمانة تنظر لي بلهفة و دموع تملئ مقلتيها .. همست :" لماذا ؟ .. "
مسحت شعرها مبتسماً .. ثم قلت :" سأحكي لك شيء لكن فيما بعد "
لجأت لسريري و نمت إلى الساعة التاسعة .. ثم استيقظت لأستحم و أحكي القصة لجمانة .. و كنت حقاً في قمة جوعي ..اتصلت بمهند حيث جاءني صوته الناعس :" هاه حسام .. ماذا عندك ؟"
"هل نسيت يا مهند ؟ سنذهب لمنزل أباك "
تنهد :" انسى الأمر حسام "
=
في يوم آخر في مقر عمل مهند .. جلست أراقبه و هو يتناقش مع أحد الآسيوين ..عن عدد الأقمصة التي خاطها ..لم أكن أتخيل أن مهند سيعمل في شركة خياطة يوماً .. اقترب مني مستاءاً و جلس بجانبي و هو يتفحص ورقة ما ..ثم قال :" جليل أنهى اجراءات السفر .."
قلت مستغرباً :" سفر ؟ "
" أنسيت ؟ سيذهب ليجري عملية تجميل بساقيه "
قلت مندهشاً :" بهذه السرعة ؟"
--
مرة من المرات كنت أساعد سهيل في تصحيح أوراق الامتحانات .. رفع رأسه و نظر لي قائلاً :
" حسام ..ما رأيك بشكل لحيتي ؟ "
بات سهيل يسألني عن رأيي في كل شيء فيه .. فيزعجني ..
و مرت الأيام .. عادية ليس فيها شيء مميز .. سوى تلميحات من الأطراف الثلاثة للزواج من أختي لكني كنت أتجاهلهم .. سهيل يتأكد من اعجابي به .. كمال يحاول جاهداً تطوير محله أكثر فأكثر و يحاول أن يسألني عن هيام بطريقة غير مباشرة .. مهند تلمع في عينيه نظرة استياء شديدة الوضوح عندما يحاول كمال ابراز نفسه لي و تلميحاته أنه جاهز للزواج ..لكني أشعر أن مهند لا يستطيع أن يصارحني برغبته مستقبلاً لأنه يعلم رأيي جيداً ..
بصراحة .. لو سألتموني من هو الأفضل من بين أصدقائي سأتحير .. ربما سهيل .. لكني لا أتخيله زوجاً لهيام .. بل لا أتخيل أي واحد من هذه المجموعة زوجاً لأختي هيام ..
--
أثناء ما كنا نحن الأربعة نتناول الغداء مع بعضنا البعض ..قال كمال و هو يبتسم بارتباك :" حسام .. أظن .. أن حان الوقت لأفتح معك موضوع مهم و مصيري بالنسبة لي "
انقبض قلبي .. و رأيت ملامح مهند قد تغيرت .. و كذلك سهيل .. فعدت أنظر لكمال و أجبت :" موضوع مهم ؟ تفضل "
تنهد و تفحص وجه مهند القلق و وجه سهيل الثائر و الذي يتحرك في مكانه لا يستطيع الثبات ..ثم قال منكساً رأسه :
" أريد أن أتقدم لخطبة أختك .. "
الاثنان متسمران .. أما أنا فدرت ببصري في جميع أنحاء المطعم هروباً من أنظار كمال الثاقبة ثم أجبت متوتراً :
" بصراحة .. فاجأتني "
تنهد كمال و قال مرتبكاً :" أ.. على العموم .. لست مستعجلاً .. أريد رأيك أنت أولاً .. أنا أنظم أموري الآن و حتماً سأكون جاهزاً بعد اسبوع و أتمنى أن يكون رأيك ايجابي "
صُدمنا بسهيل يقول :" بصراحة .. كمال أخطأت .. أخت حسام لا تناسبك "
التفتنا لسهيل بسرعة .. و قال كمال بحدة :" لماذا ؟ هل تعرفها ؟ هل تعرف ما هي شخصيتها لتحدد هذا ؟ "
نكس سهيل رأسه فقال كمال :" حسام الوحيد الذي سيحدد ما إذا كانت أخته تناسبني أم لا "
حينها سمعنا مهند يقول خافضاً أنظاره محدقاً في الشوكة التي بيده :" كمال .. إذ كنت ستتقدم لخطبة أخت حسام عليك الكشف له عن كل الأمور التي تمارسها .. سواء كان سلبية أم ايجابية "
نظر كمال لمهند بنظرة قاتلة ..ثم قال بغضب :" ماذا تقول مهند .. حسام يعلم كل شيء عني "
نظر مهند لكمال بنظرة عميقة ثم همس :" أمتأكد ؟ "
!!!

..اكتشفت أن جليل لا يبالي بأي أحد من أصدقائه ..

=

تسمر سهيل مصدوماً ..احمر وجهه و انتفخت أوداجه ثم صرخ فزلزل الغرفة :" حقير .. حقير "

=

لم أحصل على أي معلومة من مهند و كم كان كتوماً من هذه الناحية

=

جليل قال لهما أنه سيقنعني في رفض كمال لكنه فعل شيئاً آخر




بوح قلم 11-04-11 07:53 AM

الجزء السادس عشر
نظر مهند لكمال بنظرة عميقة ثم همس :" أمتأكد ؟ "
عض كمال على شفتيه و نظر لي بقهر ثم قال بحدة يخاطب سهيل و مهند :" أنتما .. لا أفهم سبب هذا الحقد .. لماذا لا تريدان أن أرتبط بأخت حسام ؟!! هل ما سأفعله سيؤذيكما بشيء .. ؟"
فخاطبته :" كمال أجل هذا الموضوع رجاءاً "
فنهض مغادراً بغضب ..
=
أثناء ما كنت أنا و مهند في السيارة في الطريق المؤدي للعمارة التي يسكن فيها و بعد صمت خيم على السيارة .. نظرت له و هو يدخن .. بعد تردد خاطبته :" أرى علاقتك بكمال ساءت كثيراً "
نظر لي لبرهة ثم قال :" لا ليس كذلك لكني وددت أنبهه أن يخبرك بكل شيء يخفيه الآن بما أنه سيتقدم لخطبة أختك "
نظرت إليه بعمق ثم قلت :" مثل ماذا ؟ "
حملق بي طويلاً .. ثم نفث دخان سيجارته قائلاً :" فلتسأله "
قلت بسرعة :" إذا هناك شيء "
تنهد مهند :" قلت لك اسأله هو .. "
و نظر لي قائلاً :" ستوافق عليه كزوج لاختك ؟"
تعمدت أن أقول :" نعم ..فهو شخص ممتاز و لطالما مدحه والدي و والدتي ..و لا أظن أن أختي ستعارض .. "
فتح عينيه مصدوماً ..ثم همس :" أحقاً ؟ "
و أسند رأسه على الكرسي مصدوماً .. ثم قال :" حسام .. الأفضل أن تفكر ..و تفتش أكثر في شخصية كمال "
قلت أنا :" فلتخبرني أنت عنه .. فأنت أقرب صديق له "
نظر لي بعمق ثم همس :" تستدرجني .. هاه ؟ "
=
لم أحصل على أي معلومة من مهند و كم كان كتوماً من هذه الناحية ..سهيل .. مرتبك و لا يدري كيف يوصل لي أنه رافض تماماً تماماً .. لفكرة أن كمال ربما يكون زوجاً لأختي ..كمال ! رجل ممتاز و لم أرى منه ما يجعلني أرفضه كزوج لأختي سوى أن هذا الزواج ربما يشتت مجموعتنا ..
عاد جليل من السفر.. لا يمكنني أن أصفه لكم .. تخلى عن القماش الذي كان يضعه على ساقيه .. و أصبحتا عاديتين تماماً و يمكنه ارتداء الحذاء العادي ..جليل كان شعره خفيفاً في مقدمة رأسه و جبينه عريض كثيراً .. فوجئناً به و قد عاد بشعر كثيف من مقدمة الرأس ..و هذه عملية تجميل أخرى .. أتساءل لماذا يخسر كل هذه الأموال .. مع أنه كان مقبولاً شكلاً ..(ربما لأني اعتدت عليه ) لكنه على ما أظن يريد أن يعوض نفسه .. إذ كان عاجر عن المشي .. فربما لو كان لديه مظهر جميل ربما يجعله ذلك أكثر ثقة بنفسه ..رأيته متفاءل و مرتاح نفسياً .. نهضت مع مهند لنصنع الشاي _ و كنا في شقتي و جمانة في منزل والدتها مع خلود _انشغل مهند بصنع الشاي بينما رحت أنا ألتقط شيئاً من الحوار الذي بين سهيل و جليل .. كمال لم يأت معنا .. فكان مشغول بمحله .. سمعت وشوشة سهيل :
" أنت تعلم أنه غير مناسب جليل .. جليل .. أقنع حسام بذلك .. أنه لم يقتنع من مهند و لن يقتنع مني .."
تنهد جليل .. :" حسناً .. لا تقلق .. كمال لن يتزوج أخت حسام .. أنت الآن خذ معك مهند و اخرجا .. و أنا سأقنع حسام "
أجاب سهيل :" حسناً "
و نهض .. فأسرعت لأتظاهر بأني منشغل بمساعدة مهند .. دخل سهيل و أقبل نحو مهند .. و سحبه من يده و همس بأذنه :" عزيزي مهند .. فلنغادر .. أريد أن أذهب معك لصالة البلياردو "
أجاب مهند :" فقط سنشرب الشاي"
قال سهيل بحدة :" ألا تفهم .. هيا نغادر "
نظر مهند له لبرهة ثم هز رأسه متفهماً .. :" حسناً "
=
بعد خروج الاثنين .. وضعت أنا صينية الشاي أمام جليل و كنت أعلم ما هو الموضوع الذي سيفاتحني فيه .. قال هو :
" حسام .. أتمنى أن لا تردني أو تتجاهل طلبي أو تحتقرني أو تسيء الظن في فأنا جئت أطلب منك طلب محرج قليلاً "
أجبت :" قل يا جليل قل.. سأكون متفهماً .."
ابتسم بارتياح ثم قال :" حسام .. أنت أخ عزيز و صديق وفي .. فلي نية في .."
و نكس رأسه بخجل ثم قال بحشرجة :" في طلب يد أختك .."
فتحت عيني مصدوماً و انسكب الشاي الذي بيدي على اصابعي .. !!!!!!!!!!
رباه .. سأجن ! ..
=
بعد أن أوصلت جليل لمنزله اتجهت لمنزل والد جمانة ..و في الطريق ..صرت أفكر .. ماذا سأجيب .. أوافق أن يتقدم لخطبة أختي و بعد ذلك أنسحب و أدع والدي و والدتي و هيام يقررون ؟ لكن ..كمال طلب يدها أولاً ..
ثم كيف يخدع جليل سهيل و مهند ؟ قال لهما أنه سيقنعني في رفض كمال لكنه فعل شيئاً آخر ..اكتشفت أن جليل لا يبالي بأي أحد من أصدقائه ..
اتصل بي جليل بعد يومين يستفسر :" ماذا قلت حسام "
صمتت قليلاً ثم قلت .. :" أ.. من ناحيتي موافق .. لكن "
قال بفرح :" حدد موعداً لآتي لأتعرف على والدك ثم نرى رأيه "
" مم .. سأتصل بوالدي و سأرى أي يوم يناسبه "
و كنت آنذاك على مكتبي في المدرسة .. نظرت لسهيل المنهمك في تصحيح الدفاتر .. عدت لهاتفي و اتصلت بوالدي فأجاب :" نعم حسام "
" أبي ..لي صديق سيزورنا الليلة "
رفع سهيل رأسه و نظر لي .. و قال والدي :" و ما شأني أنا "
" مم .. أبي أنه يريد التعرف عليك .. هل أنت مشغول الليلة "
" لا أبداً .. "
" جيد .. وداعاً أبي "
و أغلقت الخط مستاءاً .. فسألني :" من سيزورك الليلة ؟ "
ابتسمت :" جليل .. "
نظر لي لبرهة ثم همس :" ماذا جرى على موضوع كمال "
" أظنه سينتهي "
اتسعت ابتسامة سهيل بفرح ثم قال منفعلاً :" نعم .. أنه لا يناسب أختك أبداً .. أبداً "
نظرت له بابتسامة باهتة ثم قلت :" الموضوع سينتهي لأن جليل اليوم سيأتي .. ليتعرف على والدي لكي .."
نظر لي سهيل بارتياب قائلاً :" لكي ماذا ؟ "
قلت ببساطة :" يتقدم لخطبة أختي لاحقاً "
تسمر مصدوماً ..احمر وجهه و انتفخت أوداجه ثم صرخ فزلزل الغرفة :" حقير .. حقير "
و نهض خارجاً من الغرفة ..شعرت أن سهيل لن يتردد في توجيه لكماته لجليل حتى لو كان معاقاً .. لو كان مهند مكانه لصمت و نكس رأسه .. المشكلة في سهيل أنه لا يستطيع التحكم بأعصابه ..
بعد فترة عاد و وجهه محمر و خصوصاً عينيه .. بكى !!؟؟؟ لا أصدق .. جلس على مكتبه ثائراً ..و لم ينطق بأي كلمة ..
في نهاية الدوام من عادتي أنا و سهيل أن نشتري طعام الغداء و نذهب لتناوله مع مهند في مقر عمله ثم نخرج و نعود لمنازلنا لأن مهند لا ينتهي دوامه إلا عند الساعة الرابعة عصراً ..
دخلنا الشركة التي يعمل فيها مهند .. و رأيناه يوقف صراعاً ما بين اثنين من الآسيوين .. ضحكت أنا و نظرت لسهيل .. فرأيت وجهه محمر و ملامحه مشدودة .. اقتربنا من مهند الذي أشار لنا بالجلوس ثم انشغل بالتفاهم من الاثنين الآسيوين ..جلست أنا و سهيل على المقاعد و انشغلت أنا باخراج الطعام من الأكياس و ترتيبها على الطاولة ..نظرت لسهيل الصامت .. أظنه سينفجر بعد قليل ..
قال مهند منزعجاً مخاطباً الآسيوين الاثنين :" اذهبا لفادي .. أنا ليس لي وقت لحل مشاكلكما "
و التفت لنا قائلاً و هو ينظر لصحون الطعام :" سأذهب لغسل يدي .. انتظراني "
و ذهب .. و كان سهيل غاضباً ..نظر لي و قال باستياء :" ستوافق ؟ "
نظرت له لبرهة .. ثم قلت :" الأمر متوقف على رأي والدي و رأي أختي و إذ وافقا .. ليس لي رأي أنا "
نظر لي بغضب .. ثم صرخ :" كيف ليس لك رأي ؟ "
هنا جلس أمامنا مهند مستغرباً :" ماذا هناك "
هنا انفجر سهيل :" مهند .. كم كنا غبيان ..بل أكثر من غبيان .. جليل .. جليل..."
و عض على شفتيه هامساً :" سيتقدم لخطبة أخت حسام "
تسمر مهند و نظر لي مصدوماً ..ثم ابتسم بالكاد :" أحقاً ؟...مبارك اذاً .."
ثم نهض قائلاً :" أ.. ليس لي شهية للأكل .. سأرى عملي "



و صرخ بصوت أعلى و قد احمر وجهه :" لماذا .. لماذا لا تريد مني الزواج من أختك و تفضل جليل علي "

=

"..قلنا لك أن تقنع حسام أن يرفض كمال .. لا أن تتقدم لخطبة أخته .. يا كاذب يا منافق "

=

خاطبته :" مهند .. لماذا تكره جليل ؟"

=

كمال و مهند و سهيل مشتعلين غيظاً على جليل و جليل لم يكلف نفسه عناء مراضاتهم و شرح موقفه




بوح قلم 11-04-11 08:08 AM

الجزء السابع عشر

و انزوى في ناحية ما مع الخياطين فلحقه سهيل .. و كان علي اللحاق بهما لأسمع حوارهما .. من دون أن يشعران اقترب منهما و تحجبني ستارة عنهما .. سمعت مهند يهمس بغضب :" أجننت ؟ كيف تفعل هذا ؟"
" و ماذا فعلت ؟"
" كيف تقول ذلك أمام حسام .. ألم تخجل ؟ "
صمت الآخر قليلاً و عض شفتيه :" لم أستطع التحمل "
" أنا أستغرب حقاً كيف يستحملنا حسام ؟"
--
و انفجرت حمم بركانية لما علم كمال بالأمر في وسط الشارع استوقفني بينما كنت عائداً للشقة مشياً محملاً بأكياس الألعاب .. التي سأفاجئ ابنتي خلود بها .. سمعت حينها صوت بوق سيارة قوي و متكرر.. التفتتُ للخلف فكان كمال بسيارة أباه .. هبط من السيارة مشتعلاً .. و اقترب مني .. ابتسمت له :" أهلا كمال "
صرخ حتى اجتمعت الأنظار نحونا :" لماذا تخدعني ؟ .. لماذا ؟ "
نظرت له لبرهة فأتمم هو بقهر :" جليل الليلة سيتقدم لخطبة أختك ؟ أنا قلت لك أني سأجهز أموري فقط .. لماذا؟ "
و صرخ بصوت أعلى و قد احمر وجهه :" لماذا .. لماذا لا تريد مني الزواج من أختك و تفضل جليل علي "
نظرت له مرتبكاً و لم أعلم بماذا أجيبه .. فغادر و هو يهدد و يوعد ..
--
وقفت أمام أمي و هي تجهز طعام العشاء .. خاطبتها بهمس :" هيا أمي أسرعي "
رفعت رأسها لي و قالت بابتسامة عميقة :" لا أريد أن أرسم أماني لكن ألا ترى أن هذا الشاب لأول مرة يزورنا لوحده ؟ "
ابتسمت لها و همست :" ظنك في محله أمي "
ضحكت بفرح :" أحقاً ؟ "
و رفعت يديها للسماء و همست :" ربي أتمم على خير "
عدت لغرفة المجلس و كان أبي منشغل بالتحدث مع جليل بكل راحة إلا أن جليل رغم أنه سعيد لكن هناك تقاطيع في كلماته ربما بسبب الارتباك .. جلست بجانبه و اندمجت في حديثهما و كان أبي يقول بين الفترة و الأخرى :
" حسام .. لماذا لم تعرفني على جليل لحظة تعرفك عليه ؟"
و شعرت و كذلك شعر جليل بأن كل شيء سيسير على ما يرام ..
--
في السيارة و على الطريق المؤدي لمنزل جليل .. التفت لي جليل قائلاً :" بصراحة .. والدك إنسان محترم للغاية "
نظرت إليه مبتسماً .. فقال بارتباك :" أنا أشعر أنك لست موافق لفكرة أن أتقدم لخطبة أختك "
تنهدت :" لا ليس كذلك .. بل الرأي الأول و الأخير لوالدي و أختي "
قال منفعلاً :" يهمني رأيك أنت .. كونك الأقرب لي و تعرف كل ظروفي و كل تفاصيل حياتي "
ابتسمت :" أنا لن أقول موافق أو غير موافق إلا بعد أن أسمع رأي أختي "
نظر لي بعمق ثم همس :" أتظنها ستوافق ؟ "
نظرت له لبرهة .. يبدو أنه خائف من رأي هيام .. أجبت :" لا أدري "
نظر لي بعمق ..ثم أسند رأسه متنهداً ..
=
فكرت أن نتناول غداء يوم غد معاً .. نحن الخمسة .. كمال و مهند و سهيل مشتعلين غيظاً على جليل و جليل لم يكلف نفسه عناء مراضاتهم و شرح موقفه ..فبعد أن خرجت أنا و سهيل من المدرسة اتجهنا لمحل كمال و دعوناه لتناول الغداء فقبل .. و مررنا على شركة الخياطة التي يعمل فيها مهند ..فاستأذن هو من مديره و صعد معنا السيارة ..و أخيراً .. خاطبتهم أنا متصنعاً المرح :" و الآن جليل "
تبادل مهند و كمال النظرات و سهيل زفر ..أوقفت السيارة أمام شركة التصميم الذي يعمل فيها جليل و اتصلت به فوافق .. فهبطت أنا من السيارة و دخلت الشركة و اتجهت للغرفة التي يعمل بها و دخلتها .. ألقيت عليه التحية .. فابتسم ..أسرعت إليه قائلاً :" هيا .. فالبقية ينتظروننا "
-
خرجت به من الشركة ..و اقتربنا من السيارة حيث كان بقية الأصحاب يرمقون جليل بنظرات ثاقبة .. فتحت الباب الخلفي و من عادة سهيل أن ينهض لمساعدتي على نقل من جليل من الكرسي إلى السيارة .. بل هو الذي يتكفل بهذه المهمة .. إلا أنه لم يتحرك .. مهند لم يتنحى ليفسح المجال لجليل بل نكس رأسه متجاهلاً إياه .. قرصته أنا قائلاً :
" مهند .. فلتفسح لجليل قليلاً "
رمقه بنظرة حادة ..ثم ابتعد حيث سهيل و ظلا يتهامسان .. نقلت أنا جليل من الكرسي إلى جانب مهند .. و أغلقت الباب .. و انشغلت بوضع الكرسي في صندوق السيارة الخلفي .. ثم أغلقت الصندوق و دخلت السيارة .. فرأيت جليل مستغرب من الملامح المرتسمة على وجوههم .. قدت أنا السيارة و لم ينبس أحد ببنت شفة ..
إلى أن وصلنا للمطعم .. و حول الطاولة جلسنا ..تقدم النادل و أخبرناه بما نود أن نأكل فابتعد .. زفر سهيل .. و مهند منكس رأسه و كمال ينظر لجليل باحتقار .. تفحص جليل وجوههم ثم قال مازحاً :
" ما بكم شباب .. هل أكلت الفأرة ألسنتكم "
برزت ملامح الغضب على وجه سهيل و كاد أن يشن حربه إلا أن مهند أوقفه هامساً بأذنه ببضع كلمات ..الغريب أن هذان الاثنان كانا عدوين لدودين .. إلا أن علاقتهما تطورت منذ أن بدأ جليل تحركاته نحو هيام ..
جليل ينظر إلى الثلاثة باستغراب ثم باستياء ..
أتى النادل و وضع الصحون على الطاولة ثم ابتعد ..شمرت أنا عن ذراعي مبتسماً :" هيا شباب .. يبدو الطعام مشهياً "
هنا بدأنا نتناول الغداء بهدوء .. قطع هذا الهدوء سهيل الذي لا يستطيع الصمت أكثر .. خاطب جليل بحدة :
" ماذا جرى على مشروع زواجك ؟ "
رفع جليل رأسه مبتسماً :" أبا حسام يبدو أنه أحبني كثيراً .. و أنا أظن أن مشروع الزواج هذا سوف يتم بإذن الله "
اشتعل كمال و قال :" لماذا و أنت تعلم أني كنت أنوي الزواج من أخت حسام .. ألا ترى أنك خدعتني و خنتني "
أجاب جليل منفعلاً :" كمال ماذا تقول .. ؟ أنا لم أخدعك و لكن الجميع كان يقول أنك لست مناسب لأخت حسام "
و التفت لسهيل و قال :" ألم تقل لي يا سهيل أن أقنع حسام أن يرفض كمال ؟ "
اشتعل كمال :" ماذا ؟ "
و صرخ سهيل :" لا تحاول الهروب يا جليل و لا تحاول إفساد العلاقة بيننا ..قلنا لك أن تقنع حسام أن يرفض كمال .. لا أن تتقدم لخطبة أخته .. يا كاذب يا منافق "
جميع من كانوا في المطعم التفتوا لنا مستغربين .. فقال جليل مخاطباً مهند :" سنرى يا مهند .. إن كان عجزي المشي سيعيقني عن الزواج من أخت حسام "
انفعل مهند :" هيه جليل .. بكل بساطة تقولها و لا تكترث بأنك بتصرفك هذا قلبت علاقتنا بك من الصداقة إلى العداوة ؟ "
و قال سهيل :" يبدو أننا لم نعد نهمك .. "
و صاح كمال :" و نسيت كل شيء فعلناه لك .. أخرجناك من القوقعة التي كنت تعيش فيها و ساعدناك على تكوين نفسك .. بعد هذا .. لم تكترث لصداقتنا القديمة معك "
عض جليل على شفتيه مغتاظاً ثم صرخ :" ماذا تقولون جميعكم .. أنتم من ستفسدون الصداقة بيننا "
و التفت لي قائلاً :" فلتقل شيئاً حسام .."
تنهدت :" بصراحة شباب .. كلكم أخطأتم .. سهيل و مهند أخطأتما عندما اتفقتما ضد كمال .. كمال أخطأت عندما صرحت برغبتك بالزواج بتلك الطريقة .. و جليل أخطأت عندما أقنعت سهيل و مهند بشيء و فعلت شيء آخر و لم تكترث لعواقب الأمور .. و الخطأ الأكبر أنكم جميعكم تفكرون بالزواج من فتاة واحدة .. هكذا لن يصل أحدكم لشيء "
==
الساعة الخامسة عصراً.. كنت آنذاك في شقة مهند .. أراقبه و هو يحلق ذقنه .. سألته :
" لماذا أنت رافض لفكرة زواج جليل "
نظر لي لبرهة .. ثم نظر للمرآة قائلاً :" لأنه .. "
و نظر لي قائلاً :" لأنه بذلك سيفسد مخططاتي "
و راح يغسل وجهه .. تأملته طويلاً ... ثم خاطبته :" مهند .. لماذا تكره جليل ؟"
رفع رأسه مقطباً حاجباه و تناول فوطة و مسح بها وجهه ثم قال :" أكرهه ؟ من قال ذلك ؟"
" تصرفاتك توحي بذلك "
تنهد و خرج من الحمام قائلاً :" لا أكرهه .. و لكنه يخدعنا "
لحقت به و قلت :" أنا لا أقصد ذلك .. أنت تكرهه منذ أن تعرفت عليك "
استدار لي مستغرباً .. فأتممت :" تجادله و تقلل من شأنه دائماً .. "
" نعم أجادله .. لكن كنصيحة مني إليه "
ابتسمت :" لا يا عزيزي يا مهند .. أنت لا تنصحه .. بل تحاول جاهداً أن تجرحه بكلماتك كلما سنحت لك الفرصة .."
نظر لي لبرهة ثم همس :" هو قال لك هذا ؟ "
" كثيراً .. هذا شعوره و شعوري و حتى شعور سهيل و كمال .. كلنا نشعر بهذا .."
ابتسم :" أحقاً ؟ "
و مشى نحو المطبخ .. تأملت المكان .. ثم لحقت به قائلاً :" هيه مهند .. شقتك مغبرة و متسخة "
فتح الثلاجة و قال :" ماذا أفعل ؟ "
صحت به :" لماذا لا تنظفها ..؟ "
أخرج قارورة ماء و قال :" متى سأجد الوقت لذلك ؟ "
نظرت له و هو يتناول أقراصه ثم قلت :" دعنا ننظفها "
نظر لي مستنكراً .. ثم قال :" هيه حسام .. و كأنك لست متزوج ؟ اذهب لزوجتك .. أنك لا تتناول الغداء معها و تخرج في العصر و أحياناً تتناول العشاء في منزل جليل .. أعانها الله عليك "
ابتسمت :" يبدو أنك ستصبح زوج مثالي "
نظر لي لبرهة .. ثم وجه قارورة الماء لي و قال :" إن لم تخرج و تعود لشقتك لسوف أبللك بهذه "
ابتسمت و أنا أنظر للأقراص .. و قلت :" مهند.. يبدو أن النوبات لم تعد تواتيك "
ارتسمت على شفتيه ابتسامة عميقة :" نعم .. لهذا أفكر بالزواج "



قلت بحدة :" جليل .. لا يحق لك الحديث هكذا حتى لو كنت صديقك .. يجب أن تضع في بالك أنها أختي و لم تنسب إليك بعد .. أفهمت ؟"

==

" علاقة سهيل و مهند تطورت حتى أصبحت تقلقني و تزعجني ..بصراحة أشعر أنهما يخططان لإيذاء جليل "

==

" بصراحة .. هي تقول أنه معدوم الشخصية و ليس لديه ثقة بنفسه .. لكنها لازالت تفكر .."

==

.. أوقفني قائلاً :" أرجوك حسام .. ابتعد .. أنا سأقود نفسي بنفسي "




بوح قلم 11-04-11 08:12 AM

الجزء الثامن عشر
اتصل بي بعد يومين جليل .. و أخبرني أنه سيأتي لخطبة أختي رسمياً في الليل مع أباه و أخاه ..ارتبكت و لم أعلم ما أقول له.. لازال غير مكترث بمهند و كمال و سهيل ..في النهاية وافقت و أغلقت عنه .. و فوراً .. اصطحبت جمانة و ابنتي خلود ..أسرعت لأبي و أخبرته بالأمر فصُدم .. نظر لي لبرهة ثم همس :" أتقصد جليل الذي أتانا تلك المرة ؟ "
" نعم ..أبي "
نظر لي مطولاً ..فقلت أنا منكساً رأسي :" أعلم أن كونه عاجز عن المشي ..ربما هذا الأمر سوف ..."
قاطعني أبي :" هذا الأمر لا يعيبه .. المهم أخلاقه "
ثم همس :" أنبأ أمك و أختك بهذا الأمر "
خرجت من غرفة المجلس و اتجهت لأمي حيث كانت جالسة في الصالة .. جلست بجانبها و همست :
" أمي .. الليلة سيأتي أحدهم لخطبة ابنتك"
نظرت لي بفرح ثم همست :" حقاً ؟ من هو ؟ "
" جليل ..ذا الكرسي المتحرك "
ابتسمت :"و متى سيأتي "
" الساعة التاسعة .. أخبري هيام بالأمر..لكي تتجهز هي الأخرى للمقابلة ..و رتبوا المنزل و نظفوه و بخروه "
--
شعوري أنا ؟!! أشعر بلسعة حادة .. بصراحة هذا الزواج سيفسد الكثير من الصداقة الحميمة التي تجمعنا و لكن لا يجب علي قطع نصيب أختي على حساب صداقتي ..وقفت أمام المرآة أسرح شعري و أرتب بذلتي ..خطر ببالي أن أحادث هيام قليلاً ..لا سيما أن لا أحد تقدم لها منذ ثلاث سنوات .. و ربما تكون متوترة أو .. لا أدري ماذا ستكون ردة فعلها ..صعدت الدرجات ..و وقفت أمام غرفتها .. طرقت الباب فجاءني صوتها الناعم :" أدخل "
فتحت الباب ببطء .. فرأيتها جالسة على سريرها .. ابتسمت لي :" تفضل حسام "
أغلقت الباب من بعدي .. و اتجهت نحوها ..ثم جلست أمامها متنهداً :
" هيام ..عليك أخذ فكرة عن الذي سيتقدم لخطبتك الليلة "
نظرت لي ثم نكست رأسها بإحراج ..فقلت :" هو صديقي ..بل مر وقت طويل على صداقتنا .. هو طيب القلب و يعمل في شركة معروفة لتصميم المواقع و راتبه جيد .. لكن .. أنه عاجز عن السير "
نظرت لي بصدمة .. و تمتمت :" عاجز عن السير ؟ "
=
قدم جليل مع أباه و أخاه .. أما في مجلس النساء فقد جاءت والدته فقط ..كما قالت أمي .. اندمج أبي في الحديث مع والد جليل ..جليل بدا محرجاً للغاية و لم يستطع قول جملة صحيحة إلا أن أخاه كان يشجعه ..حتى حان موعد مقابلته مع أختي و كم كان مرتبكاً و خائفاً .. قدته للمجلس الثالث الذي لدينا ..الذي تجلس فيه أختي..
..قبل أدخله .. أوقفني قائلاً :" أرجوك حسام .. ابتعد .. أنا سأقود نفسي بنفسي "
تأملته لبرهة .. ثم ابتسمت :" كما تريد .. يا عريس "
..
في صباح اليوم التالي .. دخلت غرفة المكتب و ألقيت التحية متنهداً .. فوجئت بسهيل يلتفت لي بسرعة و يهتف :
" صباح النور حسام .. تعال .. "
اتجهت نحو مكتبي و جلست على الكرسي و قلت مستغرباً :" ما بك ؟ "
قال بانفعال: " ماذا جرى عن موضوع جليل "
تنهدت :" لقد تقدم لأختي البارحة رسمياً "
صاح مصدوماً :" بهذه السرعة .. ؟؟ رباه ؟.. هل قبلتموه "
"أبي موافق و كذلك أمي و أخي و أنا أيضاً .. بقي رأي أختي "
و نظرت له بحدة :" و لن أقول حرفاً زائداً عن هذا الأمر "
نظر لي لبرهة ثم قال :" أظنني كنت وقحاً "
قرع جرس الحصة الأولى ..فنهضت خارجاً ..
=
و أنا أشرح أحد الدروس لصف من الصفوف .. رن هاتفي المحمول الذي نسيت قفله .. هنا صاح الفتية :
" هل هي زوجتك يا أستاذ ؟ "
زمجرت بقوة :" اصمتوا "
و خرجت خارج الفصل و أخرجت الهاتف المحمول من جيبي ..فكان جليل .. أجبت :
" أهلا جليل .. "
قال متحمساً :" هل صدر القرار "
قلت ضاحكاً :" لا لم يصدر بعد .. فلتسألني بعد أسبوع "
تمتم :" أ.. إذا أخبرني أنت ماذا استنتجت من ملامحها "
قلت بحدة :" جليل .. لا يحق لك الحديث هكذا حتى لو كنت صديقك .. يجب أن تضع في بالك أنها أختي و لم تنسب إليك بعد .. أفهمت ؟"
ارتبك :" و ماذا قلت أنا .. أ.. آ .. آسف "
هنا تجمدت أنا لصرخة المشرف :" أستاذ حسام !!! ؟ .. تترك الفتية يصرخون و يلعبون و أنت هنا تتحدث على الهاتف ؟؟ "
=
و في صالة البلياردو جلست ألعب مع كمال بقطع الشطرنج ..انتبهت عليه و هو يقدم الوزير و يبتسم :" كش ملك "
نظرت له و ضحكت :" إذاً هُزمت ؟ "
نظر لي بعمق .. ثم همس :" كنت أنا الملك و جليل الوزير الذي سحقني في غفلة من أمري "
ثم ضحك :" كنا نظن أنه قلعة .. لا يمكنه سوى السير في طريق مستقيم .. "
ثم رفع ناظريه لي و قال بأسى :" لكنه بدا على حقيقته .. "
نظرت له طويلاً .. ثم حولت أنظاري لسهيل و مهند يلعبان البلياردو .. ثم همست :" بصراحة .. كمال .. أنك لم تكن مقدماً على الزواج من أختي بشكل قوي ..إلا أنك اشتعلت عندما رأيت جليل قد تقدم لخطبتها "
قال بسرعة :" لأني لم أكن أضع في الحسبان أن من الممكن أن يسبقني أحد "
قلت بحدة :" لو سبقك مهند أو سهيل في ذلك .. لما انفعلت هكذا .. ظننت أن جليل أقل من أن يتزوج فتاة أنت فكرت بالزواج منها .. أنت و مهند .. تحتقران جليل و تعتبران كل خطواته للتقدم هي خطوات أكبر من حجمه "
تنهد كمال .. فالتفتُ أنا لسهيل و مهند اللذان يتشاجران على العصا .. فقلت :" علاقة سهيل و مهند تطورت حتى أصبحت تقلقني و تزعجني ..بصراحة أشعر أنهما يخططان لإيذاء جليل "
هز كمال رأسه :" و أنا أيضا أشعر بما تشعر "
--
زرت أهلي مع زوجتي و ابنتي و انفردت مع أمي أخاطبها بهمس :"ما رأي هيام الآن ؟ "
تنهدت و قالت :" بصراحة .. هي تقول أنه معدوم الشخصية و ليس لديه ثقة بنفسه .. لكنها لازالت تفكر .."
نظرت لها مطولاً .. فأتممت :" أقنعتها أنها ربما تكون الفرصة الأخيرة و إن ضيعتها سوف تندم "
قلت بسرعة :" لا يا أمي .. دعيها على راحتها .."
و قلت في نفسي أنها لن تكون الفرصة الأخيرة .. بل الأولى .. من أربع فرص ..--



نظر جليل لمهند بغضب ثم قال بصوت مرتفع :" أنا من يجب أن تُعاد تربيته أم أنت.. شخص مثلك لا يعرف معنى الأدب و التربية فكيف يتحدث عنها .. إذ كان لم يتربى عند أهله .. "

=

".. أنه إنسان مريض .. ليس جسدياً .. بل نفسياً .. يحاول أن يعيش أكاذيب و خرافات ..أنظر إليه .. أنظروا إليه جميعاً. . "

=

صاح كمال مستنكراً :" جليل ؟ .. أجننت ..؟ تطرد مهند من منزلك ؟ "

=

أردف بحدة :" مهند نفسه قذرة "

=

نظرت أنا لمهند الذي فتح ربطة عنقه بضيق ..ثم قال :" أتساءل هل أنا بهذا السوء "




وينج يا البنت الصغيرة ؟؟ ناطرتج


بوح قلم 11-04-11 08:13 AM

الجزء التاسع عشر
فكرت أن نجتمع في منزل جليل ..لكي تكون له فرصة للتبرير عن موقفه ..طبعاً عانيت كثيراً في للحصول على موافقة الشباب للحضور .. و كان أصعبهم مهند الذي يبدو حاقداً على جليل أشد الحقد .. أخيراً اجتمعنا في غرفة المجلس في منزل جليل ..للأسف كنت أنا الوحيد الذي يتحدث مع جليل .. فنظر هو لهم مستغرباً و قال على سبيل المزاح :
" ما بكم يا شباب .. أشكالكم تبدو مضحكة للغاية.. كمال بطريقة جلوسه و كأنه عائد من سباق المارثون "
و ضحك .. أما كمال فكان يشتعل أكثر فأكثر .. و أتمم جليل و هو ينظر لسهيل الذي يحوم هنا و هناك :
"و سهيل .. و كأنه على باب غرفة العمليات ينتظر زوجته تلد "
و ضحك .. فثار سهيل و صاح :" سخيفة للغاية "
تجاهل جليل نبرة سهيل الحادة و نظر لمهند .. الذي يدخن ..و ينظر له من طرف عين .. و قال :
" و مهند كما لو كان صائم طوال اليوم و قد فطر على هذه السيجارة، "
و ضحك ..نظرت لمهند الذي عض بأسنانه على سيجارته ثم أطفأها بسرعة و قال بحدة موجهاً أنظار حادة لجليل :
"جليل عزيزي .. أراك قد اكتسبت مرونة على التحدث .. من علمك ؟.. "
ابتسم جليل و لم يشتعل غضباً كالعادة و قال :" هي من علمتني .. "
مهند رمقه بنظرات أخافتني ثم قال باحتقار شديد :" طبيعي .. فأنت لن تكون بالنسبة لها سوى طالب في الابتدائية.. و عليها تعليمه الأحرف الأبجدية و لا تنسى أن تعيد تربيته من جديد "
نظر جليل لمهند بغضب ثم قال بصوت مرتفع :" أنا من يجب أن تُعاد تربيته أم أنت.. شخص مثلك لا يعرف معنى الأدب و التربية فكيف يتحدث عنها .. إذ كان لم يتربى عند أهله .. "
و أتمم بحدة و هو يوجه حديثه لنا :" ترى .. ماذا يعني أن يتبرأ الأهل من ابنهم و يتخلوا عنه و يرفضوا الصرف عليه أو زيارته .. هذا .. إن دل على شيء دل على سوء الابن لدرجة أن الأهل عجزوا عن تربيته .. "
و ابتسم قائلاً :" خصوصاً .. إن كان يتعمد إفساد زواج أخيه و تشويه سمعته .. و يتسبب بموت أخاه الآخر"
صاح سهيل بحدة :" أصمت جليل .. لا أسمح لك "
و قال مهند و قد احمر وجهه و التصق شعره على جبينه من العرق المتصبب :" جليل .. تدخلت مسبقاً في أموري مع أهلي و صمتتُ عنك مقدراً مشاعرك الرقيقة .. و اتصلت بوالدي و شكوت تصرفاتي عنده .. فصمتت كله لأجل مشاعرك .. لكني الآن أقول لك .. ليس لك دخل في هذه الأمور .. لأن هدفك فقط توتر العلاقة بيني و بين أهلي ... و هي متوترة بما فيه ....."
صحت به :" مهند .. كفى .. فلتتوقفا "
قال جليل مبتسماً :"دعه يا حسام .. يعبر عن ما يختلج بداخله من أكاذيب .. أنه إنسان مريض .. ليس جسدياً .. بل نفسياً .. يحاول أن يعيش أكاذيب و خرافات ..أنظر إليه .. أنظروا إليه جميعاً. . و كيف احمر وجهه و لمعت عيناه .. لا يريد منا الدخول في عالمه كي لا نكتشف حقيقته .. إنسان كهذا ؟ هل يستحق أن يفكر بالزواج من أي فتاة ؟ يريد أن يجني عليها ..شخصٌ لا يكترث بأي رابطة أسرية فهل سيهتم برابطة زوجية ..قد ظن أنه كون نفسه بعمله السخيف ذاك .. لم يكتشف بعد أن الخلل فيه.. في ذاته المتداخلة في بعضها و المنقلبة رأساً على عقب .. يخدع نفسه بنفسه .. يحاول إقناع نفسه أنه لا يستطيع قيادة السيارة .. لا يستطيع فعل كذا و كذا .. و يحمل مرضه كل المسؤولية .. "
مسح مهند جبينه من حبات العرق ..و عيناه لازلتا تلمعان و وجهه ملطخ بحمرة واضحة .. فقال جليل و هو يبستم :
" عزيزي مهند .. لا أريد منك أنك تتأثر من الحديث الذي سأقوله الآن .. لأنك دائماً كنت تقول لي أني لا أشكل لك سوى شخص لا يمكنك إلا تقديم له الشفقة فقط ..مهند .. أنا أخشى كثيراً على صداقتي مع حسام و كمال و سهيل ..لكني بصراحة لا أخشى على صداقتي معك بل أريد التخلص منها .. لذا .. حان الوقت .. "
و أشار للباب و قال :" هل يمكنك الخروج ؟ "
فتح مهند عينيه بصدمة ..و صاح كمال مستنكراً :" جليل ؟ .. أجننت ..؟ تطرد مهند من منزلك ؟ "
و انتفض سهيل غاضباً :" جليل.. فقت كل الحدود ... هدمت كل جسور المودة التي كانت تربطنا "
مهند كان لازال متسمراً ..ثم همس :" تطردني يا جليل "
و قال جليل :" و أقطع علاقتي بك "
صحت أنا به :" جليل ما بك ؟ بهذه البساطة "
أردف بحدة :" مهند نفسه قذرة .. لا أحد يعرفه جيداً مثلي ..و نحن الاثنان لن نستطيع أن نبقى نتقابل أكثر .. لأني أعلم أنه يكرهني و هو يعلم أني أكرهه ..و كلانا يتربص الآخر .. لذا لا داعي لهذه العلاقة "
نهض مهند بسرعة و قال :" حقاً .. معك حق .. كنت أنا أيضاً أفكر .. كيف لي أن أنهي علاقتي بك بدون أن يعلم أحد .. و دون أجرحك .. ليس مثلك .. أنت يا من يتحدث عن الأخلاق و القيم .. "
و خرج قائلاً :" حسام أنتظرك "
نظرت أنا جليل و صحت به بعتاب :" لماذا ؟ لم أتوقع هذا منك .."
قال منكساً رأسه :" هذا أمر بيني و بين مهند و لا داعي لهذا التأنيب يا حسام "
صرخت به :" شخص مثلك .. لا يستحق أن يكون زوجاً لأختي .."
رفع رأسه بسرعة .. و نظر لي بصدمة .. فقلت مؤكداً :" لن أسمح بأن يتم هذا الزواج .. "
و خرجت ..
=
دخلت مع مهند السيارة .. هنا رأيت سهيل يخرج من منزل جليل و يُقبل نحونا..عند اقترابه منا .. انحنى مخاطباً مهند :
" لا تقل لي أنك غاضب "
نظر له مهند و وجهه لازال محمراً ثم تنهد :" لا أبداً .. كان يجب أن تنتهي هذه العلاقة منذ زمن "
قال سهيل :" هيه .. جليل لم يكن يقصد أن يقطع علاقته بك لكن الحديث أخذ مجراه .. و كمال الآن يحادثه .."
و همس بأذني :" خطط لأي رحلة و نزهة لنحل هذه العقدة "
و اتجه نحو سيارته :" وداعاً "
نظرت أنا لمهند الذي فتح ربطة عنقه بضيق ..ثم قال :" أتساءل هل أنا بهذا السوء "
نظرت له طويلاً .. ثم تنهدت :" يبدو أنك تأثرت حقاً "
نظر لي متنهداً فقلت :" على فكرة جليل تغيرت نظرتي له تماماً و لن أسمح بأن يتزوج أختي .بدا أسوء مما كنت أتصور "
=
جاءت هيام و وضعت أمامي كأس العصير و جلست مبتسمة .. فسألتها بهمس :" ماذا الآن ما رأيك ؟ "
نكست رأسها خجلة فتنهدت أنا :" حدث شيء أوضح لي أخلاق سيئة لهذا الشاب فأحببت أن تكوني على علم "
نظرت لي مقطبة حاجبيها ثم قالت :" أخلاق سيئة ؟ "
" بصراحة .. نعم.."
" ماذا جرى ؟ "
تنهدت :" لا أستطيع إخبارك بالتفاصيل و لكنه يتبع أسلوب الخداع مع أصدقائه ..و مستعد ليضحي بعلاقات قديمة "
نظرت لي لبرهة ثم قالت:" إذاً لا أريده ما دام هكذا .. فالأخلاق أهم الأمور ثم أني كنت سأرفضه قبل أن تقول أنت هذا "



انزعجت كثيراً عندما سمعت من سهيل أن جليل لن يأتي إن كان مهند سيأتي بحكم أنه قطع علاقته به نهائياً

=

ظل مهند يرمقه طويلاً .. ثم زفر بتململ .. فالتفت له جليل بسرعة و قال :" ما بك ؟ هل الجلوس معنا يزعجك ؟"

=

حينها سمعت صوت جليل .. أتاني ضئيلاً مخنوقاً و غاب قبل أن أسمع الكلمات الأخيرة :" حسام .. ساعدني .. أني ........."

=

نظرت له بعمق .. فقال :" أظنها كانت ذكية و لها بعد نظر قوي للغاية .. و فتاة كهذه .. تجبرني على التمسك بها إلى آخر لحظة .. مجدداً أخبرك أني أنوي خطبة أختك .. و طبعاً بعد أن فهمت أن مواضيع كهذه لا تنفتح أمام الآخرين "




بوح قلم 11-04-11 08:13 AM

الجزء العشرين
بعد يومين اتصل بي جليل قائلاً :" حسام .. ما بك قد قاطعتني ؟ .."
صمتت لبرهة .. ثم قلت :"ألا يجب أن تعترف بخطئك و تعتذر ؟ "
تنهد :" قلت لك يا حسام ..الموضوع بيني و بين مهند و لا داعي لأن تتدخل .. و مهند نفسه لا ينتظر مني اعتذاراً "
صحت به بغضب :" لا داعي لأن أتدخل ؟.. فقط وددت أن أخبرك أن أختي رفضتك .. و ابحث عن فتاة أخرى "
صمت لفترة مصدوماً .. ثم صرخ :" لماذا ؟ و كيف ؟.. رباه .."
" قلت لك رفضت .. و هل علي جبرها ؟ "
صرخ :" كل هذا لأنني قطعت علاقتي بمهند ؟ هل ذلك يجعلك ترفضني كزوج لأختك ؟ .. يا لك من ظالم ؟ .. أنت فعلاً شخص انحيازي .. تنحاز لصديقك الحبيب مهند ..أنا لم .."
قاطعته بزمجرة قوية :" كفى جليل .. "
و أغلقت الخط ..و كنت فعلاً شخص ظالم في تلك اللحظة .. كان علي عدم الخلط بين ارتباط جليل بهيام و بين شجار جليل و مهند ..
=
مشيت في شوارع المدينة أسلم على هذا و أبتسم لذاك و أأكل البوظة.. .. وددت لو أشتري شيئاً لجمانة التي تبذل كل وسعها لإسعادي ..لكن طبعاً ..حياتنا لا تخلو من الخلافات ..مررت على المحلات فرأيت سهيل في المكتبة مع أخته ..دخلت المحل .. و ناديته :"سهيل "
استدار لي مبتسماً :" أهلاً حسام .."
و همس لأخته ببضع كلمات ثم اقترب مني و ضرب كتفي بقبضة يده :"هاه .. ماذا لديك ؟منذ متى و أنت تشتري كتباً"
ضحكت :" لا يا صاحبي .. فقط لمحتك فأحببت أن أحادثك .. هيا دبر لنا رحلة .. لكي تعود المياه لمجاريها ... فأنا أخبرت جليل أن أختي قد رفضته و أظنه في حالة سيئة "
فتح عينيه مصدوماً .. ثم ضحك :" أحقاً .. أحسنت ، أحسنت "
و ضمني بفرح ثم قال :" لن أدبر فقط رحلة بل رحلات .."
--
اتفقنا أن نذهب مع اثنين من أصدقاء كمال الجدد لرحلة للبحر مجدداً .. و الصعود قي القوارب و اختراق أمواج البحر .. انزعجت كثيراً عندما سمعت من سهيل أن جليل لن يأتي إن كان مهند سيأتي بحكم أنه قطع علاقته به نهائياً ..أما مهند لم يكترث ..و كذلك قال جليل أنه مكتئب للغاية و ليس له مزاج للرحلات ... اتصلت به .. فكان يصرخ بشعور غضب و حزن عميقين :" و هل تظن أنه سيتقبل رؤيتي أو أن أتقبل رؤيته ؟.. "
صحت به :" تغيرت كثيراً جليل .. مهند لم يقل ما قلته .."
زفر :" سوف تحدث مشكلة بيني و بينه حتماً .. و سنفسد عليكم الرحلة"
" قل الحقيقة ..كل هذا الغضب لأن أختي رفضتك "
صمت لفترة ثم صاح :" حطمتني يا حسام .."
" جليل .. تعال لنستمتع في الرحلة .."
صمت لفترة ثم تنهد :" حسناً "
=
بعد يومين جهزنا أنفسنا للرحلة و كمال و صديقيه و مهند في سيارة و أنا و جليل و سهيل في سيارة أخرى ..لاحظت أن جليل كان متوتر للغاية ..نظرت أنا لسيارة كمال التي تسير أمامنا و قلت :
" يبدو أن علاقة مهند بكمال قد عادت كما كانت "
زفر جليل و قال سهيل :" لا لم تعد كما كانت .. لكن صديقا كمال كانا زميلا مهند في الابتدائية و رغبا أن يصعد معهما "
و قال سهيل مخاطباً جليل :" ماذا الآن ؟ ألم تتصالحا ؟ "
أشاح جليل بوجهه غاضباً ..
..
في البحر كان لدينا قاربان .. صعد كمال و رفيقيه في قارب و نحن الأربعة في قارب .. رأيت أن مهند و جليل يرمقان بعضهما بحدة.. ابتسم سهيل و قال لترطيب الجو :" أتساءل لماذا لا تشاركنا الصيد يا جليل "
و دفع له الصنارة .. أمسك بها جليل .. ثم نظر لحاجياتنا التي وضعناها على الشاطئ .. و قال :
" بصراحة .. أنا لا أرتاح إذ لم أكن على كرسيي "
ظل مهند يرمقه طويلاً .. ثم زفر بتململ .. فالتفت له جليل بسرعة و قال :" ما بك ؟ هل الجلوس معنا يزعجك ؟"
قال سهيل :" ما بك يا جليل ؟ إنها مجرد زفرة "
أشاح مهند بوجهه ناحية البحر و انشغل بمراقبة خيط صنارته و إلى أين يذهب .. حينها اقترب منا قارب كمال و صديقيه صاح (رشاد ) و هو يسحب خيط صنارة سهيل الغارق في البحر :
"سهيل .. أترك عنك هذه الصنارة .. و لنتسابق في السباحة "
قال بضيق :" لا .. ليس لي مزاج لذلك "
مد رشاد يده و أمسك بقاربنا و قال :" سأقلب عليكم قاربكم اذاً "
ضحك مهند :" لن تستطيع "
ابتسم :" سترى "
و بكل قوته ظل يؤرجح القارب يميناً و شمالاً ..صحنا به :" كفى .."
ضحك قائلاً :" لم أنتهي "
و نهض ثم قفز ناحيتنا ..فانقلب القارب حقاً .. و انتشرنا في المياه ضاحكين .. و رأيت كمال قد احمر وجهه من شدة الضحك .. و سبح سهيل نحو رشاد .. حينها سمعت صوت جليل .. أتاني ضئيلاً مخنوقاً و غاب قبل أن أسمع الكلمات الأخيرة :" حسام .. ساعدني .. أني ........."
التفتت بسرعة لجليل .. تلف عقلي عندما رأيته يغرق .. صرخت :" جليل "
=
في منزل ( حسن ) صديق كمال الآخر .. اجتمعنا بعد أن عدنا من تلك الرحلة .._ الكئيبة _.. رأيت جليل منكس رأسه بصمت ..نظر إليه رشاد ثم قال :" آسف جليل .. لم أكن أقصد .."
و قال سهيل :" لم يحدث شيء جليل .. أنت من أرعبت نفسك "
و قال مهند بنبرة مستفزة حقاً :" جليل .. إن كنت لا تتحمل مثل هذه الرحلات .. لماذا لم تقل من البداية ؟"
التفت جليل له بسرعة و لمعت نظرة غيظ واضحة للغاية ثم خاطبني :" حسام .. أريد العودة لمنزلي "
=
في يوم من الأيام .. كنت أسير مع كمال و مهند في الممشى القريب للعمارة التي يسكن فيها مهند ..كمال كان يصمت بشكل يوحي أنه ليس مرتاح أبداً ..انشغلت أنا بالحديث مع مهند .. فأمسك كمال بمهند و خاطبه مرتبكاً :
" أ .. مهند .. قلت لي أنك تنوي زيارة صديقنا القديم مازن ..لماذا لا تزوره الآن ؟ "
رمقه مهند بعمق ثم همس :" أعلم أنك تريدني أن أغادر بأي شكل .. أنا سأعود لشقتي "
و نظر لي قائلاً :" و خذا راحتكما في الحديث "
و مشى مغادراً .. نظر لي كمال متنهداً :" حمداً لله أنه فهم ما قصدته "
نظرت له مستغرباً :" و ما الذي قصدته "
زفر منزعجاً :" تعال لنجلس على تلك المقاعد "
و اتجهنا نحوها و جلسنا متقابلان .. نظر لي محرجاً .. ثم قال :" أختك رفضت جليل أليس كذلك ؟ "
نظرت له بعمق .. فقال :" أظنها كانت ذكية و لها بعد نظر قوي للغاية .. و فتاة كهذه .. تجبرني على التمسك بها إلى آخر لحظة .. مجدداً أخبرك أني أنوي خطبة أختك .. و طبعاً بعد أن فهمت أن مواضيع كهذه لا تنفتح أمام الآخرين "
حملقت به بحدة ..ثم غرقت في تفكير عميق ..كان هو يرصد كل لمحة تبرز على وجهي و ينتظر أي كلمة تصدر مني بترقب شديد ..رفعت رأسي و نظرت له ..لا أدري لماذا أشعر بضيق كلما قال كمال أنه سيتقدم لخطبة أختي .. ربما لأنه ليس واضحاً تماماً ..قلت متنهداً :" لماذا لا تنتظر اسبوعين .. ريثما تأخذ أختي نفسها .. أنت تعلم أنها خرجت من تجربة منذ أيام قلائل .. و مشاعرها مضطربة حالياً و لن تحصل على نتيجة تسرك "



لكن الذي قصفني حقاً هي تلك الجملة و هي تصدر من سهيل بكل خجل و انسيابية :
" حسام .. أنا .. لدي موضوع حساس أريد التحدث معك فيه .. أنوي أن أتقدم لأختك بما أن الأمور قد هدأت"

==

المشكلة أن مهند ملامحه تفضح ما يشعر به ..

==

" مهند ؟ أريد معرفة مقدار قوة علاقتنا "

==

و أبعد يدي عنه و نهض و استدار لي قائلاً :" لست مضطراً أن أضع نفسي في مثل هذا الموقف .. ليس لي مصلحة في أن أخفي عليك شيئاً .. ربما يعود بالضرر عليك أو بأختك "




بوح قلم 11-04-11 08:14 AM

الجزء الواحد و العشرون
زادت حدة شجاراتي مع جمانة لحد أنها طلبت الطلاق عدة مرات ..و خلود بدت متأثرة جداً بتأزم العلاقة بين والديها ..و في مرة من المرات أقفلت جمانة الباب و لم تسمح لي بدخول الشقة .. و كنت قد تأخرت حتى الساعة الحادية عشر ليلاً .. و في الفترة الأخيرة لم أكن أحمل معي مفتاح الشقة .. فلجأت لمهند و بت تلك الليلة عنده و سهرنا حتى الساعة الثالثة صباحاً نتحدث عن أمور شتى .. و الحديث اتخذ مجراه مما انفلتت من الكلمات دون أن أشعر:
" كمال تقدم لخطبة أختي مجدداً "
انزلقت الأوراق من يديه .. و انتشرت في الغرفة إثر هواء المكيف .. نظر لي لفترة مصدوماً..ثم همس :" بهذه السرعة ؟ "
انحينت لأجمع الأوراق قائلاً:"بعد اسبوعين سأسأل أختي أظنها تحتاج لفترة لتستقر مشاعرها بعد خوضها لتلك التجربة "
انحنى هو لجمع الأوراق لكنه عزف عن ذلك ..و رمى بجسده على المقعد و ظل يتأملني و أنا أجمع الأوراق ..
و قد برزت حبات العرق على وجهه المحمر و التصق شعره بوجهه مبللاً بالعرق ..المشكلة أن مهند ملامحه تفضح ما يشعر به .. جاءني صوته مخنوقاً :
"هل ستوافق ؟ "
رفعت رأسي و نظرت له .. ثم همست :" أظن ذلك .. فكمال كامل من جميع النواحي "
نظر لي طويلاً ..ثم خفض من نظراته .. انشغلت أنا بجمع الأوراق .. و عندما انتهيت .. نهضت و اتجهت نحوه .. وضعت الأوراق على الطاولة و نظرت له حيث ساهماً .. و هو يسند وجهه على كفه ..همست :
" مهند ؟ أريد معرفة مقدار قوة علاقتنا "
نظرت لي بعمق ثم قال :" قوة جبارة .."
صمتت كثيراً و أنا أتأمله .. ثم انحينت و همست :" إذ كانت علاقتنا قوية بهذا الشكل فأنت كأخي و الاخ يتمنى لأخيه كل خير .. و يحاول أن يدفع عنه كل شر عنه .. "
قطب حاجبيه :" إلى أين تريد الوصول ؟ حسام ؟ "
ابتسمت و أمسكت كتفه .. و قربت وجهي لوجهه و همست :
" أريد أن أعرف فقط .. ما الشيء الذي يعيب كمال و تريد اخفاءه عني "
تسمر مصدوماً .. ثم همس :" و من قال أن هناك شيء يعيب كمال أخفيه عنك "
نظرت له بحدة .. ثم ضربت الطاولة بقبضة يدي و صرخت بوجهه :" لا تحاول أن تخفي عني يا مهند .. هل جعلك كمال أن تقسم أن لا تخبرني .. ؟ حتى لو فعل ذلك سوف أجبرك على البوح بذلك السر ؟ "
ارتبك ..ثم همس :" أ.. ما بك حسام ؟ "
زمجرت :" لا تتهرب "
تأملني بخوف و ارتباك .. و نظر لأصابعي و هي تقبض على كتفه فقطب حاجبيه و قال بحدة :" أنت غريب فعلاً "
و أبعد يدي عنه و نهض و استدار لي قائلاً :" لست مضطراً أن أضع نفسي في مثل هذا الموقف .. ليس لي مصلحة في أن أخفي عليك شيئاً .. ربما يعود بالضرر عليك أو بأختك "
و قال بنبرة باستياء :" هل كنت تظن فعلاً أني سأدع ضرراً يصيبك أنت و أختك ؟ "
نظرت له مطولاً .. فقال متنهداً :" هناك أمور أعرفها عن كمال على أيام الثانوية و الجامعة .. أنت تعرف أننا كنا ثنائي مميز في المدرسة .. و الجامعة أيضاً .. و أعتقد أنه عدل عن فعل تلك الأفعال .."
نظرت له بعمق و قلت :" أية أفعال ؟ "
تنهد :" أفعال طائشة متعلقة بمرحلة المراهقة .. فهل ستحاسبه عليها ؟ "
انفعلت :" ما هي .. ؟ "
رمقني بحدة ثم قال :" لا يمكنني "
زفرت بضيق .. و همست :" يا لك من صعب ؟ "
نظر لي و قال :" الساعة متأخرة .. يستوجب أن أستيقظ غداً مبكراً "
و اتجه للحمام .. استوقفته :" مهند .. لازلت على صحبة مصعب .. صاحب الوجه المخيف ؟ "
همس :" نعم "
نظرته له بصدمة و هو يدخل الحمام ..لم أتوقع ذلك أبداً ..
=
في عصر اليوم التالي في صالون الحلاقة .. مع سهيل .. قلت أنا مخاطباً الحلاق مشيراً لسهيل :
" فلتقص له هذا الشعر الطويل المزعج ؟"
و نظرت لسهيل :" بصراحة شعرك الطويل المنساب لا يتناسب مع عضلاتك و وجهك "
صاح بي :" الشيء الوحيد الذي ربما يجذب زوجة المستقبل لي هو شعري .. فهل أقصه ؟ "
و ركز بكلامه على عبارة ( زوجة المستقبل ).. ثم قال :" مهند أخبرني منذ يومين أنه سيخاطر و سيقود السيارة بنفسه .. أظنه تأثر كثيراً بحديث جليل .."
نظرت له بصدمة :" يقود السيارة بنفسه ؟ "
ضحك سهيل :" نعم .. أتساءل إن كان سيستطيع أم لا ؟ "
صحت بحدة :" بالطبع لا يستطيع .. أنت تعلم أنه مصاب بالصرع "
"أوه يا حسام .. لا تصعبها .. "
قاطعته :" مهما تحسن .. هذا المرض أشبه بمرض أبدي لا يُشفى منه .. و إن قام بقيادة السيارة فأنه ينوي الانتحار "
" لكنه اليوم بدا مكتئباً .. لماذا يا ترى ؟ "
أنا لم أخبر سهيل أن كمال تقدم لخطبة أختي مجدداً .. و فضلت الصمت دفعاً لمزيد من الخلافات ..لكن الذي قصفني حقاً هي تلك الجملة و هي تصدر من سهيل بكل خجل و انسيابية :
" حسام .. أنا .. لدي موضوع حساس أريد التحدث معك فيه .. أنوي أن أتقدم لأختك بما أن الأمور قد هدأت"
--
ذهبت لمهند و أخبرته ..و ترجيته أن يحاول أن يقنع أحد الاثنين أن يؤجل فكرته لحين الآخر .. أنا لا أريد أن يعرف أحد منهما أن الآخر متقدم لأختي أيضاً ..لسوف تنفجر قنبلة من الخلافات ..بصراحة كمال عاثر الحظ لدرجة واضحة ..
مهند لم يكن بيده فعل شيء ..و أنا لا أستطيع التحدث لجليل الذي ابتعد عنا ..
=
ظللت أتأمل أختي هيام و هي تنحني بأنوثة و تلتقط عقدها الناعم من على الأرض .. و تعقده حول رقبتها ..و ترتب شعرها ثم تخاطبني بذلك الصوت الرقيق :" حسام .. ما بك ؟ "
هل أخبرها أن هناك اثنين يريدان خطبتها ؟ ..تنهدت :" لا شيء "
رن الهاتف .. فاتجهت هيام نحوه و رفعت السماعة ببطء و قربتها لأذنها و همست بصوت ناعم انسيابي انثوي :
" آلو .. مرحباً ..... ..؟ .. آ .. تريد حسام ؟ .. لحظة "
و نظرت لي :" حسام .. هناك من يريدك "
نهضت و سحبت منها سماعة الهاتف و أجبت :" أهلاً .. من معي ؟ "
جاءني سهيل و هو يلهث :" أنا سهيل "
" ما بك ؟ و كأنك في سباق مارثون؟ و لماذا لم تتصل على هاتفي"
" كان مغلقاً .. "
و قال بارتباك :"هل كانت من رفعت الهاتف هي أختك ؟ "
زمجرت :" سهيل ..!! لسوف أقتلك "
و منذ ذلك اليوم ترك سهيل الاتصال بي على هاتفي الخاص و ظل يتصل على هاتف المنزل .. و لم ينفك عن فعل ذلك برغم تهديداتي له ..
=
كمال استورد من الخارج كمية كبيرة من البضائع التي سيبيعها في محلاته .. و كان يتوقع نتائج جيدة .. أراه سعيداً للغاية ..و قد ركز علي أنه نسق شقته التي في منزل والده من حيث البنيان لكنه لم يعيد فرشها .. لأنه سيرى رأي أختي أولاً و كم كان سعيداً لدرجة لا تصدق ,, و قد حاول أن يربي له لحية و شارب لأن الفتيات حسب قوله لا يفضلن الرجل الذي يتنازل عن أي مظهر من مظاهر الرجولة ..باختصار أشعر أن كمال مندفع أكثر من تلك المرة ..
--
في صباح يوم ما .. دخلت المدرسة ممسكاً بيد صغيرتي خلود .. جمانة أصابت بارهاق شديد هذا الصباح و فضلت أن ترتاح في سريرها على أن أنقلها للمشفى و كان علي اصطحاب خلود معي للمدرسة ..انجذب إلي الكثيرين من الطلاب و المدرسين و المشرفين يسألوني عن خلود ..أخيراً جلست على مقعدي أمام مكتبي تاركاً خلود تجلس بجانبي ملاصقة لي و شغلتها بقلم و دفتر ترسم فيه ..قال سهيل :" و ماذا عن علاقتكما "
تنهدت :" ساكنة .. شجارات خفيفة "
رمقني بعمق ثم قال :" أنا .. جهزت نفسي و أخبرت أمي أننا سنأتي لخطبة أختك "
نظرت له بحدة .. ثم خفضت من نظرات .. و كان ينتظر مني جواباً واضحاً ...فزفرت بقوة :
" لا بأس "


استدار لي و قال بحدة :" يكفي .. أنت ليس لك الحق بتأنيبي بهذه الطريقة و أنا حر في تصرفاتي "

=

ثم قلت بندم :" لقد ضربت رأسه عدة مرات .. أنه يخضع لفحص دقيق .. أنا متأكد أنهم سيزيدون جرعة دواءه ..و أتمنى ألا يرقد مدة أطول .. لا أدري إلى أي درجة يمكن ان تتدنى حالته "

=

صاح :" بغض النظر عن ما فعله لا يحق له ايذاءه بهذا الشكل و أنت تعلم أنه مريض "
و أتمم :" بصراحة أنت حسام تعامله دائماً بشدة و لا تكترث لحالته .. صحيح أنكما قريبان لبعضكما لكن بالرغم من هذا لا يحق له التدخل في حياته و التحكم به بهذه الطريقة .. "

=

و قال بسرعة :" متى سيأتي يوم الاثنين .. ؟ و ماذا تتوقع أن يكون رد المحروسة ؟"




بوح قلم 11-04-11 08:15 AM

الجزء الثاني و العشرون
رأيت مرة مهند في سيارة فخمة للغاية يقودها .. توقفت مكاني متسمراً .. كان بجانبه ذلك الإنسان المزعج .. مصعب .. كان مهند يقود السيارة بسرعة و قد مرت أمامي بلمح البصر .. ارتفعت الدماء لوجهي .. لماذا يا مهند ؟ لماذا تخاطر بحياتك ..و أنت تعلم أن قيادة السيارة هو خطر كبير بالنسبة لك كمريض بمرض الصرع .. كله بسبب ذلك المصعب ..
بجنون أخرجت من جيبي الهاتف و ضغطت الأزرار مسرعاً .. و قربت الهاتف من أذني .. أجابني :
" أهلاً حسام كيف حالـ...... "
زمجرت به :" توقف مكانك .. ! توقف مكانك .. "
قال بارتباك :" ماذا تقول ؟ أتوقف مكاني ؟"
صرخت به:" نعم ..تقود السيارة أيها المجنون ؟ لسوف أريك "
=
دخل شقته مغتاظاً .. :" و كيف تتصرف هكذا معي أمام الناس ؟ "
دخل الشقة و أقفلت من ورائي الباب و زمجرت :" أنت شخص عديم الاحساس و المسؤولية .. أنت "
استدار لي و قال بحدة :" يكفي .. أنت ليس لك الحق بتأنيبي بهذه الطريقة و أنا حر في تصرفاتي "
قبضت على قميصه و صرخت غضباً :" لست حراً .. إذا كنت لازلت تتصرف كمراهق أبله ..لا يعرف مصلحته "
أبعد يدي عن قميصه بقوة و صاح مشتعلاً :" ليس لديك الحق في أن تعارك مصعب في الطريق و الصراخ بوجهي و التلفظ بتلك الألفاظ أمام الناس ..حتى لو كنت أفعل شيئاً يضر بصحتي أنا أعلم جيداً ماذا أفعل و ليس لك دخل بي "
صرخت به بقوة :" جاهل .. أبله .."
و شددته من قميصه فنظر لي بنظرة مرعبة ..و بدأنا عراكاً مخيفاً جنونياً ..
=
وقفت في ممر في المستشفى أنتظر كمال .. نظرت لغرفة الفحص بقلق و ندم .. وتنهدت ..هنا رأيت كمال من بعيد يهرول ناحيتي .. أقبل لي و هو يلهث :" النوبة مجدداً "
نكست رأسي :" نعم .. و هذه المرة بسببي "
تسمر كمال و هو يرمقني بصدمة .. ثم قال :" بسببك ؟ "
تنهدت :" تعاركنا عراكاً .. لم ينتهي إلا بالنوبة "
صاح بي كمال :" لماذا شاجرته ؟ أنه مريض "
عضضت على شفتي .. ثم قلت :" بدأ عراكاً بسيطاً لكنه سبب لي جروح عميقة ففقدت عقلي "
و زفرت :" أنه يتصرف كالأبله مما يدفعني للصراخ بوجهه فيغضب و يبدأ العراك "
ثم قلت بندم :" لقد ضربت رأسه عدة مرات .. أنه يخضع لفحص دقيق .. أنا متأكد أنهم سيزيدون جرعة دواءه ..و أتمنى ألا يرقد مدة أطول .. لا أدري إلى أي درجة يمكن ان تتدنى حالته "
نظر كمال للساعة و قال :" اذهب لمنزلك الآن و أنا سأنتظر نتيجة الفحص .. و سأبشرك "
نظرت أنا للغرفة ثم زفرت :" إن تحسن قل له بأني آسف "
--
الصاعقة ! .. مهند دخل في غيبوبة و لم يستفيق منها حتى ثلاثة أيام و ها هو تحت العناية المشددة و كمال مشغول به .. و ترك محله لأبيه ..لم أكن أظن أن غياب هذان الاثنان سوف يغير أمور كثيرة ..
سهيل تقدم لخطبة أختي و أبي وافق !!!!!!!!!
..
بالطبع ستأسألوني كيف وافقت أنا ؟.. و كمال هو من طلب خطبة أختي أولاً.. هذه تعتبر خيانة .. لكني لم أعلم ..ماذا سأقول لسهيل الذي بدا مصراً على هذا الموضوع .. والدي أعجب به لدرجة كبيرة و أمي مستغربة و مندهشة من أن رجل آخر تقدم لأختي من أصدقائي و لم تمر فترة طويلة على رفض الأول و شكت أني أعرض على أصدقائي خطبة أختي .. هيام .. لم تظهر أي وجهة نظر ..
و حددنا موعداً للمقابلة .. و كم بدا سهيل متحمساً .. ففي يوم من الأيام حننت لجليل فزرته في منزله ..قال مصدوماً :
" سهيل تقدم لأختك ؟"
" ما رأيك به ؟ "
تنهد :" أنا لا أعرفه أكثر منك.. لكنه رجل ممتاز إلا أنه عصبي "
" أنا سأدع القرار لأختي "
و استدركت :" ألم تعلم ما حل بمهند "
قطب حاجبيه :" ماذا حدث ؟ "
" أمعقول أن كمال لم يخبرك ؟ "
زفر :" كمال و مهند و سهيل كلهم قد قاطعوني .. "
تنهدت :" تشاجرت مع مهند فأصيب بنوبته و دخل في غيبوبة "
صُعق ! ..ثم صرخ منفعلاً :" دخل في غيبوبة ؟ ماذا تقول حسام ؟ أأنت جاد ؟ "
نكست رأسي :" بصراحة أنا نادم على فعلت .. إلا أنه كان مخطئاً .. أتعلم أنه قاد السيارة "
صاح :" بغض النظر عن ما فعله لا يحق له ايذاءه بهذا الشكل و أنت تعلم أنه مريض "
و أتمم :" بصراحة أنت حسام تعامله دائماً بشدة و لا تكترث لحالته .. صحيح أنكما قريبان لبعضكما لكن بالرغم من هذا لا يحق له التدخل في حياته و التحكم به بهذه الطريقة .. "
" أراك تدافع عنه ؟ "
" هل حالته مستقرة حالياً ؟"
" مم .. لا أدري "
==
بينما كنت في المدرسة أصحح أوراق الاختبارات الخاصة للطلاب .. و سهيل يرمقني و هو على مكتبه ثم يقول :
" أكرهك يا حسام إن أصبحت مملاً .. تكلم "
تنهدت :" أتكلم في ماذا .. أها .. اتصلت بكمال و سألته عن مهند فأخبرني أن لا جديد و يقول الطبيب أن "
قاطعني :" تكلم عن أشياء سعيدة.. تبهج النفوس و تسر القلوب و تزرع الابتسامات "
ضحكت :" يا الله .. ما بك هذه الأيام ؟ "
ابتسم و هو ينظر لي من طرف عين :" غارق في السعادة .."
و قال بسرعة :" متى سيأتي يوم الاثنين .. ؟ و ماذا تتوقع أن يكون رد المحروسة ؟"
قلت مبتسماً :" أتعلم أن جليل سألني نفس السؤال يوم تقدم لأختي ؟ "
قال منزعجاً :" و ما دخل جليل .. أنت تتهرب من أسألتي "
تنهدت :" لن أجيبك .. و ستأتي معي لزيارة مهند "

..
فتحنا الباب بهدوء .. فرأيت بجانب السرير تجلس امرأة مسنة .. تمسح على جسد مهند المزرق .. همس سهيل بأذني :
" أهذه والدته ؟ لسوف أحقق معها "
تنحنت .. فالتفتت لنا الامراة و ابتسمت :" تفضلا .."
اقتربنا و جلسنا على المقاعد المجاورة للسرير من الجهة الأخرى ..تأملت أنا وجه مهند .. سكون يوجعني .. نظرت للمصل و لشاشة تخطيط القلب و لأجهزة التنفس ثم عدت أنظر لوجه مهند .. جفنيه مزرقان و كذلك حول فمه ..و تأملت الكدمة التي سببتها له في جبينه ..قالت والدته بأسى :" ظننت أنه عاد لرشده و اتزن .. "
قال سهيل :" برغم كل شيء الانسان يحتاج لأسرة يعيش بينها "
تنهدت والدته :" هداه الله و عافاه .."
عاد سهيل يقول و كأنه مصر على فتح نقاش حاد مع والدة مهند :" لماذا لا تصفحون عنه و يعود بينكم ؟"
نكست هي رأسها :" أباه و أخاه لا يقتنعان أبداً .. و هو أيضاً لن يأتي للاعتذار "
قال سهيل :" ما السبب الذي دفع أخاه و أباه يقاطعونه .. ماذا فعل مهند بالضبط "
تنهدت :" سامحه الله على فعل .. "
فانفعل سهيل :" ماذا فعل ؟ "
قرصته أنا و همست :" على رسلك "
قالت هي بحزن ففطرت قلبي :" قال الطبيب أنه سيجري له جراحة برأسه إن طالت مدة غيبوبته .. "
نظرت أنا لمهند .. ملامحه تبدو مشدودة .. لم يكن مرتاحاً ..و شعره ملتصق بجيبنه إثر العرق.. مسحت على يده ..
ثم تنهدت و همست :" آسف يا سيد قزم "



" لسوف تحدث كارثة كبيرة ستفسد هذا الزواج و سترى .."

==

هيام وافقت على سهيل كزوج !!! سهيل طار من الفرحة ..

==

صرخ منفعلاً :" أنت تعلم أني انشغلت بمهند و سوف أكون حقيراً .. إذ تركت صديقي في غيبوبة و على وشك اجراء جراحة مصيرية و رحت أفكر بالخطوبة .. الآن أنظر لسهيل و تفاهته .. لم يزر مهند إلا مرة ..و انشغل بالتخطيط للخطوبة و غيره ..شخص أناني لا يبالي بأي صديق له .. هل هذا الذي يستحق أختك يا حسام ؟! "

==

اقتربت منه و أنا أضحك و قلت :" لا .. و لكنك تبدو غريباً للغاية و مضحكاً"




بوح قلم 11-04-11 08:16 AM

الجزء الثالث و العشرون
سريعاً أقبل يوم الاثنين .. و أكرر .. أن كمال لا يعلم بموضوع الخطبة لحد الآن .. و كم أشعر بتأنيب الضمير .. بدأت الخادمات بالتنظيف و الكنس .. اتجهت أنا نحو أمي الجالسة في المطبخ .. أقدمت نحوها و قبلت رأسها و قلت :
" كيف حال هيام ؟ "
ابتسمت :" قصدك العروس ؟ أنها لدى مصففة الشعر ؟ .. "
" لن تأتي من النساء إلا والدته .. فلماذا كل هذا التكليف ؟ "
" ماذا تقول حسام .. ألا يجب أن تبرز هيام جمالها ؟ .. "
هنا نادتني جمانة :" حسام تعال "
اقتربت منها :" ما بك ؟ "
تنهدت :" لماذا أتينا في هذا الوقت ؟ أنا أريد أن أعود للشقة مع خلود "
قطبت حاجباي :" اطلبي ذلك من السائق أنا سأظل هنا "
صاحت بي بحدة :" حسام .. أنا زوجتك .. اهتم بي و لو قليلاً "
استدرت و قلت :" إذا كانت زوجتي لا تهتم بما أهتم .. فلن أهتم بها "
هنا دخلت هيام المنزل و هي تزيح خمارها عن وجهها المليء بالمساحيق .. ابتسمت :" أهلاً حسام"
اقتربت منها جمانة مبتسمة :" ما هذا الجمال يا هيام ؟ سوف يطير عقل والدته "
مر الوقت ..و هيام تتحدث مع جمانة التي تنصحها و تخبرها عن تجربتها ..و كنت أقول في نفسي ساخراً ( و نعم المعلم ).. حتى حل الليل .. و هدأنا جميعاً ننتظر قدوم العريس .. و هو صديقي سهيل و لم تتوقف أمي عن سؤالي عنه .. كم عمره ؟ أهو متدين ؟ كيف رغب بالتقدم لهيام .. و .. و ....
=
في اليوم التالي .. و أنا على مكتبي .. دخل سهيل منفعلاً :" حسام !! "
و أقبل و سحب كرسيه و وضعه أمامي و قال بحماس :" ماذا قالت المحروسة ؟"
تنهدت :" ليس من عادتي سؤالها بعد المقابلة مباشرة .. تركناها تفكر ملياً بدون أي ضغوطات "
ابتسم :" أنا شعرت أنها أعجبت بي .. قالت لي أن من الجيد أن يتحمل الرجل مسؤولية أخواته و أمه و أباه المريض .. "
ثم خفض من نظراته :" لكنها انتقدت شعري و قالت أن الرجل يجب أن لا يتعدى شعره رقبته .. لكني سأقصه اليوم "
قلت بدهشة :" أحقاً .. جيد "
قال مستنكراً :" ماذا ؟ إذاً أنت تملك نفس الرأي .. لماذا لم تنصحني "
" نصحتك و لا تنكر يا سهيل .. "
ثم قلت :" سهيل .. ألا يجب أن نخبر كمال الآن "
قال بسرعة :" لا .. لا .. بعد أن يصدر القرار النهائي من المحروسة نخبره بكل شيء .. و أنا أفضل أن ننتظر إلى أن يستيقظ مهند من غيبوبته .. فنخبر الاثنين دفعة واحدة "
=
و أنا أجول في الأسواق بصحبة جليل ..خاطبني :" و وافقت ؟ "
" لديها اسبوع كامل لتحدد .. لكني أعتقد أنها ستوافق .. خصوصاً بأن سهيل نال استحسان الجميع "
همس :" لم تخبر كمال أليس كذلك ؟ "
تنهدت :" نعم "
" لسوف تحدث كارثة كبيرة ستفسد هذا الزواج و سترى .."
" نحن ننتظر إلى أن يستفيق مهند من غيبوبته فنخبر الاثنان .. "
ضحك بسخرية :" كمال حينها سيجن و مهند سيعود لغيبوبته "
=
في يوم آخر دخلت غرفة المكتب .. فصعقت بسهيل قد حلق شعره بأكمله .. تسمرت لبرهة ! ثم غرقت في نوبة ضحك طويلة .. صاح بي محرجاً .. :" ما بك ؟ أأبدو بشعاً "
اقتربت منه و أنا أضحك و قلت :" لا .. و لكنك تبدو غريباً للغاية و مضحكاً"
قال غاضباً :" مضحكاً؟ أليس هذا ما طلبته المحروسة ؟"
تنهدت مبتسماً :"نعم .. و لكنها لم تقصد أن تحلقه لهذا الحد ؟ ..لسوف ترفضك "
نظر لي مصدوماً :" ترفضني ؟ أأنت جاد ؟ "
رن هاتفي .. فكان كمال !! نظرت لسهيل بصدمة ثم قلت :" أنه كمال "
قال منفعلاً :" لا تخبره بشيء .. "
رفعت الهاتف و أجبت :" أهلاً كمال كيف حالك ؟ "
" بخير .. ما بك يا رجل .. لا أراك .. ما رأيكم في أن نجتمع نحن الأربعة على وجبة غداء .. و "
قاطعته :" وجبة غداء ؟ لا أستطيع ..فزوجتي وعدتني بطعام مميز هذا النهار "
" حسناً لا بأس "
"ما حال مهند ؟ "
" الطبيب يتوقع أنه سيحتاج للجراحة .. "
" ألم تظهر عليه مظاهر للتحسن "
" لا .. لازال على ما هو عليه .. و الآن وداعاً "
=
مرت الأيام حتى صدر القرار أخيراً .. هيام وافقت على سهيل كزوج !!! سهيل طار من الفرحة .. و حُدد موعد ليتناقش أبي معه على الشبكة و المهر و إلى آخره .. لم أخبر كمال بعد و مهند لم يستفيق من غيبوبته ..و جليل فرح كثيراً لخبر موافقة أختي على سهيل .. ظننته حاقد عليه ..لأنه أخذ منه الفتاة التي كان يود أن يخطبها .. لكن جليل قلبه أبيض و صاف .. الخوف الأكبر من كمال و مهند ..
هيام من ناحيتها متوجسة .. و تشعر أنها لم تتعرف جيداً على سهيل .. لقد سألتني كثيراً عنه و لم تكتفي ..
و بعد أن تم الاتفاق على المهر و الشبكة و موعد الزفاف .. قرر سهيل أن نخبر كمال و مهند الذي يسعدني أقول أنه استيقظ من غيبوبته و يؤسفني أن أقول أني لم أزره لحد الآن .. فقررنا أن نذهب نحن الأربعة لزيارته و في الآن نفسه نخبره و نخبر كمال بما حدث من ورائهما ..
وجه مهند آنذاك بدا متورداً و حيوياً .. و ذهبت تلك الزرقة التي كانت توحي أنه على حافة الموت ..جلسنا حوله و انشغلنا بالحديث عدا عن سهيل الذي يرتب كلماته و يستعد لقول ما عنده .. أخيراً تنهد و قال :
" مهند و كمال .. لدي خبر لكما .. أنا .. "
كانا ينتظران ما يقوله ببرود غير مدركان مدى حجم الكآبة التي ستسيطر عليهما بعد سماعه .. أغمض سهيل عينيه و قال أخيراً :" أنا .. تقدمت لخطبة أخت حسام .. و .. وافقت "
=
و أنا أسير مع كمال الذي يصرخ بي قائلاً :" حسام !!! فعلتها مجدداً .. خنتني ؟ رباه .. الآن عرفت أنك لست صديقي "
و نظر لي بحزن :" لماذا ؟ هل هناك شيء يعيبني لتفعل أي شيء فقط لكي لا أتقدم أنا لخطبة أختك "
و شدني من قميصي صارخاً :" يا لك من حقير تافه "
أبعدت يده عن قميصي و صرخت :" لأنك غامض .. و حقيقة .. لأنك لست مندفعاً للزواج "
صرخ منفعلاً :" أنت تعلم أني انشغلت بمهند و سوف أكون حقيراً .. إذ تركت صديقي في غيبوبة و على وشك اجراء جراحة مصيرية و رحت أفكر بالخطوبة .. الآن أنظر لسهيل و تفاهته .. لم يزر مهند إلا مرة ..و انشغل بالتخطيط للخطوبة و غيره ..شخص أناني لا يبالي بأي صديق له .. هل هذا الذي يستحق أختك يا حسام ؟! "
و قال بأسى :" لم أتوقعك هكذا "
..
بعد اسبوع و في شقة مهند حيث أنه خرج من المشفى .. رمقني بحدة .. ثم اتجه للصالة .. جلست مقابلاً له و قلت :
" ما بك ؟ أنت أيضاً مستاء لأنني وافقت على سهيل زوجاً لأختي ؟ "
تنهد :" كنت مخطئاً يا حسام "
رباه ! ..



".. فهل هناك شخصاً يستيقظ من غيبوبة كاد أن يموت فيها يفكر بعدها بالزواج ؟.. "

=

" الفتاة التي رأيناه أثناء عودتنا من تلك الرحلة المرعبة و صعد خلفها رجل في سيارتها و قمنا باللحاق بها فانقلبت عليها سيارتها .. ألم تقل لي أنها وُظفت في شركة الخياطة التي تعمل فيها و قد شكرتك كثيراً .. و قلت لي أنها منجذبة لك .. لماذا لا تتقدم لخطبتها "

=

ترى لماذا لا يتقدم لخطبتها .. دام أن أختي قد انخطبت لسهيل ؟

=

غمزت له و قلت :" لا يا عزيزي يا مهند .. هذا ليس مجرد احترام .. لأول مرة تعجب بك فتاة "

بوح قلم 11-04-11 08:17 AM

الجزء الرابع و العشرون

بالكاد تمكنت من اقناع الاثنين على أن نجتمع على وجبة غداء نحن الخمسة و نتفاهم .. جلسنا نحن الأربعة حول طاولة الطعام ننتظر سهيل ..مهند كان يأبى أن ينبس ببنت شفة .. و كمال كان يشاجرني :
" تريدني أن أسامحك و أسامحه ؟ ربما أسامحه لكني لن أسامحك "
نكست رأسي .. فقال جليل :" كمال كفى .."
صاح كمال :" هذه تفرقة عنصرية .. أريد أن أعرف فقط هل سهيل أفضل مني حقاً .. هل رأيتني أدخن مثلاً أو أصاحب الفتيات أو أشرب الخمرة أو تراني عاطل عن العمل أم تراني قبيح الوجه .. ما الذي يعيبني يا حسام "
نظرت لمهند و تنهدت :" الذي جعلني أرفضك هو أنني لا أعرف ما يعيبك .. و السبب مهند "
قال مهند بسرعة :" هيه ..هيه .. و ما دخلي أنا ؟ أنا قلت لك أن لاشيء يعيبه عدا عن أفعال كان يفعلها أيام الجامعة و الثانوية .."
نظر كمال لمهند و قال مستنكراً :" ماذا ؟!! "
قال جليل :" ها هو سهيل قد أقبل .. "
جميعنا نظرنا إليه و هو يمشي ناحيتنا مبتسماً .. اقترب و سحب كرسي و وقف بين مهند و كمال و قال :" أفسحا "
ابتعد كمال بكرسيه متنهداً .. و كذلك فعل مهند و هو مستاء لدرجة واضحة .. فدفع سهيل بالكرسي و وضعه بين الاثنين و جلس ثم أخرج من جيبه بطاقات الدعوة لحفل الخطوبة .. رمى احداها لجليل و نظر لي قائلاً :" و أنت لا تحتاج "
ثم وضع بطاقة أمام كمال و أخرى أمام مهند .. قال كمال مستاءاً :" و تجرأ ؟ "
قال سهيل بسرعة :" لماذا لا أجرأ على ذلك .. فأنا تزوجت على سنة الله و رسوله .. و لم أتخذ وسيلة غير شرعية مثلاً .. و الزوجة ليست مجبورة و أنا لست مجبوراً فما الخطأ يا كمال ؟ "
زفر :" أراك قد جهزت أجوبتك "
تنهد مهند مستاءاً .. و نهض ..فأمسكه سهيل و قال :"لحظة .. مهند .. أنا هنا لأشرح لكم موقفي و لنتفاهم "
نظر له بحدة ثم قال :" تشرح ماذا ؟ تشرح كيف انتهزت فرصة غيابي و "
قاطعه سهيل :" أنت اجلس فقط و دعني أتحدث "
جلس مهند و أشعل سيجارة فقال سهيل :" اسمعا أنتما الاثنان .. أنا لم أنتهز فرصة غيابكما و لم أغدر بكما .. أعلم أنكما كنتما تخططان للزواج من أخت حسام لكنها أصبحت الآن مخطوبتي و لا أسمح أن تعاتباني على فعلت .. أنا أيضاً كنت شغوفاً بالزواج منها أكثر منكما .. مهند .. أنها أكبر منك و أنت تعلم أن حسام لن يوافق على زواجك منها .. خصوصاً أن أسرة حسام ضد التدخين و حالتك الصحية أيضاً لا تسمح لك بالزواج منها .. فهل هناك شخصاً يستيقظ من غيبوبة كاد أن يموت فيها يفكر بعدها بالزواج ؟.. "
زفر مهند فأتمم سهيل :" و أنت كمال .. لمح لك الكثيرون أن حسام لا يريدك زوجاً لأخته فهل الزواج بالجبر ؟ و أيضاً تعطي لنفسك الأحقية في معاتبة هذا و ذاك ..ثم أنها فتاة مثقفة و أنت لم تكمل الجامعة و ليس لديك إلا شهادة الثانوية"
ثم قال:" أرى نفسي الأنسب لأخت هيام .. مستواي الفكري و الثقافي يتناسب مع مستواها الفكري و الثقافي .. عمري يناسب عمرها .. طولي يناسب طولها يا مهند .. عملي يناسب عملها يا كمال .. عاداتي الحياتية تناسب عاداتها ..و لست متردداً من الزواج بها يا كمال و ليست لدي عاهة صحية يا مهند .. قبل أن تعاتبا حسام فكرا .. أليس سهيل يصلح زوجاً لتلك الفتاة التي تتقاذفان لخطبتها من دون تفكير "
و نظر لكمال و قال :" ابنة عمك محجوزة لك .. لماذا تفكر بغيرها ؟ "
و نظر لمهند و قال :" بما أن الفتاة التي صعد خلفها رجل في سيارتها أصبحت معك في عملك ؟ لماذا لا تتقدم لخطبتها "
قال مهند مقطباً حاجباه :"أي فتاة ؟ "
" الفتاة التي رأيناه أثناء عودتنا من تلك الرحلة المرعبة و صعد خلفها رجل في سيارتها و قمنا باللحاق بها فانقلبت عليها سيارتها .. ألم تقل لي أنها وُظفت في شركة الخياطة التي تعمل فيها و قد شكرتك كثيراً .. و قلت لي أنها منجذبة لك .. لماذا لا تتقدم لخطبتها "
قلت مندهشا :" حقاً معك في عملك "
قال مهند منزعجاً :" الآن لا تتهرب يا سهيل أنت تعلم أن هذه الفتاة كأختي "
قال سهيل :" على الأقل تناسب طولك "
أمسك مهند برأسه :" رباه "
قال سهيل :" باختصار ليس لديكما حجة للغضب .. و سوف تحضران حفل خطوبتي "
=

و في ليلة الخطوبة .. اجتمعت صالة الرجال بالحاضرين و سهيل يبدو أنيقاً بشوشاً .. لا يمكنكم تصور حجم السعادة الظاهرة عليه ..ضحك جليل :" من يصدق أن سهيل أصبح خاطب أخت حسام "
زفر مهند و قال كمال :" صحيح من كان يصدق أن يتزوج الفتاة التي كنت أنا أسعى للزواج بها "
صاح به جليل :" كمال .. سهيل الآن تزوج و انتهى الأمر و لا داعي لهذا الحديث "
قلت أنا :" هيا نسلم عليه "
قال مهند متنهداً :" أنا لن أذهب "
و قال كمال :" و كذلك أنا "
زفرت أنا و قلت مخاطباً نفسي :" رباه .. "
=
و مضت الأيام .. أصبح سهيل مهمل في عمله .. فأراه بين الفينة و أختها يتصل بأختي و يتحدث معها حتى يأتي المدير و يزجر به و يهزئه .. شعرت أنه سعيد جداً كون أختي خطيبته و هيام أيضاً سعيدة لكني أشعر أن شيئاً ما يعكر صفو حياتهما الجديدة و لم أكتشفه حتى الآن .. في نهاية الدوام يذهب هو لمنزل أهلي و يأخذ هيام و يتناولان غداؤهما في أحد المطاعم .. و لا يتركها في العصر فيذهبان للتسوق و لا يتركها في الليل فيذهبان لتناول العشاء .. و كل هذا يدل على أن لا شيء يجعلهما يملان من بعضهما و هذا ايجابي ..
في مرة من المرات زرت مهند في عمله .. فرأيته مشغول للغاية .. بقيت أراقبه .. و هو يشرح للخياطين خطة العمل الجديدة .. هنا لفت نظري مجيء تلك الفتاة .. لعلكم تذكرونها .. التي لاحقناها يوم رأينا رجل غريباً يصعد في سيارتها دون أن تنتبه .. اقتربت هي من مهند و ظلت تناقشه في أمر ما .. أنها أطول منها بقليل فقط
.. تناسبه للغاية .. ترى لماذا لا يتقدم لخطبتها .. دام أن أختي قد انخطبت لسهيل ؟
جاءتني رغبة جنونية .. نهضت و اتجهت نحوها و قلت منفعلاً :" مرحباً .. أتذكريني يا آنسة ؟ "
التفتت لي و قطبت حاجبيها و مهند ينظر لي من طرف عين .. قلت :" أنا صديق مهند الذي التقيتك في ذلك الشارع المظلم و نبهناك مراراً على وجود ذلك الرجل إلا أنك اتهتمينا بالانحراف و قلة التربية "
نظرت لي مبتسمة بخجل و نظرت لمهند :" معذرة لم أتذكرك .. أنا لا أتذكر إلا مهند في ذلك الوقت .. "
نظرت لمهند و غمزت له .. لا تتذكره إلا هو .. مؤكد أن هناك ثمة استلطاف بين هذان الاثنان .. قلت مبتسماً :
" اسمي حسام .. "
" و أنا رحاب .. تشرفت برؤيتك و أشكرك أنت مع كل أصدقائك لأنكم أنقذتموني من ذلك الرجل "
نظرت لمهند و قلت :" ما رأيك بالعمل في هذا المكان ؟"
قالت مبتسمة :" جميل للغاية و أنا سعيدة لكوني أعمل هنا "
" مؤكد أن مهند سيساعدك في كل شيء .. فلا تترددي من طلب أي شيء منه .. "
نظر لي مهند باستغراب و ابتسمت رحاب :" نعم .. مهند هو من ساعدني في التأقلم في هذا العمل فأنا أعمل تحت اشرافه .. و أنا ممتنة له كثيراً "
=
دخلنا السيارة .. فضحكت أنا منفعلاً :" آه يا مهند .. واضح أن رحاب هذه مهتمة لأمرك كثيراً .. كونك الفارس الشجاع الذي أنقذها من الأشرار .. "
تنهد :" ما بك حسام هذا النهار ؟ مؤكد أن تعاملني باحترام كونها تحت اشرافي "
غمزت له و قلت :" لا يا عزيزي يا مهند .. هذا ليس مجرد احترام .. لأول مرة تعجب بك فتاة "
قطب حاجبيه :" لأول مرة ؟ ماذا تقصد ؟ "
ضحكت و قلت:" لماذا لا تتقدم لخطبتها ؟ ؟.. أنها تناسبك كثيراً "
زفر :" شغل السيارة هيا .. "



عض على شفتيه و صرخ :" حسام .. أسكت أختك و إلا حطمت رأسها "

==

فصعقت بصرخات ابنتي خلود .. صحت بها مرتبكاً :" خلود ؟ خلود بنيتي ماذا دهاك ؟ "

==

شعرها منكوش بللته دموعها .. و وجهها محمر واضحة عليه آثار لصفعات مريعة ..و فستانها غير مرتب قد انتزعت شرائطه بقوة .. نظرت لي و صرخت بصوت مبحوح :" أبي ... "

==

شعرت أن هناك مصيبة وقعت .. خصوصاً عندما رأيت وجه جمانة المليء بالدموع و تلك العينين الحمراوتين ..




بوح قلم 11-04-11 08:18 AM

الجزء الخامس و العشرون
دخلت المنزل ..فرأيت هيام جالسة بعباءتها و خمارها الأسود ..اقتربت منها قائلاً :" مرحباً ..هيام .. تنتظرين سهيل "
قالت متنهدة :" خير أنك جئت .. هناك موضوع أحتاجك أن تتدخل فيه "
" خير إن شاء الله "
رن هاتفها .. فقالت :" ها هو سهيل .. تعال .. سنتناقش في المطعم"
=
حول طاولة الطعام قالت هيام و هي تنظر لسهيل بحدة :" حسام .. سهيل يريدني أن أستقيل من عملي في المجلة "
نظرت لسهيل الذي يشتعل غضباً .. صرخ بها حتى اجتمعت الأنظار لنا :
" أكان يجب أن تقولي لأخاك ؟ أنك ضعيفة الشخصية "
همست أنا به :" سهيل ..اخفض من صوتك نحن في مكان عام "
و قالت هيام :" لقد حاولت اقناعك مراراً .. لكنك جهزت مدافعك و صواريخك .. أنك صعب للغاية "
التفتت لي سهيل و قال :" أتعلم أن القائمون على تلك المجلة كلهم رجال عدا عنها هي و صديقتها .. و تريد مني ألا أعترض .. "
و قال موجهاً حديثه لها :" أنا لا أمنع عنك العمل .. و لكن .. ابحثي عن عمل ليس فيه رجال .. كمدرسة مثلاً "
قالت :" و حتى لو عملت في مدرسة ستقول الحارس .. أنا أعلم أنك غيور بشكل مزعج .. كيف لي أن أحتملك ؟"
عض على شفتيه و صرخ :" حسام .. أسكت أختك و إلا حطمت رأسها "
نظرت إليه بصدمة :" ما هذه الألفاظ و هذه النبرة الغير حضارية .. و كأنك خريج سجون .. ظننت أن معاملتك ستكون راقية كونك أستاذ مثقف .. يا لك من مخيف متخلف مزعج "
و نهضت قائلة :" حسام .. أريد العودة للمنزل "
=
و أنا أمشي في الممشى .. رأيت من بعيد اثنان .. أحدهما على كرسي متحرك و الذي يقوده شاب قصير القامة شعره يغطي أذنيه .. هذا جليل و مهند .. يلفتان النظر حقاً .. ابتسمت .. و اقتربت منهما.. و صحت :" هيه .. "
التفتا لي و ضحكا ..و اقتربا ..قلت ضاحكاً :" هاه .. ماذا تفعلان ؟ "
قال جليل :" مهند يريد أن يخفف من وزنه "
نظرت لمهند و قلت ضاحكاً :" لأجل رحاب أليس كذلك ؟ "
نظر لي بصدمة و قال :" حسام ؟ هل ستمسكها علي "
و قال جليل :" أي رحاب "
ضحكت :" ألم يقل لك .. تلك التي تعمل معه "
قال جليل :" التي رأيناها في ذلك الشارع المظلم "
فقلت أنا ساخراً :" جليل .. لو رأيتها كيف تعامله .. معاملة لا يستحقها أبداً "
ضربني مهند بقبضة يده و قال :" أيها المزعج "
قال جليل :" مهند .. ألم تسألها لماذا كانت تقود السيارة في ذلك الوقت ؟"
أجاب :" بلى سألتها .. و قالت أنها كانت عائدة من حفل زفاف و قد تاهت في الطريق فتأخرت "
ابتسمت :" أنها تقود السيارة يا مهند .. تناسبك كونك لا تستطيع قيادة السيارة و يمكنك الاعتماد عليها في توصيلك "
نظر لي من طرف عين ثم قال :" على فكرة أنا أخطط لأن أخصص لي سائق .."
قال جليل :" أوه رائع "
و قلت أنا ساخراً :" رحاب قالت لك ذلك ؟ "
نظر لي بغضب .. ثم تقدم و هو يدفع كرسي جليل قائلاً :" هيا يا جليل "
=
و سرحت .. في ذكريات الجامعة الممتعة .. و كيف تعرفت على جمانة .. ياه .. كم هي ذكريات مليئة بالأحداث .. أتذكر .. كنا نحن الثلاثة .. أنا مع مهند و كمال دائماً ما تكون محاظراتنا في نفس الغرف ..ونرى الأحداث التي تحدث لنا ,, جمانة كانت من الفتيات المجدات .. كنت أراها و هي تسأل الأستاذ و هي تعدل من نظارتها السميكة .. و أغض بصري مبتسماً .. و أقول في نفسي .. إن لم أتزوج هذه الفتاة سأموت .. و الآن أضحك على نفسي .. جمانة كانت محترمة للغاية و ذلك ما كان يشدني ناحيتها .. مهند و كمال كانا يسخران مني فكنت أتسمر بشكل ملحوظ إذ دخلت هي غرفة المحاظرة ..من ناحية أخرى مهند كان لديه قصص أخرى مع فتاة تسمى ( شيرين ) كانت حادة الطباع و عصبية .. مهند اعجب بها و لا أدري لماذا .. أثناء ما كان يعملان على مشروع ما .. كانت هي تعامله بحدة .. فمرة كنا نسير في الممر و نتحدث عن أمور شتى .. فاتصلت به و هزئته لأنه لم يكمل عمله في المشروع و كان وجهه يحمر بشكل ملحوظ ..هو و كمال كانا محط الأنظار لدى الفتيات .. لأنهما كان يصنعان جواً مميزاً في الفصل أما أنا كنت ألزم الصمت و أضحك على تصرف كمال أمام الأستاذة التي أعجب بها ..
في محاظرة علم النفس .. كان الدرس على ملامح الوجه و تأثيرها على الانطباع الأول .. و كان كمال هو من اختير لكي يتم التطبيق عليه .. و مهند اختير أيضاً للتطبيق عليه ..كمال قالوا أنهم منذ رأوه ظنوه رجل أوروبي منحرف .. و كم شعر بالأسى و الحزن .. مهند .. قالوا أنه قد بدا شاب لطيف بشوش من ملامحه الهادئة و المريحة ..
أتذكر حينها جرى حديث حاد بين الاثنين .. شعر كمال بحزن عميق و تفرقة عنصرية ..
أذكر أن مهند كان محط اعجاب الفتيات ..كونه وسيم و بشوش .. و قال لي مراراً أنه يفكر بالزواج من شيرين تلك الفتاة العصبية الحادة الطباع.. لكنها انخطبت .. أمور كثيرة أذكرها في أيام الجامعة ..
--
بينما كنت أتناول طعام العشاء مع سهيل و كمال ..رن هاتفي و كان رقم جمانة .. تنهدت و ضغطت زر الاجابة فصعقت بصرخات ابنتي خلود .. صحت بها مرتبكاً :" خلود ؟ خلود بنيتي ماذا دهاك ؟ "
ازدادت صرخاتها حدة و قالت باكية :" بابا .. بابا .. تعا.... "
و غاب صوتها و انقطع الخط .. فجننت .. و نهضت مرتبكاً من دون أن أكترث لنداءات كمال و سهيل .. و ركضت خارج المطعم ثم صعدت سيارتي و انطلقت بها .. و صار صوت خلود يتردد بأذني بل يكاد يصمها ..صوتها كان فيه رعب غريب .. أيمكن أن لصاً دخل الشقة و .. لحظة ..ربما نست جمانة أن تقفل الباب .. ؟ جمانة ؟ هل يمكن أن حدث لها مكروه ؟ رباه .. يكاد قلبي ..أمسكت برأسي و لم أستطيع التركيز أكثر في الطريق و خفت أن ينتهي بي الأمر بحادث ..فصرت أهدئ من نفسي و أطمئنها و خدعت نفسي بفكرة أن جمانة يمكن أنها خرجت من الشقة و تركت خلود في الشقة نائمة .. فلما استيقظت فزعت و اتصلت بي .. لكن خلود لا تتقن استعمال الهاتف ..رباه .. أشعر بلسعة حادة بصدري .. ربي اجعله خيرا ..
=
حقاً ! شعرت بطول الطريق .. و أحسست أني أسمع صوت احتضار ابنتي خلود ..و هذه الفكرة أرعبتني حقاً .. و أيضاً كنت أشعر أني سأصطدم بالرصيف أو بسيارة أو حتى عمود الكهرباء ..كنت متوتراً للغاية و فكرت أن أتصل بجمانة و أعلم أين هي .. لكن أصابعي كانت متجمدة من شدة الخوف .. أخيراً وصلت للعمارة و شعرت بقلبي سينفجر .. ترجلت من السيارة و خطيت خطواتي بثقل ..و دخلت العمارة .. و أخذت أصعد الدرجات خائفاً في المصير الذي ينتظرني و أخيراً وقفت أمام الشقة .. أخرجت المفتاح من جيبي ببطء .. و فتحته به الباب و يدي ترتجف ..
دفعت بالباب و دخلت بحذر أتلفت حولي خائفاً .. سمعت حينها صوت أنين بنيتي خلود و هو يأتي من غرفة النوم ..بسرعة اتجهت نحوها و فتحت الباب و أنا ألهث ذعراً .. راعني منظر جمانة و هو تضم بحجرها خلود التي تبدو و كأنها خرجت من حرب ثائرة عنيفة .. شعرها منكوش بللته دموعها .. و وجهها محمر واضحة عليه آثار لصفعات مريعة ..و فستانها غير مرتب قد انتزعت شرائطه بقوة .. نظرت لي و صرخت بصوت مبحوح :" أبي ... "
و نهضت فاستقبلتها بحجري و ضممتها بقوة .. و شعرت بها تقبض بأصابعها على قميصي تكاد تمزقه .. شعرت أن هناك مصيبة وقعت .. خصوصاً عندما رأيت وجه جمانة المليء بالدموع و تلك العينين الحمراوتين ..
همست :" ماذا جرى ؟ "
قالت خائفة :" سامحني "
صرخت بقوة :" أجيبي ... "
نظرت لي بنظرات خوف ممزوج بندم .. ثم نكست رأسها و همست :" أنت السبب "
..!!..



قالت منفعلة :" لا ، لا .. سهيل .. سهيل .. ضربني "

==

.. نظرت أنا لرحاب المتسمرة مكانها و في عينيها انكسار و ألم .. سأريك يا مهند .. أتريد أن تضيع عروس المستقبل عليك ..؟

==

خاطبتها لكي أخفف عنها :" آنسة رحاب ! لا تقولي أنك غاضبة من مهند .. فهو أحياناً يفقد أعصابه و لا يتحكم بما يقوله "

==

" بعد رحيلهم ..أصيب مهند باغماءة أشعرتني أنه يعاني ضغوط نفسية مريرة مع أسرته هذه .. لكني عندما سألته بالأمس عنهم .. اشتعل غضباً .. و وصفني بالمتطفلة ..منذ ذلك الوقت و هو عصبي المزاج"




بوح قلم 11-04-11 08:18 AM

الجزء السادس و العشرون
في منزل كمال .. في غرفة الضيوف .. كنت قد اصطحبت معي خلود التي أبت التي تظل مع والدتها .. قال كمال مقطباً حاجباه :" ماذا ؟!! "
قلت و أنا أمسح وجه خلود المخمش بأظافر حادة مؤذية .. و قلت :" نعم ..سأطلقها .. هي امرأة مجنونة .. تؤذي ابنتها فقط لكي تسمعني صوت بكاءها و لآتي لها ؟ "
نكس كمال رأسه :" بصراحة .. أظن أن زوجتك بحثت كثيراً عن الطريق المؤدي لقلبك .. لكنها لم تجد .. و وصل بها الأمر لأن تلفت انتباهك و لو عن طريق ابنتك .. أنك قاس عليها كثيراً .. فلا تكترث لها و لعواطفها .. تذكر ..أنها زوجتك .. أنها شريكة حياتك للأبد "
قلت بحدة :" و ماذا أفعل اذ كنت أكره تصرفاتها و نظراتها و معاملتها لي .. بصراحة أنا لا أعلم كيف تزوجتها .. هل كنت أظن أني سأهنئ بزوجة مثقفة ؟ "
و أتممت :" و عقلها الذي كان يعجبني تلاشى .. و ها أنا مصمم على أنفصل عنها "
" و ابنتك ؟ "
قلت بهمس :" ستكون برعاية أمي و أبي و أخوتي .. و حتماً سأبحث عن زوجة أخرى تناسبني و أرتاح لها "
نظر لي كمال طويلاً .. ثم تنهد :" هل سيكون زواجي بهذا السوء ؟ "
=
و طرحت الفكرة على أصحابي كلهم عندما اجتمعنا في شقة مهند .. و كذلك كنت قد اصطحبت معي طفلتي خلود خوفاً عليها من تلك المجرمة .. انفعل جليل :" ماذا تقول ؟ تنفصل عن زوجتك ؟ أجننت ؟؟ حسام .. كنت أظنك أعقل بكثير .. أنت تعلم أن ابنتك لازلت صغيرة و أنت أعمالك كثيرة .. و زوجتك لن ترضى أن تأخذ منها ابنتها "
سهيل كان سارحاً .. و كمال كان مستاءاً .. و مهند كان يشاركنا بكلمة أو رأي :" لسوف تظلم الاثنتين إن فعلت ذلك "
قررت أن أهجرها لمدة معينة علها تعود لرشدها .. حيث أوصلتها لمنزل والدتها .. قبل أن تنزل من السيارة .. نظرت لي بحزن ثم قالت :" آسفة ! فلتقدر موقفي "
زفرت :" حتماً سأقدر أنك امرأة مجنونة "
عضت على شفتيها بضيق .. ثم هبطت من السيارة و مشت بانكسار ناحية المنزل .. بقيت لفترة أتأملها و وددت لو
كان حياتنا أفضل و تفاهمنا أكثر ..لكن أحداً منا لا يصلح أن يكون زوجاً .. و الأرجح أنه أنا ..
=
اتصلت بي حينها أختي هيام و هي تجهش بالبكاء.. قلت منفعلاً :" ما بك ؟ هل حدث لخلود شيء ؟ "
قالت منفعلة :" لا ، لا .. سهيل .. سهيل .. ضربني "
!! .. صرخت مستنكراً :" فعلها ذلك العنيف ؟ سأريه "
-
و أنا في الشقة كنت أنتظر قدوم سهيل بعدما طلبت مجيئه .. لم أذهب لأخذ خلود من منزل أهلي لحد الآن.. أغلقت التلفاز و تناولت المصحف و رحت أقرأ بعض السور و أدعي ربي أن تُيسر الأمور سواء بيني و بين جمانة أم بين هيام و سهيل ..
قرع الجرس .. فأغلقت المصحف و قبلته و نهضت لأفتح الباب .. سهيل نظر لي بخجل ثم نكس رأسه ..رمقته أنا بحدة :
" أدخل "
دخل هو الشقة و دعوته على الجلوس في الصالة .. نظر لي طويلاً ..ثم تنهد :" هل أخبرتك ؟ "
قلت بحدة :" نعم .. ظننتك يا سهيل متلهف للزواج من أختي و تبغي رضاها فقط .. حدثت بعض الخلافات فحسبتها طبيعية أما إن تؤذيها بيدك الخشنة و في فترة الخطوبة ؟ هذا ما كنت لا أتوقعه "
قالت بقهر :" هل علمت بالذي جرى ؟ أختك تمازح زملائها بالعمل و تتقبل أن يفتحوا معها مواضيع خاصة لا تفتح إلا بين الزوج و زوجته .. و أختك تتظاهر أنها غبية ..و لقد فاجأتني عندما قالت أنها مدعوة على تناول الطعام مع مجموعة من زملائها الرجال !. . و هل تريد مني ألا أغضب .. ثم أني لم أؤذيها بشيء .. عدا عن صفعة خفيفة .. و اسألها ماذا قالت لي من كلام آذاني و جرحني و سلب مني رجولي "
تنهدت :" و لو كنت متفهماً و لبقاً في الحديث لربما شرحت لك موقفها .. ربما كان الأمر مختلفاً "
انفعل قائلاً :" هي من بينت لي هذه الأمور بتصرفاتها .. تطيل الحديث مع زميلها ذاك في الهاتف .. و تستمر في الضحك الطويل حتى لو كنا في طريقنا لتناول الغداء في مطعم .. أراها سارحة ساهمة .. لو كانت زوجتك تفعل هذا ألن تقتلك غيرتك ؟ !! .."
ثم ابتسم بسخرية :" أوه نسيت .. أنك معدوم الاحساس ناحية زوجتك المسكينة و ربما هذا يعذبها أكثر من أن تظهر لها غيرتك "
نظرت له باستغراب .. فقال :" حسام .. إن لم تعقل أختك .. فلا مجال لأن تستمر حياتنا "
و نهض خارجاً ....!
=
في مقر عمل مهند .. أراه مستغرق في العمل الجاد بمناقشاته الحادة للعمال و الخياطين .. كان عصبياً للغاية .. فقد مرت عليه رحاب فسألها عن أمر ما إن كانت أتمت فعله لكنها أجابت بالنفي .. فانفعل و خاطبها بحدة :
" آنسة رحاب .. أرجوك اعملي بجد .. يجب علينا تقديم الملابس بأكملها هذا النهار للزبائن .."
و غادر و عندما مر علي استوقفته و قلت بحدة :" أجننت ؟ أنها فتاة .. لماذا تعاملها هكذا يا رجل "
زفر :" حسام .. بت تغيب عن مدرستك كثيراً .. "
و غادر .. نظرت أنا لرحاب المتسمرة مكانها و في عينيها انكسار و ألم .. سأريك يا مهند .. أتريد أن تضيع عروس المستقبل عليك ..؟ أتت و رمت بجسدها على كرسي مكتبها و أسندت وجهها على كفها .. لا أريد أن أطيل النظر إليها لكني أريد وصفها لكم .. فتاة نحيلة الجسد متوسطة الطول .. أطول من مهند بقليل ..وجهها طويل .. بشرتها تميل للسمرة الخفيفة .. و عينيها عسليتان و رموشها كثيفة .. أنها تناسب مهند و لو كانت أقصر بقليل لكانا ثنائي رائع ..
خاطبتها لكي أخفف عنها :" آنسة رحاب ! لا تقولي أنك غاضبة من مهند .. فهو أحياناً يفقد أعصابه و لا يتحكم بما يقوله "
نظر لي:" هل يعاني مهند مشاكل معينة ؟ "
ابتسمت :" كل واحد منا يعاني من مشاكل كبيرة و صغيرة .. ماذا جرى"
تنهدت :" قدم إليه أناس معينون هنا .. و أحدثوا فوضى عارمة و شجار كبير .. و قال أحد المسؤولين لي أن هؤلاء أسرته "
قلت متحمساً :" و ماذا جرى ؟ "
"حدثت مشكلة كبيرة و كأنهم يتحدثون عن زفاف .. و هددوا مهند بأمور كثيرة إن أفسد الزفاف .. هل مهند من هذا النوع ؟ هل يسعى لخلق المشاكل ؟ أظنه مسالم للغاية و طيب القلب و بشوش .. و صعقت عندما رأيت أولئك الناس قد تجمعوا عليه يهددونه و يقولون له كلمات غريبة .. قالوا أنك عار علينا .. و قالوا بما أننا تبرأنا منك فابتعد عنا "
"و بعد "
" بعد رحيلهم ..أصيب مهند باغماءة أشعرتني أنه يعاني ضغوط نفسية مريرة مع أسرته هذه .. لكني عندما سألته بالأمس عنهم .. اشتعل غضباً .. و وصفني بالمتطفلة ..منذ ذلك الوقت و هو عصبي المزاج"
و نكست رأسها ..حملقت بها طويلاً .. ثم قلت :" أهذه أول مرة يأتون فيها ؟"
" نعم .. لكني سمعته مرات عدة يتشاجر مع أحدهم على الهاتف .. و بعد أن ينتهي من المكالمة يستأذن من المدير و يعود لمنزله محملاً بكثير من الهموم .. ينتابني فضول .. ما قصته ما أهله .. ألا تعرفها "
ابتسمت :" و ما أدراني .. لم يسبق و إن حدثني عن هذا الموضوع .. فهو موضوع حساس كما تعلمين "
و همست و أنا أنظر لمهند الذي جلس على مكتبه :" اسأليه .. و سوف أساعدك .."
تنهدت .. ثم التفتت لمهند .. بالكاد تحدثت :" أ.. أخ مهند .. "
رفع رأسه و نظر لها بعمق و كأنه يعلم أي موضوع ستفتح .. قال :" نعم "
" مم .. ماذا حدث بينك و بين أهلك بعد الذي جرى ؟ "
نظر لها طويلاً ثم تنهد :" لا شيء .. "
فقالت :" إذاً لماذا أتوا و شاجروك بهذه الطريقة ؟ "
قال منزعجاً :" أمر خاص يا آنسة رحاب و أرجوا ألا تتدخلي "
فقلت أنا بسرعة :" مهند .. أنا أريد أن أعلم أيضاً "
نهض و أخذ يلملم حاجياته بغضب .. ثم خاطبني :" هيا .. فلتوصلني للشقة "



رأيت مهند متسمر و هو ينظر لمن خلفي برعب ..تمتم :" رباه ! "

==

..فوجئت بأحدهما و هو يخرج من جيبه سكين و يضعها على الطاولة .. و ينظر لمهند بنظرات حادة :

==

فوجئنا بالشاب الآخر و هو ينهض و يقلب الطاولة ثم يشد قميص مهند فنهضت أنا و أبعدت يد الشاب فسحبه أخاه .. و ظل الشاب يصرخ بجنون و بكلمات غريبة :" سأقتلك .. صدقني "

==

و قال متنهداً :" أعتذر يا صديقي .. لكن أختك لا تناسبني .. فلننفصل ..فذلك أفضل "


بوح قلم 11-04-11 08:19 AM

الجزء السابع و العشرون
نظرت له بحدة و هو يخلع حذاءه في الشقة ..اقتربت منه و قلت :" أخبرني بالقصة كاملة إذ كنت صديقك "
نظر لي ثم قال و هو يفك ربطة عنقه :" لا تحاول "
جلست أمامه و قلت غاضباً :" أنا أخبرك بكل شيء .. سهيل يقول كل ما يجري له بصراحة و كذلك جليل لكن كمال مثلك .. لا تكن سخيفاً .. قل لي ماذا يجري لك .. ما القصة ؟ "
نظر لي طويلاً ثم همس :" أخي مختل عقلياً قليلاً .. "
نظرت له بصدمة ! .. فنهض قائلاً :" افسادي لزواجه قلب العائلة علي أكثر مما كانت مقلوبة .. هذا كان أحد الأسباب الذي جعلت أبي يتبرأ مني .. "
نظرت له طويلاً .. فقال مبتسماً :"لقد بدأت عائلتي بمهاجمتي و أنا لازلت فتاً مراهقاً في الثانوية .. و تراكمت الأسباب .. حتى قُذفت خارج المنزل "
و مشى متجهاً لغرفته .. فناديته :" لحظة .. و لماذا يهاجمونك الآن "
استدار و قال :" أخي سيتزوج .. فهم الآن يخشون أن أفسد زواجه كالمرة السابقة "
قلت بسرعة :" و لماذا أفسدت زواجه ؟"
نظر لي طويلاً .. ثم قال بهمس :" لأني ... لأني .. كنت ........"
ثم قال بسرعة :" السبب لا يهمك "
=
عدت لشقتي و كانت موحشة بدون زوجتي جمانة .. شعرت بحاجتي لها حقاً .. خصوصاً أنني لا أتقن ترتيب خلود للروضة ..رباه .. لكني سأتركها بضعة أسابيع لعلها تعقل .. لاسيما أن خلود لم تعد تسأل عنها ..
وددت أن أتصل بهيام و أعلم آخر أخبارها ..فأجابتني :" تسأل عن حالي يا حسام ؟!.. و سهيل قد فرض سلطته علي ؟ و سلب مني حريتي ..بفكره المعقد المتخلف ..حسام ! كلما أطلب منك حل المشكلة لا تفعل شيئاً .. لماذا ؟!! "
تنهدت :" هيام .. ماذا أفعل .. هو أيضاً لديه أسبابه .. لماذا تتحدثين مع الرجال و تتقابلين معهم ؟ "
قالت بسرعة :" نتحدث عن العمل و أتقابل معهم للحديث في شؤون العمل .. كما أني أصطحب معي صديقتي "
و قالت مهددة :" أخبر سهيل .. إن لم يتصرف معي كفتاة محترمة مثقفة .. سأرفضه كزوج المستقبل .. بما أننا لازلنا في فترة الخطوبة .. فإن لم تتحسن أطباعه .. فهذا مؤشر على الحياة الكئيبة التي سأعيشها معه مستقبلاً .."
=
بينما كنت أتناول طعام العشاء في مطعم شعبي مع مهند .. فتحت موضوع سهيل ... فعقب هو :
" مم .. أظنهما لا يناسبان بعضهما حقاً .. "
" المشكلة في سهيل أنه غير قابل للتغيير أبداً .. و غيرته المفرطة مزعجة "
رأيت مهند متسمر و هو ينظر لمن خلفي برعب ..تمتم :" رباه ! "
التفتتُ للخلف .. فرأيت شابان ينهضان من طاولة ما و يقتربان منا .. همست أنا :" من هذان ؟ "
همس بصوت مرتعش :"شقيقاي .."
و خفض من رأسه متوتراً .. اقترب الاثنان و على وجهيهما ملامح مخيفة حادة تنذر بخطر قادم ..ثم جلسا بالقرب من مهند ..فوجئت بأحدهما و هو يخرج من جيبه سكين و يضعها على الطاولة .. و ينظر لمهند بنظرات حادة :
" أظنك تعلم ماذا تفعل هذه .. لو حدث خطأ بسيط في زفافي .. لسوف أقتلك "
عبث مهند بشعره و هو يخفض من نظراته ..ثم همس :" لست بحاجة لأن أكرر ما قلته .. لن أفعل شيئاً ألا تفهم ؟ "
نظرت أنا للشاب المخيف .. الظاهر من طريقة حديثه أنه مختل عقلياً حقاً ..قال الشاب الآخر :" سنحرق عليك شقتك إن حدث شيء بسيط في الزفاف .. و سوف ترى "
انفعل مهند و قال :" صابر .. لن أفعل شيئاً و ليس لي مصلحة بذلك .. و لو زدتم الضغط علي .. لربما أفعلها حقاً .. صابر أنا أحدثك الآن حديث عاقل لعاقل و لا داعي لهذه التهديدات فأنت لست مثل هذا المجنون "
فوجئنا بالشاب الآخر و هو ينهض و يقلب الطاولة ثم يشد قميص مهند فنهضت أنا و أبعدت يد الشاب فسحبه أخاه .. و ظل الشاب يصرخ بجنون و بكلمات غريبة :" سأقتلك إن لم أتزوج .. صدقني "
همس مهند و هو يرتب قميصه و قد احمر وجهه :" مجنون !.. أي فتاة قبلت به "
=
بعد أن غادر الاثنان رأيت مهند متوتراً ..همست :" ما هذا بحق الجحيم ؟ لو كنت مكانك لسافرت على متن أقرب طائرة "
تنهد :" لا توترني أكثر .."
قلت أنا :" مهند .. أهؤلاء أخواك فعلاً ؟.. غريبان فعلاً .. "
عبث بشعره :" قلت لك ..أخي مختل عقلياً .."
" حتى الآخر يبدو متعصباً في تفكيره .."
و همست :" صرت أخشى عليك فعلاً يا مهند "
نظر لي لبرهة .. ثم ضحك :" لا .. مهما يكن أنهم أهلي و مستحيل أن يؤذوني و أنا لم أفعل شيئاً "
" لكنهما لا يشبهناك أبداً .. لم يخطر لي أنهما شقيقاك .. خصوصاً بأنهما طويلان القامة "
و ابتسمت .. فقال هو :" نعم .. فأبي متزوج باثنتين .. و هما من أم أخرى .. و هذا سبب آخر للتفرقة العنصرية "
" أأنت أكبر أخوتك ؟ "
" نعم "
ثم سرح و هو يدخن .. فقلت :" فيم تفكر ؟ .. "
ابتسم :" فكرة أن أسافر على متن أقرب طائرة باتت تشغلني حقاً "
=
في مقر عمل جليل .. نظر لي و قال :" لماذا تغيب دائماً عن المدرسة ؟"
" أخذت اجازة لمدة اسبوعين "
قال مستغرباً :" لماذا ؟ "
ضحكت :" نوبة كسل "
" هل صحيح ما سمعته عن سهيل "
" ماذا سمعت ؟ "
" سيطلق أختك "
صعقت!...قطبت حاجباي :" من قال هذا ؟"
ابتسم :" هو بعينه "
قلت مستغربا و مصدوماً :" حقاً "
" و هو ينتظر الحجة المناسبة "
نكست رأسي حرجاً و مصدوماً و حتى أصابعي لم تستطع حمل الهاتف لأتصل به ..أقفل جليل الحاسوب و قال :
" سأذهب للمنزل "
" من سيوصلك ؟ "
ابتسم بحرج :" زمليتي ( حسناء ) .."
قلت مندهشاً :" ما هذا ، ما هذا ؟ "
و غمزت له :" ماذا يجري من وراء ظهري ؟ "
ابتسم :" دعواتك"
=
في منزل سهيل .. نظر لي مقطباً حاجباه .. ثم صب العصير في الكأس و قال :" تفضل "
رفعت الكأس و رشفت رشفة .. و همست و أنا أراقب لمعات المصابيح و هي تنعكس في العصير فيتلألأ ..:
" هل هذا قرار أخير ؟ "
قال بسرعة :" نعم "
نظرت له .. فأشاح بوجهه ناحية أخرى و قال :" أنها لم تعد تقدرني .. كلماتها جارحة .. نظراتها مؤذية .. أنها تحتقرني .. أتعلم ماذا يحدث في الرجل إذا احتقرته شريكة حياته ؟ .. يتفتت .. يتلاشى "
تأملته طويلاً .. ثم قلت :" سبق و إن قلت لك .. إن عاملتها بسوء ستعاملك بسوء .. و إن عاملتها باحسان ستعاملك باحسان .. المرأة كالطين في يد الطفل .. يتشكل حسب ما يريد .. لكن يجب أن يكون حذراً "
تنهد سهيل :" استخدمت معها شتى الطرق .. و هي من طلبت مني الطلاق على فكرة .. فقط لتبين لي أنها هي التي لا تريدني .. أختك باختصار .. مغرورة .. على لا شيء .. أنا الذي أنقذتها من بحر العنوسة .. و سحبتها معي في قارب الزواج السعيد .. لكنها تمردت قبل أن نصل للشاطئ .. يبدو أنها فضلت أن تغرق في بحر العنوسة حقاً "
همست :" لم أكن أعتقد أن علاقتكما ستصل لهذا الحد ؟ "
" ظننت أن الزوجة يجب أن تكون جميلة و مثقفة و لا شيء غير ذلك .. فكنت مخطئاً .. "
و قال متنهداً :" أعتذر يا صديقي .. لكن أختك لا تناسبني .. فلننفصل ..فذلك أفضل "



مهند .. غارق في توتر و خوف و انكماش .. يسعى للهروب كلما استطاع ..

==

قال و هو يلهث بصوت مخنوق :" حسام .. أنقذني "

==

لم أكن أتوقع فعلاً أن يقوم أخاه المجنون بحرق الشقة ..

==

استند مهند على الجدار منكساً رأسه بضيق و قد احمر وجهه ..تنهدت أنا :" أخاك يحتاج لمصحة نفسية "

==

صُعقت .. و صرخت به :" الزم مكانك أنا سأرى الأمر "




بوح قلم 11-04-11 08:20 AM

الجزء الثامن و العشرون
مر اسبوع .. هيام انطوت على نفسها بعد ما جرى .. و ظلت تعيد النظر في شخصيتها و ذاتها .. فتركتها .. و لم أشأ أن أأثر عليها في شيء .. سهيل ارتاح كلياً .. و عاد للمرح و الدعابة كما كان مسبقاً .. كمال .. شيء ما تحرك فيه عندما علم أن سهيل فسخ الخطوبة .. يبدو أنه سيعاود المحاولة .. جليل .. مغامرات جديدة مع حسناء تلك ..أتمنى له كل خير .. أريده أن ينهض من جديد .. مهند .. غارق في توتر و خوف و انكماش .. يسعى للهروب كلما استطاع .. و أخيراً .. جمانة .. بعد أن انفصلت هيام عن سهيل .. أعدت أنا جمانة خوفاً أن نلقى ذات المصير .. و حاولت و هي أيضاً حاولت أن نكون متفاهمان أكثر و نهتم بخلود أكثر ..
--
في صالون الحلاقة .. جلست أنا على كرسي الحلاقة و نظرت لسهيل و قلت :" قم .. و احلق شعرك "
قال بسرعة :" بتاتاً .. لن أحلقه .. حتى لو كنت سأتقدم لخطبة فتاة أخرى "
ضحك مهند فخاطبته أنا :" و انت .. كل مرة تقص من شعرك شعرة أو شعرتين و تزعم أنك حلقته .. أنه يغطي أذنيك ألا يزعجك "
ضحك سهيل :" حسام .. تغار منا أليس كذلك .. فليس لديك شعر يطول "
ضحكت :" ذلك أفضل لي .. "
ثم التفتتُ لمهند الذي عاد للصمت الكئيب .. همست :" ماذا جرى "
رفع رأسه و نظر لي .. ثم همس :" لم يحدث شيء بعد "
و نهض قائلاً :" أنا سأعود لشقتي "
و خرج .. فنهض سهيل و أتى و جلس بجانبي .. بينما يقوم الحلاق يمرر شيئاً من الماء بشعري قبل أن يتناول مقصه ..خاطبني سهيل بقلق :" ما به مهند هذه الأيام "
تنهدت :" قصة طويلة .. سأحكيها لك فيما بعد "
" أهله أليس كذلك ؟"
التفتتُ له .. فأعاد الحلاق رأسي لوجهته السابقة .. فقلت :" نعم "
" ماذا جرى ؟ "
=
وضعت جمانة طبق السلطة أمامي و جلست على كرسيها تأكل بصمت ..نظرت لها لبرهة .. ثم شغلت نفسي باطعام خلود و مداعبتها .. و عدت أنظر إليها و هي لا تزال صامتة على غير عادتها .. انتابتني فرحة عارمة .. يبدو أن بقائها طول هذه الفترة في منزل أهلها جعلها امرأة مطيعة .. هذا أمر جيد ..
" حسام .. "
التفتتُ لها بسرعة .. فرأيتها تبتسم بلطف و تقول بخجل :" حسام .. أنا .. "
توقفت عندما جاءنا صوت رنين هاتفي .. نظرت لها .. حيث نكست رأسها بضيق .. حككت خدي بحرج ..و رفعت هاتفي فكان مهند .. ضغطت زر الاجابة :" أهلاً مهند "
قال و هو يلهث بصوت مخنوق :" حسام .. أنقذني "
قلت بانفعال :" ما بك ؟ أين أنت؟"
"أنا في منزل كمال .. اتصل بي أخي و قال .. و قال .. أنه يحرق شقتي الآن "
صُعقت .. و صرخت به :" الزم مكانك أنا سأرى الأمر "
أغلقت الهاتف .. و نهضت مسرعاً .. و خرجت من الشقة .. و تخطيت الدرجات و صعدت سيارتي و انطلقت بها نحو العمارة التي فيها شقة مهند .. لم أكن أتوقع فعلاً أن يقوم أخاه المجنون بحرق الشقة ..
صعقت و أنا أرى ذلك الشاب يخرج من الشقة و بيده دلو ..صرخت به :" ماذا تفعل ؟ "
و رحت أنادي حارس العمارة مرعوباً .. أقبل معي ..فراعنا منظر الشقة و هي تحترق !!!!!!
=
أخرجت عدة أشياء لم تحترق بعد و أنا أسعل .. و آلمني منظر الشقة و هي محترقة .. وقفت خارج الشقة أتأملها بيدي عدة ملابس و بذلات لمهند لم تلامسها النيران .. استدرت لأرى حارس العمارة يعود يلهث و يقول :
" لم أتمكن من الامساك به "
تنهدت :" لا يهم "
=
الأمر بدا فظيعاً للغاية .. رأيت مهند و هو يحوم في الشقة مصدوماً .. يتفحص الأثاث المتفحم .. و الستائر المحترقة
.. سهيل يقول و هو يتلمس مرآة و قد تفحمت :" رباه ! كيف ستدفع قيمة كل هذا لصاحب العمارة "
استند مهند على الجدار منكساً رأسه بضيق و قد احمر وجهه ..تنهدت أنا :" أخاك يحتاج لمصحة نفسية "
و قال سهيل بسرعة :" لماذا أحرق شقتك ؟ "
رفع مهند رأسه و على وجهه كآبة جامحة .. ثم تنهد :" لقد تراجعت الفتاة التي تقدم لخطبتها عن قرارها فرفضته لسبب مجهول .. و هو يظن أنني السبب "
و مشى خارج الشقة بغضب ..ناداه سهيل :" لحظة .. يجب أن تشكو لأهلك ما فعله أخاك و تطالبهم بتعويض عن كل الذي تلف .. "
نظرت إليه و قلت مستنكراً :" سهيل ؟!! "
تنهد مهند و استدار مغادراً ..
=
في صباح اليوم التالي تجهزت للذهاب للمدرسة و كانت جمانة تنسق خلود و تساعدها على ارتداء ملابس الروضة ..ثم نظرت لي و قالت :" طعام الفطور على المائدة "
اتجهت نحو المطبخ و اتخذت مقعدي و باشرت بتناول فطوري .. أتت هي و جلست أمامي و أجلست خلود بجانبها و أنا أشعر أنها تريد قول شيء ما .. أخيراً .. نظرت لي بنظرات واثقة و تنهدت ثم قالت بحدة :" حسام ! "
واتتني ضحكة في غير موقعها ثم قلت منتفضاً :" نعم سيدتي "
ابتسمت هي بخجل ثم قالت هامسة :" حسام .. أريد العودة لوظيفتي .. لاسيما أن لا شيء يشغلني في الصباح سوى التلفاز الممل و الكنس و الغسل ..عملي مدته قصيرة و هذا يمكنني من العودة قبلك لكي أجهز طعام الغداء و أأخذ قيلولة ثم تأتي أنت .. كما أني أود أن أساهم في الصرف على المنزل "
و نظرت لي بترجي و قالت :" ما رأيك ؟! "
فكرت قليلاً .. و كانت محقة في كل شيء .. ربما لو عادت لوظيفتها ستكف عن تصرفاتها المزعجة و حسابي على كل شيء يصدر مني .. نظرت لها مبتسماً :" لا بأس جمانة "
ضحكت بفرح :"كم أنت رائع يا زوجي العزيز .."
=
سهيل نظر لي و هو يصحح أوراق الامتحانات :" قال لي مهند أن أباه اتصل به و طلب منه المجيء للتناقش في الأمور التي اختلفوا عليها .. "
قلت متحمساً :" متى ؟ "
" الليلة .. و طلب مني أن أرافقه لأدعمه "
" أنا أيضاً سآتي "
-
في مقر عمل جليل .. ظللت أتأمل تلك الفتاة تدعى حسناء و هي تشرح لجليل طريقة لتصميم اعلان مميز .. ثم استرسلت في مدح جليل و موهبته .. و رأيته يحترق خجلاً .. غادرت هي .. فغمزت له مبتسماً و همست :
" ماذا تنتظر ؟ اسألها عن رأيها فيك كزوج لها "
نظر لي بحدة :" بهذه السرعة "
" نعم .. لا أظن أن الأمر يستحمل التأجيل "
نكس رأسه بخجل ..حينها رن هاتفي و كان كمال .. أجبت :" مرحباً كمال ماذا عندك "
همس :" مجدداً و للمرة الثالثة .. أريد التقدم لأختك "
كدت أن أغلق الهاتف في وجهه .. مزاجي لا يتحمل قصة عذاب طويلة و خطوبة و غيره .. أردفت بضيق :" اصبر "
قال بسرعة :" لن أصبر .. كل مرة تقول لي اصبر أرى غيري قد تقدم لخطبتها .. أنا مصر يا حسام .. أنا أريد أختك "
تنهدت :" أنا مشغول حالياً .. وداعاً "
و كنت أريد الهروب و حسب ..
--
تقابلت مع مهند على غداء .. قال و هو ينظر للناس :" أتعلم حسام .. أني نادم "
نظرت له باستغراب :" على ماذا ؟ "
تنهد :" على ما فعلته بأخواي "
" صابر و فياض ؟ "
" بل فياض و قيس "
استغربت :" هل لديك أخ اسمه قيس ؟ "
تأملني طويلاً .. ثم قال بصوت متحشرج :" نعم .. لكنه انتحر منذ خمس سنين .. "
نظرت له بصدمة .. فهمس و خفض عينيه اللتان تلمعان حزناً عميقاً للغاية :" بسببي "
صرخت !! :" بسببك ؟!!! "



نظرت له بحدة قاتلة :"مهند .. أنت أسوأ مما كنت أتصور "


==

قاطعه مهند بحدة :" لا .. لم آتي للاعتذار "

==

و رمق أخاه المختل عقلياً بنظرة لا تخلو من الحقد ..و الآخر .. كم كان مخيفاً .. !

==

صعقنا بصوت صفعة تدوي الغرفة ..

==

هنا جذبه والده من قميصه بقوة و همس بأذنه بنبرة مخيفة :"


بوح قلم 11-04-11 08:21 AM

الجزء التاسع و العشرون

نظرت له بصدمة :" بسببك ؟؟"
نكس رأسه ..فصرخت به :" أخاك ينتحر بسببك ؟ ماذا فعلت ؟ "
تنهد :" قيس كان أيضاً لديه اختلال بسيط في عقله .. لذلك فمن السهل التأثير عليه .. خصوصاً من أن أبي كان يحذرني من الحديث معه .. لهذه الدرجة .."
قلت بحدة :" ماذا فعلت بالتحديد "
عاد ينكس رأسه و قال بصوت متحشرج :" أ .. يوم ذهبنا لرحلة لجبل .. وقفت معه و ظللت أقنعه بالعالم الآخر الذي سينتقل له .. كان مجنوناً "
صرخت به :" و لماذا ؟ "
لمعت عيناه ثم همس :" لا أستطيع البوح بذلك "
" هل علم أباك بهذا الأمر "
" أخي صابر كان صندوق أسراري لكنه كشف كل ما كنت أفعله لأبي .. و هذا كان سبب أيضاً في انقلاب أسرتي علي "
نظرت له بحدة قاتلة :"مهند .. أنت أسوأ مما كنت أتصور "
=
و أنا أمشي في الشارع عائداً لشقتي .. كنت مستاءاً .. ألهذه الدرجة كان مهند يخفي الكثير ؟.. أنه صديقي المقرب من أيام الجامعة و كنت أعرفه أيضاً من أيام الثانوية .. لماذا لم أعرف عنه كل هذه الأشياء إلا الآن ..
سمعت من يناديني قائلاً :" حسام .. انتظر "
التفتتُ للخلف فكان كمال .. أقبل نحوي بسرعة :" أخيراً وجدتك .. "
و همس :" جئت لأتحدث معك في موضوع ...."
قلت بسرعة :" في موضوع الخطبة .. أعلم .. أعلم "
ابتسم :" هل أخبرت والدك ؟ "
نظرت له لفترة ثم قلت :" لا "
تأملني مستاءاً :"لماذا؟"
تنهدت :" أني مشغول بأمور كثيرة و كذلك أبي .. فلنأجل كل شيء للاسبوع القادم "
زفر :" أخشى أن تضيع مني كالمرات السابقة "
اصطنعت ابتسامة :" لن تضيع "
و استدرت ماشياً نحو شقتي .. لماذا أفعل هذا ؟ لا أدري ..لماذا لا أريد من كمال التقدم لخطبة أختي .. فلأصارح نفسي .. كأنني رافض لفكرة أن كمال يتزوج أختي .. و لكن لماذا ؟ كمال يقترب من الكمال .. هل الحاحه هو الذي يجعلني أرفضه .. يال السخف .. هناك سبب عميق يجعلني أرفض كمال بهذا الشكل.. هل حديث مهند هو من شتتني ؟!!
--
ها قد حل الليل المخيف ..ألاحظ قلق مهند الواضح حتى مع أضواء خافتة كلاسكية تنبعث من منزل أبا مهند الفخم.. يهمس سهيل :" ألن تدخلوا ؟ "
نظرت أنا لمهند الذي يمسح حبات العرق التي بالكاد لمحتها .. و رأيت أيضاً لمعات بعينيه العميقتين تتوافق مع نبضات قلبه التي هيء لي أني أسمعها .. أو ربما أسمعها فعلاً .. تنهدت أنا :" فلندخل "
مشينا ببطء و فتحنا باب السور و سرنا في الحديقة الجميلة .. فكل شجرة تحمل بين أغصانها مصابيح كلاسيكية تضيف جواً مميزاً .. و كان المنزل فخماً للغاية و تصميمه جديد .. حينها توقف مهند مكانه .. فاستدرنا له و قال سهيل :
" ما بك ؟ .. "
تنهد :" لست بحاجة لأبرر لهم شيئاً أو يبرروا .. أنا سأعود"
و استدار .. فأمسكته أنا و قلت :" أجننت .. هم ينتظرونك الآن .. أمر مخجل أن تعود هكذا "
نظر لي بكآبة عميقة .. فقال سهيل :" نحن سندعمك .. و إن كنت خائفاً من أخاك ذاك .. أنا سأحميك "
و ابتسم بمرح :" فلي عضلات يمكنني بها تفتيت جبل بأكمله "
ابتسم مهند :" لا تبالغ "
و تقدمت أنا في السير :" هيا .. فهم ينتظروننا الآن "
فأتممنا السير و وقفنا أمام باب غرفة الضيوف ..و دخلنا بهدوء و كان أولنا مهند الذي كان في قمة قلقه و ارتباكه .. فور دخولي غرقت في التأمل في هذه الغرفة الواسعة الفخمة التي تتدلى ثريا فخمة رائعة من السقف المزخرف مع ألوان متداخلة مذهلة ..
و رأيت رجال كثيرون يملؤون الغرفة مما أثار خوفي و ارتباكي فما بالكم بمهند ..ألقينا السلام فنهضوا جميعاً و ردوا السلام بنبرة حادة ..تقدم مهند ناحية والده الذي يتوسط الجلسة .. و قبل رأسه بحذر بينما كانت ملامح ذلك الرجل جامدة مخيفة .. و بعد مشوار السلام و التسليم .. استرحنا نحن الثلاثة على المقاعد الوفيرة الأنيقة ..نظرت لمهند المرتبك و هو يرمق أهله الذين يتهامسون فيما بينهم .. شعرت أنا بالغربة و الخطر و تمنيت لو لم آتي لهنا ولم أضع نفسي في هذا الموقف .. نطق سهيل بلطف :" مهند جاء ليعتذر و "
قاطعه مهند بحدة :" لا .. لم آتي للاعتذار "
سقط قلبي في معدتي يوم رأيت تلك العيون تتحول لكرات حمراء مخيفة تتقد بنار الغضب ..نظرت لمهند الذي أتمم بشجاعة لم أتوقعها منه :" جئت هنا حسب طلبكم لتعلموا أني أريد الصلح و لكن لم آتي للاعتذار .. لأنكم أنتم من يجب عليهم الاعتذار يا أهلي الكرام "
هنا أجاب أحد الرجال ..:" لا تجعل آخر ما حدث أول ما حدث .. فالذي فقدته من شقتك يمكننا تعويضه لك بعشر مرات .. تساؤل بسيط نريد منك جواباً مقنعاً وافياً .. لماذا أفسدت زواج أخيك هذه المرة أيضاً ؟"
نظر مهند لأباه ثم لأخاه صابر ثم للمختل عقلياً و قال :"لم أفعل ذلك أبداً "
فقال صابر :" لماذا تكذب .. فالفتاة كانت موافقة و مقتنعة و فجأة رفضت .. برأيك ما تفسير هذا ؟"
صمت مهند يفكر في الاجابة و هو يتفحص وجوههم ثم قال :"ربما علمت أنه مختل عقلياً عنذما سألوا عنه "
صرخ ذلك المجنون فأفزعني :" اخرس يا حقير .. تريد أخذها مني يا أناني "
نظر سهيل له مقطباً حاجباه ثم همس بأذني :" رباه "
تنهد مهند و أدار رأسه لأباه من جديد فهمس رجل آخر :" ما معنى أن لا يتزوج إلى الآن شخص بعمرك ؟ رغم أنك تعيش وحيداً .. ؟ ألا يجب أن تتخذ لك زوجة تؤنس وحدتك ؟ إلا اذا كانت عيناك سقطت على فتاة لا يمكنك الوصول لها "
نظر له مهند بصدمة و همس بارتباك :" ماذا تقصد خالي ؟ "
أجاب الآخر و هو ينظر لمهند بنظرات ثاقبة مخيفة :" تعلم جيداً ما أقصده .. ربما .. ربما .. وقعت عينك على الفتاة التي تقدم لها فياض ..و حاولت جاهداً أن تفسد زواج أخيك لتأخذها أنت .. لربما رفضتك .. فحقدت على أخاك المسكين و قررت أن تفسد عليه كل فرحة ستدخل لقلبه ..سواء كان زواجاً أم لا "
رأينا جميع من في المجلس مؤيدين ما يقال بنظراتهم .. تأملهم مهند مصعوقاً .. ثم نكس رأسه و همس :" حسناً "
و رفع رأسه ببطء ..:" لست مضطراً لاعادة الحديث و التبرير "
جاءنا صوتٌ صارم مخيف يزلزل القلوب :" مهند "
و كان أباه .. قال بحدة :" فلتحزم حقائبك و تهاجر .. أفضل أن تنتقل للعيش مع ابن عمك مراد في بريطانيا ..و لا تعود أبداً .. لا أظن أن هناك شيء يجبرك على العيش هنا "
تأمله مهند مصدوماً و همس :" ماذا ؟ "
فتشجع سهيل و قال منفعلاً :" لحظة ، لحظة .. أتسمحون لي بالتدخل ؟ .. أنه لمن الجهل أن تتصرف أسرة بهذا المستوى بهذه الطريقة لابنهم حتى لو كانوا تبرأوا منه .. مع عدم وجود دلائل تؤكد أن مهند هو من أفسد زواج أخاه أراكم تزجرون به و تحاربونه ..مهند منذ أن تخليتم عنه تخلى عنكم و نسى أمركم و انشغل بتكوين ذاته و تجميع المال للزواج لكن ليس من الفتاة التي يريدها أخاه و هو أصلاً لا يعرفها .. و لا يعلم عنها شيئاً .. أنكم تعظمون الأمور و تهولونها و تستهسلون احراق شقة مهند بما فيها من أشياء خاصة ثمينة مهمة عقاباً له على ذنب لم يقترفه "
صرخ به أحدهم بقوة فارتعدت أوصالي :" أصمت أيها الغريب .. و لم نسمح لك بالتذخل .."
زفر سهيل و التزم الصمت فزمجر والد مهند شعرت بصوته يكاد يفتت طبلة أذني .. بل يثقب قلبي من الرعب :
"مهند .. قلت لك تسافر و لا أحب أن يتدخل أحد من موضوعنا "
أجاب مهند :" لكني لن أسافر .. و لا داعي لأن أسافر "
نهض أباه بسرعة و صاح :" ستسافر حتى لو بالجبر "
و نهض جميع الرجال كأني بهم سيشنون الحرب و يهاجموننا .. نهض مهند و قال بحدة :" ليس لك شأن بي .. أنا مبتعد عنكم منذ فترة و لن أمسكم بسوء فلا تمسوني .. و أرجوك ..لا تعرقل مجرى حياتي على حساب ذلك المجنون "
صعقنا بصوت صفعة تدوي الغرفة ..
نظرت لمهند الذي قبض على خده متألماً .. تأمل والده بنظرة غضب ممزوج بحزن دفين ثم همس :" شكراً "
و نظر لأخاه المختل عقلياً بحقد .. هنا جذبه والده من قميصه بقوة و همس بأذنه بنبرة مخيفة :" تسافر "
رفع مهند رأسه و نظر لوجه أباه المليء بالتجاعيد الغزيرة التي نقشها زمن القسوة و الجنون .. ثم تنهد :" أنك لا تقنع "
قبض أباه أكثر على قميص مهند و صرخ :" لا ترد على ما أقوله و نفذ و حسب .. لا أريد أن أراك ثانية "
رمق أباه لفترة .. بمزيج من العواطف المختلفة العميقة المتداخلة فيما بعضها لتشكل عاطفة خطيرة تفوق الحقد و الكره .. أنها تقترب لنتيجة في قمة الخطورة و هذه النتيجة أشبه بشيء يسمى انتقام ..
في لمعة عينيه الرمادية أرى أفكاراً تسبح .. لا أراها واضحة .. لكني أرى سواداً رهيباً يطغي عليها ليغرقني في بحر الرعب .. أراني أبحث عن الباب .. علني أجد طريقاً للهروب !



فتحت عيناي مصدوماً فأتمم .. :" أوصيت كمال أن يحجز لي تذكرة ذهاب لبريطانيا .. لا أدري إذا كان أتم الاجراءات أم لا "

==

" ألست خائفاً على نفسك يا مهند ؟ "

==

بصراحة علي الاعتراف .. أن مهند أقرب و أحب صديق إلي .. و كنت أحمل همومه و كل شيء يخصه كأنه يخصني ..

==

من جديد .. يتقدم كمال لخطبة أختي ..!! لكن هذه المرة مغايرة للغاية ..


بوح قلم 11-04-11 08:22 AM

الجزء الثلاثين

لا نسمع إلا صوت رقع أحذيتنا على الأعتاب نزولاً للحديقة .. رمقت مهند الذي يمشي بحزن مرير يخلق في داخلي غضب عميق يجبرني على اطلاق السراح لكلماتي ..:" أنهم مجانين .. مجانين حقاً .. "
و عدت أرمقه فأراه لازال في ذات الحزن .. تنهدت .. و قال سهيل :" انس الأمر مهند .. مجرد خلاف ككل مرة "
رفع مهند رأسه و نظر لسهيل ثم تنهد :" كيف سأسافر "
هنا لمحنا دخول امرأتين من البوابة الرئيسية ..توقف مهند لبرهة ثم همس :" رباه "
اقتربت الامرأتين متجهتان نحو المنزل دون الالتفات لنا .. همس هو :" أمي "
لم يبد أنهما سمعتا .. فدفعه سهيل قائلاً بانفعال :" أسرع إليهما "
تأملهما و هما تصعدان العتبات .. بالكاد نطق :" أ.. أ "
ثم تراجع و التزم الصمت و استدار و شق طريقه سيراً خارجاً من ذلك المنزل ..
=
في اليوم التالي استأذنت من مديري بحجة أني مريض .. هو يعلم جيداً أني كذاب .. و لكنه سمح لي بالذهاب ..زرت جليل في مقر عمله .. هو نظر لي طويلاً ثم قال :" ليس لدي الشجاعة لأقول لها ذلك "
قلت منفعلاً :" و هل أنت ستقتل أحداً .. ستتقدم لخطبتها و حتى لو رفضت .. هيا تشجع "
ازدرد ريقه بخوف ثم همس :" ليس اليوم "
تنهدت :" هذه ليست أول مرة يا جليل .. الخجل اتركه لها .."
نكس رأسه .. فزفرت :" رباه .. سأجن "
--
تركته و زرت مهند في مقر عمله فرأيته مشغول بجمع حاجياته من على مكتبه .. استغربت .. و اقتربت قائلاً :" مرحبا "
من دون أن يرفع رأسه قال :" أهلا حسام .. جئت في وقتك .. تعال ساعدني "
اقتربت منه مستغرباً :" أساعدك في ماذا ؟ "
نظر لي و قال :" أنا سأذهب لأخذ ورقة الاستقالة من المدير و أنت اجمع هذه .........."
صرخت باستنكار :" ورقة الاستقالة ؟؟ "
نظر لي لبرهة ثم انشغل بتلك الحاجيات و همس :" هل نسيت ؟.. "
نظرت له باستفهام .. فوضح قائلاً :" السفر .. أم أنت لم تكن معنا ليلة البارحة .. "
فتحت عيناي مصدوماً فأتمم .. :" أوصيت كمال أن يحجز لي تذكرة ذهاب لبريطانيا .. لا أدري إذا كان أتم الاجراءات أم لا "
و واصل حديثه مرتاحاً :" لقد ترك أبي لي مبلغاَ ضخماً للغاية .. لأدبر شؤوني هناك .. و سأعمل على البحث عن وظيفة جيدة .. أنت تعلم أن هناك في بريطانيا كل شيء ميسر "
و جمع كل أوراقه و قال مبتسماً :" ثلاث سنين أو أربع ..ستكفيني لأجمع مالاً كافياً .. لن أحتاج لأبي مجدداً "
نظرت له لفترة فابتسم ببساطة و قال :" ما بك ؟ "
قطبت حاجباي و قلت بأسى :" ما بي ؟ تقولها بكل بساطة ؟ "
و استندت على الجدار مصدوماً .. ثم همست باستياء شديد :" بهذه السهولة ستغادر يا مهند ؟ "
نظر لي بعمق .. ثم همس :" و ماذا كنت تعتقد ؟ "
نظرت له باستياء ثم قلت :" أنك تستطيع الابتعاد عن والدك لكن ليس هكذا .. "
و زفرت :" هل هانت عليك الصداقة التي تجمعنا نحن الخمسة ؟ ستغادر بكل بساطة ؟ "
نظر لي لبرهة ثم نكس رأسه فأتممت :" ثلاثٌ أو أربع سنين برأيك مدة قصيرة للابتعاد عنا ؟ "
احمر وجهه كالعادة .. و رمى بجسده على الكرسي و قبض بأصابعه على شعره ثم قال باستياء :
" و ماذا أفعل ؟ "
صحت بغضب :" افعل أي شيء .. و لكن لا تمتثل لكل أوامر والدك الذي لا يعلم شيئاً عنك و عن حياتك و يفرض عليك سلطته غير مدرك أنه قد يعرقل طموحاتك و مسيرة حياتك "
نظر لي لبرهة ثم همس :" أنت لا تعلم شيئاً .. "
و انصرف لغرفة المدير .. وقفت للحظات أفكر .. بكل بساطة يا مهند ستغادر ؟ و تترك صداقات و صداقات ؟ و تترك .. حباً كتمته في داخلك بقوة ..فهل ستهرب و تتركه ؟ هل ظننت أنك ربما تنساه ؟ أو ربما يأتي إليك بقدميه .. في كلتا الحالتين أنت مخطأ .. فالحب لا يأتي سيراً على الأقدام ..
هنا رأيت رحاب .. قد أقبلت مستغربة من منظر مكتب مهند و هو فارغ .. نظرت لي مبتسمة :" مرحباً .. "
" أهلاً .. مهند سيستقيل .."
نظرت لي بصدمة ..
--
في المطار .. رمقت مهند طويلاً و هو يبدأ مشوار الوداع مع كمال .. لم أكن أتخيل أنه سيغادر هكذا .. هكذا من دون حتى يمهد لنا ذلك .. كلنا غير مصدقين ..خصوصاً كمال الذي بات يكرر سؤاله مراراً و تكراراً :" ألن تعود يا مهند ؟ "
مهند أغضبني حقاً .. كان متفاءل و فرح تقريباً .. لأنه سيسافر و يكون ذاته .. لكـــن ؟ هل نسانا ؟ عندما وصل دوري لأسلم عليه .. رمقته بحدة ..ثم قلت :" ابن عمك هذا الذي ستعيش معه .. ضدك أم معك ؟ "
نظر لي طويلاً .. ثم همس :" ضدي "
" ألست خائفاً على نفسك يا مهند ؟ "
تأملني طويلاً ثم قال :" هو أكبر من أن يؤذيني .. لكني أعتقد أنه لن يعاملني جيداً "
قلت منفعلاً :" ستذهب يا مهند .. لبلدة أجنبية ليس فيها أحد تعرفه سوى ابن عمك هذا الذي يكرهك .. فلماذا أراك متفائلاً و فرحاً .. و أنت ستبعتد عن أصدقاءك و بلدك ؟.."
نكس رأسه .. فقال جليل :" أنهوا هذا الوداع لكي تمضي يا مهند و لا تقطع قلوبنا أكثر "
رمقت مهند طويلاً .. و تذكرت كل الأيام التي مضت .. بصراحة علي الاعتراف .. أن مهند أقرب و أحب صديق إلي .. و كنت أحمل همومه و كل شيء يخصه كأنه يخصني .. حتى هذه اللحظة لا أستطيع التصديق أنه يمكن أن نفترق أنا و هو .. صعب علي و عليه و إن لم يكن صعبٌ عليه بالتأكيد فهو صعب علي ..
همس :" حسام .. سوف نكون على اتصال "
ابتسمت .. و تعانقنا عناقاً طويلاً .. ..
و منذ ذلك الوقت بدأت حياتي تتخذ مجرى آخر .. بزوال مهند .. ها أنا استطعت أن أأقلم حياتي على نمطها الجديد فهل سيستطيع كمال ؟ ... ظننت للوهلة الأولى أنه لن يستطيع العيش بدون مهند لكني اكتشفت بعد فترة أن دموعه لحظة الوداع دموع التماسيح و أنه لم يصدق أن مهند سيغادر و يترك له الجمل بما حمل ..
و كم من أحداث حدثت غيرت الكثير ..
--
من جديد .. يتقدم كمال لخطبة أختي ..!! لكن هذه المرة مغايرة للغاية ..



كدت أصيب بجلطة دماغية .. صرخت :" تبـــــــــــــــــــاً لك يا جليل !!!!!!!!!! "

==

نظر لي لبرهة ثم قال :" من صالح هيام أن توافق "

==

" لا يا عزيزي .. فقط أبرز لها ايجابيات الرجل .. أختك لازلت مغرورة و ترى أنها تحتاج لشخص أقوى منها .."

==
تنهدت .. هكذا سأشعر بالذنب ..


بوح قلم 11-04-11 08:23 AM

الجزء الواحد و الثلاثون

طرقت باب غرفتها .. و ظللت أنتظر .. حتى جاءني صوتها :" من ؟ "
" أنا حسام .. "
فتحت الباب .. و نظرت لي لبرهة :" ماذا هناك ؟ "
" سأخبرك بكل شيء فقط دعيني أدخل "
أفسحت لي المجال .. فاتجهت نحو أحد المقاعد و جلست .. أسرعت هي و جلست أمامي مستغربة :
" ماذا هناك ؟ "
نظرت لها لبرهة ثم قلت :" مم .. ثمة شخص يريد خطبتك "
نظرت لي مطولاً .. ثم همست :" صديقك أليس كذلك ؟ "
ابتسمت :" كيف علمت ؟ "
نظرت لي بعمق ثم قالت :" أتعرض على أصدقاءك خطبتي ؟ "
نظرت لها بصدمة ثم أجبت منفعلاً :" من قال ذلك ؟ "
ابتسمت :" أي صدفة هذه ؟ أصدقاءك يتقدمون لي واحداً تلو الآخر .. في فترات قصيرة .."
تنهدت :" لا أبداً .. أنت أغلى من ذلك ...صدقيني "
رمقتني طويلاً .. ثم قالت :" و من هذا الأخير "
ابتسمت :" سأعرفك عليه .. ربما التقيته في المكتبة مرة من المرات و حاول أن .."
قطبت حاجبيها بسرعة :" المتطفل ثقيل الظل "
ضحكت :" هو بعينه .. "
و أتممت :" أسمه كمال .. كون له محل لبيع الدمى ..لا أخفي عليك .. أنه ثري .. لم أرى منه أي تصرفات سيئة كمعاكسة الفتيات .. كما أنه يحب عمله كثيراً .. و من طبعه .. أنه إذ أحب شخصاً يفديه بمهجته .. و يقدم له ما يستطيع تقديمه ...عمره سبع و عشرون سنة ..كعمرك بالضبط ..يحب التطور في العمل و يؤيد فكرة أن زوجته ترتقي بعملها .."
نظرت لي مطولاً .. فضحكت :"ليس متطفلاً و ثقيل ظل .. لكنه طار عقله عندما رآك .. فهو عادة ما يكون متزن و ذو أفكار رائعة و لا نتخلى عنه أبداً في المجموعة "
تنهدت هي .. فقلت :" ما رأيك ؟ "
نظرت لي بعمق .. ثم قالت :" أخشى كثيراً من ذلك الوحش .. وحش العنوسة .. فها قد بدأ جمالي يتلاشى .. لا أريد أن يتهموني بالغرور .. أنا فعلاً لا أجد من يناسبني .. لذلك أنا موافقة لاجراء مقابلة مع هذا الشخص "
ابتسمت :" حسناً عزيزتي .. "
=
" آنسة حسناء .. أيمكنني أن أسألك سؤالاً ؟ "
كنت متحمساً للغاية أخيراً تشجع جليل .. التفتت له مبتسمة :" تفضل سيد جليل "
ابتسم بارتباك .. ثم نظر لي .. على أساس أني مبتعد عنهما و لا أسمع شيئاً و كنت أتظاهر أني أعبث بهاتفي .. عاد ينظر لها و هي على مكتبها و تنتظر اجابته و لازلت تلك الابتسامة اللطيفة ترتسم على وجهها ..
تنهد ثم قال بصعوبة :" لك الخيار .. أن تجيبي أم لا "
قالت بلطف :" بالتأكيد .. ما هو سؤالك "
نكس رأسه .. ثم همس :" أنه يتعلق بشيء يخصك .. "
و صمت لفترة .. فقالت هي باستغراب :" ما هو ؟ "
هيا قلها ، قلها .. رفع رأسه :" بصراحة أني خائف من ردة فعلك .. أرجوك لا تفهميني خطأً "
ابتسمت :" اطمئن .. هيا قل ما هو سؤالك ؟"
ازدرد ريقه بارتباك :" بصراحة أعجبني اسلوبك في اضافة الأضواء على التصميم فهل تستطعين أن تعلميني إياه ؟؟ "
كدت أصيب بجلطة دماغية .. صرخت :" تبـــــــــــــــــــاً لك يا جليل !!!!!!!!!! "
=
اتصلت بأبي و سألته إن كان متفرغاً الليلة لاجراء المقابلة .. قال أنه مشغول و غداً ربما ينشغل أيضاً .. أنا أقول دائماً .. حظ كمال عاثر لدرجة واضحة ..و عدت للمدرسة .. فأخبرني سهيل أن البرنامج الذي عمل عليه سبعة أشهر أخيراً أعجب وزارة التعليم و هم الآن يعملون على تعليم المدرسين الجدد عليه .. سعدت لأجله كثيراً :
" عليهم زيادة راتبك يا سهيل "
ابتسم :" و سوف أُكفل بتعليم المدرسين الجدد على كيفية استخدامه .. "
ابتسمت له فقال :" ماذا جرى مع كمال "
صمتت لبرهة ثم قلت :" لحد الآن لم تجرى المقابلة .."
" أتمنى له كل خير "
نظرت له طويلاً .. بالرغم أن سهيل كان يقول لي زوج أختك إلى أي أحد إلا كمال ..
=
أخيراً .. ها أنا أجلس مع والدي .. بينما كمال و أختي هيام في مقابلة .. في غرفة المجلس العلوي .. ابتسمت قائلاً :
" كمال و هيام .. اسمان مناسبان للغاية "
نظر لي أبي باستفهام :" ماذا قلت ؟ "
ضحكت :" أ.. لا .. أبداً .. "
و عدت أحادثه :" ما رأيك به "
نظر لي لبرهة ثم قال :" اسمع حسام .. أمام هيام خيارات قليلة للغاية .. يجب أن تنتهز الفرصة .. برأيي .. كمال شخص عادي .. شخصية عادية للغاية .. بها من العيوب .. أرى أنه إن تزوج أختك .. ستكون هناك خلافات كثيرة بينهما .. دعنا نتحدث بواقعية .. مستواه الفكري أقل بكثير من مستواها الفكري ..لكن حتماً سيتقألمان مع بعضهما البعض .. من صالح هيام أن توافق "
و تنهد قائلاً :" إن لم تتم الخطبة هذه المرة سيحل اليأس على والدتك .. بصراحة ..يجب أن تحاول يا حسام اقناعها أكثر به "
صحت بغضب :" أأجبرها عليه ؟ "
" لا يا عزيزي .. فقط أبرز لها ايجابيات الرجل .. أختك لازلت مغرورة و ترى أنها تحتاج لشخص أقوى منها .."
تنهدت .. هكذا سأشعر بالذنب ..



و فتحت الباب .. لأراها تنزع الشال من على رأسها بقسوة على نفسها ..

==

و اقتربت قائلة :" غرورك جعلك عمياء لا تدركين من أنت الآن .. لست تلك الأميرة الرائعة .. أنت الآن عانس .. عانس عليها أن تحمد ربها على هذه الفرصة الثمينة الذهبية .. "

==

أطلق سهيل ضحكة مرحة و صفر بفرح و صاح :" يا إلهي كم أنا محظوظ .."

==

مهند ! .. ياه .. انقطع عنا تماماً ..




بوح قلم 11-04-11 08:23 AM

الجزء الثاني و الثلاثون
و انتهت تلك المقابلة .. كمال عندما خرج كان متجمداً .. و الظاهر أنه لقي من الكلام ما آذاه .. نظرت لهيام التي هربت من أمي صاعدة لغرفتها ..لحقت بها .. فاستوقفتني أمي قائلة :" ماذا جرى ؟ "
" أنا لا أدري .. سأذهب لأرى .. "
و بسرعة صعدت السلم قاصداً غرفتها .. طرقت الباب فأجابتني :" اتركوني لحالي "
عدت أطرق الباب في قلق و أقول :" افتحي أنا حسام "
صرخت مغتاظة :" اتركوني .. أني منهكة .. ابتعد "
تراجعت خطوتين و أنا أتأمل الباب .. ثم مددت يدي للمقبض و فتحت الباب .. لأراها تنزع الشال من على رأسها بقسوة على نفسها .. ثم نظرت لي بحدة .. و ارتمت على أحد المقاعد ..اقتربت منها بقلق و جلست أمامها قائلاً :
" ما الذي جرى "
رفعت رأسها بغرور و تعالي و قالت :" قلت لك أن جمالي و يتلاشى و عمري يتقدم لكن هذا لا يعني أن تستخف بي و تستنقصني لهذه الدرجة .. أهذا صديقك الذي تفخر به .. لم أرى شخصاً أتفه و أحقر منه "
زمجرت :" ألفاظك .. "
و بغرور وضعت رجلاً على رجل و قالت :" يفتخر بأشياء تافهة ليس لها معنى .. أتعلم ماذا قال عندما دخلت ؟ "
صرخت بها :" كفى ...... "
صمتت هي فقلت :" تريدينه أم لا ؟ "
نظر لي لفترة ثم قالت بغرور :" لا .. أنا أكبر من أتزوج شخصاً يملك عقل طفل "
جاءنا صوت أمي الغاضب :" أيتها المجنونة "
و اقتربت قائلة :" غرورك جعلك عمياء لا تدركين من أنت الآن .. لست تلك الأميرة الرائعة .. أنت الآن عانس .. عانس عليها أن تحمد ربها على هذه الفرصة الثمينة الذهبية .. "
قالت هي بغرور أكبر :" أن أبقى عانس أفضل من أربط مصيري بطفل .. "
قلت بغضب :" الآن كمال طفل .. ؟ إذ كان رأيك في من يعاملك بلطف أنه طفل .. فأنت لا تستحقين اللطف أبداً "
نظرت لها أمي بحدة .. ثم قالت :" أفيقي يا هيام .. و أنظري لنفسك جيداً .. إلى متى ستظلين هنا .. حتى أخاك الذي يصغرك بخمس سنين ..سوف يتزوج و وحدك أنت من سيظل هنا .. "
=
هيام بقت معاندة و كانت لديها أسباب لرفض كمال تافهة للغاية .. تقول شخص يعمل في محل لبيع الألعاب حتماً سيكون طفل من الداخل لأن هذا العمل لا يطور من الذات شيئاً .. انتقدت فيه كل شيء .. و رأيتها تبحث عن سلبياته .. شعرت أنها تريد شخصاً بقوة شخصية سهيل .. رغم أنها كانت تكره في سهيل تسلطه .. لا أدري ما الذي تريده هيام بالضبط ....
في المدرسة .. ها هو المدير يدخل غرفة المكتب و يخاطب سهيل :" من اليوم ستبدأ رحلة تعليم البرنامج "
ضحك سهيل :"و أنا مستعد "
ابتسم المدير :" كبداية .. جلبنا لك فتاتان لازلتا مبتدئتان .. في مجال التعليم .. و سوف تتكفل أنت بتدريسهما طوال سنة دراسية كاملة على برنامجك الرائع .. و إذ ظهرت نتائج تدريبك ممتازة .. ستسطيع أن تعمل في الجامعة الملكية ..براتب أقوى طبعاً ..و سوف تحصل على اهتمام أكبر "
أطلق سهيل ضحكة مرحة و صفر بفرح و صاح :" يا إلهي كم أنا محظوظ .."
ابتسم المدير و قال :" أنا سأنادي الفتاتين فابذل قصارى جهدك يا سهيل "
ضحك :" لا تهتم "
غادر المدير .. فارتمى سهيل على مقعده صارخاً بجنون :" فرحــان "
خاطبته ساخراً :" يحق لك "
هنا جاءنا صوت ما :" مرحبا "
دخلت فتاتين احداهما فتاة مألوفة للغاية .. صحت :" أهلاً آنسة رحاب ... "
نظرت لي هي و ابتسمت بانفعال :" مرحباً أخ .. .. "
و قالت بحرج :" نسيت اسمك "
ضحكت :" حسام ، حسام ..ماذا تفعلين هنا ؟ "
ابتسمت :" جئت لأتدرب عند السيد سهيل .. مع صديقتي "
و أشارت لصديقتها التي تبدو فرنسية .. صحيح أنها محجبة لكن تقاسيم وجهها أجنبية بحتة .. ابتسمت للفتاة ثم عدت أخاطب الآنسة رحاب :" و لماذا استقلت من عملك ؟"
نكست رأسها قائلة :" لا أدري .. لكن الأعمال أصبحت أصعب .. و كان علي أن أحل محل السيد مهند .. و المدير أبى أن يرفع من راتبي .. و كان يقلل من شأني دائماً .. فقدمت استقالتي .. و بيني و بينك أني منزعجة من هذا العمل"
ابتسمت .. يبدو أن الفتاة استقالت لعدم وجود مهند و قد بدا المكان موحشاً بدونه .. أين أنت يا مهند ..عدت أسألها :
" هل أنت فرحة لأنك ستعملين في مجال التعليم ؟ "
قال سهيل :" كفى ثرثرة يا حسام و دعني أرى عملي "
--
اتصلت بي أمي قائلة :" حسام عزيزي .. أختك .. "
" ما بها ؟ "
" لا أدري .. و لكنها أتت لي و قالت لي بهمس أنها فكرت جيداً و اتخذت قرارها "
قطبت حاجباي :" اتخذت قرارها في ماذا ؟ "
" أنها موافقة على صديقك كمال ؟"
!!!!!!!!!!! ..
شعور كمال ؟!! بالتأكيد ليس بمصدق ..صاح بي و نحن في غرفة المجلس الفخمة في منزله ..:" أتمزح ؟ "
ابتسمت :" لا أبداً "
نظر لي طويلاً و عينيه مفتوحتان على أقصاهما .. و ظل صامتاً لفترة ..ثم قال:" أيعني أني أستطيع العقد عليها "
ضحكت :" ما بك؟ .. بالتأكيد نعم .. لكن بعد تتفق مع والدي في أمور المهر و غيره "
صاح بفرح :" الحمد لله "
--
و كما حدث مع سهيل في تلك المرة .. ها هو كمال يستوسط صالة الحفلة .. يمشي بزهو .. و يسلم على هذا و ذاك .. بفرح .. نظرت أنا لجليل الفرح و هو يخاطب سهيل .. و ينظران لكمال و يضحكان .. أظن أن كمال لم يكن سيء الحظ كما كنت أوصفه ..بل كان محظوظ .. لأنه الآن يتزوج أختي بدون ضغوظ و نظرات حقد من الذي حوله .. و لقد تنظمت له الظروف و سافر مهند لتزول أكبر عقبة .. مستحيل أن يخبر كمال مهند عن زواجه في الوقت الحالي .. مهند ! .. ياه .. انقطع عنا تماماً .. لا أدري لماذا لا يتصل ؟.. و حتى أنا .. لست مشتاقاً له .. لماذا ؟ لا أعلم ؟ .. لا شيء يدفعني للاتصال به ؟.. كل شيء يحدث .. أرى أنه لا داعي لأخبر مهند به ؟..
أرى كمال متحمساً .. للخروج من صالة الرجال .. ليلتقي بهيام في صالة النساء..--




بوح قلم 11-04-11 08:24 AM

الجزء الثالث و الثلاثون
في المدرسة و في غرفة المكتب ..
ضحك جليل :" أين هو ؟ مر اسبوعين على الخطوبة و لازال مبتعداً عنا "
نظرت لأوراقي و قلت مبتسماً :" أتمنى له أن ينقطع عنا .. فكل متزوج يظل محافظاً على أصدقائه بالتأكيد سيخسر زوجته .. عليه أن يختار أحد الاثنين "
هنا دخل سهيل و خلفه رحاب و صديقتها .. نظر لجليل مستغرباً :" ما الذي أتى بك جليل "
ابتسم جليل :" صباح هذا اليوم حل علي الكسل .. فعزفت عن الذهاب للعمل "
جلس سهيل أمام مكتبه و شغل الحاسوب و أشار للفتاتين بالجلوس .. و بدأ بالشرح .. نظرت أنا لجليل و همست :
" منذ أن كلفه المدير بهذه المهمة بات جاداً على غير عادته "
ابتسم جليل و قال :" أهذه تلميذته سجى ؟ "
قلت مستغرباً :" و كيف عرفت اسمها ؟ "
ضحك و قال بهمس :" هو من أخبرني أنها تمدحه كثيراً .. "
قفز حاجباي للأعلى و اتسعت ابتسامتي .. و قلت :" أحقاً ... ؟"
و نظرت لسهيل المنهمك في الشرح و الفتاة تنظر له باهتمام شديد .. همست :
" ليته يفكر برومنسية و لو مرة واحدة بحياته و يتزوجها .."
كان ذلك الأمر مشابهاً لقصة رحاب مع مهند .. لكن أتمنى ألا يلقيا نفس النتيجة ..
=
مرت الأيام .. ها أنا أجلس مع زوجتي جمانة نشاهد التلفاز .. أحاول فتح موضوع .. لكنها تغلقه في وجهي ..و هي تحاول فتح موضوع .. فأغلقه في وجهها .. لا نتفق على موضوع واحد نتحدث فيه سوية .. حتى موضوع خلود ..
رن هاتفي .. فرفعته و أجبت :" مرحباً .. من يتكلم "
جاءني صوت غريب متحشرج :" أنا .. ألم تعرفني ؟ "
قلت مستغرباً :" لا .. من معي ؟ "
ضحك :" أنا مهند .."
لا أدري لماذا لم أنفعل و لم أرحب به .. رغم الفترة الطويلة التي مرت على غيابه ..
ابتسمت :" أهلا بك .. ما بك .. صوتك متغير ؟ .. أأنت مريض ؟ "
" لا .. لكني كنت بحاجة لبصيص من الفرح .. "
قطبت حاجباي :" مابك تتحدث هكذا ؟.. ما الذي حدث ؟ "
ضحك :" لا تهتم أنت .. أمور قد تحزنك دون أن تفيدني بشيء .. قل لي ما هي أخبارك ؟ "
صمتت لفترة .. ثم قلت :" بخير ... "
تنهد.." إذاً وداعاً "
..!! .. و سرحت لفترة .. ما الذي جرى يا مهند ؟ أكانت توقعاتي صحيحة ؟ ابن عمه ذاك لن يكترث به إذا كان يكرهه .. و لكن إذا كان كرهه لمهند أكبر من المعقول .. يا ترى ماذا سيفعل به ؟ علي ألا أنسى أن مهند مريض ..
--
بعد ثلاثة أشهر تم الزواج بين كمال و هيام .. بعد خطوبة رائعة مليئة بالتعايش و التناغم و المحبة ..هيام ..ممم .. سعيدة بكمال .. ليس كشخص .. بل بكل ما يملكه ..كمال بثروته الكبيرة .. كمال بمنزله الفخم .. كمال بوالدته الطيبة .. كمال بسيارته الفارهة .. كمال بشهر العسل الرائع إلى عدة بلدة أجنبية .. كمال بوسامته و طوله .. أما كمال بشخصيته .. فهذه وضعت هيام عليها حرف إكس أحمر .. لم تكن معجبة بشخصه .. و كانت تجاريه و تجاري تفاهته كما كانت تقول لي دائماً .. و كنت أتنبأ بزوابع خطرة ستقلب هذه العيشة رأساً على عقب ..
=
صرخت بقوة :" ماذا فعلت أخ جليل ؟.. "
جليل كان متسمراً .. منهاراً .. مرتبكاً .. بوده لو يقتل نفسه .. نظرت هي لشاشة الحاسوب و ظلت تجري بحثاً في الملفات و هي تصرخ بجنون :" أضعت كل عملي طوال ستة أشهر ؟ "
و استندت على الكرسي و هي تمسك برأسها بكلتا يديها ..و همست :" رباه "
و فاجأتني عندما نكست رأسها و بدأت بالنحيب ..نظر لي جليل بصدمة و بألم و انكسار .. ثم خاطبها :
" أرجوك أخت حسناء سامحيني "
رفعت وجهها المغرورق بالدموع .. و همست :" قلت لك ضف ملفاً جديداً و ضع فيه تصاميمك .. لم أقل لك أن تحذف شيئاً .. أكان صعباً عليك ؟ ؟؟ أهذه أول مرة تستخدم الحاسوب ؟ و أنت مبرمج و مصمم ؟"
و صرخت :" أنت غبي "
ثم ركضت مغادرة ..نظر لي جليل مكسوراً منهاراً و حزيناً .. ثم قال :" أنا سيء الحظ .. طوال عمري "
--
مرت الأيام و الشهور .. تدفع بعضها بعضاً .. الذي لم أتوقعه .. أن هيام قد تكون ظالمة .. و قاسية .. و تصل قسوتها إلى أقصى الدرجات و لا يرأف قلبها لزوج ملهوف و محب لها .. طوال تلك الأيام و الشهور يظهر لي كمال بأنه فرح بزواجه و أقتنع بل و أصدق .. و طوال تلك الأيام و الشهور تظهر لي هيام بأنها فرحة بزواجها و أقتنع بل و أصدق ..
بعد كل هذه الفترة ..الطويلة .. يأتي كمال بهالات سوداء تحت عينيه و بثياب مهملة و بوجه شاحب ..
يهمس :" ما عدت أحتمل .. سأطلقها "




بوح قلم 11-04-11 08:25 AM

الجزء الرابع و الثلاثون
نظرت لي و هي تلون لوحتها بفن و قالت :" نعم .. أنا من طلبت منه الطلاق "
صرخت بها بحدة :" لماذا يا هيام ؟ ... أنتما لازلتما في بداية الطريق .. لماذا الطلاق .. ما الذي جرى "
نظرت لي قائلة :" أنا لا أصلح له .. قلت لك أنه تافه و أنا لا أناسبه .. "
تنهدت .. و استدرت لأغادر لكنها استوقفتني قائلة :" حسام .. "
أجبتها :" نعم "
نظرت لي بعمق ثم همست :" أشعر بتأنيب الضمير .. لكن علي أن أحكي لك ما جرى "
اقتربت منها و جلست أمامها :" قولي ما لديك"
و بدأت بسرد ما حدث .. :
(( الخطوبة كانت رائعة .. صحيح أني كنت أنزعج من أفكاره التافهة لكني كنت أجاريه ..و مضت فترة الخطوبة بسلام .. لكني مع انتقالي للعيش في منزله بين أخواته و أمه .. بدأت أفكاري الشيطانة بالتولد إلى أن كبرت في ذهني .. و صرت أشرس و أقسى من قبل .. معه و مع أخواته و أمه .. و كون أبيه مسافر طيلة تلك الفترة تسنت لي الفرصة لأبدأ أعمالي السيئة مع كمال الطيب الحنون و أخواته اللاتي لا يزلن مراهقات .. و قبل أن أحكي لك حكايتي .. تأكد أن صورتي ستهتز أمامك .. لكني مجبرة على البوح .. فوجع ضميري لا يهدأ ..
في أول يوم .. قادني كمال بلطف نحو ذلك المنزل الفخم .. نظرت إليه فرأيته يبتسم لي بفرح جامح .. قال :" سأحاول ما استعطت أن أدخل الفرحة لقلبك يا هيام .. "
اصطنعت ابتسامة مزيفة ..و مضيت معه إلى داخل المنزل .. هناك عرفني على والدته الطيبة التي كانت جالسة في المطبخ من حولها بناتها الثلاث ..أعمار الفتيات كانت تتراوح بين الأربعة عشر سنة و الثامنة عشر .. مع مرور الأيام تعمدت أن أرمي كلماتي اللاذعة على كمال أمام والدته .. و صرت أهزئه بعدما نفذ صبري عليه .. شخص تافه ..
والدته الطيبة كانت تصمت في البداية ..لكني صرت أحدث الجارات عن تفاهة كمال و شخصيته الضعيفة و نظراته المزعجة و معاملته لي و كأني أمه .. و صرت أبالغ في سلبياته و أتخذ اسلوب السخرية أمام الجارات و والدته جالسة تراقبني بغيظ .. فينفجرن ضحكاً رغبة بالمزيد من الكلام الساخر المضحك ..و أتمم ذلك الحديث و أسخر أكثر و أبالغ أكثر .. في يوم ما و في وقت الغداء .. كالعادة بدأت بالسخرية من كمال و هو صامت ..في قمة حرجه .. لاسيما أن أخواته كن يراقبنه و ينتظرن منه أن يوقفني عند حدي .. و كنت ابتسم بثقة.. كنت واثقة أنه لن ينبس ببنت شفة .. قلت له بالتحديد _بسخرية :" ألا تستطيع أن تصبح مثل صديقك و تترك عنك الاعتماد على أباك كالطفل ؟ " و كنت آنذاك أقصد .. بصراحة كنت أقصد سهيل .. خاطبي السابق .. بالتأكيد اشتعل كمال بغيرته ..و كنت متوقعة أنه سينهض و يصفعني إلا أن الصفعة جاءت من والدته الطيبة الصامتة .. و منذ ذلك الحين بدأت حربي معها .. بالتأكيد حربي معها كانت أعنف و أطول و أشد من حربي مع كمال ..
منذ ذلك اليوم بدأت بالتقرب إلى أخواته .. و ساد جو من الحب و التودد ..بيني و بينهن .. و صرن يملن لي أكثر مما يملن لأخاهم كمال .. لكني كنت أطمح لأكثر ..عززت علاقتي بهم لحد أني عندما كنت أشاجر كمال الصامت الطيب أجد الفتيات في صفي .. و هذا أثار دهشة كمال و والدته .. لم أكتفي .. فقد رأيت احدى أخواته التي تدمن الانترنت تخاطب ذكراً .. عبر الانترنت ..فأيدتها بقوة وصرت ألقنها ما يجب أن تقوله له .. إلى أن قلت لها :
" ما رأيك أن تفتحي الكاميرا و تريه جمالك الرائع لسوف يجن "
نظرت لي بخوف :" ماذا ؟.. لا .. لن أفعل "
و صرت أقنعها .. إلى أن وافقت و لكن بشرط أن تبقى بالعباءة و الحجاب .. و وجدت أني لم أفعل شيئاً ..لكني تركتها تفعل هذا .. و قد جن من كانت تحادثه و أصر عليها أن تخلع الحجاب أو تزيحه قليلاً .. و كنت فرحة .. لأني أنفذ انتقامي لكمال و أمه ..نظرت الفتاة لي قلقة فطمأنتها بأساليبي و حثثتها على خلع حجابها .. فخلعت .. و لم أكتفي بذلك .. من طبيعة الشاب أن إذ رأى الفتاة متقبلة هكذا .. أن يطلب منها التقابل .. و كنت أنتظر هذا .. و أثناء ذلك كنت أنفذ انتقامي في أخت كمال الأخرى .. لازلت تبلغ الرابعة عشر عاماً ..و لا تعلم عن أمور الدنيا شيئاً ..بطريقتي .. استدرجتها .. و صرت أشتري لها كتباً ممنوعة أن تنشر في المكتبات و آتي بها إليها فتقرأها و تأتي لي تسألني عن الأمور التي لم تفهمها فأفهمها .. كنت واثقة أن أخلاق الفتاة بدأت بالتلاشي .. و فكرها بدأ بالتلوث .. و أفعالها صارت تثير الريبة بالنسبة لأمها ..أهملت دراستها ..و سلكت طريق قذر .. بل أشد قذارة مما كنت أتصور .. و هذه الفتاة هي من أشعرتني بالذنب ..و كما توقعت الفتاة الأولى طلب منها صاحبها التقابل و هي ترددت لكني دفعتها لخطو هذه الخطوة و خرجت معها لشراء أجمل الثياب .. و عادت لي مبتسمة مرتاحة .. و توالت مرات خروجها معه في وقت ذهاب كمال للعمل .. و انشغال أمها في زيارة الجيران .. و كانت مرتاحة ..و سعيدة .. كانت تقول أنها أخيراً وجدت من يقدرها و يحسسها بقيمتها .. و كنت فرحة في داخلي .. أثناء تجولي مع كمال في أحد المجمعات رأيت قسماً يبيعون فيه أفلام مخلة للآداب فابتسمت و قلت في نفسي :" هذا ما كنت أبحث عنه لأفسد تلك الفتاة ذات الرابعة عشر تماماً "
طبعاً ستتساءل لماذا كنت حاقدة بهذا الشكل ؟.. والدة كمال .. كانت تشوه صورتي أمام الجارات و تنفرهن عني .. و احدى الفتيات قطعت علاقتها بي بسبب أم كمال .. أما كمال الحقير .. آسفة .. لكنه كان فعلاً حقير و تافه .. كان يقول دائماً لي :" أختي تفعل كذا .. لماذا لا تفعلين مثلها .. "؟
و قد ظنني فتاة عديمة الشخصية لهذا الحد لأقلد أخواته المراهقات .. و كان يبرز مساوئي أو يخلق مساوئ لي أمام أخواته .. و عندما أهدده ألا يعيد ذلك يقول بكل بساطة :" وددت أن اطورك قليلاً "
ماذا كان يظنني ذلك الأبله ؟!! كان حقاً يثير غضبي و يجرح كبريائي .. و يصغر من حجمي ..
و امتدت أيادي انتقامي .. لا تسميه انتقاماً .. بل تربية جيدة لكمال ليميز بين الشخص العالي و الشخص الدنيء ..جربت أن أأثر على الفتاة الثالثة التي تبلغ العشرين عاماً .. لكن اشتاطت غضباً مع أول محاولة فتركتها لفترة لتهدئ و تجرها شهواتها و يجرها غبائها الذي يتوارث في هذه العائلة .. لكن غباء هذه الفتاة انقلب علي .. فقد ذهبت و أخبرت أختيها بالاقتراح القذر التي اقترحته عليها _ حسب ما قالت .. و علمت هي أن أخواتها كن تحت سيطرتي و امرتي .. فلجئت الفتاة لأمي بدموع خائفة على أختيها .. و أخبرتها بالذي فعلته أنا ..فانفجرت الأم غضباً و غيظاً .. و جاءت لي في ساعات من ساعات الليل .. يوم كنت مع كمال في غرفة الجلوس .. يحاول الاقتراب مني ببعض التساؤلات ..و كان آنذاك ينوي كسب ودي .. كان لطيفاً للغاية .. بمجيء أمه العجوز الخرفاء ..و بصرخاتها الغاضبة و كلماتها الجارحة و حديثها الطويل عن ما فعلته ببناتها ..صُعق كمال و رماني بنظرات حزن عميق .. و من هنا بدأ بالتحقيق مع أخواته .. إلى أن اكتشف الأفلام السيئة التي تملئ خزانة أخته الصغرى .. و اكتشف ألبوم صور بالكامل يحوي صور أخته الوسطى في الحدائق و المنتزهات و المجمعات مع صاحبها الذي تعرفت عليه عبر الانترنت ..
و رأى دموع أخته الثالثة و هي تبكي :" أي أفكار هذه التي أدخلتها زوجتك في ذهني ؟.. صرت أكره ذاتي "
على الفور أتى لي بعينين لامعتين و بغضب كبير .. و رفع يده مستعداً ليصفعني .. لكن والدته أوقفته صارخة :
" لا .. دعها و شأنها .. قم بــ ..."
بسرعة قلت أنا لأحمي كبريائي :" طلقني !! "
و هذا ما جرى بالتفصيل ))
نظرت لها بعينين حمراوتين .. و أنا أزيد من قبضة يدي .. صرخت :" هيام .......!!!
أنت لا تستحقين كمال ..
و لا سهيل ..
و لا جليل ..
و لا حتى مهند ..
أنك لا تستحقين إعجاب أي أحد .."

مقاطع من الجزء القادم

فرماني بكتاب سميك بجانبه بلا شعور .. انتفضت سجى و هي تنظر لي ثم نظرت لسهيل بخوف و ارتباك و همست

==

و صحت بجنون :" رباه يال فرحتي .. لكن كيف .. أنت قلت أنك ستعود بعد أربعة سنين ؟ لكن ليس هذا موضوعنا مهند أخيراً ستعود لا أصدق ..لسوف نقيم لك حفلاً اسطورياً في المطار .. أنت .. آآآآه كم أنا سعيد "

==

صاح سهيل :" لحظة .. نحن لم نشبع منك مهند "

==

انتفضت بانفعال :" بل أشقاه ابن عمه مراد .."




بوح قلم 11-04-11 08:25 AM

الجزء الخامس و الثلاثون

مرت أربعة أشهر .. و كمال على حاله ،، مكتئب للغاية ..و منشغل بأهله كثيراً ... و أنا لازلت محرجاً منه .. علي التحدث عن أختي هيام لكم .. لم أتوقعها بهذا السوء !! ألم أكن أعرفها حق المعرفة ..لم أكن أتوقع أنها ربما تفكر هكذا ..شعورها الآن ؟ ألم الضمير لا يهدئ و لكني أشك في ذلك .. ربما تمثل فحسب .. صرت أتوقع أي شيء ..الآن بدأت قصة جديدة للغاية .. سهيل مع تلميذته " سجى "
دخلت غرفة المكتب فرأيت سهيل بجانب تلميذته المجدة سجى منهمكاً في تعليمها .. اقتربت أنا و جلست أمام مكتبي مبتسماً .. و قلت :" آنسة سجى أين صديقتك الآنسة رحاب ؟ "
نظرت لي و قالت :" اليوم ذهبت للمشفى "
قال سهيل منزعجاً :" حسام أنت ..!! ما بك .. إذا ما رأيتني منشغلاً في عملي تتدخل بطريقة مزعجة للغاية "
أطلقت ضحكة عالية .. و غمزت له :" منذ متى ؟ و كأنني لا أعرفك .. في السابق كنت تجلب معك سجادة الصلاة .. لا للصلاة فقط .. بل لتنام عليها .. منذ متى و أنت في قمة انشغالك ؟ "
اشتعل غضباً و نظر للفتاة التي بجانبه سجى و صاح :" يبدو أنك خلطت بين الامور .. أنت من يفعل هذا "
علا صوت ضحكي الحاد و الذي أثار غضب سهيل .. فرماني بكتاب سميك بجانبه بلا شعور .. انتفضت سجى و هي تنظر لي ثم نظرت لسهيل بخوف و ارتباك و همست :" عذراً .. سأعود بعد خمس دقائق "
و نهضت مغادرة ..نظر لي سهيل مشتعلاً .. فهمست أنا :" ماذا جرى لك أجننت سهيل ؟ إلى متى ستظل عنيفاً و لا تستطيع كتم هذا العنف حتى أمام الأناس الناعمين .."
عض شفتيه :" لماذا تحاول أن تنقص من مكانتي ؟!! "
و همس :" و أمام الآنسة سجى ؟ أنت لا تفهم "
رفعت حاجباي مستغرباً .. ثم أطلقت ضحكة عالية و صحت :" آآه .. أخيراً .. يا لي من ذكي .."
نظر لي فاتحاً عينيه على أقصاهما و قال :" حسام ؟ أجننت ؟ "
قهقت و صرخت :" أخيراً جاء الحب .. و على قدميه "
همس :" أصمت .. فضحتنا .. "
و نظر لي مقطباً حاجبيه :" عما تتحدث و تخرف ؟ "
غمزت له :" تتظاهر بأنك لا تعرف شيئاً .. "
هنا دخلت الآنسة سجى مبتسمة :" سيد سهيل .. هلا أتممت الدرس ؟!"
--
جلست بجانب جليل الذي يعمل بجد ..نظر لي و قال :" ما حال كمال ؟ "
تنهدت :" انقطع عني كما انقطع عنكم .. أنه مشغول للغاية .. لكنه سيعود كما كان قريباً "
هنا رن هاتفي .. أجبت :" مرحباً من معي ؟ "
أجابتني جمانة :" أنا .. عزيزي .. اجلب لي في عودتك بعض الفواكه الأنيقة .. فراولة .. كرز .. أناناس .. لدي زوار هذا المساء .. "
تنهدت :" نعم نعم .. على عيني .. "
و أغلقت الخط .. و ما إن أغلقته حتى رن هاتفي فأجبت متنهداً :" أهلاً من معي "
جاءني صوته المميز :" أهلاً حسام .. ما حالك ؟ أنا مهند "
" أ.. "
قاطعني:" سأعود أخيرا .. عصر هذا اليوم استقبلني في المطار أرجوك .. و إن أمكن قل لجليل و سهيل و كمال"
ضحكت بفرح :" أحقاً .. أحقاً عزيزي مهند ؟ "
و صحت بجنون :" رباه يال فرحتي .. لكن كيف .. أنت قلت أنك ستعود بعد أربعة سنين ؟ لكن ليس هذا موضوعنا مهند أخيراً ستعود لا أصدق ..لسوف نقيم لك حفلاً اسطورياً في المطار .. أنت .. آآآآه كم أنا سعيد "
و صرخت :" كم أنت رائع .. و كم أنا مشتاق لك .. يا إلهي .. الساعة كم الآن .. كم بقي على عودتك .. رباه ..رباه .. رباه !! "
ضحك و قال :" حسام أ... "
قاطعته ..صارخاً :" لسوف أجن .. الآن وداعاً .. "
قال مستغرباً :" لحظـ... "
صحت به :" سأذهب لأبشرهم ..أنت لا تعلم يا مهند .. أنك شخص عزيز للغاية نحبه كثيراً رغم كل شيء "
صمت لبرهة ثم همس :" أحقاً حسام "
" بالتأكيد "
و أقفلت الهاتف ..
--
وقفنا في المطار نراقب الناس المحملة بالحقائب ..نظر لي سهيل متحمساً :" ياه لم نره منذ زمن أليس كذلك ؟ و لكن ألم يقل أنه سيبقى ثلاث سنين ؟ .. سنة واحدة لم يكمل "
قال كمال :" ربما صفح عنه أباه "
صاح جليل :" كم أنا مشتاق له .. لقد افتقدناه كل هذا الوقت .. أليس كذلك "
ابتسمت :" بلى .. مهند عزيز علي للغاية .. أنا سعيد بأنه سيعود أخيراً "
صرخ سهيل :" ها هو ؟ "
=
جلسنا في منزل كمال .. رمقت مهند طويلاً أثناء ما كان يتحدث ..تغير كثيراً ..لا أدري ما الذي تغير فيه بالضبط .. عينيه ؟!! الهالات السوداء ؟؟ لون بشرته ؟ اختفى التورد و الاحمرار و طغى شيء من الشحوب على وجهه .. طريقة لبسه ؟.. كان يتفنن باختيار البذلات الأنيقة و ربطات العنق و الأحذية الفاخرة و الآن .. قميص عادي كحلي و حسب ..هذا خارجياً ... أما داخلياً .. فأني أرى نظرة كئيبة تسكن عينيه .. و حتى في طريقة حديثه كان متململاً و بالكاد يتحدث ..كان حذراً كثيراً في الحديث و لا يسترسل و لا يأخذ راحته خشية أن يقع في فلتات اللسان ..و لم يهتم بالسؤال عنا و عن أحوالنا كثيراً ..و الذي فاجئني أنه أخرج من حقيبته مفتاح شقته و نهض قائلاً بضيق :
" سأذهب لأخلد للنوم "
نهضت أنا :" سأوصلك "
صاح سهيل :" لحظة .. نحن لم نشبع منك مهند "
ابتسم مهند ابتسامة باهتة للغاية :" لا تأكلني دفعة واحدة .. دع الباقي للغد "
ضحك سهيل بانفعال .. فنظر لي مهند بعينيه السوداوتين العميقتين و قال :" حسام استرح .. سأتصل بسائقي "
و مشى ببساطة .. يجر حقيبته ببطء و بثقل ..تأملته طويلاً حتى خرج .. استدرت لهم و هم يتبادلون النظرات .. همس سهيل :" هذا ليس مهند .. منذ متى كان يثنيك عن توصيله و هو الذي كان يترجاك أن تفعل ذلك "
قال كمال :" لا تلومونه يا صحاب .. بالتأكيد أشقاه السفر "
انتفضت بانفعال :" بل أشقاه ابن عمه مراد .."
و مشيت خارجاً :" أنا سألحق به .. لأعلم جيداً .. ما الذي جرى "



اشتعل مصعب و تنهد مهند و عبث بشعره متململاً .. و قال مخاطباً مصعب :" تعال لي في الليل "

=

نظر لي لبرهة بعينين ناعستين .. و همس :" حسام .. عليك أن تتفهم أني عائد من سفر متعب .. دعوني أرتاح و لو ساعة واحدة .. "

=

ابتسم :" برأيي أن تغييراتي معظمها ايجابية .. فأنا أقلعت عن التدخين إذ كنت لا تعلم "

=

و قلت ساخراً :" هو أصلاً لا يبوح بأسراره إلا بعد أن تخرج روحي من جسدي "


بوح قلم 11-04-11 08:26 AM

الجزء السادس و الثلاثون

وصلت للعمارة .. على فكرة كان أبا مهند جاداً في حديثه بأن يعوض مهند كل شيء تلف في الشقة .. لكن ما الذي غير مهند .. إن كان قد زُود بالمال الكافي .. ما الذي غيره ؟؟ تخطيت الدرجات مسرعاً و وقفت أمام باب الشقة ..قبل أن أقرع الجرس .. رأيت ( مصعب ) يصعد الدرجات .. وقفت أرمقه بحدة قاتلة فرآني و لم يعلم ماذا يفعل سوى أن يبتسم :" مرحباً .."
نظرت له باحتقار :" لا أهلاً بك و لا مرحباً "
نظر لي لبرهة ثم قال مرتبكاً :" مهند .. مهند وصل أليس كذلك ؟ "
رميته بسهام نظراتي و خاطبته بنفور و اشمئزاز :" لا تنطق اسمه بلسانك و ان رأيتك تمر هنا .. لسوف أريك "
نظر لي بحدة و تشجع و صاح :" هل ستمنعني من لقاء صاحبي أيضاً .. تنح لو سمحت و دعني و شأني "
صرخت به بقوة :" تراجع أيها القذر الوقح "
نظر لي بحدة و تقدم مزمجراً :" احترمتك كثيراً لكنك لا تستحق الاحترام .. تمنعني من لقاء صاحبي الذي لم أراه منذ سنة ؟ و تسبني و أنا لم أؤذيك بشيء ؟ أي شخص أنت ؟.."
و دفعني بقوة و مضى نحو باب الشقة .. فسحبته من قميصه بقوة و دفعته به على عتبات الدرج الحادة .. فصرخ متألماً ..
و نظر لي بعينين ملتهبتين إلا أنه لم يستطع النهوض فزلزلني بصرخته :" أنك حقير "
هنا سمعنا صرير باب شقة مهند ..التفتت بسرعة .. يفتح مهند الباب ببطء و يرمقني مقطباً حاجباه و ملامح النعاس ترتسم على وجهه و هو يرتدي ملابس النوم .. همس :" حسام ؟ .. ماذا يجري "
عندما سمع مصعب صوت مهند صاح و هو يحاول النهوض :" مهند تعال ساعدني "
تقدم مهند و نظر لمصعب المرتمي أسفل الدرج .. استغرب و قال :" مصعب ؟!!"
و نزل الدرجات و انشغل بمساعدة صديقه الحبيب مصعب على النهوض و أنا أشتعل غضباً .. و زدت اشتعالاً عندما رأيتهما سعيدان برؤية بعضهما .. مهند استقبل مصعب بفرح أكثر من استقباله لنا ..
رمقني مصعب بحدة و خاطب مهند :" صاحبك هذا أساء لي .. "
صرخت :" هذه ليست اساءة .. هذا مجرد تعبير عن اشمئزازي منك .. لكن إذ أحببت أن ترى اساءتي .. فأنا جاهز "
اشتعل مصعب و تنهد مهند و عبث بشعره متململاً .. و قال مخاطباً مصعب :" تعال لي في الليل "
صرخت _ خارجاً عن ارادتي :" لسوف أجيء في الليل .. و إن رأيتك هنا ..سأ ......."
صرخ بي مصعب :" من تحسب نفسك ؟ سأجيء متى أحببت و لا يمكنك منعي .. "
اشتعلت .. و خلعت حذائي ثم قذفته به .. فصاح بي مهند :" كفى حسام أجننت ؟"
و نظر لمصعب و قال مستفزاً :" مصعب .. اذهب هيا .. "
زفر مصعب و غادر غاضباً .. فانحنى مهند بضيق و التقط حذائي و صعد الدرجات ثم أعطاني إياه و همس منزعجاً :
" خذ "
و اتجه نحو شقته .. ناديته :" مهند .. علي فتح حديث طويل معك "
نظر لي لبرهة بعينين ناعستين .. و همس :" حسام .. عليك أن تتفهم أني عائد من سفر متعب .. دعوني أرتاح و لو ساعة واحدة .. "
و دخل شقته ..فارتديت حذائي و تبعته و قلت :" إذاً بعض الأسئلة فقط "
زفر و استدار لي .. ثم اتجه نحو غرفته .. لحقت به فجلس هو على السرير و خاطبني ببهت :" حسام .. أرجوك ارفق بي .. علي أخذ راحة .. ساءت حالتي المرضية كثيراً و بدل أن كنت أتناول قرصين .. صرت أتناول أربعة .. و أوصاني الطبيب بزيادة ساعات النوم .. أنا لم أنام ليلة البارحة .. أرجوك دعني أنام .. "
و رمى بجسمه على السرير و أغمض عينيه .. اقتربت منه و جلست بجانبه و قلت قلقاً :" حقاً ؟ "
من دون أن يفتح عينيه همس :" نعم .. أرجوك اتركني أرتاح "
" هل كنت تجري تخطيط في بريطانيا ؟ "
زفر :" نعم .. و الآن اتركني "
ربتت على كتفه و قلت :" سأتركك .. و لكن لي لقاء معك في الليل فالغي موعدك مع ذلك المنحرف مصعب "
و لم تبدر منه أي ردة فعل .. سوى أنه بقي على وضعه .. مغمض عينيه .. نهضت و خرجت من شقته و أقفلتها من الخارج و دفعت بالمفتاح إلى داخل الشقة عبر المسافة التي تفصل بين الأرض و الباب ..
--
قال سهيل :" سآتي معك "
نظرت له و قلت :" لا .. هو لا يستطيع أن يبوح بأسراره أمام أكثر من شخص .. "
و قلت ساخراً :" هو أصلاً لا يبوح بأسراره إلا بعد أن تخرج روحي من جسدي "
" تعدني يا حسام أن تخبرني بكل شيء يقوله لك "
نظرت له و قلت :" و إن قال لي لا تخبر أحداً ؟ "
ضحك :" أنت أكثر شخص لا يحتمل كتم شيء ما .. لسوف تخبرنا حتى لو قال لك ذلك .. أتذكر قصته مع أهله ؟"
نزلت من السيارة عند توقفها أمام العمارة التي أسكن فيها .. و انحنيت لأقول لسهيل :" على فكرة جليل يريد التحدث معك فافتح هاتفك الخلوي "
و اتجهت نحو شقتي .. هناك رأيت هيام جالسة مع جمانة .. بالطبع يتفحصن بعض الملابس الجديدة بفرح .. آه منكن يا نساء .. اقتربت و قلت :" السلام عليكم "
رفعت هيام رأسها و خاطبتني :" حسام أخيراً جئت .. أعانك يا جمانة .. أنا هنا أنتظرك من الساعة الواحدة ظهراً .. و الآن الساعة السادسة و النصف .. ألا ترى هذه المسكينة .. لم تترك شيئاً إلا و رتبته في المنزل استعداداً لقدومك "
قلت ضاحكاً :" جمانة .. سدي أذنيك "
فقالت هيام :" حسام زوجتك لديها شكوك في شيء ما .. فهلا توصلنا يوم الخميس المستشفى ؟"
رمقت جمانة و همست :" قد تكونين حامل و أنا لا أعلم "
ضحكت جمانة ثم قالت :" اليوم سأصنع لك عشاءاً مميزاً .. أ .."
قاطعتها مبتسماً :" عزيزتي .. أنا مدعو على عشاء عند صديقي "
نظرت لي مستاءة فقلت بسرعة :" لم أره منذ سنة تقريباً .. و اليوم عاد .."
--
رأيته منشغل بترتيب الصالة .. خاطبته و أنا متكئ على المكتبة :" مهند .. حدثني عن رحلتك بالتفصيل .. "
نظر لي من طرف عينه و قال :" ماذا تريد أن تعرف بالتحديد "
قلت بسرعة :" كل شيء عن ابن عمك مراد "
رفع رأسه و نظر لي لبرهة ثم قال :" مم .. ما الذي يهمك فيه ؟؟"
" أريد أن أعرف .. هل كان ظني صحيحاً ؟ "
زفر و قال :" تعال و رتب معي أفضل لك من هذه الأسئلة التي لا أجد لها داعي "
صحت به بحدة :" مهند ما بك تتهرب من أسئلتي ؟ ماذا جرى لك بالضبط ؟ "
رمقني باستغراب ثم همس :" صرت انفعالياً بلا داعي "
نظرت له بحدة ثم قلت :" إذاً ما الذي غيرك "
ابتسم :" برأيي أن تغييراتي معظمها ايجابية .. فأنا أقلعت عن التدخين إذ كنت لا تعلم "
نظرت له لبرهة فأتمم :" و أقلعت عن الاسراف كما في السابق "
قطبت حاجباي فأتمم :" و جئت بعدة دورات أجريتها عن كيفية ادارة الخياطين و غيره لأني سأعود لعملي "
و قال أيضاً :" و أهم شيء .. بعد عودتي نلت ابتعاد أهلي عني و اقتناعهم أني لم و لن أمسهم بسوء .."
و رمقني بعمق ثم قال :" ما الشيء الذي تغير في نظرك ؟ "
اقتربت منه و ربتت على كتفه :" مهند .. هناك شيء مخيف و سيء للغاية حدث لك أليس كذلك .. و الأرجح أن ابن عمك هو السبب .. "
تنهد ثم قال :" أرجوك حسام .. هذه الرحلة انتهت و لا داعي لأن أحدثك عنها "
" لكنك تغيرت مهند "
زفر :" رباه "
فصرخت بحدة :" أنا من سأقول رباه .. رباه .. ساعدني على شخص كهذا "



نظرت لي هيام و قالت :" من هذا القصير ؟ طبيب ؟ "

==

رفعت رأسي لمهند .. و قلت بذبول :" سأموت فضولاً و تعباً و جوعاً "

==

قالت بنفور :" ليس لك شأن في هذا ؟ أمر خاص ألا تفهم ؟ أنا لا أمازحك في هذا "

==

و قطبت حاجباي غاضباً :" ثم أرجوك يا هيام احترمي نفسك .. ها أنت تسيئين بكلماتك مجدداً على أحد أصدقائي"




بوح قلم 11-04-11 08:27 AM

الجزء السابع و الثلاثون

في صباح أحد الأيام .. كنت أراقب سهيل الذي يقف مع سجى و رحاب .. يعلقون سبورة لنا في غرفة المكتب.. أطلقت قهقهة ساخرة و قلت :" عدنا لأيام الابتدائية "
نظرت لي الآنسة سجى و ابتسمت :" سؤال ؟ لماذا تحب السخرية ؟ "
التزمت الصمت مبتسماً .. فصاح سهيل :" الله أكبر "
و مد يده للآنسة لكنه أرجعها بسرعة حرجاً .. يا له من شخص ..... يمد يده للفتاة قصداً في ضرب كف بكف .. هل طار عقله .. لماذا لا يفرق بين الرجال و النساء ؟ ابتسمت الآنسة سجى فخاطبت أنا الآنسة رحاب :
" آنسة رحاب .. هل تذكرين مهند ؟ "
نظرت لي بسرعة و قالت :" نعم أذكره .. "
ضحكت قائلاً :" لقد عاد من سفره و سوف يتابع عمله في شركة الـ ...."
قاطعتني ضاحكة :" أحقاً ؟ متى حدث ذلك ؟ "
نظرت لها بعمق مبتسماً :" يوم الاثنين الفائت "
--
في السيارة .. بجانبي جمانة و في الخلف هيام .. قلت مصراً :" أخبروني ماذا هناك ؟ .. لماذا المشفى ؟ "
انزعجت هيام :" يال فضول الرجال "
فقلت مخاطباً جمانة :" لا تقولي أنك حامل ؟ "
ضحكت :" حامل ؟ أجننت ؟.. الأمر مغاير للغاية .. "
" إذاً ما هو ؟ "
صاحت هيام :" ألا تعرف كيف تكتم هذا الفضول قليلاً .. أمر خاص و لا شأن لك "
قلت بسرعة :" عرفت .. عرفت "
نظرت لي هيام من طرف عين :" ماذا عرفت ؟ "
ابتسمت بخبث :" عملية تجميل "
تزلزلت السيارة من الضحكات و جاءني صوت جمانة :"حسام أأنت في وعيك ..عملية تجميل في مستشفى الحكومة ؟"
--
مشينا في الممرات .. حتى سمعت صوتاً مألوفاً يأتيني من الخلف ..استدرنا .. فكان مهند .. اقترب مني بجانبه سائقه ..و قال مبتسماً :" مرحباً .. "
أجبنا :" أهلاً "
خاطبني :"ماذا تفعل هنا في قسم المخ و الأعصاب .. "
نظرت للافتة و قلت :" لا أدري .. أني هنا للتوصيل فقط "
زفرت هيام .. فعدت أخاطب مهند :" لديك تخطيط ؟ "
" نعم .. أنا جئت للتو .. "
استدرت أنا لجمانة و قلت :" لماذا نحن هنا .. هل أصبت بصرع ؟"
نظرت هي لمهند و قالت :" عافانا الله "
عبث مهند بشعره بحرج ثم قال :" إلى أين تودون الذهاب ؟ "
نظرت لهما و قلت مبتسماً :" الأخ خبير في هذا القسم "
التزمتا الصمت .. ماذا تودان أن تفعلان ؟ هذا ما يثير فضولي خصوصاً في قسم أمراض المخ و الأعصاب
ابتسم مهند :" أنا ذاهب لموعدي .. وداعاً .. "
استوقفته :" لحظة .. بعد أن تنتهي يجب أن تأتي معنا لتناول الغداء "
ضحك بسخرية :" إن انتظرتني لن تتناول غداءك إلا عند الساعة الرابعة عصراً "
ضحكت منفعلاً :" أظن أن المدة ستطول هنا .. خصوصاً بأنهما لم يخبراني لحد الآن لماذا نحن هنا .. "
ضحك .. و مشى مغادراً .. استدرت للفتاتان اللتان تتهامسان و قلت مصطنعاً الغضب :
" الآن ، الآن .. تقولان ماذا نفعل هنا ؟ "
نظرت لي هيام و قالت :" من هذا القصير ؟ طبيب ؟ "
ضحكت :" طبيب ؟ من مسؤول خياطة لطبيب .. ؟ "
و قطبت حاجباي غاضباً :" ثم أرجوك يا هيام احترمي نفسك .. ها أنت تسيئين بكلماتك مجدداً على أحد أصدقائي"
ابتسمت بسخرية :" من أين تنتقي أصدقائك هؤلاء ؟"
اشتعلت غضباً :" أصدقاء تافهين أو عنيفين أو قصار أو ضعاف شخصية .. مهما يكن فانهم أصدقاء أفضل من أتكبر و أتكبر و لا أجد أي صديق بجانبي كما هو الحال عندك "
ضحكت متهكمة :" مسكين يا حسام "
صاحت جمانة :" دعونا من هذا الجدال و لنتمم عملنا "
رمقتني هيام و قالت :" أنت اجلس هنا .. نحن نعرف طريقنا "
--
مرت ثلاث ساعات تقريباً .. و أنا أجلس على المقعد .. ماذا تفعلان .. تحومان في المشفى لماذا ؟.. تعبت فرفعت هاتفي و بدأت أعبث به .. رباه ..نهضت و رحت أنتقي لي شراباً .. و عدت أجلس على المقعد .. هنا رأيت السائق الخاص لمهند يتقدم و يجلس بجانبي ابتسمت له و حاولت تقليد لهجته قائلاً :" أين مهند ؟ "
ابتسم :" سينهي تخطيطه الآن .. و سيذهب بعد ذلك لطبيبته ليناقشها في أمور حدثت له مؤخراً "
زفرت و اتصلت بهيام :" أين أنتما ؟ "
قالت بنفور :" ليس لك شأن في هذا ؟ أمر خاص ألا تفهم ؟ أنا لا أمازحك في هذا "
صُدمت و قلت :" كفى .. أنا سأغلق الخط "
قتلني الفضول .. ماذا تفعلان ؟؟..
" حسام أنت هنا ؟؟ "
رفعت رأسي لمهند .. و قلت بذبول :" سأموت فضولاً و تعباً و جوعاً "
ضحك و جلس بجانبي :" مشفق عليك .. هيا قم لنتناول الطعام "
" ألن تذهب لطبيبتك ؟ "
" لا .. عزفت عن ذلك ..هيا للغداء ..ما دمت جائعاً "
نظرت له من طرف عين و قلت :" أمرتني الآنسة ألا أتزحزح "
ابتسم :" يا لك من مسكين "
نظرت ليده التي عليها آثار للقابض الطبي .. و همست :" بل أنت المسكين "
رمقني لبرهة ثم خاطب سائقه و هو يعطيه مالاً :" اذهب لتتناول غداءك "
نهض السائق مغادراً ..و استند مهند و وضع رجلاً على رجل ..فخاطبته :" ألن تقل شيئاً "
رمقني مقطباً حاجباه :" ماذا أقول ؟ "
تنهدت :" ماذا جرى في تلك الرحلة ؟.. هل علي أن أذل نفسي حتى تبوح بما جرى ؟"
نظر لي بانزعاج و قال :" لست مجبراً على اذلال نفسك و أنا لست مجبراً لأحكي لك تفاصيل ليس لها معنى "
صحت به :" كلنا نترقب مجيئك لنعرف السبب الذي جعل صوتك يأتي لنا عبر الهاتف مخنوقاً و ضئيلاً .. "
ابتسم بسخرية :" احذف كلمة ( كلنا ) .. فلم يتصل أحد للاطمئنان علي .. و كنت أنا فقط الذي أتصل ..و سهيل عندما أتصل به يتجاهلني و يقول دائماً أنه مشغول .. كمال كان لا يحتملني أبداً و كان يقول أني متفرغ تماماً و الوحيد الذي كان كان يصغي إلي هو جليل .. و أنت قليلاً"
نظرت له لبرهة و صحت :" مهند .. أنت لست من النوع الذي يعاتب ككمال .. ماذا ........؟"
قاطعني :" لست كذلك حسام .. و لكنك تطلب مني أن أبوح بأشياء قديمة كنت بحاجة أن أبوح بها حال حدوثها و لم يكن هناك أحد يصغي .. أما الآن لا أستطيع البوح بأي شيء"
هنا جاءنا صوتها :" حسام !! "
هيام و جمانة واقفتان أمامي .. نظرت هيام لمهند لبرهة ثم عادت تنظر لي و قالت :" انتهينا "
ضحكت :" مبروك "
قالت جمانة :" هيا لنتناول طعام الغداء "
نظرت أنا لمهند قائلاً :" هيا عزيزي .. ألم أقل لك أننا سنتناول طعام الغداء معاً ؟ قلت لك أنك ستنهي تخطيطك و أنا لم أنتهي بعد .."
قال مهند حرجاً :" أ .. المعذرة .. لكني يجب أن أبحث عن سائقي الآن "
سحبت ذراعه و قلت :" هيا .. و هل سيضيع ؟ .. "
--



هيام كعادتها تتناول طعامها ببطء و بأناقة لا مثيل لها .. الذي جذبني ..نظرة من عينيها انحرفت و اتجهت نحو مهند

==

قال مهند بحدة :" هل تنافسني مجدداً يا سهيل ؟ "

==

"عليك أن تتذكر أنك شاب لديه العديد من المميزات .. بوظيفتك و أخلاقك و حتى شكلك .. في المقابل هي فتاة مطلقة مرتين و أكبر منك .. "

==

" أختي تعتذر لك .. لأنها وصفتك بالسخيف "




بوح قلم 11-04-11 08:28 AM

الجزء الثامن و الثلاثون

و حول طاولة ما في المطعم .. انشغل مهند بالحديث ريثما يؤتى لنا بالطعام .. قطبت جمانة حاجبيها :
"أيعني أنك لم تدرس في بريطانيا "
" بلى .. أخذت عدة دوارت تنمي معلوماتي عن الخياطة .. و لكني في بريطانيا رأيت أن العمل هناك أفضل .. "
تأملته هيام قليلاً ثم عادت تعبث بهاتفها و قالت جمانة :" أن تكون مسؤولاً على مائة و ثلاثين آسيوياً .. أليس ذلك صعباً "
ضحك :" ليس بتلك الصعوبة .. ماذا عنك أنت ؟ أقصد أين استقريت ؟"
ابتسمت :" أعمل في جريدة .. "
" تكتبين مقالات ؟ "
ضحكت :" لا ..أقوم بالطباعة فحسب .."
عفوياً .. التفت مهند لهيام و قال :" و أنت آنسة هيام ؟ "
رفعت أنظارها من الهاتف و نظرت له بكبرياء و تعالي كعادتها و قالت :" ماذا تريد ؟ "
كنت أقول أن وجه مهند أصبح شاحباً .. و اختفى التورد الذي كان يطغي وجهه .. إلا أنه الآن عاد .. و تحول لاحمرار شديد ..ارتبك و نظر لي ثم قال :" أقصد ماذا تعملين الآن ؟ "
رمقته بحدة و قالت بغرور :" عفواً .. لكن عملي يختلف جداً عن أعمالكم هذه .. "
ثم قالت ساخرة :" ثم ما بك يا أخي تتحدث عن الوظائف و الأعمال .. يبدو أنك تريدنا أن نتوسط لك للعمل "
لا يمكنني وصف ملامح وجه مهند .. كالعادة برقت عيناه السوداوتين مع الاحمرار الذي يطغي وجهه .. ثم ابتسم بالكاد :
" لم أقصد هذا أبداً ..كانت مجرد أسئلة عابرة .. عموماً ..عذراً "
تأملته هيام بنظرة التعالي تلك و قالت :" ليس هناك سؤال عابر أو لتمضية الوقت .. إلا إذا صدر من شخص سخيف "
لم أتمالك نفسي رغم سؤالي الملح لماذا تحاول هيام تنفير الناس من حولها .. صحت مشتعلاً :" كفى "
و نظرت لمهند الذي زفر بضيق شديد .. ثم نظر لساعته .. هنا تقدم النادل محملاً بالطعام .. و قام بصف الصحون على الطاولة و انصرف .. فانشغلنا بالأكل .. نظرت لمهند الذي رفع من أنظاره شيئاً فشيئاً و ظل يرمق هيام ثم غض بصره على الفور ..هيام كعادتها تتناول طعامها ببطء و بأناقة لا مثيل لها .. الذي جذبني ..نظرة من عينيها انحرفت و اتجهت نحو مهند .. هناك ثمة شحنة تنافر أو تجاذب بين هذين الاثنين ..
و الذي جذبني أكثر الحديث الذي استرسلت هيام فيه :" قال لي المدير أنه سيزيد من راتبي .. أنا بالذات .. لا أدري لماذا ؟ لم أكن أبذل كل طاقتي في العمل ؟ لكن المدير يعتبر أي مجهود مني شيء أستحق عليه الشكر "
مهند يلزم الصمت .. و جمانة انشغلت مع هيام في حديث ما .. و لهذا تجاذبت مع مهند أطراف الحديث عن أمور سهيل مع زميلته سجى .. و كنت أحادثه بهمس .. حرصاً ألا تسمع هيام اسم سهيل ..هنا انتبهت هيام لي و لم تستطع كتم فضولها و هي ترمق مهند الذي يبتسم متفاعلاً مع حديثي .. كنت أشعر أنها تريد مني أن أجعل حديثي أوسع و يشملها أيضاً ..لكنها لم تستطع فعل شيء سوى أن ترمقني بحدة و تتأمل مهند ..
أخيراً انتهينا و أطلقت أنا ضحكة عالية :" الأخ يعيش قصة حب عنيفة في المدرسة "
قطبت هيام حاجبيها .. فخاطبتها أنا :" هيه .. ماذا كنتما تفعلان .. مهند أنهى تخطيطه الذي يستغرق ساعتين و نصف و أنتما لم تنتهيا .. ماذا كنتما تفعلان ؟"
هيام رمقت مهند بحدة و قالت جمانة :" شيء لا يهمك يا حسام و تافه جداً بالنسبة لك "
--
صعدت السيارة و نظرت لمهند الذي يصعد سيارته ثم يفتح النافذة و يخاطبني :" دعنا نلتقي في المساء نحن الخمسة"
هززت رأسي ايجابياً .. فمضى هو في طريقه .. شغلت أنا السيارة فضحكت هيام ضحكة مصطنعة :
"شخصية غريبة "
قطبت حاجباي :" و ما الغريب ؟ "
ابتسمت :" على الأقل بالنسبة لي .. أما أنت يا حسام .. فأنك اعتدت على كل أصدقائك و غرابتهم "
قالت جمانة منهكة :" هيا أعيدوني للشقة "
==
حدث أمر غريب للغاية .. هيام لا أحد ينافسها في غرورها و تعاليها على الناس .. و كلمات الرجاء أو الاعتذار أو الاستعطاف حُذفت من قاموسها .. لكنها ما إن عدنا للشقة .. حاولت أن تجعل من جمانة تغادر لصنع الشاي حتى انفردنا أنا و هي .. و خاطبتني بهمس :" حسام .. أشعر بالحرج "
قطبت حاجباي :" مما ؟"
" كوني وصفت اليوم صديقك بالسخيف "
رمقتها من طرف عيني و قلت :" و المطلوب مني ؟ "
تنهدت :" أوصل له اعتذاري "
!!!!!!
و نهضت مغادرة ..
..
اجتمعنا في محل كمال لبيع الدمى .. لمحنا نظرة الاستياء الشديدة في عين أبيه لما رآنا .. فالتفت لكمال و قال :
" كمال .. اعمل بجد "
و خرج من المحل .. أشار لنا كمال :" تعالوا "
و لأن محله كان يفتقد المقاعد فأننا جلسنا على الأرض .. نظرت أنا لكمال و قلت :" ياه .. منذ زمن و لم نرى ابتسامتك "
ابتسم :" الأمور تحسنت "
فقال سهيل :" بل لأن قدرتك على النسيان قوية "
و لم يفهم مهند الحديث و لم يهتم به .. فعدت أنا و همست بأذن كمال قائلاً :" ما حال الأهل ؟ هل عاد كل شيء كما كان ؟ "
رمقني باستياء ثم قال :" تقريباً ... "
نظر سهيل لمهند و قال بهمس :" مهند .. تعال "
و نهضا متجهان نحو زاوية ما من المحل .. فقتلني الفضول .. رباه لن أستطيع البقاء أكثر .. هنا انشغل كمال بالحديث مع جليل في أمور أجهلها فانتهزتها فرصة لأسترق السمع و ألتقط شيئاً من الحديث السري الذي يدور بين سهيل و مهند .. نهضت ببطء و اتجهت نحوهما و اختفيت وراء الدمى و حاولت التظاهر بأني أعبث بها و سمعت سهيل يقول :
" أعلم يا مهند .. فلا يمكنك اخفاء هذا لكني أريد مصلحتك "
قال مهند بحدة :" هل تنافسني مجدداً يا سهيل ؟ "
بسرعة قال :" لا .. أنت لست غبياً مثل كمال الذي لم يسألني لماذا طلقتها و جرى ليتزوجها بأي سبيل .. أنت لا تعلم ما حدث .. رغم حسن أخلاق حسام و عائلته إلا أن أخته حقودة و شريرة للغاية .. أنت لا تعلم ماذا فعلت بكمال و أمه و أخواته .. قبل أن تفكر فيها .. تذكر ان هناك فتيات أقل جمالاً و ثقافةً منها لكنهن أفضل منها بأخلاقهن ..و أيضاً عليك أن تتذكر أنك شاب لديه العديد من المميزات .. بوظيفتك و أخلاقك و حتى شكلك .. في المقابل هي فتاة مطلقة مرتين و أكبر منك .. "
صمت مهند طويلاً .. ثم همس :" لأصارحك .. فأني أفكر فيها فعلاً .. و صعب علي أن أنساها .. لذا .. تعال لي الساعة العاشرة .. لتحدثني عن كل شيء جرى "
" سآتي .. و ليطمئن قلبك بأني لا أخدعك .. فأني أفكر بالزواج قريباً من تلميذتي سجى "
--
ساعدني سهيل بوضع جليل في السيارة ثم تراجع قائلاً :" أنا سيوصلني كمال بسيارته الفارهة .. وداعاً "
" وداعاً " و تأملته لبرهة .. سهيل يفكر برومنسية أخيراً ؟ سيتزوج تلميذته سجى ... لست سهلاً يا سهيل ..
و صعدت السيارة ..هنا استدار مهند لجليل مبتسماً :" لم تكمل لي ما جرى ؟ "
قطب جليل حاجبيه :" عن أي شيء "
حركت انا السيارة و أردف مهند :" جليل .. لا تتظاهر بالغباء .. عن قصصك مع الآنسة حسناء "
هنا بدأ بسرد مقالبه المضحكة بالنسبة لي و المبكية بالنسبة له .. إلى أن أوصلته لمنزله .. طوال الطريق كنت أكتم اعتذار هيام لمهند .. ما إن عدت من منزل جليل و صعدت السيارة .. التفتتُ لمهند و قلت :
" على فكرة أختي توصل لك اعتذارها "
رمقني طويلاً ثم قال :" على أي شيء ؟"
" عندما وصفتك بالسخيف "
ابتسم :" لا أبداً .. أنا لم أغضب أبداً .. و كان الحق معها فعلاً "
حملقت به طويلاً .. ثم قدت السيارة .. بودي لو أضع في شقة مهند جهاز تسجيل الصوت لأسمع ما سيدور بين سهيل و مهند هذا المساء .. رغم كل شيء لا أحب أن يتكلم أحد عن أختي و يسيء سمعتها ..سهيل !! أنك مزعج ..




بوح قلم 11-04-11 08:28 AM

الجزء التاسع و الثلاثون


عاد مهند لعمله .. حسناء مخطوبة جليل ( مستقبلاً ) مسافرة .. و جليل في كآبة دائمة .. و مقالب مضحكة تجري أمامي بين سجى و سهيل .. هو لا يريد أن يبين لها أنه ينوي الزواج منها بجموده و تظاهره بالثقل و الاتزان .. لكني أتعمد أن أفسد عليه الأمور و أظهره بصورة الأبله و الكسول .. كالعادة لا يتحمل .. فيشن هجومه علي بتلك اللكمات و تنهار صورته أمام الآنسة الافرنجية الجميلة سجى .. كمال .. مشغول جداً بمحله .. و رحاب عادت لشركة الخياطة لتلتقي بمسؤولها القديم مهند .. أما أختي المبجلة .. كما هي غرورها يقودها شيئاً فشيئاً للعزلة و الحزن أحياناً ..
لكن تبدر منها تصرفات تتخلى فيها عن كبرياءها المبالغ و الغريب أن هذه التصرفات دائماً تتعلق بمهند .. فسؤال يطرح نفسه الآن .. هل أختي هيام بجلالة قدرها .. أعجبت بمهند ؟؟ الله أعلم ..
لكن الذي جعلني أتيقن من ذلك .. طلبها المفاجئ بتفصيل عباءات لها في شركة الخياطة التي يعمل فيها مهند بالتحديد بحجة أنها لا تملك نقود كافية فربما يتوسط لنا مهند بتخفيض السعر ..حاولت أن أوصل لها فكرة أني لست راضياً .. و حاولت أيضاً أن أؤجل ذهابنا إلا أنها سحبت جمانة لتقف في صفها و دفعتها للتفكير في تفصيل عباءات جديدة لها أيضاً ..فاستسلمت أنا !! .. خائفاً من النتائج ..
خاطبتني هيام و هي تحتسي الشاي بغرور كما العادة :" اتصل لصديقك .. هذا القصير .. و أخبره أننا سنأتي غداً .."
قطبت حاجباي :" و لمَ أتصل ؟ هل سيفرش لنا الشركة زهوراً لقدومك ؟ أم أنك سيادة الأمير و أنا لا أعلم "
و خاطبتني جمانة و هي تنظف الطاولة :" هيام محقة .. فربما كان يوم غد مزدحم بالزبائن "
زفرت و رفعت هاتفي و اتصلت بمهند فأجابني بعد فترة :" نعم حسام ؟ "
" مهند عزيزي ضبط لنا موعداً .. سآتي مع الأهل لتفصيل بعض الملابس "
صمت لبرهة ثم قال :" لا بأس .. تعال الساعة العاشرة "
" أشكرك .. وداعاً "
و رفعت رأسي لهيام التي تبتسم بخبث .. نظرت لها بعمق .. ماذا تنوي أن تفعل ..
--
صرخ المدير بي بحدة :" حسام !!! مستشفى مجدداً ؟ .. أراك كالحصان .. و كل يوم تستأذن للذهاب للمستشفى ؟ "
وضعت يدي على أذني و تظاهرت بالتألم :" أستاذ .. بصراحة أشعر بألم كبير بأذني أرجوك لم أعد أحتمل "
تنهد :" خصم من راتبك "
و واصلت التمثيل قائلاً :" كما يحلو لك سيدي "
و خرجت من المدرسة فرحاً .. صعدت سيارتي و انطلقت بها نحو شقتي .. انتظرت جمانة لتخرج .. ثم انطلقت نحو منزل والدي و انتظرت هيام لتخرج .. ها هي تخرج من المنزل و تهبط على الدرجات ثم تصعد السيارة فننطلق نحو شركة الخياطة .. هبطنا من السيارة فخاطبتني هيام بحدة :" لا أريد الانتظار كثيراً "
" حسناً سيدتي "
و دخلنا الشركة .. و بحركة مفتعلة ..غرقت هيام في نوبة سعال و هي تنظر حولها ثم قالت بصوت متحشرج :
" رباه .. الآسيوون يملؤن المكان .. لا أستطيع البقاء "
قلت بحدة :" كفاك دلالاً .. "
و تقدمت قائلاً :" اتبعاني "
اقتربت من مكتب مهند .. و كان ليس عليه كالعادة و كان علي البحث عنه .. قلت :
" جمانة ، هيام .. فلتجلسا .. ريثما يأتينا أحد ما .."
جلسنا على المقاعد .. فأقدم نحونا شخصٌ لم أتوقع قدومه أبداً .. رحاب !! .. ألقت التحية فرددناها .. و قالت ببشاشة :
" ماذا تريدون أن تفصلون ؟ أقمصة ؟ فساتين ؟ ماذا بالضبط ؟ "
ابتسمت جمانة :" عباءات .. ست عباءات .. "
هزت رحاب رأسها :" مم .. نعم .. تعاليا معي "
قلت أنا :" و أين مهند ؟؟!! "
ابتسمت :" أنه مشغول بتنسيق العمل بين الخياطين .. "
نهضت جمانة مع هيام و اتجهتا نحو ناحية أخرى من المشغل ...بقيت أعبث بهاتفي لفترة .. هنا رأيت مهند يُقبل نحوي و يجلس أمام مكتبه قائلاً :" هاه حسام ؟ جئت تفصل ملابس جديدة ؟ "
قطبت حاجباي :" و منذ متى كنت أنا أفصل لي ملابساً .. أنا أشتري و حسب .. أنهم الأهل .. الآنسة رحاب تكفلت بهم"
و نظرت له بعمق و قلت :"الآنسة رحاب وفية للغاية لكل علاقتها ..يوم سافرت أنت استقالت هي من عملها و يوم عدت أنت عادت هي لعملها .. ما تفسير هذا في اعتقادك ؟؟"
نظر لي طويلاً ثم قال ببساطة :" مم .. لا شيء يذكر "
هنا اقتربت جمانة مع هيام ناحيتنا .. رمقها مهند لثواني فلما بلغته خاطبها بهدوء :" المقاسات لو سمحت "
أعطته ورقة المقاسات بنظرة كبرياء و تعالي و ظلت تثير غضبي بكلماتها :" أوف .. مكان قذر "
رفع مهند رأسه لها و افتعل ابتسامة و قال :" لأنه محل انتاج .. "
و نكس رأسه ناحية المقاسات و هو ينسخها في ورقة أخرى و قال :" بعد اسبوع يمكنك المجيء لأخذ العباءات .. "
قالت هيام بسرعة :" بعد اسبوع .. ؟ .. ماذا تظننا ؟ برأيي شركة ضخمة كهذه يمكنها اكمال العباءة في غضون دقائق "
رفع مهند رأسه و ابتسم :" حسناً .. لأجل حسام .. يمكنكم المجيء يوم الثلاثاء "
فقالت هيام بكبرياء :" و لأجل حسام اخصم لنا من السعر .. رجاءاً خمسين بالمئة .. "
نظر لي مهند محرجاً .. ثم قال :" سأسأل المدير .. كما تعلمون هذا الأمر ليس بيدي "
فقلت أنا :" لا داعي مهند .. "
قالت هيام بسرعة :"لا .. لن نقبل الملابس بدون خصم .. ست عباءات ألا تستحق خصماً ؟.. أتريدني أن أصدق أنك لا تخصم السعر لأقربائك ؟؟ "
عاد ينظر لي ثم نظر لها بعينين لامعتين ثم قال :" حسناً .. سأحاول .. "
فقالت هيام :" بعد كل هذا العناء لا تدعني أندم على مجيئي هنا .. إن طرأ خطأ بسيط في العباءات سأرفضها و ستتكفل أنت بدفع المبلغ .."
رمقتها أنا بحدة .. و ابتسم مهند بالكاد و شعره ملتصق بجبينه إثر حبات العرق :" سنكون عند حسن ظنكم إن شاء الله "
نظرت إليه هيام طويلاً ثم همست بكلمات غير مفهومة .. فقال مهند :" نعم ؟ "
قالت بحدة و بكبرياء :" لم أحدثك يا هذا .. "
و استدارت مغادرة ... نظرت لمهند المتسمر ..بالتورد و الاحمرار اللذان طغا على وجهه .. و بشعره الملتصق بجبينه إثر العرق .. و بلمعات عينيه السوداوتين .. نظر لي و قال بالكاد :" حسام .. أوصل للآنسة اعتذاري "
--




بوح قلم 11-04-11 08:29 AM

الجزء الأربعون

دخلت المطبخ و تركت جمانة و هيام تتحدثان وحدهما و حقيقةً كنت أسترق السمع لهما .. سمعت جمانة تقول :
" حتى أن المسكين قال لحسام .. أوصل لأختك اعتذاري .. برأيك هل ما فعلته كان لطيفاً "
قالت هيام بكبرياء :" و ماذا فعلت .. كان كل حديثي طبيعياً .. "
" لكن السيد مهند كان طيباً للغاية معك .. لماذا ....؟ "
قاطعتها :" هذه ليست طيبة .. أنها مجاملات تتعلق بالعمل .. و حتى اعتذاره هذا كان مجاملة "
و أتممت " لكن اعتذاره هذا دل على أنه أدرك أهميتي و شخصيتي .. و هذا ما أسعدني "
ابتسمت أنا في سري .. هيام ..! تصف أصدقائي بالغرباء لكن ليس هنالك أحد بغرابتها ..
--
نظرت لسهيل بصدمة .. بذهول .. و هو يشير لي للخاتم الفضي الذي بيده و يبتسم لي فرحاً :" ها قد خطبتها "
أطلقت صفيراً حاداً و صرخت :" سهيل أيها الأبله .. هل خطبتها حقاً .. لا أكاد أصدق "
ضحك ضحكة عالية و قال :" و هل تظنني سهلاً .. بضربة واحدة فقط أصبتها؟ "
" و هل أنت في حلبة ملاكمة ؟! هيه تعلم الاتزان و اترك العنف .. نصيحة مني يا سهيل "
قهقه :" انصح نفسك يا حسام "
و قال مبتسماً :" سأترك مصاحبتكم يا رفاق الفساد .. أي شخص يصاحبكم قد قضى على حياته الزوجية .. و أنت خير مثال .. أعانها الله عليك يا فاقد الاحساس "
ضحكت :" تكون أنت رقيق الاحساس الآن؟؟.. على الأقل أنا لا أستخدم يدي في التعبير غضبي "
و قلت :" أين هي لأبارك لها ؟ "
قال بحدة :" ماذا ؟!!! .. سوف أخرجها أنا من هذه الدورة .. لا يجب أن تدخل مدرسة ذكور "
ضربت جبيني مستاءاً :" ستكرر غلطتك يا سهيل "
--
رمقني جليل مستغرباً :" سهيل ؟ خطب تلميذته سجى ؟"
ابتسمت :" هو بالتأكيد أجرأ منك و أسرع .. منذ متى و أنت تحاول في هذه حسناء "
نكس رأسه :" أظنها ستطير مني .. ها هي مسافرة لمدة ثلاثة أشهر "
قلت بحدة :" و ماذا تعني ثلاثة أشهر .. انتظرها ثم بح لها بما يختلج بداخلك .. فان رفضتك هذا يعني أنها لا تستحقك "
تنهد :" الأمر أصعب مما تتخيل "
صرخت :" جليل ..!! صرت لا أحتملك "
--
كنت قد اتصلت بكمال أحدثه قليلاً .. حتى وصلنا لموضوع جليل .. خاطبني :" حسام .. جليل يعيش حياة مغايرة عنا .. رغم كل شئ فان ثقته بنفسه معدومة و لا يجب ان تدفعه لفعل أشياء تتطلب جرأة كبيرة هكذا .. يجب أن تراعيه و تمهد له الطريق .. جليل ربما يتخلى عن حلمه بالزواج من حسناء لسبب و هو أنه لم يستطع مصارحتها "
فتحت عيناي مصدوما!!!! .. ترى هل يمكن أن يحدث هذا فعلاً ؟؟!!..
أقبل يوم الثلاثاء .. لأذكركم .. فأنه يوم استلام عباءات جمانة و هيام من شركة الخياطة .. وصلنا للشركة و في عيني هيام نظرات تنبؤ بخطر قادم .. كأنها تنوي فعل شيء ما ..
رحب بنا مهند و كذلك رحاب .. خاطبها مهند :" رحاب .. اجلبي العباءات لو سمحت "
فانصرفت هي و جلس مهند مبتسماً و قال مخاطباً هيام :" حقيقةً يا آنسة القماش الذي طلبته لم يكن متواجداً .. لكني أصررت على أن يشتروه بأسرع وقت من الخارج .. أتمنى تعجبك العباءات .."
رمقته هيام بتعالي و قالت بتهكم :" سنرى "
نظر إليها مهند لبرهة .. فرأينا رحاب تأتي و تضع أكياس العباءات على الطاولة و تقول منفعلة :
" السيد مهند .. حاول قدر الامكان أن يوفر لكم الخصم .. حتى لو اضطر أن يخصم من راتبه .. أظن أن لكم مكانة خاصة لديه "
تلاشت ابتسامة مهند لما رأى هيام ترمقه بسخرية و استهزاء .. ثم باشرت باخراج العباءات من الأكياس.. و نهضت الاثنتان للتبديل .. كنت أرى نظرة حائرة في عيون مهند الذي لا يجد تفسيراً لاحتقار هيام له .. و أرى غضباً يكبر و يكبر في عين رحاب التي لم تعد تحتمل غرور هيام الزائد .. نظرت إلي و قالت :
" أختك حقاً مغرورة "
و لم تأبه بردة فعلي ,, لأنها لم تعد تحتمل الصمت أكثر .. و لم تصمت أيضاً .. بل تابعت و هي تخاطب مهند :
" أستاذ .. أرجوك لا تزيد من طيبتك هذه أمام الزبائن .. فبعضهم لا يستحقون "
نظر لي مهند يستفقد ردة فعلي ..حقيقةً .. أنا لم أغضب .. امرأة ضد امرأة .. ما دخلي أنا .. شجار النساء تافه للغاية ..
هنا عادت جمانة و هيام ترتديان العباءات الجديدة.. أرى جمانة تحاول ثني هيام عن فعل شيء ما ..اقتربت هيام و فاجئتنا بنبرة حادة مخيفة مرعبة وجهتها لمهند :" أتسمي هذا تفصيلاً .. ألم أعطك المقاسات .. لماذا جعلتموها واسعة هكذا و حتى التطريز .. لم أطلبه بهذا الحجم .. ماذا تفعل هنا إذاً .. ما هذه الشركة "
قال مهند مستغرباً :" لحظة .. لحظة .. المقاسات كما هي .. و حتى التطريز كما هو .. هذا ما وصلني و يمكنني أن أطلعك على المواصفات التي طلبتيها "
صاحت هيام :" أنظر جيداً لهذه العباءة .. هل تظنني بقرةً لتجعلها بهذا الوسع "
هنا صرخت رحاب بحدة :" أنا من قاسك .. أنها تماماً كما أردت .. و أنا لا أراها واسعة أبداً .. بل هي مناسبة .. "
صرخت هيام :" أصمت أنت أيتها البلهاء .. و لم أحدثك أبداً "
صُدمت رحاب .. فصرخت أنا بهيام :" هيام ما بك ؟؟ "
صاحت بي :" أصمت أنت .. "
و التفتت لمهند و قالت بغضب :" عندما أحدثك .. قف .. احتراماً على الأقل "
نظر لها مهند و هو في قمة استغرابه و دهشته و رحاب تكاد تنفجر .. :
" آنسة هيام .. أنت من يهاجمنا .. فعليك أنت من تحترمينا "
قال مهند بهدوء كعادته :" لحظة رحاب .. آنسة هيام .. يمكننا تضييق العباءة ان شئت الآن "
صرخت بحدة :" أولاً .. عندما آمرك بالوقوف .. قف .. أليس هناك احترام للناس .. "
صرخت رحاب :" لا تقف أستاذ مهند .. فمن يبغي الاحترام عليه أن يحترم الناس "
قال مهند منفعلاً :" الآن ليست مشكلتنا الوقوف .. ما بكم "
واتتني ضحكة ليست في محلها ..فأتمم مهند :" آنسة هيام .. آتي لنا بالعباءة لنجعلها كما تريدين و ينتهي الموضوع "
قالت هيام بغرور :" أنا لا أريد هكذا عباءات .. و لتدفعوا أنتم المبلغ "
و استدارت .. فصاحت رحاب :" لحظة .. أنا لن أدفع فلساً واحداً لأجل عباءاتك .. و يمكننا استدعاء المدير "
استدارت هيام و رمقت رحاب بسهام حادة .. ثم خاطبت مهند :" و أنت يا أستاذ ماذا تقول ؟"
رمقها مهند لبرهة ثم نظر لي و قد بدأ وجهه بالاحمرار .. ثم قال :" أنا أقول أن لا داعي للعصبية .. و يمكننا جعل العباءات كما تريدين الآن .. "
رمقته بحدة و قالت :" لست مستعدة لأنتظر لحظة واحدة .. و ادفع المبلغ أنت و هذه البلهاء "
و استدارت خارجة تلحقها صرخات رحاب :" لست بلهاء .. بل أنت "



و رمت بالعباءة أمام مهند ..

==

رمقتها جمانة باستياء ثم همست :" كانت العباءات مناسبة و كما أردت .. لكني أعلم جيداً ما يدور في ذهنك "

==

:"أنت بالذات اخرس .. لن تشعران بمصيبتي .. ماذا أفعل بذلك العريس سهيل .. عندما أوشكت على النهوض من مأساتي يأتي و يلقيني طريحاً ..و أنت ..... و أنت يا مهند .. "

==

دخلت شركة الخياطة .. فوجئت بصابر شقيق مهند يخرج منها .. انتبابني قلق كبير..




بوح قلم 11-04-11 08:30 AM

الجزء الواحد و الأربعون

صرخت أنا بهيام بحدة :" هيام تعالي "
ابتسمت بتهكم :" سآتي لأخلع العباءة لا تقلقوا "
و اتجهت نحو غرفة تبديل الملابس .. فقال مهند يخاطب جمانة :" أكل شيء على ما يرام "
ابتسمت جمانة :" نعم "
و أخرجت محفظتها و طلبت الفاتورة و تم كل شيء بسلام ..هنا أحسست بالنعمة التي أنا فيها .. جمانة أفضل بكثير من تلك المغرورة ..نظرت لي رحاب مغتاظة و قالت :" ما هذه الفتاة ؟ "
قلت مبتسماً :" أعطيني فاتورة هيام لو سمحت "
هنا جاءني صوت هيام :" حسام .. لا تتصرف من ورائي .. "
و رمت بالعباءة أمام مهند ..
نظر لها مهند لبرهة .. ثم قال بهدوء :" حسناً .. آنسة .. يمكنك المغادرة .. "
ابتسمت هيام بانتصار فصاحت رحاب :" ماذا أستاذ ؟ هل ستدفع لأجل دلال و غرور فتاة متعجرفة "
اتسعت ابتسامة هيام و قالت :" مغرورة و متدللة و جميلة .. لست مثلك يا ذات الوجه المخيف "
عضت رحاب على شفتيها غضباً .. فنظر لي مهند متنهداً يستجديني لفعل شيء ..
هنا صرخت رحاب بمهند :" أستاذ .. مستحيل أن تدفع شيئاً .. و إن دفعت .. هذا يعني أنك ضعيف الشخصية أمام فتاة مدللة مغرورة .. جاءت خصيصاً لفعل هذه الحركة .. لا أدري ما غرضها .. لكنها حتماً كانت متعمدة "
ابتسمت هيام بتكبر و خاطبتني :" هيا حسام .. بربك ما هذه الشركة السخيفة ؟ بموظيفها السخيفون "
--
صرخت بها :" أنك تافهة .. ما كان غرضك من احداث تلك الضوضاء ؟ .. الآن و بعد أن تكفلوا بدفع النقود عوضاً عنك .. هل ارتحت .. مجدداً .. ستضيعين وقتك للذهاب لمشغل آخر لتفصيل عباءة أخرى .. "
ابتسمت هي و ذهبت بأنظارها للنافذة و قالت :" سيكون لدي الوقت الكافي .. "
قالت جمانة :" هل ارتحت الآن من ما فعلته بالناس .. ألم تخجلي منهما ؟ "
ضحكت :" أتقصدين ذلك القصير و تلك البشعة .. لا يهماني أبداً "
رمقتها جمانة باستياء ثم همست :" كانت العباءات مناسبة و كما أردت .. لكني أعلم جيداً ما يدور في ذهنك "
ابتسمت هيام بسخرية :" هه .. لا يهمني "
--
في منزل جليل اجتمعنا ..تأملت سهيل و مهند اللذن انزويا على نفسهما .. و يتحدثان .. حرت كيف أقترب منهما و أسمع ما يقولانه .. نهضت من مكاني و اتجهت نحو جليل القريب منهما قليلاً و تظاهرت بأني أنسق له الكرسي بينما كنت أسترق السمع لهما و فهم جليل جيداً ما أفعله ..هنا سمعت سهيل يقول منفعلاً :
" رباه .. لازلت تفكر فيها ؟ "
تنهد مهند :" بصراحة نعم "
قال سهيل بغضب :" لماذا ؟ "
" لا أدري .. و لكنها بكل ما تفعله .. تجذبني أكثر فأكثر .. "
صاح سهيل :" أنت غبي .. لا تدعها تجرك نحو الهاوية باسلوبها الفريد في الحديث .."
زفر مهند ثم همس :" فلننصمت فحسام أمامنا "
--
في السيارة .. التفتت لمهند و مددت يدي له بمبلغ من المال قائلاً :" ثمن الثلاث العباءات .. ربما يكون أقل فسامحني "
رمقني مهند ثم قال :" ماذا تقول حسام ؟ أهلك هم أهلي بالتأكيد "
و هنا صمت لبرهة يفكر فيما قاله للتو .. ثم ابتسم :" أقصد .. لا داعي لهذا فنحن أخوان أليس كذلك حسام "
ابتسمت :" نعم .. و ليس هناك أخ مثلك .. أرجوك اعذرني على ما حصل في شركة الخياطة .. كانت ......"
ابتسم و قال :" لا داعي للاعتذار حسام .. و انس الأمر "
و منذ تلك اللحظة بدأت فكرة أن مهند شخص سيء تزول و تختفي .. فالتغييرات التي طرأت عليه ايجابية و كثيرة .. و صرت أتنبأ بزواج قريب يجمعه مع هيام .. و تنبأت بأن هذا الزواج سيدوم .. فمن سابع المستحيلات أن تعجب هيام بشخص ما .. لكنها تقريباً أُعجبت بمهند و هذا ما أكدته من خلال تصرفاتها ..
--
في اليوم التالي .. دخلت شركة الخياطة .. فوجئت بصابر شقيق مهند يخرج منها .. انتبابني قلق كبير.. فاتجهت مسرعاً نحو مكتب مهند .. جلست أمامه فرأيته منشغل بتصفح ألبوم صغير .. رفع رأسه لي و قال :" أين طعام الغداء "
انفعلت :" دع عنك الطعام الآن ..ماذا يفعل شقيقك صابر هنا .. ألم تقل لي .."
قاطعني مبتسماً :" صابر أتى ليريني صورة ابنه .. عمره ثلاث سنوات و لم أره مرة في حياتي .. أنظر كيف يشبهني "
و قرب لي الألبوم .. ألقيت نظرة على صورة الطفل ثم قلت :" نعم يشبهك .. لكن كيف أصبحت علاقتكما هكذا و فجأة ؟"
ابتسم :" لم أكن أقف ساكناً و بعيداً ؟.... لقد حاولت مرات و مرات أن أكسب وده .. و قد نجحت "
و أتمم :" لا تتوقع يا حسام أني مرتاح لحالي هذه ..أنا أريد العودة لأهلي مجدداً .و عن طريق صابر الذي اعترف أخيراً برابطة الأخوة التي تجمعنا "
و استدرك :" حسام .. سآتي لزيارتك يوماً ..و سأجلب معي ألبوم الأسرة القديم .. و الذي أعطاني إياه صابر "
ابتسمت :" أتمنى لك كل خير "
--
حضرنا حفل خطوبة سهيل بالآنسة سجى .. امتلئت صالة الرجال بالحاضرين و ضجت بفوضى العرس اللذيذة .. تأملنا سهيل السعيد .. بل و الغارق في السعادة ..الذي لفت انتباهي ضيق كمال الشديد و الذي لا يبدو عليه أنه فرح لزواج سهيل .. فجأة نهض و قائلا :"تزيدون جراح غيركم .. و تدعون أنكم تداوونه ؟ و تشهرون ما جرى له بين الناس ؟ كم أكره هذه النوعية من الناس "
نظرنا إليه مستغربين .. و قال مهند :" كمال أأنت في وعيك ؟ "
صرخ كمال فجمع إلينا الأنظار :" اخرس "
و لمعت عيناه بالدموع .. و احتقن وجهه .. أما نحن لم ندري ما الذي يجري .. همس و هو يرمق مهند :"أنت بالذات اخرس .. لن تشعران بمصيبتي .. ماذا أفعل بذلك العريس سهيل .. عندما أوشكت على النهوض من مأساتي يأتي و يلقيني طريحاً ..و أنت ..... و أنت يا مهند .. "
ثم عض على شفتيه :" لن تفهم شيئاً "
و غادر مسرعاً .. بقينا متسمرين .. ماذا جرى له .. قلت أنا :" مؤكد أنه يهذي "
و نظرت لجليل ثم لمهند الذي صمت لبرهة ثم أشار برأسه بالنفي و همس :
" كأني فهمت ما يقصد .. و لكن كيف علم بالأمر ؟"



" سأسعى دائماً لأذيقك الطعم اللاذع الذي أذقتني إياه "

==

تسمرت أنا مذهولاً.. قرصتني جمانة :" اصفعها .. افعل شيئاً .. كن رجلاً أمامها .. ما بك"

==

و مهند لازال مذهولاً يحملق بتلك الكلمة التي كتبتها هيام و هي ترمقه بتلك النظرات الحادة و الابتسامة الماكرة ترتسم على شفتيها

==

"هيام .. شقتي .. لا تفكري بدخولها .. و زوجتي لا تفكري بمحادثتها و أنا كلي ابتعدي عني .. و إن شعرت أنك فعلت أمراً مخجلاً آخر مع مهند أو غيره.. لسوف تكون نهايتك على يدي .. لسوف أُعلم والدي "

==

رفع رأسه و نظر لي طويلاً .. ثم نظر للبقية و هم يتقدمون .. و عاد ينظر لي بعينيه اللامعتين بضيق .. ثم همس :


بوح قلم 11-04-11 08:31 AM

الجزء الثاني و الأربعون

كما وعدنا سهيل .. بأنه سيدعونا على غداء محترم في مطعم فخم بمناسبة زواجه .. اجتمعنا حول طاولة الطعام و طلبنا ما نود تناوله .. نظرت أنا لكمال الصامت فقال جليل بدعابة :" سهيل .. أول مرة في حياته يدعونا على وجبة غداء .. "
استنكر سهيل :" و هل تظنني بخيلاً .. "
ابتسم مهند :" سهيل بعد ارتباطه أصبح كريماً و لبقاً "
ضحكت :" و أصبح ناعماً "
و انفجرنا ضحكاً :" إلا هذه "
قطع ضحكنا صوت كمال الحزين :" سهيل أأنت سعيد ؟"
رفع سهيل رأسه و قال :" بالطبع بل غارق في السعادة "
نظر مهند لكمال و نكس رأسه فقال كمال بهمس :" سرقت بقايا سعادتي "
قطب سهيل حاجبيه و حاول جليل قول شيء لكني أشرت له أن يصمت .. فقال سهيل :" ماذا تخرف ؟ "
رمق مهند كمال الذي ضحك بسخرية و قال بحزن :" الآن أنا أخرف .. ؟ لم تسأل نفسك يا سهيل يا ترى ماذا فعلت بكمال .. لست تدري أنك فتقت جرحاً عميقاً .. أنت .. أنت لا تبالي بأحد "
نكس مهند رأسه و قال سهيل مستغرباً :" ماذا ؟ أي جرح و أي فتق .. مؤكد أنك جننت .. صرت تهذي "
نظر كمال لمهند و قال :" هاه مهند .. أأنت سعيد بمعرفة القصة كاملة .. لتنشرها أيضاً لشخص آخر "
نظر مهند له بعمق و نكس رأسه حرجاً .. و قال سهيل :" كمال هل جننت ؟ "
تنهد كمال و همس :" ببساطة تسحب مهند فور عودته من السفر و تستمتع بسرد قصتي له .. لم تبالي أنك تتحدث عن عرض و شرف .. لو وُضع أي شخص في مكاني..... لقتلك "
صُدم سهيل و لم يدري ما يقول .. و مهند منكس رأسه محرجاً و جليل ينظر لي .. ابتسم كمال و همس :
" سأسعى دائماً لأذيقك الطعم اللاذع الذي أذقتني إياه "
صُدمنا جميعا !!!!
--
وقفت متسمراً أراقبهما بجانبي جمانة .. خاطبتها :" راقبي فقط "
كنا في المكتبة ..لا أدري كيف جاءت هذه الصدفة مجدداً ليلتقي مهند و هيام ..من جديد .. هي تتفحص الألوان و تفكر بعمق .. و هو مع رحاب يتفقان مع الموظف أن يطبع لهم شعار الشركة على الملابس و يتفقان على السعر ..التفتت هيام لهما و هي تحمل علبة كبيرة لطلاء أحمر .. ابتسمت و هي ترمق مهند المشغول في مناقشة الموظف .. ثم نظرت لرحاب و اتسعت ابتسامتها الماكرة .. و رمقت الطلاء الأحمر .. ثم تقدمت و وقفت بجانب رحاب و وضعت الطلاء على الطاولة و التفتت يسرة و يمنة .. و ببطء فتحت العلبة و أبقت الغطاء فوقها .. و ابتسمت و هي تنظر لرحاب .. و مشت ناحية علب الطلاء و جاءت بعلبة أخرى و وضعتها بجانب العلبة الاولى و نظرت لمهند و هو يستمر في مناقشة رحاب .. و كما توقعت .. بدأت بدفع الطلاء الثاني ليدفع الطلاء الأحمر ناحية رحاب .. صحت أنا :" هيام !!!! "
لم تكن إلا لحظات ليندفع الطلاء الأحمر مسقطاً الغطاء و ينسكب الطلاء على عباءة الآنسة رحاب من أعلاها إلى أسفلها ..فتفجرت المكتبة من صرخات رحاب .. انحنى مهند لرفع العلبة قبل أن يؤذي الطلاء شيئاً آخر فانحنت هيام و رمقته ثم أخذت شيئاً من الطلاء و بدأت بالكتابة على البلاط باصبعها .. ركزت أكثر لأقرأ كلمة :
" أريدك "
تسمرت أنا مذهولاً.. قرصتني جمانة :" اصفعها .. افعل شيئاً .. كن رجلاً أمامها .. ما بك"
لم أكن أتخيل أن جرأة هيام ستصل لهذا الحد .. رحاب المسكينة مشغولة بعباءتها الحمراء .. و مهند لازال مذهولاً يحملق بتلك الكلمة التي كتبتها هيام و هي ترمقه بتلك النظرات الحادة و الابتسامة الماكرة ترتسم على شفتيها .. احمر وجهه و أصبح كلون الطلاء .. بالكاد رفع أنظاره و نظر لها طويلاً .. و نهض فنهضت هي و هي ترمقه بتلك النظرات.. و مدت له اصبعها الملطخة بالطلاء و همست :" منديل "
رمقها طويلاً ناسياً رحاب التي تناديه و تطلب مساعدته و أخرج من جيبه المنديل و قدمه لها .. فبدلال مسحت أصابعها به .. و رمت به على الأرض و بحذائها قامت بسحب المنديل ليمسح تلك الكلمة ..و أنا أشتعل غضباً..
و مرت فترة و هو ينكس رأسه صامتاً حرجاً تاركاً وراءه رحاب مع مجموعة من الفتيات يساعدونها على ازالة الطلاء من على عباءتها .. و هيام تبتعد و تقترب مني .. ثم تقف بجانبي مبتسمة .. فجأة نظرت لي تتفحص ملامحي إذ كنت رأيت ما فعلت أم لا .. رمقتها بحدة فانتفضت .. و حاولت أن تضع قناع الغرور مجدداً لكنها لم تستطع و كنت أخبئ لها الكثير..
--
فتحت باب الشقة و اتجهت نحو أحد المقاعد و رميت بجسدي عليه و تأملت هيام و هي تدخل مع جمانة .. رمقتها بحدة و قلت بتهكم :" شيء من الطلاء أصاب أظافرك الناعمة "
وقفت هي و رمقت ظفرها .. ثم نظرت لي .. فقلت :" لابد أنك مسحته بمنديل مهند "
نظرت لي بارتياب ثم حولت أنظارها لجمانة الخائفة من الحرب التي ستندلع الآن ..أشرت لهيام أن تقترب و تجلس أمامي ففعلت .. نظرت لها بعمق و همست :" كم أنت جريئة و قليلة حياء .. تفعلين ذلك أمامي .. لسوف تندمين "
رمقتني بحدة و استجمعت قواها و قالت :" حسام .. ليس لك دخل فيما أفعـ........ "
لم أدعها حتى تكمل حديثها حتى هويت بكفي على وجهها فصرخت .. و قبضت بأصابعي على شعرها و هي ترتجف خوفاً و خاطبتها :" هيام .. شقتي .. لا تفكري بدخولها .. و زوجتي لا تفكري بمحادثتها و أنا كلي ابتعدي عني .. و إن شعرت أنك فعلت أمراً مخجلاً آخر مع مهند أو غيره.. لسوف تكون نهايتك على يدي .. لسوف أُعلم والدي "
رمقتني بخوف و جمانة تقف بعيداً تمتم بالدعوات و الصلوات .. رمقت هيام بغضب و صرخت :
" سأخبر أمي .. لتمنعك من الخروج من المنزل "
عضت على شفتيها مستاءة .. و همست :" فلتترك شعري أرجوك "
--
في شقة مهند كنت مع سهيل نتحدث ..و مهند في غرفته ينسق بعض الأوراق .. هل أمر هيام يشغله لهذا الحد ؟ لدرجة أنه لم يحادثنا أبداً و اعتكف في غرفته ينسق أوراقه .. نهض سهيل ليتفحص التلفاز و رفع صوته مخاطباً مهند:
" مهند ألا تفكر أن تهديني هذا التلفاز ؟ تلفاز غرفتي قد تعطل .... "
و لم نجد إلا الصمت .. عاد سهيل يقول :" مهند .. ما رأيك ؟ .. أظنك في حالة ميسورة .. تستطيع شراء غيره و لا أظنك تتابع في التلفاز شيئاً سوى الأخبار .. يمكنك الاستغناء عنه بالجرائد .. ما رأيك ؟ "
و ظللنا ننتظر الرد .. خاطبني سهيل :" هل نام ؟ "
و اتجه نحو غرفته و طل عليه و همس يخاطبني :" حسام تعال أنظر "
نهضت و طللت أنا الآخر لأرى مهند يجلس أمام المكتبة و يسند رأسه على كفه و هو سارح .. قلت أنا بهدوء :
" مهند .. "
و لازال على وضعه .. فصرخ به سهيل :" مهند "
انتفض هو و التفت لنا مستغرباً و همس :" ماذا هناك ؟ "
رمقه سهيل طويلاً ثم قال :" سمكاً "
ضحك مهند و قال :" أتحدث بجد .. ماذا هناك ؟ "
اقترب منه سهيل و جلس على السرير و خاطبه :" ما بك ؟ "
رمقني مهند و همس :" لا شيء "
--
في الممشى .. لاحظت سرحان مهند الواضح .. كمال تقدم بجليل و معهم سهيل .. استدرت أنا لمهند الذي بالكاد يخطو خطوته .. اقتربت منه و قلت :" مهند .. ما بك ؟ "
رفع رأسه و نظر لي طويلاً .. ثم نظر للبقية و هم يتقدمون .. و عاد ينظر لي بعينيه اللامعتين بضيق .. ثم همس :
" حسام .. أنا مضطر .. .. "
و نكس رأسه ثم قال :" أنا محتاج لأن ....."
و رفع رأسه و نظر لي مرتبكاً و مشتتاً :" حسام .. إن بحت لك برغبتي بربك لا تقسو علي "
رمقته لبرهة ثم قلت :" ما بك مهند ؟ لست طبيعياً "
تنهد و مسح جبينه من حبات العرق و همس :" منذ زمن و أنا لست طبيعياً "
و رمقني لبرهة ثم همس :" أطلب يد أختك للزواج "
و لمعت عيناه ارتباكاً و خجلاً و همس :" فكر .. و أجبني متى أحببت .. "
و غادر ....



و الذي أخافني أكثر أنها شرطت عليه أن تعيش في منزل أهله !!

==

رمقها جليل بلهفة و قال بشجاعة لم أتوقعها منه :" آنسة حسناء .. تتزوجينني ؟ "

==

بدون سابق إنذار فتحت عيناها مصعوقة و صاحت :" ماذا ؟ "

==

"و كأنه قد كتب علي المرض و كتب علي عدم الزواج .."

==

"و فوق هذا و ذاك سيئة الأخلاق و حقودة و تميل للانتقام و فوق هذا أيضاً .............."




بوح قلم 11-04-11 08:32 AM

الجزء الثالث و الأربعون

" صديقي مهند يطلب يدك للزواج "
لم تستطع أن تخفي ابتسامة النصر و النجاح و بمكابرة اصطنعت تقطيبة جبين و قالت :" من ؟؟ .. ذلك القصير ؟؟"
نظرت لها باحتقار و قلت :" نعم .. ألم تكوني ملهوفة لتدفعيه للزواج منك .. ؟"
خفضت من رأسها لتخفي ملامح الفرح الشديد و قالت :" موافقة على اجراء مقابلة "
--
و ككل مرة .. تُجرى المقابلة الأولى .. و المقابلة الثانية أيضاً للاتفاق على المهر و الشبكة .. مع لهفة أبي و أمي .. يترجان ربهما أن يتم كل شيء على خير .. هيام موافقة تقريباً ..مهند مرتبك قليلاً لأنهم مضطر أن يحكي كل تفاصيل حياته أو على الأقل النقاط المهمة .. مرضه .. خلافه مع أهله .. و غيره الكثير .. هيام لأول مرة تبدو متحمسة .. لتقدم أحدهم لها .. كانت تطيل الحديث مع جمانة و تطلب منها معلومات أكثر ..عن مهند..
ما يخيفني أنها تتعمد نعته بالقصير و كنت أكرر عليها أن هذا تقليل من شأنه حتى لو كان على سبيل المزاح لكنها لا تتوب و عندما أبدأ بشرح حالته المرضية تضجر و تقول أنها على دراية بموضوع المرض و لا داعي لتكراره ..و الذي أخافني أكثر أنها شرطت عليه أن تعيش في منزل أهله !! لأنها لا تتقن الطبخ و لا الكنس و لا الجلي و لا أي شيء .. فأجابها أنه سيدرس الموضوع أولاَ .. مهند لم يعد لأهله تماماً و لازال أخاه فياض يحقد عليه و أباه لازال يقسو عليه و ليست له علاقة بتاتاً بأخواته اللاتي يكاد ينسى أسماءهن .. فكيف سيكسن بينهم مع زوجته المدللة المغرورة هيام ؟!! .. هيام لا تبالي بالصعوبات التي يمر بها مهند حتى المالية .. في البداية طلبت طقم ألماس لولا أن أبي اعترض .. مهند مجرد مسؤول في شركة خياطة .. لكنها تظنه مسؤول على الشركة بأكملها .. أسمع أحاديثها مع جمانة بأنها تنوي أن تنسق أنفها قليلاً في لبنان و على حساب مهند .. و تنوي شراء فستان الزفاف من مصمم اجنبي مشهور .. لا أدري كيف أفهمها أن مهند ليس مليونير و أن الزواج ليس معناه التسوق و شراء أفخم الأشياء .. مهند خجله يمنعه من رفض أي طلب لها .. الشيء الذي أزعجني محاولات سهيل بثني مهند عن مواصلة مشوار الزواج هذا بحديثه حيث قال منفعلاً :" سوف تتزوجها يا مهند ؟.. لسوف تعاني الأمرين .. جريئة و مغرورة و لا يهمها أخاها الذي فعلت أمامه تلك الحركة السخيفة .. فوق هذا مطلقة مرتين و أكبر منك و تطالب بالعيش بين أهلك و لا تهتم للخلافات المريرة بينك و بينهم و لا تهتم بوضعك المالي المتواضع ..و فوق هذا و ذاك سيئة الأخلاق و حقودة و تميل للانتقام و فوق هذا أيضاً .............."
قاطعه مهند هامساً و هو ينظر لي بينما كنت أتظاهر بأني منشغل بالحاسوب .. ثم همس :" سهيل كفى .."
و قال حرجاً :" أنا قررت الزواج منها و لن أتراجع عن قراري أبداً .. غرورها ليس بالمشكلة العظمى و طلبها بالعيش مع أهلي أفضل طريق للعودة إليهم .. مطلقة مرتين ؟ لربما لم تجد من يفهمها و يصبر عليها .. كونها تعيش في عائلة ميسورة و أن تكون مدللة بينهم هذا ما يجعلها تطلب السفر للبنان و غيره ..ثم أني لم أصدق أنها ستتقبل موضوع المرض هذا .. أنت تعلم جيداً ماذا فعلت بي أسرة عبد القادر يوم تقدمت لخطبة ابنتهم و عرفوا عن مرضي .. تعجبوا كثيراً كيف تجرأت و تقدمت لخطبة ابنتهم و أنا مريض .. و فضحوا أمري في المنطقة بأسرها ..لازلت أذكر عبد القادر يكرر سؤاله علي بنظرات احتقار شديد و يقول كيف تقدمت لخطبة أخته و أنا مريض بهذا المرض و كأنه قد كتب علي المرض و كتب علي عدم الزواج .."
و قال متنهداً :" أنا بكل سلبياتي .. يجب أتقبل سلبياتها .. فليس هناك شخص كامل "
--
دارت دورة حول نفسها ضاحكة مستمتعة بالشعر الجديد .. صاحت بفرح :" واو .. كنت بحاجة لأن أجري تعديلاً على شعري و أنعمه و أصبغه هكذا "
نظرت لها لبرهة ثم قلت :" ألا ترين أن اللون البنفسجي ليس مناسباً ؟ "
ضحكت :" حسام أنك متخلف للغاية "
و قالت جمانة :" نعم شعرك رائع جداً .. "
قطبت حاجباي و صحت :" جمانة غضي بصرك أرجوك .. لربما أراك غداً بشعر أخضر "
ضحكنا و قالت هيام :" أنا أريد أن أجري عملية الأنف قبل الزواج .. و لا أريد من مهند أن يأتي معي .. أرجوك أوصل له هذا يا حسام "
--
سافرت هيام مع أخي جهاد و أخذت مني زوجتي جمانة ..و أخذوا خلود بما أن عطلتها المدرسية قد بدأت .. فبقيت وحيداً و مهند أيضاً وحيداً .. فمرة دخلنا أحد المطاعم و انهمكنا بتناول طعام العشاء .. قلت أنا :
" أنا معارض جداً جداً لسفر الزوجة دون الزوج .. "
ابتسم :" معك حق .. لكن حسام .. ماذا تود هيام أن تفعل هناك "
ضحكت :" ألم تخبرك .. عملية تجميل"
و أطلقت ضحكة عالية .. و ابتسم هو :" أعلم .. لكن ماذا بالضبط ؟"
ضحكت :" عملية تقصير .. لتصبح أقصر منك ""
ضحك هو فقلت أنا :" مهند هل كل شيء على ما يرام "
نظر لي و قال :" من أي ناحية ؟"
" أقصد أهلك .. هل ... ؟ "
قاطعني :" زرتهم و سلمت عليهم جميعاً .. صحيح أن فياض لازال حاقداً علي و أبي لا يبتسم لي .. و لم يسمحوا لي بالحديث مع أخواتي .. إلا التسليم فقط .. لكني أشعر أن الأمور ستتحسن ريثما تعود هيام .. و عندها سنجري الزفاف و أتوقع أن أهلي سيحظرونه جميعاً .. أما مسألة السكن معهم .. لازلت أمهد لهم الأمر .. الذي أدهشني الابتسامات التي ارتسمت على وجوههم يوم قلت لهم أني سأتزوج "
--
صرخ :" آنسة حسناء "
أغلقت الباب من خلفها مبتسمة و قالت بمرح :" ها قد عدت .. "
رمقها جليل بلهفة و قال بشجاعة لم أتوقعها منه :" آنسة حسناء .. تتزوجينني ؟ "
--
عندها خاض جليل مشوار الزواج الذي يخوضه مهند لكن جليل خاضه بشكل أسرع .. فقبل أن تعود هيام بيومين .. أقيم حفل زفاف جليل و حسناء .. حول الطاولة .. سهيل يستمر في مشاحنة زوجته في الهاتف ثم يغلقه في وجهها .. و يبقى يشتم و يلعن اللحظة التي تزوج فيها .. كمال صامت .. و أنا مع مهند نرمق جليل السعيد بفرح .. أخيراً تزوج جليل من حسناء ..
--
" ما رأيك ؟ "
تزيل الغطاء عن وجهها و تبتسم .. ابتسمت أنا :" يا للقبح .. أنفك أصبح كالقلم .. بربك كم دفعت لأجل هذا التخريف ؟ "
ابتسمت :" ليس من شأنك .. مهند هو من أعطاني المبلغ بارادته .. ثم أن هذا القلم الذي تسخر منه سيبهر الكثيرين "
" لو فعلت جمانة بأنفها هكذا لطلقتها "
قالت بسخرية :" أسكت .. زوجتك المصون لم تقاوم عمليات نفخ الشفتين و كادت أن تجن .. و صارت تلح علي برغبتها لكن حمد لله لم تكن تملك نقوداً .. و إلا طلقتها الآن "
تنهدت :" الحمد لله "
انتبهت هي قائلة :" علي أن أنبئ مهند بعودتي .."
قلت أنا :" المسكين كان كئيباً طوال غيابك .. بأي سحر سحرتيه؟"
ابتسمت :" بذكائي "
--
أخيراً أقيم حفل خطوبة مهند بهيام ... جليل لم يحظر لأنه مشغول للغاية بزوجته .. سهيل بالرغم أنه كان معارضاً لفكرة أن يتزوج مهند بأختي إلا أنه فرح للغاية .. كمال كالعادة صامت .. و مهند .. أي فرحة يشعر بها .. و أباه يقف بجانبه مبتسماً .. و لديه موعد بعد قليل بملكة الجمال هيام .. في صالة النساء ..

--
دخلت شركة الخياطة .. كلفني مهند بأن أضع أوراق معينة على مكتبه .. فاتجهت نحوه و فعلت ذلك .. حينها التفتت لي رحاب قائلة :" أين الأستاذ مهند .. ؟ لم يحظر اليوم و لا أمس "
ضحكت :" لم يخبرك ؟ الأخ تزوج .. "
بدون سابق إنذار فتحت عيناها مصعوقة و صاحت :" ماذا ؟ "
نظرت لها لبرهة فعدلت هي من نبرة صوتها بسرعة و اصطنعت ابتسامة قائلة :
" الأستاذ مهند تزوج .. ؟ متى و كيف و لماذا لم يخبرني "
ابتسمت :" تزوج من أختي هيام "
صرخت :" المغرورة ؟!! رباه !!!!!!! "

--
مرت الأيام .. حتى جاء اليوم الذي سمعت فيه هيام تخاطب مهند في الهاتف قائلة بحدة :" لن نقيم زفافنا إلا عندما تدبر موضوع السكن في منزل والدك .. لن نعيش في شقة أبداً "
تنهدت بعمق .. رباه



التي مستحيل أن تتصور أن من الممكن أن يكون أهل زوجها متربصين لها يسعون لتنفيذ الانتقام فيها ..

==

فخاطبني :" هذه ابنة عمي الغالية سوسن "

==

كنت مع أم مهند نرى هذه الحركة كل يوم تقريباً .. أتدرين ما يفعل ؟

==

زاد قلقي كثيراً .. ربي احفظك يا هيام من ذلك المتوحش فياض ..




بوح قلم 11-04-11 08:34 AM

الجزء الرابع و الأربعون
و الأخير

مر كل شيء بسرعة .. بعد أربعة شهور .. دعونا نذهب ناحية أهل مهند .. يهمس لي مهند قلقاً و يقول أن هناك ثمة خطط و تدابير و مكائد تخطط له عائلته .. من خلف الأقنعة المصطنعة .. بينما هو يفرش الجناح الخاص به تحت مراقبة هيام .. التي تدخل المنزل و تخرج .. دون أن تقبل رأس حماتها و دون أن تبتسم لعمها أو أي أحد يعيش هناك ..الأمر الذي يقلق مهند .. و هو يلحظ تلك النظرات الثاقبة التي تلمع في عيون أهله.. هيام .. لا تهتم بأي شيء ..الذي زادني قلقاً فوق قلق .. صرخة من هيام موجهة نحو مهند :
" ثلاث ساعات سأقضيها في المشفى ..لأجل تخطيطك ؟ لست مضطرة أبداً "
نظر لها مهند بحزن ثم نظر لي و عاد ينظر لها قائلاً :" عليك الاعتياد على هذا الوضع .. أنا تقريباً كل اسبوع أذهب لأجري تخطيطاً .. "
تنهدت :" سأتعود .. لكن يا عزيزي .. سأنتظرك في المنزل .. ليس هناك داع لأنتظرك في المشفى "
تدخلت أنا :" هيام .. يجب أن تقفي معه في كل مشاكله "
قالت بحدة :" أقف معه ثلاث ساعات أجننت ؟ معه السائق .. أنا سأبقى في المنزل "
تنهد هو :" لا بأس .. "
--
أقيم حفل زواج مهند بهيام .. و بدآ العيش في منزل أهل مهند و منذ ذلك الوقت و أنا قلق على الاثنين .. خصوصاً أختي هيام المدللة و المغرورة و التي مستحيل أن تتصور أن من الممكن أن يكون أهل زوجها متربصين لها يسعون لتنفيذ الانتقام فيها .. هي لم تدرك جيداً قصة مهند مع أهله ..تظن أن الموضوع هو مجرد طرد أبا مهند له من المنزل .. هي لا تعلم أن فياض مختل عقلياً .. صرت أتصل بهما يومياً .. يصلني صوت هيام ناعساً :
" الساعة السابعة يا أخي .. و أنا سهرت البارحة .. بربك دعني أنام و دع عنك الظنون و المخاوف "
قلت بحدة :" هيام .. الآن الآن اذهبي لعمك و سلمي عليه و تحدثي معه بلطف و لا تنسي حماتك و لا تنسي البقية .."
تنهدت :" حاضر .. حاضر .. لكني سأتمم نومي "
صحت بها :" هيام لا تتساهلي بالموضوع .. و إياك و الاحتكاك بالمسمى فياض .. أين مهند "
زفرت :" نائم "
قلت منفعلاً :" هل تريدان من فياض أن يفجركما بقنبلة .. أيقضي زوجك بسرعة و اهبطا لتناول الفطور مع الأسرة كلها "
انزعجت :" صدعت رأسي يا حسام .. حاضر ، حاضر "
--
وصل بي القلق لدرجة أني نويت زيارة مهند لأرى الوضع هناك ..صحيح أنه لم يمر على زواجهما إلا أربعة أيام .. لكني كنت خائفاً على أختي و صديقي و يحق لي ..أخذت معي زوجتي و طفلتي ..و انطلقنا نحو منزل أهل مهند .. جلسنا في الصالة .. و ظللنا ننتظر هيام .. مهند سعيد للغاية و ذلك باد على ملامحه .. هنا هبطت هيام بدون حجاب و خاطبتنا قائلة :" اجلسوا في غرفة الجلوس .. لنأخذ راحتنا "
رمقها مهند مقطباً حاجباه مستغرباً .. فغطت شعرها بشال كان على كتفيها و قالت متنهدة :" هيا "
انتقلنا كما رغبت هي ..و جاءت هي و جلست بجانب مهند الذي انقلب من الفرح إلى الغضب .. فنظرت هي إليه لبرهة .. خاطبتها أنا :" هيام .. ما هي أحوالك هنا "
نظرت مجدداً لمهند ثم قالت :" أشعر أني الوحيدة التي أعيش هنا .. أبا مهند سافر .. ربما هروباً من رؤيتي .. أم مهند لا تخرج من غرفتها أبداً ..زوجة أبيه دائماً مع الجيران .. و إن عادت و لا تخرج من المطبخ .. أخوات مهند يعشن في منزل عمهن و سوف يعدن مع عودة أباهن أما أخوته الشباب .. لم أراهم منذ أن تزوجنا .. و عندما أسأل مهند عنهم يقول أنه لا يعلم بامرهم .. الشيء الأكبر .. مهند في عطلته يخرج مع تلك المدعوة رحاب زعماً بأنه يساعدها على عملها المتراكم "
نظرت لمهند الذي ينظر لها من طرف عين .. أشعر به سينفجر غضباً ..ثم اصطنع ابتسامة قائلاً :" سوف أترككم لوحدكم "
--
" كيف حالك يا ابن العم ؟ "
رمقها كمال بسعادة لا توصف و صاح :" سوسن ؟ لا أصدق عيناي "
ابتسمت هي بخجل و قالت :" أنا أعمل هنا في المشفى منذ اسبوع .. ماذا عنك ؟"
ضحك :" أنا لازلت بائعاً .. "
و اشار لي :" هذا صديقي حسام ..أفضل شخص على هذه الكرة الأرضية "
ضحكت بسعادة :" لا تبالغ "
فخاطبني :" هذه ابنة عمي الغالية سوسن "
و عاد يخاطبها :" مستحيل أن أنقطع عنكم مجدداً .. "
ضحكت هي :" إذاً .. لماذا لا تزورني هنا في الأيام المقبلة .. أظن أن المشفى قريب جداً من أحد محلاتك "
قال بفرح :" بالتأكيد سأزورك .. أتساءل هل تغيرت في حبك للمشاحنات ؟ "
ضحكت :" اطمئن .. لم أتغير "
ابتسم بسعادة تغمره ....و كنت غارقاً في أفكاري و أنا أرمق تلك الفتاة سوسن .. كأني ألمح شيئاً قادماً من بعيد ..ماشياً على قدميه .. أنه الحب على الأرجح ..
--
جاءني هذا الحديث كالصاعقة .. سمعته بالصدفة .. أو .. لكي لا أكذب عليكم فأني سمعته بالتجسس كالعادة .. سمعته من هيام و هي تهمس به في اذن جمانة :" ذلك المسمى فياض يحاول ايذاء مهند أو ايذائي بأي شكل من الأشكال و يستغل سفر أبيه ليمارس علينا أفعاله المخيفة .. لا تعلمين ..يتسلل إلى غرفتنا أثناء غفوة مهند و كنت مع أم مهند نرى هذه الحركة كل يوم تقريباً .. أتدرين ما يفعل ؟ يحاول أن يصيب زوجي بصدمة عصبية .. أنه يذهب ليفزعه من نومه .. و لم يتركني أنا بحالي .. دائماً يتسلل ببطء إلي و يفزعني بصرخة مدوية تجمع العائلة بأكملها "
قطبت جمانة حاجبيها :" و ماذا تفعلان ؟ "
تنهدت :" مهند يلزم الصمت أما أنا فلا أستطيع .. كنت أشكو تصرفاته لأمه أي زوجة أبي مهند الثانية ..فما كان منها أن تقول بكل بساطة أنه يمازحنا كوننا ضيفان في هذا المنزل .. و كانت تصر بوقاحة أننا ضيفان و سنخرج قريباً و هناك شيء آخر .. أخت مهند تحاول أن تشوه صورته أمامي .. تقول أنه كان يشرب الخمرة و كان يدخن .. بالتأكيد أنها تكذب .. "
نكست جمانة رأسها ثم قالت :" أي شيء عائلي يحدث لا تتدخلي أنت فيه و إن تحدثوا عن مهند بسوء قولي لهم أنك تعرفين ذلك و أنك مقتنعة به و بسلبياته "
زاد قلقي كثيراً .. ربي احفظك يا هيام من ذلك المتوحش فياض ..
[--
تعودت على التجسس على أحاديث هيام مع جمانة .. فأقلق أكثر فأكثر .. حتى أردت أن ألم بالأمر و أذهب لزيارة مهند في منزله فأحدثه عن هذا الموضوع الذي أقلقني أنه قال :" لن نتقابل في المنزل لأن أخي فياض هنا "
شعرت بحجم الخطر لكني أصررت على الحضور بوجود بفياض .. في غرفة الجلوس مهند يقفل الباب و هو يقول لي :
" أرأيت كيف يتربصني .. قلت لك لا يجب أن نتقابل في المنزل بوجود فياض "
نظرت لمهند طويلاً ثم قلت :" ألهذه الدرجة .. أنا صرت أخشى على أختي "
تنهد مهند :" لا .. أختك لن يمسها أي سوء .. هي تضخم الأمور و حسب "
" لكنها تقول أنه يتسلل لافزاعكما و .. "
قاطعني :" الموضوع ليس هكذا .. هذه الحركة هو يفعلها مع الجميع و حتى لو كنت أنا أكثر شخص يفعلها معي .. فأنه لا يفزع هيام إلا نادراً .. الموضوع أنه لا يعلم حدوده تجاه هيام و أنها فتاة غريبة عنه لا يحق له الاقتراب منه لهذا الحد و فعل هذه الحركات معها .. أنا صرت أتحير كثيراً .. كيف أفهمه هذا ..و حتى جناحنا صار يجول فيه دون استئذان .."
قلت قلقاً :" إذا كان الموضوع هكذا ماذا ستفعل "
تنهد ثم ابتسم :" هذا شيء لا يستحق قلقك يا حسام بالتأكيد سأجد طريقة للتفاهم معه "
نظرت له لبرهة ثم قلت بحدة :" مهند ما قصتك مع رحاب ؟ هل انتبهت لتوك أنها تستحق اهتمامك و بعد أن تزوجت ؟ "
نظر لي بصدمة :" حتى أنت يا حسام ؟؟ مجرد أني أساعدها في ............."
" لا يجب عليك تبرير هذا لي .. برر هذا لهيام التي صارت تتوقع أن رحاب قريباً ستكون ضرة لها "
--
سافر مهند و هيام لاحد البلدان .. .و مرت الأيام .. حتى اتصل بي مهند و قال :
" أختك عائدة الآن "
" و أنت ؟ "
" أنا سأبقى .. "
" كيف ذلك ؟"
" أختك عائدة بعد أن طلقتها "
..
شعرت بالأسى كثيراً .. فانتظرتها فجاءت بوجه شاحب .. خاطبتها بهمس :" لماذا ؟ "
نكست رأسها بحزن و قالت :" هو شاء ذلك "
و رفعت رأسها بعينين مغرورقتين بالدموع و قالت :" كله بسبب أخاه فياض "
----
بعد ثلاث سنوات من هذا .. و قرب شاطئ البحر .. أرى كمال يسير بجانب زوجته سوسن التي تحمل طفلاً سميناً ..يلتفت لي كمال و يضحك فأبتسم له .. أدرت رأسي ناحية مهند و زوجته رحاب المنشغلان بالشواء بينما كان طفليهما يحومان حولهما بفرح .. لوحت لمهند فضحك فرحاً .. ابتسمت .. و أدرت رأسي للخلف حيث كان سهيل يوبخ زوجته سجى ثم يأخذ طفلته من يديها بغضب و يستدير فأنفجر أنا ضحكاً.. و مجدداً أدير رأسي فأرى جليل و زوجته حسناء مع ابنهما يجلسون حول الطاولة و يتناولون طعامهم .. التفتت لي جليل فضحكت له ..
نكست رأسي قبل أن أنظر لكتلة الكآبة التي تقبع هناك .. نظرت لها .. وسط أمي و أبي و أخي تجلس و مثلي تراقب هؤلاء الأربعة بحزن .. ثم تنكس رأسها .. حاولت الهروب من كابوس العنوسة لكنها هربت إلى كابوس أشد رعباً .. مطلقة ثلاث مرات .. يا ترى أي حزن يعتريها في هذا الوقت ؟؟ ..
" حسام .. أراك سعيداً "
التفتتُ لها .. جمانة .. ضحكت :" مم .. لا شيء "
و عدت أراقب عينيها و ابتسمت بود قائلاً :" بصراحة .. أنا محظوظ بك يا زوجتي العزيزة "
ابتسمت هي بخجل فحولت أنظاري لابنتي خلود .. فعلاً الحب لا يأتيك سيراً على الأقدام .. بالتأكيد عليك أنت من تسعى إليه سيراً على الأقدام ..

تمت
24 – 8 – 2008
الساعة 6:55 مساءاً





الساعة الآن 11:25 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية