314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

https://e.top4top.io/p_1674jkuq91.gif

من جديد اعود لهذا القسم بكتابة رواية جديدة من روايات احلامي
باسم ( وقائع سنوات الجمر )
واتمنى تنال اعجابكم

المخلص

"إنني احبك يا مارتينا. بل أحببتك منذ تلك الليلة التي التقينا فيها على الطريق. وكان غضبي انني اكتشفت من أنت.
كنا ما نزال نعيش في ذلك الوهم الخاطيء بأن والدتك قد أساءت إلينا. أوه مارتينا لو تعرفين كم أحببتك. لقد جننت حين اختفيت من البيت لأنك وضعتي تلك الرسالة تحت شجرة عيد الميلاد.
آن ذاك عرفت أنك ما زلت قريبة من البيت فأخذت مصباحي وخرجت فلمحت آثار أقدامك على الثلج فتبعتها إلى هناك."
مد يديه إلى جيبه وأخرج علبة مغلفة بالقطيفة الحمراء فيها حلقة ذهبية. وضعها في اصبع مارتينا ثم رفع يدها وطبع عليها قبلة رقيقة قائلاً:
"يا زوجتي الحبيبة! ".


لا احلل نقل رواية في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي بدون ذكر اسمي Rehana
,والمصدر

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

روابط الفصول

1- ذكريات الماضي

2 - الرحيل

3- دموع من الماضي

4 - حنين في الليل

5- الحب بعد صفعة

6- حدث فجأة

7- حجر في بركة راكدة

8 - الغضب البارد

9 - لن أفكر بك

10 - دفء فوق صخور الثلج

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

1 - ذكريات الماضي

النهار وتصبغ الدنيا بلون الليل الطاغي , وهناك في الأفق البعيد بدت السحابات الرمادية المحملة بالماء تتراكم وتتراكم وتقترب من الأرض حتى كأنها تكاد تجثم عليها وتلتصق بها كسلسلة جبال طويلة بلا نهاية وكئيبة حتى الحزن وكانت مارتينا تطل من إحدى شرفات منزلها , او الذي كان منزلها كانت عيناها ترصدان ذلك المشهد السماوي , شعرت بشيء ما , شيء ثقيل يجثم على صدرها , وفجأة اضاء البرق .ريحانة
كان خيطاً براقاً لدرجة ارعبتها فاندفعت داخل الشرفة بحركة لا إرادية وطرحت نفسها على احد المقاعد العتيقة المتبقية من زمن جميل , ومن كان حنوناً عليها يهدهدها , كانت هناك أمها وابوها واخيها جون .
فجأة وضعت يدها على جبينها كأنها تحاول ان توقف نزيف الذاكرة , لكن دم الذكريات الدافئ راح هو الآخر يترسب كقطرات نور من رأسها ليشكل امام عينيها صوراً باهتة وبعيدة , بعيدة لكنها بعثت في جسدها رعدة محببة , وكأنها نشوى بإكتشاف أرض بكر لم تأتها قدماها من قبل.
تذكرت جلستهم حول المدفأة في ليالي الشتاء , ابتسامة أبيها العذبة الرقراقة كقطرات الندى , دعابات اخيها الشقية تذكرت حكايات أمها التي كانت عندما تحكيها تنفتح كل خزانات الحواديث والأساطير وتفتح أمامها شاشة في قلب دماغها الصغير ترى فيه الأشباح الصغيرة وسندريلا والساحرة العجوز وتنطط مع الأقزام السبعة وتجوب مع أليس في بلاد العجائب وأرض الأحلام " آه " اطلقتها متبوعة بزفرة حارة وتساءلت في نفسها , اين كل هذا الآن , لقد ماتت أمها بعد صراع مع المرض وهي مارتينا ما زالت في التاسعة من عمرها , واخيراً ومنذ بضعة اشهر ماتا اباها واخيها في حادثة سيارة وجاء عمها آرمسترونج وزوجته جينا ومعهما إبنتهما فانسيا وابنها صمويل .
في البداية كانت الليدي جينا زوجة عمها تعاملها بحب وشفقة وانطلت عليها الحيلة , وبمرور الأيام بدءت ليدي جينا تقسو عليها وتزدريها احياناً, اما العم فلم يكن له ثمة وجود يذكر في ظل جبروت زوجته المستبدة وابنة عمها فانسيا دائماً منشغلة في شؤونها الخاصة وما أتفهها .
و آه للمرة ثانية وايضاً مع زفرة حارة ومرة اخرى وضعت يدها على جبينها تحاول وقف نزيف الذاكرة الذي يبدء دوماً وردياً رائعاً , ثم رويداً يتحول إلى لون أحمر قان كئيب ومثير .منتديات ليلاس
واندفعت فجأة دفعة ريح باردة من الشرفة , ارعدتها كأن الهواء يتخلل من مسأمها , يخترقها حتى النخاع واتتها رغبة في ان تغلق النافذة في وجه الريح , لكن شيئاً ما ضغطها من الداخل ارغمها رغماً عنها , على ان تسلم نفسها لبرد الريح وقصف الرعد المدوي على ابواب آذانها واحست بأنفاس دافئة تلفح عنقها من الخلف .منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

بدء الدفء يسري في بدنها ودون ان تنظر خلفها قالت وكأنها دخلت لتوها في حلم ملون جميل.
- صمويل.
- نعم يا حبيبتي , هو أنا .
عندما لامست أنامله كتفها , تهادى القمر هابطاً نحو الأرض , إنطلقت موسيقى كونية رائعة لا تدانيها جمالاً وروعة كل سيمفونيات بيتهوفن وموتسارت ومزار وتوقف نزيف الذكريات فجأة واختصر الزمن كل الزمن عند اطراف اصابع حبيبها وابن عمها صمويل .
- آراك تواجهين البرد وحدك.
قال كلماته بصوت مشبع بالحنين والحنان ,فقالت وهي ما زالت في حالة الحلم :
- لم اعد وحيدة بعد ان جئت وسأواجه بك كل اعاصير العالم وكل غضب الطبيعة وجمالها .
- آه يا حبيبتي , ما أروع رومانسيتك .
- وما أروع حبك حين يسكنني فيهبني السكينة والرضا وكل إرادة الجبال .
اقتربت شفتاه من وجهها فتمحور العالم كله في دفء انفاسه ورقصت كل أوتار اعصابها على ايقاع صدرها جرفها شعور طاغ بأن كل أحزان عمرها البالغ ثمانية عشر سنة تذوب في المسافة ما بين شفتيه وخدها , لم يبقى سوى مسافة بسيطة لتلامس وجهها شفتاه وتذوب هي الأخرى كما ذابت احزانها وفجأة مر تيار هواء بارد إخترق المسافة التي ظنتها تلاشت , وكانا جفناها شبه منطبقات تماماً , فلما فتحت عيناها وجدته بعيداً .. بعيداً كان واقفاً عند مدخل الغرفة وعلى شفتيه إبتسامة مموهة ومائعة واخيراً انفرجت شفتاه ليقول :
- عذراً حبيبتي , لقد أتيت لأخبرك أننا في إنتظارك بأسفل على مائدة العشاء.
شعرت بأحشائها تنقبض بقبضة الغيظ , احست انه دائماً يمسك بمشاعره في يده ولا يسمح لعواطفه ولا لإنفعالاته بالإنفلات وبعد ان ابتسم ابتسامة اخرى مشابهة استدار عائداً إلى مائدة العشاء.

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

وبعد تناول العشاء وحتى اثناءه كانت مشاعرها تتأكد يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة , بل ودقيقة بعد دقيقة , ان ثمة شعور بالنفور بل وشبه عداء يتنامى تجاهها , فبعد ان استولوا على املاكها وكل إرثها من والديها يتمنون الآن ان تذهب بعيداً حتى لا تذكرهم بما فعلوا , ولم تكن مارتينا لتخطئ نظرات زوجة عمها ليدي جينا , كانت نظرات غير ودودة بالمرة بل وفي احيان كثيرة تكون مشحونة بالإزدراء .
حتى كان يوماً لن تنساه مارتينا طيلة عمرها ...
- اريد ان اقرر أمراً واحداً منذ البداية , لا يمكنها البقاء هنا .ريحانة
جاء صوت الليدي جينا هارولد واضحاً من خلال الباب المغلق لغرفة الجلوس , مسمراً مارتينا في مكانها ويدها ممتدة لتدق الباب , تدافعت الأفكار إلى رأسها وهي تستعيد كلمات جينا وبدت ان من الأفضل لها أن تستدير وتبعتد متظاهرة بأنها لم تسمع شيئاً ومعللة نفسها بأن مسترقي السمع عادة لا يسمعون شيئاً حسناً عن انفسهم . لكنها عرفت في الوقت نفسه , انه ليس في مقدور شيء إزاحتها عن مكانها خطوة واحدة .. وسيكون مبعث راحة لها ان تكتشف حقيقة مشاعر زوجة عمها نحوها على عكس معاملتها اللطيفة فيما سبق , قالت " فانيسا " بصوت خفيض ولكن نافذة الصبر.
- اوه , اماه , ليس من السهل ان تلقي بها إلى الشارع إنها لا تملك أي تدريب او مؤهلات , وتعرفين مثلي انها ضيعت وقتها في المدرسة , ما الذي تستطيع فعله على وجه الأرض؟.
اجابت الليدي جينا ببرود :
- ليس ذلك خطأنا , هي التي اضاعت الفرص التي اتيحت لها , فليس من حقها الشكوى الآن إذا لم يتحملها احد بعد , كان على ابيها وهو يدرك مدى تعقد قضية الميراث , ان يترك لها إحتياطاً من المال وهو ما يزال حياً.
ردت فانيسا :
- ربما انت على حق, لكن كان من المستحيل ان يتنبأ بأنه وجون سيقتلان معاً في الحادثة نفسها .
كان جون هو الوريث , لذا كان هو من سيعتني بأمر مارتينا .منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

احست مارتينا وهي تقف في الصالة جامدة , بطعنة ألم من هذه الكلمات , لكن فانيسا كانت على حق , لم يكن بامكان احد التنبؤ حتى قبل شهور قليلة فقط, بأنها ستبقى وحيدة تماماً في هذا العالم قبل ان يحل الظلام في ذلك اليوم الخريفي البغيض.منتديات ليلاس
ومهما يكن السبب فعدوانية جينا اصبحت واضحة مع الزمن ولم تبد إلا القليل من اللين نحوها منذ وصولها إلى هذا المنزل , بل على العكس . شعرت جينا تتأمل بفرح التحول الذي حدث في حياتها , اما هي فقد اصبحت اكثر حذراً في حديثها وسلوكها . متأكدة دائماً من ان السيدة كوتي مدبرة المنزل قد ذهبت الى الليدي جينا لتتلقى تعليماتها, ومتذكرة ايضاً ان تدق الباب قبل ان تدخل الغرف حيث تكون العائلة مجتمعة .
فجأة تحولت إلى غريبة في بيتها , كانت الليدي جينا تكرر القول بحدة :
- لا ادري لم اصبحت شديدة الإهتمام بها يا فانيسا انت لم تهتمي بها في يوم من الأيام بشكل خاص .
قالت فانيسا في ضيق :
- أنا لست مهتمة بها حتى الآن . لكن علينا ان نهتم بما سيقوله الناس , خاصة ان أباها واخيها كانا محبوبين بين اهالي المنطقة , علينا ان لا نبدأ السير بخطوة خاطئة .
قالت الليدي جينا متنهدة :
- بالطبع لا , يالها من مشكلة , لم اكن اعرف ان هذه الطفلة الحقيرة ستبقى تتسكع هنا بدون هدف . ألم يكن هناك حديث عن مدرسة الرسم؟
ردت فانيسا :
- هناك دائماً حديث عن شيء ما يشغل مارتينا , لكن أنت على صواب , اظن ان من المفروض ان تلتحق هذا الشهر بمدرسة لينوكس في جارجسون , إذا ما قبلها هذا, خاصة بعد ان اصبحت مسألة الأجور صعبة بالنسبة إليها .ريحانة

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

اطبقت اصابع مارتينا المرتعشة على الرسالة التي دستها في جيب سترتها قبل أقل من نصف ساعة . فقد لمحت من نافذة غرفتها ساعي البريد مقبلاً وانتابها هاجس بما كان يحمله لها . ونزلت مسرعة إليه . فالرسائل تؤخذ جميعها إلى جينا قبل توزيعها على اصحابها . ومارتينا عرفت ان الرسالة تحمل طابعاً فرنسياً ستثير فضول زوجة عمها بدون شك.
وها قد تحقق هاجسها بالشر . حدثت نفسها بيأس يبدو ان لفانيسا القدرة على التنبؤ . كانت رسالة ليتوكس كريستي قاسية الوقع عليها رغم رقتها رجاء فيها ان الأعمال التي عرضتها عليه في مقابلتهما في لندن, كانت غير كافية لمنحها مقعداً مجانياً في مدرسته . لكنه في أي حال سيعود إلى لندن الربيع المقبل وبمقدورها ان تتصل به وتطلعه على أي عمل جديد تكون قد أنجزته , وربما سيقرر موقعه منها من جديد.منتديات ليلاس
كانت خيبة أخرى لها . وادركت انها ورثت بعضاً من موهبة أمها المتوفاة وانها تلميذة مجتهدة في المدرسة . إلا أنها تشك في قدرتها على المواصلة في عالم الفن الذي يعج بالمنافسة الشرسة . واليأس هو الذي دفعها إلى مناشدة لينوكس كريستي للحصول على مقعد مجاني في مدرسته , ولم تذكر اسم امها له . إذ بدا ذلك عديم الفائدة , فأمها لم ترسم إلا القليل بعد ان انجبت اطفالها , بلإضافة إلى ان اعمالها كانت تنتمي إلى الطراز القديم.
قالت جينا بما فيه الكفاية عن تلك الأعمال حالما وصلت إلى منزلها وتكاد مارتينا تكون على يقين, من أن رسومات أمها المعلقة في ارجاء البيت سترمى قريباً في أحد الأقبية لتحل محلها لوحات من معرض في لندن ترتاده جينا .منتديات ليلاس

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

2 - الرحيل

كانت جينا التي تتكلم ثانية موجهة حديثها لإبنتها فانيسا :
- وهل أنت متأكدة أنها تتسكع هنا بدون هدف؟ كانت لا تفارق صمويل قبل ان يحدث ما حدث, ربما أنها تأمل في إحياء علاقتها به ثانية .
اطلقت أم صمويل ضحكة عالية وهي تقول :
- لا اظن انها ساذجة إلى هذا الحد , ربما إهتم بها صمويل حين كان والدها واخيها احياء . لكن الظروف تبدلت الآن كثيراً. صمويل ليس غبياً . إنها فتاة جميلة , أنا أقر بذلك , اما إذا كانت تأمل منه في شيء أكثر من علاقة شيقة وعابرة فأخشى ان تصاب بخيبة أمل , يستطيع صمويل ان يجد لنفسه من هي أفضل من إبنة عمة معدومة الحال.
قالت فانيسا بنبرة ساخرة :
- اوه .. آماه . منتديات ليلاس
لكن مارتينا لم تنتظر لتسمع المزيد . إستدرات واسرعت إلى غرفتها عبر الصالة المفروشة بسجاد ثمين .
منذ الأسابيع القليلة الماضية , اضحت هذه الغرفة مأواها إنها غرفة الجلوس الصغيرة التي كانت تخص أمها . وهي من الأماكن القليلة في البيت التي لم تمتد يد جينا إليها بالتغيير بعد أن اغلقت مارتينا الباب وراءها والقت بنفسها على المقعد الطويل , ثم اطلقت دموعها الغزيرة ها هي الآن تعاني الأسى والذل والغيظ معاً. وهالها التفكير انه ما كان هناك إلا القليل حتى تنجرف في حب صمويل لم يكونا مهتمين ببعضهما حين كانا صغيرين وبعد اعوام التقيا في إحدى الحفلات في الصيف الماضي وتعرفا على بعضهنا بصعوبة , لكن سرعان ما اخذتهما العاطفة او هذا ما ظنته هي وعليها الآن ان تعترف بأنها هي التي افتتنت بصمويل.ريحانة

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

اما هو فكان يأمل في شيء آخر عضت اطراف اصابعها , ها هي الأمور اخذت تنكشف , إنها لم ترى صمويل منذ وفاة ابيها واخيها إلا مرات قليلة . إنه منهمك في اشغاله ولا يأتي إلى المنزل إلا في نهايات الأسبوع , لكنه حتى في هذه المرات لم يبد إهتماماً كبيراً بها .
كانت تعلل عدم إندفاعه نحوها بأنه احترام منه لحزنها , لكن الحقيقة ظهرت الآن وهي انه لم يعد هناك شيء يأمل في كسبه منها .
كانت تستغرب احياناً, لماذا كان صمويل يسحب نفسه منها وهما في ذروة العاطفة . ألقدرته على كبح جماح نفسه أم لنفوره منها؟ ومهما كان السبب فقد كان كافياً لأن يقيم حاجزاً بينهما من الآن فصاعداً.
حين تعود مارتينا بذاكرتها إلى الوراء , تجد ان امها لم تقل الشيء الكثير عن حياتها في كورونوول , كانت تبدو سعيدة هناك , او هذا ما استنتجته من احاديثها . إلى جانب هذا فإن إسمها كورنوولي عريق , اختارته امها بإصررار بعد ان عارضه الأب تحسباً من إثارة ذكريات حزينة , ووصف زوجته بأنها رومانسية رغم انه خضع في النهاية لإرادتها كعادته دائماً. واستعمل العبارة نفسها كما تتذكر مارتين , حين تتأمل تريفنيون من اللوحات البيت فوق قمة المنحدر , المنجم المهجور , القرية الصغيرة في مينا بور فينور , والساحل بصخوره الدكناء الشامخة كأنها حراس من الجرانيت تقاوم هجوم الأمواج العنيفة .منتديات ليلاس
استعادت مارتين وجه امها , وهي تخاطب زوجها والد مارتين وكأنها البارحة :
- لماذا تقول هذا ؟ لم أكن أرسم مجرد مكان , كنت ارسم شبابي وكل ما عرفته من سلام وطمأنينة وحب.
ثم نهضت وسارت إليه واحاطته بذراعها وأراحت خدها على يده , وهي تقول له :
- اعرف أنك على حق لكن دعني لأوهامي.
حين اعادت مارتينا تلك الكلمات ما هي إلا نقوش على ضريح آمالها . ومن ثم جمدت في مكانها حين سمعت وقع خطوات قادمة عبر الممر . إستدرات حين إنفتح الباب ودخلت الليدي جينا وهتفت بشيء من الحدة :
- اوه , هنا يا مارتين , لقد بحثت عنك في كل ارجاء البيت , كنت اتساءل فيما إذا كنت راغبة في الإنضمام إلينا للغداء.

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

سكتت مترددة للحظة ثم اردفت :
- اتصل صمويل بالهاتف قبل قليل وقال انه سيجلب معه صديقة وفكرنا ...
توقفت واخذت تحدق بوجه مارتينا بترقب .منتديات ليلاس
عضت مارتينا شفتيها . إذن سيجلب صمويل معه آخر حبيباته للغداء , وامه تريد ان تعرف ماذا سيكون رد فعلها . هل ستقبل الأمر بدون اهتمام , أم ستغضب وتثور , انتابها الغيظ , لكنها قالت متظاهرة باللامبالاة :
- لطيف جداً, لكن اذا كان وجودي يسبب أي إرباك فإني سأتناول وجبة خفيفة في الخارج .
ابتسمت الليدي جينا برياء وهي تقول :
- اوه يا عزيزتي , هذا أمر غير متوقع منك ابداً. كم أنت حمقاء احياناً بالطبع لا نريد ان نتدخل في شؤونك فأنت إمرأة ناضجة الآن , وطبيعي جداً ان ترغبي في أن تكوني مستقلة . ولا نريد ان نجعلك تشعرين بأننا نكبح رغباتك بأي شكل من الأشكال.ريحانة
توقفت عن الكلام ثانية وفي صوتها من إهتمام وقلق امومي , وكأنها تريد ان تكسب ثقة مارتينا . لكن مارتينا قررت ان لا تنخدع بها ولو للحظة , وحتى ولو لم تكن قد سمعت ذلك النقاش القصير في غرفة الجلوس فإنها ادركت ان نبرات جينا ومواقفها كلها تكشف انهم تحملوها ما فيه الكفاية , وينتظرون رحيلها بفارغ الصبر.
فجأة احست ان اعترافها بالعجز وموت آمالها في أن تكون رسامة هو اكثر مما تستطيع تحمله .
قفزت إلى ذهنها فكرة غريبة , وقبل ان تناقش مدى الحكمة فيما قررته تكلمت قائلة :
- لا تقلقي بشأني بعد الآن يا زوجة عمي جينا , قررت ان اخبرك بعد الغداء انني ذاهبة من هنا .
ردت جينا بلهفة عجزت ان تخفيها :
- إلى اين ؟

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

قالت مارتينا :
- في الواقع لقد تسلمت رسالة هذا الصباح فيها دعوة للبقاء مع اقرباء أمي في تريفينون حتى يحل موعد ذهابي الى كورنوول , مكان رائع ومناسب للرسم , سمعت أمي تكرر دائماً انها انجزت أفضل رسومها هناك.ريحانة
انهت كلامها بحنق وهي تفكر ان جينا كانت متلهفة لسماع هذا الخبر . استقرت نظرات الليدي جينا على مجموعة الصور البادية خلف مارتين , ثم عادت لتحدق في وجهها باستغراب قائلة :
- هل لأمك اقرباء في كورنوول ؟ لم أكن اعرف ذلك .
قاطعتها مارتينا قائلة :
- اقرباء بعيدون جداً , الله وحده يعرف كم عددهم .
ثم بحثت في ذاكرتها عن اسماء لتسند روايتها :
- انه الخال دومنيك الذي بعث الرسالة .
كان هذا الاسم الذي تكرره أمها دائماً : دومنيك من علم إبنة المدينة تسلق الصخور حافية القدمين , تجديف القارب, إصطياد السمك , وهو من قص عليها تلك الأساطير التي تذكرتها مارتينا كقصص ما قبل النوم . قصص عن الأشباح الصغيرة التي تقطن منجم القصدير , والتي تتنبأ ضربات فؤوسها بحدوث الكوارث.
وفجأة قطع صوت الليدي جينا خواطر مارتينا :
- إنها مفاجأة .
ثم اضافت :
- اظن انك تعرفين ما تفعلينه , لكن هل سبق أن التقيت بأحد من هؤلاء الأقارب؟
- لا , لكني احس بأني اعرفهم جيداً , لقد حدثتني أمي كثيراً عنهم .
شعرت مارتينا بالذنب لكل هذا الكذب التي تسرده , وقالت الليدي جينا :
- حسناً, إنه لعطف كبير منهم ان يعرضوا عليك بيتاً آمل ألا تستغلي كرمهم يا مارتينا , أنت لا ترضين أن تكوني عالة على الآخرين طول حياتك , لكن إذا كان الأمر مجرد اسابيع فأظن انه لن يكون ثقيلاً .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

- والآن , ماذا بشأن الغداء؟
قالت مارتينا بإصرار وحسم :
- ارجو ألا تقلقي بشأني, اظن اني سأذهب لأحزم امتعتي.ريحانة
- مثلما تشائين .
قالت الليدي جينا هذه الكلمات بدون ان تهتم بإخفاء سرورها من من جريان الأمور بهذا الشكل , إستدرات نحو الباب ثم ترددت وكأنها تذكرت شيئاً ما , وقالت :
- إذا كنت ترغبين في أخذ أي من هذه الرسوم , فلا تترددي في ذلك يا مارتينا , لقد اتفقنا وعمك الليلة الماضية انه من الإنصاف ان تحتفظي ببعض التذكارات من والدتك, نعم انه ليس هناك ما يدعو لفتح جروح قديمة .
قالت مارتينا وهي تبذل اقصى ما لديها من جهد لتبدو هادئة ومبتسمة :
- شكراً لك .منتديات ليلاس
واستدارت جينا خارجة من الغرفة .
إلى هذا الحد وعندما اصبحت مارتينا وحدها بعيداً عن عينا الليدي جينا حتى انهارت باكية , بكت وبكت وهي تشعر بأن شيئاً ما بداخلها قد انكسر او شرخ وها هو أول من احبت وظنت انه كان يبادلها الحب , يأتي لمنزلها او الذي كان منزلها بقتامة الجديدة , احست بأن كل الإذلال والمهانة التي في العالم قد تجمع عليها وهي تقف عاجزة عن رد أي صفعة مما تلقتها , ما أبشع الشعور بالعجز إزاء ما يصيب الإنسان من أذى , ولكنها قررت اخيراً ان تلملم اشلاء كبريائها وترحل بعيداً عن هذا البيت وكل ما يحيويه من مذلة لها .منتديات ليلاس
وحزمت امتعتها ولملمت رسومات أمها في رزمة انيقة وحملت حقيبتها وبدأت رحلتها للمجهول .

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

3- دموع من الماضي

لم تتحسن حالة مارتينا النفسية حتى حين وصلت إلى بنزاس وظلت كآبتها كما هي. كانت السماء الرمادية ما تزال تمطر, مما زاد من شعورها بالوحدة والضعف , تمنت لو ان قدرتها المالية تسمح لها لكي تستقل سيارة تاكسي إلى تريفينون , لكن ذلك سيكون مجازفة خاصة , وهي لا تعرف كم يبعد المنزل من بنزاس .
للحظات راودتها فكرة العثور على مكان بنزاس لقضاء الليل فيه . ولكن سرعان ما ابعدت تلك الفكرة على رأسها وايقنت ان ما هو مهم الآن هو الوصول إلى تريفينون وإيداع الرسوم هناك.منتديات ليلاس
سارت تحت المطر حاملة حقيبة الظهر على كتفها , بينما الحقيبة الثانية في يدها الأخرى وكان شعرها مبتلاً وقد تهدل حول وجهها المبتل هو الآخر . من مكتبة صغيرة اشترت خريطة للمنطقة . ودخلت إلى مقهى كان من حسن الحظ إنه ما زال مفتوحاً حيث في مقدورها الإحتماء فيه من المطر وتأمل الخريطة بتأني لم تعثر على تريفينون في الخارطة لكنها عثرت على بورت فينور بينما هي تشرب قهوتها وتتناول سندويشناً من الجبن وعثرت على المضيق الأسباني ايضاً. فعرفت الإتجاه الذي يجب ان تسلكه . حين تركت المقهى واجهتها ريح قوية كادت ان تفلت الباب من يدها وتفقدها توزانها للحظة .
سيطرت على نفسها وهي تئن من الألم والضعف . لقد حدثتها أمها كثيراً عن الرياح الجنوبية الغربية العاصفة في هذه المنطقة . لكنها لم تكن تتوقع إن عاصفة كتلك ستصادقها حالما تصل إلى هنا . وما يقلقها هو المصير المجهول الذي ينتظرها , لكنها لم تجد بداً من الإستمرار . فغيرت وضع حقيبة السفر لتريح كتفها , ثم احنت رأسها عكس الريح الشديدة وواصلت سيرها . فكرت في شيء واحد هو . ترى هل احسنت عملاً بمجيئها الى هنا , ام ان ذلك مجرد جنون ارتكبته بدون وعي . وكانت في اعماقها تتوسل إلى الله ان يكون العجوز دومنيك رجلاً طيباً وشفوقاً, وان لا يستجوبها بالكثير من الأسئلة وهي على عتبة داره .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

حين اصبحت في موقف البائس اكتشفت انها ليست وحدها كانت هنالك فتاة اخرى تنتظر وقد احتمت بمدخل احد الأبواب من المطر والريح. وهي فتاة قصيرة وممتلئة , ترتدي رداءً طويلاً اسود.ريحانة
وكان وجهها مدوراً , ابتسمت الفتاة لمارتينا , بينما هذه تضع حقيبتها على الأرض وتنزل حقيبة الظهر عن كتفها .قالت الفتاة "انه يوم بائس حقاً "
" نعم , الظلام يحل بسرعة في مثل هذا الوقت من السنة " اجابتها مارتينا وهي تنظر فيما حولها .
"هل تقصدين مكاناً بعيداً؟"
" لست متأكدة في الحقيقة , احاول الوصول إلى بيت يدعى تريفينون"
"تريفينون؟" قالت الفتاة بدهشة ثم اضافت " إنه على مسافة بعيدة , عليكِ ان تنزلي في مكان يدعى تريفينون كروس"وصمتت للحظة ثم قالت وهي تحدق في وجه مارتينا " لا اريد ان اكون فضولية , لكن هل أنت متأكدة من أن ذلك هو المكان الذي تقصدينه؟"
لم تكن مارتينا في الواقع واثقة من أي شيء , لكنها رفعت وجهها بثقة لم تكن تملكها في الحقيقة , وقالت " بالطبع أنا واثقة , إنني ابحث عن السيد تريفينون "
" دومنيك تريفينون, هل تعرفينه ؟"
تلعثمت الفتاة ثم تمتمت " لا اعرف شخصياً , انه في الحقيقة لا يستقبل احداً في مملكته الخاصة "
همست مارتينا لنفسها : إذاً هذا هو السيد الذي عقدت عليه آمالي وقالت "اظن إنكِ تبالغين في حقه "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" بل إنه أسوأ من هذا . متكبر وفظ الخلق, متمسك بمنزله وأراضيه على الشاطئ , وكأنه يدافع عن آخر قلاع كورفوول . إنه يكره السياح ولا يمد العون لأحد ولكن إذا كان يتوقع وصولك فسيكون الأمر على ما يرام."
اشتدت دقات قلب مارتينا وفكرت . إذا كان هو ما عليه العجوز الكريم , فكيف سيكون إستقباله لها ؟
" يبدو انكِ تعرفين الكثير عنه " سألتها مارتينا .منتديات ليلاس
" ليس كثيراً في الواقع , لكني املك صالة لصنع التحف الفخارية مع اخي , واردنا توسيعه ببناء مخزن ملحق به , لكننا فشلنا في الحصول على موافقة البناء, وكان السيد دومنيك تريفينون وراء حجب الموافقة عنا . انه يخشى ان يجلب ذلك المخزن السياح إلى منطقته فهو يعتز بوحدته جداً"
" شكراً على هذا التحذير " قالت مارتينا لنفسها , ونظرت إلى ساعتها , سيصل الباس في أي لحظة , وما يزال هناك متسع من الوقت لتغير رأيها . احقاً هذا هو الرجل الذي تحدثت عنه أمها بكل ذلك الحنين , اما ان الزمن قد غير من طباعه إلى هذا الحد ؟.منتديات ليلاس
" بالمناسبة , أنا بيدي براد شو , كنت اتجول في بعض مخازن الهدايا , احاول بيع بعض منتجاتنا , يبدو انه ليست هناك طلبات كثيرة في الوقت الحاضر"
مارتينا قدمت نفسها ايضاً وهي تومئ برأسها , فقالت بيدي باهتمام وهي تبتسم " لكن مارتينا اسم كورنوولي, يبدو انك من هذه المنطقة "
" لست من هذه المنطقة , لكن أمي قضت معظم صباها هنا , لذا فاختيارها لهذا الإسم لي طبيعي فيما اظن "
" اظن ذلك, او لقد وصل الباص اخيراً"منتديات ليلاس
صعدتا الى الباص , فقالت بيدي " ستنزلين بعدي بمنطقة , ثم تنحرفين يساراً وتستمرين في الشارع نفسه الذي يوصلك إلى المنزل مباشرة "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

أرادت مارتينا ان تستفسر الكثير من بيدي عن تريفينون , لكن الزحام في الباص حال دون ذلك.
كانت بيدي رفيقة لطيفة , تمنت مارتينا لو تطول رفقتها لها , وتأثرت كثيراً حين قالت انها تقترب من منطقة نزولها . وادعت مارتينا قائلة " اتمنى لك حظاً سعيداً , وإذا ما رغبت في البقاء فترة هنا . فأرجو ان تزورينا في صالة الفخاريات "
" سأحاول " اجابت مارتينا مبتسمة .
وحين نزلت بعدها بمنطقة , وابتعد الباص عنها , اخذت نفساً عميقاً ومشت بضع خطوات وجدت نفسها بعدها في ظلام . كانت الرياح تهب عاصفة وتبعثر خصلات شعرها على وجهها .
شدت سترتها على جسدها بإحكام , وفكرت بأنها كانت تتوقع نفسها في أي مكان في هذا العالم غير هذا المكان المظلم البارد في هذه المنطقة الريفية , واصلت سيرها باتجاه ضوء تقاطع الشارع, حيث انحرفت هناك إلى اليسار حسبما اوصتها بيدي.
المطر ما يزال يهطل وصوت هدير البحر يأتيها واضح . وجدت نفسها في درب مظلم ضيق محاط من جانبيه بسياج نباتي عال , ولم يكن هناك أي ضوء باستثناء ضوء القمر الخافت الذي كان يطل بين حين وآخر من بين الغيوم.
وتذكرت انها وضعت مصباحاً يدوياً يعمل بالبطاريات في حقيبة الظهر, فأنزلت الحقيبة وبدأت تفتش فيها حتى عثرت عليه . وحين اشعلته كان نوره ضعيفاً غير انه كان كافياً لإضاءة الطريق امامها.
سارت حوالي عشر دقائق , وتمنت لو ان لوحة الإرشاد التي صادفتها في بداية الدرب قد اعطتها فكرة عن المسافة التي تفصلها عن المنزل.
فجأة سمعت صوت ارتطام عنيف بالقرب منها , كان الصوت قوياً حتى طغى على صوت هبوب الريح رغم شدتها وعلوها .منتديات ليلاس
كانت شجرة قوية اقتلعتها الريح العاصفة والقتها على الطريق, ولحسن الحظ لم تصب مارتينا بأذى , لكنها ارتعبت وتوترت اعصابها , غير انها استردت هدوئها بعد فترة قصيرة امسكت غصناً منها وحاولت تحريكها حتى تبعدها على الطريق لكنها فشلت . وعرفت ان هذه الشجرة ستسبب كارثة لأي سيارة إلى البيت او عائدة منه .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

فقررت ان تهرع إلى البيت اينما كان وتخبر من فيه بالأمر غير انه لم يمر سوى لحظات حتى سمعت محرك سيارة قادمة من بعيد , فالتفتت فيما حولها واخذت تبحث في الظلام حتى لمحت ضوء مصباحين قويين متجهين نحوها وادركت ان السيارة قادمة إلى تريفينون , وإنها ستصل هنا في اية لحظة وسائقها يجهل الخطر الذي ينتظره في الطريق ركضت إلى منحنى الطريق ووقفت في وسطه وهي تحرك مصباحها على ضوئه يسترعي انتباه السائق واقترب صوت المحرك حتى كان ان يصم اذنيها .
وبغتة سمعت صرير عجلات تتوقف بعنف, وان جسدها قد القي بقوة نحو السياج ثم احست بيدين قويتين ترفعانها وتوقفانها على قدميها .ريحانة
كان رجلاً طويلاً اسود اللون , وكانت ملامحه غاضبة وهو يقول " ما الذي تفعلينه هنا, ايتها الحمقاء؟ كنتِ على وشك ان تموتي !"
حررت نفسها من يديه بغضب وانفجرت في وجهه قائلة وهي تلهث " لا تقل انني حمقاء , وماذا عن نفسك انك تقود سيارتك كالمجنون في هذا الليل المظلم , لو دهستني لكنت انت المخطئ !"منتديات ليلاس
" هل تسمحين ان احيطك علماً بأن هذا طريق خاص, ولا يتوقع احد ان يصادفه عابر مجنون مثلك"
" لست مجنونة , وإنما كنت احاول انقاذ حياتك او على الأقل ان احول دون اصابتك بجروح "
ساد صمت ثقيل , قطعه صوته وهو يتسائل باستغراب " ماذا تقصدين ؟"
" هناك شجرة واقعة على الطريق خلف هذا المنحنى , كنت ذاهبة لأخبر احداً في البيت حين سمعت صوت سيارتك وفكرت انه من الأفضل ان ابقى واحذرك حتى لا تصطدم بها "
" انتظري هنا... " قال بغتة وذهب إلى سيارته , أدار محركها وسار بها إلى ما بعد المنحنى , ثم اوقفها هناك, وعاد ماشياً.

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" يبدو انني ادين لكِ بكلمة اعتذار " قال بهدوء ثم اضاف متسائلاً "ولكن ماذا تفعلين هنا؟ هل أضعت الطريق؟ هذا طريق خاص يؤدي فقط إلى ..."
قاطعته مارتينا قائلة " إلى تريفينون , اعرف ذلك, انني لم اضع طريقي لكنني ذاهبة إلى تريفينون, أريد السيد دومنيك تريفينون"
" حقاً ؟ وهل السيد تريفينون يتوقع وصولك؟"
" كلا, وقد حذرني احدهم قبل قليل بأنه متعجرف جداً, ويحسب ملكاً غير متوج على منطقة كورنوول ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً , فأنا ذاهبة لمقابلته "
" ولماذا تصرين على مقابلته؟ أليس من الأفضل ان تبتعدي عنه وقد عرفت طباعه ؟"
" لابد ان أراه , اريد أن اسأله معروفاً"
" وهل تعتقدين انه سلبي طلب عابرة سبيل غريبة مثلك ؟"
" بداخلي شعور بأنه سيساعدني , بالاضافة إلى انني لست غريبة عنه تماماً؟"
احست مارتينا انها تحدثت اكثر مما ينبغي , لذا اجابته قائلة " آسفة , هذا أمر يعود لي" ثم اضافت بعد توقف قصير " اظن انك صديق مقرب منه , وانك في طريقك اليه وستخبره عما قلته عنه , لا تتردد في ذلك , فلن يغير ذلك شيئاً" .منتديات ليلاس
حاولت ان تتحرك من مكانها , لكن ألماً شديداً في اطرافها شلها عن الحركة .
" هل تآذيتِ ؟ لقد صدمتك السيارة بعنف"
" اوه لا تقلق , اظن انني ما زلت قادرة على المشي "
" قفي منتصبة , دعيني افحصك, ربما اصبت بكسر"
وقفت مارتينا في مكانها واسنانها تصطك من الغيظ والألم وهو يفحص اطرافها بدقة وعناية .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" شكراً لك, يبدو انك طبيب بيطري"
" ليس بالضبط , من المفيد ان احذرك من الكلاب. إنها غير متعودة على استقبال الغرباء في البيت "
" يا إلهي !"هتفت مارتينا بخوف , غير انه كان من العسير عليها ان ترى وجهه بوضوح حتى تعرف فيما إذا كان يمزح أم جاد في قوله .وسألته "وهل هي كلاب شرسة؟"
" ذلك يتوقف عليكِ, لا تحاولي إثارتها "
" اتظن ان الأمر سيكون أفضل لو عرفت اسماءها ؟"
" اظن ذلك, احدهما يدعى كوكى والآخر ماكس "
حملت مارتينا حقيبة الظهر على كتفها والحقيبة الاخرى في يدها , وهمت بالسير لكنه قاطعها قائلاً " سؤال اخير لو سمحت , كم من الوقت تودين البقاء مع تريفينون؟"
ارادت ان تقول له ان جل ما تطلبه هو قضاء هذه الليلة تحت سقف يحميها , لكنها ضبطت لسانها وقالت مازحة " لنرى كيف تسير الأمور , ربما سيهواني ملك كونوول "
" سيهتم بك حتماً" قال ذلك بنبرة لطيفة وهادئة .ريحانة
***
سارت في طريقها مرفوعة الرأس , متحاملة على نفسها بدون ان تعرج حتى اجتازت منحنى الطريق واصبحت خارج حدود ضياء مصابيح السيارة , كانت الريح قد خفتت لذا بدا صوت إرتطام امواج البحر بالساحل اكثر وضوحاً وكان المطر قد توقف ايضاً.
وعلى ضوء القمر الذي ظهر من بين الغيوم المتسارعة , بدا هيكل البيت واضحاً , المداخن والسقف , وعلى جهة اليسار كان هناك ضوء مصباح في إحدى نوافذ .
احست مارتينا بموجة حنين تغمرها وهي تتذكر رسوم والدتها , وامتلأت عيناها بالدموع . وعلى مقربة منها نبح كلب وتبعه كلب ثان . وفي البيت أضئ ضوء آخر , وكأن هل البيت يستجيبون لنداء الكلاب .منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

بالطبع قالت مارتينا لنفسها انهم ينتظرون زائراً . الرجل الذي قابلته في الطريق جمعت كل شجاعتها واتجهت نحو الباب الرئيسي . وقرعت الجرس المثبت على جانب الباب .
اخذ الكلبان ينبحان ويدنون منها , فنادتهما باسميهما فتوقفا قربها . ثم سمعت وقع اقدام قادمة من الداخل , سرت رعشة برد في اطرافها فدست يدها في جيبها , لتخفف من إنفعالها . وانفتح الباب الثقيل محدثاً صوت صرير عميق طالعها رجل بدين وقصير , عيناه تلمعان تحت حاجبين رماديين كثيفان, واخذ يحدق فيها بارتياب , ثم قال بامتعاض " يبدو إنك اخطأت البيت الذي تقصدينه"
اقتربت منه مارتينا اكثر وابتسمت له وهي تفكر ترى أهذا هو السيد تريفينون؟ يبدو حقاً مثلما سمعت عنه من جفاء .منتديات ليلاس
" السيد تريفينون ؟" سألت مارتينا بنبرة حاولت ان تكون واثقة .
" غير موجود "
" أهو مسافر أم انه خارج البيت ؟"
" هذا ليس من شأنكِ , اذهبي الى سبيلك "اجابها الرجل , بينما في تلك اللحظة رن جرس الهاتف في مكان ما من البيت , وهم الرجل ان يغلق الباب وهو يقول " عليّ ان اجيب على الهاتف "
لكن مارتينا هتفت به متوسلة " من فضلك , لقد اتيت من مكان بعيد هذا اليوم . إذا كان السيد تريفينون غير موجود الآن فهل بوسعي الدخول وانتظاره ؟"
" لا " اجابها وقد بدا نبرته انه فقد صبره , ثم اضاف حانقاً " لو كان السيد تريفينون راغباً في رؤيتك لأخبرنا بمجيئك , إتصلي غداً بالهاتف وخذي موعداً لرؤيته , والآن اذهبي "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

وانسحب وهو يغلق الباب, لكن صوت إمرأة هتفت به من الداخل " إنتظر يا زاك , دعها تدخل "
" ماذا تقولين ؟"
" قلت دعها تدخل , ألم تسمع ؟"
فتح الرجل الباب , ودخلت مارتينا ووضعت حقيبتها على الأرض , ثم انزلت الحقيبة الثانية من على كتفها .منتديات ليلاس
تأملت المرأة , مارتينا بريبة وقالت لها " يمكنك الانتظار في غرفة المكتب حتى يحضر السيد , هناك نار في المدفأة , هل تريدين كوباً من مشروب ساخن ؟"
قبلت مارتينا وهي تشعر بالسعادة لسماحهم لها بالدخول بعد ان كادت تمكث في العراء في هذا الليل البارد , وزادت سعادتها وهي تدخل إلى المكتب . طاولة كتابة عتيقة , تتكدس الأوراق عليها. با لإضافة إلى آلة كاتبة قديمة . مقعد طويل مغطى بقماش بال موضوع امام المدفأة وإلى جانبه مطاولة صغيرة . وعلى الأرض فرشت سجادة مربعة حمراء.
جلست امام المدفأة ومدت يدها المرتعشة نحو النار فسرى الدفء فيها , لكن ما رأته لم يعطها شعوراً بالتفاؤل , وبدا لها واضحاً ان تريفينون يعاني من افول المجد منذ ان رأته أمها آخر مرة . ويبدو ان هذا هو سبب عدم عودة امها إلى هنا مرة اخرى . وربما ان تريفينون نفسه لم يشجعها على المجئ, حتى تبقى تتذكر الأشياء كما كانت وتتذكر الناس هنا كما كانوا .منتديات ليلاس
فتحت حقيبة الظهر التي كانت إلى جانبها , واخرجت الرزمة التي فيها الرسوم , وبعد تردد قصير قامت ومشت نحو الطاولة ووضعتها فوقها .
كانت هناك مجموعة من الصحف والمجلات ملقاة على طرف المقعد بإهمال , تفحصتها بسرعة وهي تعود إلى مكانها , كانت متنوعة تعطى إنطباعاً عن ذوق وشخصية مقتنيها . وهناك صحف محلية بينها , اخذت إحداها وبدأت تطالع صفحتها الأولى , لكنها لم تكن قادرة على التقاط الكلمات بوضوح , وادركت مدى تعبها .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

دخلت السيدة حاملة صينية , وضعتها على الطاولة , وتأملت مارتينا بنظراتها طويلاً , فقالت مارتينا " هل ... هل هناك شيء ما على غير ما يرام؟ "
" انت تذكريني بشخص اعرفه , لا اقدر على تذكره الآن لكني سأتذكره "
خفق قلب مارتينا بشدة , ترى هل هذا الشخص هو أمها ؟ لكن قبل ان تسألها , فتح الباب وجاء صوت زاك وهو ينادي " نيزا !" اجابته المرأة ثم خرجت إليه .
اسندت مارتينا ظهرها إلى المقعد باسترخاء بعد ان انتهت من شرب الشاي . واغمضت عينيها وهي تشعر بالدفء والطمانينة بالرغم من جهلها بما سيحدث . وبدأت صور عديدة تتراقص في ذهنها وهي تسترخي أكثر فأكثر , ودفء النار يسري في جسدها ويبدد الألم من اطرافها تراءت لها وهي في غفوتها اشجار تتراقص في مهب الريح , وكلاب تشع عيونها ببريق ذهبي , رأت بيدي ايضاً.ريحانة
لم تعرف كم من الوقت اخذها النوم, لكنها استيقظت فجأة واستوت في مكانها . كانت الغرفة أكثر إضاءة فأدركت ان احداً ما قد أضاء المصباح الرئيسي الذي على الطاولة . وكان هناك رجل في الغرفة , عرفته , انه نفسه الذي التقته في الطريق , كان اسود اللون , وجهه نحيل وحاد التقاطع كأنه من حجر الجرانيت, وله انف مرتفع وشفتان ممتلئتان وغامقتان , وكان منحيناً على رسوم امها يحدق فيها بعد ان فتح الرزمة .منتديات ليلاس
التفت إليها , وحدق في وجهها بوجه غاضب, فسرت في جسدها قشعريرة , حاولت ان تقنع نفسها بأنها ما زالت غارقة في حلمها , لكنها ادركت ان الأمر حقيقة وليس حلماً حين تكلم بغيظ .
" من انت بحق الجحيم ؟ وماذا تفعلين هنا ؟" ثم اضاف بعد صمت قليل " عندك دقيقتان لتجيبي على سؤالي قبل ان ألقيك إلى الخارج "

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

4 - حنين في الليل

غرقت مارتينا في الصمت للحظة ثم قفزت واقفة بإنفعال غير مبالية لشعرها الذي إنحلت عقدته وانساب على كتفها مثل شلال من ذهب وصاحت بغضب " ولكن من أنت حتى تحدثني هكذا ؟ ولماذا فتحت تلك الرزمة , إنها خاصة للسيد دومنيك تريفينون , ثم بأي حق دخلت الى هنا؟"
" انت التي دخلت هنا , وليس أنا , يكاد وقتك ان ينتهي لذا انصحك بأن تجيبي على اسئلتي "
" لا ارغب في قول شيء . اريد التحدث الى السيد تريفينون فقط"
" اظن أنك لا تمارسين لعبة سمجة معي , وانك حقاً لا تعرفين من أنا "
جمدت مارتينا في مكانها وعيناها تحدقان في وجهه بدهشة , ثم همست " كلا , لا يمكن , انت لست ..."
" بل اؤكد لك , انا دومنيك تريفينون, أنا من اطلق عليه لقب ملك كورونول غير المتوج , وهذه هي قلعتي "
" كلا, لا اصدق ذلك, لا يمكن ان تكون أنت دومنيك تريفينون, انت لست كبيراً في السن"
" أهذه كلمة إطراء؟"منتديات ليلاس
" كلا, إنها ليست كذلك ولكن حسب ما اعتقد أن دومنيك تريفينون الحقيقي هو الآن في الستينات من عمره على الأقل "
لم يندهش من قولها , بل احن رأسه , وكأنه يوافق على ذلك , ثم قال بهدوء " الآن اخبريني من أنت , وماذا تريدين ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

سيطرت على انفعالاتها وقالت بهدوء " يبدو انني قد أسأت التقدير ليس أمامي سوى الإعتذار والإنصراف , هل تسمح لي بأخذ رسومي؟"
مدت يدها نحو الرسوم لكنه تجاهل حركتها تماماً . وقال " ليس قبل ان تشرحي لي الأمر , لقد تحدثنا كثيراً حين التقينا في الطريق , فلماذا هذا التحفظ في الكلام الآن ؟ ثم تذكري انك جئت لتسأليني إحساناً".منتديات ليلاس
" ليس منك . بل من شخص آخر, ربما هو لم يعد حياً , والداك ربما او ..."
" عمي , إنه الآن في غرفته في الطابق الثاني "
" إذن هل استطيع مقابلته رجاءاً؟"
" كلا بإمكانك مناقشة أي موضوع تودينه معي , وإذا كان الأمر يتعلق بهذه الرسوم , كأن ترغبين بيعها مثلاً فأؤكد لك مقدماً انك تضيعين وقتك هباءاً"
" كلا, لا انوي إطلاقاً" قالت وهي تحدق في اماكن معينة في الجدار , بدا واضحاً ان رسوماً ما كانت معلقة فيها فيما مضى .ريحانة
وكان هو يراقبها ثم قال " انت على حق, كانت هناك رسوم معلقة هنا يوماً ما وكانت اكثر قيمة من رسوماتك هذه "
" اعترف ان الرسوم هذه ليست افضل اعمالها , لكن لها قيمتها الخاصة عندي, او ان هذا على الاقل ما اعتقده , وإلا لما حضرت إلى هنا"
" لماذا ؟ هل تناسب بيوتاً معنية ؟ إذا كان الامر كذلك فكان الأجدر بك ان تبذلي جهداً أكبر في رسمها "
" كلا, بالطبع , لأن التي رسمتها هي أمي , لورا كيلك , قد عاشت هنا . كان هذا البيت بيتها حين كانت فتاة , وتريفينون عائلتها . العائلة الوحيدة لها حتى تزوجت أبي . اوه, اعرف انها فقدت الصلة بكم جميعاً . لكن ..."
قال مقاطعاً إياها " هل هي التي بعثتك ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

اعترضها ببرود , هزت رأسها وابتلعت ريقها قائلة بأسى " لقد ماتت منذ سنوات"
" أنا آسف " قال بلا مبالاة وكأنه يؤدي واجباً ثقيلاً.
رفعت مارتينا رأسها وحدقت في وجهه بغيظ , وقالت بصوت خفيض " إنني سعيدة لأنها لا تسمعك الآن , وانها ليست حاضرة لكي تعرف كم هي غير اوفياء اولئك الذين احبتهم "
" انت سريعة الحكم على الآخرين , لقد قلت انها فقدت الصلة بنا . ألم يخطر لك يوماً ان تسألي نفسك , لماذا ؟ لست ادري الى أي احد حدثتك عن حياتها هنا , ولكني اقسم انها لم تخبرك بمدى الخراب الذي تركته هنا حين رحلت "
" انت تكذب !"
" ولماذا الكذب؟ قد يكون ما قلته مر المذاق لكنه الحقيقة "
ظلت مارتينا تحدق فيه بدون ان تجد ما تقوله , بعد فترة صمت قصيرة, بدأ هو الكلام ثانية وسألها " وماذا عن أبيك السيد روبرت الأنيق , هل هو يعرف بمجيئك إلى هنا ؟"
حاولت بكل ما اوتيت من قوة كظم غيظها وحزنها ايضاً وقالت " لقد مات هو الآخر , وشقيقي جون ايضاً , قتلا في حادث سيارة قبل اسابيع قليلة . وجميع ممتلكاتنا انتقلت إلى عمي , وهذه الرسوم هي كل ما بقي ".منتديات ليلاس
" يا إلهي , إذن هذا هو الموضوع , قصة والدتك نفسها تتكرر ثانية , قبل خمسة وثلاثين عاماً وجدت أمك هنا ملاذاً لها , واليوم تحاولين انت الشيء نفسه " قال هذا بهدوء وهو يهز رأسه .ريحانةمنتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

نبرة الإزدراء التي كانت في صوته , جعلت مارتينا تفقد صبرها تماماً , وهمت بأن تهجم عليه وتنشب اظافرها في لحم وجهه الأسود , لكنها تمالكت نفسها وقالت " إنك سريع الحكم ايضاً اعترف بأني قصدتك باحثة عن ملجأ ولكن ليس لي بالذات بل لهذه الرسوم . فكرت بأنك ستحتفظ بها عندك حتى اعثر على مكان لنفسي وظننت انك لو لم تفعل هذا من اجلي , فعلى الأقل ستفعله من اجل أمي. وها أنا الآن قد اكتشفت خطأ ظني "
اطلق ضحكة قصيرة وقال " إذن هذا هو الإحسان الذي جئت تطلبينه , يؤسفني ان اقول انني لا استطيع تلبيته لك, ما يزال في هذا البيت اناس ستسبب لهم إثارة ذكرى امك بهذه الصراحة الماً كبيراً . عمى واحد منهم وهو مريض منذ سنين , وافضل ان لا ينزعج بسبب هذا الموضوع "
لم تصدق ما سمعته بآذانها إلا بصعوبة ,ترى ما الذي حدث هنا خلال تلك السنوات ؟ لا يمكن لشيء ان يشوه ذكريات لورا كيك عن دومنيك تريفينون"
شعرت فجأة انها ترتعش. وقالت وهي تخرج صوتها بصعوبة " لا اعرف ما الذي جرى ويجري هنا . ولكن كل ما استطعيه هو ان اغادر حالاً . وأنا اعتذر عن تطفلي"
حملت حقيبة الظهر من جانب المقعد وسارت نحو الباب لكنه ابتعد عن الطاولة واعترض طريقها قائلاً بنبرة حازمة " إنتظري لحظة , ليس الأمر بهذه السهولة التي تتصورينها ما الذي كنت تريدينه بالضبط من مجيئك إلى هنا ؟"
" كنت اريد شيئاً بسيطاً , ان اترك هذه الرسوم هنا . هذا كل ماكنت اريده , لكن يبدو ان هذا أكثر مما يمكن لغريب ان يطمع فيه "
" يا له من إستعطاف. ولكن لماذا لم تكتبي او تخابري مقدماً قبل صولك؟ ثم هل تتصورين انني تأثرت برواياتك هذه ؟ إنه لم يعد لسوء الحظ إيواء المشردين من إهتمامات عائلتنا , وامك هي سبب ذلك"
"ان تصدق قصتي او تكذبها , هذا من شأنك . ولكن ما قلته هو الحقيقة "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" هل تحاولين إقناعي بأنه لم يرد ببالك ابداً , انه ربما ستجدين مأوى لك هنا؟"
" لا اقدر ان أنكر ذلك"
نظرت مارتينا إليه , كانت نظرته غريبة , وكأن إعتراضها قد ادهشه. وفكرت ان هذا كان كل مايود سماعه منها .منتديات ليلاس
سارت مرة اخرى نحو الباب , لكنه لم يتحرك من طريقها ومرت من جانبه وما أن مدت يدها إلى المقبض, حتى انفتح الباب فجأة بقوة , فتراجعت إلى الوراء خطوة وهي تطلق صيحة خوف .منتديات ليلاس
" انا آسف" قال الشاب الذي دخل وهو يتأمل بنظرة قلق , ثم اضاف " هل صدمك الباب؟ لم اعرف أنك تقفين وراءه , فكرت ان دوم وحده في الغرفة "
" الآنسة ستغادر الآن " قال دومنيك بلهجة باردة .
" حقاً ؟ هذا مؤسف , هل تعيشين إلى جوارنا ؟" سأل الشاب بدون ان يخفي خيبته .
" اعيش في لندن " قالت مارتينا وفي داخلها شعور بالخوف والقلق من ترك البيت في مثل هذه الليلة العاصفة . لو استطاعت ان تقضي ليلتها هذه تحت هذا السقف , إذن لتدبرت امرها غداً. لكنها كرهت الفكرة .منتديات ليلاس
ورغبت فعلاً بترك هذا البيت المظلم الواسع , وهذا الرجل الذي يتمتع بإذلالها , ورغبت ان تعرف ماحدث في هذا البيت حين كانت امها هنا .
تكلم الشاب ثانية قائلاً " حسناً , إذا كان لابد من ذهابك , فكوني حذرة في قيادتك, هناك شجرة واقعة على الطريق . شاهدت جاك وهو يزيحها لكن ربما هناك اشجار اخرى ايضاً"
" لا املك سيارة , اعتقد انه ما زالت هناك باصات في الشارع الرئيسي "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" نعم ولكن عددها قليل , ويتأخر وصولها عادة "
تأملها الشاب طويلاً, ثم نظر إلى وجه دومنيك بينما كان هذا يستمع إلى الحوار وعلى شفتيه إبتسامة باردة , سأله الشاب " ما الذي يجري هنا يا دوم ؟ هل تتركها حقاً تسير كل هذه المسافة حتى الشارع العام في مثل هذه الليلة وفي البيت ست غرف نوم فارغة ؟"
فقالت مارتينا " اوه من فضلك, لابد ان اعود , فعندي اشغالي "
" إذن دعيني آخذك بسيارتي " قال بابتسامة حنونة ادخلت الدفء إليها رغم ما يحدث , ثم اضاف " اين تسكنين ؟ في القلعة , في بورت فينور؟"
" كلا ,في الحقيقة اسكن مع بعض الاصدقاء. ولا داعي لأن تزعج نفسك في هذا الليل"
" ابداً, ابداً , قل لها يا دوم بأنها لا تسبب لنا أي إزعاج , لماذا تقف هكذا ؟ ما الذي حل بك؟ هل ستتركها تخرج من البيت في مثل هذا الليل "
رفع دومنيك تريفينون حاجبيه , وقال ببرود " الآنسة كيلك قادرة على تدبير امورها , إنها شابة ناضجة ولا اظن ان هناك داعياً للقلق بشأنها "
" من ... آنسة كلك ؟"
" اظن انك سمعتني جيداً, والآن اعتقد ان الوقت قد حان لأن اعرفكما ببعضكما , آنسة كيلك , هذا اخي الصغير مارك"
" اظن بعد أن عرفتني لن انتظر منك ان تأخذني بسيارتك "
" ابداً , بالعكس , سآخذك اينما تشائين"
سارت نحو الصالون بدون كلمة إضافية , حاملة حقيبتها ولحق بها مارك ثم سارا بإتجاه الباب الرئيسي , قالت مارتينا " آسفة على كل ماحدث , كنت اجهل ماجرى هنا , حتى هذا المساء حين عرفت ان هناك صدعاً بين العائلتين".ريحانة

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

قال مبتسماً وهو يدير محرك السيارة " لابد انها صدمة غير متوقعة لك"
" الحقيقة انني ما زلت اجهل تماماً ما ارتكبته أمي هنا , تحدث شقيقك السيد تريفينون عن البؤس والخراب , إني اجد صعوبة في تصديق ان كلانا كنا نتحدث عن الشخصية نفسها . كنت مجرد طفلة حين ماتت أمي لكني لا اتذكر ابداً انها كانت انسانة مدمرة بالعكس كانت دافئة , مبدعة , محبوبة من الآخرين"
" ربما كان ذلك اساس البلاء"
" ماذا تعني بذلك؟"
" اوه , لننس الموضوع . فلا فائدة من نبش الماضي , أنا آسف إذا كان دوم قد عاملك بقسوة , واظن انه لا يستحق لوماً على ذلك , فالأمر لم يكن سهلاً عليه , وأن وصولك تفتح جراحه من جديد. وبالمناسبة لماذا جئت إلى هنا ؟"
" اردت من اخيك ان يحتفظ عنده لي ببعض الرسوم "
تألمها بنظرة جانبية حادة , قائلاً " هل تعنين بعض رسوم والدتك؟"
" نعم "
اطلق صفيراً حاداً من بين شفتيه وقال " يا إلهي , ان هذا حقاً إستفزار , إنه اشبه باثارة عش للنحل!"
" ولكن لماذا ؟" سألت مارتينا وعلى وجهها ابتسامة حزينة , ثم فجأة إلتفتت إليه ورفعت يدها متوسلة .
" اوه , يا إلهي , إنني آسفة , هل تستطيع ان تعود بي إلى البيت ؟"
" لماذا بحق السماء؟" سألها مارك مستغرباً . واوقف السيارة .
"لقد نسيت الرسوم على مكتب شقيقك " قالت .ريحانةمنتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

تألمها مارك للحظات ثم قال " في الحقيقة لا انصحك بالعودة ثانية إلى هناك "
" لا احتاج إلى نصيحتك, أنا ايضاً لا أود الاقتراب من ذلك البيت , لكني اريد رسومي"
" اسمعي يا عزيزتي , سأوصلك إلى المكان الذي تقصدينه اما الرسوم فسأجلبها لك صباحاً, ما رأيك ؟"
هزت مارتينا رأسها غير مقتنعة وقالت " افضل اخذها الآن , لكن يبدو انه لا خيار لي "
" سأجلبها لك غداً صباحاً. هذا افضل , صدقيني " قال مارك هذا وحرك السيارة .
" لم اكن اعرف انني منبوذة بهذا الشكل "
" كلا, لست كذلك , ليس ذنبك "
خيم الصمت بينهما لفترة , ثم سألها مارك " هل تعرفين شيئاً عن موضوع الزورق؟"
" كلا, أي زورق؟!"
" حكاية الزورق" قال مارك مكملاً حديثه " حسناً, هل امك وهي تردد اسم الليدي لورا "
" لا , إن اسم أمي هو الليدي كيك, وليس ..."
" كلا, كلا , الليدي لورا ليس اسم شخص , وإنما هو اسم زورق, صممه العم تيفولا , فقد كان في البحرية , وحين عاد منها بعد الحرب اقنع والدي بتأسيس مشروع لصناعة الازوارق. وكان اسم النموذج الذي صممه للإنتاج هو الليدي لورا باسم امك ,على أي حال لا اريد إزعاجك بتفاصيل هذا الموضوع ".منتديات ليلاس
" لم تحدثني أمي عن أي شيء من هذا القبيل , كانت تحدثني عن تريفينون وعائلته واهله دائماً , كانت ذكرياتها جميعاً سعيدة"
سألها مارك مستغرباً "أهذ صحيح؟ يبدو انها كانت قادرة على خداع النفس ايضاً"
" كيف؟ بالله عليك هلا اخبرتني بما جرى , وما ارتكبت أمي من خطأ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" آسف أذ كانت القصة مؤلمة , لكنك تريدين معرفة الحقيقة حسناً , حين جاءت امك لورا التي اصبحت فيما بعد لورا كيلك إلى تريفينون استطاعت في وقت قصير ان تفتن الناس جميعاً وتكسب حبهم ومودتهم , ومن ثم استعمال هذه العاطفة ضدهم . انظري مدى معرفتي بطبيعتها مع العلم إنني لم أكن قد ولدت بعد حين جاءت هي إلى هنا . لقد تركت تأثيراً كبيراً على كل واحد . وما زلنا نعالج آثار معاملتها تلك نفسياً ومادياً"
وهمست مارتينا , تحدث نفسها , وهي تحدق فيه بدهشة " نعم نتحدث عن الشخص نفسه , لقد نشأت هنا ورافقت خطوات تأسيس مشروع الزوارق وحين هربت تركت العم تيفولا رجلاً محطماً , والمشروع خراباً , هل تعرفين بأنها كانت في سبيلها إلى الزواج من العم تيفولا ؟"
" كلا, ظننت أن أبي هو الرجل الوحيد في حياتها "
هز مارك كتفيه قائلاً " ربما كان كذلك, لكنها ارادت العم تيفولا في السلسلة ايضاً , لقد اراد ان يكون الزورق ليدي لورا هدية زواجها . يعرف الجميع هنا انهما كانا على ابواب الزواج حين ظهر والدك على مسرح الأحداث. لقد جاء إلى هنا لقضاء عطلته فالتقيا وكان يزور البيت بشكل منتظم ويلقى الترحيب من الجميع ولم يدرك احد ان هناك شيئاً ما يجري بينهما . حتى فرا معاً وليس هذا كل ما في الأمر , فحينما ذهب العم تيفولا إلى المصنع , وجد ان تصميم الزورق ليدي لورا قد اختفى من مكتبه ".منتديات ليلاس
" وتعتقد ان أمي ... اوه , إنني لا اصدق "
" والعم تيفولا لم يصدق الأمر في البداية ايضاً, لكنه اكتشف ذلك بعد فترة قصيرة , حين ذهب إلى معرض الزوارق , وهناك شاهد زورقه نفسه ( ليدي لورا ) . وبالطبع لم يكن يحمل الاسم نفسه إلا انه كان زورقه . لكنه لم يستطيع ان يثبت بأن هذه نسخة مزورة من زورقه . غير ان مدير المبيعات ضحك كثيراً ونصحه ان يكون أكثر حذراً حين يختار صديقاته ".منتديات ليلاس
" يا إلهي , وماذا حدث بعد ذلك؟"
" افلست الشركة , فأضطر أبي إلى بيع أرضه ليسدد الديون لكن ما هز العم تيفولا هو إن كل ما جرى له إنما كان من امرأة احبها جداً, لذلك لا تلقين الترحاب في بيتنا "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

قالت مارتينا بعد صمت طويل " لا اصدق ذلك , انها لم تكن من هذا النوع , ويستحيل ان تعيش كل هذه السنوات بدون ان يبدر منها شيء يثبت هذا السلوك الذي تتحدث عنه , إلا اذا كنت تعتقد ان والدي كان شريكاً وانه هو الذي دفعها إلى مافعلت "
" في الحقيقة لا نعرف الدور الذي لعبه والدك في الأمر, لكن ما زاد الطين بلة هو ان والدك كان خاطباً لفتاة في المنطقة, وكانت الفتاة صديقة العائلة فتصوري الفضيحة التي وقعت في منطقة صغيرة مثل هذه ".منتديات ليلاس
شعرت مارتينا كأنها تحت وطأة كابوس ثقيل, غير انها سيطرت على اعصابها المتوترة , وتشبثت بما تؤمن بأن والديها لا يمكن ان يرتكبا مثل هذا الفعل . وقالت بعد تردد " لقد فهمت كل ماحدثتني به يا مارك , وحاولت جهدي لأن اصدقه , لكن بدون جدوى, لا استطيع ان اصدق ان المرأة التي تذكرها , وكذلك والدي يرتكبان مثل هذه الفعلة , ربما انهما احبا بعضهما , والناس عادة ينجرفون من عواطفهم , لكن لا يمكن ان يقدما على بيع اسرار وتصاميم شركة الزوارق , لا اظن ذلك"
قال مارك " والآن , قلت إنك تبقين مع بعض الأصدقاء , أكان ذلك صحيحاً أم مجرد عزم لإنقاذ ماء الوجه؟"
عضت مارتينا على شفتيها وقالت " عندي مكان اذهب إليه, سأنزل هنا , وحين استقر سأتصل بك حتى تبعث لي بالرسوم"
" حسناً, وانني آسف لكل ما حدث"
" أنا آسفة ايضاً" قالت ذلك ثم انزلت حقيبتها . وظلت تراقب السيارة حتى اختفت تماماً.
سرت في جسدها قشعريرة برد وخوف . إنها الآن وحدها وعليها ان تعثر على بيت بيدي , الفتاة التي التقتها في موقف الباص , علها تؤيها هذه الليلة .
انتظرت بعض الوقت , وحين يئست من صول الباص واشتدت برودة الجو, قررت الذهاب إلى بيت صديقتها مشياً على الأقدام فحملت حقيبتها وسارت .

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

5- الحب بعد صفعة

شعرت مارتينا بأن نفسها اجهدت تماماً فهاهي كل المسلمات في حياتها تنهار وها هي أمها متهمة وكذلك أبيها , وبينما كانت تسير في اتجاه الفخار التي تمتلكه بيدي واخيها حتى سمعت صوت محرك سيارة يأتي من خلفها . ثم ما لبثت السيارة ان صارت بجانبها حتى فوجئت بدومنيك هو الذي كان يقود السيارة ودعاها للركوب لكنها ورغم دهشتها رفضت بشدة , لكنه أصر ونزل من السيارة وجذبها جذباً إلى داخل السيارة , وفي الطريق قال لها ببرود " يبدو ان لعبتك نجحت , لقد نسيت رسوم أمك على المكتب وقد رآها عمي وقد أصر على ان يراك , وبعثني لأجدك "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

وهناك قابلت تيفولا , كان رجلاً في الستينات من عمره وكان شبه مقعد ودار بينهما هذا الحوار.
قالت بهدوء " كنت اجهل حقيقة الأمر حين جئت الى هنا , لم يخبرني احد بذلك , انني آسفة جداً وارجو ان تعذرني يا سيد تريفينون"
قال بصوت خشن متجاهلاً حديثها "أنت تشبهينها جداً"
" نعم كان أبي يقول هذا دائماً"
" ألا تتذكرينها جيداً؟".ريحانةمنتديات ليلاس
" كنت في الثامنة حين توفيت , اتذكر بعض الاشياء لا اكثر "
" مثل ماذا ؟"
صمتت للحظة , ثم قالت وهي تتحدث ببطء " كانت تبدو سعيدة وتحب الآخرين , حتى حين اصابها المرض وكانت تذكر هذا المكان دائماً تريفينون واهله بسعادة وحنين "
سكتت للحظة ثم هزت رأسها قائلة " لكن على ضوء ما سمعت يبدو ان كلامها كان زيفاً "
" كلا" قال واغمض عينيه , ثم اسند ظهره إلى كرسيه في حالة استرخاء واردف "هذا يثبت صحة ظني في لورا "
توقف عن كلامه , وساد الصمت بينهما , وظلت مارتينا في مكانها حائرة ماذا تفعل هل تأخذ رسومها وتترك المكان ؟ أم تنتظر لترى ماذا سيكون نتيجة الأمر؟
فتح عينيه اخيراً, وتتطلع إليها ثانية , وقال وهو يؤشر إلى كرسي خلفها "تفضلي بالجلوس واعذريني لأنني لم انهض لإستقبالك انني أعاني من ألم في ساقي , لا استطيع ان امكث هكذا . علي ان اتعود على المشي ثانية "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

ثم أدار كرسيه إلى جهة اخرى واشار بيده إلى طاولة عليها مجموعة من الأوراق قائلاً " بدأت في كتابة تاريخ عائلة تريفينون وعليّ ان انهيه . لابد ان والدتك اخبرتك من بعض قصص العائلة واساطيرها "
" ليس كثيراً , لقد حدثتني عن طفولتها وصباها هنا ".ريحانة
" لكنها سمتك مارتينا , كانت تردد دائماً انها لو رزقت بطفلة ستسميها بهذا الاسم . كنت اتخيل ان هذه الطفلة ستكون طفلتي آسف لا اريد ايذاءك, سمعت بدون شك بما حدث قبل السنوات الطويلة."
" نعم , سمعت ."
" لقد أحببت والدتك منذ اللحظة التي جاءت إلى هنا, وكانت بعد صبية , لكنها لم تبادلني الحب كانت تعطف عليّ , وقلت ان هذا يكفيني ."
" سيد تريفينون ."قالت مارتينا , لكنه قاطعها قائلاً " تيفولا , سمني تيفولا , الجميع يدعونني بهذا الإسم , ماعدا لورا بالطبع كانت دائماً تدعوني دومنيك, كانت تحب هذا الاسم , لكن مادام ابن اخي يحمل هذا الإسم , فإن استعمالي له يسبب الإرباك"
" نعم " قالت مارتينا بتوتر .ريحانة
" لم تحبي ابن اخي بالتأكيد" قال مبتسماً واضاف " اعرف ان استقباله لك كان غير ودي, لكن هذا انتهى الآن يا عزيزتي "
" في الحقيقة جئت هنا لأسألك ان تحتفظ برسوم والدتي ثم عملت بما يفترض ان والدتي قد ارتكبته , وعوملت بتلك المعاملة الوقحة . والآن وقد قابلتك , وعرفت طيبتك وسماحتك قررت ان أهديك هذه الرسوم"
هز رأسه مبتساماً وقال "وحسبما سمعت , هذه الرسوم هي كل ما بقي لك من بيتك ألا يكون من الأفضل لو انك استمعت إلى ما سأقترحه عليك؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" ولكن وقتي قصير على ان الحق بقطار لندن اليوم , وأعود لكي أبدأ البحث عن عمل "
" تستطيعين ان تمنحيني بعض الوقت , يعرف الله اني انتظرت طويلاً , وقد تمنيت دائماً ان تكون لورا من ستأتي إلى هذه الغرفة "
" لكن ذلك يبدو أكثر مما كنت أطمح اليه"
" اظن انها ستقابل باستنكار في هذا البيت "
" كلا, ليس الأمر كذلك"
" لقد تأخرت لابد ان اذهب "
" كلا, انتظري " اعترضها بيده , فتراجعت مارتينا إلى مقعدها ثانية , ثم اضاف قائلاً " آسف يا صغيرتي , اعرف ان الحيرة قد اصابتك , وإنك محقة في ذلك تستغربين بدون شك لماذا يحقد الجميع في هذا البيت على والدتك , لكن آسف على ذلك حقاً. إنني أذكرها دائماً باحترام علما ان الخطأ ارتكب بحقي"
" لا اظن ان والدتي ارتكبت خطأ ما في أحد, لابد هناك إلتباساً في الأمر"
" ليس هناك أي التباس , سرقت شخص ما في هذه البيت تصاميم الزورق لورا وباعها إلى شركة أخرى , هل والدتك من فعلت ذلك؟ لا اعتقد"
" ولكن لماذا لا تحاول كشف هذا الأمر للآخرين؟ " قالت بعد صمت قصير.ريحانة
" لو كشفت عن براءة لورا , لكان ذلك يعني ان شخصاً آخر في هذا البيت قد سرق التصماميم وباعها . خاصة ان الذين كانوا يعرفون بأمر المشروع هم قلة هنا لذا آثرت الصمت, وترك اللوم يقع على عاتق لورا بدلاً من فتح جبهة اخرى من الشكوك والتحقيقات, مع ما يقود إليه هذا الأمر من كوارث. ايقنت ان من كان يحقد على لورا له يد في هذه الجريمة, وتركت الموضوع ليخمد مع الزمن .منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

لكن اخي ظل يثيره باستمرار بتحريض من زوجته, وعرفت ان هناك آخرين متورطين في هذا الموضوع , فسكت عن الأمر. وبحثنا عن كبش فداء لكي نحمله جريمة غيره . فكان ذلك الكبش والدتك . غير اني بعد أن هدأ غضبي اسفت على ذلك جداً وخففت الأمر على نفسي بأنها لن تعرف بالأمر . وحين لم اجبها على رسالتها تيقنت بأنها لن تجازف بالكتابة إلى مرة اخرى ."
قاطعته مارتينا وقد تجمدت دموعها في عينيها " هذا ظلم ... ظلم "
فقال تيفولا بتأثر " إذا كنت ترغبين في الانتقام مني نيابة عن والدتك , فإنك تستطيعي ذلك ببساطة يا عزيزتي , ان تأخذي رسومك وتتركي هذا البيت , وبذلك تخرجين من حياتي إلى الأبد ولكنني آمل ألا تفعلي ذلك"
ظلت مارتينا جامدة في مكانها , وقد خيم صمت عميق لفترة ثم اطلقت تنهيدة قصيرة وقالت "كلا لن افعل ذلك, اظن ان ما حدث يكفي ".منتديات ليلاس
" إذن ستبقين ؟"
" نعم, لكن لفترة قصيرة , فعلى ان الحق بالقطار"
هز تيفولا رأسه بانفعال قائلاً " كلا , كلا لقد أسأت فهمي , اريدك ان تبقى هنا يا صغيرتي ليس عندك مكان تذهبين إليه , اريدك أن تعيشي هنا وان يكون تريفينون بيتك"
" اوه , كلا هذا لا يمكن "
" ولماذا لا ؟"
"لأسباب عديدة , منها ابن اخيك يكرهني , وهو ببساطة لا يريدني هنا "
" إذا ما رغبت أنا في شيء , فليس في مقدور احد ان يعترض"
" ثم انني اريد العثور على عمل لإعالة نفسي لا يمكن ان اعيش على الإحسان طوال عمري"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" من الذي تحدث عن الإحسان ؟ ثم هناك عمل لك , فأنا اريد من يساعدني في إتمام كتابة به تاريخ تريفينون ولكن ليست لدي خبرة في السكرتارية . تستطيعين الكتابة بدون شك, اليس كذلك ؟ هذا كل ما أريده ها انت تشاهدين انني شبه مشلول ولا استطيع إنجازه بمفردي" ثم اضاف " لا تظني يا صغيرتي ان مشروع الكتابة مجرد عذر لبقائك فستجدينني مديراً حازماً . ولكني اقول ان اليوم من أسعد ايام حياتي . والآن إذهبي وابعثي لي أنيز كي أشرح لها ما تم الإتفاق عليه بيننا . وبعد الغداء سنواصل العمل "
كانت في منتصف الطريق على السلالم حين قالت لنفسها " يا إلهي ما الذي فعلت ؟ هل حقاً سأبقى هنا؟"
لكن دومنيك ظهر فجأة من مكتبه , ووقف في اسفل السلم قائلاً " حالما تنتهي يا آنسة مارتينا . سآخذك بسيارتي إلى لينزاس "
قالت بنبرة صارمة وواثقة , وقد ارتسم على وجهها علامات التحدي " لا ارغب في الذهاب"
" عفواً ماذا قلت ؟"
" قلت , أنا باقية , طلب مني عمك ان أعينه في مشروع كتاب تاريخ تريفينون . إنه بحاجة إلى من يساعده في الكتابة "
" يا إلهي , لقد نجحت خطتك إذن , ايتها المتآمرة الصغيرة " قال هذا وقد اصفر وجهه من الغضب , لكن مارتينا اجابته باعتداد وثقة " لا تنس يا سيد تريفينون . ان أمر اللقاء مع عمك كان من تدبيرك أنت ".منتديات ليلاسمنتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" ليس من طبعي ان انسى أي شيء , حسناً لقد شاهدت يا آنسة مارتينا , وبدون شك ستتعرفين خلال الأسابيع المقبلة على كل املاك تريفينون وما بقى من مشروع الزوارق ولكن اخشى الا تجدي ما تأخذينه معك حين تتركين هذا المكان "
" اؤكد لك اني قادرة على ذلك يا سيد دومنيك "
حدق فيها للحظة بشراسة وقد اشتد غيظه , قال " هكذا إذن , انك حرباء حقاً يا آنسة كيلك , ها أنت تحولت خلال دقائق من غريبة في هذا البيت إلى حبيبة للعجوز تريفينون "
" إنه انسان وانا سعيدة بذلك"
" إنك تستغلين الوحدة التي يعانيها هذا العجوز , ألا تشعرين بالعار من بيع جسدك إلى رجل في عمر أبيك ؟"
نزلت مارتينا بقية الدرجات ووقفت أمامه, وبكل ما تملك من قوة رفعت يدها وصفعته على وجهه . احست بأنها ارتكبت فعلاً احمق, وانها فقدت اعصابها مثل طفلة صغيرة , لكنها لم تشعر بأي ندم حين تذكرت والدتها البريئة وكيف لوث هؤلاء الناس سمعتها الطاهرة .ريحانة
نظرت إليه ثانية فرأت علامات اصابعها وقد ارتسمت على صفحة وجهه , وقالت بهدوء " انني آسفة "
" ستندمين على هذا يا مارتينا , ستدفعين ثمن هذا غالياً , وهذا وعد مني لك "
كانت كلماته إنذار حقيقياً, إستدار ومشى خارج الصالة بعد ان اغلق الباب الرئيسي بعنف , سمعت مارتينا بعد برهة قصيرة صوت محرك سيارة , ثم ابتعد تدريجياً .
جلست على السلم , ووضعت وجهها بين راحتيها , وقالت لنفسها " رباه , ماذا فعلت ؟"

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

6- حدث فجأة

انغمست مارتينا في عملها بحماس, ولم يكن لديها متسع من الوقت لتفكر في نفسها . وكانت سعيدة بذلك . اما تيفولا تريفينون فلم يكن مبالغاً حين وصف نفسه بأنه مدير حازم في العمل.
استهلت مارتينا عملها بكمية كبيرة من الوثائق والكتب والصور الفوتوغرافية التي وضعها أمامها . واخبرها ايضاً الشطر الأكبر من تاريخ تريفينون واساطيرها إنما هو محفوظ ومتناقل في العائلة شفافة. والحقيقة انها وجدت تاريخ تريفينون ثرياً وضارياً في القدم . كما انها اطلعت على الكثير من القصص والاساطير المتعلقة بهذه العائلة . واخبرها تيفولا انه ما يزال هناك الكثير من هذه الأساطير في ذهنه , منها اسطورة تتعلق باسم مارتينا وحين الحت كي يسردها عليها , اجابها ضاحكاً انه سيفعل ذلك في الوقت المناسب.
حاولت مارتينا قدر إستطاعتها ان لا تلتقي بدومنيك ومن حسن حظها إنه واخاه كانا ينهضان مبكرين وحين كانت تنزل إلى الطابق الأرضي يكون الأخوان قد انتهيا من إفطارهما وغادرا البيت , اما دومنيك نفسه فقد كف عن إعتراضها او السؤال عنها . وبدا انه قد نسي وجودها في البيت .
وفي المساء حين كانت تنتهي من عملها وتتأكد من أن نيكولا لم يعد يحتاج إليها . كانت تنزل إلى قاعة الجلوس الكبيرة , حيث تكون انيز قد اشعلت المدفأة , فتجلس هناك قبالتها تقرأ وتستمع إلى الراديو وفي إحدى الأمسيات انضم إليها مارك, فرحبت به كان أكبر منها بسنوات قليلة , واصغر من اخيه دومنيك كثيراً .منتديات ليلاس
تحدثا طويلاً عن تريفينون وعن العائلة لكن دومنيك لم يكن يقترب من قاعة الجلوس في الأمسيات بل كان يقضي اوقاته في مكتبه .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

وتساءلت مارتينا , أهذه هي عادته دائماً أم انه يتجنب قاعة الجلوس منذ جاءت هي إلى البيت . كي لا يلتقي بها ؟ لكنها احسمت الأمر بأن هذا ليس من شأنها ما دام هو لا يقلق راحتها .
ذهبت في صباح احد الايام إلى غرفة تيفولا , بعد الإفطار , لتبدأ عملها . لكنه اخبرها انه لا يحتاج اليوم . لأن الطبيب قادم بعد قليل لإجراء الفحوص له .
نظر إليها وقال " انت متعبة من العمل, اذهبي اليوم في نزهة قصيرة , خاصة ان الجو صحو, ولا أثر للمطر"
وحين غادرت الغرفة , صاح من وراءها " ابقي بعيدة عن البحر , لأن الأمواج قوية وهائجة "
ذهبت إلى غرفتها واخذت دفتراً للرسم وعلبة اقلام وكانت انيز هناك ترتب الغرفة , فقالت لها " ما دمت تذهبين إلى الخارج , اجلبي معك عدد من البيض إذا ما ممرت قريباً من حقل السيدة هاريك "
غمرت مارتينا سعادة كبيرة ومفاجئة حين اصبحت خارج البيت, وكأنها تلميذة صغيرة اطلقوها من المدرسة فجأة .ريحانة
ولم يخامرها هذا الشعور لأنها كانت تكره العمل مع تيفولا بل العكس, كانت سعيدة معه , لكنها رأت نفسها وحدها لأول مرة منذ ان جاءت إلى تريفينون , وفي هذا سعادة كبرى لها .منتديات ليلاس
اتخذت طريقها إلى ناحية البحر مسترشدة بهدير الأمواج, وكانت الرياح قوية , تنشر شعرها على وجهها , وحين وصلت إلى المرتفعات الصخرية المطلة على البحر , شاهدت الأمواج الهائجة وهي تصطدم بالصخور محدثة هديراً عنيفاً وتارة كمية هائلة من الرذاذ الأبيض.
تأملت البحر طويلاً, وبالرغم من سعادتها بذلك, إلا انها احست بخيبة أمل حين لم تلمح أي أثر للمحاربات, تلك الحيوانات البحرية الرمادية اللون . لكنها تذكرت ان هذه الحيوانات ستعود إلى هنا مع مطلع الايام القادمة . لكن هل ستكون هي نفسها في ذلك الوقت هنا ؟

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

مشت طويلاً فوق تلك الصخور العالية وهي تتأمل فيما حولها . وبالرغم من انها عاشت سنوات طويلة في الريف إلا انها احست هنا برهبة وخوف يسريان إلى قلبها , ومن الوحدة تحت هذه السماء الشاسعة , والصخور والبحر وهدير الأمواج . وجلست بجانب صخرة كبيرة تستطيع الاحتماء بها من الريح , وهيأت دفترها واقلامها وبدأت في تخطيط بيوت فينور وبقايا المنجم. لكن الريح الشديدة كانت تعصف بها وتوشك ان تمزق اوراق الدفتر , وهي تفكر إلى اين ستنتهي حياتها وإلى متى ستبقى في تريفينون بعد فترة قصيرة انتابها الضجر . فمزقت الورقة والقتها للريح ونهضت لتذهب إلى حقل السيدة هاريك لتأخذ البيض وتعود إلى البيت . لم تكن تعرف الطريق إلى الحقل, فقررت الوصول إلى الطريق الرئيسي اولاً . وبينما هي تسير سمعت صوت محرك سيارة من خلفها فانسحبت إلى جانب الطريق, ولكن المنبه لم يكف بالرغم من وجود مكان كاف لعبور السيارة تماماً. كانت سيارة مارك فهتف بها وهو يلوح لها بيده " اهلاً , هل استمتعت بوقتك ؟ هيا , سوصلك إلى حيث تريدين "
بعد تردد قصير اجابته , وهي تفتح باب السيارة وتصعد " إنني ذاهبة إلى حقل السيدة هاريك لأخذ كمية من البيض طلبتها انيز"
" حسناً, سآخذك إلى هناك"
بعد دقائق من الصمت سألها مارك ثانية وهو يضحك " كيف يسير العمل في مشروع الكتاب؟"
" ببطء , ما زال أمامنا الكثير من العمل"
" اوه , هذا مؤسف "
اجابته بعد ان تأملته طويلاً , وهي تبتسم " لماذا ؟ لأنه يعني انني سأبقى في بيتكم مدة أطول؟"
" يا إلهي , كلا لا أعني هذا ".منتديات ليلاس
" ماذا تعني إذن ؟"
" أعني ان عمي رجل مريض, ولا نريد ان يرهق نفسه كثيراً حتى لا تنتهك صحته , بالرغم من انه يشعر بتحسن كبير هذه الأيام ونحن نشكرك على ذلك"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" نحن ؟" سألت بدهشة وهي ما تزال تبتسم.
" بالطبع حتى دومنيك , كان إعتراضه على بقائك في البداية هو لخشيته من ان تسبب رؤيته لك صدمة اخرى لك لكن النتيجة جاءت عكس ذلك تماماً"
" لكن دومنيك لم يغير من موقفه حتى الآن "
" تعرفين ان احزان واحقاد كل تلك السنين لا يمكن ان تتلاشى خلال ايام"
لم تجبه مارتينا . وظل هو ايضاً صامتاً حتى وصلا إلى مفترق طريق. فأوقف السيارة واشار إلى طريق الحقل قائلاً " ذاك هو حقل السيدة هاريك, اسألي السيدة حتى تدلك عليه "
اخذت مارتينا البيض, وحين استفسرت السيدة هاريك عن سبب وجودها المفاجئ في تريفينون اعتذرت لكونها يجب ان تسرع في العودة لأن انيز تنتظرها وودعتها بعد ان شرحت لها الطريق المختصر إلى تريفينون. وقريباً من البيت تسلقت حائطاً صغيراً ودخلت إلى باحة كبيرة كان عليها ان تجتازه قبل الوصول إلى البيت .
كانت هذه الباحة جزء من بناء قديم ملحق بالبيت الكبير يحوي مخزن الغلال وادوات الفلاحة التي تعود الى انيزة واصطبلات كانت تستعمل ايام كانت تريفينون مزدهرة , هناك سمعت صوت كلب يقترب منها , فانتابها الخوف, رغم انها كانت تحب الكلاب منذ الصغر , وهرعت إلى البناية القديمة . لكن الكلب تبعها إلى هناك ووجدت نفسها في غرفة واسعة ومظلمة بعض الشيء , فيها معاول وفؤوس وكميات كبيرة من الحطب والقش.منتديات ليلاس
كما شاهدت سلماً خشبياً يقود إلى مخزن علوي . فتسلقت السلم حتى تكون في أمان أكثر هناك . دخل الكلب وراءها وظل عند اسفل السلم ينبح ويقفز , محاولاً الوصول إليها .
كان احد الكلبين اللذين اعترضاها في الليلة التي جاءت فيها إلى تريفينون غير انها منذ ذلك اليوم لم تشاهدهما . وحين سألت انيز عنهما اجابتها انهما غالباً ما يمكثان خارج البيت في البناية الملحقة.منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

ظلت مارتينا محبوسة في المخزن العلوي فترة طويلة من الزمن وقد جمدت من الخوف, لا تدري ماذا تفعل ولا كيف تبعد الكلب عنها . فكرت انه ربما دومنيك هو الذي علم الكلب على معاداتها , لكنها سرعان ما سخرت من اوهامها .
هدأ الكلب , حين سمعت صوت اقدام قادمة في الباحة فهتفت مارتينا من مكانها متوسلة , قبل ان يبتعد العابر من الغرفة .
" من فضلك , هل تبعد هذا الكلب عني ؟ إنني خائفة "
توقف العابر للحظة , ثم جاء صوت اقدامه وهو يقترب من الغرفة . ظن انه زاك يقوم بعمله هنا . لكن سرعان ما التقت عيناها دومنيك حين دخل إلى الغرفة صاح " يا إلهي , ماذا تفعلين هنا ؟"
" هربت من كلبك"
" انت مجنونة ! ألا تعرفين انه لا يؤذيك"
" إبعد عن السلم , حتى أنزل ..."
"هيا , هيا انزلي , لا تخافي"
قعد الكلب عند ساقي دومنيك , وراح يتمسح به محركاً ذيله اما مارتينا فقد بدأت في النزول . غير ان قدمها انزلقت في منتصف السلم, فأطلقت صرخة قوية وافلتت البيض من يدها, لكن يداً قوية امسكتها من خاصرتها وانزلتها على الأرض.منتديات ليلاس
كانت ترتعش من الخوف والإنفعال وقد إمتلأت عيناها بالدموع .
قال دومنيك لها ساخراً " ماذا كنت تفعلين ؟ تستكشفين خفايا تريفينون ؟"
حدقت مارتينا في وجهه بغضب, تمنت لو ان علبة البيض ما تزال في يدها , لتضرب بها وجهه, ثم اجابته بصوت مرتعش" كلا , كنت اجلب البيض لأنيز من حقل السيدة هاريك"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

انتبهت فجأة انه ما يزال يمسكها من خاصرتها فأحست بالحرارة إلى وجهها , وقالت وهي تبتسم من بين دموعها " إن كلبك يكرهني "
" ما زلت غريبة عليه , سيعتاد عليك بمرور الزمن "
" انت تكرهني ايضاً والكلب يحس بذلك"
" اهكذا حقاً ؟" قال مبتسماً وسحبها نحوه واقترب بوجهه من وجهها فأصابها الذعر وحاولت ان تفلت من بين يديه , لكن بدون جدوى , وقالت وهي ترتجف بعد ان تخلص منها .منتديات ليلاسمنتديات ليلاس
" ما كنت اظن ان هناك ذئاباً مع الكلاب في هذا البيت "
" ألا تتذكرين انك تمنيت ان يقع ملك كورنوول في هواك ؟ ها هي أمنيتك تتحقق"
" لكني أكرهك , ولا أود رؤيتك "
تبسم دومنيك وقال وهو يتأمل وجهها مبتسماً "اظن انك تعلمت من تاريخ عائلتنا , انه إذا ما احببنا شخصاً نظل اوفياء له "
" من الأفضل ان توفر عواطفك لأمرأة اخرى "
خيم الصمت عليهما , وكانا لا يزالان يقفان في مكانهما بدون حركة . وحين طال الصمت سألت نفسها . لماذا امكث معه في هذه الغرفة المظلمة ؟
" من فضلك لو شرحت لأنيز ما حل بالبيض "
" بل سأذهب إلى البقالة واجلب غيره "
" شكراً" اجابته وتركت الغرفة. كان الجو بارداً في الخارج فرفعت ياقة سترتها حتى تغطي رقبتها اتقاء للريح الباردة .واحست بحقيقة مرة تستقر في اعماقها شيئاً فشيئاً , هي انه ليس شيء يبقيها في تريفينون سوى حب دومنيك!

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

7- حجر في بركة راكدة

كان الجميع صامتين اثناء الغداء . وبدأ تيفولا مشغول البال , اما مارتينا فقد اجبرت نفسها على تناول القليل من الطعام . وكانت منشغلة الذهن هي الأخرى, تستعيد ما حدث لها في الصباح مع دومنيك في تلك الغرفة المظلمة . وشعرت انها بحاجة شديدة لأن تفكر أكثر فيما حدث, وفي الشعور الذي انتباها نحوه .منتديات ليلاس
اختطفت نظرة إلى تيفولا , كان متعباً ومنهمك القوى . وبدا أكبر مما كانت تراه دائماً , وكأنه شاخ فجأة ربما أنبأه الطبيب أن نتائج الفحوصات غير مشجعة . لذا فإنها ذهلت حين أعلن بشكل مفاجئ عن نيته في القيام بجولة , بعد الظهر , فسألته مندهشة " جولة ! اين ؟"
" بورت فينور"
لكن انيز تدخلت قائلة " لنر ماذا سيقول دومنيك , اظن ان صحتك لم تتحسن بعد حتى تبدأ في الركض"
ضرب تيفولا الأرض بعصاه , وصاح بها " عليك اللعنة ايتها المرأة , من قال انني سأركض ؟ هل تعتقدين اني سأبقى حبيس هذا البيت حتى الموت ؟"
ثم سكت وقد بدا عليه الأعياء التام , واردف قائلاً بعد لحظات "لم اتخل بعد عن حوض الزوارق , ولن اتنازل عنه"
هدأته انيز قائلة , وهي تغادر قاعة الطعام حاملة الأطباق للمطبخ " لا اقصد ذلك , ما اعنيه هو ان تأخذ الأمور على مهل"
قالت له مارتينا , وقد اصبحا وحدهما " إنها على حق"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" لتذهب إلى الجحيم , لابد ان اذهب إلى الحوض , هناك شيء اريد جلبه "
" ألا يقدر احد ابناء اخيك ان يجلبه لك؟"
"يقدرون بالطبع , إذا ما طلبته منهم لكني اريد جلبه بنفسي لأسباب عديدة "
ثم تأمل مارتينا بعض الوقت , وقال لها " تستطيعين انت جلبه لي , إنه ملف اخضر يحمل رقم ب . و /33 في خزانة الملفات في مكتب دومنيك"
اجابته مارتينا بدهشة " لا استطيع , لنفترض ان احداً رآني وأنا ابحث في خزانة الملفات ؟"
" تخبرينه بالحقيقة , انك تأخذين الملف بأمر مني "
إنتظر جوابها بعض الوقت , وحين ظلت صامتة قال " إذا لم تذهبي , فلا خيار لي سوى الذهاب بنفسي ".منتديات ليلاس
" كلا, لن تتحمل الذهاب إلى هناك , سأذهب أنا " قالت مارتينا وهي تضع يدها على يده , محدقة فيه بحنان ثم سألته " كيف سأصل إلى بورت فينور؟"
" سيأخذك مارك , فهو يذهب إلى هناك عادة في الساعة الثانية بعد ظهر كل يوم , قولي له انك ذاهبة لشراء بعض الحاجيات "
تناولت سترتها وحقيبتها من غرفتها , ونزلت إلى الصالة كان مارك واقفاً امام الباب يتحدث مع زاك ويقدم له بعض الإرشادات , وحين لمحها سألها بدهشة " مرحباً مارتينا , إلى اين ؟"منتديات ليلاس
" إلى بورت فينور , لشراء بعض الحاجيات , عرفت انك ذاهب إلى هناك , هل تأخذني معك؟"
" بالتأكيد سأخذك " قال لها مارك في السيارة " لماذا لم تخبريني منذ الصباح ؟ لو فعلت لكنا تناولنا الغداء معاً هناك "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

ابتسمت مارتينا , وتأملته طويلاً. كان وسيماً ونشطاً وعلى قدر كبير من المرح والحيوية , وقالت لنفسها . لو كنت في وضع آخر لعشت معه قصة حب رومانسية ممتعة .
" الآن فقط قررت الذهاب إلى هناك "
استمتعت كثيراً بأحاديثه ومزاحه , حتى وصلا إلى حوض الزوارق, فأوقف السيارة وقال لها " الكثير من المحلات مقفلة الآن, في هذا الموسم من السنة, لكن هناك محل مفتوح لبيع الصحف والمجلات , وآخر صيدلية , ثم مقهى جميل يبيعون فيه ايضاً التحف والهدايا حين تنتهين من شراء حاجياتك , تعالي إلى حوض الزوارق."
شكرته مارتينا , وراقبته وهو يبتعد بسيارته , ثم سارت في خطوات بطيئة وهي تتأمل واجهات المحلات, حتى ينقضي بعض الوقت قبل ان تعود إلى حوض الزوارق وفكرت انه كان بإمكانها ان تخبر مارك ببساطة حول الملف, وانها جاءت لتأخذه بناء على طلب تيفولا , لكن تيفولا اراد ان يتم الأمر سراً لسبب ما , وعليها ان تنفذ رغبة الرجل المريض.ريحانة
عثرت على المقهى الذي تحدث عنه مارك, ودخلت إليه . كان صغيراً , ليس فيه سوى بضع موائد , ولم يكن فيه رواد , فجلست إلى احدى الموائد تنتظر مجيء الخادم ومن خلف الستارة التي كانت تحجب غرفة داخلية خمنت مارتينا انها المطبخ , تناهت إليها اصوات نساء واطباق تغسل . ولم يطل إنتظارها , وبينما هي تتأمل قائمة الطعام , انزاحت الستارة, وظهرت فتاة في رداء طويل, عرفتها مارتينا حالاً.ريحانة
"مرحباً" قالت بيدي بابتسامة عريضة , وهي تحمل سلة فيها مجموعة من الخزفيات, واردفت " جئت بهذه الخزفيات علني ابيع منها شيئاً للمقهى "
" اوه , أنا سعيدة برؤيتك يا بيدي , اتشربين القهوة معي ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" بالطبع أكون سعيدة " قالت بيدي, ووضعت السلة جانباً , وجلست على المقعد المقابل , ثم اضافت "اخبرت اخي عنك , وكنا نتساءل هل ما زلت في تريفينون ؟"
" ما زلت , والحقيقة انني اشتغل هناك"
" تشتغلين ؟ لدومنيك تريفينون؟"
" مع عمه , فهو يكتب تاريخ العائلة , وأنا أساعده "
" رائع , وكيف هو مارك تريفينون؟"
" جيد , أنت تعرفينه ؟"
" كنت اعرفه, لكن ذلك انتهى منذ زمن , لم يرضى اخوه الكبير عن علاقتنا , اعتبرني غير ملائمة لعائلة تريفينون ؟"
سكتت بيدي وظلت تحدق في قائمة الطعام ثم اضافت " هناك فتاة اخرى الآن , تبدو ملائمة لهم "
" ماذا تقصدين ؟"
" تقولين انك في تريفينون من اسبوع , ألم تشاهديها بعد؟"
" الفتاة الطويلة ذات الشعر الأسود ؟"
" بالضبط إنها كارين إنجلس"
" اجل , لقد شاهدتها , سيتزوجها ؟"
" ربما سيتزوجها احد الأخوين , خاصة انها ثرية , وعمتها ترغب في ذلك , بعد ان فشلت هي في الزواج من تيفولا ؟"
" وكيف عرفت ذلك؟"
"مارك اخبرني "
" هكذا إذن ..." قالت مارتينا , وسادت فترة صمت بينهما, اخذتا خلالها ترتشفان قهوتهما .
ثم قالت بيدي " سأكون سعيدة لو جئت للغداء معنا يوماً في سانت اينا"
"سأكون سعيدة ايضاً"منتديات ليلاس
" إذن سنكون على اتصال " قالت بيدي , وجرعت ما تبقى من قهوتها , ثم نهضت وحملت سلتها , وودعت مارتينا .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" أتريدين ان أبلغ مارك اية رسالة ؟"
" كلا, لا ارغب في ذلك في الوقت الحاضر " اجابتها بيدي مبتسمة , ثم غادرت المقهى .
انتهت مارتينا من قهوتها . نهضت وتركت المقهى . اشترت خارطة للمنطقة من المكتبة الصغيرة ثم ذهبت إلى الصيدلية واشترت زجاجة شامبو وزجاجة عطر.منتديات ليلاس
حين وصلت إلى حوض الزوارق, لمحت سهماً يشير باتجاه المكاتب , فسارت في ذلك الإتجاه على ممر ضيق ومرصوف بشكل جيد . كانت هنالك زوارق وقوارب صيد عديدة ومختلفة .
وقفت امام الباب الأول , وكان عليه عبارة الإستعلامات ترددت في الدخول للحظات , ثم دفعت الباب . كانت عبارة عن غرفة ضيقة فيها فتاتان تطبعان على الآلة الكاتبة .
" إنني ابحث عن السيد مارك تريفينون"
" فهمت" إحدى الفتاتين تقدمت منها قائلة " الجميع في اجتماع الآن , أهو ينتظرك ؟ اتودين ان تنتظري ؟"
ترددت مارتينا في الجواب بعض الشيء ثم أومأت بالإيجاب " حسناً , إذن تفضلي " قالت الفتاة وقادتها إلى مكتب مارك .ريحانة
لاحظت مارتينا ان كلتا الفتاتين تتأملانها بفضول , ربما تحسبانها عشيقة جديدة لمارك , ومن جانبها تساءلت .هل يا ترى إستطاع مارك الوسيم والمرح ان يقاوم بإغراء هاتين السكرتيرتين الفاتنتين ؟
كان مكتب مارك صغير جداً. ليس فيه غير طاولة للكتابة وبضعة مقاعد. جلست على أحد المقاعد وبدأت تستعيد أنفاسها , وتتذكر في الوقت نفسه, إرشادات تيفولا . وحين تأكدت من ان السكرتيرة عادت إلى مكتبها .
فكرت ان هذا هو الوقت الأنسب لأخذ الملف خاصة ان الجميع في الإجتماع الآن . نهضت بهدوء وفتحت الباب , وسارت وهي تتطلع إلى ابواب الغرف, حتى لاحظت مكتب دومنيك تريفينون ففتحت الباب ودخلت, ومثلما اخبرها تيفولا كانت هنالك خزانة واحدة للمفات .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

فتحت الدرج الأول, وكانت فيه مجموعة من الملفات الخضراء غير ان أياً منها لم يكن يحمل العنوان الذي ذكره تيفولا ثم بحثت في الدرج الثاني, ولم تعثر عليه ايضاً. وفتحت الدرج الثالث , وهي جاثية على ركبتها , حين سمعته يقول من الخلف " هل تبحثين عن شيء ما ؟"
لم تصادفها في حياتها لحظة كتلك, تمنت فيها لو انها تموت حالاً. او ان تنشق الأرض وتبتلعها في اللحظة نفسها . نهضت من مكانها والتفتت إلى الباب . كان هو هناك , يقف أمام الباب واضعاً يديه في جيبه . يتطلع إليها بهدوء .
اجابت مارتينا بدون ان تتجرأ على النظر في وجهه " نعم, لكني لم اجده "
قال دومنيك وهو ما زال يحدق فيها بوجه عابس " ربما استطيع مساعدتك "
ثم سار إلى الخزانة واخرج مجموعة مفاتيح من جيبه , وفتح درجاً سفلياً, وسحب منه ملفاً اخضر اللون , وقدمه إليها قائلاً ونبرة غضب في صوته " تفضلي هذا ما تبحثين عنه "منتديات ليلاس
ارادت مارتينا ان توضح الأمر له, وتبرر سلوكها هذا , فقالت " اظن انك اسأت سلوكي هذا "
اجابها ساخراً " بالعكس يا ليدي مارتينا , الحقيقة انني كنت اتوقعه منذ مجيئك إلى تريفينون"
خطت خطوتين إلى الأمام , واخذت الملف من يده ودسته في حقيبتها بيد مرتجفة .
" حسناً , اظن ان من الأفضل ان تتركي هذا المكان قبل ان يحدث ما لا تحمد عقباه "قال دومنيك غاضباً وهو يؤشر لها بالخروج , وبينما هو يتكلم جاء صوت إنفتاح احد الأبواب مختلطاً بوقع اقدام آتية وأناس يتحدثون فاستدار باتجاه الممر وسد الباب بجسده وكأنه يحاول إخفاء وجود مارتينا عن الآخرين .منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

سمعت مارتينا صوت مارك في الممر وهو يسأل " هل شاهدت مارتينا يا دوم ؟ اخبرتني السكرتيرة انها هنا لكنها اختفت "
" إنها هنا في الغرفة " دخل مارك إلى الغرفة , وهتف حالما شاهدها " مرحباً مارتينا , هل تأخرت عليك ؟"
" ابداً , هل نغادر ؟ لا استطيع ان أتأخر كثيراً "
" بالتأكيد , هيا " قال مارك وهو يمد يده إليها , ثم سألها " كيف وجدت بورت فينور؟ إنها شبه مهجورة في هذا الوقت من السنة ".منتديات ليلاس
قبل ان تجيبه مارتينا دخلت إلى المكتب إمرأة اخرى . كانت قصيرة ونحيفة , ترتدي ثوياً وردياً من الصوف , وقد سرحت شعرها إلى الخلف بعناية , لم تشاهدها مارتينا من قبل, لكنها خمنت انها بربارة إنجلس , وهي الأخرى عرفتها . إذ انها حالما وقع نظرها عليها ضيقت ما بين عينيها الزرقاوين , وتأملتها طويلاً وقد احمرت وجنتيها , ثم قالت " صديقة جديدة لمارك؟"
وقبل ان يتكلم مارك اجابها دومنيك " كلا يا بربارة , دعيني اعرفكما ببعضكما , هذه مارتينا كيلك صديقة تيفولا الشابة , والتي ستقضي معنا بعض الوقت مارتينا , هذه باربارة إنجلس سكرتيرة الشركة , وصديقة مقربة جداً "
كانت يد بربارة باردة وهي تصافح مارتينا قائلة " اوه يا عزيزتي , يا للسعادة ! ادخل هذه الغرفة فأجد لورا كيلك واقفة فيها بعد كل هذه السنين . إنها مفاجأة بصراحة , الشعر , والبنية ..."
ثم استدارت إلى الرجلين وقالت وهي تبتسم " بالله عليكما لا تقفا هكذا مرتبكين , لقد حدث ما حدث قبل سنين " والتفتت إلى مارتينا قائلة بحماس " اعرف والدتك جيداً , لكننا انقطعنا عن بعضنا طوال هذه الأعوام , كيف هي الآن ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" ماتت وأنا في التاسعة من عمري, اما والدي وشقيقي فقد قتلا في حادث سيارة في بداية هذا العام"
" وطبيعي جداً انك جئت إلى تريفينون باحثة عن ملجأ"
قالت ذلك وكان صوتها دافئاً وشغوفاً , ثم ضحكت ضحكة خفيفة وهي تقول " يا للسماء , كيف يعيد التاريخ نفسه !"
واحست مارتينا بحرارة شديدة في الغرفة , وان ياقة قميصها الضيقة تكاد تخنقها . التفتت إلى مارك وقالت بنبرة متوسلة " مارك لابد ان اعود إلى البيت "
قالت بربارة بلطف" حسناً, سنتحدث طويلاً هذا المساء. هل اخبرك تيفولا بأننا نجري مباراتنا الإسبوعية في الشطرنج ؟ لم يخبرك ؟ يبدو انه يريد ان يفاجئك بذلك , وسنرتب قريباً ايضاً حفلة صغيرة للترحيب بعودة ابنة لورا إلى البيت "
ردت مارتينا " سيكون ذلك جميلاً , وسأكون شاكرة "
استعادت مارتينا هدوء اعصابها حين اصبحت خارج المكتب وشعرت بحيويتها وهي تسير إلى جانب مارك الذي تأبط ذراعها . وخلفها كانت باربارة إنجلس تتحدث مع دومنيك وتضحك, خمنت مارتينا انها موضوع حديثهما بدون شك , قالت لمارك " قابلت اليوم صديقة لك, تدعى بيدي , تملك مخزناً للفخاريات في سانت إينا ؟"
" اوه , حقاً ؟ كيف هي الآن ؟"منتديات ليلاس
" كانت تبدو سعيدة "اجابته مارتينا , ثم سكتت للحظات , وقالت ثانية " هل سببت لك إرتباكاً في عملك ؟ اخبرني في الإستعلامات انك كنت في اجتماع "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" ابداً كان مجرد إجتماع روتيني ".منتديات ليلاس
فتح لها باب السيارة فصعدت , ثم صعد هو الآخر , التفتت مارتينا إلى الوراء, فلمحت دومنيك واقفاً امام المكتب وإلى جانبه باربارة , لوح لها بيده مودعاً , فردت عليه باشارة مماثلة , ثم استوت في جلستها.
" إهدأي , يكفي إنفعالاً" قال لها تيفولا في البيت , لكن مارتينا انفجرت فيه صائحة " أهدأ .. كيف ؟ لم أر في حياتي إذلالاً مثل هذا , لقد ضبطني في مكتبه وأنا ابحث في الملفات , ولم يعطني اية فرصة حتى أوضح له الأمر"
قال تيفولا وهو يحاول تهدئتها " صدقيني ان الأمر ليس بهذه الأهمية , سأشرحه له بنفس لا تهتمي "
" كيف لا اهتم ؟ اما كان من الأفضل لو طلبت من غيري القيام بهذا العمل , أم انك اردت ان تحشرني في هذا الموقف المحرج فقط "
" كلا يا صغيرتي , دعيني اوضح لك الأمر , لقد كلفتك لإنك ستكونين الحجر الذي سألقيه في بركة ماء راكدة حتى احركها ".منتديات ليلاس
" ماذا تعني بكلامك هذا ؟"
" دومنيك سيخبر باربارة إنجلس بالأمر , وباربارة ستثير هذا الموضوع علناً بدون شك , وانذاك نستطيع كشف الحقائق"
اتسعت عينا مارتينا من الدهشة , وهي تحدق في وجهه باستغراب وقالت " أتعني ان بربارة هي التي سرقت التصاميم وباعتها ؟"
اسند تيفولا ظهره إلى الكرسي , والقى برأسه إلى الوراء واغمض عينيه , وقد بدا متعباً . ثم قال بصوت أشبه بالهمس " هذا ما اعتقده "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" ولماذا لم تكاشفها بالأمر طيلة هذه السنين ؟"
" لا برهان لدي لكي أثبت ذلك "
" ولكن لماذا اقدمت باربارة على تلك الفعلة ؟ ثم لماذا اتهمت أمي بذلك؟"
" لأنها كانت تغار منها . كانت لورا محبوبة أكثر منها , بالإضافة إلى ذلك كانت باربارة تحب والدك , وتأمل الزواج منه "
اخفت مارتينا وجهها بين راحتيها , وهتفت " اوه , يا إلهي . هكذا إذن ..."
" نعم هكذا ..."
" وكيف عرفت ان باربارة هي التي فعلت ذلك ؟"
" من اشياء كثيرة , منها انها كانت متلهفة بشكل غير طبيعي على التقرب منا ومساعدتنا وقد مولتنا بالمال لادامة المشروع حين ساءت امورنا . بالإضافة إلى ما قاله الرجل لي في معرض الزوارق , أن اكون اكثر حذراً في إختيار صديقاتي "
" ولماذا تركت أمي المسكينة تتحمل تبعات جريمة , هي بريئة منها ؟"
" لم يكن الأمر بالسهولة التي تتصورينها . تعرفين انني عطفت حتى على باربارة وفهمت جيداً وضعها النفسي آنذاك والذي دفعها إلى فعل ما فعلت . هناك نقطة اخرى اريد توضيحها لك, بعد تلك الحادثة اصبحنا أنا وباربارة قريبين جداً من بعضنا , وكنت آمل انه مع تزايد إقترابنا ستعترف بما فعلت بفعل عاطفتها نحوي, لكن مع الأسف طال إنتظاري حتى الآن ."منتديات ليلاسمنتديات ليلاس
" وهل تبادلها العاطفة يا تيفولا ؟"
" كيف تنمو العاطفة في جو تنعدم فيه الثقة ؟"
تجمعت الدموع في مآقي مارتينا . وقالت بحسرة " يا لها من خسارة حياة , بل حياتين !"
ابتسم تيفولا وهو يتأمل وجه مارتينا الحزين " ولكني لم أمت بعد, ولا باربارة ايضاً . ما زلنا مستمرين في لعبتنا والحقيقة انها تلعب بذكاء, لكني واثق انها ستخسر هذه المرة "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

ثم رفع الملف من فوق المكتب وفتحه قائلاً وهو يقربه من وجه مارتينا " أما في الوقت الحاضر , فسأجدد علاقتي بحبي الآخر "
تأملت مارتينا الرسوم والأرقام على صفحة الملف, ثم سألت " زورق آخر ؟"
أومأ تيفولا بالإيجاب قائلاً " نعم , زورق آخر هذا سيعبر المحيطات , وسيتحدث الناس عنه كما يتحدثون عن البواخر العظيمة وسأسميه ليدي مارتينا "
" اوه !"هتفت مارتينا وهي تضغط براحتيها على خديها الملتهبتين , ثم قالت " ولكني هكذا دعاني دومنيك حين وجدني في مكتبه . ليدي مارتينا !"
اطلق تيفولا ضحكة قصيرة وقال " هل دعاك هكذا ؟ ان ابن اخي ليس غبياً , إذن لقد عرف انني سأسترد هذا الملف".منتديات ليلاس
" ولماذا سميته مارتينا ؟ اعرف ان هذا اسم شائع هنا ؟ ولكن ..."
" هكذا إخترت هذا الإسم , ربما لاشجع نفسي على العمل "
" لا غرابة في ذلك إطلاقاً" قال دومنيك وهو واقف في باب الغرفة .
تراجعت مارتينا فجأة واسندت ظهرها إلى الكرسي, كرد فعل ظهوره المفاجئ. تقدم دومنيك منهما ورفع حاجبيه مندهشاً وهو ينظر إلى عمه وقال " ما هذا يا تيفولا ؟ قصة اخرى من قصص العائلة ؟"
" بل إنها قصة الماضي والحاضر والمستقل كما آمل "
نظر دومنيك إلى الملف وقال ساخراً " تكلف أناساً غرباء لإنجاز مهماتك , لماذا كل هذا الحذر ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

اجابه تيفولا وهو يهز كتفه "لدي أسبابي بدون شك"
" حسناً, لا اريد ان اسألك عن هذه الأسباب , ولكنك حشرت الآنسة كيلك في موقف محرج ظهر هذا اليوم "
" إنها سامحتني , واظن انها ستسامحك ايضاً مع الأيام . ولكن لماذا هذه الشكليات؟ ان اسمها هو مارتينا ألا تتذكر ذلك؟"
" من حسن الحظ انني لا انسى الأشياء بسهولة " قال دومنيك بشيء من السخرية .
رفعت مارتينا وجهها إليه وقالت بثقة "يبدو ان اسمي مسبباً جرحاً قديماً لديك يا سيد دومنيك"
" كلا يا آنسة كيلك, لا تحاولي تفسير الأمور بهذا الشكل "
استمرا في عملهما بصمت في ما تبقى من عصر ذلك اليوم لم تستطيع مارتينا ان تستشف ما يجول في ذهن تيفولا وهو منكب على رسومه وارقامه , بينما جلست هي إلى مكتبها تدون الملاحظات التي طلبها منها تيفولا وذهنها منشغل في أمور اخرى .منتديات ليلاس
تفكر فيما إذا كان دومنيك يحاول استغلال وضعها في تريفينون للحصول على متعة عابرة منها . واحست بالألم يعتصر قلبها حين تذكرت صمويل ومعاملته لها تعرف انها جميلة وذات جاذبية . لذا ليس من المستبعد ان ما يطمح إليه دومنيك هو علاقة عابرة سرعان ما تنتهي حين ينتهي هو من نيل مايريده . واعترفت بألم لنفسها بأنها تحبه غير ان هذا الحب ان يبقى سراً في هذا البيت المليء بالأسوار . ثم قالت لنفسها بحسة, أهذا ما كان ينقصني ؟ أن أقع في حب من يعاملني بكل هذه القسوة والإذلال؟
انتهت من افكارها على صوت نيكولا , يقول بصوت مفاجئ " سأتناول العشاء هذا اليوم في الطابق الأسفل "
ابتسمت وقالت " يبدو انك قررت العودة إلى الحياة الطبيعية "
" نعم يكفي جموداً, علي الآن ان اهتم بتدبير اموري"منتديات ليلاس
" ولكنك بدأت بذلك فعلاً حين ارسلتني إلى حوض الزوارق "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" اجل كانت تلك البداية , والآن اذهبي الى انيز , وبشريها بالأمر . اظن انها ذكرت شيئاً عن بط مشوي , فلنحتفل اليوم بمناسبة عودتي إلى الحياة الطبيعية "
كان صوته طبيعياً وهادئاً , غير انها لم تنخدع به . فسألته " ما الذي تخطط له يا تيفولا ؟"
" ستعرفين ذلك قريباً" اجابها ثم انكب على أوراقه ثانية , غير انه بعد لحظات من الصمت عاد وقال لها " والآن , يا عزيزتي , اذهبي وهيئي نفسك للمساء"
استقبلت , انيز النبأ وفسرته بأن هناك حفلة ستقام في المساء . كانت جالسة في المطبخ تقشر التفاح , وقالت " سأطلب من زاك ان ينظف الأواني الفضية "
" لا حاجة لزاك, أنا سأساعدك في ذلك "
" كلا, أكون شاكرة لو نظفت لي التفاح فقط "
دفعت انيز بسلة التفاح والسكين إليها , ثم قالت لها " لا تنسي ان تغيري هذا البنطال القديم , البسي شيئاً آخر ستحضر كارين إلى الحفلة حتماً , وهي عادة تلبس ثياباً أنيقة "
" عندي فستان طويل سألبسه "
" لماذا تدعين ضيفتنا تتعب نفسها بالعمل يا أنيز ؟"
كان ذلك دومنيك واقفاً في باب المطبخ , ثم تقدم ووقف امامها وقال لمارتينا " اريد التحدث معك على إنفراد يا آنسة مارتينا ".منتديات ليلاس
نهضت مارتينا وتبعته إلى مكتبه , وهناك سألته " تفضل , ماذا تريد؟"
" هل تعرفين لماذا يريد عمي ان يتناول عشائه الليلة في الطابق الأرضي ؟"
هزت مارتينا رأسها وقالت " هل هناك سبب معين لذلك؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

حدق في وجهها مقطباً جبينه ومضيقاً ما بين عينيه " كل ما يتفوه به تيفولا , او يفعله هذه الأيام , انما لغاية معينة "
" ماذا تقصد ؟"
" إنه يهيئ نفسه لفتح الجروح القديمة , وانت السبب في ذلك"
" اظن انك تغالي في تقدير دوري في الأمور يا سيد دومنيك "
" كلا, انك بريئة من كونك عشيقة لرجل عجوز , ولكنك ما زلت تعملين لتحقيق الهدف الذي خططت له "
أرادت ان تقوله , بأنه مخطئ في ظنونه , وانها لم تعد تهتم من ناحيتها بأي غاية او هدف , ولم تعد تهمها سمعة أمها . أن لورا نفسها لم تعطي لهذا الأمر اهمية كبيرة .
كانت غايتها سعادة تيفولا وراحته , وربما قدرت انها إذا ما ابتعدت عن طريقه , فإنه وباربارا سيصلان إلى نقطة التقاء .ريحانة
" لا اعتقد انك فهمت الأمر على وجهه الصحيح " قالت مارتينا , لكنه قاطعها قبل ان تكمل حديثها .
" فهمت جيداً, تريدين إثارة موضوع قديم وطرحه على بساط البحث بشكل علني , بدون ان تهتمي من الذي سيتضرر من عملك هذا ؟"
كارين إنجلس ؟ سألت نفسها , أهي من يقلق بشأنها ؟ قالت له "لا استطيع فعل شيء "
اجاب بضحكة قصيرة وساخرة "تظهرين الوداعة والبراءة, وتخفين قسوة بالغة , ياليدي مارتينا "
" لا تناديني بهذا من فضلك "
" ولم لا , إذا كانت هي الحقيقة ؟"
سار ووقف قربها حتى تلامس جسدهما, فشعرت مارتينا انها تذوب وتتحول إلى سائل ملتهب . ونظر إليها قائلاً بصوت حنون ملؤه التحذير " مارتينا , دعى هذا الأمر جانباً الآن "
" إنني آسفة "
" ستأسفين على ذلك حتماً"
إستدارت وهي تعض شفتيها حتى احست بطعم الدم على لسانها , سارت بهدوء إلى الخارج الغرفة واغلقت الباب ثم صعدت السلالم راكضة إلى غرفتها. القت بنفسها على الفراش, وبكت حتى احست ان الدموع قد جفت في عينيها .

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

8 - الغضب البارد

حين تأملت مارتينا نفسها في المرآة , لم يكن هناك أي أثر في وجهها بسبب عاصفة البكاء القوية , صحيح , أنها كانت شاحبة بعض الشيء , وان عينيها بدتا أكثر إتساعاً عن المألوف, غير ان ذلك ربما كان بسبب الماكياج الذي استعملته .
جمعت شعرها في عقدة كبيرة فوق رأسها تاركة بعض الخصلات الناعمة تتدلى فوق اذنيها وعلى مؤخرة رقبتها . وارتدت ثوباً اسود اللون مطرزاً بخطوط ذهبية, ولبست حول رقبتها الناعمة قلادة ذهبية رقيقة كانت أنيقة وجميلة حقاً.ريحانة

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

أطلت من فوق السلالم على الصالة , فرأت ان قاعة الجلوس كانت مفتوحة الباب, وسمعت اصوات الضيوف وضحكاتهم إذن فقد وصل ضيوف المساء . نزلت السلالم ببطء وهي تفكر بأنها لا تدري أي نوع من الحقد ستواجه به .منتديات ليلاس
كانوا جميعاً مجتمعين هناك, واذا وقفت في الباب ادركت انها آخر من وصل. دخلت إلى القاعة بهدوء وقالت بصوت ناعم وجذاب " مساء الخير"
خيم الصمت على القاعة التي كانت تضج بالحديث والضحكات لكن سرعان ما هتف تيفولا سعيداً وهو يبتسم " يا صغيرتي العزيزة , تفضلي. كم تبدين فاتنة ! هيا ليقدم لها أحداً كوباً من العصير "
كان مارك هو من جلب العصير لها , وهمس وهو يقدم لها الكوب " يا إلهي كم أنت جميلة !"
ضحكت بنعومة وهي تخفي نظراتها عنه , ثم قادها إلى المقعد حيث كانت تجلس باربارة إنجلس وكارين , وامرأة اخرى قدموها لها وتدعى ليدي فان تود , ثم سرعان ما استؤنف الحديث الذي انقطع بدخولها .منتديات ليلاس
كانوا يتحدثون عن العطلات , واخذت كارين تتحدث بحماس عن شواطئ كاليفورنيا حيث مكثت هناك عاماً, وتقارنها بالشواطئ الإنكليزية. احست مارتينا بالملل من الحديث , فنظرت إلى تيفولا الذي كان جالساً قرب النار , وهو يتأمل الحاضرين بنظرات مبهمة .
لم تكن مارتينا وحدها صامتة , كانت باربارة ايضاً قد توقفت عن الكلام وبدت ساهمة بعض الشيء . تأملتها مارتينا واحست بنوع من الشفقة نحوها . كانت أمها لورا كيلك محبوبة ومدللة من الجميع , وكان هذا يعوضها عما خسرت وعما لاقت من اهل تريفينون , اما هذه المرأة المتوترة الجالسة إلى جانبها , فهي لم تكسب أي شيء من فعلتها الحقودة تلك , والسعادة التي كانت تتوقعها نتيجة تلك النكاية بلورا كيلك, تلاشت قبل ان تلمحها .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

أرادت ان تقبض على ذراعها فجأة , وان تهتف بها , إنهم جميعاً يعرفون ما فعلت ويكتمون عنك لمجرد النفاق , وارادت ان تضع حداً لهذا الموضوع وإلى الأبد . ولكن ليس لها الحق بهذا , فهي ضيف هنا فقط . وتيفولا وحده له الحق في اثارة الموضوع .
ارتشفت من عصيرها , واحست بألم خفيف بدأ ينبض في صدغها . أرادت ان تضغط بإصبعيها على موضع الالم . لكنها توقفت عن فعل ذلك حين لمحت دومنيك يحدق فيها .
كان العشاء لذيذاً وقد اضيئت المائدة بالشموع , مما زاد من لمعان مائدة الطعام , والأواني الفضية ذات الطراز القديم . تظاهرت مارتينا بالأكل , بينما الحقيثة انها لم تستطيع ان تأكل شيئاً , فقد احست بأن بلعومها قد ضاق فجأة بدون ان تجد لذلك تفسيراً.
اما تيفولا فقد كان يحاول دائماً جر باربار إلى الحديث, وكسر حاجز الصمت الذي اقامته حول نفسها . كان يحدثها عن الذكريات , ويسألها عن احداث مضت, وبدأت هي شيئاً فشيئاً تتخلى عن صمتها وجمودها , وتعود إليها إبتسامتها وحيويتها .ريحانة
عادوا إلى قاعة الجلوس بعد ان انتهوا من العشاء , وجلبت أنيز القهوة, فنهضت كارين وتناولت الصينية منها , وبدأت هي تديرها في الأكواب وتوزعها . وكأنها هي المضيفة , ثم اخذت كوب دومنيك إليه وهمست له شيئاً وهي تناوله الكوب, فضحكا معاً. وعادت اخيراً واخذت كوبها وجلست بينما ظل كوب مارتينا فارغاً في الصينية .فأدركت مارتينا إن ذلك كان تعمداً منها . غير انها سكتت , والحقيقة انها كانت غير راغبة في شرب القهوة بأي حال بسبب صداعها , لكنها بذلت جهدها للسيطرة على نفسها من ترك القاعة فوراً, إذ كانت واثقة من ان كارين تريد ذلك , وانها تحاول إشعار مارتينا بإنها غريبة وسط أفراد ينتمون لعائلة واحدة .
" كارين , اظن انك نسيت واحداً لم تقدمي قهوة لمارتينا " قال تيفولا بصوت خشن .
التفت الجميع إليها , فأحست مارتينا بالدم يتصاعد إلى وجهها والخجل يغمرها . وقالت بصوت مرتعش " اوه , اني آسفة "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

هتفت كارين بصوت كله عاطفة , ثم اردفت " يا لها من غلطة فظيعة ! " شاهدت كوباً زائداً وظنت انيز قد اخطئت في العدد ثم اطلقت ضحكة خفيفة واضافت " لقد حسبت ان المجتمعين هنا هم أفراد العائلة فقط "
تكهرب الجو فجأة بعد كلمتها , ولم يبقى هنالك شك بأنها قصدت اهانة مارتينا , اما مارتينا فشعرت بأنها صنعت على وجهها علامة .
سبق دومنيك الآخرين في النهوض . اتجه نحو الصينية وملأ الكوب بالقهوة وقدمه إلى مارتينا . شكرته بكلمات غير واضحة .منتديات ليلاس
واختطفت نظرة إلى وجهه. كان هادئاً لا أثر للغضب فيه لم يكن راضياً عن سلوك كارين بدون شك , غير انه لم يبد أي احتجاج على كلماتها الجارحة. ربما كانت تلك الكلمات تعبر عن إحساسه هو تجاهها. اما كلمات تيفولا فقد كانت غاضبة بحيث اربكت مارتينا في مكانها , حين قال " ما هذا الكلام يا عزيزتي كارين. يجب ان تعلمي ان مارتينا واحدة من هذه العائلة مثل أي واحد في هذه الغرفة "
ادركت كارين بأنها ارتكبت خطأ شنيعاً , غير انها لم تعرف كيف تتجاوزه , قالت وهي تبسط يدها أمامها " بالطبع " اسأت التعبير " فهمت ان الآنسة مارتينا تعمل هنا كسكرتيرة , ولم يخطر ببالي أبداً"منتديات ليلاس
" إذاً إفهمي جيداً الآن " قال تيفولا وقد غطت وجهه مسحة غضب, ولم يكن أبداً فظاً كالآن , ثم اضاف قائلاً بالإنفعال نفسه " لم اعتبرها في يوم من الأيام سكرتيرة لي , إنها أعز من ابنتي , انها عزيزة مثلما كانت أمها هكذا من قبل "
" تيفولا" هتفت مارتينا به, وهي تعصر وجهها الملتهب براحتها لكنه استمر قائلاً بلهجته القاسية " لا اريد ان يبقى أحد في شك, حول مدى تقديري وحبي لهذه الصغيرة "
ثم نهض فجأة مستنداً إلى عصاه , هرع دومنيك إليه ومسكه من ذراعه قائلاً له بلهجة محذرة " إهدأ "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

لكن تيفولا حرر ذراعه منه بعنف وهو يصيح " دعني , انني بخير , تعالي هنا يا مارتينا , اعطني ذراعك عندي مفاجأة لك , لم أهيئها لهذه اللحظة , لكن الأحداث تباغتني "
وبينما هما يتجهان إلى الباب , قالت له بصوت هامس " تيفولا , ما هذا الذي تفعله ؟"
" لا تقلقي , أنا بخير , سيكون الأمر حسناً , صدقيني"
كان يرتعش من الغضب , اما هي فكانت مرتعبة من ان تصيبه نوبة قلبية ثانية نتيجة انفعاله , وتبعهما الآخرون بذهول , وكان وجه باربارا شاحباً مثل وجوه الموتى .منتديات ليلاس
في نهاية السلم اتجه إلى اليمين , وكان تيفولا يلهث من التعب , لكنه واصل سيره بحزم حتى وصل إلى باب في نهاية الممر وتركها , واخذ يبحث في جيبه , قال دومنيك بصوت بارد " تيفولا , لا داعي لكل هذه المأساة إكراماً لي"
لكن عمه لم يجبه , اخرج من جيبه حزمة مفاتيح , وادخل واحداً منها في قفل الباب وفتحه , لم ترد هي ان تدخل الغرفة لكنه سحبها معه . كانت غرفة والدتها , التي ظلت مغلقة منذ ان رحلت هي من هنا , لم تعرف ماذا خبأ تيفولا لها من مفاجأة . لكنه ظل ممسكاً بذراعها , وهي تحدق فيما حولها .
كانت غرفة نوم جميلة ونظيفة , ذات ستائر طويلة خضراء على النوافذ , وفراش أنيق, اما الأثاث فكان من الخشب الثمين ومن الطراز القديم , وكان هنالك حطب في المدفأة , ومناشف مرتبة في زواية , كل شيء ينبئ ان من كان يسكن هذه الغرفة في سفر وانه يتوقع وصوله في أي لحظة , لأنها ظلت مغلقة أكثر من عشرين عاماً.
" ستكون هذه غرفتك يا صغيرتي " قال تيفولا وبحدة وكأنه يتحدى أي واحد ان يعترض .
كانت مارتينا ترتعش , وحين التفتت إلى دومنيك لمحت عليه غضباً بارداً ارتعبت منه . انتابها شعور بأن ترمي نفسها عليه وتقول له " إني آسفة , على كل ما حدث "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

لكنها ضبطت نفسها , وادركت انه لن يصدقها , فهو يظن ان كل هذا قد تم التخطيط له مسبقاً بينها وبين تيفولا .منتديات ليلاس
كانت تتأمل الفراش الكبير المزدوج, وتفكر ان هذا الفراش لزوجين التفتت إلى تيفولا لتسأله, لكنه ادرك ما يجول في ذهنها , فقال " نعم ان والدتك رتبت هذه الغرفة , وكنت آمل ان تكون غرفتنا "
قالت باربارا انجلس , التي كانت تقف جامدة كالصخرة , شاحبة الوجه , وقد امتلأت بالدموع " غرفة لورا , يا الهي يجب ان تذكروا الشرف الذي حصلتم عليه بالسماح لكم الدخول إليها بعد كل هذه السنين . ضريح لورا ! " اطلقت ضحكة ساخرة وتركت الغرفة , وتبعتها كارين .
ثم خرج مارك هو الآخر بإشارة من دومنيك متوتراً " اتمنى ان تكون هذه القسوة التي لا مبرر لها قد اراحتكم "
هز تيفولا رأسه بضجر ورد " ما كان قصدي ان يحدث هذا كانت خططي مختلفة عن هذا تماماً , لقد فقدت اعصابي , هذا كل ما في الأمر , ولكن الأمر سيكون على مايرام "
" أأنت من يقول هذا ؟ كيف تتحدث عن المستقبل , إذا كنت ما تزال متعلقاً بالماضي بهذا الشكل ؟" قال دومنيك بصوت مزيج من السخرية والغضب " كفى بالله عليكما , لنترك هذا الموضوع "منتديات ليلاس
قالت مارتينا وهي على وشك البكاء " لماذا ؟ أتفكرين في وقت ومكان مناسبين أكثر من هذا ؟"
قال دومنيك وعيناه متوهجتان من الغضب , ثم استمر موجهاً كلامه لعمه بنبرة ساخرة " يبدو انك كنت حريصاً على الإعتناء بهذه الغرفة طيلة هذه السنين . إنها تبدو نظيفة جداً"
" ولماذا لا ؟ كانت انيز تنظفها بأمر مني كل هذه السنين" وقفت مارتينا بينهما , وهي تريد ان تردعهما عن هذا الحديث المحزن , وقالت بتوسل " رجاءاً , يكفي الحديث في هذا الموضوع , انني افضل البقاء في غرفتي لا أريد هذه الغرفة "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

ترك دومنيك الغرفة بعد ان اغلق الباب وراءه بعنف . وتهالك تيفولا على كرسي صغير بجانبه , وهو منهمك متمتماً فسألته مارتينا بحزن " لماذا فعلت كل هذا ؟"
" لقد فقدت اعصابي , كان ذلك خطأ , إنني آسف"
وضعت مارتينا يدها على ركبته قائلة وهي تبتسم من خلال دموعها " لا تأسف , ستكون الأمور على مايرام "
ظلا صامتين بعض الوقت , كانت مارتينا خلاله تحدق فيه بحنان, وقد بدالها انه كبر عشرات السنين , ثم فجأة نهض من مقعده قائلاً " من الأفضل ان اعود إلى الطابق الأسفل لأرى ما حدث هل ستأتين معي ؟"
" كلا اظن من الأفضل ان اذهب إلى غرفتي ".ريحانة
" هذه هي غرفتك , انني اعني ما اقوله , ستبقين في هذه الغرفة طيلة وجودك في تريفينون "
" لكني لا استطيع النوم هنا هذه الليلة , إن جميع حاجياتي في الغرفة الأخرى "
" لا بأس , سينقل زاك حاجياتك غداً , لن تحتاجي لشيء هذه الليلة , فهناك بعض ملابس والدتك في الأدراج وثياب النوم وبعض ادوات الزينة , تستطيعين إستعمالها , انها جميعاً لك "
ثم ترك الغرفة . وظلت مارتينا وحدها , وهي تشعر بالبرودة تسري في كيانها . تأملت ما في الغرفة من اشياء واحست بالدموع تتجمع في عينيها ثانية وفكرت لماذا لا تهرب من هذا البيت وتنقذ نفسها من كل هذه الآلام والمحن؟ ثم كيف ستواجه كارين بعد اليوم ؟ وتمنت ان لا تكون هنا حين يتزوج دومنيك من كارين , فذلك شيء لا يمكن تحمله إطلاقاً.

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

ثم تركت الغرفة ومشت على رؤوس اصابعها , حتى وقفت في نهاية السلم, وهي تنصت لما يجري من حديث في الطابق الأسفل .منتديات ليلاس
كانت الأصوات جميعها رجالية , لذا عرفت ان كارين وعمتها قد غادرتا البيت . وقد دهشت لذلك , ثم سارت إلى غرفتها . ورغم ان بقاءها في هذه الغرفة , إنما هو وقتي فقد شعرت انها في بيتها الحقيقي .
دخلت في الفراش واحست بالدفء , لكن الأفكار بدأت تتزاحم في رأسها وجاهدت كي تطردها لكن بدون جدوى .
استيقظت في الصباح متعبة من الأحلام المزعجة التي رأتها في الليلة الماضية . ولمحت من النافذة الصباح الجميل بمفردها , وقبل ان تدب الحركة في البيت وتبدأ المشاكل ثانية , تركت فراشها واخذت حماماً سريعاً , ثم ارتدت ملابسها . ونزلت الى الطابق الاسفل.
اكتشفت ان الباب الرئيسي مفتوح وهذا يعني انها ليست وحدها المستيقظة باكراً فهناك من سبقها غادرت البيت وواصلت سيرها باتجاه البحر ولم تكن قد ابتعدت طويلاً حين سمعت صوت محرك سيارة خلفها , إستدارت فشاهدت سيارة دومنيك واقفة امام البيت , ثم نزل هو , قررت مارتينا ان تتجاهله وان لا تتحدث معه , فواصلت سيرها لكنها سمعته يناديها .منتديات ليلاس
" مارتينا , إنتظري لحظة" لم تشأ ان تلتقي به فاستمرت بدون ان تلتفت اليه , لكنه سمعته قادماً من ورائها , وكانت خطواته سريعة , فشعرت بالذعر , فأسرعت في خطواتها , غير انها ادركت انه هو الآخر يسرع في مشيته . واخيراً وجدت نفسها تركض , ولكن الى اين ؟ ولماذا تهرب ؟ انها ستواجهه حين تعود الى البيت , فالماذا الهرب منه الآن ؟ وابطأت في سيرها الى ان حاذاها وقال بصوت بارد" لا تتظاهري بأنك لم تسمعيني وانا اناديك, ثم لماذا تهربين مني ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" لقد سمعتك , اما لماذا اهرب منك, فأظن ان السبب واضح "
" ما اريده هو ان اتحدث اليك "
" لا اظن هناك شيئاً تقوله لي , احب سماعه"
اطلق ضحكة قصيرة , ثم قال " اوافقك على ذلك, لكن هناك اشياء يجب ان تقال وفي مقدمتها اني مدين لك بكلمة إعتذار , لقد كنت فظاً في الليلة الماضية والحقيقة اني فقدت اعصابي "
" على اية حال , ليس للأمر اهمية "
" بل انه مهم بالنسبة إليّ" قال هذا ومد يده إلى ذقنها محاولاً رفع وجهها إليه , لكن مارتينا تراجعت خطوة إلى الوراء مبتعدة عنه ثم اضاف قائلاً " إنك غفرت لتيفولا إنفعاله .فلماذا يا ترى لا تعامليني مثله ؟".منتديات ليلاس
" بالطبع لا أعاملك مثله , فأنا احبه جداً "
" ولا تحبيني أليس كذلك يا مارتينا ؟"
" هل حقا تتوقع مني ذلك, وانت تعاملني بهذا الأسلوب منذ وصولي في أول يوم ؟"
ثم استدارت وواصلت سيرها تجاه البحر . ورفعت رأسها تجاه الريح , فأحست ببرودتها تخفف من حرارة وجهها ظل السؤال يعاودها باستمرار .
ترى ماذا يريد مني؟ لماذا يلاحقني باستمرار ؟ إذا كان يكرهني فلماذا لا يتركني وشأني؟
تجولت طويلاً فوق الصخور العالية, وهي تتأمل البحر وتكسر الأمواج على صخور الساحل, والزبد الأبيض المتطاير منها . والطيور التي تحوم على الشاطئ , والأشجار واكواخ عمال المناجم المهجورة , وتمنت لو انها جلبت معها عدة الرسم, إذاً لكانت رسمت هذه المناظر البديعة , ولحتفظت بها كذكريات لهذه الايام المليئة بالأحزان ثم عادت ادراجها إلى البيت .ريحانة
" ها أنت اخيراً !" قالت انيز حين رأتها , وكانت قلقة بسبب تأخرها , ثم اضافت " لقد قلق السيد تيفولا عليك , اين كنت كل هذا الوقت ؟"
" ذهبت في نزهة , ويبدو انني تأخرت "
" هيا الآن الإفطار جاهز وسيصعد زاك إلى غرفتك لنقل حاجياتك إلى الغرفة الجديدة , إنني سعيدة لأن السيد تيفولا قد فتحها بعد كل هذه السنين "

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" إنها غرفة جميلة , لكنها كبيرة علي , افضل البقاء في غرفتي"
" كلا انها افضل من الغرفة السابقة, ثم ربما لن تبقى وحدك فيها , ربما ستجدين من يشاركك فيها "
قالت انيز وذهبت إلى المطبخ , تاركة مارتينا في حيرة . وفكرت ما الذي تقصده من كلامها هذا , هل رأتها حين كانت واقفة مع دومنيك هذا الصباح . وهل تظن انهما على علاقة ؟
دفعت مارتينا باب قاعة الطعام بعد تردد, ودخلت كان مارك وحده جالساً هناك .
" مرحباً مارتينا , كيف انت هذا الصباح؟"
" كالعادة , وانت ؟"
" اظن ان ما حدث الليلة الماضية , لم يكن له أي مبرر "
" من الأفضل ان تسأل تيفولا , هو الذي أثار كل تلك الضجة "
" صحيح رأيتك متأثرة أكثر من الآخرين , لقد اسفت على باربارا كانت صدمة كبيرة لها . وإهانة شديدة . كارين اخذتها بالسيارة , لم تكن قادرة على القيادة , ثم انني لم اشاهدها وهي تبكي مثل البارحة "
" انني آسفة "
" لا احد يلومك , ما ذنبك أنت ؟" قال مارك , ثم اضاف وهو يبتسم " ما رأيك ان نتعشى معاً في الخارج ؟"
" معك ؟".منتديات ليلاس
" أهو أمر غريب يستوجب كل هذه الدهشة ؟ لقد خابرت بيدي مساء أمس ودعتك للعشاء ولم أشأ ان أناديك على الهاتف لإنك كنت في غرفتك بعد الذي حدث , فطلبت مني ان أبلغك , ثم ودعتني ايضاً ".منتديات ليلاس
" اعتقد ان هذا , ليس السبب الوحيد"
" ربما , إذا وافقت على المجيء , من الأفضل ان لا تذكري ذلك لأحد"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" وماذا نفعل ؟ هل نسرق انفسنا من الآخرين , ونتسلل من البيت تحت جنح الظلام؟"
" كلا سأقول لهم اني آخذك إلى بورت فيتور "
" تقصد بالآخرين أخاك, أليس كذلك ؟ حسناً لا يهمني . إذا كنت مهتماً بأن لا تجرح مشاعره , فدعني وشأني لأذهب وحدي إلى سانت اينا هذا المساء"
صب مارك المزيد من القهوة لنفسه , وهو لا يرفع عينه إليها , ثم قال " الأمر ليس بهذه البساطة , انت تعرفين انني وبيدي كنا على علاقة سابقاً"
" نعم اعرف ذلك هي التي اخبرتني"
" لا ادري ماذا قالت لك بعد, لا أريد ان اعرف الحقيقة "
" لم يرضى اخوك عن تلك العلاقة, وطلب انهائها"
" نعم , ربما تستغربين ضعفي , وكيف رضخت لطلبه , الحقيقة انني فعلت ذلك ظاهرياً, وحاولت ان اقنع دومنيك مع الأيام لكنني حين ذهبت لرؤية بيدي بعد انقطاع , رفضت الإصغاء وطردتني "
" ولماذا لم تشرح الأمر لها منذ البداية ؟"
" حدث كل شيء بشكل مفاجئ, والواقع ان شخصاً ما أثار دومنيك ضدنا"
" كارين إنجلس ربما "
" نعم , لا ادري ماذا قالت له , لكنها نجحت في تسميم مشاعره تجاه بيدي"
حين انتهت مارتينا من فطورها , صعدت لكي تجمع حاجياتها حتى ينقلها زاك إلى غرفتها الجديدة . جمعت كل حقيبتها , وذهبت إلى الغرفة الأخرى , ومكثت هناك تنتظر , حتى جلب زاك الحقيبتين , مع رزمة كبيرة .منتديات ليلاس
" آسفة لإزعاجك يا سيد زاك , ولكن ما هذه الرزمة؟"
" إنها رسومك التي جلبتها معك, لقد تم وضع إطارات لها في بنزاس , سأثبتها على الجدران هنا "
فكت مارتينا خيوط الرزمة بأصابع مرتعشة , ثم فتحتها كانت رسوم والدتها وقد احيط كل منها بإطار ثمين من الطراز القديم .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

لقد كانت تتساءل دائماً . ترى ماذا فعل تيفولا بالرسوم ؟ ربما تركها جانباً ولا يود رؤيتها لأنها تسبب بعض الشجن له . لكن ها هو اذاً قد بعثها لبزاس لتأطيرها .
احست بالدموع تتجمع في مآقيها . وكانت راغبة في البكاء بشدة . علق زاك الرسوم على جدار مواجه للنوافذ. بإرشاد منها . حتى يقع الضوء عليها وتراها واضحة أول ما تفتح عينها في الصباح .منتديات ليلاس
حدقت فيها طويلاً حين ظلت وحدها في الغرفة , وفكرت , ترى ماذا كانت ستقول والدتها لو عرفت ان رسومها قد انتهت إلى غرفتها في تريفينون ؟ ثم ماذا تريد هي أكثر من هذا ؟ ما كان قصدها من المجئ إلى هنا هو هذا ؟ ها هي أمنيتها قد تحققت .ريحانة
احست بالباب وقد انفتح بهدوء بينما ما تزال هي تتأمل الرسوم . وإن شخصاً ما دخل إلى الغرفة . ظنت انه تيفولا , جاء ليرى مدى تأثير هديته عليها . فقالت بدون ان تلتفت اليه " تيفولا إنك عطوف علي جداً, لا ادري كيف أجازيك" لكن حين التفتت إليه, ماتت الكلمات بين شفتيها وشحب لونها , كان الواقف هو دومنيك, تقدم خطوة اخرى منها وقال بإنزعاج " ماهذا , لماذا تغير لونك هكذا , هل ازعجتك بدخولي؟"
" كلا بالعكس , انني حزينة لأنني رأيت ثياب أمي وخواتمها. والآن هذه الرسوم قد علقت في غرفتها , احس وكأنها معي الآن "
" بالطبع لا اتوقع منك ان تفهم مشاعري"
" كلا, لا يهمني ذلك جئت لأتحدث معك في موضوع ما , لكن يبدو ان الوقت غير مناسب الآن "
" ليس هناك ما نتحدث به , دعني لوحدي بسلام ارجوك " قالت مارتينا متوسلة وقد اغمضت عينيها , ووضعت وجهها بين راحتيها . لم يقل دومنيك أي شيء . بينما ظلت هي في وضعها للحظات. وحين فتحت عينيها وجدت نفسها وحيدة في الغرفة فهتفت بصوت مختنق " اوه دومنيك ؟ يا حبيبي "
لكن لم يكن هناك احد ليسمعه .

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

9 - لن أفكر بك .

علقت مارتينا آخر كرة زجاجية ملونة في مكانها ثم نزلت السلم الصغير, وتأملت شجرة عيد الميلاد طويلاً, وكانت قد بذلت جهداً كبيراً حتى اقنعتهم بجلب هذه الشجرة , ووضعها في هذه الزواية.منتديات ليلاس
" شجرة عيد الميلاد ؟ وفي بيت جميع من فيه غير متزوجين ؟" قال مارك مندهشاً.
" ولماذا لا ؟ ربما ستجلب الحب والخير إلى البيت" اجابته مارتينا التي انفقت في خلال الأسابيع القليلة الماضية الكثير من الوقت مع مارك , حتى ان دومنيك سألها مرة غاضباً فيما إذا كانت متأكدة مما تفعل . فضحكت واحست بسعادة كبيرة من غيرته عليها . وفي مناسبة اخرى قال لها ايضاً.
" يبدو ان مارك مصمم على ان يجرب حظه معك "
ضحكت وطمأنته بأن لا أحد يقدر ان يفوز بقلبها غيره فلم ترغب ان تخبره بأن العلاقة بين مارك وبيدي قد عادت إلى مجراها الطبيعي . منذ تلك الأمسية التي ذهبت معه إلى سانت اينا لتناول العشاء في بيتها.ريحانة
القت نظرة اخيرة على شجرتها . وتهيأت لترك قاعة الجلوس بعد ان تضئ اضواء القاعة كلها . ربما ستجلب نجمة الأمل التي علقتها على الشجرة . الحظ لمارك وبيدي على الأقل.
أما تيفولا وباربارا فيبدو انه ليس هناك من أمل كبير في تحقيق سعادتهما معاً. إذ لم تقترب باربارا من تريفينون منذ تلك الليلة التي اقيمت فيها حفلة العشاء. واستنتجت مارتينا من ملاحظات ابداها تيفولا ان باربارا لم تعد تعمل في حوض الزوارق متعللة بالمرض.

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

اما كارين فلم تنقطع عن الظهور بالرغم مما حدث , وبدا واضحاً , انها قررت التغاضي عن حقيقة انها هي التي كانت السبب في كل ما حدث . وتصرفت بروحية تومى بأنها قد سامحت الجميع مع سلوكهم في تلك الليلة , وكأن ما حدث كان بسبب الآخرين لا بسببها وهذا ما جعل تيفولا ينسحب إلى غرفته ويغلق الباب عليه كلما ظهرت كارين في تريفينون.
حين امسكت بقبضة الباب حتى تفتحه , خفق قلبها بعنف لقد سمعت صوت كارين في الصالة الخارجية , ترددت للحظة هل تخرج أم تمكث حيث هي , إذ ربما ستذهب كارين بدون ان يطول بقاؤها. لكنها في الأخير دفعت الباب وخرجت .
كانت كارين هناك مع دومنيك يقفان معاً. وندمت مارتينا على خروجها للقاعة في هذه اللحظة غير المناسبة .منتديات ليلاس
التفت دومنيك إليها . فالتقت نظراتهما في لمحة خاطفة وقال " اهلا مارتينا , سأطلب من انيز ان تحضر لنا شيئاً من القهوة , هل تشاركينا ؟"
" كلا , شكراً انني ارتب قاعة الجلوس, وحالما انتهى منها سأبتعد عن طريقكما "
" لم أكن اعرف انك تقفين في طريقي " قال دومنيك وذهب تجاه المطبخ .
" ماذا كنت تفعلين هناك؟." سألت كارين وهي تنظر إلى علب الكرات الملونة والأشرطة التي في يد مارتينا .
" زينات عيد الميلاد, تعرفين , بعد غد هو عيد الميلاد "
" أعرف ذلك بالطبع " قالت كارين وهي تبتسم , ثم سارت إلى قاعة الجلوس وهتفت " اوه , يا إلهي , فكرة من كانت هذه الزينة الجميلة ؟"
" فكرتي , ألا تحبين اشجار عيد الميلاد ؟"

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

" احب اشجار عيد الميلاد في اماكنها , في الساحات العامة في الفنادق مثلاً اما هنا في هذا البيت , وفي هذه الغرفة فأظن انها ليست مناسبة , واعتقد ان انيز لن تشكرك على هذا "منتديات ليلاس
" أنيز سعيدة جداً بهذه الزينة "
" هكذا اذن " قالت كارين مبتسمة , ثم اضافت " لا يغرنك رضا انيز فهي ليست اكثر من خادمة في هذ البيت مجرد عاملة مثلك"
" لو كنت في محلك لكنت أكثر حذراً , ولما سمحت لأحد ان يسمعني وأنا اتحدث بهذه اللهجة "
" لا تنسى ان وضعينا مختلفان تماماً. فهاذ البيت لن يكون بيتك النهائي . ولن تكوني هنا سيدة في يوم من الأيام "
" وهل ستكونين أنت كذلك؟"
" بالطبع " قالت كارين بنبرة سعيدة وواثقة , ثم اردفت بعد لحظة سكوت ثم اضافت "ودمنيك إقتنع بأنني سأقوم ببعض التغييرات في البيت وبالطبع فأن زوجين في بداية زواجهما لا يرغبان في ان يشاركهما عدد كبير من الناس حياتهما . وانيز بالطبع مخلصة لتيفولا , فلا اظن انها ستبقى هنا حين يذهب هو "
قالت مارتينا وهي تهز رأسها غير مصدقة " وستطردين تيفولا من بيته ؟ لن تقدري على إرتكاب مثل هذا الفعل , انه رجل عاجز ومريض".
اجابتها كارين ببرود وهي تلوي شفتيها " لقد تحسنت صحته تماماً. ربما سيعيش سنوات طويلة بعد لا اريد ان أبداً حياتي الزوجية في ظله . انه يتصرف وكأنه ما يزال هو السيد هنا , وهذا وضع لست مستعدة لقبوله ".منتديات ليلاس
" وهل يوافقك دومنيك على هذا ؟"
" دومنيك يحبني , ولا يبخل على بأي شيء اريده " اجابت وعلى وجهها ابتسامة رضا , ثم اضافت وهي تنظر إليها بكبرياء وغرور " انصحك ان تجدي لنفسك مأوى آخر , يا آنسة كيلك فأخشى ان تكون ايامك معدودة في هذا البيت , صدقيني "
" اعرف ذلك جيداً, وقد رتبت أموري ان أترك هذا البيت في بداية العام الجديد "
" وإلى اين تذهبين ؟ تبقين تدورين حول تيفولا , حتى يعطف عليك ويأخذك معه إلى بيته الجديد , أليس كذلك؟".منتديات ليلاس
" كلا, سأذهب إلى لندن وأجد لي عملاً حتى الربيع , وبعده آمل ان اذهب إلى جارجسون لأخذ دروساً في الرسم"
" دروس خاصة ؟"
" نعم , مع لينو كريستي"
" يا إلهي إنك تحلقين عالياً مع احلامك , ترى من اين ستجدين النقود التي تكفي مصاريف لهذه المدرسة ؟ من رصيدك في البنك , وانت مجرد فتاة عاملة؟ أم انك تتوقعين ان يمدك تيفولا بالمصاريف, ألا تعرفين انه وضع كل ما عنده في مشروع حوض الزوارق ولم يعد يملك بنساً واحداً؟ اخشى ألا تجدي احداً في هذه العائلة يشتريك ببنس واحد ."
أرادت مارتينا ان تضربها على وجهها بالعلب التي في يدها لكنها ضبطت نفسها وقالت لها بهدوء وبرود اعصاب " من فضلك لا تقلقي بشأني"
ثم تركتها مارتينا واقفة , وعبرت الصالة وصعدت السلالم بدون ان تلتفت إلى الوراء . كان قلبها يخفق بشدة .وشعرت بالألم يسري في جسدها . ثم تساءلت ترى هل يعرف دومنيك ما تخططه خطيبته , وزوجة المستقبل؟ ام انه مغرم بها لدرجة انه لا يعير اهتماماً لأي شيء سواها ؟

نهاية الفصل

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

10 - دفء فوق صخور الثلج

مرت الأيام في قصر تريفينون , ومارتينا بالحنان الأبوي من تيفولا والمرح من مارك , اما دومنيك فكانت علاقته بها أشبه ببرودة القطب الجنوبي.
ورغم ذلك كان هناك شعوراً ما يخترقها ويتخلل في مسامها ويتنامى يوماً بعد يوم , كانت تحاول بكل ما اوتيت من إرادة مقاومة هذا الشعور وقنعه في مهده , ولكن إحساسها الوليد أبا ان يموت ولكنه تمرد وثار على كل إرادتها وصار سيداً لكل اعصابها , كان هذا الشعور هو حب .. نعم حب دومنيك ورويداً , رويداً بدت لها حقيقة لم تستطع الفكاك منها او الفرار , وهي انها تمكث هنا فقط لتكون بجواره , بجوار دومنيك , وفي ليلة عيد الميلاد قررت ان تتمرد على نفسها , ان ترفض كل هذا الخنوع كيف يتأنى لها ان تحب من عاملها بكل هذه القسوة والبرود وأراد إذلالها وإراقة دم كرامتها من خلال ذكرى أمها .. وقررت الرحيل .. وحين اكتشفوا اختفائها من البيت , تجمع الكل في غرفة الجلوس يتدبرون الأمر , في الوقت الذي طلبت مارتينا من سائق التاكسي ان يتوقف على بعد من البيت , خشية ان يسمع أحد في الداخل صوت السيارة ونزلت .
فتحت الباب في هدوء كان الضوء خفيفاً في الصالة , وكان باب قاعة الطعام مغلقاً . تنبعث منها أصوات مبهمة , فصارت على اطراف اصابعها حتى قاعة الجلوس , وتركت مظروف كان فيه صورة رسمتها لنفسها وكتبت على المظروف اسم دومنيك تركته مع بقية الهدايا تحت شجرة عيد الميلاد , ثم غادرت البيت كما دخلت بهدوء .ريحانة
في الطريق التفتت إلى الوراء والقت نظرة اخيرة على البيت وفكرت انها ستحن اليه رغم ما قاست فيه من آلام كما انها ستفتقد الشاطئ وامواج البحر . فقررت ان تذهب وتلقي آخر نظرة على الساحل الأسباني قبل ان تترك هذه المنطقة إلى الأبد .

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

سارت على ضوء المصباح اليدوي , حتى وصلت إلى الساحل, وكان الثلج ما يزال يسقط رغم انه خف قليلاً , ووقفت فوق الصخور وتطلعت إلى البحر, وإلى الأمواج التي تتكسر على الساحل مخلفة شريطاً ابيض من الزبد, وأصغت إلى الهدير الذي كان يأتي في فترات منتظمة.
وجهت ضوء البطارية إلى الصخور , حتى وجدت مكاناً يمكن النزول منه , فأخذت تنقل خطواتها بحذر خشية الإنزلاق فالسقوط بسبب الثلج المتجمد , فنزلت عدة خطوات , ثم فجأة زلت قدمها وفقدت توازنها وهوت على الساحل وهي تطلق صرخة قوية .
احست بألم شديد في ساقها وحاولت ان تحركها لكنها شعرت بالإغماء فتيقنت ان كاحلها قد اصيب بالتواء ظلت في مكانها فترة وهي ترتجف من الألم والبرد . ثم اخذت تزحف على يديها شيئاً باتجاه الصخور ساحبة رجلها ببطء . واسندت ظهرها إلى الصخور المتجمدة واغمضت عينيها . إذا عليها ان تظل هنا حتى الصباح حتى يأتي من ينقذها ويحملها إلى سانت اينا , اما كان جنوناً منها ان تأتي إلى هذا المكان الموحش في منتصف الليل ؟ اما كان بالإمكان ان تأتي في النهار وان تمنع عنها كل هذه الآلام ؟
فتحت عينيها , ورأت ان الأمواج تقترب منها أكثر في كل مرة , وان مساحة اليابسة التي بينها وبين الماء تتقلص شيئاً فشيئاً . ان ذلك عرفت انه المد وانه سيرتفع حتى يغمرها , وربما يجرفها معه إلى البحر .منتديات ليلاس
اطلقت صرخة قوية , لكن صوتها لم يخرج إلا ضعيفاً أشبه وشعرت بالمياه وقد غمرت قدميها . فاستسلمت يائسة ليأخذها المد في منتصف الليل, ويسلمها إلى البحر , ولينتهي هذا العذاب إلى الأبد , وداعاً يا تريفينون, وداعاً ايها الأحباء , وداعاً يا دومنيك . فقط لو عرفت كم كنت صادقة في حبك . لو كنت عطوفاً معي مرة واحدة , واسمعتني كلمة حب واحدة , كم احببتك يا دومنيك , دومنيك , دومنيك.منتديات ليلاس

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

تناهى إلى سمعها صوت , صوت دومنيك وهو يهتف بإسمها مارتينا .. مارتينا . فاستسلمت للحلم الجميل وللمد الذي غمرها حتى منتصف جسدها , وفجأة شعرت بذراع قوية تحيط بها وتحملها وتشدها إلى صدر حبيب , وصوت دومنيك قائلاً لها بلهفة " يا حبيبتي لقد وجدتك انت سالمة , إهدأي , إهدأي " ولف ذراعه حول عنقها , وفكرت انه حلم لذيذ , ما أكثر الأحلام فتركت نفسها يحملها شبح أسود ويذهب بها .
حين فتحت عينيها كان هناك ضوء خفيف في الغرفة , فعرفت انها لم تكن في حلم , أدارت عينيها فيما حولها , كانت نائمة في فراشها وانيز تحدق في وجهها .ريحانة
ووجدت يدها في يد دومنيك , فسحبت مارتينا يدها بلطف من يده , وهي تحدق في وجهه , فقال لها بحنان رائع " إنني أحبك يا مارتينا , بل احببتك منذ تلك الليلة التي التقينا فيها على الطريق, وكان غضبي انني اكتشفت من انت , كنا ما نزال نعيش في ذلك الوهم الخاطئ بأن والدتك قد أساءت الينا . اوه مارتينا لو تعرفين كم احببتك , لقد جننت حين اختفيت من البيت شكراً لله لأنك وضعتي تلك الرسالة تحت شجرة عيد الميلاد . آن ذاك عرفت انك ما زلت قريبة من البيت , فأخذت مصباحي وخرجت فلمحت آثار اقدامك على الثلج فتبعتها إلى هناك."
مد يديه إلى جيبه واخرج علبة مغلفة بالقطيفة الحمراء فيها حلقة ذهبية , وضعها في اصبع مارتينا , ثم رفع يدها وطبع عليها قبلة رقيقة , قائلاً " يا زوجتي الحبيبة !"
مدت مارتينا ذراعيها واحاطت بهما عنقه , وهي تحدق في عينيه بسعادة , وهي تحس بأن كل عذابات عمرها الصغير تذوب كما ذابت الثلوج حبيبها دومنيك وقالت وهي في شبه الحلم " سنكون معاً إلى الأبد"

تمت

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

مشكورة على الرواية الرائعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اسعد الله صباحكم بكل خير وسعادة يارب العالمين

رد: 314- وقائع سنوات الجمر ( من روايات احلامي المكتوبة )
 

السلام عليكم ورحمة الله