منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   60 - العريس لا أحد ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t207414.html)

سيريناد 20-02-20 07:27 PM

60 - العريس لا أحد ( كاملة )
 
https://bit.ly/1MqHViX

العريس لا أحد

الملخص

من يستطيع أن يكسب رهاناً عندما يتعلق الأمر بمزاجية القلب ؟ وصلت إيدن إلى جزر البهاما مع خطيبها لتتعرف إلى أهله وهناك التقت أخاه فيرن , الذي لم يخف أنه يراها صائدة ثروات ولم يكتف بذلك بل حاول إغوائها كي يبعدها عن أخيه .
وقاومت إيدن بعكس الريح , لكن لم تساعدها لا تصرفات خطيبها الأنانية , ولا مشاعرها التي راحت تخونها كلما أقترب منها فيرن .
ومع اقتراب موعد العرس , بدأت إيدن تجد نفسها عروساً وحيدة , ولا عريس. . .

سيريناد 23-02-20 07:50 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل الأول

عينان لا تفارقانها
https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

لم تشأ إيدن أن يعرف الرجل الجالس قربها إن كانت تتوق إلى هذه الرحلة أم لا , كما لم تشأ أن يعرف أنها
أعادت النظر ملياً في أمر رحلتها هذه , التي الغاية منها التعرف إلى عائلته , ولكن لم يسبق أن خشيت إيدن لقاء إنسان ما كما تخشى هي الآن لقاء عائلة غريفت هوفمان .
عائلته , تعنى أخاه غير الشقيق وجدته العجوز التي هي كما يقول غريفت من النوع المتغطرس المستبد , وهى غير راضية عن مسلكه لأسباب مختلفة , ولكنه على الرغم من رأيها به يصر على أنها مهيبة رائعة .
وهذه الجدة تركت موطنها إنكلترا منذ أن كانت فتاة صغيرة , وعاشت ما يقارب الثمانين سنة في جزر البهاما , غير أنها ما تزال تعتبر نفسها امرأة إنكليزية أرستقراطية . . أما فيرن هوفمان , شقيق غريفت الأكبر , فهو بحسب قوله يملك عجرفة وكبرياء أسلافه الهوفمان .
توقعت إيدن التي لم تكن تدعى أن في عروقها دماً أزرق أن تجد هذه العائلة المتسلطة الأرستقراطية مرهبة للنفس أكثر فأكثر , خاصة وأن عائلتها متواضعة , ولقاؤها غريفت أشبه بإلقاء نظرة على عالم مختلف كل الاختلاف , وما شاهدته من هذا العالم حتى الآن يعتبر غريباً مثيراً .
إيدن , كما لا شك في الأمر , تجتذب نظر أي رجل بشعرها الأحمر القاتم وعينيها الخضراوين , وليس غريفت هوفمان ممن يترك فرصة كهذه تفوته , وقد حدث أن شاهدته للمرة الأولى حين دخل إلى المكتبة التي تعمل فيها , ومنذ ذلك اليوم أصبح من زائري المكتبة الدؤوبين . وتعدد الزيارات , قاد بشكل حتمي إلى اللقاء خارج العمل , ومن هناك تطورت الأمر بشكل طبيعي.
فُتنت به عائلتها وكيف لا يكون ذلك وهو قادر على فتنة الطيور على أشجارها. لم يُبد أحد منهم شكوكاً بشأنه إلا أخاها الأكبر الذي أرتاب في أمر سفرها الطويل معه دون خطوبة رسمية معلنة . مع أن والديها لم يجدا مبرراً للحذر, وكما أشارت والدتها, المسألة لا تتعدى خاتم الخطوبة ليصبح الأمر رسمياً.
كما أن غريفت , إضافة إلى وسامته وسحره , هو شاب ثرى , وهو بهذا خطيب مناسب لأية فتاة . وبما أن إيدن تعرفه منذ ثلاثة أشهر , لم يبال أحد بشكوك أخيها الأكبر ( أوك ) , فلقد كان يبالغ دائماً في حماية إيدن .
مرت إيدن بالإجراءات الرسمية في المطار وهى مبهورة دهشة , وما إن انتهت هذه الإجراءات حتى أحضر غريفت سيارته التي قادها على طريق عريض مغبر على جانبيه حقول الأناناس القليلة الارتفاع . . أدار رأسه لحظة ينظر إليها , ثم مد يده ليضغط على يديها المتقلصتين في حضنها , وإلتمعت عيناه الزرقاوان وهو يبتسم لها مشجعاً إياها على الابتسام :
-ما زلت لا أصدق أنك هنا .
كانت لكنته غريبة بعض الشيء وهى لا تستغرب ذلك لأن نسبه أكثر غرابة , فوالده إنكليزي فيه عرق إيطالي وأمه فرنسية فيها عرق ألماني , وقد قتلا في حادث سيارة منذ سبع سنوات , حين كان هو في السادسة عشر , فترك تحت عهدة جدته لأبيه وأخيه الأكبر منه بكثير فيرن .
عاد ليضغط على يديها ثانية , محاولاً النظر إلى وجهها :
-هل أنت متوترة إيدن ؟
نظرت إليه بطرف عينيها ووجدت نفسها تقول بصدق :
-بل أنا خائفة حتى الموت . . ماذا تتوقع منى يا غريفت بعدما نقلتني هذه النقلة لالتقى بـ. . .

قاطعها بابتسامة :
-بعائلتي . . أتمنى أن تناديني ( غريف ) فاسم غريفت يوحى إلى بأنني أحد اللوردات القدامى . !..
-أحب اسم غريفت ... ألم تقل بنفسك إن عائلتك تكره سماع اسمك مختصراً . وإن سمعاني أناديك ( غريف ) حينما أصل أكن بذلك قد بدأت بداية خاطئة معهما .
ضحك على التعابير التي كست وجهها :
-أوه . . . دعك من هذا حبيبتي . . . لن يأكلك أحد! لن تسيء جدتي استقبالك لأنها تؤمن بما تفرضه النبالة وسمو المنزلة . . أما فيرن فهو رجل بما للكلمة من معنى , ولن يرغب في ملاحقة فتاة جميلة مثلك لأنك خارج نطاق عمره! لا تخشيه فنباحه يفوق عضه !
لكن إيدن كانت قلقة فعلاً خاصة بعدما أوحى غريفت أن فيرن أكثر مهابة من العجوز . نعم هي تعرف أن امرأة عجوز تجاوزت الستة وثمانين عاماً قد تكون متسلطة. لكنها لن تكون أكثر تسلطاً من حفيدها الأكبر.

سيريناد 23-02-20 07:51 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
فيرن هوفمان , يدير أعمال العائلة منذ وفاة والده ووالد غريفت منذ سبع سنوات . . . وهو من أصر على سفر غريفت إلى لندن استجابة لرغبة والدته , وإطاعة غريفت له دليل واف على أنه رجل رهيب , لم تستطع إيدن إلا أن تفترض بأن فيرن لن ينظر فقط بعين الريبة إلى فشل أخيه في نيل مؤهلات علمية خاصة بل سيربط فشله هذا بمرافقته لفتاة غريبة يتوقع من العائلة القبول بها خطيبة له .
أما هي فتتوقع انضمام غريفت الآن إلى إدارة عمل العائلة بعد أن أنهى تحصيله العلمي , ولكن لغريفت تطلعات أخرى فطموحه يتجه إلى الموسيقى علماً أنه لا يعرف بالتحديد نوع المهنة الموسيقية التي يرغب فيها وربما أصطحبها معه لتعينه على مواجهة خطط أخيه .
ألتفت مرة أخرى لينظر إليها متسائلاً فهزت رأسها :
-تعرف أخاك أفضل مما أعرفه طبعاً . . ولكنني أحسبه يرفض أن يلزم نفسه بخطيبتك الجديدة بضعة أشهر .
طمأنها غريفت بابتسامة واثقة :
-حسناً , يستحسن أن تصدقي . . ألم أقل لك إن أكثر ما يثير اهتمامه هو فكرة خطوبتي ؟ عاجلاً أو آجلاً على أحدنا القيام بعمل حاسم , لكن لم يتصور أحد منا أن أكون أول من يقع في الشباك . سيظن فيرن أن قواي العقلية تفقد توازنها .
نظرت إليه بريبة لأن هذه الملاحظة لا تبعث إلى النفس الثقة :
-أخاك لن يرحب بى .
- إيدن توقفي عن القلق . . ! من ير قلقك يظنني أصطحبك إلى بيت مجانين . استرخى . . أرجوك !
بذلت إيدن جهداً للاسترخاء , لكنها لم تستطع إخراج فيرن هوفمان من تفكيرها . . فعادت تسأل بعد لحظات :
-أيشبهك ؟ أعنى . . هل أنتما متشابهان ؟
-أبداً . . ليس بهي الطلعة مثلى!
-هكذا إذن ؟
تأملته قليلاً وهى تفكر في أن من السهل تصديق عدم وجود رجلين بهيي الطلعة مثل غريفت في العائلة نفسها . إن لغريفت شعراً بنياً مسترسلاً وعينين زرقاوين قاتمتين لا تغيب عنهما الابتسامة , وسحراً مميزاً . وللأسف أنه مدرك حقيقة صورته الرائعة وجاذبيته إلى درجة الغرور.
قال لها وفى عينيه ضحكة :
-لا أعنى أن فيرن بشع , ففتنة آل هوفمان لم تتخل عنه , وهذا ما يجعله يملك حظاً وافراً من الجاذبية . . . معه , هناك دائماً قصص علاقات قلبية , إنه إنكليزي أكثر بكثير منى . . ولهذا تفضله جدتي على !
بدأت إيدن التي لا تعرف عن فيرن إلا أنه وصى أخيه الأصغر تتساءل عما إذا كانت الفكرة التي كونتها عنه خاطئة . لقد تصورته متوسط العمر تقريباً , ربما لأن غريفت يلقبه بفيرن العجوز من وقت إلى آخر , أو ربما لأنه يصوره شخصاً متزمتاً لا يهتم بشيء خارج إطار أعماله العائلية . ولكن ما قاله غريفت مؤخراً يدفعها إلى إعادة التفكير في ما تصورته عن هذا الرجل .
-أنا لم أفكر فيه على هذا الضوء .
إلتمعت عينا غريفت الزرقاوان لحظة بحيرة , ثم هز رأسه :
-ليتك لا تفكرين فيه أبداً . التصقي بي ودعي فيرن للولا كورد - مانيارد .
نظرت إيدن إليه باستغراب :
-من هي لولا كورد - مانيارد هذه ؟ وكأنها ممثلة مبتذلة من فيلم رخيص .
وجد غريفت افتراضها مسلياً , فأطلق ضحكة مرتفعة :
-لا. . . ليست من فيلم رخيص حبيبتي . . فلولا من الطبقة العليا وارثة ثروة كبيرة . وهى خطرة كالديناميت حين تغضب . . . يعد والدها الثاني في العظمة بعد عائلة هوفمان . ولقد وضعت منذ أنهت المرحلة الثانوية عينيها اللوزيتين على " فيرن العجوز" .
- آووه . . هذا كلام خبيث منك!
- ربما . . لكن إذا ظننت هذا خبثاً فأنت لم تشاهدي شيئاً بعد . . فالخبيثون يتلقون دروسهم من لولا , وهى تتمتع بشكل خاص بتحطيم الإناث الأخريات والإخوة الصغار . . لذلك ابتعدي عنها!
-وهل هي جذابة ؟
-أجسدياً تعنين ؟ إنها مذهلة حريرية شرقية ناعمة, لكنها قطعاً غير لطيفة إلا مع فيرن..!
-إذا كانت كما تقول مذهلة وودود مع أخيك , فلماذا لم يتزوجها ؟
-لأنه ليس من النوع المزواج . وهو يعرف أن على المرأة التي يريد الزواج بها أن تمر تحت عيني جدتي الصغيرتين , غير أن جدتي لا تؤمن بوجود امرأة تناسب زعيم عائلة هوفمان , ولولا مثلى , مزيج حقيقي من الأصول المتعددة في جزر البهاما .
-أنا دهشة لأن لولا . . نسيت باقي اسمها . . لم تتزوج من شخص آخر غيره لإغاظته . وهذا ما كنت أفعله لو أنى مكانها.
- وهذا ما فعلته . كان كورد اسم عائلتها , ثم أضافت إليه اسم مانيارد بعد زواجها برجل اسمه تريس مانيارد منذ بضع سنوات , وظنت أن الاحتفاظ باسمين رقياً فاحتفظت بالاسم ودمجت بينهما بعد الطلاق .
- أنت لا تحبها ؟
- أحبها كما أحب الصفعة على الوجه . . وهذا شعور متبادل , ولكنني أعتقد أنها في النهاية ستجرُ فيرن العجوز إلى مذبح الزواج .
سألته ضاحكة :
-وهل الأمر مأساوي إلى هذه الدرجة ؟
كشر وجهه ساخراً : " أعرف فيرن . . والقوة المطلقة هي الطريقة الوحيدة لإيصاله إلى هناك " .
كان غريفت قد وصف لها ( غرين هاوس ) لكن حين شاهدته فعلاً , أحست أنها تمر بتجربة لن تنساها . . بناه أول الوافدين من إنكلترا إلى البهاما من آل هوفمان عام 1800 . . والمنزل منسجم بشكل متكامل مع حدائق غناء وغابات ضخمة ملتفة حوله . جزر البهاما من أكثر البلدان التي جادت عليها الطبيعة بالجمال , وفى الواقع كان كل نوع من النباتات التي تنمو في تلك الأرض مزروعاً بكثرة في تلك الحدائق المتألقة . لذا خطف منظر المنزل القابع وسط مساحات واسعة من أشجار الأناناس أنفاس إيدن .
كان الطريق المؤدى إليه يمر عبر طريق عريض مغبر , تحدق به أنواع غنية بالألوان والعطور . شعرت وهى في الطريق إلى منزله وكأنها في حلم جميل . عندما أوقف غريفت السيارة أمام المدخل مال برأسه إلى الخلف يسنده إلى المقعد ثم تنهد برضي تام :
-بيتي...ما أجمل البيت!
في صوته شيء ما جعلها تعتقد أنه لا ريب أخيراً عائد إلى بيته مهما أدعى قدرته على الاستقرار في مكان آخر , ومهما كانت خططه للمستقبل , للانفصال عن شقيقه وخططه .
-إنه مكان جميل . ! . .
التفت إليها مبتسماً مردداً : " إنه مكان جميل. . . "
ثم ترجل من السيارة ينظر إلى المنزل القديم المدفون تقريباً تحت أزهار معترشة وردية اللون . التفت إليها فجأة , وكأنه تذكر أنه ليس وحده :
-لم أدرك مدى اشتياقي إلى منزلي القديم .
كانا يجتازان مدخلاُ مسقوفاً حين انفتح باب المنزل الضخم تطل منه إمرة سوداء ضخمة :
-غريفت! كنا نتوقع وصولك منذ وقت. . . أين كنت ؟ ظنناك تهت!
كان صوتها مرتفعاً وتتكلم بلهجة أهل الجزيرة , وهى لهجة تعسر على إيدن فهمها . لكن البسمة العريضة , والوجه المبتهج دفعا ثقتها بنفسها إلى الأعلى . . سمعت المرأة تكرر بطريقة أليفة :
-أين كنت ؟
-علفنا في زحام السير باثي . . ما أروع العودة! أين الآخرون ؟
-سيد فيرن في الصالون , والسيدة هوفمان في غرفتها .
-أهي غاضبة أم تتدلل ؟
هزت المرأة نفسها مؤنبة :
-أنت تعرف أن رؤيتك ستسرها .

سيريناد 23-02-20 07:53 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
راحت إيدن تتأمل الردهة الداخلية الأنيقة ذات الطراز القديم. كانت الغرفة باردة والفضل يعود جزئياً إلى الأرض المبلطة وإلى الجدران البيضاء الملساء الخالية من الزخرفة التي تتدلى منها لوحات , إضافة إلى شجرة نخل خزفية تقف على قدمي درج حجري ملتف أنيق , أما الأثاث الوحيد الذي كان فيها فطاولة صغيرة عليها هاتف وكرسيان من الخيزران .
قال غريفت لمديرة المنزل الناظرة إلى إيدن بفضول :
-باثي . . لقد اصطحبت خطيبتي للقاء العائلة , ألا ترينها جميلة ؟ اسمها إيدن , إيدن كاريستر . . وأنا مجنون بحبها!
هزت العجوز يدها بوقار , ثم عادت إليها ابتسامتها الودود :
-آنسة ( كاريستر ) ستحبين الإقامة هنا .
ثم التفتت إلى غريفت , تحثه على الدخول :
-لا ريب أن الجميع علم بوصولك لذا من المستحسن أن تدخل قبل أن يخرج السيد فيرن إليك .
تردد غريفت لحظات وكأنه يحضر نفسه لرؤية أخيه , وهذا ما بدا لها غريباً .
-فلنذهب .
اجتازا الردهة ويده لا تبارح خصرها . عندما أصبحا أمام ما أشير إلى أنه ( الصالون )عانقها بسرعة ثم أدار مقبض الباب وعيناه لا تفارقان وجهها فكاد يصطدم بشخص خارج من الباب .
-فيرن!
لم يكن هناك مجال للخطأ في مدى سعادته , ف...هم سببه . أيعود إلى لقائها بفيرن هوفمان , أم للقلق أسباب أخرى . لم يكن فيرن وسيماً بهي الطلعة كغريفت . لكن له جاذبية مدمرة , يزيد من قوتها الغامرة ثقته بنفسه ونضوجه إضافة إلى قسماته البارزة التي هي أكثر تأثيراً من جمال القسمات .
كان طويلاُ بشكل فريد , فطوله يتجاوز المئة والثمانين سنتمتراً , أما جسده فنحيل قوى رياضي , على وجه أدق , رشيق رشاقة قط برى , ففيه لمحة قوية مستترة مؤثرة وفعالة . كان يرتدى سروالاً رمادياً فخماً وقميصاً عاجياً , يتناقض مع شعره البني الشبيه بلون خشب الماهوجنى مع قسماته الشديدة الاسمرار , كان كل شيء فيه أقل رسمية مما توقعت .
سمعته يقول وعلى شفتيه شبه ابتسامة :
-لا أعتقد أنني رحبت بك جيداً في ( غرين هاوس ) , اعذريني إيدن . . لكما تهاني .. أهنئك غريفت فإيدن ليست كما توقعت .
مع أنه كان يخاطب أخاه إلا أنه لم يرفع بصره عنها. فحارت في ما إذا كان عليها أن تفهم شيئاً من تعليقه ولكنها أخيراً ابتسمت فهي في بداية الطريق وليس عليها القبول بأية معارضة قد يفرضها فيرن هوفمان . . . ففيه أكثر من لمسة تعجرف مقيتة لنفسها ولكنها عادت فنظرت إليها على أنها جزء مكمل لجاذبيته الفريدة .
قال لغريفت :
-أعتقد أنه يمكنني تقبيل العروس فأنا أخو العريس .
كانت على وشك الجلوس . . فحبست أنفاسها غصباً عنها . . أما غريفت فقطب جبينه ولكنه هز رأسه موافقاً . . أمسكها فيرن من ذراعها وأدارها لتواجهه , فنظرت مباشرة إلى عيني فيرن هوفمان الرماديتين اللامعتين برهة قبل أن يجذبها إليه . كانت لمسته لها مؤثرة تأثيراً خطيراً , ذلك أنها أحست عبر رقة حرير قميصها أن بشرتها تلتهب وأحاسيسها تتدغدغ ونبضاتها تسرع بطريقة غير عادية .
-هل تمانعين ؟
لكنه لم يترك لها الفرصة للرد قبل أن يعانقها بطريقة لطيفة حميمة مذهلة غير متوقعة. لم يهدف عناقه إلى إسعادها بل إلى معرفة ردة فعلها . تذكرت إيدن ما قاله غريفت عنه وعن مغامراته العاطفية , ثم تراجع عنها بهدوء معلقاً :
-لا . . . أنت لست كما توقعت !
أحست أنها غير واثقة من مشاعرها, فحاولت تغطية هذا بجو من الثقة بالنفس . . فقالت له :
- تسرني موافقتك علىّ سيد هوفمان . أعترف أنني كنت أخشى أن ترفضونني لأنني نزلت عليكم من غير سابق إنذار .
-ألم تتوقعي أن نرحب بك ؟ لا أدرى ما الذي أعطاك هذه الفكرة , فكيف لا نعامل ضيفة حلت بنا بطريقة حارة وهى خاصة خطيبة غريفت . أعتقد أن غريفت بالغ قليلاً .
أنكر غريفت بسرعة :
-لم أبالغ بل أعطيتها فكرة عما قد ينتظرها . وهذا حقها . وعلى أي حال أنت حين لا يناسبك شيء ما مدع متكبر .
نظر إليه فيرن بحدة فأشاح غريفت نظره عنه بعدما تضرج وجهه قليلاً .
-أعتقد أنك محق . . ( قال فيرن)
ثم صب من جديد اهتمامه على إيدن مشيراً إلى مقعد خلفها مباشرة :
-رجاء اجلسي إيدن . . ولا تأخذي تحذيره على محمل الجد . أؤكد لك أننا لسنا كما صورنا لك .
عندما جلس غريفت أيضاً وجدت إيدن نفسها بينهما .
-هل ستتأخر جدتي في النزول ؟ أود الخروج للتأكد من ليون لن يخدش طلاء سيارتي الجديدة .
نظر إليه فيرن والسخرية بادية في عينيه :
-أما زلت تخشى الجدة ؟
أحست إيدن بالغضب من فيرن لكن غريفت أجاب بشجاعة لم تكن تتوقعها .
-أنت تعلم أنها ستغضب لأنني فشلت في نيل درجات جامعية فيرن . . وهى دون شك لن تتوانى عن توبيخي حتى أمام إيدن! لذا يستحسن أن أمهلها وقتاً حتى تهدأ .
سأله فيرن بهدوء :
-وماذا عن إيدن ؟ هل ستتركها تقابل الجدة وحدها؟
- لن تكون وحدها فأنت معها ثم إنني ذاهب فقط للعناية بسيارتي . . وقد أعود قبل أن تنزل الجدة. . هل أخطرتها بخطوبتنا؟
وقف وهو يتحدث يفرك يديه لحظات , فرد عليه فيرن ببرود يتناقض مع توتر غريفت :
-طبعاً . . فرسائلك وُجهت إلينا في آن واحد ولم يكن فيها في الأشهر الأخيرة إلا أخبار عنك وعن إيدن , وهذا يعنى أنك ما كنت تحاول إبقاء الأمر سراً !
-لم أكن أحاول . . . وكيف تقبلت الأمر ؟
-وهل هذا مهم ؟
خفق قلب إيدن لما قرأته بين السطور , فالجدة الأرستقراطية المتسلطة لم توافق عليها . . رد غريفت :
-أنت تعلم جيداً أنه مهم جداً . . فإيدن ستعيد النظر بشأني إذا ما راحت الجدة تلعب دور السيدة الإنكليزية المتكبرة . ستصعب علىًّ الأمور إن لم تعجبها إيدن !
-لا أعرف ما قد يدعو الجدة , أو أي شخص آخر إلى عدم الإعجاب بإيدن .
حول نظراته الرمادية الباردة إليها فانزلقت ببطء على قسماتها باهتمام واضح , جعل وجنتيها تتوردان وقلبها يخفق بين جنبيها . ثم أكمل متمتماً يهزُّ رأسه :
-ما من سبب أبداً .
سمعت غريفت يصدر صوتاً كأنه الضحك :
- ما الجدة برجل وهذا يعنى أن إيدن لن تؤثر فيها كما أثرت فيك أنت . أنت تعرف كيف تنظر إلى من هو غير إنكليزى .
رد فيرن بنفاذ صبر :
- كان عليك إذن أن تفكر في هذا فتختار فتاة إنكليزية! بالله عليك دعك من الاعتذار أمام إيدن , فهذا ليس إطراء !
جلست إيدن تفكر في الموقف محرجة . . والغريب أن غريفت هو من سبب هذا الإحراج , فلقد بدا أقل فهماً لمشاعرها من أخيه . أخيراً قالت بصوت أجش :
-إذا كان وجودي سيسبب مشكلة أستأجر غرفة في فندق .
أكد لها فيرن بحزم :
-لن تفعلي شيئاً كهذا . . أذهب وأبعد سيارتك , وسأعتني بإيدن .
لاحظت إيدن عبوس غريفت الشديد حين ذكر فيرن ( اعتنى بها ) , وكادت تعترض على هذا أيضاً .
-أعتقد أنك قادر على هذا .. لكنني أفضل مقابلة الجدة أولاً ثم أنتقل بعد ذلك إلى السيارة .
لم تصدق أن فيرن كان يضحك , لكنه لوح بيده مستهزئاً وهز رأسه :
-أوه . . أنت وتذمراتك المرتفعة الصوت . اذهب واعتن بسيارتك الثمينة . . ولا تقلق بشأني !
- لست مطمئناً !
لمعت عينا فيرن ضحكاً مجدداً . ثم نظر إلى إيدن الجالسة ويداها في حضنها دليل رفضها أن تكون مثار خلاف . ولكن ما أزعجها أن تترك بصحبة فيرن الذي ينظر إليها هذه النظرات , فعيناه على وجهها المتورد كانتا تتحديان . . . سألها بصوت ناعم منخفض أرسل رعشة غير متوقعة إلى أوصالها :
- أمتوترة أنت بسبب بقائك معي ؟ غريفت يعرفني جيداً . . . فلم يحدث أن لجأت إلى الاهتمام بالأطفال . . . اذهب وأعتن بسيارتك ودعك من لعب دور الخطيب الثقيل الظل

سيريناد 23-02-20 08:00 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
دهشت إيدن حينما تخلى غريفت عن النقاش قائلاً لها بحزن : -لن أتأخر حبيبتي . . ستكونين على ما يرام حتى أعود . لم يكن مجدياً أن تطلب منه البقاء, أو الذهاب معه . حين أقفل غريفت الباب خلفه , مال فيرن إلى الأمام ليأخذ سيكارة من علبة على الطاولة بينهما . لم يعرض عليها التدخين , بل نظر إليها بعينين ضيقتين عبر الدخان الذي تصاعد فغطى نصف وجهه . . قال برقة و بابتسامة خفيفة توحي بأنه يعرف ما تشعر به بالضبط : -أنا لا أعض . . خاصة في مثل هذه الظروف . ما زالت إيدن غاضبة منه لأنه قال لأخيه إنه لا يهتم بالأطفال . فشمخت بأنفها الصغير المستقيم : - سيد هوفمان . . . لكنه قاطعها بهدوء ( فيرن) ترددت إيدن أمام اسمه الأول لأنها وجدته مثيراً للاضطراب , فقالت وهى ترفع حاجباً بنياً واحداً : - أتساءل ما إذا كان على الذهاب مع غريفت . - لا أرى سبباً . إن جدتي قادمة وهى ستنزعج إن وجدتكما تهربان منها . إنها عجوز قديمة الطراز إيدن . . وربما يراها بعض الناس متسلطة , لكنها سيدة رائعة ونحن نحبها . وغريفت مولع بها مثلى وإن قال العكس . لكنه يتظاهر بعدم الاكتراث . ثمة أمر آخر : يستحسن أن تناديها بالسيدة هوفمان لأنها لا تحب إلغاء الرسميات . -سأحاول أن أتذكر هذا .
خفق قلبها حين انفتح الباب , أما فيرن فهب على قدميه برشاقة ذكرتها بالقط البرى . -آه . . جدتي . .. ! تقدم إليها واضعاً يده تحت ذراعها , إنما دون أن يمسك بها فعلاً , فعلمت أن السيدة هوفمان تحس بالاستقلالية . بدت للوهلة الأولى طاعنة في السن . وجهها صغير متجعد , وعيناها قاتمتان حادتان , فيها مهابة تفوق ما وصفه غريفت , لكن حولها جواً من الدفء لم يذكر عنه شيئا . أدركت إيدن أن العجوز التقطت توترها , وتعاطفت معه . . قالت : (فيرن) ! كان حثها لحفيدها حاداً , فأسرع يتدارك الأمر متجاهلاً تماماً حدة الأمر الذي تلقاه . ابتسم وهو يمد يده لإيدن , رابطاً أناملها بأنامله بخفة ناظراً إليها بإمعان قبل أن يشدها لتقترب من العجوز , التي احتلت مقعداً كان يجلس فيه . قال بصوته الرخيم الهادئ : -جدتي . . . هذه إيدن كاريستر , خطيبة غريفت . . إيدن هذه جدتي . . مدام هوفمان . -امتدت يد صغيرة بطريقة تشير إلى الفخامة , فتساءلت إيدن عما إذا كانت تتوقع العجوز منها أن تقبلها لها أم تصافحها بطريقة عادية أخيراً , لامست الأصابع النحيلة مبتسمة : -كيف حالك سيدة هوفمان ؟ دفئت العينان القائمتان قليلاً . -أهلاً بك في (غرين هاوس ) آنسه كاريستر . . أنت أمريكية على ما أعتقد ؟ نجحت العجوز في إبراز هذا وكأنه اتهام لكنها لم تكن عدائية لها . ومع ذلك تمردت روحها الاستقلالية ضد ما يشير إلى أنها قد تكون غير مرغوب فيها بسبب جنسيتها فكان أن شمخت بأنفها : -هذا صحيح مدام هوفمان . -وفخورة بها كما أرى ! لمعت العينان القاتمتان وكأن صاحبتهما لا تغضب من التحدي , ولعل هذا ما يجعل العجوز تفضل فيرن على غريفت . . . وقالت : -ليس هناك ما يجعلني أخجل بجنسيتي سيدتي . هزت المرأة رأسها . ووافقت هزة الرأس بالقول : - لديك جرأة . إنك نوع من النساء ما ظننت غريفت قد يعجب به يوماً . . أنت حمراء الشعر , وهذا يعنى أنك تنفجرين كالصاروخ حين تغضبين .

سيريناد 23-02-20 08:02 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
-ليس دائماً سيدتي . فأنا عادة لطيفة الطباع , إلا في بعض الحالات . -هل طلب حفيدي يدك ؟ -نعم سيدتي . -أعتقد أن شعرك الأحمر طبيعي ؟ احمر وجه إيدن مجدداً ورفعت ذقنها بكبرياء : - إنه كما خلقه ربى سيدتي! مال فيرن فوق مقعد جدته , وقد إلتمعت في عينيه التسلية . بدا أن العجوز تستمتع بالحديث , ذلك أنها التفتت تنظر إليه سائلة : -والآن . . أين حفيدي الآخر ؟ نظرت إيدن إليه لتسمع رده , فابتسم لها : - خرج ليتأكد من أن ليون لم يخدش له طلاء سيارته الجديدة . لن يتأخر جدتي . أطلقت إيدن تنهيده داخلية وهى تستوي في مقعدها , فقد سمعت وقع خطوات غريفت في الردهة : -أظنه قادماً . دخل الغرفة مسرعاً متوجهاً إلى العجوز : -جدتي ! كيف حالك ؟ قبلها على وجنتيها , فأمسكت العجوز به على امتداد ذراعيها وقالت له : -أنا بخير! لقد كبرت وأصبحت شبيهاً بأمك . أنت في غاية الوسامة , وهذا لصالحك . . . إنما ليس مريحاً لبال الفتيات الغبيات اللواتي يجرين خلفك . إنها المرة الأولى التي ترى إيدن فيها غريفت على هذه الدرجة من الارتباك فتساءلت كيف سيتصرف ثم راحت تتأمل وجهه يتضرج ولكنه تمسك بما لديه من شجاعة ليبتسم لإيدن ويمسك يدها ويقول : -إنها فتاة واحدة . . وهى ليست غبية , إنها جميلة وذكية . -إنها فعلاً جميلة واثقة من نفسها أما ذكاؤها فلن أحكم عليه حتى أعرف إلى أي حد تغيرت أنت . رد بحذر ويده تشد يد إيدن بقوة : - لقد تغيرت . . . قليلاً . - مع ذلك , عدت إلى الوطن دون درجة جامعية واحدة تضيفها إلى اسمك . . وهذا ما لا أدعوه بالذكاء غريفت . . بل أدعوه هدر وقت ومال . . على أي حال . . ليس هذا بالزمان والمكان المناسبين للكلام في هذا . على الأقل كنت عاقلاً في اختيار فتاة تحمل روحاً جيدة وثقافة لا بأس بها . . والآن متى ستتزوجان ؟ دهشت إيدن عندما رأت ارتباك غريفت الذي لم يرد على الفور كما توقعت . لذلك أخذت على نفسها توفير الرد : -لم نقرر شيئاً بعد مدام , ولا داعي للعجلة . أخذت العينان الحادتان السوداوان تنتقلان من الحفيد إلى الآخر وهى تهمهم , ثم هزت كتفيها النحيلتين بطريقة أنيقة . - لا أدرى شيئاً عن هذا , أيتها الشابة . أخيراً وجد غريفت صوته : -سعيدان بما نحن عليه لذا لسنا على عجلة من أمرنا . أليس كذلك حبيبتي ؟ تمتمت إيدن شيئاً , غير مفهوم , غير واثقة مما قد تقول . لكنها أحست بالامتعاض حينما ضحك فيرن هوفمان بهدوء , وانزعجت أكثر حينما شعرت بعينيه الرماديتان تصبان عليها الاهتمام .

سيريناد 09-06-20 11:16 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل الثانى

ستندمين

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif


قالت إيدن مشيره إلى تأثير الجدة في غريفت :
-أتعلم أنا معجبة بها , مع أنها طاغية لا تقاوم.
اعترف متجهما .
- كنت أخشاها وأنا صغير.
كانا يسيران في الحديقة بعد الغداء, وذلك بعد يومين من وصولهما إلى الجزيرة.
-عاشت هنا دائما. لقد أتت إلى الجزيرة عروس وبقيت فيها حتى تزوج أبى زوجته الأولى, والده فيرن, والآن مات الجميع, أمي وأبى وأم فيرن , بقيت جدتي.
-إنها عجوز جدا؟
هز غريفت رأسه:
-في السادسة والثمانين, وقد تبلغ المئة, لا تفهمي من قولي انني لا أريدها أن تبلغ المئة بل أشير إلى قدرتها الفريدة على الاحتمال.
-إنها امرأة ارستقراطيه.
-كانت , وليس مسموح لأي منا خاصة أنا أن ينسى أن عائله هوفمان من العائلات الارستقراطية.
-لماذا خاصة أنت؟

حيرها اتخاذه دائما موقف الدفاع, فتساءلت عن السبب....
لم تجد فرقا كبيرا في تصرفات السيدة هوفمان حين تخاطب حفيدتها, فارتابت في الأمر, ترى أيكون لأم غريفت علاقة بالأمر؟ هذا ما عليها أن تتأكد منه..امسك يدها بقوه, فبدا ما يقوله بحاجه إلى تفكير.... أخيرا قال:
-لم تكن أمي الخيار الأمثل بالنسبة لجدتي. فقد كانت تعمل في قسم الإنتاج في مصنع هوفمان حين جذبت اهتمام أبى, كانت حلوه, جميله حقا, لها عينان زرقاوان واسعتان وشعر أشقر كثيف, اعتقد أن أبى كان رجلا قويا فاحتاج إلى امرأة. ولقد عانت والده فيرن قبل زواجه بأمي بسنوات, وكان يحس بالوحدة, على أي حال, حين عرف أنني قادم ,قام بما رآه صوابا فتزوج أمي ,لكن جدتي لم تسامحه أبدا على فعلته
- لماذا لم تسامحهما طالما السعادة ثالثهما؟
تصورت الضربة التي تلقاها كبرياء العجوز حين تزوج ابنها بموظفه وضيعة النسب.....وأجاب غريفت:
-أوه لقد كانا سعيدين حقا,وربما هذا ما اغضب الجدة. ثم ومنذ سبع سنوات قتلا وذلك حينما كانا مسافرين لحضور حفله. يومذاك اصطدما بشاحنه.
- كانت الحادثة مريعة لا ريب
ضغطت على يده تعاطفا, فنظر إليها لحظه قبل أن يستجمع نفسه, ويبتسم بخشونة:
- حسنا .... كنت في السادسة عشر يومذاك وكانت الحادثة شديدة الوقع على ولكنها أيضا كانت شديدة الوقع على فيرن الذي كان متعلقا بوالدتي.
اعتقد إنني لولاه لعشت حاله فلتان, لقد تولاني وفرض على الانظمة , وبما انه اكبر منى بكثير استطاع الإمساك بالزمام. كانت أمي تريد ان أتلقى تعليمي في جامعه كبيره. لذا دفعت أبى إلى أن يعدها بإرسالي إلى أمريكا إذا علامات مناسبة....فكان إن دفعني فيرن للعمل لأكسب مكانتي, ولعل ذلك أفضل ما فعله بى.
-إذن هو ليس سيئا؟
- فيرن؟ ليس سيئا.... انه .... متعجرف قليلا في بعض الأوقات....في الواقع انه ارستقراطي حقيقي.
- حسنا .... وأنت ألست ارستقراطيا؟
- لست مثله, فقد اختبرت والدته بدقه وكأنها فرس أصيله نظرا لأصلها وجمالها ولتحدرها من عائله رفيعة المستوى, كانت الزوجة الكاملة لأبى. ولقد توجت انجازاتها حين قدمت لأبى الابن الضروري بعد أقل من سنه.
- فيرن؟
هز رأسه نفيا:
لا .... إنما روجر... كان اكبر بسنتين من فيرن, مات وهو في السابعة عشر . كنت في الرابعة يومذاك, لكنى اذكر أن موته كان شديدا على جدتي التي راحت ومنذ ذلك اليوم تعامل فيرن وكأنه أثمن شيء بالوجود.
أحست أن سبب مرارته هذه هي حاجته إلى جدته وحبها.
- من يسمعك يعتقد انك تكرهها ولكن ذلك غير صحيح.
الضحكة التي ارتسمت على وجهه ردته إلى طبيعته التي عرفتها.


- أنا أحب العجوز ولكنها تخيفني.
أكدت له:
- وهذا ما حصل.... أنت تحب (غرين هاوس) أليس كذلك؟
-أعتقد إنني أحببته دائما, لكن هذا لا يعنى أنني لن اتركه حين يحين الوقت.
- لكن أن تشتاق إليه؟
طبعا ....لكن هذا أمر طبيعي, وسيبقى بيتي لو أردت يوما العودة إليه. ليتك ترين المنزل على حقيقته دون وجود الجدة التي توترك.
- لست متوترة .... يعجبني المنزل, وتعجبني الجدة. لماذا ترتعب منها؟
- تبدين مثل فيرن.
- أوه ... لست مثله أبدا !
- لماذا اشعر انك لا تحبينه كثيرا, اعتقد انه يتصرف بطريقه ارستقراطيه قليلا وبقسوة أحيانا حين يريد تنفيذ أمر ما يريده ولكن لا بأس به.
- أوه .. طبعا . لكنى متوترة منه قليلا, فهو كما قلت متسلط أكثر من اللازم, وأنت تعرف شعور من يلتقي بمعارف جدد !
- لكن اللقاء بمعارف جدد لم يكن يزعجك من قبل. . . فلماذا فيرن؟
- أوه. . . لا أدرى . . . الأمر فقط. . .أنه. .
عضت على شفتها مترددة وهزت رأسها ضاحكه لتقطع تتمه الجملة , فلن ينفعها إن علم غريفت أنها تجد أخاه برغم تسلطه جذابا للغاية.

كانت في الواقع قد بدأت تتمنى لو أنها لم تلزم نفسها بقضاء الصيف بأكمله هنا, فثمة عناصر عديدة مزعجه. لقد توقعت أن تستغرب الألوان والشمس الاستوائية, ولكنها وجدت العامل البشرى هو الغريب وفيرن هوفمان سيد من يوترها.
بعد أسبوع على وصولهما وفيما كان الجميع متحلقين حول مائدة العشاء أثار فيرن مسألة انضمام غريفت إلى شركه هوفمان. كان الموضوع حساسا ولكن غريفت عوضا عن التعاطي معه بحذر سارع إلى القول بجسارة أنه لا ينوى الانضمام إلى المؤسسة أبدا .
رفع فيرن رأسه ليحدق إليه , لكن السيدة هوفمان كانت أول من ابدي دهشته, لذا جاء صوتها القوى رنانا مشبعا بالسخط:
- ماذا تقول يا ولد ؟ ألا تريد الانضمام إلى مؤسسه هوفمان ؟
ابقي غريفت عينيه منخفضتين:
- اعتقد أن هذا يلخص ما قلته .
- هكذا إذن !
كان رأى العجوز واضحا , أما رأى فيرن فلم يعرفه أحد لأنه ظل صامتا بعض الوقت ينظر إلى غرفت بثبات ويده على كوب العصير أمامه وقسماته السمراء لا توحي بشيء , بعد قليل قال بهدوء:
- اعتقد أنك فكرت في الأمر مليا.
وليزداد توتر إيدن , التفتت إليها بعينيه الرماديتين, وكأنه يشير إلى انه يعرف أين يضع اللوم لتحول أخيه غير المتوقع .

أجاب غريفت:
- اجل لقد فكرت في الأمر مليا.
رفع فيرن كأسه فارتشف منه عده رشفات منه ببطء , أما إيدن فجلست متعجبة من سيطرته على نفسه , فهو لم يلوم شخص باتهاماته جزافا ولم يفقد أعصابه , بل قال بهدوء:
- إذن هناك ما يجول بذهنك.
نقل عينيه إلى إيدن مره أخرى بعينيه الضيقتين , ونظر غريفت إليها قبل أن يرد.
- سأقوم بما أجيده.
- أوه؟
كانت لعبه تشبه لعبه القط والفأر, ولكنها أحست بأن لفيرن اليد الطولي في هذه اللحظة.
- أريد ان أصبح موسيقيا.
بدا كأنه تلميذا صغيرا ساذج , لذا لم تستغرب حين التوى فم فيرن بابتسامه,وقال:
- أوه....صحيح؟ وماذا أو من وضع تلك الفكرة في رأسك؟
في كلامه مغزى وشك فيها, أرادت أن ترد ولكن غريفت سبقها إلى ذلك رافعا أنفه عاليا ناظرا إلى أخيه متحديا .
- دعك من هذا الهمز واللمز.... الفكرة فكرتي وحدي.
ليته فقط يتوقف عن النظر إلى إيدن .


- أوه.... ها...! وماذا يفترض بإيدن أن تفعله أثناء تسكعك؟
تضرج وجه إيدن على هذه الإهانة فقالت باحتجاج:
- ليس لكلامك مبرر... أنت لا تعرف حتى ما هي الموسيقى التي يفكر فيها غريفت !
- أوه... وهل تعرفين أنت؟
هزت رأسها نفيا.... فلم يفض لها غريفت رغبته إلا بأن يصبح موسيقيا, أما نوع الآلة التي يريد العزف عليها فلم يذكرها.
- لم نتناقش في هذا الأمر مطلقا . لقد عرفت بخططه قبل سفرنا بقليل , وكان أمامي ما يشغلني عن طرح الأسئلة.
- وهل ستتزوجين رجلا لا تعرفين حتى ذوقه في الموسيقى ؟
دفعت سخريته التورد إلى وجنتيه.
- ما كان الأمر مهما ... كنا نحضر مسرحيات فقط.
نظر إليها فيرن تلك النظرة الثابتة المثيرة للاضطراب. فشعرت بأنها أخطأت في الرد عليه.
-ربما يكون غريفت اذكي مما أتصور . يبدو أنه لم يظهر ولعه بموسيقى البوب خشيه ان تبتعدي عنه.
- ما كنت لأبتعد لسبب كهذا .
قال بصوته الهادئ المدمر:
- حين ترك المنزل كان مولعا بالعزف مع فرقه, وكنا نأمل بأن يكبر ويتخلى عن الفكرة ويشغل فكره بأشياء أخرى , ولكننا كنا مخطئين, وهذا أمر مؤسف, فعازفو الغيتار" الدزينة بعشره سنتات " وهم كثر في الجزر

, فهل أنت على استعداد لأن تعيشي متشردة على الشواطئ, تجوعين على أمل أن يصل يوما إلى القمة؟
صاح غريفت محتجا قبل إيدن:
- رويدك... لن يجوع أحد.... ولماذا أجوع؟
رد فيرن بصراحة قاسيه:
- لا تتوقع أن تمول مؤسسه هوفمان ميولك الفنية , وحذار أن تتوقع من الشركة فلسا واحدا ما لم تعمل فيها .
بدا غريفت نادما على إبداء نواياه , متمنيا لو احتفظ بالأمر حتى فرصه أخرى ملائمة, لكن الوقت فات, وفيرن سيكون دون رحمه في معارضته, وبما أنها تعرف غريفت جيدا توقعت أن يكون إذعانه مسألة وقت فقط,
قال غريفت:
- لدى مالي الخاص الذي ورثته عن أبى وعليه لا أجدني بحاجه إلى مال الشركة!
ضحك فيرن ضحكه قصيرة فقط.
إرثك يأتي من نفس المصدر وليس هو بمنه من الله لذا عليك العمل حتى تعيل نفسك.
عبس غريفت وبدا نادما مره أخرى على هذا الجدال , فقال غاضبا:
- إذن لا أريد ذلك المال اللعين! سأتدبر أمر بدونه.
- و إيدن؟
أحست إيدن بتضرج الدماء إلى وجنتيها خاصة بعدما أصبحت مراقبه من قبل العينين الرماديتين, لكنها لم ترفع نظرها إليه .... قال غريفت:

- إيدن تفهم ما اشعر به.
رد فيرن بهدوء ساخر :
- هذا ما تظنه أنت إنما هل هى مستعدة لقبول ما تجنيه من عزف الغيتار؟
هذا إذا وجدت فرقه تعمل معها, أو ناديا ليليا يحتاج إلى عازف غيتار في الحانة , أم تراك تفكر بأن تعمل إيدن لتعيلك وتعيل نفسها؟
صاح غريفت ساخطا:
- أوه .... بالله عليك .. أنا لست مفلسا فأنا حتى بدون مال هوفمان قادر على تدبر أمري.
قال فيرن
- ألاحظ انك قلت " تدبر امري"
هز غريفت رأسه :
- هذا شأني وحدي ... اللعنة! دعك من هذا الأمر.
ولدهشتها هذا ما فعله فيرن , فقد هز كتفيه وصب اهتمامه على الطعام, اما غريفت فجلس بعض الوقت مرتبكا, وخلال ذلك عم الصمت على المائدة وصب فيرن نظرات متهمه على إيدن... كانت إيدن قد وجدت صمت السيدة هوفمان أثناء المناقشة غريبا... ثم استنتجت أن العجوز أن حفيدها الأكبر قادر على تولى الأمر.
عندما انتهى الطعام أخيرا , وغادروا المائدة , تبادلت السيدة العجوز بضع كلمات مع فيرن, ثم استدعت غريفت إليها, تطلب منه التنزه في الحديقة... لم يكن من السهل رفض طلبها لكنه فضل لو يخرج مع إيدن التي نظر إليها عاجزا حين تمسكت العجوز بذراعه قائله:
- فتاتك ستكون آمنه غريفت.
قادت مرافقها إلى الحديقة. وأكدت ابتسامه فيرن البطيئة شكوكها , فأرسلت قشعريرة في أوصالها.... استخدم فيرن يده ليشير لها بالجلوس مره أخرى , لكنها هزت رأسها رافضه, وارتدت على عقبيها قاصده أبواب الشرفة الزجاجية كأنها تود الهرب.
- أود التنزه قليلا....بعد هذه الوجبة.
- ابقي هنا.
كانت العبارة برغم نعومتها أمرا, وما زاد الأمر قوه , وضع يده بخفه على ذراعها العارية, استحوذت عيناه على عينيها حين رفعتهما إليه, لكن حركته هذه جاءت قاسيه كعينيه.
- لن أكلك ... أريد محادثتك .
حاولت التحرر من قبضته قائله :
- لا أريد محادثتك.
ابتسم فيرن ورد بهدوء وقال " خيبت أملى بك"
نظرت إليه ثانيه بارتباك وهى تتمنى لو كان اقل جاذبيه, هو ليس وسيما كغريفت,لكن جاذبيه غريفت يسهل التعاطي معها أما جاذبيه فيرن فأقوى وأكثر فعاليه بحيث يصعب مقاومتها.
كان يرتدى بذله خفيفة وقميصا ازرق شاحبا يضفى على عينيه الرماديتين بروده ثلجية. لكن كانت تخيم على برودتهما دلائل قوه كامنة في كل تحركاته ورشاقته البدائية المثيرة... انه اخطر من أي رجل التقطه من قبل, وقد تجاوبت معه بطريقه أزعجتها.

سيريناد 09-06-20 11:17 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
ومع ذلك ارتدت قناع الجرأة, ونظرت إليه مباشره, ولكن نظرتها هذه زادتها اضطرابا فعادت تشيح بوجهها وقالت له بصوت أجش :
- أظنني اعرف ما تود قوله , لكنى اعلم أنى ارفض التباحث بشئون غريفت فى غيابه ...لقد تآمرت أنت والمدام حتى يبتعد!
كانت يبتسم وعيناه تسخران من سذاجتها.
- أو لاحظت ذلك؟... حسنا لن أنكر أننا ناورنا لنصل إلى ما نريد. . .
- ماذا تريدان.؟
- حسنا ...هناك ما أود قوله لك ... ولكنى لم استطع قوله أمام غريفت.... ولو عرف به لأفتعل ضجة!
- وله كل الحق في أن يفتعل الضجة , وأظنك تود محادثتي عن رغبته في العمل موسيقيا عوضا عن العمل في مؤسسه العائلة .... ولا أعترض على ذلك بل اعترض أن تحدثني من وراء ظهره.
مط فيرن شفته السفلى قليلا , ونظر إليها بثبات , ويده ما تزال على ذراعها.
- كلامك ساذج وأراك أيضا ساذجة. ألست كذلك إيدن؟
- فكر كما تريد. فلن أتحدث عنه , أو عن خططه إلا إذا كان موجودا ليعرف ما يقال عنه.
- ظننتك العكس.
كانا يقفان داخل الأبواب مباشره. الريح الخفيفة حركت الشعر على عنقها, وحملت معها عبيرمن رائحة الحديقة خاصة عبير الزهور الوردية وعبير زهره "كأس العسل" المعترشة تقريبا حول المنزل كله. كان المنظر غريبا وجميلا بحيث لا يجوز إفساده في جدال عائلي.

.. ندمت إيدن لأنها مضطرة إلى مقابله هذا الأخ القاسي القوى الإرادة.
ارتفعت اليد الممسكة إلى ذراعها الباردة فراحت تجول جيئة وذهابا مثيره فيها دغدغه بطيئة. ثم ثبت نظره إلى عينيها عده لحظات قبل أن تلامس شفتيه ابتسامه بطيئة مدمره.
- هل دفعته إلى هذا؟
التفتت إليه بسرعة:
- لا .... لم افعل!
- كنت أتساءل فقط!
تركها ليخرج علبه سكائر من جيب سترته, فلاحظت كما حدث سابقا أنه لم يعرض عليها واحده... عندما أشعل سيكارته تعالى سحابه من الدخان الأزرق بعض الوقت فحجبت عنها وجهه ولكن ذلك لم يمنع عينيه من مراقبتها, فأحست بقشعريرة باردة على طول جسدها , انه قادر على إثارة الاضطراب بعينيه فقط, والمؤسف أن أنوثتها تستجيب له بشكل خطير.
- لكنك لا ترغبين في أن يتخلى عن مؤسسه هوفمان ...يا إيدن؟
نظرت إليه غير واثقة من ما يعنيه بكلامه, ثم بدا لها معنى واحدا لكلامه, فاحمر وجهها , ولاحت نار خضراء في عينيها وهى تقول له :
- أنت لا تعرف شيئا عن مشاعري .... أنا لست ممن يجرى خلف المال, سيد هوفمان ,لذلك لن أبالى بما يفعله في جني قوته.
- أريد أن أضعه في المكان الذي أعده له أبوه, أنه من آل هوفمان , ومكانه الطبيعي في الشركة.
- مكانه الطبيعي هو حيث يكون سعيدا.
لاحظت شده غضبه من إطفائه سيكارته وذلك قبل أن يلتفت إليها واضعا إحدى يديه على إطار النافذة قرب رأسها, كان قريبا منها جدا حتى أنها أحست بمشاعرها تلتهب بنيران يبعثها إليه قربه منها . . . دفعتها تلك الدلائل المشيرة إلى القوه الكامنة فيه إلى أن تشبهه مجددا بقط ضخم رابض على استعداد للهجوم, لذا حبست أنفاسها حين مال للأمام فجأة:
- يريد غريفت حصته من الحلوى ليأكله... يعرف أنه غير قادر على أعالة نفسه,, ناهيك عن إعالة زوجه جميله شابه تكلفه الكثير, خاصة مما يجنيه من العزف على الغيتار ... اسمعي لا أريد حتى أن يعترف بالحقيقة.. أريده في الشركة فورا وعليك أتكل في إقناعه.
توضح لها أخيرا هدفه من محادثتها على انفراد,, فنظرت إليه وهى تكاد لا تصدق :
- أنت تريد! أنت تتوقع حقا أن أحاول إقناع غريفت أن يتخلى عما يريد ليتناسب مع مخططاتك؟
ابتسم ببطء فأحست بقطع ثلج تتدحرج على ظهرها مجددا.
- ومخططاتك أيضا.... أنت أجمل من تقتفى أثره جائعة إلى أماكن قذرة.
- لم يصل الأمر إلى هذا الحد. . . لغريفت ماله الخاص .. وهو حر في أن يفعل به ما يريد.
- هل سيدوم هذا المال؟ماذا يحدث حين ينتهي ماله إيدن؟
دفعتها إلى الاحمرار تلك الابتسامة أو شبه الابتسامة المثيرة مضافا إليها نظره ساخرة طافت بها ببطء من رأسها إلى أخمص قدميها لتتوقف أخيرا على ياقة فستانها:
- أنها المرة الثانية التي تشير فيها شئ كهذا .. وأنا لا افهم كيف تصدر حكما متسرعا وأنت لا تعرفني . أسمع أنا سأؤازر غريفت وإن كان لا يملك بنسا واحدا.
أضاف بصوت ساخرا :
حتى يفرققما الموت؟
- هذا محتمل جدا!
علق مجددا بهدوء وهو ينظر إلى رأسها:
- تقول جدتي , إن حمراوات الشعر ينفجرن مثل الألعاب النارية في وقت ما .
- قل لها الآن إنها على حق.
ظل صامتا لفترة ولكنه كان قريبا جدا لدرجه أنها رأت خطوط عينيه الدقيقة, كان ينظر إليها بثبات , بعينيه الرماديتين ,الكثيفتى الأهداب التي اقترحت أشياء تفضل عدم معرفتها .. في أول لقاء بينهما أدعى أنه أرفع شأنا من الاهتمام بطفله ولكنه مهما كان رأيه بها , وبشبابها النسبي فهو يوضح دون شك انه ليس مترفعا عن اشتهاء خطيبه أخيه الطفلة.... أحست إيدن بالضعف وهى تتجنب النظر إليه . قال بنعومة :
- إذن.....ألن تتعاوني؟
كانت ترتجف لأن مشاعرها تتجاوب بإلحاح مع حيويته المتدفقة ورجولته ولكنها رغم ذلك قالت بإصرار وإن بأنفاس مقطوعة :
- لن أحاول إقناع غريفت بالتخلي عما يريده.
مد يده إليها بغتة فوضعها على خصرها وعندما راحت أنامله تضغط عليها مثيره فيها مشاعر جديدة عليها ومشعله في نفسها نيران . قال بصوت أجش :
- لو انه نصف الرجل الذي أظنه ,. لكان قلبه في اتجاه آخر مختلف.
اشتدت الأصابع ضغطها ساعية في إقناعها أكثر فأكثر بالانجذاب نحوه, والذي حدث أنها عجزت عن المقاومة...
- سيد هوفمان...
- فيرن!
خرج اسمه عميقا فشدها إليه بطريقه ردتها إلى الواقع.
- لا يحق لي تغيير رأيه.
- بل يحق لك لأنك شريكه المستقبل .. أم أراني خاطئا؟.
استردت على الأقل بعضا من رباطه جأشها :
- حسنا .... ربما .
لكن اليد القابعة على خصرها ما تزال تحاول إقناعها باقتراب منه أكثر فأكثر فأكملت يائسة :
- لكنني لن أستطيع تغيير رأيه بل يحق له أن يجد الفرصة ليثبت ما هو قادر عليه , وعليك أنت أيضا أن تدعه يثبت شيئا لنفسه .
قال بخشونة مطاطية :
- بالله عليك .. أنا لا أحاول تخريب خططه للمتعة فحسب .
-ولكنك تبدو لي عازم على تنفيذ رأيك غير مراع اهتمامات غريفت !
شاهدت إيدن بوضوح كيف اشتد ضغط شفتيه , وكيف قست يده على خصرها بطريقه مؤلمه .. فعلمت أنه يصبح مخيفا حين يفقد أعصابه .
عاد صوته يفح بعمق :
- إيدن ..... ألن تحاولي؟ ألن تساعديني على إعادة غريفت إلى صوابه ؟ لا أرجو منك إلا أن تنظري في الأمر من وجهه نظري .
امتد الزمن دقيقه تقريبا قبل أن تدرك أنها وبكل جرأه تتعرض للإغواء لتفعل ما يريد , مع ذلك الصوت الرخيم المغناطيسي , فهزت رأسها إلى الأمام والوراء لتتحرر من تأثيره .
- لا .!.... لا .!... لا .... لن افعل . . لن أدفعه إلى ما لا يريد.
سرعان ما طالعها لمعان الإعجاب بتصميمها , والإدانة لرفضها التعاون . أخذ يهز رأسه :
- إذن...ستندمان معا !
- لا ... لا أظن ذلك .
ترك يده تستقر على خصرها , ونظر إليها فتجاوب كل عصب وعرق في جسدها مع تلك النظرة . . . كانت يداها مشدودتين وقلبها خافقا بعنف حتى وجدت نفسها غير قادرة على رفع نظرها إليه , أما رأسها فأصبح يدور ويدور فسمعته يقول لها :
- ليتك لا تقاوميني في هذا, إيدن...
كاد صوته الناعم لا يكون مسموعا فوق خفقات قلبها الذي ازداد خفقانا حين وضع يده الأخرى على خصرها , وجذبها إليه .
حراره جسده النابض بالحيوية , لامستها بخفه في البداية , لكنه سرعان ما وضع كلتا يديه على ظهرها وجذبها إليه بقوه حتى أحست بعضلاته كلها , وبتوتر هذه العضلات ولكن ما أدهش عينيها فعلا هو ذلك البريق الذي غير اللون الرمادي في عينيه إلى لون قاتم عاصف ... قال واعدا بصوت هامس أجش :

- ستندمين!
لم يكن لدى إيدن من الوقت إلا ما سمح لها بسحب نفس عميق قبل أن ينقض عليها بخشونة متوحشة ... مجبرا إياها على التجاوب ... تجاوب لم تستطيع مقاومته ... كانت ذراعاه تشدانها بتوتر .. ثم امتدت يده الكبيرة لتداعب رأسها بأصابع طويلة , وتأسر رأسها باستجابة لما يريد .
- لا .... !
كانت همسه الإنكار مذعورة , فدفعته بكلتا يديها على صدره تحاول التحرر ... لكنه ظل يحتضنها بحزم... لم تكن تخشى هجومه الجسدي أو تتألم منه بقدر ما خشيت من عنفوان تجاوبها ... فيرن هوفمان رجل خطير .. هذا ما عرفته الآن . ولكن تقاربهما الحميم نسف كل مقاومه تملكها بطريقه لم تحلم بها قط , لذا عليها ألا تسمح بذلك مره أخرى .
مرت بضع لحظات قبل أن تسترد أحاسيسها المشوشة لترفعه بعيدا عنها بشكل حاسم .. كانت عيناها الخضراوين منخفضتين زائغتين ... ثم تحررت من بين ذراعيه وهرعت إلى الحديقة بساقين غير قادرتين على حملها . ..
لم تكن تدرى ما إذا كانت تريد البحث عن غريفت أو لا ذلك أن مشاعرها المشوشة لم تمهلها وقتا للتفكير السوي ...
ثمة أمر واحد هي واثقة منه أن لفيرن اليد الطولي فى النهاية .

كانت حتى بعد أسبوع على وجودها في هذه الجزيرة ما تزال مشوشة الذهن مسحورة بحدائق منزل آل هوفمن .. التي تحيط بها مساحات واسعة غنية بأشجار الأناناس مصدر ثراء العائلة .
كانت تعلم أن غريفت ما كان ليسير في الحدائق لولاها لأنه لو خير لاختار الانطلاق بالسيارة إلى مكان ما .. ولكنها اليوم تحس يرغبه في التنزه بين الألوان الرائعة , وبين العطور الذكية . . .
جذب غريفت رأس غصن معترش ضخم يتسلل بين الأشجار , فاقتطف منه زهره صفراء دسها خلف أذن إيدن اليسرى فبدت متوهجه مع شعرها الأحمر , وهذا ما أرضاه فهز رأسه إشارة إلى رضاه قائلا بابتسامه :
- هاك...هذا يعنى انك بت خطيبتي .
- صحيح .. وما هو اسم الزهرة؟
- اسمها " الاماندا". إن شئت اختاري غيرها وإن لم تعجبك فلا بأس بأخرى توضع وراء اذنك اليسرى.
- أوه.... لا.. إنها جميله.
ابتسم لها غريفت وهم يعودان إلى المنزل , فشعرت به للمرة الأولى أنه ينتمي إلى ما يحيط به من سحر ملون, ولكنه رغم ذلك بدا بعيدا عنها.
-إنها أجمل في موقعها الحالي. . . على فكره . لم تتح لي فرصه أن أسألك عما قاله لك فيرن ليله أمس؟هل أراد أن تقنعيني بالعدول عما أريد؟
- نعم... لقد طلب منى إقناعك بالعدول عن فكره احتراف الموسيقى . لكنه لم ينجح .
رد بثقة:
- هذا ما توقعته منك ...فأنا أعرف أنه لن يستطيع التلاعب بك كما يفعل بمعظم النساء.أنت أذكى منه بكثير , ولا تنظرين إليه نظره الإناث الأخريات لأنك لا تثقين به.
-انا لم أقل هذا!


هز رأسه وكأنه يعلم الكثير.
- لكنني اعرف فيرن جيدا.
- أتعرفه حقا غريفت؟
ربما, في رنه صوتها ما جعله ينظر إليها مقطبا.
-لماذا؟. . . بالطبع اعرفه.. لماذا هذا التلميح حبيبتي؟
هزت كتفيها بلا مبالاة, ولكنها ودت لو اخفت عنه شكوكها فآخر ما تريده هو مناقشه حديثها مع فيرن... قالت له:
- لم أكن ألمح لشئ بالضبط. . . إنما ظننت أنك لأتعرف أخاك جيدا كما تعتقد.
- وماذا يعنى كلامك هذا؟
ضحكت إيدن .. لأنها تغرق كلما تفوهت بكلمه...
- أتساءل إن كنت تعرف إلى أي مدى قد يصل ليجذبك إلى الشركة.... إنه مصمم جدا.
- وأنا كذلك مصمم ! كما أنني اعتقد أنه لن يلجأ إلى ما هو درامي ما أن يدرك أنني جاد. . . فلا تقلقي حبيبتي.
- ربما لا. .
- ثقى بكلامي . . . إيدن... طفلتي ... لا أريد أن تكرهي العجوز المسكين فيرن بسبب ذلك. . . إنه عائلتي الوحيدة , وأنا أحب ذلك الشيطان , وإن كان يحاول إجباري على شيء لا أريده بتلويح العصا الغليظة في وجهي.
- أنا لا أكرهه لكنه رجل خالي من الرحمة. .
قالت ذلك لأنها تعلم أنه مهما قال أو فعل لن تستطيع أن تكرهه.
- بكل تأكيد هو هكذا. . . إنه من آل هوفمان! إنما لا تقلقي , فمن المستبعد أن يحاول شيئا معك. . . خاصة بعد ما أكدت له عدم تعاونك معه.
بدا لها معتدا بنفسه إلى درجه عجزت معها عن القول له أنه مخطئ.

سيريناد 09-06-20 11:18 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل الثالث

كاهنة الشمس

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

لم تشاهد إيدن الجانب المنتج من أملاك آل هوفمان لأن غريفت لم يكن ميالا لأن يريها إياه علماً أن من المستحيل عدم ملاحظة الفدادين الشاسعة المليئة بأشجار الأناناس.
و لكنها وعدت نفسها بأن تدفعه إلى مرافقتها لرؤية الأملاك يوما ما.أما في الوقت الحاضر فهي قانعة بالتنزه حتى آخر حدائق القصر حيث يبتدئ القسم التجاري...
قرر غريفت أن يتمرن يومياً في العزف على الغيتار ليؤثر في الجدة وفيرن.
هذا ما أبلغه لأيدن ،لكنه لم يفكر في أنه بعمله هذا سيتركها وحدها مرتبكة.
جلست نصف ساعة تحت ظل الشرفة المسقوفة تقرأ مجلة..
ولكن قلة الحركة الغير الطبيعية جعلتها تسأم من التكاسل، فقررت التنزه.
بعدما أمضت وقتا طويلا مستمتعة بجمال الحدائق ،وجدت نفسها بين صف ضيق من أشجار النخيل التي تفصل الحدائق عن حقل الأناناس..
أقنعت نفسها بالمخاطرة إلى الأمام فسارت بين الحقول،ثم توقفت لحظة و ظهرها إلى إحدى الأشجار تنعم بظلها .
كانت سعف النخيل أشبه بخيمة من القش فوق رأسها.
ولكن شعاع وحيدا من الشمس تسلل من بينها..كان ذلك الشعاع يلامس خديها بأصابع ذهبية دافئة،فابتسمت ورفعت وجهها مغمضة عينيها لتحميهما من لمعانه،مستنده إلى جذع النخلة تلفُّ ذراعيها إلى الخلف قانعة حيث هي.
ـ آه...كاهنة الشمس!
فتحت إيدن عينيها، ثم رفرفتها لحظات تحت الشعاع اللامع على وجهها...لم تشك في من يكون صاحب الصوت إنما كيف السبيل إلى التعامل مع خفقات قلبها.
ـ لقد أخفتني.
لم يكن ما قالته تذمراً.
ـ ألم تسمعي هدير الشاحنة؟
هزت رأسها :''لم أسمع شيئاً''
أشاحت بوجهها عنه مسرعة.لأنه أخر شخص تود رؤيته في تلك اللحظات،ولأنها لم تكن قادرة على الابتعاد هي تأمل أن يبتعد هو.
ـ كنت تحلمين حلم يقظة؟
ـ أعتقد هذا..إن هذه البيئة الساحرة تثير الخيال.
التفت من فوق كتفه إلى حقل أناناس قريب خلفه.
ـ إنها جنة الأناناس.
سارعت إلى هز كتفيها بلا مبالاة على أمل أن لا يمكث طويلا.
كانت إحدى يديه في جيبه،أما الأخرى حملت سيكارة،كان مرتديا سروالا بنيا و قميصا أبيض يتناقض مع تقاسميه السمراء،ولكن أثر فيها تأثيرا صادقا, هذه المشاعر التي يثيرها فيها باتت تمقتها.
سألها فيرن،و كأن له مطلق الحق أن يسألها عن تحركاتها..
ـ لماذا تتجولين هنا وحدك؟إن كنت تتوجهين إلى الشاطئ فالمسافة بعيدة وشاقة إليه،هل أعرض عليك أمر إيصالك أم أنك تنتظرين غريفت ليقلك؟
كان يختلق الأعذار ليعرف سبب وجودها هنا وحيدة ففكرت هي محاولة خداعه ولكنها عادت فعدلت عن ذلك لأنه سرعان ما سيكتشف كذبها.
ـ سيكون غريفت مشغولا ساعة أخرى أو ما يزيد.
ارتفع حاجبه الأسود بحدة.
ـ مشغول؟
تضرَّج وجهها من استفساره فأشاحت وجهها :
ـ إنه في غرفته ،يتمرن.
ـ آه..فهمت !
ظهرت على وجهه ابتسامة بطيئة مشبعة بالمعاني دفعتها الغضب فهو كما توقعت يجد في تمارين أخيه موضوعا مسليا.
ـ أشك أنك تفهم!الواقع أن من الضروري أن يتمرن..
و لقد قرر أن يفعل هذا ساعتين يوميا.
ـ و كم سيبقى على هذا الحال؟
ـ الوقت الذي يحتاجه!
بدأت تغلي سخطاً فشدَّت يديها خلف ظهرها بقوة، تلفُّ جذع النخلة و لكنها لم تعِ التأثير الذي تركه هذا الوضع قماش الفستان الذي التصق بجسمها،و عندما وعت ذلك من نظراته تضَّرج وجهها غضباً فأسرعت تغير وقفتها.
أضحكته حركتها السريعة وكأنها تسليه:
ـ لا أفهم غريفت ،ظننته أعقل من أن يتمرن على الغيتار فيما فاتته الجميلة تنتظر من يطلب ودها.
ـ لا أطلب ود أحد سيد هوفمان ،فلا تخطئنَّ ظناَّ.
كانت عينيها ترسلان إليه نارا خضراء،أما عيناه فانخفضت أهدابهما.فيرن هوفمان،رجل حساس،لا يحاول إخفاء رغباته،حتى ولو شمل تلك الرغبات فتاة أخيه..خانتها مشعرها الخاصة مرة أخرى،و لم تستطع على الرغم من مكوثها تحت سقف بيته ما يزيد عن الأسبوع أن تكون محصنة ضد جاذبيته و سحره. قال بصوته العميق الذي يثير أحاسيسها:
ـ إنه أحمق..
نظرت إليه بغضب تردّ التحدي:
ـ ليس غريفت بأحمق..إنه فقط، و بكل بساطة يحاول أن يثبت لك و للسيدة أنه جاد في خطته..أمهله وقتا ليثبت لكما مقدرته ،أنت تدينه لأنه يسعى للعمل خارج إطار الشركة، فكن منصفا و اعترف أنه يعمل جادا على تحقيق هدفه.
تحرك فيرن ليقف معها في الظل فاتكا إلى الشجرة التي تفيء إليها لافاً إحدى ساقيه فوق الأخرى ، توقعت منه أن يكون غاضبا ،لكنه نظر إليها مبتسما بسخرية.
ـ إذن يقوم بذلك ليؤثر فينا آملا أن نرى الأمور من وجهة نظره.
كانت تعرف أن هذا ما يفكر فيه غريفت ،و لكنا لم تشأ أن يعرفه فيرن .
ـ أنت لا تحمله على محمل الجد؟
كان هذا أكثر ما تستطيع تحمله..فهي مضطرة للصراع مع سلسلة متناغمة من المشاعر التي أثارها وجوده معها، و مضطرة أيضا للدفاع عن غريفت .
كانت تلوم فيرن لأنه يجبر غريفت على القيام بما لا يريده كما تلومه لأنه يحاول دفعها إلى مساعدته .إنه رجل خطير و جذاب بطريقة تثير الاضطراب.
ـ لماذا عليك أن تكون متكبرا و متسلطا؟ لماذا لا تترك غريفت يقوم بما يريده ما دامت أرباحك لن تتأثر.تجاهل تلميحها المتعلق بالمكاسب و نظر إليها بعينين ضيقتين :
متكبر متسلط . أهذا رأيك بي أيدن؟
ـ ظل ينظر إليها بثبات من المسافة القصيرة التي تفصلهما..ثم ضحك و هز رأسه:
ـ أفهم ألان سبب اصطحابك إلى الجزيرة .إنه بحاجة إلى طبيعتك النارية ليتحداني بمسألة الانضمام إلى الشركة.
ـ لاشيء من هذا القبيل! إنه لذا لا يمكنك الحؤول دون ما يشاء.
أحست بشعور غريب في قلبها لاحظت طريقة ابتسامته ..سألها بصوت خفيف:
ـ أليس هناك شيء؟
لم تعد واثقة مما تفعل،و لكنها أحست أن فيرن يعرف تماما ما يفعل مع ذلك هي لا تريد التخلي عن المعركة لصالح غريفت.
ـ أنا لا أنكر ما تقول ، فنظرا للظروف ،ربما رغب غريفت في اصطحابي لحاجته إلى دعم عضوي..و لا ألومه على هذا،فبعدما قابلتك وجدت أنه لحاجة لمن يشد عضده !
ـ أهذا ما ترينه؟
تحداها صوته العميق الهادئ أن تستمر..و عرفت في قرارة نفسها أنها تمادت مع مضيفها و تجاوزت الحد الطبيعي، ولكن فيرن هوفمان ليس مضيفا عاديا، آ بما أنه لن يتركها تنجو بما تقوله، فيستحسن لها أن تستمر خاصة بعدما وصلت إلى هذا الحد..قالت له:
ـ لا تنكر أنك كنت لولاي ستجبره بالقوة على الانضمام الى شركتك البائسة.
رد بهدوء:
ـ لا شك في هذا..ترى هل تشجعينه على العزف لتسجلي نقطة في مرماي؟
طريقته في سحق سيكارته بقدمه جعلتها ترتجف، لذا عندما تقدم نحوها فجأة سارعت للدفاع عن نفسها بغض النظر مدى اقترابه من الحقيقه:
ـ أنا ببساطة أدافع عن حقه في اتخاذ القرار قراره عوضا عن السجود لك.
ذكرها قربه منها بالمناسبة التي حاول فيها إقناعها بالتاثير في غريفت حتى يعدل عن غايته وهذا اخبرها انه يفكر بالطريقة نفسها ألان.. و لعلمها أن هذا ممكن، أحست بقلبها يخفق بسرعة بضربات صاخبة ،فارتجفت.. سمعته يقول:
ـ ليتك تتحلين بالحكمة..
مس صوته الدافئ أوتار أعصابه كلها .
ـ و هل الحكمة هي في تنفذ مبتغاك؟
شهقت بصمت حينما طوى المسافة بينهما،راح دفئ ذراعه يثير القشعريرة في نفسها،و العسير في الوضع عدم وجود طريقة للخلاص منه، فما من مكان تلوذ إليه لا يستطيع اللحاق بها إليه؟
ذكرها قربه منها بأحاسيس أخرى،فازداد توترها وترقبها للمسة منه، حين مد يده يمس النبض الصاخب بحيث لم تشعر إلا بدغدغة حساسة على مدى بشرتها.. سألها هامسا:
ـ لماذا تقاتلينني بهذا التصميم؟
ــ أنا..أنا.. لا أقاتلك..
همسها انقلب إلى إجفال حين ضحك.
ـ أوه..يا طفلتي.. فيساعدني الله عليك! أنت تتأهبين للمعركة كلما اقتربت منك.لماذا تقاتلينني إيدن؟
ـ فيرن توقف عن هذا!
أبعدت رأسها عن مناله، تحاول إخفاء عجزها عن ضبط سيطرتها على ذلك.. ولكن كيف لها ذلك و نظرته المثيرة لا تبرح وجهها؟ ردد كلامها:
ـ أنت تتجاوز حدك لتحرجني.. و إذا كنت تأمل بذلك جعلي متعاونة معك، فأنت مخطى ء! إن جعلت إقامتي غير مريحة،أنتقل بعيدا إلى الفندق.. وعندما سترى كم سيمكث معك غريفت؟
ـ أتهددينني؟
لم تكن اليد التي أدارتها لتواجهه لطيفة، فارتجفت خائفة من بريق الغضب المستعر في عينه ،
ـ كيف تجرئين على تهديدي..أنت..
ـ أنا نكرة..؟
لكنها انتفضت عندما انفجر ضاحكا:
ـ أوه..لا.. لست كذلك،لا يمكن ان تكوني نكرة ايدن ...انت اهم بكثير مما ظننته،ولك إلى القدرة على التأثير فيه لترك المنزل،إنما لا تهددينني هكذا خاصة فيما يتعلق بعائلتي القليل أفرادها.
أنا لم أفعل..
ـ لم فعلت. حذاري إيدن،أنا عدو شرس.
كان وجهه قريبا منها فشعرت بأنفاسه حارة على وجهها تبعث فيها رغبه عارمة تفاعلت مع حمى الغضب.
ـ لم يشكل جمالك وسحرك عندي أي فرق إن حاولت فصل العائلة، فلن تحصدي من ذلك إلا الندم.
لم تفهم إيدن نفسها.. إنها تتلقى التهديد من رجل يعني كل كلمة يقولها ،و مع ذلك لا تشعر بالخوف.. بل تحس بالاثاره.. النظرة المطلة من عينيه هي التي أثارتها.كانت عيناه تلمعان بلون قاتم و كأنها سحب منها عاصفة ولكن تحت ظل الغضب اشتعلت رغبة متوحشة فجة.
هزت رأسها تحاول التركيز على أمور أقل خطورة..قالت هامسة:
ـ أنا.. لا أرغب في التورط بنزاعاتكم..لم أكن أعرف ما حين وافقت على المجيء و ليتني لم آت.
كانت عيناه تخترقهما، و تريان ما في نفسها:
ـ أنت لا تعين هذا إيدن.. أليس ذلك إيدن؟
ثم تذكر،لانهالا تستطيع.. كما أنها لم تدخل هذا الموقف دون سابق إنذار، و كانت قد توقعت أن تجد فيرن أقسى مما عليه ألان، رجلا خاليا من الرحمة معتادا على تنفيذ مآربه و لكنها لم تتصور أن تجده أشد جاذبية من كل الرجال الذين التقت بهم سابقا و لم تتصور أنه قد ينسيها أحيانا مجرد وجود غريفت.
ـ أتحبينه؟
جعلها السؤال تنتفض فحدقت مشدوهة ثم هزت رأسها بسرعة و غضب. و قالت بخشونة:
ـ أنا خطيبته.. و بالطبع أحبه.نظر نظرة ذات معنى إلى يدها الخالية من الخاتم:
ـ خطيبته! إنما بدون ربط أو دليل.
مرر يده على خدها فيما طافت عيناه إلى الأعلى إلى شعرها النحاسي الأصهب. ثم راحت أنامله تلاعب خصلة من شعرها الغني البراق ، و بعد ذلك وضع راحتيه على وجنتيها و جذبها إليه يقول هامسا:
ـ أنظري إلي إيدن .
و أطاعته لا إراديا.
كان لدفئه من الحرارة ما حراك دمها و المزعج أنه راح يتصرف باعتداد و ثقة كما حدث في المرة الأخيرة التي لا تنساها.أنزل يديه عن خديها إلى كتفيها،و من هناك إلى ظهرها، يجذبها متعمدا إليه.فأصيبت بالذعر بسبب ما يثير فيها من عواطف لم يستطع غريفت بعثاها إلى نفسها.
قفز غريفت أمام عينيها وهي متعلقة بفيرن، فهب ضميرها و دفعها للتحرير من استسلامها له.حاولت تحريك رأسها ،لكن يده ألصلبه أمسكته بحزم أما أصابعه الطويلة فشدت شعرها و جعلت الخلاص مستحيلا.. و حين سمح لها ببرهة للتنفس قامت بمحاوله جديدة للخلاص و لكنه نظر إليها بشوق مازال يحرق عينيه الرماديتين التين لم تعودا باردتين.
أمسك رأسها بين يديه يتأمل و جهها فعلمت أنه سيعاود معانقتها من جديد، إلا إذا نجحت في الخلاص منه قاومت يديه بشدة حتى تحررت، لكن قلبها كان يخفق بجنون بين جنبيها تمسكت بالتفكير في غرايفت فارتدت على عقبيها تريد الابتعاد، ولكن يد فيرن أطبقت بحزم على ذ راعها تستبقيها، و مع ذلك تعطيه ظهرها..فسألها بصوت تحشرجه الرغبة:
ـ إلى أين؟
هزت رأسها:''عائده إلى المنزل"
كان ردها أقوى قليلا من الهمس حفرت أصابعه عميقا في لحم ذراعها:
''إلى غريفت ''
هزت رأسها بقوة،فأدارها إليه:
ـ هل أقول إنني آسف إيدن؟
لا تريد أن يتأسف فقالت بصوت أحبش:
ـ لا بأس إن كنت آسف حقا.
ترك يده ذراعها .ثم قال بصوت تنقصه الثقة:
ـ ملعون إن عرفت ما إذ ا كنت آسف أم لا.. يستحسن أن تذهبي لتتأكدي إن كان غريفت مازال يتمرن.
ليتها لم تشك في أنه أحس بالندم و الذنب مثلها..لا يعقل أن يحمل رجلا مثله ضميرا، فالضمير يفسد صورته.
كان قبول السيدة هوفمان بها الشيء الوحيد الذي يهدئ روعها و قلبها.
كانت السيدة حتى ألان ودودة طيبة، و قد أعلنت عزمها على تحضير عرس إيدن و غريفت.
مر أسبوع على لقائهما بفيرن تحت ظل النخلة، و قد استطاعت في غضون هذه المدة تجنب البقاء معه على انفراد. كما حاولت أن تقنع نفسها أنها تكرهه،لكنها في أعماق قلبها كانت تعلم أنها ما تحسه نحوه لم يكن أمرا بسيطا كالكراهية البحتة.. إنه مفعم بالحيوية،و الأحاسيس،و ناضج أكثر بكثير منها , وهذا ما جعلها غير واثقة من المشاعر التي تكنها لغريفت .
كانت تجلس أحيانا مع غريفت أثناء التمرين و قد وجدت أنه أقل براعة مما توقعت، خاصة و له رغبة في الاحتراف.في إحدى المرات استحوذت على اهتمامه و لكن الحديث تركز على الجدة.
ـ إنها معجبة بك.
ضحكت إيدن:
ـ وهل هذا إطراء؟
أجاب غريفت:
ـ بالطبع.
اسمع.يجب ألا تظهر أمامها أنك خائف منها،فهذا ما يزعجها.
ـ إن ما يزعجها واقع أنني خليط عالمي: فأمي خليط فرنسي ألماني،و لم أرث منها أي دم إنكليزي و جدتي ستذكرها بذلك حتى مماتي.
ـ أوه..أنت تبالغ! لماذا تخشاها أنت ولا يخشاها فيرن؟
ـ ربما لأنني أميل إلى الجبن أمامها.لقد كنت أخافها صغيرا.
ـ أما كان فيرن يخشاها صغيرا؟
ـ لا أدري، لقد كان في الثانية عشرة حين ولدت.
ـ وهل هو أكبر منك إلى هذا الحد؟
غريفت أكبر منها بسنة،وهذا ما يجعل هوة العمر بينهما و بين فيرن أكبر مما تدرك.
ـ إنه فرق شاسع ،و لعل هذا ما دفعه إلى تولي مسؤوليتي بعد وفاة أهلي.حين مات أمي و أبي، و تولى مسؤوليتي.. بت أراه أكبر مما هو في الواقع
ـ لكن توليه و غايتك و مسؤوليتك أمر شاق
ـ هاي.. أنت متفقة مع جدتي، فلماذا لا تنضمين إلى نادي المعجبين به!
تضرج وجهها ، فنظر غريفت إليها بفضول.
ـ ألان أنت سخيف!
ـ و هل أنا سخيف؟ اسمعي أعلم أن جدتي لن تنظر إلى كما تنظر إلى فيرن.
ـ ولكن جدتك تحبك و فيرن أيضا يحبك، و هو مهتم بك و بمستقبلك.
ـ أراك واثقة من ذلك، بل جازمة.
ـ لا أكاد أكون جازمة .. لكنني أعتقد أن هذا صحيح.
ـ أتساءل فقط كيف تعرفين مشاعره.
أحست باضطراب بسبب تهورها الأرعن، فهزت كتفيها بقلق.
ـ أعرف هذا لأنه أخبرني..
ـ أوه.. صحيح؟ ولماذا يفضي فيرن بسره.
ـ حبيبتي؟ ماذا كنت تفعلين أثناء تمريناتي.
ـ و ماذا كنت أفعل برأيك؟
ـ أنا لا أشك فيك، بل أشك في ذلك الأخ العنيد، وإياك أن تلوميني على شكي،و أنا أسمعك تقولي إنه يفضي إليك بأسراره؟
ـ لم يكن هناك تبادل أسرار. بل مجرد حديث .
ـ حتما..
ـ أف له! إنه يضغط عليك مجددا!
ـ لم يضغط علي. و ما كان هذا ليفيده، فمن العسير إقناعي غريفت،لذا لن أعدل عن رأيي ، فالقرار قرارك في النهاية.
ـ إذا لم يضغط عليك لفعل ما يريد، فماذا فعل إذن إيدن؟
اشتد ضغط يده على يدها فجأة و أكمل متمتما:
ـ حسنا حبيبتي؟
حاولت سحب يدها منه؟ و نظرت إليه موبخة:
ـ لا أحب أن تستجوبني و كأنك تشك في أنني أتآمر عليك.. انا لست مجرمة غريفت!
ـ يا الله، طبعا أنت لست مجرمة..حبيبتي،أنا آسف، لقد أفسدت عليه خططه لذا هو غاضب .
أحست بالذعر:
ـ أولا..أرجوك غريفت.. لا تفعل ما تندم عليه بسببي. ثق أن فيرن سيرى الأمور من وجهة نظرك عاجلا أم آجلا.
مط شفتيه بارتياب:
لا أستطيع تصور هذا فمن العسير إقناعه، و هو مصمم على انضمامي إلى الشركة .. إلا إذا..
و فرقع بأصابعه فجأة، و لكن وميض عينيه أقلقها:
ـ إيدن.. حبيبتي.. أتمررين لي كلمة..
ـ لا غريفت!
أرعبتها الفكرة ،و لكن غريفت تجاهل الاعتراض و مضى بتصوراته.
ـ قد ينجح هذا.. لا يمكنه مقاومة امرأة جميلة .لماذا لا تخدعينه حبيبتي؟
ـ غريفت.. لا..أرجوك..لا أستطيع!
قطب قليلا دليل نفاذ صبره:
ـ بالله عليك.. لم لا؟ من المفيد أن نلاعبه باللعبة ذاتها.
ـ لن أفعل غريفت!
ـ لا أفهمك .. لماذا لا تحاولين؟
ـ لأنني لست أداة تستخدماها لتكسبا ما تريدان.في البداية استخدمتني أنت، ثم حاول فيرن، و ها أنت تعاود مجددا.
ـ أنا؟ متى طلبت منك مساعدتي قبل الآن؟
ـ أن تظن أنني لم أدرك ما فعلت؟ لماذا أصررت على اصطحابي؟ معك لست غبية غريفت.
اصطحبتك لتقابلي عائلتي.
ـ بل أردتني حصنا تلوذ إليه،ثم التقت عيونهما لوقت قصير:
ـ حسنا.. أعترف بهذا.. و آسف لأنني لم أكن صادقا معك.
مال إليها يعانقها فتذكرت عناق آخر مثيرا.
ـ أحبك.. و سأضيع بدونك! ألن تساعديني في إقناع فيرن ليتركني و شأني.
ـ ماذا تطلب مني بالضبط؟
ـ لا أريد إلا أن تضغطي على فيرن العجوز؟
ـ و هل استخدام الطريقة ذاتها التي علي استخدامها معك؟
ـ أجل.. اعتقد هذا.. لم لا؟
سحب نفسا عميقا:
ـ يريد فيرن أن أقنعك لأنني خطيبتك معتقدا أن لي طرق إقناع خاصة لا يملكها هو، أهذه هي الوسائل التي تريد مني أن أستخدمها معه غريفت؟
أدركت فجأة ما يعني.. و أخفض غريفت رأسه:
ـ يا الله! ما عليك سوى محادثته.
ـ لكن فيرن.. ليس ممن يسهل التحدث إليه فقط..
مضت بضعة أيام قبل أن تخرج إيدن في نزهه وحدها..
كانت قد سئمت من بقاء غريفت ساعتين أو أكثر يوميا في غرفته ليتمرن، بينما يواجهها الضجر و قد أخبرته بهذ'ا، فاقترح أن تجلس معه.
سارت لا إراديا بين حقول الأناناس في اتجاه القسم الخارجي الذي يلوح فوق منحدرات الأملاك حيث تنمو الفاكهة. كان الطريق صعودا ولكن حالتها الذهنية المشتتة دفعتها إلى اتجاه طريق كهذا .فيما كانت ترتقي هذا الطريق الوعر وصولا إلى قمة الجبل البركاني رأت أنواعا من الأشجار لم تر شبيها لها من قبل. كانت تنعم بدفئها و برودتها حتى وصلت إلى ممر وعر امتد أمامها، فوقفت لحظات تلتقط أنفاسها لمتابعة المسير بحثا عما ستجده في نهاية الممر.سمعت أثناء المسير خرير مياه جاريه فاستحوذ عليها التهور و التفتيش إلى مصدر الخرير فإذا بها أمام بركة صخرية راحت تشق طريقها إليها عبر الأشواك و الشجيرات الكثيفة.
كانت البركة شبه حوض أجوف في الصخور، يغذيها شلال صغير هو على الأرجح قادم من البركان.
بدت لها البركة عميقة باردة، مغرية، لا تقاوم أبدا..فوقفت بضع لحظات عند حافتها، تنظر إلى انعكاس صورتها في الماء المتراقصة حوله أشباح الأشجار. كان للمكان سكون غريب يبعث إلى النفس الراحة و الاسترخاء. ابتسمت بعد لحظات لصورتها..همست، تتطلع بسرعة حولها:
ـ لم لا؟
ـ المكان بعيد عن الأماكن السياحية و العمال لا يحتمل أن يتركوا أعمالهم.. أخيرا..تغلبت سقسقة المياه الصافية و برودة البركة المغرية على الشكوك التي ساورتها، فراحت تخلع الملابس التي كانت ترتديها ..لكن، حتى في هذه الظروف لم تستطع التخلي عن كافة ملابسها ،فاحتفظت بالقليل منها .
كانت المياه أبرد مما توقعت إيدن، لكنها سرعان ما أصبحت ممتعة فطفت تسبح باسترخاء، تحس بمشاعر غريبة من الإثارة و الانفعال تبعث ها إلى نفسها المياه الناعمة.
شقت طريقها إلى حيث تتساقط المياه ناثرة رذاذها فوق الصخور .بعد لحظات وجدت موطئ قدم رفعها حتى الخصر من مستوى البركة ووجدت أنها تحت الشلال مباشرة ، فرفعت ذراعيها وجسدها. كان شعرها الأحمر قد اشتد اسوداده فأصبح رقيقا مسترسلا و زاد استرساله عندما ردت رأسها إلى الوراء.
لم يكن يحدق فيها إلا خرير المياه الناعمة و لكنها حين نظرت من بين المياه المنسابة فوق وجهها ، لمحت صورة جسد طويل مفتول العضلات شامخا كالطود فوقها.و لكنه سرعان ما اختفى قبل أن تتأكد من وجوده.
ارتدت بشكل غريزي نحو المياه العميقة، تنفض ما علق من ماء على شعرها و أهدابها لترى بوضوح ثم راحت تتخبط في الماء سعيا إلى السيطرة على خفقات قلبها المفاجئ. كان جسدها ينبض بإثارة و الغريب أن خيالها تصور أن الواقف هناك هو فيرن هوفمان و لكنها عادت فنهرت نفسها فما رأته دون ريب من وحي خيالها، إنه سراب و وهم ولدهما الضؤء المتنقل بين المياه المنسابة على وجهها .
و لكن قلبها رغم ذلك ظل يخفق بسرعة أثناء عودتها سباحة إلى المكان الذي تركت فيه ملابسها.. أقنعت نفسها أن ما شاهدته سرابا حتى هبط شيء ثقيل على الماء قربها، أرسل رذاذا إلى الأعلى كثيفا إلى الأعلى ، أعمى بصرها للحظات ،ولكن ما هي إلا هنيهة حتى رأت هذا الثقيل يغوص في القعر. كانت قد وصلت إلى حافة البركة، فتمسكت بطرف الصخر الخشن، أما عيناها فراحتا تنظران برعب و جنون إلى ما حولها ولكنها لم تجد دليلا يشير إلى انهيار ترابي أو صخري. غير هذا لا ينكر سقوط حجر كبير على بعد إنشات منها .فجأة أحست بأن الجنيه المحدقة بها تثير ذعرها لسبب ما ولكن ما هي إلا لحظات حتى التقطت عيناها صورة كما حدث قبل قليل، فنظرت إلى الأعلى إلى الجرف الصخري المرتفع...
كان بصرها الآن ألثر وضوحا و صفاء بحيث لم تجد صعوبة في رؤية صورة امرأة طويلة ترتدي ثوبا أبيض يتدلى عليه شعر قاتم يلتف حول وجه بيضاوي ، و عينين لوزيتين غريبتي الشكل..
العينان هما اللتان أسرتا نظر إيدن الذهول، فقد كانت تبرقان بشر غير مخفي جعلها ترتجف، و أمام نظرها انحنت المرأة ليتلقط شيئا عن الأرض أمامها...
حين استقامت، حبست إيدن أنفاسها ،فقد كانت تحمل كتلة ضخمة من الصخر بين يديها، وقفت لحظات تنظر إيدن بعينين قائمتين حقودتين ، ثم رفعت يديها فوق رأسها.. لكنها كادت لا تصدق أن ما تراه يحدث حقا.. فحدقت، ولأنها متوحشة إلى الجسد الطويل النحيل والصخرة الكبيرة في يديها..
ـ لا..لولا...!
انتفضت إيدن و عادت إلى وعيها حين برز فيرن هوفمان من لا مكان ليمسك بمعصمي المرأة.راقبت إيدن المشهد فوقها بإحساس من يشاهد حركه على خشبة المسرح ارتجفت من ذهول الصدمة، فتعلقت بقوة بحافة الصخرة.. وكان من البديهي و الطبيعي أن تصرخ ذعرا، حين تدحرجت الصخرة التي ارتطمت بالصخور قبل أن تصطدم بالمياه المنسابة تحت الشلال. تبع هذا صمت تاما. إذ سرعان ما ارتفع صوت فيرن قلقا:
ـ إيدن؟
حين تجلى الماء ثانية، استطاع أن يراها لكنها لم تدر رأسها، و أبقت ظهرها إليه رافضه الرد عليه. فلير بأم عينيه أنها لم تصب بأذى، و أنها لا تنتظر إلا ابتعادها كلاهما، ثم ما هي إلا لحظات حتى سمعت جلبة و أصوات حادة غاضبة، فعلمت أنها أصبحت وحدها و أسرعت تنحني تلقي بجبهتها فوق ذراعيها المبللتين تنشد الراحة.
كانت ترتجف كورقة في مهب الريح...
أسنانها تصطك و يداها ترتجفان أثناء ارتدائها لملابسها.
حين برزت من الغابة و جدت كما توقعت شاحنه مركونة تحت الأشجار، و فيرن وراء مقودها ينتظر وصولها.عندما لم تتقدم إليه ترجل من الشاحنة و لحق بها .. كانت ويده على ذراعها خفيفة لطيفة حتى أحست أنها صغيره جدا و معرضة للخطر.. كانت لمسته تشير إلى ما شاهده من فوق.
ـ سأصطحبك إلى المنزل.
ـ أستطيع السير.
ـ إن من الخير نظرا للظروف أن أقلك بالسيارة، فلنذهب..
ـ هه؟
التفت إليه بسرعة تسعى إلى إثارة الموضوع الذي أنه يفكر فيه كما تفكر فيه هي، و بدلا من الاختباء وراء صمت لا يطاق قالت:
ـ أتظنني أخطأت بالنزول إلى البركة؟
ـ أبدا يؤسفني ما حدث.
جعلتها برودتها تستشيط غضبا:
ـ و كيف عرفت بوجودي؟
ـ لاحظتك تتوجهين إلى هذا المكان فأردت تحذيرك من الأخطار التي قد تتعرضين إليها من فوهة البركان فلحقت بك و يبدو أن لولا لحقت بي بدورها.أعتقد أنها فاجأتنا.
سمحت له أن يقتادها إلى الشاحنة على الرغم مما جاهرت به من رفض..
و قد بدأت ألان تحس الهدوء، سألته:
ـ هل هي لولا كوردـ مانيارد؟
ـ نظر إليها رافعا حاجبه:
أعتقد أن غريفت أخبرك بأمرها.
أجلسها في الشاحنة، ثم استوى وراء المقود و راح يدرس تعابير وجهها قليلا و ذلك قبل أن يمسك ذقنها بيده ليرفع وجهها إليه.
ـ ماذا قال لك بالضبط عنها إيدن؟
لم ترد فورا.. كانت تفضل العودة سيرا عوضا عن الجلوس متضايقة من حرارة الشاحنة ،منزعجة مما يثيره فيها قرب هذا الرجل منها. أخيرا قالت:
ـ أخبرني أنها عازمة على الزواج بك.
ـ أوه..أهذا ما قاله
نظرت إليه بطرف عينها يثيرها الفضول:
ـ أرى مما فعلته قبل قليل أنه محق.
مضت لحظات قبل أن تدرك أنه يضحك ولكن حين مال إليها يرجع خصلة قاتمة مبللة من شعرها عن وجهها، ، ارتجفت لا إراديا.
ـ على غريفت أن يخصص وقتا أطول للعناية بك.. أعتقد أنه تركك وحدك مجددا..هه؟
ـ إنه يتدرب.
ـ لكنه لا يتدرب ليصل إلى مبتغاه.
ـ آه..ها..! إنه أحمق ، يجب أن يلتصق بك، ليحميك من الأماكن الغريبة..
لو كنت لي لما تركتك تسبحين وحدك، بل لرافقتك.
راح إبهامه يمر بنعومة فوق شفتيها و هذا ما عسر عليها الكلمات، توردت وجنتاها، هزت رأسها تحاول إبعاد صورة ذلك الجسد الطويل النحيل المترائي لها في الماء..أبعدت رأسها جانبا و تمتمت:
ـ لكنني لست لك..و إن كنت لأحد فأنا لغريفت.
ركز فيرن عينيه على وجهها قبل أن ينحني إليها ضاما جسدها إليه.لاثما وجنتها بشفتيه.
ـ إذن.. يستحسن أن أعيدك إليه ما دمنا نذكره كلانا.
و لكنه قبل أن يشغل المحرك عانقها بقوة

سيريناد 09-06-20 11:20 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل الرابع

غريبة وسط غرباء

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

بدا لها ما بينها وبين فيرن أن شيئا لن يعود أبدا إلى سابق عهده , فبذلت جهدها لتتجنبه ولم يكن الأمر صعبا لأنه لم يُرَ إلا أثناء وجبات الطعام ... وكانت كلما لاحظت العينين الرماديتين تنظران إليها , تتذكر تهورها عندما سبحت في البركة الصخرية وحدها
أحست أن غريفت لن يعلم بالأمر إطلاقا ,لا منها ولا من فيرن , ولكنها تشك ألا تخبره لولا إذا أتيحت لها فرصة الإيذاء .

ولهذا السبب وجدت أيدن نفسها مشوشة المشاعر عندما عرض عليها غريفت الذهاب إلى الحفلة التي ستضم الجميع وبين الجميع لولا كورد مانيارد.

-إنها حفلة حقيقية حبيبتي ...اعلم انك لا تحبين الحفلات ولكنك ستتمتعين بها لأنها ستكون مختلفة عما حضرته يوما . إنها ليست حفلة معدة للسواح بل تعدها عائلة "كيمورانس"للكاماتيا.

-حسنا ...قل لي ماذا تعني هذه الكلمة ؟

-كامانيا تعني أنا وفيرن وجميع من ولد هنا ,أي أهل الجزيرة .

-وماذا عن السيدة هوفمان ؟

-حسنا ...اعتقد إنها من "الكامانيا" بعد ثمانين سنة. أما أنت فماليهيني وواهيني , وماليهيني تعني وافدة غريبة .

-وما معنى "واهيني"؟

-امرأة ...أنت امراءتي ...

-فهمت ... وهل اصبح بعد الزواج "كامانيا "أم ابقي ما قلته لتوك؟

أحست بتراجعه ,كان ذكرها زواجهما وتره .

-اعتقد انك ستبقين ماليهيني .

-حسنا. اعتقد أن هذا إنصاف ...لكن اخبرني المزيد عن الحفلة ... أين ستقام ؟.

-منزل أل "كيمورازس"قرب الشاطئ.

-اعتقد أنني لا اعرف احد هناك..

-أنت تعرفين فيرن ..وستكون الفرصة سانحة لرؤية الآنسة "فومانشو".

خفق قلب أيدن بعنف .

-أتعني لولا كورد- مانيارد؟

-ومن سواها ؟

لم يكن يعرف شيئا عن لقائها الدرامي بصديقة فيرن ,صاحب الوجه الناعم الشرير المنطبع بعنف في ذهن أيدن ...ارتجفت ,فقال غريفت ضاحكا :

-لا تكوني هكذا حبيبتي ...فحتى لولا تراعي أصول اللياقة في حفلة كهذه , لكن لا تنظري إلى فيرن ,ووفري لها ميدانا خاليا ,عندها تجدينها وديعة كقطة .

-سأبتعد عنها لا تقلق .لكن لا أتوق للذهاب .


قال لها :

-انسي أمر لولا ...سأكون معك .واعدك ,إن رأيناها تكمن لك وراء شجرة أن أدافع عنك بحياتي ...

-حسنا .ماذا ارتدي لهذه المناسبة ؟ما رأيك بتنوره من الحشائش ؟

-فكرة رائعة ..لكن فستانا جميلا سيفي بالغرض .إنها حفلة غير رسمية ,مع أنني أريد أن تصرعي الجميع حبيبتي ...ارتدي فستانا مميزا .

ابتسمت تهز رأسها :

-سأفعل ما بوسعي .

وكان أن ارتدت أجمل فساتينها , فإذا النتيجة أفضل مما توقعت ...كان الفستان بلون الجاد الأخضر ,أردافه قصيرة, وياقته منخفضة .

دخلت إلى الصالون تخشى الانتقاد. ولما لاحظت العجوز تورد وجنتيها هزت رأسها دليل الموافقة ,ثم حثتها على الجلوس قربها تشجعها بابتسامة ,هي مزيج عجيب من الدفء والانزعاج....

-قالت العجوز بصراحتها المعهودة :

تحسنين اختيار الملابس.إن هذا اللون رائع عليك .

ابتسمت إيدن لهذه العجوز الارستقراطية المحببة التي تجلس على مقعد مرتفع الظهر كملكة متوجة .. حين نظرت إيدن إلى ساعتها ,لاحظت العجوز هذا فقالت:

-لا تقلقي يا طفلتي...لن يتركك غريفت منتظرة إلا إذا كان أحمق مما عهدته .

تجاهلت إيدن حدة كلامها وابتسمت:

-لست قلقة سيدة هوفمان .. فغريفت دقيق في مواعيده .

-مستعدة دائما للدفاع عنه! على ذاك الوالد أن يلازمك هذه الليلة لئلا تخطفك منه إحدى العيون الجوالة .

-أوه ...لن يحدث هذا ..لقد وعدني أن يمسك يدي طوال السهرة .


ضاقت عينا العجوز:

-لماذا اشعر انك خائفة من شخص ما ,ولماذا تريدين من يمسك بيدك ؟مم أنت متوترة يا فتاتي ؟

ظلت مطأطئة الوجه.

-لاشيء سيدتي ,لست خائفة ,كل ما في الأمر إنني لا اعرف احد هنا غير غريفت وفيرن.

ازدادت عينا العجوز ضيقا:

-هل أخبرك غريفت أشياء عن لولا ؟آه....أرى انه فعل ...!حسنا ...لا داعي للخوف منها يا طفلتي ...إلا إذا حاولت التودد إلى فيرن .أنت تعرفين ما هي الأوضاع بعدما سمعت أخبارا كثيرة عنها.

كان غريفت قد أشار إلى أن الجدة تعارض زواج فيرن بلولا بشدة.

-قالت إيدن :

-اعرف أن الآنسة كورد مانيارد تفكر في الزواج به ولكنني لا أظنه يفكر بالطريقة نفسها.

برقت عينا العجوز تحت رموشها ثم قالت :

-آووه ...هكذا إذن ...تظنين أن فيرن يتعرض للضغط والفكرة لا تعجبك؟

-لم اقل هذا سيدتي

-تفكيرك واضح.ما يثير اهتمامي هو مدى تأكدك من تفكير فيرن .

-أنا ..أنا...لا اعرف .

-الديك أسباب وجيهة للاعتقاد بان له أفكارا أخرى ؟

-أبدا ...انه لا ينفي ولا يؤكد شيئا .

كانت إيدن مشوشة الفكر تعض شفتها بقلق متوردة الوجه , تحس بالارتباك من نظرة العجوز الخبيثة التي قالت :

-إذن ...لقد تكلم عن الأمر .تدهشينني يا فتاة ...أتصور انك وفيرن مقربان إلى درجة الإفضاء بالإسرار .اعتقد انك بئر عميقة , حمراوات الشعر أبار عميقة دائما.

لم تقل إيدن شيئا بل تنفست الصعداء بصمت حالما اطل غريفت الذي سألته مقطوعة النفس :


-كيف أبدو؟

امسك بيدها وجدبها إليه .

-طفلتي... ستصرعين العيون كلها !.

انحنى يعانقها غير مبال بالجدة:

-إذا ذهبا نسبق فيرن العجوز ..

هزت العجوز رأسها :

-لكنه غادر ...قبل أن تنزل إيدن من غرفتها ,اعتقد انه ذهب لاصطحاب لولا .

قال مقطبا :

-هذا واضح ! يستحسن أن ننطلق حالا وإلا اضطررت إلى الإسراع بالقيادة وهذا ما لن يعجب إيدن .جدتي لا تنتظريني .

حين استوى وراء المقود نظرت إليه مستغربة وسالت :

-هل المكان بعيد؟

-قرب المدينة . عم كنت تتكلمين وجدتي حين وصلت ؟

-عن لا شيء . سألتني إن كنت اعرف لولا فذكرت لها ما أخبرتني عنها .

قاد السيارة إلى الشارع العام المزدحم ببراعته المعهودة .. لكن تفكيره كان في مكان أخر ,فتساءلت إيدن لماذا يهتم بما تتباحثه مع الجدة .

-لم تسال عن موعد الزواج ؟

حدقت إليه بدهشة :

-لا... ولكن ليس غريبا أن تسال . إنها تهتم ...وتبدو مستعدة للقبول بي .

-لقد أحبتك.

-أليس هذا لصالحنا ؟

صمت قليلا ثم ابتسم بثقة :

-بالطبع .. كنت أتوقع معارضتها ,عوضا عن هذا أدخلتك إلى قلبها , وكأنها هي التي اختارتك بنفسها .

-وهذا ما يريحنا .
انتصبت منازل فخمة , وراء جنبات خضراء تضم مختلف أنواع الشجيرات والأشجار التي في " غرين هاوس"

كانت الأنوار المبهرة معلقة فوق الأشجار وكان يتناهى إلى حيث أوقف غريفت السيارة الغناء والعزف .. ابتسم لها غريفت وساعدها فى الخروج فردت الابتسامة بدفء مماثل .. إنها الحفلة المحلية الأولى التي تشترك فيهل , لذا لن تسمح للولا أو لأي إنسان أخر بتعكير صفائها .

لم يكن الجلوس إلى الموائد المنخفضة مزعجا كما توقعت علما أنها كانت محشورة بين جاريها على كلا الجانبين , غريفت إلى جانب وشاب بولوني وسيم إلى الجانب الأخر ,والملاحظ أن هذا الشاب كان يرمقها بنظرات الإعجاب ,فتذكرت ما قالته السيدة هوفمان عن العيون الجوالة .

كانت الطريقة التقليدية لتناول اللحم المشوي تتم عبر الأصابع ولكنها سرعان ما اعتادت على هذه الطريقة وان شعرت بالإحراج قليلا بسبب التصاق اللحم بأصابعها وفمها.

تجنبت إيدن التفتيش عن فيرن ,لكن كان من المحتم عليها أن تراه , فقد كان جالسا على المائدة ذاتها إنما على الجانب الأخر , وكان قربه لولا التي بدت رشيقة كقطة في فستانها الأصفر الحريري الذي التصق بشكل مغري بجسمها .أما عينا تلك المرأة فبدتا على أهبة الاستعداد لرؤية أيه حركة تبدر عن فيرن.

فيما كانت إيدن تنتزع قطعة لحم ,التقت صدفة عيني فيرن ,فلاحظت بريقا ضاحكا فيهما ,دفع الدماء حارة إلى وجنتيها . الطريقة التي حاولت لعق ما علق من مرق اللحم على شفتيها ,جعلها تبدو وكأنها تمد لسانها له ,فانفجر ضاحكا واحد يهز لها رأسه . في هذه اللحظة رفعت لولا رأسها إليه وقد اشتدت شفتاها وضاقت عيناها السوداوان .. لماذا نظر إليها فيرن في هذه اللحظة التي قامت بها بهذه الحركة الطفولية ؟ كانت تحس بغضب المرأة الأخرى يتعاظم فمالت إلى غريفت خائفة ,فابتسم فورا لها وسال :

-أنت على ما يرام عزيزتي ,أتعرفين ؟لقد وعدوني بالعزف مع الفرقة فيما بعد..اعتقد ان هذا سيدفع فيرن العجوز الى التفكير ثانية .

-هذا من حسن حظك ... هل ستعزف بضع معزوفات ؟

-إن كنت محظوظا اعزف ما تبقى من الأمسية .

-ولماذا لم تخبرني من قبل ؟

-خلتك ترفضين المجيء إن عرفت .

-هذا محتمل ..حسنا ...ساجد لنفسي شريكا أخر , ولا احسبني , كما قالت جدتك أجد صعوبة .

-أوه ...إيدن!.

ضحكت : " حسنا ..لكن عليك إنهاء طعامك أولا "

وبعد ذهابه للمشاركة في العزف رغب الكثير من المدعوين في رفقتها ,لكنها شعرت بالغربة بين هذه الوجوه الباسمة , فقررت السعي إلى مكان أهدا وابرد في الحديقة ...لتخلو إلى نفسها قليلا . سارت في الممر متعرج بين شجيرات منخفضة حتى تلاشت أنغام الموسيقى .

كان في نهاية الممر المتفرع إلى ممر أخر صفٌُ من الأشجار الاستوائية الواقفة كأشباح رمادية تحت ضوء القمر والرافعة أوراقها السرخس نحو السماء المظلمة .

عوضا عن سلوك الدرب الأخر تابعت المسير إلى ما وراء أشجار السرخس ,هناك وجدت الشجيرات أكثف والدرب مقطوع ,فامتنعت عن إكمال المسير لئلا يتمزق ثوبها في الطريق الوعر.

ولكنها وجدت نوعا من السكينة غريبا ,لم تستدر مبتعدة عنها إلا على مضض .فجأة حبست أنفاسها فقد سمعت صوتا بين الشجيرات , وكأنما أشخاص آخرون يشقون طريقهم,وبما أنها اعتقدت أن احدهم تبعها خافت وارتعبت ووقفت تجول بعينيها فيما حولها بحثا عن من يكون.

-إيدن ..هل أخفتك ؟

حين برز فيرن من لا مكان ,أغمضت عينيها بمزيج من الراحة والاضطراب ...ففي المرة الأخيرة التي رأته فيها كانت لولا ملتصقة به ,وهي ألان لا تصدق أنها بعيدة عنه.

-لم أتوقع رؤية احد.

أزعجتها هشاشة صوتها وعدم ثباته , ولكن عندما تقدم إليها قفز قلبها مجددا وتزايد توترها خشية أن تلحق به لولا.

-غريفت أحمق! اعتقد انه يحاول إثبات شيء ما بعزفه مع الفرقة الموسيقية ,لكن أن يتركك وحيدة فعمل غبي خال من الأدب .

-لكنني لا أمانع !.

-لا تتفوهي بكلمات سخيفة إيدن..أنت تمانعين بكل تأكيد.

كان ذلك الصوت العميق المؤثر بمثابة يد تداعبها فارتجفت. ولأنها بحاجة إلى ما يلهيها , ويبعد تفكيرها عن فيرن , مدت يدها تقطف زهرة من شجرة كانت قربها ,ثم قربتها إلى خدها لحظات فعبقت في انفها رائحة رائعة ,لكنها لم تخفف من ضربات قلبها الصاخبة .

-لم يستطع رفض فرصة العزف علنا مع فرقة محترفة ...لا تلمه فيرنّ.

اقترب أكثر منها .

-إنما ألومه على تركك وحيدة .

كانت تمسك بالزهرة بشدة فانكسر غصنها ووقعت الزهرة أرضا أمام قدميها ,وسرعان ما انحنى فيرن ليلتقطها ثم بعد ذلك أبقاها برهة في يده قبل أن يضعها في شعرها خلف أذنها اليسرى .ابتسم محدقا إلى أعماق عينيها :

-إنها تليق بك؟

لكنه لم يسحب يده, بل تركها خفيفة على عنقها وهذا ما ضاعف خفقات قلبها .

-قال غريفت إن وضع الزهرة خلف الإذن اليسرى يعني إنني مخطوبة.

تقوس حاجباه بسرعة:

-من المؤسف انه لا يتذكر ذلك!.

-لها عطر جميل ..

-وأنت فتاة جميلة .

مرر أصابعه بخفة على عنقها فارتجفت , ثم غضت طرفها لئلا ترى عينيه ,أو ترى تلك النظرة العميقة المشبوبة بالرغبة ,النظرة التي تحرق مشاعرها ,وتثير فيها استجابة لم تستطع فعل شيء حيالها . أردف بصوته العميق المثير لأحاسيسها المجنونة :

-كيف لا يكون غبيا من يتركك ليعزف مع فرقة موسيقية ؟الم يدرك ما تشعرين به وأنت منبوذة ؟ألهذا تختبئين هنا إيدن ؟شاهدتك آتية في هذا الاتجاه...

-ولحقت بي !.

رفع خصلة شعر نحاسية بين أصابعه :لحقت بك لأنني اعرف ما تشعرين به.

نظرت إليه بعينين نجلاوين قاتمتين تحت ضوء القمر ,ثم قالت هامسة:

-ما ألطفك ! ..لكنك ...لم تكن وحيدا.

التوى فمه سخرية وقال بهدوء:

- -لقد علقت لولا بحديث مع مضيفنا ,ثم إنني غير مرتبط إيدن ...لا تفكري بهذا إطلاقا !.

-أنا لا أفكر!.

وقف ساكنا وأصابعه لا تزال في شعرها تعبث به . بعد ذلك ارجع رأسها إلى الوراء ثم جدبها بنعومة إليه , فأحست بنظرته تحرقها وشعرت برأسها يرتفع إليه باستسلام . عانقها تقريبا بالقوة والعنف السابقين فتحركت رغباتها استجابة يرافقها استسلام لم تعهد مثله قط ... تلاشى ما حولها ولم تعد تشعر إلا بما هي فيه , وإلا بمشاعرها التي أطلقت لها العنان .وطوقت عنقه تنشد مزيدا من العناق .

-فيرن...

كان قد مضى بضع دقائق لم تستطع فيها أن تتكلم , ولم تتعرف إلى صوتها المضطرب :

-إيدن ...بالله عليك . تخلي عنه قبل أن يؤذيك !

أذهلتها كلماته هذه لأنها توقعت بعد هذا العناق كلمات تدليل أو أي كلمة أخرى عدا أمر قاس يتعلق بأخيه ... ابتلعت ريقها بصعوبة ,ثم ابتعدت عنه هامسة :

-أخطأت حين سمحت لما جرى بيننا قبل قليل ,إنما لا يعني أنني لا ...

-إن كنت ستقولين انك تحبين غريفت فامتنعي ّ.

مد يده ثانية ليلامس خدها ,وعلى الرغم من استياءها لقسوته تجاه غريفت . فقد أثارتها اللمسة مجددا .

-ما زلت صغيرة على الحب من اجل الحب...اعترفي بهذا إيدن ...لماذا لا تعترفين؟

-لن اعترف...لان هذا غير صحيح! اعترف فقط إنني أخطأت عندما تصرفت على هذا النحو منذ قليل , ولكن لن يؤثر في ما اشعر به نحو غريفت .

ما زال في عينيه توق ما أشعرها بالذعر ...

-بم تشعرين نحوه بالتحديد إيدن؟

أدركت في لحظة ذعر , أنها لا تعرف بالضبط ما شعورها , لكنها قالت بإصرار :

-سأتزوجه ...أنا خطيبته ولهذا قدمت إليكم!.

-وهو إضافة إلى وسامته صيد ثمين .

كان ردها سريعا وغريزيا , فقد تعاملت معه يدها التي وقعت على نعومة وجهه الأسمر بغضب وحقد كبيرين .وسرعان ما استولت عليها مشاعر مخيفة ,فارتدت على عقبيها تركض لا تلوي شيئا إلى المنزل ,لم تكن في الواقع تعرف أين تتجه ,ولكن صوت فيرن لحق بها .

-إيدن !.

لم تتوقف ولم تبطئ الخطى حتى وصلت إلى صف أشجار السرخس ,عندها فقط, ولإحساسها بضعف ساقيها خففت من سرعتها ..أصبحت الأصوات اقرب إليها ألان , ووقع الموسيقى ذكرها بان غريفت لن يستقبلها بذراع مطمئنة ...

ووجدت نفسها أمام المنزل حيث تقف السيارات بهدوء ..

وحيث تتلاعب نافورة ماء بسكون فوق حجارة البركة ...حتى هنا كانت الأشجار ,والشجيرات الشائكة تنمو بالطريقة ذاتها .كان النور يتدفق من المنزل لكنه ظل محافظا على هدوئه وعزلته وهذا ما تحتاج اليه .

ولان الهدوء كان شديدا , التفتت بسرعة ما إن سمعت وقع أقدام ظنتها للوهلة الأولى لفيرن ,لكنها شاهدت لولا كورد- مانيارد ترنحت بعض الشيء .

لم يكس الوجه الجميل أي تعبير فاستولى الذعر على إيدن ما إن التقت عيناها العينين السوداويين, وشاهدت فيهما بريق انتصار .بدت في الفستان الحريري الأصفر الذي التقط نور القمر وكأنها آلهة شرقية ..

تحركت لولا نحوها بخفة قطة, وابتسامة شاحبة على فمها:

-اعتقد انك أنت إيدن كاريستر .

-اعرف انك السيدة كورد- مانيارد.

-طبعا تعرفين .لابد أن غريفت روى لك أخبارا كثيرة عني ويستحسن أن تصدقيه آنسة كاريستر! ماذا قال لك ,عدا كوني قادرة على العناية بنفسي ؟

-لم يقل سوى انك صديقة فيرن.

اتسعت ابتسامتها :

-صديقة ؟بل أكثر من صديقة آنسة كاريستر ...ولهذا لا يعجبني دورانك حوله .

مع أنها غير معتادة على الجبن ,فكرت في الهرب بسرعة بحثا عن غريفت ...لكنها تذكرت أن غريفت وجدته كانا واثقين أن لولا تظهر مخالبها علنا في مناسبة كهذه .مررت لسانها على شفتيها الجافتين وهزت رأسها :

-أنا لا أدور حول فيرن سيدة كورد مانيارد لأنني خطيبة غريفت .

-هذا ما سمعته ! لكنني أراهن أن غريفت لا يعرف انك تتسلين لتسبحي مقدمة عرضا مثيرا أمام فيرن .

-لم أكن اعرف انه على مقربة مني !

-واراهن على هذا أيضا !.

-هذه الحقيقة! أتظنين أنني كنت أسبح بثيابي الداخلية لو عرفت أن هناك من يراني؟ خاصة فيرن؟

-كررت كلماتها بنعومة :

-خاصة فيرن ...إذن أنت تعتبرينه شخصا خاصا ؟

-أنا عنيت فقط...

-افهم ما عنيته آنسة كاريستر ...حسنا ...أنت تحبين الماء ...فتمتعي به .

لم تكد الكلمات تنطبع في رأسها حتى ضربت يد نحيلة كتفها وأرسلتها إلى الوراء إلى الماء البارد ... صرخت غريزيا حين وقعت على ظهرها في الماء الضحل وتخبطت بعض لحظات قبل أن تدرك أن لا خطر يحدق بها . ثم تمسكت بحافة البركة تبكي يائسة فلم تلاحظ عودة لولا إلى الحفلة ...في هذه اللحظات كرهت فيرن بمقدار ما تكره صديقته .

سيريناد 09-06-20 11:21 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل الخامس

المهم أنى أراك

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

وجدت إيدن صعوبة كبرى في تفسير ما حدث دون الدخول في تفاصيل سقطتها في البركة..... لكنها أصرت أنها " وقعت " ....

و لم يبد أحد شكه في هذا سوى غريفت الذي أصر أن يعرف و ذلك بعدما بدلت ملابسها الرطبة بأخرى.

- أنا لا أفهم .. كيف وقعت؟ البركة اللعينة كبيرة جداً بحيث لا يمكن أن تخطئيها.

-حسناً .. لقد وقعت . لو كنت معي تراقصنى, لما رحت أتجول وحيدة كعانس متزمتة.

-أوه .. يا لطفلتي المسكينة ! لا تغضبي منى .. أنت تعرفين أنني مجنون بحبك.

-لماذا إذن لا تقضى معي وقتاً أطول؟ لا أفهم كيف تدعوني إلى حفلة لا أعرف فيها أحد, ثم تتركني وحدي لتتمتع بعزفك.

-آه .. حبيبتي! اعذريني

ضمها إليه لحظات, و ما أرعبها أنها وجدت نفسها تقارن عناقه العفوي,بعناق فيرن المتملك, لكن هذه المقارنة خطيرة, لذا سارعت إلى نفض الفكرة بعيداً.

قال غريفت: "ما رأيك لو نتناول الليلة العشاء في المدينة تكفيراً عن تركي إياك؟"

-يبدو هذا جيداً شرط ألا تتركني آكل وحدي لتنضم إلى الفرقة الموسيقية.

-آه.. حبيبتي!

هزت رأسها:

-آسفة غريفت. إلى أين ستصحبني؟

-فلأختر المكان بنفسي. ما رأيك؟ أعتقد أنني أستحق أن تشدي أذني بسبب إهمالي لك, حتى فيرن لاحظ هذا.

-و هل قال لك شيئاً؟ لا أتصور لماذا يهتم فيرن بمشاعري!

-لا تخدعي نفسك .. انه يعرف أن ما تشعرين به يؤثر في.

-انه يعرف أنني لا أحاول التأثير فيك. هذا ما قلته له منذ البداية .. فما تفعله هو شأنك الخاص.

-ربما .. لكنه يرى أنني أسعى إلى جلب المتاعب لك بما أفعله, أي بتركك وحيدة أثناء التمارين. يقول أنني لو انضممت إلى الشركة لما بقيت وحدك وقتاً طويلاً.

-و لكن لن يكون هناك فرق إن غيّرت رأيك, فأنا ألاحظ أن فيرن يغيب معظم النهار, و هذا يعنى أنك ستغيب الوقت ذاته.

-هذه نقطة جيدة .. أتظنين أن الشيطان العجوز يلعب لعبة " فرق تسد " ؟ و بذلك أعدل عن رأيي فأنضم إلى الشركة. و قد تكون خطوته التالية أن يوهمك بأنك مهملة و بأن الرحيل خير لك.

ربما يكون غريفت على حق, أو اقترب من الحقيقة, و لعلَّ تحذيره لها من غريفت و ما قد يجلبه من أذى هدفه دفعها إلى الرحيل.

-أنا دهشة أنه يعرف أن تهديدك إنما يجعلك أكثر عناداً. لن تستسلم, حتى و لو عدت إلى بلادي, أليس كذلك غريفت؟

شدّ ذراعيه حولها,ثم ضحك و دفن وجهه في شعرها:

-أوه .. لن تتركيني حبيبتي أليس كذلك؟

-ليس دون سبب قوى.

-وعدتِ أن تمكثي عندنا حتى الخريف, و لن تهربي منى قبل هذا.

-قلت لن أرحل إلا إذا كان هناك سبب قوى بل قوى جداً. أتعلم أحب أن أُعْلِم الجدة بموعد الزفاف فهي لا تنفكّ تسألني عنه غريفت .. و المخزي أنني أشعر بالسخف كلما قلت لها لا أعرف.

-لا أفهم سبباً لشعورك هذا.

هزت رأسها, فتصرفاته عند ذكر الزواج تزعنورسين همسات روائية جها, و الأذكى أنه حتى الآن لم يشترى لها خاتم الخطوبة, و قد تساءلت دوماً عما إذا كانت مخطئة في الموافقة على المجيء معه.

قالت بهدوء:

-هذا ما يربكني كثيراً.

عبس فجأة, و اشتدت ذراعه حولها إلى درجة القسوة.

-و لمَ العجلة؟

-قلت لجدتك أننا على غير عجلة من أمرنا. و لكن من الطبيعي أن تقلق, و أظنها نافذة الصبر.

-دعكِ منها! هذا شأننا لا شأنها!

ضمّها إليه بشدة, و أراح ذقنه على رأسها, لكن إيدن كانت مستعدة لتتخلى عن أي شيء مقابل رؤية تعابير وجهه و عينيه. لقد قالت للجدة إنهما على غير عجلة من أمرهما, إنما هذا ينطبق أكثر فأكثر على غريفت لا عليها.

-لولا تزمتك يا حبيبتي لما احتجنا إلى أجراس العرس. لماذا نعيش معاً دون ...

قاطعته بصوت ثابت حازم:

-لقد ناقشنا هذا الموضوع مئات المرات .. و الرد ما زال "لا".

-أعلم انك تقولين دائماً لا .. لكن ...

-لكن لا شيء .. قد يبدو لك تصرفي تزمتاً و رجعية, إنما هذا هو الأمر .. أرجوك .. لا تسألني ثانية.

-حسناً .. فليكن ما تريدين. إنما اعلمي أنني لن أستسلم.

-عليك أن تستسلم.

قبّل أنفها:

-معك حق بشأن أجراس العرس .. إنما فلنمرح قليلاً قبل ذلك. ما رأيك لو نخرج للعشاء و الرقص حبيبتي؟

-و لِمَ لا؟

-خرجا إلى مطعم في وسط المدينة قضيا فيه وقتاً ممتعاً.

عندما غادرا المطعم و قف قرب سيارته و المفتاح في يده, و ذراعه على كتفيها, و لكن ما صدمها أنها لاحظت شبهه الغريب بفيرن في العتمة .. قال لها متحدياً:


-هل أنت خائفة من مشاطرتي ركوب السيارة؟

و ضحك و كأنما الفكرة سخيفة. لكن إيدن فكرت فيها بجدية, و هزت رأسها .. ففي تفكيرها ما حذَّرها من مغبة ما قد يفعله غريفت أثناء طريق العودة إلى المنزل, لكن نظرته الحالمة جعلت قلبها يتراجع عن ذكر ما تفكر فيه له .. قالت محذرة:

-كن حذراً فقط, غريفت, أرجوك.

-ألست حذراً دائماً؟

شدّها إليه فجأة بقوة كادت تزهق أنفاسها. لم يكن في عناقه حب أو لطف, لذا تحركت في داخلها ردات فعل غير مفهومة.

-آه .. حبيبتي .. ليتك تسمحين لي ...

-لا ..!

-حسناً .. حسناً ... أيتها المتزمتة البتول!

لماذا يذكرها عناقه بما هو أكثر إثارة؟ لم تكن قادرة على إبعاد فيرن عن تفكيرها .. و كأنما التفكير فيه, استدعاه ليتجسد أمامها, فقد رأته بطرف عينيها يدخل إلى موقف السيارات ..

و هذا يعنى أن لولا برفقته تتعلق به. حررت نفسها من بين ذراعي غريفت حين شاهدتهما.

-ما الأمر؟

ثم شاهد هو أيضاً أخاه, فأكمل:

-حسناً .. ما رأيك؟ أخي الأكبر و السيدة فومانشو معنا في المدينة! لماذا بحق الله لم أتعرف إلى سيارته حين وصلنا؟

-ربما وصلا بعدنا غريفت فلنذهب.

-و اتركه يعتقد أنني أهرب منه؟ فلنبقَ لنعرف رأى فيرن العجوز بنا .. قد يكون مسلياً.

لو كان بإمكانها لدخلت إلى السيارة تجنباً للمواجهة التي يفكر فيها غريفت. لكن ذراعه كانت شديدة حول قدّها.

في البداية, هزَّ فيرن رأسه تحية لهما, فبدا على غريفت خيبة الأمل. لكن, ما أن وضع لولا في السيارة بأمان, حتى عاد إليهما, و كأنه يود ألا تشاركه لولا في ما يجرى.

نظر إلى إيدن بحدة .. و كأنه يتهمها, فغضّت طرفها أمام توبيخه الصامت, و مضت لحظات قبل أن يلتفت إلى غريفت:

-أتفكر في قيادة السيارة بسرعتك المعهودة غريفت؟

-طبعاً .. و لِمَ لا؟

-رداً على سؤالك أقول انك بذلك ترتكب خطأ.

-و هل أنت أكثر منى رصانة في القيادة؟

كان يبدو متضرج الوجه غضباً, فردَّ عليه فيرن:

-طبعاً .. إن كنت لا تهتم بنفسك ففكر على الأقل بإيدن.

انتفضت حين رأته يستغلّها ليدعم حجته, و كان عليها أن تعترف بأنها موافقة على وجهه نظرة, لكن تأثيره الحتمي في أحاسيسها, أثار فيها استياء غير متوقع, فكان أن هبَّت للدفاع عن غريفت.

-سأكون آمنة معه فيرن..

قاطعها غريفت:

- إعتن بفتاتك و اترك لي فتاتي.

ضحك و مال ساخراً إلى الأمام نحو لولا, مما جعله يصدم رأسه بسقف سيارة مجاورة فصاح به فيرن:

-بالله عليك غريفت استقل تاكسياً عد إلى البيت أو دعني أقلّكما. أنت متهور الليلة, و القيادة ستكون خطرة.

-هذا ما تقوله أنت .. أراهنك بخمس دولارات أنني قادر على الوصول قبلك و ذلك دون أن أرتكب هفوة.

و التفت إلى إيدن:

-هل تثقين بي حبيبتي؟

فتحت فمها لترد, و لكنه أكمل بسرعة:

-إيدن لا تخاف .. و هي تعرف مقدرتي في القيادة!

-بالله عليك. قومي بما يردعه إيدن.

-لن أستطيع و لو حاولت .. سنكون على ما يرام فليس منا من هو طائش بالقدر الذي تظنه.

لاحظت انه يهز رأسه باتجاهها:

-أيتها الحمقاء الصغيرة..

و دون كلمة أخرى قفل راجعاً إلى سيارته. كانت ابتسامة لولا الشاحبة أكثر مما تتحمله إيدن, فأدارت ظهرها بسرعة .. أما غريفت فصاح به باندفاع جرئ مفاجئ.

-لا تلحقني لتراقبني. سنسلك الطريق الداخلية الطويلة, و هذا يعنى أنك ستكون في الفراش قبل وصولنا.

لم يقل فيرن شيئاً و لكن كان على وجهه نظرة سوداء واعدة بعثت رعدة إلى ظهر إيدن .. ليلة أمس صفعته بقوة, و الليلة أجبره غريفت على الرضوخ و ما فيرن هوفمان برجل يقبل معاملة كهذه. نقل بصره إليها لحظة قصيرة برقت في غضونها عيناه, ثم انطلق و غريفت يلوح له ساخراً.

كانت ليلة جميلة, و القيادة في الطريق الداخلية الضيقة إلى (غرين هاوس) مريحة. راحت إيدن تتمتع بهدوء الريف الساكن الذي يضيئه ضوء القمر. لكن هذا لم يبعث إليها كل الاطمئنان خاصة عندما كانت ترتقي السيارة مرتفعاً حاداً أو عندما تصبح المنعطفات أخطر, و الأرض أكثر انخفاضاً ممن جانب واحد. غير أن ميزة السير على تلك الطريق أنها تخلو من السيارات, لكنها غير مضاءة, و هذا ما جعلها في أكثر من مرة تمسك بالباب خوفاً.

كان لا يزال مبتهجاً بنصره, و كان يلتفت إليها دائماً مبتسماً, ثم يلف ذراعه حولها.. القمر بدر ساحر, يرسل أشعته الفضية على كل شيء, فتصبح الأراضي الجبلية أنعم منظراً و أشد جمالاً.

قالت إيدن هامسة:

-انه مكان جميل..

-و أنت كذلك .. لكنك تبدين كئيبة حبيبتي .. هل أنت نادمة على مرافقتي؟

رنت إليه بطرف عينها, و قالت:

-لم أندم بعد.

-أوه.. هيا الآن.. إن أصبحت شريرة أرمكِ فوق ذلك المنحدر!

-هذا ما ستفعله إن لم تبق عينيك على الطريق.. ليتك تتوقف عن إدارة رأسك غريفت.

أظهرت ابتسامة عريضة أسنانه الرائعة:

-لا أستطيع.. أنت أشبه بحلم تحت نور القمر.

-دعك من الإطراء و ركز بصرك على القيادة و خفف من السرعة بالله عليك.

ابتسم ساخراً:

- جبانة!

تمسكت مجدداً عندما انعطف:

-أرجوك غريفت, أمامنا سيارة أخرى لن نستطيع تجاوزها على هذا الطريق!

-آه.. دعي أمرها لي. من تراه يسلك هذه الطريق الصغيرة المغبرة في مثل هذا الوقت من الليل؟

فجاه صاح صيحة انتصار مجنونة جعلتها تشهق:

-انه فيرن!

كانت المسافة بين السيارتين تتضاءل تدريجياً فعرفت إيدن أن سائق السيارة هو فيرن..

قال غريفت:

-لقد أوصل لولا ثم لحق بنا ليتجسس علينا. حسناً! إذا كان هذا ما يريده فلنعطه ما يسليه!

- لا يا غريفت! لا تفعل!

لكنه لم يكن في مزاج يميل للإحباط أو لعدم تسجيل نصر على فيرن, لذا ضغط على دواسة الوقود بقوة, و صاح:

-هيا تحرك, يا أخي الأكبر.. ها نحن قادمان!

اقتربت السيارة الأمامية منهما بسرعة مذهلة, حتى كادت السيارتان تتلامسان, فرفعت إيدن يدها إلى فمها:

-لا.. لا.. يا غريفت!

ثمة ما حذّر فيرن فأدار رأسه بسرعة, ثم أشار إليهما بإلحاح أن يخففا سرعتهما, فصاح غريفت:

-لا.. و لو كلفني هذا حياتك!

و صاح صيحة حرب هندية جمدّت الدم في عروق إيدن, و تجاوز سيارة أخيه حتى كادت سيارته تلامس الأخرى.

-جيرانمو......!

اقتربا من منعطف جديد, و سرعان ما دوّى صوت المكابح تحاول تثبيت السيارة على الطريق, و لكن لا جدوى. كانت يدا غريفت تقبضان على المقود و كأنه يجد صعوبة في السيطرة عليه. كان ما حدث بالنسبة لأيدن غابة من الأصوات سمعتها تنطلق دفعة واحدة, ثم أحست بجسدها ينتزع من مكانه ليطير في الهواء و أحست بصوتها حاداً يثقب أذنيها, و كأنه صادر عن شخص آخر... بعد ذلك شعرت بهواء بارد و ريح عاصفة فاصطدام... تبعه غياب تام عن الوعي.

مضت ساعة قبل أن تسترد وعيها و لمَّا أفاقت لاحظت ثوباً أبيض ووجهاً مبتسماً, يشجعها على فتح عينيها.. قال صاحب الثوب الأبيض برضي ظاهر:

-يا الهي..! لقد عادت إلينا ثانية.

حاولت جهدها التجاوب مع الابتسامة التي تطلقها ذات الرداء الأبيض :

-آنت الآنسة كاريستر, صحيح؟

هزت إيدن رأسها ببطء.. و قالت هامسة:

-إيدن كاريستر.

-اسم ظريف.. و جميل كذلك. ظننت أهل الشرق وحدهم يستخدمون أسماء كهذه.

بذلت إيدن جهدها لتستجيب, لكنها أحست بشيء بارد في معدتها راح يزداد حساسية..

-حسناً.. هل تشعرين أنك أفضل حالاً لنستطيع رؤية ما نقدر على القيام به؟

لم تكد تسمع ما تقول المرأة لأنها كانت تبذل جهداً لتتذكر ما حدث.

-فيرن.. يجب أن أعرف...

-لا تقلقي بشأن أيًّ كان الآن و ركزي اهتمامك على مشاكلك فقط.

-لكنني قلقلة.

حاولت الجلوس, إلا أنها ما أن رفعت رأسها حتى دارت بها الدنيا, و كأنما آلاف المطارق الصغيرة تضربها. فأعادتها المرأة برفق إلى الوسائد:
نورسين همسات روائية


-هوني عليك.. لن تساعدي أحداً إن حاولت الوقوف فوقعت على وجهك.. هل فيرن هو الرجل الذي حملك إلى هنا؟

-فيرن؟

حدقت إلى سائلها لحظة و هي تفكر انه كان عليها أن تركز اهتمامها الأول على غريفت,لكنها حتى الآن لم تسأل عنه, بل كان تفكيرها كله منصباً على فيرن الذي كان قريباً من الهوة حين تخطياه.. أصبح الثقل البارد في معدتها أكثر برودة, و تدفقت الدموع من عينيها دون إرادة منها. فقالت لها ذات الرداء الأبيض:

-هاى.. هوني عليك. إن كنت قلقة جداً عليه, فسأرى ما أستطيع أن أجد.. هل فيرن هو صديقك؟

-أجل.... لا!

رفعت يدها إلى رأسها المتألم فإذا به مضمد:

-ماذا... لماذا.. أنا مضمدة هكذا؟

-لقد صدمت رأسك.. و لكن لا بأس عليك ستكونين بخير قريباً. إنما علينا أولاً تصويرك بالأشعة و هو إجراء روتيني بحت.

-لكن كم شخصاً غيري أدخل إلى المستشفى معي؟

-مصاب آخر إصابته طفيفة.

-كان هناك سيارتان...

-ثلاثة كما عرفنا و لكن من فيها خرج سالماً, و أظنّ هذا يشمل صديقك فيرن. هه؟.. اسمعي, ثمة شاب طويل جميل لا ينفكّ عن السؤال عنك, ما رأيك لو أستدعيه ليمسك يدك.

انه غريفت دون شك بقي فى المستشفى بدافع الضمير, و لم تندهش حينما وجدت نفسها لا ترغب في رؤيته.. لكن الإيماءة اللطيفة من جانب الطبيبة كانت لا تقاوم.. فهمست:

-اجل.. أرجوك.

-حسناً.. استلقى هادئة ريثما أدعوه.

أغمضت عينيها بشكل آلي حين خرجت الطبيبة, لكنها فتحتها مجدداً ما أن سمعت صرير الباب لتحدق إلى رجل وقف داخل الغرفة.

-أُذِنَ لي أن أراك لثوان معدودة.

جعلها صوت فيرن المخملي العميق تبلع ريقها بصعوبة, فيما راحت دموعها تترقرق من جديد.

-فيرن! أوه.. فيرن.. لقد اعتقدت...

و خنقتها العبرة مجدداً فلا خدش ظاهر و هي قد تصورته مرتمياً محطماً مثخناً بالجراح في قعر ذلك الوادي الفظيع.

أمسك يدها بأصابعه القوية, سعياً إلى مواساتها. كانت تبكى إنما بفرح, و لم يكن يعرف هذا...

-هس.. هذا يكفى.. لم يتأذَّ أحد سواك. أيتها الطفلة المسكينة.. لقد كانت إصابتك أسوأ إصابة, لكنك أفضل مما تصورت فلا تنتحبي رجاء. أنت بخير.. أعدك.. أرجوك إيدن.. لا تبكى!

كان لأصابعه الدافئة المهدئة تأثير منوم بطئ جعلها تتوق إلى ذراعيه. إنها بحاجة إلى التعلق به و ضمُّه, و لأنها محرومة من هذه الراحة, أدارت وجهها إلى الوسادة و بكت ببؤس.

-أرجوك لا تبكى.. و إلا ازداد ألم رأسك المسكين. هس.. حبيبتي.. هس!

-ظننتك وقعت من فوق المنحدر.. ظننتك أصبت بأذى أو...

حشرجة صوتها الدموع فتقطعت كلماتها. و جدت راحتها باللجوء إلى ذراعيه. وضعت يدها على صدره, و لمَّا شعرت بضربات قلبه الثابتة القوية, أغمضت عينيها.. أبعدها ببطء عنه, و لأول مرة لاحظت النظرة السوداء العميقة في عينيه على الرغم من ابتسامته. قال مداعباً:

-آسف لأنني خيبت أملك.. هل أنت منزعجة لأنني لم انتهِ إلى عقر الوادي؟

-آووه فيرن!

-آووه.. ايدن!

ظهر الضحك في عينيه.. لكن عينيها و بختاه.. و تمنت لو تعرف لماذا أجهشت بشلال البكاء ما إن دخل إلى الغرفة. مرّر يده على وجهها المتضرّر مبتسماً:

-كنت أمازحك.. حان الوقت لتستريحي حبيبتي.. سأنصرف قبل أن تأمرني الطبيبة بالخروج.... هه؟

فضلت لو بقيت حيث هي, تعانقه. و لكنه بدأ يتصرف بحرية في مداعبتها, و هذا حق غريفت وحده. أنزلها فيرن بحذر إلى السرير, فرفعت نظرها إليه تسأله:

-كان يجب أن أسألك.. كيف.. كيف حال غريفت؟

سرعان ما انعقد حاجباه, و اشتدَّ ضغط فمه:

-لقد خرج من الحادثة بأفضل حال. كان يجب أن يكسر عنقه اللعين أثناء قيامه بتلك الحماقة!

-أوه.. لا يا فيرن!

نظر إليها و عيناه تومضان:

-ترينني أعامله بقسوة؟
- لم اقل هذا ...!

-حسناً.. انه يقضى أوقات صعبة حالياً في قسم الشرطة.

-الشرطة؟ اعتقلته الشرطة؟

-انه موقوف, فحادثة كهذه لا يُتغاضى عنها, و لم أستطع حتى أنا إنكار مسؤولية من كانت.

-أعتقد أنك لن تستطيع.

و لا هي تستطيع إنكار مسؤولية غريفت. خاصة و هي ما تزال تذكر الرعب الفظيع الذي استولى عليها الاصطدام مباشرة, كما لا تستطيع نسيان صورة رأس فيرن في الظلمة, أو صيحة غريفت المنتصرة و هو يحاول تجاوزه.. و ارتجفت..

-لماذا لم يبطئ حين أشرت له؟ حاولت أن أقول له أن هناك سيارة قادمة هي بعيدة عن ناظريه, لكنه كان مصمماً على تسجيل انتصار علىّ فلم يفكر بطريقة سوية. لا أدرى كيف نجونا جميعاً! كادت الحادثة تؤدى إلى مجزرة.

-و هل أنا الوحيدة المصابة؟

-أصيب غريفت ببضع كدمات و بجرح طفيف فوق عينيه.. أما أنت فكان لك النصيب الأوفر.. لكن يعتقد أن لا خطورة عليك.ستبقين هنا ليلة واحدة تخرجين بعدها.

-فيرن.. لا أريد البقاء. إن أثبتت صورة الأشعة أنني على ما يرام أرفض البقاء هنا.

لاحظ موجة ذعر تجتاح كلامها, فضغط على يديها مطمئناً:

-هاى.. مهلك لحظة! إنها ليلة واحدة فقط.. فكوني عاقلة و افعلي ما يقوله الطبيب..؟

كان قلبها يخفق بقوة و سرعة. ثم لاحظت الدموع مجدداً في عينيها.

-و أنت ستكون إلى جانب الأطباء.

ابتسم:

-طبعاً.. عديني أن تبقى حتى يتأكدوا من أنك بخير.!

رأت أن لا خيار آخر أمامها, فهزت رأسها موافقة:

-فتاة طيبة!

لم تكن واثقة أن معاملتها بهذه الطريقة الطفولية يروق لها.. لكن, لم يكن هناك شيء طفولى عندما لثم فيرن جبهتها أو عندما ضمّها.. حين ابتعد, و نظرت إليه مجدداً, شاهدت نظرة الرغبة المقلقة التي تبعت القلق إليها, و ربما هذا ما دفعها إلى القول:

-فيرن.. أنا آسفة لأنني صفعتك.

كان صوتها أجشّ, فنظر إليها فيرن بثبات و قال بهدوء:

-و أنا آسف لأنني دفعتك إليه.

انحنى ثانية يعانقها ثم همس:

-تصبحين على خير حبيبتي!

و أغمضت عينيها مرة أخرى.

سيريناد 09-06-20 11:22 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل السادس

مشاعر مجنونة

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

قال غريفت :
- لا اصدق إنني نجوت.
ردت إيدن ويدها على رأسها المتألم:
- وأنا لا افهم كيف نجوت او كيف نجونا جميعا بمن فينا سائق السيارة الاخرى.
- هل أعطاك فيرن التفاصيل كاملة ليلة امس؟
- قال لي إن ما من احد أصيب إصابة خطرة.. وقد حمدت الله ..لأنك وفيرن بخير.
- فيرن ؟ ولماذا لا يكون بخير؟ لم يصطدم بنا.
- ولا يعود الفضل اليك , كدت تقتلنا جميعنا , وها أنا عالقة هنا في المستشفى دون ان اخرج اليوم , كما كنت آمل, فقد قالت
الطبيبة ان عليّ البقاء بضعة ايام .
- حسنا.. قولي ما تريدين مع إنني اعرف ما ستقولين.
مدت يدها بنعومة اليه :
- أنا آسفة .. لا استطيع أن أقول إنك غير نخطئ, وما كنت لأتذمر في وجهك لولا ألمي الذي لا ينفك يضايقني رغم المسكنات , لماذا
لا
تخبرني بما حدث بالضبط أمس وأثناء حديثك احاول ان أغفو؟
أدرك فورا انه كسب عطفها , فنظر اليها مبتسماً.
- هل أخبرك فيرن عن السيارة التي كانت قادمة من جهة المنحنى؟ يقول إنه لهذا السبب أشار إلي ان أبطئ, إنما كيف كان لي ان اعرف؟.
- إنه سوء حظ...
- لست آسفاً إلا لأنك هنا , اشعر باللقلق إيدن , عرض عليّ فيرن ان يضربني على رأسي لأعرف ما هو شعورك.
- أهذا ما قاله لك؟.
شعرت بالرضى لأن فيرن متضايق من اجلها .
- لأبأس عليك غريفت, لا اظنه يصل إلى هذه الدرجة.. مهما قال.
- أنت لا تعرفينه, إن له طبعاً وحشياً حين يغضب , أتعلمين انه لم يأذن لي بقيادة سيارته , فقد رفض أن يعيرني سيارته, فاضطررت
إلى استئجار تاكسي.
- مسكين غريفت, لقد افسدت على نفسك دون شك..
أدار لها يدها ووضع خده المصاب على راحتها.
- أنا لا استحق عطفك لأنني كنت متهورا غير انني اشكر لك عطفك.
- كان كلانا متهوراً.
هز رأسه بعد هذا التعاطف منها" ليتني كنت المصاب"
- وما ينفع هذا؟
- لو كنت المصاب لرضي فيرن , إنه يعاملني الآن وكأنني مجنون خطر يجب وضعه في حجر , وهذا رأي الجميع على ما يبدو,
حتى الطبيبة منعتني من عيادتك , لأنها اعتبرتني خطراً.
- آوه .. ما هذا الهراء!.
- كيف أذن له بالدخول وحرمت أنا؟ أنا خطيبك وهو من يزورك!.
- كان يطلب رؤيتي باستمرار.
- أو لم أفعل؟.
هزت رأسها , مفضلة عدم التقاء عينيه لأنها لا تعلم كم تستطيع التظاهر بأنها لا تنظر الى فيرن اكثر من كونه شقيقاً لغريفت.
- آسفة غريفت .. لكنني صدقاً لم أتوقع ان يكون هو زائري.
- لكنك لم تبعديه!
وكيف تبعده وهي كانت اكثر من مستريحة لرؤيته سالماً:
- سرني أن أرى وجهاً أعرفه.
- اوه .. اللعنة.. لماذا لا يتهور هو فتصاب فتاته في رأسها!
لكنه سرعان ما ضحك بعدما شاهد تعابير وجهها الساخطة.
امضت إيدن أربع ليالي و أربعة أيام في المستشفى, وكانت تتوق إلى المغادرة قبل ان يقرر احدهم أن تمكث وقتاً اطول.
ما ان أذن لها بالمغادرة حتى اجرت اتصالاً هاتفياً سريعاً بمنزل آل هوفمان , فوعدتها السيدة بأن يأتي أحدهم ليقلها.
ساعدتها الممرضة التي ادخلت لها الحقيبة , على ارتداء الفستان الذي ارسلته هوفمان .. قالت الممرضة وهي تحدثها بحبور:
- هاي عزيزتي, عندك شيء مميز, فجميع الشبان يتحلقون حولك .. أشعرك الأصهب وعيناك الخضراوان السبب؟
نظرت إليها إيدن باستغراب.. فالممرضة تعرف غريفت , لأنه كان يغازلها بطريقة فاضحة كلما جاء للزيارة.
- بكل تأكيد السيد غريفت هوفمان هو من جاء يقلني .. أليس كذلك؟
- أهو من كان يأتي سابقاً ؟ إذن ليس هو حبيبتي .. فهذا الرجل اكبر سناً , لكنه رائع مثل الآخر.
فجأة , أحست إيدن بالتوتر, فقد علمت أن فيرن هو من ينتظرها.. فمسدت فستانها , ووضعت يدها على اللصوقات التي تزين جهتها
الآن عوضاً عن الضمادات , ما اغباها لأنها تشعر بهذه الطريقة, ولكن من السهل عليها تذكر دفء ذراعي فيرن عندما ضمتاها
وهي مستلقية على السرير , أو تذكر تلك اللمسة المفعمة بالرقة.
سألتها الممرضة :
- هل أنت على ما يرام ؟
هزت إيدن رأسها.. ثم أرشدتها المرأة الى حيث ينتظر فيرن وهناك غمزتها قائلة:
- أرأيت ما أعني ؟ وداعاً حلوتي ..
عينا فيرن الرماديتان امعنتا النظر فيها عن كثب تراقبان بين أشياء أخرى, اللون المشرق على خديها .
- هل لنا أن نذهب؟ سألها.
وضع يده تحت ذراعها فرحبت بحركته مسرورة.
كانت المرة الاولى التي تراه فيها منذ ليلة الاصطدام, وهذا ما أعطاها شعوراً غريباً منيراً, لم يكن الآن قد سألها عن حالها او شعورها , ولعله
ينتظر أن يغادر المستشفى, وهذا ما تأكدت منه بعد لحظات من خروجهما.
- هل أنت على ما يرام ؟
ابتسمت :
- اشعر بعدما غادرت المستشفى أنني بخير , قدماي غير ثابتتين بعد رقدة السرير الطويلة, غير أنني لفرط سعادتي بالخروج اشعر برغبة في
الرقص !
ابتسم ساخراً بحماسها:
- هل أحسنوا معاملتك؟
- نعم أحسنوها لكنني لا احب المستشفيات , وكنت اخشى ان يأتي احدهم فيقول إن عليّ المكوث مدة أطول.
- اعتقد انك لا تعرفين ما هو خير لك.. مازلت تشعر يين بالصدمة لذا عليك طلب الراحة والهدوء.
- اجل .. اعرف .. لكنني اخاف مثل هذه الأماكن ولا ادري السبب.
ابتسم :
- أنت مخلوقة صغيرة وعجيبة .
في طريقة كلامه ما أوحى انه يعاملها كطفلة.
- لم أكن انتقدك.. أنت فتاة جميلة, رغم..
حذرته بسرعة:
- إن قلت العينين السوداوين أصرخ!.
فضحك:
- كنت سأقول رغم اللصوق على جبهتك .. لكن , يبدو انه كان حول عينيك اسوداد , هل أساء هذا الكبرياء المرأة عندك؟.
ردت بثابت:
- لم يكن هناك عينان سوداوان.. إنما غريفت كان يمازحني! كان على وجنتي بضع كدمات وقد شاهدتها أنت!.
- صحيح !.. حسنا لم تعد هناك كدمات الآن , بل انت الآن , وردية اللون وجميلة كما كنت دائما..هه؟
انحنى امامها ليفتح لها باب السيارة , لكن ضغط فمه الخفيف المفاجئ غير المتوقع على خدها حبس لها انفاسها , لم يقل شيئا اثناء دخوله
الى السيارة , ولكن كان على وجهه ابتسامة غامضة جعلتها متوترة.
- فلنذهب الآن.
لو تستطيع فقط القيام بشيء حيال ردة فعلها نحوه لهانت عليها الامور .
- لم أتوقع قدومك.
- توقعت قدوم غريفت.
- اجل.
- اعتقد انه كان يريد المجيء.. ولكن ليس لديه سيارته, ولا أخالك ترغبين العودة في سيارة اجرة؟
كان يتكلم وكأنه يتحدث عن أمر واقع ..
- لا ادري ربما معك حق, لكنني اعتقدته آتياً رغم كل شيء .
وجه اهتمامه الى قيادة السيارة في زحام الشارع, ثم أدار رأسه نحوها:
- آسف لخيبة أملك.
أثناء انطلاقهما مابين حقول الأناناس المترامية الأطراف , أدار لها فجأة مرة اخرى .
- هل أخبرك غريفت ان من المحتمل ان تلومه الشرطة على قيادته المتهورة ؟
هزت رأسها بأسى :
- مسكين غريفت.
أدار رأسه ثانية وبحدة وهو يقطب :
- مسكين غريفت؟ كيف تشفقين عليه وهو يكاد يقتل أربعة أشخاص بتهوره تلك الليلة, بما فيهم نفسه. لا تأسفي عليه إيدن .. إنه يستحق
ما سيحصل له , ولعل هذه التجربة تعلمه التصرف كرجل.
نظرت اليه مؤنبة وقالت بلؤم متعمد:
- اعرف..اعرف إنما لا تقس عليه فقد يحدث ما حدث مع أي كان حتى انت.
انفجاره بالضحك اجفلها :
- حسنا.. التصقي به.. لكنك تخطئين إن فكرت أنني ارتكب غلطة كهذه, فأنا لا اخاطر ابداً مثله بحياتي , فما بالك بحياة الفتاة التي
أدعي حبها.
وردت بسرعة:
- سترتاح الآنسة كورد مانيارد لسماع هذا.
- لولا؟ وما دخلها فيما نتحدث عنه؟
- تعرف ما أعني ..أنت .. وغريفت يقول..
- آه .. اجل .. لكننا تحدثنا سابقاً عن هذا الموضوع , غريفت يعتمد أن قدري ان اكون زوج لولا الثاني , أتظنين أننا سنكون زوجين مناسبين إيدن؟
لم يكن تحدياً غير متوقع فحسب, بل مستحيل الرد عليه . فهزت رأسها , الذي بدأ يؤلمها , وقالت هامسة:
- كيف .. كيف لي أن اعرف؟
- كيف لك حقاً ؟ أنت لا تحبينها ..أليس كذلك؟
لم تزعج نفسها بالإنكار :
- وليس غريبا ذلك بعدما فعلته بي!
رنا اليها بطرف عينيه , ثم أدار السيارة عن الطريق الرئيسية باتجاه المزرعة .. في هذه اللحظة شعرت انه قرأ اكثر بكثير مما كانت تعني من
ردها, ما إن ولجا الى طريق اصغر حتى توقف جانباً ليسألها:
- أتتكلمين عن ذلك اليوم حين ..ذهبت للسباحة؟ اعرف أن مافعلته لا يغتفر, لقد كان عملاً إجرامياً, لكنها امرأة متهورة تتصرف عن غير تفكير.
مد يده تحت ذقنها و أدار وجهها اليه , ثم اكمل:
- لكن هناك ما يتعدى هذا, أليس كذلك إيدن؟ هل هناك حوداث أخرى؟
ردت على مضض:
- مرة واحدة حيثما كنا في حفلة آل كيمورازس...
تمتم شاتماً بصوت خفيض ثم رأت عينيه تشتعلان غضباً.
- وقعت في البركة .. ولكنك لم تقعي؟
هزت رأسها :
- فضلت هذا الادعاء.
- لماذا بحق الله..؟
كانت أصابعه رقيقة على خدها, وبقيت عيناه ثابتتين على وجهها المضرج, كرر بإصرار:
- لماذا؟ كان الأفضل لو أبلغت الجميع بما فعلت بك, ولتتحمل النتائج .. لماذا لم تقولي ؟

لم يكن هذا رد الفعل الذي توقعته منه.. صمتت هنيهة ثم رطبت شفتيها لتقول:
- اعتقد .. انني شعرت بأن .. لها عذراً ما..
- وما هو العذر الذي يدفعها إلى تصرف كهذا ؟
- ظننت في البداية انها تعرف .. كنت قد تركتك لتوي..
- اذكر هذا .. ظننت انها عرفت بأننا كنا معاً وبأنني عانقتك .
هزت رأسها وقالت:
- لا أظنها كانت تعرف شيئاً ولكن حقدت عليّ منذ ان رأتك. ترمقني بنظراتك وأنا في البركة الصخرية, كانت واثقة أنني او تظن أنني تعمدت ذلك, وأنني كنت اعرف انك هنا .. وهذا غير صحيح فأنا لا أتصرف ...
أسكتها بلمسة خفيفة من يده, ثم لم يلبث ان امسك وجهها بين يديه الكبيرتين ينظر إلى عينيها المطأطأتين , وإلى احمرار وجنتيها الخفيف ثم قال بنعومة:
- اعرف انك لا تتصرفين بتلك الطريقة وأنا آسف لما حصل.. لكنني لم اكن اعرف ان لولا هناك.
- وما الفرق ؟ أوه.. إنها غلطتي غير أنني لم أفكر في ان هناك من سيراني.
- ما كان ليراك احد ولولا قلقي عليك لما لحقت بك.
في صوته ما أرسل القشعريرة إليها, وفيه ما جعلها تجرؤ على النظر اليه , لكنها اضطرت الى رفع بصرها حين امسك وجهها مرة اخرى بيديه:
- لكنني لن أقول إنني آسف للحاقي بك إيدن..
احست بأنفاسه فارتجفت :
- فيرن .. ارجوك .. لا تفعل..
تنهد وكأنه لا يرى ما يدعو وجنتيها إلى الاحمرار او لارتباك العينين اللتين رفضتا النظر اليه .. وقالت له :
- ليتك تنسى ما حدث .
- لا أعدك بذلك إيدن , حينما رأيتك تحت الشلال بدوت لي حورية من الخيال والأحلام.
هزت رأسها تريد التحدث لكنها ندمت لأنها هزته , فقد ومض ألم كاد يفجر رأسها..
- رأسي يؤلمني قليلاً.. أنسى دائما عدم تحريكه.
- يا للمسكينة!
حين لامس خدها مرجعاً خصيلة من شعرها إلى الوراء حبست أنفاسها بسبب خفقان قلبها الواجف, أما هو فاستقرت يده على عنقها بسبب
خفقان قلبها الواجف . اما هو فاستقرت يده على عنقها قبل ان يرفع ذقنها اليها فكان لابد ان تنظر اليه بولَه.
- لدي غريفت ما يجيب عنه , كاد يقتلك .
- ويقتل نفسه .. تهور حينما قاد بتلك الطريقة, لكنه اعترف بغلطته وأسف عليها وأنا صدقته.
- تسامحين ثم تنسين ..هه؟ أوه إيدن.. ليتك تتركينه قبل ان يؤذيك فعلاً.
جاءت مرة اخرى النصيحة مفاجئة من جراء تصرفها المتهور , وعلى الرغم من ألمها انتزعت وجهها من بين يديه وارتدت الى الوراء قائلة:
- اما زلت مصمماً على هذه الفكرة.. ألا تستسلم ابداً فيرن؟ انت تريده في شركتك اللعينة, وتظن بأن دفعي الى تركه يسهل عليك
الأمور.. لماذا تزعج نفسك بالتظاهر بالقلق عليّ؟ ولماذا تهتم لو تأذيت؟
- طبعاً أهتم.. ايتها الحمقاء الصغيرة!
امسك ذراعها بين من جديد وأدارها لتواجهه.
- أتظنين أنني أحاول إبعادك عن غريفت بسبب الشركة فقط؟ اتعلمين انني لا استطيع ان اقف متفرجاً على شخص يستغله احدهم كما يستغلك غريفت . لماذا تصرين على إغماض عينيك عن الحقيقة ؟
- هذا غير صحيح!.
قربها فيرن منه بقوة ذراعيه , ثم ضغطها على ظهر المقعد الجلدي الطري بثقل جسده, واقترب وجهه من وجهها, تمتمت باحتجاج
غير مفهوم سرعان ما اختفى عندما ضمها اليه بقوة , والذي حدث أنها تعلقت به كما فعلت من قبل خاصة وانه التصرف الوحيد القادرة عليه.
كان فمه مدفوناً في عنقها الناعم , على النبض الخافق مابين العنق والكتف, أدارت وجهها فلامست شفتيها الدافئتين عنقه الأسمر حيث شعرت بنبضه يتسارع في أسفله, مرت دقائق قبل ان يرفع رأسه وينظر اليها بعينين تشتعلان شوقاً:
- اتركيه! بحق الله اتركيه! انت لا تحبينه , اتركيه قبل ان يفوت الأوان!
أحست بلطمة قاسية تلطم قلبها , فقد اعتقدت أن عناقه ما هو إلا وسيلة إقناع .. وضعت يديها على صدره تدفعه وفي عينيها غضب..
- انا .. لا اأتعلم .. أليس كذلك؟ انت تبذل جهدك لأتركه, وأنا لا أفهم هذا ابداً إلا متأخرة , لماذا تخدعني؟
- إيدن.. بحق الله...
- وبحق آل هوفمان بكل تأكيد.. فهذا اكثر مايهمك؟ غريفت هو من آل هوفمان .. ويجب ان يذعن , بغض النظر عن رغبته او عدمها , وتظن السبيل الوحيد إلى انضمامه الى صفك هو التخلص مني! لكنك مخطئ .. انت مستعد للقيام بأي شيء , حتى تنقذ مأربك, كيف تتجرأ ان تقول إن غريفت يستغلني ..!
كان صمته اشد شراً من انفجار غضبه , لذا عندما استدار ليدير المحرك بسرعة كادت ترتمي في مقعدها.. اثناء اقترابهما من المنزل التفت
إليها, ثم غير رأيه , فلم تتمالك من النظر جانبياً اليه.
قال لها غريفت بعد العشاء تلك الليلة:
- كنت أرغب ان أقلك بنفسي, لكن جدتي ارتأت ان يذهب فيرن .. وتعرفين ما هي عليه!
- افهم , لكن ليتك ذهبت انت.
- وهل كان الأمر سيئاً الى هذا الحد؟ كان متجهماً حين انطلق, لكننا قلقين عليك.. اما زلت متوترة منه..؟
- اعتقد هذا خاصة وأنني لا اعرف أين يصنفني, هل أنا برأيه خطيبة اخيه ام مجرد فتاة تسعى وراء المال , مال هوفمان ؟
لم يحمل كلامها كالعادة على محمل الجد.
- لو عرف ما تكبدت من مشقات لأقنعك بالمجيء لما قال ذلك.
- لكنه يراني مخادعة, هل واظبت على تمارين العزف اثناء غيابي؟
- في الواقع لم أتمرن لحظة.
- وهل فقدت الحماسة والإلهام؟
- يمكنك قول ذلك, اجدني كما قال فيرن , رأيت ضوء الواقع .
- رأيت الضوء؟
- لقد التقيته في منتصف الطريق.. رافقته الى المكتب بضع مرات في الأسبوع المنصرم لأرى كيف تجري الأمور بنفسي.
- فهمت.
أحست بالبرد فجأة, فقد أكد لها ما اتهمت فيرن به, لم تغب إلا أربعة أيام, وهاهو قد أقنع غريفت بفعل ما يريده منه...
قال لها محاولاً شرح وجهة نظر فيرن, بعد إذعانه له:
- لم يعد الأمر مهماً ..حقاً , اعلم انك تفضلين صديقاً موسيقياً , لكن .. حسناً .. أنا آسف .
انفجر نفاذ صبرها فصاحت به:
- أووه.. بالله عليك غريفت ! لا يهمني أبدا ما تفعل , ولكن كيف تذعن بهذه السهولة ؟
رد بقلق:
- لكنه لم يلو ذراعي , هذه هي الحقيقة حبيبتي ! لقد اتخذت قراري بنفسي , وسأهتم بالعمل حتى ارى كيف أتعاطف معه.
رفضت التصديق انه غير رأيه بإرادته .
- حسناً, بما انك اتخذت قرارك, وماعدت تحتاجني فسأرحل, وهذا ما سيسعد فيرن.
- حبيبتي ..! ماذا تقولين؟.
امسك كلتا يديها بإرتباك, بحثاً عما يدل انها تمزح, لكنها كانت تحس بالضياع.
- لا يمكنك الذهاب .. حبيبتي.. مكانك هنا.. معي.
- إلى متى ؟ وهل أبقى هنا حتى بعد زواجنا ؟
صمت طويلاً , فشدت على قبضتيها لأنها باتت تعرف جيداً شأن زواجهما , وقال اخيراً:
- طبعاً حتى بعد زواجنا . . ولم لا ؟
لم لا فعلاً؟ ولكن كيف لها المكوث تحت سقف واحد مع فيرن القادر على إقلاقها وعلى ادخلها في حال تنسى فيه وجود غريفت بسهولة ,
كيف لها قضاء ما تبقى من عمرها مع إغوائه الدائم , لا الفكرة لا تطاق , رفعت رأسها وقالت له بهدوء:
- لن استطيع ذلك غريفت.
عبس بسرعة:
- لماذا ؟ ألا يعجبك المكان؟
- بلى .. بلى.. يعجبني , ولكننا لن نستطيع العيش جميعنا في بيت واحد .. وأظن فيرن يوافقني الرأي.
- لكنه يريدني هنا, وإن بقيت أنا .. تبقين معي, أوه .. كلامك جنون حبيبتي .. أتظنين انه لا يريدك هنا؟ بالطبع يريدك.
- غريفت ...
قبلها بشدة ليمنع اي جدال آخر وقال:
" لا هراء بعد الآن, أنت تظلمين فيرن العجوز إن اعتقدت انه يريد منا ان نخرج من هذا المنزل.. اظن انه حان وقت توطيد تعارفكما , وربما بعد هذا التعارف الوطيد قد يعجب كل منكما بالآخر.
ضحك .. وكأن الفكرة مزحة .. لكنها ردت:
- قد يحدث هذا ..
وليته لا ينتبه للمرارة في صوتها.

سيريناد 09-06-20 11:23 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل السابع

هاربة من قلبها

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

مضى أكثر من أسبوع على مغادرة إيدن المستشفى , خلاله تغير نمط حياتها كله . لم تكن ترى فيرن أكثر أو أقل مما كانت , لكنه كان يعاملها بطريقة رسمية زائدة , وهذا ما كانت تأسف له أكثر مما تعترف وكانت من ناحية أخرى , ترى غريفت أقل بكثير لانشغاله في الشركة , وكان عليها أن تُدخل في حسابها أمر غيابه كل يوم حتى وقت الغداء . وبسبب هذا أمضت معظم الوقت مع السيدة هوفمان .
في غضون هذا الأسبوع فكرت مراراً أن تقترح على غريفت , أن تعود إلى بلادها , لكن لسبب ما أبقت الأمر سراً . ولعل هذا السبب يعود إلى خشيتها من ألا يكون معارضاً لسفرها كما كان مصمماً من قبل , وفى قرارة نفسها وعلى الرغم من كل شىء لم تشأ السفر .
مع أن الجدة لم تكن صورة تقليدية للجدة العطوف , إلا أنها كانت ذكية , يقظتها تتحدى السنين , ولكن إيدن شعرت بأنها تولع بها . كانت تحس العينين الهرمتين الحادتين تراقبانها .
- ما رأيك ؟
سألتها إيدن هذا السؤال عندما انتهت من ترتيب الزهور .
- لا بأس به أبداً . . . أنت تليقين بهذا المنزل .
- صحيح ؟
تعاطفت إيدن مع الرأي بخفة , لكن العجوز لم تكن تمزح :
- كنت مفاجأة سارة لي يا فتاة !
- رائع . . وأنا سعيدة جداً مدام .
- أنت شابة كاملة , كما أنك إمرأة لائقة . لا أنكر أن مثيلاتك قليلات على وجه الأرض , لكن الرجال يفضلنهن .
- لا أدرى , لم أفكر في هذا من قبل . لا أعرف إلا أننى كسائر نساء عصري . . أليست كل إمرأة لائقة ؟
- تعرفين ما أعنى يا فتاة . . كم عمرك ؟ إثنان وعشرون أم ثلاثة وعشرون ؟
- ثلاثة وعشرون .
هزت العجوز رأسها :
- انت صغيرة قليلاً ربما لكنك رائعة , فلك طريقة مع الرجال لا تدل على أنك تريدين إستغلالهم . كل ما فيك يدل على أنوثتك , وليس عندك نزعة ذكورية كاذبة , تتظاهر بها بنات عصرك .
رفعت إيدن رأسها مبتسمة :
- لا أعرف ما إذا كان أهلي يوافقونك هذا الرأي . . سيدة هوفمان . . . كانوا فى موطنى , يعتبروننى شبيهة بالصبيان . . وهذا أمر حتمى نظراً لنشأتى بين ثلاثة أشقاء .
- وهذا يعنى أيضاً أنك كنت المدللة , وهذا أمر جيد لأنوثة إمرأة .
أمسكت إيدن بوردة تشذب ساقها , ثم رفعتها إلى أنفها وكادت تقع من يدها هولاً حين أكملت العجوز :
- ما أشد سرورى بفيرن !
حدقت إيدن إلى السيدة لحظة وقلبها يخفق بجنون :
- فيرن ؟
ابتسمت المرأة , إنما كان في عينيها بريق مكر :
- أعنى. .غريفت بالطبع .
أوضحت نبرتها أن الغلطة ليست زلقة لسان . فعادت إيدن إلى عملها , مفترضة أن من الممكن أن تشك العجوز بالرسميات الحالية بينها وبين فيرن , لكنها لن تعرف شيئاً . . وسألت العجوز فجأة :
- متى سيكون الزفاف ؟
اشتدت قبضتها على ساق الزهرة :
- لم نحدد موعداً نهائياً . . سيدتى .
شخرت العجوز بسخط , وقالت بحدة :
- هذا ما تقولانه دائماً . . ؟ لقد حان الوقت لتحديد اليوم لنعرف ماذا نفعل . . هل دعوت أهلك ؟
- ذكرت لهم أن الزفاف سيكون هنا لا فى بلدى .
- إنهم دون شك يسيئون الظن . ألا تتكلمين أنت وغريفت عن الموضوع ؟
لفظت أول ما خطر على بالها بيأس :
- فكرنا فى الخريف القادم .
ماذا سيقول غريفت حين يسمع هذا ؟
ارتفع حاجبا السيدة علامة عدم الرضي :
- ليس حتى الخريف ؟ لم يبدأ الصيف حتى . . حفيدى هذا , لا يبدو عاشقاً ولهان ؟
- لا أظنه متشوقاً ليصبح زوجاً . . لكن لديه عمل كثير فى الوقت الحالي , لهذا لا حاجة بنا إلى العجلة .
ردت الجدة بحدة :
- إنه أحمق صغير ! وإن لم يتحرك سريعاً يخسر .
- ليس غريفت بالأحمق سيدتي . قد لا يتفق مع فيرن فى أشياء كثيرة , لكنه ليس أحمق .
- بل أحمق لأنه يترك فتاة مثلك معلقة لفترة طويلة . أعتقد أنه تخلى نهائياً عن الموسيقى . . أهذا صحيح ؟
هزت إيدن رأسها :
- هذا ما يبدو , على الأقل في الحاضر .
- ليس لديه القدرة على الاحتمال . . !
التفتت إيدن بحدة إليها :
- أوه . . هذا حكم جائر . ألم تريدى منه أن ينضم إلى الشركة ؟
- لكننى كنت سأزداد إحتراماً له أكثر لو تمسك بالموسيقى , وقال لنا أن نذهب إلى . . . فيرن كان سيفعل هذا لو كان مكانه .
- مسكين غريفت . . إنه غير قادر على مرضاتك بأي طريقة كانت . لو أراد أن ينفذ ما يريد . . فهو أحمق . . وإن فعل ما تريدونه منه بقى أحمق .
ردت المدام بإصرار :
- إنه أحمق إن لم يعرف ما هو موقعه بالنسبة لك .
قطبت إيدن بحيرة :
- كيف ؟
راقبتها العينان الماكرتان لحظات , ثم هزت العجوز رأسها , وكأنها إقتنعت بأنها محقة بأمر ما :
- تجدين فيرن جذاباً . . أليس كذلك ؟
أجفلت , وأحست بتورد وجنتيها .
- فيرن . . . رجل جذاب وأتصور أن معظم النساء يجدنه كذلك .
- وهل عانقك ؟
حدقت إيدن مرة أخرى إلى العجوز . . . فقد كان السؤال مجرد تصريح بأمر واقع . ردت بحذر :
- لا أحسبه ممن يجد صعوبة فى معانقة نساء يرغبن فيه .
شخرت العجوز بنفاذ صبر :
- أوه . . هيا الآن يا فتاة . . أتظنين أنني لا أعرف الدلائل . . ؟
خاصة طريقة نظره إليك , إلى ثغرك وهو أكبر دليل . ليست نظرته إليك نظرة أخوية , فأنا أعرفه !
أحست إيدن بتشابك أعصاب معدتها , وكانت مستعدة للتخلى عن أى شىء , لتستطيع مغادرة الغرفة . .
- تأخذين أموراً كثيرة على محمل المسلمات سيدة هوفمان . . وليس لك الحق .
- هراء لم الخجل من الاعتراف ؟ لقد قلت إنك تجدينه جذاباً . . كما إنه لا يجد صعوبة فى معانقة نساء مستعدات لعناقه ؟ لماذا أنت مختلفة ؟
- لأنني خطيبة أخيه سيدتي ؟
- لكنه على غير عجلة للزواج بك . . ولا أظنك مخلوقة باردة الدم .
- وأنا لست على عجلة أيضاً . وليس لهذا علاقة بفيرن ! إن أراد الزواج , فليتزوج السيدة كورد-مانيارد !
التوى فم العجوز كراهية :
- تلك المرأة ؟ لفيرن كرامة لا تسمح له بالزواج بإمرأة تطارده بتلك الطريقة . إنه هوفمان !
- وكذلك كان والده !
ضاقت عينا العجوز :
- آه . . أخبرك غريفت بهذا ؟
- كانت والدته فتاة عاملة عادية مثلى . . وبما أن إبنك تزوج فهذا يعنى أن رجال عائلة هوفمان سريعي التأثر كسائر الرجال العاديين . . .
- أنت أذكى بكثير مما تبدين يا فتاة . . إنه شعرك الأحمر . . لقد حذرت فيرن .
- فيرن ؟
رمت إيدن الكلمة بحدة جعلت العجوز تحدق إليها ملياً :
- أعتقد أن ما بينكما أكثر بقليل من مجرد عناق . . وأعتقد أن على غريفت التحرك سريعاً إن أراد أن يؤسس لنفسه عائلة !
جعلتها ضحكتها الماكرة تنتفض مجدداً :
- يجب ألا تتحدثي عن عائلتك بهذه الطريقة أمام غريبة .
- ما دمت ستصبحين منا فهذا يعنى أنك لست غريبة . . أنا معجبة بك إيدن كاريستر , وإن كنت غير إنكليزية .
كان الاعتراف بطريقة ما مؤثراً . . وقدرت لها ما تكبدت لتعترف . . وقالت :
- لا أدرى لماذا يجدك غريفت مخيفة . . أعتقد أن الأمر مختلف مع فيرن . .
مدت العجوز لها يدها , تستدعيها إليها , لكن إيدن أحست بالقلق يعاودها . قالت العجوز :
- أنت تدافعين عنه دائماً .
- ألا تتوقعين هذا منى ؟
- أتحبينه ؟
ترددت قليلاً قبل أن تجيب :
- أجل . . بالطبع .
- ساورنى شعوراً مؤخراً أنك ترغبين فى الانسحاب مما يسمى الخطوبة . . هل أنا محقة ؟
تساءلت إيدن عما إذا كانت العجوز هي الوحيدة التي لاحظت ذلك , فعضت على شفتيها لحظات , ثم قالت بحذر :
- فكرت . . أن أعود إلى بلادي . سأبقى على اتصال . . لكن . . لا أدرى . . أشعر أحياناً أن غريفت مشغول جداً فى العمل ولن يمانع لو رحلت .
- أتظنين أن عاطفته تبرد ؟
- لا أدرى . . لا أظن , ليس بالضبط . . لكنني فكرت في العودة بعض الوقت .
- فقط ؟
- لا . . لبا أدرى . لم أصل إلى هذا الحد من التفكير .
- هل لي بخدمة ؟ ( سألت العجوز بخفة)
- طبعاً . إنما إذا استطعت .
- بل تستطيعين إنما السؤال هل يقدر ضميرك الرقيق الحساس على السماح لك برؤية الأمور بصفاء ولو مرة واحدة .
- لا أفهمك .
- هذا ما ظننته . . أحب أن أرى فيرن متزوجاً ومستقراً . لقد خططت له دوماً للزواج بإنكليزية . . كما فعل والده أول مرة لكننى أحببتك يا فتاة . . وأود أن أراه متزوجاً بك .
كانت الصدمة أقوى من أن تفعل سوى التحديق إلى المرأة . أحست إيدن نفسها تهتز كورقة شجرة , وأكثر ما صدمها هو أن تدرك , أن الجانب العاطفي منها كان ينظر إلى الاقتراح بجدية . وكان قلبها يخفق كضرب الطبول . تمتمت :
- أنا . . لا أظنك تعرفين ما تقولين .
- بالطبع أعرف . . لم يمس عقلي شائبة يا فتاة !
- لكنني موشكة على الزواج بغريفت .
- صحيح ؟
تسابقت نبضات قلبها لأنها أدركت أن فيرن يعرف شيئأً عن خطط جدته , فهي لا تعتقد أن العجوز تُقدم على هذا القول لولا موافقة فيرن . عند هذه الفكرة ارتجف جسدها كله , وأكملت العجوز ضاغطة :
- لم يشتر لك غريفت حتى خاتم الخطوبة . . لو كان فيرن مكانه لأشترى لك خاتماً ولما شككت فى ما يشعر به .
لكنها كانت تشك . . فهي لا تعرف أبداً ماذا يعنى فيرن بعناقه لها أو بسعيه الدؤوب لدفعها إلى ترك غريفت . . فصاحت يائسة :
- لن أتزوج فيرن . . ! رجاء لا تضيفي شيئاً سيدة هوفمان !
نظرت عينا العجوز إليها بثبات :
- حسن جداً . . لكنك سخيفة جداً .
- أحاول أن أكون منصفة , صادقة ومتعقلة . . أعتقد أن فيرن قد يصاب بالذعر إن سمع اقتراحك هذا المتعلق بزواجي به
- أشك في هذا كما أشك في أن تقولي له !
- لن أجرؤ !
أحست بالرعدة الباردة من مجرد التفكير في أن يعرف .
سمعت صوت باب سيارة في الخارج فرفعت رأسها . . آملة يكون غريفت . إنها بحاجة إلى عونه . .
دفعت الزهور إلى المزهرية ونظرت إلى السيدة من فوق كتفها قبل أن تغادر الغرفة . . لكن القادم الذى إصطدمت به لم يكن غريفت , بل فيرن , فخفق قلبها بعنف حتى كادت تختنق .
- ما بك ؟ وكأنك هاربة من شىء ؟
- لا . . أنا لست هاربة ؟
خرج ردها سريعاً بصوت مقطوع الأنفاس , فاشتدت قبضته على ذراعها :
- أنت ترتجفين كورقة في مهب الريح ! ما بك ؟
- أنا . . كنت مسرعة فقط . . هذا كل شىء . . ظننت القادم غريفت .
- وهرعت إليه راكضة !
بدت السخرية واضحة في عينيه , فهزت رأسها :
- خرجت لملاقاته . . ألم يعد معك ؟
لم يرد فوراً , بل تابع النظر إليها بثبات , ثم تراجع :
- إنه في طريقه إلى هنا . . عذراً .
انتفضت من برودته المفاجئة ثم أحست بالانزعاج لأنها تشعر بأنها عرضة للأخطار .
بعد ظهر ذلك اليوم , أثناء وجودهما على الشاطئ , سألت إيدن غريفت :
- لجدتك رأى حقير بلولا كورد-مانيارد , أليس كذلك ؟
- ألم أقل لك هذا ؟
هزت رأسها . كانت مستلقية تصغي إلى همس الموج وتتساءل عما دفعها إلى ذكر لولا كورد مانيارد . وكان غريفت يسأل السؤال نفسه :
- ولماذا ذكرت لولا ؟
هزت كنفيها :
- أوه . . لا أدرى . . لكن اسمها ورد في حديث قام بيننا هذا الصباح .
- أكنتما تتكلمان عن فيرن ؟
- كنا نتحدث عن الجميع في الواقع . عنك وعنى وعن فيرن ولولا . إن جدتك ترفضها أشد الرفض .
- لولا امرأة مطلقة . . وجدتي قديمة الطراز تلتزم بالأخلاقيات القديمة .
- أظنني مثلها إلى درجة ما . . إذا أراد الناس الطلاق فهذا شأنهم الخاص . . لكنني شخصياً , لن أرغب فى المضي بزواج وفى نيتي طلب الطلاق متى شئت .
ضحكت عيناه الزرقاوان . ومد يده ليحيط عنقها .
- عرفت أنك متزمتة . . وقد برهنت على هذا !
- أوه . . أعرف لماذا تظنني متزمتة . إنما لن يعجبني أن تفكر في الطلاق .
أشاح بوجهه عنها سريعاً , مما ذكرها بمناسبات أخرى كان فيها يشيح وجهه ما إن يذكر الزواج .
- غريفت ؟
قعد وأحاطها بذراعه يضمها إليه :
- أنا لا أفكر إلا في حبك . . أيتها المتزمتة الصغيرة .
ضحك وشدها بين ذراعيه مجدداً . . فسألته :
- متى نتزوج ؟
- أفكر في الأمر . . .
حاولت التخلص من عناقه .
- غريفت , أحاول أن أكون جادة معك !
حين ابتسم مجدداً لم يكن في بسمته الدفء السابق . وقال متذمراً :
- مزاجك مضحك . ما بك حبيبتي . . هل أزعجتك جدتي ؟
- سألتني عن موعد الزفاف .
- أوه . . يا الله . ليس مرة أخرى ! إنسى الأمر حبيبتى , فجدتى لا تفكر إلا فى إتجاه واحد . . لكنها ستتعب من التكرار يوماً .
- قلت لها إننا سنتزوج فى الخريف .
- ماذا فعلت ؟
في صوته حدة لم تحاول تجاهلها . . فقالت :
- لقد رأيت أن الوقت حان لأغير ردى التقليدي , ولكنني لا أراك مسروراً .
- لا أحب أن يزج أحد أنفه في شؤوني ليس إلا .
- حتى أنا ؟
لم يرد في البداية , بل نظر إليها وعيناه ضيقتان . ثم ضمها إليه , وقال بصوت مخنوق :
- تعلمين كم أحبك . . وسأبرهن لك عن هذا الحب لو سمحت لى بذلك . أرجوك لا تحاولي تقييدي بمواعيد وخطط . . هه ؟
- لم أحاول تقييدك . ظننت فقط . .
- طبعاً . . طبعاً . . أعرف ! إسمعى حبيبتي , لا تفكري في شيء إطلاقاً . دعي كل شيء لي . . هه ؟ حافظي فقط على جمالك حين أحتاج إليك . .
- وهل أنت بحاجة لى ؟
قبلها بسرعة :
- طبعاً حبيبتي . . طبعاً أحتاجك .
- لكن ليس إلى درجة الزواج بى ؟
- أوه إيدن . . حبيبتي . . ! أنت تصعبين الأمور حقاً هكذا !
قبلها مجدداً بقوة محاولاً التأثير فيها .
- أنت لا تفكرين في تركي . . أليس كذلك ؟
- لقد فكرت في العودة إلى بلادي .
- لا بالله عليك لا ترحلي . أريدك هنا !
- لكنك مشغول جداً , وأنت لا . .
- أريدك هنا .
ضمها بشدة . . ثم زفر زفرة أطارت شعرها :
- حسناً . . قومي بالتخطيط للزفاف فى الخريف إذا كان هذا ما تريدينه .
- أحقاً ترغب فى الشروع بذلك غريفت ؟
هز رأسه ضاحكاً :
- إذا كان هذا يسعدك , فهيا . .
في اليوم التالي ذهب غريفت مع فيرن إلى المكتب . . ولأنها لم تشأ البقاء مع السيدة هوفمان خرجت إيدن إلى الحديقة .
كان في الحديقة ممر محدد تفضله على سواه , على جانبيه شجيرات صغيرة تكاد تختفي أمام أشجار الدلفى . كانت في هذه الغابة من الزهور الاستوائية حين وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام فيرن . فانفرجت شفتاها دهشة .
- هل أخفتك ؟
مر صوته العميق على بشرتها وكأنه يداعبها . هنا تحت هذه الأشجار , بدت عيناه أكثر اسودادا وبشرته أشد اسمرارا . كانت نظرته مركزة على ثغرها , كما قالت السيدة هوفمان بالضبط . بدا حتى في مزاجه البارد المهذب هذا خطيراً , حساساً , ومثيراً . . . فشعرت باليأس بسبب استجابتها الحتمية له .
- لم أكن أعرف أنك عدت . . هل غريفت معك ؟
سألها بهدوء :
- أتسألينني هذا السؤال لصرفي عنك مجدداً ؟
- لا أفهمك !
- أوه . . أظنك تفهمينني إيدن . . أما بالنسبة لغريفت فقد وصل , أما أنا فشعرت أن بى حاجة لتنشق بعض الهواء فجئت إلى هنا . لأنني لا أحب ما يشعرني بالاختناق .
- أوه . . أجل . . أفهمك .
جعلها بريق السخرية المعتاد فى عينيه تشيح بصرها عنه فسارع يقول :
- وهذا يعنى أنك غير عابئة بمزاجى , وستهربين بكل وقار ما إن تتاح لك الفرصة . . . مسكينة إيدن . . تجدين نفسك معي في مواقف عديدة . أنت لا تحبينني كثيراً ؟
- هذا غير صحيح !
أنكرت دون تردد . . فارتفع أحد حاجبيه :
- صحيح ؟
هز رأسه , ثم مد يده لها :
- تعالى . . فلنعد إلى المنزل .
لم تتردد في الإمساك باليد الممدودة , لكنها لم تستطع القيام بشيء حيال خفقان قلبها الذي عنف حين أطبقت أصابعه على يدها . سار أمامها عل غير عجلة يدفع الأغصان عن الطريق فتبعته متمتعة بوجوده قربها في مكان كان أقل بقليل من المثالي .
سارا ما يقارب نصف المسافة بصمت , ثم ألتفتت إليها فيرن فجأة :
- سمعت أن الزفاف سيتم فى الخريف .
حين التفتت إليه بحدة , رفع يده بحركة دفاعية :
- لا تغضبي . أخبرتني جدتي .
- كان يجب أن أعرف .
لو لمحت العجوز إلى خطتها البديلة لما عرفت كيف تواجهه .حين توقف فجأة واضعاً يده تحت ذقنها ازداد خفقان قلبها :
- ما الذي دفعك إلى هذا القول إيدن ؟
لاحظت أن على طرفي فمه خطوطاً قاسية وفى عينيه نظرة عميقة لا قرار لها . . قالت له :
- لأنها هي الحقيقة .
ارتفع حاجبه الأسود مرة أخرى استغرابا ثم عادت يده تمسك ذقنها برقة , فحركت حركته هذه مشاعرها المتوحشة :
- كانت جدتي على الأرجح تدفعك إلى تحديد يوم الزفاف فكان أن بادرت إلى قول أول ما خطر على بالك . ثم نقلت الخبر إلى غريفت بعد ظهر الأمس على الشاطئ . هل أنا على حق ؟
- فلنفترض أنك على حق ؟
مدت يدها لتحرر ذقنها من أصابعه , لكنه أمسك يديها بسرعة . . وقال بنعومة :
- وهذا ما ظننته . . فمنذ عدتما من الشاطئ ليلة أمس وأنا أراه مراوغاً . إيدن إذا كان يحاول التملص . . . .
- أوه . . لا . . لا . . إنه لا يتملص أنا واثقة .
لم تستطع مواجهة فكرة أن يعتقد فيرن أن أخاه مجبر على فعل ما لا يريده . . هز رأسه ببطء , وكأنه غير مقتنع.
- شرط ألا يتلاعب بك أو يجعلك تعسة .
في الواقع هو من يرتكب ما يجعلها تعسة , ولكنه لا يعي ذلك , إنه دون شك خبير بفنون الحب أكثر من غريفت , وقد حدث أن كادت تترك نفسها تدنو من خطر جاذبيته الناضجة .
دفعتها ذكرى تلك اللحظات إلى التهور , فرفعت نظرها إليه بأهداب متثاقلة :
- ماذا تفعل لو اكتشفت أن غريفت يحاول أن يجعلني تعسة فيرن ؟
لم يقل , ولم يفعل شيئاً إلا الشد على يديها , ثم ابتسم :
- ماذا أفعل ؟ سأتزوجك بنفسي . . طبعاً .
حبست أنفاسها , وتضرج وجهها بحمرة الخجل , ولو استطاعت لابتعدت عنه , لكنه ما زال يمسك يديها :
- فيرن . . .
عاد ليشد قبضته على يديها ثم لم يلبث أن وضعهما في دفء صدره العريض , حيث أحست بضربات قلبه الثابتة . تمتم :
- إن حاولت المزاح عليك الاستعداد لتلقى المثل . . أظنك ما زلت تريدين حصتك من الحلوى لتأكليها . . أليس كذلك ؟
جذبها إليه حتى أحست بنبضاته ترسل الخوف إليها . تلك النظرة المألوفة المشبوبة بالرغبة كانت تحرقها وهو ينحني ليعانقها . لمست حيويته المذهلة المشاعر المجنونة التي لا تستطيع أبداً أن تسيطر عليها , فاستكانت بين ذراعيه ورفعت ذراعيها تعقدهما وراء عنفه بشغف ولهفة .
لم تصدق حين وضع كلتا يديه بعد لحظات حول وجهها ليبعدها عنه تاركاً إياها مصدومة حائرة تنظر إليه بعينين خضراوين ضبابيتين بريئتين , فهي لا تعي ما دفعه إلى الابتعاد مع أن نظرته الشغوف ما زالت تطل من عينيه اللتين راحتا تنظران حوله وكأنه يصغى إلى شيء ما . . ما هي إلا لحظات حتى سمعت إيدن وقع أقدام خفيفة ربما هي لغريفت . . تراجعت , وسارعت تمسد شعرها قبل ظهوره من المنعطف :
- هاى . . ما بالكما ؟ هل نسيتما الغداء ؟
لم يكن في كلامه أثر للشك , فتساءلت إيدن ما إذا كان غروره بنفسه يحول دون أن يرى أن إيدن قد تنظر إلى فيرن نظرة غير أخوية . .
احتاجت بعض الوقت للتكيف مع الوضع الجديد لكن فيرن استعاد رباطة جأشه وأبتسم لغريفت :
- سأترككما لتعودا معاً , إنما لا تتأخرا , فقد تكون الجدة منتظرة . . أوه . . بالمناسبة غريفت . . سمعت أن في الخريف زفافاً .
تلاشت ابتسامة غريفت وأخذ ينقل بصره من إيدن إلى فيرن .
- أوه . . لقد سمعت إذاً ؟
- ليس منكما بالطبع . . أخبرتني الجدة .
- لم أجد حاجة لإخبارك . . فهذا أمر لا يعنى أحداً سواى وسوى إيدن .
- وجدتي . . مع أنني كنت آمل أن يتم هذا في وقت مختلف من السنة . . فلدينا أعمال كثيرة . . متى بالضبط تفكران ؟
رد غريفت بهزة كتف غير مكترثة :
- لا يهمنى متى يكون الموعد .
رد فيرن بنعومة :
- بل ربما لا يهمك ألا يكون هناك موعد ؟
حبست إيدن أنفاسها , وصمت غريفت , أما إيدن فتمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها , كانا يتناقشان في أمر زواجها وكأنه مجرد موعد يحشرانه في جدول أعمال الشركة , في هذه اللحظة تمنت لو تختفي فترة لتفكر في حقيقة مشاعرها . تابع فيرن سؤاله :
- ليتك لا تفكر في التراجع . فقد راهنت إن تم هذا الزواج .
نظر غريفت على الفور إلى إيدن , لكنها لم تلاحظ سوى نظرة فيرن الذي أردف بروية :
- لقد قطعت عهداً على نفسي إن لم تتزوج إيدن أن أتزوجها أنا . فأحذر على نفسك يا أخي ؟
- ماذا تقول ؟
لكن غضب غريفت لم يردع فيرن إذ ظهر في عينيه عتمة حارقة وقال ببرود :
- سمعت ما قلت !
ثم ارتد على عقبيه مبتعداً .
نظر غريفت إلى إيدن وقد ضاقت عيناه , وظهر عليهما القسوة التي لاحظتها بالأمس عندما كانا على الشاطئ :
- ما هذا كله بالله عليك ؟
هزت إيدن رأسها . .
ليس إنصافاً أن يتركها فيرن وحدها تشرح الأمر . . لكن بعدما رأت أن لا اعتبار لمشاعرها هزت كتفيها بلا اكتراث وقالت :
- من يدرى ماذا يعنى فيرن ؟
وليتها تعرف !

سيريناد 09-06-20 11:25 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل الثامن

أجراس العرس

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

عندما تحدثت إلى غرفيت لم تستطيع إيدن أو حاولت إخفاء قلقلها, بشان الإقامة في الغرين هاوس .. والواضح انه كان ينوي الاستمرار في الإقامة هناك, مهما حدث. في الظروف التي لا تكاد تكون عادية فلا تستطيع إلا الرفض فإقامتها في المنزل قد تؤدي إلى مصاعب عديدة وهناك مشكلة تراءت لها مؤخرا وهي تتعلق بغريفت الذي تشعر بأنه لم يعد يعتبرها مهمة علما انه ما زال متمسكا بها بكل ثقة . ثم هنا مسالة العيش على تقارب شديد مع فيرن سنوات طويلة, وهذا وضع لن تستطيع مواجهته بسهولة, مهما كانت الظروف.


- لا افهم سبب هذه المشاحنة.أنت تحبين المكان ؟...

- طبعا أحبه!.

- تعرفين مشاعري تجاه المنزل العتيق كما تعرفين أن فيه غرفا عديدة وهو إلى ذلك مريح, فأين المشكلة ؟

حركت كلتا يديها في إشارة يأس وسعت للتعقل :

- أنا ...أريد أن يكون لنا بعد الزواج منزلا خاصا بنا .. هذا كل شيء ..سبق أن نقاشنا هذا الموضوع غريفت.

- اعرف ...الأمر ألان لا يبدو لي معقولا أكثر مما كان ! فلماذا هذه الضجة الكبرى بحق الله؟

******

بدأت الأمور تحدث بسرعة محيرة في الأيام التالية ... ووجدت إيدن الإحداث اقسي من أن تلاحقها .. كان غريفت يغلي إثارة منذ عاد من الحديقة برفقة جدته . شعرت إيدن بان هناك ما حدث وذلك ما أن رأت عينيه اللتين كانتا تومضان في وجهه المتضرج احمرارا وكأنه مرتبك .. قالت له وهو يرافقها إلى الحديقة :

- اخبرني ماذا هناك؟

- نيويورك...أنا مسافر إلى نيويورك لأعمل في فرقة موسيقية عازفا ثانيا على الغيتار ,كل شيء مرتب !.

أحست إيدن أنها ستتقيأ .لكنها تماسكت :

- حصلت على عمل في فرقة موسيقية ؟وفي نيويورك؟

- أليس هذا عظيما ؟جدتي تعرف الرجل الذي يملك النادي .كان يعيش على الجزيرة هنا وهو يعرف والدي ..لا ادري كيف تمكنت من هذا , لكنها عملت انه بحاجة إلى عازف .فعازف الغيتار الذي يعمل عنده ترك العمل وهو ألان بحاجة إلى بديل .علي الذهاب إليه .أليس هذا امرأ عظيما ؟

شعرت إيدن أن السيدة هوفمان تدفع الأمور بالطريقة التي تريدها دون مراعاة مشاعرها .أكمل غريفت:

- سامر بتجربة بضعة أسابيع ...بعدها ...لن يقف حائل في طريقي!.

من مكان ما في مؤخرة عقلها المتأرجح التقطت إيدن شيئا مهما ...مع أنها لم تكن تفكر بجلاء .

- اذن ..لن تبقى في الشركة مدة اطول؟

- لا ... وحياتك ! اوه ..لن يقلق فيرن او يهجره النوم لهذا السبب ,فلست في الواقع هبة من الله للشركة ...احسبه سيطلق تنهيدة ارتياح لخلاصه مني .

- ظننتكما متفقين؟

- ضحك غريفت :

- أنا بارع في التمثيل..لكن حتى قدرة فيرن على التحمل بدأت تضعف مؤخرا .أرادني في الشركة ,وفعلت ما يريد ,وهو يعرف ألان مدى خطاه .أربعة أسابيع أخرى , و يتوسلني حتى أسافر إلى نيويورك!.

- هذا محتمل !.

في الواقع لم تكن ساعتئد تفكر في تأثير سفره على فيرن أو في الشركة , بل في حياتها هي . لقد أتت إلى الجزيرة على أساس خطيبة غريفت ,لكن أصبح من الواضح مع مرور الأسابيع أن علاقتهما كانت اقل ثباتا مما كانت تظن .مشاعرها ومشاعره تغيرت كثيرا , خاصة مشاعرها وهذا ما جعلها تشك في الأمر .هذه القنبلة الأخيرة التي أطلقتها السيدة هوفمان ,هي القشة التي قصمت ظهر البعير...

- ظننتك ,في ذلك اليوم ,مصمما على البقاء هنا ...

ضمها إليه مبتسما ,راضيا عن نفسه :

- حبيبتي...! لم أكن اعلم أن شيئا كهذا مخبأ لي ...آه لا يمكن رفض العرض . هيا ألان لا تثبطي عزيمتي .سيتم كل شيء بعد شهر .

- سأفتقدك!.

قالت هذا متعمدة,لتنزله من عليائه . حين شاهدت التعبير على وجهه,تبين لها انه حتى تلك اللحظة لم يفكر فيها .عبس لحظة ...ثم شدها بين ذراعيه ثانية وعانقها .

- ما هذا الكلام عن افتقادي؟

- حسنا ... سأعود إلى بلادي بالطبع .لن أقيم هنا بعد ألان .

- طبعا لن تقيمي هنا لأنك سترافقينني . سنجد شقة في مكان ما سيؤمنها لنا صديق جدتي .

- لا ...غريفت!

- لماذا لا ؟ما الذي يمنعك من مرافقتي؟

تجنبت ذكر مسالة الزواج في حديثها مع أن المعنى واضح كل الوضوح:

- أربعة أسابيع ليست بمدة طويلة .وأنا لن استطيع مرافقتك إلى نيويورك يا غريفت ,كما تعرف.

- بل اعرف انك تستطعين .لكن ما يمنعك هو ذلك الهراء القديم ..أليس كذلك؟إيدن اعلمي أن الناس لا يهتمون أبدا بهذا الهراء !

- أنا اهتم والسيدة هوفمان تهتم .إن احترامها لي ثمين جدا عندي .

- أثمن من حبي بالطبع!

بدا عليه "التمرد "وهذا ما يفعله دائما لكن لم تمض لحظات حتى تنهد مستسلما:

- آووه ...اسمعي حبيبتي , لا تفسدي علي هذه اللحظات العظيمة ...إنها الفرصة التي انتظرها ...

- هزت إيدن رأسها تحس بالضياع فجأة .

- اجل... اعرف هذا ولا أريد منك أن تخسر الفرصة ...يجب أن تذهب ..

- بدونك؟

كان يعرف الرد على سؤاله ومع ذلك لم يقترح أن يتزوجا قبل أن يسافر ...قالت بهدوء :

- هذا عائد إليك.
ام عمر همسات روائية

نظر إليها وكأنه ألان فقط أدرك أنها تعني ما تقوله حقا .

- استطيع ...."قال"

لكنه صمت, والتفت جانبيا, حين لمح ظلا في الممر قربهما.حين رفت إيدن نظرها ,كان في عيني فيرن الرماديتين قلق غريب ,وكأنه يعرف ما كانا يتجادلان بشأنه ,فحررت نفسها من ذراعي غريفت :

- أسف لإزعاجي لكما ..لم اعرف أنكما هنا .

نظر إليه غريفت ثم إلى إيدن ,بعينين حادتين ضيقتين .وقال لفيرن:

- انس الأمر ..لقد وصلنا إلى موقف حرج على أي حال ...!

وقفل راجعا إلى المنزل دون حتى أن يطلب من إيدن مرافقته ...فسال فيرن بهدوء:

- متاعب؟

التفتت إليه تهز كتفيها بقلق.

- أظنك سمعت عن سفره إلى نيويورك؟

هز رأسه :"من جدتي أهذه هي المشكلة؟"

- ليست المشكلة بالضبط...

استغربت نفسها لأنها قادرة على الإفضاء بمتاعبها له ,فهناك جو من الثقة حوله, أشار إليها انه نادرا ما يتهرب من أي موقف ,هي بحاجة إلى هذه القوة في تلك اللحظات .سارت إلى جانبه عبر الممر المظلل بالأشجار محاولة أن تتضمن كلماتها مشاعرها كلها .

- إنها فرصة رائعة له...لكنها...لكنها....تغير كل شيء .اعني كل ما بيني وبين غريفت ...لا يفصله عن السفر إلا أربعة أسابيع وهي مدة لا تمهلنا وقتا ....وهو لا يرى ما يستدعي.....

- ما يستدعي الزواج لترافقيه.

- أنت تراني قديمة الطراز ,كما يقول غريفت...

هز رأسه نفيا,وكادت تتنهد ارتياحا :

- لا أظن شيئا كهذا ...لكنني حاولت تحذيرك ...فكان أن فهمت دوافعي بشكل خاطئ .الم تفعلي؟ لقد أذاك إلى درجة معينة ,وقد يؤذيك أكثر .

- هذا إذا تركته يؤذني!

لقد اعتادت أن تهب للدفاع عن غريفت ولم تتوقف حتى للتفكير:

- ليس الرجل الأول الذي يغير رأيه بشان الزواج ...ولا أظنه الأخير.

وافق بهدوء:

- لا اعتقد ...لكن هل هو الزواج بحد ذاته المهم لديك؟أم الزواج بغريفت؟

- إن أردت الحقيقة ...لا ادري ما هي حقيقة مشاعري ألان...

وأدركت أن هذا صحيح بالنسبة لغريفت.

- اهو تردد العروس...؟

ضحكت بارتباك:

- هذا ممكن..لكن هذا التردد طبيعي في النهاية ,أليس كذلك؟

- كل الروايات الخيالية تقول هذا.

دس يده في ذراعها بشكل طبيعي عفوي ,ثم انحنى ليقبل خدها قائلا:

- ستضطر جدتي للتوقف عن أعمالها لتحاول إصلاح ذات البين بينكما.

أحست إيدن في الأسبوع التالي بأنها تعيش غيبوبة انتقالية ,لا تعرف ماذا تفعل ,أو ما ستكون النتيجة النهائية للموقف...أصبح غريفت يتصرف بشكل مختلف نحوها بعدما شفي من غضبه ...وكأنه كان يأمل أن ترضى بما يفكر فيه ولكنه لم يذكر الزواج إطلاقا .كانت تقول لنفسها مرارا إنها لو كانت تملك شيئا من التعقل لغادرت الجزيرة إلى أمريكا .لكنها حتى ألان لم تفعل شيئا حيال هذا .كان بإمكانها أن تعتبر ما حدث فترة خطوبة انتهى أمرها ,ولكن المشكلة ليست هنا ,بل المشكلة في نسيان فيرن وما أصعب نسيانه !.

كانت تفكر في هذا الأمر أثناء العشاء في إحدى الليالي وذلك حين شعرت بالسيدة هوفمان تراقبها عن كثب .حين رفعت نظرها إليها وابتسمت وهزت العجوز رأسها .


- سترتدين الأبيض بكل تأكيد...

التفتت غريزيا إلى فيرن قبل أن ترد:

- لا ادري سيدة هوفمان ...هناك بعض...اعني....قد لا يكون هناك ...إنها مسالة وقت.

- وقت؟

ونظرت العجوز بحدة إلى غريفت ,نظرة جعلته يتحرك بقلق.

- ليس للوقت علاقة بأي شيء يا فتاة ...الزفاف يمكن إتمامه في وقت قصير وذلك ببعض التنظيم وأنا منظمة رائعة ,مع أن بعضكم يراني طعنت في السن كثيرا .

اندفع غريفت ليبرهن انه الحفيد المحب فجأة :

- ليس أنا جدتي.

لكن العجوز لم تنخدع ,فرمقته بنظرة حادة :

- سأطلب من ماري أن تخيط ثوب العرس وهي ستنفد بسرعة إرضاء لي .

نقلت بصرها الحاد ما بين فيرن وغريفت:

- وهذا ما يليق بها كما اعتقد .

احمر وجه إيدن ,لكنها لم تعط غريفت مجالا للرد , بل نظرت إلى فيرن بسرعة وقالت:

- طبعا سيدتي .

ردت المدام برضي:

- اجل ...طبعا.

كشر غريفت وجهه ونظر إلى جدته متحديا .مع انه لم يجرؤ على إغضابها ...وقال ضاحكا:

- هل يجب أن نناقش موضوعا مزعجا كهذا ونحن نتناول العشاء ؟

نظرت إليه السيدة ثم قالت:

- أين الإزعاج في مناقشة أمر زواجك يا ولد؟...تكون محظوظا لو تزوجت فتاة كايدن وستكون سعيدا لو قبلت بك.

- سأكون أكثر سعادة لو قبلت أن تحبني فقط .

أحست إيدن بان رأس فيرن ارتفع بحدة ...ثم سال بهدوء وعيناه على إيدن:

- ألا يمكن أن تجمع الأمرين؟ فكر قليلا في مشاعرها .ترى ماذا تشعر وهي تسمعك تتحدث عن الزواج بها وكأنه أسوا من العقاب...

ضاقت عينا غريفت ,ثم لمعتا ببريق شرير:

- وهل أنت مهتم بها اخويا؟

وكان صوته تقليد فظ لصوت فيرن الناعم النبرات.لكن سيطرة فيرن على نفسه فاقت كل شيء ,أما إيدن فحبست أنفاسها ترقبا لما قد يحدث .انهي فيرن لقمة الطعام التي وضعها في فمه قبل أن يرد :

- لا أحب أن أرى فتاة رائعة لطيفة تتأذى .إنها تريد أن تتزوجك ,وهذا ما يبدو انك لا تقدره جيدا .

تراجع ضاحكا:

- حسنا , حسنا .استسلم لأجراس الزفاف إذا كان يسعدها .لا داعي إلى تمزيقي فيرن بالله عليك.

التفت إلى إيدن يبتسم لها بسحر:

- أسف حبيبتي ...سامحني !

- سامحتك.

ولكن أملها خاب حين لم تتخل السيدة هوفمان عن موضوعها المفضل بسهولة وكانت تهيئ النفس للحركة التالية قائلة:

- تحضير الثوب هو أول خطوة.أما الثانية فدعوة اهلك.

قاطعتها إيدن قائلة:

- سيدة هوفمان....

- أوه ...عليك مناداتي بجدتي لتعتادي على الاسم حين يأتي وقت انضمامك إلى العائلة ...حاولي يا فتاة.

أحست إيدن أنها علقت في الفخ , فسحبت نفسا عميقا وقالت :

- حسنا جدتي .

ابتسمت العجوز :

- ليس صعبا لفظها .إنما على فيرن أن يساعدك حتى تعتادي عليها.

رفعت إيدن نظرها فرات العجوز تنظر إلى فيرن نظرة ذات مغزى ,سرعان ما تصاعد الدم إلى وجنتيها أما فيرن فكان ينظر إلى جدته هازا رأسه وفي عينيه عمق ضبابي مألوف عندها ,قال للعجوز بهدوء:

- هوني عليك جدتي ...أنت تستعجلين الأمور ...و..

- اعرف ما افعل ...اسمع ما أقول عزيزي ...اعرف ما افعل ...

قال غريفت بتذمر:

- ليتني اعرف أنا...فجأة سينطلق هذا الزواج المزاح وكأنه لا وجود للغد.

التفت إلى إيدن يسألها:

- فليكن في قلبك رحمة حبيبتي ...أيجب أن نمر بهذا كله :الثوب والكاهن ,والمراسيم؟

ردت السيدة بسخط:

- طبعا سيزوجكما الكاهن...وهنا في غرين هاوس.بالك من مادي غريفت!

تذمر غريفت بمرارة:"إنني على ما يبدو مجبر على هذا السيرك!أليس لي رأي في الأمر؟"

قال فيرن بصوته العميق الهادئ:

- عليك أن تقول" اقبل "

- شكرا لك...

الوضع يزداد تعقيدا وهي غير واثقة من مشاعرها فكيف الخلاص ؟

- غريفت "قالت إيدن"

التفت إليها وراح يقيس مدى العطف النابع من عينيها ...وقال:

- خلت نفسي قادرا على إقناعك بالابتعاد عن الأجراس وكنت سأنجح لولا تدخل العائلة في الأمر!

كان كلامه هذا سبيلا إلى الخلاص ,لكن فيرن أحبط الفرصة ...فقد نظر إلى غريفت وعيناه متوهجتان بطريقة أرجفت إيدن قال بغيظ وخنق:

- حاول فقط ارتكاب قذارة من القذرات كالتخلي عنها في أخر لحظة ...سأدمرك !اقسم على هذا غريفت!

التهديد في عينيه الرماديتين ,والصوت الهادئ المنخفض الملئ بالشر ,أجفل غريفت الذي حدق إلى أخيه بعمق وذهول ثم نظر إلى جدته قليلا ,ولم ينظر إلى إيدن .ثم صمت والتقط ضوكته ليكمل طعامه ...عضت ايدن شفتيها ونظرت الى يديها المشدودتين بقوة على الطاولة ...كانت السيدو هوفمان وحدها المبتسمة ولكن في ابتسامتها هذه مكرا وبعد نظر.

بعد مضي يومين وصل صندوق الى المنزل من ماري , خياطة السيدة . كانت ايدن تتناول فطورها حين استدعتها العجوز الى غرفتها ...وهذا ما لا يمكن تجاهله.

كان الصندوق مفتوحا على السرير ,والأوراق الرقيقة التي في داخله مرفوعة إلى الوراء .ما أن دخلت إيدن إلى الغرفة حتى التفتت السيدة رافعة ما في داخل الصندوق ,تمسك بالمحتويات بين يديها لتراها إيدن ,التي أحست بالغصة في حلقها ..فقد كان ما تمسكه أجمل شيء شاهدته في حياتها ...ولكن اعتقادها بأنها لن ترتديه حطم قلبها .

- إرتديه يا فتاة.

أخذته إيدن بوقار .ثم ما هي إلا دقائق حتى وقفت أمام مرآة السيدة العجوز تنظر إلى نفسها .. كان بياض الفستان الناصع يضفي بريقا وبهاء على بشرتها العاجية . وكان شعرها الأصهب النحاسي يتناقض معه بشكل مذهل ...شعرت بأنها تنظر إلى فتاة غريبة متوردة الوجنتين ,بارقة العينين.

بدا الانفعال الطفولي على العجوز ,فبرقت عيناها بدفء غريب .قالت بصوت ناعم:

- تبدين جميلة يا ابنتي...جميلة تماما...الاعتماد على ماري الخياطة مفيد,لأنها تعرف ما هو مناسب ,وقد أبدعت هذه المرأة وهذا ما سأقوله لها .

مررت إيدن يديها على جونيلة الفستان ,وهمست :

- انه جميل فعلا.

- هل أرضاك؟

- وكيف لا ارضي ؟

واستدارت باندفاع تضم العجوز وتقبلها بحرارة .

- لم أشاهد من قبل ما هو أجمل .

- فلنأمل أن يعجب فيرن!

لم تحاول إيدن التظاهر بان لسان العجوز قد زلق .

- سأتزوج غريفت سيدة هوفمان.

- هذا ما تقولينه دائما...ولكنه غير متحمس للزواج ..على أي حال ...ستكونين مهما كان من تتزوجينه عروسا رائعة الجمال يا فتاتي ... عروسا تفخر بها عائلة هوفمان.


كانت صورتها تلمع أمامها كأنها حلم, ولكن سرعان ما التقطت أنفاسها حين انعكست صورة أخرى في المرأة .صورة جسد طويل ,دفع نبضاتها إلى التسارع بقوة .في هذه اللحظة حدقت إليه بعينين ذاهلتين , وشفتين منفرجتين .

كان الباب مواربا , وكان يقف خارجه بالضبط , وجهه في الظل , لكن تلك النظرة المشتعلة الجياشة لم تبرح عينيه حتى عندما ولج الغرفة .أما هي فمررت يديها فوق حرير الفستان على ثنايا جسدها , فلحقت عيناه حركتها هذه .

- إيدن؟

كان صوته العميق خفيضا حتى كاد لا يبلغ مسمعيها ,كانت ابتسامتها اللاإرادية فاتنة,مثيرة تظهر في عينيها قبل شفتيها ...تحركت نظرته حتما إلى ثغرها لتتوقف عنده ,ولكن السحر انكسر بحركة خفيفة غير مقصودة من السيدة هوفمان ,عندما رفعت إيدن يدها إلى صدرها وكأنها تحاول التخفيف من عنف خفقان قلبها , في حين أن عيني فيرن انتقلتا إلى انعكاس صورتها في المرأة قبل أن يلتفت إلى جدته , وعندما تحدث جاء صوته كالعادة عميقا فيه رنة تبعث الرعشة إلى الجسد .

- السيدة ماكدونالد تطلبك على الهاتف جدتي ,هل ستكلمينها ؟

- طبعا سأكلمها ...لماذا لم تحول المكالمة إلى هنا عوضا عن الصعود ؟

أمالت رأسها إلى جانب واحد ثم ابتسمت بخبث , تلوح بكلتا يديها :

- حسنا ...اعرف السبب .أردت أن ترى إيدن في ثوب عرسها ...أظنني أخبرتك بوصوله .

- في الواقع ,لم أكن اعلم إن كنت مستيقظة أو نائمة ,لذا لم أشأ إزعاجك بترك الهاتف يرن في غرفتك أثناء نومك .لكن صعودي إلى هنا كان يستحق العناء ,لقد شاهدت إيدن في ثوب عرسها .

كان يفسر الأمر بطريقة منطقية ,لكنه لم يبعد عينيه عن إيدن التي كانت تتلقى منه ابتسامة أطلقت لخفقات قلبها العنان بجنون .قالت السيدة هوفمان ولمعان الرضي في عينيها :

- لقد رايتها فاخرج من هنا ثم حول المخابرة إلى غرفتي ...هيا اخرج ! ألا تعلم أن من سوء الطالع رؤية العروس في ثوب عرسها قبل يوم العرس ؟

سعت عيناه الضبابيتان مرة أخرى إلى عيني إيدن في المرأة ,وهز رأسه ببطء :

- لقد اختلط عليك الأمر جدتي ...لست غريفت!

- ردت الجدة :"وليتك تكون"

ضاقت عيناه .ولكن العجوز قالت كلمتها ثم راحت تخرجه من الغرفة .

- اخرج من هنا, وحول المكالمة ...قبل أن تظن مارجي ماكدونالد أنني نائمة .

قبل أن يخرج سعت نظرة أخرى إلى عيني إيدن ,فشعرت به يعانقها بنظراته .بعدما اقفل الباب بهدوء خلفه ,مرت لحظات قبل أن تعود إيدن إلى الأرض الواقع بلمسة على ذراعها من السيدة هوفمان .

- اخلعي الثوب عزيزتي .أرجوك أن لا تكوني مؤمنة بالخرافات...

- كما قال فيرن ...سيدة هوفمان ...لقد اختلط عليك الأمر ...فتلك الخرافة تنطبق على فقط العريس ...ولو ارتديت هذا الفستان يوما ,فلأتزوج من غريفت.

رن جرس الهاتف قرب سرير السيدة العجوز.بصوت منخفض...فنظرت إليه المدام نظرة مختصرة ,ثم عادت تنظر إلى إيدن ثانية ..كانت عينا العجوز تبرقان بالمعرفة .

- سنرى...سنرى!.

سيريناد 09-06-20 11:27 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
الفصل التاسع

لا للعودة

https://1.bp.blogspot.com/-VO3ILFR9K...707609_956.gif

كانت إيدن في الأيام التالية مشوشة الذهن قلقة، فهي لم تكن واثقة مما تفعل. كان غريفن يتحدث دون توقف عن عمله القادم غير مبال بشي أخر. فكان أن ازدادت قناعة بان عليها إلغاء كل شئ وذلك قبل أن يتمادى كثيرا.
أحزنتها فكرة عدم ارتداءها ثوب عرسها الجميل، لكن أن تخسر فرصة ارتدائه خير من ارتكاب غلطة جسيمة بزواجها من غريفت. والحقيقة أن إصرار السيدة فوفمان هو ما أبقاها في المنزل؛ هذا ما عدا تفكيرها في فيرن وخسارتها له.
ظهر احد الأيام وصلت الأمور أخيرا إلى القمة. ففيما كانت السيدة كعادتها، تخطط للزفاف، شعرت إيدن فجأة لن تستطيع المضي في هذه التمثيلية. فهي لا تريد الزواج من غريفت، وكلما أمعنت النظر في الأمر كلما ازدادت ثقتها، قالت السيدة هوفمان:
" وألان إيدن... هل راسلت اهلك تطلعينهم على تغيير موعد الزفاف؟"
سحبت نفسا عميقا:
"لا سيدتي لم أراسلهم. أريد أن أقول شيئا!
"ما هو يا فتاة؟"
راقبتها عينا العجوز الماكرتان وعينا فيرن أيضا، فشعرت بحاجة ملحة لوضع ما تريد قوله في كلمات، ولكنها كانت ترتجف ذعرا.
"أنا... اعرف كم تتحملين من متاعب سيدتي ولست إلا شاكرة صنيعتك. لقد اشتريت لي فستان عرس جميل جدا... لكن... حسنا... أترين...
قاطعها غريفت بضحكة قصيرة:
"ما تحاول قوله لك، إن الزفاف لن يتم... صحيح حبيبتي؟ لم تعجبني الفكرة قط، وأنت مقتنعة بذلك فلنتخلص من كل الضجيج و نلتزم بالأمور الجوهرية."!
'اللعنة عليك غريفت.
كان غضب فيرن عنيفا حتى ارتجف غريفت بشكل ظاهر، لكن إيدن كانت تنظر إليه بإثارة، لأنها تشعر بالراحة، فقد انكشف زيف الخطوبة أخيرا وانتهى الأمر.
لن يصدق أبدا أنها مسرورة لحدوث هذا الفسخ فهو ما زال مقتنعا بان غريفت هو من ينبذها، لذا سيعتبر أي قول تقوله وسيلة منها لإنقاذ ماء الوجه. ثم حين يكون فيرن غاضبا كما هو ألان، لا يعود ذلك الرجل الذي يقبل التعقل.
وضع غريفت السكين و الشوكة من يده بتعمد متوتر، وبدا العناد على قسمات وجهه الوسيم... فلقد كان واثقا جدا من انه كسب دعمها في النهاية...
ـ إيدن تعرف مشاعري تجاه هذا الهراء الذي تدعونه الزواج.
انتقلت عينا فيرن إليها.
ـ أهذا صحيح إيدن؟
كان صوته عاديا، أما عيناه عاصفتان.
ـ ليس بالضبط... لكني مؤخرا... منذ أسبوعين تقريبا بدأت أدرك أن غريفت غير متحمس لفكرة الزواج.
رد غريفت بإصرار:
ـ ولكنني أريدك. أما ما تبقى من الهراء فلا أحبه. هذا كل شيء. أريد فقط أن ترافقينني إلى نيويورك بعيدا عن هذا الشجار المتعلق بالزواج.
قاطعته الجدة:
ـ أتقول إنك لم تكن تنوي الزواج؟ أتقول انك لم تخطب إيدن يوما...؟
انخفضت عينا غريفت الزرقاوان. ثم هز كتفيه دون اكتراث ظاهر:
ـ اعتقد هذا

نقلت العجوز عيناها إلى إيدن:
ـ لكن أنت إيدن...؟ هل كنت تعرفين هذا... هه؟ هل ظننت حقا انك مخطوبة له وانه سيتزوجك؟
لم تحتمل إيدن فكرة أن شخصا ما كائنا من يكون، يشفق عليها، فرفعت ذقنها دفاعا، ونظرت إلى السيدة العجوز.
ـ حتى اذكي بنات جنسنا قد تكون ساذجة في بعض الأحيان. ولم ادع يوما العبقرية!
كان غريفت ينظر إليها وكأنه ندم على ما قاله، وقال:

ـ أسف حبيبتي... لكنني لم اعرف تأخذين الأمر على محمل الجد حتى بدأت تتكلمين عما سيكون بعد زواجنا... الخطوبة قبل مجيئنا إلى هنا... كانت...
قاطعه فيرن بصوت بارد:
ـ لتتأكد من قدومها إلى هنا.
تورد وجه غريفت:
ـ حسنا... وماذا في الأمر؟ وماذا إذا لجأت إلى خداع بسيط؟ لقد نجح الأمر... أليس كذلك؟
ـ بلى... نجح.
قسوة قسمات فيرن أظهرته اكبر عمرا. تساءلت ما إذا كان قد حان الوقت لتفض شجارهما. يجب أن يعرف فيرن أن لا داعي إلى أن يغضب للدفاع عنها، فهي لا تتوق للزواج من غريفت.
حين استجمعت ما يكفي من شجاعة، كان فيرن قد عاد إلى شجاره مع أخيه:
ـ تصرفت بطريقة أنانية في حياتك، ولكن هذا التصرف أقذر ما قمت به حتى ألان.
بدا للجميع انه يكبح غضبه بشكل مخيف، ولكن أكثر من كان يعي هذا... غريفت ... لذا ظهر في قوله ما يشبه الدفاع اليائس:
ـ أوه... يا الله عليك! هذا شأني و إيدن... وهي لا تتذمر. فلماذا غضبك؟
ـ إيدن؟

مر الصوت العميق الدافئ بسرعة على ظهرها. واستقرت تلك العينان الضبابيتين ثانية عليها بتساؤل وشفقة، ولكنها لم تستطع تحمل إشفاقه عليها، فوقفت تاركة الشوكة والسكين تقعان من يدها إلى الصحن ثم قالت بصوت أجش:
ـ هذا كله غير مهم... أرجوك، لا تشغل بالك بي فيرن.
صمت فيرن ولكن عينيه لاحقتها بدهشة أثناء ابتعادها أما غريفت فسارع يقول وهو لا يفهم أنها أوضحت رأيها.
ـ حبيبتي ... إلى أين أنت ذاهبة؟
حين بدأ يقف التفتت إليه وهي على الباب تسأل:
ـوما همك أين ذهبت؟ أنا لا أريد الزواج بك غريفت... لكنني اقل اهتماما باقتراحك البديل... حين أفكر في الأمر أر أنني لم أكن يوما واثقة من رغبتي في الزواج بك. وأرجوك... لا تلحق بي.
ـ إيدن.
إنها بداية حسنة وما أرضاها أكثر منها إغلاقها الباب وهو على بعد خطوة منه. مرت لحظة فقط قبل أن يغلق الباب، ولكنها في هذه اللحظة، شاهدت يد السيدة هوفمان تمنع فيرن من الحركة.
لم تكترث إلى أين تذهب... أرادت فقط أن تكون وحدها بعض الوقت لتستجمع شتات مشاعرها المشوشة. ووجدت أن عليها الرحيل حالا، فلا حاجة إلى التفكير في الأمر بل عليها التفكير في الخطوة التالية بهدوء وأمان. فكان أن اتجهت إلى ممرها المفضل بين الشجيرات... لكنها لم تبتعد مسافة قصيرة حتى شعرت بمن يلحق بها:
ـ إيدن.


تجاهلت نداء غريفت منزعجة لأنها لن تحظى بالراحة التي تحتاجها، وتابعت المسير ولكن كان من المحتم أن يلحق بها. كانت تسمع وقع خطواته خلفها، وتشعر بأنفاسه حادة غير ثابتة، وكأنه يركض مما يدل على أن جدته عرقلت عليه الخروج.
ـتوقفي قليلا حبيبتي... أرجوك؟
تجاهلت نداءه ولم تدر رأسها نحوه حتى، بل بقيت تسير حتى تجاوزت أشجار الدفلى العطرة وأشجار الشلال التي راحت أزهارها الوردية تتناثر على شعرها فتذكرت أنها سارت في هذه الطريق مع فيرن وهذا ما جعلها تعض على شفتها، قبل أن تهز رأسها لتنتفض مما عليها نسيانه.
امسك غريفت ذراعها ليجبرها على التوقف:
ـ توقفي إيدن! كفى على لعب صعبة المنال!
كانت نبرته وعيناه تدل على انه يتوقع منها الترحيب به، لكنها نظرت إليه بقسوة ورأته للمرة الأولى على حقيقته وما لا تراه يعجبها، لقد كان وسيم الطلعة وجذابا، وربما هذه بالضبط مشكلته. فهو يعرف ما يميزه ويستخدم ميزاته لمصلحته. والمؤسف انه لم يكن يظهر لها من قبل مدى أنانيته... قالت بهدوء:
ـ أحب أن أكون وحدي غريفت!
ـ آه... هيا ألان...أريد فقط ان أتمشى معك!
كانت نظرة عينيه انه يوقع قبولها. لكنه حدق إليها مذهولا حين قهقهت بصوت مرتفع ويدها على فمها، وعيناها تلمعان بالحقد:
ـ أنت لا تستسلم أبدا... صحيح غريفت؟
ـ لا أفهمك. بالله عليك. دعك من هذا الضحك!
ـ ألا تظن ان الموقف مضحك؟

ـ لا... لا أظنه مضحكا بل استغرب أن تضحكي؟ كالبلهاء في وقت أحاول فيه أن أكلمك بجد.
ـ بجد؟ وهل كنت يوما جادا معي غريفت؟
ـ تعرفين هذا! وما زلت... تبا!
ـ إنما ليس إلى درجة الزواج بي؟
هزت رأسها تم استدارت عنه لتكمل سيرها... لكنها ما أن ابتعدت حتى امسك بذراعها بشدة فالتفت بحدة قائلة:
ـ اذكر ... انك قلت لي، يوم قدمنا إلى هذا المكان انك و فيرن لستما من النوع المزواج. كان يجب أن افهم يومذاك إلى أي مدى قولك صحيح، وان أرى أن ما يدعى خطوبتنا، لا شئ سوى خدعة حقيرة لأرافقك إلى هذه الجزيرة.
ـ حسنا... حسنا! اعترفت بهذا الم افعل؟ اوه... هيا ألان حبيبتي... لقد استخدمت الخطوبة طعما إنما يحقق للحبيب ببعض الخدع أليس كذلك؟
ـ صحيح؟ قد تجد هذا سذاجة مني غريفت. ولكنني صدقت أنني خطيبتك. كانت الخطوبة تمهيدا لـ... أن أتمكن من...
ـ للزواج!

ارتاعت في داخلها من حماقتها:
ـ من الطبيعي أن أفكر بتلك الطريقة!
ـ حسنا! أنا لا أفكر كما تفكرين حين أقول الحب. اعني أن يشاركني شخص حياتي لا أن أكون مقيدا بيد وقدم وبقطعة ورقية.
ـ تعني تريد امرأة تستطيع نسيان أمرها متى رأيت امرأة أخرى أثارت اهتمامك؟ أنا آسفة غريفت، فأنت تعرف كيف انظر إلى الحب.
ـ تحدثنا عن هذا الموضوع مرارا أنما يجب أن تفهمي أن العلاقة التي تريدينها لن تكون لنا ولكنني لن أتخلى عنك فانا احبك!
ـ بل لا تحبني وان عبرت عن مشاعرك مرارا لتبرهن لي حبك، لكن لو كنت تحبني غريفت لما وجدت فكرة الزواج محنة لك. لا أرى انك غير قادر على مواجهة واقف ارتباطك بي مدى الحياة. وفي الواقع أشكرك لأنك تكلمت عن فسخ الزواج.
ـ تشكرينني؟ ماذا تعنين؟
ـ أشكرك لأنك تركتني أعرفك على حقيقتك ... لولا تحديك لعائلتك ورفضك أن يدفعوك إلى الزواج لاكتشفت متأخرة عدم إعجابي بك!
اشتدت قبضته على ذراعها:
ـ اوه... ألا أعجبك؟ حسنا... عليك أن تفهمي انه كان من المستحيل زواجك بي لأنني ما كنت أقف دور العرويس السخيف مهما كان الدافع! وما من طريقة تستطيعين من خلالها إيقافي أمام الكاهن.
ـ أوه ... هذا صحيح... اعرف هدا ألان ... لكنني تمنيت لو عرفت هدا قبل ألان.
ـ حسنا ... أخيرا انتهينا من المخطط المخادع.
ضحك بلا مرح، وكانت عيناه بارقتين كريهتين وغضبتين، لأنه كان يفتخر بقدرته على سحر النساء:
ـ يا الهي! أنت حقا متزمة صغيرة... ولكن خلت نفسي قادرا على إقناعك... وربما نجحت لولا اصطحابك إلى هنا.
ـ لا أظن ... ما كنت تنجح وليتني أصغيت إلى نصيحة فيرن الذي حذرني منك ونصحني بالابتعاد عنك قبل أن تؤذيني... لكنني لم أثق بدوافعه بل ظننته ينظر إلي على أنني صائدة للمال.

ـ فيرن... ؟ هكذا إذا؟ أنت تميلين إليه أليس كذلك؟ بل أنا شبه أكيد منه! أنت لن تتركي ملايين أل هوفمان تهرب منك... أليس كذلك حلوتي؟ ستغيرين فقط الشريك!
ـ غريفت! لا تتفوه بما هو هراء!
ـ لا واقسم بالله! كانت عينك دائما على فيرن العجوز. لكنك تكونين مجنونة أن ظننت انه يفكر في الزواج اكتر مني، اعتقدت إنني إن لم أتزوجك، يتزوجك هو؟ لا ...ما من سبيل إلى دلك طفلتي! أنت ابعد ما يكون عن طبقته!
ـ غريفت ... توقف عن هدا أرجوك!

لم تعد قادرة البقاء هادئة وأحست برعب لان الدموع تكاد تنفر بين رموشها... أحكام غريفت الجافة جعلتها تدرك انه على حق،فهي حتى هده اللحظة لم تكن تعي كم يعني لها فيرن. فجأة شعرت بالضياع.
يجب أن تغادر الغرين هاوس في أسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن يصل فيرن إلى الاستنتاج الذي وصل إليه غريفت فيأسف عليها. فهي لن تحتمل أن ترى نظرة إشفاق أو حنان كتلك التي رأتها حين حطم غريفت دون رحمة فكرة الزواج بها إنها لا تريد شفقة من فيرن.
ربما لامست هشاشتها الواضحة قلب غريفت الأناني، فقد مد يده إليها، وكاد يضمها بين ذراعيه وهو يتمتم بشي بين شفتيه... لكن إيدن ابتعدت عنه وهرعت راكضة الى المنزل، لا تعي شيئا.
عشاء دلك المساء، كانت إيدن تحس ببعض الهدوء، ورباطة الجأش، على الرغم من أن كل عرق وعصب في جسدها كان يرتجف لمجرد التفكير في الجلوس قبالة فيرن على طاولة واحدة، بعدما قالت ما كان عليها قوله... هكذا، نزلت إلى العشاء تنوي بحزم أن تقول للسيدة هوفمان أنها ستترك الجزيرة على أول طائرة، وتتمني أن يتم ذلك في وقت من اليوم التالي.
لكن تبين لها في ما بعد، أن من الصعب بل من العسير أن تستجمع ماهو ضروري من شجاعة لتعلن النبأ. كانت تحس اكتر من مرة خلال العشاء بنظرات غريفت المترقبة، وكأنه يتساءل ما قد تكون عليه خطوتها التالية. أما العجوز فحاولت مرارا النظر إليها لتلفت انتباهها، وهي محاولة تجنبتها حتى شعرت أنها غير قادرة على الإعلان، دون أن تبدوا حمقاء. ولكن اكتر ما تجنبته النظر إلى فيرن، أو باتجاهه خشية أن تضعف فتتراجع عن اتخاذ الخطوات التي ستؤول بها بعيدا عنه والى الأبد.
كانت الفرصة مناسبة أثناء استعدادهم لترك المائدة فأعلنت نيتها بصوت واضح النبرات:
- سأسافر غدا سيدة هوفمان، في وقت ما.
سرعان ما تسمر الجميع في أماكنهم، فتابعت بسرعة، مقطوعة النفس، تتجنب العينان الرماديتين اللتين نظرتا اليها بسرعة في محاولة للنظر إلى عينيها:
ـ وجدت أنني كلما أسرعت في العودة إلى أمريكا كلما كان ذلك أفضل للجميع. لكنني أريد أن تعرفي أنني شديدة الامتنان لك سيدتي لأنك أشعرتني بأنني على الحب و السعة، ولأنك كنت في غاية اللطف، وقد تمتعت بوجودي. صدقا تمتعت.
ـ يا طفلتي العزيزة!.
كانت شفقة السيدة وعطفها، دمارا لها، لكنها ضغطت على نفسها وصوتها راح يتزعزع، وكانت الدموع تنسل من عينيها التي غضتهما.

ـ أنا... اعرف انك ستتفهمين سبب قراري المفاجئ... لكن...
ابتلعت ريقها بصعوبة، وهزت رأسها بيأس غير قادرة على إنهاء ما كانت تريد قوله دون أن تجهش بالبكاء:
ـ بما أن لدي ثيابا كثيرة أوضبها فهل تسمحين لي؟
ـ إيدن!
يصعب عليها التصديق أن يكون غريفت نادما... لكنها في هذه اللحظات لم تكن تهتم به. رنت بطرف عينها إلى السيدة هوفمان فوجدتها تضع يدها على ذراع فيرن كما فعلت سابقا. سمعت تنهيدة المستسلم.
قال فيرن بصوته الهادئ الجميل الذي كان أول ما وجدته فيه جذابا.
ـ طبعا نفهم.
كان على وشك قول المزيد، لكنه هز رأسه بنفاذ صبر وصمت...
كان الدرج ملاذها الوحيد للهرب فأسرعت إليه، لكن صوت فيرن أوقفها بعد خطوات... ولأنه لحق بها ولأنه تجاهل نصيحة جدته توقفت في أسفل الدرج وهناك أطبقت أصابعه القوية على أصابعها التي كانت تضعها على الدرابزين. أحست كالعادة بالإثارة للمسته.

ـ ماذا فعلت بشان حجز مكان على طائرة؟ هل أدبر لك الأمر؟
آلمها اندفاعه إلى مساعدتها في أمر السفر اكثر، فراح قلبها يخفق بيأس، فيما وقفت الدموع على مآقيها تهدد بالانهمار من بين رموشها المنخفضة... وهمست:
ـ شكرا لك.
لو قال لها كلمة واحدة ليقنعها بالبقاء، ولو لبضعة أيام، لوافقت دون تردد، بغض النظر عما هو مخبأ لها. لكنه كان يمد لها يد العودة لحجز بطاقة السفر، وهذا أكثر مما تستطيع تحمله.
سمعته يقول:
ـ سأوصلك إلى المطار... اعتقد انك تفضلين أن أقلك أنا عوضا من غريفت؟
هزت رأسها متمسكة بالدرابزين، تنظر إلى الأصابع السمراء القوية التي ما تزال تحيط بأصابعها. لن تراه ثانية بعد رحيلها وما أصعب ما تشعر به من دمار بسبب هذا الرحيل.
ـ هذا... لطف منك... شكرا لك.
ـ سأهتم بكل شيء.
هزت رأسها، ثم ارتدت على عقبيها مسرعة ترتقي الدرج وذلك قبل ان يلاحظ مدى قربها من الانهيار.
نظرت للمرة المائة تقريبا وفي غضون دقائق معدودة إلى الساعة الصغيرة قرب السرير، ثم تركت الكتاب الذي كانت تحاول قراءته عبثا. كانت قد أنهت توضيب ثيابها، ثم غاصت وقتا طويلا في المغطس المشبع بعطرها المفضل، ولكنها مع ذلك وجدت الاسترخاء صعبا.

كانت العتمة تسدل ستارها على الدنيا، وكان العطر المعتاد يتناهى إليها من الحديقة، ليحضر الأجواء للاسترخاء و النوم، لو كانت ترتدي ثيابها لخرجت تتنزه في الحديقة... فقد خرجت من الحمام منذ فترة وجيزة وقعدت في كرسي عميق موضوع قرب السرير مرتدية غلالة نوم حريرية رقيقة خضراء اللون.
كان اقل سبب قادرا على دفعها إلى البكاء، لكنها لم تسمح لدمعة واحدة بالتدحرج، فالبكاء لن يحل معضلة، وان ظهرت متورمة العينين في الصباح التالي فسيكون للجميع انطباع خاطئ عن سبب البكاء... وهكذا جلست تسند ذقنها إلى يدها، وذراعها إلى الكرسي تفكر في مستقبلها الذي سيخلو من فيرن.

سمعت دقا خفيفا مصرا على الباب؛ فوقفت تنظر إلى الباب غير واثقة، فاشد ما سيكون عليها احتماله السيدة هوفمان.
ـ ادخل.
ـ ايدن.
حدقت مذهولة إلى فيرن الواقف في الباب، ثم وقفت على قدميها منتصبة، تتذكر بذعر أن ما ترتديه شفاف. كان وجهه في الظل، فالضوء المنبعث من مصباح القراءة قرب كرسيها، امتد إلى بقعة محددة، ولكن ضوءه كاف لتلاحظ كيف جالت عيناه عليها بدون تحفظ، ولكن بلطف غريب.
أحست أنها ترتجف وهي تحاول السيطرة على مشاعرها...
قال لها دون أن يحاول الانسحاب:
ـ آنا آسف... لم أكن اعرف انك... شاهدت النور في الغرفة فظننتك مستيقظة.
ـ أنا... مستيقظة كما ترى... كنت استحم... ولم أزعج نفسي بارتداء الثياب، ولهذا أنا...
كانت ترتجف وكأنها تحس بالبرد.
ـ تبدين جميلة.
زاد الصوت العميق ارتجافها وأرسل قشعريرة إليها أثارت تلك المشاعر المثيرة للاضطراب التي لم تتمكن يوما من السيطرة عليها... لكنها حاولت مقاومة الإغراء القصير الذي أحست به وأغمضت عينيها بنشوة، لئلا تفضح حقيقة مشاعرها، ثم لم تلبث أن انتزعت نفسها نحو واقعها، ملوحة يدها بارتباك قائلة:
ـ من الأفضل آن تدخل.
وقاومت بشدة أن تضيف كلمة لئلا يراك احد.
علق حاجب اسود واحد، على الدعوة لكنه فعل ما اقترحت، ودخل الغرفة مغلقا الباب وراءه بهدوء و حذر. عندما تقدم إليها تكورت أصابع قدميها بإحساس لذيذ، في عمق السجادة، وراح قلبها يخفق بجنون متوحش، مما جعلها ترفع رأسها في زاوية غريبة متوترة.
نظر إليها فيرن بثبات، ثم ظهرت ابتسامة قصيرة في ظلال عينيه... وقال لها:
ـ إذا غيرت رأيك اخرج، فليس عسيرا علي فهم أسباب قلقك. لقد مرت بك أوقات عصيبة مؤخرا.
ـ لست قلقة.
كانت تتكلم همسا تحت ضوء المصباح الضئيل وراءها حيث بدا حولها الجو هشا خفيفا أثيريا تقريبا. وما زاده روعة رقة الثوب الحريري الأخضر... ولكن لم يكن هناك ما هو أثيري حول ثناياها التي يداعبها القماش الخفيف و يلتف حولها. ولان فيرن لم يحاول مطلقا التظاهر بأنه لا يراها قالت بصوت خشن:
ـ معظم ما جرى كان غلطا ارتكبته. أنا لم أرى غريفت على حقيقته... بعدما حذرتني.
على الرغم من، محاولات تجنبه التقت عيونهما، فازداد خفقان قلبها حتى أصبح كالطبول...
ـ أما زلت راغبة بالزواج منه؟
ـ لا ... بكل تأكيد! لقد عنيت كل كلمة قلتها، ولا اعتقد أنني رغبت يوما في الزواج منه... لقد انجرفنا إلى ما يسمى خطوبة. انه فاتن وسيم... لا ادري لقد حدث ما حدث هكذا.
ـ اعرف.
اقترب منها، دون أن تلاحظ تحركه ثم مد يده يلامس خدها... فرفعت نظرها إليه:
ـ أتذكرين ما قلته لك؟ لقد قلت لك: إن لم يتزوجك غريفت أتزوجك أنا.
أحست ببرودة فظيعة في معدتها، وكأن قلبها توقف عن الخفقان... هزت رأسها لحظات تنظر إليه برعب، ثم همست:
ـ أوه... لا! آووه... لا! أنت لم تدخل إلى هنا بسبب... بسبب... اذهب من هنا!
ابتعدت عنه تلف ذراعيها حول جسدها،و تابعت:
ـ أرجوك... اذهب من هنا!
ـ لا ... إيدن... لن اذهب ولن تذهبي أنت!
عندما لم يتحرك، وعندما لم يقل المزيد، أحست أنها مجبرة على الالتفات إليه لتواجهه ثانية. فكانت أن نظرت إليه بعينين قائمتين متألمتين من بين أهداب كثيفة. مد فيرن يده يلامس وجهها من جديد... ولم تستطع مقاومة الإحساس بالحاجة إلى إراحة وجهها في عمق راحة يده الدافئة.
ـ انظري إلي!
نفذت ما قال، فشاهدت الابتسامة على شفتيه... كانت مشاعرها تستجيب كما يحدث دائما عندما تكون معه، وكانت مشوشة الفكر مرتبكة، فانتفض جسدها مستسلما لما يثيره في داخلها فيرن الذي لم يعرض الزواج لمجرد ملاحظة عابرة قالها مرة بدعابة:
ـ فيرن.
انه يعرف ما تحس به، وكيف لا؟ فها هي أصابعه تتجول فوق خديها وصولا إلى عنقها... قال لها بصوت يشوبه الإغواء:
ـ لست واثقا إن كنت لا تريدين الزواج بغريفت. لقد نصحتني جدتي بالابتعاد عنك حتى الصباح على أمل أن تكوني عندئذ اقل تشوشا... لكنني أحسست بأنني بحاجة إلى التحدث إليك.
كانت شعلة الشوق في عينيه مجددا تذيب أي تحفظ بقى عندها. فجأة أصبحت واثقة، بل موقنة من مشاعرها ومن مشاعره.
ـ إذن... تحدث إلي! "همست له"
انسلت يده إلى ظهرها تجذبها إليه فاستجابت و استسلمت لضغط ذراعيه اللتين أشعلتا فيها أحاسيس رقيقة وحيوية. فرفعت ذراعيها تعقدهما حول عنقه، غير عابثة بأي شيء.
سبق أن شاهدت هذه النظرة المشبعة في عينيه من قبل. لكنها لم تحس كذلك من قبل بأنها تخشى التجاوب معها. واقترب وجهه منها، فأحست بان أنفاسها تكاد تتوقف.
بعدما بدا لها انه الأبد، رفع رأسه ينظر إلى عينيها بعينين متوهجتين كصخر سائل، وهمس لها:
ـ لن تذهبي؟ لن تتركيني؟ صحيح إيدن؟ لا تعرفين مدى حاجتي إليك... ابقي معي!
فكرت انه يعرض عليها ذات العلاقة التي عرضها غريفت عليها من قبل.لكنها أحست بأنها تريد البقاء معه مهما كانت الشروط... مع ذلك سألت:
ـ بذات الشروط التي أرادها غريفت؟
حبست أنفاسها وهو يتفرس فيها لحظات، ثم قال متحديا:
ـ وهل تقبلين بتلك الشروط ذاتها؟
همست:
ـ اجل... اجل... اقبل.
ـ أيتها الفاسقة الصغيرة... اعتقد انك ستقبلين.
ضمها مجددا، ثم دفن وجهه في شعرها... أما هي فعقدت ذراعيها حوله ثانية، تضم ظهره العريض القوي العضلات متوترة إلى درجة أن كل عصب في جسدها كان يتجاوب... ثم تأوهت بنعومة، دليل حاجتها الشديدة اليه وهمس:
ـ سآخذك... وسأتزوجك، كما سبق أن قلت. حين قطعت لك ذلك الوعد، لم أكن احلم أن تتاح لي فرصة تحقيقه... أردتك منذ جاء بك غريفت إلى هنا... وكنت أدعو ربي لئلا يغير من طباعه التي اعرفها فيتزوجك، فلو فعل لأضعت عقلي.
ـ صحيح؟
كانت عيناها تمازحانه بلطف،فشدها إليه أكثر فأكثر وعيناه تشتعلان بتلك الشعلة التي لا تقاوم والتي لا تستطيع أبدا تجاهلها، كانت يداه تضغطان بشدة على كتفيها محذرا:
ـ لا تمازحينني كثيرا حبيبتي... فانا اطلب منك الزواج.
أثارت كلماته مشاعرها المجنونة التي لن تتعلم السيطرة عليها. فيما كانت تضع يديها حول عنقه راحت تداعبه مبتسمة.
ـ هل سنعيش في خوف دائم من لولا كوردـ مانيارد؟
ـ لن تخافي من احد. لولا تعرف تماما متى تحل بها الهزيمة. وإذا كانت قد أتيحت لها فرصة الزواج بي يوما يا حبي فقد خسرتها حينما شاهدتك تقفين كالحرية في بركة الجبل. لم الشاهد قط منظرا أجمل فأقسمت عندها ان انتزعك من غريفت، لو استطعت.
احترقت وجنتاها بنار الإثارة حين تذكرت، ورفعت نظرها اليه مؤنبة:
ـ كيف تستطيع ان تذكرني؟
ـ وكيف لا أتذكر كلما نظرت اليك؟... وألان... أعطيني ردا. تبا لك. هل تتزوجينني؟
ـ سأتزوجك حبيبي... فانا احبك.
ـ وأنا احبك.
كانت كلماته صدى لكلماتها ولكنه مرة أخرى أصمتها بعناق جائع ملح، ثم رفع رأسه ثانية متمتما:
ـ أنت مغرية جدا. ومن حسن حظك أن جدتي هنا تحرسك. فعلي التزام ذلك الموعد الذي دبرته غير إنني لن انتظرت حتى ينتهي جهازك...!
ابتسمت بمكر:
ـ أتعلم إنها طلبت مني أن أتزوجك بدلا من غريفت منذ وقت طويل؟
تراجع فيرن ينظر إليها، وبدا واضحا انه يعرف:
ـ وأنت رفضت طلبها!
ضحكت وهزت رأسها:
ـ هذا لأنني ظننت لن توافق على ما تخططه لك!
ـ أيتها الحمقاء الصغيرة!
ـ فيرن...
أصمتها ثانيا بعناقه... في تلك اللحظة من الاستسلام المجنون نسيت كل ما يتعلق بفكرة العودة إلى بلادها، بل في الواقع لم تعد تفكر بشئ

سيريناد 09-06-20 11:28 PM

رد: 60 - العريس لا أحد مكتوبة
 
تمت الرواية

قراءة ممتعة

SHELL 05-01-21 12:36 AM

رد: 60 - العريس لا أحد ( كاملة )
 
https://img.wattpad.com/b2972a6e81b4...it&w=720&h=720

سمرااء نوبية 16-02-21 04:04 AM

رد: 60 - العريس لا أحد ( كاملة )
 
رووووووووووووووووووووووعه

نجلاء عبد الوهاب 01-09-21 11:15 PM

رد: 60 - العريس لا أحد ( كاملة )
 
:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55:


الساعة الآن 02:46 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية