منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   *&* قصـــــص ما ورااااااء الطبيعــــــــــــــــة *&* (https://www.liilas.com/vb3/t4679.html)

^RAYAHEEN^ 24-11-05 12:04 AM



- كشف الأوراق ....


‏ أما عن وفاة السيد ( مليجان ) فالأمر يحتاج الى وقفة ما ..‏
كنت قد انتهيت من التحقيقات الطويلة التي لا تقضي الى شيء والتي ‏يسكبها رجل الشرطة ( بيرك ) على راسي ورأس ( ماجي ) .. كلها ‏اسئلة غبية كان يرى رجال الشرطة يسألونها في الأفلام لو كان يرى ‏بعضها .. اين كنت عندما قتل ( كيليبارون )؟ ومتى قتل ( كيليبارون ) ‏يا سيد ؟ ماذا ؟ لا اعرف .. ظننتك انت تعرف ..‏
وهكذا .. الكثير من الهراء ، حتى إنني شعرت بحاجة ماسة الى ‏استنشاق الهواء النقي ..‏
غادرت و ( ماجي ) الخان والطفلة تمسك بيدي . الحقيقة المخجلة هنا ‏هي اننا صرنا صديقين .. الحقيقة الأكثر إثارة للخجل أنني صرت ‏مرتبطا بها بشدة .. إنها طفل مسالم لطيف أقرب الى دمية جميلة ..‏
مشيت و (ماجي ) في الممر الذي يقود الى الشاعر الرئيسي ، وكنا ‏صامتين .. لكنني كنت املك الف تعليق على ما يحدث .. لكن السؤال ‏الاهم هو ( لماذا الآن بالذات )؟
قالت ( ماجي ) وهي تعقد ذراعيها على صدرها في أثناء المشي :‏
ـ " لا أعرف .. انا لا اثق كثيرا بموضوع النحس هذا .. لقد بدأ الشيء ‏مع قدوم الغرباء .. انا اعرفك واعرف نفسي وأعرف اننا لسنا من ‏الطراز الذي يلوي عنق الشيوخ للخف .. هنا يبرز بقوة اسم ( لورين ‏بالك ) هذه . هذه الفتاة لا تريحني على الإطلاق .. ربما لا ترى الرأي ‏ذاته ، لكنه حاسة الأنثى لا تخطئ .."‏
قتل في ضيق : ‏
ـ " انا ارى الشيء ذاته .. هناك إشاعة مغرضة تملأ البلدة أنها فاتنة ‏‏..حسن .. انا لا ارى هذا .."‏
ـ " لكنك لا تنكر انها ساحرة ؟"‏
ـ " ساحرة .. نعم .. بالمفهوم المجازي .. و.. "‏
ثم تلاقت عينانا .. لماذا ن فكر في الشيء ذاته في نفس اللحظة؟
كانت هناك سيارة واقفة الى جانب الطريق في هذا الموضع المهجور ‏نسبيا .. سيارة صغيرة بريطانية جدا .. ولسبب ما لم تبد لنا وقفتها ‏مريحة هنالك في الظلام الذي ملأ المكان ..‏
قالت لي وهي مستمرة في المشي : ‏
ـ " لو فرضنا جدلا انها هي .. هل تتوقع انها تجيد لي اعناق الناس ؟"‏
قلت في شرود:‏
ـ " القصة غير واضحة .. لا استطيع ان اراها قاتلة .. ولاي غرض ؟"‏
هنا كنا قد وصلنا قرب السيارة ..‏
ألقيت نظرة عابرة الى داخلها ، وفي اللحظة التالية وجدت أنني على ‏الأرض والم حاد يمزق خصري ..‏
وامامنا وقف السير ( ميليجان )..‏
كان هو ولم يكن هو ..‏
إنه ينزف من عشرة مواضع على الأقل ، وقد جعلته لحظة اقتراب ‏الموت متوحشا .. لا اعرف كيف استطاع فتح السيارة لكنه فعل وبقوة ‏كاسحة .. ربما عالج المقض بقدمه . لا ادري بالضبط ..‏
وهنا فهمت.. و قف الشعر أعلى جانبي رأسي حين فهمت ..‏
لقد كان مكمم الفم ، مقيد اليدين الى ظهره ، ومن كل أوردته العملاقة ‏كانت هناك خراطيم تتدلى .. خراطيم تتصل بإبر كأنما كان يتلقى الحقن ‏الوريدية من خلالها ، لكن هذه الخراطيم كانت تنزف .. ومن الجلي أنه ‏نزف كثيرا جدا .. انا اعرف ان من يقطعون شرايين معصمهم يصابون ‏بحالة جنون هياجي قرب النهاية ، وكان السير ( مليجان ) قد دنا من ‏النهاية ..‏
مشى جوارنا .. وهوي صدر خوارا كالثيران ..‏
ثم رأى ( ماجي ) فاتسعت عيناه وراح يترنح وهو يركض نحوها .. ‏الطفلة لا تكف عن العواء ..‏
صرخت ( ماجي ) وبدأت تجري .. لكني صرخت فيها بدوري :‏
ـ " لا تهي منه ! ساعديه !!"‏
وهرعت لألحق بالبائس .. فلقط ليوجه لي ركلة في اسفل بطني جعلت ‏الهواء يخرج من أذني .. لم يرفسني حصان من قبل لكن لا بد ان الامر ‏أفضل من هذا ..‏
اسندت الى الجدار بينما صرخات الطفلة تجعل الأمر أقرب الى الجحيم ‏‏.. اخرسي قليلا بالله عليك !! إن الدم .. يعود .. إلى .. راسي .. من ‏‏..جديد .. أنا .. قوي . .التحمل . .بغرم .. ضعف .. صحتي . لن .. أموت ‏‏.. بقدم رجل قتيل أصلا ..‏
في هذه اللحظة سقط الرجل على الأرض بينما الطفلة لا تكف عن ‏إطلاق سرينتها ..‏
وأدركت من ثبات وضعه ان الأمر قد انتهى ..‏
سألتني ( ماجي ) باكية وهي تعتصر الطفلة :‏
ـ " هل انت بخير ؟"‏
ـ " سأعيش .. والآن هلا عدنا الى الخان ؟ لا بد .. من .. غوث .."‏
‏*** ‏
جاء الدكتور ( ك . أوجليفي ) بعد ربع ساعة .. وكان الامر قد انتهى .. ‏كانوا قد أحضروا الجثة مغطاة بالملاءات ، وساد صمت رهيب .. ‏الموت بحضوره المقبض .. من المجاملة أكثر من اللازم ان نقول إنه ‏ضيف ثقيل لا تجد راحتك في حضوره . بل لا تستطيع الكلام بحرية ..‏
كان الطبيب أصلع الرأس قصير القامة متأنقا جدا ، وقد راح يجفف ‏العرق المتراكم على جبينه برغم الطقس البارد ، وقال لنا : ‏
ـ " أفهم من هذا ان دماء هذا الرجل استنزفت حتى الموت ؟"‏
قلت له في نفاد صبر : ‏
ـ " تشخيصك دقيق ايها الزميل .."‏
ـ " ومن الذي يفعل شيئا كهذا ؟"‏
مططت شفتي السفلي في غباء .. إنه الشيطان ذاته لو كان يجيد تركيب ‏الإبر الوريدية ..‏
هذه المرة بدا ان البدلة كلها احتشدت في الخان ، وهو ما كان ليسعد ‏فؤاد مس ( بانكرروفت ) لو لم تكن فعلا سيدة طيبة القلب لا تحب موت ‏زبائنها ..‏
شعرت بالحضور إياه فنظرت وراء كتفي .. كانت الكاتبة السوداء ‏عائدة من الخارج مع الأخ ( اونيل ) الذي للم يعد يفارقها في الآونة ‏الأخيرة ، ومعهما سيدة أخرى في الخمسين لم ارها من قبل .. لو كنا ‏في مصر لقلت إنه امه تتعرف عروسته المقبلة .. كانت ( لورين ) ‏تضع نظارة سوداء فلما شعرت بان هناك تجمعا مريبا نزعت نظارتها ، ‏وهزت رأسها ثم ودعت الفتى واتجهت الى غرفتها ..‏
كانت ( ماجي ) تنظر الى المشهد وكذا انا .. فتحت شفتيها ومطت ‏عنقها نحوي في إيماءة اعرفها جيدا ، فملت عليها بأذني لأسمع ،وقبل ‏ان تتكلم قلت أنا : ‏
ـ " نعم .. نعم . .المرأة التي مع ( اونيل ) .."‏
ـ " تعرفها .. اليس كذلك ؟"‏
ـ " بلى .. لكني عاجز عن تذكر متى وأين .."‏
مع ( ماجي ) تخطر الفكرة في ذهني فترد هي عليها من دنو كلام .. بل ‏إن بوسعي ان ألومها على فكرة سخيفة لم تصرح بها .. وارد خواطر ‏قاتل نعرفه من ايام بعثتي القديمة هنا ..‏
قالت في خبث : ‏
ـ " الصور ! هذه إحدى النساء اللاتي كن يرقصن في المقبرة !"‏
ـ " هل .. تعتقدين هذا؟!‏
ونظرت للمرأة .. لست متأكدا لأنني لم ار الصور بما يكفي .. لكن ‏وجهها بالتأكيد مألوف ، وفي الغالب انطبع في ذهن يمن وقتها .. ما ‏معنى هذا ؟ ‏
سرى الإشعاع السايكوفيزيائي بين الجالسين ، وتقدم رجل متأنق بدين ‏معتد بنفسه إلى سوط الدائرة ، وقال في تؤدة : ‏
ـ " يجب ان نتحدث بصراحة يا رفاق .. هذا الذي يحدث في بلدتنا ‏الهادئة لا يصدق .. ويوحي بلعنة ما تتجاوز فهمنا .. هل هناك من ‏يربط ملي بين هذه الاحداث وقدوم غرباء إلى البلدة ؟"‏
تعالت الهمهمة فصاح آمرا : ‏
ـ " من ير هذا فليرفع يده .."‏
ارتفعت عشرات الأيدي .. ما كنت احسبه ان كل واحد من هؤلاء القوم ‏له ست اذرع إلا بعدما رايت هذا بنفسي ..‏
قالت ( ماجي ) في تحد : ‏
ـ " حسن .. ومن ير اننا قتلنا هؤلاء الثلاثة فليقل هذا صراحة .."‏
لم يتكلم احد .. فقالت في هدوء : ‏
ـ " انا ومرافقي سنرحل غدا صباحا .. لو كنا نجلب الشيطان معنا ‏فنحن سنريحكم .."‏
هنا هتف رجل الشرطة ( بيرك ) في رعب :‏
ـ " هذا لن يكون .. لن يفارق احد البلدة قبل قدوم رجال التحريات ‏الجنائية .. سأطلق الرصاص على اول من يفكر في الخروج .."‏
على الاقل هو يتصرف بشكل صحيح من حين لآخر ، لكن ها نحن ‏أولاء قد صرنا محاصرين ..
هنا هتف رجل من الجالسين : ‏
ـ " لحظة .. من يشعر بارتياب في تلك الفتاة من ( شيفيلد ) فيرفع ‏ذراعه .." ‏
هذه ا لمرة ارتفعت مائة ذراع .. هؤلاء ليسوا بشرا .. إنهم عشيرة من ‏الأخطبوط ..‏

ـ " هي لا تكتب شيئا وتكاد لا تمضي وقتا في حجرتها .. إنها تجوب ‏البلدة طيلة اليوم .. كلنا رآها في المقابر .. ماذا تفعل هناك ؟ من هي ‏حقا ؟" ‏
هنا قرر الفتى ( اونيل ) ان يقوم بواجبه ،فهب يمسك بقائل هذا من ‏ياقة سترته ، وكور قبضته العملاقة وشده االى الوراء في وضع ‏مألوف . إنه بالفعل يتصرف كأنه زميل ( جاري كوبر ):‏
ـ " من يقل حرفا واحدا يسيء لها سأهضم وجهه !"‏
قال الرجل الأول المعتد بنفسه : ‏
ـ " الحقيقة يا بني انك صرت في قبضتها .. إنك مفتون بها .."‏
ـ " بل انتم مرضى النفوس .. الحقيقة إنها بهرتكم جميعا .. وحين لا ‏ينال الرجل فرصته فإنه يختلق الأكاذيب ويتحول إعجابه إلى حقد .. ( ‏لورين ) اختارت رجلا واحدا في هذه البلدة التعسة وانتم لا تطيقون ‏هذه الفكرة .."‏
كلامه صحيح حتى إن كان لا ينطبق على هذه الحالة .. إن من قرأ او ‏شاهد رواية ( زوربا اليوناني ) للعظيم ( كازندزاكيس ) يذكر جيدا ‏مشهد قتل الأرملة الجميلة على يد رجال القرية بدعوى الحفاظ على ‏الأخلاق . والحقيقة أنهم قتلوها لأنها لم تختر واحدا منهم ..‏
المهم ان الموقف تحول الى نار متأججة وكادت اللكمات تتطاير ، لولا ‏ان الرجل المعتد بنفسه وقف وصاح :‏
ـ " يا رجال .. انا اقترح ان نحبس الغرباء في غرفهم الى ان يأتي ‏رجال التحريات .. لا نريد مشاكل جديدة .. انا اعتذر لهم بشدة على هذا ‏لكنهم يفهمون دوافعنا .."‏
صاحت ( ماجي) في عصبية : ‏
ـ " يحبسوننا ؟ بأي حق !!"‏
لكني ضغطت على معصمها وهمست : ‏
ـ " لا مشكلة في إجراء كهذا .. إنها ليلة واحدة بعدها نترك هذه البلدة ‏بمشاكلها .. لا داعي لتصل الرأي .." ‏
وهكذا بدأ الحشد يتفرق من حولنا ليفسح لنا الطريق ..‏
هن توقفت وقلت بصوت عال : ‏
ـ " بالمناسبة .. اين مستر ( بارنيل ؟ ( باتريك بارنيل )؟"‏
لم يكن هنا .. ونظر لي القوم في دهشة ، فقلت بنفس الصوت العالي : ‏
ـ " أقترح ان تحرسوه جيدا .. لو حدث له شيء فنحن ابرياء من دمه ‏‏!"‏
سالني رجل الشرطة في دهشة : ‏
ـ " ماذا تقول بالضبط ؟ " ‏
‏ ـ " اعتقد ان كثيرين منكم خمنوا ما اعنيه .. كل هؤلاء الذين ماتوا ‏كانت لهم علاقة ما بموت ( رونيل السوداء ) .. انتم تعرفون القصة ‏وتذكرون التفاصيل .. لا اعرف كل من تورط في هذه القصة ، لكن ‏المرشح رقم واحد للموت الآن هو ( باتريك بارنيل ) .. حفيد قاضي ‏الساحرات الرهيب !"

Ala_Daboubi 24-11-05 09:36 AM

7ilooooo

yeslamo

^RAYAHEEN^ 24-11-05 09:39 AM

الله يسلمك
ان شاء الله الاحد بتكون خالصة
هههههههههه وانا قبلها

^RAYAHEEN^ 25-11-05 01:42 AM



‏7- أسطورة المقبرة ...‏


لم يكن البقاء في غرفتي سيئا .. انتم تعرفون انني حريص على كل ‏نشاط بشري يحرمني مخالطة البشر ! لكن ( ماجي ) .. الشعور من ‏جديد بأنها ستنفد .. لو عرفت تلك الطفلة ( إليانور ) كم هي مجدودة ‏الحظ ..‏
قضيت الوقت اصغي للمذياع ، واكتب بعض الملاحظات عن المؤتمر ‏الاخير الذي حضرته ..‏
فتحت الستائر لأرمق الظلام في الخارج . هل هذا غراب الذي يقف ‏على تلك الشجرة البعيدة ؟ هو كذلك ، ولا انفي لحظة انه يبدو لي كم ‏يراقب نافذتي .. انا عصبي وقد اعتدت هذه الامور .. انا هستيري ‏مجنون ولن اترك ملحوظة كهذه تدمر اعصابي ..‏
ثم تسرب النوم الى جفوني لا ادري كيف ، فدخلت الفراش المريح ‏الدافئ .. الذي يحتضنك احتضانا .. وكان للدفء الكلمة الأخيرة قبل ‏الإرهاق ..‏
إنني ..‏
‏*** ‏
في الثالثة صباحا سمعت القرعات على بابي ، فنهضت .. تعثرت في ‏الغطاء السميك طبعا واطلقت الكثير من السباب الى ان وجدت الباب .. ‏وفي اللحظة ذاتها كان المفتاح يدور فيه من الخارج ، فلا تنس انني ‏حبيس هنا ..‏
هناك كان رجل الشرطة الأحمق ( بيرك ) ومعه مسز ( بانكروفت ) ‏التي بالفعل صارت عيناها خارج جمجمتها .. وعرفت على الفور أن ‏كارثة حدثت ..‏
ـ " كارثة حدثت يا سيدي .."‏
ـ " إنني ارتجف قلقا .."‏
ثم سمحت لهما بالدخول وبحثت عن الروب .. ثم جلست على طرف ‏الفراش وتثاءبت كفرس النهر .. بينما قال الشرطي عديم الكفاءة :‏
ـ " لقد توفي السيد ( باتريك بارنيل ) .. لقد كنت محقا يا سيدي .." ‏
ادرت الخبر في فمي لأتذوقه جيدا .. هذا الرجل لطيف المعشر الذي ‏راح يكلمنا كأننا صديقان قديمان له ، والذي عرفت منه كل تفاصيل ‏هذه القصة قد مات ..‏
ـ " كيف ؟"‏
صمت الرجل وشهقت المرأة .. مما جعلني اعرف انه مات بطريقة لا ‏يمكن سردها .. اشياء كهذه لا تقال للاطفال مثلي ..‏
ثم ان الشرطي قال وهو ينهض : ‏
ـ " اتقد انه لم يعد من داع لهذا السجن .. يمكنك الخروج إذا اردت يا ‏سيدي .."‏
في هذه اللحظة ظهر رتل من الرجال الذين لا اعرفهم على الا .. لكنهم ‏كانوا غاضبين كالجحيم .. كانوا يريدون تدمير أي شيء او قتل أي أحد ‏‏.. يبدو ان المنظر أثار حفيظتهم بحق .. وهنا رأيت من جديد الدليل ‏القاطع على ما يروونه عن حدة طباع الأيرلنديين .. أنا جربتها وكدت ‏القى حتفي لو كنتم تذكرون قصة اللهب الازرق والاخ ( شاكال ) ..‏
في بعد عرفت تفاصيل موت الرجل ـ ( بارنيل ) لا ( شاكال ) طبعا .. ‏ولن احكيها بالتأكيد .. لكنها كانت جديرة بصاحب اعظم جرم بالنسبة لـ ‏‏( رونيل السوداء ) إن حفيده تلقى العقاب كملا غير منقوص .. ويكفي ‏القول إن الطبيب فقد وعيه حين رأى المشهد ..وان الرجل ذا الكلمة ‏المسموعة إياه في حالة هستيرية الآن ..‏
قلت وانا اقف امام الباب : ‏
ـ " مس ( بلاك ) ؟"
‏- " ليست هنا .. إنها لم تعد في الخان قط منذ اتفقنا على تحديد إقامتكم ‏‏.. نعتقد انها غادر غرفتها من النافذة .."‏
وقالت مسز ( بانكروفت ) :‏
ـ " لا اكتمك سرا أننا فتشنا اوراقها .. لم نجد قصصا على الإطلاق .. ‏كانت هناك صفحات ملأى برموز غريبة كالتي تستعمل في السحر .. ‏مئات العبارات اللاتينية التي تجمد الدم في العروق .. تلك الفتاة ليست ‏طبيعية .."‏
فكرت في المعلومة بعض الوقت ، ثم قلت للرجل : ‏
ـ" هل معك قلم ؟"‏
ناولني قلما من الرصاص في تردد ، فأمسكت به وبخط كبير واضح ‏كتبت على الجدار : ‏LOREANE‏ ...‏
صاحت مسز ( بانكروفت ) في غضب :‏
ـ " بحق السماء .. ماذا تحسب انك فاعل ؟"‏
ثم أرد ، وهتفت في القوم :‏
ـ " كيف تتهجون اسم تلك الساحرة التي حرقها اجدادكم ؟ ‏RONEAELE؟"‏
هنا صاح احد الاذكياء : ‏
ـ " حقا . . نفس الاحرف .. ونفس الرنين في الأذن .. وكلاهما سوداء ‏‏.. ( بلاك ) .."‏
هنا بللت طرف منديلي بلعابي ، ورحت ازيل الدمار الذي احدثته في ‏جدار الخان كي لا كي لا تقتلني صاحبته ..‏
نظرت لي مسز ( بانكروفت ) في حدة ، وسألت : ‏
ـ " هل تحاول التلميح الى ان الساحرة عادت اليوم لنا في ثوب تلك ‏الفتاة من ( شيفلد ) وانها تنفذ انتقامها ؟ كيف ؟ هل غادرت قبرها ؟ ‏هل حلت روحها بتلك الفتاة ؟ كلها افتراضات لا تقبل .."‏
وقال واحد من الوافدين :‏
ـ " ولماذا اليوم بالذات ؟ لماذا تنتظر ثلاثمائة عام ؟ " ‏
ـ " يمكنك ان تسألها .."‏
ثم اردفت وانا اشعر بإرهاق شديد من فرط هذا الجهد العصبي : ‏
ـ " الفتاة تكمل بالضبط ما كانت ( رونيل ) تفعل .. الشخص الوحيد ‏الذي وثقت به هو الفتى ( اونيل ) ولا أشك في أنه حفيد ( اونيل ) ‏القديم الذي كاد يلقى بنفسه في النيران من اجلها .. ثم يموت حفيد ‏القس الذي شك فيها .. وحفيد الحاكم .. وحفيد القاضي الذي امر ‏بحرقها .. وحفيد الثري الذي كان يحبها ، والذي ربما كان له دور في ‏إدانتها .. لا اعرف كل من تورط في هذه القصة، لكن ( رونيل ) عادت ‏‏.. انا متأكد من هذا .. وانتقامها شامل ماحق .. والمشكلة هنا ان من ‏ماتوا حتى الآن هم الورثة الوحيدون لأسرهم ، فماذا عن الأسر التي ‏تفرعت وتشعب احفادها ؟"‏
ساد الصمت ثم تساءل احد الرجال ؟"‏
ـ " والحل ؟"‏
ـ " أرى انه لا بد من نبش قبرها .. اعتقد ان الجواب الصحيح يكمن ‏في المقبرة .."‏
كان الرجال بحاجة الى أي شيء يبدد طاقاتهم الثائرة ، لهذا تصايحوا ‏في حماسة كأنما ادعوهم الى السيرك : ‏
ـ " المقبرة .. نعم .. المقبرة"‏
ـ " في الصباح يمكننا ان .."‏
لكنهم لم يكونوا على استعداد للانتظار حتى الصباح ..‏
مشكلة الأيرلنديين الغاضبين هي انهم لا يسمحون لكهل مثلي بالنوم ..‏
وسط الزحام رأيت ( ماجي ) تشق طريقها بوجه ممتقع ، وقد حملت ‏الطفلة متمسكة بعنقها .. بدا لي المشهد غريبا لانني لم ار طفلة تحمل ‏طفلة قط .. ثم إن ( إليانور ) لم تكن رضيعة بالتأكيد ..‏
قالت لي همسا : ‏
ـ " انت قلت نفس ما افكر فيه .. لكن ما كان يجب ان تقوله علانية ‏‏.."‏
ـ " ولم لا ؟ "‏
ـ " رد الفعل الجماهيري غير المنضبط .. انت كمن يفتح قمقما فيه ‏جني حبيس .. لو أنهم قابلوا الفتاة الآن ؟ حتى لو كانت بريئة لأطاروا ‏عنقها بلا مناقشة .. السبب الاهم هو أنني متأكدة من ان عددا من ‏هؤلاء القوم يعرف ما نتكلم عنه . ربما كان يرقص حول المقبرة في ‏تلك الليلة . اكره البارانويا لكن الحذر واجب .."‏
اعترفت في خجل بانها محقة لكن العجلة دارت .. من العسير ابتلاع ‏الكلمات ..‏
وفي هياج ـ كتنين أسطوري هائل عقله في قدميه ـ تحرك الجمع نحو ‏المقابر .‏
قلت لها : ‏
ـ " أغلقي بابك بإحكام وكوني حذرة .. ربما كان من الحكمة ان تنزلي ‏لتقضي الوقت مع مسز ( بانكروفت ) .."‏
‏*** ‏
في ضوء المشاعل يبدو المكان بهيجا ..‏
عشران الناس والمشاعل التي تشبه ( الكلوبات ) في سوق الخضار ‏عندنا ، وكشافات نيون وكشافات عادية تعمل بالأحجار الجافة .. غبار ‏‏.. عرق .. زحام ..‏
لقد خضت هذا الموقف مرارا من قبل ومن بعد ، بحيث يبدو لي الآن ‏انني قضيت عشرة اعوام من عمري وسط اناس ينبشون قبرا ما ..‏
كنا جميعا نتجه الى المكان الي لن انساه ما حييت ..‏
القبر الوحيد الباقي والذي لا يحمل شاهده أي اسم ..‏
ربما كانت هناك قبور اخرى لكن لا احد يذكر مكانها ..‏
اين حارس المقابر ؟ كان هناك وسط الزحام وقد تحول الى فزاعة من ‏فعل الكحول .. يصعب علي ان اصدق ان هذا الرجل لم يذق الخمر من ‏قبل ..‏
وقفنا هناك . وكانت الاعشاب تغطي الشاهد ، فيما عدا ما قمت بإزاحته ‏حين كنت مع ( ماجي ) .. وبدأت المعاول والأظفار تعمل ..‏
بدأ التراب يتراكم .. وعرفت انها مدفونة من دون تابوت ولا كفن على ‏سبيل الانتقام ..‏
اخيرا بدأت معالم الحفرة تتضح ..‏
وتكأكأ القوم حول الحفرة كل يحاول ان يجد موطئ عين .. وشعرت ‏بأنني اختنق .. الكل يدفعني الى الحفرة ، وتساءلت في سري : الا ‏يستحم هؤلاء القوم ؟
عظام .. عظام بالية نخرة مفتتة ..‏
تلوت : " كل نفس ذائقة الموت " ، ثم جثوت على ركبتي اتفحصها ، ‏ورفعت عيني فوجدت الدكتور ( اوجليفي ) جاثيا جواري يتفحص ‏العظام بدوره في ضوء الكاشف ..‏
ـ " ما رأيك ايها الزميل ؟ أي "‏
قالها وهوي يتلقى كوعا في كتفه .. فقلت بينما ركبة صلبة تضربني ‏في مؤخرة راسي ..‏
ـ " مثل رأيك . آي هذه العظام محترقة وتتماشى مع القصة .. لا ‏اعرف عمرها لكن لا استبعد أنها دفنت هنا منذ ثلاثمائة سنة .."‏
هكذا اعلن على الناس ان الجثة في مكانها .. الساحرة لم تغادر القبر ‏لتلتهم حناجركم يا شباب فاطمئنوا ‏
كنت انا شارد الذهن افكر .. ما معنى تلك الزيارات الليلية الى هذا ‏الموضع إذن ؟ طبعا انا لم اتوقع لحظة أن تنهض الجثة من قبرها لان ‏هذا مستحيل .. فمن هي ( لورين ) إذن ؟ لا أقبل كذلك قصة التناسخ . ‏ما خطر لي هو ان هناك من سرق الرفات من اجل عمل سحري ما .. ‏لكن من الواضح ان هذا لم يحدث ..‏
هنا توقف الطبيب الأيرلندي الأصلع وقال : ‏
ـ " هذه العظمة .. آي ! ما رأيك فيها ؟"‏
نظرت الى العظمة وفهمت ما يعنيه ..‏
سألته :‏
ـ " في أي سن هلكت ( رونيل السوداء ) ؟"‏
ـ " كانت قد تجاوزت العشرين .."‏
وكانت العظمة التي يحملها لا تحتمل الشك .. هذه عظمة طفل .. الخط ‏الكردوسي واضح تماما وحجم العظمة نفسه واضح لكل طفل ..‏
هذه الرفاة ليست رفات ( رونيل السوداء ) ..

^RAYAHEEN^ 26-11-05 09:12 PM



8- المؤامرة ..‏


على ضوء الفجر البكر حيث وضعنا العظام على ملاءة ، أمكنني الآن ‏التأكد من أنني كنت .. مخطئا في البداية .. فعلا هذه عظام طفل ..‏
صاح أحد الرجال في عصبية : ‏
ـ " من فضلكم لا تقولوا إنها فتحت القبر وذهبت .." ‏
قلت في هدوء لأمتص غضبه : ‏
ـ " لا شيء من هذا .. هناك من أخذها لغرض ما .. ربما ليدفنها في ‏قبر أفضل أو من أجل طقوس لا نعرفها .."‏
ثم تنهدت ونظرت الى الساعة .. إنها السابعة صباحا .. لقد استغرقت ‏كل هذه الاحداث أربع ساعات .. وانا جائع وموشك على التجمد .. قلت ‏لهم إن الوقت حان للعودة الى الخان وترتيب الخطوات التالية ..‏
ومشي الموكب عائدا في ضوء النهار الخجول الذي لا يجرؤ على ان ‏يفصح أنه نهار ..‏
من بعيد كان الخان ، وقدرت أنني سأغسل وجهي وأصلي وأتناول ‏الإفطار ، ثم انام عشر سنوات في الفراش الدافئ حتى توقظني ‏الساحرة لتخبرني بأن الدور دوري ..‏
لكن الجو لم يكن مريحا .. في البداية وجدنا ان مسز ( بانكروفت ) ‏ليست هناك .. ثم صعدت الى الطابق الذي اقيم فيه ، فوجدت ان باب ‏غرفة الفتاة مفتوح عنوة ..‏
هناك من اقتحمه .. كنت وحدي الآن فلم استطع طلب عون ، لكن ‏القصة واضحة .. لقد عادت او عاد كي يأخذ الاوراق التي هي بالتأكيد ‏مهمة جدا ، وكان غضبها مسيطرا حين وجدت أنه لا شيء منها في ‏الغرفة ..‏
و .. ( ماجي ) !!‏
هرعت الى غرفتها وكانت المصيبة التي توقعت إن الباب مفتوح..‏
افتحمت الغرفة لأجدها نائمة على الفراش بكامل ثيابها .. ليست هذه ‏نومة استرخاء او نومة من قضي الليل ساهرا .. سقط قلبي في قدمي ‏ودنوت منها في حذر .. بسبب ارتباكي فشلت فعلا في ان ارى إن كان ‏صدرها يعلو ويهبط ام هو ثابت كالحجر ..‏
لكنها كانت تتنفس ..‏
بالحقيقة تتنفس ..‏
جوار الفراش جثوت وانا اغالب دموعي .. حمدا لله .. للمرة الأولى ‏افطن إلى ان ( ماجي ) كائن حي يعيش ويموت وليست رمزا . كنت ‏احسبها كالعدل أو الحقيقة .. هل رايت يوما جثة عدل أو اشلاء حقيقة ‏؟ ‏
في النهاية فتحت عينيها وكانتا حمراوين كالدم ..‏
لا داعي للمزيد من البحث .. هاتان عينا إنسان يفيق من مخدر ..‏
بالمناسبة أنا لا ارى الطفلة من حولها ..‏
هتفت من بين شفتين التصقتا من القشور : ‏
ـ " إليانوووووووور " ‏
كما توقعت بالضبط ..‏
جلبت بعض الماء وسقيتها إياه .. ثم سكبت الباقي على وجهها .. وماء ‏ايرلندا بارد .. بارد ..‏
اخيرا جلست في الفراش وراحت ترمش بعينيها في بلاهة ، ثم سألتني ‏من جديد : ‏
ـ " أين ( إليانور ) ؟" ‏
ـ " حسبتك اقدر مني على الإجابة عن هذا السؤال .."‏
نهضت من الفراش في حزم صائحة : ‏
ـ " خطفوها !"‏
القصة كما حكتها لي هي ان المسز ( بانكروفت ) جاءت في الخامسة ‏صباحا تقرع الباب .. قالت لها إنها راغبة في إخبارها بشيء مهم .. ‏وهكذا لم يكن من مبرر لإبقاء الباب موصدا .. فتحته فدخلت المرأة ‏ذات الشعر المعقوص .. قالت لها كلاما كثيرا عن خوفها من أن تكون ‏هي الضحية التالية .. ربما لأن جدة جدتها كانت في تلك القصة ‏المشئومة ..‏
طمأنتها ( ماجي ) .. وكانت الطفلة نائمة في الفراش فلم تسمع شيئا ‏من المحادثة .. إلا ان ( ماجي ) نهضت الى الحمام كي ..‏
وهذا آخر ما تذكره من القصة ..‏
حدث أي شيء . .على الأرجح منديل مبلل بالكلوروفورم على الأنف او ‏شيء من هذا القبيل .. بعدها وجدت نفسها في الفراش وانا اوقظها ‏كالكابوس ..‏
ـ " هذا يعني ان مسز ( بانكروفت ) متواطنة .. كنت اعرف انها تبدو ‏كساحرة .."
‏- " انت قتل لي ان اثق بها وامضي الوقت معها .."‏
ـ " انا قلت هذا ؟ إذن كنت حمارا .. ما علينا .."‏
قالت وهي ما زالت متحشرجة الصوت ، ويبدو ان راسها ما زال غير ‏ثابت : ‏
ـ " ربما لم يكن لها دور .. ربما هوجمنا معا .." ‏
ـ " وهذا يجعلنا نتساءل اين هي ؟ وأين الطفلة ؟"‏
كنت اتمنى ان اقول إن هذا خبر طيب لي ، لكني لست بهذه القسوة ‏طبعتا .. لقد اختطفت الطفلة وبيد أشخاص لم يبد حتى هذه اللحظة أن ‏في قلوبهم أدنى ذرة من الرحمة .. إن من ير جثة ( بارنيل ) يعرف ‏جيدا معنى ما اقول ..‏
قالت في توتر وهي تتجه الى الباب :‏
ـ " ساعرف حالا .. اقسم لك إنني لن اغادر هذه البلدة إلا وهي معي .. ‏وانت .."‏
ثم نظرت في عيني وهمست كأنما تذكرت شيئا : ‏
ـ " للابد ؟"‏
كانت تقولها من دون هيام ، بل في توتر .. كأنما تستوثق من أنني لم ‏اتغير بعد ، أو تطمئن على ان اسلحتها محشوة .. قلت لها : ‏
ـ " ماذا ؟"‏
ـ " ستكون ملكي للأبد ؟"‏
ـ " وحتى تحترق النجوم كلها .. وحتى .."‏
ثم توقفت .. هذه المرة لأن رجل الشرطة الأحمق اقتحم الغرفة .. ‏وهتف إذ رآني : ‏
ـ " اين مسز ( بانكروفت )؟"‏
ـ " هذا ما كنا نتكلم فيه حين دخلت دون استئذان .."‏
وبسرعة حكيت له القصة فازداد شاربه كثافة وتقلص وجهه كأنما ‏يموت .. ثم ابتلع ريقه وقال : ‏
ـ " هناك امرأة ماتت في البلدة هذا الصباح .. لا .. ليست مسز ( ‏بانكروفت ) .. ماتت بنفس الطريقة الشنيعة .. هذه المرة طار عنقها ‏من على كتفيها ، لكننا لا نعرف شيئا عن علاقتها بالقصة .."‏
قلت في ملل : ‏
ـ " لا بد انه امن أخبر القس .. كي يخبر ( كيليبارون ) بان .. إلى آخر ‏هذا الهراء .."‏
أضاف بنفس اللهجة الخطرة : ‏
ـ " الفتى ( اونيل ) كذلك اختفى .."‏
ـ " المختفون أكثر من اللازم في هذه البلدة .. هل تعني أنهم غادروها ‏؟ " ‏
ـ " بل على الأرجح هم مختفون في مكان ما .. إن ( أوليفر كليباتريك ) ‏لم ير أحدا يخرج من البلدة منذ أمس .. إن ( وليفر كليباتريك ) هو .."‏
ـ " نعم .. نعم .. هو رجل يمكنه ان يعرف من غادر البلدة .. وفر شرح ‏ما لا طائل وراءه .. وهل في بلدتكم مخابئ ؟"‏
فكر قليلا وهو يعتصر شفته السفلى كأنما ليمزقها ، ثم قال : ‏
ـ " هناك الكنيسة بدهاليزها الخفية .. هناك القلعة .. هناك كهفان .."‏
ضربت ( ماجي ) بكفها على صدرها كأنما تلطم وهتفت : ‏
ـ " يا إله السماوات ! يمكن إخفاء كتيبة من الجيش الروماني في تلك ‏الأماكن .. نحن لن نجد هؤلاء أبدا .."‏
قلت لها في ثبات نافشا صدري : ‏
ـ " لكننا سنبحث فيها جميعا .. فقط اريد دقائق كي ادخل غرفتي ‏واستعيد كياني .. لسوف يكون يوما طويلا .."‏
قلتها بلهجة ابطال الروايات شديدي المراس ، ودخلت الى حجرتي ، ثم ‏نمت .. نمت وانا استند الى حوض غسيل الوجه .. ثم نمت حين خرجت ‏‏.. ثم نمت وانا اقول لنفسي إنني لن انام ..‏
ظهرت بعد ساعة ونصف متظاهرا بالانتعاش .. وكان الجميع جالسين ‏في قاعة الجلوس ، وقد جلست (ماجي ) جوار رجل في الخمسين من ‏عمره ممن يعرفون ما يفعلونه ، وقد فردوا على المنضدة خارطة ‏مرسومة بالقلم الأسود العريض للبلدة .. ورأيته ينظر الى مجموعة من ‏الرجال الأشداء يرتدون سترات ثقيلة ويحملون العصى : ‏
ـ " ( رايان ) و ( أوليفر ) .. الكنيسة .. القبو ( ج ) .."‏
وانطلق الرجال .. هنا فهمت انهم يشكلون فرقا للبحث .. إنهم اشداء ‏فعلا واحمد الله على أنني لست تلك الفتاة ( لورين بلاك ) ..‏
وجدت مقعدا جوار المنضدة فجلست ، وكانت هناك قهوة مددت يدي ‏لها دون أن اسال من شرب منها .. نظرت ( ماجي ) لعيني الحمراوين ‏ففهمت على الفور النشاط الذي كنت أمارسه ، وابتسمت في رفق ‏ابتسامة عصبية سريعة .. تذهلني قوة تحمل النساء ايضا .. إنهم لا ‏يملكن قوة جسدية لكنهم يتحملن الأوضاع الصعبة اكثر منا نحن ‏الرجال بمراحل ، وعلى قدر علمي هي لم تنم امس إلا قدر ما نمت أنا : ‏لا شيء تقريبا ..‏
قال لي الرجل الذي يعرف ما يجب عمله : ‏
ـ " دكتور .. هلا انتحينا جانبا ؟ اريد كلمة معك "‏
نظرت له في عدم فهم ، ثم نهضت واتجهنا الى ردهة جانبية تقود الى ‏السلم .. كان كما قلت في الخمسين ، ضخم الجثة مما يوحي بأنه ‏رياضي قديم .. ذلك الترهل القوي الذي يميز من كانوا يمارسون ‏رياضة عنيفة ثم توقفوا ، وكأنه حليق الوجه بعناية وله عينان ثاقبتان ‏‏..‏
أشعل لفافة تبغ غليظة ، وقال لي : ‏
ـ " لقد سمعت القصة من الآنسة .. هناك كما فهمت جماعة سرية ‏تحاول إعادة ( رونيل السوداء ) الى البلدة.. إن الآنسة لم تحك قصتها ‏مع المقبرة إلا الآن .."‏
ـ " هل تعتقد ان الجماعة ما زالت تحاول ؟ اعتقد انها نجحت .. وإلا ‏فمن هي ( لورين) ؟ وما سر حالات الوفاة هذه ؟ ‏
ـ " لن نعرف أبدا .. ربما كان الانتقام مطلوبا كي تستطيع الساحرة ‏العودة .."‏
ـ " هذا يضعنا في مأزق آخر .. كيف عادت ؟ هل غادرت قبرها ؟ هل ‏مست تلك الفتاة ( لورين ) ؟"‏
قال من جديد : ‏
ـ " لن نعرف أبدا .. لكن هناك شيئا مؤكدا يجب ان تعرفه ولا تخبر به ‏الآنسة .. لانها لو عرفت لفقدت صوابها .. الطفلة في خطر داهم .. ‏ولربما انتهى هذا كله .."‏
ـ " لماذا ؟ "‏
‏- لان ( رونيل السوداء ) كانت تلتهم الاطفال .. الم يخبرك أحد بهذا ؟"‏
وتصلبت .. واستندت الى الجدار ..‏
كانت المرة الاولى التي اسمع فيها هذا الجزء ..‏
هذا جزء لم يخطر لي ببال قط ..‏
‏***‏


^RAYAHEEN^ 26-11-05 10:51 PM


‏9- أين هم ..‏

كان الفريق الذي ضمني الرجل إليه مكلفا بتفقد كهف عتيق على حدود ‏البلدة ..‏
وقررت في هذه المرة أن آخذ ( ماجي ) معي في كل خطوة .. لن ‏أمارس من جديد سيناريو ( لقد ـ نسينا ـ الآخرين ـ وانشغلنا ـ بوهم ..‏
عند الظهيرة وصلنا هناك .. ظهيرة ( ايرلندا ) الباردة الشبيهة ‏بالغروب عندنا .. وكان الكهف يقع فيما بعد جغرافيا جزءا من مرتفعات ‏‏( إريجال ) .. يرتفع عن الارض حوالي سبعة امتار ، وهو ما يجعله ‏من الكهوف المرعبة بالنسبة لي .. كانوا قد وضعوا حبالا تغلق مدخله ‏كي لا يدخله الاطفال ، وبدا لنا ان هذه الحبال لم تمس ..‏
في الداخل على ضوء الكشافات كان المشهد مروعا .. الرائحة عطنة ‏اقرب الى الماء الآسن .. وكان الماء بالفعل يتساقط من هوابط السقف ‏‏..‏
هناك وطاويط انتظرت لحظة ثم هرعت تفر من المكان وقد تضايقت من ‏هذا الإزعاج ..‏
شعرت بيد ( ماجي ) النحيلة تضغط على يدي فضغطت أكثر ، وإن ‏كنت اعرف جيدا انه لا يوجد شيء مقلق هنا .. ليس الأمر بهذه ‏السهولة .. ولو قابلن السحرة فلن يكون هذا وسط كل هؤلاء الرجال ‏الأشداء .. حين تقابل السحرة سيكون هذا بشروطهم في أسوأ ظروف ‏ممكنة .. وأنت وحدك تماما اعزل كطفل رضيع ..‏
يجب ان أقول هنا إن ( ماجي ) _ وهذا من حقها _ تغيرت تماما .. لم ‏تعد تملك أي روح دعابة .. صارت عصبية متوترة مكتئبة كالبومة .. ‏إنها تحب الطفلة حقا ..‏
رحنا نفتش في الكهف الذي كان عميقا .. لكن لم يكن هناك شيء .. ‏وضايقني أنهم يضيعون وقتا أكثر من اللازم في إثبات حقيقة واضحة ‏من اللحظة الأولى ..‏
في النهاية قال قائدنا لاهثا :‏
ـ " لا احتمالات للخطأ .. هؤلاء القوم ليسوا هنا .."‏
ـ " أخيرا !"‏
وقالت ( ماجي ) وهي تحكم إغلاق سترتها على رأسه ا: ‏
ـ " لنعد إلى الخان .. فلعل الآخرين ظفروا بحظ أفضل .."‏
‏*** ‏
يمكن دون جهد كبير ان تصف اجتماعنا في الخان مرهقين ، تجمدت ‏عروقنا ، بردا ، بأنه ( مجمع الخائبين ) .. وكان الخان قد تحول الى ‏غرفة عمليات بالفعل ، والنسوة رحن يعددن القهوة الساخنة للرجال ‏العائدين الذين لم يجدوا شيئا .. كما شممت رائحة تدل على ان هناك ‏حساء يتم إعداده .. لو ان المسز ( بانكروفت ) ما زالت حية فلا بد انها ‏كانت ستموت لو رأت ما حل بالخان الأنيق الجميل ..‏
لقد بدا الأمر كأن عشيرة من ثيران المسك اتخذت سكناها هنا .. ‏الأحذية على المناضد والدخان في الهواء .. رماد التبغ على البساط ‏والعلب الفارغة في كل مكان .. هناك من يبصقون على الأرض لكنهم ‏قلة لحسن الحظ ..‏
لكنني كنت سعيدا .. برغم كل شيء .. كنت سعيدا ..‏
انا وانت هنا .. في هذا الموضع الدافئ بينما العاصفة تزأر بالخارج ‏‏..انا وانت هنا نواجه نفس الخطر ونفكر في الأشياء ذاتها .. ما يهددك ‏يهددني وما يطمئنك يطمئنني .. فلتزأر العاصفة .. فلتزأر العاصفة ..‏
إن الليل يقترب بسرعة دون نتائج ..‏
لم نجد أثرا للطفلة ولا الفتى ( أونيل ) ولا العجوز ( بانكروفت ) ولا ‏الفتاة ( لورين ) ..‏
قال الرجل الذي يعرف ما يجب عمله :‏
ـ " لماذا لم يصل رجال البحث الجنائي هؤلاء ؟ إنهم اقدر على حل كل ‏هذه الالغاز .. "‏
ثم نظر حوله وهتف : ‏
ـ " هل الجميع هنا ؟؟؟ لا نريد ان نترك خلفنا أحدا .."‏
تقريبا كانت البلدة كلها هنا .. لا تنس ان هذه البلدان قد يكون تعداد ‏سكانها مائتين او ثلاثمائة .. لسنا في مصر هنا حيث يبلغ تعداد مدينة ‏واحدة دولة أوروبية بأكلمها .. لكن بالتأكيد هناك مواطن واحد قد ‏نسيناه ، وهذا الواحد ميت الآن بطريقة بشعة ..‏
ساد الصمت ورحنا نصغي لصوت الريح بالخارج .. والنار في المدفأة ‏التي اشعلتها النسوة .. وجاءت فتاة شقراء متجهمة الوجه كبيرة ‏اليدين تحمل دلوا فيه مغرفة .. وصبت لي بعض الحساء الساخن في ‏طبق ووضعته امامي ، ثم تركتني لتفعل الشيء ذاته مع ( ماجي ) .. ‏ذكرني مظهرها بساعة توزيع ( اليمك ) في السجون .. نفس الدلو ‏واقسم على هذا .. صرنا كأننا في معسكرات الإيواء بعد الكوارث .. اما ‏عن الحساء نفسه فقد اعتدت على حساء اليورانيوم في كل اوروبا فلم ‏يعد يثير اشمئزازي .. لكن ماذا عن حساء الأحذية ؟
راحت ( ماجي ) ترشف الحساء شاردة الذهن .. فجأة هتفت وقد ‏تذكرت شيئا : ‏
ـ " لحظة .. هناك كهف في المقابر .. قربها لا ادري الكهف الذي ‏وجدوا فيه حاجيات تلك الفتاة ( لورين السوداء ) كما حكى لنا السيد ( ‏بارنيل ) هل رايتهم هذا الكهف ؟"‏
قال الرجل الذي يعرف ما ينبغي عمله : ‏
ـ " لا احد يذكر مكان هذا الكهف .. على قدر علمي اندثر منذ زمن .."‏
ـ " وعلى قدر علمي الكهوف لا تندثر بل تتوارى فتحاتها .. البلدة لم ‏تشهد زلازل قط .."‏
تبادل رجلان النظرات ، ثم قال احدهما وهو يضع طبق الحساء جانبا : ‏
ـ " ربما يعرف ( إدوود ) شيئا عن هذا ؟"‏
قال الرجل الذي يعرف ما يجب عمله : ‏
ـ " ليكن .. ( أونولان ) و ( رايان ) و ( أوليفر ) .. إذهبوا لتروا ( ‏إدوود ) لو كان ما زال حيا .. خذ معك ما يلزم يا ( رايان ) .." ‏
هنا وضعت حسائي بدوري .. واشرت لـ ( ماجي ) ان تنهض معي .. ‏هذه المرة سيكون هذا الكهف مهما بحق .. لو كان له وجود ..‏
ـ " خذوا المشاعل .. ولا بأس من السلاح .."‏
وارتدينا السترات الثقيلة والقفازات .. هذه المرة لم يعد من مجال ‏للخجل ، لذا وضعت على رأسي القلنسوة الصوفية التي كانت عندي ‏ولم أجسر على ارتدائها قط .. القلنسوة ذات أذني الحمار التي تذكرك ‏بالشيالين في شونة غلال ( أبو كبير ) .. إنها تجلب الكثير من الدفء ، ‏لكنها لا تترك لك شيئا من الوقار او عزة النفس .. رأتها ( ماجي ) فلم ‏تملك برغم اكتئابها إلا ان تقول : ‏
ـ " باتمــان !"‏
كان متاع الرجل حقيبة حملها ( رايان ) على ظهره ، وغادرنا الخان ، ‏وكانت الساعة الثامنة مساء ، لكن كل شيء يوحي بأنها الساعة ‏الخمسون مساء ..‏
وركبنا سيارة عتيقة اتجهت بنا الى المقابر عبر شوارع باردة لكنها ‏جافة لحسن الحظ ..‏
المقابر جاثمة في الظلام كالكابوس ، ومن بعيد شبح الكنيسة .. لا ‏يوجد قمر هذه المرة .. لكن الأفق يتألق بضوء غريب كأنه النذير .. ‏اعتقد انها ظاهرة فيزيائية في شمال أوروبا كثيرة كالذباب .. ليس ‏الشفق القطبي أغربها ..‏
هناك اتجه احدنا الى الغرفة التي يقم فيها حارس المقابر وقرع الباب ‏‏..كنت اعرف يقينا اننا سنجده قد مات .. لماذا ؟؟ لأنني اعرف ما يكفي ‏من هذه القصص ..‏
لكن ـ وهذا غريب ـ الرجل فتح الباب .. يبدو أنني صرت اثق بنفسي ‏اكثر من اللازم هذه الايام .. هل تذكرون مراحل قيادة السيارات الأربع ‏؟ المرحلة الأولى انت اخرق ترتكب الكثير من الاخطاء .. المرحلة ‏الثانية لا ترتكب اخطاء لكنك لا تستطيع تلافي اخطاء الغير .. ثم تتعلم ‏كيف تتلافى اخطاء الغير كذلك .. المرحلة الرابعة انت واثق بنفسك ‏تعتقد انك افضل من يقود سيارة على وجه الارض .. عندئذ .. طاخ !! ‏أي .. إن اكثر الاخطاء ـ في كل شيء ـ تحدث من معدومي الخبرة ومن ‏الواثقين بأنفسهم اكثر من اللازم !‏
كان ( إدوود ) يترنح .. ليس هذا جديدا ..وقد اصغى الى سؤالنا لبرهة ‏ثم قال : ‏
ـ " كهف ( رونيل السوداء ) ؟ هناك شيء كهذا لكن المكان خطر .. لا ‏أنصحكم بان .."‏
ـ " دع نصائحك وقدنا اليه .."‏
هكذا مشى الرجل ونحن خلفه بين شواهد المقبرة .. مكان رهيب فعلا ‏ويثير الخيال .. تعرفون الملصق الشهير ليد تخرج من القبر لتمسك ‏بساق المار فوقها ؟ حسن .. لم تبد هذه الفكرة بذات الغرابة وقتها ..‏
اخيرا وصلنا الى أطراف المقبرة حيث السهل الخالي المقفر ..‏
كان هناك تل صغير ارتفاعه خمسة امتار .. وكانت هناك شجيرات ‏تكسو اسفله ..‏
ـ " هنا بالضبط .." ‏
ـ " كيف ؟"‏
ـ " ليس هذ امن اختراعي .. كنت منذ طفولتي اعرف انه هنا ، لكنني ‏لم اضطر لاستكشافه قط .. إنه مجرد تجويف في مرتفع لا شيء فيه ‏يثير .."‏
ومد يده وبدأ يزيح الشجيرات ـ التي لم تكن كلها ذات جذور في الارض ‏ـ على ضوء الكشاف .. بالفعل كانت هناك فتحة في الصخر .. هنا هتفت ‏انا غير فاهم :‏
ـ " هذا يعني ان هذا الكهف خال .. ما كان احدهم ليغطيه بالشجيرات ‏بعد ان يدخل .."‏
قالت ( ماجي ) وهي تسلط الكشاف على الأرض : ‏
ـ " لا يا ( رفعت ) واضح انهم كثير .. هناك من دخل ، ومن بقي ‏بالخارج ليغطي المدخل بالشجيرات المتشابكة .."‏
كانت آثار الاقدام على الأرض تحكي قصة واضحة ..‏
ـ " هل ندخل ؟"‏
هتفت ( ماجي ) في عصبية :‏
ـ " هل تمزح ؟ لو كان هناك احتمال واحد في المائة أن ( اليانور ) هنا ‏فلسوف ندخل .."‏
كان معنا ثلاثة رجال أشداء .. اعتقد ان الواحد منهم يستطيع تهشيم ‏اعناق اربع ساحرات .. وكان احدهم مسلحا ببندقية .. ثم إنني لست ‏عاجزا .. احيانا استطيع توجيه ركلات قوية إلى قصبات الأرجل ، ‏بشرط ان تعطيني المساحة الزمنية والمكانية .. لا ارى ما يمنع من ان ‏نجرب الآن ..‏
صاح حارس المقابر وهو يتراجع للوراء : ‏
ـ " اما بعد هذا فلا اعرف .. انا لم اعد ذا نفع لكم اسمحوا لي ‏بالانصراف .."‏
ثم انطلق يركض بين الشواهد .. رحنا نرمقه ونتمنى أن يسقط فيدق ‏عنقه ..‏
وعلى ضوء كشاف وكلوب ، رحنا نعالج الشجيرات حتى كشفناها كلها ‏‏.. بالفعل كان أكثرها مجرد تعمية ( كاموفلاج ) كالتي يستعملونها في ‏الجيش ..‏
اخيرا بدا لنا مدخل الكهف .. كأنما هو فم الموت الفاغر ..‏
واخذنا شهيقا عميقا ثم دخلنا ..‏

^RAYAHEEN^ 26-11-05 10:52 PM




‏10- الداخل ..‏


كان هناك ممر طوله نحو خمسة أمتار ..‏
مشينا فيه .. ولم يفتنا ان نرى بعض قطع العظام مدفونة في الأرض .. ‏عظام أطفال على الأرجح ..‏
وشعرت بـ ( ماجي ) تتنفس بعمق من طاقتي أنفها .. كدت أحطم ‏رأسها لأنني لا اطيق هذا الصوت بالذت .. كانت منفعلة ولهذا اعتقدت ‏ان من حقها ان تتحول الى صافرة سفينة ..‏
في نهاية الممر كان هناك باب موارب .. باب عبارة عن قضبان حديدية ‏‏.. كأنه باب قفص .. ولم يكن مغلقا .. كان جنزير معلقا جواره وقد ثبت ‏فيه قفل مفتوح .. ودون كلمة واحدة أطفأ الرجال جميع مصادر الضوء ‏‏.. وحبسوا الأنفاس .. السبب هو ان الضوء كله كان ياتي من الجهة ‏الأخرى .‏
ولبثنا في الظلام ننظر عبر باب لقفص الى القاعة المجاورة .. الآن ‏نفهم أشياء عن المكان .. واضح اننا الآن تحت الأرض لأن الممر كان ‏ينحدر بزاوية شديدة للأسفل .. ومن الواضح كذلك ان هناك نظام ‏تهوية ومدخنة تخرج كل هذا الدخان الى مكان بعيد عن المقبرة ..‏
هناك نار .. نار مشتعلة .. وهناك من يرقص حولها ..‏
يمكنك ان ترى النساء اللاتي يرقصن حول النار بالداخل .. كلهن ‏منكوشات الشعر يضحكن في هستيريا وجنون .. بعضهن شابات ‏مليحات وبعضهن قهرمانات في التسعين من العمر .. هل ترى هذه ‏المراة ؟ نعم .. هي مسز ( بانكروفت ) .. لقد تغيرت كثيرا جدا لكن من ‏الصعب ان تخطئها .. بالطبع لم تكن إذن في ذلك الحفل الذي رأته ( ‏ماجي ) في تلك الليلة وإلا لعرفناها في الصور ..‏
هناك رجال كذلك .. وهم يلبسون ثيابا حمراء فاقعة اللون .. وقلنسوات ‏‏.. هذا الفتى ضخم الجثة هو ( اونيل ) طبعا اما هذا فهو ـ صدق أو لا ‏تصدق ـ الشرطي عديم الكفاءة .. ثمة رجلان اعرفها لكن لا اعرف ‏اسميهما .. إذن عاد ( اونيل ) من ( دبلين ) خصيصا من اجل موعد ‏الطقوس هذه ..‏
الغناء يتعالى ولا يمكنك ان تفهم حرفا منه ..‏
هناك ما يوحي بان حفل شواء سيقام حالا .. هناك قدر يغلي على النار ‏وهناك نطع كبير عليه شاطور .. وهناك ...‏
في منتصف المكان يوجد سرير حجري .. وعلى هذا السرير الطفلة ‏مقيدة !‏
من بين اسنانه ووسط هذا الصخب همس ( اونولان ) بصوت كالفحيح ‏‏: ‏
ـ " واضح ان الحفل في ذروته .. لا شك ان موعد التضحية البشرية ‏قادم .. الخطة كما يلي .. سأقتحم المكان أنا ورفيقاي .. ونناولكما ‏الطفلة .. غادر المكان انت والآنسة ولا تنظر للوراء ابدا .. نحن نعرف ‏كيف ندبر أمورنا .."‏
خطة محكمة .. والحقيقة انه لا توجد خطة أخرى . يمكن مثلا ان تدخل ‏المكان وتطالبهم بتسليمك الطفلة لكن من يعرف كيف يتصرف هؤلاء ‏المخابيل ؟ ربما يسارعون بقتلها قبل ان تأخذها انت ..‏
ـ " الآن !ّ!"‏
وركل الباب ليقتحم القاعة مع رفيقيه .. انطلق الرصاص في الهواء ‏فتساقطت حجارة من السقف .. وعلى الفور انقض ( اوليفر ) على ‏رجلين ليخنقهما ، بينما راح الثاني يركل من يسدون طريقه ، وهرع ‏الى السرير الحجري او مائدة التقديمات ، وبخنجر مزق الحبال التي ‏تربط الفتاة ..‏
كان المشهد الآن قد تحول الى جحيم .. وراحت ( بانكروفت ) تعوي ‏كالذئاب : ‏
ـ " لن تهربوا ايها المدنسون ! لن تهربوا ! إن ( رونيل السوداء) ‏سوف .."‏
في هذه اللحظة وجدت الطفلة بين ذراعي ، فتذكرت الخطة وهرعت ‏اركض في الممر و ( ماجي ) تركض ورائي وهي تنشج ..‏
نظرت للوراء ، فوجدت مشهدا لا يصدق ..‏
إن ( رايان ) يمسك بجركن كبير تخرج منه خرقة من القماش ، فأشعل ‏طرفها ثم طوحها الى داخل القاعة .. وسرعان ما جرى الرجال ‏يغادرون المكان .‏
كلينج !‏
كان هذا صوت الباب المعدني إذ يغلق في وجه السحرة ، ثم لف ( ‏اوليفر ) الجنزير ليوصده بإحكام .‏
ـ " افتح ايها المدنس !!"‏
هنا كانت النار من الفتيل قد امسكت في البنزين الذي يملأ الجركن ، ‏وسرعان ما توهجت النار كأنما هي قنبلة ..‏
هذا المشهد ياخذ مكانه في ثقة في ألبوم كوابيسي ليظل هناك الى يوم ‏الدين .. رباه !!‏
هذه الوجوه الكاحلة الكريهة الممسوخة تتشبث بالباب الحديدي وتعوي ‏كالذئاب محاولة الخروج .. تمد ايديها المخلبية نحونا .. بينما النار ‏تنتشر وتتفاقم ..‏
هرعنا الى الخارج حيث ظلام المقبرة الموحي بالسلام ، وكانت ( ماجي ‏‏) تعتصر الطفلة كأنما تريد ضغطها داخل ضلوعها .. حتى لا تسمع كل ‏هذا الصراخ غير الكوني .. حتى لا تشم كل هذا الشياط ..‏
انتهى الأمر .. لقد صارت الطفلة مجنونة بالتأكيد .. ستحتاج الى علاج ‏نفسي لمدة عشرة أعوام .. ولو لم تجن ستتحول الى مدمنة مخدرات ‏مثلما حدث فيما بعد للطفلة ( ليندا بلير ) التي قامت ببطولة فيلم ( ‏طارد الارواح الشريرة ) .. إنها في منتصف العمر الآن ـ عام 2001 ـ ‏لكنها ما زالت تعالج من تجربة الفيلم ..‏
امسكت بـ ( أونولان ) من ياقة سترته وصحت : ‏
ـ " قاتل !! لماذا فعلت هذا ؟ كان بوسعنا ان نحبسهم ونأتي برجال ‏القرية هنا .."‏
قال دون ان ينظر لي : ‏
ـ " لقد اتفقنا على هذا مع رجال البلدة .. لا يوجد مظلومون في هذا ‏القبو .. كانوا سيجدون سبيلا للفرار .. إنهم سحرة .."‏
ـ " لكنك حرقتهم أحياء وبدم بارد .."‏
ـ " قلت لك لم يكن مناص من ذلك .. ولا تستفزني ايها الطبيب .. انت ‏رأيت بعينيك انهم كانوا يوشكون على التهام الطفلة .."‏
هل نبلغ الشرطة عن هذا ؟ سوف نقرر حالا .. المهم الآن ان نطمئن ‏على الصغيرة ..‏
كانت ترتجف لكنها في حال طيبة .. طبعا لا إجابات عل أية أسئلة .. ‏ذهول لا شك فيه .. وجهه ملطخ بالدماء لكنها ليست دماءها .. إنها ‏دماء رسمت عليه ..‏
قالت ( ماجي ) في حزم : ‏
ـ " الآن نعود الى الخان .. غدا نترك هذه البلدة اللعينة بأسرع ما يمكن ‏‏.."‏
ودون أن تنتظر ردي او ضوءنا ، حملت الطفلة وراحت تشق طريقها ‏عبر المقبرة ..‏

^RAYAHEEN^ 26-11-05 10:54 PM


الخاتمة ..‏

في التاسعة صباحا دققت باب غرفة ( ماجي ) ففتحت لي ..‏
كانت ترتدي الروب ، وقد اغتسلت وتخلصت من آثار الليلة السوداء ، ‏فعادت ( ماجي ) التي اعرفها في يدها كوب من عصير البرتقال لا ‏ادري من اين جاءت به ، وعلى وجهها ابتسامة منتعشة لطيفة ..‏
قالت لي : ‏
ـ " برغم كل شيء لم نخسر واحدا من رجالنا .. سنعود بكامل عتادنا ‏‏.."‏
ثم غمغمت وهي تنظر في عيني : ‏
ـ " للأبد ؟" ‏
ـ " ماذا ؟"‏
ـ " ستكون ملكي للأبد ؟"‏
ـ " وحتى تحترق النجوم كلها .. وحتى .."‏
ثم تذكرت ما جئت من اجله ، فقلت لها وانا أنظر من فوق كتفها : ‏
ـ " هل الطفلة نائمة ؟"‏
ـ " طبعا .. لم تنم إلا منذ ساعتين .. ولا ألومها على شيء .."‏
قلت لها وانا أتنحى جانبا : ‏
ـ " هلا ارتديت ثيابك ولحقت بي ؟ إن الغرفة رقم ( 13 ) فارغة وبابها ‏مفتوح .. أريد ان نتكلم هناك على حريتنا .."‏
ثم اتجهت الى الغرفة المذكورة . .غرفة ( لورين بلاك ) الرهيبة التي ‏بدأت كل هذه الاحداث .. جلست على الفراش ورحت ارتب أفكاري.. ‏بعد قليل ظهرت ( ماجي ) على الباب في ثياب بسيطة غاية في الأناقة ‏كعهدها ..‏
قلت لها بعد فترة صمت : ‏
ـ " صباح اليوم عدت الى المقبرة .. كنت وحدي هذه المرة .."‏
ـ " عدت ؟ولماذا ؟"‏
ـ " كانت علامات استفهام كثيرة تضايقني .. لم استوعب جيدا ما حدث ‏البارحة .. وماذا تظنين انني رأيت فوق شاهد قبر ( رونيل السوداء ) ‏؟"‏
اتسعت عيناها بمعنى انها غير راغبة في الاستنتاج ، فقلت :‏
ـ " جثة مس ( لورين بلاك ) !!"‏
لم اصف لها منظر الجثة .. ولن أصفه لكم لأن هذه قصة وليست ‏مرجعا في الطب الشرعي او دليلا للسفاحين .. لكني وجدت جوارها ‏حقيبتها بين الأعشاب وكانت تحوي رزمة من الأوراق ..‏
ـ " لقد سمعت ما قلناه على الأرجح وفضلت الفرار عن طريق النافذة ‏‏.. لقد ادركت انها صارت هدف غضب الموجودين .. لكنها اتجهت الى ‏المقابر في الظلام او هذا ما احسبه فعلته .. ثم .."‏
ومددت يدي لـ ( ماجي ) برزمة الأوراق التي كتبت بخط دقيق منمق ..‏
راحت تأملها وقالت : ‏
ـ " هل قرأت الملحوظات ؟"‏
قلبت الأوراق ثم راحت تقرأ بصوت عال : ‏
ـ " تنبأت الساحرة بانها ستعود بعد ثلاثمائة عام .. من الجميل ان ‏أكون في القرية في هذا الوقت .. يجب ان اعيش التجربة كاملة .. ‏البس الاسود وأزور مقبرتها من حين لآخر .. سأتخيل اني هي .. ولن ‏اكتب حرفا قبل ان أتقمص الدور كاملا .." ‏
وتوقفت ومطت شفتها السفلى وقالت : ‏
ـ " ما معنى هذا ؟"‏
ـ " معناه ان ( لورين ) لم تكن أكثر من كاتبة قصص رعب ثرية ‏غريبة الأطوار ، كما حسبناها من البداية .. ظلمها جمالها فجعلنا ‏نصدق أي شيء يقال عنها .. بينما عملية استعادة ( رونيل السوداء ) ‏تتم ولا علاقة لها بها .."‏
ـ " ومن قتل هؤلاء ؟ "‏
ـ " ليست هي طبعا .. هناك عدد كبير في هذه الجماعة .. لا بد أن ‏احدهم كان ينفرد بالضحية .. معظم الأعمال تحتاج الى اكثر من واحد ‏على كل حال .. طبعا لم يكن القاتل هو مسز ( بانكروفت ) لانها كانت ‏امامنا اكثر الوقت . لا بد أن ( اونيل ) الشاب لعب دورا لا بأس به .. ‏كذلك الشرطي .."‏
ـ " ولماذا لم نجد هذه الأوراق في حجرة مس ( لورين ) ؟ "‏
ـ " لاحظي ان الشرطي و ( بانكروفت ) هما من فتش الحجرة .. هل ‏رأى أحدنا المخطوطات اللاتينية التي زعما انهما وجداها ؟ بالطبع لا .. ‏كانا يريدان ان تثبت الصورة في أذهاننا أكثر .."‏
ثم مددت يدي في جيبي وأخرجت بعض الأشياء : ‏
ـ " هل تعرفين هذه ؟ " ‏
مدت يدها وراحت تتفحص الصور التي التقطتها في المقبرة ، وهتفت : ‏
ـ " كيف وجدتها ؟ " ‏
ـ " تحت نافذتك .. لم يتخلص منها أحد .. لقد ألقيت إلقاء .." ‏
ثم أخذت منها الأوراق ورحت اقلب حتى وجدت نص كلمات ( لورين ) ‏على شكل خاطرة : ‏
ـ " الآن أرجو ان تصغي لهذا الجزء : لم افهم جيدا نص كلمات ( ‏رونيل السوداء ) وهي على المحرقة .. لكن من كانوا دانين سمعوها ‏تتحدث عن العودة بعد ثلاثمائة عام لتنتقم .. ستعود في شكل طفلة ‏اسمها في المرآة .. لا افهم هذا .."‏
نظرت لي في غباء فأخرجت قلما من جيبي وخططت على الجدار : ‏
ـ " ‏RONAELE ‎‏.. ‏ELEANOR ‎‏"‏
وقلت في تؤدة : ‏
ـ " لو قرأت ( أليانور ) بالمقلوب لصارت ( رونيل ) .. كأنك تضعين ‏الحروف امام مرآة .. بالمناسبة الساحرة اسمها الاصلي ( هيلين ) و ( ‏إليانور ) تنويع على اسم ( هيلين ) .. وجدت هذا في قاموس ( ويستر ‏‏) الذي احمله دائما .."‏
هبت واقفة وصاحت : ‏
ـ " اكرر .. ما الذي تعنيه ؟"‏
ـ " اعني ان ما رأيناه امس لم يكن طقوس تضحية بالطفلة .. بل كانت ‏طقوس تنصيب إن ( رونيل السوداء ) قد استحوذت على الطفلة ‏وسوف تبدأ دورة حياة جديدة معها "‏
ـ " أنت مجنون "‏
ـ " وما الدافع الذي جعلك تأتين هنا بالذات مع الطفلة في هذا الوقت ‏بالذات ؟ يسهل ان نتصور ان من سرق الصور هي الطفلة ذاتها وهي ‏من رماها من النافذة .. كانت قد بدأت تتحول لكن التحول لم يكن تاما .. ‏كان لا بد من تنفيذ الانتقام اولا بعدها يتم الحفل الصاخب .."‏
ـ " نحن قاطعنا هذا الحفل في ذروته .."‏
ـ " بل متأخر جدا .." ‏
كان هذا الصوت من وراء كتف ( ماجي) فأجفلنا ونظرنا للوراء ..‏
كان صوت أنثى في منتصف العمر لكننا وجدنا أمانا ( إليانور ) ذاتها ‏حافية القدمين في قميص نومها .. وعلى وجهها ضحكة لن تصدقها ما ‏لم ترها ..‏
كانت تقف على الباب ترمقنا بمزيج من حقد وتلذذ وسخرية وكراهية .. ‏وقالت : ‏
ـ " تأخرتما كثيرا جدا .. لقد عادت ( رونيل السوداء ) وهذه المرة لن ‏يمسها سوء لأن هذا العصر لا يعترف بحرق الساحرات "‏
صحت وانا ارتجف هلعا : ‏
ـ " نحن نعرف كل شيء .."‏
‏" لكنكما لن تستطيعا المس بي .. يومها ماذا تقولان للشرطة ؟ كانت ‏ساحرة ؟ " ‏
ثم انفجرت في ضحكة مستهترة قبيحة ماجنة كريهة وخرجت من ‏الغرفة ..‏
وسقطت ( ماجي ) على الأرض باكية .. اعترف ان أعصابي لم تسمح ‏لي إلا بالاستناد الى الفراش .. وهتفت ( ماجي ) وهي تنشج : ‏
ـ " لن اتركها .. إنها قريبتها .. سآخذها معي الى ( إنفرنسشاير ) ‏وسأفعل المستحيل كي تشفى .."‏
ـ " تأخذين معك من تعيش داخلها ساحرة شريرة ؟"‏
ـ " لا تتوقع مني ان اربطها الى عمود وأحرقها . .إنها حالة نفسية لا ‏أكثر .. ربما فصام من فرط كل ما عانته .."‏
قلت لها : ‏
ـ " أنا كذلك اعتقد ان شفاءها ممكن .. إنها ممسوسة او مجنونة .. ‏لان الساحرة لم تعد للحياة ولم تغادر قبرها .. ربما أمكن ان نجد حلا ‏‏.."‏
ولبثنا ساعات على الأرض نرتجف .. ونفكر في المستقبل الغامض ..‏
‏*** ‏
لم تنتبه قصة ( إليانور ) وكانت لي معها تتمة سأحكيها فيما بعد .. ‏لكني كنت مرغما على العودة الى مصر ، ،وقد أنذرت ( ماجي ) بان ‏تتخلص من الطفلة في اقرب فرصة .. طبعا كان هذا نفخا في قربة ‏مثقوبة لأنني اعرفها .. واعرف نفسي ..‏
هل الطفلة مريضة أم ممسوسة ؟ لم اعرف هذا إلا بعد فترة ..‏
‏(( تمــت ))‏

^RAYAHEEN^ 26-11-05 10:56 PM



يلا علاء اختار وحدي جديدي ؟؟
روايات مصرية للجيب ‏
ما وراء الطبيعة ‏
د. أحمد خالد توفيق


1-‏ أسطورة مصاص الدماء . ‏
‏2-‏ أسطورة النداهة . ‏
‏3-‏ أسطورة وحش البحيرة . ‏
‏4-‏ أسطورة آكل البشر . ‏
‏5-‏ أسطورة الموتى الأحياء .‏
‏6-‏ أسطورة رأس ميدوسا . ‏
‏7-‏ أسطورة حارس الكهف . ‏
‏8-‏ أسطورة أرض اخرى .‏
‏9-‏ أسورة لعنة الفرعون . ‏
‏10-‏ أسطورة حلقة الرعب .‏
‏11-‏ أسطورة الكاهن الاخير .‏
‏12-‏ أسطورة البيت .‏
‏13-‏ اسطورة اللهب الأزرق .‏
‏14-‏ أسطورة رجل الثلوج .‏
‏15-‏ اسطورة النبات . ‏
‏16-‏ أسطورة النافاراي .‏
‏17-‏ اسطورة حسناء المقبرة .‏
‏18-‏ اسطورة الغرباء .‏
‏19-‏ اسطورة بو .‏
‏20-‏ حكايات التاروت .‏
‏21-‏ اسطورة عدو الشمس .‏
‏22-‏ اسطورة المينوتور .‏
‏23-‏ اسطورة رعب المستنقعات .‏
‏24-‏ اسطورة ايجور . ‏
‏25-‏ اسطورة الجنرال العائد.‏
‏26-‏ اسطورة المواجهة . ‏
‏27-‏ اسطورتنا .‏
‏28-‏ اسطورة آخر الليل .‏
‏29-‏ اسطورة الجاثوم . ‏
‏30-‏ أسطورة بعد منتصف الليل .‏
‏31-‏ أسطورتها .‏
‏32-‏ اسطورة رفعت .‏
‏33-‏ اسطورة ارض المغول .‏
‏34-‏ اسطورة الشاحبين .‏
‏35-‏ أسطورة دماء دراكيولا .‏
‏36-‏ أسطورة الفصيلة السادسة .‏
‏37-‏ أسطورة الدمية .‏
‏38-‏ أسطورة النصف الآخر .‏
‏39-‏ أسطورة التوءمين .‏
‏40-‏ وراء الباب المغلق .‏
‏41-‏ اسطورة فرانكنشتاين .‏
‏42-‏ أسطورة الكلمات السبع .‏
‏43-‏ أسطورة تختلف .‏
‏44-‏ أسطورة رجل بكين .‏
‏45-‏ أسطورة بيت الافاعي .‏
‏46-‏ اسطورة طفل آخر .‏
‏47-‏ المنزل رقم ( 5 ) ‏
‏48-‏ المومياء .‏
‏49-‏ اسطورة العشيرة .‏
‏50-‏ في جانب النجوم .‏
‏51-‏ اسطورة الرقم المشئوم .‏
‏52-‏ اسطورة مملة .‏
‏53-‏ اسطورة النبوءة .‏
‏54-‏ اسطورة العراف .‏
‏55-‏ أسطورة ( ###099 ) ‏
‏56-‏ أسطورة ملك الذباب ‏
‏57-‏ أسطورة المقبرة .

Ala_Daboubi 27-11-05 09:43 AM

7ilweh el qesa yeslamo

hati la nshoof os6oor3t 2akil el bashar......................0

^RAYAHEEN^ 27-11-05 09:53 AM

اوكي ان شاء الله بكرة ببتدي بأسطورة
" آكل البشر " ههههههههههه ونعم الاختيار

^RAYAHEEN^ 27-11-05 11:50 PM


علاء
لاني لقيت الجزء الخاص بإكمال الرواية السابقة ( اسطورة المقبرة )
رايحه كفي هالرواية هيدي اول شي
***
أسطورة
رونيل السوداء
ما وراء الطبيعة
د. أحمد خالد توفيق
مقدمة ‏
هذا انا مرة أخرى ..‏
لا بد ان البعض رحب بي بحرارة ، ولا بد ان الكثيرين ركلوا الجدار او الأرض في ‏غيظ ، وهتفوا : هو ذا ذلك العجوز النصاب من جديد ! ألم يمت بعد ؟ !‏
حسن .. لا بد لي من ان اعترف ان عشرة اعوام كاملة مع العجوز ( رفعت ‏إسماعيل ) لهي اكثر من اللازم .. هذا بالطبع ما لم تكن عقابا جديرا بالأساطير ‏الإغريقية ..‏
قليلون منكم لاحظ بالفعل ان عشرة اعوام كاملة قد مرت ، وانا لا اكف عن الثرثرة ‏، منذ يناير 1993 حتى يناير 2003 وكنت انوي الاحتفال بذلك في الكتيب رقم 58 ، ‏ثم قرر تان تهنئة النفس أسلوب غير محبب .. ما دام أحد لم يلحظ فلا داعي للتنويه ‏بذلك ..‏
والمشكلة أنكم لا تلقون العجوز ( رفعت إسماعيل ) إلا والأمطار تنهمر أو قيظ ‏الصيف يحرقكم .. هذا لا يبدو طقسا محببا للقراءة ، لكنه ـ إلى حد ما ـ يناسب ‏قصص الرعب ..‏
أين كنا إذن ؟ ‏
كنت راغبا اليوم في حكاية قصتي مع ( البروتستات ) او مع ( ليليث ) أو .. لكني ‏أراكم مصرين على أن استكمل قصة المقبرة .. وإنها لعادة غريبة .. لسبب ما ‏تصرون على ان من بدأ قصة لا بد ان ينهيها ..‏
في الكتيب السابق فضلت ان ابدأ بـ ( ارض العظايا ) لأسباب لا تخفى على احد ، ‏لكن اليوم لم يعد ثمة مبرر للتأجيل اكثر .. حسن .. سأحكي لكم الجزء الثاني من ‏القصة وقد اخترت له اسم ( رونيل السوداء ) ..‏
انتم تعرفون ان الطفلة ( إليانور ) لم تكن طفلة .. وتعرفون ان السحارة ( لورين ) ‏لم تكن ساحرة .. وتعرفون ان العبقرية ( ماجي ) لم تكن عبقرية .. وتعرفون ان ‏الاحمق ( رفعت ) لم يكن احمق ..‏
هذا جميل ..‏
يمكننا البدء إذن ما دمتم تذكرون كل شيء !‏

^RAYAHEEN^ 27-11-05 11:52 PM



1-‏ المشكلة تنتظر ..

.‏
‏" نظرت لي في غباء فأخرجت قلما من جيبي وخططت على الجدار : ‏
ـ " ‏Ronaele ‎‏ .. ‏Eleanor‏ "‏
ـ " لو قرأت (إليانور ) بالمقلوب لصارت ( رونيل ) .. كأنك تضعين الحروف ‏أمام مرآة بالمناسبة الساحرة اسمها الأصلي ( هيلين ) .. و ( إليانور ) تنويع ‏على اسم ( هيلين ).. وجدت هذا في قاموس ( وبستر ) الذي احمله دائما .."‏
هبت واقفة وصاحت : ‏
ـ " اكرر .. ما الذي تعنيه ؟"‏
ـ " اعني ان ما رأيناه امس لم يكن طقوس تضحية بالطفلة .. بل كانت طقوس ‏تنصيب !! إن ( رونيل السوداء ) قد استحوذت على الطفلة وسوف تبدأ دورة ‏حياة جديدة معها !! "‏
ـ " انت مجنون !!"‏
ـ " وما الدافع الذي جعلك تأتين هنا بالذات مع الطفلة في هذا الوقت بالذات ؟ ‏يسهل ان نتصور ان من سرق الصور هي الطفلة ذاتها وهي من رماها من ‏النافذة .. كانت قد بدأت تتحول لكن التحول لم يكن تاما .. كان لا بد من تنفيذ ‏الانتقام اولا بعدها يتم الحفل الصاخب .."‏
ـ " نحن قاطعنا هذا الحفل في ذروته .."‏
ـ " بل متأخرا جدا .."‏
كان ها الصوت من وراء كتف ( ماجي ) فأجفلنا ونظرنا للوراء ..‏
كان صوت انثى في منتصف العمر ،، لكننا وجدنا امامنا ( إليانور ) ذاتها حافية ‏القدمين في قميص نومها .. وعلى وجهها ضحكة لن تصدقها ما لم ترها ..‏
كانت تقف على الباب ترمقنا بمزيج من حقد وتلذذ وسخرية وكراهية .. وقالت : ‏
ـ " تأخرتما كثيرا جدا .. لقد عات ( رونيل السوداء ) .. وهذه المرة لن يمسها ‏سوء لان هذا العصر لا يعترف بحرق الساحرات ! "‏
صحت وانا ارتجف هلعا :‏
ـ " نحن نعرف كل شيء .."‏
ـ " لكنكما لن تستطيعا المساس بي .. يومها ماذا تقولان للشرطة ؟ كانت ‏ساحرة ؟"‏
ثم انفجرت في ضحكة مستهترة قبيحة ماجنة كريهة وخرجت من الغرفة ..‏
وسقطت ( ماجي ) على الارض باكية .. اعترف ان اعصابي لم تسمح لي ‏بالإستناد الى الفراش .. وهتفت ( ماجي ) وهي تنشج : ‏
ـ " لن اتركها .. إنها قريبتي .. سآخذها معي إلى ( إنفرنسشاير ) وسأفعل ‏المستحيل كي تشفى .."‏
ـ " تأخذين معك من تعيش داخلها ساحرة شريرة ؟ "‏
ـ " لا تتوقع مني ان اربطها الى عمود وأحرقها .. إنها حالة نفسية لا أكثر .. ‏ربما فصام من فرط ما عانته .."‏
قلت لها : ‏
ـ " انا كذلك اعتقد ان شفاءها ممكن .. إنها ممسوسة او مجنونة .. لان ‏الساحرة لم تعد للحياة ولم تغادر قبرها .. ربما امكن ان نجد حلا .."‏
ولبثنا ساعات على الارض نرتجف .. ونفكر في المستقبل الغامض .."‏
قال ( سمير ) وهو يلتصق بي اكثر ، محاولا ان يخفي راسه الصغير في ‏خصري : ‏
ـ " أنا خائف يا ابي .." ‏
في الحقيقة ونظرا الى الجو العام المقلق من حولي ، لا اجد انه يبالغ في هذا ‏الذي يشعر به .. لكن واجبنا نحن الكبار ان نتظاهر بالصلابة والتماسك ، حتى ‏لو كانت أصابنا قد بلغت آخر مدى لها قبل ان تنقطع ..‏
داعب شعره الأسود الناعم الذي ورثه عن امه وليس عني لحسن الحظ ، ‏وهمست في أذنه : ‏
ـ " سينتهي كل شيء .. هل تتصور اننا سنصير جثتين متعفنتين تنتثر ‏احشاؤهما خارجا ؟"‏
قال بصدق : ‏
ـ " طبعا .."‏
ـ " إذن انت مخطئ .. هذا مشهد ابشع من ان نتصوره .. وبالتالي هو لن يحدث ‏لنا .."‏
هذه قادة ( يحدث للآخرين فقط ) .. لقد حان الوقت كي يتعلمها .. فهي تثبت ‏دوما براعتها في بعث الطمأنينة في النفوس، كما انها ـ حين يتضح خطؤها ـ ‏تجعل تصديق ما حدث عسيرا .. لهذا يبدأ الخط الدفاعي الثاني ( هذا لا يحدث ‏لي فعلا ) .. بعد هذا يأتي الخط الدفاعي الثالث : الصدمة العصبية والنشاط ‏الزائد للعصب الحائر ‏Vagus ‎‏ من تم تفقد الوعي .. تفقده لفترة مريحة يمكن ‏ان يحدث فيها أي شيء لك .. هناك خطوط دفاعية اخرى مثل مادة ( الإندورفين ‏Endorphin ‎‏ ) التي يفرزها مخ الفأر وهو بين انياب القط .. وهي نوع من ‏المورفين الداخلي الذي يلغي إحساسه بالألم .. هذه هي الحكمة الإلــهية العليا : ‏كل الم يأتي معه برحمته ..‏
واحتضنت ( سمير ) أكثر ..‏
هذه هي ميزة ان تكون متفردا بلا اسرة .. انت وحدك تتحمل ما يحدث لك ‏وانتهى الأمر .. اما مع وجود ابني في هذه القصة فالموضوع اقسى بمراحل ..‏
فكرت في هذه الاشياء بينما الدخان يتصاعد من الكهف ..‏
لقد جاءت اللحظة .. لم يكن كل ما توقعناه كذبا ..‏
ترى اين زوجتي الحبيبة وسط هذا كله ؟
أعود بذاكرتي الى بداية القصة ..‏
كما تعرفون كان لا بد لي ان اعود الى مصر .. كان لدي طن من الأعمال الطبية ‏والأسرية ، ولم يكن من المنتظر ان ابقى الى الأبد في ( ليفورد ـ دونيجال ) ، ‏حتى تقرر الآنسة الصغيرة ان تعلن عن حقيقتها ..‏
كنت اعرف انها قمينة بان تحيل حياة ( ماجي ) إلى جحيم .. هاته الفتيات ‏الصغيرات الممسوسات يجدن هذه الاشياء ، وقد عرضها الكاتب الامريكي ‏اللبناني ( بيتر بلاتي ‏ Blatty ‎‏) بالتفصيل الممل في قصة ( طارد الأرواح ‏الشريرة ‏Exoreist ‎‏ ) حيث استدارة الرأس 180 درجة الى الوراء ، وإفراغ ‏خليط اخضر من الفم على سجادة الصالون امور عادية جدا .. لم يعد هناك جديد ‏في هذا الصدد .. دعك بالطبع من الكلام باللاتينية لأن هذه كما يبدو من سمات ‏هذه الشياطين المثقفة .. لهذا يقولون : اقتل أي شخص يتكلم اللاتينية بطلاقة ، ‏ما لم يكن هو القس الكاثوليكي ..‏
لكنني ـ وانت تقدر موقفي ـ اجد من العسير على ان ألغي حياة لي في مصر من ‏اجل خاطر قد يكون وقد لا يكون ..‏
هكذا عدت لحياتي في مصر . الكلية .. المستشفى .. ( كفر بدر ) .. السهرات ‏الكئيبة لدى ( عزت ) .. لقاءات مع ( كاميليا ) .. بعض عيادات الأصدقاء حيث ‏اكتشف المزيد من الأسباب التي ستكتب في شهادة وفاتي ..‏
كانت لي قصة قصيرة سخيفة مع الدودة التي تكبر يوما بعد يوم ، والتي توشك ‏على ان تحتل عالمي كله .. لا اعرف إن كنت سأحكيها يوما ما .. ربما افعل لو ‏اتسع الوقت ..‏
ثم إنني تلقيت خطابا من ( ماجي ) .. هكذا أجلت كل شيء وكل تفاصيل حياتي ‏الى ان أقرأه، وكان يستحق الاهتمام حقا : ‏
ـ " إنفرنشاير في ...‏
‏" الاعز ( رفعت ) : ‏
‏" الحقيقة انني افتقدك بشدة في هذه الايام ، واعرف انك تشعر بالشيء ذاته ، ‏وهذا ما يجعل علاقتنا فريدة .. انا اعرف انك تشعر بما اشعر به بلا مجاملة ولا ‏مداهنة ولا افتعال ..‏
‏( .. جزء محذوف من خطابها لان من حقي ان احتفظ بشيء سرا .. لست ‏معروضا في واجهة محل لو كنت تفهم ما أعنيه ..) ‏
أحيانا استعيد شريط كل ما واجهناه في ( جونيجال ) ، وتلك الايام الغريبة ، ‏فأشعر ان هذا كله كابوس ثقيل ، وانه لم يحدث شيء مما حسبنا انه حدث ..‏
‏" استعمل ادوية الاكتئاب بكثرة هذه الايام ، وقد برهنت على انها لا تجدي مع ‏الذكريات ابدا .. اتمنى لو امد سكينا الى مخي وانتزع كل ما يمت بصلة لتلك ‏الرحلة الغريبة الى إيرلندا ..‏
‏" لكن حتى لو وجدت هذه السكين السحرية ، فلا اعتقد أنني سأستطيع نسيان ( ‏إليانور ) الصغيرة ، وما مرت به ..‏
‏" هي معي في كل لحظة من اليوم .. نحن لا نفترق الآن .. وقد رتبت كل شيء ‏مع أهلها بحيث تمضي عاما معي هنا في ( إنفرنسشاير ) .. هم يعرفون بعض ‏الحقيقة لا الحقيقة كلها .. يعرفون أنه كانت هناك متاعب مع بعض الشيطانيين ‏، لكنهم لا يعرفون الجدل الدائر حول ابنتهم وهل هي جزء من هؤلاء ‏الشيطانيين ام لا .. تعرف طبعا ان هذه من الاشياء التي لا تقال ، ولو قيلت ‏فكيف تقال ؟ ‏
‏" ما إن عدت إلى قصر أبي ، حتى رتبت لها إقامة مريحة واعتنين بكل ‏التفاصيل بما فيها اللهو والدراسة .. لا انكر هنا أنني كنت اشعر بسعادة لا بأس ‏بها .. الشعور بأنها صارت ملكي .. هذا الشعور الذي لن تفهمه انت يا ( رفعت ‏‏) والذي تشعر به طفلة تعود إلى دارها حاملة الدمية التي اشترتها .. ينتظرها ‏مستقبل حافل من تمشيط الشعر وانتقاء الثياب المناسبة لهذه الدمية ..‏
‏" ومرت الأيام بشكل طبيعي باسم .. لا مشاكل .. لا خدوش على جانب الفراش ‏بالأظفار ليلا .. لا قيئ على سجادة الصالون ـ وانا اعرف أن هذا في ذهنك وقد ‏بدأت اعتقد ان ما حدث كان وهما ..‏
‏" لقد مرت الفتاة بضغط نفسي هائل ، لو مر به أي عقل مهما بلغ م ابلغ من ‏ثبات وقوة ، فلسوف ينهار .. لفترة مؤقتة او هذا ما ارجوه ..‏
‏" الآن انت متحفز للأسوأ تتساءل : متى بدأ الجزء القذر من القصة ؟ متى ظهر ‏الجانب المظلم من القمر ؟ ‏
‏" لا تقلق يا ( رفعت ) لقد بدأ كل شيء من أسبوع .."‏

^RAYAHEEN^ 27-11-05 11:53 PM



2-‏ مشاكل تربوية ..‏


باقي خطاب ( ماجي)..‏
‏" كنا في تلك الأيام نخلد إلى النوم في العاشرة مساء ..‏
‏" في الحقيقة كنت اقنعها بأنني فعلت ذلك ، ثم أتسلل إلى مكتبي لأعود الى ‏بعض الابحاث الفيزيائية الخاصة بي .. إن هذه الامور تحتاج الى تركيز ، ومن ‏المستحيل ان تقوم بها نهارا .. هناك في مكتبي تجد جهاز الكمبيوتر مفتوحا وقد ‏انتثرت عليه الجداول ، والآلة الحاسبة مفتوحة مع مجموعة من صور أشعة ‏إكس للبلورات .. والحقيقة إنني احب هذا المنظر لكني غير متحمسة لمحتواه .. ‏إن ساحة المعركة مغرية وتوحي بالانهماك والعلم ، لكنها لم تعد تسفر عن ‏مواقع مهمة ..‏
يدق رئيس الخدم الباب .. انت تذكره .. إنه آخر بقايا الإمبراطورية ومرآة يعيد ‏لي ذكريات عجيبة بعض الشيء عن الحملة على الهند ، والأدميرال ( نلسون ) ‏وسياسة المستعمرات .. إلخ ..‏
ـ " هل تطلب الآنسة شيئا ؟"‏
ـ " لا يا ( جراهام ) يمكنك ان تنام الآن .."‏
‏" هكذا يغادر المكان وأعرف انني وحيدة تماما في هذا القطاع من القصر .. ‏دعك من أصوات الأشباح الماشية في الردهة وقعقعة الدروع الواقفة في ‏الخارج.. هذه اشياء محتمة في أي قصر اسكتلندي على ما يبدو ، ولم تعد تؤثر ‏في لحظة .. بل إن الليلة التي لا اسمع فيها خطوات السري ( أرشيبالد ماكيلوب ‏‏) خارج المكتبة هي ليلة سوداء تفعمها الوحدة .. افتقد حتى وحش ( لوخ نس ) ‏الساحر ..‏
‏" احاول ان اركز .. أن استجمع افكاري .. لكن لا .. تلك الذكرى اللئيمة لا تترك ‏لي مجالا للتنفس .."‏
‏" وهكذا اعد لنفسي المزيد من عصارة الأفكار التي يطلقون عليها( كابوتشينو ‏‏) ، واشعر بالمشروب الثري يتخلل خلاياي ليعيدها الى الحياة ..‏
‏" مشيت بالقدح الساخن في يدي ، وانا افكر ..‏
‏" كنت الآن اقف امام غرفة ( إليانور ) بالضبط .. تلك الغرفة التي احتلها قطعة ‏من ( ديزني لاند ) بالستائر الجميلة ، وورق الحائط المزركش بالازهار ، وكل ‏الدمى التي نثرتها فيها .. إن الشيطان الذي يتسلل الى هذه الحجرة لهو شيطان ‏طفل بالتأكيد ..‏
‏" كنت الآن اقف امام غرفة ( إليانور ) بالضبط .. حين سمعت المحادثة القادمة ‏من الداخل .. لم اميز ما يقال ولكني اؤكد لك انهم كانوا خمسة .. على الأقل ..‏
‏" كنت الآن اقف امام غرفة ( إليانور ) بالضبط .. وأذني ملتصقة بالباب .. ‏احاول ان التقط حرفا من تلك المحادثة .. لا لم تكن باللاتينية ، انا اعرف ان هذا ‏السؤال دار بذهنك ..‏
‏" كنت الآن اقف امام غرفة ( إليانور ) بالضبط .. وامد يدي الى المقبض .. ‏وأديره ..‏
‏" في اللحظة الثانية فتحت الباب بحركة درامية .. ونظرت الى الفراش في ‏الضوء الخافت القادم في الردهة ..‏
‏" كانت الفتاة جالسة على الفراش في وضع القرفصاء ، ولم يكن حولها أحد .. ‏لكني رايت ثلاثة فئران تركض فارة في عدة اتجاهات .. بررررر ! أنا امقت ‏الفئران كأية انثى أخرى .. لكني امقت الفئرات التي تحيط بطفلة أكثر ، والمقت ‏يبدأ كدرجات السلم الموسيقي نوعا من الاشمئزاز والنفور ثم يتصاعد ليتحول ‏الى غضب مجنون .. هذه هي اللحظة التي يتم القتل فيها ..‏
وهكذا اضأت النور ورحت افتش كالمخبولة عن تلك الثدييات المريعة .. من ‏المستحيل ان تجد فأرا حين تبحث عن واحد ..‏
قلت وانا اغلي من الغيظ :‏
ـ " صبرا .. فئران في بيتي النظيف !! سأخبر ( جيمس ) غدا ، ولسوف يطلب ‏خبير التطهير .. إن هذه من الأيام القليلة التي اغبط فيها نفسي على أنني لست ‏فأرا .."‏
ثم وضعت يدي على كتفها في رفق :‏
ـ " هل انت بخير يا حبيبتي ؟ "‏
لم ترد .. فقط زامت في سكون ..‏
نظرت لها بدقة اكثر ففهمت لماذا تزوم ..‏
من الصعب ان تتكلم بحريتك بينما هناك ذيل فأر يتدلى من فمك !‏
‏*** ‏
لا اعتقد ان الامر يحتاج الى خيال كبير يا ( رفعت ) كي تخمن ما دار في ذهني ‏‏.. كل ما قلت وكل ما فعلت ..‏
لم يكن ما حدث لنا مجرد خيال .. إن الفتاة مريضة ومريضة جدا لو اردنا الدقة ‏‏..‏
رباه ! وانا التي اعتقدت ان الكابوس انتهى ، وأنني رأيت أسوأ ما فيه .. اتذكر ‏هنا ما قلته لي من ان ما لم نعتده يثير رعبنا اكثر من أي مسخ في الأرض .. ‏من المعتاد ـ بل المحبب والمريح ـ ان ترى الدم ينزف من إصبعك حين يجرح . ‏‏.اما إذا لم يحدث هذا فهو ليس خبرا بهيجا على الإطلاق ..‏
دعك من هذه التفاصيل ..‏
ـ " في هذه اللحظة بالذات عرفت أنني بحاجة الى طبيب نفسي او خبير في ‏الماورائيات ( ميتافيزيكس ‏Metaphysics ‎‏) او كليهما ..‏
‏" الواقع إنني إنسانة محظوظة في قائمة مختلفة بعض الشيء .. هناك ( ويليام ‏ماكلارين ) وهو صديق طبيب نفسي ، لكنه كذلك ـ ربما مثلك ـ مهتم بما لا يرى ‏ولا يسمع ولا يشم .. وهو اقرب الى الفيلسوف منه الى أي شيء آخر ..‏
‏" هكذا دعوته لتناول الشاي ومقابلة الطفلة الجميلة ( إليانور ) التي التهمت ‏فأرا بالأمس .." كان رأيه ان هذا نوع من الــ ‏Pica ‎‏ وهو الميل المرضي لما ‏ليس طعاما .. وهو يظهر لدى الحوامل وفي الإضطرابات النفسية . .فصارحته ‏أنني رايت حوامل كثيرات لا يأكلن الفئران ولا يتحدثن معها قبل الأكل .‏
‏" قال لي إن هناك زاوية سلبية وزاوية موجبة .. الزاوية السلبية هي تبرهن ‏على ان الطفلة لا تشكو من مرض نفسي ما .. والزاوية الموجبة هي ان تبرهن ‏على أن لدى الطفلة قوة نفسية معينة ..‏
‏" هكذا اجرى عليها حشدا من التجارب النفسية وقياسات الذكاء ، وكانت ‏النتيجة رائعة .. ذكاء الفتاة طبيعي ونفسيتها مستقرة كقدم المرتيت .. إن ‏الزاوية السلبية قائمة .. لكن هناك عدد من علامات الاستفهام هنا ..‏
‏"الساحرة لم تعد للحياة .. فهل عادت روحها لتتقمص الطفلة وتولد من جديد ‏عبرها ؟ اعتقد ان هذا غير مقبول لك لأنك لا تؤمن بنظرية التناسخ .. على كل ‏حال انا لا اعرف ما تعرف ولا ما يعرفه ( ويليام ) .. بالواقع لا اعرف ما يعرفه ‏أي واحد في هذه القصة ..‏
‏" كان القرار الذي استقر عليه هو .. هو .. نعم بالفعل .. جلسة استحضار ‏ارواح .. سيحاول الاتصال بتلك المرأة ( رونيل ) السوداء ، ولسوف يفهم منه ‏االقصة كاملة لتلك اللعنة .. سيعرف لماذا تضطهد الطفلة .. باختصار سيحاول ‏مفاوضتها بعد ان يعرف ما نعرفه .. سيحاول عقد اتفاقية عدم اعتداء ..‏
‏" ما رأيك في هذا الجنون ؟ اعتقد ان الامر يروقك .. لم يبق إلا موسيقا ‏تصويرية لـ ( برنشتاين ‏Bernstein ‎‏ ) مع بعض المونتاج البارع ، ليصير ‏لدينا فيلم رعب ممتاز .. المنافس الجديد لطارد الأرواح الشريرة أو ( داميان ) ‏‏.. باختصار كل أفلام الاطفال الأشرار الذين تحوي عيونهم البراءة والرقة ، ‏لكنهم أفاع يجب تدميرها ..‏
‏" موعد الجلسة الليلة ..‏
ـ " سوف اكتب لك بالتفصيل .. الحقيقة أننا نفتقدك هنا ، وامل ان تلحق بي في ‏اقرب فرصة ..‏
‏( ماجي )‏
‏*** ‏
طبعا ـ كما ترى انت ـ كان الخطاب سيئا ..وكان يحمل اخبارا نصفها مزعج ‏ونصفها مخيف ..‏
انا لا احب الاطفال بطبعي .. احبهم حين يكونون عاجزين محتاجين الى الكبار .. ‏باختصار وهم في المهد وقد تلوثت شفاههم باللبن ، لكني لا اطيقهم لحظة ‏بمجرد ان يدخلوا حقبة الركبة الملوثة بالميكروكروم .. حقبة تعذيب القط ‏وتمزيق اوراقك الهامة وإتلاف التلفزيون .. أنا لا احب الاطفال الطبيعيين فكيف ‏بالاطفال الذين يحوم حولهم شك ما ؟
لقد كلمتنا الطفلة بصوت خشن لا شك فيه .. لم تكن هذه هلوسة سمعية .. انا ‏اعرف جيدا ان شيئا كريها حل بها .. واعرف ان لعنة ( رونيل ) السوداء عادت ‏بعد كل هذه الاعوام لتنتقم ممن كانوا السبب في حرقه وتعد البلدة لـ (رونيل ) ‏جديدة .. فهل تبدأ ( رونيل ) تلك الطفولة ؟ إذن ( ماجي ) ستكون معلمتها ..‏
المشكلة هنا انك تستطيع الخلاص من كل ************ يسيل لعابه أكثر من اللازم ـ ‏خشية ان يكون مصابا بالسعار ـ او قط اجرب .. لكن من العسير ان تبرر ‏الخلاص من طفلة بريئة المظهر خاصة لو كانت قريبتك ..‏
على كل حال قلبي يحدثني بان جلسة التحضير هذه ستكون مهمة .. انا لا اؤمن ‏بتحضير الارواح ، واشك في قدرة بشر على استدعاء الارواح .. لكني اؤمن ان ‏هذه الجلسات تحدث ثغرة في جدار الوعي تؤمن اتصالا معينا مع عالم ما وراء ‏الطبيعة .. ربما لان الشياطين تتصل بمن يجرب ..‏
يقول عالم النفس الكبير ( يانج ‏jung‏ ) تلميذ ( فرويد ) المشاغب : ن ‏المجموعة الجالسة في جلسة تحضير أرواح تمثل ثقافة فرعية او ثقافة مضادة ‏، تصر على أو تؤيد حقيقة احداث معينة تنفيها الثقافة السائدة .. أي ان ( ‏اللاوعي الجمعي ) للجالسين ينفصل عن ( اللاوعي الجمعي ) للمجتمع ‏الخارجي .. وحين تنجح هذه المجموعة في عزل نفسها عن العالم الخارجي ‏بمعتقداته المعادية ، فإن حقيقة معينة تولد...‏
الخلاصة أن هذه الجلسات تقود إلى معلومات .. بعضها زائف وبعضها مصيب ‏‏..لكني لا ازعم لحظة ان هذا ناجم عن الاتصال بالروح ..‏
والآن ماذا أفعل ؟ ‏
طبعا لا شيء أعلمه إلى ان يأتي خطابها الثاني ، وهو لن يتأخر طبعا لا،ها ‏ستكتبه بعد الجلسة .. أي سترسله بعد يوم او أقل من إرسال خطابها السابق ‏الذي وصلني فعلا ..‏
لكن مصلحة البريد لا تعترف بحساباتي على كل حال ..‏
لقد وصل الخطاب بعد اسبوع كامل .. وقد لا حظت من البداية ان خط ( ماجي) ‏الأنيق النضيد قد بدا بالغ الارتباك على المظروف . . إنها في حال سيئة ..‏
كنت في مكتب بالكلية ، لهذا نهضت واغلقت الباب بالمفتاح .. في الغالب ‏سيفترض القادمون أنني امر بنوبة قلبية كالعادة ، فهذا من روتين حياتي هنا .. ‏وقد تعلموا ألا يزعجوني كي أستمتع بالنوبة القلبية وحدي في سلام ..‏
الآن افتح الخطاب وأدعو الله الا يكون محتواه مصيبة ..‏
‏" إنفرنسشاير في ..‏
‏ " الاعز ( رفعت ) : ‏
‏" كما قلت لك في الخطاب السابق ، اعددت كل شيء لتلك الجلية التي رتبها د. ‏‏(ويليام مكلارين ) في بيتي .. وكنا قد اتفقنا على ان تبدأ الجلسة بعد العاشرة ‏حين تخلد ( إليانور ) للنوم ، وبالطبع كلفت مسز ( أوركهارت ) مديرة المنزل ‏بأن تعني بالفتاة وتراقبها .. لا احد يرغب في مفاجآت غير سارة في أثناء ‏انهماكنا في تلك الطقوس .. كنا بحاجة لطرف ثالث لذا استعنا بصديقة هي ‏عارضة الأزياء الحسناء ( إلستري ) .. وهي فتاة من الطراز الذي تلتوي له ‏أعناق الرجال فيذهبون لأطباء العظام .. لا ارى فيها سحرا خاصا .. فهي جميلة ‏جمالا مسطحا ( ماسخا ) جديرا بعارضات الأزياء فعلا ، حيث لا يجب أن يطفي ‏جمالها على الثوب الذي تعرضه .. على كل حال لن افهم هذه الامور حتى اصاب ‏باول ورم يفرز هرمونات الذكورة فتنمو لحتي واتحول الى رجل ..‏
‏" طبعا بصفتي فيزيائية لم افوت الفرصة ، وحرصت على تسجيل الواقعة صوتا ‏وصورة مع وضع بعض اجهزة القياس .. إن الفيزيائي الذي لا يقيس الأشعة ‏تحت الحمراء وفوق البنفسجية وترددات الصوت في جلسة تحضير أرواح لهو ‏فيزيائي فاشل .. استعملت فيملا حساسا من طراز 16 ملم كي لا يفوتني شيء ..‏
‏" في العاشرة والنصف أدار ( ويليام ) جهاز تسجيل يذيع موسيقا هادئة لــ ( ‏موزارت ) سعيا للحصول على ما يطلق عليه الروحانيون اسم ( تاثير ‏موتسارت أو ‏Mozart Effect ‎‏ ) .. يقولون إن موسيا ( موتسارت ) بالذات ‏تنشط الظواهر الفائقة للطبيعة ولا يوجد تفسير واضح لهذا ..‏
‏" قمنا بتخفيض الإضاءة والتففنا حول منضدة دائرية صغيرة ، وبالطبع كنا ‏نستعمل أسلوب الكوب ولوحة الحروف ، لأنه لم يكن بيننا وسيط موثوق به ..‏
‏" طلب ( ويليام ) استدعاء روح ( رونيل السوداء ) او ( هيلين ) من ( ‏تيركونل ) ..‏
‏" بعد صمت طال بدأنا نشعر بذلك الوجود الثقيل يجثم على انفاسنا .. بالفعل لم ‏نكن وحيدين ، وادركت ان الكوب يتحرك حركة لا شك فيها .. ليست مجرد ‏اعصاب تالفة او خيال زائد بفعل الظلمة ..‏
‏" قالت الحروف : ماذا تريدون ؟"‏
‏" بصوت مسموع قال ( ويليام ) الذي حضر عشرات الجلسات من قبل إنه يريد ‏معرفة ما تريد ( رونيل ) أولا ..‏
‏" الانتقام .. هذا هو ما قالته الحروف ..‏
‏" لكنك انتقمت بالفعل في ( تيركونل ) .. لقد مات أحفاد كل من تسبب في ‏محاكمتك ..‏
‏" وهنا حدث شيء غريب .. لم تعد ترد علينا بالحروف .. بل دوت آهة قوية ثم ‏شعرنا ان صوتا قويا شنا يأتي من مكان في الظلام .. بالاحرى ياتي من لا مكان ‏في الظلام .. وأجفلت بينما شهقت ( إلستري ) .. إنها حسناء لكنها بلا عقل طبعا ‏‏.. وأعتقد أن واجبها نحو نفسها هو الهستيريا ..‏
‏" لكن د.( ويليام ) قال في الظلام بحزم :‏
‏" لا تفقدا أعصابكما .. الجلسة مستمرة ولم يتغير شيء .."‏
هنا عاد الصوت يقول بإنجليزية عنيفة شكسبيرية جدا :‏
ـ " اريد الانتقام من البشر جميعا .. اريد ان استكمل ما بدأته من ثلاثمائة عام ‏‏.."‏
ـ " والطفلة يا ( رونيل ) .. ما ذنب الطفلة ؟"‏
ـ " ذنبها انه لا بد لي من طفلة .. وكانت هي في المكان الخطأ في الوقت الخطأ ‏‏.."‏
حتى هذه اللحظة القصة عادية يا ( رفعت ) .. هذه جلسة تحضير ارواح يسودها ‏الود والتهذيب ، لو كان شيء كهذا ممكنا .. وكانت مؤشرات القياس الخاصة ‏بي هادئة حتى هذه اللحظة ..‏
فجأة بدأ الجحيم الفعلي .. كل المؤشرات بدأت تتراقص بجنون .. تتواثب لأعلى ‏وأسفل .. شريط التسجيل يجري بسرعة جنونية .. الدخان الأزرق يتصاعد من ‏الأرض كما يحدث في حفلات الروك المجنونة ..‏
وبدأت اعصابنا تفلت ، لكن الدكتور ( ويليام ) كرر النظر بحدة .. عيناه تلمعان ‏ببريق مخيف في الظلام يجعلك تفضل البقاء حيث انت ..‏
فجأة طار الكوب ليرتطم بالجدار ويتهشم الى فتات ..‏
الدخان يتزايد الى درجة أنني بدأت اقلق مما سيحدث ..‏
ثمة شيء ما خطأ .. شيء يفلت من أيدينا ..‏
هل هذه الاشياء التي تجري تحت قدمي هي ..‏
فئران ؟ بالفعل ..‏
عشرات منها تخرج من تحت المنضدة .. عشرات منها تركض على السقف ‏والجدران .. من اين تاتي ؟
صرخت في هستيريا ووثبت عن مقعدي ، وفعلت ( إلستري ) شيئا كهذا على ‏نطاق اوسع ..‏
فئران .. فئران !‏
فأر ضخم نوعا هوى من السقف فوق كتفي فصرخت ، وأزحته بقبضتي ..‏
فأر آخر هوى فوق المنضدة فأحدث ارتطاما هائلا ثم ركض مبتعدا ..‏
ـ " لاااااااااااه !!"‏
هذه ( إلستري ) طبعا وليس أنا ..‏
صاح ( ويليام ) وهو يثب فوق المقعد بدوره : ‏
‏" اجهضوا التجربة ! اجهضوا التجربة !!"‏
يا لك من معتوه ! التجربة لم تحمل حتى تجهض .. وقد فلت على كل حال من ‏لحظة تصاعد البخار ..‏
ـ " لاااااااااااه !"‏
قلت وانا أركل الارض مرارا :‏
‏" الن تصرف الروح أو تصنع شيئا من هذا القبيل ؟"‏
‏" بلى .. بلى .. إنصرفي يا ( رونيل ) من فضلك !!"‏
ثم ركض نحون الباب .. اغلقت اجهزة التسجيل الصوتي والمرئي ، وركضنا ‏خلفه بينما ( إلستري ) تحولت من عارضة أزياء إلى سرينة سيارة إسعاف ..‏
ـ " لاااااااااه !! "‏
هذه ( الستري ) طبعا وليس انا ..‏
وفي النهاية كنا في الخارج نلتقط أنفاسنا .. لم ار هذا العدد من الفئران إلا في ‏فيلم ( نوسفيراتو ‏Nosferatu‏ ) .. والسبب هو ان السفينة التي تحمل تابوت ‏مصاص الدماء قد ألقت مراسيها خارج ميناء البلدة ..‏
مصاص دماء !‏
ـ " لااااااااه !!"‏
هذه ( إلستري ) طبعا وليس انا ..‏
كان صراخها يجعل الامر جحيما .. لهذا نظرت نحوها في حزم ، ثم هويت على ‏خده بأقوى ما استطعت ..‏
كانت تعرف ان هذه الطريقة تنجح في السينما لذا أكملمت دورها ، وانفجرت في ‏بكاء صامت وهدأت ..‏
قال لي د . ( ويليام ) في عصية : ‏
ـ " ما الذي تحاولين عمله ؟ إن البائسة في صدمة عصبية .."‏
ـ " وهذا هو العلاج الناجح للصدمة العصبية .. او على الاقل هذا ما اعرفه عن ‏الموضوع .."‏
ـ " معلوماتك تفاهات .."‏
ـ " وانت لا تفعل شيئا إلا التظاهر بالغموض والعلم .." ‏
ـ " لا أسمح لك .."‏
ورفع كفه عازما كما يبدو على ضربي في صف اسناني العليا ، وتأهبت انا كي ‏اعض قبضته هذه .. ثم توقف وقد بدأ يفهم : ‏
ـ " القصة واضحة . إنها بثت فينا العصبية والكراهية .. علينا ان نفهم هذا .."‏
حقا .. كنت اشعر بالدخان الاسود يحتشد في صدري .. وكان على وشك ان ‏ينبعث من راسي كما في القصص المصورة .. هناك نوع غريب من الحقد يعتمل ‏في نفسي .. على كل حال كنا في أمان خارج الغرفة وإن عرفت ان القصر في ‏مشكلة حقيقية .. اين ذهبت كل هذه الفئران التي ركضت خارجة من الغرفة ؟ ‏
قلت لدكتور ( ويليام ) وأنا أتحسس جبهتي :‏
ـ " لقد تلقين الجواب على كل أسئلتنا .. لقد عادت الساحرة أقوى مما كانت .. ‏وهذا الذي يحدث لا علاقة له بالهستيريا او الهلوسة .."‏
قال وهو يجفف عرقه : ‏
ـ " لقد قرأت الكثير ، لكن هذا الذي يحدث يفوق قدراتي .. لقد انفجر بركان ‏فئران في قصرك .."‏
قالت ( إلستري ) وهي تجفف دموعها : ‏
ـ " بالمناسبة .. أين الطفلة من كل هذا ؟ !!!"

Ala_Daboubi 28-11-05 08:47 AM

6ayib ??????? wain el binit ?????0

hehehe

^RAYAHEEN^ 28-11-05 08:57 AM

ههههههههههههههههههههههه ما رح قول
الرواية معي بس ما بدي اكتب هلء منها شي
ان غدا لناظره لقريب

^RAYAHEEN^ 29-11-05 12:44 AM



3- أن تكون هناك ..‏
باقي خطاب ( ماجي ) ..‏
‏" هرعنا الى غرفة ( إليانور ) فوجدناها نائمة كالملائكة . شخص آخر كان ‏نائما كالملائكة هو المسز ( أوركهارت ) ، التي كانت تجلس جوار فراشها ‏تحتضن كتاب ( خرافات أيسوب ) وتحتضن دمية كبيرة لدب .. واضح انها كانت ‏تحكي حين غلبها النعاس .. وابتسمت في قرارة نفسي لانها كانت تبدو كطفل ‏بدين كبير أشيب الشعر وهي نائمة .. هذا جزء منها لم اره قط تحت شخصيتها ‏الصارمة ..‏
‏" هكذا اطمأننا الى ان اللعبة القديمة لم تحدث .. ننهمك نحن مع الفئران على ‏حين ينفرد الخطر الحقيقي بالفتاة في فراشها ..‏
‏" ودعت د. ( ويليام ) و ( إلستري ) على ان نتبادل آراءنا غدا .." وكان اول ‏ما فعلته طبعا هو ان فتشت حجرتي بعناية ، فلم أجد ما يريب .. لو كان القصر ‏مليئا بالفئران فهي لم تصل هنا .. وهكذا استبدلت ثيابي وحاولت ان انام وهو ‏نوع من التفاؤل المخجل .. كيف ينام من راى ما رايت ؟ ‏
‏" هكذا ظللت في الفراش كالديدبان حتى اشرقت الشمس .. ثم إنني استقللت ‏سيارتي الصغيرة الى البلدة لأحمض الفيلم الذي التقطته أمس ، وطلبت إحدى ‏شركات التطهير كي تنظف لي القصر ..‏
‏" وعند الظهيرة جاءت سيارة التطهير المميزة التي ثبتت على ظهرها تمثالا ‏كبيرا لفأر شرس .. وقد بحث الرجل كثيرا جدا في الأقبية والحجرات والمطبخ ‏ثم قال لي في حنق :‏
‏" من الصعب ان ازعم أنني فتشت القصر كله يا آنسة .. لكن بوسعي ان أزعم ‏انه لا توجد هنا فئران .. إن لي في هذه المهنة عشرين عاما .. يمكن القول إنني ‏اشم رائحتها واشعر بها قبل ان اراها او اسمعها .. لا توجد فئران في هذا ‏القصر .. إنه نظيف كفراش الملكة .."‏
كنت اتوقع شيئا كهذا وإن لم اصدقه ..‏
هذه فئران من الطراز الذي قلته لك .. فئران ( نوسفيراتو ) التي تعلن عن ‏وجود الشر ..‏
بعد الظهيرة وصلني طرد يحوي الفيلم الذي أرسلته للتحميض ، وهكذا هرعت ‏إلى آلة العرض فقمت بتركيب الفيلم في لهفة وأسدلت الستائر ، ورحت انتظر ‏في لهفة حتى تزول تلك الخدوش والأرقام ..‏
أخيرا ارى مشهد تحضير الأرواح .. لحسن الحظ أنه لم يتلف وكنت قد توقعت ‏هذا .. ثمة قوة لا يمكن وصفها او تعريفها في هذا المكان .. وهذه القوة تتلف ‏الأفلام في كل القصص المماثلة ..‏
كانت الأمور تسير على النحو الذي اعرفه .. لا يوجد جديد ..‏
فقط بدأ الجديد حين دوى صوت ( رونيل ) تتكلم ..‏
هنا فطنت الحقيقة .. كنا ثلاثة على المنضدة فمن اين جاء الرابع ؟!!‏
كانت الإضاءة سيئة طبعا لكني اعدت الشريط عدة مرات واوقفت الكادر ، وفي ‏النهاية تبينت بوضوح ان هذا الرابع ليس سوى ( إليانور ) نفسها !‏
كانت جالسة معنا إلى المنضدة ، وكانت هي التي تتكلم وترد على الأسئلة ..‏
كانت معنا وإن لم نرها . لكننا سمعنا صوتها .. كيف عرفت أنه صوتها ؟ لانها ‏تتحرك معه ، وتحرك يديها ورأسها بما يتفق مع سكناته ..‏
إنها هي ..‏
ثم جاء مشهد الفئران الرهيب ورأيت نفسي اركض وسط الدخان والفئران نحو ‏الكاميرا لأغلقها ثم افر ..‏
وهكذا انتهى العرض الرهيب .. وجلست افكر في معنى هذا الذي رأيته ..‏
رباه !! تقتلني رعبا فكرة أن ( إليانور ) كانت معنا وترد على أسئلتنا بينما لم ‏نرها .. وبينما هي نائمة في الفراش جوار مسز ( أوركهارت ) ..‏
لم يعد ثمة شك في أن الطفلة تحت سيطرة مخيفة .. انا بحاجة الى من يجيد ‏عمله .. إن ( ويليام ) يعرف الكثير لكنه لم يصل بعد إلى درجة طرد الأرواح ‏الشريرة .. اعتقد انه على الاقل يعرف من يعرف ..‏
والآن ما رأي بطلي الهمام في هذا كله ؟
اعتقد
‏ ان ( ماجي ) العجوز المنحطة تستأهل مجاملة صغيرة منك .. بعض الجنيهات ‏تنفقها على مكالمة بدلا من انتظار وصول الرسالة لي ، وهو ما يعني أنني ‏سأنتظر رأيك عشرة أعوام أخرى ..‏
‏( ماجي ) ‏
‏*** ‏
طبعا ـ كما ترى انت ـ كان الخطاب سيئا .. وكان يحمل اخبارا نصفها مزعج ‏ونصفها مخيف ..‏
ليست ظاهرة التواجد في مكانين في الوقت ذاته ‏ Bilocation ‎‏ بالشيء ‏الجديد على عوالم ما وراء الطبيعة .. إنها شائعة الى حد بدأت اعتقد أنني ‏الوحيد في العالم الذي لا يملك هذه الموهبة ..‏
لكن الفئران ؟ الفئران التي تأتي من لا مكان وتذهب الى لا مكان ؟
والدخان ؟ لو كان ( ويليام ) مشعوذا والمكان ليس دار ( ماجي ) ، لقت إن هذه ‏كلها تمثيلية بصرية يراد بها الإبهار .. اما والقصة كهذا و ( ماجي ) من هي في ‏الدقة والموضوعية ، فلا جدال في ان هذا حدث فعلا ..‏
وقررت ان الوقت قد حان للاتصال بـ ( ماجي ) ..نعم .. هي تستحق تضحية ‏كهذه ..‏
ماذا اقول في المكالمة ؟ سأنصحها بالتخلص من الطفلة .. لا .. ليس بأن ‏تحرقها في ساحة البلدة بل بأن تعيدها لأهلها مع شرح مطول عما حدث وما ‏يمكن ان يحدث .. لسوف يزور اهلها خليطا من الأطباء النفسيين والمشعوذين ‏وطاردي الأرواح الشريرة ، لكن هذه ابنتهم على كل حال ..‏
ولكن هل تتحول الطفلة فعلا الى ( رونيل )؟ هل تم التحول ام هو في علم الغيب ‏؟
لا اعرف .. لكني كذلك أومن ان احدا لن يعرف ..‏
هكذا نزلت من داري واتجهت الى اقرب ( سنترال ) وطلبت الرقم إياه..‏
سوف تغرد البلابل بعد قليل .. أي بعد يوم كامل من المحاولات الخرقاء ..‏
لكن الاتصال تم بسرعة غير معتادة في هذا الزمن .. سرعان ما وجدت نفسي ‏امسك بالسماعة وانتظر سماع الــ ( هاللو ) المحببة للنفس ، سواء من ( ماجي ‏‏) او ممن سيقودني الى ( ماجي ) ..‏
لكن الهاتف ظل يدق بلا استجابة من احد .. يدق .. يدق .. ثم : ‏
ـ " لا احد يرد يا أستاذ .."‏
قلت لنفسي إن ( جراهام ) رئيس الخدم صار غليظ الصوت .. بل يتكلم العربية ‏بطلاقة ، ثم فطنت الى ان هذا صوت موظف الهاتف يخبرني الا جدوى هنالك .. ‏هكذا غادرت الكابينة مبلبل الفكر ..‏
لا داعي لان اقول إنني جربت الشيء ذاته عدة مرات في اليومين التاليين ..‏
ثمة شيء خطأ هنا..‏
لم اعتد قط الا يرد أحد .. لا بد من ( ماجي ) او مديرة منزلها او رئيس الخدم .. ‏ولو كان هناك خطأ ما لما طلبت مني الاتصال بها ولأخبرتني بالمستجدات في ‏خطابها الاخير ..‏
هناك خطأ ما .. ولكن ما هو ؟
‏*** ‏
لا اعرف متى اتخذت قراري بالعودة الى ( إنفرنسشاير ) .. انا لم افعل هذا من ‏دهر .. لكني اتخذته ..‏
كانت هناك قيمة واحدة مهمة في حياتي كلها هي ( ماجي ) ، والمرء لا يفكر ‏مرتين إذا هدد بفقد هذه القيمة .. وانا حدثتك كثيرا عنها وتعرف ان ما احمله ‏نحوها خليط من مشاعر العاشق المتيم ، والطفل نحو أمه .. والتلميذ نحو ‏معلمته ،، ووشق الاستبس نحو الاستبس ذاته ..‏
الخلاصة : لو حدث لها شيء فقد انتهيت .. لا يوجد مبرر للاستيقاظ من النوم ‏صباحا ولا رؤية شمس جديدة .. سأقبع في غرفة وحدي الى ان اموت ، أو ‏سأمشي مفتوح الفم في الأزقة بأسمال بالية حاملا عصا ربطت إليها اوراق ‏شجرة ، ولسوف يتسنى للأطفال بقذفي بالحجارة ..‏
هكذا يمكنكم ان تفهموا لماذا اتجه الى المطار حاملا قلقي وحقيبتي واحلامي ..‏
‏( ان تكون هناك ) عنوان فيلم شهير لــ ( بيتر سيلرز ‏Peter Sellars ‎‏ ) .. ‏هذا العنوان يلخص الموقف .. ان اكون هناك .. لا اعرف ما سأفعله حين اكون ‏هناك .. ولا ماذا ينتظرني .. ولا من اية نقطة أبدأ .. لكني ساكون هناك ..‏
وحين ارتفعت الطائرة في السماء نظرت الى الارض المتأرجحة تحتي وشعرت ‏ببعض الراحة ..

^RAYAHEEN^ 29-11-05 12:46 AM



4- فيم تفكر يا بروفسور؟


من البداية كانت الرحلة غير موفقة ..‏
هذا طبعا برغم جو الربيع الذي ينعش النفس والذي اعلن سلطانه على كل ‏شيء .. لم احتج الى خيال كبير كي اراه بعباءته الأنيقة التي ازدانت بالورود ‏واليعاسيب والفراش يمشي عازفا على ناي بين المروج .. الربيع هنا يختلف ‏بالتأكيد عن ربيع مصر حيث الرمد الصديدي وعواصف الخماسين .. من ‏العجيب ان اجمل فصول مصر هو الشتاء ..‏
ما إن نزلت من سيارة الأجرة ، ووقفت امام الباب بحقائبي ، حتى شعرت بأن ‏المكان لا يرحب بي كما اعتدت .. تذكرت ايام الشباب في هذا البيت الشامخ .. ‏والاستاذ العظيم ( جيمس ماكيلوب ) الذي حلمت ان اكون مثله يوما ما ، والذي ‏على قدر ما اعلم هو آخر طبيب ينتمي لجيل ( ليبمان ‏Libman ‎‏ ) و ( اوسلر ‏Osler ‎‏ ) و هالستد ‏Halsted‏ ) .. وكل اولئك العظام الذين تراهم في بداية ‏أي مرجع طبي كبير .. هؤلاء السادة بحق .. تصور أن ( هالستد ) الذي كان ‏يعيش في ( نيويورك ) كان يكوي قمصانه في فرنسا ! فهو لم يكن بحاجة الى ‏الطب كي يكسب عيشه ، وإنما اهتم به كفن راق نبيل ..‏
لكم حلمت بان ارى رأسي الاصلع القبيح بين تلك الصور .. حسن .. لم يتحقق ‏هذا ولن يتحقق ، وإن كنت ازعم انني حصلت على مكانة بين بين .. لا هي ‏بالرفيعة ولا هي بالوضيعة ..‏
وفي الوقت ذاته كان السير ( ماكيلوب ) يعني لي اشياء اخرى .. يعني ابنته ‏الرقيقة الدقيقة الأنيقة ( ماجي ) التي تمشي على العشب دون ان تثني منه ‏عودا واحدا ، والتي قال الجميع إن القصة محتومة .. هذان سيتزوجان يوما ما ‏‏.. طبعا لم يحدث هذا ومن الواضح انه لن يحدث ابدا .. لكني لا اعرف مخلوقين ‏متباعدين على وجه الارض ، يحملان لبعضهما من الحب والتقدير قدر ما ‏نحمله لبعضنا .. وكما تقول ( ماجي ) : لعل السبب الاهم في هذا اننا متباعدان ‏‏!‏
فتح لي الباب رئيس الخدم الراقي جدا الذي كان يثير هلعي ( جراهام ) .. والذي ‏يتكلم الانجليزية الاوكسفوردية بتلك الطريقة الملتفة الجديرة بالخواجة ( ‏تشرشل ) :‏
ـ " لو سمح لي سيدي ، فإنني سأسمح لنفسي بالقول : إن جه سيدي ينم عن ‏أن هواء المرتفعات الاسكتلندية يناسب صحة سيدي لو كان لي ان اقول هذا .."‏
هكذا وكان بوسعه ان يقول : تبدو لي بصحة طيبة .. وانتهى الامر ..‏
المهم انه تفح الباب لي ، ولم يبدو مسرورا كثيرا بقدومي .. صحيح أنني ابرقت ‏لهم بموعد وصولي ،، ولم اتوقع طبعا ان تنتظرني فرقة موسيقا القرب عند ‏مدخل البلدة ، لكني توقعت ان يكون اكثر ترحابا ..‏
قلت له وانا ادخل الرواق الكبير : ‏
ـ " أين ما .. اين الآنسة ( ماكيلوب ) ؟"‏
قال وهو يغلق الباب : ‏
ـ " إن الآنسة ليست هنا .. لقد ارتحلت الى ( ألمانيا ) من اسبوع يا سيدي .. ‏وحسبت انها أبلغتك بذلك .."‏
هوى علي هاذ الخبر كأنه لسان من البرق .. السؤال هنا هو ..‏
‏*** ‏
ماذا يحدث هنا ؟ في كل لحظة ادرك ان هناك خطأ ما وان الامور لا تسير على ‏ما يرام ..‏
إن نوافذ القصر كلها موصدة ، وقد اسدلت الستائر وتم تثبيتها بشريط لاصق ‏كي لا تفارق النوافذ ابدا .. كأن النور هو ضيف غير مرغوب فيه هنا ..‏
دعك بالطبع من رائحة المكان الغريبة .. عطنة قليلا توحي بالقدم وليس القذارة ‏‏..‏
لقد شممت هذه الرائحة من قبل ، ولكن اين ؟ اين ؟
‏*** ‏
ـ " ما الذي تفعله في المانيا ؟ هي لا تعرف احدا هناك .."‏
هز رأسه بمعنى انه لا يجد ما يقول ، لكني فطنت الى هزال منطقي .. هل انا ‏اعرف كل من تعرفه ( ماجي )؟
من حقها تماما ان تذهب الى ( تمبكتو ) لو ارادت فأنا لست وصيا عليها ، ولكن ‏هذا الرحيل دون مبرر واضح يثير ريبتي .. خاصة في الظروف التي ذكرتها ..‏
لا يحتاج بالامر الى ان تكون ( شيرلوك هولمز ) كي تعرف ان هذا الرحيل له ‏علاقة بقصة ( رونيل ) ..‏
لو كنت اثق بـ ( جراهام ) اقل لقلت إنه يكذب وإنه تخلص من ( ماجي ) .. لكن ‏هذا طبعا كلام فارغ ، لو تذكرنا ان الرجل هو الاخير من سلالة ظلت تعني بهذا ‏القصر العتيق عبد اجيال عدة ..‏
في النهاية عدت الى وعيي بطء ، فسألته : ‏
ـ" والطفلة ؟"‏
ـ " الآنسة الصغيرة مع الآنسة ( ماكيلوب ) في المانيا .."‏
الآن اسقط في يدي .. ماذا بوسعي ان افعل ؟ اين اقضي زيارتي ؟ اين ؟ ‏
‏*** ‏
في دارنا بـ ( كفر بدر ) .. كانت هناك حظيرة صغيرة خلف الدار .. وكانت كأية ‏حظيرة مخصصة للمواشي ، لكننا كنا افقر من الفقر في تلك الفترة ، لهذا ظلت ‏حظيرتنا خالية مغلقة تؤمها الفئران .. هذه الرائحة هي رائحة الفئران في مكان ‏مغلق ..‏
ولكن كيف تنبعث رائحة الفران في هذا القصر المعتنى به جيدا ؟ دعك من ان ( ‏ماجي ) قالت إنها لم تجد فئران بشهادة الأخ ( طارد الفئران ) نفسه ..‏
هذا البيت تسيطر عليه لعنة مقبضة كئيبة ، ومن حسن الحظ ان ( إليانور ) ‏ليست هنا .. ربما تخلت قبضتها قليلا عن هذا البيت الذي احبه .. ولكن معنى ‏هذا انها الآن تتسلى بــ ( ماجي ) ..‏
ترى ماذا يحدث في المانيا الآن ؟ هذا بالطبع لو افترضنا انها في ألمانيا فعلا .. ‏اعتقد انني ساجد مذكرة تشرح كل شيء في ..‏
‏*** ‏
ـ " في الغرفة التي أعدتها لك الآنسة .."‏
قالها الرجل في حيادية كأنما سمع ما يدور بذهني .. انا لم آت كل هذه المسافة ‏من مصر كي يقال لي إنه لا حد في الدار من ثم احمل حقائبي واعود ..‏
على الاقل رتبت ( ماجي ) لإقامتي هنا .. من يدري ؟ ربما وجدت مذكرة ما ‏تشرح كل شيء .. ربما هي عائدة سريعا ..‏
وهكذا تم تريب إقامتي .. عرفت انه هنا مع مسز ( أوركهارت ) ليس هناك ‏سواهما الآن وربما طاهية شابة ، بعد ما كان البيت يعج بالخدم .. ليس الأمر ‏عن فاقة لان ( ماجي ) وارثة لثروة لا بأس بها ، ولكن لأنها لا تستقبل احدا ، ‏ولم تعد بحاجة الى كل هذا العدد من الخدم .. هذا البيت قد شهد اياما يستقبل ‏فيها عشرين استاذا مرموقا او فنانا شهيرا او سياسيا ناجحا .. ابوها كان يحب ‏ثاني اوكسيد الكربون ... بينما ( ماجي ) مثلي تعشق الأكسجين ومساحات ‏الفراغ الهائلة ..‏
اقتادني الرجل بذات الكبرياء عبر رواق طويل تقف الدروع إياها على جانبية .. ‏كلها تقول لي : انتظر حى المساء .. سوف نمرح كثيرا جدا ..‏
كأن هذه الدروع الكاملة ذات المنظر البشري خلقت كي تمشي في الرواق ليلا .. ‏بعضها يحمل سيفا وبعضها يطوح تلك الكرة المعدنية المعلقة من سلسلة .. انا ‏لم امر في حياتي بموقف مماثل ، لكن الفولكلور الاسكتلندي قد جعل هذا شيئا ‏روتينيا الى حد ان المرء سيشعر بخيبة امل لو لم يحدث ..‏
أخيرا يفتح لي باب الحجرة .. كنت اود ان اقول لك انها حجرة ذات طابع قوطي ‏مفزع ، لكنها غرفة عصرية جدا ورحبة .. جدران وردية حالمة وزهور ‏وملاءات تناسب خدر عذراء وليس ( رفعت إسماعيل ) ..‏
يجب ان اقول إنها كانت تطل على بحيرة بعيدة وسط المرتفعات .. لن انسى هذه ‏البحيرة ما حييت .. ( لوخ نس ‏Loch Ness ‎‏ ) .. ربما كان الأخ ( نيسي ) ـ ‏صديقي القديم ـ يسبح الآن تحت المياه باحثا عن شخص يثير رعبه .. لكن ‏الحقيقة أن البشر يثيرون رعبه اكثر مما يثير هو رعبهم .. هل تذكرتني ( ماجي ‏‏) حين اختارت هذه الغرفة بالذات ؟ يدهشني كم ان الحاضر الاليم يتحول الى ‏ذكرى ذات شجون بمجرد ان نبتعد عنه ..‏
كان اول ما بحثت عنه حين دخلت هو تلك الرسالة .. المظروف المغلق على ‏الوسادة او على كومود .. لا شيء .. هي لم تترك لي أي تفسير من أي نوع ..‏
وشعرت بخيبة أمل . .هناك فصل كامل من الفيلم لم يعرضه عامل العرض ‏النصاب .. لكني سأحاول استنتاج ما حدث .. لقد جربت هذا الموقف مرارا في ‏سينما ( ... ) التي تعرض ثلاثة أفلام معا .. لهذا كان عامل العرض يحذف ‏فصلين او ثلاثة من كل فيلم تاركا الامر لذكائك الخاص .. لقد اختفى البطل ‏الفلاني .. البطلة تحمل كدمة على وجهها فلا بد ان احدا ضربها .. إذن البطل ‏الفلاني ضربها واختفى ..‏
ساعرف كل شيء .. ولكن بعدما اظفر ببعض النوم ووجبة ساخنة .. إن حبيبات ‏‏( نيسل ) في خلايا مخي قد نضبت ، واحتاج الى وقت اكثر كي تعيد تجميع ‏نفسها من جديد ..‏
‏-‏ ‏" العشاء في التاسعة يا سيدي .."‏
سرني هذا .. الرجل يعرف ما افكر فيه بشكل يثير دهشتي ..‏
ـ " ستكون السيدة موجودة !"‏
سيدة ؟ هل هناك سيدات ؟
رسمت علامتي استفهام بحاجبي المرفوعين ، فقال : ‏
ـ " السيدة ( جيلبرت ) .. إنها ضيف فوق العادة مثلك . واعتقد ان سيدي سيجد ‏في صحبتها متعة لانها شديدة الذكاء .."‏
ثم اصرف بينما جلست انا افكر في معنى هذا .. من هي ؟ لا اعرف احدا بهذا ‏الاسم بين صديقات ( ماجي ) .. لكن يمكن بسهولة ان اعرف انها مرتبطة ‏بالقصة .. رحلة مفاجئة الى المانيا .. سيدة ( جيلبرت ) .. كل هذه حبات في ‏مسبحة واحدة .. ولكن ماذا ؟ ‏
ساعرف . .ساعرف ..‏
‏*** ‏
اخيرا اتجهت الى مائدة العشاء ..‏
هذا المشهد الرهيب الذي كان يثير رعبي .. فقط في الافلام السينمائية يمكن ان ‏تجلس في قاعة طعام مثل هذه .. لكن الجو كان باردا ثقيلا .. لا دعابات وما من ‏حديث دافئ حار ..‏
ظهرت فتاة نحيلة ترتدي المريولة ، وصبت في طبقي بعض الحساء على حين ‏وقف ( جراهام ) يراقب المشهد .. اكره هذا لانني اشعر بان الاكل يهبط في ‏احشائي بالسم ..‏
هنا شعرت بوجود غريب ..‏
رفعت راسي فرأيت امرأة بارعة الحسن .. بارعة الحسن في مفهوم البشر ‏الآخرين .. لكنك لن تستطيع ان تبيعها إياي مقابل حزمة الكرفس .. إنه جمال ‏بارد ثقيل سمج .. لا تحب ان تراه ولا تشعر براحة لدنوك منه ..‏
كانت ترتدي ثياب السهرة وقد تحلت بمجوهرات لا افهم فيها ،، لكن سعرها ‏بالتأكيد لن يقل عن اربعين جنيها ونصف .. نعم .. يبدو لي هذا الرقم معقولا ..‏
‏( اين رايت هذا الوجه من قبل ؟ هذا الشعور يضايقني ) ‏
ضحكت كاشفة عن اسنان بيضاء هي نوع من الاحجار الثمينة بدورها ، وقالت ‏وهي تمد يدها برشاقة :‏
ـ " البروفسور ( إسماعيل )؟"‏
لست بهذه الثقافة لكني ازعم انني اعرف اللهجة الأيرلندية حين اسمعها .. إن ‏من يعرف الإنجليزية جيدا ويعجز عن تبين اللهجة الايرلندية لهو في مشكلة .. ‏كل الحروف المتحركة تنطلق خطأ وبطلاقة وحماسة مشتعلتين ..‏
بفم مليء قلت : ‏
ـ " هم م م !"‏
مددت يدي وانا اتأهب للنهوض ولمست كفها باصبع واحد ، ثم عدت التهم ‏طعامي ..‏
ـ " انا ( جلوريا جيلبرت ) حدثتني ( ماجي ) كثيرا عنك .."‏
ابتلعت ما في فمي بسرعة وسالتها :‏
ـ " إذن انت تعرفين اين ذهبت .. لا اعني اين ذهبت بالضبط .. بل أعني لماذا ‏ذهبت ؟"‏
ابتسمت بغموض وقالت :‏
ـ " أوه .. انت تسال اسئلة كثيرة يا بروفسور ( إسماعيل ) .."‏
هنا قام ( جراهام ) بما كان يجب ان اقوم به ، فاتجه في رشاقة الى مقعد مجاور ‏لي وجذبه ليساعدها على الجلوس .. فقالت وهي تجلس برشاقة :‏
ـ " شكرا ايها العزيز ( جراهام ) .. انت لطيف جدا .."‏
وصبت لها الفتاة بعض الحساء ، فراحت تشرب برشاقة من دون الـ ( سليرب ‏سليرب ) التي اقوم بها .. لقد قمت بتصنيفها على الفور .. إنها ( دليلة ) أخرى ‏أو ( جامعة رجال ) .. مهمتها ان يسقط في حبالها كل من تلقاه .. بعد هذا يتم ‏التصنيف ، كما يفعل الاخ ( كالوس لينيوس ‏Linnaeus‏ ) بمجموعة من ‏الخنافس .. هذا لا لزوم له .. هذا يصلح نوعا.. هذا احمق ويمكن خداعه ‏بسهولة . هذا رائع ويجب ابقاءه بلا فكاك ..‏
كنت انا خارج القوائم كلها .. وحرصت على ان اترك في نفسها انطباعا واحدا : ‏هي لم تترك لدي أي انطباع برغم هذا لاداء المسرحي الذي تقوم به ..‏
‏( ما سر حرف الـ ‏R ‎‏ المعلق في تلك القلادة ؟ الم تقل إن اسمها جلوريا ؟؟) ‏
سالتها وانا اقضم بعض الخبز : ‏
ـ " من انت ؟ ( ماجي ) لم تحدثني عنك قط .."‏
ـ " نحن صديقتان حميمتان .. وقد تواريت من عالمها من زمن .. كنت في ‏الولايات المتحدة .. لكني عدت مؤخرا .. لم استطع الذهاب معها ، لذا عرضت ‏على ان اقيم هنا حتى تعود .. واخبرتني ان على ان اعني بك .. كما .."‏
واتسعت ابتسامتها اكثر ولمست عقدها بيدها واردفت : ‏
ـ " كما تعني هي بك .."‏
سرت قشعريرة في ظهري لهذا التلميح .. هل و إغراء ؟ لا ادري .. لقد وصل ‏الى اجهزة التحليل المعقدة في رأسي على صورة تهديد .. تهديد بماذا ؟ لا ‏اعرف .. لكنه أثار ذعري .. لو ان قاتلا من مطاريد الجبل قال لي وهو يخرج ‏بندقيته ( المقروطة ) من جيبه : سنعني بك .. لما اصابني كل هذا الذعر الي ‏اصابني من كلامها ..‏
رحت اقطع اللحم بالسكين ، بينما انا ارتب افكاري ..‏
كنت قد رايت الكثير في حياتي لهذا صرت اعرف هذه القصص حين اراها ..‏
ساختصر الوقت والجهد : هذه هي ( رونيل ) السوداء على الارجح .. نعم .. لا ‏داعي لإضاعة الوقت في الاستنتاجات .. ( ماجي ) تختفي هذه الظروف والقصر ‏خال .. بينما تظهر امرأة اقل ما نقول عنها إنها خطرة .. امرأة يبدو انها تعتبر ‏الدار دارها وتسيطر على كل شيء .. المنطقي هنا ان هذه ( رونيل ) السوداء ‏أو ـ لنقل ـ إمرأة على علاقة وثيقة بها .. دعك من انني سمعت هذا الصوت ‏الناضج الخشن من قبل .. ودعك من ان هذا تفسير مريح لحرف ‏R‏ المعلق في ‏عنقها .. هذا تلميح ( شبحي ) خفيف اعتدته من قبل ..‏
لقد شعرت معها بنفس ما شعرت به حين كنت اكلم تلك الكاتبة ( لورين ) جوار ‏المقبرة .. الفارق الوحيد هو ان ( لورين ) كانت بريئة تفتعل الغموض .. فماذا ‏عنك يا اختاه ؟
ولكن اين ( ماجي ) والطفلة من هذا كله ؟
يبدو انها تقرأ افكاري بشكل ما لأنها قالت في ثبات وهي تنظر لوجهي : ‏
ـ " فيم تفكر يا بروفسور ؟"

Ala_Daboubi 29-11-05 08:57 AM

shofi , min masla7tik enik tkamli kaman chapter el yoam , la2ano sara7a el chapters hai kteeeer 2aseeera

yala 7arkee edeeki ya sha6ra

^RAYAHEEN^ 29-11-05 09:29 AM

ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
يا سلام
انا اصلا قعدت اكتبها الساعة 2 الصبح
يعني لازم تقلي الله يعطيكي العافية وخلاص خذي ا ستراحة اسبوع
ههههههههههههههههههه
من حضك الحلو اني اليوم كنت حاسي انك رايح تطلب هالشي
علشان هيك عملت حسابي وما جبت الرواية
معي هههههههههههههه

Ala_Daboubi 29-11-05 09:45 AM

6ab 2alfi min 3a2lik ana radi...............................2ashoof sho be6la3 ma3ik hehehehe

^RAYAHEEN^ 29-11-05 10:00 AM

هههههههههههههههههههههههههه بجد
والله بيطلع وبيطلع

ـ " لا ادري ما الذي انتابني حينما نظرت اليها ـ رغم جمالها الجامد ، حركاتها المتقنة الخطوة ـ قد شعرت بأن جبلا من الجليد في داخلي قد شيد ، أنني اصبحت مخبولا ـ الحمد لله ان تلك الهلوسات لا تحمل صوتا وإلا ..... :
ـ أمن المعقول ان تكون هذه الفتاة قد تخلصت من " ماجي " ، اذا اين جثتها ـ وكيف حدث هذا ؟ "
ـ " أمن المعقول ان تكون " جلوريا جيلبرت " هي ذاتها " اليانور " ولكن كيف لها ان تنمو بين ليلة وضحاها وتصبح فتاة ناضجة بالغة بهذا الشكل ؟؟"
ـ " امن المعقول أن لا يلاحظ احد ما ـ " جراهام " مسز " "أوركهارت " شيئا غير طبيعي حدث في الفيلا ، لو ان هذا بالفعل قد حدث ؟؟
لا ادري لا ادري اشعر بانني في دوامة ـ او زوبعة شديدة ـ وان هناك شيئا مريبا قد حدث ـ لا استطيع ان اطلق العنان لتفكري للحظة فيقرع باب الظنون ويقول ان مكروها حدث لـ " ماجي " ، إن حدث لها شيئا ما فإنني ساحرق القصر بما فيه ، هذا ان لم ابتدأ اشعال الحريق بنفسي .
ما وجدته غريبا بالفعل هو تلك الضحكة الماكرة التي أخذت " جلوريا " ترسمها بين الحين والآخر فوق وجنتيها وكأنها تحاول إثارتي ـ لم تكن تعلم بانني بارد الى حد الجليد اتجاه اي صنف من النساء ـ ما عدى " ماجي " بالطبع فإنها تجعلني أخر عرقا في الصيف والشتاء سواء .

mustafasst 29-11-05 11:41 AM

ماشالله والله الواحد لازمه كمبيوتر من النوع اللي بيقرا الكتابه لاني مش ملحق عليكم ههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 29-11-05 11:50 AM

هههههههههههههههه
مصطفى يااااااااه هيده لازم تكون متابع معنا حرف بحرف حركة بحركة ـــــــــ الخ الخ الخ

mustafasst 29-11-05 12:55 PM

اعطيني الخلاصه بالاخر لو سمحتي

بدي اياها على مكتبي بكره الصبح

^RAYAHEEN^ 29-11-05 01:09 PM

ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
بهيك امور اعتمد على خلاصة علاء
صوت وصورة

^RAYAHEEN^ 29-11-05 11:21 PM



5- السيدة تظهر ...‏

انتهى العشاء فجففت فمي بالمنشفة .. وكنت متعبا كحيوان ( الكسلان ) بعد ‏عناء يوم شاق من السفر بكل وسائل المواصلات الممكنة ، لذا وجهت شكرا ‏رقيقا لـ ( جراهام ) واعلنت انني ذاهب الى غرفتي ..‏
ثم هززت راسي لها في لطف وانسحبت ..‏
اخيرا انفرد بالحجرة التي تحمل في كل ركن منها لمسات ( ماجي ) .. اعرف ‏انها كانت هنا واعدت كل شيء ثم ذهبت .. ذهبت لاني ؟ هل هي بخير ؟ لا ‏اعرف ..‏
المشكلة هنا انني لا املك خططا من أي نوع .. لا اعرف حركة واحدة في لعبة ‏الشطرنج هذه ..‏
لكنني على الأقل كنت املك استنتاجات .. الاستنتاج المنطقي الاول هو ان ما ‏يحدث له علاقة بـ (رونيل ).. الاستنتاج الثاني هو ان شيئا ما قذرا يجري هنا .. ‏الاستنتاج الثالث ليس استنتاجا لكنه حدس او شعور في أحشائي كما يقول ‏الإنجليز ‏Cut Feeling ‎‏ ان هذه المرأة المتحذلقة هي ( رونيل ) .. ما هو ‏دليلي ؟ لا دليل سوى حدس الأحشاء هذه .. وأحشائي لم تكن يوما بحال طيبة ‏على كل حال .. إن قرحة المعدة والإمساك والتهاب القولون لا يتركون لها ‏فرصة كي تشعر بشفافية ..‏
لو كانت هذه المراة هي ( رونيل ) السوداء فانا في مأزق .. مأزق شنيع ..‏
يوما بعد يوم صرت اقبل هذه الخوارق العجيبة كأنها حقائق .. ويبدو انني ‏صرت مخرفا حقا ..‏
لكن لو لم تكن تلك المرأة ( رونيل ) فانا في مأزق آخر .. لا يوجد أي شيء ‏افعله على الإطلاق ..‏
كنت قد فرغت من إفراغ حقيبتي حين دق الباب .. طبعا صار هذا الموقف بدوره ‏مكررا .. ستكون هي ولسوف تطلب مني شيئا تافها .. شباك غرفتها لا يغلق او ‏شباك غرفتها لا يفتح .. طبعا الغرض الوحيد هو تعميق علاقة ما .. والعلاقة ‏ليست لسواد عيني او لوسامتي التي تخجل الشمس منها ، ولكن لأكون الأحمق ‏الذي يتم توريطه في شيء ما ..‏
لقد مررت بهذا الموقف ألف مرة من قبل ومن بعد ، ويبدو ان في مظهري ما ‏يوحي بانني ذلك الاحمق الذي يعتقد ان حسناء هامت به حبا بعد خمس دقائق ‏من لقائهما .. ‏
شعرت بغيظ عارم من كل هذه الإهانات التي أتلقاها بلا سبب وفتحت الباب في ‏عصبية ..‏
كانت هي بالفعل ..‏
السيدة _ جيلبرت ) ..‏
‏( أين رايت هذا الوجه من قبل ؟ هذا الشعور يضايقني ) ‏
قالت لي وهي تستند الى الباب في إنهاك : ‏
‏" اوه .. إنه الصداع .. الصداع اللعين .. بحق ( أبراكساس ).. خطر لي ان ‏المرء سعيد الطالع إذ يكون في الغرفة المجاورة له بروفسور في الطب .."‏
ثم وضعت يدها على صدغها لتبين لي كم ان الألم شنيع هنا ..‏
بحثت في حقيبتي حتى وجدت أقراص الاسبريلن ، وناولتها ثلاثة .. حرصت ‏على ان يحمل وجهي كل معالم المقت والاشمئزاز كأنها جاءت تطلب غدتي ‏التيموسية وليس علاجا للصداع..‏
‏( ابراكساس ؟ هل قالت : بحق ابراكساس ؟)‏
امسكت بالأقراص في قبضتها كأنما تزنها ، وكأنما ترى هل تنجح هذه الأقراص ‏الخفيفة في علاج صداعها العظيم ، ثم قالت :‏
‏" أوه .. شكرا .. لطيف .. لطيف .."‏
ثم تقدمت الى داخل الحجرة ، وبحركة مسرحية رفعت الاقراص الى شفتيها ‏المخضبتين بالأحمر ، وقالت :
ـ " هل يسمح لي الأستاذ العظيم بكوب من الماء ؟"‏
‏( ابراكساس ؟ هل قالت : بحق ابراكساس ؟ )‏
لا اعرف إن كنت قليل الذوق ، ام ان الإنهاك والتوتر جعلاني كذلك .. لكني ‏وجدت نفسي أتكلم بلا توقف وكانت كلماتي عصبية تحمل الكثير من الإهانات : ‏
‏" بالطبع ليس عندي . ودعني اقل لك إن هذه الحركات المسرحية لا تؤثر في .. ‏إن كان الغرض هو خداعي ـ وهذا ما أرجحه ـ فقد اخترت الشخص الخطأ . وإن ‏كان الغرض إغرائي ـ لسبب لا اعرفه ـ فقد اخترت أكثر الأشخاص خطأ في ‏العالم .. فانا لا اريد امن الحياة إال ان أراقبها تحت المجهر ، بالاضافة الى انك ـ ‏واغفري لي خشونتي ـ لا تروقين لي على الإطلاق .. ولربما لو كنت فأر المنك ‏لفكرت في الأمر ، او خضت نوعا من الصراع مع نفسي .. اما وانت انت فإنني ‏اتمنى لك ليلة طيبة ، وأرجو ان تفكري في كل الأدوية التي قد تريدينا الليلة .. ‏فانا لن افتح بابي ثانية .."‏
أنهيت هذه الكلمات وعجبت انني قلتها .. لو كانت هذه ( رونيل ) فقد انتهى ‏الامر .. لا احتاج الى أكثر من هذا كي اقضي حياتي فأرا .. ولو لم تكن ( رونيل ‏‏) فلسوف توجه لي دفعة جديرة بالأساطير .. ربما تطير لي قاطعين ونابا ..‏
فقد نظرت لي للحظة ..‏
‏( بركساس ؟ هل قالت : بحق ابركساس ؟)‏
نظرة باردة طويلة .. بلا أي تعبير .. المخيف انها بلا أي تعبير ..‏
ثم ـ دون كلمة واحدة ـ غادرت الغرفة .. وأغلقت الباب وراءها ..‏
يبدو أنني كنت مخطئا .. لقد آذيت شعور هذه الفتاة البريئة المصابة بالصداع .. ‏لن اكف عن لعب دور الأحمق ما حييت .. على كل حال انا في حالة عصبية ‏كريهة .. من الخير له االا تحتك بي ابدا ..‏
غسلت اسناني وارتديت منامتي .. وتأهبت لليلة طويلة مريحة .. سأنام كجثة ‏من العصر ( الباليوزي ) .. حتى وان كنت قلقا فلسوف اقلق بشكل افضل حين ‏اصحو واسترد قواي ..‏
‏( ماجي ) العزيزة .. اين انت ؟
شيء في أعماقي خافتا كقطعة جمر تحت الرماد ، يقول لي إن الامر ليس بهذا ‏التعقيد .. ستعود ( ماجي ) سالمة .. على الأرجح هي سمعت عن طبيب نفسي ‏ألماني بارع وقررت ان تجرب حظها مع الطفلة هناك .. رحلة خاطفة وتعود ‏بعدها ..‏
طك .. طك !‏
هذا صوت الباب لو لاحظتم ..‏
هذه المرة لن اكون فظا .. سأتكلم بشيء من العقل والهدوء ..‏
اتجهت للباب وفتحته .. هنا وجدت ( جراهام ) الوقور يقف حاملا كوبا على ‏صينية انيقة ، ويقول بصرامة :‏
‏" اوامر الآنسة ( ماكيلوب ) معذرة يا سيدي .. لكن بوسعك الا تشرب .."‏
نظرت للكوب في عناية .. هذا لبن بارد ممزوج بالشيكولاته .. لمسة اخرى من ‏لمسات عناية ( ماجي ) بي ، فهي لم تنس انني كنت اشربه قبل النوم في الزمن ‏الغابر .. تفاصيل كهذه تدير راسي حقا .. وقد كففت عن شرب اللبن أساسا من ‏زمن لكن اللبن لا يرد .. دعك من تلك اللمسة الرقيقة . حتى بعد رحلها حرصت ‏على ان ..‏
ـ " شكرا يا رجلي الطيب .."‏
وتركته يضع الصينية على النضد .. ثم خرج واغلق الباب ، فرفعت الكوب الى ‏شفتي ورشفت رشفة طويلة .. طويلة .. وكأن هناك شلالا يصب الذكريات في ‏قلبي ..‏
اغلقت النور ورقدت في الفراش اتأمل تلك الشاشة السوداء المعلقة في هواء ‏الغرفة ، والتي تعكس افكارنا بوضوح ..‏
قلت لنفسي وانا أتثاءب : برغم كل شيء .. هذه المرأة هي ( رونيل ) ذاتها .. ‏الآن اتذكر من هو ( ابراكساس ) هذا . إنه من شياطين العالم السفلى ذوي ‏الشهرة والشعبية .. مثله مثل ( بيلفاجور ) و ( عشتروت ) وسواهم ..‏
لم تقلها سهوا ،، ولكن كانت تنقل لي رسالة واضحة ..‏
لكن ما هي ؟ ‏
الصباح ..‏
الشمس الاسكتلندية الجملة تتسلل من النافذة ، وانا لم ار الشمس الاسكتلندية ‏إلا ست مرات في حياتي ..‏
يا للعذوبة ! هذا هو الربيع الذي احكم سيطرته على كل شيء .. لم تعد هناك ‏تفاصيل منسية ..‏
بحيرة ( لوخ نس ) تتمطى بعد نعاس طويل ، ومن بعيد ترى التلال التي غطتها ‏الخضرة ..‏
إنه موعد الإفطار .. إن الشاعرية تحرك لدي غريزة الجوع ، ولا اعرف السبب ‏‏.. ملاحظة سبقني اليها العبقري ( احمد رجب ) حين وصف ما يسمى بالغدة ( ‏الكلوغرامية ) التي تجعل العاشق يترنم ناظرا للسماء قائلا : ( آه يا ليل يا قمر ) ‏‏.. ثم ينظر الى اسفل قليلا فيقول من دون مناسبة ، و ( المنجة طابت عالشجر ) ‏‏..‏
قررت ان أنزل الى الحديقة قليلا .. هناك حديقة لا باس بها ابدا هنا ، وقد ‏شعرت انني ـ ربما منذ زمن سحيق ـ اريد ان ارى الازهار .. إنني اكتسب ‏عادات سيئة في الفترة الاخيرة .. يبدو أنني ساحب الاطفال كذلك ..‏
خرجت من القصر ، ومشيت في الحديقة .. ترى من يعني بها الآن ؟ لا بد ان ‏هناك بستانيا غير متفرغ ياتي للعناية بها لأن شانها اعقد من ان تكلف بها مسز ‏‏( اوركهارت ) او ( جراهام )..‏
الآن انا امشي تحت نافذتي .. اراها من اسفل .. أطأ العشب فأشم رائحته ‏الطازجة الرطيبة ..‏
هذه نافذة اخرى مفتوحة .. لا احتاج الى ذكاء كبير كي اعرف انها نافذة تلك ‏المرأة الغامضة .. ترى هل افاقت من نومها ؟ ترى كيف تبدو في الصباح ؟ ‏وابتسمت في سري .. كما يقولون : لا يحتاج الأمر الى معجزة كي تكون جميلا ‏في الربيع !‏
ثمة اشياء غريبة نوعا على الأرض .. يمكن الا تراها لكني فعلت .. وقد انحنيت ‏على ركبتي لأتفحصها بعناية اكثر .. بدلت عويناتي لأحسن مجال الرؤية .. ‏الإرسال التالف قد تحسن بعد ضبط الهوائي ..‏
هذه أشلاء ارنب .. لا اعرف سببا واحدا لوجود ارنب هنا ، لكنه بحال طيبة ‏والطقس دافئ .. لم تكن هذه بقايا وجبة من وجبات ( إليانور ) الصغيرة التي ‏تأكل الفئران وإلا لتعفنت ..‏
ثم ما هذا ايضا ؟ حمامة وعصفور دوري رقيق .. لقد تمت إزالة الريش عن ‏بطن الطائرين ، وتم تمزيق البطن بعناية ربما لانتزاع الأحشاء ..‏
لا اعرف السبب في وجود هذه الأشياء .. هل رزقهم الله بنمس ؟ لكن هل ‏النمس يزيل ريش ضحاياه قبل التهامها ؟ نمس انتقائي جدا يمارس عمله ‏كأستاذة الجراحة .. بل هو راق كذلك ..‏
الخلاصة أنني لم اشعر براحة لما رأيت وهذا من حقي .. لكن ما هو أسوأ هو ‏أنني لا افهمه ..‏
هل تلك المراة تجلس وحدها في حجرتها ، تتسلى بأكل الأرانب والعصافير ‏الدورية نية ؟ ‏
كنت لأقبل هذا التفسير وأرحب به لو انها التهمت هذه الكائنات البريئة بالكامل ‏‏..‏
وهكذا تبدل مزاجي الى النقيض ولم يعد الربيع يبدو لي ربيعا الى هذا الحد ..‏
عدت الى االداخل ، وتمنيت لو اعتذر عن الإفطار .. لكني امقت الاسئلة الكثيرة ‏‏..‏
‏-‏ ‏" اخبرتني ان علي ان أعني بك .. كما .."‏
‏-‏ واتسعت ابتسامتها اكثر ولمست عقدها بيدها وأردفت : ‏
‏" كما تعني هي بك "‏
‏*** ‏
على مائدة الإفطار وحدت كوب اللبن بالشيكولاته إياه .. كان هناك عصير برتقال ‏وقهوة .. لكني وجدت نفسي راغبا بحق في أن اظفر بالشيء الوحيد الذي يحمل أثر ‏‏( ماجي ) هنا .. أن اشعر به في أحشائي .. وان يسري في عروقي ..‏
قلت لها في سري :‏
ـ " يا لك من خائنة .. تخليت عني وسط هذه الألغاز .. وكنت آمل في ان تكوني ‏بجانبي .."‏
وافرغت كوب اللبن في جوفي ، ثم جففت بمنديل ورقي ذلك الشارب الأبيض الذي ‏تكون لي حتما ، بينما سمعت خطوات السيدة قادمة ..‏
جلست جواري .. فرفعت عيني نحوها متسائلا ..‏
كانت مشرقة كالشمس .. وخطر لي ان مزاجي السيء امس جعلني لا احسن القول ‏ولا الفعل ..‏
ولا تقدير الجمال !‏
عن من لا يعتبر هذه السيدة واحدة من أجمل خمس نساء على وجه الأرض ، فلا بد ‏أنه مجنون او كفيف .. صحيح انه ( لا يحتاج الأمر الى معجزة كي تكون جميلا في ‏الربيع ) لكنك تحتاج الى مليون معجزة كي تكون فاتنا في الربيع ..‏
قلت لها متوددا :‏
ـ "ارجو ان يكون الصداع قد زال .."‏
نظرت لي وابتسمت .. لقد زالت العاصفة إذن وكلماتي لم تترك ندبة لا تزول ..‏
‏( لم تربط معصمها ؟ هل جرحته أمس !)‏
قالت : ‏
ـ " الصداع زال فعلا وإني لك شاكرة .. كما زال اثر كلماتك القاسية .."‏
ـ " كنت مرهقا بفعل السفر لا أكثر .. وكنت اشعر ان الكون يستفزني في مباراة ‏كلامية .."‏
ـ " كلنا ذلك الشخص .. السنا كذا ؟"‏
وراحت تنقل لطبقها كميات هائلة من ( البيكون ) الذي لم امسسه بطبيعة الحال . . ‏لكني اندهشت من تلك المرأة التي تبدأ يومها بالتهام كل هذا اللحم ..‏
وكالعادة سمعت السؤال في ذهني .. هي بارعة جدا في سماع الأفكار كما لاحظت ..‏
قالت وهي تنقل المزيد :‏
ـ " انا على نقيض النباتيين تماما .. أؤمن ان اللحم والسمك والبيض هم عماد ‏الجمال .. إن جسدك يتكون من البروتين ، فكيف تعطيه ما ليس بروتينيا ؟ دع ‏للنباتيين طعامهم ينعمون به .. ياكلون الكرفس على الإفطار والبطاطس على الغداء ‏والبازلاء على العشاء ، ثم يقولون إنهم يبحثون عن الخلود والجمال .."‏
قلت باسما :‏
ـ" يسهل الاعتقاد بصحة نظريتك حين ينظر المرء لك طويلا .. لقد بدأت افكر في ‏شراء بقرة حية لأضعها في مطبخ داري بالقاهرة .. ولسوف اقتطع منها قطعة قبل ‏كل وجبة !"‏
ضحكت طويلا فضحكت انا الآخر .. يحب أي رجل المراة التي تضحك لدعاباته .. ثم ‏سألتها : ‏
ـ " لا اريد التدخل في شئون خاصة .. لكن اين المستر ( جيلبرت ) ؟"‏
ابتلعت ريقها .. وصارت كلماتها بطيئة مما جعلني اوقن ان هذه ذكرى أليمة او ‏على الاقل ليس لي حق السؤال عنها : ‏
ـ " نحن منفصلان .. وآخر ما سمعته عنه انه في ألمانيا .. وأنه سجين .."‏
انتهى الطعام فخرجنا معا نمشي على شاطئ ( لوخ نس )..‏
كنت سعيدا كخنزيــ .. كدودة في مقبرة جماعية ( ما دمتم لا تحبون التشبيهات ‏الصادمة ).. وبدا لي ان كل ما شعرت به امس كان واهما ..‏
لا اعرف متى تأبطت ذراعي وراحت تتحدث .. تتحدث عن اشياء كالحلم لا تعرف ما ‏هي ولا تذكرها ، لكنك تنبهر بها .. وبدأت ادرك أنني لست قبيحا الى الحد الذي ‏حسبته .. إنها لا تفتعل شيئا .. هي فعلا تميل لي ..‏
وعند العصر كانت تجلس على صخرة تطل على البحيرة ، وبصوت رخيم عميق ‏راحت تغني .. كانت تغني أغنية لاتينية لم افهم منها حرفا لأنها تبدو للآذان كصفحة ‏من كتاب تشريح ( جراي ) .. لكن هذا بالضبط ما اريد ..‏
‏*** ‏
يقولون : اقتل أي شخص يتكلم اللاتينية بطلاقة ، ما لم يكن هو القس الكاثوليكي ..‏
‏*** ‏
عندما جاء الظلام ، تناولنا العشاء معا ونحن لا نبعد عيوننا عن بعض ..‏
كنت فيما مضى اسخر من فلسفة ( السولبيسيزم ‏Solipsism ‎‏ ) أو ايمان الشخص ‏بانه لا حقيقة في الكون إلا ذاته .. لكني بدأت اعتقد أنني كنت احمق .. هناك ‏حقيقتان .. انا وهي .. ‏
ما أجمل هذا ! القصر كله لنا للأبد .. وحيدان عند نهاية العالم ، حيث لا صخب يعكر ‏صفونا إلا صيحات ( نيسي ) العزيز في الليل لو كان ما زال في البحيرة ..‏
وحين عدت الى فراشي رحت ادندن وانا انظر الى الليل الصامت بالخارج :‏
ـ " ابتديت دلوقتي بس .. احب عمري .. ابتديت دلوقتي اخاف للعمر يجري !"‏
وهنا ـ كالعادة ـ تذكرت شيئا .. دائما اتذكر شيئا قبل النوم كأن ذلك العقل الواعي في ‏داخلي لم يكن معي .. كان منهمكا يقلب الدفاتر والمراجع وعويناته على انفه .. ‏كئيبا جادا كموظف أرشيف لا يعرف المزاح .. مفتش في الجهاز المركزي ‏للمحاسبات لا يرتشي ولا يسعى إلا للحقيقة .. وفجأة في هذه اللحظة بالذات يعلن ما ‏توصل إليه بعد يوم شق من العمل : ‏
ـ " قلب حمامة .. كلية ارنب بريء .. كبد عصفور دوي .. ربما رحم ( سنونو ) ‏كذلك .. ( رفعت ) يا بني .. هذه هي مقادير ( رحيق الحب ) الذي كانت الساحرات ‏يصنعنه في القرون الوسطى !"‏
قلت في لا مبالاة وانا أصاحب الإيقاع بأناملي على خشب الفراش :‏
ـ " وما في هذا ؟"‏
ـ " معناه ان تلك المرأة كانت تحضر لك ذلك المزيج في غرفتها امس .. وانت ‏شربته ! غالبا مع اللبن الممزوج بالشوكولاته .."‏
ـ " وما المشكلة ؟"‏
ـ " رحيق الحب يا احمق كانت الساحرات يقدمنه لأي شخص يرغبن في ان يقع في ‏هواهن .. إنهن يمزجن هذه الاشياء بقليل من دمهن .. الم تر ان معصمها مربوط ‏اليوم ؟"‏
ـ " وما في ذلك ؟"‏
ـ " الا ترى انك تميل إليها بشدة ؟ وان رايك تغير كثيرا جدا ؟"‏
قلت في ضيق وانا اغلق عيني : ‏
ـ " كيمياء لحب تعمل احيانا بشكل تلقائي .. لا يجب ان تشرب مزيجا من رحم ‏السنونو والدم كي تقع في لحب .."‏
كاد يتكلم لكني اخرسته مغنيا بصوت عال : ‏
ـ " إللي شفته .. قبل ما تشوفك عنيا .."‏
ـ " عمر ضاااااااااااايع .. يحسبوه إزاي عليا ؟"‏
‏*** ‏
إللي شفته !!‏

^RAYAHEEN^ 29-11-05 11:23 PM



6- اجتماعيات ..‏


ما حدث بعد ذلك ؟ ‏
آه !!! تسأل اسئلة غريبة ..‏
كيف لي ان اعرف ما حدث بعذ هذا ؟ إن السعادة لا تحكي ولكن تعاش .. عند ‏قصائد الهم والأسى والشجن في الادب العربي والعالمي ، ستجدها ملايين .. عد ‏قصائد الهناء والرضا ولنشوة فلن تجدها تقريبا .. الكلام للشكوى اما الصمت ‏فلنتذوق اللحظة الآتية ..وقد كنت اتذوق اللحظة الآتية حقا ..‏
ايام كأنها الحلم .. ايام هي الحلم .. ايام فاقت الحلم .. ايام يحلم بها الحلم ..‏
‏( جراهام ) يمر بنا من بعيد ليبتسم .. إن الوغد يعرف كل شيء .. إنه يعمل في ‏صفها .. لم يكف عن جعل إقامتنا مريحة قدر الإمكان .‏
ترى متى ينتهي هذا الحلم ؟ كيف ينتهي ؟‏
لم اخبرك طبعا بالتفاصيل كلها .. لقد تزوجت !! ألم تعرف بعد !!لا اعرف كيف ‏احكي هذا الجزء لاني بالفعل لا اذكر عنه أي شيء .. لكنها اكدت لي ذلك ، وقالت ‏إننا تزوجنا كما يفعل المسلمون ، حين قصدنا ( أدنبرة ) وطلبت مشورة الجالية ‏المسلمة هنك.. هكذا قالت ولا استطيع ان انفي او أؤكد .. لماذا تكذب علي ؟ اين ‏الأوراق ؟ لم تأت من ( أدنبرة ) بعد ..‏
فقط اعرف ان هناك صورا لي اضحك في بلاهة واجلس معها وسط مجموعة من ‏الناس فيما يشبه حفل زواج .. بعض وجوه هؤلاء يمكن ان تكون لعرب .. هناك ‏خاتم حول إصبعي .. تقول إننا اشتريناه في ذلك اليوم من ادنبرة ..‏
حقا لا اذكر شيئا من هذا لكني اثق فيما تقول ..‏
فقط رحت اضحك حتى استلقيت على قفاي .. هنا بالذات ؟ ومع هذه المرأة التي لم ‏اكن اعرف عنها حرفا من اسبوع ؟ هل هكذا تنتهي اسطورة الأعزب الابدي ( ‏رفعت إسماعيل )؟
كل الثرثرة عن حياتي التي لا تتحملها زوجة ؟ كل الرومانسية الصناعية مع ( ‏هويدا ) وكيف انهار كل شيء فجأة ؟ كل قصتي الأبدية مع ( ماجي ) ، والكلام عن ‏وجه القمر الذي من الخير لنا ان نبقى بعيدين ، كي لا نرى ما عليه من فجوات ‏وبثور ؟ كل عروض ( عزت ) و ( محمد شاهين ) ؟ كل هذا انتهى هنا ومع ( ‏جلوريا )؟
انتهت اسطورة العزب الابدي .. فارس ( النينجا ) المتوحد الذي لو تزوج لفقد سر ‏تميزه ..‏
اتمنى فقط ان ارى وجه ( ماجي ) لو كانت حية حين تعود لتجد أنني تزوجت اعز ‏صديقة لها ! والجميل انني امضي شهر العسل في قصرها بالذات !‏
مصر ؟ لم اعد اذكر كم بقيت هنا .. العمل والشقة و ( عزت ) وقريتي .. هل هذه ‏الأشياء وجدت حقا ؟ إنها حلم بعيد .. لا بد أنني هنا منذ قرون .. منذ اطلق ( ‏التيروداكتيل ) صرخة الميلاد وحلق فوق برك القطران ، حيث تغرق الديناصورات ‏على الاقل حظا .. منذ انفصلت الامريكتان عن إفريقيا وغاصت ( الاطلنطس ) في ‏قاع المحيط ..‏
حقا كانت ( جلوريا اسماعيل ) ـ نعم .. هذا هو اسمها الآن ـ ساحرة .. لكن أي سحر ‏‏!‏
رحيق الحب ؟ وما في ذلك ؟ ما اجمل ان تريدك المرأة لدرجة ان تقضي الوقت في ‏صنع تلك الوصفات المقززة لتفوز بك .. هذا يزيد من قدرها في نظري ..‏
ويبدو اننا مشينا على شاطئ ( لوخ نس ) ملايين المرات .. يبدو أنها غنت ‏باللاتينية آلاف المرات .. يبدو أنني قطفت لها كل زهور ( جرامبيان ) .. وشربت ‏العشرات من اكواب اللبن الممزوج بالشيكولاته ..‏
فقط هناك اشياء تضايقني ..‏
اشياء صغيرة جدا ..‏
كنت قد انتقلت للإقامة معها في غرفة اوسع اعدها لنا ( جراهام ) .. واول ما ‏لاحظته هو ان هناك ضجيجا ياتي من داخل الجدران .. بالذات في الليل .. كأن هناك ‏ممرات سرية تمشي فيها الفئران .. صوت الخدوش المستمر هنا ..‏
و ( ماجي ) الحمقاء تزعم انه لا توجد فئران في هذا القصر ..‏
ثم عاداتها الغريبة .. عادات ( جلوريا ) لا ( ماجي ) طبعا ..‏
تخيل ان تدخل الحمام بعد دقائق من استحمام شخص فيه بلبن الحمير ! هذا شيء ‏غريب .. لكني سمعت عن هذه العادة من قبل ، وهي إحدى وسائل التجميل الشهيرة ‏للحفاظ على نضارة الجلد .. لكن .. لبن الحمير ! ومن أين تأتي بكل هذه الكمية في ‏‏( إنفرنسشاير ) انا الذي لم ار إلا حمارا واحدا في مرآة الحمام ؟ مثلا ما كل هذه ‏الاعشاب الغريبة التي تحتفظ بها في الشرفة لتجففه كما تفعل امهاتنا مع الملوخية ‏او النعناع ؟
مثلا .. ما سر ادوات التجميل الغريبة التي تحتفظ بها هنا ؟ ادوات تجميل من خامات ‏طبيعية ولا تمت بصلة لاية شركة اعرفها .. ومنذ متى كانت الضفادع الميتة مهمة ‏للتجميل ؟ ‏
لكن هذه اشياء بسيطة جدا .. سمعت عن نساء يضعن القشدة على وجوههن ، ‏ويثبتن قناعا من قشر الخيار ، مع وضع نصف ليمونة على كل جفن .. حتى يصعب ‏عليك ان تتصور ان هذه امرأة وليست زومبيا سينهض بعد قليل ليفتح جمجمتك ‏ويلتهم مخك ..‏
إن المرأة من اجل الجمال تفعل كل شيء ، وليست ( جلوريا ) باستثناء ..‏
ولا انكر هنا ان اساليبها ناجعة .. إن النتيجة تتحدث عن نفسها بلا حاجة إلا اية ‏إيضاحات أخرى ..‏
فقط كن صريحا معي .. لا تقل إلا الحق .. هل رايت في حياتك من هي اجمل وارق ‏او اكثر فتنة منها ؟ الا ترى معي انها المادة الخام للأنوثة .. حتى لتشعر بان النساء ‏الاخريات هن اجزاء منها ؟
وقالت لي : ‏
ـ " هل تريد ان تستعيد شبابك ؟ بوسعي ذلك .. فقط دع نفسك لي .."‏
قلت لها باسما : ‏
‏" جربت ذلك ذات مرة ، وكانت النتيجة مؤسية .. وكانت استاذ فلسلفة تبدل لي ‏كوافيلي المتسخة لمدة اسبوع .. اما إن كنت تتكلمين عن الخلود فهو مستحيل .. ‏ولو حدث جدلا ـ وهو كما قلت مستحيل ـ فلن يزيد على موقف ( تيتون ) و ( ‏اورورا ) في الاساطير الاغريقية .. لقد منحته الخلود لكنه ظل يشيخ الى ان فقدت ‏القدرة على تحمله وقد صار عجوزا طاعن السن .. هكذا احالته نطاط حقل .."‏
قالت باسمة : ‏
ـ " هل تظن انني قد احيلك نطاط حقل يوما ما ؟"‏
نظرت لعينيها الزرقاوين الواسعتين وقلت بصدق : ‏
ـ " نعم .. للاسف نعم .."‏
‏*** ‏
لا ادري ولماذا خطر لي ذات مرة ان ادخل حجرتها القديمة .. إنني اعرفها لاني ‏وقفت تحتها ذات مرة ..‏
كان الباب مفتوحا والإغراء قويا .. وخطر لي انني اريد ان القي نظرة على زوجها ‏السابق .. لا بد ان له صورة على الكومود .. هو مجرد فضول لا اكثر ولا يعني ‏شيئا ، لان بوسع أي شخص في العالم ان يكون اجمل واقوى مني .. هذا لا يحتاج ‏الى موهبة ما .. كل شخص يمكن ان يكون جميلا في الربيع ، وكل شخص يمكن ان ‏يكون افضل من (رفعت اسماعيل ) ..‏
‏( لكنني تزوجتها برغم كل شيء .. وحرمت انت منها يا احمق !!)‏
بالفعل كانت الغرفة خاوية تماما .. لقد افرغت من اكثر الاشياء التي تخصها ، ‏ويبدو انه لم يتم تنظيفها من فترة طويلة .. إن المسز ( اوركهارت ) مسنة طبعا ، ‏ولا اتوقع منها ان تعني بكل التفاصيل ..‏
الغريب هنا ان الستائر جميلة جدا .. بنفسجية من ارق واجمل درجة يمكن وصفها ‏برغم مقتي لهذا اللون عامة .. هناك ورق حائط زاهي اللون مزركش بالازهار .. ‏وهناك دمى معلقة .. لا ليست دمى ( فتيش ) ولكن دمى لشخصيات ( ديزني ) .. ‏وهناك قضيب قطار ألعوبة يدور حول نطاق الغرفة كلها .. قطار صغير مضحك له ‏عينان وشارب بدلا من الكشافات وعارضة التصادم الأمامية ..‏
هذه الغرفة لا تناسب امرأة ناضجة ، وبالتأكيد لا تناسب ساحرة ..‏
ازحت ستائر النافذة ورحت ارمق المشهد من عل .. من هذه النافذة القت ببقايا ‏السنونو والارنب .. ولا بد ان الحجرة كانت تختلف عن هذا كثيرا .. ذلك الشيء ‏منطقي فلا يمكن ان ترك أي اثر سابق يدل على نشاط مريب ..‏
‏*** ‏
‏" كنت الآن اقف امام غرفة ( إليانور ) بالضبط .. تلك الغرفة التي احلتها قطعة من ‏‏( ديزني لاند ) بالستائر الجميلة ، وورق الحائط المزركش بالازهار ، وكل الدمى ‏التي نثرتها فيها ، إن الشيطان الذي يتسلل إلى هذه الحجرة لهو شيطان طفل ‏بالتأكيد .."‏
‏*** ‏
‏( ماجي ) قالت هذا في خطابها .. فلماذا اتذكره الآن ؟ ‏
يوجد خاطر ابله يتلاعب في ذهني ولا يمكن ان نعطيه أي قدر من الاهتمام او ‏الاحترام ..‏
لكن .. انت رجل منطقي .. والمنطق يؤكد شيئا واحدا هذه كانت حجرة ( إليانور ) ‏الطفلة يوما ما.. ثم تركتها فلماذا اتخذتها ( جلوريا ) مسكنا لنفسها ؟
ومن جديد أواصل البحث عن دليل ما ..‏
هناك حمام ملحق بالغرفة كغرف الفنادق والمستشفيات .. افتحه وادخل ..‏
توجد مرآة .. يوجد مغطس صغير .. ثمة ثياب معلقة وراء الباب ومكدسة في ‏حاوية صغيرة من البلاستيك .. لماذا لم تأخذ ( جلوريا ) هذه الثياب معها بعد ‏انتقالها الى ( عش الزوجية ) ؟
لست فضوليا الى هذا الحد ، لكن شيئا في هذه الثياب جعلني أتفحصها بعناية . . ‏
السبب هو الحجم .. ثمة ثياب قصيرة صغيرة الحجم تناسب طفلة .. طفلة في الثامنة ‏لا اكثر .. ولكن .. هناك ثياب اكبر حجما ..ثياب تناسب فتاة مراهقة في الثالثة ‏عشرة او ما هو اقل من السادسة عشرة .. ثمة ثياب تدل على شابة في العشرين ‏تقريبا .. كلها ثياب لا تناسب ( جلوريا ) ولهذا افهم لماذا لم تأخذها معها ..‏
ما معنى هذا ؟ ‏
انتصبت شعرتان او ثلاث في راسي هي ما بقي كما تعلمون ..‏
الجواب الخافت الذي اعلن عن نفسه من قليل يصيح الآن بحرارة :‏
ألم تفهم بعد ايها الاحمق ؟ هذه المرأة ( جلوريا ) التي صارت زوجتك .. هذه المرأة ‏التي في العقد الثالث من عمرها . . هي ذاتها الطفلة ( إليانور ) !!!‏

^RAYAHEEN^ 29-11-05 11:25 PM



7‏- المزيد من الاجتماعيات ..‏


نعم .. اعرف ان هذا التفسير ابله ..‏
اعرف انه غريب ..‏
اعرف انه يحتاج الى الكثير من الصودا والمهضمات كمعقب ، كي يمكن هضمه ..‏
لكن هذا هو الحل الوحيد ، وإلا فـ ( ماجي ) كانت تستضيف في هذه الغرفة كتيبة ‏من الفتيات من أعمار متباينة ..‏
أما الشيء الغريب فهو انني لم اشعر بخوف ولا نفور ولا دهشة ..‏
بدا لي الأمر منطقيا تماما ..‏
تذكرت الطفلة ( إليانور ) الرقيقة الخائفة تحتمي بـ ( ماجي) وكيف أنقذناها من ‏السحرة فقط لندرك أننا جئنا متأخرين .. هذه الطفلة بمعجزة ما قد صارت زوجتي !‏
إن الأيام تجري .. لكن ليس بهذه السرعة !‏
لو كان كلامي دقيقا فالطفلة قد نمت العشرين عاما في شهر ونصف .. وهذه هي ‏مشكلة ان تكون جربت كل شيء حتى لم تعد تندهش لشيء .. انا مررت بتجربة ‏مماثلة وكانت د. ( كاميليا ) تقول إنها كانت تراني اكبر امام عينيها ، لهذا افهم ان ‏يحدث شيء كهذا .. افهمه ولا اصدقه ..‏
انا تزوجت الطفلة ( إليانور ) التي صارت ـ بشكل ما ( رونيل السوداء ) ..‏
‏*** ‏
في الايام التالية حملت ( جلوريا ) ورزقت بطفل ..‏
لا اعرف كيف أفسر .. كل شيء هنا يتم بسرعة غير معقولة ، والغريب انني لا اجد ‏هذا غريبا ..‏
رزقت به في صباح يوم جميل من شهر ( يونيو ) ، وكان اقرب في كل شيء إليها ‏‏.. يقولون إن الطفل الأول يشبه أباه في كل شيء لكن هذا الطفل كان نسخة منها .. ‏ليس أصلع وليس نحيلا .. وكنت اتخيل إبني يشبهني في كل شيء .. ربما يحمل ‏شاربي وعويناتي بينما يطل رأسه من ( القماط ) صارخا ..‏
على كل حال حملت الصغير بين ذراعي ، وقد بدا لي رقيقا لطيفا .. إن هذه الاشياء ‏التي تحدث لي هذه الايام بالذات لجديرة بكتيب لكل منها .. شم رائحتي فتقلصت ‏ملامح وجهه الصغير ، ثم عطس عطسة لا بأس بها ابدا .. إنه محبب كهرة صغيرة ‏‏.. على الاقل هو لم يمت هلعا حين رآني ..‏
فقط أدعو الله الا ترضعه حليبا ممزوجا بالشيكولاته .. هذا الحليب الذي جعلني لا ‏اعرف من انا من زمن ..‏
سألتني وهي منهكة شاحبة كما تجيد الأمهات ان يبدين :‏
ـ " ماذا ستطلق عليه ؟"‏
لا اعرف .. لم أجرب خبرة إطلاق اسم على طفل رضيع من قبل .. إن اسم ( كمال ) ‏لا باس به لكن ( كمال رفعت ) اسم دبلوماسي مصري مرموق ، وانا اكره ان أسيئ ‏له بان استخدم الاسم ذاته مع ابني .. المشكلة مع اسم ( رفعت ) إن الخيارات ‏الموسيقية محدودة جدا و ..‏
ـ " ( سمير ) طبعا .. لا اعرف اسمها آخر .. انا لم اختره لكنه اختارني .."‏
ـ " هل له معنى في العربية ؟"‏
ـ " صديق .. صاحب .. ونيس .. شيء من هذا القبيل .."‏
وبرفق وضعته جوارها محاذرا من ان ينخلع عنقه الصغير ويتدحرج على الأرض ‏‏..‏
قالت باسمة وهي تربت على ذراعه : ‏
ـ " سيكون رفيقك في رحلتنا المزمعة ، ستكون بحاجة إليه .."‏
ـ " رحلتنا المزمعة ؟"‏
نظرت لي في ثبات وقالت :‏
ـ " نعم .. انا وانت راحلان الى ( روشتوك ) .."‏
عرقت من طريقتها المصممة اننا فعلا راحلان الى ( روشتوك ) .. لا مفر من هذا .. ‏ولكن .."‏
ـ " ما هي ( روشتوك ) هذه ؟"‏
ـ " ألمانيا الشرقية .. قرب ساحل ( البلطيق ) .. حسبتك تعرف أوروبا جيدا .."‏
ما موضوع ألمانيا هنا ؟ اسمع عنها اكثر من اللازم هذه الايام ..‏
ـ " هذا جميل .. ولكن ما هو المبرر القوي كي ..؟"‏
من جديد قالت في ثبات : ‏
ـ " أنت لا تسال أسئلة .. فقط تمتثل .."‏
حقا كنت اعرف أنها قوية جدا ..لا اعرف السبب لكني لم اكن اشعر بشيء مريب او ‏مقلق في هذا .. والحقيقة أنني منذ قابلتها لأول مرة أتحرك بالضبط في المسار ‏الذي تحدده لي .. لقد تزوجتي ولم أتزوجها .. هي تريد ان تأخذني الى ألمانيا ‏الشرقية ، وانا لا ارغب في الذهاب هناك.. لكني سأفعل ..‏
وهكذا ابتسمت لها في غباء وغادرت الحجرة ..‏
‏*** ‏
كانت في غرفتنا ، وكنت أجوب الردهة مفكرا في عمق ..‏
هنا خطر لي خاطر .. ماذا حدث لحجرة ( ماجي )؟ من الغريب أنني جبت كل أرجاء ‏القصر ، لكني لم ادخل حجرتها بعد .. لقد دخلتها عدة مرات في زيارات سابقة لكني ‏لم ارها هذه المرة ، ولعل الأحداث المتلاحقة التي انهالت علي منذ جئت هنا ، ‏جعلتني عاجزا عن إيجاد الوقت الملائم ..‏
كانت غرفتها موصدة ، ولم أجسر على ان اطلب مفتاحها من ( جراهام ) .. لا احب ‏الأسئلة ..‏
فكرت في مكتبها .. قد كان هو مكتب أبيها قبل وفاته ، وهو يحمل قدرا لا باس به ‏من رائحتها .. اتجهت الى هناك ورجوت الله الا يكون موصدا .. بالفعل أجيب دعائي ‏، وأدرت المقبض لاجد نفسي في ذلك العالم الخاص .. الكمبيوتر على المكتب .. ‏وفي ذلك العصر كان الكمبيوتر شيئا ديناصوريا لا يمكله إلا الأثرياء ولا يتعامل معه ‏إلا العباقرة .. وكانت سعة أفضل الأجهزة لا تتجاوز ‏‎64k‏ .. باختصار كان الكمبيوتر ‏المنزلي وهما من أوهام الخيال العلمي .. أوراق مكومة من اكروحة ما .. آلة ‏حاسبة .. أجهزة فيزيائية لا اعرفها واشك في ان الخواجة ( نيوتن ) يعرف ماهي ..‏
جوار الأوراق كان هناك قدح جف ما به ، لكني لا أشك في أنه ( الكابتشينو ) .. ‏عصارة الأفكار كما تقول ( ماجي ) ، حتى انني صرت انظر الى هذا المشروب ‏الكريه نظرة احترام ..‏
وجوار الاوراق ـ ايضا ـ كان إطار صورة صغير يقف شامخا .. في هذا الاطار كان ‏وجه أعرفه .. صحيح انه اجمل واغزر شعرا لكنه وجهي ..‏
ولم أتمالك دمعة سالت على خدي ..‏
أين انت ؟ ماذا حل بك ؟
الغريب انها لم تقل لي قط إنها تضع صورة لي على مكتبها .. بالأحرى كانت تذكر ‏ذلك بعنف كأنما اهينت ...‏
جلست الى المكتب ورحت اقلب الأوراق .. هنا لمست يدي شيئا له ملمس مألوف .. ‏هذه الأوراق ..‏
كانت هذه هي الأوراق التي وجدتها جوار جثة ( لورين بلاك ) والتي عرفت منها ‏موضوع ( إليانور ) .. إنني لم اقرأها بعناية ، وحين رحلت تركتها لـ ( ماجي ) .. ‏فهل ما زال فيها ما يهم ؟ ‏
من الجلي أن ( ماجي ) كانت تدرسها بعناية .. هناك قاموس صغير للغة لا اعرف ‏ما هي ( هل الجرمانية القديمة ؟ ) وضع على المكتب وقد أغلق على قلم رصاص ‏‏.. ( ماجي) بذلت جهدا كبيرا في فهم بعض المخطوطات الجرمانية .. هذا واضح ..‏
دسست هذه الأوراق في جيبي وواصلت البحث .. لراهن على ان هناك الكثير مما ‏يهمني على هذا الكمبيوتر ، لكني لا اعرف كيف افتحه ولا كيف ابحث عن شيء ‏فيه .. لو كانت ( ماجي ) تركت لي رسالة عليه فهي حمقاء ..‏
وهكذا حملت غنيمتي واتجهت الى الحديقة ..‏
كان هناك مقعد جوار نافورة صغيرة ، وهي ليست نافورة بالضبط بل هي اقرب الى ‏اناء شرب للطيور .. من هنا يمكن الحصول على سنونو او عصفور دوري .. لا بد ‏ان هذا هو المكان ..‏
نظرت حولي فلم ار متلصصين .. فتحت الأوراق وبدأت أقرأ ..‏
من البداية ..‏
‏*** ‏
بعد ساعة من التركيز بدأت اكون رأيا ..‏
هذه الأوراق تحوي مجموعة من الكلام الفارغ .. نقاط تنوي الكتابة الفقيدة ان تفيد ‏منها فيما بعد .. هناك ملحقات باللغة التي لا اعرفها يبدو انها من وثائق أصلية وقد ‏نسخت نسخا باليد .. رسمتها الكاتبة كما ترسم انت نقوشا هيروغليفية لا تفهم ما ‏هي .. لا افهم هذا الجزء على كل حال .. فقط كانت الفقرات المهمة هي التي قرأتها ‏على ( ماجي ) في المرة الأولى ..‏
لكن الفقرة التالية هي الجديرة بكل هذا العناء : ‏
ـ " كانت مشكلتي هي معرفة من اين بدأت ( رونيل ) .. اين تعلمت السحر ومتى ‏صارت شريرة ؟ تتبع ( رونيل ) نفس الخيط الذي يقود الى ساحرات أخريات ظهرن ‏في أوروبا في تلك الحقبة .. لاحظت أن الساحرات اللاتي يعدمن يواصلن الحياة ‏بشكل آخر في أجساد اطفال .. وهؤلاء الأطفال ينمون ويصيرون سحرة بدورهم .. ‏والخيط يبدأ او ينتهي عند جزر البلطيق .. هل هذه هي بلاد القوط الشرقيين ؟ على ‏الأرجح الإجابة هي نعم .. إن الأسطورة قوية جدا ، وقد سمعتها بأكثر من توزيع ، ‏لكنها جميعا تتحدث عن الشيء ذاته .. لقد انتقل السحر الى ( رونيل ) من واحدة ‏أخرى وأعدمت في زمن سابق .. وهذه الأخرى أخذت العدوى من أخرى .. كأننا ‏نتحدث عن مرض ال************ هنا ( بكسر اللام لقراء العربية طبعا ) ..‏
‏" هناك في إحدى الجزر ببلاد القوط الشرقية يقع ذلك الكهف .. كهف يمتد لمسافة ‏طويلة داخل أعماق الجزيرة ، وهذا الكهف يعيش به مكبلا سجينا ساحر قديم يدعى ‏‏( جيلبرت ) .." ‏
‏( جيلبرت ) .. الاسم ( جيلبرت ) ..‏
‏" انا ( جلوريا جيلبرت ) .. حدثتني ( ماجي ) كثيرا عنك .."‏
‏" نحن منفصلان .. وآخر ما سمعته عنه انه في ألمانيا .. وانه سجين .."‏
‏*** ‏
‏" هناك سجنه أستاذه ( كاتيوم ) منذ قرون لا حصر لها ، لأنه تجرأ عليه وسبه .. ‏وقد قيده الى عوارض خشبية عليها نقوش قوطية قديمة .. تقول الأسطورة إن هذا ‏الساحر سيظل هناك حتى يجده ساحر آخر ويحرره .."‏
‏" .. هناك في ألمانيا الشرقية سمعت الناس والفلاحين يقولون إن ( جيلبرت ) ‏يبحث عن ساحر يحرره ..‏
‏" إذن فهذه القصة تبدأ بـ ( جيلبرت ) .. ومنه يبدأ الخيط عبر عدة أجيال آخرها ـ ‏بالنسبة لي ـ ( رونيل ) السوداء ..‏
‏" فهل كانت ( رونيل ) تتأهب للذهاب الى ( البلطيق ) لتحرر هذا الساحر لكن ‏الناس أعدموها قبل ذلك ؟ في هذه الحالة هي لم تتم عملها سوف تعود .. لكن في ‏صورة من ؟ "‏
ـ " في صورة ( إليانور ) يا عزيزتي .. في صورة ( إليانور ) التي كبرت في شهر ‏او اكثر .. ادعت فيما بعد ان اسمها ( جلوريا ) .."‏
قلتلها بصوت مسموع مخاطبا روح الكاتبة الشابة التي حاولت تقمص أفكار ‏وشخصية الساحرة ..‏
ودسست الأوراق في جيبي واختلست نظرة الى الشرفة البعيدة ..‏
زوجتي الحبيبة تقف هناك والطفل على كتفها .. من الواضح انها تراقبني ..‏
لا اعتقد انها تقرأ ما في يدي من مسافة عشرين متر ، لكني لا استبعد شيئا بالنسبة ‏لها .. وما في ذلك ؟ هي تعرف انني عاجز عن الفرار .. عاجز عن اتخاذ القرار .. ‏ما ان اراها حتى اتحول الى الأبله المنبهر بجمالها ، والأب الطيب لطفلها ..‏
يمكن القول إنني الآن اعرف ما سيحدث ..‏
وإن كنت عاجزا عن منعه..‏
ستذهب الى ألمانيا ولسوف تحاول ان تحرر هذا الـ ( جيلبرت ) لو كانت الأسطورة ‏صحيحة ..‏
هنا يبرز سؤال مهم : ما دوري في هذا كله ؟ كان بوسعها عمل ذلك دون ان ‏تتزوجني او تنجب مني ..‏
فلماذا انا دون غيري .. لماذا ؟ ‏
لو كانت تريد زوجا ـ أي زوج ـ فهناك ألف واحد يصلح ، وحتى ( جراهام ) رئيس ‏الخدم يصلح وهو أجمل مني بكثير ..‏
السؤال الثاني : هل ( ماجي ) في ألمانيا فعلا ؟ ماذا تفعل هناك وحدها ؟ ولماذا ‏تركت الطفلة هنا ؟ هل كانت الطفلة قد بدأت في النمو بذلك الشكل المفزع الغريب ؟ ‏
السؤال الثالث : ماذا ينتظرني هناك ؟ ‏
وخطر لي انه لا بد من إعادة هذه الأوراق لمكتب ( ماجي ) حالا ..‏

^RAYAHEEN^ 29-11-05 11:27 PM



8- دي إنزيل ..‏


قال لي ( سمير ) وهو يمسك يدي بيده الصغيرة : ‏
ـ " لماذا نحن ذاهبون الى المانيا يا ابي ؟ "‏
لم ادر ما اقول .. طبعا يصعب عليه ان يفهم قصة ( جيلبرت ) والكهف ..‏
صحيح أنه ينمو بسرعة لا تصدق .. صحيح انه الآن في السابعة من عمره حسب ‏نموه العقلي والنفسي والبدني ، لكن عمره شهر حسب تاريخ المولد ، إلا ان هذه ‏الأشياء تظل بعيده عن فهمه ..‏
يجب ان اقول هنا إنه كان يتكلم العربية والإنجليزية معا .. هكذا يتفاهم مع ابيه ‏وامه ..‏
قلت له وانا الثم جبهته : ‏
ـ " ذاهبون الى المانيا لاننا لا نعرف مكانا آخر نذهب إليه .."‏
حقا يجب ان تظل هذه القصة سرا لو خرجت منها سالما .. انا تزوجت ( إليانور ) ‏الطفلة التي لم تعد طفلة ، وأنجبت منها خلال شهر ، طفلا هو الآن في السابعة من ‏عمره بعد شهر آخر ..‏
هل هذا القصر يتميز بظاهرة تعجيل الزمن ؟ انا لم افهم النسبية قط لكني اعتقد انها ‏تتحدث عن اشياء كهذه .. ولكن بالعلم هذه المرة ..‏
إن الفارق بين العرب القوطي ورعب الخيال العلمي هو ان المسوخ والخوارق ‏يفزعوننا في النوع الأول بينما الآلة هي التي تفزعنا في الثاني .. يقولون إن ‏الكتاب لم يجدوا مشكلة عندما ولد أدب الخيال العلمي . .حل العالم المجنون محل ‏الساحر .. وحل الاختراع العجيب محل الشبح .. لكن الحبكة ظلت هي هي ..‏
لو كانت النسبية تفسر ما انا فيه فقد حان وقت دراستها جيدا .. وإنني لأحسد ( ‏ماجي ) لأنها تفهمها ..‏
‏*** ‏
تقع ( روشتوك ) ـ التي شيدت في القرن الثاني عشر ـ شمال شرق ( ألمانيا ) ‏الشرقية .. لم تكن ألمانيا موحدة وقتها طبعا ، وكانت تعاني من ذلك الصدع القديم ‏يوم دخل السوفييت ( برلين ) من الشرق ودخل الأمريكان ( برلين ) من الغرب ، ‏وانتحر ( هتلر ) .. من يومها ظلت ألمانيا مقسمة .. الشرق ينتمي الى عالم ‏الشيوعية والحزب والبروليتاريا ، والغرب ينتمي إلى عالم الهامبرجر وديزني لاند ‏وشعار ( العالم الحر ) . . الشرق يعد بجنة على الأرض يوم تعم الحتمية التاريخية ‏وتثور البروليتاريا في كل العالم ، والآخر لا يعد لكنه يقدم بالفعل جنة أرضية ‏صناعية قوامها الكولا والهامبرجر وأفلام ( هوليوود ) المبهرة ..‏
خلف الستار الحديدي كما يقول ( تشرشل ‏Churchil ‎‏) .. هكذا عبرنا الى عالم ‏آخر بمقاييس أخرى ..‏
تقع المدينة على نهر ( فارنوف ) .. قرب بحر ( البلطيق ) .. وهي مركز بحري ‏حساس وميناء بالغ الأهمية .. وفيها أقدم جامعة في شمال أوروبا ..‏
ويمكنك بسهولة ان ترى آثار القذف اثناء الحرب العالمية الثانية .. بعض هذه ‏الآثار لا ينوون التخلص منها لأنها نوع من التاريخ الحي الناطق ..‏
كانت ( جلوريا ) ـ أم هي ( إليانور ) أم ( رونيل ) ؟ ـ معي .. ويجب ان اقول إنها ‏كانت هي ( رجل البيت ) .. كانت المسئولة عن الإنفاق والتنقل وحجز القطار ‏والفندق .. وكانت تتحرك كأنما مارست نفس الرحلة الف مرة ..‏
وفي ذات يوم الوصول اتجهت الى المرفأ وبحثت عن يخت صغير للإبحار ..‏
سألها البحار بالألمانية عن شيء ما ، ثم راح يهرش رأسها في حيرة.. لم يبد على ‏استعداد لتصديق ما تقول ..‏
سألتها حين عادت عما طلبتبه ومنذ متى تجيد الألمانية .. فقالت باسمة :‏
ـ " انا اجيد اشياء كثيرة .. اما ما طلبته فهو يخت نبحر به في بحر البلطيق ‏Baltic‏ .. إن الجزيرة التي ابحث عنها غير مرسومة على الخارطة لكنهم ‏يعرفونها ويكرهونها .. ويطلقون عليها هذا الاسم المحايد ( الجزيرة ) .. ‏Die ‎Insel ‎‏ .."‏
سألتها متظاهرا بالبراءة : ‏
ـ " يكرهونها ؟ لماذا ؟"‏
قالت متظاهرة بالبراءة هي الاخرى : ‏
ـ " وكيف لي ان اعرف ؟ إن البحارة قوم شديدو التطير .. غرقت سفينتان قرب ‏هذه الجزيرة لاعتبروها مشئومة .. ثم يتناقلون هذه القصة حول النار ليلا وهم ‏يدخنون غلايينهم .. بعد قرنين تصير حقيقة لا يناقشها احد .."‏
ثم قالت بلهجة عملية براجمانية : ‏
ـ " الليلة نتحرك الى هناك !"‏
صحت في جزع : ‏
ـ " ومن قال إنني اجيد الملاحة ؟"‏
ـ " انت لا تجيد أي شيء .. لكن كما قلت لك انا اعرف الكثير من الأشياء .."‏
ومشينا في المدينة .. مررنا بجامعتها العتيقة التي تعود الى عام 1419 .. وكانت ‏هناك مجموعة من الكنائس قوطية الطابع .. طبعا .. انت هنا في بلاد القوط ذاتها ..‏
لكن ما كانت تبحث عنه هو كنيسة ( سانت ماري ) .. كانت هناك في ساحتها ساعة ‏غريبة الشكل هي اقرب الى مزولة .. نظرت لها وقالت ضاحكة :‏
ـ " هذه ساعة فلكية تعمل بدقة تامة من عام 1472 حتى اليوم .. ولم تتوقف لحظة ‏‏.."‏
اصابتني الدهشة ، وان دهشت اكثر لاهتمامها البالغ بالآثار .. لكنها قالت وقد رات ‏حيرتي : ‏
ـ " ما اقوم به لا يعتمد على توقيت محلي .. إنني اعتمد على التوقيت الفلكي ذاته .. ‏وهذه الساعة تخبرني بان علي الرحيل هذه الليلة .. سيتم ( الأمر ) الليلة .."‏
ساد صمت طويل ثم سألتها : ‏
ـ " هل انت مندهشة لانني لا أسألك عن شيء ؟"‏
ـ " بل سأندهش لو فعلت .."‏
وانطلقت تجد السير مبتعدة عني بقامتها الرشيقة الفارعة ، وهتفت دون ان تنظر ‏لي : ‏
ـ " ستحتاج الى ثياب تقينا برد البحر وبلله .."‏
ـ " وطعام ." ‏
ـ " لا طعام !! هيه هيه ! صدقني لن تحتاج الى طعام !!"‏
‏*** ‏
يطلقون عليها ( الجزيرة ) .. تحاشيا للمزيد من التفاصيل ..‏
لقد جاء الليل ..‏
ومعه تحرك ( رونيل ) السوداء ..‏
لن أناديها بعد اليوم باسم ( جلوريا ) .. لن أناديها بـ ( إليانور ) .. إنها هي ( رونيل ‏‏) السوداء ذاتها ..‏
تقف خلف الدفة كأنها الشيطان يرتاد نهاية العالم ، ترتدي سترة واقية من البلل ‏وعيناها الزرقاوان الوحشيتان تلمعان في ضوء لا اعرف من اين ياتي ..‏
تقاوم بحر البلطيق ذاته .. تقف شامخة على الدفة .. بينما الرذاذ يتطاير ليغرق ‏شعرها .. فتزحه لتسلط عينا واحدة على البحر من جديد ..‏
إنها تتكلم باللاتينية .. ماذا تقول ؟ لا اعرف .. تضحك احيانا ثم تصمت .. ارجو ان ‏تكون ساحرة حقا وليست مجرد مجنونة وإلا فنحن ضائعون لا محالة .. لا يستطيع ‏مقاومة هذه العاصفة إلا بحار محنك او ساحرة ..‏
وارتجفت .. امسك بيد ( سمير ) حيث جلسنا في موضع آمن من اليخت .. وقد دفنا ‏رءوسنا في ستراتنا الثقيلة الواقية من البلل ..‏
ما هذا الذي مضينا اليه ؟ ما هذا الذي سنلقاه ؟ ‏
يقول ( سمير ) راجفا : ‏
ـ " ابي .. إن امي عصبية جدا .. انا خائف !"‏
فأوشك على ان اقول له إن الحال واحد ، ثم اصمت ..‏
بحر البلطيق الرهيب .. الذي يقع بين ( المانيا ) و ( فنلندا ) و ( الدانمارك ) و ( ‏السويد ) و ( بولندا ) .. بحر العواصف الذي لا يرفق بالسفن ابدا .. متوحش مثل .. ‏مثل ( رونيل ) السوداء ..‏
إنه ليس ببعيد عن بحر الشمال الأسطوري .. فقط تربطه به فتاة ( القيصر فلهلم ) ‏‏..‏
كنت افكر في هذا وأتحسس ذلك القضيب الحديدي الملقى على السطح الزلق بقربي ‏‏.‏
فقط بعض الشجاعة .. بعض الحسم .. ضربة واحدة وينتهي الكابوس .. سيجن ‏الطفل هلعا لكنه لا يعرف أنني انقذه .. انقذ العالم كله في الواقع ..‏
امد يدي واعتصر القضيب اكثر ..‏
انهض مترنحا .. فيقول شيئا لكني أشير له كي يخرس ..‏
أتقدم الى الأمام .. وفجأة ..‏
‏( بحر الواصف الذي لا يرفق بالسفن ابدا ..) ‏
موجة كاسحة تنهض من سباتها كالديناصور .. تزحف تحت اليخت فأجد اننا نرتفع ‏الى عنان السماء ثم نهوى .. واسقط على الارض .. يسقط القضيب من يدي .. ‏اتشبث في آخر لحظة بعارضة معدنية، وانكمش على نفسي حتى تستقر السفينة ..‏
ـ " إن البحر في صفي يا ( رفعت ) فلا تتجاهله ! "‏
قالتها وانفجرت في الضحك ..‏
كيف عرفت ؟ إنها لم تنظر للوراء لحظة ..‏
إنها تعرف الكثير من الأشياء حقا ..‏
الخالصة إنها ليلة سوداء ..‏
‏*** ‏
يطلقون عليها ( الجزيرة )لانهم يتطيرون من اختيار اسم لها..‏
وقد كنا الآن نراها من الشاطئ .. نقف خارج حزام الصخور المحيط بها ..‏
يبدو انها صغيرة جدا .. وإن بدت لي شريرة بما يكفي .. عن هذا المكان يحوي ‏طاقة نفسية مرعبة . . اعرف هذا .. اشعر به ..‏
كانت ( رونيل ) ـ أو المدام ـ تحمل حقيبة ثقيلة على كتفها .. وراحت بعدما ترجلت ‏تشق طريقها بثقة وقد بلغ الماء خصرها .. لم ادر ما افعله فوضعت الصغير على ‏ظهري ، كأنه يركب حصانا .. كل ساق على كتف ورحت اشق طريقي في الماء ‏خلفها .. إن الظلام يجعل الامر كابوسا .. هناك قمر خلف الغيوم لكنه لا يعمل جيدا .. ‏مزاجه متعكر بعض الشيء ، وقد ارغم على السهر بانتظارنا ..‏
أخيرا وقفت على الشط وراحت تتشمم الهواء في استمتاع ، وقالت : ‏
ـ " استعددت لهذه الرحلة طيلة حياتي .."‏
ـ " هذه الحياة فقط ؟"‏
ابتسمت في خبث وتقدمت الطريق .. كانت تعرف وجهتها وكانت مصممة على ‏الوصول اليها ..‏
نظرت للشاطئ الرهيب خلفنا .. هل انا احلم ام ان هذا شبح قارب يقف وحيدا فارغا ‏بين الامواج ؟
من ديري ؟ لربما غرقت سفن اكثر من اللازم قرب هذه الجزيرة الملعونة ..‏
هناك ذلك الكهف .. نني اراه بوضوح..‏
إنه خبيث الشكل ككل شيء على تلك الجزيرة ..‏
دون تردد دلفت ( رونيل ) من المدخل ، فتبعتها وانا امسك بيدي الصغير .. كانت ‏تعر طريقها في الظلام ، اما انا فاضطررت الى التوقع حتى لا احطم عنقي .. ‏سمعتها تغمغم بشيء ما .. ثم .. منذ متى كانت تحمل مصباحا ؟ لم أرها تحمل ‏مصباحا ، لكني ارى بقعة من النور أمامها .. وها هي ذي تتقدم الطرق فنتبعها ‏وظلالنا ترسم رسوما سريالية مفزعة على الجدران ..تمزق خيوط العنكبوت وهي ‏تمشي .. وتفزع الوطاويط التي تحلق لمكان آخر ..‏
صحت فيها والصدى يولول بدوره :‏
ـ " ساترك الطفل في الخارج !"‏
ودوى الصدى مرارا : رج .. رج .. رج .. كان الإغريق يعتقدون ان الصدى هو ‏الفتاة ( إيكو ‏Echo ‎‏ ) التي لعنتها ( هيرا ) وجعلتها تردد آخر مقطع من كل جملة ‏تقال امامها .. يدبو ان الاخت ( إيكو ) كانت تنتظرنا من زمن ..‏
صاحت بدورها بينما بقعة النور تواصل التقدم : ‏
ـ " خطر جدا .. إنه اكثر أمنا هنا .."‏
نا .. نا .. نا .. نا !‏
اعرف اننا نهبط باستمرار .. اعرف اننا الآن تحت مستوى البحر ذاته .. والكهف ‏ممتد .. الهوابط من اعلى تقطر ماء ، والطحلب يغطيها ..‏
اخيرا هناك تلك البوابة الخشبية العملاقة ذات الخشب الذي اعجب لكونه لم يتلاش ‏حتى اللحظة .. إن الصناعة القوطية بارعة حقا ..‏
على الباب شعار عملاق . . وكل الشعارات على ما يبدو تحوي التنين والنسر .. ‏وهناك كتابة بلغة عجيبة لا اعرف حروفها.. لا .. ليست اليونانية ولا اللاتينية .. ‏هي اقرب الى مجموعة من نقوش .. لكنها تقف هناك .. تسلط ضوءها الذي لا ‏اعرف مصدره على الحروف وبصوت جهوري تهتف : ‏
ـ " داسيوس ريانوس هلكعال جيلبرت !!"‏
هنا فقط بدأ الدخان يتصاعد .. يخرج من تحت الباب ومن فجواته .. يخرج من كل ‏شق فيه .. دخان كثيف ازرق له رائحة الكبريت ..‏
وشعرت بشعبي الهوائية تتقلص ورحت اسعل ،اما ( سمير ) فلك ان تتصور حالته ‏‏.. رباه .. لا تبك .. أرجوك لا تبك ..فهذا يقضي على أعصابي تماما ..‏
قلت لها في حزم :‏
ـ " لا اعرف ما تنوين عمله .. ولا حيلة لي في الخلاص منك .. لكن تذكري ان هذا ‏ابنك !"‏
نظرت لي بجانب وجهها .. وضع ثلاثة أرباع خلفي كما يقول المصورون ، وهتفت ‏من جديد : ‏
ـ " داسيوس ريانوس هلكعال جيلبرت !!"‏
الصدى يوقل : برت .. برت .. برت !!‏
الباب ينفتح ببطء .. ينفتح ..‏
‏***

^RAYAHEEN^ 29-11-05 11:28 PM



9-السجين يتحرر ..‏


لم نر ما يوجد بالداخل لأنها شقت الطريق وحدها ..‏
ووقفت مع ( سمير ) وحدنا بالخارج عاجزين عن الفرار .. عاجزين عن اللحاق بها ‏‏..‏
الدخان يزداد كثافة .. الرائحة خانقة فعلا .. أوشك على الموت بالربو حالا ..‏
متى تلقيت الضربة على راسي ؟ لا اذكر .. لكنها جاءت في وقت لم اكن ارى فيه ‏شيئا على الإطلاق .. وساد الظلام .. كما هي العادة ..‏
شعور السقوط الأبدي الى أسفل ..‏
إلى أسفل..‏
إلى أسفل ..‏
إلى أسفل ..‏
‏*** ‏
يطلقون عليها ( الجزيرة ) .. لأنهم يتطيرون من اختيار اسم لها ..‏
والآن حين فتحت عيني أدركت اننا لم نكن وحدنا على الإطلاق ..‏
كم كان عدد الرجال ؟ عشرة؟ ربما .. لكنني لم أتبين وجه واحد منهم .. وتذكرت ‏كيف كان يبدو الوباء ذو الكلمات السابع .. إن هذه الكائنات الظلامية تعرف كيف لا ‏تبدو في النور ابدا .. لا بد من ان ينسدل غطاء الرأس بحيث لا ترى إلا لمحة من ‏وجوهها في كل مرة .. وهذه اللمحة لا تكفي إلا لإثارة الذعر ..‏
هل جاء هؤلاء القوم في سفينة أخرى ؟ تلك التي وجدتها قرب الشاطئ ؟
الحقيقة الاهم هي انني مقيد في وضع النسر المحلق .. مقيد بالسلاسل الى منضدة ‏خشبية عتيقة .. هذا هو وضع التضحية الوثنية الشهير ، ولن اندهش لو كان باقي ‏البرنامج يتضمن شق حنجري من اجل .. من اجل من ؟
ونظرت جواري فرأيت في ضوء المشاعل ان ( سمير ) راقد في وضع مماثل ..‏
منذ فترة قصية كانت الطفلة ( إليانور ) تمر بالتجربة مثلنا .. لكنها لم تكن في خطر ‏على حياتها .. كانت في خطر على مستقبلها .. لم تعد طفلة عادية بل صارت ساحرة ‏‏.. فهل مستقبل مماثل ينتظرنا ؟
تبا .. ينسى هؤلاء القوم إنني لا اطيق النوم على ظهري . إن عسر التنفس يداهمني ‏على الفور .. أو كما يقولون ( تضيق روحي) .. لو كانوا يريدون التضحية بي ‏فليفعلوا ذلك وانا نائم على جانبي الايمن ..‏
أخيرا زوجتي الحبيبة تظهر من مكان ما وسط هذا الكهف المقبض ..‏
ما زالت جميلة وإن ارتدت كل ما يلزم للمسرحية القادمة .. بدا لي كأنما عدنا بآلة ‏الزمن الى القرن الثالث عشر او الرابع عشر .. وكان شعرها مغطى بخيوط ‏العنكبوت فبدا متناغما مع ثيابها ..‏
قلت لها وان أجاهد كي ارفع راسي :‏
ـ " سأكون شاكرا لو شرحت لي ما يحدث .."‏
قالت وهي تحرك ذراعيها كأنها رقصة هندية ما :‏
ـ إن خلاص ( جيلبرت ) من ( كاتيوم ) عسير .. والدليل كل السحرة الذين فشلوا ‏عبر القرون في تحريره .. ودعني اقل لك ايها العزيز ان تحرره يعني نهاية التاريخ ‏كما تعرفه .."‏
ـ " اعرف هذا .. لكن ما دوري انا؟"‏
ـ " الطقس الاول هو البنوة .. يجب ان يضحي الساحر بإبنه .."‏
ارتجفت لهول الفكرة .. هي لم تنجب إذن إلا ليكون لديها من تضحي به ..‏
ـ " الطقس الثاني : الدمان .. يجب ان يسيل على قيود ( جيلبرت ) دم اب وابنه .."‏
بدأت افهم .. هي إذن ستضحي بي كذلك .. كانت بحاجة لاب وابن .. على ان يكون ‏الابن ابنها كذلك .. هكذا تضرب عصفورين بحجر .. ولكن لماذا انا بالذات ؟ لماذا لم ‏تتزوج ( جراهام ) الخادم او بائع الصحف او أي أحمق سواي ؟ ‏
الانتقام !‏
نعم .. الانتقام .. هذا معقول .. انا من كشف ان الطفلة هي ذاتها ( رونيل ) وكاد ‏يفسد الكثير من الأشياء في ايرلندا .. ربما لهذا نمت بهذه السرعة الجهنمية .. ربما ‏لهذا تم اختياري لهذا الفخ .. فقد كانت تعرف انني قادم إلى ( إنفرنسشاير ) ..‏
ـ" الطقس الثالث هو المحرقة !"‏
هذا الجزء لا يروق لي .. هل تنوي حرقنا بعد قتلنا ام العكس ؟ ‏
المهم انها راحت تدور في المكان وهي تؤدي مشهدا طويلا معقدا من مسرحية لا ‏وجود لها .. لو كانت هناك نسخة من ( هاملت ) باللغة القوطية القديمة فلا شك انها ‏تؤديه الآن ..‏
وفطنت الى انها تتلو ما تقرؤه من اوراق .. هناك نوع من التلقين إذن .. ليست ‏بهذه الذاكرة الحديدية ..‏
هذه الأوراق اعرفها .. حتى من مكاني هذا وفي هذه الإضاءة الخافتة المتوهجة ‏بالمشاعل .. هذه الأوراق التي كانت مع الكاتبة والتي جاهدت ( ماجي ) كي ‏تترجمها ..‏
الوقت يمر ..‏
الطفل يولول ..‏
الدخان يتصاعد ..‏
القراءة تستمر ..‏
ثم انها صعدت إلى ما يشبه العمود المنصوب في ركن الكهف وارتخى جسدها تماما ‏بينما تقدم رجلان يقيدانها بسلاسل لا اعرف من اين جاءت ...‏
إنها تصيح فيهما بالإنجليزية هذه المرة : ‏
ـ " حين انتهي انا .. قدموا التضحية !"‏
ما معنى هذا ؟ تبا لقد فهمت !‏
‏*** ‏
صرخت في تلك المخبولة وانا احاول النهوض : ‏
ـ " لا تفعلي يا حمقاء ! كل هذا وهم .. انت لن .."‏
لكن ضحكة الانتصار كانت تشيع على وجهها بينما الرجلان يشعلان النار في كومة ‏من الخشب عند قدميها .. إنها المحرقة كما قالت لي ! ستحرق نفسها من اجل ( ‏جيلبرت ) جزء من تلك الطقوس .. ربما لانها تلقت وعدا بان تكون منه او له .. لا ‏اعرف .. لا افهم هذا الهراء ..‏
السنة النار تتعالى .. لو لم اكن مخطئا فقد مرت هذه المراة بهذه التجربة الشنيعة ‏عشرات المرات .. لقد صارت الاحتراق هواية محببة لها ..‏
الآن يتقدم الرجال حاملين خناجرهم نحو الضحيتين المقيدتين .. انا والطفل ..‏
عندما تلفظ هي آخر انفاسها ستهوى النصال علينا ويمتزج الدمان .. ثمن غال جدا ‏كي يتحرر ( جيلبرت ) ..‏
صرخت بأعلى صوتي : ‏
ـ " لا تفعلي يا حمقاء ! كل التعاويذ التي قلتها خطأ !"‏
اتسعت عيناها في شك من وراء الدخان المتصاعد ..‏
ـ " لقد قامت ( ماجي ) بتزييف تلك الأوراق .. ترجمتها ثم حذفت عبارات وبدلت ‏أخرى.. عرفت هذا وانا افتش مكتبها !! إن ما قمت بتلاوته كلام فارغ !!"‏
صارت عيناها الآن بلون الدم .. وراحت تحاول التملص ..‏
لكن اللهب ارتفع اكثر ..‏
عندها نظرت الى سقف الكهف واطلقت عواء كعواء الذئب .. اقسم انني رايت ‏وجهها الحقيقي وقتها ، ولم يكن يمت لوجهها الذي عرفته بصلة .. سوف يزور ‏كوابيسي الى الابد ..‏
ـ " داسيوس ريانوس هلكعال جيلبرت !!"‏
ثم سكنت صرختها ..‏
لقد ماتت دونما ثمن ، والأسوأ انها عرفت هذا في اللحظة الأخيرة ..‏
وفي اللحظة التالية انقض الرجال ـ الذين لم يفهموا ما قلت ـ علينا بمديهم ..‏
وفي اللحظة التالية ارتج الباب الموارب في طرف القاعة ..‏
رباه ! إن هذا صحيح ..‏
‏*** ‏
هوى الباب مرة واحدة .. لم ار شيئا من الدخان ..‏
لكن .. بين الغمام ترى شيئا من حين لآخر .. ترى الرجل المقيد العملاق .. ترى ‏الأسمال التي يلبسها .. يمكنك ان تفهم انه مقيد الذراعين بالسلاسل إلى عارضة ‏خشبية فوق كتفيه ..‏
يمكنك ـ بشكل ما ـ ان تفهم انه انتزع العارضة التي قيد إليها .. إنه يقتحم المكان ‏كأنه ( شمشون ) يهدم المعبد فق رءوس أعدائه ..‏
ثم يرتفع الدخان ثانية فلا ترى شيئا ..‏
لكنك تسمع وربما ترى .. تسمع الرجال ـ او المسوح ـ إذ يجثون على ركبهم ‏ويرددون شيئا ما بتلك اللغة الغامضة ..‏
انتهى الأمر .. كانت مناورة وفشلت .. لقد كنت حمقاء يا ( ماجي ) .‏
ـ " داسيوس ريانوس هلكعال جيلبرت !!"‏
ـ " داسيوس ريانوس هلكعال جيلبرت !!"‏
لا بد ان معناها ( لقد لبينا النداء يا جيلبرت ) أو ( قد جئنا لنحررك يا جيلبرت ) او ‏شيء من هذا الهراء ..‏
لكن الأمور لا تسير على ما يرام ..‏
إن هذا الشيء الذي كان حبيسا من قرون يتحرك في هياج .. يرفع رأسه لسقف ‏الكهف ويعوي ..‏
يعوي لا كعواء ( رونيل ) ولكن كعواء الشياطين في سقر ، او ديناصور سقط في ‏بركة قطران فلم يبق إلا راسه .. ترتج جدران الكهف .. تسقط الهوابط المدببة على ‏جسدي ومن حوله ..‏
‏( هل ابني سليم ؟ ) ‏
يرتطم بالجدران الصخرية .. جحيم من الدخان والغبار .. ثمة زلزال ام هو وقع ‏قدميه الثقيلتين ؟ ‏
يتلوى .. يصرخ .. يعوي ..‏
يعوي .. يصرخ .. يتلوى ..‏
ثم يتقهقر الى الوراء .. نحو الباب المفتوح ..‏
وغاب وسط الدخان الأزرق الكثيف من حيث جاء ..‏
وفي ثانية لم يعد الرجال من حولنا . .عشرات الفئران تجري فارة من الكهف ..‏
بعضها يتسلق الجدران ، وبعضها يزحف فوق ساقي .. وبعضها يسقط من اعلى ..‏
ثم ساد الصمت الرهيب ..‏
‏***

Ala_Daboubi 30-11-05 09:36 AM

laaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa

mshaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaan allah lamleeeeeeeeha

mosh ma3gooool haik

3a fikras el qisa aktar min raw3aaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa

^RAYAHEEN^ 30-11-05 09:50 AM

ههههههههههه علاء بدك اكتب الخاتمة هلء لهالقصة !!!

Ala_Daboubi 30-11-05 09:54 AM

yes please

^RAYAHEEN^ 30-11-05 10:00 AM



الخاتمة ..

كم من الوقت فقدت رشدي ؟
لا احد يستطيع الحكم على هذه الاشياء ..
فقط فتحت عيني لارى ظلام الكهف من حولي .. لقد ماتت المشاعل جميعا ..
ظلام دامس يجثم على روحي ,.. وصمت مطبق رهيب ..
ـ " ( سمير ) .. هل انت بخير ؟ "
لا رد ..
ـ " ( سمير ) .. هل انت بخير ؟
لا رد ..
كنت اعرف الاجابة . هذه الهوابط المدببة التي سقطت من اعلى لعبت دور الف مدية تسقط فوقك في آن واحد .. انا نجوت ببساطة لأنني انجو دائما من هذه الاشياء .. لطالما تصورت نفسي وقد كونت اسرة اقود سيارتي على الطريق السريع .. ينفجر الاطار الامامي .. تنقلب في الترعة .. عندها من ينجو ؟ من يخرج من الماء بلا خدش ؟ إنه انا طبعا .. بينما لا يبقى احد حيا من اعزائي .. كان هذا الكابوس يؤرقني .. مشكلتي انني اظل حيا بعد من احب ..
فقدت ( سمير ) ولا ادري من افقد بعد هذا ..
ورحت انشج بصوت عال في الظلام ..
انشج وانا ما زلت في وضع النسر المحلق .. لا سبيل للخلاص لان هؤلاء القوم يستعملون السلاسل ..
ساكون اسطورة اخرى يتناقلها البحارة وهم يدخنون غلايينهم ليلا حول النار . العجوز الذي يبكي ليلا في كهف في ( الجزيرة ) .. لقد سمعه كثيرون .. وصوت بكائه يجمد الدم في العروق .. لا تقربوا الجزيرة ففيها ساحر حبيس وعجوز يبكي وساحرة متفحمة .. و ..
من اين ياتي هذا الضوء ؟
هذا كشاف واقسم على هذا ..
صوت انثى . انثى .. و ..
إنني اعرفه .. واعرفها ..
( ماجي ) !!
نهضت مترنحا والغبار يتساقط من جسدي .. ورفعت راسي لاجد انني احدق في ابشع وجه صارخ رايته في حياتي .. جثة محترقة مربوطة بالسلاسل ولم يبق منها شيء تقريبا ..
قلت بصوت كالفحيح وانا اتراجع للوراء :
ـ " هذه ( إليانور ) .. او ما تبقى منها .."
قالت ( ماجي ) بلهجة ذات معنى :
ـ " فهمت هذا على الفور .. إنها ( رونيل ) السوداء الآن .."
ـ " ولكن اين ( سمير ) اين ابني ؟ "
وضعت ( ماجي ) يدها على يدي وقالت مواسية :
ـ " لن تجده يا ( رفعت .. لقد اخذوه معهم .. على الاقل لم يقتلوه امامك وانت مكبل بالأصفاد .. تذكر .. انت لا تعرف كيف جاء للعالم .. إنه ابنها .. فه منها اكثر مما فيه منك ، وقد انجبته لغرض واحد .. يجب ان تنساه .."
ونظر ( فريزر ) الى الباب الموارب في ركن المكان ، وقال وهو يلوك لفافة تبغه :
ـ " ارى ان نرحل الآن قبل ان يجد جديد .. هذا الكهف يشبه بيت الاشباح في الملاهي .. ويعج بالمفاجآت .."
***
ـ " داسيوس ريانوس هلكعال جيلبرت !!"
***
كنا جالسين في تلك الكافتيريا في مدينة ( روشتوك ) نرمق بحر البلطيق الذي لم يهدأ ساعة واحدة منذ البارحة .. امامي ( ماجي ) قدحا قهوة ، بينما ( فريزر ) يشرب ( الشنابس ) ليبرهن على انه فظ خشن ..
قالت لي ( ماجي ) مواصلة القصة التي بدأتها من ساعة :
ـ" .. وعرفت ان الفئران ليست بفئران بل هي تلقنها دروسها الاولى في عالم السحر .. إنها ( رونيل ) لكنها لا تملك ذاكرة ( رونيل ) .. هناك اشياء لا تعرفها او تحتاج لاسترجاعها .. هكذا عكفت على دراسة الاوراق التي كانت في حوذة الكاتبة وعرفت منها الكثير عن الساحر ( جيلبرت ) .. عن هذه الجزيرة .. عن التعويذة التي ستحرره ..
" في هذا الوقت كنت ارى ( إلياانور ) الصغيرة وهي تكبر بطريقة اثارت هلعي .. لاحظت ان الملاءة لم تعد تغطي جسدها .. احذيتها تضيق بسرعة .. وبدأت ادرك ان الامر لا يتعلق بالفصام .. بل هو اخطر من هذا .. إن الوقت يضيق ..
- " هكذا اتخذت قراري بالذهاب الى المانيا .. وحدي .. ما كنت لأصطحب الفتاة معي في رحلة كهذه .. لم يعرف بالقرار قبلها إلا ( جراهام ) .. ( جراهام ) الوفي الذي اوصيته بألا يندهش ولا ينفعل ولا يتكر القصر مهما حدث ومهما رأى .. كما اوصيته بأن يتجاهل الهاتف تماما حتى لا يسأله احد عن سبب رحيلي .. إن الطفلة مسئوليته بالكامل .. واخذت معي نسخة من الأوراق .. لكني اولا وقبل ان ارحل قمت بعملين كما تعرف :
اولا قمت بعمل تزوير دقيق لتلك التعاويذ القديمة .. بدلت كلمة من هنا وهناك وغيرت فقرات .. كل هذا بدقة متناهية مستعينة بالمجهر احيانا .. وكان تقديري ان هذا احتياط مهم لو صح توقعي .. ولم تكن ( رونيل ) تحفظ التعاويذ كما يجب .. سوف تفتش عن الاوراق في مكتبي وسوف تجدها ."
قلت لها وانا ارشف القهوة :
- " هذا اقسى مقلب شربته في حياتها .."
اردفت ( ماجي ) دون ان تبتسم :
ـ " العمل الثاني هو اني شرحت تزويري للاوراق في تلك الرسالة التي تركتها لك خلف إطار الصورة على مكتبي .. كان تقديري انك اذكى من ان تعتبر الصورة مجرد لمسة رومانسية بلهاء .."
قلت مرددا كلمات رسالتها ولاتي لم انسها قط :
ـ " الاعز ( رفعت ) .. لو حدث وجئت هنا فاحرص على لا تمس الاوراق على المكتب .. لقد قمت بتزير الوثائق القوطية القديمة .. واريد ان تجدها ( رونيل ) كن حذرا ( ماجي ).."
ـ " وبعد هذا طلبت عون ( إيوان فريزر ) ..
ابتسم الرجل في ثقة وبصق على الارض ليبين كم هو محترف .. فأردفت :
ـ " لم اكن لأستطيع الوصول الى هذه الجيرة وحدي .. ما كنت لأقدر عل عمل اي شيء من دونه وهو الرجل الشديد المراس الذي يعرف كيف يحقق ما يريده .. وكانت فكرتي هي ان نتمكن من تدمير الساحر قبل ان تحاول ( رونيل ) تحريره .. وطبعا كنا على الجزيرة في تلك الليلة حين راينا حشدا من ثلاثة انت منهم ، ينزلون على الشاطئ .. قررنا ان ننتظر ونرى .. عرفنا ان هناك عددا من الرجال لا يعلم إلا الله كيف جاءوا .. ما كنا لنقدر على مواجهة هؤلاء جميعا .."
قال ( فريزر ) كاشفا عن اسنانه الملوثة بالطباق :
ـ" اللعبة الطريفة هنا هي ان ( ماجي ) قد بدلت التعويذة بما يناسب الغرض الجديد .. إن ما قالته ( رونيل ) .. دون ان تدري ما تقول ـ كان استدعاء لقوة ( كاتيوم ) .. لقبضته التي بدأت تتراخى . إنها تنذره من محاولة ( جيلبرت ) الهرب .. وهكذا تحرر ( جيلبرت ) جزئيا فقط ليعود الى سجنه من جديد .."
ثم فتش في علبة التبغ التي يحملها فوجدها فارغة :
ـ " اللعنة ! إن علب التبغ هنا من اردأ الأنواع .. لن تجد اسوأ من هذا في أقذر جحر في ( غينيا ) .. لكني مضطر .."
ونهض مبتعدا .
قلت لـ ( ماجي ) وانا اراقبه وهو يمشي مشيته المعتادة ، في تحد وعدوانية كأنه خرتيت يطلب القتال :
ـ " الم تجدي خيرا من هذا الحيوان ليساعدك ؟"
قالت في خبث :
ـ " نعم .. لم اجد .. هناك رجال يصلحون للحوار الهادئ حول كتاب ، ورجال يصلحون لاقتحام الكهوف التي يمارس فيها السحرة طقوسهم .. إن ( إيوان ) كريم النفس إذ قبل ان يساعدني في عمل كهذا بداعي الصداقة .. بداعي قصة مشتركة لم يعد لها وجود الآن .. ثم إنك لا تملك ترف الغيرة .. لقد تزوجت وانجبت خلال شهرين من غيابي .."
قلت وانا اتامل القدح فارغا :
ـ " وصرت ارمل وفقدت ابني .. كل هذا في شهرين .."
ربتت على يدي وقالت :
ـ " وانا فقدت الطفلة التي كنت اهيم بها حبا . هي لم تتزوجك لجمال منظرك .. كانت تريد احمق يعطيها طفلا .. والهدف هو ان يسيل دم الاب والابن على المذبح ..وابنك لم يكن ابنك لكنه ابنها لو كنت تفهم ما اعنيه .. انت كنت في غيبوبة غارقا في رحيق الحب ، ولست مسئولا عن اي من قراراتك .. ولو كنت مكانك لحذفت هذا الجزء نهائيا من سجل ذكرياتي . . انت لم تتزوج ولم ترزق بطفل .."
قلت في شرود :
ـ ترى اين هو الآن وماذا يفعل ؟ "
ـ " لن تجد إجابة .. ربما رحل مع هؤلاء القوم الفئران وربما هو سجين مع ( جيلبرت ) . لن تعرف ابدا .. فقط تذكر .. هو ليس ابنك لمجرد انه يحمل نصف عدد كروموزوماتك .. إنه ابنها هي . بالكامل .."
ـ " وهل يتحرر ( جيلبرت ) يوما ما ؟ "
ـ " لا اعرف .. لكن هذا لن يحدث في حياتنا على الارجح .. "
ـ " وهل تعود ( رونيل ) ؟"
ـ " لا اعرف .. لكنها للمرة الاولى قد خدعت بحق .. ولم تكن لها الضحكة الاخيرة .. اعتقد انها لن تعود ابدا .."
وساد صمت طويل ن وتمنينا معا الا نراها مرة اخرى في اية صورة كانت ...
***
الآن اعود الى مصر ..
تفهمون الآن انني اكذب عليكم حين قلت أنني لم اتزوج ولم انجب . لا اعتبر نفسي قد فعلت .. ( رونيل ) .. هي التي فعلت ..
هذه الايام العابرة القاسية قد انقضت سريعا ، ولم تترك أثرا في حياتي .. ولا اعقد انه سيكون لها اثر ..
إلا ان حياتي ذاتها لم تتبدل كثيرا .
كان المتحف الاسود ينتظرني .. وتذكرة زيارته باهظة الثمن قد تعني الحياة نفسها ..
ولكن هذه قصة أخرى ..
( تمت )


Ala_Daboubi 30-11-05 10:27 AM

yeslaaaaaaaaaaaaaamoooooooooooooooooooooooo

^RAYAHEEN^ 30-11-05 10:49 AM

اي ولكمووووووووووووووووووووووووووووووو

^RAYAHEEN^ 04-12-05 01:17 AM



مقدمة المقدمة

لمن لم يلحظوا ان هذه حلقة رعب .. أقولها بصراحة .. ووضوح وصدق : هذه حلقة ‏رعب ..‏
ولمن يتساءلون عن معنى ( المتحف الأسود ) أقول بصراحة ووضوح وصدق : ‏هناك متحف في هذه القصة .. ويبدو أنه أسود ..‏
ولمن لا يعرفون أنني ( رفعت إسماعيل ) أستاذ أمراض الدم السمن .. أؤكد هذا بلا ‏تردد ..‏
قدمت لكم عددا من حلقات الرعب من قبل .. ذات مرة جلسنا في الإسكندرية عاجزين ‏عن العودة الى القاهرة ، وراح كل منا يحكي عن خبراته مع طراز معين من الرعب ‏‏.. في مرة جربنا طالعنا مع أوراق التاروت ، وكانت نبوءاته كلها مما تتقلص له ‏الأحشاء .. في حلقة رعب أخرى قمت بإذاعة بضع حلقات من برنامج ( بعد منتصف ‏الليل ) الذي يحكي فيه المستمعون عن خبراتهم المخيفة .. ثمة حلقة تحدث فيها كل ‏منا عن خبرته مع باب مغلق يكمن وراءه ما يخيف .. وآخر حلقاتنا كانت مع جانب ‏النجوم ، حيث تنتظر المسوخ كي تحكم علينا .. اينا الاكثر شرا ..‏
إنه ذلك الأسلوب الذي أحكي فيه قصصا قصير كحبات في عقد قصة اكبر تربط ‏بينها جميعا .. ولعل اقدم المحاولات في هذا الصدد كانت ( الف ليلة وليلة ) وقصص ‏‏( الديكاميرون ‏ Decamerone ‎‏ ) للإيطالي ( بوكاتشيو ‏Boccaccio ‎‏ ) .. ‏وفيما بعد اكتسب هذا النوع من القصص ـ كالعادة ـ مصطلحا مرعبا هو ( بورتامنتو ‏Portamento ‎‏ ) ، وهو مصطلح موسيقي أصلا .. هناك شركة بريطانية اسمها ( ‏اميكوس ) تخصصت في هذا الطراز في افلام الرعب .. و ....‏
لماذا اقول هذا الكلام الفارغ ؟
لا ادري .. يبدو أنني لن أتخلص من هذه العادة الذميمة ، ان اذكر ما اعرفه حين ‏توجد مناسبة لذلك ..‏
على كل حال هذه هي حلقة ( البورتامنتو ) الــ .. معذرة .. حلقة الرعب السادسة ..‏
ماذا جرى فيها ؟ من كان ضيوفها ؟ ‏
احسب ان الامر صار واضحا الآن .. فما دام هناك متحف اسود لا تحتاج الى شرح ‏أكثر ..‏
هل جاء الجميع ؟
جميل .. جميل .. لقد ازداد عددكم ثلاثة أو اربعة ، لكن هناك وجها افتقده .. اين هو ؟ ‏ها هو ذا .. افسحوا له من فضلكم .. إنه صغير الحجم ولن يسمع او يرى شيئا وسط ‏هؤلاء العمالقة الجالسين في الصف الأول ..‏
وانت كم سنك يا بني ؟ عشرة اعوام ؟ لا اعرف إن كان ما سأقصه الآن مما يناسبك ‏‏.. ستقول لي إنه كذلك ، ولسوف تضحك ملء شدقيك .. وبعد انتهاء القصة ستعلن في ‏فخر انها غير قادرة على إخافة قط صغير .. اعرف هذا ..أصدقه .. لكنك ستعود ‏لدارك وتخلو بنفسك .. عندها تفكر : مضحك هذا العجوز .. ولكن .. كم يكون مخيفا ‏لو حدث بالفعل أن ..‏
ثم تفكر قليلا .. تقرر ان تبقى إضاءة الغرفة فترة أطول قبل النوم .. إن القط الصغير ‏لا يملك خيالا .. اما انت فتملك .. انا لا أتحدث عنك بالذات .. لم اقصد أن أهينك .. ‏فقط قلت إنني افترض ..‏
حسن ؟ تريد البقاء ؟ ليكن ..‏
والآن نبدأ حلقة الرعب السادسة ، فأصغوا إلي ..‏

المقدمة ‏
إنه الخريف أخيرا ..‏


انا اعشق هذا الفصل بحق ، واعتبره أجمل فصول السنة في مصر .. لو أنصف ( ‏فريد الأطرش ) لغنى : " وآدي الخريف عاد من تاني " .. احتفظ أنت بربيعك ‏بعواصف خماسينه ، والرمد الحبيبي الذي يحرق عينيك ، وجو الامتحانات المخيف ‏الذي لا يعنيني في شيء . لكنه يسمم الجو بما يكفي بحيث تتقلص أمعاؤك كلما فتحت ‏الشرفة ، لترى ذلك الطالب يقف بالفانلة الداخلية في الشرفة ،، ممسكا بكتاب عملاق ‏وهو يحك رأسه محاولا إيصال بعض الدم الى مخ المكدود .. انظر لليمين لترى ‏جارتك الشابة تجلس على الارض في الشرفة ، منكوشة الشعر مثل ( ميدوسا ) وهي ‏لا تنفك تحملق في الأفق محاولة تذكر مساحة ( كورستاريكا ) .. اضف لهذا اغنية ( ‏شادية ) " الشمس بانت من بعيد " .. خارجة من المذياع ليكتمل الجو الجدير بأفلام ‏الرعب ..‏
لا من فضلك .. إن عندي الف سبب لأكره الربيع .. اما عن الصيف فلا تعليق . ‏‏.الشتاء يمكن ان يكون محببا لو لم تكن تمطر طينا في كثير من الأحيان ، ولو كانت ‏عظامي تتحمله ..‏
إنه الخريف .. الفصل العذب الراقي الذي لا يلبس ( المايوه ) ولا يعطس في وجهك ‏ن ولا يتنهد وهو يقطف الورد من المرج .. ‏
كنت جالسا في الشرفة بعد الفجر بقليل أتحسس لذعة برد محببة ، وارشف الشاي ، ‏وأتسلى بقراءة خطاباتي ..‏
تلك المجموعة المعتادة من الخطابات التي تهددني بخراب بيتي ، او تلومني على ‏شيء لا اذكر انني فعلته .. او تطلب أشياء يستحيل ان أفي بها .. ثمة خطاب من ( ‏ماجي ) أبقيته الى النهاية طبعا .. ثمة خطاب من ابن خالي في ( المنصورة ) .. ‏خطاب من شخص يهددني بأن يفضحني لان عنده الوثائق كلها .. طبعا لا اعرف ‏حرفا عن الموضوع ، ومن حقه ان يفضحني لكنني ارجو اولا ان يشبع فضولي ..‏
ثم كان الخطاب ..‏
كان مقتضبا الى حد كبير ، لكنه اثار اهتمامي .. وكان مكتوبا بالعربية بخط أنيق ‏نضيد يذكرك بالأسنان في إعلانات معجون الأسنان .. يقول : ‏
عزيزي د. إسماعيل : ‏
‏" اعرف انك رأيت الكثير .. وما زال أمامك الكثير لتراه . يقولون إن المال يجلب ‏المال .. وانا اعتقد ان الرعب يجلب الرعب كذلك .. ما اطلبه هو زيارة منك لداري ‏المتواضعة للقاء .. ولسوف تشرح الأمور نفسها ، لأني امقت المقدمات .."‏
وفي نهاية الخطاب كان هناك اسم ( مازن ابو يوسف ) مطبوعا وليس بخط اليد ‏وتحته توقيع انيق يصلح شعارا لأسرة من نبلاء القرون الوسطى .. وكان هناك رقم ‏هاتف يبدو انه من الإسكندرية ..‏
طبعا لا يحمل الخطاب أي وعد ولا يقول اية تفاصيل ..هذا بالضبط هو المثير فيه .. ‏أذكر منذ سنوات ان امريكيا نشر في الصحف كلها يقول : " إنها فرصتك الأخيرة .. ‏أرسل دولارا الى العنوان التالي .."‏
هذا الاعلان لم يتضمن أي وعد من أي نوع ، لهذا أرسل كل الناس تقريبا دولاراتهم ‏الى العنوان المذكور ، فلا بد ان هذا العبقري الخبير بعلم النفس قد صار مليونيرا !‏
هكذا وضعت الخطابات جانبا .. وانتظرت حتى يأتي وقت مناسب للاتصال .. اعتقد ‏أنه العاشرة صباحا .. وطلبت الرقم المذكور ..‏
جاءني صوت ( مازن ) وقورا هادئا يتساءل عمن هنالك ، فأخبرته .. قال في سرور ‏حقيقي :‏
ـ " سعيد باستجابتك هذه ...‏
ـ " انا احب الاشخاص الذي لا يعدون بشيء .."‏
ـ " وانا احب الأشخاص الذين لا ينتظرون وعدا .."‏
ـ " فقط اطلب وعدا بان الموضوع ليس تافها .. انت تفهم هذه الامور .."‏
ـ " اعدك بان الموضوع ليس تافها .."‏
ـ " هناك من يطلبون مني ان اذهب اليهم للاهمية ، ثم يتضح انهم يريدون معرفة ‏رأيي في دواء الإمساك الذي يأخذونه على الريق، او حيرتهم في الاختيار ما بين ابنة ‏خالتهم الجميلة لكنها بلهاء قليلا .. وزميلة الدارسة المتزنة لكنها قبيحة كالأبالسة .."‏
ضحك طويلا ثم قال : ‏
ـ " لا شيء من هذا القبيل .. اطمئن .. انا لا أعاني الإمساك واكبر سنا من العواصف ‏‏.."‏
كان التفاهم ممتازا كما ترى ، وهكذا حصلت منه على عنوان داره .. إنها في ‏الإسكندرية كما قلت لك ، لكني لن اذكر تفاصيل اكثر من فضلك.. لا داعي لان اقول ‏كذلك إن اسم الرجل وهمي ..‏
اتفقنا على يوم الخميس في السادسة مساءا ، وهكذا عادت حياتي لانتظامها ..‏
لماذا قبلت ؟ لا اعرف كالعادة .. هناك هذا الخليط من الفضول والشعور بالوحدة ‏والرغبة في جمع الخبرات الجديدة كدأبي .. دعك من حدسي الخاص الذي قال لي إن ‏هذا الرجل ليس احمق .‏
أما السبب الأكبر والأهم فهو أنني لم أر الإسكندرية منذ فترة ، وانا مغرم ‏بالإسكندرية في الخريف والشتاء كما تعرفون ..‏
‏*** ‏
في السادسة مساءا دققت الجرس ..‏
هل وصفت لكم المكان ؟ لا ؟ حسن .. الأمر هو البساطة ذاتها .. فيلا انيقة من ‏طابقين .. لها طابع فيلات الستينات الذي لا تخطئة العين ، ومن الواضح انها حديثة ‏البناء .. ذوقها راق بلا شك .. وذلك احرص الموسوس على استخدام اللون الابيض ‏في كل شيء .. إنها تذكرني بفيلا الدكتور ( سامي ) إلى حد ما مع فارق هائل في ‏الثراء طبعا .. إن د . ( سامي ) يربح الكثير كما هو واضح ..‏
يجب ان اكرر هنا انه لا يوجد بواب ولا حراسة .. انت تدخل بحريتك كأي لص عبر ‏البوابة المفتوحة، لانه لا احد يجيب على الجرس .. تمشي في ممر طويل مرصوف ‏بحجر الإسكافي بين انواع من الأزهار يؤسفني انني لا اعرف ما هي .. إن الأزهار ‏بالنسبة لي حمراء وصفراء وبيضاء .. برائحة او بلا رائحة .. لا بد ان لها اسمها ‏مثل ( الدالكونيا ) او شيء من هذا القبيل .. ‏
وفجأة رأيته أمامي .. ‏
اسود اللون .. يتطاير الشرر من عينيه .. يكشر عن انيابه بينما انتصب شعيراته كلها ‏‏.. وهو يقف تلك الوقفة التي تباعد بين السيقان قليلا ليكسب مساحة إرتكاز أكبر ، كما ‏يفعل أي لاعب ( جيدو ) محترف قبل المواجهة ..
لا يهز ذيلة القصير .. ذيله ؟ طبعا .. إنني اتكلم عن ************ طبعا .. حسبت هذا واضحا ‏‏..‏
************ ( دوبرمان ) شرس المظهر يذكرك برجال العصابات .. يقف في الممر منذرا ‏بالويل .. عندما تكف الكلاب عن هز ذيولها وتصدر ذلك الزئير المكتوم ، تكون ‏لحظة المواجهة قريبة جدا ..‏
تصلبت حيث انا وقلت له وانا اتراجع خطوة للوراء حتى انغرست قدمي في حوض ( ‏الدالكونيا ) :‏
ـ " اهدأ يا احمق .. انا لست عدوا .. اهدأ .."‏
ـ " ونظرت للارض كي لا أستفزه .. لكنه واصل التحرش .. لا مفر من هنا وعلي ‏ان أتصرف .."‏
دنا مني قليلا ، فتذكرت القاعدة القديمة : من يستطع مداعبة ما تحت ذهن ال************ ‏يكسب وده . لكن لا تربت على رأسه ابدا لانه يفترض أنك ستضربه .‏
هكذا مددت كفي كأنني متسول نحو رأسه محاولا ان انزل بها تحت ذلك الفم المخيف ‏‏..‏
ـ " صبرا .. صبرا .. ************ لطيف .."‏
اين هب هؤلاء الحمقى ؟ ‏
كنت اقترب اكثر حين دوى الصوت من مكان ما :‏
ـ " لا تحاول .. لا تصدق كلام الكتب !"‏
نظرت الى مصدر الصوت فرايته .. وكان قادما بسرعة وحزم نحو ال************ .. وهو ‏يقول : ‏
ـ " دعه يا ( نوسفيراتو ) .. إنه صديق .."‏
‏( نوسفيراتو ‏Nosferatu‏ ) ما شاء الله ! إنه اسم مناسب جدا ، لكنه يحمل نذيرا ما .. ‏لا احد يسمي ************ه ( نوسفيراتو ) ما لم يكن هو الكونت ( دراكيولا ) نفسه ..‏
تصلب الاخ ( نوسفيراتو ) وهو ينظر لصاحبه مترددا بنظرة البلطجي الذي يقول : ‏دعني التهم حنجرته هذه المرة فحسب .. ساكون ************ا مطيعا في المرة القادمة ..‏
ثم قرر ان يستسلم وبدأ يهز ذيله ، على حين تقدم السيد ( مازن ) ليربت عل ىعنقه ، ‏وأطبق أصابعه على الطوق ، على حين رحت أحرر قدمي من حوض أزهار ( ‏الدالكونيا ) .. وقال لي وهو يحك عنق ال************ بعنف :‏
ـ " معذرة لها الاستقبال البارد .. لكن لا تثق كثيرا بموضوع التربيت تحت الذقن مع ‏كلاب الدوبرمان .. احيانا تدعى هذه الكلاب انك لم تفعل .."‏
قلت في ضيق :‏
ـ " كان عليك ان تربطه بعناية.. إن مواعيدي دقيقة .. ولو لم تشعر بنا لوجدت بضع ‏عظام و************ا مصابا بعسر الهضم .."‏
ـ " فلننس ما فات .. ما دام لم يؤذك .."‏
ـ " بالمناسبة .. انت تجيد زراعة ( الدالكونيا ) .."‏
ـ " زارعة ماذا ؟"‏
ـ " لا عليك .. لا عليك .."‏
واشار لي في تهذيب ، فتقدمت عبر الممر الى باب الدار نفسها ..‏
‏*** ‏
طبعا كنت مشغولا بال************ فلم أصفه لك ـ الرجل لا ال************ طبعا ـ وهذه مهمة سهلة .. ‏كان ضئيل الحجم دقيقا الى حد لن تصدقه ما لم تره .. وهو من الطراز الذي تندهش ‏كيف يصدر منه هذا الصوت العميق الضخم .. له شعر ابيضا تماما مما يوحي بان ‏هذا ليس شيبا عاديا إنما هو امر يتعلق بالجينات .. له شيء مبهم ابيض على شفته ‏العليا ، فلا تستطيع ان تتذكر إن كان بشارب ام لا .. عوينات ؟ لا .. إنه ينزعها ‏ويضعها عشر مرات في الدقيقة فلا يمكن ان تصفه بامتلاكها .. أما عن السن فهو من ‏الطراز مشدود الجلد الذي لا يشيخ بسهولة لذا يصعب التكهن بسنه ، لكن لو تذكرنا ‏كلامه عن العواطف فلا استبعد انه تجاوز الخمسين .. أضف لهذا عشر سنوات لأنني ‏أحمق كالعادة ، فلا بد انه في الستين إذن ..‏
كان يلبس الروب القصير اللامع وتحته ربطة العنق ، حتى ليذكرك بالأوغاد في ‏السينما المصرية .. اعني من يمثلون ادوار الأوغاد طبعا .. الذين يقشرون التفاح ‏ويصبون الشامبانيا ويخدعون الفتيات البريئات طيلة اليوم ..‏
البيت راق جدا وجدير بمظهره الخارجي .. لا اعرف كيف أصفه لك لأنه من الطراز ‏المبهر الذي ينسيك التفاصيل .. على كل حال نحن لم نأت لشرائه .. لا داعي لإطالة ‏الوصف ..‏
فتح جهاز تسجيل ما لتنبعث أوبرا ( مدام باترفلاي ) .. ‏
ثم استرخى على أركية مريحة واضعا ساقا على ساق ، ومد يده الى علبة السيجار ‏فقضم طرف واحد ، وعرض علي واحدا .. لكن صحتي لم تعد تتحمل هذه ‏الطوربيدات ..‏
قال وهو ينفث السحابة كثيفة في الغرفة :‏
ـ " خذ راحتك .. انا وحدي هنا .."‏
ـ " هل توفيت زوجتك ؟"‏
ضحك حتى غلبه السعال .. وقال :‏
ـ " ليس بالضرورة .. ثمة احتمال ان أكون مطلقا .. ثمة احتمال ثالث ان اكون عزبا ‏‏.. هل لك في بعض المياه الغازية ؟"‏
ـ " سيكون هذا محببا .."‏
لكنه لم ينهض .. هذا رجل يتقيد بحرفية الكلمات .. كأنه كان يسأل للعلم فقط وليس ‏للاقتراح .. دار بعدها الحديث في كلام فارغ ، وما أكثر الكلام الفارغ في هذا العالم ‏‏.. ربما نصف ساعة أو أكثر ..‏
ثم إنه استرخى في مقعده أكثر ، وقال لي وهو يعيد إشعال السيجار :‏
ـ " على انني لم أطلبك لأجل ذلك .. القصة يطول شرحها .. أنت طبعا واسع العلم ‏بعالم ما وراء الطبيعة يا دكتور ( رفعت ).."‏
قلت باسما : ‏
ـ" سأكون صريحا معك يا سيدي .. لا احد يستطيع ان يزعم ذلك .. واعتقد انني ازداد ‏جهلا بهذه الامور يوما بعد يوم .. لقد فقدت غرور الشباب التقليدي ، واكتسبت كآبة ‏الشيوخ وعلمهم بحدود إمكانياتهم .."‏
ـ " إذن لنقل إنك شديد الاهتمام بذلك العالم .."‏
ـ " ولا حتى هذه النقطة.. فقط تصادف أنني دائما الشخص الخطأ في المكان الخطأ ‏في الوقت الخطأ .. وكنت دائما أنجو لان اجلي لم يحن بعد وليس لبراعة خاصة مني ‏‏.."‏
كنت اعرف خيبة الأمل التي تسببها كلماتي هذه لمن يسمعها .. لكن الرجل لم يبد ‏متأثرا بما سمع .. إما انه يعتبرني كاذبا او ان هذا لا يحدث فارقا ..‏
قلت له :‏
ـ" كنت اتمنى لو بدأنا الكلام فورا .. انا لم آت الى الإسكندرية لأشرح وجهة نظري ‏في الحكاية .. كما انني اخترت السادسة كي لا اعود في ساعة متأخرة .. إن القيادة ‏مرهقة فعلا .."‏
ـ " معك حق .."‏
كانت مدام ( باترفلاي ) لا تكف عن الصراخ ، حين راح يتأمل طرف السيجار ‏المشتعل ، ثم قال بتؤدة : ‏
ـ " قضيت حياتي أطارد اسرار ما وراء الطبيعة .. انت تورطت فيها بالصدفة او ‏بحكم الشهرة ، اما انا فكنت ابحث عنها بحثا .. جربت كل شيء .. والسبب هو أني ‏كنت اقوم بتدريس الفلسفة فيما سبق .."‏
قلت بلهجة من وجد الخلاص :‏
ـ " فهمت .. ياااااه ! علاقة قوية فعلا .."‏
ابتسم .. هذا الرجل يفهم الدعابة فعلا .. وقال :‏
ـ " انت تسخر مني ، لكني بالفعل حسبت ان السبيل الأمثل لفهم الكون هو فهم ما ‏وراء الكون .. من نحن وماذا نفعل هنا ؟ إن الفلسفة تحاول فهم الجدار .. وانا حاولت ‏ان انظر الى ما وراء الجدار .. يجب ان اقول هنا إنني لم افهم الكثير ، فالإجابات ‏عملة نادرة ، لكن اكثر ما اصطدمت به هو الرعب .. إن الأشياء الغامضة مخيفة يا ‏د. ( رفعت ) .. مخيفة ولا افهم لذلك سببا .."‏
في هذا كان أحمق .. نحن نخاف ما لا نعرفه .. كل حمار جر يعرف هذا .. انظر الى ‏عيني طفل في الخامسة تطلب منه ان يصافح ( عمو ) .. ( عمو ) الذي يراه الآن ‏للمرة الاولى .. انظر الى بدائي من صحاري استراليا يرى التلفزيون لأول مرة .. ‏راقب عيني طالبة يستوقفها غريب في الشارع ليسألها عن شيء ما .. سوف ترى ‏دوما تلك النظرة .. نظرة الأرنب الخائف الذي يفر ليختبئ منك وقد رآك قادما ..‏
قلت له بنفس التهكم السابق :‏
ـ" هكذا رحت تبحث عن عملتك النادرة بين تراب الرعب .."‏
ـ " حاولت واتسخت أناملي كثيرا .. لكني لم افهم افضل .. وسؤالي لك بعد كل ‏خبراتك هذه .. هل فهمت أفضل ؟"‏
قلت له في غيظ :‏
ـ " الم أنذرك من ان تاتي بي الى الإسكندرية للكلام عن خواطرك الخاصة ؟"‏
لم يول كلامي اهتماما وقال في جدية :‏
ـ " انا لم افهم الكثير عن عالم ما وراء الطبيعة .. لكني فهمت الكثير عن فلسفة ‏الرعب .. ولو قررت ان اكتب في الرعب لصرت ابرع من ( بو ‏Poe‏) ذاته .. إن ‏الرعب ست تيمات أساسية في رأيي المتواضع .. يمكن القول إن لحصن أمنك النفسي ‏ستة ابواب .. يمكن ان تداهم من احدها في أية لحظة .. ولو اتخذت عدتك لهذا ‏الاقتحام لصرت في امان .."‏
ـ " سيكون أمني النفسي في خير حال لو تكرمت بالدخول في الموضوع .."‏
ضحك من جديد .. هذا الرجل يضحك بلا انقطاع كالضباع .. وقال وهو ينهض :‏
ـ " إنني اكتب كتابا عن ( سيكولوجية الرعب ) .. وهذا الكتاب ليس بالكتاب الهين .. ‏إنه كتاب عمر كامل .. لسوف يتخذ مكانه على رفوف اية مكتبة محترمة مثله مثل ( ‏الوجود والعدم ) و ( تفسير الاحلام ) و ( عن حركة القلب ) .. إلخ .. لاحظ انني لا ‏اتحدث عن الكتب الدينية هنا طبعا .. لكني لن اعتبر انني بلغت الكمال إلا لو اخذت ‏راي خبير رعب مثلك .."‏
ثم اشار لي باتجاه الدرج وأردف :‏
ـ " لو تكرمت معي بالذهاب الى الطابق الثاني لفهمت بعض ما اريد منك .."‏
نهضت بصعوبة ومشيت معه ..‏
إنه يتجه الى درج خشبي انيق يصعد فيه .. ومن موضعي العالي هذا اختلست نظرة ‏فهمت بها جغرافية المكان وإحداثياته .. هذه فيلا كأية فيلا أخرى ، وإن لم يكن ‏صاحبها ثريا جدا .. ذوقه راق بحق ، لكنه ليس مفرطا في البذخ ..‏
هناك ممر .. والممر يقود الى قاعة واسعة في نهايته ..‏
ابتسم وقال لي وهو يعالج الباب :‏
ـ " هذا مكتبي .. سوف تحب المكان .."‏
بالفعل كان في الداخل مكتبة .. لكني لم احب المكان .. غرفة مكتبة واسعة هي ، ‏تزدان جدرانها بالكتب من الارض الى السقف .. كل الكتب مجلدة بعناية دون كتابة ‏على كعوبها .. لكنها مراجع ثقيلة .. يمكن ان تكون عن القانون المدني او الفقه ‏الإسلامي او الفلسفة الإغريقية او تشريح الرقبة او حتى مجلات ( ميكي ) منذ ‏صدورها حتى اليوم ..‏
يوجد مكتب مهندم عليه بعض الاوراق .. وثمة إضاءة خافتة جدا .. لقد اعد هذا ‏الضوء بعناية كي يسقط على وجه الجالس امام المكتب ، بينما يظل من خلفه في ‏الظل .. كما يفعل رؤساء منظمات التجسس في القصص الرديئة ..‏
طبعا مع غرفة مكتب مثل هذه أتوقع أن ..‏
بالفعل .. إن الرجل يتجه الى مكتبة جدارية عملاقة ، فيلفها .. إنها تتحرك حول ‏محور راسي لتنفتح كالباب .. لقد صار هذا المشهد مملا .. خلفها توجد قاعة لا ‏اعرف ما فيها ..‏
وقف على باب القاعة وقال بطريقة مسرحية :‏
ـ " إن هذا هو مقري الخاص يا دكتور ( رفعت ) .. وإنني لأقضي فيه من الوقت ‏أضعاف ما اقضيه في المكتب نفسه .."‏
دخلت القاعة في حذر ..‏
يمكن ان اقول تقريبا ان طولها ستة امتار وعرضها اربعة .. تذكرني الى حد ما ‏بمتحف علم الأمراض في كليتي او أي متحف عموما .. والسبب هو تلك الواجهات ‏الزجاجية المتراصة بطول الجدارين .. ثمة رائحة عضوية قوية وانا اكره تلك ‏الروائح التي يكون مصدرها حيوانا او آدميا .. إنها تثير تقززي نوعا .. اما سبب ‏الجو الخانق فهو انه لا توجد نوافذ هنا .. هناك جهاز تكييف لكنه يعمل باقل طاقة ‏لديه ..‏
ـ " لا بد من التكييف حتى لا تفسد العينات .. برغم ان الطقس معتدل .. انت تفهم هذا ‏‏.."‏
الإضاءة خافتة تنبعث من مصابيح جدارية مركبة بحيث ينبعث الضوء منها لأعلى .. ‏راسمة مثلثات مخيفة من النور على مسافات منتظمة .. لكنها تنعطف بعض الشيء ‏على الواجهات فتلقي عليها ضوءا بخيلا لا يزيل الغموض ..‏
هناك لوحات على الجدار .. لوحات تذكرك برسوم ( دالي ‏Dali ‎‏ ) السيريالية ‏العجيبة ، التي تمزج المقاييس التشريحية الصارمة بتشوه الهلاوس ..‏
لم استوعب ما أراه .. فوقفت هنيهة صامتا ثم قلت : ‏
ـ " لا اعرف كنه هذا المكان .. لكنه اقرب الى متحف .."‏
ـ " بل هو متحف .. لكنه اغرب متحف في العالم .."‏
ثم نظر لي ليرى وقع الكلمات علي وقال :‏
ـ " إنه المتحف الأسود .."‏
لم يكن الاسم غريبا علي .. هناك متحف أسود في ( اسكوتلانديارد ) يضم آثار ‏الجرائم التي حيرت رجال الشرطة في الماضي .. لكن من الواضح ان الامر يتعلق ‏بتشابه أسماء لا اكثر ..‏
دنوت من الواجهات الزجاجية متوجسا .. فأدركت ان محتواها يناسب هذا التوجس ..‏
في الواجهة الأولى ثمة يد بشرية .. يد مبتورة عند المعصم محفوظة في سائل ( ‏الفورمالين ) .. هذا جميل وربما هو من المناظر المبهجة بالنسبة لطبيب مثلي .. لكن ‏ما يثير الحيرة ـ وربما الرعب ـ هو تلك الأظفار الطويلة الشبيهة بالمخالب التي ‏تخرج منها .. وعلى الزجاج كانت صورة رجل وقور يبتسم .. هل هذه يده ؟ إذن ‏لماذا يبتسم ؟
في الواجهة الثانية لا يوجد شيء مخيف ـ باستثناء هيكل عظمي كامل .. هيكل متآكل ‏يبدو عليه القدم .. لكن .. لحظة من فضلك .. ثمة خطأ هنا .. إن له أنيابا حادة قاطعة ‏بدلا من الأسنان ..‏
هناك قفازان من الجلد الاسود في واجهة ثالثة .. هناك مادة هلامية متجمدة كأنها ‏شمعة عملاقة ذابت كلها .. هناك قطع من مادة حمراء كأنها مشعة او كأنها حجر ‏كريم .. ثمة عباءة في واجهة ، ومجموعة من أوعية حفظ العينات كما في متاحف ‏علم الأمراض ..‏
هناك ************ محنط يقف متحفزا في إحدى الواجهات .. لا شيء يميزه غير ان لونه ‏أحمر بالكامل كأنه الدم .. هل تم طلاؤه ؟ الخلاصة إنني لا أستطيع استيعاب كل ‏شيء بهذه السرعة ..‏
في انبهار التفت الى الرجل الذي كان يرمق دهشتي ، وقلت :‏
ـ" هذه مجموعة مثيرة للاهتمام .. لكنك لم تتقاض مني رسم الزيارة .."‏
قال في مرح أخافني :‏
ـ " فيما بعد .. فيما بعد .. هذه امور يمكن ان تنتظر .."‏
قلت له وانا آخذ نفسا عميقا :‏
ـ " حسن .. القصة واضحة .. انت قضيت حياتك تجمع آثار عالم الرعب الذي نجهله ‏‏.."‏
ـ " هو ما تقول .. ولكل واجهة من هذه الواجهات قصة مثيرة أتمنى لو سمعتها ‏‏..وأتمنى لو حاولت الفهم معي .. من اين يأتي الرعب ؟ ما سره ؟ "‏
عقدت ذراعي على صدري وانتظرت ما سيقول ..‏
لم لا ؟ انا متأكد من ان هذا الرجل ليس د .( لوسيفر ) وليس خصما قديما لي .. لقد ‏صرت ذا خبرة في هذه الامور .. إن ما سيقصه علي قد يكون مهما لأقصى حد ، وقد ‏يكون مجرد تفاهات ..‏
هكذا بدأت حلقة الرعب السادسة ..‏
وكان مقدرا لي الا اعود الى داري في تلك الليلة كما توقعتم ..‏


^RAYAHEEN^ 04-12-05 01:19 AM



الواجهة الأولى
حكاية الرجل الذي أجاد دوره
‏-1-‏


( مازن ) ينظر الى الواجهة الأولى من نهاية القاعة .. لم تكن شيئا خارقا للعادة ‏، فيما عدا عباءة سوداء قديمة مغبرة تمزقف بعض أطرافقها ، معلقة في إهمال على ‏غصن شجرة .. طريقة عرض أراها كيرا في محلات وسط القاهرة ، ولا ارى فيها ‏شيئا غريبا ..‏
قال لي :‏
ـ " قصة هذه العباءة غريبة بعض الشيء .. وقد اقتضاني الامر ان ارتحل الى ( ‏ترانسلفانيا ) كي احصل على القصة والعباءة معا .."‏
قلت باسما :‏
ـ " القصة واضحة الآن ( ترانسلفانيا ) وعباءة سوداء .. انت تتحدث عن مصاص ‏دماء يا صديقي .. ربما كان الكونت ( دراكيولا ) ذاته .."‏
ضحك بدوره وقال : ‏
ـ " نعم فلن انسى انك محترف الى حد ما واسع الخبرة ، لكني اراهنك على ان ‏القصة التي سأحكيها من الطراز الذي يروق لك .. إنها تمثل طرازا معينا من الرعب ‏‏.. رعب الغفلة .. رعب ( كان الأمر واضحا لكني لم انتبه له وقتها ) .. الدخان ينقشع ‏ببطء وانت لا تعرف ماذا يحدث .. هو ذا يشكل المعالم الخارجية لجسد .. الآن يزول ‏الدخان تماما وتفهم انك تقف أمام شيطان .. هنا تدرك أن الامر كان واضحا .. كيف ‏لم تنتبه لهذا في اللحظات الأخيرة ؟"‏
‏*** ‏
قال ( مازن ) : ‏
بدأت القصة منذ فترة في ( ترانسلفانيا ) ..‏
كان المخرج الامريكي الشاب ( جوناثان بيكر ) يجيد عمله حقا .. إنه واحد من جيل ‏‏( الصبيان المزعجين ) في السينما الامريكية .. يمتازون بالذكاء والنشاط .. هم دوما ‏قادرون على تحقيق افضل نتيجة ممكنة بالميزانية المطلوبة في الوقت المطلوب .. ‏لكن لا تتوقع منهم عبقرية خارقة ..‏
وكان الفيلم المزمع تصويره والذي قبل السيناريو الخاص به هو فيلم آخر من افلام ‏مصاصي الدماء ..‏
حين عرض عليه المنتج المنفذ السيناريو ، تصفحه بسرعة ثم قال في ضيق :‏
ـ " لم يعد احد يتحمل افلام مصاصي الدماء يا ( ويلي ) .. لقد انهارت شركة ( هامر ‏Hammer ‎‏ ) ..‏
كان المنتج رجلا ضخم البطن راضيا عن نفسه .. وبالتالي يعتبر ان الجميع حمقى أو ‏اوغاد ، وقد قال له وهو يفتح علبة من الجعة :‏
ـ " لقد قدمت شركة ( هامر ) محاولات تجديد لا بأس بها .."‏
ـ " لكنها انهارت برغم هذا .. لقد عزف الناس عن محاولات التجديد لأنها ( ليست ‏مما ألفوه ) .. بينما عزفوا عن أفلامها التقليدية لأنها ( مما ألقوه ) .. هناك لحظة تقرر ‏فيها الجماهير فجأة ان اللعبة انتهت .. ولا احد يعرف متى ولا لماذا .."‏
قال المنتج وهو يفرغ محتويات العلبة في بطنه العملاق : ‏
‏ ـ لقد صار الناس اكثر ميلا الى الرعب الأمريكي بعد ما قدمنا ( طارد الأرواح ‏الشريرة ‏Exorcist ‎‏ ) و ( طفل روزمارى ‏Rosemarys Baby‏ ) .. انتهى الرعب ‏البريطاني رخيص التكاليف .. رعب الأحمر والأسود .. لم يعد احد يخاف من رجل ‏يضع أنيابا من البلاستيك ويزرأ متظاهرا بالوحشية .. الآن جاء عصر الرعب ‏الأمريكي بلونيه الأزرق والأخضر .. رعب الميزانيات العملاقة .. رعب المؤثرات ‏التي لا تصدقها ما لم تراها ."‏
فكر الفتى وهو يداعب لحيته الشقراء القصيرة :‏
ـ " لا اعرف يا ( ويلي ) .. ما زلت مترددا .."‏
هشم المنتج العلبة التي فرغ من شربها .. ثم قال في برود :‏
ـ " هذا هو السيناريو .. وانا اريد منك ان تصنع منه شيئا خارقا للعادة .. خذه او ‏اتركه .. هناك عشرات المخرجين غيرك يتمنون فرصة كهذه .."‏
لم يفكر المخرج مرتين طبعا .. كن طموحا وكان يعرف ان الطريق لتحقيق طموحه ‏وان يفعل ما يريد هو ان يبدأ بفعل ما لا يريد .. قال وهو ياخذ السيناريو :‏
ـ " ليكن يا ( ويلي ) .. ساخرج هذا الفيلم .."‏

^RAYAHEEN^ 05-12-05 12:59 AM


كما هي العادة في السينما الأمريكية ، كانت الميزانية سخية جدا .. الجديد هنا ان ‏التصوير سيتم في ( ترانسلفانيا ) بالذات .. في قلعة الكونت دراكيولا ذاتها ..‏
وقد انتقل فريق العمل الى هناك ، وتمت إعدادات المعسكر التي تشبه اية إعدادات ( ‏لوجيستية ) لاي جيش معاصر .. إن الجزء الذي سيتم تصويره في ( ترانسلفانيا ) ‏معقد وهو الاصعب في عملية لتصوير ، بينما الجزء الخاص بالولايات المتحدة سهل ‏على الأرجح .. مجموعة من العلماء يتناقشون في شك .. حسناء خائفة في غرفة ‏نومها .. إلخ ..‏
يتضمن السيناريو ان سائحا امريكيا يضل طريقه في قلعة الكونت ( دراكيولا ) .. ‏يصرخ كثيرا ويحاول كثيرا وفي النهاية يقهره التعب فينام .. آخ .. كيف لم يعرف ‏هذا الاحمق ان المكان الذي اختاره للنوم هو القبو ؟ كيف لم يعرف انه ينام الى جوار ‏تابوت الكونت ( دراكيولا ) نفسه ، التابوت الذي فشل من بحثوا في القصر في ‏العثور عليه لكنه وجده بضربة حظ او سوء حظ ..‏
الآن تتسب رائحة اللحم البشري الى منخري الكونت .. قد بدأ هذا ينعش خلاياه .. إنه ‏ينهض .. إنه يرفغ عطاء التابوت .. إنه يستولي على روح السائح .. لكنه ما زال ‏واهنا لا يقدر على مغادرة القلعة ..‏
بعد هذا يصير السائح خادما له .. يكلفه بإحضار الناس الى مقبرته .. والهدف هنا ان ‏تتم طقوس معينة فوق تابوت الكونت .. هذه الطقوس سوف تعيد له قدراته كاملة .. ‏إن الضيوف يعتبرون ما يدور مزاحا لكن السائح الأول هو الوحيد الذي يفهم معنى ‏ما يحدث ..‏
وفي اللحظة المروعة يتحرر ( دراكيولا ) وقد صار قويا كما كان .. ينقض على ‏الضيوف ويفتك بهم .. ثم يخرج الى العالم الخارجي ويعبر المحيط الى الولايات ‏المتحدة ..‏
كان ( جوناثان ) الشاب يعرف ان الجزء الفائت لا جديد فيه .. يمكن ان تقدمه ( همر ‏‏) بسهولة او تكون قد قدمته منذ اعوام في افلامها التي لا حصر لها عن ( دراكيولا ) ‏‏..‏
وقالت له مساعدته ذلك .. وهي فتاة فاتنة ـ بالمقاييس الأمريكية ـ تدعى ( ويلما ) .. ‏كانت جالسة تتأمل القلعة الجاثمة كالكابوس وسط الضباب من بعيد ..‏
قال لها وهو يريح ساقيه على مقعد امامه ويرفع راسه ليتامل الشمس :‏
ـ " اعرف هذا .. لكني اراهن على عدة أشياء .. اولا شخصية ( دراكيولا ) ذاتها لن ‏تكون مسطحة مثل شخصيات ( هامر ) المعتادة .. سوف نتحاشى اسلوب التنميط او ‏القولبة ‏Archetyping‏ الذي تجيده تلك الشركة .. ( دراكيولا ) كما سنقدمه نحن ‏شخصية ثلاثية الأبعاد لم ترد في السينما قط .. ثانيا : أراهن على مجموعة المؤثرات ‏البارعة التي سنحاول ان نقدمها .. هذه اشياء لا يقدر البريطانيون عليها .. ثالثا : ‏ساحاول ان استفيد من أخطائنا هنا لأصححها في الولايات حين نعود .. يمكن ان يقوم ‏الكونت بأشياء مرعبة فعلا حين يذهب الى هناك .."‏
راحت تدون بعض الارقام في لوح الكتابة الذي تمسك به .. ثم سألته : ‏
ـ " هل حددت اماكن التصوير داخل القاعة ؟ إن تصريح الحكومة الرومانية لن يدوم ‏للأبد .."‏
كان لا يعترف .. لنفسه بالحقيقة .. هو بالفعل لم يحب قط هذه القلعة .. إن لها ‏شخصية قميئة لو كانت للاماكن شخصيات .. وهذه الشخصية القميئة لا علاقة لها ‏بالهستيريا او التأثر بما قيل عن القلعة قديما .. هو ليس من هذا الطراز .. إن لهذه ‏القلعة وجودا نفسيا لا شك فيه والعارفون بهذه الامور يقولون ان ارى مكان جرت ‏فيه مذابح سابقة يحمل هذا الوجود النفسي ..‏
لهذا ظل يؤجل لحظة ابدء بالتصوير داخل القلعة .. راح يضيع الوقت في التقاط ‏مشاهد عامة لها من الخارج .. وكان من الواجب ان يسعده كون القلعة كئيبة .. هذا ‏يسيل له لعاب أي مخرج رعب .. لكن الحقيقة هي انها كانت كئيبة اكثر مما يلهم ‏مخيلته او يسعده ..‏
عادت ( ويلما ) تسأله :‏
ـ " لم تستقر بعد على ممثل ( دراكيولا ) .."‏
كانت هذه ورقة لعب مهمة يحتفظ بها .. عن ممثل دور ( دراكيولا ) سيكون ـ للمرة ‏الأولى على قدر علمه ـ نبيلا رومانيا اصلا .. رجلا يتكلم الرومانية بطلاقة ويتكلم ‏الانجليزية بصعوبة ولكنه شرق اوروبية ثقيلة ..‏
قال لها في ضيق :‏
ـ " سوف اجده حتما .. لا تقلقي .."‏
وكان مساعدة الآخر الروماني او ما يمكن ان نطلق عليه ( منسف الجزء الروماني ‏من التصوير ) شابا متحمسا يدعى ( إيزاك ) .. مهمته كانت ان يقابل هؤلاء الراغبين ‏في التمثيل .. يطلب منهم تلاوة بعض السطور ثم يهز رأسه ويعد بالإتصال بهم .. ‏كان الوقت يمر والمخرج يزداد قلقا .. لكنه لم يكن مستعدا للاستعجال :‏
ـ " للمرة الأولى أعطى دورا محوريا بهذه الأهمية لشخص لم يقف امام الكاميرا في ‏حياته .. هذه مقامرة مريعة .."‏
قال مساعدة الروماني وهو يشعل لفافة تبغ : ‏
ـ" لهذا بالذات لا احد يصلح حتى هذه اللحظة .. كلهم لا يجيد قراءة سطر واحد .."‏
هكذا امضى المخرج اياما قلقة .. إن اليوم يكلف مالا باهظا ، وبدأ يتساءل إن لم يكن ‏من الواجب استدعاء ممثل روماني او امريكي محترف عبر المحيط لإنقاذ الموقف ؟ ‏
في اليوم الثالث جاءه المساعد يلهث وهتف :‏
ـ " وجدتها .. أعني وجدته !"‏
ـ " من هو ؟"‏
ـ " ممثلك المرموق .. الكونت ( دراكيولا ) تعال معي حالا .."
هكذا ترك ما في يده ، واتجه عبر المقطورات المتراصة الى حيث كان بعض رجاله ‏يحيطون برجل فارع القامة من النظرة الاولى عرفه انه هو .. كان مهيبا غريبا له ‏طابع أرستقراطي لا تخطئه العين ، لكن الاهم من هذا انه كان لا يشبه ( كرستوفر ‏لي ‏Christopherlee‏ ) في شيء وهذه ميزة مهمة لمن يحاول ان يختلف عن ( ‏هامر )..‏
دنا من الرجل .. كانت له عينان ثاقبتان رائعتان ..‏
قال المساعد الروماني ..‏
ـ " هذا هو ( يوجين اولاف ) .. مجرس متقاعد يهوى التمثيل ، وهو يرغب في ‏فرصة معنا .."‏
راح المخرج يدور حول الرجل بتلك الطريقة غير الإنسانة التي يجيدها المخرجون ، ‏كأنما يتعاملون مع مقعد حمام او مضخة ماء .. كانت ملامح الرجل الحادة ونظراته ‏الثاقبة لا تقاوم .. "‏
ـ " هل يعرف كيف يمثل ؟"‏
تكلم المساعد مع الرجل بالرومانية ، فنفش هذا صدره وبلهجة فظيعة قال : ‏
ـ " اكون او لا اكون .. تلك هي المسألة .."‏
واسمتر في اداء مونولوج ( هاملت ) الذي يحفظه جيدا ، لكن ملامح وجهه كانت ‏تعبر بصدق اكثر مما يعبر لسانه ..‏
يمكن ان تتابع الحوار من عينيه ..‏
قال له ( جوناثان ) بعدما فرغ من الكلام :‏
ـ " انت تعرف ( هاملت ) .. هذا جميل .."‏
قال بنفس اللهجة وبوقار لا حد له :ـ ‏
ـ " كنت ادرس الادب الانجليزي منذ اعوام .. إنني اجيد الانجليزية يا سيدي .."‏
وبصرف نظر عن موضوع ما يعتقد انه اجادته للانجليزية ، وبصرف النظر عن ‏مناداة ( جوناثان ) بـ ( رئيس ) وهي طريقة لم يحبها قط ، فإن المخرج بدأ يعتقد ان ‏الحظ قد اسدى له خدمة .. لقد وجد ممثلا لا بأس به .. بعض التدريبات ستكون كافية ‏‏.. ولسوف يتساءل الناس عن عبقرية المخرج الذي وجد هذا الممثل البارع الذي لم ‏يمثل قط من قبل .. سيكون ( يوجين أولاف ) حديث ( هوليوود ) لفترة ، إلى ان ‏ينسى موضوع الفيلم ، عندها لن يجد من يهتم به ابدا ..‏
‏*** ‏
بالفعل برهن ( أولاف ) على انه ممثل بالفطرة .. كان مطيعا واجتاز كل اختبارات ‏الكاميرا بتفوق ، كما انه خضع لعدة دروس في الإلقاء .. لم يكن المطلوب إخفاء لكنته ‏الثقيلة بل إظهارها اكثر ..‏
كما انه لم يتحدث في الماديات على الإطلاق .. لقد قبل أي مبلغ عرضوه عليه .. وان ‏راقت له فكرة ان الجزء الباقي من التصوير سيستكمل في الولايات المتحدة ..‏
ذهب مصمم الإنتاج مع مساعد المخرج الى البلدة ، هناك ابتاعا بعض الإضافات ‏الضرورية الشخصية ، ووجدا لدى أحد الغجر المسنين الذين كفوا عن الترحال اشياء ‏مهمة .. عباءة سوداء تصلح للدور وقلادة غريبة الشكل ..كلها اشياء مهمة وتنشط ‏الخيال بلا شك ..‏
اخيرا جاء اليوم الموعود وسلطت الاضواء .. وارتدى ( اولاف ) الثياب السوداء ‏وتدثر بالعباءة ، فشعر كل من رآه برجفة تزحف عبر عموده الفقري .. وهمس ( ‏جوناثان ) في اذن مساعدته :‏
ـ " لا أحب كثيرا ان امشي في طريق مقفر مظلم لأجد هذا الرجل أمامي .. وهل ‏تعرفين معنى هذا ؟"‏
نظرت له متسائله ، فهتف في مرح:‏
ـ " معناه اننا سننجح يا صغيرة ! سننجح !"‏
كان المشهد يمثل الكونت ( دراكيولا ) وهو راقد في التابوت .. وقد بدأ يستعيد قواه ..‏
كان ذلك التابوت العتيق موجودا في القبو منذ زمن ، وقد راق للمخرج لأنه من ‏طراز فريد .. إنه حجري ثقيل عليه نحت قوطي لا باس به ابدا .. تحتاج الى ثلاثة ‏رجال كي تزيح غطاءه .. والاهم من هذا انه كان فارغا ..‏
من المثير ان الممثل الصاعد رفع قدمه بلا تردد وخطا داخل التابوت كأنما كان يفعل ‏هذا طيلة حياته .. اما الأهم فهو ان التابوت كان يناسبه بالضبط .. لا يوجد سنتيمتر ‏واحد أطول ولا اقصر .. يذكرك هذا بأسطورة ( اوزيريس ) الفرعونية الشهيرة .. ‏حينما لم يكن في الحفل كله من يصلح جسده للتابوت إلا هو ..‏
ماذا فعل الخرج وطاقم التصوير ؟ هللوا طربا لكل هذه المصادفات السعيدة ..‏
في رأيي انه توجد علامات مريبة .. الكثير منها في الواقع ..‏
الا تراها معي ؟ إن الصورة تتجمع .. تحتشد ببطء لكن احدا لا يراها ..‏

Ala_Daboubi 05-12-05 09:17 AM

jameeel..................................................... .....0

^RAYAHEEN^ 05-12-05 10:08 AM

جماااااااااااال هههههههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 06-12-05 12:10 AM



-2-

قال ( مازن ) : ‏
ظل المخرج الشاب ( جوناثان ) يعمل في الأيام التالية .. لقد بدأ يتغلب على نفوره ‏من القلعة والتقط فيها مشاهد ناجحة .. لقد اقتربت مشاهد ( ترانسلفانيا ) من الانتهاء ‏على كل حال بعد هذا يعود الى الوطن ومعه ذلك الممثل البارع الذي لم يمثل قط ..‏
وسأل مساعدته وهو يفتح علبة من المياه الغازية :‏
ـ " كيف حال ممثلنا الصاعد ؟ "‏
ـ " إنه قليل الكلام لكنه بخير حال .. ملتزم تماما بمواعيد التصوير ..يأتي قبلها ‏بساعتين ، ويعود بعدها بساعتين .. انت تعرف أنه يسكن قريبا من هنا .. وهو غير ‏متزوج وبلا أطفال .. لعل هذا يفسر كل هذا الالتزام ..‏
ـ " ولماذا لا يقيم مع طاقم العمل هنا ؟"‏
ـ " إنه غير مولع بالاجتماعيات .. ولا يحب مخالطة البشر .. على كل حال لن يبدأ ‏تحطيم عاداته الانعزالية بالاختلاط بأمريكيين .."‏
وضحكا معا .. إن الأمريكيين قوم غير متحفظين بطبعهم أميل الى المرح والصخب ‏، بينما هذه الطباع المنغلقة يناسبه البريطانيون أكثر .. وهذه من نقاط تهكم ‏الأمريكيين على البريطانيين التقليديين بناة الإمبراطورية التي لم تعد كذلك ..‏
نظر الى لوح الكتابة الذي ثبتت الهي الأوراق بمشبك في يده ، وسألها :‏
ـ " هل أعددت كل شيء لمشهد الحفل ؟ "‏
ـ" كل شيء جاهز لكنه سيكون مشهدا معقدا .. إن هناك مجاميع .. وليكون التتابع ‏مشكلة .."‏
ـ" إنهم لم يرسلوني هنا لأنني درست الإخراج بالمراسلة .."‏
وبدأ الفتية يتوافدون .. هم مجموعة من الرومانيين من الجنسين أكثرهم يجيد ‏الإنجليزية .. وكانوا سعداء بفكرة الظهور على شاشة السينما في ( هوليوود ) مع ‏احتمال ضئيل جدا ان يروا أنفسهم ، لان الحكومة لن تسمح بعرض الفيلم على ‏الأرجح .‏
راح ( جوناثان ) يراجع الأحداث مع الفتاة .. مط شفته السفلى وبدا غير مستريح ، ثم ‏غمغم :‏
ـ" الطقوس التي ستقام على تابوت الكونت لا تريحني ..فيها افتعال واضح .. كأنما ‏هم اطفال يلعبون .. اريد ان تبدو أكثر اصالة .."‏
ـ" وهل تعرف كيف تجعلها اكثر اصالة ؟"‏
ـ" اطلبي ( إيزاك ) .. هذا الفتى يعرف الكثير من الحلول ..‏
وجاء الفتى ( إيزاك ) المتحمس ، وهو يلهث ويعرق بغزارة كعادته .. لقد امضى ‏اسود ساعا تحياته مع كل هؤلاء الشباب الذين لم ير أي منهم كاميرا من قبل لكنها ‏اسود وأهم ساعات حياته كذلك ..‏
قال لـ ( جوناثان ) بعد ما اخبره بمشكلته :‏
ـ" يمكن ان استشير الغجر ( التسجاني ) .. هناك واحد منهم في البلدة .. اعتقد ان كل ‏هؤلاء القوم مارسوا السحر يوما ما .. او كن لهم قريب يمارسه .."
الح عليه ( جوناثان ) :
ـ" اريد تفاصيل كاملة دقيقة .. هذه الأشياء قد لا تعني الكثير لمشاهد امريكي ، لكن لا ‏بد في هذا الزمن الأسود من امريكي من اصل روماني او كان ساحرا او مصاص ‏دماء ليقول لنا إن ما قدمناه في الفيلم هراء .." ‏
لم يفهم ( إيزاك ) ، لكنه فهم شيئا واحدا فقط . عليه ان يكون دقيقا ..‏
وهكذا عاد بعد يومين حاملا ثلاث ورقات مليئة بالتفاصيل .. يبدو ان هناك دم طائر ‏سيسيل على التابوت .. هناك شمعة سوداء .. إلخ .. هذه تفاصيل لن اخوض فيها يا د. ‏‏( رفعت ) .. انت تفهم الامور ..‏
تمت عدة بروفات على المشهد .. ثم اعلن ( جوناثان ) انهم سيبدءون التصوير حالا ‏‏..‏
رقد ( اولاف ) في التابوت ، وحرصوا على رفع الغطاء قليلا عن طريق وضع ‏رافعة معدنية تحته كي لا يختنق الرجل .. فالتابوت ـ كأي تابوت آخر ـ سيئ التهوية ‏‏..‏
وهكذا بدأت الكاميرات تدور .. نعم كاميرات لأن ( جوناثان ) قرر أن يصور هذا ‏الشهد بالذات بثلاث كاميرات ، لانه معقد بما يكفي .. ولسوف يستطيع فيما بعد انتقاء ‏اللقطات الصالحة ..‏
الشباب يحتشدون حول التابوت .. يتبادلون عبارات المزاح بالرومانية .. زجاجات .. ‏ضحك.. فتاة تنهض لترقص في هيستيريا .. هذا الحوار كتبه ( إيزاك ) بالرومانية ‏طبقا لتعليمات المخرج ..
‏( ستيفن ) الممثل الأمريكي الذي يقوم بدور خادم ( دراكيولا ) يقف وسط الشباب .. ‏يلوح بيده طالبا الصمت :‏
ـ" لحظة يا شباب .. إن هناك لعبة مرحة ستضفي إثارة على الأمسية .."‏
قالها بالانجليزية .. واتسعت عيناه كانما يخيف طفلا ، فصاحت فتاة : ‏
ـ " هل ستمارس السحر الاسود ؟"‏
ـ " تقريبا .."‏
وببطء بدأت الطقوس .. ذبح الطائر .. الشمعة السوداء .. النجمعة الخماسية اللعينة ‏على الارض .. ثم وقف ( ستيفن ) عند رأس التابوت وفرد ذراعيه .. وبدأ يتكمل ‏بالرومانية .. لقد كان يحفظ ما يقال عن ظهر قلب ، وان كان بالطبع لا يفقه منه ‏حرفا .. فقط كان يعرف متى يتحمس ومتى يخفض صوته الى درجة الهمس .. ‏الخلاصة أنه بدا ممثلا شكسبيريا يؤدي دورا لا يعرف حرفا واحدا عنه ..‏
وشعر الواقفون بتلك الرجفة التي خلقت فينا منذ مشينا على ظهر الأرض .. الرجفة ‏الوحشية الاولى التي تشعر بها وانت تمرر يدك على ظهر قط متوتر لسبب ما ..‏
الحق ان تأثير صوت الرجل وكلماته التي يستحيل فهمها .. مع الاضاءة الخافتة .. ‏والصمت التام ما عدا ذلك .. كل هذا كان له تأثير التنويم المغناطيسي ( المدوخ ) .. ‏وبدا ان كل من يقف امام الكاميرا او خلفها يعاني الشيء ذاته ..‏
هل كل هذا تمثيل ؟ لقد ود ( جوناثان ) لو يقول هذا ويصف الممثل بأنه عبقري ، ‏ويصف نفسه بأنه افضل مخرج عرفه ، لكنه كان يعرف ما هو أفضل ..‏
ثمة شيء ما لا يريح في هذا كله ..‏
هنا فقط سمع الجميع صوت الأنين ..‏
وبدأ غطاء التابوت يتحرك ..‏
كرى ى ى ى !‏
صرخت إحدى الفتيات وقد أفزعها المشهد ، وارتجف ( ستيفن ذاهت وبدت عليه ‏علامات الغباء ..‏
ـ " إقطع !!"‏
كذا صاح ( جوناثان ) وقد أدرك أن التناغم الأولى للمشهد قد فسد ..‏
وهب الجميع نحو التابوت الذي انفتح الى النصف الآن نوتعاون الرجال على إزاحة ‏الغطاء الثقيل ليخرجوا ( أولاف ) منه . كيف انفتح هذا الغطاء الثقيل الذي لا يستطيع ‏إلا ثلاثة رجال زحزحته ؟ ‏
خرج ( اولاف ) من التابوت .. وبدا كأنما هو مذهور ، مذهول ، لذا طلب منهم الإذن ‏وابتعد مسرعا ..‏
وهتفت المساعدة في عصبية :‏
ـ " ملاذا اوقفت التصوير ؟ كن من المفترض ان ينفتح التابوت .."‏
نظر لها ( جوناثان ) نظرة ذات معنى، وقال : ‏
ـ " كان الغطاء سينفتح قليلا .. لكن ليس في هذه اللحظة بالذات .. وكان سينفتح بأيد ‏يالعمال الذين يشغلون الرافعة وليس من تلقاء ذاته ..!"‏
‏*** ‏
في اليوم التالي اختفى ( اولاف ) تماما ..‏
لقد بحثوا عنه كثيرا ، وذهب مساعد الخرج الى البلدة فلم يجده ..‏
كان ( جوناثان ) الآن في أسوأ حال من التوتر والعصبية .. لقد انتزع اكثر شعيرات ‏لحيته شبه النامية .. لقد اختفى الممثل الريس ، ومعنى هذا ان كل ما تم تصويره لم ‏يعد ذا جدوى ..‏
طلب الشرطة لكنه كان يعتقد أنهم يستقلون شأنه .. هم لا يهتمون إلا بالحوادث ذات ‏الشأن ، لكنهم لا يحترمون كثيرا هؤلاء السادة المترفين الذين يبحثون عمن يؤدي ‏دور ( دراكيولا ) ..‏
واتصل بالولايات المتحدة ليخبرهم بالكارثة ، فانعالنت عليه الصواعق .. عبثا حاول ‏إفهامهم أنه لم يقتل الجرل ولم يخفه في جيبه .. لكن ( العمل هو العمل ) ولكن لا ‏مجال للعواطف او الاعذار ..‏
وعبر المحيط سمع المنتج يزأر من دون حاجة للهاتف :‏
ـ " وماذا تنتظر يا احمق ؟ ابحث عن ممثل آخر فورا ، وعليك ان تيعد تصوير كل ‏هذه اللقطات في زمن قياسي ، إنك متأخر عن جدولك الأصلي ، وإنني لأتوقع منك ‏معجزة .."‏
ـ" سافعل يا ( ويلي ) .."‏
لكنه بشكل ما ادرك انه انتهى.. لن يعهدوا له بفيلم عن بالوعات المجاري فيما بعد .. ‏هذا الارتباك الذي لا ذنب له فيه لا يفعل إلا ان ينثر الغبار من حوله .. ومع الغبار لا ‏يستطيع احد ان يعرف من كان المخطئ ..‏
وهكذا جلس مع مساعدته يحاولان إنقاذ ما يمكن إنقاذه ..‏
بعض اللقطات لم يظهر فيها ( اولاف ) وهذا جيد المشهد الكارثي لم يكن مفروضا ‏أن يظهر فيه ( اولاف ) إلا كلمحة عابرة .. هذا شيء يمكن إنقاذه بالمونتاج دون ‏إعادة تصوير الحفل الصاخب ثانية ..‏
قال لها وهو يتأمل ما ينبغي إعادته من لقطات :‏
ـ " اعتقد اننا سننجح .. لكننا قد عدنا الى نقطة عن البحث عن ممثل .."‏
ـ " سنجد واحدا ، لكن سيكون عليك ان تتنازل قليلا .. لم نعد نملك كل الوقت كما كنا ‏في الماضي .."‏
ـ" إن جدتي تصلح للدور .. فلو استطعت أن آتي بها لانقذت الموقف ، لكنها متوفاة ‏منذ عامين .."‏
هكذا عادت الحياة الى انتظامها ما عدا عملية البحث المحمومة عن رجل يصلح لأداء ‏دور الكونت ..‏
وفي اليوم لخامس ظهر ( اولاف ) من جديد ..‏
‏****

Ala_Daboubi 06-12-05 09:03 AM

yeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeh

walik 7arki eeeediik shwai

^RAYAHEEN^ 06-12-05 09:30 AM

هههههههههههههههههههههههههه ما عليه والله ما كان جايي على بالي
صايري كسل هاليومين الضاهر معي اكتئاب

^RAYAHEEN^ 07-12-05 12:56 AM


-3-

قال ( مازن ) :‏
كان ظهور الرجل دراميا ، حتى شعر ( جوناثان ) بانه موشك على البكاء .. فلولا ‏الوقار لارتمى في احضان الرجل وبكى ساعتين على كتفه .. فما إن انتهت إجراءات ‏الترحيب ، حتى سألوه عن سبب اختفائه غير المبرر ..‏
اكتفى الرجل بان هز راسه في وقار وابتسم : ‏
ـ " إنها اسباب دينية يا رئيس .."‏
ـ" دينية ؟"‏
ـ " انا انتمي لجماعة تمارس ديانة خاصة لا يعترف بها القوم هنا ، وهذه من ‏مناسباتنا الدينية التي نعتزل فيها في جبل ( زاراندولي ).."‏
تماسك ( جوناثان ) كي لا ينفجر في الرجل .. لن يتكلم كذلك عن الشرط الجزائي في ‏العقد .. لا يريد اية مشاكل .. إنه بالفعل تحت رحمة الرجل تماما ..‏
ـ" كان بوسعك ان تخبرني .. المرء لا يذهب للتعبد فجأة .."‏
ـ " لا بد من ان يتم التعبد فجأة يا رئيس .."‏
على كل حال لم يعد باستطاعة ( جوناثان ) ان ينفعل اكثر من هذا حتى لا يموت ‏بنوبة قلبية .. وقد حاول عبثا إقناع نفسه بان اسوأ ما في الموضوع قد مر ..‏
ومن جديد عاد النشاط الى عالم التصوير ..‏
وفي اليوم التالي كان ( جوناثان ) مشغولا بالعمل ، حين سمع الرومانيين يتهامسون ‏وساد جو عام من القلق .. ثمة مشكلة ما لا يعرف ما هي ..‏
ـ" هيه ! ( إيزاك ) ! ماذا هنالك ؟"‏
دنا منه الفتى وهو يجفف عرقه بمنديل عملاقه ، وبصق على الارض ليظهر انهماكه ‏وقال :‏
ـ " جثة يا سيدي .."‏
ـ" آه .. حسبت الامر مقلقا .."‏
ثم تنبه لخطورة ما قاله الفتى ، فعاد يستزيده من التفاصيل .. قال هذا وهو يشير لما ‏وراء الأطلال :‏
ـ" جثة احد الكهربائيين الرومانيين .. وجدوها صباح اليوم خلف هذا الطلل .. من ‏الواضح ان الوفاة غير طبيعية .."‏
ـ " وهل طلب احدكم الشرطة ؟"‏
ـ" إنهم في الطريق . دعني فقط اشرح لك كيف ان الوفاة غير طبيعية .. لقد وجدوا ‏ثقبين في عنق الرجل هنا .."‏
واشار الى عنقه حيث الوريد الوجدي .. واردف :‏
ـ" ثم ان الجثة خالية من الدماء !"‏
هنا ـ كما نتوقع ـ جن جنون المخرج ـ فصاح وهو يمسك بالفتى من سترته : ‏
ـ" كف عن السخف .. ليس لأننا نمثل فيلما عن مصاصي الدماء تاتي لتقول .."‏
ـ" انا لم اقل شيئا يا سيدي .. الجثة هي التي تقول .."‏
وهرع ( جوناثان ) يشق زحام الأهالي الواقفين .. ليجد بين أقدامهم تلك الجثة التي ‏لن تصدق وجودها ما لم ترها .. كانت جدة ( جوناثان ) قد أصيبت بسرطان المعدة ، ‏وكانت تنزف دمها كله من الفم والشرج .. يذكر وجهها في آخر أيامها حين كان ‏يخاف الدخول الى حجرتها في دارهم .. هذا الوجه المصفر الذي لو اعتصرته لما ‏خرجت منه قطرة دم واحدة .. العينان الجاحظتان .. إن المشهد الآن يتكرر لكن ما ‏يجعله مرعبا بحق هو هذان الثقبان في العنق ..‏
هل مصاصو الدماء حقيقيون ؟ نعم هو يعرف انهم حقيقيون .. لكن ليس بالشكل ‏الأسطوري الذي تراه في السينما أو تقرأ عنه في القصص .. ليسوا وطاويط آدمية ‏تنام النهار وتصحو ليلا .. وتموت لو غرس وتد في صدورها .. هم مرضى نفسيون ‏يحبون مذاق الدم لا اكثر ولا اقل .. بعض حالات ( البروفيريا ‏Porphyriy ‎‏ ) تحتاج ‏الى الحديد وتحصل عليه بشكل شنيع .. فلو اضفنا لهذا ملامح مريض البورفيريا ‏الشاحب ذي الجلد المتسخ ، والعينين الحمراوين ، والشحوب البالغ والاسنان المدببة ‏والخوف من الضوء ، لامكننا ان نعرف من اين ولدت اساطير مصاصي الدماء ‏والمذءوبين .‏
كان الرومانيون يرددون لفظة :‏
ـ" فامفيري .. فامفيري .."‏
وهو لم يكن غبيا ولم يحتج الى عبقرية كي يعرف انها تعني ( مصاص دماء ) .. هي ‏تشبه ( ‏Vampire‏) الى حد كبير ..‏
الخلاصة انه كان يوما عصيبا خاصة حين جاء رجال الشرطة واجروا تحقيقاتهم مع ‏الجميع .. اين ( اولاف ) ؟ لماذا يختفي هذا الاحمق كلما احتاجوا اليه ؟‏
عرفوا ان الكهربائي ـ الذي يسمونه حسب مصطلحات السينما الامريكية بـ ( الفتى ‏الافضل ‏Best Boy‏ ) ـ شوهد للمرة الاخيرة ليلة امس ، وقد ترك رفاقه في ‏المعسكر وذهب الى الاطلال .. لماذا ؟ للتبول طبعا .. لا توجد اسباب اخرى .. هناك ‏دورة مياه هنا لكن هؤلاء الاشخاص يتبعون قدرهم بإصرار غريب ..‏
هكذا مرت ليلة سوداء اخرى..‏
كان ( جوناثان ) في مقطورته يشعر بانه بحق ملعون .. كان الكون قد خرج ليظفر ‏به ويمنعه من النجاح .. المصادفات حين تحتشد تجعل الامر موحيا بعدم الكفاءة .. ‏من الناحية الاخرى من المحيط لا يعبأ اساطين الشكرة كثيرا بالقصص عن اختفاء ‏الممثل الاهم من اجل عيد ديني لا يعرفه أحد ، ولا عن مصاص الدماء الذي يتسلى ‏بامتصاص فريق العمل .. كل م ايعرفونه هو ان ( جوناثان بيكر ) فشل مع اول ‏ميزانية ضخمة تمنح له ..‏
في الثامنة صباحا سمع من يدق على باب المقطورة ..‏
فتحج الباب فوجدالمساعد الروماني مع رجل نحيل اسمر له شاربان طويلان شائبان ‏يتدليان على جانبي فيه إلى اعلى عنقهه .. وكانت ثيابه مبهرجة الألوان ، وفي قدميه ‏حذاءان برقبة .. على كتفه حقيبة يبدو انها ثقيلة ، وقد تزه قبعته وضمها الى صدره ‏احتراما ..‏
قال له المساعد : ‏
ـ" هذا الرجل من غجر ( التسجاني ) إنه من عرفنا منه تلك الطقوس .. يبدو أن لديه ‏اشياء مهمة يجب ان تعرفها .."‏
سمح للرجل بالدخول وهو ينظر في ريبة الى شكله العجيب .. وتبادل نظرة مع ‏المساعد من طراز ( ما ـ هذه ـ املخلوقات ـ الغريبة ـ التي تحضرها ـ لي ـ؟"
جلس الغجري على مقعد خشبي في وسط المقطورة وبدا يتكلم بالرومانية ، فراح ‏المساعد يترجم : ‏
ـ" نحن غجر ( التسجاني ) كنا خدم الكونت ( دراكيولا ) منذ كان يدعى ( فلاد ‏الوالاشي ) ويعيش هنا .. نحن نعرف الكثير من الاسرار .. لقد منحنا الكونت ثقته .. ‏ونحن نعرف منذ زمن انه يحاول العودة .. والعودة قد لاحت علاماتها بشكل غير ‏مسبوق .. نعرف أنه سيأتينا رجلا عاديا .. وسيكون علينا ان نقيم له بعض الطقوس ‏التي نعرفها من فوق التابوت الذي سيرقد فيه .. هذا يعيد له قواه الكاملة .. هكذا ‏يتحول الى ( فامفيري ) ويستعيد القدرة على الطيران واختراق الحجب ببصره ، مع ‏القوة الخارقة التي لا يصمد امامها صامد .."‏
في نفاذ صبر قال ( جوناثان ):‏
ـ" هل يمكنك ان تختصر ؟"‏
قال الغجري بعد ما نقلت له الترجمة :‏
ـ" لهذا ارجو ان تلحق بي الى الاطلال المجاورة الآن .. هناك ما يجب ان تراه .."‏
ـ" له يمكن ان ينتظر هذا حتى ينتهي يوم التصوير ؟؟"‏
في ذعر هتف الغجري :‏
ـ" لا .. لا .. لا يمكن ان يحدث هذا ليلا .."‏
وهكذا تحرك الرجال الثلاثة عبر الأطلال لم تكن الحركة في موقع التصوير قد ‏نشطت بعد ، لذا لم يسأل احد اسئلة مريبة . واتجه الجميع الى منحدر وعر يقود الى ‏حفرة تحيط بها بقايا الحجارة .. حجارة ربما تعود الى القرون الوسطى او اقدم .. ‏حين كان الرومان يحتلون هذا المكان ..‏
كانت هناك فتحة في جدار مهدم .. مد الغجري يده وراح يعبث حتى ازاح بعض ‏الاعشاب والنباتات التي تسدها .. وفي النهاية وجدوا أنهم يحدقون في تابوت خشبي ‏رديء الصنع .. ‏
تعاونوا على إخراجه من موضعه .. وهتف ( جوناثان وهو يتحسس الخشب بيده : ‏
ـ" من جاء بهذا هنا ؟ لا يبدو عتيقا .."‏
مد الغجري اظفارا كالمخالف وانتزع الغطاء .. كان غير مثبت وفي ضوء الشمس ‏عرف ( جوناثان ) حقيقة ذلك الجسد المسجي بالداخل .. إنه ( اولاف ) كان نائما .. ‏لا بل كان ميتا .. لا بل كان ( غير ميت ) ..‏
وعلى شفتيه المسترخيتين كانت قطرات من دم لم يجف بعد ..‏
دم ليس دمه هو ..‏
قال الغجري :‏
ـ" كما ترى .. لقد عاد بكل قواه .. طقوسكم اعادته للحياة .. لقد حسبتم انكم تمثلون ‏لكنه كان بحاجة الى هذه الطقوس .. وهو الآن ينام هنا صباحا ويجول في المنطقة ‏ليلا ليظفر باي عاثر حظ يقابله .."‏
كان ( جوناثان ) يرتجف بالكامل ـ ومن يلومه على ذلك ؟ ـ لكنه قرر ان يحتفظ ‏بدور ( الرئيس ) كما كان ( اولاف ) يناديه، لهذا وقف ينظر الى الجثة وسأل ‏المساعد :‏
ـ " لا افهم .. هل هذا هو الكونت ( دراكيولا ) ذاته ؟ هل هذا ما تحاول بيعي إياه؟"‏
قال الغجري بعد ما سمع السؤال : ‏
ـ" لا .. إنه تجسيد آخر له .. وقد وجدت القبر باستعمال عيني .. إن الطيور لا تحلق ‏ابدا حيث يوجد قبر مصاص دماء .."‏
ـ" ولماذا لجأ لهذه الحيلة ؟ كان بوسعه ان يجد من يقوم له بهذه الطقوس بدلا منا ؟"‏
ـ" لم يكن ليجد من يقبل ، وما كان ليجد سبيلا للدخول الى القلعة من دون مساعدتكم ‏‏.. في ذلك الوقت كانت قواه لم تتطور بعد .. كان بشريا عاديا .."‏
ـ" ولماذا تخبرني بهذا كله ؟ لقد حصلنا على الطقوس منك ..أي انك في صفه .." ـ" ‏كنت مرغما على هذا .. اما الآن فلن احمل على راسي دم الضحايا الذين سيهلكون .. ‏إنني اعترف بما فعلت وأطالب بتصحيحه .."‏
ـ" ولماذا لا يبيت في القلعة حيث تابوته ؟"‏
ـ" لان الزحام شديد بالداخل ، وهو معرض طيلة الوقت لمن يفتح التابوت من اجل ‏التصوير .."‏
وساد صمت ثقيل لا يقطع إلا صوت أنفاسهم وصوت ذباب يحوم لا تعرف من اين ‏أتى ..‏
في النهاية قال ( جوناثان ) مطرقا :‏
ـ" تتحدث عن إصلاح الخطأ .. كيف ؟"‏
فتح الغجري حقيبته وببطء ـ كما يفعل بائع فخور يعرض عليك ما بجعبته من تحف . ‏اخرج مطرقة ووتدا وسكينا هائلة الحجم .. ثم نظر الى ( جوناثان ) متسائلا ..‏
هتف ( جوناثان ) في ذعر :‏
ـ" انت لن تفعل هذا ! هذه جريمة قتل !"‏
قال المساعد في رفق :‏
ـ " سيدي .. لا توجد محكمة في العالم تتهم هذا الراقد في التابوت بأنه مصاص دماء ‏‏.. لكننا نعرف ذلك .. كلنا نؤمن بذلك الآن .. هل لديك شك في حقيقة ما رأيناه ؟"‏
هز ( جوناثان ) رأسه عاجزا عن الإجابة بنعم .. عاجزا عن الإجابة بلا ..‏
ـ" سيدي .. هذا هو الحل الوحيد .."‏
هتف ( جوناثان ) في رعب :‏
ـ" لن افعل هذا .. لماذا لا يفعله هو ما دام مستريح الضمير ؟"
ـ" إنه مستريح الضمير .. لكنه حسب انك مهتم بمعرفة ما حل بممثلك الاول .. إنه ‏ميت يا سيدي وقد دفن نفسه بالفعل .. لن نفعل اكثر من ان نصحح مسار الطبيعة ‏ونريحه للابد .. ولن يعرف حد اننا فعلناها .."‏
صرخ ( جوناثان ) وهو يدير ظهره :‏
ـ " انتما مجنونان .."
وسمع من وراء ظهره مساعده يقول في تؤدة : ‏
ـ" نحن في ( ترانسلفانيا ) و ( ترانسلفانيا ) ليست (لندن ) .. نفس الكلمة التي قالها ‏الكونت ( دراكيولا ) في قصة ( ستوكر ) الشهيرة ..‏
وسمع صوت شيء يدق على الوتد ، ثم سمع صوت العظام وهي تهشم واللحم وهو ‏يتمزق .. كان هذا مريعا لعل الصوت كان اشنع من المشهد ذاته ، لهذا راح يركض ‏نحو المقطورة وهو يسد أذنيه ..‏
‏*** ‏
ظل طيلة اليوم في المقطورة لا يغادرها ، زاعما انه متوعك ..‏
لكن مشاهد النهار لم تفارق خياله ..‏
وعند منتصف الليل سمع من يطرق على الباب فهتف ان ادخل .. كان هذا مساعده ‏الشاب ( إيزاك ) .. وقد بدا راضيا عن نفسه والحياة برغم كل شيء ..‏
قال له وهو يجلس على المقعد الخشبي :‏
ـ " لقد ارحناه يا سيدي .. ثق من هذا .."‏
لم يستطع ( جوناثان ) التخلص من فكرة ان هذا الفتى قطع راس رجل وغرس وتدا ‏في صدره هذا الصباح بالذات .. وبرغم هذا هو هادئ مرح .. سأله دون ان ينظر له ‏‏:‏
ـ" هل دفنتموه حيث كان ؟"‏
ـ" نعم .. لكننا حشونا فمه بالثوم .. لا بد من هذا .. احيانا يحرقون الجثة لكن هذا كان ‏سيلفت الانظار .."‏
ابتلع ( جوناثان ) قرصا من المهدئ وقال : ‏
ـ " جميل .. جميل .. لقد بحثنا عمن يمثل الكونت ( دراكيولا ) وجدا واحدا بارعا .. ‏ثم اتضح لنا انه مصاص دماء فعلا .. واننا اعطيناه قدرة غير محدودة بسبب حماستنا ‏البلهاء في التصوير .."‏
ـ" يبدو هذا يا سيدي .."‏
ثم بعد قليل تساءل المساعد في كياسة : ‏
ـ" هل سنبحث عن ممثل آخر ؟"‏
صاح في هياج وهو يضرب المنضدة بقبضته :
ـ " الم تفهم بعد ؟ لا اريد كلمة واحدة عن هذا الفيلم اللعين ! لقد انتهى عملي هنا ! ‏انتهت قصتي ومستقبلي ! غدا سأجد عملا في مغسلة سيارات أو موزعا للصحف ! ‏ولا كلمة عن الفيلم اللعين !"‏
قال المساعد في رفق :‏
ـ" لا اريد ان اضايقك يا سيدي .. لكن هناك فرصة اخرى .. لقد اجاد الغجري تصور ‏ما حدث .. لكنه أخطأ في بعض التفاصيل .. الامر لم يكن متعلقا بمحاولة الكونت ( ‏دراكيولا ) للعودة .. الامر يتعلق بتلك العباءة التي كان الغجري يحتفظ بها.."‏
وطوح بالعباءة لتسقط عند قدمي ( جوناثان ) واردف بلهجته ذات الطباع الشرق ‏أوروبي :‏
ـ" كانت هذه عباءة مصاص دماء فعلا .. ويبدو انها كانت تحوي لعنة ما .. الغجري ‏لم يكن يعرف وقد تخلى عنها لي لأنه يجهل خطرها .. فقط كان يشمئز منها ولم ‏يجسر على تجربتها قط .. حينما جاءك ( أولاف ) لم يكن مصاص دماء .. لم يكن ‏متآمرا .. كان مجرد شخص له منظر فريد ويريد ان يمثل في فيلم امريكي .. لكنه بدأ ‏يتغير مع ارتداء العباءة .. لقد بدأ يتحول بالتدريج ، ولم يكن لتلك الطقوس أي دور .. ‏برغم انها جعلته يفتح غطاء التابوت بقواه المخيفة .. والآن انظر لي يا سيدي .."‏
رفع ( جوناثان ) وجهه ليرى اشنع منظر رآه في حياته .. لقد تغير وجه ( إيزاك ) ‏بالكامل .. هل كانت أذناه بهذا الطول ؟
منذ متى كان له نابان يوشكان على تمزيق شفته السفلى ؟
قال ( إيزاك ) وهو يبتسم تلك الابتسامة القذرة التي تجيدها المسوخ :‏
ـ" أنا جربت العباءة امام المرآة على سبيل الدعابة .. ومن هنا عرفت السر .. وقد ‏اكتمل تحولي الليلة .."‏
وثب ( جوناثان ) فوق فراشه وراح يبكي بصوت مبحوح متقطع .. لقد فقد القدرة ‏على الصراخ ..‏
قال ( إيزاك ) ..‏
ـ" بدأت اليوم بالتخلص من منافس لي .. لكن لا تخف يا سيدي .. سوف اتركك ‏وابحث عن دماء أخرى .. احب ان ابدأ حياتي كــ( فامفيري ) بدماء رومانية خالصة ‏‏.. لكني انصحك الا تلعب بالنار كثيرا .. وانصحك كذلك بالتخلص من هذه العباءة .. ‏إنها لعنة تتوارثها الاجيال .. فلا تدع احدا يعشها من بعدي !"‏
ورفع ( جوناثان ) عينيه المخضلتين بالدموع ، فلم ير ( إيزاك ) ..‏
فقط خيل له ان وطواطا يحلق خارجا من المقطورة ..‏
من يدري ؟ لربما كان واهما في هذا .. إن تأير الدموع على البصر قد يكون غريبا ..

Ala_Daboubi 07-12-05 09:29 AM

wala eshi............................................hehe

^RAYAHEEN^ 07-12-05 09:38 AM

شو بعدها خلصت
هيدي قصة طووووووووووووووووويلة
شو بعدك شفت

^RAYAHEEN^ 07-12-05 11:51 PM



الواجهة الثانية ‏
ابن ( أبراكساس ) ‏
‏-1-‏


مد ( مازن ) يده ففتح الواجهة .. وتناول منها العباءة السوداء ، وفردها على ساعده ‏كما يفعل تاجر الجلود بقطعة من جلد ثعبان ، وقال في تأمل أقرب الى التلذذ : ‏
ـ" ما رأيك ؟ هل تصدق هذا ؟"‏
أجبت عن سؤال بسؤال آخر كما يفعل أي لص احترف التحقيقات في المخفر :‏
ـ" وكيف عرفت انت هذه القصة ؟"‏
ـ" انا لست من الهواة يا دكتور ( رفعت ).. قلت إنني قضيت حياتي بحثا عن الحقيقة ‏‏.. وها هي ذي الحقيقة .."‏
ـ" تبدو لي حقيقة غريبة مغبرة نوعا .." ‏
قال ضاحكا :‏
ـ" هل نجرب ارتداء هذه العباءة ؟ ها هوا السؤال ماثل أمامك .. إن تحولت الى ‏مصاص دماء فالقصة صادقة ، وإن لم أتحول هذه أكذوبة أخرى .. لا انكر ان ‏الموضوع قد اكتسب صبغة غير مريحة ، وان هذه العباءة صارت تزن أطنانا بكل ‏ما اكتسبته من هالة نفسية .."‏
ـ" وهل جرؤت انت على ارتدائها ؟"‏
ابتسم ابتسامة غامضة ، ولم يرد .. فقط اتجه الى الواجهة الاخرى .. وقلت لنفسي : ‏لقد ارتداها بالتأكيد ارتداها .. لكن ماذا كانت النتيجة ؟
وامام الواجهة الثانية وقف لحظة ، ثم اشار الى محتواها .. هناك جنين كامل محفوظ ‏في سائل الفورمالين .. لا مشكلة هنا .. الامر اقرب الى متحف الطب الشرعي في أية ‏كلية طب بها متحف طب شرعي .. لكن لا بد أن هناك قصة ما تحيط بهذا الجنين ..‏
وقال بنفس الصوت الخفيض الغليظ :‏
ـط النوع التالي من الرعب هو رعب ستتعرف طرازه على الفور .."‏
‏*** ‏
قال ( مازن ):‏
حين تزوجت ( هالة ) كانت سعيدة بحق ..‏
‏( هالة ) مهندسة شابة رقيقة من الطراز الذي لا يعتقد ان في العالم أي نوع من الشر ‏‏.. وأحيانا كان يخطر لأهلها أنها تعاني نوعا خاصا من الغباء .. تكلمها عن المذابح .. ‏عن السرقات .. عن حياة الأصدقاء فيتقلص وجهها في ألم غير مصدقة .. ثم تنسى ‏الموضوع بعد ثوان وتثق بالجميع كما كانت دوما ..‏
بالنسبة لأبيه أكان هذا نوعا خاصا من التخلف العقلي الذي لا يمكن قياسه علميا .. ‏كان مستشارا متقاعدا وقد عاش حياة حافلة رأى فيها النفس البشرية في أشنع حالاتها ‏‏.. باختصار لم يعد يثق بأحد على الإطلاق ، وأعاش أولاده في قوقعة بعيدا عن عالم ‏الواقع تماما .. لكنه الآن صار في حاجة الى ان يخبرهم بتلك الحقيقة : إنه عالم قاس ‏شرير ذلك الذي ينتظركم بالخارج ..‏
لكن دروسه ظلت عسيرة على إفهام أولاده .. وكان هذا يثير جنونه ..‏
ذات مرة سمع باب الشقة يفتح ، فنظر الى المنبه المضيء بجوار الفراش ، ليجد انها ‏الرابعة صباحا .. من يفتح الباب في الرابعة صباحا ؟ أيقظ امرأته في هلع ، وركض ‏ليبحث في الشقة .. هنا كان الخبر المروع .. ، ( هالة ) إبنة الخامسة عشرة ـ وقتها ـ ‏ليست في الدار ..‏
هبط في الدرج يبحث عنها حافي القدمين وبمنامته ..‏
خرج الى الشارع المظلم الساكن .. وراح يناديها.. إن قلبه يتمزق جزعا .. يتمزق ‏فعلا .. ‏
في النهاية وجدها راكعة على ركبتيها على الإفريز تنظر تحت سيارة واقفة .. لقد ‏فرت قطتها من النافذة كعادتها في الأشهر الماضية .. لكنها لم تعد حتى الساعة ، ‏ومعنى هذا ان مكروها أصابها ..‏
تمالك أعصابه وراح يرتجف كورقة .. ثم مد يده تحت السيارة فلمست كتلة الفراء ‏الساخنة الغاضبة .. حملها في غل عائدا الى الدار وهو لا يصدق .. فتاة في الخامسة ‏عشرة من عمرها تغادر الدار في الرابعة صباحا من أجل قطة .. أي جنون ! أي ‏غباء ! أي بعد عن الواقع !‏
مشكلة هذه البلهاء انها لا تعرف أي خطر هنالك في الشوارع المظلمة .. تعتبر العالم ‏كله مكانا آمنا مناسبا للأطفال والفتيات والقطط ..‏
‏*** ‏
كبرت ( هالة ) وجاء ذلك الذي يعتقد انها ممتازة لهذا ستكون زوجة صالحة له هو ‏بالذات .. إن الرجل يبحث عن أفضل واحدة لمجرد انه هو ، ولا يفكر لحظة إن كان ‏هو الآخر أفضل واحد أم لا .. فلابد أنه كذلك ..‏
لكن ( كمال ) كان هو الأفضل فعلا ..‏
كان ( كمال ) مهندسا ، وكان على درجة من الثراء سمحت له بأن يدرس في الخارج ‏‏.. رجل وسيم هو ، وعلى درجة من الثراء والتهذيب .. لهذا كانت محاولته الأولى ‏للزواج هي الأخيرة ، لأنه ما من أسرة بكامل قواها العقلية ترفضه .. وبالنسبة للأب ‏بدا له الفتى بلا غبار عليه .. فقط هو يهوى المزاح أكثر من اللازم ، لكنه بالتأكيد ‏يمكن ان يحل محله في رعايتها ..
وكما اتفق الجميع ، كان سيتزوج ثم يأخذ زوجته معه إلى ألمانيا الشرقية حيث ‏يدرس ويعمل .. في تلك الأيام كان كل مهندس يذهب الى ألمانيا الشرقية يوما ما ..‏
وتم كل شيء .. دموع كثيرة ذرفها الجميع وهي تصعد سلم الطائرة بثوب الزفاف ‏مضفية لمحة درامية ما على المشهد .. وكان عليها للمرة الأولى في حياتها أن تبدأ ‏وحدها ..‏
لم ينغص ليلة الزفاف الأولى خارج الوطن إلا شيء واحد .. شيء بسيط في الواقع ..‏
في الليل كانت تشعر بظمأ شديد، فنهض زوجها المحب يحضر لها كوبا من الماء من ‏المطبخ ..وأثار دهشتها أنه يتحرك بسلاسة تامة في الظلام .. لم يتعثر مرة ، ولم ‏يرتطم بشيء مرة .. لا غرابة في هذا ، عل ىكل حال لو كان هذا بيته .. لكنها شقة ‏استعارها من صديق مصري ، إلى ان يفرغ من استكمال شقة الزوجية .. بعبارة ‏أخرى كان يجرب المشي هنا لأول مرة ..‏
وفي الصباح كان في الحمام ، فجربت بنفسها ان تغمض عينيها وتمشي في المسار ‏ذاته فاصطدمت بألف قطعة أثاث وكادت تحطم عنقها ..‏
فجأة شعرت بأنها تغوص بين ذراعين قويتين ، فأجفلت وفتحت عينيها لتجده ينظر ‏لها في ثبات ضاحكا :‏
ـ" ماذا تحاولين عمله !!"‏
شهقت في .. ثم ضحكت وقالت :‏
ـ" أحاول ان اعرف كيف تمشي في الظلام الدامس في هذه الشقة .."‏
اعتصر أذنيها في رفق كأنها طفل شقي وقال :‏
ـ " ملاك صغير هو أ،ت .. لهذا اخترتك .. لهذا همت بك حيا .."‏
كانت هذه إجابة كافية على كل حال ..‏
أحبت ( برلين ) وأجادت اللغة الألمانية الى حد ما .. وصارت لها صديقتان أو ثلاث ‏‏..‏
الأولى تدعى ( إنريكه ) والأخرى ( هيلدا ) . . وكانت الأولى تعمل مع زوجها من ‏قبل .. أما الأخرى فجارتها في البناية التي تسكن فيها .. صديقتان لطيفتان جدا لو ‏طلبت رأيي ..
الحادثة الثانية كانت ( هيلدا ) طرفا فيها ..‏
كانت ( هالة ) وزوجها جالسين يتناولان طعام الغداء .. طعاما صينيا برعت هي في ‏إعداده وأحبته صديقاتها .. هنا سمعا صوت صراخ يمزق السكون .. كان آتيا من ‏الشقة المجاورة ..‏
وثب زوجها وبأربع خطوات واسعة كان عند باب الشقة المجاورة .. فتحه واندفع الى ‏الداخل ..‏
‏( هيلدا ) تقف على باب الحمام تعوي كالذئاب .. الحمام له نافذة من الزجاج المصنفر ‏تتراقص من ورائه تلك الزهرة البرتقالية المخيفة .. لا يحتاج الأمر الى ان تكون ‏عبقريا كي تعرف أن هناك حريقا وان هناك شخصا بالداخل ..‏
نظرة تبادلها الجميع .. فهتفت ( هيدا ) وهي تركل الباب بساقها بعنف :‏
ـ" ( كارل ) بالداخل ! لا بد أنه سخان الغاز ! إنه لا يرد !"‏
هتفت ( هالة ) والطعام الذي كانت تمضغه يتساقط من فمها :
ـ" المطافئ ! لماذا لا ؟ ماذا عن ؟"‏
لكن زوجها كان اسرع من المطافئ وأكفأ .. ادار المقبض بعنف فانفتح .. ثم ـ قبل ان ‏تفهم ما يحدث ـ اجتاز الباب ، وبعد دقيقة كان قد غاب وسط ألسنة اللهب ..‏
ـ" يا أحمق ! انتظر ! أنت لن .."‏
قبل ان تكمل العبارة كان يخرج من وسط اللهب سليما تماما وهو يحمل الأخ ( كارل ‏‏) بين ذراعيه .. لم يكن ( كارل قطة صغيرة خفيفة الوزن ، لكن ( كمال ) أيضا لم ‏يكن ضعيفا .. لقد شق طريقه الى الخارج ، وهتف في جنون :‏
ـ" ماء !! أريد ماء !"‏
وألقى بالزوج على الأرض .. كان هذا الأخير ما زال بثيابه كاملة لحسن حظه ..لا بد ‏أنه أوقد السخان وتأهب لنزع ثيابه حين حدث ما حدث .. وكانت الثياب كلها تحترق ‏في حماسة غريبة ..‏
هرعت الزوجة من المطبخ حاملة دلوا من الماء تساقط أكثره على الأرض .. ‏وأفرغته مرة واحدة على زوجها .. وسرعان ما تحولت ثيابه الى عجينة من الرماد ‏المبتل ..‏
ـ" اطلبي المطافئ الآن ..‏
وحينما جاء رجال الإطفاء أخيرا أثنوا على ( كال ) بشدة ..‏
بينما وقفت ( هالة ) ترمقه في انبهار .. كان يقف لامعا عريض المنكبين .. منهكا ‏بشكل رجولي .. تفوح منه رائحة الشياط وقد تفحم نصف شاربه ، لكنه ـ كذا خطر ‏لها ـ كان رائعا .. الرجال يبدون رائعين حين تلوح عليهم علامات المعاناة والصراع ‏‏.. إنه النسر المصري الذي جاء عبر البحر المتوسط لينقذ ابن الراين .. كذا فكرت ‏وهي تتأمله في افتتان تام ..‏
رباه ! لكم أنا محظوظة !!
‏*** ‏

^RAYAHEEN^ 07-12-05 11:53 PM



‏-2-‏


قال ( مازن ) :‏
في اليوم الذي تلا عودة ( كارل ) من المستشفى أصر الزوجان على دعوة ( كمال ) ‏و ( هالة ) الى بيتهما للاحتفال .. وقد قبلا على الفور .. كان الجو العام ـ كما لك ان ‏تتوقع ـ هو مزيج من الامتنان من جهة والفخر المهذب من جهة أخرى ..
وقال الزوج وهو يتحسس الضمادات على أعلى صدره :‏
ـ" سخانات الغاز هذه لا تؤدي أي عمل الا ان تنفجر في وجهك .. من حسن الحظ ان ‏زوجك كان هنا .."‏
وبدأت المأدبة العامرة بالطعام الألماني كريه المذاق .. لم يتفق الأوروبيون بعد على ‏ما إذا كان أسوأ طعام هو الألماني أو البريطاني ، لكنهما متقاربان جدا في هذا اللقب ‏الفريد ..‏
وفي المطبخ وقفت ( هالة ) مع جارتها الألمانية تحاول أن تكون مفيدة .. الحقيقة أن ‏إجادتها للغة لم تصل لهذا الحد بعد ، لكنها كانت تحاول جاهدة ، وكان الألمان الذين ‏يكلمونها يضغطون تلقائيا على كوابح ألسنتهم ليخرج الكلام أبطأ وأوضح ..‏
قالت ( هيلدا ) وهي تقطع كعكة كبيرة :‏
ـ" إن زوجك رائع وأراهن على أنك فخورة به .."‏
في صدق وحرارة قالت ( هالة ) :‏
ـ" بالتأكيد .."‏
ـ " هل يحبك كثيرا ؟"‏
ابتسمت ( هالة ) في خجل .. هذه أشياء لا تسأل ولا يرد عليها .. هذا يشبه سؤالك ( ‏هل ستدخل الجنة ؟ ) .. طبعا انت تتمنى ذلك ، لكنك لا تملك القرار ولا تملك الإجابة ‏‏.. فقط تحاول :‏
نقتل ( هيلدا ) شريحة كبيرة الى طبق ، وقالت :‏
ـ" هل هو ساحر ؟"‏
ـ" إنه كذلك .."‏
ـ" أحدثك بالمعنى الحرفي للكلمة .. هناك أشياء غريبة لاحظتها في لحظة الحريق .. ‏اشياء اردت ان افهمها منه .. مثلا كي فاستطاع فتح باب الحمام ؟ لقد كان موصدا ‏بإحكام من الداخل .. كيف اخترق النيران وعاد دون ان يحترق شيء ما عدا نصف ‏شاربه ؟"‏
فكرت ( هالة ) .. حقا خطر لها هذا السؤال لكن الاحداث كانت متلاحقة لا تسمح لك ‏بإدارة الأفكار في فمك لتحسن تذوقها .. إنه قام بما يشبه المعجزة .. بل هي معجزة .. ‏فهل يقلل من شأنها انها كانت معجزة أكثر من اللازم ؟
وهكذا عادا الى غرفة المعيشة ، وإن خطر لها ان الغيرة ليست بالشيء المستبعد حتى ‏على زوجة ألمانية .. إن الغيرة قد تتخذ شكلا مخادعا لا تميزه بسهولة .. قد تتخذ ‏شكل موضوعية مبالغا فيها ..‏
‏*** ‏
في السوبر ماركت وقفت ( هالة ) مع ( إنريكه ) تنظران دورهما للدفع .. كانت ( ‏هالة ) مرتبكة لأنها لم تتعامل قط مع ( سوبر ماركت ) من قبل .. وهو سوبر ماركت ‏اشتراكي فقير جدا يشبه محل بقالة مما نراه اليوم ، لكنها لم تر مثله من قبل على كل ‏حال.. وكانت المعلبات الكثيرة تسبب لها الارتباك وقد اكتشفت انها وضعت علبتين ‏من اللحم المحفوظ المخصص للقطط في السلة ..‏
قالت لها ( إنريكه ) ضاحكة :‏
ـ " زوجك من هواة أطعمة الحيوانات المحفوظة هذه .. كما أنه يبتاع كميات لا ‏تصدق من اللحم . هل لديكما أسد في بيت الزوجية ؟"‏
بدا عليها الارتباك .. لا يوجد لديهما أي حيوان في الدار .. فمتى وكيف ابتاع زوجها ‏هذه الأشياء ؟ ‏
قالت ( أنريكه ) وقد وقفت امام الصراف : ‏
ـ" كان يشتري أشياء غريبة جدا قبل قدومك الى هنا .. كنت اتسوق معه من حين ‏للآخر .. وكان يقول إن هذه الأشياء لل************ .."‏
ـ" لم يكن لديه ************ قط .. لا الآن ولا قبل قدومي .."‏
ابتسمت ( إنريكه ) في رفق ، وهزت رأسها بمعنى ان الزوجات قد يعرفن كل شيء ‏في العالم إلا أزواجهن .. وهكذا توارت هذه الذكرى ولتتخذ مكانها على رف ‏الأرشيف .. الأرشيف الذي سيفتح في لحظة معينة كي يجيب على أسئلة عديدة ..‏
‏*** ‏
ـ" لم يكن عندي ************ قط .. هذه المرأة تخرف .."‏
قالها في ثقة منهيا هذا الجزء من المناقشة ، وراح يتحسس شاربه في عصبية وهو لا ‏يرفع عينيه عن الجريدة ..‏
قالت له في كياسة :‏
ـ" إذن ماذا نفعل بكل هذا اللحم الذي نشتريه ؟"‏
لم يرفع وجهه عن الجريدة وقال بنفس اللامبالاة :‏
ـ " لم اشتر لحما بكميات ، لكن لو فعلت .. فما المشكلة في إنسان أكول ؟ لاحظي ‏أنني لم افعل هذا قط منذ جئت الى هنا .."‏
ـ" هذا حق .."‏
مع امراة اخرى كانت هذه الإجابات ـ التي لا تسمن ولا تغني من جوع ـ غير كافية ، ‏لكنها بالنسبة لـ ( هالة ) البريئة التي تعتقد ان أفظع شخص قابلته في حياتها هو نفسها ‏، كانت إجابات مقنعة جدا وكافية جدا ..‏
وهكذا جلست تشاهد التلفزيون شاعرة برضا تام عن الحياة .. بدأت تكتب خطابا ‏لأمها تحكي فيه كم هي سعيدة .. كم هي راضية .. كم هي محظوظة ..‏
إنها نائمة الآن .. ظلام دامس .. هدوء محبب .. تشعر بأنفاسه المنتظمة بقربها .. إنه ‏ينهض .. إلى أين ؟ لا شك الى الحمام .. تريد ان تتكلم لكنها واهنة جدا ومفككة ‏الأوصال جدا ..‏
هل هذا صوت باب الشقة ؟
نعم .. إنه يفتحه .. لكنها لا تريد النهوض .. لا ترغب في النهوض : إنها تنزلق من ‏حين لآخر الى ما ( خلف جدار النوم ) كما يقول ( لافكرافت ‏Lovecraft‏ ) ثم تعود ‏الى ما أمامه .. حلم غريب . .هناك ضيوف .. هناك حفل .. مأدبة .. كل شيء جميل ‏وهي مسرورة ، فيما عدا تفصيلا بسيطا .. إنها هي الوجبة الأساسية لهذا الحفل !‏
الضيوف هم ( هيلدا ) و ( أريكه ) وآخرون .. زوجها يقف وسطهم يقطع أوصالها ‏بالسكين ، ويقدم لكل واحدة قطعة في طبقها .. المخيف هنا أنها راضية .. أنها ‏مسرورة .. أنها ترحب بمن يأكلونها كأنها ربة بيت حريصة على إرضاء ضيوفها ..‏
ثم تعود الى ما أمام جدار النوم فتسمع زوجها يتكلم مع أحدهم .. من هذا ؟ من هو ؟ ‏ثم تنزلق من جديد خلف الجدار لتعاود الحلم .. ثم .. لا شيء ..‏
إنه الظلام الدامس هذه المرة ..
‏*** ‏
في الصباح لم تكن تشعر بانها على ما يرام ..‏
ذهب زوجها الى العمل ، على حين جلست هي أمام التلفزيون تشاهد برامج الأطفال ‏‏.. خطر لها ان تتناول الإفطار لكن الفكرة جعلت العصارة الحمضية تصعد الى اعلى ‏مريئها ..‏
هل هي حامل ؟ ارتجفت للفكرة .. بالنسبة لها كانت هذه آخر فكرة ممكنة في العالم .. ‏طفل حي يصرخ ويبكي ويرضع يخرج من أحشائها هي ؟ هذا نوع من الخيال ‏العلمي لا شك فيه ..‏
دق جرس الباب ففتحته ..‏
على الباب كانت جارتها ( هيلدا ) .. وهي كما نعرف لا تعمل هي الأخرى .. هكذا ‏يبدأ حفل الزوجات الذي يتميز بالنميمة كطقس أساسي .. لم تكن ( هالة ) من الطراز ‏الذي يشكو زوجها .. أولا لأنها لم تجد فيه عيوبا حتى الآن .. ثانيا لانها ليست من ‏هذا الطراز .. يمكن ان تجلس لتمتدحه وعينها متورمة زرقاء من لكمته ، او وهي ‏تضع قطعة ثلج على خدها لتخفف من آلام صفعته لها ..‏
كانت جلسة طويلة عرفت فيها كل شيء عن عادات ( كارل ) وطباعه .. عن طفولته ‏ومراهقته وأمراضه ..‏
في وسط الكلام قالت الصديقة الألمانية بشكل عابر :‏
ـ" لا أحب التدخل فيما لا يعنيني .. لكن ما سر هذه الزيارات الليلية؟"‏
ـ" زيارات ليلية ؟"‏
ـ" هؤلاء القوم الذي يأتون بعد الثانية صباحا لداركم .. إننا نسمعهم .. اعترف انهم لا ‏يحدثون صخبا لكن هذا غير مريح .. خاصة أنني لمحت وجوهم من فرجة الباب .. ‏لا يوحي مظهرهم بالراحة أبدا .."‏
قشعريرة عبرت ظهر ( هالة ) وهي تسمع هذه الكلمات ..‏
هل هذا صوت باب الشقة ؟ ‏
نعم .. إنه يفتحه .. ثم تعود الى ما امام جدار النوم فتسمع زوجها يتكلم مع أحدهم .. ‏من هذا ؟ من هو ؟
لم تكن تخرف إذن .‏
بالفعل هناك من زارهم ليلا .. وهو يحرص على ان يزيل أي اثر لزيارته بعد رحيله ‏‏..يزيله بدقة لا توصف .. لان الشقة في الصباح تبقى كما هي ..‏
ولكن كيف ولماذا ؟ أشد ما يثير الضيق في هذه الأمور ان تشعر بأنك آخر من يعلم .. ‏لهذا شعرت بمقت شديد لـ ( هيلدا ) وتمنت لو تخرس قليلا ..‏
قالت لها ( هيلدا ) وقد لمحت حيرتها الواضحة :‏
ـ" واضح انك لا تعرفين شيئا عن الموضوع .. على كل حال يجب ان اقول إنك تثقين ‏بزوجك أكثر من اللازم .. ولو كنت مكانك لفتشت حاجياته بعناية ..و لظللت ساهرة ‏أنتظر .."‏
ـ" سأسأله .. هذا سهل .."‏
ـ" ما دام أنكر حتى الآن يا صغيرة فلسوف ينكر الى الأبد .."‏
وصمتت ( هالة ) وراحت تراقب المرأة على الشاشة وهي تعد نوعا ما من الحساء .. ‏تتكلم لكنها لا تفهم حرفا من كلامها ..‏
لكنها لم تسأله عن شيء ..‏
للمرة الأولى في حياتها تصرفت بخبث وكتمان ..‏
إلا انها لم تصح قط في الليل كي تحضر هذه الزيارة الغامضة .. دوما كانت تنام ‏كلوح الخشب الى ان يشرق النهار ، وعلى كل حال كانت قد بدت تنسى تلك الكلمات ‏المسمومة التي سمعتها .. وعامة حرصت على ان تتجنب لقاء ( هيلدا ) أو التعامل ‏معها .. هذه المراة على أسوأ حال من الخلاف مع زوجها ، وبالتأكيد صممت على ان ‏تهدي للوجود هدية هي المزيد من المقت ..‏
مرت الأيام وجاء اليوم الموعود ..‏
لقد كانت تلاحظ ذلك الانتفاخ في بطنها لكنها لم تعره اهتماما بالقدر الكافي .. ثم ‏صار الأمر حقيقيا لا ريب فيه .. ذهبت الى المستشفى وهناك حللوا بولها وأخبروها ‏بأنها حامل ..‏
هذا يفسر كل ما كانت تمر به من مقت للطعام ومن حموضة ، ومن قيء صباحي ..‏
إنها ستصير أما .. هي الطفلة الخائفة ستصير أما لطفلة خائفة أخرى ..‏
حين عاد ( كمال ) من العمل ، راحت تلعب دور الزوجة اللطيفة في الأفلام المصرية ‏‏.. لدي مفاجأة لك .. اليوم شعرت بتوعك .. ذهبت للطبيب .. قال لي .. إنك .. بعد ‏أشهر .. سوف ..‏
قاطعها في نفاذ صبر :‏
ـ" حامل؟ أعرف هذا .. لا داعي لهذه المقدمات .."‏
شعرت بخيبة أمل .. كانت تتوقع ان يكون رقيقا ويقبل بلاهتها هذه .. وأدرك انه ‏جرحها فقال في رفق :‏
ـ " يا ملاكي لا يحتاج الأمر الى طبيب .. عروس شابة انقطع منها الطمث وتقيء ‏يوميا ويكبر بطنها يوما بعد يوم .. فهل هذه مجرد غازات ؟"‏
قالت لنفسها إن كلامه منطقي بلا شك ، وإن كانت تفضل ان يكون أكثر شاعرية ‏ورقة ..‏
على كل حال جلست تكتب لأهلها هذه المفاجأة الصاعقة ،، وبرغم كل شيء لم تنكر ‏في خطابها لحظة أنها سعيدة ،، وسعيدة أكثر من اللازم ..‏

^RAYAHEEN^ 07-12-05 11:54 PM



-‏3-


قال ( مازن ) :‏
بعد اشهر كانت في السوبر ماركت مع ( أنريكه ) .. وكانت تبتاع ما يلزم من ثياب ‏للفترة القادمة .. لقد اشترت ثياب الولد وبعض الألعاب لحجرة نومه ، وكانت تسال ‏صديقتها باستمرار عما يخطر ببالها .. إن ( إنريكه ) أم مطلقة ..‏
لكن ( إنريكه ) لم تكن على ما يرام .. كانت شاردة ترد باقتضاب .. وفي مرة من ‏المرات خيل لها انها ترى دمعة في عينها ..‏
فجأة قالت لها ونظرة غريبة في عينها :‏
ـ" ( هالة ).. نريد ان نتكلم في مكان منعزل .."‏
سقط قلبها في قدميها ، فهي لا تحب ابدا هذه المقدمات .. لكنها وافقت ..‏
وفي إحدى الكافتيريات الهادئة طلبت ( إنريكة ) لنفسها قهوة وابتلعت قرصا مهدئا ‏أخرجته من حقيبتها ، ثم اشعلت لفافة تبغ ـ فهي من هذا الطراز ـ وقالت في تؤدة :‏
ـ هل قرأت قصة ( طفل روزماري ‏Rosemarys Baby ‎‏ ) ؟"‏
هزت ( هالة ) رأسها ان لا .. بدا لها الاسم مألوفا .. فأردفت ( إنريكه ):‏
ـ" هذه من قصص الرعب الشهيرة جدا .. وقد تحولت الى فيلم بالغ النجاح أخرجه ( ‏رومان بولانسكي ) .. إن القصة تدور حول زوجين اختارا لسكنهما بناية تعج ‏بالسحرة .. هما لا يعرفان ذلك .. لكن الزوج ينقاد الى الفخ ببطء شديد .. وهكذا ‏تكتشف الزوجة أنها حامل .. لكن ليس من زوجها .. بل من الشيطان ذاته .. وأن ‏الطقوس تقام كل ليلة حول جسدها الغائب عن العالم بفعل المخدر .. وفي النهاية ‏تنجب ابنا للشيطان !"‏
اتسعت عينا ( هالة ) رعبا .. لماذا تخبرها بهذا الكلام؟
قالت ( إنريكه ) وهي تنفث الدخان بكثافة :‏
ـ" الحقيقة هي ان هذا السيناريو يتم تطبيقه معك حرفيا .. إن ( أبركساس ) يتردد ‏على دارك كل ليلة ومعه أتباعه .. إن زوجك العزيز يقوم بتخديرك كلك ليلة بقرص ‏من المنوم يدسه لك مع العصير الذي تشربينه بعد العشاء .."‏
ـ" ( أبراكساس )؟"
ـ" نعم .. ( أبركساس ) وهو من شياطين العالم السفلي .. أنت حامل منه يا صغيرة ..‏
هبت ( هالة ) واقفة في عصبية وأوشكت على الصراخ ، لكن يد ( إنريكة ) المعروقة ‏قبضت على معصمها بقوة :‏
ـ" لا داعي للهستيريا .. لم نأت هنا كي نلفت الأنظار .."‏
جلست ( هالة صورة مجسمة للغباء والبلاهة .. فأردفت ( إنريكه ) :‏
ـ" انت حكيت لي عن زوجك .. كيف يمشي في الظلام بلا عائق .. كي فاختر قالنار ‏والدخان وانقذ ( كارل ) .. انا حكيت لك عن كميات اللحم التي يبتاعها .. الم تلحظي ‏ذلك ؟ الم تلحظي انه متكامل الى حد يصعب تصديق انه بشري؟ الحقيقة أنك حمقاء ‏‏.. لقد لمحت لك مرارا وكذا فعلت ( هيلدا ) إلى الحقيقة لكنك لا تريدين الفهم .. ‏الحقيقة أننا من أتباع هذه الجماعة السرية التي تحاول إعادة ( أبراكساس ) إلى العالم ‏، والتي زوجك عضو فيها .. لكنك بريئة جدا طاهرة جدا ، وبصراحة لم تعد واحدة ‏منا ترغب في ان تدفعك انت بالذت لهذا الدور القذر .. لهذا أنصحك بشيء واحد : ‏فتشي حاجياته جيدا .. ابحثي مرارا .. هذه الليلة بالذات لا تشربي العصير .. يجب ان ‏تعرفي من يدخل بيتك ولماذا .. فإن كان كلامنا صحيحا فعليك بالفرار بأسرع وقت .. ‏ربما تولت سفارتكم حل هذه المشكلة .."‏
ثم أفرغت باقي القهوة في فمها ، وأخرجت ورقة مالية دستها تحت الطبق ، وغادرت ‏المكان من دون كلمة واحدة ..‏
‏*** ‏
لو ان ( إنريكه ) فجرت لغما تحت المنضدة ، أو أوصلت سلكا كهربائي عالي الجهد ‏بأصابع قدميها وأولجت الفيشة في القابس ، لما أحدثت كل هذا التأثير لدى ( هالة )..‏
كأنها ثملة عادت ( هالة) إلى دارها .. احتاجت الى وقت لا بأس به حتى تجد المكان ‏‏..‏
دخلت الشقة شاردة ..ظلت تدور حول نفسها ساعة على الأقل وتمشي من غرفة ‏لأخرى .. في النهاية وجدت أنها تتجه كالمنومة مغناطيسيا الى غرفة مكتب زوجها ..‏
وقفت وراء المكتب لحظات ، ثم فتحت الدرج الكبير .. إنه يضع في المفتاح الذي ‏يفتح الأدراج الصغرى .. هي تعرف هذا وهو يعرف أنها تعرف ، لكنه يثق بها ‏ويعرف أنها اطر من أن تتسلل لتتفحص أسراره ..‏
أخرجت المفتاح وعالجت الدرج الأول ..‏
انفتح ..‏
لا شيء ..‏
الدرج الثاني .. به ..‏
به أشياء تخصها .. هذا هو الجورب الذي لا تفهم كيف أضاعته .. هذا هو دبوس ‏الشعر الذي اختفى فجأة .. هناك عدة صور لها .. من اين اتى بها ؟ إنها تخصها حين ‏كانت في مصر .. صور من المدرسة الثانوية .. لا بد أنه اخذها من أهلها ولم يخبرها ‏‏.. ثمة دمية صغيرة مصنوعة من القماش الخيط .. ما معناها ؟ هناك شعيرات على ‏رأس الدمية .. ملتصقة به كأنه شعرها هي .. الحصول على هذه سهل لأنها تحرص ‏على قص الخصلات الزائدة ، وأحيانا تهمل التخلص منها ..‏
ثمة علبة أقراص كتب عليها ( باربيتيوريت ) .. هي تذكر الاسم .. إنه منوم كان ‏أبوها يتعاطاه أحيانا ..‏
هناك لوحة ملفوفة حول نفسها .. فتحتها فوجدت ذلك الرمز المخيف .. النجمة ‏الخماسية وحولها كلمات بلغة لا تعرف ما هي ..‏
لا تفهم أكثر هذه الأشياء .. إن القصة واضحة ..‏
‏*** ‏
‏-‏ ‏" ملاك صغير هو أنت .. لهذا اخترتك .. بهذا همت بك حبا .."‏
‏*** ‏
المهندس المصري الشاب تورط في خبرة مريعة حين ذهب الى ألمانيا .. ووعد ‏جماعته بأن يذهب الى مصر ليعود بعروس ( أبراكساس ) .. إن ما تراه في الدرج ‏لغامض لكنه يخبرها بوضوح أنها هدف لعمل سحري .."‏
في المساء عاد .. كان ضحوكا متألقا ، أما هي فكانت في أسوأ حال .. لكنها قررت ‏ألا تثير ريبته بأي شكل ..
راح يتناول العشاء ويثرثر ، ثم نهض كعادته الى المطبخ ليعد لها العصير .. للمرة ‏الأولى تفطن إلى ان هذه عادته وأنه حريص عليه ا.. عاد حاملا الكوبين وبحرص ‏وضع كوب اليد اليمنى أمامها واختار هو كوب اليد اليسرى ..‏
ـ" لا اريد ان أضايقك .. لكني اطمع في مزيد من التدليل ..\‏
ـ" قولي ما شئت .. فأنت الحامل لا انا لو لم تخني الذاكرة .."‏
ـ" نسيت إحضار الفاكهة من الثلاجة .. فهل جلبت لي بعضه ؟"‏
هكذا انصرف ، وهكذا وجدت وقتا كافيا كي تتخلص من العصير .. أين ؟ أين ؟ ‏المزهرية الموضوعة على المنضدة ..‏
في اللحظة المناسبة قبل أن يعود ، وحين عاد كان كوبها فارغا وهي تمسح شفتيها ‏في امتنان ..‏
بعد دقائق أعلنت انها راغبة في دخول الفراش ..‏
بدأ يخلي المنضدة من الأطباق .. على حين اتجهت الى الحمام لتغسل وجهها ، ثم ‏دلفت الى الفراش .. وبعد دقائق تعالى صوت تنفسه المنتظم ..‏
لن تنام .. مهما كان الإغراء فلن تنام .. يجب ان تعرف .. أناملها تعتصر السكين ‏تحت الوسادة .. السكين التي أخفتها في الحمام ثم تحت الروب ..‏
لا بد نها استعادت ذكريات شبابها كاملا وحينما نظرت الى المنبه جوار الفراش .. ‏إنها الثالثة صباحا ..هو يرقد جوارها ويبدو نائما في عمق .. وهي لا تجرؤ على ان ‏تتحرك ..‏
الآن ينهض ببطء .. الآن يمشي الى الخارج .. الآن يفتح باب الشقة ..‏
هذه هي اللحظة التي تعرف فيها كل شيء ..‏
كانت تشهق في انفعال .. ترتجف كورقة .. لكن أذنيها مرهقتان كقط صغير ..‏
تسمع صوت اناس يتكلمون بالخارج .. رجال ونساء يتحدثون .. زوجها يقول :‏
ـ" إنها نائمة .. لا تقلقوا .. خذوا راحتكم .."‏
صوت غليظ يقول :‏
ـ" إذن ماذا تنتظر أيها البشري ؟"‏
زوجها يقول لصاحب الصوت في لهفة :‏
ـ" انت سيدي .. انت سيدي .. إن الشرف يغمرني .." ‏
ثم صوت واحدة .. تبا .. إنها هي ( هيلدا ) ذاتها .. تقول :‏
ـ " خذوا الحذر .. لقد بدأت تشعر بريبة .."‏
الصوت الغليظ يقول :‏
ـ" إن البذرة فيها الآن .. لا احد يقاوم ( أبراكساس ) أبدا .."‏
الآن كانت تبكي بلا انقطاع .. وصار جسدها متوترا كأنها وتر القوس ..‏
الأصوات تدنوا .. والصوت الغليظ يقول :‏
ـ " هلموا يا أبنائي لنبدأ الطقوس .."‏
يقول زوجها :‏
ـ" بالمناسبة .. هي متيقظة الآن وتتابعنا ! لقد أفرغت كوب العصير في المزهرية ‏بينما كنت انا في المطبخ ! تحسبني لم ألحظ ذلك !‏
إنهم على باب الغرفة الآن ..‏
إنهم ..‏
وفي اللحظة التالية وثبت من الفراش .. اندفعت كالسهم نحوهم .. لم تستطع إلا ان ‏ترى زوجها وسط بعض الناس ، وكان ينظر لها بدهشة .. وفي اللحظة التالية وثبت ‏فوقه كقطعة مسعورة ، وغرست السكين في عنقه ..‏
غرسته .. غرسته .. غرسته .. وشعرت بالزوج يتهاوى كالبالون المثقوب أمامها ..‏
وقبل ان تغيب عن الوعي سمعت ( هيلدا ) تصرخ في هستيريا :‏
ـ" ماذا فعلت يا حمقاء !! هذه كانت دعابة .. مجرد دعابة ثقيلة !! إن زوجك يهوى ‏الدعابات !!"‏
‏***‏

Ala_Daboubi 08-12-05 09:06 AM

eh ...................................bas balash do3abeh.........zanakha haaaai
hehehehe

^RAYAHEEN^ 08-12-05 09:24 AM

لا حلوي
شو الي مو حلو فيها
اصلا مهضومي

^RAYAHEEN^ 09-12-05 12:58 AM




الواجهــة الثالثة ‏
جــارنـــا
‏-1-


ـ فيما بعد بعد عرفت الزوجة القصة كاملة .. في الحقيقة لم يكن المشي في الظلام ‏موهبة ما .. هناك اشخاص يرون افضل من سواهم في الظلام .. بعد موضوع حريق ‏الحمام وشجاعة الزوج الحقيقية النادرة خطر لـ ( هيلدا ) ان تبدأ نسج هذه الدعابة ‏التي راقت للزوج .. كان يجب أن يتندر على سذاجة ( هالة ) واستعدادها لتصديق ‏كل شيء .. وببطء راحت ( هيلدا ) و ( إنريكة ) تسممان حياة الزوجة بأكاذيب عن ‏الزوج .. لم يكن هناك زوار يأتون ليلا بل ( هيلدا ) وزوجها طرقا الباب ذات مرة ‏ليكلمهما الزوج ويغرسا قصة ملفقة عن الزوار الليليين .. لم تكن هناك أقراص منومة ‏ليلا لكنهما أقنعا ( هالة ) بذلك .. في النهاية عرف الجميع أن ( هالة ) لن تتناول ‏العصير وستبقى متيقظة ، ولسوف تفتش مكتب زوجها .. طبعا كان كل شيء معدا ‏كي تجد ما وجدته .. هنا تتم الزيارة المرهوبة .. لكنهم لم يقدروا ان الدعابة قد تتحول ‏الى مأساة ، وان الشخص الرقيق كالزوجية يمكن ان يتوحش عندما يقتله الرعب .."‏
قلت له وانا ابتلع ريقي الذي جف :‏
ـ" دعابة ثقيلة جدا ، وأشعر ان الزوج استحق الذبح فعلا .. كما ارى ان ( هيلدا ) و ( ‏إنريكة ) كانتا بالفعل تحقدان بشدة على الزوجة المصرية الهائلة .."‏
هز رأسها موافق .. ثم اضاف :‏
ـ" لكن الامور ليست بهذا الوضوح دوما .. هنا يبرز سؤال مهم عن كيف فتح ( كمال ‏‏) مقبض الحمام ؟ لم تكن الدعابة واردة في ذلك الوقت .. ولم تكن الزوجة لتترك ‏زوجها يحترق لمجرد ان تكون الدعابة محكمة .. هذه نقطة .."‏
ثم مد يده الى الوعاء الذي حفظ فيه الجنين وهو يقول :‏
ـ" لم تحتفظ ( هالة ) بوليدها في المصحة التي نقلت إليها .. لقد أجهضت .. وقد ‏احتفظ أحد الأطباء بالجنين إلى ان حصلت عليه انا .. والسبب هو هذا .."‏
وأدار الوعاء .. فرأيت بوضوح تام ان الفقرات العصعصية للجنين كانت متحورة ‏على شكل ذيل كامل .. ذيل كامل مشقوق ..‏
هتفت في رعب :‏
ـ" هل تعني أن ؟"‏
قال وهو يبتسم :‏
ـ" ثمة رواية شهيرة اسمها( 36 ساعة ) للأديب ( كارل هيتلمان ‏Carl ‎Hittleman‏) تحكي عن ذلك الضابط الأمريكي الذي كان يعرف كل كلمات الشفرة ‏وموعد هجوم الحلفاء على ألمانيا .. كان من المستحيل ان يتكلم مهما عذبوه وقد ‏عرف الألمان هذا ، لذا خدروه واخطفوه وأجروا جراحه جعلته يتقدم في العمر شكليا ‏‏. .نقلوه إلى مكان أعدوه سلفا يبدو في كل شيء كأنه قاعدة أمريكية .. الأطباء الذين ‏يحيطون به يبدون أمريكيين ويتكلمون الأمريكية بطلاقة .. حين أفاق أفهموه أنه في ‏قاعدة أمريكية ، وأن الحرب انتهت منذ أعوام ، وانه فقد وعيه وذاكرته ، لكنه الآن ‏بخير .. عليه ان يأخذ راحته ..‏
ـ" ثم بدأ العلاج النفسي ـ مطلوب منه ـ على سبيل تنشيط الذاكرة ـ ان يذكر كل ‏شفرات القوات الامريكية في الحرب .. متى كان الهجوم .. أين ؟ الخ .. بالطبع تكلم ‏الرجل .. لكنه فيما بعد اكتشف الحقيقة لأن جرحا كان في إصبعه منذ أيام ، ومن ‏المستحيل ان تنتهي الحرب ولما يشف هذا الجرح بعد . .هكذا صار عليه ان يبرهن ‏على أنه اكتشف الخدعة مبكرا وأنه كان يخدع النازيين من البداية .. ويبدو أنه نجح ‏في ذلك .."‏
كنت اعرف القصة جيدا بل رأيت الفيلم عدة مرات ، فقلت له في عصبية :‏
ـ" ما دور هذه القصة هنا؟"‏
ابتسم في غموض وقال :‏
ـ" لعب أتباع ( أبراكساس ) نفس الدور تقريبا .. لقد خدعت الزوجة مرتين .. فكر ‏في الامر جيدا ولسوف تجد أنني على حق .. إن الشبه بين القصتين شديد .."‏
ثم تنهد واتجه إلى الواجهة الثالثة ووقف يتأملها بعض الوقت ، حيث كانت تلك المادة ‏الهلامية المتحجرة .. كأنها شمعة عملاقة ذابت تماما ..‏
كنت الآن قد وصلت إلى حقيقة مفروغ منها : هذا الرجل ليس رجلا .. سوف تشرق ‏الشمس لأجد أنه لا وجود له .. لقد عشت هذا الموقف مرارا .. لكني على الأقل ‏أعرف ان قصصه حقيقية .. ثم كيف أتأكد من نظريتي هذه ؟ لا سبيل إلا ان انتظر ..‏
قال لي بصوته الغليظ :‏
ـ" القصة الثالثة تتحدث عن نوع ثالث من الرعب .. ( ماذا يجري في ذلك البيت ؟ ) ‏إنه شعور بدائي مخيف .. لكنه موضوع قصتنا التالية .."‏
قال ( مازن ):‏
في العام 1965 كان هناك مختبر قرب ( كييف ‏Kiev ‎‏) في الاتحاد السوفييتي ..‏
كان هذا المختبر يمارس بعض التجارب الغامضة التي لم تتضح طبيعتها .. كنا في ‏ذلك الوقت في ذروة عصر الحرب الباردة .. والعلاقة بين القوتين العظيمتين علاقة ‏من الشك المتبادل والمقت .. وكانت امريكا لا تعرف بالضبط مدى ما بلغه السوفييت ‏من تقدم علمي ، مما أدى الى المبالغة في أحيان كثيرة .. إلى حد أنهم سألوا احد ‏علماء الفضاء الأمريكيين عما يتوقع ان يجدوه لو وصلوا الى القمر ، فقال بثقة : ‏السوفييت طبعا !‏
لهذا لنا ان نتوقع أحدا على وجه البسيطة لم يعرف بكنه التجارب التي تدور في ذلك ‏الحزب ولا طبيعتها .. باستثناء أفراد محدودين جدا ي الحزب وفي الجامعة .. ولما ‏كان هذا المختبر قد تلاشى تماما الآن فإنني اعتقد ـ بلا فخر ـ أنني وأنت الوحيدان ‏اللذان يعرفان يقينا ما كان يحدث هناك ..‏
كان المشرف على المختبر أستاذا سوفيتيا يدعى ( أندريه أنسيمفتش خارين ) ـ يمكننا ‏ان نكتفي باسم ( خارين ) فهو يبدو محببا للسمع ـ وكان طبيبا بشريا قبل ان يهتم ‏بالظواهر الخارقة للطبيعة والسوفييت كما تعلم هم اول من اهتم بهذه الاشياء بشكل ‏علمي وحاولوا ان يقتلوها ..‏
وكان ( خارين ) كثير السفر واسع العلم ، وقد ارتحل مرارا الى افريقيا وامريكا ‏الجنوبية .. راى الكثير جدا وشاهد ما هو أكثر .. وفي النهاية عاد الى مختبره ليطبق ‏ما وجده ..‏
لكن الحكومة وجدت بعد أعوام ان هذه التجارب لم تقدم شيئا .. إنها تستهلك الكثير ‏من الإنفاق الحكومي ولا تبدو لها نتيجة ملموسة ،لهذا قررت ان تغلق هذا المختبر ‏وان توقف التجارب ..‏
كانت الصدمة عنيفة على (خارين ) ، لهذا اعتكف في داره لفترة ، ثم طلب إذنا ‏لحضور احد المؤتمرات في ( بلجيكا ) .. وذهب هناك مع مساعده .. ثم ذاب تماما .. ‏لم يعد احد يعرف اين هو ولا ماذا فعل .. هؤلاء القوم حمقى ، فلو سألوني لقلت لهم ‏إن هذا هو ما سيحدث بالضبط ..‏
لم تكن هذه حادثة غير مسبوقة على كل حال .. كثيرون حاولوا الفرار من وراء ‏الستار الحديدي .. بعضهم نجح وحصل على حق اللجوء السياسي واستغله الأمريكان ‏كبوق دعاية ضد الشيوعية ، وبعضهم فشل .. عندها لا نسمع عنهم ثانية .. ربما ‏تعامل معهم الــ ‏KGB‏ بشكل ينهي أوهامهم .. هذا هو الأرجح على كل حال ..‏
حسن .. لا أحد شيئا على الدكتور (خارين ) منذ العام 1968 .. وبمرور الوقت لم يعد ‏هناك مختبر قرب ( كييف ).. ولكن القصة لم تنته ..‏
بالواقع كانت قد بدأت ..‏
‏*** ‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا غريب الأطوار ..‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا لا يتكلم كثيرا ..‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا لا يحب الأطفال .‏
كان ( جان بيير ) الصغير يقول : جارنا يبدو ككائن من كوكب ( يوريك ) ينتظر ‏لحظة الغزو ..‏
وكان الأب يقول :اخرس يا ( جان بيير )..‏
هذه طريقة تربوية أثبتت فعاليتها منذ الأزل .. وقلما تفشل ..‏
لكن الأطفال في السابعة لا يستجيبون للطرق التربوية الناجحة .. لقد راح الصبي ‏يأخذ حوض السمك الكروي الفارغ ويثبته على رأسه ، ثم يخرج فاردا ذراعيه في ‏الصالة وهو يردد بلا توقف :‏
ـ" يا اهل الارض . استسلموا لجيش ( يوريك ) العظيم قبل أن تحرقكم بالأشعة ‏الكونية .."‏
ويطارد اخته الصغرى عبر الحجرات وهي تصرخ .. فلا ينقذها إلا ان تركض الى ‏غرفة المكتب حيث الأب يراجع أوراقه .. هنا يدخل الصغير فيثب الأب مذعورا ‏ويصرخ :‏
ـ" ستختنق يا أحمق "‏
وينزع الحوض على رأسه ثم يأتي بفرشاة الشعر ، ويرقد ( جان بيير ) على ركبتيه ‏كي يوسع مؤخرته ضربا ..‏
هذه طريقة تربوية ناجحة أخرى .. والحقيقة ان الصغير لن يفكر بعد اليوم في ارتداء ‏الحوض على رأسه من دون ان تؤلمه مؤخرته ..‏
‏*** ‏
إنه ( إبريل ) حيث كل شيء جميل براق .. نظيف ..‏
في الصباح كان الأب يذهب الى العمل .. يقبل زوجته ويعبر الحديقة الى حيث تنتظر ‏سيارته الصغيرة الحمراء .. فكان لحيانا يلقى جارهم وهو يأخذ بريده فيحييه بهزة ‏رأس ..‏
بالفعل لا يعد السيد ( روسكوف ) ودودا على الإطلاق .. إنه عجوز أصلع الرأس ‏لكن ما بقي منه على جانبي رأسه يوشك ان يبدو كقطع قطن لصقها هنالك على عجل ‏‏.. وله وجه قاتم مكفهر يجعلك تتوقع أن تبدأ يومك بنيزك يهوي فوق رأسك ..‏
يبدو أنه مهاجر من شرق أوروبا .. للغته الفرنسية طابع شرق أوروبي لا يمكن أن ‏تخطئه .. وقد جاء إلى المنطقة منذ أشهر ، وهو لا يتكلم كثيرا .. لا يتكلم على ‏الإطلاق ، ولا يخرج تقريبا .. واضح أنه يحصل على كل حاجياته من السوبر ‏ماركت هاتفيا .. وحتى هذه اللحظة لا يبدو أنه كان يمارس عملا معروفا ..‏
في هذه المرة بدا أن الرجل راغب في بعض الكلام.. لقد هز رأسه مرة أخرى ..‏
سأله الأب :‏
ـ" يوم جميل ..هه ؟ "‏
فهز الرجل رأسه من جديد بمعنى أن هذا يوم جميل ..‏
كانت هذه أطول محادثة ممكنة مع الرجل ، وبدا للأب ان هذا يوم خارق للعادة .. ‏هكذا انتهى من هذه الثرثرة وأدار محرك سيارته مبتعدا .. إنه ( إبريل ) حيث كل ‏شيء جميل براق .. نظيف ..‏
وقف الضيف يرمق السيارة حتى ابتعدت تماما ثم عاد إلى داره ..
‏*** ‏
ـ" أؤكد لكما أنه غريب .. قادم من الفضاء .."‏
ـ" لماذا ؟ الغرباء لا يبدون كذلك .. دائما هم يبدون مثلي ومثلك ، لكن حين يجرحون ‏يسيل منهم دم أخضر .."‏
ـ" من الممكن ان يأتي غريب يبدو غريبا .."‏
كان هذا طبعا هو ( جان بيير ) مع صديقيه ( سيمون ) و ( كلود) .. إنهم ثلاثة ‏شياطين فقط لو فهمت كيف يمكن لطفل في السابعة أن يكون شيطانا .. وكل منهم ‏لديه أخت صغيرة مزعجة لا تكف عن الشكوى ، وأم تصدق الأخت دوما ، واب ‏يصدق الأم طبعا لانه لا يستطيع ان يفعل غير هذا ..‏
كانوا يتحدثون عن المسكين المسيو ( روسكوف ) طبعا ..‏
وهكذا قضى الصبية الوقت يلعبون أمام باب الرجل محاولين ان يروه في لمحة ما .. ‏ولما لم يخرج كما هي العادة تمددوا على بطونهم عبر الطريق من الجهة الاخرى ، ‏كما يفعل رجال العمليات الخاصة إذا يراقبون معسكرا ..‏
كان البيت من طابقين ، صغيرا جدا ، وله حديقة غير منسقة .. لكن حرص الرجل ‏على أن يغلق كل الستائر بدا لهم مرضيا .. أحيانا كان يفتح نافذة ما ، بحيث لا يبدو ‏منها ثم يغلقها ثانية ..‏
ثم قرروا ان يبدءوا تقنية أخرى هي لعب الكرة .. لعبها بحيث تضرب باب الرجل ‏من آن لآخر .. إن الصبية يجيدون هذه الأعمال المزعجة .. وفي مصر هناك مثل ‏شعبي معناه ( إن اردت ان تطرد أحدهم من القرية ، فأطلق عليه الأطفال )..‏
بوم ؟‍‏
هكذا ارتطمت الكرة بالباب .. فارتج ..‏
انفتح الباب وبرز الجار العجوز وقد ازداد وجهه كآبة .. ونظر عبر الطريق فرأى ‏الصبية واقفين في نوع من التحدي له .. كان قد اعتاد هذه الأمر كما هو واضح .. لا ‏بد ان كثيرين تحرشوا به من قبل .. والسبب هو الاستفزاز الذي يسببه الرجل المنغلق ‏الغامض .. كأنه يهين الآخرين .. أو كأن في انغلاقه درجة ما من التعالي .. لو كان ‏ثرثارا يقف في وسط الطريق ولا يكف عن السباب لتركه الناس وشأنه ..‏
لكن الرجل كان عمليا .. نظر الى الأرض فوجد الكرة .. انحنى وحملها تحت إبطه ‏كما تحمل أنت بطيخة وعاد إلى الداخل وأوصد الباب خلفه ..‏
ـ" كرتي !!"‏
كذا صاح ( كلود ) وهو يركل الأرض في عصبية ..‏
ثم إنه استدار إلى ( جان بيير ) وصاح مغضبا : ‏
ـ" أنت صاحب الفكرة .. هذه الكرة غالية الثمن ومفضلة لدي .."‏
قالت ( جان بيير ) في برود :‏
ـ" ان الم آخذها .. هو فعل .. لو كنت تريدها بهذا القدر فلماذا لا تطلبها منه ؟"‏
ـ" أنت صاحب الفكرة .."‏
ـ" وأنت صاحب الكرة .."‏
هكذا دار الجدل المحتدم العصبي .. وبدا أنه ما من واحد من هؤلاء الشجعان يرغب ‏في الدنو من الرجل أكثر من اللازم .. لماذا ؟ ألم نتفق على أنه غريب من كوكب ( ‏يوريك ) جاء ليعد للغزو ؟ ‏
في النهاية قال ( جان بيير ) وهو بالمناسبة أكبر الثلاثة سنا .. صحيح ان الفارق ‏بضعة اشهر ، لكن هذه الفوارق تغدو قرونا في عالم الأطفال :‏
ـ" سأدق بابه أنا واستعيد الكرة .."‏
‏***

^RAYAHEEN^ 11-12-05 12:34 AM



‏-2- ‏
قال ( مازن ) :‏


بخطوات مرتبكة متعثرة عبر ( جان بيير ) الطريق متجها لباب الرجل .. نظر ‏للوراء نحو صديقيه ، ثم رفع قبضته .. دق على الباب .. ثم إنه لاحظ وجود جرس ‏هناك فضغط عليه ..‏
وفي هذه اللحظة بالذات خطر له ان يفر هاربا ، ثم تماسك وقد أدرك أن صديقيه ‏يرمقانه ..‏
انفتح الباب وظهر الوجه الكئيب العجوز ..‏
ـ" معذرة يا سيدي .ز نحن لم نقصد ان نضرب بابك بالكرة .."‏
ظل الرجل يرمقه ف ثبات كأنما هو صامت لا يتكلم .. فابتلع الفتى ريقه اللزج ، ‏وقال : ‏
ـ" هل تسمح لنا باسترداد الكرة ؟"‏
لدهشة الصبيين أفسح الرجل الطريق ليدخل ( جان بيير ) من الباب ..‏
وكما حكى ( جان بيير ) فيما بعد اقتاده الرجل الى الحديقة الخلفية .. هناك كان ‏صندوق من الخشب موضوعا على العشب ، وكان يشبه صناديق الاقتراع ذات ‏الفتحة في أعلاها ..‏
دنا منه الرجل وأشار إليه باشمئزاز ولا مبالاة وقال :‏
ـ" كرتك بالداخل .. خذها ولا تعد هنا ابدا .."‏
كانت الفتحة صغيرة لا تسمح برؤية ما بداخل الصندوق .. ولم يتساءل الصبي لحظة ‏عن كيف دخلت الكرة هنا ، فقد افترض ان للصندوق بابا جانبيا او سفليا .. لكن ‏الفتحة كانت تسمح بدخول اليد .. هكذا دخل يده دون تفكير وبلا حذر ..‏
بخ خ خ خ خ خ خ خ !‏
دوى الصوت الحاد البري من داخل الصندوق ، شعر بشيء يخمش يده فوثب الى ‏الوراء مذعورا ... هنا انفجر العجوز ضاحكا ..‏
لم تكن ضحكة عادية ، إنما هي ضحكة من ضحكات لاسينما المفتعلة المبالغ فيها .. ‏كان يرجع راسه للوراء ويغمض عينيه ، وقد فتح فاه كاشفا عن فم خال من الأسنان ‏تقريبا ما عدا سنين مصفرتين في الفك السفلي ..‏
ها ها ها ها ها ها !‏
ولم يعرف الصبي متى ولا كيف فر من أمام الرجل عابرا المنزل ركضا ..‏
ها ها ها ها هاها ها !‏
هاهاهاهاهاها !‏
هاهاهاهاها!‏
الضحك مستمر لكنه يخفت تدريجيا وهو يخرج من الباب الأمامي باكيا .. يعبر ‏الطريق في ثلاث وثبات ليكون مع صديقيه .. ولم يدر الصبيان لماذا ولأي سبب راح ‏ثلاثيتهم يجرون مذعورين ، بينما الضحكات المجنونة تلاحقهم ..‏
لا بد أنهم كفوا عن الجري عند حدود ( تنزانيا ) مثلا ..‏
هناك وقفوا يلهثون ويلتقطون الأنفاس .. أخير ارفع ( جان بيير ) يده ليرى ما دهاها ‏‏.. كان هناك خدش واضح دام على ظهر يده وفي كفها .. وقد راح يمتص الدم وهو ‏يبكي في غل :‏
ـ" إنه شرير .. لقد أخافني .."‏
قال ( سيمون ):‏
ـ " الم تعرف ما كان في الصندوق ؟"‏
ـ" كيف لي ذلك ؟ غالبا هو قط او ************ صغير .. لكنه شرس .."‏
ـ" سنخبر بابا .."‏
ـ" لا .. هذا سيضعنا في مشكلة .. لماذا تضايقون هذا العجوز الطيب ؟ طاخ طاخ "‏
للأسف كان هذا حقيقيا .. لكنهم فقط كانوا يدركون شيئا واحدا : هذا العجوز قد ‏خدعهم بشكل خسيس قاس .. ولا بد من انتقام .. آ ه ه ه إن تصور ضحكة النصر ‏على ثغره القبيح الآن لأمر يثير الجنون كان كل منهم الآن على استعداد لمصارعة ‏أسد ـ لو اقتضى الأمر ـ فقط كي يزيل هذه الضحكة عن وجه الرجل ..
‏*** ‏
قال الأب وهو يلتهم الجبن ف نهاية الوجبة كما هي العادة الفرنسية : ‏
ـ" لقد دعوته إلى العشاء معنا .."‏
قالت الأم المحتجة :‏
ـ" لا يبدو لي ضيفا مريحا .."‏
ـ" لكنه مثير .. لا بد أن عنده قصصا غريبة .. هؤلاء المهاجرون من شرق أوروبا ‏يملكون حكايات مسلية للغاية ، وانا اعترف لك هنا بأن الفضول ليقتلني لمعرفة من ‏هو .."‏
ـ" وهل قبل الدعوة بهذه البساطة .."‏
ـ" لم أترك له فرصة للاعتراض .. قلتها وانصرفت قبل ان يرفض .."‏
كان ( جان بيير ) يلتهم غداءه في اشمئزاز كعادة الصبية في سنه .. لكن ما قاله الأب ‏جعله يلتهب حماسة ، وفي عينيه التمعت نظرة غادرة شيطانية ..‏
ـ" لن يكون في داره هذه الليلة .. هذه فرصة نادرة .."‏
قال ( كلود ) وهو ينظر له بتشكك :‏
ـ" كيف تضمن هذا ؟"‏
ـ" لأنه سيكون في دارنا .. يلتهم طعام أمي "‏
ـ" أوه ! يا للقرف !"‏
ـ" المهم ان بيته سيكون خاليا .. ولسوف نعرف كيف ندخله .."‏
ـ" والغرض ؟"‏
ـ" سنتلف كل شيء ! سنرى ما يهتم به ونتلفه .. لو كان رساما سنخلط الاصباغ على ‏سجادته .. لو كان كاتبا سنسكب الحبر على أوراقه .. لو كان فضائيا سنتلف مكوكه ‏المخصص للعودة !"‏
ـ" لا تعتبرني معكم .."‏
نظر ( جان بيير ) الى ( سيمون ) نظرة من يستثير نخوته : ‏
ـ " وانت ؟ المفترض ان نغضب لان الرجل أهان صديقك .."‏
بدا التردد على وجه ( سيمن ) ثم قال : ‏
ـ" نعم .. اريد الانتقام لكن دخول بيته .. آسف .. هذه جريمة .. ثم من أدرانا ما يوجد ‏هناك ؟ لربما كان يربي النمور .."‏
ـ" ولو كان يربي النمور فلسوف نطلق سراحها !"
ثم قال في قلق : ‏
ـ" إذن لا احد معي ؟"‏
قال ( سيمون ) الحل الوسط الي وجده ما بين المخاطرة الزائدة والجبن الملوم :‏
ـ" سأراقب المخرج حتى لا يفاجئك أحد .."‏
ـ" إذن موعدنا الثامنة مساء .."
‏*** ‏
في السابعة والنصف جاء الضيف ..‏
لم يقابله ( جان بيير ) لأنه اخبر امه انه لا يرغب في تناول العشاء ، وكان على كل ‏حال يعرف أن هذا سيسرها ، آخر شيء تريده لدى قدوم ضيف للبيت لأول مرة ان ‏تجد طفلا مزعجا عليك ان تراقب تصرفاته .. هكذا سمحت له بعدم تناول الطعام .. ‏بل الخروج إذا أراد ..‏
وكان السبب الىخر الذي راق له هو أنه لا يرغب بأي شكل في أن يراه الرجل .. ‏سيكون هذا محرجا ..‏
وفي الثامنة مساء كان يقف قرب بيت الرجل على الجهة الأخرى من الطريق ، في ‏ذات الموضع الذي راقبوه منه أول مرة ..‏
بعد قليل جاء ( سيمون ) وهو يجر قدميه .. يسهل معرفة كيف تتم هذه المواقف .. ‏إنها عبارة عن مجموعة أشخاص يخشى كل منهم أن يتهم بالجبن .. هكذا تتحرك ‏عجلة التاريخ ..‏
ـ" انا هنا !"‏
قالها وهو يرقد على العشب ..‏
قال ( جان بيير ) وهو يخرج كشاف الجيب الصغير :‏
ـ" هناك باب خلفي ..ـ على الأرجح سأتمكن من الدخول منه .. سأدخل وأفسد اشياء ‏ثم أعود غليك .. لو رأيت احدا اطلق صيحة البومة .."‏
ـ" انا لم اسمع بومة في حياتي !"‏
ـ إذن اصرخ بأعلى صوتك .."‏
ونظر حوله في الظلام فلم ير أحدا .. إن غرفة الطعم في داره مضاءة والمأدبة على ‏قدم وساق .. ما زال هناك وقت .. وهكذا عبر الطريق جريا ، ودار حول منزل ‏الرجل ..‏
كانت الحديقة الخلفية مهملة تناثرت فيها بعض الصناديق الخالية .. مشى في حزم ‏وخفة وأدار المقبض ، لكن الباب لم ينفتح .. جرب مرتين دون جدوى .. هذا الوغد ‏حذر .. وهو ـ ( جان بيير ) لم يلق قط من يتذكر غلق باب المنزل الخلفي ..‏
هكذا راح يدور حول البيت بحثا عن ثغرة ما ..‏
كانت هناك فتحة قرب الأرض .. واضح أها مخصصة لدخول وخروج الكلاب .. هو ‏لم ير أي ************ هنا على الإطلاق .. إنها لا تكفي لدخول أي لص يحترم نفسه ، لكن ‏ماذا عن الصبية ؟ ‏
هكذا دس جسده في الفتحة وراح يحشر .. ويحشر .. اخيرا وجد نفسه في الداخل ..‏
كان قلبه الآن يخفق كطبل .. هذه اكبر جريمة ارتكبها منذ ولد ، وقد ارتكبها فعلا ، ‏ولم تعد هناك أعذار ..‏
الظلام دامس بالداخل .. يشعل الكشاف فيرى أقذر بيت يمكن تخيله .. كل شيء ليس ‏في مكانه .. كل شيء مهمل او مبعثر .. لو كان خنزير يعيش هنا لكان تفسيرا منطقيا ‏‏..‏
هكذا راح يفتش البيت في رفق .. في حذر ..‏
وفي كل لحظة يزداد الانطباع في ذهنه .. هذا الرجل مجنون .. لا يمكن ان يتحمل ‏الحياة هنا إلا مجنون ..‏
هذه هي الثلاجة .. ترى ما الذي يأكله ..؟
فتحها فدهش لأنه لم يجد بها أي طعام .ز بل عشران من الزجاجات . .حجم الزجاجة ‏أقل من زجاجة المياه الغازية .. ربما هو النصف .. ربما كانت تحوي خمرا لكنه نوع ‏من الخمر كتب اسمه بحروف عجيبة .. هذا الرجل إذن لا يأكل بل يشرب ..‏
كان هناك قبو تقود له درجات السلم ..‏
وخطر له ان القبو في القصص يخفي دوما الشر الأكثر إرعابا .. لو كان الرجل من ‏كوكب ( يوريك ) فلسوف يحوي القبو اسلحة الدمار الكوني .. فليلق نظرة ..
‏*** ‏
نظر الرجل في ساعته ومسح فمه بالمنشفة ، ثم قال بلهجته الثقيلة :‏
ـ" عشاء ممتاز يا سيديت .. لكني تأخرت !"‏
تبادل الزوج وزوجته نظرة ذات معنى ، ثم هتف في العجوز :‏
ـ" لم نتكلم بعد .. كنا سنجلس في غرفة المعيشة وندخن بعض الوقت .."‏
ـ" أنا لا ادخن .."‏
ضحك الزوج طويلا : ‏
ـ" ولا انا .. فقط اردت ان نجلس قليلا و .."‏
تجشأ الرجل في فظاظة وهو ينهض وافرغ بقايا الكأس في فمه وقال : ‏
ـ " مأدبة عظيمة يا سيدتي .. لكني مضطر للانصراف .. أكره الا ادخل فراشي قبل ‏التاسعة .."‏
قال الزوج مجاملا :‏
ـ" انت عسكري سابق حين كنت في ( تشيكوسلوفاكيا ) لا بد ان حياتك كانت تتحرك ‏بدقة الساعة .."‏
ـ" هذا صحيح .."‏
قالها وهو يتجه الى الباب ..‏
وهمست الزوجة من بين اسنانها :‏
ـ" إنه فظ فعلا .. التهم طعامي الطيب ثم هم ينصرف .. من دون ان نتبادل عشر ‏جمل مفيدة .. في المرة القادمة يجب ان تحسن انتقاء من تدعوهم للعشاء .."‏
وكان الرجل قد فتح الباب فعلا ‏
‏***

Ala_Daboubi 11-12-05 03:31 PM

thanks.............................ana motabi3.......0

^RAYAHEEN^ 11-12-05 06:40 PM

اوكي
ملاحظة ههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 11-12-05 10:56 PM



‏-3-

قال ( مازن ) : ‏
كان الأمر أقرب إلى مختبر ..‏
الآن يفهم ( جان بيير ) سر الشيء الذي خمش يده ..‏
هذه الأقفاص تحوي تلك القردة الصغيرة الصلعاء التي يعرفها لكنه لا يعرف اسمها ‏‏.. وهي ترمقه بعيون متسعة خائفة تلتمع في وهج الكشاف ..‏
‏( تبا ! هل القردة تنقل السعار ؟ )‏
إذن هذا الرجل يربي القردة سرا .. لا بد أن سيارة جاءته منذ ايام في الليل ونقلت له ‏حمولتها .. إن القبو يجعل سرها مكتوما لا يعرفه أحد .. لن يسمع أحد صراخها ..‏
كانت هناك أنابيب اختبار .. أجهزة علمية لا يفهم ما هي ..‏
وكان هناك ( مرطبان ) كبير انلصقت عليه بطاقة مكتوبة بحروف لا يمكن قراءتها ‏‏.. ( المرطبان ) يحوي مسحوقا ابيض غامضا أقرب الى السكر .. وقد دون تحته ‏تاريخ أمس بالذات .. هناك لوح كتابة دونت عليه كتابة غريبة .. ثمة صور ‏فوتوغرافية معلقة على الجدار .. صور بالأبيض والاسود مع لمسة البني المميزة ‏لصور الماضي .. هذا هو ( روسكوف ) إنه شاب لكنه اصلع الراس كما هو ، يقف ‏باحترام جوار رجل عسكري كث الشارب .. ثمة صور له في مختبر .. صورة له ‏يقف مع رجل عسكريين ويشير الى شيء ما على الارض في حقل ..‏
كانت فكرة الانتقام قد خطرت له الآن ..‏
اتجه إلى ( المرطبان ) وفتحه .. بحث حوله فوجد كيسا صغيرا من البلاستيك ، فتحه ‏وافرغ فيه ملء قبضة اليد من محتوى ( المرطبان ) .. ثم غادر القبو ..‏
لسبب ما بدأ يشعر بالذعر الآن .. لسبب ما قرر جهاز الهلع النائم في عقله ان يعمل ‏‏..‏
لكنه لن يخرج من هنا قبل ان ينهي مهمته ..‏
اتجه الى الثلاجة ففتحها .. امسك بأول زجاجة فأزال غطاءها .. كانت لحسن حظه ‏من الطراز غير ( المبرشم ) .. هكذا افرغ بعض المسحوق الكريه فيها وأغلقها ‏بإحكام .. مهما كان مضمون هذا المسحوق فالرجل سيتلقاه في أحشائه ..وكرر الشيء ‏ذاته مع باقي الزجاجات التي كانت على السطح ..‏
‏( الباب ينفتح !)‏
وفي اللحظة ذاتها سمع صراخ ( سيمون ) .. صراخا سخيفا يحاول التظاهر بأنه ‏بومة او وحش ليلي ..‏
وثب قلبه في فمه .. ركض إلى .. لا .. ليس القبو ..‏
‏( هل انتهت المأدبة ؟ كيف عاد بهذه السرعة ؟)‏
ركض الى حجرة الجلوس .. المشكلة أنه نسي أين كانت الفتحة التي دخل منها .. هل ‏كانت في الصالة ؟؟
في النهاية قرر ان يتوارى خلف مقعد عملاق من الطراز الذي يسمونه ‏Arm ‎Chair‏ .. وحبس أنفاسه وهو يسمع الرجل يتكلم .. كان يسب لكن بلغة غريبة .. لا ‏يصعب ان تعرف السباب حي تسمعه .. اغلق الباب .. الضوء يغمر المكان ..‏
سمع الرجل يمشي الى الصالة .. صوت الثلاجة يفتح .. ثم .. الرجل يدخل الغرفة ‏التي هو فيها .. يسترخي على المقعد الذي يتوارى وراءه .. رائحة أنفاسه كريهة لا ‏تطاق .. إنها بالفعل تلوث المكان الذي يجلس فيه ..‏
كان يغني في إنهاك وبلا اتساق او تناغم كما يفعل السكارى : كالينكا .. كالينكا !‏
صوت ( لق لق لق ) .. الرجل يجرع من زجاجة ما بنهم شديد .. ابهذه السرعة ؟ لقد ‏فرغت .. يلقيها أرضا لتقع جوار ( جان بيير ) .. ثم يبدو أنه يشرب زجاجة أخرى ‏بذات النهم ..‏
فجأة دوت صرخة مريعة ..‏
لم يدر الصغير المذعور ما حدث .. فقط شعر بأن الرجل يسقط من على المقعد .. ‏يصدر صوتا مخيفا كأنما شخص يذبح حيا .. الحشرجة من حلقه وصوت الرغاوي ‏المقزز ..‏
الرجل يصيح كمن لا يصدق بشيء ما .. إنه مذهول لكن لماذا ؟
هنا فقط كان الذعر قد بلغ نهاية الفتيل .. فخرج( جان بيير ) من تحت المقعد ..‏
الرجل العجوز ممدد على الأرض وقد بدا فاقد الوعي .. كرشه في الهواء يعلو ويهبط ‏‏.. جواره زجاجتان فارغتان من ذلك المشروب الي كان يملأ الثلاجة .. لا يمكن ‏المرور من هنا إلا من فوق ذراعه .. ترى هل يشعر ؟
قرر ان يجازف .. رفع ساقه بحر وعبر فوق الذراع ..‏
وفي اللحظة التالية هب الرجل من رقدته ..‏
شعر ( جان بيي ) بيد كالمزلقة تطبق على كاحله فصرخ ، وسقط على الأرض ..‏
على حين جثم العجوز فوقه كالجاثوم .. بدا أكبر من الواقع .. اكبر من الحياة ذاتها ..‏
ـ" انت ايها الفأر الصغير ! انت من فعل هذا !!"‏
أطلق الصبي انينا وحاول التملص بلا جدوى ..‏
قال الرجل وهوي قرب وجهه من ( جان بيير ):‏
ـ" ما دامت هذه لحظة الحقيقة فلتعلمن أنني البروفسور ( أندريه انسيمفتش خارين ) ‏من كبار علماء الاتحاد السوفييتي .. حاليا انا هارب من هناك .. متخف كي لا يجدني ‏رجال ( كي جي بي ) .. انت نزلت الى القبو أيها الفأر .. لا تنكر ذلك ! لقد رأيت ‏صورتي مع ( ستالين ) الحديدي ومع المارشال ( زوكوف ) .. لقد كنت رجلا شديد ‏الأهمية وفي لحظة قرروا ان أبحاثي هراء .. والسبب أنني لم اكن اعرف ما اعرفه .. ‏حتى العام 1968 لم اكن اعرف ما اعرفه .." ‏
فتح الصبي فمه وأطلق صرخة كفيلة بشفاء الصم .. لكن الرجل كوم منديلا قذرا ‏ودسه في فمه بحنكة وبراعة لا تصدقان .. هنا فقط ادرك ( جان بيير ) ان مصيره ‏أسود ..بالتأكيد يختلف عن شد أذنيه .. لماذا لا يريد الرجل ان يسمع صرخاته أحد ؟ ‏لماذا لم يجره من أذنه الى داره كي يطلب ان يعاقبه أبواه ؟
قال الرجل بلهجته الغريبة ذات الطابع الروسي :‏
ـ" أنت دسست لي المسحوق في زجاجة ( الفودكا ) .. لقد شعرت بالشيء .. لا تكذب ‏‏.. وانت لا تعرف بالضبط ما دسسته لي ولا خطره .. كان هذا خطأ لكنك ستشرب ‏زجاجة كاملة منه معي !!"‏
ان الصبي في وهن .. وانتفض جسده لكن لا مجال لمقارنة الوزنين ..‏
اردف ( خارين ) وهو يحك ذقنه : ‏
ـ " كان هذا نيزكا سقط في أمريكا الجنوبية .. وقد حصلنا عليه قبل أي واحد آخر عن ‏طريق أجهزة استخباراتنا .. يقولون إن فرصة أول لقاء مع كائنات حية من الفضاء ‏الخارجي لن تكون مع أشخاص خضر اللون لهم هوائيات على الرءوس .. إن فرصة ‏اللقاء ـ حسب القوانين الإحصائية ـ ستكون مع بكتيريا أو فيروس او كائن وحيد ‏الخلية .. هذا هو نوع اللقاءات الممكنة .. وقد حدث هذا بالفعل .. إن ما يحتويه النيزك ‏كان نوعا معقدا من الحياة أقرب إلى فطر .. نعم فطر كامل .. لم تقض عليه رحلته .. ‏وقد حاولت كثيرا ان اعيد له الحياة بلا جدوى .. وحينما فررت من الاتحاد السوفييتي ‏كنت احمله معي .."‏
ثم صمت وراح يلعق شفته بلسانه كأنما يستوثق من تغيرات جديدة هناك .. وأردف :‏
ـ" عدت امارس تجاربي بدقة .. وفي النهاية عرفت مكمن الخطأ .. لقد عادت الحياة ‏إلى هذا الفطر بعد أعوام من السكون .. وقد جربته على القردة والقطط .. هذا الفطر ‏هو اعتى سلاح بيولوجي عرفه الإنسان على الإطلاق .. إنه يحيل قردا كامل النمو ‏إلى كتلة هلامية من العجين خلال دقائق .. يكفي أن يأكله او يحقن في دمه ولسوف ‏ترى القرد يذوب أمامك .. تصور هذا !"‏
ثم اتسعت عيناه ونظر في وجه الصبي :‏
ـ" وأنت دسسته لي في شرابي ؟! لقد شربت زجاجتين منه .. لقد عرفت هذا على ‏الفور .. هل تعرف لماذا ؟"‏
وفي اللحظة التالية كانت كفه في وجه الصبي .. لكن لم تكن هناك أصابع .. لقد ‏تحولت اليد الآن الى عجين هلامي اقرب الى شمعة ذائبة ..‏
قال الرجل وهو يمد يده إلى زجاجة على الأرض :‏
ـ" لقد انتهى أمري .. لكني لن اموت قبل أن اراك تشرب زجاجة كاملة منه !"‏
وانتزع المنديل من فم ( جان بيير ) فراح هذا يصرخ ويركل .. الزجاجة تقترب من ‏فمه .. الــ..‏
فجأة بدأ وجه الرجل يذوب بالفعل كانه تمثال من الشمع وضعت تحته شمعة .. ثمة ‏نوع من العفن الاخضر كعفن الخبز ينتشر فوق ملامحه بسرعة . أحيانا يزحف على ‏السطح واحيانا يتوارى .. لكنك تراه طيلة الوقت .. لو أنك أحرقت منديلا ورقيا ‏مكوما لرأيت شعلات النار تفعل الشيء ذاته ..‏
إنه يتهاوى .. بصعوبة سحب الصبي نفسه من تحت الشيء الشبع الجاثم فوقه ..‏
ـ" ستشــ ... بو .. بلو .. بلو !!!"‏
صدر هذا الصوت من كتلة الهلام الذائبة التي ما زالت تحتفظ بحقد غريب ..‏
إنه يتحرر .. يركض نحو الباب .. ينظر للوراء فيرى الكتلة تتهاوى والسائل الهلامي ‏يخرج من كل فتحات ثيابها الباب .. أدار المقبض فانفتح .. الحديقة والليل .. حمدا لله ‏‏!‏
راح يركض عابرا الطريق وهو يولول .. لا يصدق أنه نجا ..‏
وهناك كان ( سيمون ) ينتظره ممتقع الوجه .. وفتح فمه ليتكلم لكن الصبي أخرسه ‏صائحا :‏
ـ" اجر معي !! إنه قادم !"‏
وظل الصبيان يجريان .. ويجريان .. ويجريان ..‏
‏*** ‏
عاد الى البيت فلم يقل لأبويه شيئا ..‏
كان اول ما يريد هو ان يغسل وجهه ويبدل ثيابه كي لا تكون هناك أسئلة مريبة ..‏
وقف أمام المرآة وبدأ يغسل أذنيه فوجهه .. تمضمض بالماء عدة مرات .. إن ملامح ‏وجهه تكشف عن كارثة .. لا بد من أن يبقى في غرفته لفترة ما ..‏
كل عضلة في جسده ترتجف .. لقد ذاب الرجل في دقائق .. ذاب في دقائق .. وكان ‏سيرغمني على شرب ذلك الــ .. كان سيرغمني على شرب .. كان سيرغمني على ‏شرب .. كان سيرغمني على شرب .. ذاب في دقائق ..لقد ذاب الرجل في دقائق ..‏
ثم تصلب ..‏
لقد لاحظ للمرة الأولى منذ يوم ذلك الخدش في يده اليمنى .. الخدش الذي أصابه من ‏القرد في الصندوق ..‏
‏( يكفي ان يأكله او يحقن في دمه ، ولسوف ترى القرد يذوب أمامك . تصور هذا !"‏
هو امسك بالمادة التي تشبه السكر بقبضته .. هو قد .. ‏
وهنا لاحظ للمرة الأولى شيئا لم يلحظه من قبل .. منذ متى كان إصبعه الأوسط ‏ملتحما بالسبابة بهذا الشكل ؟
وكلما أطال النظر أدرك أنهما يذوبان ليلتحما معا .. على حين راح خنصره يلتوي ‏كأنما هو شمعة تذوب ..‏
هرع الى باب الحمام وجثا على ركبتيه صارخا بصوت مبحوح :‏
ـ" ماما !! ماما !!"‏

^RAYAHEEN^ 11-12-05 10:57 PM



الواجهة الرابعة ‏
عينا راسبوتين ‏
‏-1-‏


قال ( مازن ) : ‏
ـ" بالطبع تحول الصبي ( جان بيير ) الى كتلة هلامية هي التي تراها أمامك .. وقد ‏حصلت على الكتلة وحصلت على المسحوق إياه .. قبل ان ينتهي الصبي تماما حكى ‏القصة لأبويه كاملة .. وقد جرى تحقيق عن الموضوع ولم تعرف الصحف شيئا عنه ‏‏. وظل المسحوق في المختبرات الفرنسية لكني حصلت على بعضه .."‏
قلت له وانا اعيد تأمل الكتلة خلف الواجهة :‏
ـ " إذن هذا طفل او ما بقي منه !"
ـ" هو كذلك .. ويجب القول إنه تلقى أقسى عقاب ممكن على شيطنته .. هذه طريقة ‏تربوية ناجحة أخرى .."‏
ـ" وهل جربت المادة ؟"‏
قال باسما وهو يتجه إلى الواجهة الرابعة :‏
ـ " ماذا تظن ؟ إن الفضول هو القوة المسيطرة على الوجدان الجمعى .. اقوى من أي ‏شيء آخر .. والآن لنر هذه الواجهة .."‏

mustafasst 11-12-05 10:59 PM

والله مش شايف بهالقسم غير رياحين وعلاء

وماشالله صايره هون زي حكايات الف ليله وليله


شو طلع الصباح يا مولاي ولا لسى؟؟؟

^RAYAHEEN^ 11-12-05 11:07 PM

هههههههههههه مصطفى يجيهم يوم ويقدروا قيمة هالقصص
هيدي القصص غير متوفرة في معظم البلدان العربية والغربية
بس علااااااااء لانو عندوا غريزة دراكيولية هههههههههههه
قادر يستوعب حبكة الموضوع بسهولي.
ولو علاء صارلوا شي ( لسمح الله ) رايحه استمر بكتابتهم هالقصص
على روحوا الطيبة هههههههههههههههههههههههههههه ( بعيد الشر )

mustafasst 11-12-05 11:09 PM

فال الله ولا فالك يا شيخه

mustafasst 11-12-05 11:09 PM

ليش بتفولي عالزلمه؟؟؟؟

^RAYAHEEN^ 11-12-05 11:13 PM

الموت مقدر على كل انسان
بس بقصد لو كان عمري اطول من عمروا ههههههههههههههههههه
كإني عفستها وخليتها مقلوبة ههههههههههههههههههههههههههههههههه

Ala_Daboubi 12-12-05 10:43 AM

2a3idlik bel ra7a 40 saneh la 2oddam

^RAYAHEEN^ 12-12-05 10:49 AM

علاااااااااء اي اقعد شو انت قاعد على قلبي انت قاعد على الكرسي
هههههههههههههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 13-12-05 12:34 AM



الواجهة الرابعة ‏
عينا راسبوتين ‏
‏-1-


قال ( مازن ) : ‏
ـ" بالطبع تحول الصبي ( جان بيير ) الى كتلة هلامية هي التي تراها أمامك .. وقد ‏حصلت على الكتلة وحصلت على المسحوق إياه .. قبل ان ينتهي الصبي تماما حكى ‏القصة لأبويه كاملة .. وقد جرى تحقيق عن الموضوع ولم تعرف الصحف شيئا عنه ‏‏. وظل المسحوق في المختبرات الفرنسية لكني حصلت على بعضه .."‏
قلت له وانا اعيد تأمل الكتلة خلف الواجهة :‏
ـ " إذن هذا طفل او ما بقي منه !"
ـ" هو كذلك .. ويجب القول إنه تلقى أقسى عقاب ممكن على شيطنته .. هذه طريقة ‏تربوية ناجحة أخرى .."‏
ـ" وهل جربت المادة ؟"‏
قال باسما وهو يتجه إلى الواجهة الرابعة :‏
ـ " ماذا تظن ؟ إن الفضول هو القوة المسيطرة على الوجدان الجمعى .. اقوى من أي ‏شيء آخر .. والآن لنر هذه الواجهة .."‏

نظرت إلى ساعتي .. لقد توغل الليل كثيرا . لقد صارت العودة إلى القاهرة اليوم ‏وهما .. والغريب أننا كنا واقفين طيلة هذا الوقت فلم تتعبني ساقاي .. لكنني قدرت أن ‏أمامي ساعتين على الأقل قبل أن اعرف ما يجب معرفته ، ومعنى هذا ان علي ان ‏امضي ما بقي من الليل في الإسكندرية ..‏
طلبت منه ان نستريح قليلا فوافق ، وعدنا إلى غرفة مكتبه ..‏
غاب بعض الوقت ثم عاد حاملا صحفة عليها بعض الشاي والشطائر .. وقد سرني ‏هذا .. جلس يراقبني وانا التهم الطعام وهو يتأمل سيجاره اكثر مما يدخنه ..‏
ـ" هناك غرفة نوم يمكن كأن تقضي فيها ما تبقى من الليل .."‏
ابتلعت ما بفمي ، وقلت ضاحكا :‏
ـ" لا اعتقد ان الأمور بهذا السوء .. إن النهار قد اقترب .."‏
صمت وراح يراقبني في نفاد صبر ، ولسان حاله يقول : ‏
ألن تنتهي أبدا من هذا الأكل ؟ ما زال أمامنا الكثير ..‏
بالفعل فرغت من الطعام وشربت الشاي ، فنهض متعجلا الى المتحف دون ان يقول ‏كلمة أخرى ، وهكذا نهضت وراءه وانا لم افرغ من المضغ بعد ..‏
ووقفنا امام الواجهة الرابعة ..‏
كانت الواجهة تحوي إناءا آخر من أوعية الفورمالين الشفافة .. وبالداخل كان هناك ‏قضيبان من الزجاج ثبتت على كل عود عين بشرية كاملة .. كأنه عود من المكرونة ‏في نهايته بيضة مسلوقة ، لو لم تكن ممن يكرهون هذه التشبيهات .. على العموم كل ‏أطباء علم الأمراض يحبونها ويطلقون عليها ( باثولوجي مطعم الوجبات الجاهزة ‏Deilcatessen Pathology‏ )‏
قال الرجل :‏
ـ النوع الرابع من الرعب يتعلق بالتغيرات التي تطرأ ولا يمكن تفسيرها ، على اكثر ‏مخلوق تعرفه في الوجود ـ او هكذا تحسب ـ أنت !"‏
قال ( مازن ) :‏
لم يحب ( عادل السلاموني ) زيارته لـ ( موسكو ) قط ..‏
كان يشعر طيلة الوقت بأن هناك جوا خانقا يحيط به طيلة الوقت ، وبأنه مراقب وبأن ‏هناك نوعا من التوتر في كل شيء .. كانت هذه فترة السيطرة المطلقة للحزب ، مما ‏يعطي الجو كله طابعا ( أورويليا ) لا يمكنك أن تتحمله ..‏
كان ( عادل ) طبيبا في العقد الثالث من عمره ، لم يتزوج بعد .. وقد جاء الى الاتحاد ‏السوفييتي في بعثة تعليمية بهدف الحصول على درجة الدكتوراه في أمراض العيون ‏‏.. كانت أكثر البعثات الدراسية تتجه إلى الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت ..‏
قلت إن ( عادل ) لم يحب ( موسكو ) قط . والسبب على الأرجح كل قصص ‏الجاسوسية وأفلام ( جيمس بوند ) التي قرأها في صباه ، والتي جعلته يشعر بأن ( ‏موسكو ) مخبر كبير يراقب كل سكناته ، وكان يؤمن بان لدى الناس ما يقولونه لكنهم ‏خائفون ..‏
هكذا راح في لهفة يترقب الفرصة التي تنتهي فيها بعثته ويعود الى مصر ..‏
‏( أولجا ) ؟ من أخبرك بموضوع ( أولجا ) ؟ إنها فتاة رائعة حقا من ناحية الجمال ‏وتمثل كل أحلامه عن المرأة ، حتى إنه يتخيل صورتها في أي قاموس تحت كلمة ( ‏امراة ) .. وهي تحبه بجنون ويعتقد أنه يحبها بجنون .. لكن هناك تلك المشكلة التي لا ‏حل لها .. إنها لا تؤمن بشيء .. تكتب في خانة الديانة في أية استمارة تملؤها كلمة ( ‏لا يوجد )..‏
وكان ( عادل ) متدينا وقد ادرك أنه لا يستطيع الزواج منها لأنه ــ ببساطة ــ لا يريد ‏لها أن تربي أطفاله ..‏
لهذا ــ يمكننا أن نفهم ــ لم تحمل له ( موسكو ) أية ذكرى سارة على الإطلاق سوى ‏ذكرى الحب المستحيل .. وهي ذكرى تناسب الشعراء والأدباء .. ويمكنها ان تجلب ‏لهم رزقا واسعا بكل القصائد التي سيكتبونها عنها .. لكنها لا تناسبه هو الإنسان ‏العملي الذي لم يقرأ قصيدة ولا رواية في حياتة ..‏
كان يعد الأيام والأشهر بانتظار انتهاء البعثة ، الى ان صار شهر يفصله عن الوطن ‏‏..‏
قال ( مازن ) :‏
كان الأستاذ السوفييتي ( يوري زاجالوف ) رجلا غاية في البدانة .. ثقيلا جدا من ‏الطراز الذي لو جلس لجلس للأبد ، ولو وقف لوقف للأبد .. هناك نظرة منهكة في ‏عينيه من الطراز الذي يقول : ( أنت لن تبهرني بشيء فلا داعي لأن تتعبني معك ) ‏‏.. كان هو المشرف على دراسة ( عادل )..‏
قال له وهو يعبث في نموذج صغير للكرة الأرضية على مكتبه :‏
ـ" يؤسفنا أنك سترحل قريبا يا د. ( عادل ) .. كنت طالبا مجدا وأعتقد بشكل ما أنك لم ‏تحب ( موسكو ) .. لكني ما زلت أتمنى ألا تنسى أصدقاءك هنا .."‏
لم يرد( عادل ) حتى لا يتورط في مجاملة هي اقرب الى كذبة .. لكنك كان متأكدة ‏من شيء واحد : لربما كره ( موسكو ) لكنه أحب الكثيرين من الموسكويين بلا شك ‏‏..‏
قال البروفسور وهو ينهض : ‏
ـ" إنني راغب بحق في أن اهديك شيئا .. كلما رأيته تذكرت أستاذك ( زاجالوف ).. ‏لو جئت معي الى مكتبي .." ‏
كانا يتكلمان في غرفة الجلوس في منزل البروفيسور .. الثلج ينهمر بالخارج ، ‏والمدفأة مريحة تجعل فكرة الانصراف من هنا كابوسا .. لا بد أنك ستتلقى نزلة برد ‏تزيلك من على وجه الأرض ..‏
كان يشرب الشيكولاته الساخنة ، وهو يستشعر لذة المشروب الساخن الجسم يتسرب ‏إلى أحشائه .. لهذا حمل الطبق في يده ومشى وراء البروفسور ..‏
كان مكتب البروفسور مريحا دافئا هو الآخر ، ومنسقا بعناية .. هناك جدار تحتله ‏بالكامل كتب طبية أكثره اكتب بالروسية.. الجدار الآخر تحتله مكتبة أدبية عملاقة ‏تحمل أسماء مثل ( تشيكوف ) و ( جوجول ) وغيرهم من الكتاب الكبار الذين لم يعد ‏أحد يرحب بهم في الاتحاد السوفييتي ( لأنهم رجعيون )..‏
ثمة جدار ثالث تحتله واجهة زجاجية ملأى بالتذكارات .. تشبه الواجهة التي نقف ‏امامها ..‏
اشعل البروفسور سيجارا روسيا غليظا كريه الرائحة وقال مفكرا :‏
ـ" هل درع التميز الطبي ؟ لا .. إنني بحاجة إليه ..
ثمة قلادة من سيبيريا أحتفظ بها .. لكن .. ماذا عن هذه الرصاصات ؟ إنها المانية من ‏ايام حصار ( ستالينجراد ) .. وهذه ؟ قطعة من شظية .. هل تحب الدمى :؟ هناك ‏دمية من ( أوكرانيا ) لكن .. نعم .. هي الدمية .. إنها جميلة .."‏
ومد يده الممسكة بالسيجار والتقط دمية خزفية تمثل فلاحة روسية تربط شعرها ‏بإيشارب ..‏
فوجئ ( عادل ) بذلك الإناء الزجاجي .. الإناء الذي نراه أمامنا الآن .. وكان متواريا ‏بين التذكارات فلا تكاد ترى ما فيه .. فقال في دهشة : ‏
ـ" ما هذا يا بروفسور ؟ " ‏
نظر البروفسور الى الإناء وهز رأسه في تقزز :‏
ـ" هذا .. كلام فارغ . .قل إنه تذكار لحماقتي .."‏
عاد ( عادل ) يلح على الرجل :‏
ـ" ما الذي يدعوك للاحتفاظ بعينين كاملتين في خزانة ذكرياتك ؟"‏
قال البروفسور : ‏
ـ" في شبابي كنت أحمق . .مثلك .. كل الشباب حمقى في الواقع .. وكان هناك ذلك ‏العراف الذي قالوا إنه يعرف الكثير من الأسرار .. وقد باعني اشياء كثيرة ، غريبة ‏لكن أغربها كان هاتين العينين .."‏
ثم ابتسم في سخرية ونفث سحابة كثيفة من الدخان :‏
ـ" ما رأيك في امتلاك عيني ( راسبوتين ) ذاته ؟"

^RAYAHEEN^ 13-12-05 11:48 PM



-2-


قال ( مازن ) :‏
بالطبع ارتجف (عادل ) لهذه الكلمات الغريبة .. وعاد يستوثق من المعلومة ..‏
قال البروفسور وهو يتأمل الدمية الخزفية :‏
ـ" زعم العراف أن جثة ( راسبوتين ‏Rasputin ‎‏) لم تدفن بعينيها .. لكن هناك من ‏انتزعهما ، ووضعهما في سائل حافظ ثم حشا المحجرين بالصلصال .. من يومها ‏يتوارث العرافون هذه التحفة العتيقة .. قال لي ان لهاتين العينين قوة مغناطيسية لا ‏يمكن وصفها ، وإنه من الخير لي ألا اطيل النظر فيهما .. قال كذلك إنني لو ‏زرعتهما لأي شخص لاكتسب قوة ( راسبوتين ).. دعني أقل لك إنه لو كانت هاتان ‏عيني ( راسبوتين ) لوجدت منظمة ( اليونسكو ) كلها تقف خارج باب هذه الغرفة ، ‏ولربما ارسلوني الى ( سيبيريا ) بتهمة اختلاس أملاك الدولة .. طبعا انبهرت بهذا ‏الشيء وقتها وابتعت هذه العينة المقززة ، وحرصت على ألا انظر إليها أبدا .. ومن ‏حينها هي عندي في هذه الخزانة لا أجد الشجاعة كي أتخلص منها .."‏
قال ( عادل ) باسما :‏
ـ" هذا العراف كان يفترض أنهم يزرعون العين كاملة في محجر العين .."‏
ـ" طبعا .. هذا ما يعتقده العامة .. لا يعرفون أننا نأخذ القرنية فقط بالــ ( كيراتوم ‏Keratome ‎‏ ) .. وحتى على هذا الصعيد لا يمكن ان تزرع قرنية تعود لعام 1916 ‏‏.. الخلاصة أن مالي ضاع هباءا .."‏
وقف ( عادل ) يرمق الإناء في نهم .. الحقيقة أن العينين فتنتاه ولا يعرف لهذا سببا ..‏
ـ" بروفسور .. هل تهديني هاتين العينين ؟"‏
مضغ البروفسور سيجارة ونظر لـ ( عادل ) كأنما يرى مجنونا .. نفث سحابة كثيفة ‏وقال : ‏
ـ" هل جننت ؟ هل هذه هدية ؟"‏
ـ" قلت إنك راغب في الخلاص منها .."‏
ـ" نعم .. لكني لا أحب إهداءها لأصدقائي .."‏
ـ" إن هذه ما أتمناه فعلا .."‏
نظر له البروفسور طويلا ، ثم مد يده في الخزانة وأخرج الإناء الزجاجي ..
‏*** ‏
كلما ذكرت كلمة ( كاريزما ) تداعت إلى الذهن صورة الروسي ( جريجوري ‏يفيموفتش راسبوتين ) .. الرجل الذي كان راهبا جوالا ثم مرق واتجه الى حياة ‏الرذيلة .. إن صوره ما زالت حية بعينيه القويتين الثاقبتين ولحيته السوداء الكثيفة ‏وثيابه السوداء التي تجعله ينضم بجداره إلى عالم المسوخ .. الفارق هنا أنه كان ‏شخصا من لحم ودم يمشي على الأرض ..‏
كان يقدم نفسه للناس على أنه معالج روحاني ..‏
كانت له سطوة نفسية لا يمكن وصفها ، وكانت عيناه قادرتين على جعل أقوى ‏الرجال يرتجف خوفا .. أما النساء فكن يسقطن صرعى هواه بلا تحفظ ، ويقال إنه ‏نموذج للرجل الذي تعلن النساء أنهن يكرهنه ويشمأززن منه فقط لأنهن يعرفن كم ‏هن ضعيفات أمامه ..‏
يجب أن نضيف هنا انه كان في غاية الفجور ، وكان يتحدث دوما عن ان الأرض ‏السوداء تنتج اشهى الثمار .. لهذا كان يبحث عن الرذائل بالمجهر ليرتكبها ..‏
بشكل ما وصل صيته الى البلاط القيصري ، حيث كان ابن القيصر يعاني مرضا ‏نزيفا متكررا هو ( الهيموفيليا ‏Hemophilia‏ ) .. وكان هناك من نصح القيصرة ‏بأن تجرب قدرات هذا الرجل العجيب ..‏
هكذا بدأ الطفل يتحسن ، وسرعان ما تنامي نفوذ ( راسبوتين ) في البلاط الى حد أنه ‏كان يالفعل يحكم روسيا كلها من خلال القيصر وزوجته .. فقد كانت الزوجة تثق به ‏ثقة عمياء وتعتقد أنه اطهر رجل عرفته ..‏
وفي العام 1916 قررت مجموعة من نبلاء البلاط أن يتخلصوا من هذه الكارثة .. ‏هكذا دسوا له السم في شرابه .. فقط ليعرفوا ان السم لا يؤثر فيه .. وقد كاد يفتك بهم ‏بجسده العملاق المخيف ، هكذا أطلقوا عليه الرصاص ..‏
ويقال إن ( راسبوتين ) كان هو المسمار الأخير في قبر آل ( رومانوف ‏Romanov ‎‏ ) الذين لاقوا نهاية مفجعة في ثورة 1917 التي جاءت بالشيوعيين إلى الحكم ‏وأطاحت بالنظام القيصري ..‏
أين دفن ( راسبوتين ) ؟ لست متأكدا من هذه النقطة .. لكن السؤال الأهم هو :هل دفن ‏وعيناه في محجريهما ؟
هكذا عادل ( عادل ) إلى مصر وهو يحمل في متاعه إناء زجاجيا حرص على ‏تبطينه وتغليفه بعناية كل لا يتهشم ، ولحسن حظه لم يفتح أحد حقائبه لأنه كان سيجد ‏عسرا في تفسير حمله لعينين آدميتين معه ..‏
التذكار الوحيد الذي يحمله من ( موسكو ) هو هاتان العينان وبعض الصور مع ( ‏اولجا ) وخطابات منها ..‏
لم يكن ( عادل ) متزوجا كما قلنا ، ولم يكن له بيت في المدينة .. كان حتى هذه ‏اللحظة يقيم في بيت أسرته بقريته وهي قرية تتبع محافظة ( ...) لديهم هناك بيت من ‏الطوب من طابقين .. فهي أسرة على قدر من اليسر .. لكنه كان يخطط للحياة في ‏المدينة فقط ما إن يستقر ويجد زوجة المستقبل .. وقد حرص على أن يعد غرفته ‏هناك بعناية ، ووارى الإناء في خزانته التي احتفظ بمفتاحها منعا للحوادث المؤسفة ‏‏..‏
فلما جاء الليل وانتهى مسلسل استقبال الأقارب والأصدقاء ، صعد إلى غرفته ‏وارتدى جلبابا للنوم ..‏
لا يعرف اسبب .. لكن لهفة غير عادية كانت تغمره ، مع رغبة عارمة في أن يتأمل ‏هاتين العينين ..‏
فتح الخزانة وأخرج الإناء ووضعه على منضدة صغيرة هناك .. ثم جذب مقعدا ‏خشبيا عتيقا وجلس عليه ينظر إلى هاتين الكرتين ترمقانه من خلال الزجاج عبر ‏السائل الشفاف ..‏
من الخطأ أن يتكلم المرء عن عينين قويتين .. إن ما يعطي الانطباع بالنظرة هو ‏أشياء أخرى .. شكل الأهداب .. شكل الحاجبين .. اتساع فتحة العين .. كل هذه أشياء ‏لا بد منها لتعرف إن كانت النظرة قوية أم لا ..أما ان تضع كرتين في حوض ‏زجاجي فهما ذات الكرتين لدى أي شخص آخر .. كأنك تتأمل إطار سيارة منزوعا ثم ‏تحاول الكلام عن فخامة السيارة ذاتها وانسيابيتها..‏
لكن هاتين العينين كانت تملكان قوة جذب لا يعرف سببها .‏
ولوقت لا باس به ظل يتأملهما في ضوء الغرفة الشاحب الخافت الذي يبعثه مصباح ‏وحيد يتدلى من السقف ..‏
كان تنقلانه إلى عوالم غريبة لم يرها من قبل .. إنه يرى ( الكرملين ) والثلج يتساقط ‏من حوله .. هناك عربة تجرها الخيول .. أميرة روسية تغمض عينيها في افتتان ‏‏..حفلات راقصة صاخبة .. الضباط بثيابهم الأنيقة المزركشة يرفعون سيوفهم في ‏رشاقة .. وجوه تضحك .. وجوه تبكي .. خيول .. ذئاب بيضاء ..‏
كل هذا وهو ينظر الى العينين الثابتتين ..‏
فجأة نظر الى ساعته ففطن لحقيقة مروعة .. إنه هنا ينظر لهاتين العينين طيلة ‏ساعتين كاملتين ! هكذا اعادهما الى الخزانة .. وأطفأ النور ..‏
كانت هذه أول ليلة له في مصر منذ اعوام ، وقد نام نوما عميقا بلا احلام ..‏
‏*** ‏
قال الأستاذ المصري وهو يقلب صفحات الرسالة السميكة :‏
ـ" ليس بوسعنا الانتهاء من هذه سريعا .. أعتقد انك ستتأخر خمسة اشهر على الأقل ‏‏.."‏
قال (عادل ) في ضيق وهو ينهض من مقعده :‏
ـ" سيدي ..أنا في وضع معلق بين مصر و ( الإتحاد السوفييتي ).. اريد الانتهاء ‏سريعا كي اعرف موضع قدمي .. هم قد فرغوا مني هناك ولم تبدءوا معي هنا .. لا ‏يمكنني العودة لهم .. ولا يمكنني معاودة حياتي هنا .."‏
قال أستاذه وهو ينزع عويناته :‏
ـ" أفهم كل هذا لكني لا اعرف كيف افيدك .. هل أجيز بحثا لم أقرأه ؟"‏
ـ" إذن لماذا لا تفعل ؟"‏
لاحظ دون قصد أنه يتكلم في حدة .. الاستاذ نفسه لاحظ هذا فرفع عينه متسائلا ..‏
فجأة اتسعت عيناه .. نبتت قطرات عرق على جبينه ، فأخرج منديله بيد مرتجفة . ‏وقال :
ـ" نعم .. نعم .. أعدك ان انتهي من ذلك في اسرع وقت .."‏
بنفس اللهجة الحازمة التي لم يتعمدها قال ( عادل ):‏
ـ" أسبوعا واحدا على الأكثر ؟"‏
ـ" شكرا يا سيدي .."‏
قالها بذات الطريقة الحازمة الآمرة .. ودون ان تفارق عيناه عيني الرجل ، ثم غادر ‏المكتب ..‏
حينما اختلى بنفسه لم يصدق أنه فعلها .. قال لنفسه : لا بد أنني املك تأثيرا نفسيا ‏هائلا لا أستخدمه .. كل هذا الحزم وكل هذا الإصرار .. والغريب أنه لم يتعمد ذلك ‏قط ..‏
من الغريب ان تكتشف في سن الثلاثين أنك قوي الشخصية .. يحس بالمرء أنه عرف ‏كل شيء عن نفسه متى بلغ العشرين .. لكن النفس البشرية تشبه البصلة .. كلما زالت ‏المزيد من الأغشية عنها بدت لك طبقات أخرى لامعة نظيفة لم ترها من قبل ..‏
لا بد أن تجربة الغربة قد أفادته وصقلته .. هو يكره ان يخاطب أستاذه بهذه الطريقة ، ‏لكنه إلى حد ما كان يرغب في ذلك .. إن حياته متوقفة على رأي هذا الأستاذ ..‏
‏*** ‏
ـ" السينما هذه الليلة ؟ مستحيل !!"‏
قالتها ( تغريد ) وهي تتراجع الى الوراء في غضب ..‏
كانت ( تغريد ) هي مشروع زواجه قبل أن يسافر إلى الاتحاد السوفييتي ، وهي فتاة ‏لا بأس بها لكنها لا تقارن بـ ( أولجا ) من ناحية الجمال طبعا .. لا يزعم أبدا أنه ‏أحبها لأنه كما قلنا رجل عملي جدا .. كان يريد زوجة وكانت هي تصلح ، وقد راق ‏له أنه الم تكن قد ارتبطت بأحد لدى عودته من البعثة .. ‏
قال لها بلهجة حازمة :‏
ـ" لا ارى ما يضير في دخول السينما معي .. لست مراهقا سخيفا .."‏
ـ" هذا هو بيت القصيد .. لست مراهقا سخيفا ولا أنا مراهقة سخيفة .. لهذا لا ارى ‏داعيا على الإطلاق لهذه الدعوة .. ان توعدت بأن تطلب يدي هذا الأسبوع .. ‏فلنفترض أن أبي رفض ؟ لماذا اختلى برجل لن يكون لي ؟"‏
ـ" لن يرفض .."‏
ـ" وقد يفعل .. لهذا ارى ان الانتظار قد .."‏
نظر لها بحدة وقال وهو يضغط على كلماته :‏
ـ" ( تغريد ) .. ستذهبين معي الى السينما لأنني اريد ذلك .. موعدنا في السادسة ‏مساء .. يجب أن أنتهي مبكرا كي اعود الى قريتي .."‏
كانت تنظر له وقد اتسعت عيناها .. متى رأى هذه النظرة من قبل ؟ .. شفتاها ‏منفرجتان ترتجف السفلى منهما .. ثم قالت بصوت مبحوح : ‏
ـ" ليكن .. أمرك .. أمرك .."‏
سر من نفسه .. لم يكن يريد شيئا من هذه الدعوة إلا ان تقبلها .. فقط يريد أن تحقق ‏إرادته انتصارا ما .. وقد حققه .. حياته كلها تتحول الى انتصارات متلاحقة..‏
وقال لنفسه وهو ينتظر أمام باب السينما :‏
ـ إن شخصيتي تزداد قوة .. إنني أتمتع بكاريزما لا شك فيه !!"‏

^RAYAHEEN^ 13-12-05 11:49 PM



‏-3- ‏


قال ( مازن ) : ‏
في الفترة التالية توالت انتصارات ( عادل ) في معركة الإرادة.. الأب رحب به بلا ‏تردد ووافق على أن يتزوج ابنته.. صاحب البيت الذي كان متمسكا بمبلغ معين ، ‏وجد نفسه يتنازل عن نصفه بسهولة مطلقة .. وهكذا وجد ( عادل ) نفسه وقد خطب ( ‏تغريد ) وامتلك شقة لا بأس بها في المدينة ، وأجيزت رسالة الدكتواره الخاصة به ..‏
وقد أخبر أهله في القرية أنه سينتقل إلى المدينة .. إنه بحاجة إلى البحث عن عيادة ..‏
لم يرفض أحد .. بالواقع لم يعد أحد يرفض أي طلب له من زمن ..‏
وهكذا نجد الآن ان ( عادل ) يقيم في شقة وحده في المدينة ، وقد كون عادات جديدة ‏‏.. لكن العادة الوحيدة التي لم يتخل عنها هي الجلوس امام العين ومراقبتها لمدة ‏ساعات .. لقد أدمن تلك العوالم الغامضة التي تنقله إليها ..‏
قالت له ( تغريد ) ذات مرة وهو في دارها :‏
ـ" لا اعرف السبب لكن هل ثمة مرض ما في عينيك ؟"‏
مط شفته السفلى في تهكم ، لكنها واصلت الكلام : ‏
ـ " انا لا امزح .. لقد تغيرتا كثيرا وإنني لاخافهما احيانا .."‏
تجاهل ما تقول .. لكنه إذ دخل الحمام وقف بعض الوقت أمام المرآة .. وهو لم يكن ‏من الأشخاص المولعين بوجوههم على الإطلاق .. كان يعرف أنه لا بد من وجه ‏حتى لا يمشي بعظام الجمجمة عارية .. لكنه في هذه المرة أطال النظر .. وبرغمه ‏شعر برجفة تتخلل عموده الفقري ..‏
كأنما قد أحاط عينيه بكحل كثيف قبل أن ينزل من داره .. الحاجبان صارا كثين جدا ‏يتدليان فوق عينيه .. فتحة العين ذاتها صارت واسعة جدا .. الخلاصة ان هناك ‏بحيرة كاملة من اللون الاسود تحيطان بعينين لا يمكن مقاومتهما .. عينين من الطراز ‏الذي لا تستطيع معه تذكر إن كان هناك وجه ام لا ..‏
شعر بقلق فحاول المنظر عن ذهنه ..‏
إنه طبيب عيون .. ولو كان هناك مرض اسمه ( نظرات اعين الثاقبة أكثر من اللازم ‏‏) لكان هو اول من يسمع به .. قال لنفسه إن عينيه نافذة على روحه ..وروحه قلقة ‏عجول لا تريد ان يضيع من العمر يوم واحد آخر.. لهذا لم يعد يقبل من يجادله أو ‏يخالفه الرأي .. يريد طاعة عمياء ..‏
هذا هو كل شيء ..‏
على أن القلق عاوده حين كان في ذلك المتجر تلك الليلة ، وكانت هناك ام تحمل طفلا ‏رضيعا على كتفها وتمسك بيد طفلة في الثامنة .. وقف وراءها فرأى الرضيع يرمقه ‏بعينين متسعتين في رعب ثم انفجر في صراخ هستيري مجنون .. عواء إذا اردت ‏الدقة ..‏
نظر لأسفل فرأى الطفلة تنظر له بذات الرعب .. ثم تنكمش في ثوب أمها دون أن ‏تفارقه بعينيها ..‏
نظر لأعلى من جديد فوجد الام تنظر للوراء .. تغمغم في جزع :‏
ـ" بسم الله الرحمن الرحيم .."‏
ثم تجر طفليها بعيدا عنه بسرعة الفار من المجذوم ..‏
ما معنى هذا ؟ والأسوأ هو ان البائع ظل يرتجف وأوقع اشياء على الارض .. وبدا ‏كأنما لا يريد شيئا في العالم قد ان يرحل هذا القادم ..‏
في اليوم التالي كان في المستشفى .. حين صرخت الممرضات أن المريضة الفلانية ‏تعاني الما عنيفا ..‏
دخل العنبر ليجد مجموعة من الأطباء الشبان يحيطون بفراش مريضة .. هناك الكثير ‏من الصراخ والهستيريا .. هناك من يحقنها بأشياء .. نظر لهم متسائلا رافعا حاجبيه ‏على شكل علامتي استفهما ، فقال له طبيب شاب يعرفه بغزارة : ‏
ـ " إننا نعدها للجراحة غدا .. لكنها تصرخ من ألم مبهم في عينيها .. تشعر بأنهما ‏ستنفجران .." ‏
راجع التذكرة الخاصة بالمريضة ، ثم غمغم :‏
ـ" جراحة حول بسيطة ستجري لها غدا .. هذه المريضة لا تعاني ألما حقيقيا .. هذه ‏هستيريا لا اكثر .."‏
كانوا قد جربوا كل الأساليب المعروفة فعلا بدءا بالكلام الهادئ المطمئن ، مرورا ‏بحقن محلول الملح الزائفة ، وانتهاء بالصفعات .. لكنها كانت تصرخ كقطار السكك ‏الحديدية ، وبدا انها لن تكف حتى الموت .."‏
ـ" ربما لو طلبنا من يخدرها يا سيدي .."‏
ـ" ليس إلى هذا الحد.."‏
ودنا من المرأة .. الحقيقة أنها كانت قد كفت عن الصراخ فعلا في اللحظة التي رأت ‏فيها عينيه .. نظر لها في ثبات وضع انامله على جبهتها وإبهامه على جفنها العلوي ‏‏.. بدأت تصمت .. تراخت معالم وجهها ، ثم أغمضت عينيها ونامت .. لماذا فعل هذا ‏‏. من أخبره أنه قادر على هذا ؟ لا يعرف ..‏
وقال أحد الأطباء الواقفين :‏
ـ " هذا سحر يا سيدي .."‏
الحقيقة أنه كان يعرف ذلك ..يعرف أن الكلمة تعني معناها حرفيا ..‏
ابتسم في تهكم يداري الكثير من التوجس وانصرف ..‏
هكذا بدأ القلق يعصف به .. وكان اول ما ابتاعه في طريق العودة إلى الدار نظارة ‏سوداء .. هكذا يخفي هاتين العينين القويتين فلا يكشفهما إلا عند الضرورة ، وكما ‏يفعل الفارس الذي لا يخرج سيفه من غمده إلا عند الحاجة .. الآن يفهم كلام شعراء ‏العرب عن ( جردت نظرتها ) أو ( أعادت عينيها إلى غمدها ) ..‏
من الغريب أنه ـ وهو الذكي ـ لم يربط حتى هذه اللحظة بين العينين وما يحدث ..‏
وهكذا راح يمضي أيامه في تأمل العينين وفي مراقبة ما يحدث لعينيه هو في دهشة ‏بالغة ..‏
إن الأمر يزدد وضوحا ..الكل يفسح له الطريق حين يمشي في الشارع .. في الحافلة ‏يتحاشى الناس الاحتكاك به ويطرقون بأبصارهم .. في العلم لم يعد احد يواجهه على ‏الإطلاق ..‏
كان قد أطال شعر رأسه قليلا في الفترة السابقة ، وهو ناعم منسدل بطبعه .. مما ‏جعله يبدو بالفعل مثل صور ( راسبوتين ) التي نراها ذات خشونة في بدايات القرن ‏العشرين ..‏
لكنه لم يع هذا التحول إلا في وقت متأخر للغاية ..‏
وفي مساء يوم جلس كعادته إلى المنضدة يراقب العينين خلف السائل الشفاف .. هذا ‏اللون الأزرق الغريب .. هذا الصفاء الذي يخترق كل شيء ..‏
بعد ساعة من المراقبة غمغم هو يغمض عينيه ..‏
ـ" الآن اعرف أن الأسطورة حقيقية .. هاتان العينان هما عينا ( راسبوتين ) .. لا ‏ارى الموضع على أي ضوء آخر !!‏
ثم ماذا ؟ ‏
إن هذا الاكتشاف لم يفقده حياته .. لم يكلفه مالا .. فقط جعله أكثر نجاحا وتأثيرا .. ‏فقط جعل الناس يعاملونه على أن أحلامه أوامر .. على قدر علمه لم تسبب التجربة ‏أي ضرر ..‏
إنها الثامنة مساء ..‏
عليه ان يبدل ثيابه لأن لديه موعدا مع خطيبته .. يجب ان اقول هنا إن الفتيات صرن ‏ينظرن له بمزيج من الخوف والانبهار في كل مكان .. إنها تلك النظرة الثاقبة التي ‏تخبرهن أنهن بلا دفاع .. وخطيبته ( تغريد ) لم تكن استثناء ..‏
هكذا وقف أمام المرآة يصلح من ربطة عنقه .. إنه وسيم .. على الاقل هو يعتقد هذا ‏‏.. لو تناسى متاعبه الأخرى فهو شاب ناجح في الثلاثين من عمره وما زال العمر ‏أماه و ....‏
إنها التاسعة والنصف !‏
نظر في هلع إلى الساعة المعلقة على الجدار خلفه ..‏
هذا صحيح ! ساعة ونصف مرت وهو امام المرآة يصلح ربطة عنقه ..‏
الأخطر أنه مشعث مغبر .. وأن هناك بقعة دم على كتف القميص !!‏
متى حدث هذا ؟ كيف ؟ ‏
من الواضح ان ( تغريد ) انتظرته طويلا .. ثم رحلت .. ولكن هذه ليست المشكلة ‏الآن ..‏
ماذا حدث وما الذي فعله في ساعة ونصف ظل يرمق فيها نفسه في المرآة؟ من اين ‏جاء الدم ؟
في كل لحظة كان يدرك الحقيقة المخيفة أكثر .. لقد صارت عيناه ضده .. إنهما ‏تتلاعبان به !‏
ما حدث هو أنه نوم نفسه مغناطيسيا وهو أمام المرآة !! ‏
‏*** ‏
من هذه اللحظة صارت عيناه غريبتين عليه .. إنهما عدوان خطران ..‏
صار يقضي أغلب اليوم حتى في الظلام واضعا النظارة السوداء على عينيه .. ما ‏الذي فعله في تلك الساعة والنصف ؟ ومن أين جاء الدم ؟ ‏
هذا ما لم يعرفه قط ولم يحاول معرفته .. لقد غاب عن العالم ساعة ونصف ساعة ‏صار فيها مشعثا مغبرا ببقعة دم على قميصه .. إن النتائج واضحة لكن التفاصيل لا ‏تهم ..‏
لقد صار غريبا مخيفا .. الناس يهابونه وهو يهاب نفسه .. والسبب ..‏
هاتان العينان اللعينتان .. اللتان حملتا كل شرور صاحبهما ..‏
إنه يملك قوة هائلة لكن ما نفعها لو استدارت هذه لقوة نحوه هو نفسه ؟ إنها نوع تمن ‏الأسلحة الفاسدة في حرب 1948 التي كانت تنفجر في صدور أصحابها بدلا من ‏صدور الصهاينة ..‏
جلس إلى مكتبه ومسك بالقلم وكتب في حسم جملة واحدة :‏
ـ" هاتان العينان .. يجب ان تزولا للأبد .."‏
اتجه إلى الخزانة حيث احتفظ بالوعاء الزجاجي ..‏
في حسم حمله إلى الحمام ..‏
أزال الغطاء الذي أغلقوا به الوعاء يوما ما منذ خمسين عاما .. ومن الوعاء ‏تصاعدت أبخرة زيت الغنطرة الكريهة الحارقة.. نظر الى المرحاض واخذ نفسا ‏عميقا ..‏
سيقوم الآن بعمل كان يجب أن يقوم به منذ أشهر ..إنه سهل لكنه كان عسيرا امس ‏فقط ..‏
نظر إلى المرآة المعلقة فوق الحوض فرأى وجهه الصارم ينظر له في حدة .. هل هذا ‏وجهه فعلا ؟ بشيء من الخيال يمكنه أن يقول إن ها وجه ( راسبوتين ) ذاته ..‏
إنه .......‏
لقد اقتنصته العينان !‏
إنه يرى ( الكرملين ) والثلج يتساقط حوله .. هناك عربة تجرها الخيول .. اميرة ‏روسية تغمض عينيها في افتتان .. حفلات راقصة صاخبة .. الضباط بثيابهم ‏المزركشة يرفعون سيوفهم في رشاقة .. وجوه تضحك .. وجوه تبكي .. خيول .. ‏ذئاب بيضاء .. فلاحون يرقصون ( الكازاتشوك ).. رجل مدثر بالفراء يمشي ‏بصعوبة وسط العواصف .. طفل ينزف من أنفه .. طلقات رصاص .. خيول ( ‏القوزاق ) تنقض من أعلى التلال ..‏
لا داعي لتدمر عيني ( راسبوتين ) .. إنهما اثر ثمين .. إنهم االشاهدتان على تاريخ ‏بأكمله .. هناك عينان مؤذيتان يمكن تدميرهما ولن تسببا خسارة لاحد ..‏
لا يعرف متى ترك الإناء سليما بما فيه .. متى ذهب الى المطبخ .. متى انتقى سكينا ‏حادا مدببا ..‏
متى عاد ليقف امام مرآة الحمام ..‏
متى ..‏
إن مأساة ( اوديب ‏Oedipus‏ ) قد تتكرر بذات التفصيل في زمننا هذا ..‏

^RAYAHEEN^ 13-12-05 11:50 PM



الواجهة الخامسة ‏
‏( سليم ) قد عاد ‏
‏-1- ‏



قال ( مازن ) : ‏
ـ" هكذا فقد ( عادل ) عينيه.. قد عرفت منه القصة فيما بعد ، واحتفظت بهاتين ‏العينين كأثر ثمين لا يجب أن تبدده ، برغم أنه توسل الي الا افعل .. اعتقد ان اللعنة ‏قد تركته الآن لكنها دمرته الى الأبد .. والآن اسألك عن رأيك في هذه القصة ؟"‏
فكرت قليلا .. إن هذه القصة بالذات تحمل الكثير من الجو المقبض الكريه ..‏
قلت في كياسة :‏
ـ" لست متأكدا .. لكن هل حاول أن تطيل النظر في هاتين العينين انت نفسك ؟"‏
ابتسم ابتسامته الغامضة اياها وقال :‏
ـ " كثيرا جدا ! ربما عدة ساعات .."‏
ـ" نظراتك لم تزدد حدة أو إقناعا .."‏
ـ" لم تزدد حدة لكن كل شيء في أعماقي تغير .. إن كل جزء من هذ المتحف الأسود ‏قد ترك علامة دائمة في ذاتي .. وأعتقد أن نفسيتي تشبه هذه الواجهات ذاتها .."‏
وقبل أن اعلق قال :‏
ـ" القصة التالية سأريك الواجهة الخاصة بها فيما بعد .. فقط أقول الآن إنها تحكي ‏عن رعب ( إن ما فعلته لن يمر .. لا بد من انتقام مخيف .."‏
‏*** ‏
قال ( مازن ) :‏
في الواحدة بعد منتصف الليل على الطريق الزراعي قرب ( بنها ) .. هناك تلك ‏الشاحنات المنجفعة بأقصى سرعة ، وسائقها الذي لم ينم منذ وقت طويل .. إن ( ‏التباع ) يغفو جواره منذ زمن ، وصوت المذياع الذي يبعث بصوت فايزة أحمد ) لا ‏يساعده على الاستيقاظ ..‏
في الواحدة بعد منتصف الليل والمطر قد بدأ يهطل .. والطريق زلق كظهر ضفدع .. ‏والسائق يشعل لفافة تبغ أخرى متظاهرا بأن الدخان يساعده على البقاء متيقظا لكنه ‏يعرف أن هذه أكذوبة ..‏
هنا تأتي اللحظة الدرامية المتوقعة .. هناك من يعبر الطريق .. يا للكارثة ! يضغط ‏على آلة التنبيه .. يحرك الضوء متراقصا .. لو ضغط لفرملة الآن لانقلب فورا .. كلا ‏‏.. لا يستطيع .. فقط يأمل ان يتوقف هذا العابر او يتراجع للوراء ..‏
او يسرع ..‏
لكن العابر يواصل طريقه في تؤدة كأنما لديه كل الوقت ..‏
ورأى السائق شيئا يختفي تحت مقدمة الشاحنة .. ثم لا شيء ..‏
إنه يستطيع التوقع بعد خمسمائة متر .. لكن ما جدواه ؟ هو يعرف ان هذا العابر ‏العابث قد انتهى امره .. وهو لم يكن ممن يملكون الشجاعة الأدبية الكافية .. على ‏الأقل هو لم يرتكب خطأ .. القتيل هو من فعل ..‏
وهكذا واصل طريقه وكل عضله في جسده ترتجف ..‏
‏*** ‏
هناك من وجد الضحية وحملها إلى المستشفى ..‏
كان الدكتور ( ممدوح ) طبيب الامتياز الشاب يحاول ان يبقى ساهرا باحتساء كوب ‏شاي أعدته الممرضة .. لكنه كان يتوقف للحظات وكوب الشاي في الهواء .. يغي ‏بعن العالم .. ثم يفيق فيشرب جرعة أخرى .. إن البرد مع تأثير الدفء داخل ‏المستشفى مما يجعل النعاس قوة لا تقهر .‏
فقط سمع صوت سيارة الإسعاف الكئيب وهي تقف .. كان يحفظ هذه الأصوات جيدا ‏‏.. صوت الباب المنزلق في ظهرها يفتح .. صوت فرد المحفة .. صوت العجلات ‏وهي تجري على الأرض .. كان لهذا تأثير أقوى بمراحل من أي منبه يأخذه بالفم او ‏بالحقن ..‏
هب على قدميه وضم لمعطف ..وركض إلى الخارج ليرى المصيبة القادمة ..‏
بالفعل كانت مصيبة .. هناك رجل أشيب في الخمسين من عمره ، يرقد على المحفة ‏وهو متدثر بخرق لا تدري كنهها بالضبط لكنها ملوثة بالطين والدم ومبتلة .. وبدا من ‏شحوبه أنه لم يعد بوسع ( إبن سينا ) نفسه ان يساعده لو كان ساهرا في الاستقبال ‏العام في هذه اللحظة ..‏
بقدمين ترتجفان جرى الطبيب الشاب محدود الخبرة ، وطلب من الممرضة التي ‏كانت شبه نائمة بدورها أن تلف جهاز الضغط حول ذراع المصاب .. ودلس طرفي ‏المسماع في أذنه .. لا شيء يحدث .. لا يوجد صوت على الإطلاق .. جرب مرتين ‏فلم يسمع شيئا ..‏
الصق المسماع بصدر الضحية فلم يسمع شيئا .. راح يفرك صدره .. لا شيء ..‏
لا داعي لإيقاظ الطبيب المقيم إذن .. إن يوما عصيبا ينتظره غدا ، ولسوف تنهمر ‏عليه الصواعق لو أيقظه من اجل رجل ميت فعلا ..‏
هكذا مط شفتيه علامة العجز ، ونظر إلى المسعف نظرة تقول كل شيء ..‏
ومن دون كلمات جاءت الممرضة بملاءة وغطت بها وجه المتوفى ، على حين اتجه ‏المسعف إلى الهاتف ليطلب جهة ما .. كان الدكتور ( ممدوح ) يشعر الآن انه حارس ‏مرمى لم يختبر ، لكن ـ على الأقل ـ لم تهتز شباكه .. لم يتسبب في موت مريض .. ‏هذا يعوضه بعض الشيء عن وفاته ..‏
وبيد مرتجفة كتب الديباجة التي حفظها عن ظهر قلب : ‏
يبلغ السوتيش وينقل المتوفي الى المشرحة بعد ساعتين ..‏
بعد قليل جاء ذلك المريض المعتاد .. المريض الذي أصابه مغص كلوي في الثالثة ‏صباحا .. إنه قادم مع خمسة من أهله وهو لا يكف عن العواء .. بعض العواء مفتعل ‏لا شك في ذلك ، يبرر به المريض إزعاج كل هؤلاء في ساعة كهذه وتحت هذه ‏الامطار ..‏
هكذا انهمك د. ( ممدوح ) في عمل يعرفه ويجيده وينجح فيه .. ووقفت معه ‏الممرضتان الموجودتان تعينانه .. الكثير من الصخب والصراخ والضوضاء .. لا بد ‏أن الامر استغرق نصف ساعة ..‏
ثم عاد الهدوء الى المكان ..‏
وعاد د . ( ممدوح ) يشرب آخر جرعة من الشاي الذي تحول الى ماء بارد سكري ‏أسود ..‏
هنا سمع الممرضة تشهق ..‏
ـ" د. ( ممدوح ).."‏
ـ" همممم .."‏
ـ" د. ( ممدوح ).."‏
صاح بلهجة متذمرة وقد نفد صبره :‏
ـ" ماذا عندك ؟"‏
ـ" المتوفي الذي كان على المحفة .. لقد اختفى !"‏
نهض ( ممدوح) مذهولا لا يفهم ما يحدث .. ركض الى الردهة الجانبية حيث كانت ‏المحفة .. حقا لا يوجد أحد .. لكن اين وكيف ولماذا ؟
لا يوجد إلا احتمال واحد هو أنه لم يسمع جيدا .. لقد كان الرجل حيا لكنه فقد الوعي ‏‏.. لا بد أن الارتباك جعله عاجزا عن قياس ضغط الدم وسماع القلب .. هذا هو ‏التفسير الوحيد ..‏
وشعر بالدم يحتشد في وجهه .. ماذا يقول للشرطة حين تتصل بعد قليل ؟ ماذا يقول ‏للطبيب المقيم حين يصحو ؟ ‏
ليته يستطيع ان يكذب عليهم .. ليته يستطيع ان يقول إن القتيل قد نهض وانصرف ‏لحال سبيله ..‏
لكنه لم يدر ان هذه هي الحقيقة .. بالضبط هي الحقيقة ..

Ala_Daboubi 14-12-05 09:27 AM

hmmmmmmmmmmmmmm

^RAYAHEEN^ 14-12-05 09:43 AM

على فكرة علاء انا هالقصة مو عاجبتني وناطرة تخلص على احر من الجمر
واليوم رايحه حاول خلصها علشان بلش بأسطوره " آكل البشر "

^RAYAHEEN^ 15-12-05 12:44 AM



-2-


قال ( مازن ):‏
في الثانية صباحا وبعد رحيل آخر المواسين دخلت ( محاسن ) الغرفة الأخرى في ‏الدار .. فلم يكن ممكنا ان تنام في ذات غرفة الزوجية بعد كل ما حدث ..‏
كانت مرهقة ، لكنها قدرت أن الأرق نديمها هذه الليلة ..‏
شريط الأحداث يتوالى أمام عينيها فلا تملك أن تبعده .. ( سليم ) زوجها ، صحيح أنه ‏لم يكن أفضل زوج في العالم .. صحيح أنه لم يكن بذلك اللطف .. لم يكن بذلك الكرم ‏لم يكن بهذه الأريحية .. لكنه زوجها، والمرء لو اعتاد أن ينام جوار ثعبان ( بوا ) ‏لمدة عشرين عاما فلا بد أن يفتقد هذا الثعبان إذا مات ..‏
تزوجا منذ عشرين عاما .. وأقاما في هذه القرية .. كن يحب حياة القرية .. ويرفض ‏الحياة في ( بنها ) أو الابتعاد عن أقاربه .. وقد ابتنى هذا البيت منذ خمسة وعشرين ‏عاما ، وبالتدريج صارت حياتهما مزيجا خاصا فريجا من حياة القرية وحياة المدينة ‏‏.. لم تحب هذه الحياة اصلا لكنها قبلتها كما يقبل المرء كل شيء آخر في حياته .. ‏وكانت تدرك أن فرصها في الاعتراض محدودة لأنها لم تنجب ، وهناك ألف شخص ‏ينصحون رجلها بالزواج كي يحافظ على اسم الأسرة ( وكأنها اسرة محمد علي ) .. ‏لكنه قاوم .. حتى هذا الشهر بالذات ..‏
الحقيقة التي لا يعرفها القراء هي أنها قتلته ..‏
هي لا تعتقد أن هذا يجعلها زوجة غير صالحة .. فهي تشعر بأنها تفتقده برغم كل ‏شيء ..‏
لقد جاء أخوها عصرا ولم يكن في الدار غيرهم .. دارها بعيدة عن باقي القرية ‏منعزلة من الطراز الذي ( يقتل فيه القتيل فلا يعرف أحد ) .. وكان هذا هو المطلوب ‏بالضبط .. جلس الرجلان يشربان الشاي على سطح البناية .. بعد قليل بإشارة سريعة ‏من عينيها قامت وأخوها بقتله .. إن صفحات الحوادث تعج بالقصص الرهيبة ‏المماثلة ، فلا داعي لوصف التفاصيل .. فقط نقول إنها وأخاها قتلاه لأنه كن ينوي أن ‏يتزوج امرأة اخرى .. إنه الم تنجب ، وكان الميراث الذي سيضيع من العوامل ‏المهمة التي جعلها لا تفكر مرتين .. لم تكن من النسوة البلهانوات اللاتي يقتلن بسبب ‏الغيرة ، ولكن لأسباب مادية ملموسة يمكن تحويلها إلى أرقام ..‏
كانت فترة غروب الشمس حافلة بالأحداث ، حيث تعاونت مع اخيها في حمل الجثة ‏قرب الدار .. تحت شجرة التين العجوز .. لم تفضل إلقاءها في ( الرياح ) لان هذه ‏الطريقة تفتضح دائما .. إنها ليست بلهاء ..‏
لكنها على الأقل احترمت الجثة فتركت اخاها ليستكمل الدفن ، وعادت إلى دارها ..‏
الآن قد أزالت آثار كل ما حدث داخل البيت..‏
عندها فقط راحت تجوب القرية بحثا عن زوجها .. طرقت كل دار وأطلقت الكثير ‏من الصراخ الهستيري .. ليس من دأبه أن يتأخر إلى هذه الساعة ، لا بد أن مكروها ‏أصابه ..‏
وتدخل خوفها من افتضاح أمرها ، ليجعل من أدائها عملا أكاديميا يمكن تدريسه في ‏معاهد المسرح العالمية .. لقد كانت خائفة فعلا ، وقد نجحت في استخدام هذا الخوف ‏في أدائها ، كما يفعل أي محترف تدرب في ( ستوديو الممثل ) في ( هوليوود )..‏
وبالتالي بدأت ليلة عصيبة كريهة .. كانت عليها واجبات اجتماعية هائلة من العويل ‏ولطم الخدين إلخ .. كل هذا باعتبار ما سيكون .. لكن أحدا لم يعرف كم هي صادقة ..‏
وعندما توغل الليل انصرف الجميع مع كلمة عن ( النهار الذي له عينان ) و ( غدا ‏يأتي الفرج )..‏
الخلاصة أنها الآن مرهقة تماما ..‏
ترغب في النوم .. تشتهيه .. وقد ساعدها هذا على نسيان خوفها..أضف لهذا انها ‏كانت امرأة شديدة المراس اقوى اعصابا من أي رجل عرفته .. المرأة التي تخاف ‏من النوم في بيت قتلت فيه زوجها هي امرأة مدللة مائعة .. هذا رأيها ..‏
ترقد في الفراش تتأمل الجدار المطلي بالجير ، والذي أحالته الى شاشة ذكريات ..‏
لكنها تسمع من يدخل الغرفة .. تسمع صوت خطوات ..‏
توقف تنفسها .. إنها وحيدة تماما في هذه البناية .. ما معنى هذا ؟ ‏
رفعت رأسها وفي الظلام استطاعت أن ترى ذلك الشخص الذي يدخل الغرفة .. من ‏هذا القادم ؟ فتحت فمه التصرخ لكن الصرخة احتبست في حلقها ..‏
إنه هو .. هو بالذات ..
كان يلبس ذات الثياب وإن صارت حالتها رثة .. ممزقة متسخة بمزيج من الدم ‏والأوحال مبتلة تماما .. وكان يتصرف بطريقة عادية تماما كأن شيئا لم يكن ..‏
ـ " مساء الخير يا ( محاسن ).."‏
قالها بصوته الذي تعرفه جيدا ، ثم اردف وهو ينزع الثياب عن نصفه العلوي .."‏
ـ" هاتي لي جلبابا .. إن هذه الثياب مبتلة تماما :‏
هنا فقط خرجت الصرخة من فمها .. عميقة حادة رفيعة تصم الآذان ..‏
‏*** ‏
كان اليوم التالي أوسد يوم في حياتها كما يحق لنا ان نتوقع ...‏
لقد كان عليها أن صمت وأن تمارس حياتها بشكل طبيعي .. الجيران والجارات ‏ياتون ليهنئوها على عودة الرجل ، ويسألن ترى أين كان .. بينما هو يجلس في وسط ‏الدار صامتا كئيبا لا يفتح فمه ولا يقول شيئا . نظرة ذاهلة كمن نوم مغناطيسيا ..‏
لقد فقدت وعيها لدى رؤيته في المساء .. حسبته شبا وهو التفسير المريح ، أو هو لم ‏يمت وجاء للانتقام .. لكن الغريب في الأمر انه لم يقل شيئا ولم يفعل شيئا .. ارتدى ‏جلبابا ما ورقد في الفراش ليواصل النوم كأن ما مر به كان يوما معتادا ..‏
ظلت هي خارج الغرفة ترتجف .. ولقد فكرت اكثر من مرة في أن تحضر الفأس ‏لتكمل ما بدأته .. او تتخلص من حياتها .. أو تهيم على وجهها صارخة ي أزقة ‏القرية.‏
لكنها عدلت عن هذه الحلول جميعا.. كلها غير عملية ، وسوف تلفت إليه الأنظار .. ‏ولسوف يعرف الناس ما كان .. هكذا ظلت ما بقي من الليل وحدها خارج الدار .. ‏ترمق صوت الكلاب البعيد وتصغي للظلام وتشم البرد .. نعم .. لا يوجد خطأ هنا .. ‏لقد اختلطت حواسها بالفعل ..‏
كانت موقنة من انها واخاها قتلاه فأحسنا القتلة .. لا توجد اخطاء .. ضربتان ‏محكمتان على رأسه , ثم الخنق . .هل كان يجب إزالة رأسه تماما ؟ دفناه بعناية .. ‏فكيف ومتى استعاد وعيه وغادر القبر ؟
هكذا كان العذاب الأول هو أن تبقى وهذا الشيء في دارها .. والعذاب الثاني ـ ‏والأشنع ـ انها لن تظهر ابدا أي علامة هلع أو ذعر .. ليس امام الناس .. ليس احب ‏اليها من ان تصرخ قائلة : لكنه ميت ! انا متأكدة من هذا ! انا قتلته !!‏
لكن هذه الأشياء لا تقال طبعا .. هي لا تملك هذا الترف ..‏
هي الآن في الدار .. الجيران يأتون ليطمئنوا .. لا تجرؤ على النظر إليه .. لا تجرؤ ‏على النظر إليهم ..
أحد الرجال يقول :‏
ـ " إنه لا يتكلم .. لماذا لا تطلبون له الطبيب ؟"
ويقترح آخر ان الحل الأمثل هو عصير القصب .. كان له عم أصيب بشيء كهذا ‏فابتاع له عصير قصب .. ولكن من اين عصير القصب في قرية كهذه لا توجد فيها ‏معصرة ؟ هكذا يتطوع أحدهم ويحمل ( شفشق ) من البلاستيك ويتجه إلى ( بنها ) ‏لإحضار بعضه ، وقد رسم على وجهه علامات الخطورة كأنه ذاهب للبحث عن ( ‏يورانيوم 235 ) من أجل مفاعل نووي.."‏
لكم ودت لو تتخلص منهم ! وفي الآن ذاته لم تتمن لحظة أن يرحلوا لتواجه هذا ‏الشيء وحدها ..‏
هي لا تعرف شيئا اسمه ( الزومبي ) طبعا ، فلو كانت تعرفه لكان أدق وصف هو ( ‏ثمة زومبي في داري )..‏
وكان أول ما خطر هلا هو أن تهرع الى المكان الذي دفناه فيه ..‏
يجب أن تتأكد من آثار الحفر .. هل هناك من أخرجه ام هو من أخرج نفسه ..‏
هكذا تأكد تمن أن الجميع انصرف ، ثم خرجت من الدار جارية حافية القدمين تقصد ‏تلك البقعة التي تعرفها جيدا ، والتي حفرتها مع اخيها امس ..‏
لون الغروب الأزرق يغلف المكان .. في هذا الوقت بالضبط كانت منهمكة مع أخيها ‏في حمل القتيل .. واليوم ؟ ‏
إن الحفرة موجودة .. هل كانت بهذا الاتساع من قبل ؟ ‏
من الواضح أن هناك من أزال عنها طبقة التراب الكثيفة التي كانت تغطيها .. لكن ‏الأمر يبدو وكأن إزالة الغبار تمت من الداخل.
هذا هو ما توقعته .. لقد كان حيا عندما دفناه ، وقد راح ينبش حتى أخرج نفسه.. لكن ‏هذه الامور يمكن تصحيحها .. لسوف تعود الى اخيها وتخبره بكل شيء .. وهذه ‏الليلة ينتهيان من هذا كله ..‏
هكذا فكرت في اشمئزاز وهي تقف في ضوء الغروب تتأمل المشهد ..‏
كلن .. صبرا .. تكاد تقسم إنها ترى قدمين عاريتين في هذه الحفرة .. ليست خالية .. ‏بل إن هناك من يرقد فيها ، وإن لم يتم دفنه بعناية ..ولكن ..‏
هناك جسدان متجاوران !‏
ما معنى هذا ؟ ‏
دنت من الحفرة أكثر ..‏
إن ضوء الغروب الازرق الخافت يجعل الرؤية عسيرة ، لهذا تنتظر أكثر حتى ترى ‏‏..‏
الآن تقبض على الغباء وتزيله عن الوجه الأول وهي ترتجف .. هذا الوجه .. هذا ‏الوجه .. هذا الوجه ..‏
كما توقعت بالضبط ..‏
هذا الراقد في الحفرة الآن ليس زوجها ..‏
إنه أخوها !‏
ملامح الرعب على وجهه تقول إنها لم تكن ميتة سهلة على الإطلاق ..‏
راحت تشهق محاولة ان تمنع الصرخة من ان تغادر فمها .. يجب ان تتماسك .. يجب ‏‏.. يجب ان تفهم ..‏
هنا سمعت من يتنحنح من خلفها :‏
ـ " إن الحفرة تكفي ثلاثة يا ( محاسن ) !!"‏
عرفت الصوت .. نظرت للوراء فوجدت زوجها يقف هناك تحت الشجرة العتيقة .. ‏
وكان يبتسم .. للمرة الأولى منذ عصر امس تراه يبتسم ..‏

^RAYAHEEN^ 15-12-05 12:45 AM



الواجهة السادسة ‏
زنزانة خريولسن ‏
‏-1- ‏


نظرت إلى ساعتي .. من العسير ان تعرف في هذه الحجرة إن كنا في الليل ام النهار ‏، لكن ساعتي تقول إنها الثامنة صباحا .. ليلة كاملة قضيتها في المتحف الأسود ومن ‏الغريب أنني لست منهمكا ..‏
قلت لـ ( مازن ) :‏
ـ" هذه القصة على كل حال يمكن تفسيرها .. الزوج لم يمت .. لم يمت جيدا لو اردت ‏الدقة.. وقد انتصر على الأخ ودفنه هو في الحفرة ، ثم عاد ليصفي الحساب مع ‏زوجته .."‏
ابتسم ابتسامة الودود الشهيرة وقال :‏
ـ"هذا تفسير لا بأس به .. لكننا لم نفهم بعد كيف نجا من ارتطامه بالشاحنة ولا كيف ‏شخص الطبيب وفاته ، ثم لم يجده على المحفلة ، ثم كيف نفهم معنى حديثه عن ‏الحفرة التي تسع لثلاثة .."‏
في حدة قلت :‏
ـ" الموتى لا يعودون للحياة إلا عندما تقوم الساعة .. لا تبن اية افتراضات على اسس ‏غير هذه .."‏
ـ " ثمة تفصيل آخر لا يعرفه سواي .. لقد قطع الأخ الرأس بعد رحيل أخته .. كان ‏هذا على سبيل الانتقام !!"‏
هززت راسي غير مصدق .. يصعب ان اتخيل الزوج يعيد تثبيت راسه على كتفيه ثم ‏يغادر القبر ليقتل الأخ ، ثم يعود لداره ..‏
قال ( مازن ) ضاحكا كعادته :‏
ـ " كلانا لا يؤمن بصحوة الموتى من دون قيامة ، لكني لا اعتقد أنك ترفض فكرة ‏الأشباح التي عادت لتنتقم .. الأشباح التي اكتسبت وجودا ماديا من الاكتوبلازم ‏يجعلها لا تبدو كذلك .. لقد قتل ( سليم ) أو شبحه الأخ ودفنه ، ومشى متجها لداره ‏شارد الذهن لا يعرف أين هو .. لم يصدق لحظة أنه شبح حتى دهمته تلك السيارة .. ‏الحقيقة أنها لم تفعل شيئا يذكر .. وفي المستشفى لم يعرف الطبيب انه يفحص قشرة ‏من الإكتوبلازم .. ثم فر الزوج وقد بدأ يستعيد توازنه .. كان يريد الخلاص من ‏زوجته ، لكن ـ الأهم ـ كان يريد ن يثير ذعرها ـ لقد عاشت عذابا لم يرد في ‏الاساطير الإغريقية في يومها الأخير .."‏
قلت له في ضيق :‏
ـ" اسمح لي .. أنت تبني افتراضات .. لكن لا يمكن البرهنة عليها .. أعتقد انها مجرد ‏قصة قتيل لم يكن كذلك .."‏
لم يعلق واتجه نحو الواجهة التالية ..‏
قال ( مازن ) :‏
ـ" النوع التالي من الرعب هو نوع شهير جدا .. ربما اقدم انواع الرعب .. ألا وهو ‏الرعب مما ينتظرنا خلف الباب المغلق ..‏
كان يقول هذه الكلمات وهو يقف جوار شظية صخرية هائلة الحجم يبدو كأنما ‏انتزعت من جدار قديم ..‏
‏*** ‏
قال ( مازن ) :‏
الباب الذي أتحدث عنه لم يكن في مصر .. لم يكن في مكان تعرفه ..‏
الباب الذي أتحدث عنه لم يكن بابا خشبيا أو حديديا ، بل كان أقرب الى جدار سميك ‏يهدم ولا يفتح ..‏
لكن الناس هناك كانوا يسمونه بابا ..‏
‏*** ‏
كان هذا في كهف قرب قرية في ( ويلز ) ..‏
كان الناس يمرون جوار الكهف ، ويتحدثون عن ( خريولسن ) الحبيس هناك .. عن ‏الساحرة التي انجبته .. التي اعدمتها محاكم التفتيش هناك .. وكيف دفنوها فيما يعرف ‏بزنزانة ( خريولسن ) ..‏
هنا قاطعته في دهشة : ‏
ـ " لحظة ( خريولسن ) ! انا كنت هناك !"‏
نظر لي كأنما أنا اكذب وقال بشك :‏
ـ" انت من دون غيرك يا دكتور ؟ وفتحت الجدار ؟"‏
ـ" نعم .."‏
ـ " ورأيت ما وراءه ؟"‏
ـ" بالتأكيد .. كانت هذه اشنع خبرة واجهتها في كل حياتي .. احمد الله على انني ‏ساموت فتموت هذه الذكرى معي .."‏
عاد يسألني في شك :‏
ـ" رايت كل شيء ؟ حتى الــ ...؟"‏
صحت في عصبية :‏
ـ " لا تقل من فضلك .. دعنا نصغ الى باقي قصتك لنرى إن كانت تختلف عن ‏خبرتي .."‏
عاد يقول :‏
ـ " عندما احترقت الساحرة أنذرت النسا بأن ولدها ( خريولسن ) سيعود بعد أعوام ‏حين يفتح الزنزانة رجل أجنبي .. وما لم ينسه أحد هو ان المصائب لم تفارق القرية ‏لحظة طيلة عمرها المديد ..‏
وبعد أعوام جاء مغامر الى الكهف .. كان هذا بريطانيا يدعى د . ( هنري لستر ) .. ‏فتنته الأسطورة وصمم على ان يجد رجلا أجنبيا يفتح تلكم الزنزانة ..‏
كانت فكرته ان يناول الضيف المطرقة ، ثم يطلب منه ان يفتح الجدار بنفسه لأنه ‏ضيفهم ..‏
طبعا ما كان الضيف الأحمق ليعلم أنه اول دم اجنبي يدخل الكهف منذ سبعة أجيال .. ‏حقا لم أتصور انك كنت انت هذا الضيف .. إن معلوماتي تقول إن ......"‏
‏*** ‏
هنا قطع ( مازن ) كلامه لأن ..‏

^RAYAHEEN^ 15-12-05 12:46 AM



الخاتمة ‏


كان هناك صوت سيارة من الخارج ..‏
صوت المحرك الدائر ثم صوت التوقف .. ثم صوت الأبواب تفتح ..‏
قال لي ( مازن ) في عجلة وهو يخرج من المتحف : ‏
ـ" إنهم جاءوا .. تعال يا د. ( رفعت ) فهناك أشخاص أرغب بحق في ان تقابلهم .."‏
قلت له وانا ارمق باقي الجهات :‏
ـ " لكن .. الن نستكمل هذه الواجهات ؟ هناك ..." ‏
ونظرت الى نهاية القاعة .. كان هناك رأس .. رأس آدمي محنط موضوع فوق عمود ‏كأنه نصب تذكاري .. ولسبب ما بدا لي مألوفا إلى حد ما ..‏
عدت ألحف عليه : ‏
ـ" وهذه الواجهة .. إن هذا الرأس يبدو .."‏
قال وهو يقتادني الى الخارج ويدير المكتبة ليغلقها : ‏
ـ " فيما بعد .. فيما بعد .. سنكمل المشاهدة بمجرد أن تقابل هؤلاء السادة .."‏
ـ " من هم ؟"‏
نظر لي نظرة ذات معنى ، وغمغم وعيناه متسعتان في خطورة :‏
ـ " فقط حاول أن تبدو طبيعيا .. ساخبرك بحقيقتهم فميا بعد .. والآن انزل .."‏
مترددا نزلت في الدرج الخشبي ، وأنا اتساءل عن كنه هؤلاء القوم .. ما معنى أن ( ‏لهم حقيقة ما ) ؟ ما القصة التي يحملها هؤلاء ؟ في الغالب هذه هي لحظة الحقيقة .. ‏اقد انتهت سهرتي مع هذا الشيء .. نظرت للوراء فلم أر ( مازن ) يتبعني طبعا ..‏
انفتح الباب وسمعت صوت طفلة تصيح .. ثم رأيت في الضوء القادم من الخارج ‏رجلا وامرأة شابة وحقائب .. ثم لمحت الطفلة ذاتها وكانت تتواثب في مرح .. كان ‏ظلهم يمتد على الأرض مستطيلا غامضا كأنما جاءوا من كوكب آخر ..‏
لكن الدهشة لم تطل .. فقد أدركت أنهم طبيعيون جدا .. وبدأت أفهم القصة ..‏
كنت الآن قد وصلت الى حقيقة مفروغ منها : هذا الرجل ليس رجلا .. سوف تشرق ‏الشمس لأجد أنه لا وجود له .. لقد عشت هذا الموقف مرارا .. لكني على الأقل ‏أعرف أن قصصه حقيقية .. ثم كيف أتأكد من نظريتي هذه ؟ لا سبيل إلا أن انتظر ..
‏*** ‏
الآن ارى الرعب في عيني الرجل والمرأة .. والطفلة ذاتها كأنما رأت شبحا ..‏
هتف الرجل :‏
ـ" من انت ؟"‏
ابتلعت ريقي وقلت في كياسة :‏
ـ" انا ضيف السيد ( مازن ) .. هل لي ان أسأل نفس السؤال ؟"‏
صاح الرجل وهو يمسك بيد زوجته متوترا متأهبا للانطلاق كالسهم نحوي :‏
ـ" ( مازن ) ؟ ( مازن ) من ؟"‏
الآن بدأت اجد شيئا مألوفا في المشهد .. اكره ان اكون على صواب في كل مرة .. ‏لكن التفسير سيكون عسيرا بعض الشيء ، فأنا الآن متسلل بلا إذن الى دار هؤلاء ‏القوم .. وكان من أنقذني هو الزوجة التي قالت وهي تربت على كتفه :‏
ـ" إنه منهم يا ( محمود ) منهم .. لقد تكرر الامر .."‏
كور الرجل قبضته كأنما هو يمثل أحد أفلام ( جون واين ) ، الاحمق .. انا لا أبدوا ‏تهديدا لبعوضة ..‏
قلت له : ‏
ـ" أتمنى ان تهدأ قليلا .. تبدو لي عصبيا لا يسعدك شيء في الوجود إلا ان تهشم ‏وجهي .."‏
ـ" هو كذلك فعلا .." ‏
قتل وانا اجلس على اريكة هناك :‏
ـ" واضح ان هذا لموقف تكرر معك مرارا .. يحدث كلما سافرت في رحلة طويلة . ‏اليس كذلك ؟ وليس هناك من يدعى ( مازن ) هناك ؟ "‏
قالت التفاة اتي كانت اقرب الى التعقل والهدوء :‏
ـ" ( مازن ابو سيف ) هو زوجي يا سيدي .. لكننا في كل مرة نجد من يتحدث عن ( ‏مازن ) الذي دعاه للبيت ، وأراه مجموعته من تذكارات الرعب .."‏
ـ" والمتحف ؟ لا وجود له ؟"‏
ـ" بالفعل لا وجود له .. يقولون إنه موجود في غرفة المكتب .. خلف مكتبة جدارية ‏عملاقة .. الحقيقة أنه لا يوجد أي تجويف خلفها .. لقد أزحناها وفحصنا المكان بعناية ‏‏.."‏
قلت وانا انهض واداعب شعر الطفلة المذعورة :‏
ـ" هناك متحف اسود .. بالفعل هناك واحد ، فأنا لم اكن فريسة هلاوس بصرية بهذا ‏التعقيد .. لكن ما يقودنا إليه ثغرة ما .. ثغرة في علم الواقع .. هي هناك وراء المكتبة ‏لا يفتحها إلا مضيفي نفسه .. ويبدو أنه لا يكف عن استعراض مجموعاته كأي هاوي ‏جمع تحف في عالمنا .. حتى الأشباح تملك نقاط ضعف مثل البشر .."‏
وهنا فقط استعدت ذكرى الرأس المقطوع الذي كان آخر ما رأيته في المتحف ..‏
كان هو رأس ( مازن ) نفسه .. أعني رأس من ادعى أنه (مازن ) .. لقد تعجلني فلم ‏استغرق الوقت الكافي كي احفر الانطباع في ذهني ..‏
لقد ضم رأسه الى مجموعته بكل رضا وسرور .. ولاشك ان المتحف يضم قطعا ‏أخرى منه حين كان حيا ..‏
هو قال إنه جرب كل شيء في المتحف.. لو كانت قصصه صحيحة فما من بشري ‏يمكن ان يمر بهذه الخبرات جميعا .. إما انه لم يعد بشريا او لم يكن كذلك منذ البداية ‏‏..‏
ثمة افتراض اكثر جرأة : لماذا لم ار الواجهة الخامسة ؟ هل الواجهة الخامسة هي ‏تلك التي تحوي رأسه ؟ هل كان هو ( سليم ) نفسه ؟ لقد استبقى هذه الواجهة للنهاية ‏باعتبارها سره الأخير .. والحقيقة أنني حين استعيد قصته اتساءل :كيف عرف كل ‏هذه التفاصيل ؟ لقد هلك ( سليم ) وهلك الاخ وهلكت الزوجة .. فكيف عرف هذا كله ‏؟ في كل القصص السابقة كان هناك من يحكي القصة كاملة : المخرج .. الزوجة .. ‏الصبي الذي قتله الفطر .. الطبيب الذي فقأ عينيه .. في هذه القصة بالذات بدا لي ( ‏مازن ) كأنه هو الراوي كلي المعرفة ‏Omniscient‏ الذي يعرف كل شيء ويتواجد ‏في كل مكان .. يمكن ان يقص هذه القصة لو لعب دور ( الشخص الثالث المحدود ) ‏‏.. أي لو كان هو ( سليم ) ذاته ..‏
قلت للزوج الذي بدأ يهدأ قليلا : ‏
ـ" هل كونت فكرة عما يحدث ؟"‏
ـ" لا .. لقد طلبت رأي الكثيرين لكن احدا لا يعرف ..تكرر هذا السيناريو ثلاث ‏مرات وانت الرابع.. من الواضح ان هناك شبحا يتسلى هنا .. يجلب عابري السبيل ‏ويقنعهم أنه صاحب المكان .. يدخن السيجار الخاص بي ويقدم لهم الشاي والشطائر ‏من مطبخي .. يحكي لهم قصصا حتى يأتي الصباح .. هو لا يفعل هذا إلا حين نسافر ‏لفترة .. وتتم القصة ليلة عودتنا .. ذات مرة راقب رجال الشرطة البيت في أثناء ‏سفري ، لكن ـ كما هي العادة في تلك الامور ـ لم يحدث شيء .. وقد افترضوا أنني ‏مخبول لا أكثر .. اعتقد أنني سأبيع هذا المكان .. فلم أعد اتحمل .."‏
وقفت افكر حينا .. ثم سألته :‏
ـ" انا تحت تصرفك .. لو أردت ان تستدعي الشرطة لاتهامي بالتسلل الى دارك فهذا ‏حقــ .."‏
قال باشمئزاز وهو يسترخي على اريكة ويفك ربطة عنقه:‏
ـ" لا شيء من هذا .. لقد فعلت هذا مرتين من قبل بلا جدوى .. انصرف من فضلك ‏ولا تعد هنا ابدا .."‏
اتجهت الى الباب شاعرا بالامتنان .. فلا اريد ان اقضي بقية اليوم في تفسير موقفي ‏‏.. ادرت المقبض ووقفت ارمق الحديقة التي غمرتها الشمس وقلت :‏
ـ " وال************ ؟"‏
ـ" كلهم يقول هذا .. لا يوجد ************ يا سيدي .. انا اكره الكلاب .."‏
وراح ينظر الى السقف كمن انهارت كل آماله ..‏
هكذا اغلقت الباب ومشيت شارد الذهن .. مبلبل الفكر .. غير قادر على موازنة ‏خطواتي بعد ليلة طويلة منهكة من سماع القصص الغريبة .. امر بحوض ازهار ( ‏الدالكونيا ) مودعا ..‏
وفي سري تمنيت لو ان هذه الاسرة اللطيفة تأخرت قليلا .. كانت الواجهات عديدة ، ‏ولكم اشتهيت لو سمعت باقي القصص .. مثلا ما هو ذلك ال************ الأحمر ؟ ما سر اليد ‏المبتورة ؟ ماذا عن الهيكل العظمي ذي الأنياب ؟
لكني كنت اعرف أنني سأقابل ( مازن ) يوما ما لنستكمل مشاهدة المتحف الأسود .. ‏نعم .. بالنسبة لي كان ذلك الذي امضيت معه امسيتي هو ( مازن ) الاول .. الحقيقي ‏‏.. والاكثر تسلية ..‏
إنه يعرف عنواني .. ويعرف كيف يكتب خطابا .. وكيف يرسله ..‏
لسوف يجدني ..‏
عندها اريد ان اسأله أسئلة كثيرة .. أولها : من هو فعلا ؟ هل استنتاجاتي صحيحة ‏بصدده ؟ ‏
إن قصته ـ بالتأكيد ـ لجديرة بان تكون من قصص حلقة الرعب القادمة ..‏
‏*** ‏
( تمــت )


Ala_Daboubi 15-12-05 09:27 AM

la nihayeh 3'air motawaqa3a nihaaaa2iyaaaaaaaan

^RAYAHEEN^ 15-12-05 10:01 AM

اهم شي عندي انو هالقصة خلصت

^RAYAHEEN^ 16-12-05 12:07 AM



أسطورتهم ‏
ما وراء الطبيعة ‏
د. أحمد خالد توفيق
‏1 ‏


الشارع ده كنا ساكنين فيه زمان ..‏
كل يوم يضيق زيادة عن ما كان ..‏
اصبح الآن بعد ما كبرنا عليه ..‏
زي بطن الأم مالناش فيه مكان ..‏
أغنية قديمة لفريق المصريين ‏
كلمات ( صلاح جاهين ) ‏
‏*** ‏
‏( فاتن ) و ( ممدوح ) و ( عاطف ) يلعبون ..‏
لقد انتهت أيام المدرسة ن وهناك ذلك الشعور الساحر بأن الكون قرر ان يتجمل ‏اليوم ، وان يعتذر عن فظاظته السابقة .. حقا لا توجد إمكانيات سخية للهو ، لكن ‏خيال الأطفال قادر على كل شيء .. هذه الصالة الكئيبة في بيت ( ممدوح ) والتي ‏تغمرها الشمس من تلك النافذة ذات الزجاج المصنفر ، لعبت مع الأطفال دور شاشة ‏السينما التي شهدت كل شيء ممكن .. كم من يوم صارت فيه هذه الصالة بحرا يعج ‏بأسماك القرش ، ثم تحولت بمعجزة ما إلى ميدان حرب تتناثر فيه أشلاء القتلى ، ‏ثم غدت بيتا يلعبون فيه ( عريس وعروس ) حيث مائدة الطعام والأطباق وغرفة ‏الضيوف ، ثم صارت دغلا تتوارى فيه الفهود خلف الأشجار ..‏
كل شيء ممكن .. لا توجد قيود .. لا قواعد للعبة ..‏
فقط ينتهي كل شيء حينما تظهر القدمان الكبيرتان المتشقتتان لأحد الكبار في خف ‏أو حذاء أو حافيتين ، وهو يجرهما جرا الى ساحة الحرب او الدغل او بيت ‏العروسين ، ليعلن ان على ( فاتن ) و ( عطف ) ن يعودا لأن الغداء ينتظرهما ..‏
تتوسل ( فاتن ) ان يتركوها بعض الوقت.. تريد ان تتناول غداءها هنا .. لكن ‏صرامة أوامر الكبار لا تتزحزح .. دعك ـ بالطبع ـ من لحظات الخلاف بين أمها وأم ‏‏( ممدوح ) ، حينما تقرر ام منهما ان جارتها ثرثارة كذوب مغرورة ، وأن امثالها ‏يجب ان يجلدن بالسياط .. من ثم يصدر أمر حظر التجوال وتمر أيام عدة قبل ان ‏تعود المياه لمجاريها ..‏
رائحة صينية البطاطس داخل الفرن ، وصوت الدجاج الذي يتشاجر على السطح ، ‏وتلك النملة العملاقة الي يطلقون عليها ( حرامي الحلة ) على مدخل الدار ، ومذاق ‏الفراولة ( الشليك ) في الطبق لمعدني الذي جلبته لهم أم ( ممدوح ) .. كل هذا ‏الغعالم الثري من تفاصيل الحواس والذي افلت منا نحن الكبار للأبد..‏
‏*** ‏
الشارع ده أوله بساتين .. ‏
وآخره حيطة سد ..‏
ليا فيه قصة غرام ..‏
ما حكيتش عنها لأي حد ..‏
من طرف واحد وكنت سعيد أوي ..‏
بس حراس الشوارع حطوا للحدوته حد ..‏
‏*** ‏
‏( فاتن ) و ( ممدوح ) و ( عاطف ) يلعبون ..‏
‏( عاطف ) هو أصغرهم سنا .. ونحن متفقون على ان الاطفال ساديون بطريقة ‏مخيفة .. كل ما هو جميل او رقيق يجب ان يعذب او يحرق او يدمر او يبدد .. ولما ‏كان ( عاطف ) طفلا بريئا هشا في الخامسة فإن اخته ( فاتن ) وصديقه ( ممدوح ) ‏قررا ان يحيلا حياته الى جحيم عن طريق المقالب والسخرية .. وكان هذا البائس لا ‏يملك إلا ان يصرخ ويهرع إلى ام ( ممدوح ) في المطبخ ليشكو لها قسوة ابنها ، ‏فتكتفي المرأتان بان تقول كل منهما وهي تكافح المخاط الذي يسل من أنفها بفعل ‏البصل :‏
ـ" لا تضايقا ( عاطف ) يا اولاد .. لو سمعت شكوى أخرى لمنعته من اللعب معكما ‏‏!"‏
وهو عقاب فريد من نوعه لا يبدو أنه يؤذي احدا سوى ( عاطف ) لذا سرعان ما ‏يقرر ان يصمت لدى المقلب التالي ..‏
في هذا اليوم كان ت( فاتن ) في دارها تقرأ قصة مصورة لهما :‏
ـ" ونظر الساحر الى المقعد .. وركز بصره بقوة .. وهنا بدأ المقعد يرتفع .. ويرتفع ‏‏.. ويرتفع .."‏
على صفحات المجلة كانت صورة جميلة بألوان مبهجة ، لساحر ينظر الى مقعد ‏ويركز بصره بقوة ، فإذا بالمقعد يرتفع ويرتفع ..‏
اتسعت عينا ( عاطف ) بذلك المزيج الذي لا تعرف إن كان رعبا ام انبهارا ، والذي ‏لا تعبر عنه إلا عينا طفل .. فقال ( ممدوح ) :
ـ" هذا ليس خيالا .. أبى يقول إنه رأى هذا المشهد في احد أندية الاسكندرية .."‏
قالت ( فان ) وهي تبتسم بخبث : ‏
ـ" كل واحد منا له هذه القدرة .. هل هي لدية يا ( عاطف )؟"‏
نظر لها ( عاطف ) حائرا .. هو أولا لا يفهم معنى كلمة ( قدرة ) .. لكنه يخشى ان ‏يسأل كي لا يسخر منه .. هز رأسه أن نعم .. ما دم هذا الشيء لديهما فلا بد أنه ‏عنده ..‏
نهضت ( فاتن ) مسرعة وهرعت تفتح باب الشقة ، وقال لـ ( ممدوح ):‏
ـ" لا تلحقا بي .. سأناديكما حين أكون مستعدة !"‏
لم يفهم ( ممدوح ) لكنه قرر أنها تعرف ما تفعله .. مع ( فاتن ) اترك نفسك تماما ، ‏فالفتاة ذكية واسعة الحيلة .. هكذا ظل مع ( عاطف ) يتظاهران بالقراءة ..‏
ـ" تعاليا الى السطح!"‏
هكذا جاء صوتها من نافذة المسقط ..‏
لم ينتظر الصبيان حتى يفهما .. هرعا الى باب الشقة وانسلا قبل ان تسمع الأم ‏خطواتها على الدرج ..‏
أسطح .. قطع القرميد الملقاة والمقاعد المهشمة وعش الدجاج التي تفوح منها ‏رائحة الخبز المختمر .. رائحة ضوء الشمس ( نعم لضوء الشمس في أنف الأطفال ‏رائحة ).. هوائي التلفزيون الصدئ وعالم سحري آخر يعشقونه جميعا ، لكن الكبار ‏يضعون عليه ألف علامة تحذير .. لان الأطفال لا يفعلون شيئا سوى السقوط من ‏أعلى أسطح البيوت ، وهم يفعلون ذلك في ولع جنوني ..‏
كانت ( فاتن ) تقف قرب السور .. وعلى السور المكون من قطع القرميد تراصت ‏عدة علب طعام فارغة .. ربما كانت تحوي فولا او سلامون .. لا احد يعرف او يذكر ‏‏..‏
كانت العلب ستا .. وكانت متراصة بتلك الطريقة التي يتدربون بها على التصويب ‏في أفلام رعاة البقر ..‏
قالت ( فاتن ) وهي تجلس على الارض :‏
ـ جرب يا ( عاطف ) .."‏
سألها وهو يشعر بالخجل من غباوته :‏
ـ" أجرب ماذا ؟"‏
ـ" جرب ان تحركها بعقلك .."‏
بدت عليه الحيرة :‏
ـ" لكني لا اعرف كيف !"‏
غمزة عابرة نحو( ممدوح ) شريكها في كل الجرائم ، ثم قالت لأخيها الساذج :‏
ـ " كلنا يعرف كيف .. ركز تفكيرك وحرك العلبة .. هلم ! يجب ان تتعلم هذا ! هذا ‏سهل !"‏
هكذا جلس الصغير بضمير نقي يحاول ان يفعل كما قالا .. ركز تفكيره أكثر وهو ‏ينظر الى العلب .. ركز وركز .. كل ما كان يبتغيه هو ألا ينال سخريتهما .. هذان ‏الكبيران الناضجان يحركان الأشياء بعقليهما وهو لا .. هذه فضيحة ..‏
ماذا تنتويه ( فاتن )؟ كذا فكر ( ممدوح ) .. ثم نظر إلهيا حيث جلست على الارض ‏‏.. هناك شيء في قبضته اليمنى المطبقة .. دقق النظر أكثر ثم دنا ليقف جوارها ..‏
نعم .. ذلك الخيط الرفيع الذي يخرج من قبضتها .. يتلوى كثعبان شفاف على ‏الأرض .. ثم يغير اتجاهه ليلتف حول مسمار ي السور ويغيب خارجه .. يستطيع ‏ان يراه بعين الخيال يتدلى في الخارج مسافة لا بأس بها ، ثم يرتفع حول قاعدة ‏إحدى العلب بحيث لا يراه أحدهم ..‏
ابتسم وكتم ضحكته .. هذه هي ( فاتن ) الخبيثة التي يعرفها ..‏
ـ" هلم يا ( عاطف ) ! ركز يا ( عاطف )!"‏
وفي اللحظة التالية رآها ( ممدوح ) بطرف عينه تجذب الخيط .. وطارت العلبة ‏لتسقط في الشارع ..‏
أطلق ( ممدوح ) صرخة فرح وركض ليحتضن ( عاطف ):‏
ـ" فعلتها يا ( عاطف ) ! فعلتها !!:"‏
أما ( عاطف ) فكان يضحك ضحكة بلهاء عاجزا عن تصديق ما فعله .. لكن ما تراه ‏بعينيك لا يمكن ان يكون خطأ .. ( فاتن ) ظلت تنظر الى العلب الثابتة وقد فتحت ‏فمها كأنما هي تريد ان تقول شيئا ..‏
هتف ( عاطف ) وهو يتواثب على السطح :‏
ـ" انا فعلتها ! سأنزل لأخبر ماما !!"‏
وهو لم يكن واثقا أي شيء فعله بالضبط .. هو رأى الانبهار في عيني ( ممدوح ) ‏فعرف أنه أنجز شيئا عظيما ..‏
وجرى الى الدرج قبل ان يتمكن أحد من منعه .. فالمفترض انهم لم يفارقوا البيت ‏قط ..‏
بعد رحيله ساد الصمت ثم هتف ( ممدوح ) وهو يضرب على معصم ( فاتن ) ‏فيصدر سوارها صوت ( شخللة ):
ـ" أنت بارعة حقا ! لقد خدعناه !"‏
ظلت شاخصة البصر ترنو إلى العلب ثم قالت :‏
ـ" تلك العلبة التي أسقطها .."‏
ـ" ما بالها ؟"‏
ـ" لم تكن ذات العلبة التي ربطتها أنا !!"‏
وفي يدها رأى الخيط المشدود ..‏
أردفت بذات النظرة الساهمة :‏
ـ" طريقتي كانت فاشلة .. لقد جذبت الخيط فلم يسقط شيء !!"‏

^RAYAHEEN^ 17-12-05 11:46 PM



‏2‏


الشوارع حواديت ..‏
حوداية الحب فيها ..‏
وحوداية عفاريت ..‏
‏( واسمعي يا حلوة لما أضحكك ) ..‏
‏*** ‏
‏( فاتن ) و ( ممدوح ) و ( عاطف ) من عالمهما لأن ( فاتن ) كبرت ، ولأن ( ‏ممدوح ) صار صوته خشنا يذكرك بصرير حذائك على الباركيه.. نفس ما حدث لي ‏في بيت خالي عندما لم يعد من حقي أن اعتبر ( عبير ) و ( إلهام ) صديقين طويلي ‏الشعر .. وكنت انا في ذلك الوقت غارقا حتى الأذنين في حب ( إلهام ) ـ سيدة ‏الأقمار السبعة ـ من بعيد بعدما انتهت قصتي مع ( شيراز ) بمفاجأة مخيفة .. حكيت ‏لكم قصة البيت عام 1995 ولن أحكيها ثانية فلا تقلقوا ..‏
كان بيتنا ـ بيت خالي ـ يقع في الشارع المجاور على بعد أمتار لو افترضن أنك ‏ستقفز فوق البيوت كالرجل الوطواط ، أما مع قدرات البشر المحدودة فهو يقع على ‏بعد سبع دقائق تصل فيها لنهاية الشارع ثم تدور عائدا ..‏
كنت أعرف ( فاتن ) وأخاها الأصغر ( عاطف ) ، ولعبت مع ( ممدوح ) عدة مرات ‏في الساحة الخالية في نهاية شارعهم ، وكان حذاؤه ثقيلا وقدمه أثل حتى تذكرك ‏ركلته بركلات البغال ..‏
بالطبع لم تصل صداقتنا الى معرفة تفاصيل صغيرة كقصة مغامرة تحريك العلبة هذه ‏‏.. لم اعرفها إلا بعد فترة طويلة ..‏
لم اعرف ان ( فاتن ) قالت لـ ( ممدوح ) :‏
ـ" لن نسمح لـ ( عاطف ) بأن يتفوق علينا بهذه الموهبة .. دعنا نقنعه بأنه لم ‏يحرك شيئا .."‏
نظر لها في رعب .. لم يتخيل أنها بهذه القسوة ..‏
قالت في إصرار : ‏
ـ" لن اسمح لهذا الصبي بأن يتباهى علينا .. اسمع .. لقد صعدنا هنا كي نسخر منه ‏فلم يتغير شيء .. سننزل تحت ونسخر منه !"‏
نعم كانت بهذه القسوة فعلا ، ولعلها كانت تستخدم جينات أنثوية انتقلت لها منذ ‏زمن سحيق .. من عهد ( سالومي ‏Salome‏ ) التي رقصت حول رأس ( يوحن ‏االمعمدان ‏John the Baptist ‎‏ ) وشجرة الدر التي أعدمت زوجها بالقباقيب ، ( ‏وسميراميس ) التي جعلت زوجها يتنازل لها عن العرض ثم قطعت رأسه ..‏
هكذا نزل الصبيان الى الشقة ليلحقا بالصغير الذي كان واقفا على باب المطبخ يريد ‏أن يكلم أمه .. وسرعان ما جذباه إلى الخارج وهما يوشكان على الانفجار ضحكا ..‏
قالت له ( فاتن ) ضاحكة : ‏
ـ " يا لك من أحمق ! لقد خدعناك تماما !!"‏
وفتحت يدها لتريه أنها تلف الحبل حول كفها ..‏
نظر لها في غباء وقال :‏
ـ" انا أسقطت العلبة من دون أن المسها !!"‏
ـ" بل انا التي فعلت هذا . كنا نمازحك !!"‏
ونظر لها غير مصدق ونظر لـ ( ممدوح ) فرأى أنهما موشكان على فقدان الوعي ‏من الضحك .. كلا .. ليست الحياة بهذه القسوة ولا يجب أن تكون ..‏
وفي غرفته مع ( فاتن ) وقف مسلطا عينيه على بعض اللعب وحاول أن .. حاول ‏أن .. حاول أن .. يحركها ..‏
لا جدوى ! وهذا شيء يعرفه كل المحركين طبعا بدءا بالنصاب ( جيار ) الذي ‏تحدثنا عنه سابقا وانتهاء بالحقيقيين منهم .. هذه الموهبة غير متاحة بضغطة زر ‏‏.. أحيانا تخرج وأحيانا لا .. إنها عنيدة كقط علمته حركة بهلوانية ويرفض أن ‏يؤديها إلا حينما يريد ذلك .. لكن بالنسبة للطفل الغرير كان الجواب واضحا .. لقد ‏خدعاه وما أكثر ما خدعاه !‏
خيبة امل عابرة ثم نسى كل هذا بذاكرة الأطفال التي لا تحتفظ بأي حدث أكثر من ‏خمس دقائق ، وسرعان ما انضم إليهما يبحث عن لعبة جديدة ..‏
وقالت ( فاتن ) لـ ( ممدوح ) :‏
ـ" الواقع أننا أحمقان .. مرة واحدة لا تكفي للحكم .. ربما ـ بعد كل شيء ـ هو لا ‏يملك هذه الموهبة .. لقد أحسنا التصرف !"‏
عرفت هذا كله فيما بعد ..‏
‏*** ‏
الشارع ده رحنا فيه المدرسة ..‏
إللي باقي منه باقي ..‏
واللي موش باقي اتنسى ..‏
كنسوه الكناسين بالمكنسة ..‏
بدموع لحظة أسى ..‏
أنا برضه كمان نسيت ..‏
‏*** ‏
في الصباح كنا نذهب الى المدرسة .. الشارع العجوز الذي حفظ خطواتنا ألف مرة ‏‏..‏
مهما كان رأيك في المدرسة فلا شيء يوحي بالسلام والاستقرار أكثر من منظر ‏تلاميذ ذاهبين في الصباح الى المدرسة .. لوحة اسمها ( الغد ) ..‏
على هذه الناصة ينتظرنا (ممدوح ) .. بينما يكون ( عماد ) و ( مدحت ) معي .. ( ‏عماد ) يمسك بيد ( عبير ) الصغيرة المشاكسة .. بعد قليل تظهر ( فان ) ببذلة ‏الإعدادي الكحلية من بعيد .. لا تقول شيئا لكنها تطلق سراح ( عاطف ) أخاها ‏الصغير ليجري لاحقا بـ ( ممدوح ) يستدير الأولاد مبتعدين بينما أتوقف لحظة ‏متظاهرا بأن رباط حذائي مفكوك.. الحقيقية أنني أنحي لأفكه واربطه ثانية الى ان ‏تظهر ( إلهام ) قادمة من الشارع المجاور .. بشعرها القصير ( آلاجارسون ) الذي ‏يترجمه العقاد بـ ( الغلامة) ويترجمه طه حسين بـ ( المسترجلة ) .. نظرة عابرة ‏تشعرني أن الكون بخير والأفلاك بحالتها ثم أستدير لألحق بالأولاد ، بينما تتأبط ( ‏إلهام ) ذارع ( فاتن ) وترحلان نحو عالمهما القصي البعيد .. مدرسة البنات حيث ‏تجلس صانعات الأحلام معا ، بينما نحن هنا في مدرسة الأولاد نضرب بعضنا حتى ‏الموت ، ونتمرغ في الرمال ، ونتبادل الشتائم طيلة الوقت ..‏
في هذا الصباح أدركت ان ( فاتن ) ليست على ما يرام .. وجهها يبدو كبطن ضفدع ‏تم وضعه فوق المقلاة .. هذه الفتاة لم تنم على الإطلاق ..‏
لم أكن اعرف انها على هذا الحال منذ شهر .. والسبب أن أخاها الصغير ( عاطف ) ‏ما زال يشاركها حجرتها .. و ( عاطف ) ينام مبكرا بينما تظل هي ساهرة تراقب ‏أشياء غريبة تحدث ..‏
الدمى التي تدير رأسها حينما لا تنظر نحوها ..‏
هل هذا شيء صحي ؟
المقاعد التي تزحف على ارض الغرفة ببطء شديد لكن بما يكفي لإحداث صوت .. ‏هل هذا انسب الأجواء للنوم ؟
وماذا عن الأقلام التي تتدحرج من على المكتب في الرابعة صباحا ؟ ‏
وماذا عن ...‏
الحقيقة إنها كانت تعيش اسود ليالي حياتها ومعها حق ..‏

^RAYAHEEN^ 17-12-05 11:47 PM



‏3


الشارع ده شفتك وانتي ماشية فيه ..‏
لابسة جينز وبلوزة وردي وعاملة ديل حصان وجيه ..‏
اتجاهك ف اتجاهي مشينا في ..‏
والشارع ده ضباب وتيه ..‏
بس لازم نستميت !‏
‏*** ‏
بعد مرور بضع ليال قررت ان تخبر أمها ..‏
الأم لم تصدق حرفا بالطبع .. لكنها قرت ان تدخل الغرفة عدة مرات في تلك الليلة ، ‏ولم تكن متأكدة مما إذا كانت ( فاتن ) نائمة أم لا ، لكنها كانت متأكدة من ( عاطف ‏‏) .. وقد وقفت بعض الوقت تتشمم الهواء وتنظر للأشياء ثم غادرت الحجرة ..‏
بعد ساعة أخرى شعرت بقلق فنهضت ..‏
وعلى باب الحجرة سمعت ذلك الصرير المميز لشخص يمشي على الأرض الخشبية ‏‏.. إنها ( فاتن ) بلا شك ذاهبة إلى الحمام .. انتظرت ثم فتحت الباب ودخلت .. ‏الصغيران نائمان كما هما .. لكن ..‏
من اين يأتي هذا الصوت بالضبط ؟
كان المقعد الخشبي الذي تدرس عليه ( فاتن ) يمارس عملا غريبا بعض الشيء .. ‏كان يتسكع ! بكل استهتار ووقاحة المتسكعين يتواثب على رجل واحدة .. قليلة هي ‏المقاعد قليلة الحياء لهذا تعتبر رؤية أحدها شيئا مرعبا ..‏
طبعا ما تراه الأم ليس سوى ظاهرة ( بولترجايشت ) .. والتي يعتقد العلماء أنها ‏نوع من التحريك عن بعد يتم لا إراديا ، لكن من أين لها بـ ( رفعت إسماعيل ) ‏ليخبرها بهذا ؟ إنه الآن في داره مجرد مراهق تعس ينام حالما بعلقة من مدرس ‏من الجغرافيا غدا ، لأنه لم يرسم خارطة آسيا في الكراس ..‏
هكذا أطلقت الأم صرخة لا بأس بها أبدا وأضاءت الضوء ..‏
وفي اللحظة التالية استقر المقعد في براءة على أرجله الأربع ..‏
ونظرت الأم إلى الفراش لتصاب بالهلع من جديد ..‏
كانت ( فاتن ) مستيقظة مفتوحة العينين ، وقد جذبت الملاءة إلى ما أسفل عينيها ‏بالضبط .. وقالت همسا :‏
ـ" هل رأيت ؟ هل تصدقين الآن ؟ "‏
وينظر الأب كعادة الآباء .. جسما عملاقا في منامة من الكستور المخطط بالطول ، ‏وشعرا منفوشا ووجها معكر المزاج .. جبلا من المسئولية والحماية .. والغيظ !‏
ـ" هل جننت حتى تصرخي بهذا الشكل ؟"‏
تكلمت الأنثيان في آن واحد :‏
ـ" المقعد يتحرك من دون ان يلمسه أحد !"‏
هرش الأب رأسه مرتين ثم أعاد السؤال في تؤدة :‏
ـ" المقعد ماذا ؟"‏
ـ" يتحرك ! "‏
كان يعرف أن زوجته هستيرية لكن ليس إلى هذا الحد ، أضف لهذا أن ( فاتن ) ‏كانت ثابتة الجنان إلى حد مخيف .. إلى درجة أنها كانت تذكره بأمه هو شخصيا ..‏
هكذا طلب من الأم ان تتلو بعض آيات القرآن ، وان تبقى الضوء طيلة الليل .. وقدر ‏أن هذا لم يحدث على الأرجح ، وإن حدث فلن يتكرر ..‏
لكن الأمر تكرر في الليالي التالية ، واضطر الاب الى تغيير غرفة الأطفال .. كلا لم ‏تكن حالته المادية تسمح بترك البيت طبعا .. على أن الاشياء المتحركة اقفت أثر ‏الطفلين الى الغرفة الجديدة التي كانت مخصصة لاستقبال الضيوف .. ويبدو أنه ‏جلب أكثر من شيوخ تكلموا عن جني يكمن في الغرفة ويريد النيل من الأطفال .. لا ‏بد أن الكثير من النمل الأحمر والهداهد اليتيمة قد لقت حفتها من اجل هذا ، ولا بد ‏ان اكثر من حجاب كتب بدم الغزال قد استعمل .. طبعا بدون نتائج ثورية ..‏
على كل حال انتهت المشكلة خلال عام ..ونسيها الجميع ..‏
‏*** ‏
لم أدخل طرفا في القصة إلا في يوم 12 إبريل ..‏
كان هذا عيد ميلاد ( عاطف ) .. إن بلوغ الطفل تسعة أعوام لحدث بالغة الأهمية ‏حقا ، وكما تقول أغنية الأطفال الأجنبية : " انا لست حتى في الرابعة .. بل إنني ‏اكبر من اربعة اعوام ونصف .. انا في الخامسة من عمري !" هكذا كان ( عاطف ) ‏يشعر بفخر بالغ باعتباره اول من حقق هذا الإنجاز في التاريخ ..‏
كان ابوه واضحا في أنه لن يسمح إلا لرفاقه في الصف بالحضور لكنه اصر على ‏ان يحضر الأولاد الأكبر ( عماد ) و ( مدحت ) و ( رفعت ) و ( ممدوح ) .. إنه ‏يذهب معهم الى المدرسة يوميا ويحبهم .. دعك من فخر الأطفال بأنهم يعرفون من ‏هو أكبر سنا ..‏
هكذا صارت تعليمات الأب اكثر وضوحا .. ( فاتن ) لن تشارك في الحفل .. لو ‏اقتصر الأمر على زملاء ( عاطف ) الأطفال فلا مشكلة .. كان يخاف الفتيان خاصة ‏المراهقين منهم .. هؤلاء الأوغاد بشواربهم غير النامية والحبوب في وجوههم ‏وأصواتهم الشهوانية الخشنة .. إنهم شياطين يدارون ذيولهم في سراويلهم ، ولو ‏أغمضت عينك لحظة لسبل أحدهم عينيه وتظاهر بأنه يحب ( فاتن ) ، وعندها ‏يمتلئ درج الفتاة بالمراسلات العاطفية وترسب في الدراسة ثم تنحرف وتعاقر ‏الخمر .. كان من الآباء الذين يعتبرون الابنة خطرا داهما الى ان تتزوج ..‏
هكذا تم ترتيب الحفل .. سيكون حفلا للذكور فقط ..‏
وبدأنا الوصول .. لم اكن من الطبقة التي تقيم أعياد ميلاد ، ولم اكن قد حضرت ‏الكثير منها ، وقد أعطاني خالي بعض المال لابتاع كرة صغيرة لـ ( عاطف ) حتى لا ‏ادخل خالي الوفاض وسط أولاده .. كنت فقيرا كالفقر نفسه لكني ـ اشهد ـ لم اشعر ‏بلك بشكل جدي قط بسبب خالي ..‏
‏( عبير ) انسحبت الى الداخل لتلقى ( فاتن ) و( إلهام ) والأم ..‏
وتبادلت نظرة مع ( ممدوح ) .. نحن نفهم بعضنا .. كلانا يوجد جزء من قلبه ‏بالداخل .. ( إلهام ) بالنسبة لي و ( فاتن ) بالنسبة له ..‏
وجاء وقت إشعال الشموع .. تسع شموع تنتظر أن نشعلها..‏
جاء والد ( عاطف ) بعلبة ثقاب .. ثم أشعل عودا و ...‏
أمام عيوننا المذهولة راحت الشعلة تنتقل من الشمعة الأولى .. إلى الثانية .. ‏فالثالثة ..‏
لم نقل شيئا ..‏
لم يستطع أحدنا أن يفتح فمه ..‏
المشهد يفوق أية قدرة على الكلام ..‏
لو شئت أن اقرب لك المشهد فتخيل رجلا خفيا يمسك بعود ثقاب خفي ويشعل به ‏شمعة تلو الأخرى ..‏
وحين اشتعلت الشموع التسع شهق الجميع في رعب ..‏
ـ" بسم الله الرحمن الرحيم !!"‏
ـ" هذا سحر !!"‏
هنا قال الأب بلهجة عامية ، عرفت فيما بعد أنها الطريقة التي قرر بها أن يتحاشى ‏الذعر وإفساد الحفل وربما الفضيحة كذلك :‏
ـ" هذه لعبة سحرية .. أنا وحدي أعرف سرها ! ربما اعلمها لكم فيما بعد .. والآن ‏هلا نفخت الشموع وأنهيت هذا السخف يا ( عاطف ) ؟"‏
وبدا في عبارته الأخيرة نفاد صبر يوشك على أن يستحيل صراخا ..‏
ونفخ ( عاطف ) الشموع في حماسة فساد الظلام .. هنا أضيئت الأنوال .. كل هذا ‏جميل ..‏
لكن من فعلها بينما نحن جميعا هنا والنسوة في غرفة أخرى ليس فيها مفتاح النور ‏؟ ‏

Ala_Daboubi 18-12-05 09:08 AM

hhehehehehe aha hai el qesas , heheheeh 7abeeto hada 3a6if

wala ya 3a6if............0hehehe

^RAYAHEEN^ 18-12-05 09:41 AM

بس انا عندي شك بفاتن
ليش ما تكون هيي الي عندها هالقدرة على تحريك الاشياء !!!

Ala_Daboubi 19-12-05 09:46 AM

aish ya raya7eeen , leash mosh 3amleh wajbik el yoam ?? bokra mteeeji 3'air wo ma3ik wali 2amrik mashi !!!!!!0

^RAYAHEEN^ 19-12-05 10:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
aish ya raya7eeen , leash mosh 3amleh wajbik el yoam ?? bokra mteeeji 3'air wo ma3ik wali 2amrik mashi !!!!!!0

راحت عليي نومي ههههههههههههههه وبس صحيت كان عليي جلي خخخخخخخخخخخخخ

^RAYAHEEN^ 19-12-05 11:35 PM



‏4


الشارع ده أوله بساتين .. ‏
وآخره حيطة سد ..‏
ليا فيه قصة غرام ..‏
ما حكيتش عنها لأي حد ..‏
من طرف واحد وكنت سعيد أوي ..‏
بس حراس الشوارع حطوا للحدوتة حد ..‏
‏*** ‏
يكبر الجميع ..‏
الشوارع تضيق وتكف عن الترحيب بنا لأننا صرنا اضخم مما تتسع له ..‏
‏( رفعت ) النحيل المرتبك ذو العوينات صار ( رفعت ) النحيل العصبي ذا العوينات.. ‏البنات تزوجن .. ألأولاد كبروا وتزوجوا .. ( فاتن ) تزوجت ( ممدوح ) .. هذه من ‏قصص الحب القليلة التي تنتهي بالزواج ، وهي قصة حب دامت أعواما طويلة .. ‏إن بيتهما عند الناصية التالية بالمناسبة ..‏
أنا لم أتزوج ( إلهام ) طبعا .. انتقلت للقاهرة ودرست الطب ثم سافرت إلى انجلترا ‏، ثم عرفت الحب الأخير في حياتي .. ولم أتزوجه أيضا ..‏
‏( عاطف ) ما زال يعيش مع الأسرة ، وكان حتى وقت قريب طالبا في كلية الحقوق ‏‏..‏
هل أحب ( عاطف ) ( عبير ) ابنة خالي ؟ لا يا اخي .. إن لك استنتاجات غريبة ! ‏نحن نتحدث عن بشر لا عن قطع دومينو يتم رصها بإتقان .. هذه تناسب هذا وهذا ‏يلائم هذه .. طبعا لم يحدث هذا واكون شاكرا لو كففت عن الاستنتاجات العبقرية ..‏
‏( عاطف ) شاب مرح مليء بالحياة .. ( عاطف ) يذهب مع رفاقه الى الإسكندرية .. ‏‏( عاطف ) يذهب مع رفاقه الى الإسكندرية .. ( عاطف ) يتوغل في البحر بعوامة .. ‏‏( عاطف ) لم يعد لدى حلول الليل ..‏
كشافات .. نداء .. رجال يصرخون على الشط.. ( عاطف ) كانت معه عوامة لكن ‏الموج جرفها بعيدا لم يصل إليها..‏
سرادق عزاء .. قرآن يتلى .. ندبة لن تنسى في قلب أم وأب فقدا صغيرها .. سأوفر ‏عليك هذه المشاهد القاسية .. انت تعرف ما حدث وما قيل ..‏
عرفت هذا فيما بعد ..‏
لم أكن في مصر وقتها ، ولم يهتم أحد بإبلاغي لدى عودتي .. هذه من اللحظات ‏التي تشعر فيه بأن المسافة بين القاهرة والمنصورة أبعد من المسافة بين سيبيريا ‏وألاسكا ..‏
ثم كنت في المنصورة وعرفت بالخبر .. لم تكن علاقتي بالأسرة حميمة الى هذا ‏الحد ، لذا تطوع ( عماد ) إبن خالي باني صحبني الى هناك .. لا اذكر طبعا عمري ‏وقتها لكني كنت في سن النضج .. لم يكن ذلك الشيخ المخيف الذي يكلمكم الآن قد ‏وجد بعد ..‏
اجتزنا من جديد الشوارع التي كانت عالمي الحقيقي يوما ما، والتي أحفظ كل حجر ‏فيه أوكل علامة طبشور على جدرانها .. من قال إن هذا الشارع جماد ؟ إنه أكثر ‏حياة مني أنا .. هذه الناصية التي كنا نقف عندها بانتظار التجمع للمدرسة .. هذه ‏الناصية كنت أبتاع شطائر الطعمية منها.. هذا البائع العجوز ما زال حيا ؟ لم يكن ‏يبصق بهذه الكثرة في تلك الأيام وإلا لما أدمنت شطائره .. ‏
لكن ما لم استطع فهمه هو : لماذا كانت هذه الأماكن متسعة في الماضي ثم ضاقت ‏؟ ‏
‏*** ‏
الشارع ده كنا ساكنين فيه زمان ..‏
كل يوم يضيق زيادة عن ما كان ..‏
اصبح الآن بعد ما كبرنا عليه ..‏
زي بطن الأم م الناش فيه مكان ..‏
‏*** ‏
كانت جلسة متحفظة طبعا لم يتم ذكر حرف فيها عن الفقيد..‏
لكنه كان مخيما على المكان ، وكان الموقف مفهوما .. عزاء بلا عزاء .. وعلى ‏سبيل التسرية بدأ الكلام عن ( فاتن ) وزوجها الذي كان صديقي ..‏
في النهاية قال لي الأب :‏
ـ" ( فاتن ) ليست على ما يرام .. لا اعرف إن كنت أثقل عليك يا دكتور لكن أرى ان ‏تمر عليها .. إنها تعيش عند الناصية التالية .. كان هذا البيت ملك أهل ( ممدوح ) ‏وقد حجزوا له شقة فيه .. مر عليها واعتبر أن هذه ضمن تباريك الزواج .. فأنت لم ‏تزرهما في بيتهما قط .."‏
كنت اشعر بغيظ لأن ظروفي لا تسمح .. أريد العودة مبكرا إلى القاهرة ولا أطبق ‏سماع حرف عن الإسهال الذي يحدث بعد التهام الجوافة ، لكنه لا يحدث بعد التهام ‏التين الشوكي ..‏
لم استطع التنصل وقد عرض ( عماد) في كرم ان يرافقني الى هناك ..
هكذا أنهيت الجلسة وأعتقد أنني لو رأيت نفسي في المرآة لرأيت سحابة دخان ‏أسود تخرج من رأسي كما القصص المصورة ..‏
بعد خمس دقائق كنا نقرع باب ( فاتن ) ..‏
كان ( ممدوح ) قد تلقى مكالمة من الأب على ما يبدو يخبره بقدومنا . . وقد خرج ‏لنا وعانقني بحرارة لا اعتقد ان علاقتنا كانت تسمح بها .. ثم دعانا الى الداخل ..‏
شقة ضيقة حارة .. إن عش الحب يبدو غريبا بعض الشيء هذه الايام .. وأدركت ‏ان هناك الكثير من البونبون اللزج الذي يلتصق بأسنانك فتعجز عن فتح فمك .. ‏ومياه غازية ساخنة .. و .. و ..‏
لم يخيب الرجل ظني .. كل شيء كان كما توقعته وألعن ، ثم ظهرت سيدة الدار ‏لترحب بنا .. إنها ( فاتن ) التي فتنت ( ممدوح ) منذ كان طفلا .. لم تتحول الى فيل ‏آدمي مثل ( إلهام ) .. اعتقد أنها ما زالت تحتفظ ببعض الجمال ، لكنها مسيطرة ‏بشكل كاسح .. قليل من الرجال بمكن ان يتزوج ( الفوهرر ) ذاته لكن ( ممدوح ) ‏فعل .. وطبعا كانت تلبس الأسود لكن لفظة ( موت ) لم ترد في المحادثة ..‏
ـ" يؤسفني ان أبي اصر على أن يتعبك .."‏
ـ" نعم .."‏
قلتها بلباقتي المعهودة .. وهنا قال الزوج وهو يأخذ ( عماد ) إلى الداخل :
ـ" سوف آخذ ( عماد ) معي لتتمكن هيمن الكلام بحرية .. خذ راحتك .. إنها آختك ‏‏.."‏
أختي ؟ لو كانت هذه أختي لكن في القبر منذ سنوات .. لكني كنت أمارس دور ( ‏جعلوه فانجعل ) الشهير ، او كأنني الكاهن ( سطيح بن ربيعة ) الذي حكت عنه ‏أساطير العرب .. لم يكن في جسمه عظام فكانوا يطوونه كما الثوب ، ويحملونه من ‏موضع لآخر .. ليست هذه أسطورة إلى هذا الحد ..‏
قلت لها :‏
ـ" بخصوص الإسهال الذي يحدث بعد التهام الجوافة ، لكنه لا يحدث بعد التهام ‏التين الشوكي .. كنت أقول .."
ـ " عفوا .. عم تتكلم ؟ "‏
ـ " لاشيء .. نوع من الكلام مع نفسي .."‏
جلست واضعة ساقا على ساق وقالت شاردة :‏
ـ" ليست شكواي طبية .. الموضوع يا دكتور ( رفعت ) أنك تفهم هذه الأمور .."‏
ـ" اية أمور ؟"‏
ـ" تلك الامور . . الأشياء التي تتحرك وما إلى هذا .. ( عماد ) و ( عبير ) يحكيان ‏عنك .."‏
آه ه .. فهمت .. لم أكن صائد الأساطير المعروف وقتها لكن بعض الناس سمعوا ‏عني .. ولا بد أنها سمعت ثرثرة ( عماد ) و ( مدحت ) بصددي ..‏
قالت دون ان تنظر لي :‏
ـ" القصة التي لا تعرفها يا دكتور هي ان ( عاطف ) رحمه الله كان يملك موهبة .. ‏هل تذكر النار التي طارت من شمعة لأخرى يوم عيد ميلاده ؟"‏
ـ" يصعب نسيان هذا .. والضوء الذي فتح من تلقاء نفسه .."‏
ـ" كان هو المسئول عن هذا ..ولكن لا بد أن احكي لك كل شيء .."‏
‏*** ‏
هكذا حكت لي القصة كلها .. انت سمعتها لهذا لن أعيد سردها عليك .. أرجو فقط ‏ان تمنحني بعض الوقت لأعرف ما تعرفه أنت .. هذه مشكلة دائمة.. الساعة ‏الخامسة انت لا تعرف القصة .. الساعة الخامسة والربع انت تعرفها ولا تطيق ان ‏يسمعها احد أمامك لانها صارت مملة !‏
في النهاية قالت :‏
ـ" ما رأيك ؟"
قلت لها :‏
ـ" اعتقد انك تعرفين رأيي .. هذه موهبة ( تليكينيزيس ) لا شك فيها .. إلا ان ‏البائس عاش ومات دون ان يعرف انها كانت عنده .. كانت تحاول الخروج ‏باستمرار .. الأشياء التي كانت تتحرك في الغرفة أثناء نومه مع صوت الدق ‏rappings‏ .. هذا نوع من التحريك عن بعد يم من دون إرادتنا .. ويعتقد الناس ‏دما أنه من فعل أشباح ( بولترجايشت ) .. لكني أرجح أنها موهبته وقد أعلنت عن ‏نفسها .. لكنك حرصت على خنقها .."‏
قالت وهي تنقل ساقا بدل الأولى :‏
ـ" لقد بذلت كل جهدي كي أمنعه من إعلانها .. كان تتحدث بشكل غير إرادي وبلا ‏ترتيب سابق منه .. بعد قصة العلب تلك تكرر الأمر مرتين فكنت أقنعه أنها مصادفة ‏‏..في البداية كان هذا بدافع الغيرة ثم كبرت فصرت أمنعه حتى لا يصير شاذا وسط ‏الناس .. وفي كل مرة أجد له تفسير علميا .. أي تفسير ما عدا أنه يملك أية موهبة ‏‏.. لقد خنقها خنقا وجعلته يشعر بان من السخف أن يجرب .." ‏
هذا طبيعي .. لا بد لهذه السيدة من رجل تقهره قهرا .. سواء كان أخاها أو زوجها ‏أو ابنها.. او انا لو طال الأمر .. ‏
قلت لها : ‏
ـ" حسن .. لكن ـ اسمحي لي بهذا ـ المشكلة انتهت الآن .. لماذا تتذكرين هذا ؟"‏
أخذت شهيقا عميقا .. هي من الناس الذين ينظرون للسقف وتبيض عيونهم حتى ‏يتنهدون ، وقالت : ‏
ـ" منذ توفي وكل شيء يهتز من حولي .. كل شيء يتحرك .. أعتقد أنه قد عرف ‏الحقيقة .. إنه يريد الانتقام مني .."‏
ـ" هل تتحدثين عن أن شبح أخيك يطاردك ؟"‏
قالت في صخر :‏
ـ" سمه شبحا .. جنيا .. قوى خفية .. عفريتا ازرق .. المهم أنه يطاردني وأنني في ‏طريقي‏

^RAYAHEEN^ 20-12-05 11:01 PM



‏5‏


قالت لي وهي تضع صينية عليها قدح قهوة :‏
ـ" لقد خرج ( ممدوح ) و ( عماد ) لشراء سجائر لكنهما عائدان حالا .."‏
لكنهما سيتأخران .. كنت أعرف أنهما سيتأخران .. الزوج يريد الفرار بعض الوقت ‏من هذا الهراء ..‏
في هذه اللحظة تحرك الكوب على حافة المنضدة ..‏
تحرك حركة ملليمترية .. يمكن لطريقة التصوير المسماة ‏Time Lapse ‎‏ ان ‏تلتقط حركات كهذه .. كلتي رايته او رأتها هي كذلك فأشارت بلا كلام ..‏
بعد دقيقة صمت بدا واضحا ان الكوب صار عند طرف المنضدة .. مدت يدها ‏وأعادته الى مكانها ..‏
قالت وعيناها متسعتان :‏
ـ" هل ترى ؟ هذه رسالة من العالم الآخر .. امس تحرك مقعد الزينة .. منذ اسبوع ‏اغلق باب الحمام .. كل شيء أعرفه يتحرك .. وقد بدأ هذا بعد وفاته .."‏
كان الأمر محيرا .. حقا لا اعرف كيف اتصرف ولا بماذا انصحها ..‏
ـ" ماما ! اللعبة فوق خزانة الثياب !"‏
استدرت لأرى مصدر هذا الصوت .. ما دام صوت طفل فهو طفل ، وما دام يناديها ( ‏ماما ) فهو ابنها .. إن استنتاجاتي عبقرية كما ترى ..‏
قالت له في حزم :‏
ـ" تعال يا ( منصور ) سلم على عمك .."‏
‏( منصور )؟ اسم غريب لطفل .. ثم فطنت الى الامر فاستدرت اسألها :
ـ هذا اسم ابيك .."‏
هزت رأسها في فخر .. مع امرأة مسيطرة كهذه لا بد ان يحمل الطفل الأول اسم ‏ابيها لا سم ابي زوجها ، حتى إن كان الاسم كبيرا ، يخيل الى ان ارى ( منصور ) ‏قابلته لم يكن طفلا في صغره ..‏
كان الصبي جميلا نظيفا وإن بدا بعض القمع في عينيه .. عينيه اللتين فيهما ذكاء ‏لا شك فيه ..‏
صافحني في شجاعة وبساطة فسألته ملاطفا :‏
ـ" من وضع اللعبة فوق خزانتك ؟"‏
ابتسم بمعنى انه لا يعرف ..‏
فقالت لي ( فاتن ) في عصبية : ‏
ـ" هذه الحوادث صارت معتادة .. اشياء ناقصة تجدها في آخر موضع يخطر لك .. ‏إن ( منصور ) مولع بالمقالب لكنه لا يقدر على وضع لعبة هناك .."‏
انعقدت صداقة سريعة بيني وبين الطفل ، وهو شيء عجيب .. بل إنه جذبني من ‏يدي ليريني حجرته فنهضت معه بينما بخار الغيظ الأسود يخرج من امه .. القيت ‏على الغرفة الصغيرة نظرة سريعة مجاملة ثم عدت لمكاني الذي ينبغي لي في ‏الصالون ..‏
احتضنت الطفل في حرارة .. وقلت لها :‏
ـ" سأخرج معه بعض الوقت .. سأبتاع له شيئا من الشارع .."‏
بدا عليها الشك .. لا يبدو أنني من الطراز اللطيف مع الأطفال وهي حقيقة .. أنت ‏تعرف تلك العداوة المزمنة بيني وبينهم .. لكني كنت بحاجة إلى الانفراد بالطفل ‏بعض الوقت .. ‏
قالت في جفاء :‏
‏" ليكن .. لا تضايق عمو يا ( منصور ).."‏
وهي عبارة تسهل ترجمتها الى : لو حدث لإبني خدش لانتزعت عينيك من ‏محجريهما !‏
هكذا أخذت الصبي اللطيف وغادرنا البيت ..
‏*** ‏
محملا بالشيكولاته والبسكويت في عصر ما قبل اختراع تلك الأكياس المليئة بأشياء ‏مخيفة والتي يحملها كل الأطفال طيلة الوقت ، هرع ( منصور ) ليري أمه ما ابتعته ‏له ..‏
قلت لها باسما متظاهرا باللطف :‏
ـ" إنه نفس البقال العجوز الذي زيرا كبيرا جوار المحل ..ماذا كان اسمه ؟"
ـ" ( حسبو ).."‏
ـ" كل البقالين اسمهم ( حسبو ) على ما أظن .. لم اعرف انه ما زال حيا .. لقد كنا ‏نبتاع منه ( العسلية ) أثناء عودتنا من المدرسة .. لا تتصوري كم سررت لرؤيته ‏‏.."‏
انصرف ( منصور ) بكنزه الصغير بعدما تبادل معي نظرة ذات معنى .. فغمزت له ‏بعيني ..‏
قلت لها :‏
ـ" كنت أقول لك إن موضوع عودة الشبح هذه لا يروق لي .. ما النفع الذي يجنيه ‏من العودة ؟"‏
ـ" يريد ان يصيبني بالجنون .. وهو ما صرت على استعداد تام لفهمه .."‏
فجأة دوت الصرخة المذعورة ..
مامااااااااااااااااه !!‏
هرعت وهرعت وراءها الى مصدر الصوت ..‏
كنت أعرف انه الصبي .. وكنت أعرف ان هذه حجرته لأنني رأيتها منذ دقائق ..‏
وعلى باب الحجرة رأينا المشهد المخيف ..‏
كان الصبي يقف على الفراش وهو يمسك بقابس كهربائي يضعه في الثقب .. يبدو ‏أنه كان يريد إضاءة مصباح هناك لكن من الواضح ان الأمور ليست على ما يرام ‏لانه يصرخ وينتفض وعليناه تنظران للسقف .. لكنه برغم هذا لا يتخلى عن القابس ‏‏..‏
صحت في هلع :‏
ـ" صدمة كهربية ! لا بد ان السلك عار !"
ركضت في حركة غريزية لتنتزعه من مكانه لكني جذبتها للوراء بعنف وصحت :‏
ـ" لا تلمسيه وإلا اصابتك الصدمة معه .. اريد ملاءة او عصا خشبية كي .."‏
حاولت التملص مني لكني منعتها .. في هذه اللحظات يتوقف تفكيرك تماما .. أين ‏تجد عصا خشبية هنا ؟ هناك ملاءة على الفراش لكن الذعر يمنعك من أن تراها ..‏
ـ إتركني ! إنه سيـــ .."‏
ـ" لا !"‏
وهنا رأيت المشهد الذي انتظرته ..‏
لقد طار القابس من يد الصبي ثم هوى على الأرض ..‏
وانتزعت معصمها من قبضتي ووثبت الى الفراش ..‏
وفي اللحظة التالية كان الصبي بين ذراعي امه التي راحت تبكي وتلثمه ..‏
ـ " هل .. انت بخير ؟ لم لا تفحصه يا دكتور ؟"‏
هنا فوجئت المرأة بان الصبي يضحك .. يضحك وأشار لي وهتف :‏
ـ" لقد صدقت الخدعة يا عمو ( رفعت ) ! ما رأيك في تمثيلي ؟!"‏
‏*** ‏
قبل ان يفتك الخف البلاستيكي الاحمر بالصبي ثم يأتي دوري طلبت منها ان تمهلني ‏خمس دقائق أشرح فيها كل شيء .. هكذا كان ( الحجاج بن يوسف الثقفي ) ‏يصغي لضحاياه قبل أن يقطع رقابهم ..‏
ـ" القصة تقول إن أخاك كان يركب عوامة وإن الموج جرفها فلم يستطع استعادتها ‏‏.. الا تبدو هذه طريقة غريبة نوعا لموت شخص يملك قدرة التحريك عن بعد ؟"‏
قالت وهي تلقي بالخف على الارض لتدس رجلها فيه :‏
ـ" بلى .. غريب .. كان بوسعه ان يجذب العوامة له .. لكن ما دخل هذا بــ ؟
قلت وانا اتنفس الصعداء :‏
ـ" كل حوادث التحريك عن بعد التي رأيتها مع أخيك تتضمن عاملا مشتركا واحدا : ‏انت ! هذا طبيعي لانك تحكينها .. لكن احدا سواك لم يحك عن اخيك قصصا مماثلة ‏‏.."‏
ـ" لقد حرصت على إقناعه بأن يلتزم الصمت .."‏
ـ" هنا خطر ببالي ان اعقد امتحانا صغيرا لك .. لقد رأيت ذلك القابس في غرفة ‏‏(منصور ) .. خرجت معه وقلت له إننا سنعد مقلبا صغيرا لأه .. سنقنعها بأنه تلقى ‏صدمة كهربية .. وقد راق له هذا لأن الأطفال يحبون إثارة فزع الكبار .. هذا ‏معروف .. شرحت له ما سيفعله وكيف يمثل دوره .. وحين عدنا للدار لم يكن ( ‏ممدوح ) و ( عماد ) هنا لحسن الحظ .. هكذا صار الأمر على عاتقك .. ان تنزعي ‏القابس من يده دون أن تلمسيه وهذا امر يبدو مستحيلا .. لكنه حدث .."‏
ونظرت الى الصبي الذي وقف شاحب الوجه يرتجف .. إن عقاب أمه قادم ولا ريب ‏بعد هذه المحادثة المتحضرة ..وسألته :‏
ـ" هل ألقيت بالقابس من يدك يا ( منصور )؟"‏
قال في حيرة :‏
ـ" لا يا عمو .. كأن هناك من انتزعه من يدي !"‏
قلت لها وهي تنظر لي في ترقب :‏
ـ" الأمر واضح .. بالفعل كان هناك في أسرتك من يملك قوة التحريك عن بعد .. ‏لكنه لم يكن ( عاطف ) .. كان أنت ! المشكلة أنك لم تعرفي هذا قط .. فوق السطح ‏قمت بتحريك العلبة دون أن تعرفي أنه ان .. في عيد الميلاد كنت تراقبين إطفاء ‏الشموع من وراء الستار مع بقية النساء ثم لا شعوريا حركت اللهب . كنت تمضين ‏الليل ساهرة خائفة من المقاعد التي تتحرك غير عالمة أنك من يفعل هذا .. واليوم ‏قررت عقاب نفسك فراحت موهبتك تعلن عن نفسها بشكل مروع .. هكذا قررت انا ‏وقد شككت في الامر كله ان اضعك امام الاختبار الأقصى .. لو لم تتحرك موهبتك ‏فابنك ميت لا محالة .. وحدث ما توقعته .. لقد انتزعت القابس من يد ابنك بالقوى ‏العقلية وحدها ولا شيء سواها .."‏
هتفت وهي تمسد على شعرها :‏
ـ" ولماذا لا يكون خاله هو الذي أنقذه؟"‏
ـ" لم نسمع عن أشباح تنق الأحياء من قبل .. وهو لم يستطع إنقاذ نفسه لحظة ‏الموت فكيف ينقذ سواه ؟ ثم لماذا ينقذه إذا كان غرضه هو الانتقام ؟ إن القصة ‏واضحة تماما .. واعتقد ان الظواهر المحيطة بك ستهدأ قليلا أو تزول ، بعدما ‏عرفت أنك لم تسلبي ( عاطف ) حقا كان له .. ( عاطف ) كان شخصا عاديا تماما .. ‏أما انت فعليك ان تتعلمي الحياة مع هذه الموهبة التي اعتقد انها نعمة .."‏
ـ" وماذا كنت ستفعل لو خاب ظنك ولم يحدث شيء؟"‏
ـ" لا اعرف .. كان موقفي سيبدو غاية في السوء ولربما انشقت الأرض وابتلعتني ‏‏.. لكنك بالتأكيد تفضلين هذا على ان يهلك ابنك بصدمة كهربية حقيقية .."‏
قالت وهي تجمع الأكواب في صينية : ‏
ـ" هل اطلب منك خدمة ؟"‏
ـ" نعم .."‏
ـ" لا تخبر ( ممدوح ) بحرف من هذا .. لا اريد ان ينظر لي باعتباري طفرة او ‏ظاهرة خوارقية !"‏
استرخيت في المقعد وقلت في تحد :‏
ـ" أعدك لو وعدتني بألا تعاقبي هذا الصبي الذي بسببي !"‏
‏*** ‏
الشوارع حواديت ..‏
حوادية الحب فيها ..‏
وحوادية عفاريت ..‏
‏( واسمعي يا حلوة لما أضحكك ) ..‏
كانت هذه هي القصة الثالثة لي مع المحركين .. كما رأينا هنا امرأة في العقد الثالث ‏من العمر ولا تعرف أنها تملك موهبة التحريك عن بعد .. هذه القصة تحدث كثيرا ‏جدا بالمناسبة ..‏
هذا وجه آخر من الظاهرة .. الظاهرة التي يقال إنها عندنا جميعا لكننا لا نعرف .. ‏بعضنا اقدر من سواه على استخراجها .. لكني متأكد من شيء واحد : لو كان هناك ‏شخص في العالم لا يملكها فهو انا ..‏

Ala_Daboubi 21-12-05 08:57 AM

yeslamoooooooooooooo

^RAYAHEEN^ 21-12-05 09:01 AM

بس شو رايك انا كيف حزرت انو هيي الي ابتملك هالموهبة من بداية القصة
لما وقعت العلبة على السطح
انا قلت ـ ليش ما تكون هيي الي ابتملك هالموهبة خخخخخخخخخخخخخخخخ
بجد مرات بحس اني خسارة بهالدنيا هههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 22-12-05 12:44 AM



الوجه الرابع ‏
لك يا سيدتي !‏


حلقة جديدة من برنامج ( لك يا سيدتي ) أقدمه أنا ( رفعت إسماعيل ) الذي لا يتمتع ‏بجمال الطلعة ولا الصوت الساحر ولا اللباقة .. لا يتمتع بشيء في الواقع لكن دعينا ‏نتناس هذا كي تستمر الحياة ..‏
اليوم نقدم لك يا سيدتي طريقتنا المثالية لتتعلمي تحريك الأشياء عن بعد .. كما قلنا ‏فإن التحريك عن بعد جزء مهم من ( التحريك النفسي ) الذي يتضمن عدة اقسام ‏منها الطفو والتواجد في مكانين والتجسد والعلاج الروحي ..‏
طريقة سهلة هي ويمكن أن تجربيها في البيت ، لكننا لا ننصح بأن تعلميها للأطفال ‏لأنهم كائنات غير مسئولة .. لا أحب ان ارى ما سيحدث لو جرب الصبي أن يرفع ‏السكين ليغمدها في صدر أخته على سبيل اللهو ، أو ان يبعثر مجوهراتك ـ لو كنت ‏ممن يملكن هذه الأشياء ـ من الشرفة ..‏
والآن أرجو ان تكتبي المقادير التي نحتاج إليها ..‏
‏1-‏ حبل .‏
‏2-‏ كوب .. أي كوب يصلح لكن ليكن غير قابل للكسر .‏
‏3-‏ حلقة خشبية .‏
‏4-‏ مقعد .‏
‏5-‏ قطعة حجر .‏
‏6-‏ شمعة .‏
‏7-‏ بوصلة .‏
‏*** ‏
لنفترض لمجرد الفرض أنك يا سيدتي معلمة أمريكية تدعى ( إيما ثورنوايلد ) ، ‏وأنك تعيشين في ولاية ( اوهايو ) .. لنفترض أنك حسناء في الثلاثين من العمر ‏وأنك على وشك الزواج من ذلك المحاسب الوسيم الذي يدعى ( آلان ريكمان ) ‏‏...‏
الحياة باسمة .. كل شيء جميل .. إنهم يحبونك هنا ربما باستثناء الطلبة .. ‏هناك طالبان يحبانك جدا لكن هذا لأنك جميلة وليس لأن ما تشرحينه جميل .. ‏من قصص حب المراهقة الشهيرة لك الحب الحتمي نحو المدرسة أو المدرس ، ‏وهو حب صحي لو أمكن استغلاله كطاقة بناءة تزيد التحصيل ..‏
لنفترض أن عندك سيارة صغيرة .. ولنفترض أنك تذهبي للتسوق في المدينة ‏المجاورة .. لنفترض أنك لا تجيدين القيادة جدا ..‏
الطريق خال تماما .. هكذا طرق من الريفية حيث يمضي المرء ساعة قبل أن ‏يواجه كائنا بشريا ..‏
صوت موسيقا الروك ينبعث من جهاز الراديو .. انت تحبين القيادة على موسيقا ‏الروك .. إن هذا يضفي لمعالم الطريق تأثيرا سينمائيا كانها تترات فيلم مثير ..‏
ثم قال الرجل في مؤخرة القاعة : فليهجم الجميع ..‏
وانقلب المكان الى قاعة رقص محمومة ..‏
منحنى ومنحنى آخر ..‏
الحياة باسمة يا ( إيما ) .. زواج وأطفال .. بيت مشمس وكلب أشعث .. ‏باختصار كل ما يمثل حياة رائعة لشخص أمريكي ..‏
منحنى ومنحنى آخر ..‏
والفتاة في الركن قالت لي : اريد ان احذرك يا صبي ..‏
هذا المكان سيتحول الى قاعة رقص محمومة ..‏
الحياة باسمة .. تعرفين هذا .. تدركينه ..‏
وفجأة تم كل شيء بسرعة غادرة ..‏
السيارة في المواجهة .. البوق .. كلاكما كان مندفعا كالسهم ..‏
دست على الفرملة فتحولت السيارة إلى طبق طائر ، ودارت يدك بالمقود ‏تحاولين الابتعاد عن الهول القادم .. ثم لم يعد هناك شيء ..‏
كل شيء يجري بالسرعة البطيئة ..‏
انت تتدحرجين الى جانب الطريق ويبدو أن الباب قد انفتح .. لم يكن حزام ‏الأمان مربوطا .. من يريد حزام أمان والحياة باسمة أصلا ؟
منحدر .. الصبار يخمش وجهك كمخالب ألف قط.. لكن لا ألم هنالك ..‏
تتدحرجين .. تتدحرجين ..‏
قاعة رقص محمومة ..‏
قاعة رقص محمومة ..‏
وفي النهاية انت في اسفل المنحدر تتساءلين .. هل هذا هو الموت ؟
لم يكن صعبا .. لا يستحق كل ما كتب عنه في الأدب والشعر .. كنت تخافين ‏الامتحان النهائي في المدرسة الثانوية ، ثم فوجئت بأنه ابسط مما ظننت .. لم ‏يكن الامر يستأهل كل هذا الهلع .. من المبالغة ان تقول إنك شعرت بالخديعة ‏لكن هذا ما حدث فعلا .. كان يجب أن تتألمي .. كان يجب أن تعاني ..‏
في النهاية تفتحين عينك لتري السماء .. إنها ذات السماء التي كنت ترينها من ‏نافذة السيارة ..‏
أنا لم أمت ..‏
لكنك في وضع منبطح .. وجهك وسط الأعشاب ولا تستطيعين الحركة .. لا ‏تستطيعين عمل أي شيء .. رائحة العشب في ( مايو ) .. لكن هل هذا مايو فعلا ‏؟
ثم صوت ..‏
صوت خطوات يقترب ...‏
تسمعينها فوق العشب ..‏
الآن ترين حذاء برتقاليا يقف جوار رأسك لكنك لا تقدرين على الالتفات أو ‏إصدار صوت .. ثمة صوت لا تعرفينه ( او هكذا يجعلك الطنين في أذنيك ‏تحسبين ) يقول :‏
ـ" لقد ماتت !"‏
ـ" نعم .. يا للكارثة !"‏
الآخر فتاة على الأرجح ..‏
ـ" كانت مسرعة مثلنا .."‏
ـ" لكن الموتى على حق دائما .. سوف ندخل السجن .."‏
هنا ساد الصمت .. واضح أنهما يفكران ..‏
قال صوت الفتاة :‏
ـ" اسمع .. لم يرنا أحد والسيارة سليمة . فلنفر الآن قبل أن نندم لأننا لم نفعل ‏‏.."‏
ـ" لكن .. هل نتركها هكذا ؟"‏
ـ" لو لم يكن عندك مانع .. هذا وإلا السجن .."‏
ساد الصمت برهة .. ثم سمعت صوت الخطوات يبتعد ..‏
لا .. عودوا من فضلكما .. لا تتركاني هنا .. انا حية .. لن اشكوكما .. انا خائفة ‏‏.. انا واهنة .. عودا من فضلكما ..‏
ثم تسمعين صوت السيارة تبتعد ..‏
عندها تدفنين رأسك في العشب وتبكين ..‏
‏ الآن انت تعرفين ابعاد المشكلة يا سيدتي ..‏
لم انته بعد .. لنفترض الآن انك ظللت في هذا الوضع بضع ساعات ثم سمعت ‏من ينادي .. ورأيت الحذائين الرسميين لرجل الشرطة .. احدهم يمد يده إليك ‏فيقول الآخر :
ـ" دعها ! انتظر الإسعاف .. هذا كسر في العمود الفقري بالتأكيد !"‏
كسر عمود فقري ! من قال هذا ؟
كسر عمود فقري ! هذا لن يحدث لك بالذات ..‏
ثم تسمعين يا سيدتي عربة الإسعاف ، والرجال يهبطون المنحدر بصعوبة .. ‏المحفة .. يضعونك عليها بطريقة فنية مع وضع دعامة بلاستيكية للعنق .. ‏والسيارة تندفع عبر الطرقات بينما ممرضة تضع يدها على جبينك وتهمس :‏
ـ" تماسكي .. انت بخير .."‏
ثم المستشفى .. تغيبين عن الوعي ثم تعودين إليه .. فقط ترين شكل ضبابي أنك ‏ترقدين على سرير وأن جهاز الأشعة يهبط من أعلى نحوك .. حجرة جراحة ‏وقناع يثبت على وجهك .. غرفة معتمة الإضاءة ..‏
قلت لنفسك :‏
ـ" هذا هراء ..سوف أتحرك !"
لكن الخطوط مقطوعة تماما .. لا يوجد أي اتصال كهربي بأية عضلة من ‏عضلاتك .. تصدرين الأوامر بيدك .. لقدمك .. لكن لا استجابة ..‏
تقولين لنفسك يا سيدتي إن هذا كابوس وسوف يزول في الصباح ..‏
وجه أبيك الملتاع ووجه أمك المذعور .. ثم يصل ( آل ) العزيز ..‏
عيناه دامعتان .. ثم تغيب الرؤى .. أنت لم تعودي هنا ..‏
لنفترض كذلك يا سيدتي أن رجال الشرطة سألوك كثيرا عمن دهم سيارتك .. ‏انت لم تري شيئا .. لا تستطيعين تذكر شيء .. كان هناك فتى وفتاة .. رجل ‏وامرأة .. رجل وفتاة .. فتى وامرأة .. لكن لا معلومات أخرى من أي نوع ..‏
لنفترض على سبيل المثال يا سيدتي أنك عرفت في الأيام التالية الحقيقة : انت ‏مشلولة تماما تحت العنق .. هذا ما يطلقون عليه ( الشلل الرباعي ) لكن جهازك ‏التنفسي يعمل .. تتكلمين وتتنفسين وترين لكن فيما عدا هذا لا يوجد شيء ‏ممكن .. هكذا اخبرك الأطباء بطريقتهم الباردة ..‏
لنفترض أنك عرفت المقعد المتحرك .. لا تستطيعين تحريكه بإصبع واحد على ‏الأزرار .. لا بد في حياتك من الشخص الثاني .. تحتاجين إلى فترة طويلة حتى ‏تقبلي الحقيقة ..‏
كل ما كنت لم يعد هنالك .. كل ما سيكون لم يعد هنالك ..‏
سوف تبكين كثيرا يا صغيرة وانت وحدك .. سوف ترفضين الحياة وتمتنعين ‏عن الأكل طلبا للموت .. ويغذونك بأنبوب ( رايل ) الداخل من الأنف لفترة ، ثم ‏تغلبك غريزة الحياة فتأكلين ..‏
سوف تعيشين في دار أبيك .. اما ( آلان ) فلن يعود أبدا .. لقد زارك بعد الحادث ‏فقلت له في رفق وأنت على الفراش : ‏
ـ" انا احلك من أي وعد .. هيا اذهب وعش حياتك .."‏
يقول لك متظاهرا بالمرح :‏
ـ" لن تتخلصي مني بهذه البساطة .. انا لزج كذبابة .."‏
وكانت هذه آخر مرة ترينه فيها .. وكنت تتوقعين أي شيء إلا هذا ..‏
ثم ظهر ( مايك وارن ) .. كان مصرا على أن يتزوجك .. إنه مدرس في ذات ‏المدرسة ، وهو شاب مهذب حاول أن يتظاهر بالمرح هو الآخر ..‏
لكنك تعرفين يا سيدتي .. تعرفين أنه يتظاهر .. ثم إنك تقبلي عواطفه هذه .. ‏ربما هو كريم الشعور يحبك حقا .. لكن من أدارك ؟ ربما هو يشفق عليك .. لقد ‏قرأت رائعة ( زفايج ) الشهيرة ( حذار من الشفقة ) وتعرفين كيف يقرر الرجال ‏أن يصبحوا فرسانا ، ثم يندمون بعد هذا حين يعرفون الأبعاد الحقيقية ‏لتضحيتهم .. الاحتمال الثالث ـ وهو الأقسى ـ أنه يريد أن يشعر بالنبل أمام ذاته ‏‏.. وهون شعور طفولي سخيف ..‏
هكذا ترفضين بإصرار .. بإلحاح .. تقولين له إنك رأس امرأة لا اكثر ..‏
لكن الأحمق مصر كالذبابة فعلا ..‏
أمك تقول إن هذا هو السبيل الوحيد لتجد الراحة في قبرها .. تقولين لها إن أية ‏ممرضة يمكن ان تمنحها هذه الراحة .. ممرضة بأجر تعيش معك أكثر الوقت .. ‏لكن امك تقول بحنكة :‏
ـ" ممرضة تحبك .. هذا هو العسير في الأمر .."‏
هكذا يتم الزواج ..‏
كلا .. لم يكن ( مايك ) وغدا كما نتمنى أن يكون .. لقد كان زوجا مخلصا .. ‏تعسا ـ وهذا مفهوم ـ لكنه مخلص .. يعاونك في ماذا ؟ في كل شيء طبعا فأنت ‏لا تفعلين شيئا .. لقد صار لك بيت جميل له حديثة وحمام سباحة صغير وكلب ‏اشعث فماذا تريدين بعد هذا ؟
ثم تقررين ان تعودي الى التدريس ..‏
يقول لك مدير المدرسة إن هذا مستحيل لكنك تصممين على التنفيذ .. ما دام ‏لسانك يؤدي عمله فهذا كاف .. فقط تحتاجين إلى من يدفع المقعد ويكتب على ‏لوح الكتابة .. هذا سهل ..‏
هل فهمت الآن يا سيدتي الوضع بدقة ؟
‏*** ‏
دعينا الآن ندخل الصف معك .. ونرى كيف تلقين محاضرتك عن شعر ( كيتس ) ‏‏.. الطلبة يتابعون .. بعضهم تبدو عليه الشفقة والبعض مندهش والبعض ‏مستمتع بهذا ..‏
تقف ( سارة ) على لوحة الكتابة تدون ما تقولين .. بينما انت تواجهين الطلبة ‏‏.. هناك ( ميريام ) و ( اجنس ) و ( فيليب ) . و ( جيمي ) ..‏
تقولين للطلبة :‏
ـ" ما زلت بعد هذا الحادث محتفظة برأسي لم أفقده .. لهذا اتمنى ألا تنظروا ‏لمقعدي وانظروا لرأسي .."‏
نهضت فتاة مرتبكة ذات عوينات وقالت :‏
ـ " من فعل بك هذا يا مسز ( وارن ) ؟ قيل لنا إنه تركك تحتضرين على الأرض ‏‏.."‏
قتل باسمة متظاهرة بأن هذا السؤال لا يضايقك :‏
ـ" لا اذكر .. هناك بقعة ممحية من ذاكرتي ، لكني أستعيدها ببطء ولسوف ‏أتذكر وجهيهما قريبا جدا .. والآن دعونا نعد لموضوعنا .."‏
بعد انتهاء الدرس يحتشد الطلبة مغادرين القاعة ، وتدفعك ( سارة ) الى ‏الخارج .. هناك تقولين لها :‏
ـ" اريد كوبا من الماء .. إن حلقي جاف .."‏
‏( سارة ) كما تعلمين طالبة رقيقة مهذبة لامعة .. لهذا لم تفكري طويلا عندما ‏عرضت عليك ان تساعدك ، برغم ان هذا يقيد حريتها ولا يقدم لها جديدا ..‏
تتركك ( سارة ) وتتجه الى المبرد الموجود في الردهة لتملأ كوبا من الماء ..‏
الطلبة يتدافعون لأن مقعدك بالضبط عند قمة الدرج .. وهم يصدرون صخبا كأن ‏حياتهم تتوقف على ذلك .. وفجأة ...‏
ـ" ( سارة )!"‏
قلتها برعب مكتوب .. ثم :‏
ـ" ( ساااااااااارة )!"‏
لاك شعرت بالمقعد ينزلق ببطء ثم ينحدر فوق أولى درجات الدرج .. والآن ‏يواصل الانحدار ..‏
لا يمكن التمسك بشيء .. لو كانت يداك تطيعان لتمسكتا بالترابزين .. بيد أن ‏واحد من الفتية هناك .. لو كانت قدماها تستجيبان لحولتهما الى فرملة .. لكن لا ‏شيء من هذا .. قانون الجاذبية يعمل كما خلقه الله .. كل ما يترك ليهوى يسقط ‏للأسفل ..‏
لحظة من الهلع ثم توقف الانحدار لأنك شعرت بيد قوية تمسك بالمقعد وتمسك ‏بكتفك في الآن ذاته .. ثم رفعت راسك لتري ( جيمي ) بطل المدرسة في كرة ‏القدم .. كرة القدم التي تصرون على تسميتها كذلك برغم أنه لا دخل للقدم فيها ‏‏.. بالنسبة لنا نحن نعتبرها ( جربى ‏Rugby‏ ) أو أي شيء آخر .. لهذا ابطال ‏كرة القدم عندكم كالمصارعين عندنا ..‏
قال وهو يبتسم بثقة :‏
ـ" لا بد من ان احدهم دفعك من غير عمد يا مسز ( وارن ) .. إنهم خنازير ها ‏هنا .."‏
كنت انت تستجمعين أنفاسك .. كان الموت قريبا جدا .. السقوط من اعلى هذا ‏الدرج معناه الموت بالنسبة لإمرأة قعيدة .. لكن من يدري ؟ ربما كان هذا افضل ‏لك ..‏
وتأتي ( سارة ) خائفة مذعورة وكوب الماء في يدها ، وتصيح :‏
ـ" آسفة يا مسز ( وارن ) .. كان خطئي ان تركت المقعد في هذا الموضع ‏الخطير .."‏
تشربين الماء وتقولين إنه لا بأس ..‏
لكنك كنت تفكرين ..‏
ما حدث لك لم يكن انزلاقا .. لقد تم دفع المقعد مسافة لا بأس بها من الخلف .. ‏بعيدا عن مجال إبصارك .. أحدهم تعمد ان يدفع المقعد من فوق الدرج متظاهرا ‏بأنه احتك به .. لكن المسافة كانت أطول من ان تبرريها بالخطأ ..‏
احدهم يريد موتك فلماذا ؟
كانت الفكرة تجوب ذهنك في الآونة الأخيرة بشدة..‏
الأصوات التي سمعتها لحظة الحادث .. ربما كانت أصوات شابين مراهقين .. ‏وقد خطرت لك فكرة مجنونة هي أن هذين الشابين من طلبتك ..‏
الآن بم شعر هذان وماذا قالا حين عرفا أنك سليمة ، ولم تقضي نحبك ؟
لقد قدرا أنك عرفت من هما ، ولا بد أن خبر نجاتك كان أسوأ خبر سمعاه ..‏
ظلا ينتظران ان تتكلمي فلم يحدث .. إذن هناك ثلاثة احتمالات : إما إنك لم ‏تتعرفيهما .. وإما أنك عرفت من هما لكنك مصابة بفقدان ذاكرة مؤقت ( وهو ‏يشفى دائما ) .. وإما انك تعدين للانتقام بشكل مدروس صبور ..‏
لا بد أنهما قررا أن يتخذا الحل الأصوب .. لقد قتلاك مرة فلماذا لا يفعلان هذا ‏ثانية ؟
طبعا كانت هذه خواطرك الخاصة ، فلربما لم يحدث هذا قط .. لكن يقينا كان قد ‏تكونت لديك فكرة بأن ما حدث اليوم كان محاولة قتل ..‏
‏*** ‏
ـ" لا اذكر .. هناك بقعة ممحية من ذاكرتي ، لكني استعديها ببطء ولسوف ‏اتذكر وجهيهما قريبا جدا .. والآن دعونا نعد لموضوعنا .."‏
نصيحة : دققي فيما تقولين يا سيدتي ولا تستعملي الكلمات الخطأ .. لو كنت ‏قاتلا لقتلني الرعب ..‏
‏***‏
الآن دعينا نصل الى موضوع هذه الحلقة يا سيدتي .. لقد كانت لحظة سقوطك ‏هي اللحظة التي جعلتك تدركين قبح العجز ، وهكذا قررت انك لن تبقي ساكنة ‏دون أن تغيري واقعك .. كنت جالسة امام التلفزيون تشاهدين ذلك البرنامج ‏السخيف عن القدرات النفسية الخارقة ، وعرفت ان هناك قوما قادرين على ‏تغيير الأشياء بعقولهم ..‏
لنفترض أن مقدم الحلقة وهو من المهتمين بهذه الأمور يقول : ‏

ـ" كل منا قادر على ذلك .. هناك تحت طبقة المدنية الرقيقة يوجد ذلك النصر الذاتي ‏‏.. فقط لنخدش الصدأ فنجد ذلك المعدن البراق .."‏
تطلبين من زوجك ان يساعدك على خدش تلك الطبقة الصدئة فيوافق .. وهذا ‏يضايقك لأنه يوافق على كل ما تطلبين .. جزء مهم من إنسانيتنا ان تشعر بأننا ‏قابلون للمعارضة .. هذا يمنحنا شعورا بالنضج ..‏
لنفترض الآن ان زوجك ابتاع لك بعض الكتب ، وراح يقرؤها عليك وانت جالسة ‏على المقعد المتحرك .. " التحريك عن بعد .." ـ يقول زوجك وهو يقرأ ـ " هو ‏حشد موجات الطاقة النفسية بكثافة غير عادية الى درجة انها قادرة على إحداث ‏تغيير فيزيائي .. ومعنى هذا ان درجة غير عدية من التركيز مطلوبة هنا ، وهذا ‏يحتاج الى سنوات من المران .. لكن لا تقل من البداية : لا استطيع .."‏
ـ" الحيلة هنا .." ـ يقول زوجك ـ " هي الا ( تجعل ) الاشياء تتحرك .. بل ان ( ‏تدعها ) تتحرك .. لا تشك في الأمر لأن الشك جدار يقف بينك وبين التحريك عن ‏بعد .. يجب ان تتسلق الجدار لتعبر الجانب الآخر .."‏
والآن اقدم لك يا سيدتي هذه التمرينات السهلة .. يمكنك تجربتها بنفسك فوق ‏مقعدك المتحرك ولا تقلقي ما دام زوجك قريبا ..‏
اعرف انك لن تستطيعي توفير ظروف ( جانتسفلد ) أي الغرفة المعزولة عن ‏المرئيات وعن المؤثرات الصوتية الخارجية .. لكن بوسعك ان تطلبي عمل التجارب ‏في غرفة شبه مظلمة وأن يقف زوجك خلفك كي لا يشوش تركيزك ..‏
الطريقة (1) : تحريك اللهب :‏
سوف يحضر زوجك شمعة ويضعها امامك .. عليك ان تنظري لقاعدة اللهب حتى لا ‏تريه وإنما تدخلين حالة من التأمل والانصهار .. ومن فضلك يا سيدتي لا تنظري ‏للهب نفسه .. لا اريد ان تحترق شبكيتك .. فكري في اللهب كطرف خامس لك ‏يمكنك تحريكه كما تريدين .. راقبيه يستطيل وينكمش .. يهتز .. كرري هذا عشر ‏دقائق ..‏
الطريقة (2) : التصور :‏
الآن فكري يا سيدتي في الأشياء كما تريدين لها ان تكون .. احلمي بطائر في ‏الحديقة .. فلتريه بوضوح .. احلمي بان المذياع المعطل يعمل بكفاءة .. فإذا لم ‏يحدث ما رايته فاحلمي بان السبب هو ان الافضل واقع لا محالة ..‏
الطريقة (3) : بعد إجادة الطريقتين السابقتين :‏
الآن تخيلي يا سيدتي أنك تقبضين على كرة من الطاقة ، وأنك تدفعينها بعقلك لتدفع ‏بالونا على الأرض ..‏
الآن حان وقت التمرين الأهم :‏
ابدئي بشحن حواسك بالطاقة والتأمل .. خذي بضعة انفاس وتصوري انك تحتوين ‏الكون كله في صدرك .. فيضع زوجك امامك حجرا .. اغمضي عينيك وتصوري ان ‏طاقتك تمتزج بهذا الحجر .. حركي الحجر باستعمال عقلك فقط ولا شيء سواه .. ‏حركيه نحوك .. إلى اليمين .. للأمام .. للخلف .. ثم افتحي عينيك وكرري هذا وانت ‏ترين ما يحدث ..‏
جربي الامر نفسه في الوقت المناسب مع قدح ثم مع مقعد ..‏
الآن بعد فترة من التمرينات يمكن ان تجربي ثني الاجسام ..‏
تأملي نصف ساعة يا سيدتي . اجعلي زوجك يضع شوكة او ملعقة بين اناملك ‏المتراخية .. تنفسي بعمق .. فكري في شيء واحد صاف .. فكرة واحدة تجلب لك ‏عشرات الأفكار البهيجة .. تصوري ان ذرات الشوكة تختلط بذرات يدك .. تصوي ‏الشوكة تتحول الى سائل .. لو كنت تشعرين لشعرت بسخونة في الشوكة ..الآن ‏اثنيها ! اثنيها بعقلك فقط ..‏
هل نجحت ؟ جميل .. جميل ..‏
اختبار البوصلة :‏
مزية البوصلة هي ان إبرتها حرة الحركة تخضع لطاقة من القطبين فماذا عن طاقة ‏من عقلك ؟ ليضع زوجك البوصلة امامك .. اغمضي عينيك وفكري في ان تحركيها ‏‏.. لا تفكري في تحريكها بل اشعري به .. لا تستعملي بوصلة ثمينة لانها قد تتلف ‏بعد هذا كله ..‏
هكذا تجربين يا سيدتي ..‏
لسوف يدهشك كم وسرعة التقدم الذي تحرزينه .. ولسوف يقول زوجك إن هذا ‏غريب .. تقول الكتب إن حالات نادرة تصل لهذه الخبرات في أسبوعين ، بينما ‏يقضي آخرون اعواما دون ان يصلوا لشيء .. لكنك تعرفين السبب .. كل ذرة في ‏جسدك تريد أن تحقق هذا .. لو كانت لديك هذه الطاقة فقد حان وقت خروجها .. ‏الدولة التي يتم غزوها ولا تستعمل سلاحها السري هي دولة لا تملك هذا السلاح ..‏
زوجك لم يكن يؤمن بهذه الامور ، لكنه لا يجد ما يقال وهو يرى قرص الــ ‏PSI‏ ‏يدور بقوة عقلك .. يرى اللهب يهتز ويرى البوصلة تتحرك ..‏
لنفترض الآن يا سيدتي أنك في دارك وأنك تلاحظين الكثير من زيارات ( سارة ) لك ‏علاقتها بك هي المدرسة ، فلماذا تبدل هذا الاهتمام ؟
‏( سارة ) لطيفة ودود لكن الا ترين معي انها تلاحقك ؟ ربما اكثر من اللازم ؟
فعلا لا تترك لك فرصة للانفراد ..‏
اليوم تأتي لك وانت جالسة في غرفة الجلوس ، وتحييك ثم تسألك عن زوجك ..‏
تقولين :‏
ـ" لا اعرف .. اعتقد انه سيعود بعد برهة .."‏
لا تعرفين لماذا يبدو عليها هذا الحماس ..‏
بعد قليل تسمعين من ينادي .. هذا الصوت المألوف . .تخرج ( سارة ) قليلا ثم تعود ‏ببطل كرة القدم ( جيمي ) الذي انقذ عنقك من التهشم على الدرج .. ذلك العملاق ‏الأخضر الذي توشك عضلاته على تفجير قميصه ، والذي يمشي مباعدا ذراعيه ‏عن خصره لانك لا يستطيع الصاقهما به ..‏
غريب هذا إنه لم يحاول ان يزورك من قبل قط .. هذا ليس ناديا يا شباب ..‏
يقول ( جيمي ) في تهذيب وهو يتأمل الغرفة :‏
ـ " أرجو ان تكوني بخير يا مسز ( وارن ) .. كنت مارا بالدار ورأيت ان اطمئن .."‏
ـ" انا بخير يا ( جيمي ) .. وإن كنت افضل ان .."‏
هنا تصيح ( سارة ) في حماس وهي تدفع مقعدك :
ـ" لنجلس جميعا بجوار حمام السباحة .. سوف تنفضين الكسل عن عظامك "
وقبل ان تتكلمي يكون الفتى والفتاة قد دفعا المقعد المتحرك الى الحديقة التي ‏يتوسطها حمام السباحة الصغير ..‏
الآن انت تفكرين في عمق .. ما سر كل هذا الحماس ؟
فكري يا سيدتي .. انصحك ان تفكري ..‏
حينما سقطت من على الدرج او كدت كانت ( سارة) خلفك تجلب الماء .. لم تريها ‏جيدا .. من دفعك من الخلف وسط الزحام ؟ ( جيمي ) انقذك .. فلماذا ؟ لأنه من ‏الخطأ ان يتم هذا هنا وبين كل هؤلاء ..‏
فكري يا سيدتي .. انصحك ان تفكري ..‏
تنظرين لأسف فتلاحظين ان ( جيمي ) يلبس حذاء برتقاليا ..‏
بعد حادث السيارة .. الفتاة كانت أميل لشر بينما الفتى كان مترددا .. نفس ما حدث ‏عندما كدت تسقطين .. الفتاة دفعتك والفتى أنقذك ..‏
فكري يا سيدتي .. انصحك أن تفكري ..‏
هل هذا بارانويا ؟
لماذا عرضت عليك ( سارة ) المساعدة ؟؟؟
فكري يا سيدتي . .انصحك ان تفكري ..‏
لماذا تدفع ( سارة ) المقعد بهذا القرب نحو حمام السباحة ؟ انت على الحافة فعلا .. ‏مشلولة قعيدة وعلى الحافة .. دفعة اخرى وينتهي كل شء ..‏
ولكن كيف تنوي ان تفسر ما سيحدث ؟ انت غير قادرة على دفع المقعد .. الكل ‏يعرف هذا .. لكن .. لم لا ؟ المقعد كهربي وربما يحدث له خلل ما .. ترينها تبكي ‏امام رجال الشرطة .. لقد ذهبت لاحضر لها كوب ماء .. ثم عدت لأجد المقعد وسط ‏حمام السباحة لا اعرف كيف .. هذه المقاعد غير مأمونة على الإطلاق .. نزلت في ‏الماء لكني وجدت انها انتهت تماما ..‏
ثم نتفجر في البكاء فيرق قلب الضابط ويربت على كتفها ...‏
الحذاء البرتقالي .. ( سارة ) و ( جيمي ) كانا في السيارة إذن .. هما تركاك حيث ‏انت ورحلا .. الحذاء البرتقالي .. ولما عدت للحياة صارت حياتهما سوداء كالحة .. ‏الحذاء البرتقالي .. إنهما متأكدان من أنك لم تميزيهما ، لكن من الوارد ان تتذكري ‏في أية لحظة ..‏
فكري يا سيدتي .. انصحك ان تفكري ..‏
‏( جيمي ) بجوارك والحافة قريبة ..‏
ماء رقراق بارد ينتظر ضحيته ..‏
تغمضين عينك .. تأخذين شهيقا عميقا .. هذا لن يحدث لي ..‏
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..‏
المقعد يتحرك ببطء .. حركة بسيطة لم يلحظها ( جيمي ) وفجأة استجمعت إرادتك ‏‏.. تحرك المقعد لليسار .. ثم اندفع بعنف ليوقع الفتى أرضا وهو لا يفهم .. ثم المقعد ‏ينقض عليه من الخلف ليوقعه في حمام السباحة .‏
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..‏
يجب ان تتماسكي ..يجب الا يسقط المقعد بدوره ..‏
‏( جيمي ) يرفع رأسه .. لا .. لن يحدث هذا .. تغمضين عينيك وترين رأسه تحت ‏الماء .. لا تجعلي رأسه تحت الماء بل دعيه يبق تحت الماء .. هذا ممكن .. يصرخ ‏ويبصق الماء ويتملص .. لكن قبضتك الخفية تعيده الى هناك .. إنه بحاجة إلى ‏الهواء .. اريد الهواء !‏
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..‏
الفتى يلهث يحاول رفع راسه وانت تتمسكين بالمقعد على الحافة بقوة عقلك .. ‏يرفع راسه .. تنزلينها تحت الماء .. يرفع رأسه .. تنزلينها تحت الماء .. يرفع ‏رأسه .. تنزلينها تحت الماء .. ذق ايها الوغد !‏
الفتاة تصرخ وتبتعد مولولة ..‏
حركة الفتى تهمد ثم تتوقف .. الآن ترين انه يرقد في الماء بلا حراك ، وقد انتثر ‏شعره سابحا فوق المياه .. جثة عديمة النفع .. لقد انتهى ..‏
هنا فقط بدأ مقعدك ينزلق الى حمام السباحة ..‏
لن يحدث هذا .. ان بوسعك ان ترفعي جسدك .. لم تجربي هذا قط يا سيدتي لكن ‏متى تتوقعين ان تجربيه ؟ ركزي ارادتك .. انت ترين نفسك سابحة فوق مستوى ‏الماء بينما المقعد ينزلق الى الاعماق .. ترين هذا وهذا ما سوف يكو ن..‏
ركزي يا سيدتي .. انصحك ان تركزي ..‏
جسمك جسم لا يختلف عن اية ملعقة قمت بتحريكها من قبل .. سوف تنجحين ..‏
يا له من شعور ! مغمضة العينين تدركين انك ترتفعين عن الارض بضعة ‏سنتيمترات ، وانك تنزلقين فوق وسادة من اللحم ..‏
لقد فعلتها ..‏
يجب ان تجدي الفتاة .. لا بد من ان تجدي الفتاة ..‏
انت تسبحين بعيدا عن الحوض .. تسبحين فوق الحديقة .. تستديرين حول مدخل ‏الدار .. انت تدخلين من الباب .. لا ترين هذا لانك مغمضة العينين لكنك تدريكن انك ‏فعلتها ..‏
كما ترين يا سيدتي .. برنامجنا ناجح تماما وهذا يسرنا ..‏
اخيرا تنهار قواك فتتركين جسدك يهبط .. تفتحين عينيك لتجدي انك على مدخل ‏قاعة الجلوس .. من جديد صار جسدك لا يختلف في شيء عن ثيابك ..‏
من داخل الغرفة سوف تسمعين صوت زوجك .. لقد عاد من الخارج ! حمدا لله ! ‏ولسوف يسرك هذا لانه سيعيدك الى المقعد ويتولى امر الجثة الطافية في حمام ‏السباحة ..‏
لكن صبرا .. هناك من يتكلم معه ..‏
هذا صوت ( سارة ) تقول :‏
ـ " انت جننت حين علمتها التحريك عن بعد .. لقد رأيت ما فعلته الآن : لقد قتلته ‏الآن .. قتلته امام عيني .."‏
يقول لها زوجك يا سيدتي :‏
ـ " لا اعتقد انها تملك هذه الدرجة من البراعة .. كانت بحاجة الى هذه التدريبات ‏النفسية وكان علي أن اقدم لها ما تريد .. لا تنسي انني تزوجتها خصيصا كي اريح ‏ضميري .."‏
سوف تقول ( سارة ) :
ـ" إسمع يا ( مايك ) .. برغم انك مدرس وانا طالبة ، كانت بيننا قصة حب عميقة ، ‏لكنك تخليت عني بسبب هذا الحادث الاحمق .. تزوجتها لتكفر عن ذنبك وهذا يدل ‏على شخصية ضعيفة بحق .. لكن الامور صارت خطيرة الآن .. لقد هلك ذلك الفتى ‏الذي لا ذنب له والذي جاء لمساعدتها .. ولسوف تكتشف هي قريبا جدا ان سائق ‏السيارة التي سببت عاهتها كان زوجها العزيز ( مايك وارن ) وان الفتاة التي كانت ‏معه هي انا .. لقد حاولت ان ادفعها من فوق الدرج في المدرسة لكن ذلك الأحمق ( ‏جيمي ) انقذها بأعجوبة .. لكنه لن ينقذها هذه المرة .. لقد مات غرقا بيدها !"‏
ثم تتدارك وتقول مصححة :‏
ـ" بل مات غرقا بعقلها .. وأنت متأكدة مما أقول !!"‏
كانت هذه هي القصة الرابعة لي مع المحركين .. هنا امراة قررت ان تخدش ذاتها ‏لتجد معدن ( الحريك عن بعد ) البراق تحت صدأ الحياة اليومية ، وكان ما دفعها ‏لذلك حافزا قويا هو انها لا تريد ان تبقى عاجزة .. إلا انها ادركت في النهاية ان ‏التحريك عن بعد لا يعطي بالضرورة لمكة الاستبصار او قراءة الافكار ، ولربما ‏تحاول تعلم هذا فيما بعد لو ظلت حية !‏
نهاية القصة مفتوحة طبعا متروكة لخيالك ، وانا احب النهايات المفتوحة لأنها اكثر ‏بلاغة .. وهذا يتسق مع حياتنا ذاتها حيث لا يجاب على كل الاسئلة ..‏
الآن الوجه الخامس والأخير من قصص المحركين التي عرفتها او تعاملت معها .. ‏هذه قصة عن لص وجد انه يملك هذه القدرة .. هذا شيء مفزع ..‏
تعالوا نطالع القصة لنفهم أكثر ...‏

Ala_Daboubi 22-12-05 10:07 AM

jameeel yeslamoooooo

^RAYAHEEN^ 22-12-05 10:34 AM

ولكموووووووووووو
:m11:

dido 24-12-05 06:19 AM

`شكرا
 
`شكرا على هذا المجهود الرائع فعلا
و فعلا لا تكفى الكلمات امام هذا التعب .
.........و اخيرا و ليس اخرا ..
......تسلم الايادى.....................
ونتمنى المزيد

dido 24-12-05 06:25 AM

`شكرا على هذا المجهود الرائع فعلا
و فعلا لا تكفى الكلمات امام هذا التعب .
.........و اخيرا و ليس اخرا ..
......تسلم الايادى.....................
ونتمنى المزيد


:36_1_55: :36_2_51: :thanx:

^RAYAHEEN^ 24-12-05 07:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
`شكرا على هذا المجهود الرائع فعلا
و فعلا لا تكفى الكلمات امام هذا التعب .
.........و اخيرا و ليس اخرا ..
......تسلم الايادى.....................
ونتمنى المزيد


:36_1_55: :36_2_51: :thanx:

ديدو على الرحب والسعة
وان شاء الله رايحه استمر بكتاااااابة الروايات جميعها الخاصة بالدكتور رفعت اسماعيل وبس انتهي رايحه انتقل الى كاتب آخر لروايات الجيب المصرية الخاصة بقصص ما وراء الطبيعة
شاكرة لك مرورك
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 24-12-05 11:21 PM



الوجه الخامس ‏
تحت تصرفك ‏
‏1 ‏

قال لي ( عادل ) وهو يضع ساقا على ساق :‏
ـ" بالفعل اريد رأيك . هذا غريب .. أليس كذلك ؟"‏
هنا دخل الجندي الواقف على الباب حاملا صحفة عليها كوب ليمون وشطيرة .. ‏كريما لم ينس ( عادل ) أنني لم آكل منذ الصباح ..‏
قال لي وهو يشعل لفافة تبغ :‏
ـ" سوف نذهب لداري بعد ساعة . . إن ( سهام ) أعدت لنا وجبة طيبة ، لذا اعتقد ‏ان هذه الشطيرة .."‏
لم اكن متحمسا للذهاب لداره.. إن علاقتي بـ ( سهام ) زوجته ليست على ما يرام .. ‏تعرفون موضوع اختها ( هويدا ) ثم ذلك السخيف الذي كان يشبهني .. و ..‏
لكن مهما حدث فلا توجد قوة على الأرض تمنعني من زيارة ( عادل ) من وقت ‏لآخر كلما جئت إلى الإسكندرية .. من ناحية ـ علاقتنا الروحية لا تنفصم بسهولة .. ‏إنه من الأشخاص القلائل في العالم الذين اطلع عليهم ( أصدقائي ) بقلب مستريح ‏‏.. صداقة الصبا حيث تتلاقى روحان بلا أي سبب .. لا شبهة نفاق .. لا منفعة مادية ‏‏.. ليس زميلي في العمل ولا رئيسي .. ليس قريبي فيفرض علي .. حتى الحب بين ‏رجل وامرأة قد يدخل فيه عنصر الانجذاب الجسدي وهكذا لا علاقة له بالروح .. اما ‏صداقة الصبا فلا تحكمها اية قوانين سوى تآلف روحين ..ومهما باعدت بيننا ‏السنون فأنا اعرف جيدا أنه يحمل لي ما أحمله له ، وأنه لن ينسى جولاتنا مع ‏اصدقاء الصبا الآخرين على النيل وكورنيش الإسكندرية ، وأبيات الشعر الرديء ‏والمشاجرة على لفافة التبغ الأخيرة معي ..‏
السبب الآخر الاقل اهمية لتعلقي بـ ( عادل ) نفعي جدا وهو انه من المفيد دوما ان ‏تعرف رجل شرطة عالي الرتبة .. هذا ـ اعترف ـ بالغ الأهمية في مصر .. وفي ‏رأيي ان كل اسرة وكل شلة اصدقاء يجب ان تضم بين افرادها طبيبا ومحاميا ورجل ‏شرطة ..‏
مددت يدي الى الشطيرة وقضمت قطعة .‏
كان ( عادل ) ـ الذي صار الآن عميدا ـ ينظر الى السقف ولفافة التبغ في يده كأنما ‏هو يسترجع حشدا من الذكريات .. قال بعد تفكير :‏
ـ " بالفعل اريد رأيك .. انت تعرف رأيي الخاص في هذا الهراء الذي تتوبط فيه منذ ‏نعومة أظفارك .. تبدو لي خلطا عجيبا من عالم وطبيب ومغامر ومجنون ونصاب ‏‏.."‏
قلت له في برود :‏
ـ" شكرا "‏
ـ" لا تتضايق مني .. لو لم اكن صريحا معك فلا معنى لصداقتنا .. لكن في هذه ‏القضية بالذات اعرف ان رايك ذو جدوى .. الجرائم التي انا بصددها غريبة حقا .. ‏لكني وضعت يدي على المشتبقه فيه وعلى ما سرقه .. فقط يجب ان افهم كيف فعل ‏ذلك .. وان اضبطه متلبسا .."‏
قلت له بفم مليء بالجبن الرومي :‏
ـ" هل تعني ان لديك الجريمة ولديك المجرم ولديك المسروقات ؟"‏
ـ" فقط لن تقبل اية محكمة كلامي .. هذه هي المشكلة .."‏
‏*** ‏
قال ( عادل ) :‏
ـ" ( شعبان البحيري ) .. صارف في الخمسين من العمر .. اعتقد انك تعرف باقي ‏القصة .."‏
قلت باسما :‏
ـ" صراف .. وانا في مديرية الأمن .. هل هي سرقة ام سرقة وقتل ؟"‏
انفجر في الضحك بطريقته المنفتحة التي تزلزل المكان زلزلة .. ( عادل ) كما ‏عرفته دائما يفرح او يسر فينفجر ضحكا .. الاكتئاب عنده هو الانفجار في البكاء .. ‏الغضب عنده هو الضرب ..‏
قال وهو يلتقط انفاسه :‏
ـ" ما زلت تفهمها ( وهي طايرة ) .. نعم .. هناك سطو طبعا .. لكن الرجل سليم ‏وإن كان قد تأذى كثيرا .. لك ان تتخيل صراف الجمعية الزراعية ذا الخمسين عاما ‏يحمل تلك الحقيبة العملاقة العتيقة .. نحن في الريف حيث كل واحد والدار أمان كما ‏يقولون .. لا يوجد لصوص في هذه البلدة .."‏
لا يوجد لصوص في هذه المدينة .. هذا بالصدفة عنوان قصة قصيرة شهيرة لــ ( ‏ماركيز ‏Marquez‏ ) .. وأواصل سماع ( عادل ) وهو يحكي :‏
ـ" يخرج الصراف من مقر عمله حاملا الحقيبة الكبيرة التي ينقلها الى المصرف ‏الصغير في القرية .. غالبا ما يفعل هذا وحده من دون ان يرافقه الخفير العجوز في ‏الجمعية .. حتى لو رافقه فالخفير لا يرى ابعد من مترين ، وبندقيته الحكومية لا ‏تعمل على كل حال ..‏
يمر ( شعبان ) بمجموعة من الرجال يبادلهم السلام مع دعوة الى الشاي لكنه ‏يشكرهم ويواصل طريقه .. الآن يختصر الطريق بأن يعبر هذا الحقل الواسع الذي ‏يوصله الى المصرف من الخلف .. هذا حقل ذرة تم تبويره فلا تتوقع أن أحدا كان ‏يتوارى فيه ..‏
يمشي الصراف في الحقل مسافة لا بأس بها قبل ان يتلقى قالبا من القرميد في ‏جبهته .. هكذا سقط على الارض .. وهكذا اخذت منه الحقيبة .. كان المكان منعزلا ‏تماما يسمح بأي شيء ..‏
قبل أن تسل عن الصراف دعني اؤكد لك انه كان المشتبه فيه رقم واحد ، وهذا ‏منطقي .. وقدتم حصاره بعنف ..يمكن لك ان تضرب جبهتك بقالب قرميد إذا كان ‏الثمن عشرين ألفا من الجنيهات .. المهم أننا ضــ .. أ .. استجوبناه بدقة وعلى مدة ‏عدة أيام وفي كل مرة نصل للنتيجة المنطقية : هذا الرجل بريء كطفل ..‏
قال الصراف إن احدا لم يكن في الحقل .. هذا منطقي .. لا يمكن لذبابة ان تختبئ في ‏هذا الحقل .. هنا ياتي السؤال : من أين جاءت القذيفة .. لو مثلنا الحادث لوجدنا أنه ‏ما من يد بشرية تستطيع قذف الحجر كل هذه المسافة .. لو جئت ببطل الأولمبياد ‏في رمي الجلة لما حقق هذه النتيجة ..‏
هناك بيوت على مقربة من الحقل أغلبها تم هدمه جزئيا لتعديه على ارض زراعية ‏‏.. لا يوجد سكان فيها لكن من الوارد ان يتوارى أحدهم هناك .. هنا يتكرر السؤال : ‏وماذا بعد ؟ كيف تقذف قالبا ثقيلا كل هذه المسافة ليصيب هدفه ؟ طبعا لا يمكن ‏تصديق هذا ، لذا كنا نعاود استجواب الصراف البائس الذي انهار تماما .."‏
تذكرت وهو يحدثني قصة مصورة فرنسية قرأتها من قبل ـ على قدر درايتي ‏المحدودة بهذه اللغة ـ وتحكي عن شيء كهذا .. كان المجرم يصوب مدفعا يقذف ‏الحجارة على ضحاياه وهو يراقبهم بتلسكوب .. طبعا يصعب وضع هذا في ‏الاعتبار بالنسبة لقرية بدائية ..‏
واصل ( عادل ) الكلام :‏
ـ" على كل حال قمنا بعمل تحريات لا بأس بها ثم انتهى الأمر عند طريق مغلق .. لا ‏نستطيع التقدم بعد هذا .. ثم جاءت الجريمة التالية .."‏

^RAYAHEEN^ 24-12-05 11:22 PM



‏-2-


قال ( عادل ) ‏
ـ" نحن الآن في الإسكندرية في محل الصائغ الخواجة ( ....) الموجود في شارع ( ‏‏..) .. هناك رجل في الأربعين من عمره يبدو على قدر من التهذيب يدخل المحل ‏ومعه سيدة حسناء نوعا .. يهب البائع ليلبي رغبتهما فيطلب الرجل ان يريا بعض ‏الخواتم ..‏
الآن يبدأ مسلسل ( هذا مناسب ـ هذا اجمل ـ لا هذا بلدي ـ ثمة شيء ما ينقص هذا ‏‏).. وهو المسلسل الممل الذي اعتاده الصائغ ..‏
في النهاية قال الخواجة الذي جلس امام منضدته ، والعدسة على عينه وهو يصلح ‏سوارا قديما : ( فقس الدفش ) ..‏
ومعناها بلغة الصياغ طبعا ( تخلص من الزبون ) .. هذه لغة خاصة بعضها مشتق ‏من العبرية تستخدم غالبا للكلام بحيث لا يفهم الزبون ما يقال .. الزبون غير واعد ‏لذا كلمة السر هي ( فقس الدفش ) أو ( هات الجفت ) .. الأخيرة معناها ( انس ‏الأمر برمته )..‏
كانت هناك على المنضدة الآن ثورة حقيقية من الخواتم .. هنا اعلنت المرأة انها لم ‏تحب أي شيء .. وعبثا حاول البائع إقناعهما بان هناك اذواقا افضل بلا جدوى .. ‏المرأة مصممة على الرحيل فجأة وكذا الرجل ..‏
هذا الحماس المبالغ فيه للرحيل جعل البائع يراقبهما بحرص وعناية .. كلا .. لم ‏تمتد أي يد لتدس خاتما في جيب أو حقيبة ..‏
وفي النهاية بدأ يجمع الخواتم التي تناثرت على المنضدة الزجاجية ويعيدها ‏لمواضعها في لوحة الإسفنج .. طبعا ليجد ان اربعة خواتم ليست في مكانها ..‏
هرع الى الخارج فقط ليجد السيارة تبتعد براكبيها .. سيارة عتيقة في حال يسر ‏الاعداء .. تمكن من قراءة الأرقام على اللوحة ، وعاد الى المحل وهو يلطم خديه .. ‏وسرعان ما اتصل الخواجة ( صاحب المحل ) بنا .. هذه من اللحظات المثالية التي ‏نجد فيها خيطا تحت أيدينا .. عندما نجد هذا الخيط ننطلق بأعنف وأسرع ما ‏نستطيع .. قبضة القانون الصارمة تهوى فوق حشرات المجتمع لتهشمها .. لك ان ‏تراهن إذن على ان المشتبه فيه كان في أيدينا خلال ساعتين من البلاغ ..‏
لم تسفر التحقيقات مع صاحب السيارة عن شيء .. إنه مهندس زراعي يدعى ( ‏محمود أبو ربي ) .. لكنه لا يعمل حاليا .. هو لا يعرف شيئا عن هذه الاتهامات .. ‏البائع مهمل فما ذنبي أنا ؟ البائع سارق فما دخلي بالقصة ؟ ‏
حدث الكثير من الضرر من هذه القصة ، ولا بد أن العامل تم فصله .. بالإضافة الى ‏ان الخواجة لم يستعد الخواتم باهظة الثمن ، واضطررنا آسفين لإطلاق سراح ‏المهندس لأننا لم نستطع قط اتهامه بالسرقة ..‏
هذه هي القصة الثانية ..‏
الآن تأتي القصة الثالثة .."‏
‏*** ‏
قال ( عادل ) : ‏
ـ" القصة الثالثة أكثر غرابة .. هناك السيدة ( عواطف ) .. إها مديرة متقاعدة ‏تعيش وحدها بعد وفاة زوجها وزواج أبنائها .. ليس لديها رفيق إلا خادمة عجوز ‏مثلها .. الكل يعرف أنها ثرية وان زوجها ترك لها ميراثا لا باس به ابدا .. هي ‏تعرف انهم يعرفون وهكذا تحيل بيتها الى قلعة ..هناك قفل محترم على الباب ‏والنوافذ مدعمة بالحديد ..‏
وهي لا تفتح الباب إلا بعد تدقيق واستجواب للطارق مع تفحصه من خلال ( العين ‏السحرية ) الموجودة في الباب ..‏
هي تعرف جيدا انها ( حادث ينتظر ان يقع ) .. تفوح رائحة كريهة من الشقة ‏فينتقل إليها المقدم ( ...) والنقيب ( ...) ثم يتم كسر الشقة ليجدوا جثتها مهشمة ‏الرأس أو غارفة في المغطس ، وقد اتضح ان دافع الجريمة هو السرقة ، وقد امر ‏اللواء ( ....) بسرعة ضبط الجاني .. الخ ..‏
هي تعرف هذا كله وتتصرف على اساس محاولة منع الأقدار من تنفيذ هذا المخطط ‏‏.. تتخيل دائما ان هناك قاتلا .ز تضع نفسها في مكانه .. كيف سيفكر وماذا سيفعل ‏؟ لعبة شطرنج أبدية بينها وبين قاتله االمحتمل وهي لا تنوي ان تخسرها ..‏
النتيجة : هذه المرأة تعرف فعلا كيف تحمي نفسها .. أما الخادم العجوز فلا غبار ‏عليها .. لو سرقت هذه المرأة يوما فذلك لشراء كفن .. دعك من أنها بحاجة الى من ‏يعني بها هي نفسها ..‏
الآن يصلنا بلاغ من المرأة .. هناك من تسلل الى الشقة ليلا وفاجأها والخادمة ‏بضربتين على الراس ففقدتا الوعي ثم سرق كل ما خف حمله وغلا ثمنه ..‏
ننتقل للمعاينة فنجد ان الباب فتح بمفاتيحه الخاصة .. لم يتم أي نوع من الاقتحام .. ‏السارق قد دخل من الباب بينما المرأتان نائمتان ثم افقدهما الوعي وسرقكل شيء ‏ببساطة ..‏
كيف دخل ؟ لا يوجد عندي جواب .. من الصعب ان يفتح كل هذه الأقفال بمفتاح ‏مستعار دعك من ان السيدة تترك المفتاح في القفل الرئيسي ، مما يجعل إدخال أي ‏مفتاح من الجهة الأخرى صعبا ..‏
اقتحام النوافذ ؟ مستحيل .. قلت لك إنها مدعمة بالحديد ..‏
هكذا اجرينا تحقيقاتنا .. كانت القصة توشك على ان تضاف الى سجل الجرائم ‏الغامضة وضد مجهول ، لولا أننا رحنا نتتبع أقاربها .. جيرانها .. إلخ .. لعل أحدهم ‏له سجل مهم ..‏
من تتصور ساكن الشقة في الطابق العلوي ؟
نعم .. انت خمنت .. المهندس الزراعي ( محمود أبو ربيع ) ذاته ! وقد رحنا ‏نستجوبه بإلحاح .. إن المصادفات لا تتكرر بهذا الإفراط أبدا .. استجوبناه وحصلنا ‏على إذن من النيابة لتفتيش داره.. وقد راح يؤكد كالعادة أننا نقع في خطأ جسيم .. ‏الاجمل اننا عرفنا أنه كان يشرف على أرض زراعية في إحدى القرى المجاورة ‏للإسكندرية .. طبعا انت تعرف انها تلك القرية التي سرق فيها الصراف .. بل كان ‏فيها عندما وقعت السرقة وهو ما لم نعرفه بعد حادث الصائغ وإلا لفكرنا الف مرة ‏قبل ان نطلق سراحه .‏
لكن من العسير ان تتهم أحدا بشيء وانت لا تعرف كيف فعلها .. ثم اين ذهب ما ‏سرقه ؟ حسابه في المصرف متواضع .. بصماته غير موجودة على الإطلاق في ‏شقة العجوز .. هذا الجزء سهل لان الكل يسرق بالقفازات اليوم .. إن هذه الأفلام ‏السينمائية التي يعرضها التلفزيون ..‏
الآن اريد ان تعرف ما هو أكثر عن هذا المهندس ..‏
إنه في الأربعين من عمره ..ليس له عمل ثابت .. مطلق حاليا والمرأة التي دخلت ‏معه محل الصائغ هي مشروع وزواجه المقبل .. مهذب وعلى قدر من الثقافة ‏والرقي ..‏
ثم حك ذهنه مفكرا وهو ينظر الى السقف :‏
ـ" ماذا ايضا ؟ ماذا أيضا ؟ آه ! ليس ثريا على الإطلاق لكنه ليس معدما .. يعاني ‏أزمات مالية طاحنة من حين لآخر .. ويدفع نفقة باهظة لزوجته السابقة .. لديه ‏سيارة .. سيارة مهدمة خربة لكنها تؤدي الغرض .. الناس يقولون إنه لا غبار ‏عليه وان حظه النكد هو تفسير هذا كله .. انت نكد الحظ يا ( رفعت ) لكن هذا لم ‏يجعلك تظهر في كل جريمة سرقة تحدث في القاهرة .. انا اعرف ومتيقن تماما من ‏هذا الرجل هو المسئول عن هذه الجرائم .."‏
وضعت كوب الليمون على المنضدة وسألته :‏
ـ" ولكن كيف ؟"‏


dido 25-12-05 04:46 AM

هو و بعدين ............

^RAYAHEEN^ 25-12-05 07:08 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
هو و بعدين ............

ان شاء الله اليوم بكفيها بس انا ما بكتبها كلها مرة وحدي
من اجل الاثارة والتشويق
وعلشان ايدي تكسرت من الكتابة كمان هههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 25-12-05 10:55 PM



‏-3- ‏


قال ( عادل ) :‏
ـ" تعال معي نراجع الأحداث . صراف يمشي وحده في حقل .. لا احد على مسافة ‏مائة متر من كل الجهات .. فجأة ينطلق قالب قرميد ليضربه ويسرق . هذه واحدة .. ‏صائغ يعرض خواتمه على زبون لم يدس يده في جيبه قط ، وبرغم هذا تختفي ‏الخواتم .. سيدة عجوز اغلقت الباب عليها من الداخل بالمفتاح ، وبرغم هذا انفتح ‏الباب بسهولة وسرقت .. في كل مرة يبرز وجه المهندس الوقور ويقول إنه لا ‏علاقة له بالموضوع .. ما معنى هذا ؟"‏
قلت في تردد :
ـ" واضح انك تحاول حملي على قول إن هذا الرجل ذو قدرة سحرية ..‏
ضحك كثيرا حتى ارتجت المديرية عدة مرات ، ثم قال :‏
ـ" ليس سحرا .. لكن لا بد من شيء ما .. هذا الكلام الفارغ الذي تعرفه أنت .. ول ‏امسكنا بالورقة لوجدنا إن هذه السخافات مستحيلة .. لكنها حدثت .."‏
ـ" هل سمعت عن التحريك عن بعد ؟" ‏
لم يعلق .. فقط ظل ينظر لي باهتمام .. فأردفت :‏
ـ" هناك اشخاص يملكون هذه الموهبة .. لو تخيلنا ان صاحب هذه الموهبة يتوارى ‏في إحدى البنايات المهدمة ويجعل قالب قرميد ملقى وسط الحقل يطير ليضرب ‏الصراف في رأسه .. لو تخيلنا ان صاحب الموهبة يجعل الخواتم تتواثب الى جيبه ‏خلسة بينما يداه واضحتان امام البائع .. لو تصورنا انه يستخدم موهبته ليدير ‏المفتاح في الاقفال من الخارج ثم ينفتح الباب فيدخل .. لو تصورنا هذا لوجدنا ‏القصة قابلة للتفسير .."‏
قال في عدم تصديق :‏
ـ" هذا هراء .. فقرات حواة لا اكثر .."‏
هنا دخل احد الجنود حاملا مجموعة من الأوراق ، فأخرج هذا قلمه وراح يمهرها ‏بإمضائه وهو ينظر لي اكثر مما ينظر للأوراق ..‏
قلت بكبرياء :‏
ـ" التحريك عن بعد ، ظاهرة حقيقية معترف بها علميا .. لا يجب ن تسخر مما لا ‏تعرفه لكن عندي اعتراضين على هذه النظرية .."
ناول الأوراق للجندي الذي أدى التحية وانصر .. ثم سأني وهو يعيد القلم لجيبه :‏
ـ" ما هي ؟"‏
ـ" اولا لم اسمع عن شخص بلغ هذا الشأن وهذه القوة .. قوة تحريك تعبر حقلا ‏وتنجح في إدارة مفتاح في القفل وتجعل الخواتم تقفز .. هذه قوة مريعة لا تصدق ‏‏.."‏
ـ" وثانيا ؟"‏
ـ" ثانيا .. قوة التحريك تحتاج الى جزء ايجابي من ذاتك .. يجب ان يكون العمل ‏بناءا .. لم نسمع عن شخص استخدم قوة التحريك للسرقة .. اعتقد ان هذه القوى لا ‏تعمل حينما تستعملها في عمل شرير .."‏
قال (عادل ) باسما :‏
ـ" إن اغرب ما في القصة لم يأت بعد .. هل تعرف ان طردا وصلنا هنا في المديرية ‏الاسبوع الماضي .. وقد فتحناه ؟ ماذا كان فيه ؟ مبلغا كبيرا من المال هو بالضبط ‏ما سرق من الصراف والعجوز .. مع مجموعة من الخواتم والمجوهرات في ما ‏سرق من الصائغ والعجوز !"‏
ـ" ألحظة ندم هي ؟"‏
ـ" هذا واضح .. ومع الطرد رسالة كتبت بخط( عفاريتي ) غريب .. خطب لم ار ‏مثله قط يقول : انا لست لصا وغنما هي الحاجة .. وقد انبني ضميري .. لذا ارجو ‏ان تعيدوا هذه الاشياء لأصحابها وتسألوهم ان يسامحوني على أي ضرر .."‏
قلت في دهشة : ‏
ـ" هذا غريب .. ما تمت إعادته ليس هينا .. وماذا عن مرسل الطرد ؟ اعتقد انه لا ‏بد من التوقيع في هذه الامور .."‏
مط شفته السفلى بمعنى أن هذا لا قيمه له وقال :‏
ـ" مكاتب بريد كثيرة يمكن ان ترسل طردا معتمدة على بياناتك دون إطلاع على ‏البطاقة الشخصية .. هكذا كان اسم المرسل هو ( إبراهيم إسكندر ) من ( محرم بك ‏‏) .. طبعا هذا كلام فارغ لأننا لم نجد ذلك الشخص في العنوان المذكور .. انت تعرف ‏من ارسل الطرد .. كلنا نعرف .. على كل حال لم يستطع موظف البريد ان يتذكر ‏وجه المرسل .. لقد عرضنا عليه صور أخنيا ( محمود أبو ربيع ) فلم يستطع ان ‏يؤكد او ينفي .."‏
ـ" والخط ؟"‏
ـ" ليس خطه طبعا .. هل تحسبنا ننسى شيئا كهذا ؟"‏
قلت مفكرا :‏
ـ" لو كان موضع التحريك عن بعد صحيحا فمن السهل ان يحرك القلم بذهنه ليكتب ‏ما يريد .." ‏
قال لي وهو ينهض ليرتدي بذلته :‏
ـ" اسمع . .الحل الامثل هو ان نذهب لنراه الآن !ّ "‏
كدت أموت ارتباكا ..‏
ما هي جدوى إجراء كهذا ؟ ولو كان هناك مبرر لدى ( عادل ) فما مبرري انا وما ‏صفتي لاقتحام حياة الرجل ؟ دعك من ان المحركين ـ على الأرجح ـ ليس لونهم ‏اخضر وأكثرهم بلا ذيول .. هل يتوقع مني ( عادل ) ان انظر للرجل .. افتح فمه .. ‏انظر في أذنه ثم اصيح .. هذا من المحركين ! اقبضوا عليه ؟؟؟؟
حاولت الاعتذار لكن ( عادل ) قال باشمئزاز وضيق :‏
ـ" يا اخي تعال .. ماذا تنوي عمله في الإسكندرية إذن ؟ على الأقل سنكون معا .. ‏اليس هذا ما تريد ؟"‏
هكذا وجدت نفسي أقاد الى بيت الرجل ..‏
‏( ستانلي )..‏
‏( عادل ) يقفز على الدرجات قفزا .. ثم يتوقف امام باب حديدي لإحدى الشقق ‏ويقول لي بصوته الجمهوري :‏
ـ" هذا بيت صاحبتك .. السيدة ( عواطف ).."‏
كنت انا قد نسيت كل شيء عن الموضوع فسألته ( عواطف ؟ ) .. فقال في نفاد ‏صبر :‏
ـ" العجوز التي سرقت شقتها .. لقد قامت بتثبيت هذا الباب الحديدي بعد الحادث .. ‏يبدو ان اللص لم يسرق منها كل شيء .."‏
ثم واصل صعود الدرجات حتى بلغ شقة أخرى فراح يدق الجرس بلا هوادة .. حتى ‏تمنيت أن يتوقف ..‏
انفتح الباب ليكشف عن وجه رجل وقور في الأربعين من عمره كما قلنا .. كان ‏موشكا على الصراخ حين فوجئ بـ ( عادل ) امامه .. نظر له ونظر لي في رعب ثم ‏قال :‏
ـ" سيادة العميد .. كنت اتمنى ان ارحب بك لكن هذا اكثر مما أتحمله .."‏
قال ( عادل ) وهو يتقدم إلى الداخل غير مبال بعدم الترحيب الواضح :‏
ـ" انا لم آت بأية صفة رسمية ..أنا هنا بصفتي صديقا .. ألا ترحب بأصدقائك ؟ أمل ‏نلتق في المديرية وشربنا الشاي معا؟"‏
كان الرجل اصلع الراس بادي التعاسة وقد أدركت أن ( عادل ) ضايقه بزياراته ‏كثيرا ، وفي كل مرة يزعم أن الصداقة هي السبب .. عسير ان تشعر براحة وانت ‏تتلقى زيارة من رجل الشرطة الذي يتهمك بالسرقة .. دعك من ان يكون هذا الرجل ‏عميدا ..‏
هتف الرجل وهو يغلق الباب وراءنا :‏
ـ" قلت لسيادتك إنه لا دخل لي بهذا كله .. انا عاثر الحظ لا اكثر ولا أقل .."‏
جلس ( عادل ) في الصالون ووضع ساقا على ساق وراح يفتش بعينيه في المكان ‏، ثم سأل فجأة :‏
ـ" من اين تعرف ( إبراهيم إسكندر )؟"‏
نظرت الى وجه الرجل فلم يبد عليه أي اختلاج .. قال في صدق :‏
ـ" لم أسمع هذا الاسم قط .."‏
ـ" ليكن . هل تنوي تقديم شاي لنا ام ننصرف ؟"‏
طبعا كان يتمنى لو كان له الخيار ، لكنه فضل أن يدخل الى المطبخ ليعد لنا بعض ‏الشاي .. وجلت بنظري في المكان بحثا عن شيء غريب .. لا يوجد.. لكن حياة ‏الرجل هي بالضبط كما وصفها ( عادل ) .. ليس ثريا وليس فقيرا ..‏
ما إن غاب الرجل حتى سألني ( عادل ) بطريقته العدوانية الهجومية :‏
ـ" ما رأيك ؟ "‏
قتل في نفاد صبر :‏
ـ" لو جمعت ( فرويد ) و ( ياج ) و ( أدلر ) معا وطلبت منهم ان يعطوك انطباعا ‏عن هذا الرجل بعد ثلاث دقائق من لقائه ، ملا نبسوا ببنت شفة .."‏
ثم خطرت لي فكرة ..دنوت من ( عادل ) وهمست بها في ذنه فوافق عليها .. بكثير ‏من الشك وافق عليها ..‏
عاد الرجل حاملا الشاي ليجدني مع ( عادل ) ننظر الى صورة فوتوغرافية صغيرة ‏أحملها انا .. وكنا نتهامس وننظر اليه وإليها خلسة ، فلما صار أمامنا وضعت ‏الصورة مقلوبة على المنضدة في شيء من الارتباك .. قال ( عادل ) بهمس ‏مسموع :‏
ـ" فيما بعد .. فيما بعد .. هذا يفسر كل شيء .."‏
ومد يده الى كوب الشاي الخص به ورشف منه في نهم .. ثم سأل المهندس :
ـ" الم تعد الى قرية ( النجفية ) بعد ؟"‏
واضح ان هذه هي القرية التي سرق فيها الصراف .. قال المهندس في نفاد صبر ‏يوحي بأنه يفهم إيحاء السؤال :‏
ـ" نعم .. لم أعد .. لقد انتهى عملي هناك مع صاحب الأرض .."‏
ـ" ومما تصرف الآن ؟"‏
ـ" مستورة والحمد لله .."‏
كانت عيناه لا تفارقان الصورة المقلوبة وإن كان يحاول مقاومة هذا .. قال لي ( ‏عادل ) وهو ينهض حاملا كوب الشاي في يده :‏
ـ " هل تعرف ( ستانلي ) جيدا ؟ إن هذ النافذة تعطيك رؤية ممتازة .."‏
وقفت أنظر معه الى الجهة التي يقصدها .. ثم استدرنا فجأة نحو الرجل الذي لم ‏يفارق مقعده ..‏
كما توقعت تماما ..‏
الصورة قد انقلبت ليصير وجهها للأعلى !

dido 26-12-05 06:35 AM

thank you very much

but all that anger in one man oooh

you are very nervous

thanks again

^RAYAHEEN^ 26-12-05 07:08 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
thank you very much

but all that anger in one man oooh

you are very nervous

thanks again

عارفي حالي عصبية وهيدي الصورة تعبر عن جزء من الواقع الملموس
بس مو اي شي بيعصبني
ههههههههههههههههه
شاكرة لك مرورك ديدو
تقبل مني فائق التحية ،،،

Ala_Daboubi 26-12-05 11:32 AM

nice nice raya7eeeno

^RAYAHEEN^ 26-12-05 11:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
nice nice raya7eeeno

ولكمووووو ولكمووووووووو علااااااءووووا
علشان الوزن ههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 26-12-05 11:47 PM



‏-4-


حين انتهينا من تأمل المشهد من النافذة عدنا لنجلس في مقعدينا .. وكانت الصورة ‏قد عادت كما تركتها .. مقلوبة لا تعرف ما فيها ..‏
وضع ( عادل ) كوب الشاي الفارغ على الصينية ، بينما تناولت انا الصورة ‏المقلوبة وعرضتها على المهندس :‏
ـ" هذا ابن اختي ( رئيفة ) .. احتفظ بصورته دائما .. لقد صار طالب طب ويرغب ‏في ان يكون مثلي .."‏
قال بلا حرارة :‏
ـ" ربنا يخلي .."‏
واتجهنا نحو الباب والرجل يتبعنا ..‏
وفجأة ـ وبلا أي داع واضح او انذار ـ فقد ( عادل ) كل البرود الذي تعامل به منذ ‏البداية .. انقض على الرجل ليقبض على سترته ويقربه من وجهه بشراسة جمدت ‏الدم في عروقي ..‏
قال من بين اسنانه والرجل ينظر له عاجزا عن الكلام :‏
ـ" والآن اسمعني أيها اللص .. انا اعرف انك فعلتها وانت تعرف انني اعرف انك ‏فعلتها .. ربما ارجعت المسروقات وربما استيقظ ضميرك لكن هذا لا ينفي ان عليك ‏دينا للدولة لا بد من تأديته .. هناك اعتداءات وأشخاص لا ذنب لهم جرحوا ‏وضربوا وروعوا .. لا بد من ان تدفع ثمن هذا ولسوف تدفعه .. والآن اسمعني ايها ‏اللص .. لا تنس انني ألاحقك .. لن تغيب عيني عنك حتى لو مات أحدنا . عندما ‏تصحو من النوم وتقابل بائع الصحف يجب ان تعرف انه من رجالي .. عندما ‏يصطدم بك راكب في حافلة عليك ان تعرف أنني أرسلته .. جارك في السينما من ‏رجالي .. زوجتك المقبلة لو تزوجت ستكون مرشدة تتقاضى راتبا من مكتبي .. لو ‏فتحت نافذتك فلتعلم ان خبر ذلك قد وصلني وانا في المديرية .. سأعرف كم رغيفا ‏التهمت في العشاء وكم مرة دخلت الحمام عندما تصاب بالإسهال .. لن ينقذك مني ‏الا ان تموت .. لو كنت مكانك لمت .. هذا حل سعيد للجميع .. لكن إلى ان يحدث هذا ‏فلنتذكر انني اراقبك .. انني اتحرش بك .. ويوما ما سترتكب خطأ فادحا .. عنده ‏استجدني بانتظارك .. ولسوف أبرهن امام المحكمة على أنك فعلتها .. لا احد ‏يستطيع خداعي ابدا !"‏
قال الرجل بضع كلمات لم يتبينها هو نفسه .. فقال ( عادل ) :
ـ" دعك من هذا السخف .. وحتى ذلك الحين سأزورك دائما .. سأكون معك في كل ‏مكان .. إما ان تعترف او ترتكب ذلك الخطأ او تجن او تنتحر .. كلها حلول تروق ‏لي فعلا !"‏
وبصوت كفحيح الأفعى قال :‏
ـ" لقد انتهى امرك ! أنت صرت تاريخا !"‏
لاحظت في استمتاع أنه يستعمل تعبيرا إنجليزيا هو ‏You're History ‎‏ الذي لن ‏يفهمه الرجل غالبا .. بل سيفهمه .. سيفهمه حتما وهو يرى نظرة ( عادل ) ‏المتوحشة..‏
ثم اطلق سراحه وقال وهو ينظر له نظرة نارية :‏
ـ" هيا بنا يا دكتور !"‏
‏ *** ‏
في سيارة ( عادل ) سألني :‏
ـ هل تعتبرني قسوت عليه ؟"‏
قلت له وانا ارمق معالم الطريق :‏
ـ" لقد نجح الاختبار الصغير الذي عقدته له .. كانت صورة غير ذات أهمية ، لكن ‏تمثيليتنا جعلته يوشك على الإصابة بالخيال لو لم يعرف محتوى تلك الصورة .. ‏هكذا فقد حذره وحركها ! أنت رأيت معي انه لم يغادر مقعده .. برغم هذا انقلبت ‏الصورة مرتين .. لقد أراد ان يلقى نظرة عابرة على هذا الشيء الذي نتهامس ‏بصدده ، ولعله فكر في أن احدا التقط له صورة تدينه .."‏
ـ" انا رأيت هذا .. أكره تصديقه لكنه حقيقي .."‏
قلت في كياسة :‏
ـ" انا رايت أحداثا شبيهة من قبل .. كل هذا حقيقي .. لكن كيف تقنع أي وكيل نيابة ‏اوأي قاض في محكمة بذلك ؟ حتى لو حرك الرجل شيئا أمامهما فلن يتخذاه جليل ‏إدانة ." ‏
ـ" هذا ما أفكر به .. أنت لم تقدم لي الكثير في الواقع .. كنت أعرف ان الرجل فعلها ‏‏.. بتحريك او من دونه هو فعلها ولا نقاش في هذا .. كنت اعرف ( ماذا حدث ) و ( ‏لماذا حدث ) .. انت فسرت ( كيف حدث )..‏
ابتسمت وقد تذكرت ما كان أساتذتنا يقولونه عن اختبار دراسي الطب .. طالب ‏البكالوريوس يجب ان يعرف ( ماذا حدث ) وكفاه هذا .. طالب الماجستير يجب ان ‏يعرف ( كيف حدث ) وكفاه هذا .. أما طالب الدكتوراه فلا اقل من ان يعرف ( لماذا ‏حدث )؟
أما الاغرب والاكثر طرافة فهو أن ( عادل ) بطبيعته العملية نافذة الصبر لم يعط ‏ثانية واحدة للدهشة .. فيحرك الرجل الأشياء بعقله أو بلعابه لا يهم .. هذه تفاصيل ‏سخيفة .. المهم هو أن تقبض عليه .. ليس في نفسه متسع لذرة واحدة من الفضول ‏او التساؤل الميتافيزيقي إنما هو يريد أوراقا وأدلة واحرازا !‏
ساد الصمت بيننا .. ثم قلت :‏
ـ" لقد اعاد ما سرقه .. لماذا لا تتناسى الامر .."‏
ضغط على نفير السيارة في عصبية .. لا أعتقد ان شيئا كان يسد الطريق أمامه إنما ‏هي طريقة للصراخ المحتج ، وقال :‏
ـ" لقد اعتدى على اناس ابرياء .. وضلل الشرطة .. إن جريمته لا تمحى بإعادته ما ‏سرق .. لسنا في مصلحة الضرائب هنا لنتكلم عن ( التصالح).."‏
وساد الصمت بينما هو يشوك على ارتكاب عدة جرائم قتل بسرعته هذه ..‏
ثم قال لي :
ـ" اسمع .. إلى اين انت ذاهب الآن ؟ سنتناول الغداء معا .."‏
ـ" قلت لك إنني لا أرغب في .."‏
ـ" انا ارغب في ان تصمت ..ستأكل عندي بلا مناقشة وكفانا اننا تأخرنا ساعتين ‏على موعد الطعام .."
‏*** ‏
لم تكن ( سهام ) فاترة جدا ، وتمنيت ان تكون قد نسيت ما حدث من ذلك الوقح ‏الذي يشبهني .. من يدري ؟ ربما لم يفسد كل شيء كما توقعت..‏
كان ( عادل ) يلتهم الطعام التهاما ويبدو أن شهيته تكون احسن حالاتها عندما ‏يكون عصبيا .. كان يقول بفم مليء بالمكرونة :‏
ـ" سترى ! سيجد ظهره للجدار في النهاية .. ما من جهاز عصبي يتحمل كل هذا ‏الضغط .. هيه ؟ لماذا لا تأكل هذا ( الهباب )؟"‏
فرحت اعبث بشوكتي في ها ( الهباب ) وأنا افكر .. يمكنه ان يجعل حياته جحيما ‏وهو على ذلك قادر ، لكن ماذا بعد ؟
قلت له :‏
ـ" لماذا لا تجدون له تهمة أخرى ؟ أنت تذكر كيف أنهم لم يستطيعوا إثبات تورط ( ‏كابوني ‏Capone‏ ) في كل جرائم القتل والتهريب والابتزاز التي مارسها ، من ثم ‏وجد له ( إليوت نس ) تهمة تافهة بعض الشيء هي التهرب من الضرائب .. بفضل ‏هذا قضى ( كابوني ) اهم عوام حياته في السجن وزال الخطر .."‏
قال وهو يفسخ بطة عملاقة على المائدة تفسيخا ، ثم يلقى بنصفها تقريبا في طبقي ‏‏:‏
ـ" كل .. كل .. اقول إن هذا صعب لأن الرجل لا يرتكب أخطاءا تقريبا .. إنه مواطن ‏مسالم .. ويصعب ان تجد طرفا تمسك به معه .. إنه كالكرة التي يستحيل أن تمسك ‏بها .."‏
ثم غرس الشوكة في نصف البطة الآخر وقال :‏
ـ" اسمع .. ستأتي معي الى المديرية هذه الليلة ولسوف نرسل في استدعائه .. ‏أريد ان تستجوبه انت في مكتبي .. أريد ان تصارحه بأننا نعرف تلك القدرة التي ‏يملكها .."‏
قلت محتجا :‏
ـ" لكن لا بد ان اعود الى القاهرة اليوم و .."‏
هتف في حنق وهو يصب بعض الماء في كوب :‏
ـ" لا تذكر أعذارا فهي غير مقبولة .. سوف نقضي على هذا الثعبان اليوم !!"‏
هكذا رحت أواصل الأكل وانا افكر في طريقة الفرار من هذا الإعصار الذي يبدو أنه ‏اعتقلني أنا بدلا من اللص ..‏

^RAYAHEEN^ 26-12-05 11:50 PM



‏-5-


مديرية الأمن وقدح القهوة الثالث ..‏
كنت جالسا في مكتب ( عادل ) اشعر بالحرج والملل ، بينما هو قد أرسل المخبرين ‏ليحضروا ( محمود ) إلى هنا .. وقد حضرت عشرات المقابلات وسمعت مئات ‏المكالمات الهاتفية ومن حين لآخر يدخل ضابط شاب لينظر لي نظرة تساؤل قبل أن ‏يؤدي التحية لرئيسه ..‏
ويدخل الجندي المسئول عن الباب ويؤدي التحية فيقول ( عادل ) دون ان ينظر له ‏‏:‏
ـ" قدح من القهوة للدكتور وكوب عصير لـ ( اشرف ).."‏
فأقول انا في وهن :‏
ـ" حقا انا لا ارغب في ..."‏
ـ" ستشرب ! انا قلت إنك ستشرب !"‏
ـ" إذن فلماذا لا تشرب انت ايضا ؟"‏
فيهتف في حيرة غير مصدق :‏
ـ" أشرب اربعة اقداح من القهوة ؟ هل جننت ؟ كيف تتحمل معدتي كل هذا !!"‏
أما ( أشرف ) ابن ( عادل ) الوحيد فهو اليوم في سن المراهقة ، وهو فتى وسيم ‏شديد التهذيب .. لا اعرف لماذا اصطحبه ( عادل ) هنا لكن من الواضح أنه يفعل ‏ذلك كثيرا .. من الواضح أنه يعوده على جو الشرطة ليكون يوما مثله .. وعلى كل ‏حال بدا أن ( أشرف ) مستمتع بوقته حقا ، وكان يحفظ المخبرين والجنود واحدا ‏واحدا ..‏
بعد قليل دخل الجندي ليخبرنا أن ( محمود ) على الباب ..‏
امر ( عادل ) بإدخاله . وواصل كتابة أوراقه ليظهر عدم اهتمامه بالقادم ..‏
كان الانهيار العصبي باديا على وجه المهندس حين دخل الغرفة .. مستسلما واهنا ‏منهكا لدرجة أنه لا يستطيع الكلام ..‏
قال ( عادل ) دون ان ينظر له :‏
ـ" إجلس يا بشمهندس .. صديقي د. ( رفعت ) لديه ما يقوله لك "‏
قال الرجل محتجا :‏
ـ" سيدي .. الم يحن بعد الوقت الذي ترحمونني فيه ؟"‏
قال (عادل ) بطريقة المودة الزائفة تلك:‏
ـ" من قال إننا نضايقك ؟ نحن نحب ان نراك لهذا سنستدعيك كل يوم في أي وقت ‏لتجلس معنا هنا ونشرب الشاي هيا يا د. ( رفعت ) .. كلمه .."‏
كان الموقف محرجا .. لقد جلس الرجل جواري يصغي لي وأنا اقدم له نظريتي ‏المخبولة عن اللص الذي يحرك الأشياء عن بعد.. قلت إن لدي دليلا واضحا هو ‏الصورة التي انقلبت .. طلبت منه ان يريح ضميره ويعترف .. اللص الذي يعيد ‏المسروقات هو شخص راغب في إنقاذ روحه .. عليه ان يكمل هذا الإنقاذ باعتراف ‏كامل ..‏
كان يصغي لي في إنهاك وتعب .. لا بد ان الدجاجة لا تبدو بهذا المنظر وهي تنتظر ‏الذبح .. في النهاية قال لي :‏
ـ" سيدي .. انتم تريدون خراب بيتي وهدم مستقبلي وتشويه سمعتي لمجرد فكرة ‏واهمة عن التحريك عن بعد .. لا يوجد شيء كهذا ولو وجد فأنا لا اتمتع به .. هلا ‏سمحتم لي بأن ارحل ؟"‏
قال ( عادل ) كعادته دون أن ينظر له :‏
ـ" ليس بهذه السرعة .. ستنتظر بالخارج حتى يساعدك هذا على التذكر .."‏
واستدعى الجندي وأمره بان يظل الأستاذ جالسا بالخارج في الردهة حتى يطلبه ‏ثانية .." وهات له شايا .. إنه يحب الشاي !"‏
كنت اشعر بارتباك لا مثيل له .. لو كان هذا المهندس بريئا وكان انقلاب الصورة ‏مجرد وهم مر بنا ، فمعنى هذا اننا نبذل ضغطا عصبيا هائلا على رجل بريئ ..‏
لكن ( عادل ) لم يكن يملك أية شكوك ..وهكذا غادر المهندس الغرفة ..‏
ساد الصمت من جديد وأدركت أن ( عادل ) لن يفتح الموضوع ثانية لان هذا صار ‏مملا .. فقط جلست انتظر اللحظة التي يفرج فيها عني لأرحل ..‏
‏*** ‏
بعد قليل دق الباب ودخل ملازم شاب ليقول :‏
ـ" سيدي .. إن ( ابو شليب ) معي .. هل ترغب في ان تقابله أم ننهي نحن ‏الموضوع ؟"‏
رفع ( عادل ) عينيه متسائلا ، ثم تذكر فقال في لهفة :‏
ـ" لا .. لا .. طبعا اريد ان اوجه له كلمتين .."‏
هكذا انفتح الباب ليدخل ثلاثة جنود ويحيطون بدب أشهب .. لا .. ليس دبا .. إنه ‏رجل على سبيل الترف التصنيفي .. فقط لإرضاء الأخ ( لينيوس ) وسواه ممن ‏صنفوا المملكة الحيوانية .. فيما عدا هذا هو دب . . بحجم دب .. بملامح دب .. ‏بشعر دب .. بعضلات دب .. ثمة ندبة جرح على خده تمتد من أسفل العين حتى ‏الذقن .. له عين تالفة غطتها سحابة بيضاء .. تلك الأساور الحديدية السوداء التي ‏يحبها البلطجية .. لا اعرف ما فعله هذا الرجل لكنه مذنب .. بالتأكيد مذنب .. كيفي ‏وكيل النيابة ان يضعه في القفص وهو يزأر ويقول للقاضي : سيدي .. يكفي ان ‏تتأملوا وجه هذا الرجل لتحكموا عليه الإعدام ..‏
كانت الأصفاد في يديه لكن الجنود كانوا متوترين فعلا وكان يقلب وجهه في الغرفة ‏في وقاحة وجشع .. وقعت عيناه علي فشعرت بنظرته تلتصق بخدي كأنها بصقة .. ‏هذا اول إنسان اعرفه يجب ان تستحم بعد ان ينظر إليك ..‏
ثم نظر إلي ( اشرف ) الذي جلس في مقعد قريب يراقبه في توتر .. يبدو ان الفتى ‏لم يحب المنظر فقال إنه سيخرج قليلا .. واضح أنه يعرف كل ركن في هذه المديرية ‏‏..‏
قال ( عادل ) باسما وهو يشير للسجين :‏
ـ" ( رفعت ) .. لك الشرف أن تلقي ( ابو شيب ) .. سفاح الأطفال الشهير .. لقد ‏خنق طفلة في السادسة لأن امها كانت من الحمق بحيث تضع في أذنيها ومعصميها ‏ذهبا يكفي هذا الوغد كي يبتاع عدة كيلوجرامات من الحشيش .."‏
بصوت يشبه منظره قال الدب المكبل بالأصفاد :‏
ـ" لم افعل شيئا من هذا .. لماذا تضيعون وقتكم من الشرفاء ولا تبحثون عن ‏الفاعل الحقيقي ؟"‏
ـ" إذن انت مواطن شريف .. جميل .. جميل .."‏
ثم لوح ( عادل ) بالقلم في وجه الرجل وقال :‏
ـ" كل شيء ثابت ضدك وسوف تعترف .. حتما ستعترف .. ولسوف تشنق . لهذا ‏انا امارس مهنتي .. كي يختفي امثالك من عالمنا .."‏
قال السفاح بطريقته الفظة المتحدية :‏
ـ" يا فتاح يا عليم ..لماذا لا تجدون الفاعل الحقيقي ؟"‏
قال (عادل ) في اشمئزاز :‏
ـ" خذوه واعرفوا منه كل شيء .. من لحظة ولادته .."‏
هكذا غادر الرجل الغرفة ومعهم زالت تلك الرائحة الكريهة التي كانت تنطلق من ‏أنفاس الرجل وعرقه ..‏
قال ( عادل ) باسما :‏
ـ " قد لا تحب عملنا لكن لا تنكر أنه مثير .. لا بد ان هنا العلاج الأمثل لمللك ‏التقليدي !"‏
قلت وانا اجفف عرقي :‏
ـ" مثير اكثر من اللازم لو أردت رايي ..لا احب ابدا ان القى هذا الرجل خارج ‏المديرية حرا وبلا اصفاد .."‏
ـ" هذا يشعرك بالإنجاز .. قبل ان تذهب لعملك كان هذا الوغد حرا يفعل ما يشاء .. ‏بعد انصرافك من عملك لم يعد هناك .. لقد زال .. إن هذه .."‏
هنا سمعنا الصراخ قادما من الردهة ..‏
كان المشهد مثيرا بالخارج ..‏
وقد سبقني ( عادل ) بوثبتين الى هناك على حين تبعته بقدمين لا تصمدان ..‏
كان هناك زحام لكنه يترك مسافة معقولة من مركز الدائرة ..‏
ومركز الدائرة كان ( ابو شليب ) نفس .. لكنه لم يكن وحده .. كان يمسك بـ ( ‏اشرف ) ابن ( عادل ) وقد لف سلسلة الكلابش حول صدره .. بينما يده الحرة تضع ‏نصلا حادا على عنق الفتى ..‏
وسمعت احد الضباط الواقفين يقول في رعب :‏
ـ" لقد غافل حرساه وبسرعة البرق اخرج هذا ( البستك ) الذي كان يخفيه في خده ‏، ثم انقض على الفتى .."‏
وهتف آخر في عدم تصديق :‏
ـ" الم يفتشوا خده ؟ تبا للإهمال !"‏
طبعا يمكنه ان يدخل انامله في فمه حتى لو كانت يده مكبلتي بالأصفاد ..‏
ضابط شاب متحمس اخرج مسدسه وصوبه نحو رأس الرجل ، لكن يد ( عادل ) ‏الحازمة وضعت على يده وقال :‏
ـ" لا تفعل ! إن راس ( اشرف ) قريب جدا .. وقد تتقلص يد الرجل على النصل .."‏
وتقدم في تظاهر بالثقة نحو الدب الذي يقيد الفتى .. كان مرتبكا كلنه يحاول الا ‏يظهر ذلك ، وقد ادركت ان الكل قرر ان يترك له وحدة اتخاذ القرار .. ليس هناك ‏سواه كي يقول ويفعل .. ليس هذا من حق واحد آخر .‏
قال وهو يمد يده نحون ( أبو شليب ):‏
ـ" اتركه يا ( ابو شليب ) انت اعقل من هذا .."‏
اعقل ؟ طبعا لا لأن الرجل تراجع بظهره ليصير ملاصقا للجدار ، تحت لوحة شعار ‏وزارة الداخلية ، وراح يردد في هستيريا :‏
ـ" ربنا يخلي البيه الصغير يا باشا .. ربنا يخلي البيه الصغير يا باشا .. ربنا يخلي ‏البيه الصغير يا باشا .."‏
ثم انفجر ضاحكا .. لماذا لا ينظف هؤلاء السفاحون أسنانهم جيدا ؟‏
الفتى يبكي وهذا يحطم الأعصاب فعلا ..‏
سأل ( عادل ) الدب وهو يتقدم أكثر :‏
ـ" كلمني .. ماذا تريد ؟"‏
ـ" اريد ان اخرج من هنا .. سوف آخذ ( البيه الصغير ) معي .. وحين اكون في ‏مكان آمن سأطلق سراحه !"‏
ضابط آخر اخرج مسدسه لكن ( ابو شليب ) هتف :‏
ـ " آه ! لا تطلق الرصاص علي .. قد اسقط فيجرح هذا النصل رقبة ( البيه الصغير ‏‏) .. لا تنس أننا جميعا تهمنا سلامة ( البيه الصغير )!"‏
‏*** ‏
ـ" قد لا تحب عملنا لكن لا تنكر أنه مثير .. لا بد ان هنا العلاج الامثل لمللك ‏التقليدي !"‏
قلت وانا اجفف عرقي :‏
ـ" مثير اكثر من اللازم لو اردت رأيي .. لا أحب ابدا ان ألقى هذا الرجل خارج ‏المديرية حرا وبلا أصفاد .."‏
‏*** ‏
يا له من موقف !‏
انا اعرف مواقف الرهائن هذه ‏Hostage Situations‏ وهي تنتهي دوما في ‏الأفلام الأجنبية بان يطلق المجرم سراح الضحية لأنه تعب .. لكن هل يشاهد ( أبو ‏شليب ) أفلاما أجنبية ؟ ‏
إنه يائس ومجنون، ومن الواضح أنه سيفعل أي شيء .. ربما يقتل الفتى فعلا ثم ‏يموت راضيا سعيدا ..‏
هنا حانت مني التفاته الى اليسار .. رأيت رجلا نسيت وجوده ..المهندس (محمود ) ‏يقف جوار الحائط وقد نسي الجميع انه موجود .. كان يراقب المشهد بعينين ‏متسعتين .. ثم رأيته يضغط على شفتيه .. الأوردة تبرز في جبهته وتوشك على ‏الانفجار ..‏
هل اتخيل ام أن هذا الرجل ....؟
إما أنه يفعلها وإما أنه يموت بنوبة قلبية الآن ..‏
كان ( عادل ) الآن يقف بقربي فجذبته من كمه ليرى المشهد الرهيب ..‏
كان المهندس يركز ويركز .. قلبه يوشك على التوقف او هذا ما بدا لنا ..‏
في اللحظة التالية رايت الشيء يتحرك .. تلك اللوحة العملاقة التي تحمل نسر ‏وزارة الداخلية والمعلقة فوق رأس ( أبو شليب ) .. رأيتها تتحرر من حبالها .. ‏ترتفع في الهواء .. تجتاز ممرا غير ممكن فيزيائيا كأن الرجل الخفي يحملها ..‏
ثم ارتفعت قليلا لتكتسب طاقة الوضع اللازمة ، ثم هوت فوق رأس الرجل بأقصى ‏قوة .. وهو مشهد له دلالته .. نسر الوزارة يهشم رأس السفاح ..‏
صرخ الرجل .. آي ! ونظر لأعلى ليرى من هذا الذي ضربه .. هنا هوت اللوحة ‏على رأسه بعنف أكثر وفي هذه المرة تراجع للوراء وترنح رأسه .. يحتاج هذا ‏الرجل إلى اكثر من ضربتين ليفقد وعيه .. ربما لو صدمه قطار مسرع لأصيب ‏بصداع .‏
وأمام عيني المذهولتين رأيت النصل يقفز من يده ليسقط على الارض ..‏
كانت هذه هي الإشارة كي يتحرر ( أشرف ) ، وهي الإشارة ذاتها التي كان ينتظرها ‏كل هؤلاء كي ينقضوا على الرجل .. في ثوان لم اعد آراه من كل الأجساد التي ‏تكأكأت فوقه .. وتطايرت اللكمات في الهواء .. سوف يتحول الى هامبورجر خلال ‏نصف دقيقة لكين لا اتعاطف معه على الاطلاق ..‏
‏( عادل ) يحتضن ابنه وكلاهما يبكي .. رجل الشرطة الصارم يبكي ويلثم شعر ابنه ‏غير مصدق ..‏
ثم رفع الاب وجهه المبلل بالدمع وقد صار صدر قميصه كله مبتلا .. رفع وجهه ‏نحو المهندس الزراعي الذي تقدم منه في بطء ..‏
للحظة ساد صمت ثقيل ولم يقل أحدهما شيئا ..‏
قال المهندس وهو يمد يديه لـ ( عادل ):‏
ـ" اعتقد انك تلقيت الاجابة على اسئلتك يا سيدي العميد .. سوف اكرر التجربة في ‏المحكمة لتصدقك إذا اردت .."‏
ثم شهق في إنهاك وقال :‏
ـ حان الوقت كي تنتهي لعبة القط والفأر هذه .. لقد تعبت .. انا تحت تصرفك يا ‏سيدي .."‏
نظر له ( عادل ) ثم نظر لـ ( أشرف ) ثم لي ..‏
ثم التفت الى أحد جنود الحراسة في الردهة وقال بعصبية :‏
ـ" ماذا يفعل هذا الاخ هنا؟ انا لا أعرفه .. حسبت ان عملك هو ان تمنع العابرين ‏من الوقوف امام مكتبي !"‏
والتفت الى احد الضباط الشبان وقال :‏
ـ" ارسل مع هذا الرجل ـ الذي لم اره من قبل ـ سائقا يوصله الى بيته .."‏
واستدار مبتعدا وتبعته انا و ( اشرف ) عبر الردهة الطويلة ..‏

^RAYAHEEN^ 26-12-05 11:53 PM



الخاتمة


كانت هذ هي خبراتي الأساسية مع المحركين ..‏
صحيح انني احتككت بهم اكثر من مرة ، لكن هذه هي الخبرات الاهم على كل حال ‏وكما قلت كثيرا من قبل : هؤلاء لا يعلنون عن أنفسهم وليسوا استعراضيين بالمرة ‏، لا اعرف إن كنت انت منهم ام لا .. ثمة احتمال لا باس به ان تكون منهم لكنك ‏تجهل هذا .. ثمة احتمال ان يكون صديقك منهم لكنه ينكر هذا .. اعرف شيئا واحدا ‏يقينا : انا لست منهم ..‏
هل راقت لك هذه المجموعة من القصص؟ ارجوا هذا .. ربما أكررها فيما بعد ‏وربما لا افعل .. هناك من يفضلون القصة الطويلة الدسمة وهناك من يفضلون ‏الومضات السريعة القصيرة .. انا املك حبا اصيلا للقصص القصيرة خاصة إذا ما ‏جمع بينهما خيط وهو اسلوب ( البورتامنتو ) الذي كلمتكم عنه من قبل ، لكن هناك ‏كثيرين قد لا يحبونه ..‏
يبدو ان هذ الصيف لن يحوي الكثير من الرعب ، لان لنا لقاءات اخرى مع القدرات ‏النفسية الخارقة او الظواهر غير القابلة للتفسير ..
(( تمــت ))

Ala_Daboubi 27-12-05 09:00 AM

yeslaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaamo

^RAYAHEEN^ 27-12-05 09:03 AM


هالشي مرفوض جملة وتفصيلا
لازم تعطي رايك بالقصة
يسلموا ما عاد حدى يقبل يصرفها
هههههههههههههههههههههههههههههههههه

Ala_Daboubi 27-12-05 04:14 PM

hmm.......ok ..........el qesa 2a2al min 3adiyeh , ya3ni ma elha ma3na wala wasalit fikra wad7a wala estamta3it feeha kteeer, bas el reee7a wala el 3adam , thank you raya7ennnnnnnnnnnnoooooooooooooo

dido 27-12-05 08:32 PM

هذه المجموعه من القصص الصغيره التى تدور حول موضوع واحد
الا و هو القوه النفسيه والعصبيه لا تقل قوه عن الروايات الكامله
وارى ان هذة ميزه من مميزات هذا الكاتب الموهوب العبقرى
الا و هى التعدد وعدم التشتيت و هذا فى حد ذاتة رائع واشكرك على اختيارك
يا راياحين وعلى تعبك
مششششششششششششششششككككككككووووووووورررةةةةةةةةةةةةةة
جججججججججججججججددددددددددددددددددددددددددددددداااااااااااااا اااااااااااا

^RAYAHEEN^ 27-12-05 11:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
hmm.......ok ..........el qesa 2a2al min 3adiyeh , ya3ni ma elha ma3na wala wasalit fikra wad7a wala estamta3it feeha kteeer, bas el reee7a wala el 3adam , thank you raya7ennnnnnnnnnnnoooooooooooooo

هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
بسيطة
مع انو انا شايفي انو فيها افادة كبيرة خاصة بالفقرات الخاصة بالتأكيد على انو كل شخص عندوا هالموهبة بس بتكون كامنة ولازم تظهر نتيجة ظروف معينة ونتيجة القدرة على تركيز الطاقة في تحديد الهدف من اجل تحريكوا
وانو هالقدرة ممكن توجيها في شكل ايجابي وايضا سلبي رغم انو الجانب الثاني كان مبهم الوجود او معدوم المعرفة لدى المهتمين في هذا النوع من الظواهر .
وحلو منو استنادوا لثلاث قصص حتى ما يسرب الملل للقارئ في اطالة القصة الواحدة .
شاكرررررررررة لك مرورك علاااااااء وتعليقك
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 27-12-05 11:54 PM


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
هذه المجموعه من القصص الصغيره التى تدور حول موضوع واحد
الا و هو القوه النفسيه والعصبيه لا تقل قوه عن الروايات الكامله
وارى ان هذة ميزه من مميزات هذا الكاتب الموهوب العبقرى
الا و هى التعدد وعدم التشتيت و هذا فى حد ذاتة رائع واشكرك على اختيارك
يا راياحين وعلى تعبك
مششششششششششششششششككككككككووووووووورررةةةةةةةةةةةةةة
جججججججججججججججددددددددددددددددددددددددددددددداااااااااااااا اااااااااااا

تسلم ديدو وهيدي ميزة هالنوع من الروايات
التشويق والاثارة والكم الهائل من الغموض الذي تحويه
حبيت وضح نقطة
انو انا ما بقرأ القصة مسبقا وبكتبها لا انا بكون عمتابعها معكم يوم بيوم
وبيعتمد اختياري على العناوين الي بتلفت نظري فقط
رغم اني بهدف اني انقل جميع روايات الدكتور . احمد خالد توفيق
وان شاء الله اقدر اكتبهم كلهم
شاكرة لك مرورك وتقديرك
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 27-12-05 11:56 PM



أسطورة المومياء ‏
بقلم د. احمد خالد توفيق
مقدمة


هناك مومياوات ومومياوات ..‏
ليست كل المومياوات لطيفة المعشر أو محببة للنفس .. لو اعتقدت هذا فأنت بلا ‏شك في مشكلة .. لعل هذا هو الفارق بين شيخ خبر الحياة مثلي ـ أنا ( رفعت ‏إسماعيل ) ـ وبين من يخطو خطواته الأولى في طريقه المفعم بالأشواك ..‏
‏( رفعت إسماعيل ) العجوز يعرف حكايات كثيرة عن مومياوات لم تكن مهذبة بما ‏يكفي .. لم تكن مسالمة لما يكفي .. لم تكن لطيفة بما يكفي .. يبدو أنني سأحكي لكم ‏اليوم واحدة من هذه القصص .. فقط لأبرهن على أن المومياوات ليست تلك ‏الأشياء الوديعة كما قد يخطر للبعض ..‏
هذا هو لقائي الثامن والأربعون معكم .. الحقيقة أنني كنت أزمع من البداية ان ‏اكتفي بخمسين قصة ، ثم أترككم وأموت .. لا يعرف هذا القرار سوى عدد محدود ‏جدا من قرائي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة .. والسبب الأول هو حرصي على الا ‏اكون مملا او مكررا .. والسبب الثاني ستعرفونه يوم أكف عن الكتابة ، ولسوف ‏أبقيه سرا في الوقت الحالي ..‏
لكنني لا اجد الشجاعة الكافية لاتخاذ قرار كهذا الآن .. لقد كان رقم الخمسين بعيدا ‏جدا يوما ما ، لكنه الآن صار دانيا جدا ، وبصراحة ما زالت هناك حكايات كثيرة في ‏جعبتي لم أحكها ، بعضها لمحت إليه وبعضها لم افعل .. وانا من الطراز الذي لا ‏يموت قبل ان يوفي بالتزاماته الأدبية والمادية الكاملة ..‏
حقا ما زال العجوز ( رفعت اسماعيل ) قادرا على السرد والكلام ، وحقا ما زال ‏يملك الكثير ، لهذا قررت أن استمر ولا أتوقف إلا حين أتوقف .. اعتذر إذن ‏للأصدقاء الذين وعدتهم بان اخرس للأبد ، ثم لم أفعل .. سأحاول ان تكون القصة ‏التالية ترضية مناسبة لهم ..‏
هناك مومياوات ومومياوات ..‏
والمومياء التي نلقاها اليوم كانت من طراز مختلف ..‏
ستعرفون السبب بعد قليل لو قلبتهم الصفحة او نظرتم الى اليسار ..‏

^RAYAHEEN^ 27-12-05 11:57 PM



الجزء الأول‏
حكاية مختصرة عن النرويجي الذي لا يتكلم كثيرا ‏
‏-1-


أنا المختار من بين الملايين ، الذي يخرج من العالم السفلي ..‏
الذي لا يعرف اسمه احد ‏
إذا نطق اسمه على مجرى الماء جف ..‏
وإذا نطق اسمه فوق اليابسة اشتعلت النار ..‏
‏( تعويذة فرعونية قديمة ) ‏
‏*** ‏
حقا لا ادري إن كان من حقي ان احكي لك قصتي مع ( يوهان تورلسون ) .. لقد مر ‏دهر ـ نحو ثلاثين عاما ـ على هذه القصة ، وفي الغالب لن يتأذى أي طرف من ‏الأطراف لو حكيتها .. بالضبط كما ان احدا لن يتأذى لو حكينا قصة حريق ( روما ) ‏أو حملة ( هانيبال ) ..‏
قابلت ( يوهان ) في القاهرة في احد المؤتمرات الطبية التي تعقد دائما في واحد من ‏تلك الفنادق المطلة على النيل .. لا اذكر موضوع المؤتمر ، لكنه كان طبيا طبعا .. لا ‏يجب ان يكون المرء عبقريا كي يخمن هذا .. يمكنك كذلك ان تعرف ان ( تورلسون ‏‏) هذا كان طبيبا من ( اوسلو ) ..‏
كان نرويجيا بكل ما في الكلمة من معان .. أشقر جدا .. ازرق العينين جدا .. احمر ‏البشرة جدا .. باردا ذلك البرود الجدير بمن كان أسلافه يقضون حياتهم في بحر ‏الشمال ، يهاجمون القرى الساحلية على سبيل الرياضة ، ويعبدون إلها وثنيا اسمه ‏‏( اودين ) ، ويحلمون بان يذهبوا بعد الموت الى جنتهم ( فالهالا ) ..‏
صموتا كان وأنا احب الصموتين بحق ..‏
ربما لاحظته لأنه ألقى محاضرة لا بأس بها عن مخاطر نقل الدم ، واشهد له انه ‏تنبأ بميلاد كابوس لم يخطر لنا وقتها في أسوأ أحلامنا اسمه ( الإيدز ) ..‏
كان يؤمن بان الاعوام القادمة ستجعلنا ندرك ان ما نفعله اليوم جريمة ، وكان محقا ‏لان تلك هي الأعوام التي كنا ننقل فيها فيروسات الالتهاب الكبدي والإيدز إلى ‏المرضى دون أن نعرف هذا .. هذا ليس موضوعنا على كل حال ، لكن هذا واحدا ‏من المواقف التي تجعلك تميل الى شخص ما ، لانه ذكي بالإضافة الى صمته الدائم ‏الغريب .. لست من هواة تعرف الأشخاص ، ولا اجمع الوجوه الجديدة كما يجمع ‏هاوي الحشرات مجموعة من الخنافس .. لهذا لم احاول ان اقدم له نفسي ، وفي ‏الغالب كان سيلقاني ببرود لا يريحني .‏
‏*** ‏
في ذلك الصباح شعرت بالملل من برنامج المؤتمر ، خاصة وان هناك الكثير من ‏المتكلمين لمجرد انهم يحبون سماع صوتهم الخاص .. كانت القاعة مظلمة ما عدا ‏ضوء ( البروجكتور ) الساقط على الشاشة ، والمتحدث الغارق نصف وجهه في ‏الظلام يتكلم بصوت رتيب لا تغيير فيه ولا تبديل ، كأنما نحن أطفال يحاول أن ينيمنا ‏‏..‏
عبثا حاولت ان ابقى عينين مفتوحتين ، لكن بدا لي كأن وزنهما طنان .. وضبطت ‏نفسي مرتين او ثلاثا وقد غبت في نعاس عميق ، من الطراز الذي تسقط فيه الذقن ‏على الصدر ويسيل اللعاب من الشفتين اللتين فقدتا القدرة على أن تقفلا .. انا في ‏عالم الأساطير اقف أمام ( اوزوريس ) لحظة الحساب ، وصوته يدوي عميقا رتيبا ‏مملا وهو يتحدث عن .. صفائح الدم ! صفائح الدم ؟!‏
في النهاية هززت رأسي ، ونظرت حولي فلم ار أحدا منتبها .. كان الممر المظلم ‏بجانبي وفي نهايته كلمة النجاة ‏EXIT‏ تضيء بالأحمر ، تعدني بالخلاص من هذا ‏الجحيم ..‏
توكلت على الله وانسحبت في هدوء ، متجنبا النظر الى المحاضر حتى لا يراني ‏،ونظر لي أحد البروفيسورات ذوي السوالف الكثة في اشمئزاز وانا افر من العلم ‏كتلميذ في المدرسة الابتدائية ، لكني تجاهلته واتجهت للباب ..‏
أخيرا استنشق الهواء النقي .. كانت الساعة العاشرة صباحا واليوم ما زال بعد ‏طويلا ، وثمة جلسات يهمني ان احضرها لان المؤتمر ليس كله هراء .. لهذا ‏قررت ان اغادر الفندق ، وامضي الوقت في أي مكان بعيد عن هذا كله .. على ان ‏اعود في الثانية بعد الظهر ..‏
بالطبع تقود كل هذه المؤتمرات بشكل ما إلى ميدان التحرير ، وميدان التحرير ‏بالنسبة لي هو المتحف المصري .. لم لا افعل هذا الان ؟ لطالما قلت لنفسي إنه لو ‏كان متحف اللوفر في القاهرة لزرته ست مرات اسبوعيا .. وانا عندي هنا ما يزري ‏بعشرين متحف لوفر .. فقط انا لا ازوره لمجرد أنه ( هناك ) .. استطيع ان ازوره ‏متى أردت ..‏
و ( متى ) هذه لا تأتي ابدا .. والنتيجة هي انني لا ارى 80% من معالم مصر التي ‏يقطع الغربيون اذرعهم اليمنى مقابل ان تكون عندهم ..‏
هذا يوم مناسب للعودة للجذور ، وليكونن نهارا جميلا وسط ( امنحتب ) و ( سيتي ‏‏) و( امنمحات )..‏
كنت في الطابق العلوي من المتحف اتأمل بعض الأواني الزجاجية منبهرا ، حين ‏رايت بطرف عيني ذلك الرجل الاشقر الشعر جدا ، ازرق العينين جدا ـ أحمر البشرة ‏جدا .. كان يمسك بورقة ويحاول جاهدا ـ مستعينا ( بدزينة ) من الأقلام الملونة ‏الجافة ـ ان يرسم عليها بعض النقوش الهيروغليفية من خزانة زجاجية امامه .. ‏كانت هذه هي لحظة التعارف المقدسة ، لان مجموعة الأقلام سقطت منه على ‏الأرض ، فانحنى يجمعها ، وما كان من الممكن الا اخف لمساعدته ..‏
فلما انتهينا ، شكرني بتهذيب وبالإنجليزية ، ثم لم يلبث ان تبين انه يعرف وجهي ..‏
ـ" إذن انا لست الوحيد الذي هرب من المؤتمر "‏
ـ" ولست الوحيد المهتم بالتاريخ الفرعوني .."‏
ـ" انا مهتم .. واي اهتمام "‏
وهكذا صار من المستحيل الا تنعقد بيننا صداقة من نوع ما .. ومضينا نجول في ‏المتحف معا .. كان يملك اسئلة وما كنت أملك إجابات .. الحقيقة هي ان جهلنا ـ او ‏منعا لقلة الأدب جهلي انا ـ بالتاريخ الفرعوني لمروع .. وسرعان ما عرفت انه ‏يعرف مائة مرة قدر ما اعرف انا .. كان اهتمامه أصيلا عميقا لا يترك شيئا ‏للصدفة ، ولا بد ان ( كارتر ) لم يكن اكثر اهتماما وهو يفتش عن مقبرة ( توت ‏عنخ آمون ) عام 1922 ..‏
ثمة ملحوظة اخرى من تلك الملحوظات التي لا تتضح أهميتها إلا فيما بعد ، والتي ‏تتذكرها فجأة ذات ليلة وانت ترمق السقف في فراشك عاجزا عن النوم .. كنت اتكلم ‏عن الميثولوجيا الفرعونية ، وقلت له ساخرا :‏
ـ" كانوا يؤمنون بخليط غريب من عقائد الطوطم وتأليه الحيوانات ، كما انهم كانوا ‏يعتبرون السحر امرا مفروغا منه .. وهو امر غريب بالنسبة لحضارة كهذه .."‏
قال لي في ضيق :‏
ـ" هل تنفي وجود السحر من العالم حقا ؟"‏
يقول هذا لي أنا أنا ( رفعت اسماعيل ) بالذات ابتسمت ، وانا ادرك ان هذ االرجل ‏مهما رأى فلن يبلغ ربع ما رأيت في حياتي :‏
ـ" عرفت فيما مضى واحدا اسمه ( رفعت اسماعيل ) كان لا يؤمن بأي شيء غير ‏مادي .. لكن هذا الرجل قد توفي من دهور على ما اظن .. إنني اوافق تماما اليوم ‏على وجود السحر ، لكن يجب اولا ان يكون سحرا .."‏
قال بنفس الضيق :‏
ـ" لسنا واثقين من سحر المصريين القدماء .. ربما كانت مجرد ( حواديت ) ‏يكتبونها للتسلية على ورق البردي والمسلات .. لكنني اعرف السحر القوي حين ‏اقابله ، وأثق انني اعرف ما أتكلم عنه .. لقد كان ( آرثر كونان دويل ) نموذجا ‏فريدا لطبي ذكي غير قابل للخداع ، وبرغم هذا لم يستطع ان يرفض السحر .."‏
في النهاية ـ حين وصلنا الى الطابق السفلي حيث الملكة ( تي ) الفاتنة تجلس جوار ‏زوجها وتبتسم ابتسامتها اللعوب الغامضة ـ كنا قد صرنا اقرب شيء الى صديقين ‏‏.. صحيح انها صداقة سريعة البخر ، لكنها صداقة على كل حال ..‏
سألته وانا ادون عنواني ورقم هاتفي بالانجليزية في مفكرته :‏
ـ" هل ستعود للوطن بعد المؤتمر مباشرة ؟"‏
قال وهو يدون بياناته في مفكرتي :‏
ـ" لا .. سامضي بعض ايام هنا .. انا لم ار ( الاقصر ) بعد .. لم ارها قط .."‏
قلت في فخر :‏
ـ" انا زرتها مرتين .. كانت اول مرة ايام الجامعة و ..."‏
ـ" مرتين ؟‍"‏
وتقلص فمه في اشمئزاز ، واردف :‏
ـ" كنت أحسبكم تمضون هناك كل إجازاتكم الأسبوعية "‏
ثم ناولني مفكرتي ، ونظر الى ساعته .. لم يحن وقت العودة بعد ، لكنه كما هو ‏واضح راغب في قضاء بعض الوقت منفردا .. صافحته وقررت ان امضي الوقت ‏الباقي في نزهة على كورنيش النيل ..‏
‏*** ‏
كان هذا هو لقائي الأول بالنرويجي ( يوهان تورلسون ) .. طبيب مختص بامراض ‏الدم ، وعاشق للتاريخ المصري .. صموت .. قادر على ان يكون سمجا متى اراد ‏ذلك ..‏
فيما بعد التقينا في أروقة المؤتمر كثيرا .. تبادلنا هزات الرأس أو كلمات عابرة ، ‏وقدمت ان ابحثا لا باس به ، فهنأني بعدما نزلت من المنصة .. علاقة سطحية ‏جميلة جدا كما ترون ، فما كان لي ذنب في كل ما حدث بعد هذا ولا علاقة بالشيخ ( ‏خميس ) ..‏
يحب بعضكم أن يربط بيني وبين الريس ( خميس ) في هذه القصة ، وهو نوع من ‏التجني لا اجد له مبررا .. انتم قرأتم ما حدث معي ، فأين ذكرت الريس (خميس ) ‏في السطور السابقة ؟
إن ما حدث بعدهذا كله كان غبيا بالنسبة لي ، وإذا نت سأحكيه في الصفحات التالية ‏، فلأنني عرفته فيما بعد ، وليس لأنني عشته .. إن دوري في هذه القصة يبدأ من ‏الجزء الثاني لا من الفصل الثاني ..‏
وكنت أتمنى لو لم يبدأ قط ..‏
‏***

Ala_Daboubi 28-12-05 08:51 AM

hao shiklha 7ilweh , mosh tkharbeeeeeha !!!!!0

^RAYAHEEN^ 28-12-05 12:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
hao shiklha 7ilweh , mosh tkharbeeeeeha !!!!!0

هههههههههههههههههههه هلء انا الي بخربها ولا انت

dido 28-12-05 08:18 PM

waoooww give me more
i like it thanks ya basha

^RAYAHEEN^ 29-12-05 01:24 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
waoooww give me more
i like it thanks ya basha

تسلملي والله
وشكرا لمتابعتك ،،،

^RAYAHEEN^ 29-12-05 01:26 AM



‏-2- ‏


الاقصر ..‏
على ظهر المعدية التي تعبر النيل الى الضفة الغربية ، لا بد أن صديقنا النرويجي ‏وقف يرمق الأرض الدانية ويعرق ، ويذب الذباب الكثيف ـ القادم من زراعات ‏قصب السكر ـ عن وجهه ، لكن هذا المجهود بدا له مستحيلا على كل حال . بالنسبة ‏له لم تكن هذه هي الأقصر قط .. إنها ( طيبة ) .. عاصمة مصر ..‏
كان قد زار ما يمكن ان يزار في البر الشرقي .. رأى الكرنك ومشى في طريق ‏الكباش ، وانبهر بمدى تقدم العمران الفرعوني .. هذه مشاهد حفظها عن ظهر قلب ‏من الكتب ، لكن الامر يختلف على الطبيعة .. كما ان سماع السيمفونيات من ‏المذياع شيء ، والجلوس لتسمع المعجزة ذاتها تولد من فرقة عازفين بشحمهم ‏ولحمهم شيء آخر ..‏
لكن المتعة الحقيقية تبدأ في البر الغربي .. حيث تنتظر ثمانمائة مقبرة على الأقل ، ‏وحيث يغفو وادي الملوك الهريب في الشمس الحارقة وسط الجبال .. وحيث معبد ‏الدير البحري الذي شادته ( حتشبسوت ) يوما ما ، ومعبد (الرامسيوم ) المهيب ‏المخيف ..‏
ترجل ماشيا بحذر على لوح الخشب الذي وضعه النوتي له .. كان هناك الكثيرون ‏ممن يرغبون في أن يساعدوه او يعملوا ادلة له ، لكنه كان يعرف ما يريده جيدا .. ‏وبصعوبة اجتاز زحام اللحوحين اللجوجين ، ومشى حتى صار على مسافة مأمونة ‏منهم .. ووقف ينتظر .. لا بد ان الرجل يعرف الموعد ، ولا بد انه ينتظره ..‏
اخيرا رآه يتقدم منه .. هذا الجلباب الأبيض النقي الذي تدهش كيف لم يتسخ وسط ‏بحر العرق هذا .. الوجه الصعيدي الأسمر قوي القسمات كأنه نحت في الأبنوس ، ‏والشعر المجعد الأشيب على جانبي الرأس فيما ظهر تحت العمامة ..‏
دنا منه الرجل ثم سأله كاشفا عن أسنان عاجية :‏
ـ" الدكتور ( تورلسون )؟"‏
لم يكن النرويجي يعرف ما نسميه نحن ( إنجليزية الترجمانات ) ، لكنه على الاقل ‏وجدها واضحة جدا ومفهومة .. سره هذا لأنه لا يفقه حرفا من اللغة العربية ..‏
ـ" انا هو .. الريس ( خميس )؟"‏
ـ" تحت أمرك .."‏
ودون كلمة أخرى مشى معه الرجل ليكون دليله في جولة البر الغربي هذه ..‏
‏*** ‏
كانت بحق رحلة شاقة .. لكن النرويجي كان مبهورا متلاحق الانفاس لا يصدق ما ‏يراه ، وكان الترجمان المصري بارعا عليما بحق بكل تفاصيل هذا الجزء من وطنه ‏، وكان يتكلم عن ملوك الفراعنة كأنهم أقاربه .. زوج خاته وابن عمه .. يعرفهم ‏ويفهمهم وربما رآهم أحياء كذلك .. وتحت تأثير هذا الانطباع التقط للرجل عشرات ‏الصور جوار الآثار كأنما يصوره وسط أملاكه الخاصة ..‏
أخيرا توقفت عربة الحنطور أمام الفندق الصغير الذي سيبيت فيه النرويجي ليلته .. ‏دخل الترجمان البهو وحيا الموظف .. وتبادل همسات معه .. طبعا بصدد عمولته ‏لأنه اختار هذا الفندق ..‏
ثم صعد مع الرجل الى حجرته ..‏
انغلق الباب وراءهما ، فمد الترجمان يده في جيبه واخرج لفافة صغيرة اسطوانية ‏وناولها ضيفه .. انا لم ار هذه اللفافة لكنها بالتأكيد كانت في حجم وابعاد منشفة ‏وجه تم لفها حول نفسها .. تبادل الرجلان نظرة ذات معنى ، ثم قال الترجمان في ‏صوت هامس :‏
ـ" كن حذرا يا دكتور .. هذه مسئولية ثقيلة .."‏
ـ" انا اعرف ما يجب عمله .."‏
ـ" وانا لم اعطك شيئا .."‏
وأشعل لفافة تبغ ، ونفث سحابة بيضاء كثيفة امام وجهه الأسمر وتساءل :‏
ـ" هل تبيعها ام هي لاستعمالك الخاص ؟"‏
ـ" استعمالي الخاص .."‏
ـ" حسن .. هذا اكثر أمنا .."‏
ووقف ينتظر متثاقلا متهلا ، ففهم النرويجي انه نسي .. عبث في جيبه واخرج ‏بضع اوراق من العملة ، ودسها في يد الرجل .. لكن هذا الاخير لم يبد حراكا ولم ‏تتحرك عضلة واحدة في وجهه ..‏
ـ" فهمت .."‏
واخرج بضع اوراق اخرى دسها في يده ، فطواها هذا ووضعها في حافظة عملاقة ‏بحجم كتاب صغير أخرجها من صدر جلبابه ، وقال :‏
ـ" طابت ليلتك .. غدا امر عليك في السابعة صباحا لنواصل جولتنا في ( الرامسيوم ‏‏).."‏
فلما انفرد النرويجي بنفسه ، لا بد انه لم يجد الشجاعة الكافية لفتح اللفافة .. لا بد ‏انه تفحصها وتحسسها ، ثم دسها في مكان ما بين طيات حقائبه .. هل نام جيدا ؟ ‏اشك في هذا . كان يعصف بروحه مزيج من شوق عارم وحماسة مبالغ فيها .. ‏وبعض الخوف كذلك ؟ لماذا لا نعترف بهذا الوحش الكاسر الغالب : الخوف ؟ إنه ‏من حق كل إنسان. حتى لو كان لصا !! ‏
‏*** ‏
بعد أيام ـ وبعد نزهة لا باس بها رأى فيها مصر كما لم يرها أحد ـ عاد صديقنا ‏النرويجي الى ( اوسلو ).‏
كان يعيش وحيدا بعد طلاقه من زوجته ، ونهي خطوة روتينية لدى شعوب الشمال ‏هذه .. الميلاد .. الزواج .. عدم الإنجاب .. الطلاق .. الموت ( او الانتحار لو كان ‏سويديا او دنماركيا )..‏
كان في الخمسين من عمره .. وقد وجد غايته في الطب ، وبعض التجارب الغامضة ‏التي يقوم بها من حين لآخر ، وهي تجارب عرفت طبيعتها فيما بعد .. لم يعد هذا ‏هو عصر حرق السحرة ، بل صارت لكل إنسان الحرية المطلقة لعمل أي شيء لا ‏يضايق الآخرين .. يمكنك ان تسكب البنزين على نفسك وتشعل الثقاب ، ما دمت لن ‏تحرق شيئا من بيوت الجيران .. يمكنك ان تقود سيارتك بكسرولة على راسك وانت ‏تلبس فستان طفلة في السابعة ، بشرط ألا توقف السيارة في الممنوع ..‏
هنا يجب ان نذكر عدة حقائق :‏
‏1-‏ الأخ ( تورلسون ) مخبول .. ربما لا تكونون قد لاحظتم هذا ، وربما لا ‏تصدقون .. لكن اقولها لكم ، وازيح عن كاهلكم عبء اكتشاف هذا بأنفسكم ‏‏.. من قال إن المجنون يجب ان يبدو ويتكلم كمجنون ؟
‏2-‏ منذ عشر سنوات وهو يمارس السحر ، وحجته في ذلك انه يريد استكشاف ‏المجهول كما قضى كل هذه الأعوام يستكشف المعلوم ..‏
‏3-‏ من الواضح تماما ان اللفافة التي أخذها من ذلك الترجمان في الاقصر كانت ‏ذراع مومياء .. كلكم خمن هذا بالطبع .. إن القصة هكذا دائما .. ويبدو أن ‏أذرع المومياوات سهلة التهريب الى حد ما .. ومن الواضح ان صيتها عظيم ‏في العالم الغربي ..‏
‏4-‏ ماذا يفعله ساحر مخبول بذراع مومياء ؟ سؤال غريب ! إن هذا يفتح له ‏إمكانيات لا حصر لها . . يخيل الى احيانا أن حياة الساحر من دون ذراع ‏مومياء هي شيء مستحيل ..‏
‏5-‏ يزمع الان ( تورلسون ) ان يجرب ضربا من افظع ضروب السحر الاسود ‏التي تحدثت عنها مراجع الطب .. إنه ما يطلقون عليه ( يد المجد ‏Hand ‎of Glory ‎‏) ..‏
إن الطريقة سهلة ، وقد قرأتها بعدة أساليب ، لكنها تتخلص في التالي : يد ‏يمنى لمجرم مشنوق ( وهذه نقطة خلاف سنتكلم عنها بعد قليل ) توضع في قدر ‏به خليط من كبريتات النحاس والملح و .....لن احكي التفاصيل حتى لا انقل ‏الخبرة الآثمة لشخص آخر .. تعرض اليد لأشعة الشمس لمدة اسبوعين ، ‏وتثبت إليها شمعة مصنوعة من دهن الموتى والسمسم و .... لا تفاصيل أخرى ‏‏.. ليس هذا كتابا لفنون التدبير المنزلي كما تلاحظون ..‏
تتحول يد المجد هذه الى ما يشبه الشمعدان .. هذا الشمعدان يمكنه ان يحول كل ‏من يتعرض له الى شبه مشلول بلا حراك .. كانت هذه من ادوات السرقة ‏المحببة لدى اللصوص ، وكانوا يجمدون بها اصحب البيوت ( هكذا تحكي ‏الكتب) .. لكن اصحاب البيوت كانوا يتوقون هذا بان يدهنوا عتبات البيوت ‏بخليط من مرارة القط الأسود ودهن الدجاجة البيضاء ، ويتم تركيب هذا الخليط ‏ايام الشعري ( بين 3 يوليو و 15 أغسطس )..‏
لماذا يفكر الاخ ( تورلسون ) في صنع يد المجد ؟ طبعا لانه مخبول ، ولانه يريد ‏تجربة كل شيء قذر قرأه في كتب السحر .. طبعا كان من العسير عليه الحصول ‏على يد مشنوق .. هذه الأشياء لا تباع في السوبر ماركت ..لكنه كون قناعاته ‏الخاصة ان يد مومياء فرعونية هي ما يضمن قوة الوصفة .. ويبدو انه وجد في ‏الكتب العتيقة لديه ، والتي جمعها من كل مكتبات أوروبا الشرقية ، ما يؤكد ‏يقينه هذا ..‏
وكان أن جاء موعد المؤتمر في مصر ، وكان ان اتصل ـ قبل السفر ـ بصديق له ‏من هواة سرقة الآثار ـ وله باع قديم في هذا .. فدله على من يدعي الريس ( ‏خميس )، وهو من يعرف كيف يحصل على شيء كهذا ..‏
ـ" يمكن ان يخدعني ويبيعني اية يد يبدو عليها القدم .."‏
ـ"الرجل لا يمزح .. إنه محترف ، ثم إنه الأمانة الكاملة تمشي على قدمين !!"‏
وهكذا سارت الاحداث الى اللحظة التي صار فيها ( تورلسون ) وحيدا في داره ‏، ومعه تلك الذراع الفرعونية .. هذا مخيف بما يكفي ويدعو لكثير من النفور .. ‏لكنه كان يبدأ الخطوة الأولى في طريق الكوابيس الذي لا نهاية له ..‏
‏***

Ala_Daboubi 29-12-05 10:17 AM

aha , hand of glory , now we r talkin........hehehe

^RAYAHEEN^ 29-12-05 10:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
aha , hand of glory , now we r talkin........hehehe

اي ربحني جميلة بهالكلمتين هههههههههههههههههههههههههه

dido 29-12-05 08:25 PM

give me more horror

thanix raya7enoooo

dido 29-12-05 08:31 PM

بس بتفتكرى هل يد المومياء هذة ممكن
ان تكون لها دور مهم فى قصتنا ام انها مجرد تفتيح
لمواضيع اكثر رعبا
ههههههههههههه

dido 30-12-05 01:54 AM

يا هلا يا هلا
 
يا هلا يا هلا
ايه الصدف السعيده دى

dido 30-12-05 01:56 AM

فى جديد اليوم ولا ...........
اجازة ؟؟؟؟؟؟؟؟
ههههههههههههههههههههه
هههههههه ههههههههههه

^RAYAHEEN^ 30-12-05 01:58 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
بس بتفتكرى هل يد المومياء هذة ممكن
ان تكون لها دور مهم فى قصتنا ام انها مجرد تفتيح
لمواضيع اكثر رعبا
ههههههههههههه

لا اكيد رايح يستخدمها لتحضير بلوة قادمة ان شاء الله
هههههههههههههههههه
اها كمشتك انت بتدخل بهالوقت يعني ههههههههههههههههه
للاسف اليوم ما كتبت شي بكرة بكتب ان شاءالله فصل جديد
من الرواية
تقبل مني فائق التحية ،،،

dido 30-12-05 05:21 AM

ياااااااااا للهول ........يااااااااااااااللفاجعه
كده بالظبط زى ما قالها يوسف بك وهبى
هههههههههههههههههههههههههه
ماشى امتى بكره يجى
وشوشوشوشوشوشوشو
وشوشوشوشوشوشو
اده هو لسه ماجاش
طيب..
هههههههههههههههههههههه
هههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 30-12-05 05:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
ياااااااااا للهول ........يااااااااااااااللفاجعه
كده بالظبط زى ما قالها يوسف بك وهبى
هههههههههههههههههههههههههه
ماشى امتى بكره يجى
وشوشوشوشوشوشوشو
وشوشوشوشوشوشو
اده هو لسه ماجاش
طيب..
هههههههههههههههههههههه
هههههههههههههههههه

ههههههههههههههههههههههههههههههههه ايوه غني واطربنا

^RAYAHEEN^ 30-12-05 11:22 PM



-3-


في البداية احتاج الرجل الى أسبوعين او ثلاثة حتى ينتهي من مهمته المقززة ‏‏.. لهذا لا يمارس كل الناس السحر الأسود ، لأنه يحتاج الى ان تكون مجنونا ‏تقريبا ، وأن تكون اعصابك من حديد .. لما كنا نعرف ان هذه العملية يجب ان ‏تتم في أيام الشعري ، يمكن بلا خطأ كبير أن نعرف ان هذا تم في وقت ما بين 3 ‏يوليو و 15 أغسطس .. والحقيقة أنه كان الأسبوع الأول من يوليو ..‏
في النهاية ـ جالسا الى مكتبه على ضوء الأباجورة ـ فرغ من الخطوات الأخيرة ‏، وصار لديه ما يشبه الشمعدان .. شمعدان رهيب تقول الكتب إنه اقوى سلاح ‏في الكون .. كان عليه ان يجربه ، وهكذا دسه في كيس ورقي ونزل الى شوارع ‏المدينة المظلمة يبحث عن هدف ..‏
والهدف كان متسولا عجوزا يجلس على قارعة الطريق ، من النوع الذي يعزف ‏على كمان ولا يفيق ابدا .. إنه كنز نادر لأنه لا يوجد متسولون تقريبا في ‏النرويج كلها .. وقدر ( تورلسون ) أنه لو حدث ضرر مميت لهذا العجوز ، فلن ‏يخسر المجتمع شيئا .. ربما لن يخسر العجوز نفسه شيئا .. في الغالب سيستفيد ‏‏..‏
رأى العجوز من يدنو منه عبر ضوء الشارع الخافت .. لم يكن خائفا .. لم يذق ‏الخوف منذ عشرين عاما ، لانه لا يملك ما يخشى ان يفقده .. سال القادم ‏بصوت واهن منهك :‏
ـ" مرحبا ايها الغريب .. اختر لي اللحن الذي تريد سماعه .. مقابل بضعة ‏كرونات سأعزف لك على الكمان حتى الصباح .."‏
دنا منه ( تورلسون ) .. كان مرتبكا خائفا بحق .. هو لا يريد ان يؤذيه لكنه ‏راغب في التجربة بحق .. مد يده في لكيس الورقي وأخرج الشمعدان الرهيب .. ‏لوح به امام وجه الرجل ، واتسعت عيناه في ترقب ..نظر العجوز للشيء يلمع ‏في الظلام .. اتسعت عيناه لحظة ، ثم نظر لـ ( تورلسون ) وهمس بصوت ‏كالفحيح :‏
ـ" انت إذن الشيطان ! ( لوسيفر ) نفسه ! ليكن ! اقتلني إذا اردت فلن اخسر ‏شيئا !ّ"‏
ارتبك ( تورلسون ) .. فهذا آخر شيء توقعه .. قال العجوز وهو يخرج زجاجة ‏من جيبه ويزيح سدادتها : ‏
ـ" انا اعرف هذا الشيء جيدا .. إن للعم ( هانز ) تجاربه .. لكن دعني اقل لك ‏إن من يله بالنار يحترق بها .. وهذه الأشياء ليست للهو .."‏
وجرع جرعة كبيرة من الزجاجة ، ومسح فمه بظهر يده المعروقة وقال :‏
ـ" هذا بالطبع إن لم تكن انت الشيطان ذاته !"
للحظة وقف ( تورلسون ) متصلبا يتأمل العجوز .. من الواضح ان التجربة ‏فشلت .. لكن لماذا ؟ هل لان العجوز يعرف ما عليه ان يتوقعه ؟ ام لأن يد ‏المومياء لا تصلح ؟ ام لأن القصة كلها خرافة ؟
دس الشمعدان في الكيس الورقي وابتعد ليغيب في الظلام ، بينما العجوز يصيح ‏بصوت واهن :‏
ـ" لو كنت يائسا فتعال اجلس بجانبي ، وأصغ إلي وانا اعزف الرابسودي .."‏
لكن ( تورلسون ) كان قد توارى تماما ..
‏*** ‏
الضحية التالية كانت امرأة ، وكانت واقفة في هذه الساعة امام ناد ليلي تدخن .. ‏قدر ان المجتمع لن يخسر كثيرا لو اصيبت هذه بسوء ما .. لم يكن هناك من يراه ‏لذا دنا منها ليدخل دائرة الضوء ، ووقف بعض الوقت يحاول ان يجد الشجاعة .. ‏سألته ضاحكة :‏
ـ" عم تبحث وفيم تفكر ؟ يبدو لي أنك إنسان خطر للغاية أو .."‏
ثم صمتت عن الكلام لأنها رأت الشمعدان الغريب الذي يحمله .. هذه المرة لم تكن ‏تعرف كنه هذا الشيء لكنه بد الها مخيفا بما يكفي .. تقلصت الضحكة على شفتيها ‏وتراجعت للوراء خطوة وهمست بصوت كالفحيح :‏
ـ" حقا انت مجنون .. ( هنري ) ! ( هنريييييييييي ) ! "‏
ولم يكن الأمر يحتاج إلى ذكاء لمعرفة من هذا الـ ( هنري ) ، لان جدارا من ‏العضلات يرتدي سترة جلدية ، ويعلق قرطا في أذنه ، وكثيرا من الأساور الحديدية ‏التي يلبسها الفتوات عندنا ، خرج من الظلام من مكان ما .. بدا أنه موشك على ‏التفاهم ، لولا أن ( تورلسون ) بادر بالفرار .. هذه المرة جرى جريا وغاب في ‏الظلام ..‏
‏*** ‏
الآن صار متأكدا من شيء واحد .. كل ما كتب عن ( يد المجد ) هذه خرافة ، وما ‏كان بوسعه ان يعرف ما لم يجرب طبعا .. شعر بالسخف من منظره وهو الطبيب ‏المثقف يجوب شوارع ( أوسلو ) كطفل يحاول ان يخيف الناس بسحلية اصطادها .. ‏عليه ان يعود إلى داره ويتخلص من هذا الشيء المقيت ..‏
لم تكن هذه اول مرة .. إنه قد جرب كثيرا من هذه الألعاب من قبل ، وليس الغريب ‏هنا أن أكثرها فشل ، بل إن بعضها قد نجح .. وهو ما جعله يؤمن ان السحر منجم ‏واسع ، لكن الناس قد ألقوا فيه كثيرا من الأحجار المزيفة حتى صار من المستحيل ‏ان تعرف ما لم تجرب .. ( يد المجد ) هذه نموذج جيد للأحجار المزيفة التي نالت ‏ضجة أكثر مما تستحق .. وها هي ذي قد كلفته كثيرا من المال والجهد والخطر ، ‏خاصة لو أن احدا وجد تلك الذراع معه في المطار .. إن المصريين لم يعودوا ‏يتسامحون بالنسبة لآثارهم ، بينما كان ممكنا في الماضي ان تخرج برأس ( ‏نفرتيتي ) أو حجر ( رشيد ) او مسلة كاملة تضعها في ميدان ( الكونكورد )..‏
حان وقت الخلاص من هذا الاختراع الرهيب ، ولكن كيف ؟ إن الأذرع لا تصلح ‏لإلقائها في القمامة بالتأكيد .. حتما سيجدها أحد .. إن معجزة الشرطة هي انهم ‏يبدءون بأشياء كهذه ، وبرغم هذا يصلون إلى الفاعل بدقة متناهية .. الفاعل الذي ‏يضرب كفا بكف متسائلا : كيف عرفوا .‏
وهكذا حزم أمره ..‏
بدأ بان انتزع الشمعة الرهيبة من اليد ، ووضعها في منديل ملفوف .. إن العثور ‏على يد ثبتت إليها شمعة ، لا بد أن يذكر بعض الناس بذكريات ثقافة معينة من ‏العصور المظلمة .. ثم إنه دس اليد في كيسها الورقي ..‏
اتجه إلى المرآب وقد حمل الكيس الورقي بعدما وضع فيه ثقلا ، ولف حبلا حول ‏الكيس بمحتوياته .. فتح سيارته ووضع الكيس جواره ، ثم أدار المحرك .. إن نهر ‏‏( آكير ) قريب جدا من بيته ، وبرغم هذا كانت رحلة متوترة في ظلام الليل ‏والشوارع التي صارت شبه خاوية .. لم يحب كثيرا أن يستوقفه رجال الشرطة ‏لسبب ما ويفتشون السيارة ليجدوا هذا الشيء .. إنه لا يهوى الأسئلة ، ومعه في ‏ذلك حق .. وبعد دقائق كان عند النهر ..‏
كان هذا الجزء مقفرا خاليا من القوارب او المارة ، وكان هذا منتصف الليل على ‏كل حال ..‏
دنا من النهر أكثر فأكثر .. راح يصفر كعادة من يرتكبون شيئا لا يريح ضمائرهم .. ‏نظر حوله فلم ير أحدا .. تنهد .. وتظاهر بأنه يتثاءب والشيئان في يده .. طوح ‏بالمنديل الورقي الذي يحوي الشمعة .. ثم ..‏
لم يلق بالكيس ..‏
لماذا ؟
لانه سمع خطوات من ورائه فالتفت ..‏
كانت اضواء سيارة ( تورلسون ) مضاءة فلم يتبين القادم ، كما يحدث في هذه ‏الامور .. لان الأضواء كانت تنكسر وتغلف القادم في ضباب مبهر للبصر .. لم ‏يستطع تبين حدوده الخارجية ( السلويت ) إلا حين خرج من دائرة الضوء ..‏
كان فارع القامة يرتدي معطفا طويلا ويدس يديه في الجيبين ، وكان يتقدم ببطء ‏كما يفعل رجال العصابات في الافلام السينمائية .. رجل واثق من نفسه يعرف بحق ‏ما يفعله ..‏
لكنه لم يتقدم أكثر ..‏
ظل واقفا في الظلام بضع ثوان بدت كالدهر ..‏
هنا فقد ( تورلسون ) رباطة جأشه وصاح في توتر ( ولكم كان يخشى ان يصيح في ‏توتر ) :‏
ـ" هل تريد شيئا معينا ؟"‏
ببطء أخرج الرجل ذراعه من جيب معطفه ولوح بها .. وبرغم الضوء الخافت ‏الواهن ، ادرك ( تورلسون ) ان ذراع الرجل اليمنى مبتورة تحت المرفق ..‏
‏***

^RAYAHEEN^ 30-12-05 11:23 PM



‏-4-


لم يحدث شيئا بعد هذا ..‏
لقد دوى صوت سرينة إحدى سيارات الدورية قادمة من المنعطف القريب ، ويبدو ‏ان حادثة ما وقعت في الجوار .. وقرر ( تورلسون ) ان الاصوب الآن ان يركب ‏سيارته ويبتعد . فيما بعد سيحاول فهم ما جرى وسيفزع كما ينبغي ان يكون .. لا ‏أسئلة محرجة الآن .. لا أسئلة ..‏
هرع لسيارته حاملا الكيس ، وأدار محركها ، وتراجع للوراء ليغير اتجاهه .. لاحظ ‏بطرف عينه ان الرجل الغامض لم يعد هناك .. لا وقت لهذا الآن .. ثمة وقت كاف ‏فيما بعد للبحث عن تفسيرات مقنعة .. ابتعد عن النهر ودخل احد الشوارع وحافظ ‏على سرعة عادية لا تريب ، وسرعان ما رأى السيارة مصدر السرينة .. كانت ‏سيارة دورية مسرعة لا تهتم بالنظر من حولها ، وخلفها كانت سيارة إطفاء حمراء ‏تلحق بها بذات السرعة ، لكنها لا تصدر سرينة لانها اكتفت بما تصدره الأولى .. ‏كانت ملحمة الأضواء الملونة تذكره بالأحلام .. بل الكوابيس ..‏
مشى وراء الموكب الثنائي لانه كان يقطع نفس الطريق .. غريب هذا ! حريق في ‏نفس المنطقة ، وربما نفس الشارع ..‏
بل في نفس البناية !!‏
لأنه حين وقف في الشارع رأى فوضى هائلة ، وكانت الأرض زلقة غارقة بالمياه ، ‏بينما وقف الجيران المذعورون بثياب النوم يرمقون سلم الإطفاء وهو يرتفع الى ‏الطابق الرابع .. وكانت النار تندلع كانها وحش غاضب لا يسكته شيء .. نار ‏وأضواء كشافات واضواء ملونة من سيارتي الدورية والإطفاء .. حقا إن هذا ‏لكابوس !‏
وصاح احد الجيران وهو يحتضن زوجته وابنته :‏
ـ" كنا سنحترق احياء لو لم تشم ( سيبيل ) رائحة الشياط "‏
هنا هرع احد رجال الإطفاء حاملا خرطوما .. انزلقت قدمه في أثناء الجري ن ‏فسقط ارضا .. لسبب مجهول لم يتمالك ( تورلسون ) نفسه من الضحك .. بدا له ‏المشهد سخيفا كإحدى كوميديات ( الفارس ) .. مضحك ! ها ها ها ! كل هذا ‏مضحك ! ها ها ها !‏
نظر له احد الجيران بضيق وغمغم :‏
ـ" من المهين ان تسخر من هؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم من اجلنا .."‏
ـ" معذرة .. إنه انفلات عصبي لا اكثر .. لم اتعمد هذا .."‏
ودنا احد الضباط المبتلين بالعرق والماء من الواقفين ، وصاح :‏
ـ" النار اندلعت من الطابق الرابع .. شقة رقم 17 .. لا نستطيع الدخول لإنقاذ ‏السكان .. هل نجا أحدهم ؟"‏
بلهجة مخدرة كمن نوم مغناطيسيا قال ( تورلسون ) من بين شفتيه المغلقتين :‏
ـ" لا داعي للبحث عن سكان الشقة ايه االضابط .. لم يكن بها سوى ساكن واحد ‏‏.."‏
ـ" هل تعرفه ؟" ‏
ـ" إنه انا !"‏
‏*** ‏
كانت معه بطاقة الإئتمان ، وقد استطاع ان يحصل على غرفة في ذلك الفندق ..‏
إن يوما شاقا ينتظره غدا وأسئلة كثيرة عن سبب الحريق .. لقد أجاب عن الكثير ، ‏لكن هناك المزيد دائما .. وتهمة الإهمال ستظل تتأرجح أمام عينيه طويلا .. التفسير ‏الأقرب للمنطق ان هناك ماسا كهربيا حدث في الشقة .. لا يعرف .. هذه أشياء ‏يعرفها المحققون بسهولة غدا ، أما الآن فهو في كارثة .. لقد احترقت مكتبته التي ‏كانت خليطا فريدا من كتب الطب والسحر .. هذه هي الخسارة الأهم ، اما المال فلم ‏يكن في الشقة الكثير .. الأثاث يمكن دائما تجديده ، وبعض الإصلاحات يمكن ان ‏تعيد الشقة لحالتها القديمة او ما يشبهها . . المشكلة والخسارة الحقيقية هي الكتب ‏، وهذه لا تقدر كنوز الأرض على استعادتها ..‏
لماذا حدث ماذا حدث ؟
لقد ارتبط هذا برؤيته ذلك الشخص الغامض مبتور الذراع .. ما علاقته بالامر ؟ إنه ‏لم يحب رؤيته كثيرا ولسبب لا يفهمه .. وحقا إنها لصدفة غير عادية .. يحاول ‏الخلاص من ذراع فيمنعه من ذلك ظهور رجل مبتور الذراع ..‏
ما الذي كان هذا المخبول يريد ؟ ولماذا تقدم نحوه بهذه الثقة كمن يطالب بحق ‏مشروع ؟
كانت أعصابه متوترة بحق ، وقرر ان يكف عن اللهو بهذه الامور فيما بعد .. على ‏من يمارس السحر الاسود ان يتمتع بأعصاب من حديد ، وهو مهزوز بعنف من ‏جراء أحداث تلك الليلة الصاخبة ..‏
لا يدري متى نام لكنه فعلها .. وفي منامه رأى كوابيس عديدة أسوأ ما فيها انها ‏متداخلة ، وأنه لم يذكر منها حرفا حين أفاق .. فقط يذكر انها كانت ليلة سيئة بحق ‏‏.. ولحسن الحظ انه ترك يد المجد هذه في السيارة في المرآب ، والا لزادت الطين ‏بلة ..‏
كان النهار قد اطل ، فقرر ان يبدأ ترتيب اموره سريعا .. لو كان رجال الشرطة قد ‏فرغوا من المعاينة ، ولو كانت حالة البناية تسمح ، فإنه سيمضي الليلة القادمة في ‏شقته لان هذا الفندق ليس مريحا ..‏
‏*** ‏
لم تكن اليد في الكيس !‏
كانت خارجه وعلى المقعد الخلفي ، وهو متأكد تماما من أنه تكرها في الكيس ، ‏ودارى الكيس تحت المقعد الأمامي الجانبي .. اشياء كهذه لا يخطئ المرء فيها ‏خاصة إذا فعلها وهو متيقظ نشط ، وقد كان متيقظا نشطا أمس ..‏
كان هذا غير مريح بالتأكيد ، وهو من الطراز الذي يعرف جيدا ما يفعله .. لا يمكن ‏ان يكون فعلها غافلا امس .. هناك من فتح السيارة وأخرج اليد من الكيس .. هذا ‏واضح ..‏
عند الظهيرة احترقت السيارة .. نعم .. احترقت وهي في موقف سيارات بالساعة ‏وسط المدينة ، ولا داعي لذكر ان اليد لم تكن فيها وقتها ، لانه اخفاها في خزانة ‏أمانات بالمحطة ..‏
لم يجد رجال الشرطة ما يريب في الحادث ، فلم ير احدهم شخصا يدنو من السيارة ‏طيلة ثلاث ساعات كاملة .. هذه الاشياء تحدث احيانا .. شرارة من المكان الخطأ ‏تذهب الى مكان اكثر خطأ ، او هذا هو التفسير الوحيد ، ولنحمد الله على ان ‏الحريق كان محدودا ولم يؤذ احدا ، ولم يمسك بالسيارات المجاورة .. هل لديك ‏تأمين على السيارة يا دكتور ؟ سيكون عليك ان تبرهن لهم على انك لم تشعل النار ‏عمدا للحصول على مبلغ التأمين .. بعد هذا لن تخسر مليما واحدا ..‏
إلا انه من العسير تصديق حدوث حريقين في وقت واحد لرجل واحد ، وكان عليه ‏ان يقنع رجال الشرطة بما لم يقتنع به هو نفسه : هذه صدفة لا اكثر ..‏
وفي المساء اصيبت زوجته السابقة بانفجار في الزائدة الدودية .. واتصلت به ‏والدتها لانه لا بد ان يساعدها في أمور كهذه .. لا يوجد معها احد وعليه ان ‏يتصرف ..‏
وفي الحادية عشرة مساء كان قد انتهى من أمر المستشفى ، واطمأن على مطلقته ‏‏.. وادرك انه لن ينام قبل ان يقوم بعمل مهم .. اتصل بصديقه الذي سهل له عملية ‏الحصول على الذراع .. طلب لقاءه للأهمية ..‏
‏*** ‏
ـ" لكن دعني اقل لك عن من يله بالنار يحترق بها .. وهذه الأشياء ليست للهو .."‏
‏*** ‏
وفي غرفة مكتب صديقه جلس يجفف العرق عن وجهه ، ويقول وهو يرتجف بلا ‏انقطاع :‏
ـ" كل هذه ليست مصادفات .. حياتي كلها قد دمرت او تغيرت في أربع وعشرين ‏ساعة .."‏
قال صديقه الخبير للآثار :‏
ـ" ثمة أشياء كهذه حدثت من قبل .. انت تعرف ما أصاب اللورد ( كارنافون ) بعد ‏العثور على مقبرة ( توت عنخ آمون ) .. إن هذه القصص الرهيبة يمكن ان تملأ ‏مجلدات .."‏
ـ" خطر لي ان هذه هي بالضبط لعنة الفراعنة كما وصفها الأقدمون .. انا رجل علم ‏ولا يجب ان اصدق هذا لكن .."‏
ـ" رجال العلم الذين لا يصدقون هذا ، لا يجوبون الشوارع ليلا يجربون وصفة ‏سحرية من العصور الوسطى .. انت تعرف كما اعرف انك تصدق هذا وتؤمن به .. ‏وعلينا الا نكابر .. يبدو انك ايقظت لعنة فرعونية شديدة البأس من قبرها .. ويبدو ‏أن هناك من يحنق عليك بشدة .."‏
نظر لصاحبه في قنوط وتساءل :‏
ـ " هل يمكن ان يكون هناك تفسير اكثر منطقية ؟"‏
ـ" لو أقنعتني انه من الممكن أن يحترق بيتك وسيارتك ، وتمرض مطلقتك في يوم ‏واحد ، لكان بوسعي أن اؤكد لك ان الفراعنة لا دخل لهم في الموضوع .."‏
ـ" والعمل ؟"‏
قال صديقه وهو يصب بعض القهوة في كوب ورقي :‏
ـ" انت تعرف الحل .. لا بد من تصحيح هذا الخطأ .. لا بد من إعادة الذراع إلى ‏المومياء التي اخذت منها .."‏
ـ" تعني ان اعود الى مصر ؟"‏
ـ" لا اجد حلا آخر .. لا يمكن ان ترسل الذراع بالبريد المسجل ، وتوجه الطرد الى ‏الريس ( خميس ) هذا .."‏
فكر ( تورلسون ) قليلا وهو يمتص القهوة من الكوب الورقي .. لا يدري هل ‏الانتعاش الذي يحسه هو من القهوة ام من الفكرة الموحية بالخلاص .. لكنه بالفعل ‏بدأ يرى الفكرة لا باس بها .. عودة المياه الى مجاريها هي ما يريد ، ولو كانت ‏الذراع بريئة من كل هذا ، فقد قام بما ينبغي القيام به ..‏
قال لصديقه وهو يلقي بالكوب في سلة المهلات :‏
ـ" اطلب لي إحدى شركات السياحة .. يبدو أنني سأمضي أسبوعا في مصر على ‏سبيل الترفيه .."‏
‏***

dido 31-12-05 02:50 AM

معقوله صوتى عجبك ربنا يخليكى
استنى كدة لما اشوف ياليل ياااااااااياااااااااااا
حرام عليكى دا صوتى وحش
ههههههههههههههه
لكن مادام عجبك انتى حره
ولقد اعذر من انذر
يااااااااااايايايايايااااااا
احم احم يااااااااااا

يليللللللللللللل

dido 31-12-05 02:57 AM

ادا ادا كل الناس مشيت

يكونش العيب من الاغنيه
هههههههه(ضحكه شريره)
اسمعى دى يااااااااااااايااااااااااا
ياااااااااااااااعيننننننننننن
لو عجبتكو اروح اغنى واعمل كليب
ههههههههههههههههههه
هههههه(ضحكه هبله)
وتسلم ايديك يا راياحين
ونعود بعد الفاصل
ههههههههههه

^RAYAHEEN^ 31-12-05 07:32 AM


ديدو
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
صوتك وحــ عفوا حلو بشكل ههههههههههههههههههههههههههههه
انا بنصحك تغني من دون صوت
ولو فكرت تجرب صوتك اعمل حسابك ووزع قطن على الجمهور
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
تسلملي على مرورك
وان شاء الله الجزء القادم من القصة في احداث مميزة
هيك بتوقع
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 01-01-06 10:14 PM



الجزء الثاني ‏
وطبيب مصري لا يفهم ما يدور ..‏
‏ -1-


أنا المختار من بين الملايين ، الذي يخرج من العالم السفلي ..‏
الذي لا يعرف اسمه احد ‏
إذا نطق اسمه على مجرى الماء جف ..‏
وإذا نطق اسمه فوق اليابسة اشتعلت النار ..‏
‏( تعويذة فرعونية قديمة )‏
‏*** ‏
لا ادري لماذا جاءني هذا الهاتف ولا ما دوري انا في القصة كلها ، لكن الساعة ‏كانت التاسعة مساء حين دق الجرس ، وسمعت صوتا نرويجيا باردا يتساءل عما ‏إذا كنت انا ( رفعت إسماعيل )..‏
قلت له إنني انا ، وانا اتوجس من سر هذه المكالمة ، كنت طيلة حياتي امقت ‏المكالمات النرويجية في المساء ، ويبدو انني كنت على حق ..‏
ـ" انا ( تورلسون ) .. د. ( يوهان تورلسون ).. تقابلنا في مؤتمر الشهر الماضي ‏‏.."‏
طبعا كنت اتذكر كل شيء لكنني اردت بعض الوقت كي أرتب أفكاري .. قال لي :‏
ـ" انا اتكلم من القاهرة من فندق ( ...) هل يمكن ان يسمح وقتك بلقاء في مكان ‏ووقت يناسبان كلينا ؟"‏
حككت رأسي مفكرا ، وقل وأنا اتمنى ان اجد سبيلا للفرار :‏
ـ" ليكن .. سأقابلك في لوبي الفندق غدا في العاشرة صباحا .."‏
ووضعت السماعة شارد الذهن .. ماذا جاء بهذا الرجل هنا ، وهو قد عاد لبلاده منذ ‏اسبوعين لا اكثر ؟ ما سر هذه الصداقة المفاجئة وهو من الطراز البارد الرسمي ، ‏الذي يحتف بكل يوم يخسر فيه صديقا ؟ طبعا يريد خدمة ما ، فهذا هو السبب ‏السحري الوحيد الذي يحيل غير الودودين ودودين فجأة .. لكن أية خدمة ؟
‏*** ‏
ـ" إن الأمر يتعلق بمومياء !"‏
قالها لي محاولا ان يبتسم ، لكن ابتسامته لم تنجح إلا في أن يسقط قدح القهوة من ‏يدي ، حيث جلست في لوبي الفندق الفخم .. هذه آخر خدمة كنت اتوقعها ، ثم ما ‏دخلي أنا في هذا الأمر ؟ المفترض انه لا يعرف سمعتي السوداء في هذا الصدد .. ‏السمعة التي احاول ان اخفيها حتى لا تختلط بصورة الطبيب المحترم .. لا اريد ان ‏ينظر لي الناس كأحد المجاذيب او المشعوذين الذين يملئون الأزقة خلف مسجد ( ‏الحسين ) ..‏
قلت له محاولا ان اتمالك نفسي :‏
ـ"أعتقد ان عندك قصة مهمة شائقة تفسر كل شيء ، وإنني لفي غاية الامتنان لو ‏قصصتها على الآن .."‏
كان ـ كما قلت لك ـ اشقر جدا . ازرق العينين جدا .. احمر البشرة جدا .. باردا .. ‏لكنه الآن لم يعد باردا إلى هذا الحد .. ثمة خبرة قاسية مروعة مرت به ، وجعلته ‏اكثر إنسانية ، ولاحظت ان زاوية فمه ترتجف اكثر من اللازم ، وان يده اليمنى ‏تمسك باليسرى كي لا تهتز ..‏
راح يحكي ورحت اصغي ،، وإنني لارجوكم ان تسمحوا لي بالإنصات قليلا .. انتم ‏تعرفون ما لا اعرفه طبعا .. كلا .. لن اكرر ما قال لأنني لست من هذا الطراز من ‏الكتاب .. الشيء الوحيد الجديد الذي لم تعرفوه هو ان الرجل جاء بالذراع معه في ‏حقيبته ، وقد اعتزم ان يردها الى موضعها ..‏
حين انتهى من كلامه كان سؤالي المنطقي هو :‏
ـ" ولماذا انا بالذات ؟"‏
قال وهو يضع ساقا على ساق شاعرا بالرضا لأنه انتهى من هذه القصة التي كانت ‏حملا على كاهله :‏
ـ" انت مصري اولا .. هذه نقطة مهمة لانني أجهل كل شيء عن هذا البلد .. أعرف ‏كل شيء عن تاريخه لكنني لا اعرف شيئا عن جغرافيته .. باختصار لا بد من واحد ‏من اهل البلد يساعدني .."‏
ـ هذ نقطة قد أفهمها .. والنقطة الأخرى ؟"‏
ـ" انت مهتم بهذه الامور . لقد سألت عنك زملاءك في المؤتمر ، وكان التعليق ‏الوحيد الذي يتكرر دائما هو : إن ( رفعت إسماعيل ) حجة في عالم ما وراء ‏الطبيعة .. ربما لهذا لم يمتلك عيادة خاصة .. ربما لهذا لم يتزوج .. ربما لهذا لا ‏يملك مالا .. إنه راهب الغموض والأسرار المتوارية تحت الأرض .."‏
كنت اتوقع شيئا من هذا .. لا يمكن ان يجد احدهم ان لخالته نابين ، أو ان عيني ‏جاره مشقوقتان بالطول ، إلا ويجد من ينصحه بأخذ رأي العجوز ( رفعت إسماعيل ‏‏) لأنه يفهم في هذه الأشياء ..‏
قلت له في تهذيب :‏
ـ" دكتور ( تورلسون ) .. انا متفق معك تماما في وجوب إرجاع هذه الذراع ‏لمكانها .. ليس لتنتقي لعنة الفراعنة فأنا لست واثقا من أن هذه هي مشكلتك ، ‏ولكن لعدة أسباب .."‏
ورحت اعد على يدي :‏
ـ" أولا : هذه طريقة غريبة مهينة لمعاملة البلد الذي استضافك ، فما كان منك أن ‏سرقت آثاره .. مثلك مثل الضيف الذي يزروني ثم يتسلل الى المطبخ في اول فرصة ‏، ليسرق قطعة لحم من إناء الطهي .."‏
قال في ضيق وقد قرر ان يغضب هذه المرة :‏
ـ" لحظة .."‏
ـ" لا تقاطعني ارجوك ..لا داعي للكلام الرسمي لأننا نريد ان نتكلم بصراحة مطلقة ‏‏. أنتم الغربيين تتعاملون مع كنوزنا باستخفاف وغلظة كأنها ليست من حقنا .. ‏ويبدو انكم لن تشفوا من هذا الداء قريبا .. يمكنكم دائما فهم غضب الإيطاليين ‏بسبب وجود ( الموناليزا ) في فرنسا ، بينما لا تفهمون أبدا لماذا نغضب بسب ‏وجود تماثيلنا في أوروبا .. ثانيا : انت خرقت احترام الموتى وحق هذا الفرعوني ‏المسكين في أن يدفن بالطريقة التي اختارها لنفسه .. أنت تعرف كم كان الفراعنة ‏يقدسون الموت ، ويقدسون سلامة جسدهم وقت الحساب ، ولهذا اخترعوا التحنيط ‏‏.. ربما كان هذا كله هراء ، لكن من حقهم ان نتركهم في الصورة التي أرادوا ان ‏يظلوا بها ، انت تقابل في الغرب من يطلب كتابة قصيدة معينة على قبره ، او دفن ‏كراس معه ، وتجد من علامات التحضر ان تفعل ما طلب وتلتزم به حرفيا .. لماذا ‏تفترض ان هذا الفرعوني لا يستحق مجاملة اخيرة كهذه ؟ لقد استقبلت فرنسا ‏مومياء ( رمسيس ) الثاني باستقبال رسمي جدير بالملوك ، باعتباره ملك دولة ‏صديقة .. إن ( رمسيس ) لن يعرف بشيء من هذا كله ، لكن المهم هو المعنى ‏والمغزى .. هذا هو ما يجعلنا بشرا متحضرين .."‏
ـ" ثالثا : انت سرقت جزءا من جثة آدمي لتستخدمها في السحر الأسود .. لا يوجد ‏أحط من هذا إلا الساحرات اللواتي كن يلتهمن قلوب الأطفال النابضة .. الساحرات ‏كن يحرقن او يغرقن مثقلات بالحجارة .. فماذا يكون مصيرك انت في عصر العقل ‏هذا ؟ لا شيء سوى ان أبدى ضيقي ونفوري .."‏
ـ" لا شك انك اتخذت القرار الصائب .. ربما كان متأخرا لكن لا حل أمامك سواه .. ‏اما انا فلا املك إلا ان اتمنى لك التوفيق ، واقر انني لست خير من يساعدك في هذا ‏الموضوع .."‏
قال في ضيق :‏
ـ" انت ذهبت من قبل وحدك ولم تجد صعوبة ما .. يمكنك ان تفعلها ثانية .. أما انا ‏فارتباطاتي هنا تحول بيني والسفر .. ثم إنني لن افعل سوى ما ستفعله انت .. اين ‏الريس ( خميس ) يا شباب ؟ ها هو ذا يا سيدي .. يا ريس ( خميس ) .. هذه هي ‏الذراع ..خذها واعدها حيث كانت .. شكرا .. سلام .." ‏
نظر لي بعض الوقت ، شاعرا ـ طبعا ـ أنه اضاع وقته وكبرياءه ، وتلقى درسا في ‏الاخلاق ممن لا يستحق .. رشف ثمالة الهقوة ثم نهض واغلق ازرار سترته وترك ‏المكان ..‏
‏*** ‏
لكن دعني اقل لك إن من يله بالنار يحترق بها .. وهذه الأشياء ليست للهو .."‏
‏*** ‏
ـ" هذا بالطبع إن لم تكن انت الشيطان ذاته !"‏
‏*** ‏
فيما بعد عرفت ما حدث ..‏
لقد ارتحل الرجل في اليوم التالي إلى الأقصر ، واستقر في نفس الفندق الذي كان ‏يقيم به في المرة الأولى ،فما إن أفرغ حاجياته من الحقائب ، حتى ارتدى قميصا ‏قصير الكمين وصندلا بما يناسب حرارة الجو القاتلة ، ونزل إلى الطريق يبحث ‏عمن يدله على الريس ( خميس )..‏
في المرة الأولى كان الأمر سهلا لأن الريس ( خميس ) هو من وجده ، وكان أحد ‏النرويجيين قد اتصل به ، واخبره بالضيف المنتظر ، اما الآن فعليه ان يجد الرجل ‏بنفسه ..‏
سأل عن الرجل في بعض البازارات لكن اصحابها ـ الذين كانوا يجيدون الإنجليزية ‏لحسن حظه ـ لم يتعرفوا الاسم.. ونصحوه ان يبحث بين الأدلاء ..‏
ركب عربة حنطور ، وقرر ان يسأل سائقها .. إن هؤلاء القوم أدلاء بالفطرة ، ‏ويعرفون كل إبرة في المكان .. المشكلة كانت هي ان الرجل لا يعرف من الإنجليزية ‏إلا بضع جمل ..‏
بعد جهد فهم الرجل ان السؤال عمن يدعى الريس ( خميس ) ، وفهم النرويجي ان ‏الرجل ينصحه بالسؤال في البر الغربي ، لان عشش هؤلاء القوم متناثرة هناك .. ثم ‏حك السائق ذقنه مفكرا وقال :‏
ـ" أعرفه .. تقول الريس ( خميس ) ؟ اعتقد انني اعرفه .."‏
ثم كان ان نصحه بسؤال من يدعى ( هميدة ) .. ( حميدة ) طبعا لو ترجمنا الكلام ‏الى العربية ..‏
وهكذا عبر النرويجي التعس المعدية الى البر الغربي .. من جديد يحييه الذباب الذي ‏لا يترك الوجه إلا ميتا .. بحث وسط الادلة الكثيرين ، وهو لا يردد إلا كلمتين ( ‏خميس ) و ( حميدة ) .. اخترق عشران من الخيول وعربات الكارو وهو لا ينفك ‏يبحث عن وجه بعينه ..‏
اخيرا برز ( حميدة ) من بين القوم ، وكان شابا في العشرين من عمره ، اسمر ‏اللون مجعد الشعر يرتدي سترة وسروالا من مخلفات الجيش ، ويبدو ان عمره ‏العقلي ـ بحكم التعامل اليومي ـ لا يقل عن الاربعين .. لها سال النرويجي بطريقة ‏البيع لا الشراء وهو يغمض إحدى عينيه تشككا :‏
ـ" لماذا تريده ؟"‏
كانت إنجليزيته افضل قليلا من سلفه ، لكنها ظلت إنجليزية ترجمانات كما نعرفها ‏نحن المصريين ..‏
قال ( تورلسون ) في نفاد صبر :‏
ـ" انا سائح وهو ترجمان .. لماذا اريده إذن ؟ خمن !"‏
ـ" من العسير ان تقابله .. لكن لو كنت بحاجة إلى ترجمان .."‏
ـ" فيما بعد .. فيما بعد .. ولماذا لا استطيع ان أقابله ؟"‏
هنا قال الفتى ما توقعتموه بالضبط ..‏
قال إن الريس ( خميس ) توفاه الله منذ يومين ..‏
‏*** ‏

^RAYAHEEN^ 01-01-06 10:15 PM



‏-2-


ارتجف ( تورلسون ) وعاد يكرر الكلمات .. الرجل مات منذ يومين ، وهو تقريبا ‏الوقت الذي وصل فيه الى مصر ..‏
إنها رسالة واضحة جدا .. كيف مات الرجل ؟لا احد يدري على وجه اليقين .. إنه ‏رجل مسن وهذه اعمار .. من يضمن منا ألا يسقط ميتا الآن حالا ؟
ـ" وهل .. هل دفن ؟"‏
ـ" طبعا يا خواجة .. هل كن تريد ان ننتظرك ؟"‏
كانت مشكلة قوية .. يمكنه ان يترك الذراع او يتخلص منها في أي مكان .. لكنه ‏كان يعرف ما هو افضل من هذا .. يعرف ان عليه دينا يجب سداده .. فإن لم يسدده ‏كان عليه ان يدفع ثمنه بالدم و ـ في أفضل الظروف ـ بالرعب طيلة حياته ..‏
لم تطل به لحظة التردد ، واتخذ قراره سريعا .. انتحى بالفتى جانبا ، وقال له ‏هامسا : ‏
ـ" ثمة خدمة أريدها منك .. انا مستعد ان ادفع .. ادفع بسخاء .."‏
لم يقل الفتى شيئا مواصلا سياسة ( بيع لا شراء ) التي تبناها من اللحظة الأولى ، ‏فقال ( تورلسون ) :‏
ـ" ثمة شيء جلبه الريس ( خميس ) لي .. شيء لا ارغب فيه وارجوك ان اعيده ‏الى حيث كان .. هل تفهم كلامي؟"‏
قال الفتى مواصلا توجسه :‏
ـ" أي شيء بالضبط ؟ هل تتكلم عن أثر يا خواجة ؟"‏
ـ" نعم .. نعم .. قطعة من مومياء لو شئت الدقة .."‏
ـ" إذن انت أخطأت المكان والشخص .. نحن لا نتاجر في الآثار .."‏
كان يتوقع هذه الإجابة ، فعاد يلح :‏
ـ" الامر لا يتعلق بأخذ شيء ولكن بإرجاعه حيث كان .. الفارق واضح.."‏
قال الفتى في حدة وهو يتهيأ للابتعاد :‏
ـ" شرطة الآثار لا تعرف الفارق بين من يحمل قطعة من جثة لتهريبها ، وبين من ‏يحملها لإعادتها، ولن يصدق احد أي كلام عن إرجاع الأثر لمكانه .."‏
ـ" سأدفع بسخاء .."‏
وفي قبضة الفتى استقرت حفنة من الأوراق المالية ، فنظر لها مليا .. ثم اشعل ‏لفافة تبغ ودس الأوراق في جيبه .. لقد بدأ يلين نوعا ..‏
ـ" ثمة مبلغ مماثل لهذا بعد انتهاء العملية .."‏
ـ" لحظة .. لماذا تفترض انني اعرف من اين جاء الريس ( خميس ) رحمه الله ‏بهذه القطعة ؟"‏
ـ" انتم تعرفون هذه الأشياء جيدا .. وأعتقد انه في مهنتكم لا توجد أسرار .."‏
كان يعرف جيدا قصة قبيلة الحربات التي كان أهلها يعرفون ويتوارثون سر أربعين ‏مومياء مخبأة في الجبل وكان هذا هو مدر رزق القبيلة حتى انكشف الأمر عام ‏‏1881 .. لقد رأى كأكثر الأوربيين فيلم ( المومياء ) الذي اخرجه ( شادي ‏عبدالسلام ) ، وهو يعرف ان القصة حدثت فعلا .. هؤلاء القوم يملكون أسرارا ‏خاصة بهم ، محرمة على سواهم ..‏
لكنهم جميعا بلا استثناء يعرفونها ..‏
فكر الفتى بعض الوقت ثم قال :‏
ـ" ليكن .. هات الشيء عند الغروب ، وسأرى ما أستطيع عمله .. سأكون بانتظارك ‏عند ( الرامسيوم ) .. هل تعرفه ؟"‏
ـ" طبعا .. انا اعرف ( طيبة ) كظهر يدي .."‏
ابتسم الفتى ساخرا ونفث سحابة كثيفة من الدخان ، وقال :‏
ـ" إنها لم تعد ( طيبة ) يا خواجة .. إسمها الآن الأقصر .."‏
ـ" إنها ما زالت ( طيبة ) بالنسبة لي .."‏
ولا بد أنه حين انصرف لم يلحظ نظرة الفتى الساخرة الى ظهره ، وبعدها طوح ‏لفافة التبغ وعاد يواصل عمله ..‏
‏*** ‏
وبينما كانت الشمس تنحدر نحو الافق الغربي ، حتى لتكاد تسمع صلوات كهنة ( ‏آمون ) القديمة .. التقى الرجلان : المصري الشاب والنرويجي الكهل .. نظر ( ‏تورلسون ) حوله ثم مد يده بكيس ورقي كبير إلى ( حميدة ) ، وقال هامسا :‏
ـ" هل عرفت من أين جاءت ؟ هل من وادي الملوك ؟"‏
ابتسم الفتى في غموض وقال :‏
ـ" انت لم تأت لتسأل أسئلة .. لاحظ أنني لم اسألك لماذا أردت هذه القطعة ، ولا ‏لماذا تعيدها .. كل واحد لديه أسرار يكره ان يعرفها الآخرون .. والآن القاك غدا في ‏نفس المكان والزمان لأخبرك بما فعلت أو أعيد إليك أمانتك .."‏
طبعا لم يكن ( تورلسون ) بالسذاجة التي تجعله يتوقع أنها من وادي الملوك، لكنه ‏كان يسأل لمجرد السؤال .. إن هذا الوادي يحوي جثثا ثمينة بحق لا يمكن العبث ‏بها .. لكن هناك مومياوات كثيرة في الأقصر ، أكثرها لعامة الشعب الذين لا يذكر ‏التاريخ اسماءهم ، وربما لا تعرف هيئة الآثار عنهم شيئا .. وبالتأكيد لن يشعر احد ‏بفقد ذراع أحدهم ..‏
كان أول فرعون يفكر في الدفن قرب النيل هو ( أمنحتب الأول ) من الأسرة 18.. ‏قبلها كان الفراعنة يفضلون بناء المصاطب والأهرام ليدفنوا فيها حتى يناديهم ( ‏اوزيريس) للحساب ، لكن المشكلة هنا هي ان اللصوص كانوا متحمسين أكثر من ‏اللازم ، ولم يكونوا ممن يخافون لعنة الفراعنة على ما يبدو ، وكان من المهم ‏للمصريين القدامى أن يلقوا حساب ( أوزيريس) بكامل أعضائهم وكنوزهم وإلا ‏فالويل لهم ..‏
لهذا قرر الفرعون ( أمنحتب الاول ) ان يجد لنفسه مكانا بعيدا غير روتيني ليدفن ‏فيه .. مكانا محاطا بالجبال الوعرة ودانيا من النيل نهر الحياة ..‏
وسرعان ما وجد الفراعين الذين تلوه ان هذا الموضوع مريح ومبهج وآمن .. ‏وتكون وادي الملوك بنفس السرعة التي تنشأ بها قرى الساحل الشمالي اليوم .. ‏لكنهم لم يستطيعوا الخلاص من عادة الأهرام المحببة ، لهذا اختاروا ان تطل على ‏قبروهم هضبة هرمية يسميها الناس هنا ( القرن ) ..‏
هل ظلوا آمنين كما توقعوا ؟ بالطبع لا وإلا ما كنا نعرف عنهم أي شيء .. وكان ‏الاخ المغامرالإيطالي ( بلزوني ) ـ عام 1817 ـ هو أول من ازعج سباتهم الطويل .. ‏لقد وجد مومياء في هذا الوادي ، وكانت تخص الملك ( سيتي ) الاول .. بعدها ‏توالت الكشوف ، وصار وادي الملوك اشهر من نار على علم ..‏
في اليوم التالي ، تم اللقاء وقال ( حميدة ) باسما وهو يشعل سيجارته :‏
ـ" كله تمام يا خواجة .. اطمئن .."‏
ثم مد يده ، ولم يكن امام ( تورلسون ) إلا ان يصدقه .. اخرج رزمة مكتنزة من ‏المال ودسها في يد الفتى ، وسأله بحذر : ‏
ـ" هل اعدتها لنفس المكان ؟"‏
قال الفتى ما معنا :‏
ـ" عيب .. انت تتعامل مع رجل .."‏
ـ" والتفاصيل ؟"‏
ـ" لا أسئلة .."‏
ودون كلمة أخرى راح يثب فوق الحجارة قاصدا مجموعة من السياح تدخل المعبد ‏‏..‏
ما كان لدى ( تورلسون ) إلا ان يصدقه ويعود إلى الفندق ..‏

Ala_Daboubi 02-01-06 09:08 AM

kol 3am wenti bkhair , 7illlllllllllllllllllllllweh

^RAYAHEEN^ 02-01-06 09:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
kol 3am wenti bkhair , 7illlllllllllllllllllllllweh

وانت ابألف خيرررررررررررر
تسلم ،،،

dido 02-01-06 08:38 PM

شكرا على مجهودك ياباشا
وربنا يخلى سنتك الجديدة كلها خير وسعاده
ربنا يباركلنا فى منتدانا الجميل
وشكرا على طووووووووووووووول رياحينووو

^RAYAHEEN^ 02-01-06 10:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
شكرا على مجهودك ياباشا
وربنا يخلى سنتك الجديدة كلها خير وسعاده
ربنا يباركلنا فى منتدانا الجميل
وشكرا على طووووووووووووووول رياحينووو

تسلم يا رب
وان شاء الله تكون سنتك سنة خير عليك وعلى كل الي حوليك
وتقدر تحقق فيها جزء من احلامك
والله يبعد عنك كل كرب ومكروه

^RAYAHEEN^ 02-01-06 10:58 PM



-3-


القاهرة ..‏
حيث كنت انا امضي فترة من أجمل فترات حياتي ، برغم كراهيتي العارمة للحر ‏الذي تسلسل إلى كل خلية من جسدي .. كانت الحياة هادئة كاللبن البارد ، واعتدت ألا ‏يحدث شيء ما .. لقد كف أقاربي عن الموت ( ربما لأنهم انتهوا ) ، وكفت الأشباح ‏عن مضايقتي ( ربما لأنها عرفت انه لا خطر مني ) ، وكف اصحاب الأسرار ‏الرهيبة عن طلب رأيي ( ربما لأنهم ادركوا ألا جدوى هنالك..)‏
في هذا الوقت تدخلت الصدفة ، في شكل دعوة على العشاء .. والداعي هو الدكتور( ‏رمزي حبيب ) خبير المصريات الذي التقيت معه من قبل في قصة لعنة الفرعون ( ‏أخيروم ) إياها .. كانت هناك مومياء ، وقد ارتكبت غلطة حين قررت ان اشرحها ‏بنفسي ، وكانت هناك بلورات تتناثر في كل صوب ، تهدى حارس المقبرة إلى ‏طريقي .. هل قرأتموها ؟لا ؟ إذن حاولوا ان ترجعوا إليها .. اعتقد انها كانت قصة ‏جيدة ..‏
كما تعرفون كان الدكتور ( رمزي حبيب ) مولعا بالبشر واجتماعيا ، وهي جريمة لا ‏تغتفر بالنسبة لي . لكني سامحته لسبب واحد : هذا الرجل كنز من العلم يمشي على .. ‏قدمين ، وكل مرة يفتح فيها فاه للكلام تضفي لعمري اعواما من الخبرة ..‏
كانت زوجته ( ماري ) تقدم لنا الطعام الذي طهته بنفسها .. وهي من النوع الذي لا ‏يحب الاكل ، لكنها تحب بحق ان ترى وحوشا تتصارع عليه حتى الموت . إن هذا ‏يملؤها فخرا .. وكما كانا في المرة السابقة لم ينجبا قط .. ومن الواضح انهما لن يفعلا ‏أبدا ..‏
بالطبع دار الكلام بيننا عن القصة السابقة ، وبما أنه كانت فيها مومياء غاضبة ، فقد ‏خطر لي ان احكي له عن قصة ذلك المجنون النرويجي ، وتجاربه المنزلية على يد ‏المجد .. لم اتوقع اهمية ما اقول للرجل ، لان الابتسامة راحت تضمحل شيئا فشيئا . ‏عن وجهه ، وبدأت اخاديد من الاهتمام تتكون هناك .. ربع ساعة حكيت فيها قصتي ‏كانت كافية لتبديل مزاجه كلية ..‏
ـ" وماذا حدث في الاقصر ؟"‏
قلت له في خفة :‏
ـ"لا شيء ..إنه يبحث الآن عن الريس ( خميس ) هذا ، وارجو الا تكون مهمته ‏يسيرة .."‏
قطب جبينه أكثر فأكثر وتوقف عن المضغ ، فقالت الزوجة مروعة :‏
ـ" آآآآه ! انت دست على ذيل الأسد النائم يا د.( رفعت ) ما كان لك أن تحكي قصة ‏كهذه لو كنت تعرف أدنى شيء عن زوجي .."‏
لم يسمع كلامها اصلا ، بل نظر لي نظرة سوداء كارهة وقال :‏
ـ" هذه امور لا مزاح فيها .. هذه سرقة آثار لا شك فيها ، وكان واجبك نحو هذا البلد ‏ان تبلغ عن ريسك ( خميس ) وطبيبك النرويجي هذين من اللحظة الأولى .."‏
ـ" هاأنذا قد أبلغت .."‏
ـ" بالصدفة .. إن امثالك هم سبب تدمير ثروتنا السياحية .. والمصيبة أن،ك من ‏الطبقة المثقفة لهذا البلد .. تصمت استهتارا او مجاملة ، ثم نجد ربع آثارنا هناك.. في ‏هذا المتحف او ذاك لدى هذا الثري ام ذاك .."‏
ونهض وقد عزم على اتخاذ إجراء سريع .. كلا .. ليس إعدامي طبعا بل إبلاغ ‏شرطة الآثار أن هناك من يدعي الريس ( خميس ) يقوم بتهريب أذرع المومياوات ‏للسياح المتحمسين في الاقصر ..‏
صحت فيه متوسلا :‏
ـ" ليكن .. لكن لا داعي لإبلاغهم عن ( تورلسون ) .. إن الرجل الآن يحاول إعادة ‏أثر لا سرقته .."‏
ـ" هذا لا ينفي انه سرقه من قبل .."‏
قلت متوسلا بحرارة أكثر :‏
ـ" ( رمزي ) .. لا داعي للإحراج أرجوك .. لقد ائتمنني الرجل على سره، ومن ‏المفترض ان اظل صامتا .. انت تعرف كما اعرف انه لن يؤذي احدا بعد الآن .. ‏سيفر فرارا إلى وطنه .."‏
بدأ يلين قليلا وهز رأسه بما معناه انه سيحقق لي هذا الحلم .. ثم قال والسماعة على ‏أذنه :‏
ـ" الم يخطر لهذا المخبول ان الترجمان قد خدعه ؟ ربما باعه ذراع جثة عادية ‏عولجت كي تبدو قديمة .."‏
قلت في حيرة : ‏
ـ" لم افكر في هذا .."‏
ـ" حدث هذا مرارا.."‏
ـ" إذن لا نكون امام قضية تهريب آثار بل قضية نصب .."‏
ـ" سنعرف هذا حالا .. آلو .. هل العميد ( عصمت) موجود ؟"‏
فلا تنس اننا كنا في عصر لم تتحول فيه رتب الشرطة إلى رتبتين لا أكثر : بك وباشا ‏‏.. ومضى يتكلم همسا مع الطرف الآخر ، بينما رحت أعبث بالملعقة في قدح الشاي ‏الفارغ شاعرا بالإثم ..‏
وحين عاد لي د.( رمزي ) قال وهو يجلس ويتناول قدح الشاي الذي برد دون أن ‏يشربه :‏
ـ" هكذا نعرف .. ثم إن لاهتمامي بالموضوع جانبا علميا .. ربما كان هذا الترجمان ‏يعرف مكان مقابر لا نعرفها .. إن قصة قبيلة الحربات شاخصة امام عيني كل عالم ‏مصريات .. إن كل شيء في الأقصر بالغ الأهمية .. ( طيبة ) عاصمة مصر القديمة ‏تحوي من الأسرار اكثر مما في رأسك .. أ .. في رأسي من شعر .. عرفها الإغريق ‏بهذا الاسم كما عرفوها باسم ( ديوسبوليس) ـ أي المدينة السماوية ـ والتوراة تسميها ‏‏( نو آمون ) أي ( مدينة آمون ) .. لقد بدأ عمرانها من عهد الاسرة السادسة .. ثم ‏تحولت الى عاصمة البلاد التي تدين بدين ( آمون ) ، فلم يخرق هذا إلا ( أخناتون ) ‏ولفترة وجيزة جدا .. وظلت صامدة إلى ان دمرها الرومان في القرن الأول الميلادي ‏‏..‏
ـ" وفي ( طيبة ) بدأ الملوك من الأسرة الثامنة عشرة يختارون قبورهم ، وهكذا تكون ‏وادي الملوك المهيب .."‏
سألته والعبارة التي قالها لا تفارق مخيلتي :‏
ـ" وهل تعتقد بوجود مومياوات لا تعرفون عنها شيئا بعد ؟"‏
فكر قليلا ثم قال :‏
ـ" إن فن التحنيط نشأ في مصر حوالي عام 4000 قبل الميلاد .. كان هذا كما تعلم ‏طقسا دينيا مهما بالنسبة لهم .. يقال إن كهنة الفراعنة قاموا بتحنيط نحو 730 مليون ‏جثة حتى انقرض هذا الفن حوالي سبعة قرون قبل الميلاد .. تخيل هذا ؟ 730 مليونا ‏‏! كم مومياء وجدنا نحن وكم بقي ؟ إن الاحتمالات لتدير الرءوس .. ولكن سنعرف ‏كل شيء بعد استجواب الريس ( خميس ) هذا .."‏
‏*** ‏
بعد يومين اتصل بي ليقول في الهاتف :‏
ـ" البقية في حياتك !"‏
صحت في جزع :‏
ـ" هل توفيت زوجتك ؟"‏
ـ" يا اخي الملافظ سعد .. لقد توفي الريس ( خميس ) هذا توفي منذ فترة ، ويبدو انه ‏في نفس لحظة وصول طبيبك النرويجي الى مصر .. الوفاة تبدو اقرب الى نوبة قلبية ‏او ربما هي كذلك فعلا .."‏
ـ" صدفة غريبة حقا .. وماذا عن النرويجي ..؟"‏
ـ" هل نسيت ؟ انت طلبت عدم إقحامه في الموضع .. بالطبع لا اعرف عنه شيئا .. ‏لكننا نجري بعض التحريات بين معارف الترجمان ، ويبدو أننا بصدد شيء مهم .. ‏أعتقد اننا سنجد المقبرة التي اخذت منها الذراع .. إن للشرطة وسائلها كما تعلم .."‏
كن تقد نسيت كل شيء عن الموضوع ، وبالطبع لم اكن مهتما بما تصل إليه ‏التحقيقات .. بعد ايام سيعلنون في الصحف عن اكتشاف مقبرة الأمير ( نخت ـ ساو ـ ‏رع ) ـ او شيء من هذا القبيل ـ من أمراء الاسرة التسعين لو كان شيء كهذا ممكنا ، ‏وتظهر الصور أثريا يضحك في جذل وهو يقف على باب مغارة محاط بالحبال ، ‏ومعه يختلس العمال جزءا من ابتسامات الصورة .. اسنان بيضاء وسط الوجود ‏السمراء ، وبعدها ننسى الأمر برمته ..‏
لكن ( تورلسون ) لم ينس ..نعود إلى ( تورلسون ) المسكين الذي عاد لى الفندق ، ‏ولسبب ما قرر ان يظل اياما في الأقصر قبل ان يعود إلى القاهرة .. كان يشعر ان ‏الأمور قد تحتاج إلى ان يظل هنا بعض الوقت ..‏
راح يقرأ في الفراش بعض الوقت ، وكان الكتاب الذي يطالعه يتحدث عن مصر ‏القديمة .. لا يدري متى هذه التعب فنام .. لا بد انه وجد الوقت الكافي ليطفئ النور ..‏
وهنا تداخلت رؤى الواقع ، بذكريات اليوم ، بأضغاث الأحلام .. ( حميدة ) والريس ( ‏خميس ) يقتادانه عبر نهر ( ستيكس ) الرهيب إلى مملكة ( هيدز ) حيث الأرواح ‏المعذبة .. قال لهما إن هذا هراء لان الامر لا يحمل طابع الأساطير الإغريقية ، ‏لكنهما كانا مصرين .. على باب ( هيدز ) يجلس المتسول العجوز يعزف على فيتارة ‏،ثم يتوقف ليقول له :‏
ـ" إن من يله بالنار يحترق بها .. ما لم تكن انت الشيطان ذاته ! ما لم تكن انت ‏الشيطان ذاته ! ما لم تكن انت الشيطان ذاته ! ما لم تكن انت الشيطان ذاته ! ما لم ‏تكن انت الشيطان ذاته ! ما لم تكن انت الشيطان ذاته !"‏
وتتردد العبارة عبر وديان ( هيدز ) ومن مكان يأتي الكهل ( رفعت إسماعيل ) وقد ‏بدا مثل ( شارون ) رسول الجحيم .. ينظر له ويقول :‏
ـ" مثلك مثل الضيف الذي يزورني ثم يتسلل إلى المطبخ في أول فرصة ، ليسرق ‏قطعة لحم من إناء الطهي .."‏
وتمتلئ السماء بالأذرع المبتورة والشموع المصنوعة من دهن المشنوقين ، وتتردد ‏لفظة ( يد المجد ) عبر الآفاق .. ويصرخ ( تورلسون ) .. يصرخ .. يصرخخخخخخ ‏‏!!!‏
وهب في الفراش شاعرا بالراحة المعهودة لمن يدرك ان هذا كان كابوسا ، لكنه حين ‏نظر جواره في الفراش وجد المومياء نائمة !‏
ويصرخ ( تورلسون ) .. يصرخ .. يصرخخخخخ خ!! ومن جديد يفيق ليدرك انه ‏رأى كابوسا ضمن كابوس ، وهو أسلوب فريد شبيه بالمسرحية ضمن المسرحية كما ‏فعل ( شكسبير ) في ( هاملت ) ..‏
كانت الحجرة ساكنة هادئة .. في الظلام تعتاد عيناه حدود المملكة القديمة .. لكن .. ‏صبرا .. ثمة شيء ما لا يريحه .. هذا الجسم جوار المرآة لم يكن هناك في السابق .. ‏جسم له أبعاد وحدود تعطي الانطباع بــ ....‏
هل هو كابوس جديد ؟ كابوس ضمن كابوس ضمن كابوس ؟ أم انه ؟
وامتدت يده إلى الأباجورة جوار الفراش ، وضغط المفتاح .. فغمر الضوء الغرفة ، ‏ورأى كل شيء ..‏
لم يكن خطئا ..‏
ليته كان مخطئا ..

dido 03-01-06 12:31 PM

اظاهر الموضوع بداء يحلو
بس بجد بتعجبنى اختياراتك رياحين
و مرسي موت رياحينوووووووووووو

:36_1_64[1

:36_15_4[1

:36_7_11[1

^RAYAHEEN^ 03-01-06 12:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
اظاهر الموضوع بداء يحلو
بس بجد بتعجبنى اختياراتك رياحين
و مرسي موت رياحينوووووووووووو

:36_1_64[1

:36_15_4[1

:36_7_11[1

يا هلا ديدووووووو
تسلملي والله هيده بس من ذوقك
وقدرتك على اعطاء التقييم المناسب للرواية المستحقة النقد الايجابي
شاكرة لك متابعتك لما انقله من روايات
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 03-01-06 11:13 PM



-4-


ـ وماذا فعلت بعدها ـ"‏
ـ " ما هو طبيعي ومتوقع .. صرخت بأعلى صوتي . ـ .. جاء الخدم إلى الحجرة ‏‏..لكن وسط الفوضى التي أعقبت صراخي فر ( الشيء ) مبتعدا .."‏
ـ" ولم يره احد وهو يغادر الغرفة ؟"‏
ـ" هذا ما حدث ..وطبعا جــ .. حسبني الجميع مجنونا .."‏
نظرت الى الدكتور ( رمزي ) الذي جلس جواري رافعا عويناته كعادته فوق ‏خصلات شعر رأسه الأشيب .. لم يكن يملك أسئلة ، وكذلك كنت انا قد عرفت كل ‏شيء عما فعله ( تورلسون ) منذ جاء الى الأقصر ..‏
لقد اتصل بي في الثالثة صباحا .. كلا لم تكن مكالمة ولكن كانت نوعا من العواء ، ‏وبدا لي انه على وشك الجنون إن لم يكن جن تماما .. قال وسط عباراته المختلطة :‏
ـ" يجب ان تساعدني . لا بد من أحد يساعدني .. لم اعد أستطيع مجابهة كل هذا ‏وحدي .. اسمع .. انا جاد فيما أقول .. سأقتل نفسي غدا .. ولسوف أحملك المسئولية ‏كاملة في خطاب أتركه لإدارة الفندق .. ويوم أصير شبحا سأطاردك في كل ساعة ‏من يومك و ..." ‏
وهكذا لم استطع .. لم اجد سبيلا لمنع هذا المخبول من الانهيار التام ، إلا ان اتصل ‏بالدكتور ( رمزي ) أستفتيه .. قال إن على ان اذهب الى الاقصر إذا اردت ان امنع ‏معدوم الإرادة هذا من قتل نفسه .. إنه مصر على أنني قادر على إنهاء مأساته .. لا ‏ادري السبب .. كأن هناك من أخبره أنني من كهنة ( آمون ) أو ربما ( آمون ) نفسه ‏‏..‏
إلا ان ما شجعني على الأمر هو أن (رمزي ) قال إنه راغب في الذهاب إلى الأقصر ‏معي ، لأن الموضوع بدأ يثير اهتمامه .. تصور هذا ! أن ترى الأقصر ومعك عالم ‏مصريات ! وأي عالم مصريات ! إن د.( رمزي حبيب ) ـ بالإضافة إلى سعة علمه ـ ‏لذو حيثية ونفوذ لا بأس بهما ، ويمكن ان تفتح له المعابد والمقابر التي لا يراها ‏الغلابة غير المتخصصين من أمثالنا .. إن الموضوع مغر بحق .. ولن يؤذيني في ‏شيء ..‏
وحين وصلنا إلى الفندق ـ بعد رحلة مرهقة بحق ـأثار دهشتي ان ارى ما تحول إليه ‏‏( تورلسون ) في غضون أيام .. كان كما قلت نرويجيا بكل ما في الكلمة من معان .. ‏اشقر جدا ..أزرق العينين جدا .. احمر البشرة جدا .. لكنه لم يعد يتمتع بأي نوع من ‏التوازن العصبي ، وخطر لي أنه من الأسلم أن نسلمه الى السفارة النرويجية لتعني ‏به .. كان جالسا في مقعده ينظر للأمام بعينين ذاهلتين دون أدنى نية لمبادلتنا ‏النظرات او الحركة ..‏
سألته :‏
ـ " هل تعني ان إرجاع الذراع لم يكن كافيا كي تتركك اللعنة ؟"‏
قال د.( رمزي ) في نفاد صبر وبالعربية : ‏
ـ" أي إرجاع ذراع ؟ يا ( رفعت) لا تكن ساذجا .. اولا انا اشك في موضوع اللعنة ‏هذا .. ثانيا من الحماقة ان تحسب ذلك الفتى .. ماذا كان اسمه ؟ ( حميدة ) .. قد أرجع ‏الذراع للمقبرة ذاتها .. من الواضح تماما انه وجد أمامه مخبولا يعرض مالا وفيرا .. ‏لا توجد مشكلة .. هاتها يا خواجة وسأعيدها لك .. وبالطبع تخلص من الذراع على ‏اول كومة قمامة وجدها ، وعاد ليأخذ ( الحلاوة ).."‏
هنا قال النرويجي بالإنجليزية ، وهو لم يفهم عبارة ( رمزي ) الاخيرة :‏
ـ" لقد خدعني الفتى .. لم يرجع الذراع مكانها .."‏
بالعربية قال د.( رمزي ) في تهكم :‏
ـ" لا توجد مستحيلات .. لقد فهمها هو الآخر .. إن الأجانب يحتاجون إلى وقت ‏طويل قبل ان ( يدهنوا الو دوكو ) أو ( يفهموها وهي طايرة ) ، كما فعلنا نحن من ‏أيام ( أحمس )!"‏
عدت أسأل ( تورلسون ):‏
ـ" الن تخبرنا بما رأيت حين أضأت الأباجورة ؟"‏
فالحقيقة هي انه لم يخبرنا بشيء قط .. كان ما رآه شنيعا لكني لا ادري ما هو .. فقط ‏كان يرتجف ويداري عينيه كلما تطرق الكلام لهذا الجزء .. سألته في إلحاح :‏
ـ" ما دليلك على ان الفتى خدعك ؟"‏
ـ" هذا .."‏
ومد يده إلى درج الكومود جواره وأخرج لفافة لها كل أبعاد منشفة الوجه المطوية .. ‏لم أكن في حاجة إلى فتحها لأعرف ما بها ..‏
ـ" الذراع ؟ .. ومن اعادها إليك ؟"‏
ـ " هو !"‏
ونظر لي للمرة الأولى بعينيه الزرقاوين .. وأردف :‏
ـ" الشيء الذي كان في حجرتي !!"‏
‏*** ‏
كما نتوقع جن جنون ( رمزي ) .. هرع الى اللفافة وفتحها بيدين ترتجفان .. اخرج ‏الشيء الرهيب منها ، وراح يتأمله في انبهار وقد أعاد عويناته إلى انفه .. برغم أنني ‏طبيب ، بل وقمت بتشريح مومياء من قبل ، فإنني وجدتني أتحاشى النظر إلى ما ‏يحمله . لقد اكتسبت هذه الذراع قيمة كابوسية ثرية بحق .. قيمة تتجاوز بمراحل ذلك ‏الاشمئزاز التقليدي الذي نستشعره تجاه الأشياء الميتة ..‏
صاح د. ( رمزي ) في حماسة :‏
ـ" رائع .. اعتقد انها أصلية بالفعل فلا أثر للتفليق فيها .. لكن المعاملة القاسية التي ‏لاقتها في أثناء موضوع ( يد المجد ) هذا قد غيرت لونها وتماسك أنسجتها .."‏
قلت في ضيق :‏
ـ" ألا تري شيئا غريبا في هذا كله ؟"‏
ـ" بلى .. الأظفار طويلة جدا وهذا ليس شائعا في ..."‏
ـ" أتكلم عن زائر الليل الذي اعد الذراع للرجل .. الأمر واضح .. إنه يريد من ( ‏تورلسون ) أن يعيدها بنفسه .. ولا يلجأ لأحد .. سيظل الكابوس يطارده كلما حاول ‏الخلاص من هذه الذراع .."‏
قال وهو يعيد لفها وقد بدا واضحا أنه سيأخذها معه :‏
ـ" لا ادري إن كنت محقا أم لا .. لكن الأمر سيان عندي .. نحن سنجد المقبرة أولا .. ‏ويمكن لصاحبك وقتها ان يعيد الذراع بنفسه .. والآن اقترح ان تجد حجرة في هذا ‏الفندق لتعني به ، وتكون قريبا منه .."‏
ـ" ساحاول .. وانت ؟"‏
ـ" إن امامي عملا كثيرا .."‏
ثم راح يغمغم كأنما يكلم نفسه :‏
ـ" الأظفار . . الأظفار .. هوووووم .. هذا غريب !"‏
‏*** ‏
بعد يومين ، وفي العاشرة صباحا اتصل بي د. ( رمزي ) في الفندق ، ولم أدر أين ‏بات ليلته لكنه كان نشيطا كبرغوث .. قال لي إن تحريات شرطة السياحة اثمرت ، ‏وإن هناك بالفعل مقبرة منسية في الجبل ، يبدو أنها كانت مدفنا لعامة الشعب .. كان ‏بعض الترجمانات يعرفها ، وبالذات الريس ( خميس ) الذي كان يلبي بعض ‏الحاجات الخاصة لمن يدفع الثمن ، وكان يلجأ كثيرا للسرقة من هذه المقبرة .. ‏الغريب هنا ان النقوش على المقبرة تعود لعهد الأسرة الرابعة ، وهذا غير مألوف ..‏
ـ" وما هو الغريب في هذا ؟"‏
ـ" الأسرة الرابعة هي التي كان ينتمي لها ( خوفو ) وسواه .. اسرى بناة أهرام .. في ‏هذا العهد لم يكن لـ ( طبيبة ) أية أهمية ، ولم يكن أحد يدفن موتاه هناك .. لم تبدأ ‏أهمية الأقصر إلا مع الأسرة السادسة ، وكما قلت لك ، لم يدفن هنا ملك إلا في ‏الاسرة رقم 18 .. هل فهمت الآن سر دهشتي ؟"‏
ـ" هذه الأشياء تحدث .."‏
ـ" تحدث بالنسبة لغير متخصص مثلك ، اما بالنسبة لي فكان على أن اجد الإجابة .. ‏والإجابة كانت في النقوش .. إن صاحب المقبرة يدعى ( ددي ) .. هل يذكرك الاسم ‏بشيء ؟"‏
لحسن الحظ لم تكن أغنية ( شاب خالد ) الشهيرة قد ظهرت أيامها ، وإلا لبدا ردي ‏سخيفا يصيبه بنزف مخي .. فقط قلت إنني لا اعرف .. قال في استمتاع :‏
ـ" ( ددي ) ـ الذي اعرفه انا ـ هو الساحر الخاص لدي ( ددف حور ) ابن ( خوفو ) ‏‏.. كان يعيش في عهد الاسرة الرابعة في ( دد سنفرو ) ، وكان عمره مائة عام لكنه ‏كان يأكل يوميا 500 رغيف وفخذ عجل ، ويشرب مائة جالون من الجعة .. هكذا ‏تقول البرديات ..‏
ـ" ما شاء الله .. ما أهمية هذا الغول لما نحن بصدده ؟"‏
قال في حيرة كأنما يفكر بصوت عال :‏
ـ" لو كان هو نفس الرجل ، فلماذا اختار الأقصر بالذات ليدفن فيها ؟ إننا لا نعرف ‏شيئا عن مقبرته ، لكن الدلائل حتى الآن تقول إنه هو الساحر الشهير .. وهذا هو ‏الغريب في الموضوع .. يبدو أنهم دفنوا الرجل هنا على سبيل المنفي .."‏
ـ " إن البرديات تتكلم عن انبهار ( ددف حور ) ابن ( خوفو ) بهذا الساحر ، وكيف ‏حكى لأبيه عنه أغرب الأشياء ، من ثم استدعي الأب الرجل ليرى ما هو قادر عليه ، ‏وكان استعرضا الرجل مبهرا : لقد طلب من ( خوفو ) ـ والكلام كلام البرديات ـ أن ‏يقطعوا له رأس بطة وفرق بينه وبين الجسد .. بعد تلاوة عدة تعاويذ طار الرأس ‏ليلتحم بالجسد ثانية .. نفس الشيء تكرر مع ثور .. وقد عرض ( خوفو ) ـ الكريم ‏النفس ـ ان يجروا التجربة ذاتها على مسجون يقطعون رقبته ، لكن ( ددي ) رفض ‏ذلك في أدب .." ‏
ـ" فيما بعد تنبأ بان امرأة تدعى ( روددت ) ستلد ثلاثة أبناء يستولون على الملك .. ‏وقد ضايق هذا ( خوفو ) كثيرا ، وراح يبحث عن هذه المرأة دون جدوى .. فيما بعد ‏ولدت ( روددت ) هذه ثلاثة توائم هم ( اوسر كاف ) و ( ساحورع ) و كاكا ) ، وهم ‏من صاروا ملوك الأسرة الخامسة فيما بعد .. يمكن ان تفهم سبب غضب ( خفو ) ‏على الساحر إلى حد دفنه هنا .."‏
قلت وقد راق لي الأمر :‏
ـ" أي ان هذا الأحمق ( خميس ) لم يجد مومياء يسرق ذراعها سوى مومياء أقوى ‏سحرة الدولة القديمة ! وهو ليس ساحرا عاديا بل كان يأكل 500 رغيف وفخذ عجل ‏ومائة جالون من الجعة كما تقول !!"‏
فطن إلى ما في الأمر من دعابة سوداء ، فضحك ضحكة مكتومة ..‏
ـ" للأسف هذا صحيح غالبا .."‏
ـ" ومعنى هذا أن لعنة من أقوى لعنات السحر الأسود تطارد النرويجي الآن ؟"‏
ـ" لو افترضنا ان الامر كله ليس كذبة .. نعم .. اعتقد هذا .."‏
سأتله بلهجة من ينتقل للمهم في جدول الأعمال :‏
ـ" والمومياء مفقودة الذراع .. هل وجدتموها ؟"‏
ـ" بالطبع لا .. هل كنت تحسب الأمور بهذه البساطة ؟ القبر خال كجيبك في آخر ‏الشهر .. اما السؤال عما إذا كانت المومياء قد سرقت ام انها فتحت المقبرة وغادرتها ‏ـ وهو سؤالك التالي حتما ـ فأمر لا يمكن الإجابة عنه ، لأن الآثار في المقبرة تصلح ‏للاحتمالين معا .. للاحتمال البوليسي أو الميتافيزيقي .. يمكن ببساطة ان تكون ‏المومياء مخبأة في مكان لم يعرفه إلا الريس ( خميس ) .. هذا هو الاحتمال البوليسي ‏‏.."‏
قلت أنا بدوري :‏
ـ" .. ويمكن ان تكون غادرت المقبرة بنفسها بحثا عن ذراعها !! هذا هو الاحتمال ‏الميتافيزيقي !!"‏

^RAYAHEEN^ 03-01-06 11:14 PM



الجزء الثالث
لحظة الحقيقة
‏-1- ‏


انا المختار من بين الملايين ، الذي يخرج من العالم السفلي .. ‏
الذي لا يعرف اسمه أحد ‏
إذا نطق اسمه على مجرى الماء جف ..‏
وإذا نطق اسمه فوق اليابسة اشتعلت النار ..‏
‏( تعويذة فرعونية قديمة ) ‏
‏*** ‏
ـ" أفق من إغمائك فإنك ستهزم الجميع .. لقد انتصر ( بتاح ) على خصومك فلا ‏وجود لهم .." ‏
‏( كتاب الموتى )‏
‏*** ‏
حين جلست مع د. ( رمزي ) في شرفة الفندق ، نرمق المدينة من بعيد في ضوء ‏الفجر ، كنا نشعر أننا نستنشق مع هواء الفجر أسرار لا قبل لنا بمواجهتها .. وأمامنا ‏على منضدة صغيرة تتوسط مجلسنا ، كانت لفافة بحجم منشفة الوجه المطوية ..‏
لفافة لا بد ان القارئ اعتاد منظرها حتى درجة الملل ..‏
سألني ( رمزي ) وهو قلما يسألني على كل حال :‏
ـ" لو تبنينا التفسير المتافيزيقي لبدت لنا القضية متناقضة .. المومياء ليست في قبرها ‏، لكنها برغم هذا تطارد ( تورلسون ) ليعيد ذراعها بنفسه .. كيف يعيده وهو لا ‏يعرف أين هي ؟"‏
قلت على سبيل التفكير بصوت مسموع :‏
ـ" توجد احتمالات عدة .. من العسير ان يفكر المرء كمومياء ، وربما كانت ‏المومياوات لا تفكر بشكل منطقي .. ربما هي تحاول إثارة ذعر ( تورلسون ) فقط ‏حتى يجن أو ينتحر ،وهذا على سبيل الانتقام .. الاحتمال الثاني انها تطالبه بالعثور ‏على مقبرتها الجديدة ، باعتبار هذه مشكلته .. الاحتمال الثالث أنه لا شيء يطارد ( ‏تورلسون ) وان الرعب افقده عقله تماما .. وتكون القصة عن ( حميدة ) وعودة ‏الذراع مجرد هلاوس سمعية بصرية .."‏
ـ" من العسير ان تجد الحل .. واعتقد ان الصواب الوحيد هو ان نتصل بالسفارة ‏النرويجية .. لا بد ان لديهم مصحات نفسية متقدمة حقا .. إن احتمال انتحاره يتزايد ‏من ساعة لأخرى ، خاصة وهو من قوم مولعين بالانتحار على سبيل التسلية .. لا ‏اريد ان تتحمل مسئولية كهذه ، ولا ان تحمل ذنبه على كاهلك ما حييت .."‏
فكرت قليلا ووجدت كلامه منطقيا .. انا لم اتخل عن صديق من قبل ، ولسبب بسيط ‏هو أن اصدقائي قليلون جدا.. لهذا لن أتخلى عن هذا الرجل الذي كن عالما مرموقا ، ‏إلى ان دمرت هذه الالعاب الخطرة جهازه العصبي .. وكان لي رجاء أخير طلبته من ‏‏( رمزي ):‏
ـ" اعد الذراع إلى المقبرة .. فمن يدري ؟"‏
ـ" فكرت في هذا ، وأعتقد انني استطيع ترتيبه برغم ان الامر صار اكبر مما تظن ‏‏.."‏
هنا سمعنا صوت صراخ هستيري مجنون ينبعث من خارج الغرفة .. تبادلت النظر ‏مع ( رمزي ) لحظة ثم هرعنا نركض ـ بقدر ما سمحت به لياقتنا ـ نحو مصدر ‏الصراخ .. كان هذا الصوت من غرفة ( تورلسون ) المجاورة لحجرتي .. وقد نسيت ‏ان اخبرك أنني حولت الأخير إلى ( نبات ) او ( خضار ) كما يقول الأطباء .. وذلك ‏بكل المهدئات والمنومات التي جعلته يبتلعها ، وقد وجدت ان حماية شخص شبه ‏مخدر افضل بكثير من حماية شخص يقظ ..‏
كان بعض النزلاء قد خرجوا من غرفهم ، وبعض العاملين بالفندق جاءوا لا يعرفون ‏ما ينبغي عمله .. كان باب الغرفة مغلقا لكن المفتاح كان معي .. فتحته بيد ترتجف ، ‏ودلفت إلى الداخل .. إلى الحجرة التي كان ضوء الفجر الناعس يغمرها ويكشف ‏تفاصيلها على استيحاء ..‏
كان ( تورلسون ) جالسا على طرف الفراش .. أشقر جدا .. ازرق العينين جدا .. ‏احمر البشرة جدا ، وكان يضحك .. يضحك ضحكة غريبة ماجنة أعترف أنها لم ‏ترحني كثيرا .. وحين رآنا قال كلمات ما بلغته ، ثم عاد يترجمها بالإنجليزية :‏
ـ" كان هنا .. وكان يرمقني دون كلام لفترة طالت ! أعتقد أنه كان يقف جوار فراشي ‏من البداية وأنا نائم كالثور لا ادري بشيء .."‏
سألني احد رجال الفندق الذين دخلوا خلفي :‏
ـ" سيدي .. ماذا يقول ؟ هل نستدعي الشرطة ؟"‏
ـ" لا داعي .. يبدو أنه رأى كابوسا .."‏
نظر لي في شك ، وأراد ان يقول شيئا عن احتفاظي بالمفتاح ، بينما صاحب الغرفة ‏لا يملكه ، ثم عدل عن هذا ، وأشار الى المحتشدين عند الباب كأنه يعيد دجاجا إلى ‏عشه :‏
ـ" انتهى الأمر يا حضرات .. لقد رأى الخواجة كابوسا .."‏
تفرق الواقفون ـ على حين جلست على حافة الفراش ، ونظرت الى النرويجي عاجزا ‏عن الكلام فقال هو :‏
ـ " إذا كنت تنوي ان تحبسني هنا ، فمن العدل ان تظل معي .. لا تتركني سجينا ‏أواجه أشباحي الخاصة دون منفذ للهرب .."‏
ما ضايقني هو ان شيئا من الرعب لم يبد على وجهه ، بل احتفظ بذلك التعبير الساخر ‏العابث .. وهذا مخيف في حد ذاته .. هذا الرجل مجنون أو ممسوس أو كلاهما معها ‏‏..‏
قلت له وانا اتحاشى النظر لوجهه :‏
ـ" هذا عادل ، ولسوف اظل معك هنا .. لا تقلق .."‏
هنا دخل د. ( رمزي ) ووقف وسط الحجرة مفكرا ، ثم قال بالعربية :‏
ـ" السفارة النرويجية .. لا يوجد حل آخر .."‏
لسبب م افهم ( تورلسون ) هذا الكلام ، فصاح في هستيريا :‏
ـ" كلا .. لن اتركههم يرحلونني لاواجه ذات المشكلة في الوطن ! لو كان هناك حل ‏فهو هنا .."‏
ـ" نعم .. نعم .. اعرف .. لا تقلق .. سنعني بك .."‏
قال ( رمزي ) وهو يدس يديه في جيبي سرواله :‏
ـ " ثمة أمر آخر مهم .. بينما كنت انت تتكلم معه عدت انا الى الشرفة لأسترد الذراع ‏، التي نسيناها ونحن نجري إلى هنا .. طبعا من نافلة القول ان اخبرك بأنها اختفت ‏‏!!!"‏

Ala_Daboubi 04-01-06 10:08 AM

7illlllllllweh kteeeeeeeeer el qesa raya7eeeeno , betzakerni b film the grudge ma3 eno ma elo dakhal fel el qesa looooooooooooooooooooooool

^RAYAHEEN^ 04-01-06 01:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
7illlllllllweh kteeeeeeeeer el qesa raya7eeeeno , betzakerni b film the grudge ma3 eno ma elo dakhal fel el qesa looooooooooooooooooooooool

هههههههههههههههههه حلوي ههههههههههههههههههه
صاير مهضوم
كلو من رفعت اسماعيل
تأثيروا واضح عليك ههههههههههههههههه

dido 04-01-06 07:31 PM

بدايه من هذا الجزء تبداء هذه الروايه فى الصعود المنحنى الطبيعى
و يتبقى جزء اخر حتى نصل لمرحلة ذروة الاحداث
و الجميل فى هذا الرجل انه فى الثلاثة مراحل لكتابة القصه
(التساؤل,,,,,الذروة,,,,,الحل)
تظل انت القارىء بنفس اللهفه و الاثاره
او كما نقول لا يفقد ايقاع الاحداث مهما تقدمت به الروايه
وشكرا لكم وبالخصوص الاخت رياحين
:flowers2: :flowers2: :flowers2:

^RAYAHEEN^ 04-01-06 11:18 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
بدايه من هذا الجزء تبداء هذه الروايه فى الصعود المنحنى الطبيعى
و يتبقى جزء اخر حتى نصل لمرحلة ذروة الاحداث
و الجميل فى هذا الرجل انه فى الثلاثة مراحل لكتابة القصه
(التساؤل,,,,,الذروة,,,,,الحل)
تظل انت القارىء بنفس اللهفه و الاثاره
او كما نقول لا يفقد ايقاع الاحداث مهما تقدمت به الروايه
وشكرا لكم وبالخصوص الاخت رياحين
:flowers2: :flowers2: :flowers2:

شاكرة لك هذا التحليل المنطقي لحيثيات الرواية التي يقوم بكتابتها الدكتور احمد خالد توفيق متمثلة في شخصية الدكتور رفعت وقدرته في شد انظارنا بالكم الهائل من الاثارة والغموض ومثلما تفضلت اللهفة نفسها التي تبقى مرابطة في محرابنا منذ بداية القصة إلى نهايتها .
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 04-01-06 11:19 PM


جاء الليل ...‏
جاء بالسرعة الجهنمية التي قلت لك إنها لا تحدث إلا في أفلام ( هامر ) القديمة ، ‏وحيث تغرب الشمس ويسود الظلام في الوقت القصير الذي ينزل فيه بطل الفيلم الى ‏القبو ، ويفتح تابوت مصاص الدماء .. كأن هذا يستغرق عشر ساعات !‏
كنت أنا الآن ألعب دور البارون ( فان هلسنج ) الساهر جوار فراش ( لوسي ) .. ‏لولا المبالغة لعلقت حزم الثوم على النافذة ورششت الغرفة بالماء المقدس .. في ‏مواجهتي الأولى مع لعنة الفراعنة ، لعب العسل والبصل دورا مهما في حماية ( ‏هويدا ) ومن معها ، لكننا وقتها كنا نعرف ما نحن بصدده .. اما الآن فانا اكذب لو ‏قلت إنني أعرف ما يدور هنا ..‏
في الفراش يغفو ( تورلسون ) يتلك الطريقة المتقطعة المضطربة .. صوت جهاز ‏التكييف الرتيب يتردد فكأنما يوسوس بالنعاس إلى ذهني المكدود .. ( رمزي ) في ‏مكان ما ـ لا ادري اين ـ ولم يعد للقاهرة بعد .. في دي كتاب سخيف عن ( المسرح ‏الملحمي ) ، وهو كما ترون ليس بخير السبل لمكافحة النعاس .. إنها الآن الثانية ‏صباحا .. سيطلق سراحي في التاسعة ، لانه وقت تدب الحياة في المكان ويمكنني ان ‏اعود لغرفتي لأغوووووص في الفراش .. اقسم إنني سأنام وقتها عشر ساعات ‏متواصلة وربما للأبد ..‏
المشكلة هي انني في مأزق ولا اعرف كيف اخرج من هذا كله ولا متى ينتهي .. ‏الحل الوحيد هو العودة بالنرويجي الى القاهرة والخلاص منه بشكل أو بآخر ، لكن ‏علي الانتظار حتى يهدأ قليلا ، وإلا ملأ الدنيا صراخا ..‏
في الثالثة صباحا سقط الكتاب من يدي .. وسقط رأسي على صدري ..‏
لا بد أنني لم ألبث في هذا الوضع إلا نصف ساعة أو أقل .. شيء ما جعلني أفتح ‏عيني من دون سبب ظاهر .. كنت قد خفضت الإضاءة بشكل يسمح لي بألا أزعج ‏النائم ، وفي الوقت نفسه أستطيع القراءة .. وفي هذا الضوء الخافت رأيته ..‏
لم أر النائم طبعا بل ما يدنو من فراشه ..‏
‏*** ‏
‏" لكن دعني أقل لك إن من يله بالنار يحترق بها.. وهذه الأشياء ليست للهو .."‏
‏*** ‏
كان رجلا .. لا بد من أن اكون دقيقا في هذا الصدد .. لم يكن تلك الشخصية الملفوفة ‏بالضمادات كما عودنا ( بوريس كارلوف ) في أفلامه عن المومياء .. لو شئنا الدقة ‏أكث لقلنا إنه رجل عادي المظهر تماما ويرتدي ثيابا عصرية رثة قليلا .. كان رأسه ‏مائلا شكل غير معقول على كتفه ، وهذا وضع غريب لكنه ليس مستحيلا ..‏
فقط لاحظت أنه من دون ذراع يمنى ، وانه يحمل في ذراعه اليسرى لفافة . لم ‏أتحرك ولم أكن راغبا في التحرك .. ظللت جالسا كما كنت ورأسي مائل قليلا للأمام ‏‏.. أغمضت عيني لأختلس النظر بين أهدابهما ، وخطر لي أنه من الخير ألا يعرف ‏هذا القادم أنني متيقظ .. عرفت بالغريزة ن أية حركة مفاجئة قد تؤدي إلى ما لا تحمد ‏عقباه ..‏
وضع ما يحمله على الفراش جوار النائم التعس ، ثم استدار ليرمقني .. كان هذا هو ‏الشيء الوحيد الذي جعلني أدرك ان ما أراه خارق للطبيعة حقا .. كانت عيناه بلا ‏حدقتين ، وكان لونهما أحمر كالدم .. كالطماطم .. كسائر مصاصي الدماء ..‏
كانت لحظة خاطفة لكني شعرت كأنها دهر ، وأنني موشك على الصراخ كالأطفال .. ‏ثم استدار مبتعدا ليدور حولي .. كان وراء ظهري الآن ، وشممت رائحة لا أستطيع ‏وصفها بأنها كريهة .. منفرة نعم لكنها ليست كريهة لو كنت تفهم ما أعنيه .. رائحة ‏غريبة لا تنتمي لشيء أعرفه .. رائحة تعيدك الى ذكريات لم تعشها ،، ووجوه لم ‏تلقها ، وأماكن لم تزرها ، وخبرات لم تكتسبها ، وكلمات لم تسمعها ..‏
إنه خلفي الآن ! ماذا يفعل بالضبط وماذا ينوي ؟ ‏
‏***

^RAYAHEEN^ 04-01-06 11:20 PM



‏-2-


صحوت من النوم ظهرا كما توقعت .. كنت منتعشا تماما ، وإن اثقل كاهلي التفكير ‏فيما علي ان افعله اليوم من حراسة ( تورلسون ) .. خرجت إلى الشرفة واستنشقت ‏نفسا عميقا جعلني أسعل ، ليس الهواء النقي مما يناسب صدرا كصدري ..‏
ارتديت ثيابي واتجهت إلى غرفة الرجل ، وقعرت الباب مرارا كما أفعل قبل أن ‏افتحه دوما ، فلم يرد أحد .. غريب هذا ! حتى في غيبوبته لا يفوته أن يسمع صوت ‏طرقاتي من عالم الحلم.. كان الباب موصدا فأخرجت المفتاح من جيبي ودسسته في ‏الثقب ..‏
دخلت الغرفة فوجدت . . لا لم أجد شيئا .. كانت خالية كعقل ( هويدا ) خطيبتي ‏السابقة ، وكان الفراش مضطربا لكن لا احد عليه .. الغرفة في حالة فوضى توحي ‏بأن حركة صاخبة حدثت هنا .. حركة صاخبة لكنها لا توحي بمعركة .. ولم تكن ‏هناك إلا تلك الرائحة الغريبة الي وصفتها لك ..‏
بحثت عن ثياب ( تورلسون ) فلم أجدها .. لقد خرج .. غالبا خرج بإرادته .. ولكن ‏أين ؟ ‏
رفعت السماعة وطلبت الاستقبال .. جاءني صوت الموظف يتساءل في غلظة عما ‏أريد ..‏
ـ" هل رايت نزل الغرفة 116 ؟ طبيب نرويجي اسمه ( تورلسون ) .. ( يوهان ‏تورلسون ).."‏
قال في ملل :‏
ـ" إنه في المستشفى يا سيدي .. ألم تشعر بالأمر ؟ لقد كان الجميع هنا في الصباح .."‏
ـ" في المستشفى ؟ والسبب ؟"‏
ـ" محاولة انتحار .. لقد ابتلع علبة كاملة من المنوم .."‏
ـ" علبة منو ...... ؟ وهل مات ؟"‏
ـ" سبحان الله ! أقول لك إنه في المستشفى .. أنا اتكلم العربية يا سيدي .."‏
لسبب ما يكرهني هذا الرجل كأنني قتلت زوج عمته وهربت .. ولكن لحظة .. اين ‏فعلها النرويجي إذا كنت أنا الآن في غرفته ، وكيف فتحو الباب إذا كان المفتاح معي ‏؟
تجاسرت وسألت الموظف العصبي عن هذا ، فقال بنفس الصبر النافد :‏
ـ" لقد قرع الجرس ثم غاب عن الوعي ، وقد اضطررنا لفتح غرفته بمفتاح( المساتر ‏كي ) .. يبدو أنه راجع قراره في اللحظة الأخيرة وحاول الاستغاثة بنا .. لو لم يفعل ‏لكان في المشرحة الآن .."‏
ولم أنتظر أكثر .. وضعت السماعة وقررت ان اغادر الغرفة حالا .. من الواضح أن ‏احدا لم يربط بيني وبين النرويجي بعد ، لكنهم سيفعلون هذا سريا ، ولسوف تنقلب ‏الأرض لتخرج ما فهيا من ديدان فوق رأسي .. لماذا كنت أحتفظ بالمفتاح معي ؟ ‏ولماذا قضيت الليل في غرفته ؟ ولماذا حبسته فيها ؟ إن هناك على الأقل شاهدين ‏على ذلك من موظفي الفندق .. تفسير هذا يطول جدا ..‏
هناك سائح في الموضوع وانتحار وقضية سرقة آثار .. والكثير جدا من القاذورات ‏التي تحتاج إلى شهر كي أخرج نفسي منها ، حتى لو ساعدني ( رمزي ) ..‏
عدت إلى غرفتي شارد الذهن ، فاستلقيت على الفراش بثيابي أفكر ..‏
أين د . ( رمزي ) من كل هذا ؟ وأي شيء يفعله بالضبط وأنا في هذا السيرك الذي ‏نصب خيامه في هذا الفندق ؟ يجب أن اذهب لى المستشفى لأعرف ما حدث للرجل ، ‏لكن كيف أسأل عنه دون أن افسر من أنا ؟
يبدو أن الحكمة تقضي بأن اتصل بـ ( رمزي ) وأخيره أنني عائد إلى القاهرة .. انانية ‏؟ لا انانية هنا .. إن المشكلة ليست مشكلتي ، ولست انا من مارس السحر الاسود ‏على ذراع مومياء .. ( تورلسو ن) فعلها وعليه ان يدفع الثمن ..‏
ثم تعال هنا .. لن اكون أسوأ من ( جان جاك روسو ) الذي أنجب خمسة أطفال ‏تخلص منهم تباعا على باب الملجأ حتى لا يشغلوه عن الفلسفة .. وفيما بعد كان ‏يمشي جوار أعز صديق له في الشارع ، حين أصيب هذا الأخير بنوبة صرعية .. ‏عندها تركه الأديب العظيم وجرى ، ولم يره منذ ساعتها قط !!‏
ليس ( تورلسون ) ابني وليس أعز صديق لي ، كما أنني لست ( جان جاك روسو ) ‏‏!! لهذا سأهرب من هنا ولن أشعر بذرة ندم .. وكما يقولون : " على من يتناول ‏طعامه مع الشيطان ان تكون ملعقته طويلة .." و ...‏
‏*** ‏
‏" إن من يله بالنار يحترق بها .. وهذه الأشياء .. ليست للهو .."‏
‏*** ‏
واتجهت لأفتح خزانتي كي احزم ثيابي ، حين وقعت عيني على اللفافة الموجودة ‏على الرف .. لفافة تشبه المنشفة المطوية .. لفافة تبدو مألوفة إلى حد كبير ..‏
ماذا اتى بهذا الشيء الكريه هنا .؟؟ أم هل اقول من ؟
وجلست على الفراش افكر في معنى هذا .. الرسالة واضحة ولا تحتاج لى ترجمة .. ‏اما وقد هلك ( تورلسون ) أو المفترض أنه هلك ، فعلي ان احافظ على هذا الشيء ‏وأن اعيده بنفسي ..‏
هل أتلقى إذن دوري من هذه المطاردات الليلية المخيفة ؟
إن أمامي حلا واحدا ممكنا هو أن افر فراري من الأسد .. لو كان توقعي صحيحا ‏فلسوف يحلق بي الكابوس في القاهرة .. لكني ساهرب على كل حال ، ولكن ليس قبل ‏ان اكلم ( رمزي ) لأخبره وأطلب منه مطلبا اخيرا ..‏
لم يطل انتظاري لحسن الحظ لأن ( رمزي ) جاء في هذه الأثناء من الخارج .. كان ‏مرهقا يحمل أوراقا كثيرة ، ودخل غرفتي ، والقى بما يحمله على الفراش ، وتنهد ‏وهو يلقي جسده إلقاءا على مقعد :‏
ـ" كان يوما عصيبا .. ما زلنا غارقين في مئات الأسئلة . .إن تلك المقبرة غريبة جدا ‏، وقد نهبت بعنف .. بتوحش .. كأن هذا الريس ( خميس ) لم يكن يفعل شيئا طيلة ‏حياته سوى سرقتها .."‏
ثم رأى وجهي الممتقع فقال :‏
ـ" ما بك ؟ تبدو كأنما قتلت قتيلا .."‏
ـ" تقريبا .."‏
والقيت بالذراع الملفوفة ـ التي لم أحبها قط ـ على حجره .. فأجفل قليلا ، ثم نظر لي ‏غير فاهم :‏
ـ" ألم تختف أمس ؟ أين كانت ؟"‏
ـ" اختفت وعادت ! لقد اعادها لي المسخ مع عبارة من قبيل ( إلعب لعبة أخرى ) .. ‏وثمة خبر آخر : لقد انتحر ( تولسون ) ! بعبارة ادق حاول الانتحار .."‏
من الواضح أنه احمق مثلي لأنه لم يبد على ادنى علم بهذا .. هذا طبيعي لأنه لم يدخل ‏الفندق منذ عشرين ساعة كاملة او اكثر .. رفع حاجبيه عاجزا على توجيه السؤال ( ‏كيف ) ثم عاد إلى صوابه .. سالني في لهجة لائمة :‏
ـ" تبا لك من مهمل ! ماذا كنت تفعل جوار فراشه طيلة الليل إذن ؟ تغط في نومك ‏كالدببة ؟"‏
ـ" حدث هذا في الصباح بعد انتهاء ورديتي .. وعلى كل حال لم يتضمن عقدي ‏ضمانا بالا يموت هذا الرجل للأبد .."‏
وله حكيت بالتفصيل ما عرفت في الساعات الأخيرة .. كان يصغي لي محتفظا ‏بوقاره باعتبار ان الدهشة تقلل من وسامة المرء المندهش .. وحين فرغت من قصتي ‏قلت له متوسلا :‏
ـ" يجب .. يجب ان تخلصني من هذه الذراع اعدها للمقبرة وأدفنها أرجوك .." ‏
فكر حينا ثم سألني :‏
ـ" هل تعتقد ان اللعنة ستنتهي بهذا الشكل ؟"‏
ـ" لا اعرف سبيلا آخر .. عندما تشم رائحة غاز في شقتك ، ابدأ بغلق محبس الغاز ‏ثم ابحث عن سبب آخر محتمل لهذه الرائحة .."‏
ـ" ليكن .."‏
قالها وهو ينهض وينظر إلى ساعته :‏
ـ" إنها الثالثة بعد الظهر .. سأتناول لقمة ثم أمر عليك لنتوجه إلى المقبرة .. ليس ‏الدخول سهلا كما تعلم ، فهي تقع تحت سلطة السياحة الآن .. لكني ساجد طريقة ما ‏‏.."‏
نظرت إلهي باحثا عن كلمات بليغة فلم أجد إلا :‏
ـ" شكرا يا ( رمزي ).."‏
ـ" عفوا يا ( رفعت ) .."‏
إن الصديق الذي يعين صديقه على التخلص من مطاردة مومياء لهو صديق نادر في ‏هذا الزمن .. هذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها ..
‏*** ‏
في المساء كنت في القطار متجها إلى القاهرة..‏
وصممت على ان اترك هذه الاحداث خلف ظهري .. " سأترك معول النسيان كي ‏يعني بأنقاضي " كما كنت أقول في قصيدة قديمة لي .. بينما ( تورلسون ) يستطيع ‏العناية بنفسه او تستطيع السفارة النرويجية ان تعني به ..
‏**** ‏

mustafasst 07-01-06 12:31 AM

رغم اني مش متابع للقصص بس حبيت ادخل هون واكتب شكر وتقدير لاختنا رياحين على نشاطها وكتاباتها في جميع الاقسام وخاصه في سرد هذه القصص


[img]http://www9.incredimail.com/g*******/letters/funny_animals/monkey_muscles_thumb.jpg[/img]


هههههههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 07-01-06 07:01 AM

هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههه
فطست من الضحك
مصطفى طيب طيب طيب شو دخل القرد بالموضوع يعني ضفدع نص مصيبة ههههههههههههههههههههههه
تسلملي والله ـ بجد لو اني مو املاقية نفسي مرتاحة ومبسوطة معكم ما كنت شفتني بنطنط متل السعداني من قسم لقسم هههههههههههههههه

mustafasst 07-01-06 09:31 AM

هذا السعدان لعلاء هديه مني

هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 07-01-06 10:19 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mustafasst
هذا السعدان لعلاء هديه مني

هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

ههههههههههههههههههه ان حضر السبب بطل العجب
عيش علااااااء مين قدك سعدان بشحموا ولحموا الك هههههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 08-01-06 07:29 AM


ما عليه ما نزلت شي من الرواية لاني ان شاء الله اليوم بليل رايحه حاول نزل عدة فصول منها
خلاص رايحه نزلكم اياها عن طريق ( سكنر )
مو لانو ايدي بتنكسر من الكتابة ههههههه لا بس علشان اقدر نزل أكبر عدد من الصفحات وبالتالي بنقدر انزل عدد اكبر من الروايات
تقبلوا مني فائق التحية ،،،

Ala_Daboubi 08-01-06 09:48 AM

yeslamo raya7eeno , walla btet3abi , laish el 7aki , hehehehehe

abo s6aif , sa3daaaaan !!!! hada eli 6eli3 ma3ak

el7ag mosh 3alaik , el 7ag 3ali eli birod 3alaik wo besajil behal montada hehehehe

^RAYAHEEN^ 08-01-06 11:39 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ala_Daboubi
yeslamo raya7eeno , walla btet3abi , laish el 7aki , hehehehehe

abo s6aif , sa3daaaaan !!!! hada eli 6eli3 ma3ak

el7ag mosh 3alaik , el 7ag 3ali eli birod 3alaik wo besajil behal montada hehehehe

علاااااااء ولو نحن في خدمة محبي هالنوع من الروايات
ما تنسى صرنا ماكلين بندورة وبصل فوق صفحاتهم
خخخخخخخخخخخخخخخخخخخ

^RAYAHEEN^ 09-01-06 12:53 AM

احبائي الاعزاء هههههههههههههههه
يؤسفني ان اعلمكم باني نزلت باقي الرواية كلها عن طريق السكنر
بس المشكلة صارت معي من خلال عدم رغبة مربع الصورة بانو يفتح منو لله
ههههههههههههههههههههههههه
وبهيك بنأجل المهمة الى اليوم الي بعدو
تقبلوا مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 12-01-06 04:57 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...0727b27da4.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 04:58 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...7c93b5ca38.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:00 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...fdd255aabf.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:01 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...f86e100bf7.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:03 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...09bf06f44b.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:04 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...3cb8952f23.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:05 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...e0ede689db.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:06 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...551e1a3df2.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:07 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...e052325399.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:08 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...dd60307ffd.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:09 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...6568d09570.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:10 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...d816bd369b.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:11 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...620fa59036.jpg

http://www.moeforum.net/imagehost/up...7f1cf13691.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:12 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...682972a9d2.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:13 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...64ac3fe840.jpg

^RAYAHEEN^ 12-01-06 05:14 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...514a8999a3.jpg

dido 12-01-06 11:44 PM

هل هلالك يا جميل
وفكرة جميله جدا موضوع السكنر
و ربنا يجازيك على اهتمامك
يا راياحين
هههههههههههههههههههههه
ههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 12-01-06 11:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
هل هلالك يا جميل
وفكرة جميله جدا موضوع السكنر
و ربنا يجازيك على اهتمامك
يا راياحين
هههههههههههههههههههههه
ههههههههههههههههههه

هلااااااااا ديدو
بس ابتعرف مهلكة يعني لو كنت طابعيتهم كنت اخلصت بنص الوقت الي استهلكتوا وانا بعمل عملية لسكنر وتحميلهم على مركز التحميل وبعد هيك تنزيلهم هون
هههههههههههه
بس مو مشكلي كلوا بيهون كرمال عيونكم
وكل عااااااااام وانت ابالف خير ،،،

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:51 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...81d76b3d42.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:53 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...3da71cd970.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:54 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...bc6c3356f0.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:55 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...af407fe663.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:56 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...ee92c8c015.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:58 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...97ded821a5.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 04:59 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...1a95fbf35e.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 05:04 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...9e3705464f.jpg

http://www.moeforum.net/imagehost/up...ad38cc22ad.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 05:06 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...01ecc318e3.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 05:07 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...00de8887c0.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 05:07 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...7bd401e31c.jpg

^RAYAHEEN^ 13-01-06 05:08 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...71e6a1a10d.jpg

dido 14-01-06 01:17 AM

اجمل و ارق تحيه
و تسلم ايدك رياحينوووو
و تقبلى منى فائق الاحترام
..................................
.................

mustafasst 14-01-06 04:09 AM

مبروك السكانر ههههههههههههههههههههههههههههه

^RAYAHEEN^ 14-01-06 07:03 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dido
اجمل و ارق تحيه
و تسلم ايدك رياحينوووو
و تقبلى منى فائق الاحترام
..................................
.................

تسلم والله
شاكرة لك متابعتك الدائمة
تقبلي مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 14-01-06 07:05 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mustafasst
مبروك السكانر ههههههههههههههههههههههههههههه

ههههههههههههههه مصطفى ما بلاش فضايح
تسلم والله
خلاص هلء بقدر نزل رواية كاملة بيوم واحد خخخخخخخ
والله لحتى اعملكم قلق ههههه وضغط
تقبل مني فائق التحية ،،،

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:42 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...23ce4de62d.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:43 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...4b6f6efc41.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:44 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...4857b744a1.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:46 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...5fb93cc9c3.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:46 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...b5469affb6.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:47 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...c97b8ad418.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:49 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...7ed6e00834.jpg

^RAYAHEEN^ 14-01-06 05:49 PM

http://www.moeforum.net/imagehost/up...fbb3ba4d86.jpg


الساعة الآن 11:43 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية