منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   *&* قصـــــص ما ورااااااء الطبيعــــــــــــــــة *&* (https://www.liilas.com/vb3/t4679.html)

^RAYAHEEN^ 07-12-05 12:56 AM


-3-

قال ( مازن ) :‏
كان ظهور الرجل دراميا ، حتى شعر ( جوناثان ) بانه موشك على البكاء .. فلولا ‏الوقار لارتمى في احضان الرجل وبكى ساعتين على كتفه .. فما إن انتهت إجراءات ‏الترحيب ، حتى سألوه عن سبب اختفائه غير المبرر ..‏
اكتفى الرجل بان هز راسه في وقار وابتسم : ‏
ـ " إنها اسباب دينية يا رئيس .."‏
ـ" دينية ؟"‏
ـ " انا انتمي لجماعة تمارس ديانة خاصة لا يعترف بها القوم هنا ، وهذه من ‏مناسباتنا الدينية التي نعتزل فيها في جبل ( زاراندولي ).."‏
تماسك ( جوناثان ) كي لا ينفجر في الرجل .. لن يتكلم كذلك عن الشرط الجزائي في ‏العقد .. لا يريد اية مشاكل .. إنه بالفعل تحت رحمة الرجل تماما ..‏
ـ" كان بوسعك ان تخبرني .. المرء لا يذهب للتعبد فجأة .."‏
ـ " لا بد من ان يتم التعبد فجأة يا رئيس .."‏
على كل حال لم يعد باستطاعة ( جوناثان ) ان ينفعل اكثر من هذا حتى لا يموت ‏بنوبة قلبية .. وقد حاول عبثا إقناع نفسه بان اسوأ ما في الموضوع قد مر ..‏
ومن جديد عاد النشاط الى عالم التصوير ..‏
وفي اليوم التالي كان ( جوناثان ) مشغولا بالعمل ، حين سمع الرومانيين يتهامسون ‏وساد جو عام من القلق .. ثمة مشكلة ما لا يعرف ما هي ..‏
ـ" هيه ! ( إيزاك ) ! ماذا هنالك ؟"‏
دنا منه الفتى وهو يجفف عرقه بمنديل عملاقه ، وبصق على الارض ليظهر انهماكه ‏وقال :‏
ـ " جثة يا سيدي .."‏
ـ" آه .. حسبت الامر مقلقا .."‏
ثم تنبه لخطورة ما قاله الفتى ، فعاد يستزيده من التفاصيل .. قال هذا وهو يشير لما ‏وراء الأطلال :‏
ـ" جثة احد الكهربائيين الرومانيين .. وجدوها صباح اليوم خلف هذا الطلل .. من ‏الواضح ان الوفاة غير طبيعية .."‏
ـ " وهل طلب احدكم الشرطة ؟"‏
ـ" إنهم في الطريق . دعني فقط اشرح لك كيف ان الوفاة غير طبيعية .. لقد وجدوا ‏ثقبين في عنق الرجل هنا .."‏
واشار الى عنقه حيث الوريد الوجدي .. واردف :‏
ـ" ثم ان الجثة خالية من الدماء !"‏
هنا ـ كما نتوقع ـ جن جنون المخرج ـ فصاح وهو يمسك بالفتى من سترته : ‏
ـ" كف عن السخف .. ليس لأننا نمثل فيلما عن مصاصي الدماء تاتي لتقول .."‏
ـ" انا لم اقل شيئا يا سيدي .. الجثة هي التي تقول .."‏
وهرع ( جوناثان ) يشق زحام الأهالي الواقفين .. ليجد بين أقدامهم تلك الجثة التي ‏لن تصدق وجودها ما لم ترها .. كانت جدة ( جوناثان ) قد أصيبت بسرطان المعدة ، ‏وكانت تنزف دمها كله من الفم والشرج .. يذكر وجهها في آخر أيامها حين كان ‏يخاف الدخول الى حجرتها في دارهم .. هذا الوجه المصفر الذي لو اعتصرته لما ‏خرجت منه قطرة دم واحدة .. العينان الجاحظتان .. إن المشهد الآن يتكرر لكن ما ‏يجعله مرعبا بحق هو هذان الثقبان في العنق ..‏
هل مصاصو الدماء حقيقيون ؟ نعم هو يعرف انهم حقيقيون .. لكن ليس بالشكل ‏الأسطوري الذي تراه في السينما أو تقرأ عنه في القصص .. ليسوا وطاويط آدمية ‏تنام النهار وتصحو ليلا .. وتموت لو غرس وتد في صدورها .. هم مرضى نفسيون ‏يحبون مذاق الدم لا اكثر ولا اقل .. بعض حالات ( البروفيريا ‏Porphyriy ‎‏ ) تحتاج ‏الى الحديد وتحصل عليه بشكل شنيع .. فلو اضفنا لهذا ملامح مريض البورفيريا ‏الشاحب ذي الجلد المتسخ ، والعينين الحمراوين ، والشحوب البالغ والاسنان المدببة ‏والخوف من الضوء ، لامكننا ان نعرف من اين ولدت اساطير مصاصي الدماء ‏والمذءوبين .‏
كان الرومانيون يرددون لفظة :‏
ـ" فامفيري .. فامفيري .."‏
وهو لم يكن غبيا ولم يحتج الى عبقرية كي يعرف انها تعني ( مصاص دماء ) .. هي ‏تشبه ( ‏Vampire‏) الى حد كبير ..‏
الخلاصة انه كان يوما عصيبا خاصة حين جاء رجال الشرطة واجروا تحقيقاتهم مع ‏الجميع .. اين ( اولاف ) ؟ لماذا يختفي هذا الاحمق كلما احتاجوا اليه ؟‏
عرفوا ان الكهربائي ـ الذي يسمونه حسب مصطلحات السينما الامريكية بـ ( الفتى ‏الافضل ‏Best Boy‏ ) ـ شوهد للمرة الاخيرة ليلة امس ، وقد ترك رفاقه في ‏المعسكر وذهب الى الاطلال .. لماذا ؟ للتبول طبعا .. لا توجد اسباب اخرى .. هناك ‏دورة مياه هنا لكن هؤلاء الاشخاص يتبعون قدرهم بإصرار غريب ..‏
هكذا مرت ليلة سوداء اخرى..‏
كان ( جوناثان ) في مقطورته يشعر بانه بحق ملعون .. كان الكون قد خرج ليظفر ‏به ويمنعه من النجاح .. المصادفات حين تحتشد تجعل الامر موحيا بعدم الكفاءة .. ‏من الناحية الاخرى من المحيط لا يعبأ اساطين الشكرة كثيرا بالقصص عن اختفاء ‏الممثل الاهم من اجل عيد ديني لا يعرفه أحد ، ولا عن مصاص الدماء الذي يتسلى ‏بامتصاص فريق العمل .. كل م ايعرفونه هو ان ( جوناثان بيكر ) فشل مع اول ‏ميزانية ضخمة تمنح له ..‏
في الثامنة صباحا سمع من يدق على باب المقطورة ..‏
فتحج الباب فوجدالمساعد الروماني مع رجل نحيل اسمر له شاربان طويلان شائبان ‏يتدليان على جانبي فيه إلى اعلى عنقهه .. وكانت ثيابه مبهرجة الألوان ، وفي قدميه ‏حذاءان برقبة .. على كتفه حقيبة يبدو انها ثقيلة ، وقد تزه قبعته وضمها الى صدره ‏احتراما ..‏
قال له المساعد : ‏
ـ" هذا الرجل من غجر ( التسجاني ) إنه من عرفنا منه تلك الطقوس .. يبدو أن لديه ‏اشياء مهمة يجب ان تعرفها .."‏
سمح للرجل بالدخول وهو ينظر في ريبة الى شكله العجيب .. وتبادل نظرة مع ‏المساعد من طراز ( ما ـ هذه ـ املخلوقات ـ الغريبة ـ التي تحضرها ـ لي ـ؟"
جلس الغجري على مقعد خشبي في وسط المقطورة وبدا يتكلم بالرومانية ، فراح ‏المساعد يترجم : ‏
ـ" نحن غجر ( التسجاني ) كنا خدم الكونت ( دراكيولا ) منذ كان يدعى ( فلاد ‏الوالاشي ) ويعيش هنا .. نحن نعرف الكثير من الاسرار .. لقد منحنا الكونت ثقته .. ‏ونحن نعرف منذ زمن انه يحاول العودة .. والعودة قد لاحت علاماتها بشكل غير ‏مسبوق .. نعرف أنه سيأتينا رجلا عاديا .. وسيكون علينا ان نقيم له بعض الطقوس ‏التي نعرفها من فوق التابوت الذي سيرقد فيه .. هذا يعيد له قواه الكاملة .. هكذا ‏يتحول الى ( فامفيري ) ويستعيد القدرة على الطيران واختراق الحجب ببصره ، مع ‏القوة الخارقة التي لا يصمد امامها صامد .."‏
في نفاذ صبر قال ( جوناثان ):‏
ـ" هل يمكنك ان تختصر ؟"‏
قال الغجري بعد ما نقلت له الترجمة :‏
ـ" لهذا ارجو ان تلحق بي الى الاطلال المجاورة الآن .. هناك ما يجب ان تراه .."‏
ـ" له يمكن ان ينتظر هذا حتى ينتهي يوم التصوير ؟؟"‏
في ذعر هتف الغجري :‏
ـ" لا .. لا .. لا يمكن ان يحدث هذا ليلا .."‏
وهكذا تحرك الرجال الثلاثة عبر الأطلال لم تكن الحركة في موقع التصوير قد ‏نشطت بعد ، لذا لم يسأل احد اسئلة مريبة . واتجه الجميع الى منحدر وعر يقود الى ‏حفرة تحيط بها بقايا الحجارة .. حجارة ربما تعود الى القرون الوسطى او اقدم .. ‏حين كان الرومان يحتلون هذا المكان ..‏
كانت هناك فتحة في جدار مهدم .. مد الغجري يده وراح يعبث حتى ازاح بعض ‏الاعشاب والنباتات التي تسدها .. وفي النهاية وجدوا أنهم يحدقون في تابوت خشبي ‏رديء الصنع .. ‏
تعاونوا على إخراجه من موضعه .. وهتف ( جوناثان وهو يتحسس الخشب بيده : ‏
ـ" من جاء بهذا هنا ؟ لا يبدو عتيقا .."‏
مد الغجري اظفارا كالمخالف وانتزع الغطاء .. كان غير مثبت وفي ضوء الشمس ‏عرف ( جوناثان ) حقيقة ذلك الجسد المسجي بالداخل .. إنه ( اولاف ) كان نائما .. ‏لا بل كان ميتا .. لا بل كان ( غير ميت ) ..‏
وعلى شفتيه المسترخيتين كانت قطرات من دم لم يجف بعد ..‏
دم ليس دمه هو ..‏
قال الغجري :‏
ـ" كما ترى .. لقد عاد بكل قواه .. طقوسكم اعادته للحياة .. لقد حسبتم انكم تمثلون ‏لكنه كان بحاجة الى هذه الطقوس .. وهو الآن ينام هنا صباحا ويجول في المنطقة ‏ليلا ليظفر باي عاثر حظ يقابله .."‏
كان ( جوناثان ) يرتجف بالكامل ـ ومن يلومه على ذلك ؟ ـ لكنه قرر ان يحتفظ ‏بدور ( الرئيس ) كما كان ( اولاف ) يناديه، لهذا وقف ينظر الى الجثة وسأل ‏المساعد :‏
ـ " لا افهم .. هل هذا هو الكونت ( دراكيولا ) ذاته ؟ هل هذا ما تحاول بيعي إياه؟"‏
قال الغجري بعد ما سمع السؤال : ‏
ـ" لا .. إنه تجسيد آخر له .. وقد وجدت القبر باستعمال عيني .. إن الطيور لا تحلق ‏ابدا حيث يوجد قبر مصاص دماء .."‏
ـ" ولماذا لجأ لهذه الحيلة ؟ كان بوسعه ان يجد من يقوم له بهذه الطقوس بدلا منا ؟"‏
ـ" لم يكن ليجد من يقبل ، وما كان ليجد سبيلا للدخول الى القلعة من دون مساعدتكم ‏‏.. في ذلك الوقت كانت قواه لم تتطور بعد .. كان بشريا عاديا .."‏
ـ" ولماذا تخبرني بهذا كله ؟ لقد حصلنا على الطقوس منك ..أي انك في صفه .." ـ" ‏كنت مرغما على هذا .. اما الآن فلن احمل على راسي دم الضحايا الذين سيهلكون .. ‏إنني اعترف بما فعلت وأطالب بتصحيحه .."‏
ـ" ولماذا لا يبيت في القلعة حيث تابوته ؟"‏
ـ" لان الزحام شديد بالداخل ، وهو معرض طيلة الوقت لمن يفتح التابوت من اجل ‏التصوير .."‏
وساد صمت ثقيل لا يقطع إلا صوت أنفاسهم وصوت ذباب يحوم لا تعرف من اين ‏أتى ..‏
في النهاية قال ( جوناثان ) مطرقا :‏
ـ" تتحدث عن إصلاح الخطأ .. كيف ؟"‏
فتح الغجري حقيبته وببطء ـ كما يفعل بائع فخور يعرض عليك ما بجعبته من تحف . ‏اخرج مطرقة ووتدا وسكينا هائلة الحجم .. ثم نظر الى ( جوناثان ) متسائلا ..‏
هتف ( جوناثان ) في ذعر :‏
ـ" انت لن تفعل هذا ! هذه جريمة قتل !"‏
قال المساعد في رفق :‏
ـ " سيدي .. لا توجد محكمة في العالم تتهم هذا الراقد في التابوت بأنه مصاص دماء ‏‏.. لكننا نعرف ذلك .. كلنا نؤمن بذلك الآن .. هل لديك شك في حقيقة ما رأيناه ؟"‏
هز ( جوناثان ) رأسه عاجزا عن الإجابة بنعم .. عاجزا عن الإجابة بلا ..‏
ـ" سيدي .. هذا هو الحل الوحيد .."‏
هتف ( جوناثان ) في رعب :‏
ـ" لن افعل هذا .. لماذا لا يفعله هو ما دام مستريح الضمير ؟"
ـ" إنه مستريح الضمير .. لكنه حسب انك مهتم بمعرفة ما حل بممثلك الاول .. إنه ‏ميت يا سيدي وقد دفن نفسه بالفعل .. لن نفعل اكثر من ان نصحح مسار الطبيعة ‏ونريحه للابد .. ولن يعرف حد اننا فعلناها .."‏
صرخ ( جوناثان ) وهو يدير ظهره :‏
ـ " انتما مجنونان .."
وسمع من وراء ظهره مساعده يقول في تؤدة : ‏
ـ" نحن في ( ترانسلفانيا ) و ( ترانسلفانيا ) ليست (لندن ) .. نفس الكلمة التي قالها ‏الكونت ( دراكيولا ) في قصة ( ستوكر ) الشهيرة ..‏
وسمع صوت شيء يدق على الوتد ، ثم سمع صوت العظام وهي تهشم واللحم وهو ‏يتمزق .. كان هذا مريعا لعل الصوت كان اشنع من المشهد ذاته ، لهذا راح يركض ‏نحو المقطورة وهو يسد أذنيه ..‏
‏*** ‏
ظل طيلة اليوم في المقطورة لا يغادرها ، زاعما انه متوعك ..‏
لكن مشاهد النهار لم تفارق خياله ..‏
وعند منتصف الليل سمع من يطرق على الباب فهتف ان ادخل .. كان هذا مساعده ‏الشاب ( إيزاك ) .. وقد بدا راضيا عن نفسه والحياة برغم كل شيء ..‏
قال له وهو يجلس على المقعد الخشبي :‏
ـ " لقد ارحناه يا سيدي .. ثق من هذا .."‏
لم يستطع ( جوناثان ) التخلص من فكرة ان هذا الفتى قطع راس رجل وغرس وتدا ‏في صدره هذا الصباح بالذات .. وبرغم هذا هو هادئ مرح .. سأله دون ان ينظر له ‏‏:‏
ـ" هل دفنتموه حيث كان ؟"‏
ـ" نعم .. لكننا حشونا فمه بالثوم .. لا بد من هذا .. احيانا يحرقون الجثة لكن هذا كان ‏سيلفت الانظار .."‏
ابتلع ( جوناثان ) قرصا من المهدئ وقال : ‏
ـ " جميل .. جميل .. لقد بحثنا عمن يمثل الكونت ( دراكيولا ) وجدا واحدا بارعا .. ‏ثم اتضح لنا انه مصاص دماء فعلا .. واننا اعطيناه قدرة غير محدودة بسبب حماستنا ‏البلهاء في التصوير .."‏
ـ" يبدو هذا يا سيدي .."‏
ثم بعد قليل تساءل المساعد في كياسة : ‏
ـ" هل سنبحث عن ممثل آخر ؟"‏
صاح في هياج وهو يضرب المنضدة بقبضته :
ـ " الم تفهم بعد ؟ لا اريد كلمة واحدة عن هذا الفيلم اللعين ! لقد انتهى عملي هنا ! ‏انتهت قصتي ومستقبلي ! غدا سأجد عملا في مغسلة سيارات أو موزعا للصحف ! ‏ولا كلمة عن الفيلم اللعين !"‏
قال المساعد في رفق :‏
ـ" لا اريد ان اضايقك يا سيدي .. لكن هناك فرصة اخرى .. لقد اجاد الغجري تصور ‏ما حدث .. لكنه أخطأ في بعض التفاصيل .. الامر لم يكن متعلقا بمحاولة الكونت ( ‏دراكيولا ) للعودة .. الامر يتعلق بتلك العباءة التي كان الغجري يحتفظ بها.."‏
وطوح بالعباءة لتسقط عند قدمي ( جوناثان ) واردف بلهجته ذات الطباع الشرق ‏أوروبي :‏
ـ" كانت هذه عباءة مصاص دماء فعلا .. ويبدو انها كانت تحوي لعنة ما .. الغجري ‏لم يكن يعرف وقد تخلى عنها لي لأنه يجهل خطرها .. فقط كان يشمئز منها ولم ‏يجسر على تجربتها قط .. حينما جاءك ( أولاف ) لم يكن مصاص دماء .. لم يكن ‏متآمرا .. كان مجرد شخص له منظر فريد ويريد ان يمثل في فيلم امريكي .. لكنه بدأ ‏يتغير مع ارتداء العباءة .. لقد بدأ يتحول بالتدريج ، ولم يكن لتلك الطقوس أي دور .. ‏برغم انها جعلته يفتح غطاء التابوت بقواه المخيفة .. والآن انظر لي يا سيدي .."‏
رفع ( جوناثان ) وجهه ليرى اشنع منظر رآه في حياته .. لقد تغير وجه ( إيزاك ) ‏بالكامل .. هل كانت أذناه بهذا الطول ؟
منذ متى كان له نابان يوشكان على تمزيق شفته السفلى ؟
قال ( إيزاك ) وهو يبتسم تلك الابتسامة القذرة التي تجيدها المسوخ :‏
ـ" أنا جربت العباءة امام المرآة على سبيل الدعابة .. ومن هنا عرفت السر .. وقد ‏اكتمل تحولي الليلة .."‏
وثب ( جوناثان ) فوق فراشه وراح يبكي بصوت مبحوح متقطع .. لقد فقد القدرة ‏على الصراخ ..‏
قال ( إيزاك ) ..‏
ـ" بدأت اليوم بالتخلص من منافس لي .. لكن لا تخف يا سيدي .. سوف اتركك ‏وابحث عن دماء أخرى .. احب ان ابدأ حياتي كــ( فامفيري ) بدماء رومانية خالصة ‏‏.. لكني انصحك الا تلعب بالنار كثيرا .. وانصحك كذلك بالتخلص من هذه العباءة .. ‏إنها لعنة تتوارثها الاجيال .. فلا تدع احدا يعشها من بعدي !"‏
ورفع ( جوناثان ) عينيه المخضلتين بالدموع ، فلم ير ( إيزاك ) ..‏
فقط خيل له ان وطواطا يحلق خارجا من المقطورة ..‏
من يدري ؟ لربما كان واهما في هذا .. إن تأير الدموع على البصر قد يكون غريبا ..

Ala_Daboubi 07-12-05 09:29 AM

wala eshi............................................hehe

^RAYAHEEN^ 07-12-05 09:38 AM

شو بعدها خلصت
هيدي قصة طووووووووووووووووويلة
شو بعدك شفت

^RAYAHEEN^ 07-12-05 11:51 PM



الواجهة الثانية ‏
ابن ( أبراكساس ) ‏
‏-1-‏


مد ( مازن ) يده ففتح الواجهة .. وتناول منها العباءة السوداء ، وفردها على ساعده ‏كما يفعل تاجر الجلود بقطعة من جلد ثعبان ، وقال في تأمل أقرب الى التلذذ : ‏
ـ" ما رأيك ؟ هل تصدق هذا ؟"‏
أجبت عن سؤال بسؤال آخر كما يفعل أي لص احترف التحقيقات في المخفر :‏
ـ" وكيف عرفت انت هذه القصة ؟"‏
ـ" انا لست من الهواة يا دكتور ( رفعت ).. قلت إنني قضيت حياتي بحثا عن الحقيقة ‏‏.. وها هي ذي الحقيقة .."‏
ـ" تبدو لي حقيقة غريبة مغبرة نوعا .." ‏
قال ضاحكا :‏
ـ" هل نجرب ارتداء هذه العباءة ؟ ها هوا السؤال ماثل أمامك .. إن تحولت الى ‏مصاص دماء فالقصة صادقة ، وإن لم أتحول هذه أكذوبة أخرى .. لا انكر ان ‏الموضوع قد اكتسب صبغة غير مريحة ، وان هذه العباءة صارت تزن أطنانا بكل ‏ما اكتسبته من هالة نفسية .."‏
ـ" وهل جرؤت انت على ارتدائها ؟"‏
ابتسم ابتسامة غامضة ، ولم يرد .. فقط اتجه الى الواجهة الاخرى .. وقلت لنفسي : ‏لقد ارتداها بالتأكيد ارتداها .. لكن ماذا كانت النتيجة ؟
وامام الواجهة الثانية وقف لحظة ، ثم اشار الى محتواها .. هناك جنين كامل محفوظ ‏في سائل الفورمالين .. لا مشكلة هنا .. الامر اقرب الى متحف الطب الشرعي في أية ‏كلية طب بها متحف طب شرعي .. لكن لا بد أن هناك قصة ما تحيط بهذا الجنين ..‏
وقال بنفس الصوت الخفيض الغليظ :‏
ـط النوع التالي من الرعب هو رعب ستتعرف طرازه على الفور .."‏
‏*** ‏
قال ( مازن ):‏
حين تزوجت ( هالة ) كانت سعيدة بحق ..‏
‏( هالة ) مهندسة شابة رقيقة من الطراز الذي لا يعتقد ان في العالم أي نوع من الشر ‏‏.. وأحيانا كان يخطر لأهلها أنها تعاني نوعا خاصا من الغباء .. تكلمها عن المذابح .. ‏عن السرقات .. عن حياة الأصدقاء فيتقلص وجهها في ألم غير مصدقة .. ثم تنسى ‏الموضوع بعد ثوان وتثق بالجميع كما كانت دوما ..‏
بالنسبة لأبيه أكان هذا نوعا خاصا من التخلف العقلي الذي لا يمكن قياسه علميا .. ‏كان مستشارا متقاعدا وقد عاش حياة حافلة رأى فيها النفس البشرية في أشنع حالاتها ‏‏.. باختصار لم يعد يثق بأحد على الإطلاق ، وأعاش أولاده في قوقعة بعيدا عن عالم ‏الواقع تماما .. لكنه الآن صار في حاجة الى ان يخبرهم بتلك الحقيقة : إنه عالم قاس ‏شرير ذلك الذي ينتظركم بالخارج ..‏
لكن دروسه ظلت عسيرة على إفهام أولاده .. وكان هذا يثير جنونه ..‏
ذات مرة سمع باب الشقة يفتح ، فنظر الى المنبه المضيء بجوار الفراش ، ليجد انها ‏الرابعة صباحا .. من يفتح الباب في الرابعة صباحا ؟ أيقظ امرأته في هلع ، وركض ‏ليبحث في الشقة .. هنا كان الخبر المروع .. ، ( هالة ) إبنة الخامسة عشرة ـ وقتها ـ ‏ليست في الدار ..‏
هبط في الدرج يبحث عنها حافي القدمين وبمنامته ..‏
خرج الى الشارع المظلم الساكن .. وراح يناديها.. إن قلبه يتمزق جزعا .. يتمزق ‏فعلا .. ‏
في النهاية وجدها راكعة على ركبتيها على الإفريز تنظر تحت سيارة واقفة .. لقد ‏فرت قطتها من النافذة كعادتها في الأشهر الماضية .. لكنها لم تعد حتى الساعة ، ‏ومعنى هذا ان مكروها أصابها ..‏
تمالك أعصابه وراح يرتجف كورقة .. ثم مد يده تحت السيارة فلمست كتلة الفراء ‏الساخنة الغاضبة .. حملها في غل عائدا الى الدار وهو لا يصدق .. فتاة في الخامسة ‏عشرة من عمرها تغادر الدار في الرابعة صباحا من أجل قطة .. أي جنون ! أي ‏غباء ! أي بعد عن الواقع !‏
مشكلة هذه البلهاء انها لا تعرف أي خطر هنالك في الشوارع المظلمة .. تعتبر العالم ‏كله مكانا آمنا مناسبا للأطفال والفتيات والقطط ..‏
‏*** ‏
كبرت ( هالة ) وجاء ذلك الذي يعتقد انها ممتازة لهذا ستكون زوجة صالحة له هو ‏بالذات .. إن الرجل يبحث عن أفضل واحدة لمجرد انه هو ، ولا يفكر لحظة إن كان ‏هو الآخر أفضل واحد أم لا .. فلابد أنه كذلك ..‏
لكن ( كمال ) كان هو الأفضل فعلا ..‏
كان ( كمال ) مهندسا ، وكان على درجة من الثراء سمحت له بأن يدرس في الخارج ‏‏.. رجل وسيم هو ، وعلى درجة من الثراء والتهذيب .. لهذا كانت محاولته الأولى ‏للزواج هي الأخيرة ، لأنه ما من أسرة بكامل قواها العقلية ترفضه .. وبالنسبة للأب ‏بدا له الفتى بلا غبار عليه .. فقط هو يهوى المزاح أكثر من اللازم ، لكنه بالتأكيد ‏يمكن ان يحل محله في رعايتها ..
وكما اتفق الجميع ، كان سيتزوج ثم يأخذ زوجته معه إلى ألمانيا الشرقية حيث ‏يدرس ويعمل .. في تلك الأيام كان كل مهندس يذهب الى ألمانيا الشرقية يوما ما ..‏
وتم كل شيء .. دموع كثيرة ذرفها الجميع وهي تصعد سلم الطائرة بثوب الزفاف ‏مضفية لمحة درامية ما على المشهد .. وكان عليها للمرة الأولى في حياتها أن تبدأ ‏وحدها ..‏
لم ينغص ليلة الزفاف الأولى خارج الوطن إلا شيء واحد .. شيء بسيط في الواقع ..‏
في الليل كانت تشعر بظمأ شديد، فنهض زوجها المحب يحضر لها كوبا من الماء من ‏المطبخ ..وأثار دهشتها أنه يتحرك بسلاسة تامة في الظلام .. لم يتعثر مرة ، ولم ‏يرتطم بشيء مرة .. لا غرابة في هذا ، عل ىكل حال لو كان هذا بيته .. لكنها شقة ‏استعارها من صديق مصري ، إلى ان يفرغ من استكمال شقة الزوجية .. بعبارة ‏أخرى كان يجرب المشي هنا لأول مرة ..‏
وفي الصباح كان في الحمام ، فجربت بنفسها ان تغمض عينيها وتمشي في المسار ‏ذاته فاصطدمت بألف قطعة أثاث وكادت تحطم عنقها ..‏
فجأة شعرت بأنها تغوص بين ذراعين قويتين ، فأجفلت وفتحت عينيها لتجده ينظر ‏لها في ثبات ضاحكا :‏
ـ" ماذا تحاولين عمله !!"‏
شهقت في .. ثم ضحكت وقالت :‏
ـ" أحاول ان اعرف كيف تمشي في الظلام الدامس في هذه الشقة .."‏
اعتصر أذنيها في رفق كأنها طفل شقي وقال :‏
ـ " ملاك صغير هو أ،ت .. لهذا اخترتك .. لهذا همت بك حيا .."‏
كانت هذه إجابة كافية على كل حال ..‏
أحبت ( برلين ) وأجادت اللغة الألمانية الى حد ما .. وصارت لها صديقتان أو ثلاث ‏‏..‏
الأولى تدعى ( إنريكه ) والأخرى ( هيلدا ) . . وكانت الأولى تعمل مع زوجها من ‏قبل .. أما الأخرى فجارتها في البناية التي تسكن فيها .. صديقتان لطيفتان جدا لو ‏طلبت رأيي ..
الحادثة الثانية كانت ( هيلدا ) طرفا فيها ..‏
كانت ( هالة ) وزوجها جالسين يتناولان طعام الغداء .. طعاما صينيا برعت هي في ‏إعداده وأحبته صديقاتها .. هنا سمعا صوت صراخ يمزق السكون .. كان آتيا من ‏الشقة المجاورة ..‏
وثب زوجها وبأربع خطوات واسعة كان عند باب الشقة المجاورة .. فتحه واندفع الى ‏الداخل ..‏
‏( هيلدا ) تقف على باب الحمام تعوي كالذئاب .. الحمام له نافذة من الزجاج المصنفر ‏تتراقص من ورائه تلك الزهرة البرتقالية المخيفة .. لا يحتاج الأمر الى ان تكون ‏عبقريا كي تعرف أن هناك حريقا وان هناك شخصا بالداخل ..‏
نظرة تبادلها الجميع .. فهتفت ( هيدا ) وهي تركل الباب بساقها بعنف :‏
ـ" ( كارل ) بالداخل ! لا بد أنه سخان الغاز ! إنه لا يرد !"‏
هتفت ( هالة ) والطعام الذي كانت تمضغه يتساقط من فمها :
ـ" المطافئ ! لماذا لا ؟ ماذا عن ؟"‏
لكن زوجها كان اسرع من المطافئ وأكفأ .. ادار المقبض بعنف فانفتح .. ثم ـ قبل ان ‏تفهم ما يحدث ـ اجتاز الباب ، وبعد دقيقة كان قد غاب وسط ألسنة اللهب ..‏
ـ" يا أحمق ! انتظر ! أنت لن .."‏
قبل ان تكمل العبارة كان يخرج من وسط اللهب سليما تماما وهو يحمل الأخ ( كارل ‏‏) بين ذراعيه .. لم يكن ( كارل قطة صغيرة خفيفة الوزن ، لكن ( كمال ) أيضا لم ‏يكن ضعيفا .. لقد شق طريقه الى الخارج ، وهتف في جنون :‏
ـ" ماء !! أريد ماء !"‏
وألقى بالزوج على الأرض .. كان هذا الأخير ما زال بثيابه كاملة لحسن حظه ..لا بد ‏أنه أوقد السخان وتأهب لنزع ثيابه حين حدث ما حدث .. وكانت الثياب كلها تحترق ‏في حماسة غريبة ..‏
هرعت الزوجة من المطبخ حاملة دلوا من الماء تساقط أكثره على الأرض .. ‏وأفرغته مرة واحدة على زوجها .. وسرعان ما تحولت ثيابه الى عجينة من الرماد ‏المبتل ..‏
ـ" اطلبي المطافئ الآن ..‏
وحينما جاء رجال الإطفاء أخيرا أثنوا على ( كال ) بشدة ..‏
بينما وقفت ( هالة ) ترمقه في انبهار .. كان يقف لامعا عريض المنكبين .. منهكا ‏بشكل رجولي .. تفوح منه رائحة الشياط وقد تفحم نصف شاربه ، لكنه ـ كذا خطر ‏لها ـ كان رائعا .. الرجال يبدون رائعين حين تلوح عليهم علامات المعاناة والصراع ‏‏.. إنه النسر المصري الذي جاء عبر البحر المتوسط لينقذ ابن الراين .. كذا فكرت ‏وهي تتأمله في افتتان تام ..‏
رباه ! لكم أنا محظوظة !!
‏*** ‏

^RAYAHEEN^ 07-12-05 11:53 PM



‏-2-‏


قال ( مازن ) :‏
في اليوم الذي تلا عودة ( كارل ) من المستشفى أصر الزوجان على دعوة ( كمال ) ‏و ( هالة ) الى بيتهما للاحتفال .. وقد قبلا على الفور .. كان الجو العام ـ كما لك ان ‏تتوقع ـ هو مزيج من الامتنان من جهة والفخر المهذب من جهة أخرى ..
وقال الزوج وهو يتحسس الضمادات على أعلى صدره :‏
ـ" سخانات الغاز هذه لا تؤدي أي عمل الا ان تنفجر في وجهك .. من حسن الحظ ان ‏زوجك كان هنا .."‏
وبدأت المأدبة العامرة بالطعام الألماني كريه المذاق .. لم يتفق الأوروبيون بعد على ‏ما إذا كان أسوأ طعام هو الألماني أو البريطاني ، لكنهما متقاربان جدا في هذا اللقب ‏الفريد ..‏
وفي المطبخ وقفت ( هالة ) مع جارتها الألمانية تحاول أن تكون مفيدة .. الحقيقة أن ‏إجادتها للغة لم تصل لهذا الحد بعد ، لكنها كانت تحاول جاهدة ، وكان الألمان الذين ‏يكلمونها يضغطون تلقائيا على كوابح ألسنتهم ليخرج الكلام أبطأ وأوضح ..‏
قالت ( هيلدا ) وهي تقطع كعكة كبيرة :‏
ـ" إن زوجك رائع وأراهن على أنك فخورة به .."‏
في صدق وحرارة قالت ( هالة ) :‏
ـ" بالتأكيد .."‏
ـ " هل يحبك كثيرا ؟"‏
ابتسمت ( هالة ) في خجل .. هذه أشياء لا تسأل ولا يرد عليها .. هذا يشبه سؤالك ( ‏هل ستدخل الجنة ؟ ) .. طبعا انت تتمنى ذلك ، لكنك لا تملك القرار ولا تملك الإجابة ‏‏.. فقط تحاول :‏
نقتل ( هيلدا ) شريحة كبيرة الى طبق ، وقالت :‏
ـ" هل هو ساحر ؟"‏
ـ" إنه كذلك .."‏
ـ" أحدثك بالمعنى الحرفي للكلمة .. هناك أشياء غريبة لاحظتها في لحظة الحريق .. ‏اشياء اردت ان افهمها منه .. مثلا كي فاستطاع فتح باب الحمام ؟ لقد كان موصدا ‏بإحكام من الداخل .. كيف اخترق النيران وعاد دون ان يحترق شيء ما عدا نصف ‏شاربه ؟"‏
فكرت ( هالة ) .. حقا خطر لها هذا السؤال لكن الاحداث كانت متلاحقة لا تسمح لك ‏بإدارة الأفكار في فمك لتحسن تذوقها .. إنه قام بما يشبه المعجزة .. بل هي معجزة .. ‏فهل يقلل من شأنها انها كانت معجزة أكثر من اللازم ؟
وهكذا عادا الى غرفة المعيشة ، وإن خطر لها ان الغيرة ليست بالشيء المستبعد حتى ‏على زوجة ألمانية .. إن الغيرة قد تتخذ شكلا مخادعا لا تميزه بسهولة .. قد تتخذ ‏شكل موضوعية مبالغا فيها ..‏
‏*** ‏
في السوبر ماركت وقفت ( هالة ) مع ( إنريكه ) تنظران دورهما للدفع .. كانت ( ‏هالة ) مرتبكة لأنها لم تتعامل قط مع ( سوبر ماركت ) من قبل .. وهو سوبر ماركت ‏اشتراكي فقير جدا يشبه محل بقالة مما نراه اليوم ، لكنها لم تر مثله من قبل على كل ‏حال.. وكانت المعلبات الكثيرة تسبب لها الارتباك وقد اكتشفت انها وضعت علبتين ‏من اللحم المحفوظ المخصص للقطط في السلة ..‏
قالت لها ( إنريكه ) ضاحكة :‏
ـ " زوجك من هواة أطعمة الحيوانات المحفوظة هذه .. كما أنه يبتاع كميات لا ‏تصدق من اللحم . هل لديكما أسد في بيت الزوجية ؟"‏
بدا عليها الارتباك .. لا يوجد لديهما أي حيوان في الدار .. فمتى وكيف ابتاع زوجها ‏هذه الأشياء ؟ ‏
قالت ( أنريكه ) وقد وقفت امام الصراف : ‏
ـ" كان يشتري أشياء غريبة جدا قبل قدومك الى هنا .. كنت اتسوق معه من حين ‏للآخر .. وكان يقول إن هذه الأشياء لل************ .."‏
ـ" لم يكن لديه ************ قط .. لا الآن ولا قبل قدومي .."‏
ابتسمت ( إنريكه ) في رفق ، وهزت رأسها بمعنى ان الزوجات قد يعرفن كل شيء ‏في العالم إلا أزواجهن .. وهكذا توارت هذه الذكرى ولتتخذ مكانها على رف ‏الأرشيف .. الأرشيف الذي سيفتح في لحظة معينة كي يجيب على أسئلة عديدة ..‏
‏*** ‏
ـ" لم يكن عندي ************ قط .. هذه المرأة تخرف .."‏
قالها في ثقة منهيا هذا الجزء من المناقشة ، وراح يتحسس شاربه في عصبية وهو لا ‏يرفع عينيه عن الجريدة ..‏
قالت له في كياسة :‏
ـ" إذن ماذا نفعل بكل هذا اللحم الذي نشتريه ؟"‏
لم يرفع وجهه عن الجريدة وقال بنفس اللامبالاة :‏
ـ " لم اشتر لحما بكميات ، لكن لو فعلت .. فما المشكلة في إنسان أكول ؟ لاحظي ‏أنني لم افعل هذا قط منذ جئت الى هنا .."‏
ـ" هذا حق .."‏
مع امراة اخرى كانت هذه الإجابات ـ التي لا تسمن ولا تغني من جوع ـ غير كافية ، ‏لكنها بالنسبة لـ ( هالة ) البريئة التي تعتقد ان أفظع شخص قابلته في حياتها هو نفسها ‏، كانت إجابات مقنعة جدا وكافية جدا ..‏
وهكذا جلست تشاهد التلفزيون شاعرة برضا تام عن الحياة .. بدأت تكتب خطابا ‏لأمها تحكي فيه كم هي سعيدة .. كم هي راضية .. كم هي محظوظة ..‏
إنها نائمة الآن .. ظلام دامس .. هدوء محبب .. تشعر بأنفاسه المنتظمة بقربها .. إنه ‏ينهض .. إلى أين ؟ لا شك الى الحمام .. تريد ان تتكلم لكنها واهنة جدا ومفككة ‏الأوصال جدا ..‏
هل هذا صوت باب الشقة ؟
نعم .. إنه يفتحه .. لكنها لا تريد النهوض .. لا ترغب في النهوض : إنها تنزلق من ‏حين لآخر الى ما ( خلف جدار النوم ) كما يقول ( لافكرافت ‏Lovecraft‏ ) ثم تعود ‏الى ما أمامه .. حلم غريب . .هناك ضيوف .. هناك حفل .. مأدبة .. كل شيء جميل ‏وهي مسرورة ، فيما عدا تفصيلا بسيطا .. إنها هي الوجبة الأساسية لهذا الحفل !‏
الضيوف هم ( هيلدا ) و ( أريكه ) وآخرون .. زوجها يقف وسطهم يقطع أوصالها ‏بالسكين ، ويقدم لكل واحدة قطعة في طبقها .. المخيف هنا أنها راضية .. أنها ‏مسرورة .. أنها ترحب بمن يأكلونها كأنها ربة بيت حريصة على إرضاء ضيوفها ..‏
ثم تعود الى ما أمام جدار النوم فتسمع زوجها يتكلم مع أحدهم .. من هذا ؟ من هو ؟ ‏ثم تنزلق من جديد خلف الجدار لتعاود الحلم .. ثم .. لا شيء ..‏
إنه الظلام الدامس هذه المرة ..
‏*** ‏
في الصباح لم تكن تشعر بانها على ما يرام ..‏
ذهب زوجها الى العمل ، على حين جلست هي أمام التلفزيون تشاهد برامج الأطفال ‏‏.. خطر لها ان تتناول الإفطار لكن الفكرة جعلت العصارة الحمضية تصعد الى اعلى ‏مريئها ..‏
هل هي حامل ؟ ارتجفت للفكرة .. بالنسبة لها كانت هذه آخر فكرة ممكنة في العالم .. ‏طفل حي يصرخ ويبكي ويرضع يخرج من أحشائها هي ؟ هذا نوع من الخيال ‏العلمي لا شك فيه ..‏
دق جرس الباب ففتحته ..‏
على الباب كانت جارتها ( هيلدا ) .. وهي كما نعرف لا تعمل هي الأخرى .. هكذا ‏يبدأ حفل الزوجات الذي يتميز بالنميمة كطقس أساسي .. لم تكن ( هالة ) من الطراز ‏الذي يشكو زوجها .. أولا لأنها لم تجد فيه عيوبا حتى الآن .. ثانيا لانها ليست من ‏هذا الطراز .. يمكن ان تجلس لتمتدحه وعينها متورمة زرقاء من لكمته ، او وهي ‏تضع قطعة ثلج على خدها لتخفف من آلام صفعته لها ..‏
كانت جلسة طويلة عرفت فيها كل شيء عن عادات ( كارل ) وطباعه .. عن طفولته ‏ومراهقته وأمراضه ..‏
في وسط الكلام قالت الصديقة الألمانية بشكل عابر :‏
ـ" لا أحب التدخل فيما لا يعنيني .. لكن ما سر هذه الزيارات الليلية؟"‏
ـ" زيارات ليلية ؟"‏
ـ" هؤلاء القوم الذي يأتون بعد الثانية صباحا لداركم .. إننا نسمعهم .. اعترف انهم لا ‏يحدثون صخبا لكن هذا غير مريح .. خاصة أنني لمحت وجوهم من فرجة الباب .. ‏لا يوحي مظهرهم بالراحة أبدا .."‏
قشعريرة عبرت ظهر ( هالة ) وهي تسمع هذه الكلمات ..‏
هل هذا صوت باب الشقة ؟ ‏
نعم .. إنه يفتحه .. ثم تعود الى ما امام جدار النوم فتسمع زوجها يتكلم مع أحدهم .. ‏من هذا ؟ من هو ؟
لم تكن تخرف إذن .‏
بالفعل هناك من زارهم ليلا .. وهو يحرص على ان يزيل أي اثر لزيارته بعد رحيله ‏‏..يزيله بدقة لا توصف .. لان الشقة في الصباح تبقى كما هي ..‏
ولكن كيف ولماذا ؟ أشد ما يثير الضيق في هذه الأمور ان تشعر بأنك آخر من يعلم .. ‏لهذا شعرت بمقت شديد لـ ( هيلدا ) وتمنت لو تخرس قليلا ..‏
قالت لها ( هيلدا ) وقد لمحت حيرتها الواضحة :‏
ـ" واضح انك لا تعرفين شيئا عن الموضوع .. على كل حال يجب ان اقول إنك تثقين ‏بزوجك أكثر من اللازم .. ولو كنت مكانك لفتشت حاجياته بعناية ..و لظللت ساهرة ‏أنتظر .."‏
ـ" سأسأله .. هذا سهل .."‏
ـ" ما دام أنكر حتى الآن يا صغيرة فلسوف ينكر الى الأبد .."‏
وصمتت ( هالة ) وراحت تراقب المرأة على الشاشة وهي تعد نوعا ما من الحساء .. ‏تتكلم لكنها لا تفهم حرفا من كلامها ..‏
لكنها لم تسأله عن شيء ..‏
للمرة الأولى في حياتها تصرفت بخبث وكتمان ..‏
إلا انها لم تصح قط في الليل كي تحضر هذه الزيارة الغامضة .. دوما كانت تنام ‏كلوح الخشب الى ان يشرق النهار ، وعلى كل حال كانت قد بدت تنسى تلك الكلمات ‏المسمومة التي سمعتها .. وعامة حرصت على ان تتجنب لقاء ( هيلدا ) أو التعامل ‏معها .. هذه المراة على أسوأ حال من الخلاف مع زوجها ، وبالتأكيد صممت على ان ‏تهدي للوجود هدية هي المزيد من المقت ..‏
مرت الأيام وجاء اليوم الموعود ..‏
لقد كانت تلاحظ ذلك الانتفاخ في بطنها لكنها لم تعره اهتماما بالقدر الكافي .. ثم ‏صار الأمر حقيقيا لا ريب فيه .. ذهبت الى المستشفى وهناك حللوا بولها وأخبروها ‏بأنها حامل ..‏
هذا يفسر كل ما كانت تمر به من مقت للطعام ومن حموضة ، ومن قيء صباحي ..‏
إنها ستصير أما .. هي الطفلة الخائفة ستصير أما لطفلة خائفة أخرى ..‏
حين عاد ( كمال ) من العمل ، راحت تلعب دور الزوجة اللطيفة في الأفلام المصرية ‏‏.. لدي مفاجأة لك .. اليوم شعرت بتوعك .. ذهبت للطبيب .. قال لي .. إنك .. بعد ‏أشهر .. سوف ..‏
قاطعها في نفاذ صبر :‏
ـ" حامل؟ أعرف هذا .. لا داعي لهذه المقدمات .."‏
شعرت بخيبة أمل .. كانت تتوقع ان يكون رقيقا ويقبل بلاهتها هذه .. وأدرك انه ‏جرحها فقال في رفق :‏
ـ " يا ملاكي لا يحتاج الأمر الى طبيب .. عروس شابة انقطع منها الطمث وتقيء ‏يوميا ويكبر بطنها يوما بعد يوم .. فهل هذه مجرد غازات ؟"‏
قالت لنفسها إن كلامه منطقي بلا شك ، وإن كانت تفضل ان يكون أكثر شاعرية ‏ورقة ..‏
على كل حال جلست تكتب لأهلها هذه المفاجأة الصاعقة ،، وبرغم كل شيء لم تنكر ‏في خطابها لحظة أنها سعيدة ،، وسعيدة أكثر من اللازم ..‏


الساعة الآن 08:56 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية