منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   *&* قصـــــص ما ورااااااء الطبيعــــــــــــــــة *&* (https://www.liilas.com/vb3/t4679.html)

^RAYAHEEN^ 07-12-05 11:54 PM



-‏3-


قال ( مازن ) :‏
بعد اشهر كانت في السوبر ماركت مع ( أنريكه ) .. وكانت تبتاع ما يلزم من ثياب ‏للفترة القادمة .. لقد اشترت ثياب الولد وبعض الألعاب لحجرة نومه ، وكانت تسال ‏صديقتها باستمرار عما يخطر ببالها .. إن ( إنريكه ) أم مطلقة ..‏
لكن ( إنريكه ) لم تكن على ما يرام .. كانت شاردة ترد باقتضاب .. وفي مرة من ‏المرات خيل لها انها ترى دمعة في عينها ..‏
فجأة قالت لها ونظرة غريبة في عينها :‏
ـ" ( هالة ).. نريد ان نتكلم في مكان منعزل .."‏
سقط قلبها في قدميها ، فهي لا تحب ابدا هذه المقدمات .. لكنها وافقت ..‏
وفي إحدى الكافتيريات الهادئة طلبت ( إنريكة ) لنفسها قهوة وابتلعت قرصا مهدئا ‏أخرجته من حقيبتها ، ثم اشعلت لفافة تبغ ـ فهي من هذا الطراز ـ وقالت في تؤدة :‏
ـ هل قرأت قصة ( طفل روزماري ‏Rosemarys Baby ‎‏ ) ؟"‏
هزت ( هالة ) رأسها ان لا .. بدا لها الاسم مألوفا .. فأردفت ( إنريكه ):‏
ـ" هذه من قصص الرعب الشهيرة جدا .. وقد تحولت الى فيلم بالغ النجاح أخرجه ( ‏رومان بولانسكي ) .. إن القصة تدور حول زوجين اختارا لسكنهما بناية تعج ‏بالسحرة .. هما لا يعرفان ذلك .. لكن الزوج ينقاد الى الفخ ببطء شديد .. وهكذا ‏تكتشف الزوجة أنها حامل .. لكن ليس من زوجها .. بل من الشيطان ذاته .. وأن ‏الطقوس تقام كل ليلة حول جسدها الغائب عن العالم بفعل المخدر .. وفي النهاية ‏تنجب ابنا للشيطان !"‏
اتسعت عينا ( هالة ) رعبا .. لماذا تخبرها بهذا الكلام؟
قالت ( إنريكه ) وهي تنفث الدخان بكثافة :‏
ـ" الحقيقة هي ان هذا السيناريو يتم تطبيقه معك حرفيا .. إن ( أبركساس ) يتردد ‏على دارك كل ليلة ومعه أتباعه .. إن زوجك العزيز يقوم بتخديرك كلك ليلة بقرص ‏من المنوم يدسه لك مع العصير الذي تشربينه بعد العشاء .."‏
ـ" ( أبراكساس )؟"
ـ" نعم .. ( أبركساس ) وهو من شياطين العالم السفلي .. أنت حامل منه يا صغيرة ..‏
هبت ( هالة ) واقفة في عصبية وأوشكت على الصراخ ، لكن يد ( إنريكة ) المعروقة ‏قبضت على معصمها بقوة :‏
ـ" لا داعي للهستيريا .. لم نأت هنا كي نلفت الأنظار .."‏
جلست ( هالة صورة مجسمة للغباء والبلاهة .. فأردفت ( إنريكه ) :‏
ـ" انت حكيت لي عن زوجك .. كيف يمشي في الظلام بلا عائق .. كي فاختر قالنار ‏والدخان وانقذ ( كارل ) .. انا حكيت لك عن كميات اللحم التي يبتاعها .. الم تلحظي ‏ذلك ؟ الم تلحظي انه متكامل الى حد يصعب تصديق انه بشري؟ الحقيقة أنك حمقاء ‏‏.. لقد لمحت لك مرارا وكذا فعلت ( هيلدا ) إلى الحقيقة لكنك لا تريدين الفهم .. ‏الحقيقة أننا من أتباع هذه الجماعة السرية التي تحاول إعادة ( أبراكساس ) إلى العالم ‏، والتي زوجك عضو فيها .. لكنك بريئة جدا طاهرة جدا ، وبصراحة لم تعد واحدة ‏منا ترغب في ان تدفعك انت بالذت لهذا الدور القذر .. لهذا أنصحك بشيء واحد : ‏فتشي حاجياته جيدا .. ابحثي مرارا .. هذه الليلة بالذات لا تشربي العصير .. يجب ان ‏تعرفي من يدخل بيتك ولماذا .. فإن كان كلامنا صحيحا فعليك بالفرار بأسرع وقت .. ‏ربما تولت سفارتكم حل هذه المشكلة .."‏
ثم أفرغت باقي القهوة في فمها ، وأخرجت ورقة مالية دستها تحت الطبق ، وغادرت ‏المكان من دون كلمة واحدة ..‏
‏*** ‏
لو ان ( إنريكه ) فجرت لغما تحت المنضدة ، أو أوصلت سلكا كهربائي عالي الجهد ‏بأصابع قدميها وأولجت الفيشة في القابس ، لما أحدثت كل هذا التأثير لدى ( هالة )..‏
كأنها ثملة عادت ( هالة) إلى دارها .. احتاجت الى وقت لا بأس به حتى تجد المكان ‏‏..‏
دخلت الشقة شاردة ..ظلت تدور حول نفسها ساعة على الأقل وتمشي من غرفة ‏لأخرى .. في النهاية وجدت أنها تتجه كالمنومة مغناطيسيا الى غرفة مكتب زوجها ..‏
وقفت وراء المكتب لحظات ، ثم فتحت الدرج الكبير .. إنه يضع في المفتاح الذي ‏يفتح الأدراج الصغرى .. هي تعرف هذا وهو يعرف أنها تعرف ، لكنه يثق بها ‏ويعرف أنها اطر من أن تتسلل لتتفحص أسراره ..‏
أخرجت المفتاح وعالجت الدرج الأول ..‏
انفتح ..‏
لا شيء ..‏
الدرج الثاني .. به ..‏
به أشياء تخصها .. هذا هو الجورب الذي لا تفهم كيف أضاعته .. هذا هو دبوس ‏الشعر الذي اختفى فجأة .. هناك عدة صور لها .. من اين اتى بها ؟ إنها تخصها حين ‏كانت في مصر .. صور من المدرسة الثانوية .. لا بد أنه اخذها من أهلها ولم يخبرها ‏‏.. ثمة دمية صغيرة مصنوعة من القماش الخيط .. ما معناها ؟ هناك شعيرات على ‏رأس الدمية .. ملتصقة به كأنه شعرها هي .. الحصول على هذه سهل لأنها تحرص ‏على قص الخصلات الزائدة ، وأحيانا تهمل التخلص منها ..‏
ثمة علبة أقراص كتب عليها ( باربيتيوريت ) .. هي تذكر الاسم .. إنه منوم كان ‏أبوها يتعاطاه أحيانا ..‏
هناك لوحة ملفوفة حول نفسها .. فتحتها فوجدت ذلك الرمز المخيف .. النجمة ‏الخماسية وحولها كلمات بلغة لا تعرف ما هي ..‏
لا تفهم أكثر هذه الأشياء .. إن القصة واضحة ..‏
‏*** ‏
‏-‏ ‏" ملاك صغير هو أنت .. لهذا اخترتك .. بهذا همت بك حبا .."‏
‏*** ‏
المهندس المصري الشاب تورط في خبرة مريعة حين ذهب الى ألمانيا .. ووعد ‏جماعته بأن يذهب الى مصر ليعود بعروس ( أبراكساس ) .. إن ما تراه في الدرج ‏لغامض لكنه يخبرها بوضوح أنها هدف لعمل سحري .."‏
في المساء عاد .. كان ضحوكا متألقا ، أما هي فكانت في أسوأ حال .. لكنها قررت ‏ألا تثير ريبته بأي شكل ..
راح يتناول العشاء ويثرثر ، ثم نهض كعادته الى المطبخ ليعد لها العصير .. للمرة ‏الأولى تفطن إلى ان هذه عادته وأنه حريص عليه ا.. عاد حاملا الكوبين وبحرص ‏وضع كوب اليد اليمنى أمامها واختار هو كوب اليد اليسرى ..‏
ـ" لا اريد ان أضايقك .. لكني اطمع في مزيد من التدليل ..\‏
ـ" قولي ما شئت .. فأنت الحامل لا انا لو لم تخني الذاكرة .."‏
ـ" نسيت إحضار الفاكهة من الثلاجة .. فهل جلبت لي بعضه ؟"‏
هكذا انصرف ، وهكذا وجدت وقتا كافيا كي تتخلص من العصير .. أين ؟ أين ؟ ‏المزهرية الموضوعة على المنضدة ..‏
في اللحظة المناسبة قبل أن يعود ، وحين عاد كان كوبها فارغا وهي تمسح شفتيها ‏في امتنان ..‏
بعد دقائق أعلنت انها راغبة في دخول الفراش ..‏
بدأ يخلي المنضدة من الأطباق .. على حين اتجهت الى الحمام لتغسل وجهها ، ثم ‏دلفت الى الفراش .. وبعد دقائق تعالى صوت تنفسه المنتظم ..‏
لن تنام .. مهما كان الإغراء فلن تنام .. يجب ان تعرف .. أناملها تعتصر السكين ‏تحت الوسادة .. السكين التي أخفتها في الحمام ثم تحت الروب ..‏
لا بد نها استعادت ذكريات شبابها كاملا وحينما نظرت الى المنبه جوار الفراش .. ‏إنها الثالثة صباحا ..هو يرقد جوارها ويبدو نائما في عمق .. وهي لا تجرؤ على ان ‏تتحرك ..‏
الآن ينهض ببطء .. الآن يمشي الى الخارج .. الآن يفتح باب الشقة ..‏
هذه هي اللحظة التي تعرف فيها كل شيء ..‏
كانت تشهق في انفعال .. ترتجف كورقة .. لكن أذنيها مرهقتان كقط صغير ..‏
تسمع صوت اناس يتكلمون بالخارج .. رجال ونساء يتحدثون .. زوجها يقول :‏
ـ" إنها نائمة .. لا تقلقوا .. خذوا راحتكم .."‏
صوت غليظ يقول :‏
ـ" إذن ماذا تنتظر أيها البشري ؟"‏
زوجها يقول لصاحب الصوت في لهفة :‏
ـ" انت سيدي .. انت سيدي .. إن الشرف يغمرني .." ‏
ثم صوت واحدة .. تبا .. إنها هي ( هيلدا ) ذاتها .. تقول :‏
ـ " خذوا الحذر .. لقد بدأت تشعر بريبة .."‏
الصوت الغليظ يقول :‏
ـ" إن البذرة فيها الآن .. لا احد يقاوم ( أبراكساس ) أبدا .."‏
الآن كانت تبكي بلا انقطاع .. وصار جسدها متوترا كأنها وتر القوس ..‏
الأصوات تدنوا .. والصوت الغليظ يقول :‏
ـ " هلموا يا أبنائي لنبدأ الطقوس .."‏
يقول زوجها :‏
ـ" بالمناسبة .. هي متيقظة الآن وتتابعنا ! لقد أفرغت كوب العصير في المزهرية ‏بينما كنت انا في المطبخ ! تحسبني لم ألحظ ذلك !‏
إنهم على باب الغرفة الآن ..‏
إنهم ..‏
وفي اللحظة التالية وثبت من الفراش .. اندفعت كالسهم نحوهم .. لم تستطع إلا ان ‏ترى زوجها وسط بعض الناس ، وكان ينظر لها بدهشة .. وفي اللحظة التالية وثبت ‏فوقه كقطعة مسعورة ، وغرست السكين في عنقه ..‏
غرسته .. غرسته .. غرسته .. وشعرت بالزوج يتهاوى كالبالون المثقوب أمامها ..‏
وقبل ان تغيب عن الوعي سمعت ( هيلدا ) تصرخ في هستيريا :‏
ـ" ماذا فعلت يا حمقاء !! هذه كانت دعابة .. مجرد دعابة ثقيلة !! إن زوجك يهوى ‏الدعابات !!"‏
‏***‏

Ala_Daboubi 08-12-05 09:06 AM

eh ...................................bas balash do3abeh.........zanakha haaaai
hehehehe

^RAYAHEEN^ 08-12-05 09:24 AM

لا حلوي
شو الي مو حلو فيها
اصلا مهضومي

^RAYAHEEN^ 09-12-05 12:58 AM




الواجهــة الثالثة ‏
جــارنـــا
‏-1-


ـ فيما بعد بعد عرفت الزوجة القصة كاملة .. في الحقيقة لم يكن المشي في الظلام ‏موهبة ما .. هناك اشخاص يرون افضل من سواهم في الظلام .. بعد موضوع حريق ‏الحمام وشجاعة الزوج الحقيقية النادرة خطر لـ ( هيلدا ) ان تبدأ نسج هذه الدعابة ‏التي راقت للزوج .. كان يجب أن يتندر على سذاجة ( هالة ) واستعدادها لتصديق ‏كل شيء .. وببطء راحت ( هيلدا ) و ( إنريكة ) تسممان حياة الزوجة بأكاذيب عن ‏الزوج .. لم يكن هناك زوار يأتون ليلا بل ( هيلدا ) وزوجها طرقا الباب ذات مرة ‏ليكلمهما الزوج ويغرسا قصة ملفقة عن الزوار الليليين .. لم تكن هناك أقراص منومة ‏ليلا لكنهما أقنعا ( هالة ) بذلك .. في النهاية عرف الجميع أن ( هالة ) لن تتناول ‏العصير وستبقى متيقظة ، ولسوف تفتش مكتب زوجها .. طبعا كان كل شيء معدا ‏كي تجد ما وجدته .. هنا تتم الزيارة المرهوبة .. لكنهم لم يقدروا ان الدعابة قد تتحول ‏الى مأساة ، وان الشخص الرقيق كالزوجية يمكن ان يتوحش عندما يقتله الرعب .."‏
قلت له وانا ابتلع ريقي الذي جف :‏
ـ" دعابة ثقيلة جدا ، وأشعر ان الزوج استحق الذبح فعلا .. كما ارى ان ( هيلدا ) و ( ‏إنريكة ) كانتا بالفعل تحقدان بشدة على الزوجة المصرية الهائلة .."‏
هز رأسها موافق .. ثم اضاف :‏
ـ" لكن الامور ليست بهذا الوضوح دوما .. هنا يبرز سؤال مهم عن كيف فتح ( كمال ‏‏) مقبض الحمام ؟ لم تكن الدعابة واردة في ذلك الوقت .. ولم تكن الزوجة لتترك ‏زوجها يحترق لمجرد ان تكون الدعابة محكمة .. هذه نقطة .."‏
ثم مد يده الى الوعاء الذي حفظ فيه الجنين وهو يقول :‏
ـ" لم تحتفظ ( هالة ) بوليدها في المصحة التي نقلت إليها .. لقد أجهضت .. وقد ‏احتفظ أحد الأطباء بالجنين إلى ان حصلت عليه انا .. والسبب هو هذا .."‏
وأدار الوعاء .. فرأيت بوضوح تام ان الفقرات العصعصية للجنين كانت متحورة ‏على شكل ذيل كامل .. ذيل كامل مشقوق ..‏
هتفت في رعب :‏
ـ" هل تعني أن ؟"‏
قال وهو يبتسم :‏
ـ" ثمة رواية شهيرة اسمها( 36 ساعة ) للأديب ( كارل هيتلمان ‏Carl ‎Hittleman‏) تحكي عن ذلك الضابط الأمريكي الذي كان يعرف كل كلمات الشفرة ‏وموعد هجوم الحلفاء على ألمانيا .. كان من المستحيل ان يتكلم مهما عذبوه وقد ‏عرف الألمان هذا ، لذا خدروه واخطفوه وأجروا جراحه جعلته يتقدم في العمر شكليا ‏‏. .نقلوه إلى مكان أعدوه سلفا يبدو في كل شيء كأنه قاعدة أمريكية .. الأطباء الذين ‏يحيطون به يبدون أمريكيين ويتكلمون الأمريكية بطلاقة .. حين أفاق أفهموه أنه في ‏قاعدة أمريكية ، وأن الحرب انتهت منذ أعوام ، وانه فقد وعيه وذاكرته ، لكنه الآن ‏بخير .. عليه ان يأخذ راحته ..‏
ـ" ثم بدأ العلاج النفسي ـ مطلوب منه ـ على سبيل تنشيط الذاكرة ـ ان يذكر كل ‏شفرات القوات الامريكية في الحرب .. متى كان الهجوم .. أين ؟ الخ .. بالطبع تكلم ‏الرجل .. لكنه فيما بعد اكتشف الحقيقة لأن جرحا كان في إصبعه منذ أيام ، ومن ‏المستحيل ان تنتهي الحرب ولما يشف هذا الجرح بعد . .هكذا صار عليه ان يبرهن ‏على أنه اكتشف الخدعة مبكرا وأنه كان يخدع النازيين من البداية .. ويبدو أنه نجح ‏في ذلك .."‏
كنت اعرف القصة جيدا بل رأيت الفيلم عدة مرات ، فقلت له في عصبية :‏
ـ" ما دور هذه القصة هنا؟"‏
ابتسم في غموض وقال :‏
ـ" لعب أتباع ( أبراكساس ) نفس الدور تقريبا .. لقد خدعت الزوجة مرتين .. فكر ‏في الامر جيدا ولسوف تجد أنني على حق .. إن الشبه بين القصتين شديد .."‏
ثم تنهد واتجه إلى الواجهة الثالثة ووقف يتأملها بعض الوقت ، حيث كانت تلك المادة ‏الهلامية المتحجرة .. كأنها شمعة عملاقة ذابت تماما ..‏
كنت الآن قد وصلت إلى حقيقة مفروغ منها : هذا الرجل ليس رجلا .. سوف تشرق ‏الشمس لأجد أنه لا وجود له .. لقد عشت هذا الموقف مرارا .. لكني على الأقل ‏أعرف ان قصصه حقيقية .. ثم كيف أتأكد من نظريتي هذه ؟ لا سبيل إلا ان انتظر ..‏
قال لي بصوته الغليظ :‏
ـ" القصة الثالثة تتحدث عن نوع ثالث من الرعب .. ( ماذا يجري في ذلك البيت ؟ ) ‏إنه شعور بدائي مخيف .. لكنه موضوع قصتنا التالية .."‏
قال ( مازن ):‏
في العام 1965 كان هناك مختبر قرب ( كييف ‏Kiev ‎‏) في الاتحاد السوفييتي ..‏
كان هذا المختبر يمارس بعض التجارب الغامضة التي لم تتضح طبيعتها .. كنا في ‏ذلك الوقت في ذروة عصر الحرب الباردة .. والعلاقة بين القوتين العظيمتين علاقة ‏من الشك المتبادل والمقت .. وكانت امريكا لا تعرف بالضبط مدى ما بلغه السوفييت ‏من تقدم علمي ، مما أدى الى المبالغة في أحيان كثيرة .. إلى حد أنهم سألوا احد ‏علماء الفضاء الأمريكيين عما يتوقع ان يجدوه لو وصلوا الى القمر ، فقال بثقة : ‏السوفييت طبعا !‏
لهذا لنا ان نتوقع أحدا على وجه البسيطة لم يعرف بكنه التجارب التي تدور في ذلك ‏الحزب ولا طبيعتها .. باستثناء أفراد محدودين جدا ي الحزب وفي الجامعة .. ولما ‏كان هذا المختبر قد تلاشى تماما الآن فإنني اعتقد ـ بلا فخر ـ أنني وأنت الوحيدان ‏اللذان يعرفان يقينا ما كان يحدث هناك ..‏
كان المشرف على المختبر أستاذا سوفيتيا يدعى ( أندريه أنسيمفتش خارين ) ـ يمكننا ‏ان نكتفي باسم ( خارين ) فهو يبدو محببا للسمع ـ وكان طبيبا بشريا قبل ان يهتم ‏بالظواهر الخارقة للطبيعة والسوفييت كما تعلم هم اول من اهتم بهذه الاشياء بشكل ‏علمي وحاولوا ان يقتلوها ..‏
وكان ( خارين ) كثير السفر واسع العلم ، وقد ارتحل مرارا الى افريقيا وامريكا ‏الجنوبية .. راى الكثير جدا وشاهد ما هو أكثر .. وفي النهاية عاد الى مختبره ليطبق ‏ما وجده ..‏
لكن الحكومة وجدت بعد أعوام ان هذه التجارب لم تقدم شيئا .. إنها تستهلك الكثير ‏من الإنفاق الحكومي ولا تبدو لها نتيجة ملموسة ،لهذا قررت ان تغلق هذا المختبر ‏وان توقف التجارب ..‏
كانت الصدمة عنيفة على (خارين ) ، لهذا اعتكف في داره لفترة ، ثم طلب إذنا ‏لحضور احد المؤتمرات في ( بلجيكا ) .. وذهب هناك مع مساعده .. ثم ذاب تماما .. ‏لم يعد احد يعرف اين هو ولا ماذا فعل .. هؤلاء القوم حمقى ، فلو سألوني لقلت لهم ‏إن هذا هو ما سيحدث بالضبط ..‏
لم تكن هذه حادثة غير مسبوقة على كل حال .. كثيرون حاولوا الفرار من وراء ‏الستار الحديدي .. بعضهم نجح وحصل على حق اللجوء السياسي واستغله الأمريكان ‏كبوق دعاية ضد الشيوعية ، وبعضهم فشل .. عندها لا نسمع عنهم ثانية .. ربما ‏تعامل معهم الــ ‏KGB‏ بشكل ينهي أوهامهم .. هذا هو الأرجح على كل حال ..‏
حسن .. لا أحد شيئا على الدكتور (خارين ) منذ العام 1968 .. وبمرور الوقت لم يعد ‏هناك مختبر قرب ( كييف ).. ولكن القصة لم تنته ..‏
بالواقع كانت قد بدأت ..‏
‏*** ‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا غريب الأطوار ..‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا لا يتكلم كثيرا ..‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا لا يحب الأطفال .‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا يبدو ككائن من كوكب ( يوريك ) ينتظر ‏لحظة الغزو ..‏
وكان الأب يقول :اخرس يا ( جان بيير )..‏
هذه طريقة تربوية أثبتت فعاليتها منذ الأزل .. وقلما تفشل ..‏
لكن الأطفال في السابعة لا يستجيبون للطرق التربوية الناجحة .. لقد راح الصبي ‏يأخذ حوض السمك الكروي الفارغ ويثبته على رأسه ، ثم يخرج فاردا ذراعيه في ‏الصالة وهو يردد بلا توقف :‏
ـ" يا اهل الارض . استسلموا لجيش ( يوريك ) العظيم قبل أن تحرقكم بالأشعة ‏الكونية .."‏
ويطارد اخته الصغرى عبر الحجرات وهي تصرخ .. فلا ينقذها إلا ان تركض الى ‏غرفة المكتب حيث الأب يراجع أوراقه .. هنا يدخل الصغير فيثب الأب مذعورا ‏ويصرخ :‏
ـ" ستختنق يا أحمق "‏
وينزع الحوض على رأسه ثم يأتي بفرشاة الشعر ، ويرقد ( جان بيير ) على ركبتيه ‏كي يوسع مؤخرته ضربا ..‏
هذه طريقة تربوية ناجحة أخرى .. والحقيقة ان الصغير لن يفكر بعد اليوم في ارتداء ‏الحوض على رأسه من دون ان تؤلمه مؤخرته ..‏
‏*** ‏
إنه ( إبريل ) حيث كل شيء جميل براق .. نظيف ..‏
في الصباح كان الأب يذهب الى العمل .. يقبل زوجته ويعبر الحديقة الى حيث تنتظر ‏سيارته الصغيرة الحمراء .. فكان لحيانا يلقى جارهم وهو يأخذ بريده فيحييه بهزة ‏رأس ..‏
بالفعل لا يعد السيد ( روسكوف ) ودودا على الإطلاق .. إنه عجوز أصلع الرأس ‏لكن ما بقي منه على جانبي رأسه يوشك ان يبدو كقطع قطن لصقها هنالك على عجل ‏‏.. وله وجه قاتم مكفهر يجعلك تتوقع أن تبدأ يومك بنيزك يهوي فوق رأسك ..‏
يبدو أنه مهاجر من شرق أوروبا .. للغته الفرنسية طابع شرق أوروبي لا يمكن أن ‏تخطئه .. وقد جاء إلى المنطقة منذ أشهر ، وهو لا يتكلم كثيرا .. لا يتكلم على ‏الإطلاق ، ولا يخرج تقريبا .. واضح أنه يحصل على كل حاجياته من السوبر ‏ماركت هاتفيا .. وحتى هذه اللحظة لا يبدو أنه كان يمارس عملا معروفا ..‏
في هذه المرة بدا أن الرجل راغب في بعض الكلام.. لقد هز رأسه مرة أخرى ..‏
سأله الأب :‏
ـ" يوم جميل ..هه ؟ "‏
فهز الرجل رأسه من جديد بمعنى أن هذا يوم جميل ..‏
كانت هذه أطول محادثة ممكنة مع الرجل ، وبدا للأب ان هذا يوم خارق للعادة .. ‏هكذا انتهى من هذه الثرثرة وأدار محرك سيارته مبتعدا .. إنه ( إبريل ) حيث كل ‏شيء جميل براق .. نظيف ..‏
وقف الضيف يرمق السيارة حتى ابتعدت تماما ثم عاد إلى داره ..
‏*** ‏
ـ" أؤكد لكما أنه غريب .. قادم من الفضاء .."‏
ـ" لماذا ؟ الغرباء لا يبدون كذلك .. دائما هم يبدون مثلي ومثلك ، لكن حين يجرحون ‏يسيل منهم دم أخضر .."‏
ـ" من الممكن ان يأتي غريب يبدو غريبا .."‏
كان هذا طبعا هو ( جان بيير ) مع صديقيه ( سيمون ) و ( كلود) .. إنهم ثلاثة ‏شياطين فقط لو فهمت كيف يمكن لطفل في السابعة أن يكون شيطانا .. وكل منهم ‏لديه أخت صغيرة مزعجة لا تكف عن الشكوى ، وأم تصدق الأخت دوما ، واب ‏يصدق الأم طبعا لانه لا يستطيع ان يفعل غير هذا ..‏
كانوا يتحدثون عن المسكين المسيو ( روسكوف ) طبعا ..‏
وهكذا قضى الصبية الوقت يلعبون أمام باب الرجل محاولين ان يروه في لمحة ما .. ‏ولما لم يخرج كما هي العادة تمددوا على بطونهم عبر الطريق من الجهة الاخرى ، ‏كما يفعل رجال العمليات الخاصة إذا يراقبون معسكرا ..‏
كان البيت من طابقين ، صغيرا جدا ، وله حديقة غير منسقة .. لكن حرص الرجل ‏على أن يغلق كل الستائر بدا لهم مرضيا .. أحيانا كان يفتح نافذة ما ، بحيث لا يبدو ‏منها ثم يغلقها ثانية ..‏
ثم قرروا ان يبدءوا تقنية أخرى هي لعب الكرة .. لعبها بحيث تضرب باب الرجل ‏من آن لآخر .. إن الصبية يجيدون هذه الأعمال المزعجة .. وفي مصر هناك مثل ‏شعبي معناه ( إن اردت ان تطرد أحدهم من القرية ، فأطلق عليه الأطفال )..‏
بوم ؟‍‏
هكذا ارتطمت الكرة بالباب .. فارتج ..‏
انفتح الباب وبرز الجار العجوز وقد ازداد وجهه كآبة .. ونظر عبر الطريق فرأى ‏الصبية واقفين في نوع من التحدي له .. كان قد اعتاد هذه الأمر كما هو واضح .. لا ‏بد ان كثيرين تحرشوا به من قبل .. والسبب هو الاستفزاز الذي يسببه الرجل المنغلق ‏الغامض .. كأنه يهين الآخرين .. أو كأن في انغلاقه درجة ما من التعالي .. لو كان ‏ثرثارا يقف في وسط الطريق ولا يكف عن السباب لتركه الناس وشأنه ..‏
لكن الرجل كان عمليا .. نظر الى الأرض فوجد الكرة .. انحنى وحملها تحت إبطه ‏كما تحمل أنت بطيخة وعاد إلى الداخل وأوصد الباب خلفه ..‏
ـ" كرتي !!"‏
كذا صاح ( كلود ) وهو يركل الأرض في عصبية ..‏
ثم إنه استدار إلى ( جان بيير ) وصاح مغضبا : ‏
ـ" أنت صاحب الفكرة .. هذه الكرة غالية الثمن ومفضلة لدي .."‏
قالت ( جان بيير ) في برود :‏
ـ" ان الم آخذها .. هو فعل .. لو كنت تريدها بهذا القدر فلماذا لا تطلبها منه ؟"‏
ـ" أنت صاحب الفكرة .."‏
ـ" وأنت صاحب الكرة .."‏
هكذا دار الجدل المحتدم العصبي .. وبدا أنه ما من واحد من هؤلاء الشجعان يرغب ‏في الدنو من الرجل أكثر من اللازم .. لماذا ؟ ألم نتفق على أنه غريب من كوكب ( ‏يوريك ) جاء ليعد للغزو ؟ ‏
في النهاية قال ( جان بيير ) وهو بالمناسبة أكبر الثلاثة سنا .. صحيح ان الفارق ‏بضعة اشهر ، لكن هذه الفوارق تغدو قرونا في عالم الأطفال :‏
ـ" سأدق بابه أنا واستعيد الكرة .."‏
‏***

^RAYAHEEN^ 11-12-05 12:34 AM



‏-2- ‏
قال ( مازن ) :‏


بخطوات مرتبكة متعثرة عبر ( جان بيير ) الطريق متجها لباب الرجل .. نظر ‏للوراء نحو صديقيه ، ثم رفع قبضته .. دق على الباب .. ثم إنه لاحظ وجود جرس ‏هناك فضغط عليه ..‏
وفي هذه اللحظة بالذات خطر له ان يفر هاربا ، ثم تماسك وقد أدرك أن صديقيه ‏يرمقانه ..‏
انفتح الباب وظهر الوجه الكئيب العجوز ..‏
ـ" معذرة يا سيدي .ز نحن لم نقصد ان نضرب بابك بالكرة .."‏
ظل الرجل يرمقه ف ثبات كأنما هو صامت لا يتكلم .. فابتلع الفتى ريقه اللزج ، ‏وقال : ‏
ـ" هل تسمح لنا باسترداد الكرة ؟"‏
لدهشة الصبيين أفسح الرجل الطريق ليدخل ( جان بيير ) من الباب ..‏
وكما حكى ( جان بيير ) فيما بعد اقتاده الرجل الى الحديقة الخلفية .. هناك كان ‏صندوق من الخشب موضوعا على العشب ، وكان يشبه صناديق الاقتراع ذات ‏الفتحة في أعلاها ..‏
دنا منه الرجل وأشار إليه باشمئزاز ولا مبالاة وقال :‏
ـ" كرتك بالداخل .. خذها ولا تعد هنا ابدا .."‏
كانت الفتحة صغيرة لا تسمح برؤية ما بداخل الصندوق .. ولم يتساءل الصبي لحظة ‏عن كيف دخلت الكرة هنا ، فقد افترض ان للصندوق بابا جانبيا او سفليا .. لكن ‏الفتحة كانت تسمح بدخول اليد .. هكذا دخل يده دون تفكير وبلا حذر ..‏
بخ خ خ خ خ خ خ خ !‏
دوى الصوت الحاد البري من داخل الصندوق ، شعر بشيء يخمش يده فوثب الى ‏الوراء مذعورا ... هنا انفجر العجوز ضاحكا ..‏
لم تكن ضحكة عادية ، إنما هي ضحكة من ضحكات لاسينما المفتعلة المبالغ فيها .. ‏كان يرجع راسه للوراء ويغمض عينيه ، وقد فتح فاه كاشفا عن فم خال من الأسنان ‏تقريبا ما عدا سنين مصفرتين في الفك السفلي ..‏
ها ها ها ها ها ها !‏
ولم يعرف الصبي متى ولا كيف فر من أمام الرجل عابرا المنزل ركضا ..‏
ها ها ها ها هاها ها !‏
هاهاهاهاهاها !‏
هاهاهاهاها!‏
الضحك مستمر لكنه يخفت تدريجيا وهو يخرج من الباب الأمامي باكيا .. يعبر ‏الطريق في ثلاث وثبات ليكون مع صديقيه .. ولم يدر الصبيان لماذا ولأي سبب راح ‏ثلاثيتهم يجرون مذعورين ، بينما الضحكات المجنونة تلاحقهم ..‏
لا بد أنهم كفوا عن الجري عند حدود ( تنزانيا ) مثلا ..‏
هناك وقفوا يلهثون ويلتقطون الأنفاس .. أخير ارفع ( جان بيير ) يده ليرى ما دهاها ‏‏.. كان هناك خدش واضح دام على ظهر يده وفي كفها .. وقد راح يمتص الدم وهو ‏يبكي في غل :‏
ـ" إنه شرير .. لقد أخافني .."‏
قال ( سيمون ):‏
ـ " الم تعرف ما كان في الصندوق ؟"‏
ـ" كيف لي ذلك ؟ غالبا هو قط او ************ صغير .. لكنه شرس .."‏
ـ" سنخبر بابا .."‏
ـ" لا .. هذا سيضعنا في مشكلة .. لماذا تضايقون هذا العجوز الطيب ؟ طاخ طاخ "‏
للأسف كان هذا حقيقيا .. لكنهم فقط كانوا يدركون شيئا واحدا : هذا العجوز قد ‏خدعهم بشكل خسيس قاس .. ولا بد من انتقام .. آ ه ه ه إن تصور ضحكة النصر ‏على ثغره القبيح الآن لأمر يثير الجنون كان كل منهم الآن على استعداد لمصارعة ‏أسد ـ لو اقتضى الأمر ـ فقط كي يزيل هذه الضحكة عن وجه الرجل ..
‏*** ‏
قال الأب وهو يلتهم الجبن ف نهاية الوجبة كما هي العادة الفرنسية : ‏
ـ" لقد دعوته إلى العشاء معنا .."‏
قالت الأم المحتجة :‏
ـ" لا يبدو لي ضيفا مريحا .."‏
ـ" لكنه مثير .. لا بد أن عنده قصصا غريبة .. هؤلاء المهاجرون من شرق أوروبا ‏يملكون حكايات مسلية للغاية ، وانا اعترف لك هنا بأن الفضول ليقتلني لمعرفة من ‏هو .."‏
ـ" وهل قبل الدعوة بهذه البساطة .."‏
ـ" لم أترك له فرصة للاعتراض .. قلتها وانصرفت قبل ان يرفض .."‏
كان ( جان بيير ) يلتهم غداءه في اشمئزاز كعادة الصبية في سنه .. لكن ما قاله الأب ‏جعله يلتهب حماسة ، وفي عينيه التمعت نظرة غادرة شيطانية ..‏
ـ" لن يكون في داره هذه الليلة .. هذه فرصة نادرة .."‏
قال ( كلود ) وهو ينظر له بتشكك :‏
ـ" كيف تضمن هذا ؟"‏
ـ" لأنه سيكون في دارنا .. يلتهم طعام أمي "‏
ـ" أوه ! يا للقرف !"‏
ـ" المهم ان بيته سيكون خاليا .. ولسوف نعرف كيف ندخله .."‏
ـ" والغرض ؟"‏
ـ" سنتلف كل شيء ! سنرى ما يهتم به ونتلفه .. لو كان رساما سنخلط الاصباغ على ‏سجادته .. لو كان كاتبا سنسكب الحبر على أوراقه .. لو كان فضائيا سنتلف مكوكه ‏المخصص للعودة !"‏
ـ" لا تعتبرني معكم .."‏
نظر ( جان بيير ) الى ( سيمون ) نظرة من يستثير نخوته : ‏
ـ " وانت ؟ المفترض ان نغضب لان الرجل أهان صديقك .."‏
بدا التردد على وجه ( سيمن ) ثم قال : ‏
ـ" نعم .. اريد الانتقام لكن دخول بيته .. آسف .. هذه جريمة .. ثم من أدرانا ما يوجد ‏هناك ؟ لربما كان يربي النمور .."‏
ـ" ولو كان يربي النمور فلسوف نطلق سراحها !"
ثم قال في قلق : ‏
ـ" إذن لا احد معي ؟"‏
قال ( سيمون ) الحل الوسط الي وجده ما بين المخاطرة الزائدة والجبن الملوم :‏
ـ" سأراقب المخرج حتى لا يفاجئك أحد .."‏
ـ" إذن موعدنا الثامنة مساء .."
‏*** ‏
في السابعة والنصف جاء الضيف ..‏
لم يقابله ( جان بيير ) لأنه اخبر امه انه لا يرغب في تناول العشاء ، وكان على كل ‏حال يعرف أن هذا سيسرها ، آخر شيء تريده لدى قدوم ضيف للبيت لأول مرة ان ‏تجد طفلا مزعجا عليك ان تراقب تصرفاته .. هكذا سمحت له بعدم تناول الطعام .. ‏بل الخروج إذا أراد ..‏
وكان السبب الىخر الذي راق له هو أنه لا يرغب بأي شكل في أن يراه الرجل .. ‏سيكون هذا محرجا ..‏
وفي الثامنة مساء كان يقف قرب بيت الرجل على الجهة الأخرى من الطريق ، في ‏ذات الموضع الذي راقبوه منه أول مرة ..‏
بعد قليل جاء ( سيمون ) وهو يجر قدميه .. يسهل معرفة كيف تتم هذه المواقف .. ‏إنها عبارة عن مجموعة أشخاص يخشى كل منهم أن يتهم بالجبن .. هكذا تتحرك ‏عجلة التاريخ ..‏
ـ" انا هنا !"‏
قالها وهو يرقد على العشب ..‏
قال ( جان بيير ) وهو يخرج كشاف الجيب الصغير :‏
ـ" هناك باب خلفي ..ـ على الأرجح سأتمكن من الدخول منه .. سأدخل وأفسد اشياء ‏ثم أعود غليك .. لو رأيت احدا اطلق صيحة البومة .."‏
ـ" انا لم اسمع بومة في حياتي !"‏
ـ إذن اصرخ بأعلى صوتك .."‏
ونظر حوله في الظلام فلم ير أحدا .. إن غرفة الطعم في داره مضاءة والمأدبة على ‏قدم وساق .. ما زال هناك وقت .. وهكذا عبر الطريق جريا ، ودار حول منزل ‏الرجل ..‏
كانت الحديقة الخلفية مهملة تناثرت فيها بعض الصناديق الخالية .. مشى في حزم ‏وخفة وأدار المقبض ، لكن الباب لم ينفتح .. جرب مرتين دون جدوى .. هذا الوغد ‏حذر .. وهو ـ ( جان بيير ) لم يلق قط من يتذكر غلق باب المنزل الخلفي ..‏
هكذا راح يدور حول البيت بحثا عن ثغرة ما ..‏
كانت هناك فتحة قرب الأرض .. واضح أها مخصصة لدخول وخروج الكلاب .. هو ‏لم ير أي ************ هنا على الإطلاق .. إنها لا تكفي لدخول أي لص يحترم نفسه ، لكن ‏ماذا عن الصبية ؟ ‏
هكذا دس جسده في الفتحة وراح يحشر .. ويحشر .. اخيرا وجد نفسه في الداخل ..‏
كان قلبه الآن يخفق كطبل .. هذه اكبر جريمة ارتكبها منذ ولد ، وقد ارتكبها فعلا ، ‏ولم تعد هناك أعذار ..‏
الظلام دامس بالداخل .. يشعل الكشاف فيرى أقذر بيت يمكن تخيله .. كل شيء ليس ‏في مكانه .. كل شيء مهمل او مبعثر .. لو كان خنزير يعيش هنا لكان تفسيرا منطقيا ‏‏..‏
هكذا راح يفتش البيت في رفق .. في حذر ..‏
وفي كل لحظة يزداد الانطباع في ذهنه .. هذا الرجل مجنون .. لا يمكن ان يتحمل ‏الحياة هنا إلا مجنون ..‏
هذه هي الثلاجة .. ترى ما الذي يأكله ..؟
فتحها فدهش لأنه لم يجد بها أي طعام .ز بل عشران من الزجاجات . .حجم الزجاجة ‏أقل من زجاجة المياه الغازية .. ربما هو النصف .. ربما كانت تحوي خمرا لكنه نوع ‏من الخمر كتب اسمه بحروف عجيبة .. هذا الرجل إذن لا يأكل بل يشرب ..‏
كان هناك قبو تقود له درجات السلم ..‏
وخطر له ان القبو في القصص يخفي دوما الشر الأكثر إرعابا .. لو كان الرجل من ‏كوكب ( يوريك ) فلسوف يحوي القبو اسلحة الدمار الكوني .. فليلق نظرة ..
‏*** ‏
نظر الرجل في ساعته ومسح فمه بالمنشفة ، ثم قال بلهجته الثقيلة :‏
ـ" عشاء ممتاز يا سيديت .. لكني تأخرت !"‏
تبادل الزوج وزوجته نظرة ذات معنى ، ثم هتف في العجوز :‏
ـ" لم نتكلم بعد .. كنا سنجلس في غرفة المعيشة وندخن بعض الوقت .."‏
ـ" أنا لا ادخن .."‏
ضحك الزوج طويلا : ‏
ـ" ولا انا .. فقط اردت ان نجلس قليلا و .."‏
تجشأ الرجل في فظاظة وهو ينهض وافرغ بقايا الكأس في فمه وقال : ‏
ـ " مأدبة عظيمة يا سيدتي .. لكني مضطر للانصراف .. أكره الا ادخل فراشي قبل ‏التاسعة .."‏
قال الزوج مجاملا :‏
ـ" انت عسكري سابق حين كنت في ( تشيكوسلوفاكيا ) لا بد ان حياتك كانت تتحرك ‏بدقة الساعة .."‏
ـ" هذا صحيح .."‏
قالها وهو يتجه الى الباب ..‏
وهمست الزوجة من بين اسنانها :‏
ـ" إنه فظ فعلا .. التهم طعامي الطيب ثم هم ينصرف .. من دون ان نتبادل عشر ‏جمل مفيدة .. في المرة القادمة يجب ان تحسن انتقاء من تدعوهم للعشاء .."‏
وكان الرجل قد فتح الباب فعلا ‏
‏***


الساعة الآن 10:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية