منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الروايات المغلقة (https://www.liilas.com/vb3/f836/)
-   -   و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ! (https://www.liilas.com/vb3/t207176.html)

طِيفْ 20-10-19 02:05 PM

و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
و في نشوة العشق صرنا رماداً


في كل صباح أقول لنفسي ، أنا هو الشيطان .. و لكنني سرعان ما أطرد تلك الفكرة اللعينة من رأسي ، و أنهض ..
لدي الكثير من الذنوب ، أعرف ذلك .. لكنني لست شيطاناً ، ولا أعتقد أن من حولي هم الملائكة .. فقد خُلقنا لنخطئ .. و لكنني أعلم جيداً في قرارة نفسي ، أن الأخطاء لا تشبه بعضها .. و أن منها ما قد يكون لا يغتفر .. و لا زلت حتى اللحظة لا أعلم ، و ربما أدعي الجهل إن كانت أخطائي قابلة للمحو ، و المغفرة ، أم لا ..

و في نشوة العشق صرنا رماداً ، طِيفْ!

الجزء 1


***

السادسة مساءً – مطار روما سيامبينو

جر حقائبه خارجاً من المطار ، يتلفت حوله بريبة رغم أن سُلطان قد حذره من لفت الانتباه ، انتفض بخوف حين لامست يد الرجل الضخم ذاك كتفه ، نظر إليه ، ليقول بصوت جهوري : إنت فهد شهران ؟
هز رأسه بالإيجاب : نعم أنا فهد شهران ..
:تفضل معاي ، السيد عمر بعثنا علشان ناخذك من المطار ..
تقدم رجل آخر ليحمل الحقائب ، بينما سار فهد نحو السيارة بتردد محاولاً أن يخفيه ، ركب فهد في المقعد الخلفي ، أحد الرجال خلف المقود و الآخر إلى جانبه .. سارت السيارة ، و الصمت يعم المكان ، بينما يتأمل فهد ، شوارع روما و أبنيتها ، تلك المدينة التي لم يظن يوماً أنه سيزورها .. في السعودية ، لم يكن يتخيل حتى أنه سيخرج من الرياض إلى جدة .. و ها هو الآن في بلاد بعيدة جداً .. بصوت أفاق فهد من شروده : كل الأمور تمام ؟
صمت فهد لوهلة ، و هو يفكر " ماذا يقصد بسؤاله ؟ أيعقل أن يعرف ذلك الرجل بسبب حضوري إلى روما ؟ و كيف علي أن أجيب ؟ قد حذرني سلطان من التحدث في هذا الأمر إلا مع المعلم الكبير ! "
انتفض مجدداً حين التفت إليه الرجل ، ليقول : وش فيك ما سمعتني ؟ أقول لك كل شي تمام ؟
فهد : ايه ، كل الأمور بخير ..
أعاد ذلك الرجل نظراته إلى الطريق ، بينما يحاول فهد ، أن يفهم مجريات الأمور حوله .. تفاجئ بالرجل يمد له جوالاً و يقول : هذا الجوال لك ، فيه خط و تقدر تكلم اللي تبيه ..
مدّ يده ليأخذه ، لكن " عابِد " أحكم قبضته عليه ، و التفت إليه قائلاً : بس قبل ، تنتبه لأي حرف تقوله على الجوال ، مو أي شي ينقال على الجوال .. مفهوم ؟
هزّ رأسه بالقبول ، ثم أخذ الجوال و أخفاه في جيب بنطاله .. كانت دقائق قليلة حتى وصلوا إلى مكان جميل يحفه الخضار من جميع جوانبه ، لم يرَ فهد مثله ، بحكم ظروف معيشته السيئة التي قضى حياته كلها فيها .. ترجلوا من السيارة جميعاً ، عدنان يحمل الحقائب ، بينما وقف عابد و هو يعدل أزرار بدلته ، و يقول لفهد : تفضل سيد فهد ، المعلم في انتظارك ..
رفع حاجبيه باستغراب من انقلاب أسلوبه في التعامل معه فور وصولهم إلى المنزل .. دخلوا إلى الحديقة ، طاولة تنتصف الحديقة ، يجلس عليها رجل يبدو أنه في بداية الخمسين من عمره ، يضع نظارة طبية يبدو أنه لم يعتد على استعمالها ، يمسك جريدة بين يديه و يتصفحها بتركيز ، إنه يدعي عدم شعوره بدخولنا ، تقدموا أكثر ولا زال الرجل الخمسيني في مكانه ، يرتدي بدلة رياضية بيضاء ، و لكن جسده الأقرب إلى السمنة لا يوحي أنه رياضي ، لكن لا بد أنه يهتم بنفسه نوعاً ما .. كل تلك الأفكار دارت في رأس فهد ، و هو يتقدم من المعلم الكبير " عمر حَربْ " .. وصلوا إلى الطاولة التي يجلس عليها ، وقفوا أمامه ، و قد تعجب فهد من عدم كلام " عابد " معه ، فتح فمه ليتفوه بكلمة ، لكن عابد أسكته بنظرة حادة فهم منها عدم وجوب الكلام !
خلال ثوانٍ ، تبعهم عدنان ، حين وضع حقيبة ملابس فهد خلفه ، و وضع الحقيبة الأخرى الصغيرة فوق الطاولة .. في تلك اللحظة ، طوى عمر الجريدة ، و أنزل نظارته الطبية و وضعهما على الطاولة .. بابتسامة و قبل أن يحيي فهد ، ضرب بيده فوق الحقيبة و قال : يا هلا ، يا هلا " رفع نظره إلى فهد " يا هلا بالحامل و المحمول ..
التزم فهد الصمت ، و هو ينظر إلى عابد ، و كأنه يستأذنه في الكلام ، قال عمر : اتركونا أنا و فهد بروحنا ..
امتثالاً لأمر معلمهم ، تركوا المكان ، نهض بعدها عمر من مكانه ، بابتسامته ذاتها التي لم تترك راحة في قلب فهد ، بحركة غريبة لم يتوقعها فهد ، اقترب عمر منه و احتضنه ، مرحباً بحرارة كأنه يعرفه منذ سنوات طويلة : يا هلا و غلا فيك يا فهد ، يا ولد مشعل ..
ابتعد عنه ، نظر إليه بحب و قال : سبحان الخالق ، كأن اللي واقف قدامي مشعل ..
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه فهد ، و في تلك الأثناء ، تطل فتاة يافعة تبدو أنها في بداية العشرينات ، ترتدي قميصاً أسوداً يصل إلى الركبة ، و من تحته بنطال جينز أبيض اللون ، شعرها قصير إلى رقبتها ، باللون الأحمر الداكن ، ترفع غرتها عن عينها و هي ترى فهد يرخي نظره أرضاً : بابا ، أنا بروح لعيد ميلاد صديقتي ..
عمر : تعالي سلمي على فهد ، هذا ولد عمك مشعل اللي كان يزورنا كل فترة ..
اقتربت بابتسامة استطاع فهد أن يعرف أنها مزيفة ، رفع نظره قليلاً ليراها تمد يدها مصافحة و تقول : أهلاً و سهلاً ، أنا حَسناء ..
قال بارتباك دون أن يمد يده : أهلاً أهلاً ..
بحقد رفعت حسناء نظراتها لوالدها و كأنها تشتكي فهد له ، قال عمر لينقذ الموقف : بابا يلا روحي لصديقتك ولا تتأخري .. انتبهي على نفسك ..
عادت يدها خائبة دون مصافحة ، رمقته بنظرة حادة و خرجت ، سار عمر برفقة فهد ليصلا إلى الكراسي ، عمر : بنتي حسناء انولدت هنا بروما ، و ما عمرها زارت الرياض ، علشان كذا عندها شوي من أطباع الغرب لكن أكيد بحدود ..
التزم الصمت و قد اتضح عليه أنه غير معجب بكلامه ، اقترب عمر من الحقيبة بابتسامة ، فتحها ، و إذا بمبالغ هائلة في الحقيبة ، ابتسم و هو يربت على ركبة فهد و يقول : كفو يا ولد مشعل ، ما خيبت ظنوننا ..
مد يده و تناول رزمتين من المال ، مدهما لفهد و قال : تفضل : هذي حصتك من العملية .. و بالنسبة لأول كمبيالة ، راح أكلم سلطان بخصوصها ..
فهد : ما أبغاه يتصرف بالكمبيالة قبل ما أرجع للرياض .. أبغى أشوف بعيوني ..
عمر : اعتبر اللي تبيه صار .. هالحين قول لي وين حابب تروح ، ولا تقول لي بتقضي الأسبوع هذا في أوتيل من أوتيلات روما لأني مجهز لك جناح خاص فيك هنا .. يعني ماله داعي تكلف نفسك و تأخذ جناح في أوتيل و إنت لسا في بداية شغلك ..
نهض فهد من مكانه : أنا ماني مقتنع إني أقضي أسبوع هنا ، أمي مريضة و تاركها بروحها ، و ما أقدر أبعد عنها أكثر من كذا !
نهض عمر واقفاً إلى جانبه : بدأنا بمخالفة التعليمات ؟ رجوعك بفترة قصيرة ممكن يثير الشبهات .. لازم تقعد أسبوع على الأقل عشان تبعد عنك العين !
فهد : طيب ، أجل اسمحلي و خلي الشباب يوصلوني لأوتيل ، أنا ما راح أكون مرتاح هنا ..
عمر : مثل ما تبي ما راح أضغط عليك ، بس طول هالأسبوع بتقضيه معانا يعني الأوتيل للنوم و بس .. لازم ناخذك جولة في روما ما يصير توصل روما و ما تشوف شي منها ..


،

في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية ، الرياض ، و تحديداً في مركز التحقيق الجنائي ، دخل " يَحيى " إلى الغرفة التي تجمعه بأصدقائه الثلاثة ، ألقى جواله و مسدسه فوق طاولة مكتبه ، و جلس و هو يفرك وجهه بإرهاق واضح ، تساءل عصام : صار شي جديد ؟
هز رأسه بالنفي ، و كان اليأس واضحاً على وجهه ، قال الآخر " إبراهيم " : ماهي أول قضية تنقفل ضد مجهول ، ما أدري إنت ليش هالكثر محمل الموضوع أكبر من حجمه !
يحيى : ما في ولا دليل على القاتل ، هذي أغرب جريمة تمر علي من يوم استلمت الشغل بهالمكان ! و اللي يقهرك إن ولده ماهو سائل ! رحت أشوفه مسافر بروما ..
رفع عصام رأسه و سأل متعجباً : مسافر ؟؟ و بروما ؟
يحيى : مو بس كذا ، الحارة كلها اللي كان ساكنها قالولي إنه انتقل منها .. و قبل لا يسافر بيوم لم أغراضه و طلع ..
إبراهيم : من وين جاب فلوس يسافر روما و يغير بيته ؟؟
يغلق عصام شاشة حاسوبه ، يخرج من خلف مكتبه و يقول : و ترى لمعلوماتكم ، مشعل شهران ما عنده حساب بأي بنك .. كل معلوماتي تقول إنه كان فقير و حاله معدوم !
التفت عصام إلى يحيى : يحيى ، أبوك مو كان صديق عمر حرب ؟ اللي كان يشتغل معاه مشعل ..
باستفهام نظر يحيى إليه : ايه ، المعنى ؟؟
عصام : المعنى أكيد ممكن يكون عنده معلومات تفيدنا .. ليه ما تسأله ؟
يحيى : تبيني أحقق مع أبوي ؟؟ و بعدين أبوي من سنين ما شاف عمر حرب ولا يدرى عنه وش دراه بمشعل ؟
وقف عصام إلى جانبه : يحيى لا تكون حساس بهذي المواضيع ، انت قلت إن أبوك تأثر على موت مشعل ، يعني أكيد يعرف شي بهالخصوص ! ما قلنا إنه أبوك يعرف القاتل بس ممكن يكون عنده معلومات تفيدنا ..
إبراهيم : يحيى ، سوّ مثل ما قال عصام ، و خلي عواطفك برا الشغل ..
رمقهم كليهما بنظرات حادة قبل أن يخرج من المكتب ، ثم خرج دون أن يتفوه بكلمة واحدة ، نظر إبراهيم إلى عصام و قال : قلتلك هذا الولد عاطفي و ما ينفع لطبيعة شغلنا .. ما صدقتني ..
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه عصام : وسع صدرك يا إبراهيم ، يحيى جديد في المهنة ، و شب عمره 27 سنة يعني ما وصل لمرحلتنا من الخبرة و القدرة على التحكم بالنفس ، علشان كذا لازم نتحمله ، و لا تنسى إنك في بداياتك كنت مثله !
تنهد إبراهيم ، و تبين على وجهه أنه غير راض على كلام عصام ، لكنه مجبر على الاقتناع به ..


،

ضحِك بصخب ، و قال و هو ينقل الهاتف من أذنه اليسرى إلى أذنه اليمنى : قلت لك هذا الولد ماهو قليل ، و ذكي .. و مو لازم نضيعه من ايدنا ..
عُمر من الجهة الأخرى : بس اللي فهمته إنه بيتركنا بعد ما ينتهي من موضوع الكمبيالات ..
ينفث سلطان دخان سيجارته : لا تخاف ، اترك هالموضوع عندي ، أنا ما راح أخليه يتركنا .. ولا تنسى ، دخول الحمام مو مثل خروجه ..
عمر : المهم ما نخليه يعتمد على نفسه ، لازم يكون بحاجتنا على طول ، على شان ما يقدر يتخلى عنا ..
سلطان : ما يهمك ، اعتبر فهد شهران صار من فريقنا ، المهم تطمنت إن الأمانة وصلت لك بالسلامة ..
عمر بابتسامة عريضة : ما قصرت .. يلا أخليك الحين ، مع السلامة ..
يغلق عمر الخط ، و هو يرى ابنته تتقدم منه ليستقبلها بابتسامة ، تقترب منه و تطبع قبلة على خده : هلا بحبيبة أبوها ، شلون كان مشوارك ؟
حسناء : الحمدلله كويس انبسطت ..
تقترب منهم " ريم " زوجة عمر ، تجلس إلى جانبهم و تقول : عادي أقطع عليكم قعدتكم الحلوة ؟
عمر : هلا حبيبتي تفضلي اجلسي ... شرآيكم آخذكم نشوف فلم في السينما ، و بعدين نتعشى ..
بدلع تقول حسناء : لا لا بابا أنا تعبااانة مرة بفوت أتروش و أنام .. خليها يوم ثاني ..إذا تبي خذ ريم و روحوا ..
بحماس تقول ريم : أنا قايمة أتجهزز .. لا تغير رأيك ..
تمشي أمامهم مسرعة نحو الداخل ، يلتفت عمر إلى ابنته : وش عندك بكرا بابا ؟
أجابت و هي تفكر : مممم للحين ما خططت لشي معين ، تدري هذا آخر أسبوع قبل الجامعة بسوي كل شي بنفسي ..
عمر و هو يضع يده فوق يدها : ممتااز ، دام كذا ، أبغاك بكرا تاخذين فهد مشاوير يعني يشوف روما الأماكن الحلوة اللي تعرفيها ..
حسناء : لااا بابا أنا تبيني أروح مع هذا المعقّد ؟
عمر : هههههههههه يبه ماهو معقد ، بس العرف و الدين عندهم بالرياض ما يسلمون على حرمة غريبة عنهم ..
حسناء بعدم اقتناع : ولو كان ، مو لازم يكسف بنت حوة مثلي .. عيب ماهو ذوق ..
عمر : يعني بتكسري كلمة أبوكِ ؟
بعد تفكير لم يدم ثوان معدودة : ممم طيب خلاص لأجل عيونك باخذه .. ما يهمك ..
عمر : فديت عيونك ، الحين بتصل عليه و بقول له يكون هنا من بدري ..




في مكان آخر ، يتنقل في جناح الأوتيل ذهاباً و إياباً ، و هو يتأمل الأثاث الفخم ، و الإطلالة الرائعة لشرفة جناحه ، النظافة التي لم يعتد عليها كثيراً في بيته الصغير الذي ترعرع فيه ، رغم أن كل ما حوله يجب أن يشعره بالراحة ، إلا أنه افتقدها منذ ذلك اليوم الذي خرج فيه من بيته الأشبه بقن الدجاج .. رن الجوال كثيراً ، و كان شارداً يتأمل أموراً ليس قادراً على ربطها ببعضها البعض ، و لم يستوعب بعد أن هذه هي رنة جواله ، أجاب في آخر لحظة : آلو .. هلا عمي .. الحمدلله بخير ، مرتاح .. كل الأمور تمام ..
عمر : حبيبي بكرا من بكير جهز نفسك بنتي حسناء بتاخذك جولة في روما ..
رفع حاجبيه متعجباً : بنتك ؟!
عمر : ايه ، اهية أحسن أحد ممكن ياخذك سياحة هنا .. لأنها مو مخلية مكان ما زارته !
فهد : عمي ماله داعي ، ماله داعي تحرجها يعني ، أنا رجال و أدبر نفسي بنفسي ..
عمر : لا لا السياحة بروحك راح تكون مملة ، ما أبي أسمع منك أي أعذار .. مفهوم ؟
تنهّد بملل كان واضحاً لدى عمر أنه يشعر بالتثقل منه و من أوامره ، ثم قال : إن شاء الله خير ..
أغلق سماعة الهاتف ، ليسمع صوت ابنته إلى جانبه تقول : قلت لك هذا رجال معقد ، ما يبي صحيح ؟
عمر : يبه اهو ما يبي يكون ثقيل علينا .. بس خلاص بكرا بيكون هنا ، قومي نامي علشان تكوني مصحصحة بكرا ..
ابتسمت بتعب ، نهضت من مكانها متجهة لغرفتها و هي تتمتم بداخلها : ياربي متى أبوي بيترك عنه هالحركات ..


؛

على الرغم من أنه كان مرهقاً جداً ، و لم يتمتع بساعات من الراحة منذ زمن طويل ، منذ تلك اللحظة التي لا زال يشعر أن الزمن توقف عندها و لم يتحرك بعدها أبداً ، تلك اللحظة التي ألقي فيها والده أمام بيته جثة هامدة ، و رصاصة واحدة استقرت في قلبه كانت هي القاضية ، حين تجمعوا أهل حارته ليساندوه في محنته ، إلا أنهم لم يستطيعوا حتى اللحظة أن يوقظوه من ذلك الكابوس .. لم يكن قادراً على النوم في تلك الليلة ، رغم أنها المرة الأولى التي ينام فيها على سرير مريح و فراش نظيفة ، و وسادة طرية .. لا بد أن جسده قد اعتاد على الأرض ، على برودتها و قساوتها ، فأصبح كل شيء سواها غريب عليه .. تقلب كثيراً ، و الأفكار تتلاحم في عقله ، ما بين الانتهاء من أمر الديون المتراكمة على والده ، و انتشال نفسه و والدته المريضة من وحل الدنيا الفقيرة ، والدته التي اضطر لتركها لأول مرة في حياته ، و ما بين ثأره و بحثه عن القاتل ، إلا أن التفكير طيلة الليل في مكان هادئ كذلك ، لم يوفر له القدرة على التوصل لحل ما .. يعرف أنه قد دخل في طريق لا نهاية له ، و ربما ستكون نهايته مفجعة ، لكن مذاق الطعام القديم أرهق ذائقته ، و ثيابه المهترئة ضجرت منه ، و عجز والدته و مرضها ، كان الحبل الذي يشتد وثاقه على رقبته كل يوم أكثر .. ليجبره أن يسلك ما سلكه والده من قبله ، لكن والده لم يخلّف له سوى الهم ، و الدم ، و الدَّيْن ..!

رفع اللحاف عن وجهه و هو يزفر مللاً ، نهض و جلس على السرير ، تخللت يده في شعره الناعم ، تنفس بعمق و هو يحاول أن يجد حلاً لتلك الليلة التي يبدو أنها غير ناوية على الانتهاء .. أخذ جواله ، بدأ يتنقل بين تلك التطبيقات التي لم يعتقد يوماً أنه سيستخدمها ، دخل إلى تطبيق " التويتر " ، تعرف إلى طريقة التسجيل ، كنوع من الفضول فقط ، و لم يكن يعلم أنه سيجد فيه متنفساً له ..


انتهى ()

بجهّز الجزء الثاني و بنزله فوراً ، لا تحرموني من تفاعلكم و آراءكم ..

سَلام ..


















طِيفْ 25-10-19 08:14 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
عساكم بخير ، و أتمنى ألاقي بينكم و بين كتابكم الرائعين مكان لي ، و لروايتي المتواضعة اللي قررت أضع فيها كل مجهودي ، لحتى تطلع بالشكل المطلوب اللي يرضيكم ، روايتي الأولى : و في نشوة العشق صرنا رماداً ، أتمنى أن تنال إعجابكم و تشاركوني ردودكم و اقتراحاتكم و انتقاداتكم البناءة طبعاً ..
قبل ما أبدأ ، عندي ملاحظات بسيطة ، أولها الرجاء عدم الحكم على الرواية بسرعة أو اساءة الظن ، لأني لدي رسالة أحب أوصلها من خلال روايتي و حتى من خلال أبطالي و أخطاءهم و ذنوبهم .. لذلك لا تتوقعوا من أبطالي النزاهة التامة و عدم الوقوع في الأخطاء و الهفوات ..
ملاحظة ثانية : كل أسماء العوائل في الرواية هي أسماء وهمية لا تمت للواقع بصلة ، و أي تشابه بينها و بين الواقع هو محض صدفة بحت ..
ثالثاً و أخيراً : أتمنى أن لا تلهيكم الرواية عن ذكر الله و أداء العبادات و الواجبات ..

دمتم طيبين (*


و في نشوة العشق صرنا رماداً .

في كل صباح أقول لنفسي ، أنا هو الشيطان .. و لكنني سرعان ما أطرد تلك الفكرة اللعينة من رأسي ، و أنهض ..
لدي الكثير من الذنوب ، أعرف ذلك .. لكنني لست شيطاناً ، ولا أعتقد أن من حولي هم الملائكة .. فقد خُلقنا لنخطئ .. و لكنني أعلم جيداً في قرارة نفسي ، أن الأخطاء لا تشبه بعضها .. و أن منها ما قد يكون لا يغتفر .. و لا زلت حتى اللحظة لا أعلم ، و ربما أدعي الجهل إن كانت أخطائي قابلة للمحو ، و المغفرة ، أم لا ..

و في نشوة العشق صرنا رماداً ، طِيفْ!

الجزء 1


***

السادسة مساءً – مطار روما سيامبينو

جر حقائبه خارجاً من المطار ، يتلفت حوله بريبة رغم أن سُلطان قد حذره من لفت الانتباه ، انتفض بخوف حين لامست يد الرجل الضخم ذاك كتفه ، نظر إليه ، ليقول بصوت جهوري : إنت فهد شهران ؟
هز رأسه بالإيجاب : نعم أنا فهد شهران ..
:تفضل معاي ، السيد عمر بعثنا علشان ناخذك من المطار ..
تقدم رجل آخر ليحمل الحقائب ، بينما سار فهد نحو السيارة بتردد محاولاً أن يخفيه ، ركب فهد في المقعد الخلفي ، أحد الرجال خلف المقود و الآخر إلى جانبه .. سارت السيارة ، و الصمت يعم المكان ، بينما يتأمل فهد ، شوارع روما و أبنيتها ، تلك المدينة التي لم يظن يوماً أنه سيزورها .. في السعودية ، لم يكن يتخيل حتى أنه سيخرج من الرياض إلى جدة .. و ها هو الآن في بلاد بعيدة جداً .. بصوت أفاق فهد من شروده : كل الأمور تمام ؟
صمت فهد لوهلة ، و هو يفكر " ماذا يقصد بسؤاله ؟ أيعقل أن يعرف ذلك الرجل بسبب حضوري إلى روما ؟ و كيف علي أن أجيب ؟ قد حذرني سلطان من التحدث في هذا الأمر إلا مع المعلم الكبير ! "
انتفض مجدداً حين التفت إليه الرجل ، ليقول : وش فيك ما سمعتني ؟ أقول لك كل شي تمام ؟
فهد : ايه ، كل الأمور بخير ..
أعاد ذلك الرجل نظراته إلى الطريق ، بينما يحاول فهد ، أن يفهم مجريات الأمور حوله .. تفاجئ بالرجل يمد له جوالاً و يقول : هذا الجوال لك ، فيه خط و تقدر تكلم اللي تبيه ..
مدّ يده ليأخذه ، لكن " عابِد " أحكم قبضته عليه ، و التفت إليه قائلاً : بس قبل ، تنتبه لأي حرف تقوله على الجوال ، مو أي شي ينقال على الجوال .. مفهوم ؟
هزّ رأسه بالقبول ، ثم أخذ الجوال و أخفاه في جيب بنطاله .. كانت دقائق قليلة حتى وصلوا إلى مكان جميل يحفه الخضار من جميع جوانبه ، لم يرَ فهد مثله ، بحكم ظروف معيشته السيئة التي قضى حياته كلها فيها .. ترجلوا من السيارة جميعاً ، عدنان يحمل الحقائب ، بينما وقف عابد و هو يعدل أزرار بدلته ، و يقول لفهد : تفضل سيد فهد ، المعلم في انتظارك ..
رفع حاجبيه باستغراب من انقلاب أسلوبه في التعامل معه فور وصولهم إلى المنزل .. دخلوا إلى الحديقة ، طاولة تنتصف الحديقة ، يجلس عليها رجل يبدو أنه في بداية الخمسين من عمره ، يضع نظارة طبية يبدو أنه لم يعتد على استعمالها ، يمسك جريدة بين يديه و يتصفحها بتركيز ، إنه يدعي عدم شعوره بدخولنا ، تقدموا أكثر ولا زال الرجل الخمسيني في مكانه ، يرتدي بدلة رياضية بيضاء ، و لكن جسده الأقرب إلى السمنة لا يوحي أنه رياضي ، لكن لا بد أنه يهتم بنفسه نوعاً ما .. كل تلك الأفكار دارت في رأس فهد ، و هو يتقدم من المعلم الكبير " عمر حَربْ " .. وصلوا إلى الطاولة التي يجلس عليها ، وقفوا أمامه ، و قد تعجب فهد من عدم كلام " عابد " معه ، فتح فمه ليتفوه بكلمة ، لكن عابد أسكته بنظرة حادة فهم منها عدم وجوب الكلام !
خلال ثوانٍ ، تبعهم عدنان ، حين وضع حقيبة ملابس فهد خلفه ، و وضع الحقيبة الأخرى الصغيرة فوق الطاولة .. في تلك اللحظة ، طوى عمر الجريدة ، و أنزل نظارته الطبية و وضعهما على الطاولة .. بابتسامة و قبل أن يحيي فهد ، ضرب بيده فوق الحقيبة و قال : يا هلا ، يا هلا " رفع نظره إلى فهد " يا هلا بالحامل و المحمول ..
التزم فهد الصمت ، و هو ينظر إلى عابد ، و كأنه يستأذنه في الكلام ، قال عمر : اتركونا أنا و فهد بروحنا ..
امتثالاً لأمر معلمهم ، تركوا المكان ، نهض بعدها عمر من مكانه ، بابتسامته ذاتها التي لم تترك راحة في قلب فهد ، بحركة غريبة لم يتوقعها فهد ، اقترب عمر منه و احتضنه ، مرحباً بحرارة كأنه يعرفه منذ سنوات طويلة : يا هلا و غلا فيك يا فهد ، يا ولد مشعل ..
ابتعد عنه ، نظر إليه بحب و قال : سبحان الخالق ، كأن اللي واقف قدامي مشعل ..
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه فهد ، و في تلك الأثناء ، تطل فتاة يافعة تبدو أنها في بداية العشرينات ، ترتدي قميصاً أسوداً يصل إلى الركبة ، و من تحته بنطال جينز أبيض اللون ، شعرها قصير إلى رقبتها ، باللون الأحمر الداكن ، ترفع غرتها عن عينها و هي ترى فهد يرخي نظره أرضاً : بابا ، أنا بروح لعيد ميلاد صديقتي ..
عمر : تعالي سلمي على فهد ، هذا ولد عمك مشعل اللي كان يزورنا كل فترة ..
اقتربت بابتسامة استطاع فهد أن يعرف أنها مزيفة ، رفع نظره قليلاً ليراها تمد يدها مصافحة و تقول : أهلاً و سهلاً ، أنا حَسناء ..
قال بارتباك دون أن يمد يده : أهلاً أهلاً ..
بحقد رفعت حسناء نظراتها لوالدها و كأنها تشتكي فهد له ، قال عمر لينقذ الموقف : بابا يلا روحي لصديقتك ولا تتأخري .. انتبهي على نفسك ..
عادت يدها خائبة دون مصافحة ، رمقته بنظرة حادة و خرجت ، سار عمر برفقة فهد ليصلا إلى الكراسي ، عمر : بنتي حسناء انولدت هنا بروما ، و ما عمرها زارت الرياض ، علشان كذا عندها شوي من أطباع الغرب لكن أكيد بحدود ..
التزم الصمت و قد اتضح عليه أنه غير معجب بكلامه ، اقترب عمر من الحقيبة بابتسامة ، فتحها ، و إذا بمبالغ هائلة في الحقيبة ، ابتسم و هو يربت على ركبة فهد و يقول : كفو يا ولد مشعل ، ما خيبت ظنوننا ..
مد يده و تناول رزمتين من المال ، مدهما لفهد و قال : تفضل : هذي حصتك من العملية .. و بالنسبة لأول كمبيالة ، راح أكلم سلطان بخصوصها ..
فهد : ما أبغاه يتصرف بالكمبيالة قبل ما أرجع للرياض .. أبغى أشوف بعيوني ..
عمر : اعتبر اللي تبيه صار .. هالحين قول لي وين حابب تروح ، ولا تقول لي بتقضي الأسبوع هذا في أوتيل من أوتيلات روما لأني مجهز لك جناح خاص فيك هنا .. يعني ماله داعي تكلف نفسك و تأخذ جناح في أوتيل و إنت لسا في بداية شغلك ..
نهض فهد من مكانه : أنا ماني مقتنع إني أقضي أسبوع هنا ، أمي مريضة و تاركها بروحها ، و ما أقدر أبعد عنها أكثر من كذا !
نهض عمر واقفاً إلى جانبه : بدأنا بمخالفة التعليمات ؟ رجوعك بفترة قصيرة ممكن يثير الشبهات .. لازم تقعد أسبوع على الأقل عشان تبعد عنك العين !
فهد : طيب ، أجل اسمحلي و خلي الشباب يوصلوني لأوتيل ، أنا ما راح أكون مرتاح هنا ..
عمر : مثل ما تبي ما راح أضغط عليك ، بس طول هالأسبوع بتقضيه معانا يعني الأوتيل للنوم و بس .. لازم ناخذك جولة في روما ما يصير توصل روما و ما تشوف شي منها ..


،

في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية ، الرياض ، و تحديداً في مركز التحقيق الجنائي ، دخل " يَحيى " إلى الغرفة التي تجمعه بأصدقائه الثلاثة ، ألقى جواله و مسدسه فوق طاولة مكتبه ، و جلس و هو يفرك وجهه بإرهاق واضح ، تساءل عصام : صار شي جديد ؟
هز رأسه بالنفي ، و كان اليأس واضحاً على وجهه ، قال الآخر " إبراهيم " : ماهي أول قضية تنقفل ضد مجهول ، ما أدري إنت ليش هالكثر محمل الموضوع أكبر من حجمه !
يحيى : ما في ولا دليل على القاتل ، هذي أغرب جريمة تمر علي من يوم استلمت الشغل بهالمكان ! و اللي يقهرك إن ولده ماهو سائل ! رحت أشوفه مسافر بروما ..
رفع عصام رأسه و سأل متعجباً : مسافر ؟؟ و بروما ؟
يحيى : مو بس كذا ، الحارة كلها اللي كان ساكنها قالولي إنه انتقل منها .. و قبل لا يسافر بيوم لم أغراضه و طلع ..
إبراهيم : من وين جاب فلوس يسافر روما و يغير بيته ؟؟
يغلق عصام شاشة حاسوبه ، يخرج من خلف مكتبه و يقول : و ترى لمعلوماتكم ، مشعل شهران ما عنده حساب بأي بنك .. كل معلوماتي تقول إنه كان فقير و حاله معدوم !
التفت عصام إلى يحيى : يحيى ، أبوك مو كان صديق عمر حرب ؟ اللي كان يشتغل معاه مشعل ..
باستفهام نظر يحيى إليه : ايه ، المعنى ؟؟
عصام : المعنى أكيد ممكن يكون عنده معلومات تفيدنا .. ليه ما تسأله ؟
يحيى : تبيني أحقق مع أبوي ؟؟ و بعدين أبوي من سنين ما شاف عمر حرب ولا يدرى عنه وش دراه بمشعل ؟
وقف عصام إلى جانبه : يحيى لا تكون حساس بهذي المواضيع ، انت قلت إن أبوك تأثر على موت مشعل ، يعني أكيد يعرف شي بهالخصوص ! ما قلنا إنه أبوك يعرف القاتل بس ممكن يكون عنده معلومات تفيدنا ..
إبراهيم : يحيى ، سوّ مثل ما قال عصام ، و خلي عواطفك برا الشغل ..
رمقهم كليهما بنظرات حادة قبل أن يخرج من المكتب ، ثم خرج دون أن يتفوه بكلمة واحدة ، نظر إبراهيم إلى عصام و قال : قلتلك هذا الولد عاطفي و ما ينفع لطبيعة شغلنا .. ما صدقتني ..
ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه عصام : وسع صدرك يا إبراهيم ، يحيى جديد في المهنة ، و شب عمره 27 سنة يعني ما وصل لمرحلتنا من الخبرة و القدرة على التحكم بالنفس ، علشان كذا لازم نتحمله ، و لا تنسى إنك في بداياتك كنت مثله !
تنهد إبراهيم ، و تبين على وجهه أنه غير راض على كلام عصام ، لكنه مجبر على الاقتناع به ..


،

ضحِك بصخب ، و قال و هو ينقل الهاتف من أذنه اليسرى إلى أذنه اليمنى : قلت لك هذا الولد ماهو قليل ، و ذكي .. و مو لازم نضيعه من ايدنا ..
عُمر من الجهة الأخرى : بس اللي فهمته إنه بيتركنا بعد ما ينتهي من موضوع الكمبيالات ..
ينفث سلطان دخان سيجارته : لا تخاف ، اترك هالموضوع عندي ، أنا ما راح أخليه يتركنا .. ولا تنسى ، دخول الحمام مو مثل خروجه ..
عمر : المهم ما نخليه يعتمد على نفسه ، لازم يكون بحاجتنا على طول ، على شان ما يقدر يتخلى عنا ..
سلطان : ما يهمك ، اعتبر فهد شهران صار من فريقنا ، المهم تطمنت إن الأمانة وصلت لك بالسلامة ..
عمر بابتسامة عريضة : ما قصرت .. يلا أخليك الحين ، مع السلامة ..
يغلق عمر الخط ، و هو يرى ابنته تتقدم منه ليستقبلها بابتسامة ، تقترب منه و تطبع قبلة على خده : هلا بحبيبة أبوها ، شلون كان مشوارك ؟
حسناء : الحمدلله كويس انبسطت ..
تقترب منهم " ريم " زوجة عمر ، تجلس إلى جانبهم و تقول : عادي أقطع عليكم قعدتكم الحلوة ؟
عمر : هلا حبيبتي تفضلي اجلسي ... شرآيكم آخذكم نشوف فلم في السينما ، و بعدين نتعشى ..
بدلع تقول حسناء : لا لا بابا أنا تعبااانة مرة بفوت أتروش و أنام .. خليها يوم ثاني ..إذا تبي خذ ريم و روحوا ..
بحماس تقول ريم : أنا قايمة أتجهزز .. لا تغير رأيك ..
تمشي أمامهم مسرعة نحو الداخل ، يلتفت عمر إلى ابنته : وش عندك بكرا بابا ؟
أجابت و هي تفكر : مممم للحين ما خططت لشي معين ، تدري هذا آخر أسبوع قبل الجامعة بسوي كل شي بنفسي ..
عمر و هو يضع يده فوق يدها : ممتااز ، دام كذا ، أبغاك بكرا تاخذين فهد مشاوير يعني يشوف روما الأماكن الحلوة اللي تعرفيها ..
حسناء : لااا بابا أنا تبيني أروح مع هذا المعقّد ؟
عمر : هههههههههه يبه ماهو معقد ، بس العرف و الدين عندهم بالرياض ما يسلمون على حرمة غريبة عنهم ..
حسناء بعدم اقتناع : ولو كان ، مو لازم يكسف بنت حوة مثلي .. عيب ماهو ذوق ..
عمر : يعني بتكسري كلمة أبوكِ ؟
بعد تفكير لم يدم ثوان معدودة : ممم طيب خلاص لأجل عيونك باخذه .. ما يهمك ..
عمر : فديت عيونك ، الحين بتصل عليه و بقول له يكون هنا من بدري ..




في مكان آخر ، يتنقل في جناح الأوتيل ذهاباً و إياباً ، و هو يتأمل الأثاث الفخم ، و الإطلالة الرائعة لشرفة جناحه ، النظافة التي لم يعتد عليها كثيراً في بيته الصغير الذي ترعرع فيه ، رغم أن كل ما حوله يجب أن يشعره بالراحة ، إلا أنه افتقدها منذ ذلك اليوم الذي خرج فيه من بيته الأشبه بقن الدجاج .. رن الجوال كثيراً ، و كان شارداً يتأمل أموراً ليس قادراً على ربطها ببعضها البعض ، و لم يستوعب بعد أن هذه هي رنة جواله ، أجاب في آخر لحظة : آلو .. هلا عمي .. الحمدلله بخير ، مرتاح .. كل الأمور تمام ..
عمر : حبيبي بكرا من بكير جهز نفسك بنتي حسناء بتاخذك جولة في روما ..
رفع حاجبيه متعجباً : بنتك ؟!
عمر : ايه ، اهية أحسن أحد ممكن ياخذك سياحة هنا .. لأنها مو مخلية مكان ما زارته !
فهد : عمي ماله داعي ، ماله داعي تحرجها يعني ، أنا رجال و أدبر نفسي بنفسي ..
عمر : لا لا السياحة بروحك راح تكون مملة ، ما أبي أسمع منك أي أعذار .. مفهوم ؟
تنهّد بملل كان واضحاً لدى عمر أنه يشعر بالتثقل منه و من أوامره ، ثم قال : إن شاء الله خير ..
أغلق سماعة الهاتف ، ليسمع صوت ابنته إلى جانبه تقول : قلت لك هذا رجال معقد ، ما يبي صحيح ؟
عمر : يبه اهو ما يبي يكون ثقيل علينا .. بس خلاص بكرا بيكون هنا ، قومي نامي علشان تكوني مصحصحة بكرا ..
ابتسمت بتعب ، نهضت من مكانها متجهة لغرفتها و هي تتمتم بداخلها : ياربي متى أبوي بيترك عنه هالحركات ..


؛

على الرغم من أنه كان مرهقاً جداً ، و لم يتمتع بساعات من الراحة منذ زمن طويل ، منذ تلك اللحظة التي لا زال يشعر أن الزمن توقف عندها و لم يتحرك بعدها أبداً ، تلك اللحظة التي ألقي فيها والده أمام بيته جثة هامدة ، و رصاصة واحدة استقرت في قلبه كانت هي القاضية ، حين تجمعوا أهل حارته ليساندوه في محنته ، إلا أنهم لم يستطيعوا حتى اللحظة أن يوقظوه من ذلك الكابوس .. لم يكن قادراً على النوم في تلك الليلة ، رغم أنها المرة الأولى التي ينام فيها على سرير مريح و فراش نظيفة ، و وسادة طرية .. لا بد أن جسده قد اعتاد على الأرض ، على برودتها و قساوتها ، فأصبح كل شيء سواها غريب عليه .. تقلب كثيراً ، و الأفكار تتلاحم في عقله ، ما بين الانتهاء من أمر الديون المتراكمة على والده ، و انتشال نفسه و والدته المريضة من وحل الدنيا الفقيرة ، والدته التي اضطر لتركها لأول مرة في حياته ، و ما بين ثأره و بحثه عن القاتل ، إلا أن التفكير طيلة الليل في مكان هادئ كذلك ، لم يوفر له القدرة على التوصل لحل ما .. يعرف أنه قد دخل في طريق لا نهاية له ، و ربما ستكون نهايته مفجعة ، لكن مذاق الطعام القديم أرهق ذائقته ، و ثيابه المهترئة ضجرت منه ، و عجز والدته و مرضها ، كان الحبل الذي يشتد وثاقه على رقبته كل يوم أكثر .. ليجبره أن يسلك ما سلكه والده من قبله ، لكن والده لم يخلّف له سوى الهم ، و الدم ، و الدَّيْن ..!

رفع اللحاف عن وجهه و هو يزفر مللاً ، نهض و جلس على السرير ، تخللت يده في شعره الناعم ، تنفس بعمق و هو يحاول أن يجد حلاً لتلك الليلة التي يبدو أنها غير ناوية على الانتهاء .. أخذ جواله ، بدأ يتنقل بين تلك التطبيقات التي لم يعتقد يوماً أنه سيستخدمها ، دخل إلى تطبيق " التويتر " ، تعرف إلى طريقة التسجيل ، كنوع من الفضول فقط ، و لم يكن يعلم أنه سيجد فيه متنفساً له ..


انتهى ()

بجهّز الجزء الثاني و بنزله فوراً ، لا تحرموني من تفاعلكم و آراءكم ..

دمتم بودّ (*

طِيفْ 25-10-19 08:16 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

عساكم بخير جميعاً ، اليوم موعدنا إن شاء الله لنكمل أحداث روايتنا .. أتمنى أن يكون الجميع بخير و أن تعجبكم الرواية ..

أرجو أن لا تلهيكم الرواية عن أداء واجباتكم و عباداتكم ..

و في نشوة العشق صرنا رماداً ، طِيفْ!

الجزء 2


***

أطل صباح روما الأول على عينيه الذابلتين اللتين لم تناما جيداً منذ زمن طويل .. تسللت خيوط الشمس و أخذت تداعب جفونه برفق حتى فتحها بهدوء ، نظر حوله متعجباً ، مستغرباً المكان الذي ينام فيه ، للمرة الأولى يستقيظ دون أن يرى والدته إلى جانبه ، أطبق عينيه مجدداً لوهلة و هو يستوعب تغير الزمان و المكان .. مد يده ليتناول جواله و ينظر إلى الساعة ، نهض بتثاقل و قال : اوف ، الساعة 10 و نص !
قبل أن يكمل استدراكه لتأخر الوقت ، جاءه اتصال عمر ، الذي جعل التأفف هو أول ما يفعله فهد فور استيقاظه من النوم : آلو ...
عمر : صباح الخير ، كنت نايم ؟
فهد و هو يفرك عينيه : ايه ، توني أقعد ..
عمر : مو مشكلة انت تعبت الفترة الماضية ، يلا قوم تجهز عبال ما أبعثلك السايق ياخذك ..
تأفف فهد و قال : عمي صدقني ماله داعي تكلف على نفسك و على بنتك ، أساساً أنا مالي خلق أروح أي مكان !
تغيرت لهجة عمر إلى لهجة الأمر : فهد ، لا تخليني أجبرك ، قوم و تعال برضاتك ..
رفع حاجبيه مستغرباً ، صمت لثوان ، ثم قال : طيب ، الحين بتروش و بطلع ..
عمر : في انتظارك ..

**

أخرج بذرة الزيتون من فمه ، تناول رشفة من كوب الشاي ، نظر إلى والده و قال : يبه ..
سلطان ينظر إليه : نعم ؟
دون أن ينظر إليه ، و بارتباك واضح أنه يحاول أن يخفيه : يبه أنا عارف إنك كنت صديق عمر حرب ، اللي كان يشتغل عنده مشعل شهران ، اللي انقتل قبل حوالي شهر ..
سلطان : المعنى ؟
يحيى : يعني ، عصام ، مسؤولي في الشغل ، قال لي يمكن عندك معلومات تفيدنا ، يعني عن طبيعة شغل مشعل مع عمر حرب ، و من هالأمور يعني ..
ابتسم سلطان : و ليش يبه خجلان مني ؟ قول عادي ، هذا شغلك .. شوف يبه صحيح عمر حرب صديقي بس أنا ماني على اطلاع كافي بأموره إنت عارف اهوة عايش في روما من 25 سنة تقريباً ، و آخر مرة نزل الرياض كانت قبل سنتين تقريباً ، يعني ما عندي شي أعرفه عنه ، و كنت أشوف مشعل معاه لما يزورني دائماً لأنه كان السايق ..
يحيى : طيب يبه عمر وش طبيعة شغله بالضبط ؟
سلطان و هو يمضغ اللقمة : عمك عمر تاجر ألبان و أجبان ، و عنده مصانع كبيرة هنا ، و لها فرع رئيسي في روما ..
رفع حاجبه الأيسر بتعجب ، أو إعجاب : طيب يبه انت تعرف ولده فهد ؟!
مد لقمة أخرى إلى فمه ، توقف عن مضغها و نظر إليه بطرف عينه : لا ، ما أعرفه !
يحيى : احنا في الشغل مستغربين إن فهد ترك الحارة و انتقل من بيته ، و بعد سافر روما .. يعني و أنا عارف إن أبوه ما كان حيلته شي ، شلون انقلبت أحوالهم بهالسرعة ؟!
نفض سلطان يديه و قال : الحمدلله رب العالمين .. " نهض عن الطاولة و هم بالذهاب " : يبه عمك عمر كان يحب مشعل ، و أكيد يبي يساعد ولده عشان كذا خلاه يستلم مكان أبوه ..أنا بمشي الحين عندي شغل في المكتب ..
يحيى و والدته يقولان بأصوات متفرقة : مع السلامة ..
التفت أم يحيى له و قالت : حبيبي ليش كل هالأسئلة لأبوك ؟ ماهي حلوة بحقه تقعد تحقق معاه !
يحيى : لا يمه ماهو تحقيق ، لو كان تحقيق كان استدعوه للمركز ، بس أنا كان عندي كم سؤال و قلت أسأله لأنه أكيد يعرف شي عن عمر حرب ..
نهض عن الطاولة و سحب مفتاح سيارته و جواله ليضعهما في جيبه ، و يخفي مسدسه في محفظته الخلفية : يلا يمه تآمرين علي بشي ؟
أم يحيى : سلامتك حبيبي انتبه على نفسك ..
يحيى بابتسامة : إن شاء الله ، السلام عليكم ..

**

في إحدى أزقة الحارات الضيقة ، يمشي الناس فيها ذهاباً و إياباً متلهفين لتأمين الرزق و لقمة العيش ، يقبع في الزاوية بيت صغير جداً ، يعيش بداخله أب مكافح ، شاب كثيراً حتى استطاع أن يحافظ على حياة أولاده حتى تلك اللحظة ، و زوجة مريضة لا تملك ثمناً لعلاجها إلا الدعاء ، شاب و فتاة ، تخرجوا من الجامعة ولا زالوا في منازلهم يواجهون الجدران باحثين عن فرصة تخرجهم إلى الدنيا .. يجلسون جميعهم على الأرض يتناولون إفطارهم البسيط الذي اعتادوا عليه ، تجلس شهد إلى جانب أمها المستلقية على الفراش لتطعمها ، يرن جوال طارق ، ينتبهون جميعهم إلى الرقم الذي اتضح أنه خارجي ، يرد طارق : آلو ؟
خلال ثوان بعد تعرف طارق على المتصل ، تبدو عليه علامات الفرحة و الابتهاج : هلا والله يا هلا بأخوي و حبيبي فهد ، شلونك يا رجال وين مختفي ؟ من وين تتكلم ؟
بينما تحاول شهد أن تخفي ابتسامة خرجت من قلب ملتاع لرؤية من كان يسترق النظر إليها دائماً من بعد ، لا يحاول والدها أبداً أن يخفي امتعاضه ، يلقي برغيف الخبز جانباً ، و ينهض بصعوبة من مكانه ، متجهاً إلى مغسلة صغيرة ليغسل يديه ريثما ينهي ابنه اتصاله .. تمد شهد لقمة أخرى لوالدتها ، تمتنع عن تناولها و تقول بصوت متعب : خلاص يمه الحمدلله شبعت ..
شهد ، تسترق النظر إلى والدها لتراقب ردة فعله على اتصال فهد ، تقول بغير تركيز : صحتين و عافية يمه ..
طارق : حبيب قلبي لا ولو ما طلبت شي ، إنت تآمر .. مع السلامة ياخوي مع السلامة ..
أبو طارق بلهجة غاضبة : أنا مو قلت اسم فهد شهران ما ينذكر في هالبيت ؟
طارق : يبه انت شفت إن الرقم خارجي و ماهو مسجل عندي ما كنت عارف إنه فهد ..
أبو طارق : و ليش ما قفلت الخط في وجهه لما قال إنه فهد ؟
طارق: يبه فهد صديقي و أخوي من زمان شلون تبيني أتصرف معاه كذا ؟
أبو طارق : صداقته ما تناسبنا ولا تشرفنا .. و بعدين وش طلب منك ؟
تنهّد طارق ، و أجاب : يبيني أروح لبيتهم الجديد و أتطمن على أمه ، لأنه مو قادر يوصللها .. وما يأمن غير فيني ..
أبو طارق بغضب أكبر : والله حلوة ؟ تشتغل عنده إنت ؟ وش ذنبك إذا هو ما عنده ضمير ترك أمه المريضة و سافر ؟؟
طارق : يبه ما نعرف وش ظرفه ، بعدين قبل لا يكون فهد صاحبي اهوة جاري و أنا ملزم فيه ، و الرسول عليه الصلاة و السلام وصانا بالجار ، إذا مو عشان خاطره ، عشان خاطر أمه المسكينة ..
زفر أبو طارق ، و قال بقلة حيلة : لا حول ولا قوة إلا بالله ، طيب ، تروح و تشوف أحوالها ، بس المرة الجاي لا كلّمك نبه عليه ما يتصل عليك و ينساك نهائياً ..
انحنى طارق ليقبل يد والده : ولا يهمك يبه اللي تبيه بيصير ..

**

دخل إلى الحديقة ، مرتدياً كنزة بنصف الكم بيضاء اللون و جينز أسود ، وقف في منتصف الحديقة و هو يرى حسناء ترتدي كما يرتدي تماماً ، مع طاقية واقية للشمس ، معلقة في رقبتها كاميرا يبدو أنها حديثة ، و لا بد أنها تأخذ بعض التوصيات من والدها قبل أن تخرج ، لا أدري إن كان لا يأتمنني ، فلِم يجبرنا على الخروج سوية ؟!
بعد ثوان من الانتظار ، تترك حسناء والدها و تتقدم من فهد ، بابتسامتها المزيفة ذاتها ، لا بد أنها مجبرة على الخروج مثلي ، يلوّح عمر لفهد من بعد ، يبادله فهد التحية ، تصل حسناء ، تقف أمامه و تتفحصه بدقة مستغربة صدفة تناسق الألبسة بينهما في هذا اليوم ، عقد حاجبيه : في شي ؟
بابتسامة جانبية : لا ما في شي ، أبوك ما كان أنيق مثلك ..
رفع النظارة الشمسية عن عينيه ، كان على وشك الرد لكنه تراجع ، قالت حسناء و هي ترتكن بنفسها إلى ظهر السيارة : أكيد قاعد تقول لنفسك هذي شلون أمس شعرها قصير و اليوم هالطول .. أحب أقولك هذي وصلات ..
ابتسم فهد : بصراحة ما أركز على هذي الأمور ، و لو ما قلتِ ما انتبهت عالموضوع ..
غيرت الموضوع : تبي تسوق إنت أو أسوق أنا ؟
فهد : رغم إني ماني مؤمن بسواقة الحريم ، بس يلا ، لأني ما أعرف شي بهالبلد تفضلي انتِ سوقي ..
فتحت السيارة بجهاز التحكم ، و قالت و هي تتجه نحو باب السائق : اليوم بخليك تآمن بسواقة الحريم ..
جلسوا في السيارة ، تضع حسناء الكاميرا على المقعد الخلفية، ثم بدأت بتعديل المقعد و المرآة ، شغلت السيارة ، قالت و هي تضع كلتا يديها على المقود : أول شي بنروح نفطر لأني ميتة جوع و أنا ما أعرف أسوي شي إذا كنت جوعانة ..
دون أن ينظر إليها ، و هو يفتح نافذة السيارة : واضح من مسكتك للدولاب إنك محترفة ..
نظرت إليه بطرف عينها : وش تقصد ؟
فهد : لو محترفة فعلاً مثل ما تقولي ، عالأقل تمسكي الدولاب بايد وحدة ، مو بالثنتين !
أجابت و هي تربط حزام الأمان : ما أنصحك تستفزني أو تتحداني ..
ابتسم بسخرية ، و التزم الصمت .. حرّكت حسناء مفتاح السيارة و ضغطت على البنزين بكل قوتها ، حتى شعروا أن السيارة ستحلق في السماء ، انتفض فهد و صرخ : ايش قااعدة تسوي ؟!
بصوت عالٍ و بسخرية : خفت ؟؟؟
خففت السرعة بشكل تدريجي ، التقط فهد أنفاسه و قال بهدوء : أكيد ما خفت من السرعة ، بس خفت من اللي قاعدة تسوق بهالسرعة ..
حسناء : مصر إنك تستفزني !
مجدداً زادت السرعة بشكل فجائي ، ينظر إليها فهد بحقد و يقول : إنتِ طالعة تنتحري ؟ ترا ماني مستغني عن روحي !
حسناء : أجل خلاص لا تستفزني !


**

في الجهة الأخرى ، يدخل يحيى إلى مكتبه ، يرمق رفاقه بنظرات حادة لم يفهموا معناها ، و بعبوس يقول : صباح الخير ..
تبادل عصام و إبراهيم النظرات الاستفهامية فيما بينهما ، ثم يردان بصوت واحد : صباح النور ..
جلس يحيى خلف مكتبه ، قد اعتاد عصام و إبراهيم على مزاجه الصباحي و قلة كلامه ، لكن ما تبين لهم أنه كان على غير عادته ، و أن شيئاً ما يزعجه ، تساءل عصام : وش فيك ؟
رفع نظره : مين ؟ أنا ؟
عصام " ساخراً " : لا أنا !
هزّ رأسه و هو يتابع ملف القضية دون أن ينظر إلى عصام : لا ما فيني شي ..
إبراهيم : صار معاك شي جديد ؟
يحيى : بخصوص ؟
إبراهيم : أبوك ، سألته مثل ما اتفقنا ؟
أغلق يحيى الملف و ألقاه أمامه ، و بلهجة مبطنة بالغضب ، شبك أصابعه و أجاب : سألته .. و اللي طلبتوه صار ..
عصام : و ليش قاعد تكلمنا بهالطريقة ؟
يحيى : لأني حسيت إني قاعد أستجوب أبوي و حسيت إني قللت من احترامه ، و إنتوا ولا ع بالكم ! حتى أمي انتبهت على كثرة أسئلتي و لامتني على هالشي !
عصام : شوف يحيى ، إنت شب صغير و في بداية حياتك ، قبل 5 سنين ، ولد عمي كان شريك بجريمة ، و ما ترددت أبداً إني أستجوبه و أحقق معاه ، لازم تعرف إنك قبل لا تدخل هالمكان ، تترك عواطفك في البيت .. اللي يبي يحمي أمن البلد مو لازم يترك عاطفته تتحكم فيه ..
يكمل إبراهيم : و ترى ما قلنا إنك بتستجوب أبوك أو بتحقق معاه ! كل ما هنالك إن أبوك يعرف أطراف القضية و لذلك سألناه ، مثل ما نساوي بأي قضية تمر علينا ، مو ضروري كل واحد نسأله نكون شاكين بأمره ! إنت عارف إننا نحب عمي سلطان و نحترمه ..
يضع أصابعه في عينيه و هو يغلقهما ، يتأفف قليلاً ، ثم يقول : طيب ، المهم ، في جديد اليوم ؟
عصام بسخرية : يا رجال و قسماً بالله إنك دموي ! تبي كل يوم جريمة ؟
يحيى : بصراحة مليت ، حاسس عقلي متوقف من آخر قضية حليناها ، و ما قهرني إلا القضية الأخيرة اللي ما لقينا فيها ولا خيط يدلنا عالقاتل !
عصام : أبوك ما قال لك معلومة حسيتها غريبة ؟!
هز يحيى رأسه بالنفي : أبوي ما شاف عمر حرب من سنتين ، و ما عنده اطلاع بكل أموره ، كل اللي بينهم صداقة عادية بعيدة عن الشغل ..
عصام : ما في مشكلة ، أنا الحين عندي اجتماع ، لا أحد يروح قبل ما ينتهي الدوام !
يحيى يوجه كلامه لإبراهيم ضاحكاً : أكيد أنت عارف منو يقصد بكلامه ..
إبراهيم : طيب بس بس !


**

في أحد مطاعم روما ، جلست حسناء على الكرسي المقابل لكرسي فهد ، طاولة بيضاء صغيرة ، بعد أن طلبت من الجرسون وجبة إفطار خفيفة لكليهما ، نظرت إلى فهد الشارد في الأفق يتأمل شوارع روما و المارة ، لم يبدو عليه الاندهاش أبداً بتلك الحضارة الجديدة عليه ، و الأماكن التي لم يتخيل أن يراها إلا في الصور ، تذكرت حين سافرت لأول مرة إلى الصين برفقة والدها ، كانت تلك المرة الأولى التي تغادر فيها بلد إقامتها ، تنقلت فيها بين شوارع الصين كالفراشة ، و السعادة التي غمرتها و هي تكتشف أناس جدد و مناطق جديدة لم يكن بمقدورها وصفها ، أما فهد ، الذي تعلم جيداً أنه حتى لم يغادر الرياض إلى جدة ، يبدو عليه و كأنه مقيم قديم في روما ، يعرفها بتفاصيلها دون أن يدهشه ما يرى من أبنية و شوارع و بشر .. تساءلت بفضول : في شنو قاعد تفكر ؟
تنهّد بعمق ، و أجاب : أمي .. للمرة الأولى أنام بعيد عنها ، و أتركها بروحها ..
ظهرت على شفتيها ابتسامة يبدو من خلالها أنها تسخر فيها من حالها ، أردف فهد : شفيكِ ؟
حسناء : ما في شي ، بس الفرق بيننا كبير ، إنت أول مرة تنام بعيد عن أمك ، و أنا ما أتذكر حتى آخر مرة حضنتني فيها أمي ..
فهد : متوفية ؟
هزت رأسها بالنفي ، و أجابت : أمي و أبوي منفصلين ، كان عمري سنتين لما أمي تركت أبوي ، أنا أمي إيطالية ، تركته لأنها حبت واحد ثاني .. و الحين متزوجين و عايشين في لندن .. و من يومها ما شفتها ولا أعرف عنها شي ، رغم إنها حاولت تتواصل معاي ، بس ما رضيت أشوفها ولا أكلمها ..
عقد حاجبيه : ليش ؟
حسناء : لو كانت تحبني ما تركتني بهذا السن و تزوجت واحد ثاني .. و تركتني لزوجة الأب تربيني ..
شعر فهد أن حسناء تكبت في داخلها الكثير من الكلام ، و يبدو أنها لم تجد من يستمع إليها حتى اللحظة ، ولا يعرف لم اختارته تحديداً لتفصح له عما يجول في داخلها !
حسناء بابتسامة : تدري إنت أول شخص عربي أجلس معاه ؟ أقصد غير أهلي يعني .. صديقاتي في الجامعة كلهم أجانب .. ما عليك ، اليوم باخذك لأحلى أماكن في روما .. انسى همومك شوي ، واضح إنك ولا مرة جربت ترفه عن نفسك ..
فهد : لأن الرفاهية ما انخلقت لي .. وين بنروح اليوم ؟
حسناء : أول شي بنروح على نافورة تريفي ، هذي النافورة ولا ممكن تشوف مثلها إلا في الخيال ، و يسمونها نافورة الأمنيات ، تقول الأساطير إنك لو تمنيت أمنية و رميت فيها قطعة فلوس نقدية ، راح تتحقق أمنيتك " يضحك فهد على تلك الخرافة و تضحك معه حسناء ثم تكمل كلامها : ".. و بعدين بنروح ساحة نوفانا لما تشوفها راح تنبهر بجمالها ، و بعد كذا بنروح نتغدى في مطعم مرتب ، و بعدين على السينما اليوم بيعرضوا فيلم مرة حلو ..و بعد السينما بنتعشى ..
فهد : واضح عندك معلومات مو قليلة عن السياحة ..
حسناء : طبعاً ، أنا أدرس سياحة و آثار في الجامعة ، و أعشق الآثار ..
فهد : بس أتوقع ما راح يكون في وقت نزور كل هالأماكن ! يعني متى بنرد البيت على هالحالة ؟
ضحكت حسناء بصخب جعلت فهد يعقد حاجبيه استغراباً ، و قالت : فهد ، وش هذي ما في وقت ! إنت في روما ، و بعدين أنا ممكن أستوعب هالكلام من بنية ، مو من شب ! ما كنت تسهر في السعودية يعني ؟
فهد : أسهر ؟؟ أطول سهرة سهرتها في حياتي كانت في قهوة شعبية من قهاوي الرياض ، للساعة 12 و نص ، يومها أبوي مردغ عيشتي لأني تأخرت .. قلت لك إني ما كنت مرفه .. انكمش وجه حسناء معبرة عن انزعاجها : وش هالتعقيد !!!
فهد بجدية : ما هو تعقيد أبداً ، بالعكس هذا الصح ، الغلط إن بنت مثلك تتأخر عن البيت بدون أسباب داعية للتأخر ..
حسناء : ممكن ، بس إنت كان عندك مين يقلق عليك لا تأخرت .. و كان عندك مين يحاسبك ..
مرت لحظة صمت ، وصل خلالها النادل ليضع الأطباق على الطاولة ، ترفع خلالها حسناء الكاميرا المعلقة في رقبتها و تلتقط صورة لفهد بطريقة مباغتة جعلته ينظر إليها بريبة ، تساءل بعد انصراف النادل : ليش صورتي ؟
حسناء بقلة حيلة : أوامر الوالد ، ولا تسألني شي لأني ما أعرف .. تفضل خلينا نفطر ..


**


انتهى()

عارفة الجزء يعتبر قصير لكن ما حبيت أتأخر أكثر لكتابة بارت أطول إن شاء الله الأجزاء القادمة بتكون أطول بعد ما ترسخ في بالكم الأحداث و الشخصيات ، لا تحرموني من تفاعلكم و تشجعيكم ..

في أمان الله ، أختكم: طِيفْ!

طِيفْ 25-10-19 08:18 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
بسم الله الرحمن الرحيم

و في نشوة العِشق صرنا رماداً ، طِيفْ!

الجزء 3


" الخصر وهمٌ تكاد العين تخطئه
وجوده باب شكٍ بعد ما حُسما .
و الشَعر أطول من ليلي إذا هجرت
و الوجه أجمل من حظي إذا ابتسما . "
-تميم البرغوثي



***

لم تتوقع أنها سترى فهداً يعيش في بيت كذلك ، كان بسيطاً مثلنا ، أحلامه متواضعة ، و خيالاته محدودة بسقف بيتهم المتهالك ، كبرت الآن يا فهد ، كبرت و تغيرت ، ولا أعلم إن كنت قد أخذتني معك في حياتك الجديدة ، أم تركتني هناك ، لأذكرك و أبكيك ..
تقدمت تلك الفتاة العربية التي فتحت الباب لشهد ، لم تستوعب بعد تواجد فتاة كتلك في منزل فهد لخدمة والدته في غيابه ، قدّمت لها القهوة ، بصوت خافت قالت شهد : يسلمو ..
تقول أم فهد بانكسار : من يوم ما مات أبوه و هو إنسان ثاني ، كل عمره يخاف علي و ما يتركني ، اليوم يتركني و أنا في عز حاجتي له ..
ابتسمت شهد بألم و هي تضغط بيدها فوق يد أم فهد : خالتي ، ما تعرفي وش ظروفه ، اللي مر عليه ما هو سهل ، و الحمدلله أنا شايفة حياتكم بدأت تتحسن ..
ابتسمت أم فهد بسخرية : تتحسن ؟ هذا اللي مخوفني ، حياتنا بين يوم و ليلة انقلبت ، بعلمي كنّا في بيت صغير غرفتين و حمام و شبه مطبخ ، بعلمي صرنا في بيت كبير يبيله خدم و حشم ، و أثاث جديد ، كنت أحلم يكون عندي بيت بهالمواصفات من أول ما تزوجت بو فهد الله يرحمه ، بس اكتشفت إن الأحلام حلوة لأنها أحلام ، و لما تتحول لحقيقة و واقع ، تفقد حلاوتها بالتدريج ، الأحلام أريح ، لأنها بعيدة يا شهد ..
ضاعت الكلمات من شهد ، و لم تعرف ماذا ترد ، فهي تعرف تماماً كيف كانوا يعيشون ، و لكنها لم تعرف بعد إن كان عليها التوقف عن تمني حياة أفضل ! التفتت إلى الفتاة الجالسة إلى جانبها : إنتِ وش اسمك ؟
أجابت : ياسمين ..
شهد : اها ، ممم بصراحة أنا مستغربة لأنه عادة الشغالات اللي في المكاتب عندنا مو عربيات ..
ابتسمت ياسمين ابتسامة جانبية ، قالت و هي تتكتف : أنا مو شغالة ! أنا شغلتي هنا مرافقة مسن ، يعني أهتم بأم فهد و أشوف طلباتها ..
وضعت شهد فنجان القهوة جانباً ، يبدو عليها أنها لم تعجب بكلام ياسمين ، نهضت عن الكرسي و قالت : طيب يمه ، أخوي قاعد ينتظرني مابي أتأخر عليه أكثر ..
أم فهد : لسا ما شفناكِ كويس اقعدي ..
ابتسمت فهد و اقتربت لتقبل جبينها ، قالت بحب : إن شاء الله مرة ثانية، بلحق أروح أسوي شي للغدا قبل لا ترجع عبير من المدرسة ..
أم فهد بنبرة فيها من الرجاء ما أبكى قلب شهد : لا تقطعوني من زياراتكم ..
ابتسمت شهد ، أدارت ظهرها لتصل إلى باب الغرفة ، ثم التفتت و قالت : فهد ، متى بيرجع ؟
أم فهد : قال آخر الأسبوع بيكون هنا ..
شهد : على خير ، السلام عليكم ..

بخطوات أقرب للسرعة ، توجهت نحو الباب ، و قبل أن تخرج ألقت أمراً إلى ياسمين : انتبهي عليها ..
ياسمين التي لم تعجبها صيغة الأمر : إن شاء الله ..

خرجت من الباب إلى الحديقة ، تأملتها لثوان و هي تقول ياه ، يا مغير الأحوال ، أيعقل أن فهد يسكن هنا ؟ اقتربت من أخيها الذي جلس على حافة الرضيف ينتظرها ، نهض من مكانه و قال : تأخرتِ !!
شهد : قعدت مع خالتي جواهر ، المسكينة مشتاقة تقعد و تكلم أحد ..
طارق : شلون صحتها ؟
شهد و هي تمشي : على حالها ، عندها بنية اسمها ياسمين ، قال هذي عشان تخدمها في غياب فهد ..
زم طارق شفتيه و رفع حاجبيه متعجباً : كل هالشي ؟! هذا طالع له كنز أو ملاقي مصباح علاء الدين ! شوفي شلون انقلبت أحواله !
وقفت مقابله ، راسمة ابتسامة ساخرة على وجهها ، ضربته على كتفه بخفة و قالت : عقبالك ، يلا مشينا ..

,

في روما ، نافورة تريفي تحديداً

وقف يتأمل جمال النافورة ، دون أن تظهر على وجهه ملامح الإعجاب أو الدهشة ، مما أثار استفزاز حَسْنا ، التي قالت : محسسني إنك مولود هنا ..
نظر إليها نظرة خاطفة ، ثم أعاد توجيه أنظاره إلى النافورة ، و ابتسامة خفيفة على شفتيه : ليش ؟
أجابت : يعني كل اللي يجون هنا لأول مرة ، يندهشوا بجمال النافورة ، عالأقل حسسني إني سويت لك شي يبسطك ..
بلا مبالاة رفع نظاراته الشمسية عن عينيه ، وضعها فوق شعره البني الداكن ، و قال : صعب إني أنبسط ، اللي تعود عالهموم ما يقدر ينبسط .. حتى هالكلمة صارت غريبة علي ..
عقدت حاجبيها : مرررة دراما! وش فيك ترى مو كل يوم يصحلك تتفسح مع وحدة مثلي !
تنهّد و كأن كلامها لا يعجبه ، قالت : وقف باخذلك صورة ، بكرا تندم لو ما خذيت صورة لهالرحلة ..
التقط من جيبه قطعة نقدية ، ضحك في نفسه على سخافة ما سيفعل ، لا بأس من فعل شيء سخيف في حياتنا ، التي ازدحمت بها الهموم و الجدية ، أريد بعض السطحية في حياتي ، أريد أن أطفو قليلاً ، علي أن أتنفس ، كدت أغرق ! ضغط بقوة أصابعه على تلك القطعة ، أطبق عينيه و هو يضمر في داخله أمنية من بين الكثير من الأماني المؤجلة ، الملقاة على رف قلبه ، رفع يده و ألقى القطعة في النافورة و راح يراقب تناثر الماء من حولها ، أما حسناء ، فلم تفوّت فرصة التقاط تلك الصورة المميزة له .. التفت إليها و قال بملل : نفذتِ أوامر الوالد ؟
حسنا : راح تدعيلي على الصور ..
بدأوا في المشي إلى جانب بعضهما البعض ، قال فهد : تدري وش يخطر في بالي الحين ؟
حسنا بحماس : قول ؟
فهد و هو يضع يديه في جيوبه : لو آجي هنا بوقت ما يكون فيه أحد ، و آخذ شبكة صيد و ألم كل الفلوس اللي في هالنافورة ، بصير مليونير ..
قالت حسنا و بشيء من الخيبة في صوتها : سخيف ! فكرت بتقول شي جدي ..
ضحك بخفة : ههههه منو قال إني أمزح ؟!
تجاهلت سؤاله و هي تتأفف في داخلها من تلك المهمة الصعبة التي ألزمها بها والدها ، قالت بعد عدة ثوانٍ من الصمت : تاكل آيس كريم ؟
هز رأسه بالنفي : لا ، ما أحبها ..
حسناء : مثل ما تبي ، خليك هنا بشتري لي واحد و باجي ..
وقفت حسناء أمام محل الآيس كريم ، و هي تنتظر دورها ، جاءها اتصال والدها : آلو ..
عمر : شلونك حبيبتي ؟
حسناء : الحمدلله بخير و انت ؟
عمر : الحمدلله ، وينكم فيه ؟ كل الأمور تمام ؟
حسناء و هي تتناول الآيس كريم من الرجل ، التفتت إلى فهد و لزمت مكانها تكلم والدها : في نافورة تريفي ، و كل شي تمام ..
عمر : فهد جنبك ؟
حسناء : لا واقف بعيد عني شوي ..
عمر بهمس : سويتِ مثل ما قلت لك ؟
تأففت حسناء : سوييت ..
عمر : وش قدرتي تعرفي عنه معلومات ؟!
حسناء و هي تنظر إلى الآيس كريم في يدها ، بعفوية قالت : ما يحب الآيس كريم .
فتح عينيه و قال بتعجب : نعم ؟!
حسناء : أنا استغربت إنه ما يحبه بس عادي كل واحد و ذوقه !
عمر : يبه قاعدة تستهبلين ؟ أبغى معلومات تفيدني وش يهمني إذا يحب الآيس كريم ولا ما يحبها ..
حسناء بتسليك تغير الموضوع و هي ترى فهد يقترب منها : ايه بابا كل شي تمام ، يلا سلام .. سلام ..
بنظرة ريبة نظر إليها فهد و تساءل : ليش كنتِ تتكلمي بهمس ؟
رفعت حاجبيها : و إنت وش علاقتك ؟!!
فهد : ممم ، طيب .. عفواً ..
رفع جواله من جيبه ، ضغط على رقم طارق و اتصل .. انتظر طويلاً حتى أتاه الرد ، من شهد التي تتأكد أن أخاها قد دخل للتو ليستحم ، ولا أحد ينظر إلى الهاتف غيرها ، و بلوعة المشتاق ردت لتسمع صوته الذي اشتاقته ، يقول بنبرة رجولية : طارق ، آلوو ؟!
صمتت لوهلة ، ابتلعت ريقها بحرج و قلبها ينتفض ، جاءه صوتها الناعم الذي عرفه مباشرة رغم أنه لم يحدثها عبر الهاتف يوماً : هلا فهد ..
عقد حاجبيه و ابتسامة جديدة بانت على شفتيه ، ابتسامة تحكي شوقاً ، الابتسامة الأولى الصادقة التي رأتها حسناء على وجهه اليوم : شهد ؟
هزت رأسها بارتجاف ، وبخت نفسها في داخلها " على أساس إنه شايفني قاعدة أهز براسي مثل الماعز " ، تنحنحت و قالت : ايه ، اليوم زرت خالتي جواهر و اهية بخير الحمدلله ، و مشتاقة لك ..
ابتسم و هو يستشعر نبرة الخجل في صوتها تساءل : إنتِ زرتيها ؟
مجدداً كررت فعلتها الحمقاء و هي تهز رأسها : لا تقول لطارق إني رديت عليك ..
تنهد بعمق ، و شوق ، تساءل : شلونك ؟
ارتبكت و هي تسمع خطوات طارق قادماً ، أغلقت الخط دون أن تجيب ، لتحذف الرقم من السجلات و تضع الهاتف جانباً ، و في الجهة الأخرى ، يبعد فهد السماعة عن أذنه ، ينظر باستغراب تخالطه ابتسامة أخرى ، يضع الجوال في جيبه و يشرد في عالمه ، و ابتسامته لا تغيب عن وجهه ، تساءلت حسناء بفضول : منو هذي ؟
رفع حاجبيه : و إنتِ وش علاقتك ؟
حسناء : يعني وحدة بوحدة ؟ طيب ..
مشت أمامه و هي تتمتم : الله يسامحك يا بابا على هالورطة !!


,

في مصنعه الضخم ، العمال يعملون و يجلس هو في مكتب الإدارة ، يتحدث على الجوال : هذا شي طبيعي ، بس أنا محضر كل شي لهالموضوع ..
سلطان : شلون يعني محضر كل شي ؟؟ إذا حققوا مع فهد يمكن يودينا في داهية .. شوف يا عمر كل شي عندي يهون المهم ما تخترب صورتي قدام ولدي ..
تأفف عمر و قال بسخرية : إنت ما لاقيت لولدك غير شغلة التحقيق !
سُلطان : هالحين هذا اللي طلع معاك ! أبغى صورتي تظل مثل ما هي عند ولدي ، هذا أهم شي عندي ، و تراني قلت له إن علاقتي فيك مالها علاقة بالشغل و إني أعرفك كصديق و بس ..
عمر بلامبالاة : و لو قلت له يعني ؟ إنت محامي و طبيعي رجل أعمال مثلي يكون عندم محامي !
سلطان : خليني محاميك في السر ، هذا كان اتفاقنا من البداية !
عمر : ما عليك ، فهد صار منا ، و اليوم بكلمه و بفهمه كل شي .. المهم ، موضوع الكمبيالات ضروري يكون منتهي قبل لا يوصل فهد السعودية ..
سلطان : ولا يهمك ، هذا الموضوع منتهي من قبل حتى ما يسافر .. و العملية الجاية وش بتكون ؟
عمر بتفكير : هالفترة ما في تهريب أموال ، أنا بنزل السعودية بشهر 11 ، عندي شغل ..
سلطان : وش هالشغل ؟
عمر : في مناقصة ، و شركتي مشاركة فيها ، و لازم هالمناقصة تكون لي ، لازمني سيولة ضروري ..
سلطان و هو يشعل سيجارته : و فهد ايش دوره من هالعملية ؟
عمر بتفكير : جاسوس ..

,

تناثرت النجوم في السماء ، يتوسطها بدر منير يسر نوره كل من نظر إليه ، قد حل الظلام ولا زالت الخيوط متشابكة ، ولا زال أكثرهم فضولاً يفتش في أدق التفاصيل ، يحيى جالس خلف مكتبه ، مسترخٍ على كرسيه الدوار ، أمامه حاسوبه المحمول ، يضغط بسبابته اليمنى على أسهم لوحة المفاتيح ، و يده اليمنى تركز ذقنه ، الحيرة واضحة على وجهه ، يتقدم إبراهيم منه ، و يقول بإنهاك : ما مليت و إنت قاعد قدام هالجهاز ؟ خلاص يلا قُم نمشي بيوتنا !
زفر يحيى بحيرة من أمره ، ضغط للمرة الأخيرة على السهم العلوي ، ثم رفع يده عن لوحة المفاتيح و قال : فهد مسوي حساب جديد على تويتر .. شُف " لف إليه شاشة الحاسوب " ، الفجر كان منزل تغريدات ، و الصبح إنه في مطعم ، يعني حاطط تفاصيل رحلته هنا ..
ببرود اختطف إبراهيم نظرة سريعة للصفحة ، ثم قال : ايه ، وش معنى هالكلام ؟
بيأس هز رأسه ، و قال : شف ، كاتب وداعاً .. أول شي منزله هالكلمة ، وش يقصد ؟
أمال إبراهيم رأسه ، و مد شفته معبراً عن جهله بمقصد فهد : مادري ، بس ماني شايف شي يثير الشكوك ! شخص و سوى صفحة بتويتر ، شرآيك نروح نحاسبه ؟
بنرفزة قال يحيى : يعني أكيد ما قلت لك روح حاسبه ! بس أنا ماني فاهم ليش مو مهتمين بهالقضية ! و مو حاطين أمل بحلها أبداً !
انتصبت قامة إبراهيم مستعداً للذهاب : عملنا كل شي مطلوب منا ، و ما توصلنا لشي ، لو المدير عارف إننا مقصرين كان سلم القضية لشخص ثاني ، ما طلب منا نقفلها ضد مجهول ! هالحين ما تبي تطلع ؟
أعاد يحيى نظراته لشاشة الحاسوب : لا ، أنا بعدين أروح ، ما وراي شي ..
إبراهيم : تصبح على خير ..
راقبه حتى خرج ، التقط فنجان القهوة و ارتشف منه القليل ، انكمش وجهه تعبيراً عن عدم استحسانه لمذاق القهوة البارد ، نادى بصوت جهوري : عزيز .. عزيز ..
جاء الشاب عزيز ، و قال : أيوه ؟
تنهّد يحيى : أيوه ؟ كم مرة قلت لك تقول نعم ، نعم يا ابني نعم ..
عزيز : نعم يا ابني ..
بحقد نظر إليه : تخفف دم ؟ ترا مو وقتك ، تعال بدل فنجان هالقهوة مرة بارد ..
اقترب ليحمل فنجان القهوة : والله يا سيد يحيى ، قدامك خيارين ، تشربه بارد ، أو ما تشرب أبداً ، لأن العم بو أيمن راح ، و قفل البوفيه ..
يشبك يحيى أصابعه فوق الطاولة و يرتكز عليها بكوعيه ، و يقول بابتسامة : لا في بعد خيار ثالث ..
عزيز : وش هو ؟
يحيى : إنك بتروح بتشوف أي مقهى أي كشك أي شي تجيبلي قهوة منه ..
عزيز بجدية : سيد يحيى أنا ماني موجود هنا لخدمتك ، و تلبية طلباتك الشخصية ، يا ليت تشوف أحد غيري ..
رفع حاجبيه : تراك وقح !
حاول عزيز أن يتمالك أعصابه ، ابتسم رغماً عنه ابتسامة مزيفة ، و قال بهدوء لا يعكس ما بداخله : عن إذنك ..
التفت عزيز خارجاً من المكتب ، تبعته نظرات يحيى الذي همس بينه و بين نفسه : وش هالأشكال المدلعة هذي !
أعاد نظراته إلى الحاسوب المحمول ، ضغط على زر التحديث ، ليجد تغريدة جديدة قام بنشرها فهد قبل دقيقتين " يَ صوتك ، اللي لا سمعته تعافيت "
تمتم بصوت هامس : يا سلام ، غراميّات بعد ..
تنقل بإصبعه فوق ماوس الحاسوب ، سجل خروجه من حسابه الخاص ، و ضغط على خيار " تسجيل حساب جديد "


**
**

روما ، في قاعة العرض السينمائية
يجلسان متجاوران في المكان ، شاشة ضخمة يعرض عليها أحد الأفلام الأجنبية التي لم يستطع فهد أن يعرف قصتها ، أفكاره المشوشة تطغى على عقله في كل ثانية ، رفع جواله بهدوء لينظر إلى الساعة ، قد مرّت ساعة ، و تبقى لنهاية الفيلم أربعون دقيقة على أقل تقدير .. بدأ ينظر حوله باستغراب حين ضجت القاعة بضحكات الحضور ، نظرت إليه حسناء ضاحكة ، بينما غابت ملامح وجه فهد ، فهمت أنه لم يدرك الطرفة في المشهد الأخير ، و لم تفهم أنه لم يدرك شيئاً من الفيلم كله ، بعد دقائق ، حسناء تنظر إلى صحن البوشار الممتلئ في يد فهد ، و الذي لم يتناول منه الكثير ، اقتربت و همست : ممكن تعطيني البوشار ؟
رفع حاجبيه متعجباً ، بعد أقل من ثانية مد الصحن لها : أكيد ، تفضلي ..
أخذته ، تناولت حبة و وضعتها في فمها ، همست مجدداً : يستحسن تركز في الفيلم لأنه مطول ، و تقدر تشاركني بالبوشار ترى !
ضحكة خفيفة أطلقها ، و قال : مشكورة والله ، ما قصرتِ ..
حسناء مثبتة عينيها في شاشة العرض ، قالت : لا ترمي تذاكر الفيلم ، بنصورهم ..
فهد باستغراب : ليش ؟
أحد الحضور من المقعد الخلفي ، ينقر بيده على كتف فهد ، و يشير له بالصمت ، تبتسم حسناء كاعتذار ، تلفت و تنظر إلى فهد بطرف عينها ، واضعة سبابتها على فمها و تقول بهمس بالكاد يُسمع : خلاص هس ..

**
**

مرت الساعة الأخيرة من ذلك اليوم الذي كان طويلاً جداً على من خرج سائحاً رغماً عنه ، و الذي فهم سبب إصرار عمر حرب على خروجه للسياحة ، خرجوا من قاعة العرض ، ينظر فهد إلى ساعته مجدداً بينما تلتقط حسناء صورة لتذاكر الفيلم ، ثم تقول : يلا بنتعشى و بوديك الاوتيل بعدها ..
ضحك فهد : ههههه انتِ على طول تاكلين ؟ ريحي فكك شوي حرام !
حسناء بسخرية : تدري أصلاً ماني جوعانة بس قلت الضيف يمكن جوعان و خجل يقول الشرهة علي بسوي نفسي كريمة مثل العرب .. لازم أسوي مثل الغرب كل واحد عليه من نفسه ..
فهد و هو يفتح باب السيارة : كذا أحسن ..
تأففت متجهة إلى باب السيارة من جهة القائد و تمتمت : يالله متى بيخلص هاليوم !
ركبت في مكانها ، نظرت إليه بحدة : تدري ، هذي أسوأ رحلة سويتها بحياتي ، ياخي طفشتني !
فهد ببرود : أنا ؟ ليش وش سويت ؟
بدأت في القيادة بهدوء : ما سويت شي ، المشكلة إنك ما سويت شي ..
فهد : بروح بيتكم ، لازم أشوف عمي عمر ..
لاحظ أنها لوت شفتيها ، تمتمت بصوت غير مسموع : لاحقني عالبيت بعد !
نظر إليها : قلتِ شي ؟
ارتسمت ابتسامة مزيفة يعرفها فهد تماماً ، و قالت : لا أبداً .. ما في شي ..


**

في الحارة الفقيرة ذاتها ، في البيت القابع في الزاوية ، جلست شهد تشرح لعبير بعض مسائل الرياضيات ، و لم يخفى عن عبير تغير حال أختها اليوم ، التي لم تكن قادرة على التركيز أبداً أثناء شرح الدرس ، ألقت القلم من يدها : افففف ..
عبير : وش فيكِ اليوم مو على بعضك ؟
شهد : ما في شي ، اليوم زرت خالتي جواهر ..
عبير : صدق ؟
تنهدت شهد : حالتها تبكي ، مادري شلون طاوعه قلبه فهد يتركها و يسافر !
عبير : و شلون أبوي سمحلك تروحي تزوريها ؟
شهد : مو بالساهل ، الله المستعان .. مين من صديقاتك تبي مساعدة ؟
عبير : في ثلاثة ، هبة و عنود و جيهان .. بس أول سألوني عن المبلغ اللي بتاخذيه على كل درس ..
رفعت شهد شعرها عن وجهها ، و قالت : كم يقدروا يدفعوا ؟
عبير : ما سألتهم ، بس اهمة حالهم ما هو أفضل من حالنا هالكثر يعني ..
شهد : بسيطة ، ما نختلف انشالله ، خليهم يجون بكرا . أنا قايمة أحضر عشاء ..
نهضت عن الأرض متجهة إلى باب الغرفة ، استوقفها صوت عبير : اشتقتيله ؟
التفتت إليها ، و هي تقعد حاجبيها : مين ؟
نهضت عبير و وقفت خلفها ، بابتسامة قالت هامسة : فهد ..
ابتسمت عبير بسخرية : فهد ما هو فهد اللي نعرفه .. صار واحد ثاني ..
عم الصمت لثوان ، قبل أن تردف عبير بجدية مصطنعة : بعدين يا بنت وش هالكلام الماصخ هذا لسا ما صرتِ 18 سنة من وين جايبة هالكلام ..
عبير : من نظراتكم لبعض ، ما نسيت يوم جاء بيترك الحارة شلون كنتوا تناظرون بعض .. شايفتني عميا
بخفة ضربتها على كتفها و قالت : طيب بس بس ، روحي كملي دراستك أو تعالي حضري معاي عشاء
عادت عبير مسرعة إلى مكانها : لا خلااص بدرس !!


*
,

وقف عند شرفة النافذة ، ينظر إليها واقفة تحدّث أبيها بانسجام ، و كأنها تخبره عن تفاصيل هذا اليوم ، و كأنما يحاول أن يطمئن عليها منه ، و ما إذا كان قد حاول أن يؤذيها ، و لا زال يتساءل ، إن كان لا يأتمنني ، فلم أجبرني على الخروج معها ؟
في الأسفل ، تقف حسناء مع والدها ، تقول بملل : طفشني مرة ! مو طبيعي !
عمر متكتفاً : يعني ما قدرتِ تعرفي عنه أي معلومة ؟
حسناء : أقول لك غاامض ما يتكلم ، حسيته طفشان من البلد و اللي فيها تقول زارها 10 مرات قبل هالمرة !
تنهد عمر بحيرة ، حتى قالت حسناء : اتصل اليوم بشخص اسمه طارق ..
عمر : ايه ؟
حسناء : بس ردّت عليه وحدة اسمها شهد ، و ما فهمت شي من الاتصال ، بس كان مبسوط لما سمع صوتها ..
عمر : قلتيلي اسمها شهد ؟
تثاءبت حسناء : ايه شهد ، خلاص والله تعبت بناام ..
عمر يربت على كتفها : طيب حبيبتي ، حطيتي الكاميرا في مكتبي ؟
حسناء : ايه على الطاولة ..
عمر : طيب بابا روحي الحين نامي و ارتاحي ، و جهزي نفسك لمشاوير بكرا ..
فتحت عينيها بصدمة : بكراا ؟؟! لا لا و اللي يخليك والله مالي خلق اليوم بالموت سلّكته !
عمر : وش أسوي ، ما استفدنا من مشوار اليوم .. يلا حبيبي يلا من غير نقاش ، مثل ما فهمتك ..
سارت أمامه و هي تتأفف و تعبر عن انزعاجها بتمتمات غير مفهومة ، في ذلك الوقت ، صعد عمر إلى الغرفة التي انتظره فيها فهد ، فتح الباب و قال مرحباً : يا هلا بفهد ، شلون كان مشواركم اليوم ؟
فهد : كويس ..
عمر و هو يجلس خلف مكتبه : بكرا بتاخذك لأماكن أحلى ...
فهد معترضاً : لا لا عمي ، ماله داعي خلاص .. أنا تعبان و بكرا مالي خلق أروح مكان ..
عمر : بس ما يصير كذا ، اليوم الأحد و باقي 4 أيام على سفرك ، وش بتساوي في هالفترة ؟ لازم كل يوم تطلع مكان و تغير جو ..
بابتسامة ذات مغزى : لا تخاف ، راح أعرف وش لازم أقول لهم لا سألوني وش سويت في روما ..
رفع عمر نظراته إلى فهد متعجباً ، تساءل : وش عرفك ؟
أمال رأسه : عارف ليش قلت لبنتك تصورني .. بس ما أتوقع الأمن الجنائي راح يطلبوا مني صور تأكد وش سويت بروما ، أساساً لا تعتبر دليل ..
رفع عمر حاجبيه : ما شاء الله ! و انت منو قالك إن الأمن ممكن يحققوا معاك ؟
فهد : خمّنت ..
تنهّد عمر ، ثم قال : ما في شي يخوف ، اهمة بس مستغربين شلون تبدلت أحوالك بهالسرعة و صار معاك فلوس ..
فهد " بلا مبالاة " : هذي فلوس أبوي اللي رديتوها لي بعد وفاته ..و هم وش علاقتهم ؟ أبوي انقتل و قاعدين يفتشون وراي أنا
ابتسم عمر ابتسامة جانبية تنم عن خبث و دهاء : برافو عليك ، حفظت الدرس بسرعة .. المهم أبيك تجهز نفسك للمهمة الثانية ..
فهد نهض من مكانه : ما في مهمات ثانية ، قبل لا أتأكد إني انتهيت من أول كمبيالة ..
عمر : بس لازم أفهمك طبيعة الشغل قبل لا تسافر ..
فهد : سلطان ما يعرف ؟
عمر : إلا ..
فهد متجهاً نحو الباب : خلاص ، لا كنت عند سلطان و حرق الكمبيالة قدامي ، ذيك الساعة نتفق على الشغل .. تصبح على خير ..
خرج فهد من الغرفة ، بينما تجاهل عمر الرد عليه ، ليقول في سره بغيظ : والله منت هيّن ! ابن ×××


,


تدق الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، سكون تام يغلف المنزل ، الأنوار جميعها مطفأة ، تجلس تلك الأم كعادتها كلما تأخر ابنها عن المنزل ، مرتدية ملابس الصلاة ، و تجلس متجهة نحو القبلة ، تدعو بقلب باكٍ أن يحفظ الله ابنها من كل مكروه ، كأنه يذهب إلى الحرب كل يوم و تنتظر عودته ، يدخل يحيى بحركات بطيئة ليتجنب إيقاظ والديه ، رغم أنه قد اعتاد على أن يرى والدته مستيقظة تنتظره ، مر بجانب الصالة ليسمعها داعية باكية ، ابتسم في ذاته حباً ، طرق الباب لئلا يفزعها ، دخل و قال بصوت منخفض : يمه ..
نهضت من مكانها بلهفة ، اقتربت منه بلهفة التي لم ترَ ولدها منذ سنوات : هلا يمه هلا حبيبي وينك يمه ليش تأخرت ؟
تنهّد يحيى و قال بعتب : يمه ليش ما نمتِ للحين ؟
أم يحيى : و شلون بنام قبل لا ترد البيت و أتطمن عليك ؟
انحنى ليقبل يدها ، رفع رأسه و قال : يمه أنا ماني طفل ، خلاص لا تخافي علي ، و بعدين الأحوال صارلها فترة هادية ماله داعي تخافي ..
أم يحيى : والله يا ولدي الموضوع ما هو بإرادتي ، ماني قادرة أنسى يوم اتصلوا فينا من المستشفى و قالولنا إنك انصبت بعملية مداهمة ، الله لا يعيده من يوم ..
ابتسم : آمين .. يمه وكلي أمرك لربنا ، هو خير الحافظين ، و المكتوب ما منه هروب ، علشان كذا فوتي يمه نامي و ارتاحي ..
أم يحيى : ما تبغى تتعشى ؟
يحيى : لا أكلت في المركز ، خلاص يمه ما عليكِ مني روحي نامي ..
طبطبت على كتفه بحب ، خرجت و هي تقول : تصبح على خير ..
يحيى : و إنتِ من أهله يالغالية ..




استلقى في سريره بعد يوم متعب ، رغم أنه يعرف أن تلك الأيام يجب أن تكون بمثابة نقاهة لنفسيته التي تعبت طيلة 26 عاماً من حياته ، إلا أنها أشبه بحصار يخنقه ، أطبق عينيه و تنهّد بألم ، و هو يقول في داخله : الله يسامحك يبه ، الله يسامحك و يرحمك ، ما خلفت لي إلا الهموم و الديون ..
فتح عينيه مع صوت رسالة وصلته ، تناول الجوال ، فتح الرسالة : " شلونك فهد ، اليوم زرنا الوالدة و اتطمنا على أحوالها ، سامحني ما أقدر اتصل إنت عارف الحال .. "
ضرب جبينه بخفة ، و اتصل مسرعاً بطارق ، خلال ثوانٍ جاءه الرد : توقعت تتصل فيني بس شفتك تأخرت ، عشان كذا أرسلت لك ..
فهد : لا لا عادي ، نسيت أتصل .. رحت بروحك ؟
طارق مستغرباً : نسيت ؟!
مرت ثانية صمت لم يعرف بها فهد ماذا سيرد ، أردف طارق بعدها : رحت أنا و أختي ، و اهية دخلت عندها و قالتلي إنها بخير ، بس مشتاقة تشوفك ..
زفر فهد بألم ، التزم الصمت ، فأكمل طارق : فهد إنت مرة متغير ! وش قاعد يصير معاك ! كل اللي في الحارة قاعدين يقولوا ....
صمت و لم يكمل جملته ، تساءل فهد : وش يقولوا ؟!
طارق : ما في شي ، انسى ، أنا بس أبى أشوفك و أفهم منك ، ما تعودت تخبي عني شي !
أخذ نفساً عميقاً ، فهد : إن شاء الله لا رديت الرياض أشوفك و نتكلم .. ما أقدر أتكلم عالجوال ، بس الله يخليك وصيتك الوالدة لا تتركها ..
طارق : ولا يهمك ، أمك مثل أمي ، إن شاءالله ما بتحتاج شي .. بس إنت متى بترجع ؟
فهد : الخميس إن شاء الله ، الخميس بالليل أكون في الرياض ..
طارق : بالسلامة ، طيب ، أشوفك على خير .. سلامات ..
فهد : مع السلامة ..


,



أركنت السيارة إلى جانب الطريق ، ظهر من خلال المرآة رجلين يقتربان من السيارة ، التفتت إليه و قالت : قلت لك ملاحقيننا ..
فكّ حزام الأمان : خليكِ هنا ، أنا نازل أشوف السالفة ..
حسناء : بنزل معاك ..
فهد بصرامة : قلت لك خليكِ هناا !!
ترجل من السيارة ، ولا أخفيكم أنه شعر ببعض الرهبة ، فهو وحيد و هما رجلين ، اقترب منهما و اتضح له أنهما عرب ، تساءل : خير يا شباب وش السالفة ؟
أحدهم يقول بسخرية : حضرتك الحب الجديد للآنسة ؟
في تلك الأثناء ، تتابع حسناء ما يجري من خلال المرآة ، يضرب فهد كتف الرجل بخفة و يقول بجدية : أقول اختصر و يلا من هنا إنت و هو ..
باغته أولهم بلكمة على أنفه أسالت منه الدم و أعادته بضع خطوات إلى الخلف ، لينهض فهد مسرعاً و يبادله بلكمة أخرى على وجهه ، اقترب الرجل الآخر و أمسك بذراعي فهد ليثبته ، يقترب الأول و يضحك ساخراً و هو يضرب على كتف فهد : ما شاء الله ، كابتين أميركا !
تنزل حسناء من السيارة ، يقول فهد بلهجة آمرة : قلت لك خليكِ في السيارة !
تقترب متجاهلة كلامه ، و ابتسامة لم يفهم معناها على وجهها



انتهى (())

البارت أخذ معاي تقريباً 22 صفحة في الوورد ، إذا تبون بارتين في الأسبوع بيكونوا بهذا الطول ، و إذا تبون بارت واحد طويل بيكون مرة واحدة في الأسبوع بيكون حوالي 40-45 صفحة في الوورد ..
قلت آخذ رأيكم و أشوف وش حابين ؟ و أي الأيام في الأسبوع أفضل .. بالنسبة لي أرشّح يوم الجمعة لو بارت واحد ، و لو بارتين ممكن الجمعة و الثلاثاء ..
أعطوني آراءكم في المواعيد ، و في البارت أيضاً لااا تنسوا ..

دمتم بود *))

شبيهة القمر 25-10-19 02:41 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
ياهلا بكاتبتنا المتألقة حياك وبياك .. قرأت الجزء الاول ..
وقلت ارد عليك قبل اكمل باقي الاجزاء ..
الي فهمته ان فهد طاح بيد سلطان قاتل ابوه ..واستغله القاتل لمكاسبه الشخصيه ومنها يبعد عنه الشبهة ..علشان فهد مايشك فيه
الرواية من بدايتها حمااااس
راح ارجع اكمل قراءة وراجعه برد قوي على باقي الاجزاء ..بإذن الله ..

طيف ... امنية صغيره ان قلة الردود ماتحبطك وتخليك تتركينا بنص المشوار ...
بوجة نظري الكاتب يكتب لنفسه ليثبت وجوده ومدى قدراته ومهاراته ..والقراء لهم حق التذوق ولكلآ وجهة نظر ....
بإنتظاارك عزيزتي ....

شبيهة القمر 26-10-19 09:16 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
واخيييراا خلصت الاجزاء
نجي لمثلث برمودا
عمر وسلطان ومشعل
اتوقع كانوا اصدقاء بالماضي
وبسبب ضروف مشعل الصعبه اضطر انه يشتغل سائق عند سلطان .. ويمكن كان شريكهم بس هم انقلبوا عليه وخسروه كل شي .. وبعدها اقترحوا عليه يكون سايق عندهم ... ولان مشعل يعرف طبيعه شغلهم ..او انه كشفهم بالصدفه ..فهددهم وبعدها قتلوه بدم بارد ومشوا في جنازته ..وعلشان يبعدوا الشبهه عنهم اخذوا فهد لصفهم بحكم انهم راح يساعدوه في تسديد ديون ابوه ..واتوقع الكمبيالات خطه من سلطان وعمر علشان يجبرون فهد على الشغل معهم ويغرونه بالمال علشان يكون هو في واجهة المدفع واي عمليه يسوونها يكون فهد بالمقدمه وهم خلف الكواليس .... قاهرني فهد احسه مغفل واستغلوا طيبته وحاجته ... ياخوفي ان هالشيطان عمر يعرف بحب فهد لشهد فيقوم يهدده بها 😫😱
انا اكثر شي حزني يحيى .. بتكون صدمة عمره لو عرف حقيقة ابوه ....
حسناء ..هذي الشيطان الاخرس ... الحيوانه طالعه لأبوها ..اتوقع الي كانوا يطاردونها تعرفهم ويمكن مخططه معهم انهم يمردغون فهيدان هالضعيف ..

طيف ...الروايه ممتعه واسلوبك سهل ولذيذ ..بانتظاارك يوم الجمعه والثلاثاء بإذن الله ..لاتتأخري علينا ..

طِيفْ 29-10-19 12:10 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شبيهة القمر (المشاركة 3722058)
السلام عليكم
واخيييراا خلصت الاجزاء
نجي لمثلث برمودا
عمر وسلطان ومشعل
اتوقع كانوا اصدقاء بالماضي
وبسبب ضروف مشعل الصعبه اضطر انه يشتغل سائق عند سلطان .. ويمكن كان شريكهم بس هم انقلبوا عليه وخسروه كل شي .. وبعدها اقترحوا عليه يكون سايق عندهم ... ولان مشعل يعرف طبيعه شغلهم ..او انه كشفهم بالصدفه ..فهددهم وبعدها قتلوه بدم بارد ومشوا في جنازته ..وعلشان يبعدوا الشبهه عنهم اخذوا فهد لصفهم بحكم انهم راح يساعدوه في تسديد ديون ابوه ..واتوقع الكمبيالات خطه من سلطان وعمر علشان يجبرون فهد على الشغل معهم ويغرونه بالمال علشان يكون هو في واجهة المدفع واي عمليه يسوونها يكون فهد بالمقدمه وهم خلف الكواليس .... قاهرني فهد احسه مغفل واستغلوا طيبته وحاجته ... ياخوفي ان هالشيطان عمر يعرف بحب فهد لشهد فيقوم يهدده بها 😫😱
انا اكثر شي حزني يحيى .. بتكون صدمة عمره لو عرف حقيقة ابوه ....
حسناء ..هذي الشيطان الاخرس ... الحيوانه طالعه لأبوها ..اتوقع الي كانوا يطاردونها تعرفهم ويمكن مخططه معهم انهم يمردغون فهيدان هالضعيف ..

طيف ...الروايه ممتعه واسلوبك سهل ولذيذ ..بانتظاارك يوم الجمعه والثلاثاء بإذن الله ..لاتتأخري علينا ..

أهلاً بشبيهة القمر ، يا هلا و غلا ،، سلمت يمناكِ على الرد الجميل اللي يثلج الصدر ..

حبيبة قلبي تسلمي لي على الإطراء الجميل ،، أتمنى تكون الرواية بالفعل عند حسن ظنّك بإذن الله ،، أسعدني مرورك العطر ،، أنرتِ

طِيفْ 29-10-19 12:12 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رواية : و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلم : طِيفْ!


" إذا ما الشوق أقلقني إليه ،
و لم أطمَع بوصلٍ من لديه
خططت مثاله في بطنِ كفّي ،
و قلت لِمُقلَتي ، فيضي عليه . "
-أبو نواس


الجزء 4



أجهشت بالبكاء داخل حمامها الذي شهِد كثيراً على دموعها و نحيبها ، و هي ترى خطاً واحداً في جهاز فحص الحمل للمرة الألف من بعد زواجهما ، وقف عِصام في الخارج يطرق الباب مراراً و تكراراً ، و يقول بهدوء : مريم ، فهميني ليش قاعدة تبكين ؟؟
استمر بكاؤها دون جواب ، كرر عصام بنبرة حادة : مريم ! قاعد أكلمك ، جاوبيني .. افتحي الباب ، لا أخلعه !
استمر في الطرق على الباب دون إجابة منها ، اشتدت طرقاته على الباب بطريقة أوضحت أنه أوشك على الغضب ، و هي تعرف تماماً معنى أن يغضب عصام ، هدأت ضرباته حين سمع صوت قِفل الباب يُفتح ، ابتعد عنه ، خرجت و عيناها متوهجتين من كثرة البكاء ، تساءل عصام : ممكن أفهم ليش مسوية بروحك كذا ؟
بسبابتيها مسحت دموعها ، بصوت مبحوح أجابت : ما في شي ..
تركته و جلست أمام المرآة تنظر إلى نفسها و تحاول أن تعدل منظرها ، وقف خلفها ينظر إليها من خلال المرآة ، مرتدياً قميصه الأبيض ، يلفه من الخلف حزام بمحفظتين تحتويان أسلحته ، بنبرة معاتبة قال : عشان الحمل ؟
التزمت الصمت و كانت الدمعة المتلألئة في عينيها هي الإجابة ، قال : قلت لك خلينا نشوف طبيبة ..
التفتت إليه : خايفة ، خايفة يا عصام !
ارتدى جاكيته الأسود الأشبه ببدلة رسمية ، انحنى جالساً بنصف جلسة على الأرض أمامها و قال : من ايش خايفة ؟
مريم : خايفة من كلام الدكتورة ، إنت فحصت و ما عندك مشاكل ، و من 3 سنوات متزوجين و ما صار حمل ، يعني أكيد المشكلة فيني ..
ابتسم بخفوت و هو يمسك بيدها : أولاً مو بالضرورة يكون في مشكلة ، ممكن يكون ربنا للحين ما أراد لنا بالخلفة ، ثانياً ، لو كان في مشكلة ، ايش الأفضل ؟ نتركها تكبر ؟ أو نحلها ؟ الطب اليوم متطور جداً ، و حتى مشاكل الإنجاب صارت قليلة لأنها كلها لاقت علاجات ..
مريم : يعني لو كانت النتيجة إني ما أجيب عيال ، راح تطلقني ؟ أو تتزوج علي مثلاً ؟
بابتسامة لم تفهمها ، نهض من مكانه و قال : لا تفكري بهذا الشي الحين ، شوفي دكتورة كويسة و زوريها ، و كل أمورنا طيبة بإذن الله ..
هزّت رأسها بالموافقة و في داخلها شيء من الخوف ، و كأن كلامه مبطّن باحتمالية التفكير بالزواج مجدداً إن لم تكن قادرة على الإنجاب ، انحنى ليطبع قبلة خاطفة على خدّها ، و يقول : يلا سلام ..
مريم : مع السلامة ، ربي ييسر أمرك ..
خرج من جناحه ، و بخطوات سريعة نزل ليقابل والدته على الدرج ، قبل جبينها و قال : صباح الخير يمه ..
آمنة : صباح النور يا قلب أمك ! وين أشوفك مستعجل ؟
عصام : ايه لازم أكون في المكتب الساعة 8 ..
شدّته من طرف سترته ، و قالت : ما عليه لو تأخرت 10 دقايق ، إنت مشرف مو موظف عادي ..
عصام : يمه لأني مشرف ما يصير أتأخر ، بعدين فيه شب جديد جاي متدرب ما أقدر أعتمد عليه بروحه ..
بحدّة و بلهجة آمرة : أبغى أكلمك فموضوع ، اصبر دقايق !
ابتسم عصام بحب ، تكتف وقال : طيب يمه إنتِ تآمرين ، قولي ..
آمنة : أنا يمه مابي أكون ظالمة و أقول لك طلق مريم ، لأن الحرمة سنعة و ما شفنا منها إلا كل خير ..
لوى شفتيه معبراً عن استيائه من الحديث ، أردفت والدته : بس يمه أنا من حقي أفرح بعيالك ... و أنا بصراحة شفت لك بنت حلال ، بس مطلقة ، و عندها ولدين ..
فتح عينيه و قال بدهشة : نـــعــم ؟؟
آمنة : أنا اخترتها لأنها مجربة و مضمونة ..
ضحِك ضحكة خفيفة ثم قال بجدية : يمه وش هالكلام مجربة و مضمونة اهية مكنسة كهرباء ؟؟
ابتسمت والدته : لعنة الله على ابليسك ، أنا قاعدة أتكلم جد !
قبّل يدها و قال بعجلة : يمه والله مستعجل سامحيني ، نتكلم بعدين .. السلام عليكم ..
تنهّدت بعمق و قالت : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، الله يهديك يا ولدي و يرزقك الذرية الصالحة ..

,


في مكان آخر ، كان من الغريب أن تدخل سيارة كتلك إلى حارة كتلك ، من النوادر أن تجد سيارة بتلك الفخامة تدخل إلى حارتهم ، و في ذلك الوقت تحديداً ، الذي لا يعتبر وقت زيارة أساساً ، ترجل من سيارته و هو يضع النظارة الشمسية على عينيه ، مشى بخطوات استطاع من خلالها أن يعرف الجميع أنه ليس رجلاً عادياً ، و لا بد لهدف مريب من زيارته ، أوقف أحد المارة ، و سأل : لو سمحت ، بيت طارق الحمد ، وين صار ؟
أشار له : آخر هذا الطريق على اليسار ، الباب الأبيض ، مكتوب عليه أبو طارق ..
هزّ رأسه و قال : مشكور ..
تركه و مشى خطوات قليلة ، حتى وصل إلى المكان الذي دله عليه الرجل ، قرأ الاسم على الباب ، طرق مرتين و هو ينظر إلى ساعته ، كرر الطرق و قد توقع أنهم ما زالوا نياماً ، بصوت أعلى ، حتى فتح له شاباً يبدو أنه استيقظ للتو ، تفحصه يحيى بدقة ، تساءل طارق بصوت ناعس و هو يعقد حاجبيه و عينيه بالكاد تتفتحان : تفضل وش تبي من الصبح ؟
فتح محفظته أمامه و بانت منها بطاقته الأمنية ، بثقة قال : يحيى غانِم .. من الأمن الجنائي ..





روما
جلست في قاعة الانتظار ، و الملل واضحاً على وجهها تطرق بمفتاح سيارتها فوق الطاولة ، لم تشعر بقدومه و هو يقترب منها بخطوات بطيئة ، رفعت أنظارها إليه حين قال : صباح الخير ..
نهضت من مكانها و بدأت تتصرف كمن يقوم بواجب عليه إنهاءه ، حسنا : صباح النور .. يلا مشينا ..
تقدّمت عنه بضع خطوات ، استوقفها صوته : بس أنا ما بروح مكان اليوم ..
التفتت بوجهها إليه دون أن تلتفت بجسدها : نعم ؟
جلس على الكرسي و قال بلامبالاة : أنا قلت لأبوكِ أمس إني مابي أروح مكان ..
التفتت الآن بكامل جسدها : الحين جاي تقول ؟ بعد ما تركتني أصحى بدري و آجي ؟ أشتغل عندك أنا ؟
تجاهل فهد النظر إليها ، و ركز في جواله ، بلا مبالاته استمر : مالي علاقة أنا قلت لأبوك ، و بعدين ترى ما صار شي روحي نامي عادي !
اقتربت بضع خطوات ، وضعت كفيها فوق الطاولة أمام فهد ، انحنت ليرفع عينيه رغماً عنه إليها ، و يرى في وجهها الغضب الحقيقي ، قالت : تدري إنك سخيف ؟ و الشرهة مو عليك ، الشرهة علي أنا اللي عبرتك و تنازلت و جيتك ..
تذمر بطريقة واضحة ، نهض من مكانه : عن إذنك ..
تحرك من أمامها ، ظلت واقفة لثوانٍ تراقبه بنظرات حاقدة ، حتى اختفى عن أنظارها ، خرجت من الأوتيل و هي تلعن نفسها و تلوم على والدها الذي أحرجها معه ..



يجلسان في الساحة الخارجية الصغيرة للمنزل ، على كراسي صغيرة غير مريحة ، أمامها طاولة وضِع عليها فنجاني قهوة ، و منفضة سجائر ، يبدو على طارق التوتر من قدوم يحيى ، الذي يجلس بكل برود أمامه ، يخرج علبة سجائره ، يفتحها و يمدها أمام طارق : سيجارة ؟
هز رأسه بالرفض : مشكور ..
تناول يحيى سيجارة له ، وضعها في فمه و هو يلاحظ نظرات طارق و انتظاره لمعرفة سبب قدومه ، أشعل السيجارة ، و قال و هي فمه : قول لي يا طارق ، شلون فهد ؟
بارتباك : منو فهد ؟
نفث يحيى الدخان من فمه ، و قال بابتسامة صغيرة : بدينا لف و دوران ؟
التزم طارق الصمت ، نهض يحيى من مكانه و قال بنبرة عالية : شوف يا طارق ، عندي معلومات إنك صديق فهد المقرب ، فالأحسن تتعاون معاي و لا تعورلي دماغي ..
طارق : يا سيد يحيى ، فهد صديقي المقرب صحيح بس وين المشكلة بهالكلام ؟
يحيى : أبداً في ما مشكلة ، بالعكس ، لو اشتغلت لصالحنا بتستفيد ..
طارق : شلون يعني لصالحكم ؟
يحيى و هو يعاود الجلوس مكانه و يطفئ سيجارته في المنفضة ، نافثاً آخر ما تبقى من الدخان من فمه : يعني أبيك تقول لي كل شي تعرفه عن فهد ، شلون صار معاه فلوس و انتقل من الحارة ؟ شلون قدر يسافر و ليش سافر .. كل هالأمور ..
طارق : صدقني يا سيادة المحقق ...
قاطعه قبل أن يكمل بحدة : بدوون كذب ، و لف و دوران ، لأني بزعل منك ..
ابتلع طارق ريقه : صدقني ما فهمت منه شي ، حتى لما كلمته أمس قال لي راح يبلغني بكل شي لما يرد الرياض ..
يحيى : كلمك أمس ؟؟
هز رأسه و هو يلعن نفسه في داخله على زلة لسانه ، مد يحيى يده : عطني جوالك ..
أخرج الجوال من جيب بيجامته و أعطاه إياه بيد مرتجفة ، فتحه يحيى و بدأ يتصفح السجلات و قال دون أن ينظر إليه : و ليش كلمك ؟؟
طارق : ما في شي يتطمن عن والدته ..
هزّ رأسه بتفكير و هو يتمعن في الرقم الدولي ، أدار شاشة الجوال لطارق : هذا هو ؟
هزّ رأسه بالإيجاب ، فتح جواله و بدأ بنقل الرقم ، قال ببرود : طيب يا طارق ، موافق تكون عين لنا على فهد ؟
رفع طارق رأسه مصدوماً !

في الداخل ، اجتمعوا كلهم في غرفة واحدة صغيرة ، تقف شهد أمام النافذة تحاول التلصص من خلال إزاحة الستارة المهترئة قليلاً ، تأففت و التفتت إليهم : ماني فاهمة شي !
أبو طارق يفرك يديه بتوتر : أنا متأكد الموضوع يخص فهد ! لا بارك الله فيه يوم اللي عرفناه و عرفنا أبوه ! ما جانا منهم إلا المصايب !
نظرت إلى والدها بعتب ، أعادت نظراتها إلى النافذة بحذر ، و هي تستذكر صوته في الأمس كم كان متعباً ، انتفضت و قالت لوالديها : المحقق طلع يبه ..




دخل إبراهيم إلى مكتبه و يبدو عليه الانزعاج ، دون أن يسلّم أو يقول صباح الخير ، جلس خلف مكتبه و بدأ بالتأفف ، قال عصام و هو الآخر لم يحظى بصباح جيد : يالله صباح الخير ، وش عندك من الصبح مبرطم ؟
تجاهل إبراهيم سؤاله ، و اكتفى بالنظرات الحادة إليه ، نظر عصام إلى مكتب يحيى الفارغ : و هذا الثاني وينه !
إبراهيم : قاعد تسألني ؟ شايفني زوجته ؟
كتم عصام ضحكته ، و حاول أن يقول بجدية : لا من جد ! وش فيك ؟
أدار ظهره نحو الحاسوب أمامه ، ضغط على زر التشغيل : كلن على همومه ربي يعينه ..
تنهّد عصام ، و هو يعرف تماماً ماذا يقصد إبراهيم بكلامه ، نادى على عزيز : عزيز ..
تقدّم عزيز مرتدياً زيه الرسمي ، قال : نعم سيدي ..
عصام : تعرف تشتغل عالكمبيوتر ؟
ابتسم عزيز : طبعاً ، في أحد ما يعرف يشتغل عالكمبيوتر هالأيام ؟
عصام : طيب تعال ، " اقترب عزيز منه ، ناوله عصام ملفاً أخضر يحتوي بعض الأوراق و الجداول " ، و أردف : كونه حضرة المحقق يحيى للحين ما شرفنا ، اقعد مكانه و افتح الملف اللي عالكمبيوتر بنفس هذا الاسم " مشيراً إلى لاصق أبيض يحتوي رقماً من 5 خانات " ، شوف وش في تعديلات عدلها ، و اللي مثل ما هو اتركه ..
أخذ الملف منه ، و اتجه نحو مكتب يحيى ، جلس خلفه و شغل الحاسوب ، و بدأ بتصفح الملف حتى يتم تشغيل الجهاز ، بضع ثوانٍ كان يقف يحيى عند الباب مركزاً كتفه الأيسر إلى حلق الباب ، لم ينتبه أحدهم لقدومه حتى قال بإعجاب مصطنع : والله معبي مكاني يا سيد عزيز ، أقصِد ، معبي مكانك ..
نظر إليه عزيز و هو يعرف تماماً مقصد يحيى من كلامه ، تجاهله و ترك الرد لعصام ، الذي قال دون أن يلتفت إليه : لما الموظف يتأخر مجبورين نلاقي مين يحل مكانه و يمشي الشغل ..
يحيى ينتصب بقامته : أنا ما في مين يحل مكاني ..
عصام ببرود : والله هذا الكلام مو عندي ..
دخل يحيى ، جلس على الكرسي المقابل لمكتبه واضعاً قدماً فوق الأخرى ، قال عزيز : على كل أنا لسا ما سويت شي ، تفضل استلم مكانك ..
دون أن ينظر إليه أشار بسبابته : لا خلص خليك ..
عصام : ليش تأخرت ؟
يحيى : كنت في بيت طارق الحمد .. حققت معاه بخصوص فهد شهران ..
نظروا جميعهم إليه في ذات اللحظة متعجبين ، قال عصام بشيء من الغضب : شلون تساوي هالشي من غير ما تآخذ إذن التحقيق مني ؟
يحيى : لو طلبت ما كنت بتعطيني الإذن .. صح ؟
ضرب عصام كفه بالطاولة بقوة و قال بنبرة حادة : صح ، لأنه هالموضوع انقفل ، ليش للحين تنبش وراه ؟
يحيى : ببساطة مو لازم هالموضوع ينقفل ، و أنا بظل وراه لين أكشف القاتل ..
التفت إلى عزيز و قال بلهجة آمرة : قوم وصّي لنا على قهوة ، من عند بو أيمن ..
ضرب عزيز كفيه بالطاولة و للمرة الأولى يشتاط غضباً ، نهض من مكانه : قلت لك إني مو عامل عندك ..
نظر إليهم جميعاً و قد لاحظ التأييد في نظرات كل من إبراهيم و عصام : عن إذنكم .. و خرج .
عِصام بلهجة آمرة : قوم مكانك و سوّ شغلك ، و هذا آخر تنبيه لك يا يحيى ، إنت هنا تشتغل مو تستعرض عضلاتك !


,

مر يومان ,

تستلقي حسناء في غرفتها ، إنارة خافتة في هذا المساء ، كوب قهوتها إلى جانبها ، و رواية أجنبية بين يديها تقرأها بعينين ناعستين ، يطرق باب غرفتها بهدوء ، تتأفف و تكمل قراءة الرواية بصمت ، و هي تسمع والدها يقول و كأنه يحدّث أحدهم على الجوال : خلاص اتفقنا ، كون جاهز إنت ..
فتح الباب بهدوء ، و دخل بابتسامة : حبيبة أبوها ايش قاعدة تسوي ..
أنزلت الرواية عن عينيها ، و بملل أجابت : يبه ، قول لي بسرعة ايش فيه ؟
جلس أمامها و قال : شايف إنك فاضية و ما وراكِ شي .. و فهد ..
قاطعته بتأفف : افففف وش فيه وجه الفقر هذا ؟
عمر بحدّة : عيب يا بنت تأدبي ! فهد بكرا سفره إنتِ عارفة ..
تنفست بعمق : هذي الساعة المباركة ..
عمر : يبي يأخذ هدية لأمه ، و إنتِ عارفة إنه ما يعرف شي هنا ، قلت له بنتي تروح معاك و تآخذك لأحسن محلات الهدايا ..
أعادت الكتاب إلى عينيها و قالت : لا يبه ، انسى ..
عمر : وش إنسى هذي ؟ وعدت الرجال و قاعد ينتظرك !
قلبت صفحة الرواية و قالت بلا مبالاة : يأخذ لها أي شي من المطار ، لوح شوكولاتة ، مو ضروري يسوي فيها الكريم الحين و اهوة طول عمره طفران ..
عمر بجدية : يبه عيب هالكلام ، قومي يلا عشان خاطر أبوك ..
أغلقت الرواية : و أبوي ليش ما سوى لي خاطر يوم قال لي أروح له و حضرة جنابه طردني ؟ كأني أتحرش فيه ولا ميتة أروح معاه مكان ! يبه إنت قاعد تعطيه عين زيادة ..
عمر : طيب حبيبتي بس هاليوم و خلاص بكرا بيسافر ، يلا عشان خاطري ..
حسناء : اففف طيب قايمة ، بس إذا ضايقني بكلمة بتركه في نص السوق و بمشي و خليه يضيع في روما ..
ضحِك عمر : هههههه طيب أنا أعطيتك الضو الأخضر ، يلا قومي استعجلي ..
خرج عمر من غرفتها ، مع دخول ريم ، التي يبدو عليها الارتباك و الفرحة في آن معاً ، اقتربت من حسناء و قالت بهمس : عندك وقت ؟
حسناء بفضول : ايه ، قولي وش فيكِ كذا ؟
تنفست ريم بعمق و قالت و هي تفرك يديها : عندي خبر بس ماني عارفة إن كان زين أو لا ..
ضحِكت حسناء بخفة : ههههههه طيب قولي و أنا أقرر إن كان زين أو لا ..
ريم : أنا حامل ..
اختفت الضحكة عن وجه حسناء بسرعة ، و قالت بصدمة : حامل ؟
هزّت رأسها بفرحة واضحة ، أرغمت حسناء نفسها على الابتسام و قالت : ألف مبروك .. عن إذنك عندي مشوار ..
تركتها و دخلت إلى غرفة الملابس ،،


,

ألقى بهاتفه على طول يده ، ليرتطم بالزجاج الأمامي للسيارة و يرتد عائداً إلى الكرسي الفارغ إلى جانبه ، بدأ يقود بسرعة جنونية بعد أن سمِع ذلك الخبر منها ، يا الله ، ما هذا الاختبار القاسي الذي أُقبِل عليه ؟ كنت أشد الرجال صبراً يا الله ، و لكن ، هل سأحتمل أن يُكتب علي أن أبقى وحيداً إلى الأبد ؟ يا الله أنت تعرف كم هو صعب علي الاختيار ، ما بين هتافات قلبي و نيرانه ، و الواجب الذي قتلتني الحاجة إليه ..
اصطف بسيارته بشكل خاطئ أمام مدخل المنزل ، توجه للحارس الذي نهض من مكانه ، ناوله مفتاح السيارة و قال بعجلة : فوّت السيارة للكراج ..
تركه و توجه مسرعاً نحو باب المنزل ، لُجمت قدماه عند الباب ، قاد بأقصى سرعته ليصل ، و عند وصوله فَتك الخوف في قلبه من مواجهتها ، من التفكير في العواقب ، و الحلول .. في الأعلى ، تقف أمام النافذة المطلة على الحديقة الخلفية للمنزل ، وقفت أختها إلى جانبها و قالت بصوت معاتب : الله يهديكِ ، هذا خبر ينقال على الجوال !
التفتت إليها ، و لمعة عينيها واضحة جداً من الدمع الذي تحاول أن تكتمه ، بنبرة هادئة : ما كنت راح أقدر أطالع في عيونه و أقول له هالخبر .. صعب يا جيهان ، صعب .. الله لا يحطّك مكاني في يوم ، ولا يذوقك هالمرار ..
في الأسفل ، دخل بعد تردد طويل ، في طريقه إلى الصعود ، كانت الشغالة " فيديا " نازلة ، استوقفها بسؤاله : وين ماما آمنة ؟
بلهجة عربية متكسّرة أجابت : ماما آمنة مو في بيت قال بيروح عند دانة ..
عصام : و مريم ؟
فيديا : ماما مريم في غرفتها معاها أختها ..
هز رأسه المزدحم بأفكاره : طيب ، روحي لشغلك ..
بخطوات بطيئة صعد ما تبقى من الدرج ، وصل إلى باب غرفته ، طرق الباب ، أخذت مريم نفساً عميقاً بعد أن تأكدت أن أختها قد وضعت نقابها : ادخل ..
فتح الباب و ظل واقفاً عنده ، واضعاً عينيه أرضاً : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
بصوت واحد ردوا : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
سقطت عيناه على حقيبتين سوداوين ممتلئين إلى جانب السرير ، إحداهما كبيرة و الأخرى تصغرها حجماً ، تساءل : ايش هذا ؟
تحركت تَيماء قائلة بصوت هامس : عن إذنكم أنا بنتظر أخوي في الصالة ..
ابتعد عصام عن الباب ، مفسحاً لها المجال لتمر ، دخل و اقترب من مريم ، وقف أمامها و كرر سؤاله و هو يشير بسبابته إلى الحقائب : اييش هذا ؟
مريم تجاهد نفسها ألا تبكي : عصام ، أنا مقدر أحرمك من الأولاد ، مقدر أكون أنانية .. النتيجة انحسمت خلاص .. و بنفس الوقت ماقدر أقول لك تزوج علي و أنا برضى و بسكت ، الموت عندي أهون من إنه تيجي وحدة تشاركني فيك ..
تنهّد عصام تنهيدة تحكي ما في قلبه من حيرة ، قال بعد صمت : على طول حكمتِ إنها النهاية ؟ و إني بتزوج عليكِ ؟
غطت وجهها بنقابها : قلت لك مقدر أكون أنانية ..
اقتربت خطوات ، لتحمل حقائبها ، انحنت يد عصام لتلامس يدها ، ضغط عليها و سحب منها الحقيبة بإصرار ، نظرت إليه متسائلة ، ما الذي يجعلك مصراً على التمسك بي ؟
أخذ الحقيبة و وضعها جانباً بهدوء ، بنبرة خافتة : مريم ، الله يرضى عليكِ ، اعقلي ..
مريم : مقدر أقعد و أستناك تفوت علي بالضرّة ..
ظهرت نصف ابتسامة على وجهه المتعب : مريم الله يرضى عليكِ ، فكي عباتك و اقعدي ، وش صايرلك ؟
رفعت نقابها عن وجهها ، أطلقت العنان لدمعتها الأولى لتنسكب بهدوء من عينها اليسرى ، تبعتها الأخرى دون تردد ، قالت : عصام ، لا تأخذ الأمر بهالبرود .. الدكتورة قالت إني احتمالية إني أتعالج ما تتجاوز 30% !
عصام : 30% في الطب ماهي نسبة هينة ، يعني نسبة كويسة ، الناس تتفاءل بـ 1% ، إنتِ أرحم من ربك ؟
مريم تجلس على طرف السرير : و النعم بالله ، بس في بعد 70% ، ليش أتأمل بشي شبه مستحيل ؟!
جلس على الصوفا المقابلة للنافذة ، استرخى برأسه المثقل بالهموم ، و هو يغمض عينيه قال بإصرار : مريم لا تتعبيني معاكِ ، اقعدي و اعقلي ..



,,


ركب السيارة محرجاً ، في وقت لم تلتفت فيه إليه و هي تفكر في آخر ما سمعته من زوجة أبيها ، ترتدي كنزة بيضاء مع بنطلون أسود ، فوقهما سترة جلدية رقيقة ، و تلف على رقبتها سكارف باللون الكموني الداكن ، أوحى لها منظرها المهمل أنها قد خرجت رغماً عنها .. لم تنتبه لدخوله حتى تنحنح و قال : السلام عليكم ..
التفتت نصف التفاتة ، أعادت نظراتها للشارع المكتظ بالبشر ، ببرود ردت : و عليكم السلام و رحمة الله ..
فهد بحرج : أنا آسف ، غلبتك معاي ..
تجاهلت الرد ، مدت يدها إلى التابلو المقابل لكرسي فهد ، فتحته لتخرج منه سي دي ، وضعته داخل المشغّل ، لتخرج منه أنغام أغنية إيطالية كان لحنها مألوفاً لديه ، ترفع صوت المسجل ليفهم مقصدها بأنها لا ترغب في الكلام ، ولا حتى في الاستماع إلى أي شيء .. استمر بالصمت يحاول أن لا يراقب حركاتها و هي تضرب بأطراف أصابعها فوق المقود بصوت كصوت طبل منخفض يتناغم و إيقاع الأغنية ، تتصرف تماماً كأنه غير موجود ، على عكس المرة الماضية التي حاولت فيها جاهدة أن تبني جسراً من التواصل ، أو أن تفعل شيئاً يرسم ابتسامة على وجهي ..
7 دقائق مرت كـسبعة أيام ، حتى اصطفت السيارة إلى جانب طريق مزدحم بالأسواق و البشر ، نزلوا من السيارة ، الهواء البارد يلفحهم ، تتطاير غرتها القصيرة لتزعج عينيها ، مشت إلى جانبه و هي تضع كفيها في جيوبها : وش الهدية اللي حابب تاخذها لوالدتك ؟
أجاب و هو يشتت أنظاره في المحلات أمامه : مادري ، بصراحة هذي أول مرة أجيبلها هدية ..
ضحكت : هههههه ، هالمرة تعادلنا ..
عقد حاجبيه و ابتسامة خفيفة على شفتيه : وش تقصدي ؟
حسنا : أنا بعد ما عمري اشتريت هدية لأمي ..
صمت و ابتسامته الخافتة لا تزال على وجهه ، يستذكر كلامها في المرة الماضية حين قالت أن الفرق بينهما كبير ، إذ استغرب هو أول ليلة قضاها بعيداً عن والدته ، بينما لا تعي آخر ليلة قضتها معها ..
وقفت لتقطع الشارع ، تبعها فهد و هو ينظر إلى جنونها في قطع الشارع غير آبهة بالسيارات السريعة المارة ، قال عند وصولهما للجهة المقابلة : صرتِ بهالعمر و ما تعرفي تقطعي الشارع ؟
توقفت ، و نظرت إليه بطرف عينها : وش عرفك بعمري ؟
فهد : أبداً ! بس خمّنت ، بالجامعة ، أكيد مو أقل من 19 سنة ..
تكتفت حسناء في محاولة لتدفئة نفسها : أنا سنة ثالثة في الجامعة ، عمري 21 سنة ..
التزم فهد الصمت ، يقارن بينها الآن و بين مزاجها في بداية الطريق ، قطعت صمته و هي تشير بعينيها إلى المحل أمامها : خلينا نفوت هنا ..
دخل خلفها و هو يتأمل المحل ، لأول مرة يدخل لمكان كهذا ، تفحص المكان بدقة ، و للمرة الأولى تشعر حسناء أن فهداً قد بان عليه الإعجاب بمكان ما في هذه المدينة الساحرة .. بدأت تتجول في المحل بين الاكسسوارات و الساعات ، بينما يتأمل فهد الأوشحة الشتائية ذات الألوان المختلفة ، و يحاول أن يختار ما يناسبها .. بعد دقائق ، وقفت حسناء إلى جانبه تتأمل نفس الأوشحة ، قالت : ذوقك حلو ...
بنظرة خاطفة ابتسم إليها ، أردفت : خذ لها لون كحلي ، أو رمادي غامق مثلاً ..
مدّت يدها و هي تتفحص الألوان و تردف : لأن الألوان الزاهية ما تناسب حرمة كبيرة ..
وقفت على رؤوس أصابعها لتنتشل الوشاح الرمادي ، و تنظر إليه بإعجاب و تعلو شفتيها ابتسامة حالمة ، شعر من خلالها فهد ، أنها تتمنى لو كانت تشتري هدية لوالدتها الآن ، كما يفعل هو .. نظرت إليه : أنا برأيي هذا اللون مرة حلو ..
شعرت أنها بالغت في تدخلها ، بحرج قالت : أو ، مثل ما تبي .. لو تحب نروح مكان ثاني ..
ابتسم فهد و هو يأخذ منها الوشاح ، مدّ يده و تناول وشاحاً آخراً ذات لون أحمر قان ، تركها و ذهب للكاشير ، أخرج محفظته ، دفع ثمن الوشاحين ، بينما تنتظره حسناء على باب المحل و هي تخمن أنه قد أخذ الوشاح الآخر لشهد ، التي اتصلت به و رسمت على وجهه أصدق ابتسامة رأتها ..
تقدم فهد من خلفها ، مد الكيس الذي يحوي الوشاح الأحمر لها و قال : تفضلي ..
عقدت حاجبيها : وش هذا ؟
فهد مشى أمامها ، ببرود : هدية ..
سارت خلفه بخطوات سريعة تعلن عن انفعالها : من طلب منك ؟ لو سمحت رجعه ..
وقف و هو يلتفت إليها : اعتبريها ..مممم ، اعتبريها هدية علشان مساعدتك لي ..
بجدية : فهد أكيد ما راح أقبل ، رجعه لو سمحت .. بعدين متى عرفتك أنا عشان تهديني أصلاً ؟
تابع مشيه : جاء على اسمك و خلاص ، أنا ما أحب أخلي علي ، إنتِ ساعدتيني ، و أنا رديتلك الجَميل ..
تأففت و تبعته حتى لحقت به و أصبحت تمشي بجانبه ، تتنفس بسرعة و دخنة بيضاء تخرج من شفتيها الباردتين ، توقف أمام كشك صغير في نهاية الشارع ، بلهجة انجليزية جيدة نوعاً ما ، جعلت حسناء تستغرب ، طلب كوبان قهوة ، تقدّم منها و مد لها كوبها : هذي هدية مقبولة ، مو هذا اللي جبته ..
ارتشف من قهوته القليل ، مرر لسانه على شفتيه ، و قال بسخرية : هالحين صار " هذا اللي جبته " ؟ قبل دقايق كان عاجبك و مرة حلو !
حسناء : بس ما طلبت تشتريه لي .. يلا مشينا ، هذي قهوة بعد و في هالليل عشان ما أعرف أنام !
سارا بخطوات بطيئة ، فتحت حسناء السيارة ، من الباب الخلفي لتضع الكيس ، و يفعل فهد ذات الشيء ، ثم يتوجه كل منهما إلى مقعده .. بدأت بتحريك السيارة ، و أعادت سي دي الموسيقى ذاته الذي يصدع بأغانٍ ألمانية تعرفها و تدندنها ، رفعت الصوت ، و لكن في طريق العودة يبدو أن مزاجها قد تحسن قليلاً ، دون أن ينتبه فهد ، كانت حسناء تراقب مرآتها الوسطى بعينين حائرتين ، و هي ترى سيارة واحدة تسير خلفهم في كل اتجاه منذ أن خرجوا ، حاولت أن تقتل الشكوك في عقلها ، لكنها تأكدت حين دخلت في شارعٍ مظلم لا بشر فيه ولا نور ، أخفضت صوت المسجل و هي تنظر إلى المرآة بريبة ، أثارت شكوك فهد الذي تساءل : وش فيكِ ؟
حسناء بهدوء : في سيارة لاحقتنا ..
على وشك أن يتلفت خلفه ليرى ، لكن صوت حسناء المحذّر استبقه فقالت : لاا تلف وجهك ، لا تحسسهم إننا عرفنا ..
فهد : تعرفينهم ؟


،



جلس في سريره بعد تعب أنهكه طوال اليوم ، دون أن يبدل ملابسه أو حتى يخلع حذاءه ، رن جوّاله و هو أمامه على السرير ، تأفف و هو في داخله يعرف المتصل قبل أن يرى الاسم ، تنهّد طويلاً و هو يعاتب نفسه في داخله على بخله معها ، تتهمه ببخله ، ولا تعرف أنه فقير المشاعر و ليس بخيلاً ، فقيرٌ لا يمتلك ما يقدّم لها ولا يعرف إن كان سيفعل يوماً.. رد قبل انقطاع الاتصال بثوان ، جاءه صوتها المعاتب : بدري ! وين كِنت عن التلفون ؟
رفع حاجبه ، و بسخرية واضحة في نبرته : مساء الخير !
تنهّدت جيهان ، و قالت : إبراهيم ليش تسوي كذا ؟
تأفف بملل : وش سويت ؟ جيهان واللي يخليكِ ماني بمزاج كويس اليوم ..
جيهان : متى كنت بمزاج كويس ؟ علمني عشان أعرف متى و شلون أكلمك ؟!
إبراهيم ، مرغماً نفسه على أن يعتاد على ذلك الوضع : طيب ، حبيبتي إنتِ عارفة إني أرد من الشغل هلكان ، ليش تقعدي تزوديها علي ؟
جيهان و نبرة البكاء باتت واضحة في صوتها : أنا بعد تعبانة و محتاجة وجودك .. كنت عند أختي في بيتها و أوضاعها ما تسر .. لو عصام ما أصر عليها ما كانت بتقعد في البيت عنده ..
رفع نظره إلى سقف غرفته و هو يدعو الله في داخله أن يلهمه الصبر : ليش ؟ وش صاير بينهم ؟ حسيت إنه عصام صارله فترة مخربط ..
جيهان : أختي عرفت اليوم إنها عندها مشكلة في الإنجاب ، و يمكن ما تقدر تخلّف ..
إبراهيم الذي اشتاط غضباً : و أنا وش علاقتي تدخليني في هالأمور ؟
خافت جيهان من نبرته الحادة ، باندفاع : مو قاعدة أدخلك بس ، كنت أبي أفضفضلك عن اللي مضايقني اليوم !
إبراهيم : ولو كان ! هذي أمور خاصة وش علاقتنا ليش تطلعيني على أسرارهم !! إنتوا الحريم ما عندكم شي اسمه خصوصية ؟ يومين وجهي بوجه عصام ولا تكلّم عن أسرار بيته !
فتحت فمها لتجيب : بـ ..
قاطعها بنبرة حادة : ولا كلمة ! شوفي يا جيهان ، هذا و احنا عالبر ، أنبهك إني أسمع شي صار بيني و بينك يطلع قدّام الناس ، أنبهك ، والله ما بيحصلك طيب يا جيهان .. مفهوم ؟
انخفضت نبرة صوتها : مفهوم ..
بقسوة : مع السلامة ..
أغلق الخط دون أن يسمع ردها ، قُرع باب غرفته ، مسح وجهه بكفيه و هو يستغفر : استغفر الله العظيم .. تفضل ..
فتحت الباب ، دخلت بابتسامة و قالت : وش فيك يمه صوتك طالع على مين تصارخ ؟
إبراهيم : هذي اللي ما تتسمى ..
عرفت فوراً من يقصد ، عبس وجهها : هذي اللي ما تتسمى بعد أسبوع بتصير في بيتك ، و اهية زوجتك ، شلون تتكلم عليها كذا ؟ وش خليت لبعد الزواج ؟
إبراهيم برجاء : يمه ، الله يخليك اعفيني !
ضحكة يشوبها الغضب أطلقتها والدته : وش أعفيك ! مفكر نفسك في مهمة بشغلك ؟ وش تبي الناس يقولون لا فصخنا العقد و مو باقي على عرسكم إلا أسبوع ؟ تبي تسود سمعة البنت ؟ ما عندك اخوات تخاف عليهم ؟ ترضى يصير فيهم كذا ؟
إبراهيم بخجل : لا والله ما يرضيني يا يمه ، بس ماني متقبلها ! و ننفصل الحين أحسن من بعدين ، يمه ماني قادر !
تنهّدت ، اقتربت منه و مسحت على كتفه بحب : يمه الله يرضى عليك ، بنت عمتك رشا تزوجت ، و صار عندها عيال بعد ، وش نسوي ؟ مالك نصيب ، بتقعد كل عمرك من دون زواج عشانها ؟ و اهية متزوجة و مبسوطة و ماهي سائلة فيك ؟
هز رأسه و هو يطرد فكرة أنها ملك رجل غيره من رأسه : لا يمه ، ماهي مبسوطة أنا حاسس فيها ، أنا شفت نظراتها يوم ملكتي على جيهان ، شفت لمعة الدموع في عيونها ..
نهضت والدته و قالت بغضب : عيب يا إبراهيم ! حرام تفكر بوحدة متزوجة ! الحرمة على ذمة رجال ثاني ! ترضى يجي رجال غريب يفكر في زوجتك و يرغبها مثل ما إنت قاعد تسوي الحين ؟
إبراهيم : يا ليت الموضوع بإرادتي ، كنت نسيتها من زمان يا يمه ..
أمسكت ذقنه بقسوة لترفع وجهه إليها ، قالت : كنت مفكرة إني ربيت رجال ! يا حسافة بس !
تركت وجهه و كلماتها اللاذعة تكوي قلبه ، و النيران المحيطة به من كل جانب أفسدت كل ما تبقى منه ، لا شيء أقسى من الغيرة على رجل صلب كصلابته ، وقفت والدته أمام الباب و قالت بجدية تربك إبراهيم و ترجف قلبه : شوف يا إبراهيم ، للمرة الأخيرة أقول ، إذا فكرت لمجرد تفكير إنك تترك جيهان ، أو تظلمها ، لا إنت ولدي ولا أنا أعرفك ، لأنك يوم وافقت تتزوج ، ما أحد أجبرك ..
خرجت ، لتطبق الباب بقوة خلفها ، لتتركه عالقاً بين الحياة و الممات ، بين جنة جيهان ، و جحيم رشا ..

،,

فشلت في إضاعتهم ، و هم المتمكنين من شوارع روما و ازدحامها ، ليدخلوا في زقاق ضيق مظلم ، أركنت السيارة إلى جانب الطريق ، خلال دقيقتين ، ظهر من خلال المرآة رجلين يتقدمان نحو سيارتهما ، التفتت إليه و قالت بحذر جامد دون أن يبدو عليها الخوف : قلت لك ملاحقيننا ..
فكّ حزام الأمان ، و كل ما يدور في باله هو حفظ حسناء من التعرض للأذى ، فهو رجل شرقي لا يرضى أن يصيب امرأة مكروهاً و هو إلى جوارها ، قال : خليكِ في السيارة ، بنزل أشوف وش السالفة ..
حسناء : بنزل معاك ..
فهد بصرامة : قلت لك خليكِ هنا ..
ترجل من السيارة ، ولا أخفيكم أنه شعر بالريبة ، و إن كان قد اعتاد على القتال في شوارع حارته ، إلا أنه سيكون وحده مقابل رجلين ، اقترب منهما و اتضح له أنهما عرب ، تساءل و هو ينظر إلى كليهما : خير يا شباب ، وش السالفة ؟
أحدهم يقول بسخرية : حضرتك الحب الجديد للآنسة ؟
في تلك الأثناء ، بينما تتابع حسناء ما يجري من خلال مرآتها ، مد يده ليضرب كتف الرجل بخفة ممتزجة بشيء من القوة : أقول اختصر إنت هو و يلا من هنا ..
باغته أولهم بلكمة على أنفه أسالت منه الدم أعادته بضع خطوات للوراء ، جعلت من حسناء تنتفض في مكانها ، لينهض فهد مسرعاً و يرد اللكمة له ، يسرع الرجل الآخر و يكبل يدي فهد إلى الخلف ليثبته ، ينهض الأول و هو يمسح طرف شفته من الدم ، اقترب و قال بضحكة ساخرة على وجهه : ما شاء الله ، كابتين أميريكا !
التفتوا كليهما إلى باب السيارة الذي فتح ، و الأنثى التي خرجت بحركات رقيقة ، ليقول فهد بلهجة آمرة : قلت لكِ خليكِ في السياارة !
متجاهلة أوامره ، و هي التي لم تعتد أن يأمرها أحد ، تقدمت بخطوات ثابتة و ابتسامة على وجهها لم يفهم أحدهم مغزاها ، اقتربت واقفة في المنتصف بين فهد ، و الرجل الأول ، قالت بابتسامة : وش تبون ؟
ضحِك الرجل و قال و هو يقترب : من هذا الحلو ما نبي شي ، نبي الآنسة الجميلة " يقصدها "
اقترب منها و مد يده ليلمس خدها ، باغتته بحركة سريعة غير متوقعة من فتاة رقيقة مثلها ، أحكمت قبضتها على كلتا يديه بشراسة ، رفعت قدمها اليمنى ضمتها إلى بطنها ، ركلته بركبتها في بطنه ، و أتبعتها بالأخرى لتقذفه حتى اصطدم ظهره في مقدمة سيارته ، ليس ضعفاً منه إنما فاجأته جرأتها ، في ذات الوقت استطاع أن يفلت فهد من الرجل الذي قيّده ، و الذي تشتت بفعل ما حدث ، لينهال عليه باللكمات واحدة تلو الأخرى ، في تلك الأثناء ، و هي ترى ذلك الرجل ينهض ليستعيد قواه و نظرات شرسة تحتل عينيه ، أخرجت مسدساً من تحت سترتها ، رفعته في وجهه و هي تفك الأمّان بتهديد و قالت : مكانك ! ولا خطوة ..
نهض فهد عن الرجل ، ينظر إليها مندهشاً ، وقف الأول في مكانه متصنماً ، وجهت حسناء كلامها إلى فهد ، مثبتة عينيها و فوهة السلاح نحو رأسه : فهد اطلع مكاني ..
ركب مسرعاً مكان القائد ، بينما تراجعت بخطوات بطيئة و هي تسير بشكل عكسي لئلا يفعلا شيئاً يفاجئهما ، صوبت بسرعة نحو عجل سيارتهما الأمامي ، أطلقت دون أن ترتجف يديها ، و ركبت بسرعة ، قالت و هي تلهث : حرك لأي مكان بسرعة ..
خلال ثوانٍ ، كانت سيارة حسناء قد اختفت من أمامهما ، تركتهما ينظران إلى بعضهما بخيبة ، يوبخ كل منهما الآخر و يلقي اللوم عليه ..
استرخت في الكرسي ، تمسك السلاح بيد مرتجفة ، ليست كتلك التي أطلقت الرصاص قبل قليل دون أن يتحرك لها جِفن ، التفتت خلفها ، تنفست الصعداء و هي ترى الطريق خالٍ تماماً من أي أحد يلاحقهم ، قالت لفهد و هي تشير بسلاحها نحو اليمين : وقف هنا ، خلينا ناخذ نفس ..
توقف فهد ، كما قالت ، ملتزماً الصمت طيلة الطريق .. تنفسوا كليهما بعمق ، تساءل بفضول : من هذولا ؟ تعرفيهم ؟ وش يبون منك ؟
هزّت رأسها بالنفي ، فتحت زجاجة الماء ، شربت كثيراً حتى ارتوت : ما أعرفهم ، بس جاهزة دايماً ، أبوي عنده أعداء ..
عقد حاجبيه : ليش ؟
و هي تفك السكارف عن عنقها و تشعر أنها تكاد تختنق : مادري ..
سادت لحظة صمت يحاول فيها كليهما أن يستوعبا ما حصل ، نظرت حسناء إلى وجه فهد المرتعش ، أطلقت ضحكة طويلة : هههههههههههههههههههههههههه
فهد ، نظر إليها بتعجب ، و كأن عدوى الضحك انتقلت له : هههههههههههههههههههههه ، تصدقي فاجأتيني ! من وين طلع جعفر اللي جواكِ ؟ و أنا اللي طول الوقت خايف تنأذي و إنتِ معاي ! ما شاء الله تسوي 100 رجال !
ارتشفت القليل الآخر من الماء : هههههه ، أنا من صغري أبوي علمني كاراتيه ، و فنون قتالية ، الآيكيدو ، وفن الدفاع عن النفس ..
رفع حاجبيه بإعجاب : جميل ، كويس البنت تكون قادرة تدافع عن نفسها .. بس ليش ؟
حسناء : في هذي البلد لو تعرضت البنت لاعتداء في الشارع العام ، أو السرقة ، ما أحد لأحد ، يعني ناادراً تلاقي واحد يتدخل و يقول هذي بنت ، كل واحد عليه من حاله ، عشان كذا أبوي كان مصر إني أتعلم أدافع عن نفسي .. و بعد ، أبوي عارف إنه عنده أعداء ، و أنا ما عندي إخوان ، يعني أبوي عمل مني ، حسناء ، و حَســن .
فهد : من وين هالأعداء ؟
تجاهلت سؤاله و هي تفتح الباب : يلا انزل ، بوصلك الأوتيل و برد البيت ، تأخرت ..
أدار مفتاح السيارة و قال : سكري بابك ، اسمحيلي يا آنسة ، هالمرة أنا بوصلك ، أكيد ما بتركك توصليني الأوتيل و تكملين بروحك !
بنصف ابتسامة أغلقت بابها و عادت إلى مكانها : بعد كل اللي شفته ؟
ضحِك فهد : تدرين إني من يوم جيت روما ما ضحكت بهالشكل ، ولا حسيت إني سويت تغيير حقيقي بحياتي ؟ برافو ، ولو إنها كانت مغامرة مرعبة ، بس جددت شي ..
أطلقت ضحكة أخرى ، شغلت الراديو و بدأت تقلب في محطاته ، و تدله على الطريق ..


،,


،’

مسح وجهه بكفيه و هو يحاول أن يستوعب ماذا يجري من حوله ، تتسع عيناه بذهول ، و صدى صوته يتردد على مسامعه : للأسف إنك مالك خيار ، اللي أقوله أنا ، بيتنفذ ..


،,



صرخة تردد صداها عدة مرات في ذلك المكان شبه المهجور ، تنفّس عن غضب بالغ : أغبيــــــــــــــــــــــــــااء !

،,


انتهى *()

بصرراحهه كان ودي يكون البارت أطول ، لكن و أنا قاعدة أكتب جانا ضيووف ، على غفلة ، و جيت كملت شوي ، بس عيووني سلامات قفلوا صاحية من الفجرر ، فقلت أنزل لكم اللي كتبته ، و ترى ما هو مررة قصييرر .. أتمنى ينال إعجابكم ، و لا تنسوني من تعليقاتكم و صالِح دعائكم ..

نلتقي إن شاء الله الجمعة القادمة ، مبدئياً قررت يكون بارت واحد طوييل في الأسبوع ، يوم الجمعة ما بين الساعة 8 – 10 مساءً ، و إذا في متابعين من خلف الكواليسس عندهم اقتراحات ثانية للمواعيد يكتبوونها و إن شاء الله بنحاول نرضي الجميع ..

في أمان الله ، أختكم : طِيفْ!







فيتامين سي 30-10-19 11:19 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بدايه راااائعه طيف وتشد الإنتباه وأعجبني اسلوبك وسردك
الخالي من الحشو بدايه تبشر بقلم يعد بالكثير
قرأت البارتات الأربعه مع بعض وبعلق عليها مع بعض

فهد واضح إنه ماهو سهل وشخصيه قويه والخوف إنه في سبيل بحثه عن قاتل أبوه وتغيير وضعه يضع مع عمر وسلطان اللي
ما أستبعد أنهم هم وراء قتل أبوه ربما أكتشف عنهم أشياء
ماحبو يعرفها لأن من العيشه اللي كان عايشها أبوه ماله دخل
في أعمالهم والا ماكان بهذا الفقر
والخوف إن فهد يضيع في سبيل تحقيق هدفه لأن عمر وسلطان
ماهم سهلين ويخططون له على ثقيل حتى يمسكون عليه شيء
ويجبرونه على العمل معهم

حسناء لم تعيش حياه سعيده مع والديها والحسنه الوحيده لوالدها
تعليمها الدفاع عن نفسها لأنه عارف المجتمع اللي عايشه فيه وعارف إن له أعداء كثير وممكن ينتقمون منه في بنته ربما
حسناء لا تعرف عن حقيقة أعمال والدها السيئه
حاليا تكره فهد لكن أتوقع تتغير نظرتها له مع الوقت

شهد وحبها لفهد وحب فهد لها والصعوبات اللي تقف في طريق هذا الحب فهل راح يكون فهد من نصيب حسناء أو شهد
الأحداث في البدايه وصعب التوقع

طارق هل راح يتجسس على فهد ويخبر يحيى أو العكس يخبر
فهد عن طلب يحيى

آمنه وعصام الله يكون في عونهم أم عصام ماراح تسكت وهي
ماعرفت نتيجة فحوصات آمنه بتزوج عصام كيف لما تعرف
ربي يعوضهم ويرزقهم بالذريه آمنه حساسه ولو ضغطت عليها أم عصام أكيد بتقلب حياتهم وما أظن تتحمل آمنه وراح تطلب الطلاق خاصه لو تزوج عصام

إبراهيم وجهان
إبراهيم الزواج ماهو لعبه المفروض مايقدم على الخطبه والزواج الا وهو مقتنع بهذه الخطوه وبنات الناس ملهن لعبه وحقل تجارب جيهان واضح إنها عاقله من كلامها لأختها وتصرفها ومالها ذنب حتى يعاملها إبراهيم بهذه الطريقه إبراهيم أناني فكر في نفسه ومافكر في جهان وسمعتها وموقفها بعد مايطلقها والله يعين جهان عليه لأن أتوقع بيتمم الزواج لأجل أمه وإن شاء الله
جهان تقدر تحتويه وتتغير نظرته لها ويحبها وهو يعقل وينسى رشا ويقطع الأمل منها خاصه وهي متزوجه ويستحي على وجهه
ويبطل ينظر لها كل ماقابلها عامل لي طبيب نفسي وعارف من عيونها إنها ماهي مرتاحه وإذا كان أنت وش دخلك فيها

أرجوا أنك تكملين روايتك لأنها تستحق أن تكتمل ولا تحبطين
من قلة الردود وإن شاء الله مع الوقت واستمرارك تلاقي اللي يسرك والمعذره لو ماقدرت أعلق بإستمرار بعد كل بارت لإنشغالي

يعطيك العافيه ومنتظرين باقي الأحداث


شبيهة القمر 31-10-19 12:03 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اهلين طيف
ابد خذي راحتك جزء بالاسبوع راضين بس اهم شي لاتقطعيييييين تكفين

نجي لابطالنا الحين ماقهرني الا مريم يعني احسها ضعيفه ومستسلمه بقووة .. اذا زوجك راضي ويحبك وقالك نعالج ومانيأس لان الطب تقدم حتى الي نسبه الحمل عندها 1% تسوي انابيب وتجيب بدل الواحد اربعه هههعععهه
ابي اعرف انت مستسلمه كذا لييييه ...لو انك تحبين عصام ومتمسكة فيه كان حاربتي علشانه ياأم دميعه ...

فهد وحسناء ...ياخوفي تتعلق حسناء فيه وينسى شهد مع اني مااتوقع ان لفهد نصيب مع شهد ابددددداااا دام ابوها رافضه من الان وهو لسه ماتقدم ...

طيف.. تسلم يمينك احداث غامضه واسرار بانتظاارك نحلها سوا ....

طِيفْ 01-11-19 08:57 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيتامين سي (المشاركة 3722193)



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بدايه راااائعه طيف وتشد الإنتباه وأعجبني اسلوبك وسردك
الخالي من الحشو بدايه تبشر بقلم يعد بالكثير
قرأت البارتات الأربعه مع بعض وبعلق عليها مع بعض

فهد واضح إنه ماهو سهل وشخصيه قويه والخوف إنه في سبيل بحثه عن قاتل أبوه وتغيير وضعه يضع مع عمر وسلطان اللي
ما أستبعد أنهم هم وراء قتل أبوه ربما أكتشف عنهم أشياء
ماحبو يعرفها لأن من العيشه اللي كان عايشها أبوه ماله دخل
في أعمالهم والا ماكان بهذا الفقر
والخوف إن فهد يضيع في سبيل تحقيق هدفه لأن عمر وسلطان
ماهم سهلين ويخططون له على ثقيل حتى يمسكون عليه شيء
ويجبرونه على العمل معهم

حسناء لم تعيش حياه سعيده مع والديها والحسنه الوحيده لوالدها
تعليمها الدفاع عن نفسها لأنه عارف المجتمع اللي عايشه فيه وعارف إن له أعداء كثير وممكن ينتقمون منه في بنته ربما
حسناء لا تعرف عن حقيقة أعمال والدها السيئه
حاليا تكره فهد لكن أتوقع تتغير نظرتها له مع الوقت

شهد وحبها لفهد وحب فهد لها والصعوبات اللي تقف في طريق هذا الحب فهل راح يكون فهد من نصيب حسناء أو شهد
الأحداث في البدايه وصعب التوقع

طارق هل راح يتجسس على فهد ويخبر يحيى أو العكس يخبر
فهد عن طلب يحيى

آمنه وعصام الله يكون في عونهم أم عصام ماراح تسكت وهي
ماعرفت نتيجة فحوصات آمنه بتزوج عصام كيف لما تعرف
ربي يعوضهم ويرزقهم بالذريه آمنه حساسه ولو ضغطت عليها أم عصام أكيد بتقلب حياتهم وما أظن تتحمل آمنه وراح تطلب الطلاق خاصه لو تزوج عصام

إبراهيم وجهان
إبراهيم الزواج ماهو لعبه المفروض مايقدم على الخطبه والزواج الا وهو مقتنع بهذه الخطوه وبنات الناس ملهن لعبه وحقل تجارب جيهان واضح إنها عاقله من كلامها لأختها وتصرفها ومالها ذنب حتى يعاملها إبراهيم بهذه الطريقه إبراهيم أناني فكر في نفسه ومافكر في جهان وسمعتها وموقفها بعد مايطلقها والله يعين جهان عليه لأن أتوقع بيتمم الزواج لأجل أمه وإن شاء الله
جهان تقدر تحتويه وتتغير نظرته لها ويحبها وهو يعقل وينسى رشا ويقطع الأمل منها خاصه وهي متزوجه ويستحي على وجهه
ويبطل ينظر لها كل ماقابلها عامل لي طبيب نفسي وعارف من عيونها إنها ماهي مرتاحه وإذا كان أنت وش دخلك فيها

أرجوا أنك تكملين روايتك لأنها تستحق أن تكتمل ولا تحبطين
من قلة الردود وإن شاء الله مع الوقت واستمرارك تلاقي اللي يسرك والمعذره لو ماقدرت أعلق بإستمرار بعد كل بارت لإنشغالي

يعطيك العافيه ومنتظرين باقي الأحداث





و عليكم السلاام و رحمة الله و بركااته ،، شرفتيني و نورتيني فيتامين سي ..
أثلجتِ صدري بتعليقك الجميل و مرورك الراائع ،،
أسعدني إطرائك و مديحِك و هذا شي يشجعني أكثر ، و باذن الله ما راح يكون في إنقطاع و ربي يقدرني أوصل فيها للنهاية ،،

أتوقعع إنك تخربطتِ بين الشخصيات ههههههه ، بس طبيعي كوننا ما زلنا في البدااية ، عصام زوجته مريم ، أما آمنة فهي واالدته اللي تبي تزوجه ..

ربي يعافيكِ و يسلّم أناملك على تعليقك الجميل ،، و إن شاء الله تكون الرواية عند حسن الظن ..

أنرتِ عزيزتي ..

طِيفْ 01-11-19 09:00 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شبيهة القمر (المشاركة 3722253)
اهلين طيف
ابد خذي راحتك جزء بالاسبوع راضين بس اهم شي لاتقطعيييييين تكفين

نجي لابطالنا الحين ماقهرني الا مريم يعني احسها ضعيفه ومستسلمه بقووة .. اذا زوجك راضي ويحبك وقالك نعالج ومانيأس لان الطب تقدم حتى الي نسبه الحمل عندها 1% تسوي انابيب وتجيب بدل الواحد اربعه هههعععهه
ابي اعرف انت مستسلمه كذا لييييه ...لو انك تحبين عصام ومتمسكة فيه كان حاربتي علشانه ياأم دميعه ...

فهد وحسناء ...ياخوفي تتعلق حسناء فيه وينسى شهد مع اني مااتوقع ان لفهد نصيب مع شهد ابددددداااا دام ابوها رافضه من الان وهو لسه ماتقدم ...

طيف.. تسلم يمينك احداث غامضه واسرار بانتظاارك نحلها سوا ....



القمر عندنا يا هلا و مرحبا ،، أنرتِ عزيزتي ،، قلبي إن شاء الله ما راح أقطعكم و بكمل معاكم للنهاية و إن شاء الله أكون أنا و روايتي عند حسن ظنكم ..


بالنسبة لمرييم ،، هههههههه أعجبتني " أم دميعة " ،، ممكن إنها شخصية إنهزامية تستسلم بسرعة و تخاف من المغامرة ؟؟
و فهد هل راح يكون في حياته مكان للحب و العواطف ؟؟
هذا ما سنعرفه في الأجزاء القادمة "" نظام سبيستون ههههههههه "

حبيبة قلبي ربي يسعدِك ، أنرتِ ..

طِيفْ 01-11-19 09:03 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
" و أجمَل الحب ما تلقاه مختبئاً
خلف العيون حييًّا يرسم الخجلا
يؤجل الموعدَ المشتاقَ مرتبكاً
و قلبهُ خفقاتٌ تعشق العجلا "

-أحمد شوقي

و في نَشوة العشقِ صرنا رماداً ، طِيفْ!


الجزء 5


* قبل البداية : هالبارت في شخصيات جديدة و مهمة بتدخل معانا ،، قلت لكم عشان ما تتخربطوون ..

بسم الله نبدأ،

كتمت حسناء صوت المسجل مع دخولهم إلى ساحة منزلهم ، و قد تغيرت تعابير وجهها التي كانت مبتهجة قبل دقائق ، بطريقة واضحة لاحظها فهد ، الذي كان سيسألها ، لولا تقدم والدها و هو ينظر باستغراب إلى السيارة و يتساءل في داخله عن سبب قيادة فهد لها ، بلهفة تقدم خائفاً من تعرض ابنته لمكروه ما ، نزلوا من السيارة ، تساءل عمر و هو يتقدم من ابنته : يبه وش فيكِ ليش مو إنتِ اللي سايقة ؟
اكتفت بالصمت ، و راسلت عيناه بنظرات تشع ألماً ، لوماً و عتباً ، التفت إلى فهد متسائلاً : فهد صاير معاكم شي ؟
فهد : في أشخاص كانوا ملاحقيننا ، و حاولوا يتعرضولنا بس قدرنا نوقفهم عند حدهم ..
عمر و هو يعرف تماماً أن لا أحد يجرؤ على مس ابنته : صارلك شي يبه ؟
ابتسم فهد : لا تخاف ، عندك بنت تسوى 100 رجال ..
رد له الابتسامة القلقة من صمت حسناء ، بصوت منخفض أقرب إلى الهمس : عن إذنكم أنا فايتة أنام ..
دخلت بحركات سريعة ، يؤلمها أن تسمع تلك الكلمة من فهد ، و من الكثيرين الذين يعتبرون أنها مديحاً لها ، لـِم علي أن أكون بعشر رجال ، أو مئة رجل ؟ ألا يحق لي أن أكون أنثى ؟ أنثى واحدة فقط ؟ لِم أدفع الثمن دائماً يا أبي ، لعداواتك و أعمالك التي تُصِر على تلويثي بها رغماً عني ؟
لِم لا أفعل كما تفعل الإناث ؟ أرتجف خلف ظهر رجل يحميني ؟ يشعر بأنوثتي معه و يحاول حمايتي و المحافظة علي ؟ لم أنت مصر يا أبي على طمس أنوثتي ! ألا تعلم أن أكثر ما يؤلم الفتاة ، هو أن تطعن في أنوثتها ؟

في الأسفل ، دخلوا إلى المكتب ، يبتسم عمر بفخر : بنتي من يومها رافعة راسي ..
تجاهل فهد كلامه ، و تساءل بريبة : مين اللي كانوا ملاحقيننا ؟ ممكن يكونوا عارفين شي ؟
تنهّد عمر : ما أتوقع ، هذي التصرفات أنا أعرف من وراها ، وراح أحاسبه ..
فهد يلتزم الوقوف مكانه : يعني ، مثل ما قالت حسـناء ؟ أعداء ؟
هز رأسه : تقريباً ..
شرد فهد ، و هو يفكر كم من الأعداء بعد ، سيخلق له عمله مع عمر حرْب ! تساءل عمر : وش فيك سارح ؟
فهد بخفوت : ما في شي ..
شبك عمر أصابعه أمام الطاولة : ما تبي تعرف شغلك الثاني ؟
تنهّد فهد ، و أخذ نفساً عميقاً : قلت لك ما في اتفاق لين ننتهي من الكمبيالة الأولى ..
أمال عمر رأسه : مثل ما تبي ..
جلس فهد أمامه : أنا عندي سؤال ، و يا ليت تجاوبني بصراحة ..
عمر : قول .. وش عندك ؟
فهد : أبوي عليه كمبيالات بحوالي 500 ألف ريال ، صحيح ؟
عمر : صحيح .. المعنى ؟
فهد : يعني أبوي كان ماخذ منكم حوالي 500 ألف ريال ، طيب وين صرف هالفلوس ؟
ابتسم عمر : مادري !
فهد بشك : شلون يعني ما تدري ؟ أنا و أمي ما شفنا شي من هال500 ألف ، و عمري ما حسيت إن وضعنا تحسن !
عمر : ما سألت نفسك أدوية والدتك الغالية من وين حصّلها أبوك ؟ ما سألت نفسك شلون قدر أبوك يدرسك في الجامعة ؟؟
فهد و ذات نبرة الشك في صوته : ما أتوقع إن أدوية أمي و دراستي في الجامعة كلفت 500 ألف ريال !!
عمر : والله يا فهد ، أبوك الوحيد اللي يعرف وين راحت الفلوس ، ما تدري وش بيطلعلك مفاجأت بعدين .. صح ؟
فهد : وش تقصد ؟
نهض عمر بابتسامة من مكانه : ما في شي سلامتك .. يلا بقول للشباب يوصلوك ..
ترك فهد مكانه ، ينظر إلى عمر بريبة و يحاول أن يفهم الألغاز في كلماته ، نزل معه إلى الأسفل ، ناوله مفاتيح سيارة حسناء ، رمقه بنظرة أخيرة قبل خروجه ، و رحل برفقة الحرس إلى أوتيله ..

،,


في مكان لا يبعد كثيراً ، وقفا أمامه خائبين ، طأطأوا رأسيهما بخجل لفشلهما في المهمة ، يقف " يـعقـوب " و هو ينظر إليهما بعينين حانقتين ، و صرخة تردد صداها عدة مرات في ذلك المكان شبه المهجور ، تنفس عن غضب بالغ : أغبيـــــــــــــــــــــــااء !
رفع يده و صفع الأول على وجهه صفعة قوية ، اقترب و دفّ الآخر بقوة حتى سقط أرضاً ، و قال بصوت باهت منخفض : اللي صار كان مفاجأة ..
أيده الأول " هِشام " : صحيح ، يا سيد يعقوب كنا مسيطرين عالوضوع بس البنت ماهي سهلة !
بسخرية ، يعقوب : بــنــت ، لا راحت ولا جات ، تسوي فيك كذا إنت و هو ؟؟ مسوي فيها رجال يا سيد شريف ؟
نهض شريف من مكانه ، التزم الصمت و هو يخفض عينيه في الأرض خجلاً ، جلس يعقوب على كرسي وحيد في تلك الغرفة ، تنفّس بقوة و قال : هالحين وش بيخلّصنا من أبوها ؟ الموضوع كلـــه إنقلب علينا بسبب غباءكم !!
هـشام : سيد يعقوب ، خلينا نحاول مرة ثانية ، عالأقل الحين نعرف قدرات الخصم و ما رح نتفاجئ بشي !
يعقوب بسخرية : نعرف قدرات الخصم ؟ و تعرف تتفلسف بعد ؟ انصرفوا من قدامي انتوا الثنين
تصنموا في مكانهما ، تبادلوا النظرات الاستفهامية ، حتى انتفض كليهما من صرخة صوته القوية : انــــصــــــــــرفـــــــــــووا !!
خرجوا كليهما بسرعة ، لا يعرفان إلى أية وجهة عليهما الذهاب الآن ، تنفّس يعقوب بغضب ، أخذ مفتاحه و جوّاله ، و خرج باتجاه سيارته ، غير آبهٍ برجاله اللذان تركهما في مكان مهجور دون أية وسيلة نقل .. ركب سيارته و عقله يفكر في ردة فعل عُمـر حـربْ ، الذي عرف بالتأكيد ماذا حصل ، تحرّك في شوارع روما ، و خلال دقائق ، كانت شاشة هاتفه تضيء برقم غريب ، عرف فوراً أن هذا الرقم ، لـعمر .. بعد تردد لم يدم طويلاً ، فتح يعقوب الخط : آلــو ..
نبرة غاضبة تتضح في صوته من الجهة الأخرى : شـوف يا يعـقـوب ، لا تحسب إني ما دريت باللي صار ، أو ما دريت إنّك إنت ورا اللي صار مع بـنـتي اليـوم ..
يعقوب : وش صـار . و مـنو إنت و منو بنتك أصلاً ؟
قهقه بسخرية : هههههههههه ، و مسوي نفسك مو عارف .. " تحولت نبرته إلى الجدية " ، أنت عارف منو أنا ، بس دام إنك حاولت تلعب معاي في أغلى شي أملكه ، يعني للحين ما تعرف عمر حرب لا عصّب وش يصير ..
ابتسم يعقوب بسخرية ، و التزم الصمت ، أردف عـُمر بنبرة يتضح فيها الغضب : أحذرك يا يعقوب ، إياك ثم إياك تقرب من بنتي ، لأني ساعتها مسـتعد أحـرقك و أحـرق عيلتك ، ولا يرف لي جـفـن ..
ثوانٍ عم فيها الصمت ، قبل أن يغلق عمر الخط ، ألقى بعدها يعقوب الجوال من يده بقوة ، بدأ يضرب المقود بجنون و هو يصرخ : أغبيــــــاااااااااء !!!


،,



الثـانيـة بعد منـتـصف اللـيل ،
تجلس في غرفتها و الظلام يحيط بها من كل جانب ، على الكرسي المقابل للنافذة المطلّة على الحديقة ، يتقلّب عِصام في سريره ، يبدو أنه غير مرتاح في نومه ، تتنهّد بعمق و تنظر إليه بعتب ، تعيد أنظارها إلى النافذة و صراع بين الأفكار يدور في رأسها ..
فَتـَح عصام عينيه بعد أن شَعر أنها ليست نائمة إلى جانبه ، رفع رأسه و نظر إليها ، بصوت يلمؤه النـعاس : مـريم ؟!
التفتت إليه بارتباك ، تساءل : وش فيكِ للحين ما نـمتِ ؟!
مريم بصوت منخفض : ما في شي حبيبي ، ما جاءني نوم ، نام إنت ..
زفـر و هو يناظرها بعتب ، نهض من مكانه ، اقترب منها ، وضع يده على كتفها و قال : نفس الموضوع ؟
أخفضت بصرها أرضاً ، كأنها تجيب على سؤاله ، تنهّد و قال : حبيبتي ما تكلمنا في هالموضوع ؟
مريم : أنا خـايفة ..
انحنى و جلس على ركبته أمامـها ، : من إيش خايفة ؟
مريم : من الأيـام الجـاية !
ظهرت نـصف ابتسامة على شفتيه ، مد سبابته ليلمس بها ذقنها و يرفع وجهها : شلون تخافي و أنا معـاكِ ؟
تلألأت الدموع في محاجر عينيها : خـايفة عليك مني ..
عـقد حاجبيه : شنو قصدك ؟
مـريم : خايفة أظلمك معاي ، أنا أحـبـك عصام ، مابي أحرمك تكون أبـو ! مو ذنبـك ..
ضغط بيده على يدها : الله هو المعطي ، و هو المانـع ، و إذا رب العالمين مو كاتبلي الخلفة خلاص ، الحمدلله على كل شي ..
قفزت دمعتها الأولى ، لتستقر على كفّ عصام ، بصوتٍ مرتجف : بس ربنا شـرع لك الزواج ، و بهالحالة ما تقدر تقول قضاء و قـدر ، لأنك إنت بنفسك رفضت تعالج الموضوع .
عِصام بملل و هو الذي يعجز دائماً عن مواساة شخصٍ باك : مو شايفة إن الكلام بهالموضوع سابق لأوانه ؟
نهض من مكانه ، و أردف : قبل كل هالكلام ، لازم تتعالجي و تآخذي الأدوية ، و بعد كل هالشي لو ما في أمـل ذيك الساعة نقرر !
وقفت هي الأخرى ، بصوت مبحوح : يعني لو ما في أمل ، ما عندك مانع تتزوج صحيح ؟
أطلق ضحكة خفيفة : ههههه ، تدري إنّك حيرتيني ؟ يعني تغاري لا تزوجت ، و بنفس الوقت ما تبيني أظلم نفسي و ما أتزوج !
أخفضت بصرها ثانية و هي تشعر بتشتت مشاعرها ، رفع رأسها مجدداً بطرف سبابته ، مسح دمعها النائم على خدّها ، قبّل جبينها بحنية لم تعتــَد عليها منه ، و قال : نـامي الحين ، و اتركيها على ربنا .. احنا نسوي اللي علينا و نتعالج ، و الباقي عند رب العالمـين ..

،,


سـاعات الليل ، تمر ببطء على عاشق ، و مشتاق ، و متألم .. و تمر كالبرق على متعب يستجدي ساعات النوم و الراحة .. تشرق بعدها شمس نهار آخر ، نعرف جميعاً أنه لن يكون مختلفاً عما سبقه ، إلا أنه صوت العصافير دوماً ، ما يجعل للنهار نغماً آخراً ، و لحناً مختلفاً تماماً في كل مرة ..

دخل يحيى إلى المكتب مبكراً على غير عادته ، يجلس إبراهيم في مكانه ، ولا زال مكان عصام فارغاً ، ينظر يحيى إلى الزاوية الفارغة من المكتب ، و يبدو أنها تُجهّز لأجل شخص ما ، جلس خلف مكتبه ، وضع سلاحه فوق الطاولة ، تساءل موجهاً كلامه لإبراهيم : في موظف جديد ؟
إبراهيم دون أن ينظر إليه : العالم تقول صباح الخير ..
لوى يحيى شفتيه ، ثم قال : صبـــاح الخــير ..
رفع إبراهيم رأسه ، ابتسم : صباح النور ، أكيد ، ناسي إن عزيز معانا ؟!
رفع يحيى حاجبيه : عــزيــز !
إبراهيم : إيه عزيز ، خلاص تكلف رسمياً ، صار زميلنا ..
استند إلى ظهر الكرسي : يا سلام .. رائع ..
خلال ثوانٍ ، دخل عزيز إلى المكتب و هو يحمل بعض الملفات بين يديه ، قال : صباح الخير ..
رد إبراهيم : صباح النور ..
شعر عزيز بتجاهل يحيى له ، لم يعره أي اهتمام ، توجه إلى مكتبه و بدأ يرتب أوراقه و ملفاته ، بينما رمق إبراهيم يحيى بنظرات حادة ، قام هو بتجاهلها ..
إبراهيم ينظر إلى عزيز بابتسامة : إن شاء الله ترتاح معانا في الشغل ..
رد له الابتسامة : إن شاء الله ..
يحيى دون أن يناظره : ترى شغلنا مو سهل .. يبيله إنسان متفرغ و ..
قاطعه عـزيز : عارف ، تراني مو جاي من كلية الرياضة !
ابتسم إبراهيم على سرعة بديهة عزيز في الرد ، تجاهل يحيى ذلك ، و قال لإبراهيم : الحين بقول لعصام ، أبي أفتح ملف قضية مشعل شهران مرة ثانية ..
تأفف إبراهيم بملل : الله يرزقني صبر أيــوب بس ، وش تبي في هالقضية ؟ ليش مصر عليها ؟
عزيـز : كل واحد في بداية شغله يحب يحل قضية بروحه كذا ، لازم ، عشان يكوّن إسمه في عالم التحقيق ..
يحيى بإندفاع : أنا ماني بحاجة أكوّن اسم ، اسمي معروف ، قبل لا تعرف حضرتك كلمة تحقيق أصلاً !
عـزيز : ما قلنا شي ، ترا عادي ، حتى أنا عندي حلم أحل قضية ترفعني في شغلي ..
يحيى ساخراً : طبيعي لأنك للحين بغو في التحقيق ، يبيلك دروس ما تنعد علشان توصل لمرحلتنا .. بس ما عليك دام إنك معانا بتتعلم ، يعني تقريباً تاخذلك حوالي 5 سنين أو أكثر شوي ..
عزيز : يعني إنت بعد بغـو ، مثلي ؟
يحيى : نعـم ؟؟
عزيز بابتسامة ذكيّة : لأنك ما قضيت هنا إلا سنة و نص ،،
إبراهيم يحاول أن يكتم ضحكته و يهمس بينه و بين نفسه : يا سلام ابتدا شغل الضـرايـر ..
تجاهل يحيى الرد عليه ، يقول في داخله : لسانه يبيله قـص !
تنهّد عزيز ، و بلا مبالاة متعمدة قال : على كل حال ، بإتصال مني ، أقدر أجيبلك الموافقة على فتح ملف القضية ، و تتكلف إنت بنفسك فيها ..
التفت إليه يحيى و عيناه بارزتين : وش قـلـت ؟
اكتفى عزيز بابتسامة جانبية و هو يمثل الانشغال في ترتيب أغراضه ، ترك يحيى مكانه و اقترب منه : من جدّك تتكلم ؟
عزيز : تبي تجرّب ؟
رفع يحيى أحد حاجبيه : متى تقدر تجيبلي تكليف رسمي بالقضية ؟
عزيز و ابتسامته ذاتها على وجهه : اليوم ، أو بكرا .. مادري على حسب فضاوتي ..
جلس يحيى أمامه و قال بتلهف : ليش مو اليوم ؟؟؟ بعدين إنت شلون بتجيبها ؟
أشار عزيز بسبابته ليحيى بإشارة تعني " اقترب قليلاً " ، اقترب يحيى ، و قال عزيز بهمس : عمي ..
يحيى : وش فيه عمك ؟
استرخى عزيز إلى ظهر كرسيه : عمي يكون أخو مدير المركز الأمني ، بس مو اخوة بالدم ، بالرضاعة .. فهمت ؟
يحيى : آهــا ، يعني واسطـة ؟
عزيز بابتسامة : عندك مشكلة ؟
يحيى باستفهام : دام إنك مثل ما قلت ، حابب تسوي إنجاز بشغلك ، ليش ما تأخذ القضية ؟
عزيز : ولو ؟ العين ما تعلى عن الحاجب !
ابتسم يحيى لذكاء عزيز في الإجابة ، وقف وقال : خلاص اتفقنا ، أنتظر منك الموافقة ..
إبراهيم من خلفهم : يا شين الصلح لا صار بين الضّرايـر !


،,


روما ،، العاشرة و النصف صباحاً ، جلست في قاعة الانتظار منتظرة قدومه ، و يبدو عليها ذلك اليوم أنها في كامل رضاها ، تقدّم منها فهد مبتسماً ، و قال : صباح الخير ..
رفعت نظرها ، ردت الابتسامة الأولى التي لم تكن مزيفة : صباح النور .
جَلس أمامها ، و قال بضحكة : الله يعطينا خيرِك !
حَسناء رفعت حاجبيها : والله ! الشرهة علي !
فهد : ههههههههه ، أمزح معاكِ ..
ابتسمت : كنت طالعة بفطر و قلت آخذك معاي أحسن ما أفطر بروحي !
فهد : والله مادري وش بتسوّي بروحك بعد سفري ، بتصيري وحيدة و ما عندك ناس ..
حَسناء تنظر إليه بطرف عينها : والله ، لا تخاف عندي جامعة الأسبوع الجاي ..
فهد : تدري شنو ، لو عارفِك حسناء حقة أمس ، كان غيّرت الهديّة ..
حسناء : لـ شو ؟ يعني وش بتجيب بدالها ؟
فهد يكتم ضحكته : كيس ملاكمة مثلاً !
اختفت ابتسامة حسناء من وجهها ، تلك الكلمات اللاذعة التي تجرح أنوثتها ما عادت تحتملها ، نهضت من مكانها و بلهجة جادّة : عن إذنك ..
لحظات حتى استوعب فهد وقع كلامه و تأثيره ، خرج خلفها مسرعاً ، أوقفها بصوته : حَسـناء .. استني شوي !
تنهّدت ، وقفت في مكانها ، وقف هو مقابلها : ضايقتِك ؟
حسناء بغـرور : مو إنت اللي تضايقني ..
فهد : أنا آسف ، ما كان قصدي ..
تحاول التحرّك و هو واقف أمامها كالجدار يمنعها من الحركة : على شنو آسف ، قلت لك ما تضايقني ..
فهد : طيب ليش قمتِ ؟
تأففت : افففف ، غيرت رأيي خلاص مابي فطور ..
ابتعد فهد من طريقها : أنا فعلاً آسف ، ما قصدت أهين أنوثتِك ..
رفعت حاجبها الأيسر و التفتت إليه ، قالت باستنكار : منو إنت عشان تهين أنوثتي أساساً ؟؟ مرة واثق من نفسك !
صمت ، أردفت : الشرهة علي سويت لك قيمة ، و جيت لك ..
أطلقت كلماتها الأخيرة و ذهبت ، تركت فهد في مكانه و على وجهه ابتسامة ساخرة ، في داخله يقول : أتِلك كانت نهايتي يا أبي ؟ أنا الذي لم أرضَ بالهوانِ يوماً ، أقبل الإهانة على يد امرأة ؟ لِم فعلت بي كل ذلك ؟ و لِم لست قادر أنا على الحقد ، أبت نفسي أن تنساك ، لو أبغضك بعد كل ما فعلت بي ، لكنني أعود دوماً و أجدني لا أملك لك إلا شوقي و غفراني .

قادَت سيارتها بسرعة جنونية ، هي الأخرى تلوم والدها الذي جعل منها نصف رجل ، بجسدها و صوتها ، و تحركاتها ، أو تكون النهاية أن يسخر مني رجلٌ لم يحلم يوماً أن يجلس مع فتاة مثلي على طاولة واحدة ؟
وصلت إلى المنزل ، دخلت بحركات سريعة ، لتتلاقى في المدخل مع رِيم ، التي ما إن رأتها حتى ابتسمت بفرحة : حـسناء ، كويس إنّك جيتي ..
حسناء بملل : نعم ؟
ريم : أبغاكِ تشوفي وش حضّرت عشان اليوم ..
حَسناء عاقدة حاجبيها : ايش فيه اليوم ؟
ريم بفرحة : أبغى أبلغ أبوكِ بالحمل ، بس بطريقة غير ..
دخلت حسناء خلفها إلى الصالة ، جلسوا على الصوفا أمام التلفاز ، تساءلت حسناء : شلون يعني غير ؟
ريم : مممم ، أبغى ألبس فستان أبيض ، و أحط هنا بلالين حمرر ، و أجيب جاتو و أكتب عليه إني حامل ..
نهضت حسناء من مكانها ، و بغيظ حاولت إخفاؤه قالت : مرة قديممة ! دوري لِك غيرها !
تركتها ، متجهة إلى غرفتها ، و جدران هذا البيت تضيق عليها ، ستنطبق فوقها يوماً ما لتخنقها ، تشعر أنها تعيش بلا هدف ، تعيش فقط لأن ما كُتِب عليها حتى الآن هو التنفّس ، دون أن تعي معنى حقيقي للحياة !

،,

وقفت أمامه بعينين ذابلتين لقلّة النوم ، نظر إليها و هو يرتدي جاكيته فوق قميصه الأبيض ، تأملها له طال ، غمزها و قال بابتسامة : شعندِك ؟
ابتسمت مرغمة ، بتعب : ما في شي ..
عِصام و هو يضبط تسريحة شعره ، نظر إليها من خلال المرآة : لما أطلع نامي كويس ، أمس ما نمتِ ..
مريم : مـقدر ، بروح لأختي جيهان ، عرسها قريب ، لازم أكون معاها ..
التفت إليها : نامي ساعتين عالأقل ، بعدين روحي لها ، لازم تكوني مرتاحة !
عقد حاجبيه و كأنه تذكر شيئاً : متى العرس ؟
مريم : الجمعة إن شاء الله ..
بنفس الاستغراب : غريب !
سألته مريم : وش الغريب ؟
التفت و هو يرش من عطره : إبراهيم ، ما طلب إجازة عشان العرس ! يعني مو باقي إلا يومين و اهوة ما أخذ إجازة !
ابتسمت مريم : الرجال وش بيجهز لعرسه ؟ كل الضغط على العروس ..
ابتسم و قال بهمس : و لو كان ، أنا قبل 10 أيام من عرسنا أخذت إجازة ..حرمتيني أزورك فيها !
ضحكت مريم و قالت بخجل : عاد هذي التقاليد ، مو لازم تشوفني قبل العرس عشان تشتاق لي ..
عِصام : هههههههه ، أجل كذا ؟ و أنا سألتك ليه ما تبيني أزورك قلتِ مشغوولة ! الحين بعد 3 سنوات زواج تعترفي
مريم : ههههههههههه ، هذي أسرار مو لازم العريس يعرفها ، مثل ما تقول خدع سحرية علشان نخلي الرجال يوله علينا ..
أمسك وجهها بيديه ، اقترب و قبّل جبينها : فديت الضحكة اللي تنور بيتي .. حبيبتي هالفترة ما راح نبلّغ أمي بموضوع العيال ، اتفقنا ؟
عاد وجهها للعبوس ، هزّت رأسها بالموافقة ، قال عصام معاتباً : رجعنا للعبوس ؟ مابي ابتسامتك تفارق وجهك ..
ابتسمت بخفوت ، خرج عصام : يلا سلام ،،
مريم : مع السلامة ..
جلست على سريرها ، تغيّر عصام كثيراً ، طوال 3 سنوات كان جامداً ، بارداً ، حتى أنني كدت أجزم أنه بلا مشاعر ، لِم الآن يا عِصام ؟ أصبحت رجلاً كما اشتهيت طيلة حياتي ، تِلك الحنيّة العذبة في تصرفاتك لم أعتـَد عليها من قبل ، أيكن علي أن أمرض أو أصاب بكُربةٍ حتى أشعر بك في داخلي ؟ لِم قررت أن تزداد جمالاً و حسناً ، حين باتت نهايتنا قريبة ؟ لِم أنت مُصِرٌ على احتراقي ؟ إنك تجعل المهمة أصعب فأصعب ، أرجوك ، توقف عن كونِك جميلاً ، دعني أتركك دون أن ألتفت ، دعني أتعافى منك ولا تصعّب علي الأمر ، فأنت دائي ، و دوائي !


،,

في قصر آخر ، يحفه الجمال من الخارج ، لا يعلم أحد ما بداخله ، صعدت و اليأس واضح على وجهها ، فتحت باب الغرفة ، لفحها هواء المكيف البارد ، و الأجواء الغريبة التي تحب أن تعيش بها تِلك الفتاة ، تجلِس في ظلام ، لا نور حولها سوى نور جهاز حاسوبها ، أحد أفلامها الأجنبية يعرض ، طاولة متحركة أمام سريرها ، جميع أنواع الشوكولاتة و البوشار و الشيبسات ، مع زجاجة كولا كبيرة أمامها ، قالت والدتها بيأس : و بعدين مع هالحالة ؟
أوقفت " سارة " الفيلم مؤقتاً ، نظرت إلى والدتها و قالت بملل : نعم ؟
والدتها " يُسرى " : إلى متى بتظلي حابسة روحك بهالغرفة و على أكل و شرب و أفلام ؟ قومي سوِّ شي مفيـد !
تنهّدت سارة ، رفعت اللحاف عن قدميها ، وضعت اللابتوب جانباً ، نهضت بتثاقل من مكانها ، أخذت جهاز المكيف و أطفأته ، أشعلت النور و قالت : ضيوفِك راحوا؟ يعني أقدر أطلع ؟
يُسرى متكتفة : راحوا من زمان ..
ابتسمت سارة بسخرية : يعني إفراج ... لا تلوميني إني بظل بالغرفة و ما أطلع منها ، إنتِ اللي حابستني فيها ، و تخجلي تقولي قدام العالم هذي بنتي ، قدّام العالم ما عندِك إلا جمانة ، و رهف و حبيب القلب ، غَسّـان !
يُسرى : المسألة مو مسألة أخجل فيكِ ، أنا أبيكِ تحسني من نفسك ، شوفي نفسِك ، إذا تبي تقومي من مكانك تحتاجي ساعة عشان تقومي ! حرام على عمرك ! لسا 27 سنة ، شوفيني أنا عمري 56 سنة و ما هو باين علي ..
سارة : ماهو باين عليكِ ، لأن يَعقوب مرفهّك ، بس أنا ، ما قدر يعطيني فلوس و يقول خذي روحي سوي عملية أشفط هالدهون كلها !
يُسرى بغضب : عيب يا بنت وش هذي يعقوب ! هذا عمك ، بمقام أبوكِ !
سارة بإندفاع : ماهو بمقام أبوي ، و ما في أحد مثل أبوي ..
تنهّدت يسرى و قالت : ماما حبيبتي ، هذي العمليّات اللي قاعدة تتكلمي عنها حراام ، ما سمعتِ عن ناس ماتوا تحت هالعمليات ؟ تبي تموتي نفسك ؟
ضحِكت بسخرية : على أساس إني عايشة ! و بعدين كل هالحراام اللي يسويه عمي يعقوب ، وقفت على عمليـة ؟
يُسرى و قد وصلت حدّها من مناقشة ابنتها العنيدة : سارة خلاص عاد ! وش هالكلام إنتِ تجاوزتِ حدودك ! صدق إنك ما تنعطي وجه !
التزمت سارة الصمت ، أردفت والدتها : عمّك يعقوب جاي اليوم من السفر ، إياكِ تتصرفي بغباء .. و راح تنزلي تقعدي معانا ، هذا يعقوب ماهو غريب ، عمّك أخو أبوك الله يرحمه ، و زوجي .. يعني تحترميه برضاكِ أو غصبن عنك ..
تجاهلت سارة الكلام ، عادت للجلوس مكانها بعد أن أصبحت جامدة بلا مشاعر ، لا يحرّكها غضب أو حزن ، و الفرح بات غريباً عليها ، تِلك الأيام و ما تفعله بقسوتها على من لا يملك حولاً ولا قوة !

،,


دخل عزيز و ابتسامة النصر على وجهه ، اقترب من يحيى ، وضع الورقة أمامه و جلس ، قرأ يحيى الموافقة و الابتسامة تتضح تدريجياً على وجهه ، نهض من مكانه بفرحة : الله عليك يا عـزيز ، فعلاً إنّك قدّها ..
نظرات متسائلة أرسلها عِصام لإبراهيم ، كأنه يتساءل عن سبب اتفاق " زينغو و رينغو " أخيراً ، ضحِك إبراهيم ، قال عِصام بصوت جهوري : خير إن شاء الله شسـالفة ؟
يحيى : عـزيز ، جاب لنا مـوافقة لنفتح قضية مشعل مرة ثـانية ، و أنا المكلّف رسمياً ، و طبعاً عـزيز راح يكون مسـاعدي ..
عِصـام : طيب مبـارك ، بس ممكن أفهم وش مخليك مصر على هالقضية ؟
أخذ يحيى نفساً عميقاً : مادري ، شي في داخلي مخليني أحس إني محتـاج أحـل هالقضيـة .. بعدين هذي بتكون أول قضيّة أستلمها أنـا بشكـل مستقـل ،، يعني إذا بحلّها بيكون إنجـاز عظيم ..
نهض عزيز من مكانه و قال و هو يكـتم ضحكته : يعني كـلامي الصبح كان صحيح ..
يَحيى : كونَك محقق يعني من الطبيعي تتوقع توقعات صحيحة ، و ترى الحين إنت مساعدي ، يعني أقول لك جيب لي قهوة وش تقول ؟
ضحِك عزيز و هو يستشعر المزاح في نبرته : ههههههههه ، أقول لك تآمر يا ابني ..
يحيى بجدية مصطنعة : ابني في عينَك ، لو متزوج بدري كان عيالي كبرك .. يلا أنا بـروح ..
عِصام : وين إنشـالله ؟
يَحيى دون أن يلتفت : عندي شغل ، يلا يا عـزيز ..
خرجوا سويّة من المكتب ، التفت عصام إلى إبراهيم : الله يسترنا من اتفاقهم ، بيخربوا الدنيا !
إبراهـيـم : ههههههههههه ، مالك إلا الدعـاء ..
لحظة صمت ، تساءل بعدها عِصام : إبراهيم ؟ إنت مو زواجك بعد بكرا ؟
عبس وجهه : صحيح ...
عِصام : طيب ، ليش للحين ما طلبت إجازة ؟ في أحد يكون زواجه بعد يومـين و ما يآخذ إجازة ؟
تنهّد إبراهـيـم : مادري ، غالبـاً رح نأجل العرس ..

،،

يُـتـبـَع ...

طِيفْ 01-11-19 09:04 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

،,


تنهّد أبو طارق ، و قال بقلّة صبر : هالحين المحقق ما قال لك إن هذا يعتبر شغل ؟
طارق : صحيح ، قال هالكلام ..
أبو طارق : يعني راح يعطونك راتب ..
طارق دون أن ينظر إليه : المعنى ؟
أبو طارق : المعنى ، ليش ما توافق ؟؟
نظرت شهد إلى والدها بقلق ، تبعتها نظرات طارق المحرجة : يبه شلون تبيني أكون جاسوس ، و على مين ؟ على صديق عمري ؟
اقترب منه والده : يبه إذا صديقك هذا مو قاعد يسوي شي غلط ، ما رح تأذيه لو تجسست عليه ! بينما لو قاعد يسوي شي غلط ، و إنت كشفت هالشي بتكون خدمت وطنك ، و بعد بتكـون حميت صديقك من إنه يتورط في الغلط أكثر و أكثر ..
صمت قليلاً ، هز رأسه طارداً لتلك الفكرة من رأسه : لا لا ، ماني مقتنع ، يبه يقدروا يكلفوا أي واحد ثاني ، أنا مـقدر !!
بغضب : يا غــبي ! أكـيد حضرة المحقق ماهو عاجز يجيب ناس تراقبه ، بس اهوة طلب منك إنت لأنك مقرب يعني تقدر تعرف معلومات ما يعرفها غيرك !
طارق : و هذا اللي مخليني راافض ، يبه هذي خيــانة ، شلون أخليه يأمن لي و يقول لي أسراره و أنا أروح أفضحها !!
نهض أبو طارق من مكانه ، نظر إلى شهد و والدتها اللتان تبدوان مؤيدتان لطارق ، اقترب منه و قال : تعال معاي ، خلينا نتكلم برا ..
طارق : وين يبه ، أنا ماني موافق ..
رمقه بنظرة حادة ، قال بلهجة صارمة : قلت لك تعاال معااي ! رح آخذك للشيخ مسعود ، و نقول له كل السالفة ، و إذا ما فيها حرام راح توافق ..
رفعت شهد حاجبيها مصدومة من تفكير والدها ، نظرت إلى والدتها الضعيفة كأنها تتحراها أن تقول شيئاً .. التزم طارق الصمت ، حتى أحكم والده قبضة يده على ذراعه بشدة و قال : يلا مشينا ..
خرجوا سوية ، أطبقوا الباب خلفهم ، التفتت شهد لوالدتها و قالت باحتجاج : عاجبِك يمه أبوي وش قاعِد يسوي ؟؟
تنهّدت والدتها و التزمت الصمت ، أردفت شهد : بعدين منو هذا الشيخ مسعود ؟ واحد دجال مسوي فيها شيخ ، شلون أبوي يصدقه ؟ لا و يأخذ بفتاويه بعد !
قالت والدتها بصوت متعب : لعنة الله على الحاجة ، لو أبوك ماهو محتاج فلوس ما كان ضغط على أخوكِ بهالشغل ..
شهد : حتى لو ، ماهو مبرر ، من متى كانت الحاجة تخلينا نتخلى عن مبادئنا ؟
قطَع عليهما صوت الطرق على الباب ، نهضت شهد عن الأرض ، اقتربت من الباب و قالت : مين ؟
صوت رجولي ضخم جاء من خلف الباب يقول : الأمـن الجـنائي ..
تنفست شهد بغضب ، أخذت حجابها المعلق إلى جانب الباب ، لفته على رأسها بإحكام و فتحت للرجلين اللذين كانا يديران ظهرهما للباب ، التفت يحيى بينما ظل عزيز على وقفته ، أخفض يحيى بصره أرضاً و قال : طارِق موجود ؟
بنبرة حادة و نظرات حانقة : لا ماهو موجود ، و كلفني أبلغك إنه ما يبغى يشتغل معاك ..
رفع حاجبه ، مال بكتفه حتى استند إلى الباب و قال و هو يضع يديه في جيوبه : والله ؟
شهد متكتفة : مثل ما سمعت ، يا ليت تتركونا بروحنا ، احنا مالنا في أحد ..
ظهرت ابتسامة خفيفة ساخرة على وجهه ، قال بلهجة الأمر : ارفعي جوالك و اتصلي عليه ، بلغيه ييجي حالاً ،، أنا أنتظره هنا ..
شهد : بس ..
قاطعها و هو يضع سيجارة في فمه : بدون اعتراض ، الله يرضى عليكِ ..
أدار ظهره ، لتغلق الباب بقوة من جهتها ، تحدّث نفسها بلهجة قد تكون مسموعة لديه : وقـح !
أخرجت جوالها ، رفعت السماعة و اتصلت بطارق ،، سمِعت صوته فقالت : طارِق ، هذا المحقق هِنا ، قال يبيك ، قلتله إنك ما تبي تشتغل معاه بس أصرّ يستناك !
تنهّد طارق و قال بلهجة معاتبة " بهمس " : و إنتِ ليش تكلميه ؟ طيب ، راجـع ..
أغلق الخط ، التفت إلى والده بعد أن وصلا إلى منتصف الطريق : يبـه ، شهد تقول إن يحيى عند البيت ، و يبيني فوراً ،، خلينا نرجـع ..
هزّ رأسه بالموافقة ، ثم قال محذّراً : إياك يا طارق تتصرف بغباوة و تقول ما أبي ، هذي رزقـة و جاتنا ، حـرام ترفس النعمة ..
هزّ طارق رأسه ، يتنهّد بحيرة ما بين إرضاء والده ، و إرضاء ذاته و ضميره ،، خلال دقائق من التفكير المشوّش ، وصلا إلى المنزل ، ليجدا يحيى و عزيز واقفان انتظارهما ، اعتدل يحيى في وقفته : السّلام عليكم ،
طارق و والده : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
يحيى يُشير إلى عزيز : أعرّفكم ، عزيز زميلي ، و مساعدي في القضية ..
تقدّم أبو طارق ، فتح الباب و قال بترحيب : يا أهلاً و سهلاً ، تفضلوا ..
لم تكن تبدو على وجه طارق علامات الرضا ، دخلوا بعد أن تركت شهد و والدته الساحة الخارجية ، و جلسوا في المطبخ ، جلسوا الرجال على الكراسي الصغيرة التي تتوسط الساحة ، تقدّم أبو طارق من المطبخ و همس : ساوي قهوة يبه ..
تأففت شهد بحقد على ذلك الرجل ، نزعت حجاب رأسها و اتجهت نحو الغاز لغلي القهوة ، في الخارج ، يحيى لِطارق : أول شي نبي نفتّش غرفتك ..
طارِق متعجباً : ليش ؟؟
يحيى : لازم نتأكد إن الرجال اللي يشتغل معانا " نظـيـف " ، ما عليه شي ..
وقف طارق متكتفاً و قال بإندفاع : و منو قال إني بشتغل معاكم ؟
رمقه والده بنظرة ، و قال بنبرة حادة : طـارِق !!
وضع يحيى مغلّفاً على الطاولة و قال بابتسامة : والله يا طارِق مهو بكيفك ، هذا تكليف رسمي بهالمهمة ، و امتناعك عن أدائها بيعرضك للمساءلة القانونية ؟
رفع طارق حاجبيه ، انحنى ليتناول المغلف و يقرأ ما بداخله ، بينما التفت يحيى إلى عزيز : قوم فتّش غرفته ،، " وجه كلامه إلى طارق " يا ليت تدلّه غرفتك ..
أخذه طارق ليدله على الغرفة ، دخل عزيز و بدأ التفتيش ، عاد طارق إلى يحيى و قال : يعني بتجبروني ؟
وضع سيجارة في فمه ، أشعلها و قال : مو إجبار ، ممكن تعتبره ، واجِب وطني .. و راح يكون لك مكافأة مرتبة ، و على فكرة إذا أعجبنا شغلك ، ممكن تصير موظف رسمي في جهاز الأمن ،،
طارِق بحدّة : و الثمن صديقي ؟
يحيى : صديقك هذا ، لو مساوي شي ، راح نقبض عليه بمساعدتك ، و بدونها ، لا تحط في بالك إنك بتأذيه ، بالعكس .. هذي مساعدة .. تمنعه يتورط أكثر ..
جَلس طارق : يتورّط ؟ قاعِد تتكلم و كأنك واثق إن فهد متورط في شي !
ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه : بحسب خبرتي كمحقق ، فهـد متورط ، قولاً واحِداً ..
نهض يحيى من مكانه ، و قد تقدّم منه عزيز ، سأله : كل شي تمام ؟
عزيز و أخيراً ظهر صوته : كل شي تمام ،،
التفت يحيى إلى طارق و والده ، و قال بابتسامة : طارِق ، أبيك اليوم عندي في المركز ، عشان أفهمك وش بتسوي ..
هزّ رأسه : إنشالله ،،
يحيى : عن إذنكم ..
أبو طارق : يا حضرة المحقق ما شربتوا القهوة !
وصل إلى الباب ، التفت إليه بابتسامة : مكثور الخير عمي ، مرة ثانية إنشـالله ، سلام ..


،,

مَساء الأربعاء الأول ، و الأربعاء الأخير في روما ،، بعد أن وضّب حقيبته ، رفع السماعة ليتصل بـ عُمـر ، قال : السلام عليكم ،
عُمر : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
فهد : عمي ، أنا غيّرت حجز الطيارة ..
عمر مبتسماً : أكيد عجبتك روما و حابب تقعد يومين زيادة فيها ، صح ؟
فهد مُحرجاً : ههههه ، لا بصراحة ، حجزت الساعة 10 الصبح ، يعني بدال 6 المسا ،،
انكمش وجه عمر ، اختفت ابتسامته : ليش ؟
فهد : ما في شي أسويه طول اليوم ، مليّت ،، برجع لبيتي و أمي ، و أهلي ..
عُمـر : يعني تبي مني أبعثلك السواق الساعة 7 الصبح ؟
فهد : لو سمحت ،،
تنهّد عمر : طيب ، مثل ما تبي .. و تكلمني أول ما توصل السعودية ..
فهد : إن شاء الله ، عمي ،، قول لحسـنا إني آسف ..
عقد عمر حاجبيه : على شنو ؟!
أطبق فهد عينيه : هي عارفة ..
عمر بلهجة حادة : فهـد !! وش مسوي مع بنتي ؟؟
فهد ضحِك : هههههههه لا تخاف ، ما سوّيت شي ، بس مزحت مزحة ثقيلة ..
رفع عمر حاجبيه : والله ؟ و من متى فيه مزح بينك و بين بنتي ؟
فهد و قد استغرب الغيرة المفاجئة في عُمر على ابنته : من يوم ما خليتنا نطلع نلف في روما إجــبــاري ، لا تخاف تراني محترم و عارف حدودي كويس ! سلام ..
أغلق فهد السماعة دون أن يسمع ردّه ، في الجهة الأخرى ، دخل عُمر إلى البيت مستغرباً انطفاء الأنوار في وقت كذلك ، الشموع وحدها تحترق لتنير الصالة الداخلية ، تمتم محدثاً نفسه : ما في كهربا يعني ؟؟ شلون كذا في الحديقة موجودة الكهربا !
دخل إلى الصالة ، تشنّج في مكانه مما رأى ، تختلط البلالين الحمراء و البيضاء مع بعضها ، الورد الأحمر المجفف منثور فوق الأرض ، طاولة يتوسطها قالب جاتو ، تقف ريم بأنوثتها القاتلة ، مرتدية فستاناً أحمراً ضيقاً على رأس الطاولة ، تنظر إليه بابتسامة ، يبتسم عمر و هو الذي لم يعايش أجواءً كتلك منذ زمن طويل ، تقدّم عمر و قال بضحكة : ههههه ، ريمووه وش مسوية ؟
اقتربت منه ، وقفت أمامه و قد فاقته طولاً بحكم الكعب الذي ترتديه ، تلعب بياقة قميصه و تقول بنبرة دلع : حبيبي حبيت أسوي شي جديد في حياتنا ، ما مليت من الروتين ؟
عُمر بخفوت : أنا اللي ملّيت ..
أمسكت بيده و قالت : تعال نقعد ،،
تساءل و هو يمشي برفقتها : بس وش خطرلك ، في مناسبة اليوم ؟؟ إنتِ عارفة إني أنسى فلا تلوميني ..
ضحِكت : ههههههههه حبيبي طبعاً في مناسبة ، بس إنت ما نسيتها لأنك أصلاً ما تعرفها ..
عقد حاجبيه : ما فهمت شلون يعني ؟
أمسكت راحة يده برقّة ، وضعتها بهدوء فوق بطنها و قالت : المناسبة هِنا .
أبعد يده عن بطنها ، اختفت الابتسامة عن وجهه : يعني ؟
هزّت رأسها بابتسامة : أنا حـامل ..
لم تبدو عليه الفرحة كما توقعت ، أدار ظهره و قال : شلون صار كِذا ؟
ريم بتعجب : شلون يعني شلون ؟؟!!
التفت إليها : أنا مو معطيكِ حبوب لمنع الحمل ؟ شلون ؟؟ ما كنتِ تاكلينها ؟
ريم : إلا ! بس ربنا أراد يصير حمل وش أسوي ؟؟
عمر و هو يجلس على الصوفا : إنتِ عارفة إني ماني جاهز الحين لمسألة الأولاد ..
جلست أمامه على ركبتيها و بدأت الدموع تجتمع في عينيها : متى بتصير جاهز ؟؟ أنا عمري صار 37 سنة يعني قربت أفقد الأمل من الخلفة ، و ربي سبحانه ما أراد يقطعني من الضنا ،، إلى متى بنتظرك تجهز ؟؟ 10 سنين متزوجين حارمني من أبسط حقوقي إني أكون أم ، كل سنة تقول لي ماني جاهز ماني جاهز ! متى بتجهز ؟ إلين تنتهي صلاحيتي و تطلقني مثل ما سويت مع حريمك اللي قبل ؟
عُمر بحدّة : ريـــــــم ! 100 مرة قلت لك سيرة حريمي لا تفتحينها !!
نهضت من مكانها ، تكتفت و قالت : ليش ؟؟ مو لازم أخاف على روحي منك ؟ أخاف تظلمني مثلهم ؟
عمر : أنا عمري قصّرت عليكِ بشي ؟
ريم : الفلوس و الهدايا و السفر مو كل شي ،، صحيح أنا عايشة بنعيم ما كنت أحلم فيه ، بس إنت كلّك مو معاي ،، حتى طفل ما تبي مني !
تنهّد عمر و قال : هالحين ماهو وقت العتب و اللوم ، أنا ماني جاهز أربي طفل ،، شوفي حل ..
اتسعت عيناها : حل شنو ؟؟ لا تقول لي إجهاض !
صمت عمر و كان صمته الجواب ، قالت ريم بحدة : مستحيل يا عُمر ، مستحيل !

،,

في الجهة الأخرى من كَوكَـبنا ، جلس مقابلها و هو يشبك أصابعه ببعضها البعض ، سقطت دمعتها الأولى ، حار جداً الدمع إذا ما كتمناه طويلاً ، يسقط ليحرقنا بدلاً من إخماد نيران قلوبنا ، بهمس قالت : هالحين تذكرت تقول هالكلام ؟
أخذ نفساً عميقاً : شوفي يا جيهان ، أنا عارف إني غلطت و ظلمتك لما تقدمت لك و أنا ماني مقتنع بالزواج من أصله ، و ظلمتك أكثر لما انتظرت 4 شهور و ما بلغتك إلا قبل العرس بكم يوم ،، بس قلت أبلغك الحين أحسن ما أظلمك معاي ..
جيهان تحاول أن تعدّل نبرة صوتها المرتجفة : كل هالظلم ، و خايف بعد تظلمني ؟؟ كم مرة قلت لك إني ماني حاسة بحبك ؟ ليش يا إبراهيم ؟
تنهّد : أنا جاهز لكل شي تبيه ، مستعد أكفّر عن ذنبي معاكِ بأي ثمن .. أنا معترف بغلطي ..
ابتسمت بسخرية : أيامي اللي ما نمت فيها و أنا أنتظر منك كلمة ؟ و سمعتي اللي بتسوّد قدام الناس إذا قلنا التغى العرس ؟؟
باندفاع : اللي يقول عنّك كلمة وحدة بقص لسانه !
نهضت جيهان : يا ليت تطلع من المحقق اللي بداخلك مرة وحدة في حياتك ،، واضح إن شغلك في التحقيق حوّلك لجماد ..
تحركت لتخرج ، استوقفها صوته : جيهان ، أنا ما قلت نلغي الزواج ،، أنا أعطيتك الخيار ، نلغيه أو نأجله فترة ، ع بال ما أحس إني استقريت ..
التفتت جيهـان و قالت بسخرية : فكرة ، نأجله 4 شهور ، و بعد 3 شهور و 28 يوم و قبل العرس بيومين تيجي تقول لي والله سامحيني ، ما قدرت ، حاولت .. لا يا إبراهيم ، ما راح أستجدي عواطفك و مشاعرك ، دام إنك ما حبيتني من البداية ، ما راح تطولني في النهاية .
خرجت من المجلس ، اتجهت إلى غرفتها ، خرج هو و نظر خلفه بألم ، لم يكن الحب يوماً عادلاً يا جيهان ، العشق يا جيهان ، الجريمة التي نقترفها جميعاً دون تردد او خوف ، إلا أننا لسنا من ندفع ثمن تلك الجريمة ، إنما يدفعها من حولنا ، و ها أنتِ الآن تدفعين ثمن عشقي لأخرى ، دون أن تعرفي ، يلتف حبل مشنقتي على رقبتك ، و يقتلك أنتِ ، و أنظر أنا إليكِ ، بكل قوتي و ضعفي ، بكل مكري ، و حزني ، ولا أستطيع أن أفعل لكِ شيئاً ، فأنا المجرم و أنتِ المتهمة الوحيدة ، و أنا الظالم المتيقن من براءتك ، و أنا الذي سينفذ حكم الإعدام بكِ ، أيتها الجميلة ..


،,


نَزلت مجبرة بعد تهديدات والدتها الكثيرة لها ، بخطوات بطيئة على الدرج ، صوت ضحكاتهم ينبعث في آذانها و هي تعلم جيداً أن لا مكان لها بينهم ، وصلت إلى الصالة حيث يجلسون ، لم يلتفت أي منهم ، حتى قالت : مَساء الخير ..
بصوت واحد ردوا : مساء النور ..
وقفت سارة تنظر إليهم بنظرات غير مفهومة ، اخواتها جمانة و رهف ، تجلسان كل منهما في طرف محتضنة والدها ، كانت تتمنى لو أن والدها حيّ ، لتجلس في حضنه ساعة واحدة فقط ، قال يعقوب بصوت أجَش و هو يمد يده للمصافحة : تـعـالي يا بـنـت ..
يُسرى بابتسامة : قربي ماما من عمّك حبيبتي ، ما تبي تسلمي عليه ؟
اقتربت سارة ، مدت يدها للمصافحة ، ثنى يعقوب يده و كأنه يقول له " قبليها " ، رفعت نظرها إليه لترى وجهه المتجهّم ، قبّلت يده بغيظ ، وضعتها على رأسها ، انتصبت قامتها و قالت بصوت خافت : الحمدلله على سلامتك عمي ..
تجاهل الرد عليها ، قالت جُمانة : تعالي سارة قعدي معانا ، ليش حابسة روحك فوق ؟
رهف بسخرية : أكيد ما في شي في هالبيت يحملها غير سريرها ، يمكن لو تقعد على الصوفا تكسرها ههههههههههههه ..
ابتسم يعقوب ، نظرت يسرى إلى ابنتها بقلب ملتاع ، التفتت إلى رهف و قالت : عيب عليكِ تكلمي أختك الكبيرة كذا ! احترمي نفسِك !
يعقوب بحدّة : يُسـرى ! وش فيكِ عالبنت ؟ قاعدة تمزح مع أختها وش صار ؟
جُمانة مؤيدة لوالدتها : يبه ماما معاها حق ، يعني رهف صارت 18 سنة و لسا تتكلم مثل الأطفال !
دخل غسّان إلى الصالة فعمّ الصمت ، اقترب من أخته سارة ، وضع يده على كتفها و قبل رأسها : شلونك حبيبتي ؟
ابتسمت له بحب : مشتاقة حبيبي ..
غسّان يمسك بيدها و يجلس معها على الصوفا : جبت لك كل شي طلبتيه مني ، هالحين أخلي السايق ينزل الشناطي ..
بابتسامة : ما أنحرم منك ،،
يَعقوب بنبرة غاضبة : وش طالبة منك ست الحسن ؟ و بعدين تذكرتها و ما تذكرت خواتك ؟
اختفت ابتسامة غسّان : لا يبـه ، ما نسيت أحد .. بس سارة كانت موصيتني على عطور و كريمات جبتهم لها ..
نهضت سارة من مكانها ، و هي تشعر بالغربة في كل مرة تجلس معهم فيها : ربي يسلمك ياخوي ، عن إذنكم ..
اتجهت للصعود إلى غرفتها ، توقفت حين سمعت يعقوب يقول : خير يا آنسة سارة ، القعدة معانا مو عاجبتك ؟
التفتت إليه ، تجاهد نفسها كي تبقى بذلك الثبات و الصلابة أمامهم ، قالت بمكابرة : أبداً مو كِذا ، بس مـالي مكـان بينكـم ، إنتوا عائلة واحدة و ..
قاطعها بقسـوة : طيب طيب يلا مع السلامة ..
صعدت سارة بحركات بطيئة إلى غرفتها ، حتى اختفت عن أنظارهم ، ابتعدت جُمانة عن ذراع والدها بضيق ، قالت يُسرى : خفّـوا شوي عالبنت ! وش مسوية معاكم عشان تعاملونها كذا ؟!
يَعقوب بحدّة : شلون نعاملها ؟ كافي مقعدينها معانا و متحملين مصروفها !
يُسرى : بس هذي بنت أخوك ، و إنت ولي أمرها بعد وفاته ، يعني مجبور فيها ..
تأفف يعقوب و نهض من مكانه : ما تخلوا الواحد يتهنى في سهرة !
تركهم و صعد إلى جناحه ،،

،,

يـتبـَع ...

طِيفْ 01-11-19 09:05 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 



،,

تأففت جيهان ، مستلقية في حِجر جدّتها التي تداعب خصلات شعرها البني الطويل ، قالت و هي تنقل سماعة الهاتف من أذنها اليمنى إلى أذنها اليسرى : ما أعرف شي يا مريم ، و اللي يخليكِ ماني قادرة أتكلّم !
تنهّدت مَريم : يعني وش قررتوا ؟ بتأجلوا العرس ؟؟ شلون كِذا و العرس مو باقي عليه إلا يومين ؟
جيهان : إبراهيم يقول عنده ظروف ، و أكثر من كذا ما أعرف شي ..
مريم : طيب حبيبتي ، اللي تبوه ، على راحتكم ..
أغلقت جيهان السمّـاعة ، زَفـَرت بقوة ، التزمت الصمت متجاهلة نظرات أخيها " سُليمان " ، الذي يجلس أمامها و يناظرها بنظرات غير مفهومة ، يهز قدمه اليمنى بتوتر ، دون أن تنظر إليه : سلـّوم ، كافي نظرات !
تكتّف سليمان : أبغى أفهـم بس ، ليش ؟ وش صاير بينكم ؟
جيهان بملل : قلت لك مو صاير شي !
سُليـمان بِشك : جيهان ، إذا إبراهيم مضايقِك بشي قولي ..
قالت جدّتهم " أم طلال " بشيء من الغضب : خلاص يمه قالتلك ما في شي وش فيك ؟
سُليمان : ماني مصدّق هالكلام ..
أم طلال : عيب عليك يعني أختك كذابة ؟
سُليمـان بحرج : العفو جدّة مو القصد ، أنا حاسس إنها مخبية شي ..
أم طلال و هي تلاعب خصلات شعر حفيدتها : خلاص ما عليك منها ، قوم نام بكرا عندك شغل ،،
تنهّد سُليمان بيأس ، ترك الصالة و اتجّه إلى غرفته ، لاحقته جيهان بنظراتها حتى اختفى ، نظرت إلى جدتها بحيرة : جدة ، وش تقولي ؟ محتارة ماني عارفة وش أسوي !
ابتسمت جدّتها بِحُب : أعطيه فرصـة حبيبتي ، خليه يأجّـل العرس مثل ما يبي ، و إذا خلال شهرين ما حسيتي بتغيّر من جهته ، أنا بتصرّف ..
جيهان : شلون بتتصرفي ؟ أنا مابــي أرخّص نفسي قدّامه !
تحسسّت جدتها وجهها بيدها : ما عاش من يرخصك و أنا موجودة ..
ألقت نفسها في حضن جدتها الدافئ الذي كبرت و نَمَت فيه ، قبّلت جدتها رأسها بحنان : إنتِ و اخوانك من ريحة أبوكِ الله يرحمه ، إنتوا اللي صبرتوني على هالحياة بعد ما راح بغمضة عين ، شلون برخصكم و إنتوا أغلى شي عندي ؟
تشبثت جيهان بها كطفل متشبث بأمه : ربي ما يحرمني منّك ، من دونك مادري وش كِنت بسوّي !

،,

ينظرون إليه باستفهام ، بينما انخفض بصره في الأرض خجلاً ، قالت والدته بغيظ : يعني في الآخر سويت اللي في دماغك ؟
إبراهيم بصوت خافت : يمه أنا ما طلّقتها ، أجلت الزواج بس عشان ما أظلمها معاي !
قالت أخته عَروب : من جدّك إبراهيم ؟ يعني بعد ما تجهزنا و حجزنا و اشترينا الفساتين تلغي كل شي ؟
إبراهيم : ما لَـغيــــــت ما لغيييت ! أجلت ، كل الناس تأجل !! وين المشكلة ؟
أخته الأصغر " سَحَر " : بس مو قبل العِرس بيومين ، هذي أول سمعة ، وش بيقولوا الناس ؟
إبراهيم بحدّة : ملاحظين إنكـم قاعدين تحاسبون أخـوكم الكبير ؟
نهضت والدته و قالت بغضب : طبعاً يمه ، أخوكم الكبير ممنوع تحاسبوه حتى لو كان غلطـان ،، يا رب لا تبلانا يا الله !
إبراهيم وقف إلى جانبها : يمه ليش معطية الموضوع أكبر من حجمه ؟
رمقته بنظرة ، أدارت ظهرها و صعدت إلى الأعلى ، تبعتها سَحر ،، تقدّمت منه عَروب ، مسحت على كتفه من الخلف و قالت بهدوء : رشـا السبب ؟
التفت إليها ، نظر إليها باستفهام ، أردفت : احنـا ما قصّـرنا يا إبراهيم ، طلبناها لك ، و أبـوها ما وافـق ، و حتى اهيـة ما كان عندها الجرأة تقول أنا أبـي ولد خـالي ، تزوجّت غيرك و عاشت حياتها ، إلى متى بتظل موقف حياتَك عشانها ؟
جلس على الصوفا منهكاً : في مخيلتي و حياتي اللي بنيتها في عقلي ، كانت اهية الوحيدة اللي مشاركتني كل أحلامي ، شـلون أطلعها و أحط جيهان مكانها ؟
جلست أمامه : طيب ، دام إنك مو قادر تنساها للحين ، ليش تقدّمت لجيهان و خطبتها ؟ ليش ظَلمت البنيّة معاك ؟
هزّ رأسه بجهل : مادري ، يـوم قال لي عِصام عنها ، و إنها أخت زوجته ، قِلت يمكن أتعافى على يـدها ،
قالت عَروب بلوم : بس اللي صار إنك زدت على جروحك يوم ظلمت هالبنت اللي مالـها ذنب بكل شي صـار ..
أخذ نفساً عميقاً : و أنا هالحين صحيت على نفسي ، و إذا بكمّل بهالحال بظلمها أكثر ، أنا تركت لها الخيـار ، إذا تبي نأجـل الزواج ، أو ننفصـل ،، و أتمنى يكون قرارها الانفصـال ، راح تأخذ عن صدري هم كبير ..
ابتسمت عَروب بسخرية : حتى لو طلبت الطلاق ، لا تتخيّل إنها بتكون راضية ، ما في بِنت ترضى تتطلق ، و خاصّة بهالشكل ..
أوشكت على الذهاب ، ناداها إبراهيم : عـَروب ..
التفتت إليه ، قال : جيهان ما تعرف شي عن سالفة رشـا ، و ما أبيـها تعرف ،،
ابتسمت عَـروب : ولــو ؟ عِيب هالكلام !
اقترب منها إبراهيم : عَروب ، اللي مخوّفني إن علاقتك بـ سليمان تتأثر من وراي ..
عَروب : لا تخاف ، سليمـان عاقِل ، ما راح يدخّلني بمشاكلك مع أخته .


،,

أشرق صباح روما الأخير عليه ، لم يكن نائماً ، السـاعة الخامسة و النّصف فجراً ، بدأت العصافير تغرّد ألحانها ، و الشمس تغزل خيوطها ، أنهى صلاة الفجر ، تحمم و تجهّز للذهاب إلى المطار ،،
في بيتهم الواسع ، نزلت حسناء إلى المطبخ بحركات بطيئة ظانّة أن الجميع نِيام ، غَلت كوب قهوتها بهدوء ، دون أن تشعر بذلك الذي تسلل إلى المطبخ خلسة ، قال بحب : صـبـاح الخيير
انتفضت حسناء بخوف ، التفتت لتجد أبيها : يبه ! صباح النور ،، رعبتني ..
ضحِك و اقترب : هههههههههههه ، " قبّل جبينها " ، شعندها حبيبة أبوها صاحية بدري ؟
حَسناء تحرك القهوة : ما في شي ،، بس صرلي نايمة 16 ساعة تقريباً ..
عُمر : ممم ، طيب ، طيارة فهد الساعة 10 ..
التوَت شفتيها : و المطلوب ؟
عمر : ما في شي حبيبتي ، بس ما تبي تودعيه ؟
حسناء باستهجان : أودعه ؟ ليش إن شاء الله من هو ؟ و من متى أعرفه أصلاً ،، درب السلامة الحمدلله إنه بيسافر و بفتك منه !
عمر بابتسامة : أمس كلّمني ، و طلب منّي أوصل لك اعتذاره ..
ارتشفت شفة من القهوة ، رفعت غرّتها بأطراف أصابعها : على شنو ؟
عمر : أنا اللي بسألك ، وش مساوي معاكِ ؟ أجيب خبره لو مضايقك بشي ..
حسناء : مو مساوي شي ، انسى الموضوع ، مزحة بايخة ..
عُمر بجدية : يكون تحاول يتحرّش فيكِ ؟ ترى ولد فقر و بحياته ماهو شايف بنات !
ضحِكت حسناء : افـا يبه ، يتحرش فيني و أسكت له ؟ " بلهجة ساخرة " ما إنت عارف شعندك ،، بنت بمية رجال ..حتى صوتي صار مثل صوت الرجال ،،
اقترب منها و هو يعلم ما تكتمه في داخلها : يبه ، لا تزعلي ، كذا الظروف حكمتنا ..
رفعت رأسها : و لو ريم خلّفت بنت ؟ بتسوي فيها مثل ما سويت فيني ؟ ولا بتتركها تعيش أنوثتها لأني موجودة ؟
ابتسم عمر : بدينا غـيرة ؟ ما في أغلى منّك عندي ،، و بعدين ريم ما راح تجيب لا بنت ، ولا ولد ..
عقدت حاجبيها : وش تقصد ؟
عُمر : أنا ما أبي هالطفل ، و راح تنزله ..
شهقت حسناء : يبـه ! بتقتل ولدك ؟
خرج عمر من المطبخ ، و بلهجة حادة قال : إياكِ تشجعيها على الاستمرار بالحمل يا حسناء ، إياكِ ..


،,



الخميس ، بعد العصر ،

قرَع الجرس مرتين ، ثم أدخل المفتاح في الباب ، من الداخل ، فتحت ياسمين الباب ، ابتسم حين رآها ، قالت بابتسامة : الحمدلله على السلامة سيّد فهد ..
دخل و هو يجر حقائبه إلى مدخل المنزل ، ابتسم : ربي يسلمك ، وين الوالدة ؟
ياسمين تعدّل حجابها : في غرفتها ، تفضل ..
دخل بلهفة إلى غرفة والدته المستلقية فوق سريرها ، التي ابتسمت فرحاً حين رأته داخلاً عليها ، اقترب منها ، جلس أمامها و أخذ يقبّل يدها بحب و شوق ، و تقول هي : الله يرضى عليك يا ولدي الله يرضى عليك ..
فهد : شلونك يمه شلون صحتك ؟
جواهر : نحمد الله و نشكره على الدوام ، انت شلونك وحشتني موت ..
فهد : و إنتِ أكثر يمه .. شلون ياسمين معاكِ ؟ قصّرت في شي ؟
جواهر بعتب : لو كان يهمّك كنت اتصلت ، مو أسبوع كامل ما أدري عنك ولا تدري عني !
فهد بخجل : سامحيني يمه ، حاولت أوصل لك بس ما لقيت طريقة ، إنتِ ما معاكِ جوال ، و رقم ياسمين مو معاي ،، قلت أتصل لطارق و ييجي اهوة يتطمن عليكِ ..
جواهر بنظرة ذات معنى : جاءت شهد ربي يرضى عليها ، و قعدت عندي شوي ..
ابتسم فهد ، يسمع اسمها و يشعر أنها وطنه الي افتقده ، الراحة التي لم يشعر بها في أكثر المدن سحراً ، تساءلت جواهر : يمه ، ما بتقول لي وش كان سبب هالسفرة ؟ و من وين جب فلوس تغير البيت و تجيب سيارة ، و تسافر ؟
أخذ نفساً عميقاً ، ابتسم بارتباك : يمه هالحين مو وقت هالكلام ، قاعدة تاخذي دواكِ بانتظام ؟
جواهر : الله يرضى عليها ياسمين ما قصّرت ، تعطيني الدواء في موعده ..
قبّل جبينها : الحمدلله ، يمه أنا بنسيكِ عيشة الفقر ، كافي طول حياتِك اللي عشتيها بهم و غم مرض و فقر ،، كافي ..
جواهر : يمه أنا أعيش بخيمة طول حياتي ، بس أشوف فهد القديم ،
عقد حاجبيه ، و ابتسم : فهد القديم ؟
جواهر : ايه ، فهـد القديم ، اللي كان على طول مبتسم و يضحك ، و متفائل و يحب الحياة ،، مو فهـد اليوم ، اللي الهموم ماكلة وجهه ، و الشيب بدا يطلع في راسه و لحيته ، و اهوة لسا ما صار ثلاثين سنة ..
ضحِك فهد : ههههههههه ، يمه الشيب هذا وراثة ، أبوي الله يرحمه ما أذكره إلا و اهوة شايب ، من صغره ..
جواهر بجدية : الشيب بكير ، يعني هموم يا ولدي ..
حافظ فهد على ابتسامته : يمه كلنا عندنا هموم ، ما في أحد ما عنده هموم ، " لَقَد خلقْنا الإنسان في كَبَد "
جواهر : ما بتقول لي وش مخبي عني ؟
فهد : ماني مخبي شي يمه ، سلطان و عمر حرب اللي كان أبوي يشتغل عندهم ، كان تارِك عندهم فلوس ، و موصيهم يعطونا هالفلوس بعد وفاته ، و هذا اللي صار ..
نظرت إليه بطرف عينها : هالحين هذا الكلام علي ؟ أبوك من وين معاه فلوس عشان يتركها لنا ؟؟
نهض فهد من مكانه : يمه ، واللي يخليكِ لا تزودينها علي ،، لا تخافي ماني قاعد أسوي شي حرام ، لا تخافي ، أنا بروح أتروش و بعدين أبغى أزور طارق ، تآمرين على شي ؟
جواهر : لا تتأخر علي ..
انحنى ، قبّل جبينها ، تحرّك حتى وصل إلى الباب : صحيح ،، جبتلك معاي شي راح تحبيه ..


،,


يجلِس سلطان في مكتبه السري ، على الحاسوب ، محادثة سكايب مرئية ، بينه و بين عمر ، يقول عمر : مثل ما نبّهتك يا سلطان ، اليوم أبي هالموضوع منتهي ، هذا الولد ماهو سهل ..
سُلطان : ولا يهمّك ، اترك الموضوع علي ..
عمر : عرفت وينه الحين ؟
سُلطان ينفث دخان سيجارته : الرجال اللي يراقبه قال إنه راح لبيته ، و طلع بعد ساعة ،، غالباً راح يكون بطريقه عندي ..
عُمر : طيب ، سكّر هالحين ، و بلغني كل شي أول بأول ..

،,



دخل إلى الغرفة ، الغضب يشع من عينيه ، رغم أنه كان متوقعاً لما سيحدث ، إلا أنه لم يكن يتوقع غضباً كذلك ، كوّر قبضة يده ، لكمه على أنفه ، أسال منه الدم ، نهض و هو يمسح دمه بكم قميصه ، ينظر إليه بنظرات حاقدة ، اقترب و شدّه من قميصه ، و قال بصراخ : قـاعـــد تــلعــب معــاي ؟ مَنت عارف وش ثـمـن اللعب معــاي !!


،,


أطفأ سُلطان الجهاز الصغير أمامه ، يراقب نظرات فهد و عينيه المتسعتين بدهشة ، بلع فهد ريقه ، ابتسم سلطان بخبث : للأسف إن ذكاءك ما نفعك هالمرة ،، تعرف المثل وش يقول ؟ يقول غلطة الشاطر بـألـف ..
فهد بصوت خافت : وش المطلوب الحين مني ؟
سُلطان بنفس اللهجة المستفزة : للأسف إنك مالك خيار ، اللي بقوله ، بيتنفذ .. مفهوم ؟
ضرب الطاولة بكفّه ضربة قوية ، نهض من مكانه و قال : سُلطــااان !

،,

شحب وجهها و اصفر لونها و هي ترى دماً مائل لونه إلى السواد يغطي يديها ، ارتجف فكّها ، بدأت تبكي و تعتصر ألماً بصوتٍ غير مسموع ، بدأ العرق يتصبب من جبينها ، ثم سقطت مغمى عليها .



،,




انتهى

إن شاء الله يكون البارت مُرضي لأذواقكم الجميلة و الرفيعة بطوله ، و أحداثه ،،
كل جمعة إن شاء الله راح يكون لدينا بارت ، و ممكن يصير في الأيام الجاية تعديل على مواعيد الأجزاء ،، بالنسبة للساعة اللي رح ينزل فيها البارت مو محدد ، حال ما يجهز بينزل ،،

لا تبخلوا علي بتعليقاتكم و آراءكم ،، أحبكم ... طِيفْ!

دمتم بودّ ..


شبيهة القمر 03-11-19 06:05 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
وااو نزل الجزء
لي عودة بعد القراءة بإذن الله

شبيهة القمر 05-11-19 12:01 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
مشكووره طيف على هالجزء الدسم .. ماقصرتي الله يسلمك
نجي لابطالنا .. رحمت فهد احسه مو قد عمر وسلطان الله يستر وش راح يمسكون عليه ..
مدري ليه جاني احساس ان مشعل ابو مريم وجهان ههههعع شطحت واجد بس يمكن تصيب هههههه

الى الان ماقدرت اميز شخصية فهد زينه او شينه ...مدري احبه او اكره هههههه

طِيفْ 07-11-19 01:32 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شبيهة القمر (المشاركة 3722369)
وااو نزل الجزء
لي عودة بعد القراءة بإذن الله

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شبيهة القمر (المشاركة 3722454)
السلام عليكم
مشكووره طيف على هالجزء الدسم .. ماقصرتي الله يسلمك
نجي لابطالنا .. رحمت فهد احسه مو قد عمر وسلطان الله يستر وش راح يمسكون عليه ..
مدري ليه جاني احساس ان مشعل ابو مريم وجهان ههههعع شطحت واجد بس يمكن تصيب هههههه

الى الان ماقدرت اميز شخصية فهد زينه او شينه ...مدري احبه او اكره هههههه



أهلاً بالقمر المنير لصفحات روايتي ..

يسلّم هالأيادي اللي كتبت التعليق الجميلل ، و التوقعات الخطييرة رغم إنها متهورة شوي هههههههههههه

هِنا السّر ، في الرواية ، هل راح نحب فهد ؟ أو راح نكرهه ؟ هذا ما سنعرفه في الأجزاء القادِمة " أنا ما عندي إلا نظام سبيستون ههههههههههه "


حبيبة قلبي ، أنرتِ يالغلا :))

طِيفْ 08-11-19 12:46 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،، عسى يكون الجميع بخير ..

أتمنى ينال البارت رضاكم و إعجابكم ،، لا تحرموني من تفاعلكم ، و صالح دعائكم ..

*قبل البداية : صديقات الرواية ، هُنا و في المنتدى الآخر ، و من خلف الكواليس .. ممكن نشوف في بعض المواقف إن المحققين " عِصام ، عزيز ، إبراهيم ، و يحيى " يتصرفون بقسوة في محيط عملهم ، و لازم نعرف إنه القسوة هي جزء من وظيفتهم ، فهذا لا يعني إنهم سيئين بشخصياتهم ، عَشان كذا ما أبيكم تكرهوهم لمجرد إنكم شفتوا قَسوتهم فيما يخص عملهم ،، هذولا المحققين أولادي و حبايبي و واجبي أوضّح هالنقطة عنهمم ""ههههههه كل الأبطال أولادي ما عدا الأشرار *))

،,


" و إذا التقينا و العيونُ روامِقٌ
صَمَت اللّسان و طرفُها يتكلّم ..
تشكو فافهَمُ ما تقولُ بطرفِها
و يردُّ طرفي مثلَ ذاكَ فتفهَمُ .. "

* بشّار بن بُرد


وَ في نَشوة العِشق صرنا رماداً ، بقلم : طِيفْ!

الجزء 6



،,

يجلِس سلطان في مكتبه السري ، محادثة سكايب بينه و بين عُمر على شاشة الحاسوب ، يقول عمر : مثل ما نبّهتك ، اليوم أبي هالموضوع منتهي ، هذا الولد ماهو سهل ..
سُلطان : ولا يهمّك ،اترك الموضوع علي ..
عمر : عرفت وينه الحين ؟
سُلطان ينفث دخان سيجارته : الرجال اللي يراقبه قال لي إنه راح لبيتهم ، و طلع بعد ساعة ، غالباً راح يكون بطريقه عندي ..
عمر : طيب ، سكّر هالحين و بلغني كل شي أول بأول ..
أطفأ سلطان سيجارته في منفضة السجائر : سلامات ،
أنهى محادثة السكايب ، و أطبق شاشة الحاسوب .. وقف أمام النافذة و رأى فهد يصطف بسيارته أمام المكتب ، ظهرت ابتسامة على وجهه و قال : استعننا على الشقا بالله ..

في الأسفل ، ترجل فهد من سيّارته ، وقف أمام المبنى و أخذ يتأمله ، عادت به الذاكرة إلى ذلك اليوم الأول الذي داست فيه قدمه ذلك المكان ، و كم هو الفرق كبير بين حالته في ذلك الوقت ، و حالته الآن ..

*عودة في الذاكرة ،

قبل السفر بـثـمـان أيـام ،،

وقف بملابسه الرّثة أمام ذلك المبنى ، شعره الأشعث و حالته التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم ، خاصّة بعد مقتل والده ، تحترق السيجارة في فمه و هو يفكّر بكل ما أوتي من قوّة ، في سؤال واحد فقط : " هـل أدخـل " ؟ و الإجابات في عقله لم تتأخر أبداً : " والدتـك المـريضـة ، حـالكـم السيء ، شـهـد التي تُحِب ، مصـاريف الحـياة ، الديـون التي تركها لك والدك في الميراث " ..
حَبس نفساً عميقاً ، أطلقه بعد ثوانٍ ليخرج مع تنهيدته دخاناً أبيضاَ ، ألقى سيجارته أرضاً ، سَحَقها بحذائه المهترئ ، تقدّم بخطوات مترددة ، صعد إلى المَكتب رقم 14 حسب ما وَصف له سُلطان على الهاتف ، وقف أمام الباب ، و بصوتٍ بالكاد يُسمَع : السّلام عليكم ..
رفع سُلطـان رأسـه من الكِتـاب الذي كـان يقرأه ، ظهرت ابتسـامة على وجهه ، وَقف و قال بترحيب حار : يا هـلا و مرحـبا ،، نـوّر المكـتب يا بـو مـشعل ..
دخل فهد ، صامتاً حتى وصل إلى منتصف الغرفة ، خرج سُلطـان من خـلف مكتبه ، فاتحاً يديه بحرارة ، أخذه في حضنه ، ابتعد عنه و قال : كِنت عـارف إن مشـعل مستحيل يكون خلّف ولد أقل منه في الذّكـاء ..
صَمته كان مريباً ، دون أي تعابير على وجهه بالسرور أو الغضب أو الحزن ، أمره سلطان بالجلوس ، جلسا مقابل بعضهما على الكراسي المقابلة لطاولة المكتب ، استرخى سُلطـان في جلسته ، بينما التوتر و التشنج كانا واضحين على فـهـد ، أخرج سُلطـان علبة السجائر من جيبه ، فتحها و مدّها أمام فـهد ، تناول واحدة ، اقترب منه سلطان ليشعلها له ، وضع هو الآخر واحدة في فمه ، و عجّ المكان بالدخان ، نفث سُلطـان الدخان من فمه و قال : طيّب يا بـو مـشعـل ، دام إنّك جيت ، يعني في موافقة ضمنية على مشروعنا ..
بَلع فهد ريقه ، هزّ رأسه بـ نعم ، دون أن يتحدث ، لفّ سلطان قدماً فوق الأخرى : كِنت متأكد إنك ما راح تخيّبنا ، شوف يا فهـد ، إنت عارِف إنّك لو واحـد ثـاني كان مـا عرضنا عليه هالعـرض ، ما في أحد يستبدل فلوسه بشي ثاني و إنت عارف ،، خاصّة إننا في زمن المـــال ، بس أبوك كان صديقنا و حبيبنا ، عشان كِذا راح نعفيك من المطالبة بالكمبيالات اللي على والدك ، مقابل 5 مهمّات بتسويهم معانا ، و مو بس كذا ،، راح نأمنلك بيت ، و سيّارة ، و راتب مقابل كل مهمة ،، و بعد ما يخلص شغلك معانا ، وظيفتك راح تكون مؤمنّة .. وش قِلت ؟
فهد : ما عندي شي أقولـه ، اللي تقوله إنت أنا موافِق عليه ..
أخذ سُلطان نفساً عميقاً : أول شي و أهم شي يا فهد ، السـرّيـة ، هي أهـم شي بشغلنـا ، أنـا سُلطـان الغـانِم ، محـامي ، و ما في أحـد يعرف إني أشتغل مع عُمـر حـرب ، يعني هذا سرنا الأول ، و أهم سـر .. مفهوم ؟
فهـد يطفئ سيجارته : مفهوم ..
سُلطـان : مخـالفة للتعـليمـات ممـنــوع ، أنا و عمـر خبرتنا أكثـر منك ، و لما نقول لك تسوي شي ، بتسوّيه .. مفهـوم ؟
هزّ رأسه موافقاً ، أردف سُلطـان و هو يجلِس خلف مكتبه : الشرطة ، لا سألوك من وين جبت فلوس و تغيّرت أحوالك ؟
فهـد : أبـوي ترك لنا فلـوس عند عُمـر حرب ، علشان يأمن مستقبلنا بعد وفـاته ،،
سُلطان : ممتاز ..
التفت سلطان إلى الخزنة خلف مكتبه ، فتحها و أخرج منها رزمة من المال ، و مفتاح سيارة ، وضعهما أمامه على الطاولة و قال : الحين تأخذ السيّارة ، و تروح تشتري ملابس جديدة و مرتبة ، و ترتب أمورك ، و رح أشوفلك بيت جديد تسكنه إنت و والدتك ، و أول عمليّة لك ، راح تكون السّفر لرومـا ..
عقد فهد حاجبيه : نعـم ؟ سفـر لرومـا ؟ و أمي وين بتركها ؟
سُلطـان : ما عليك منها ، راح ندبر بنيّة بنت حلال تقعد معاها و تهتّم فيها ..
فهد : لا مستحيل ، مستحيل أترك أمي بروحها !!
سُلطـان بلهجة آمرة : بديـنا نخـالف التعليمـات ؟
تنهّد طويلاً ، ثم تساءل : طيّب ليش ؟ وش بسوّي بروما ؟
سُلطـان بابتسـامة : اللي كـان أبوك يسوّيه ،، شنطة فيها فلوس نبي توصّلها لعمر ..
رفع فهـد حاجبيه : يعني تهـريب ؟ أبوي كان يسوّي كذا لما يروح لرومـا ؟
هزّ رأسه ، و قال : تهـريب ، مو تهـريب ، هذا مو شغلك ، شغلك توصّل الفلوس ، و ترى لا تخاف ما راح يكون عليك شي قانونياً ، لأنك ما تعرف وش موجود بهالشنطة .. قدّامهم يعني ..
فهـد : و افـرض في المطار فتّشوني و عرفـوا ؟
سُلطـان : افــا ، مو أول مرة نشتغل ؟! كل أمورك تمام إنت لا تخـاف ..

*عودة إلى الواقِع ،،

تنهّد بقوّة ، و بجرأة أكبر من المرة الأولى ، دخل إلى المبنى و هو يعرِف أنه يوماً بعد يوم ستألـف نفسـه تِلك الخطايا ، و ستتقبلها ذاته و كأنها أمر عادي ،،
وصل إلى الباب ، طرقه و قال بصوت جهوري : السّلام عليكم ،
سُلطـان بابتسامة : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، الحمدلله عالسّلامة بـو مشعل ..
دخل فهد : الله يسلمك ..
جلس فهد على الكرسي ، بينما جلس سلطان خلف مكتبه و قال بابتسامة : ما شاء الله ،، روما تحلـّي كل هالقد ؟
ظلت تعابير وجه فهد جامدة ، قال سُلطان : واضح سفرتك لروما حسّنت نفسيتك ، الإنسان لا تحسّنت نفسيته يبان هذا الشيء على وجهه ، و إنت ما شاء الله وجهك منوّر و حليـان ..
فهد ببرود : تسلم ،، يا ليت نخلّص موضوعنا بسرعة علشان عندي مشوار ..
استند سُلطان إلى ظهر الكرسي : تبي الكمبيالة ؟
أمال رأسه و قال بحدّة : إنت عارف اللي أبيه ، لا تضيـّع وقتي و وقتك ..
رفَع سلطان حاجبه الأيـمن ، و قال : قبل الكمبيالات ، في شي لازم نتّفق عليه ..
فهد : بالنسبة لموضوع الشّغل نتكلّم فيه بالليل ، ما عندي وقـت الحـين ،،
سُلطان بابتسامة جانبية غير مريحة : لا ، فـي شي ثـاني ، ضروري تعرفه الحين ..
رفع قدماً فوق الأخرى و قال : تفضّـل ..
أخرج من الخزانة الصغيرة في طاولة مكتبه ، أداة صغيرة تشبه المسجل ، بدت النظرات المتوتّرة على وجه فهد ، ثمّ ضَغَط سُلطان على زر التشغـيـل ..

،,

في مكَان آخـر ، جلست أمامه للمرة الأولى بكامل قوتها ، دون أن تنظر إليه أملَت عليه قرارها ، نظر إليها إبراهيم بطرف عينه : هذا قرارك ؟
جيهان ببرود : مثل ما قلت لك ، نأجل الزواج شهرين أو شهرين و نص عشان الناس ، و بعد شهر بالتمام ... تطلّقني ..
إبراهيم : حتى لو قلت لك بعد شهر إني أبيك ، و إني غيّرت رأيي ؟
جيهان بسخرية : قاعدة تحت أمرك أنا ؟ متى ما تبي أكون موجودة و أنتظرك ؟
انخفضت عيناه في الأرض : ما قِلت كذا ، بس أنا ما كان طلبي الطّلاق ، كان طلبي التأجيل .. ليش مُصرّة تندميني يوم صارحتِك ؟
جيهان : أنا مابـي أندّمك على صراحتك ، بس خلاص ،، اللي بيننا انكسر ،، هذا لو افترضنا إن في شي بيننا من الأساس ..
تنهّد إبراهيـم و التـزم الصّمت ، أردفت جيهان : أنا عندي بس سؤال واحد ..
نَظر إليها إبراهيم ، فأكملت بغصّة تحاول أن تكتِمها : في غـيري ؟؟
أجاب باندفاع : لا يا جيـهان ، الموضوع إني ...
صمت ، فأكملت عنه : إنّك ما حبيتني .. هه ، سبحان الله ،، مع إني سوّيت كل شي عشان تحبني .. بس الحب اللي ما يجي من ربنا ، ما ييجي غَصب ..
التزم الصمت ، وقفت جيهان و قالت : المهم ،، شلـون بنبلّغ الناس بتأجيل العرس ، لا تنسى العرس بكرا ؟ و شنو راح يكون السبب قدّامهم ؟
وقف هو الآخر : ما عَليكِ ، أنا أتصرّف بهالموضوع .
تحرّكت نحو باب المجلِس ، ناداها : جيهان ..
التفتت إليه ، فأردف : مابـي أخـوك يعرف بمشاكلنا ، يعني مابي اللي بيننا يأثر على علاقته بعـَروب ..
ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهها : لا تخاف ،، عن إذنـك ..

،,

أطفأ سُلطـان الجهاز الصغير أمامه ، يراقب نظرات فهد ، و عينيه المتسعتين بدهشة ، بلع فهد ريقه ، ابتسم سُلطان بخبث : للأسف إن ذكاءك ما نفعك هالمرّة ، تعرف المثل وش يقول ؟ يقول غلطة الشاطر بألـف ...
فهد بصوت خافت : وش المطلوب مني الحين ؟
سُلطان بنفس اللهجة المستفزة : للأسف إنك مالك خيار ، و اللي بقوله بيتنفذ ، مفهوم ؟
ضرب الطاولة بكفه ضربة قوية ، نهض من مكانه و قال : سُلطــاااان !
نهض الآخر و صرخ : صوووتك لا يعلى عندي .. " انخفضت نبرته و أردف : " معاي تسجيلات تودّيك في داهية ، أمّك لمين بتتركها لو انسجنت ؟
هدأت أنفاسه ، جلس على الكرسي بتعب ، مسح وجهه بكفيه : يعني ما راح تعطيني الكمبيالات ؟
جلس سُلطان ، أخرج ورقة من جيبه و مدّها له ، فتحها فهد و قرأها ، الكمبيالة الأولى على والده بقيمة مئة ألف ريال سعودي ، ثنى فهد الورقة و أخفاها في جيبه ، ابتسم سُلطان : على جميع الأحوال ما بتستفيد ، راح تشتغل معانا برضاك أو غصبن عنك ..
فهد بهدوء : ليش سويتوا كذا ؟ ليش بتجبروني أشتغل معاكم ؟
سُلطان : لا لا لا ، انتبه على كلامك ، ما أحد أجبرك على الشغل ، إنت جيتنا برجولك ..
فهد بلهجة تهديدية : شوف يا سُلطان ، بشتغل معاكم إلين أخلص من موضوع الكمبيالات ، و بعدها لو تجرأت و بلّغت عني ، صدقني تاريخك الأسود كلـّه بيكون عند ولدك ، حضرة الضّابط ..
عقد سلطان حاجبيه ، تساءل بغضب واضح : ولدي ؟؟ من وين تعرف ولدي إنت ؟
ابتسم فهد بدهاء : افــاا ، ولو ، منـكـم نستفيد ..
التزم سُلطان الصمت ، سمِع ما لم يكن يتوقعه ، راقبه فهد بنظراته ، بعد ثوانٍ من الصّمت ، قال فهد : عُمـر حَـرب ، قال لي عن العمليّة الثانية .. تبي تبلغني عنها الحين أو أرجعلك بالليل ؟
نظر إليه سُلطان بنظرات حانقة ، ابتسم فهد و وقف : أجل خلاص ، الساعة 9 أكون عندك .. سَلامات ..
التفت متجهاً للخارج ، وقف عند الباب ، أشار بسبابته بتهديد : و إيّـاك ، إيّـاك تحاول تلعب معاي .. أنا فهــد ، بــو مشعـل ..
خرج فهد من المكتب ، سُلطان و نظراته الحانقة ذاتها ، ضرب قبضة يده في الطاولة بحقد ، و قال من بين أسنانه : حقـيــر !


،,


دخل يحيى إلى المكتب بحركات سريعة ، ألقى الملفات من يديه إلى طاولته ، ثم اتجّه إلى طاولة عزيز الذي يجلس أمام شاشة الحاسوب ، و يضع السماعات فوق أذنيه .. جلس أمامه : كل الأمور تمام ؟
هز عزيز رأسه بنعم ، دون كلام ، تنقلت نظرات يحيى بين الشاشة و عَزيز : صار شي جديد ؟
ابتسم عزيز ، أزال السماعة عن أذنيه و وضعها على رقبته : عندي أخبار حصرية ..
بحماس : قول ..
نهض عزيز من مكانه و ألقى السماعات فوق مكتبه ، قال و هو يربط زر كم قميصه الأيمن : لا مو الحين ، أبي فطور جعت ..
يحيى بملل : اففف الحين أجيبلك فطور قول !
ضحِك عزيز ، و من خلفه عِصام الذي قال : ههههههههههههههه سبحان مغيّر الأحوال !
التفت إليه يحيى و رمقه بنظرة ، قال لأبو أيمن الذي كان يلّم كاسات الشاي من المكاتب : عـم بو أيمن ما عليك أمر ، جيب لهذا الكائن أي شي يطفحه أحسن ما ياكلنا ..
ابتسم أبو أيمن : تآمر .. دقايق و يكون الأكل عندك ..
خرج أبو أيمن ، نظر إليهم عصام : هييه كأني مو موجود ؟
عَزيز ضاحِكاً : لا تزعل بخليك تاكل معاي ..
عِصام : هاهاها ، ظريف ! الأكل ممنوع هِنا !
يحيى : لا تسمع له هذا يحب يسوّي نظام عالموظفين الجدد ، بس الحين لا جاء الأكل بيجي ياكل معاك ..
قاطعهم دخول إبراهيم بوجهه المتجهم : السّلام عليكم ..
يحيى باستغراب : هلا بالمعرّس ، وش جايبك اليوم ؟
ألقى سلاحه فوق الطّاولة ، جلس خلف مكتبه ، أطلق تنهيدة و أجاب : ماني معرّس ولا شي ..
عِصام فتح عينيه : طلّقتها ؟؟؟؟
نظر إليه إبراهيم ، أخذ نفساً عميقاً : لا ، أجّـلنا الزواج ..
اتضّح لهم جميعاً أنه غير راغب بالكلام ، التفت يحيى إلى عزيز : عزوز خلّصنا لعوزتنا !
إبراهيم بابتسامة : اش اش ، عزوز و دلع ،، الله العالم وش تبي منه ..
عزيز : ههههههههههههههه واضح إن في إجماع على إنّك مصلحجي ..
رمقه يحيى بنظرة ، قال عزيز : طيب طيب ، خلاص بقول .. فهـد بالريّاض ..
رفع يحيى حاجبيه بتعجب : وصـل ؟ مو على أساس بيوصل بالليل ؟
أمال عزيز رأسه : صحيح ، بس مادري ، سمعت طارق يتكلّم عالجوال و يقول لفهد الحمدلله على السلامة ، و راح يتلاقوا في مقهى حَمدان ..
يحيى : يا سَلام ، و طارِق قال شي ثاني ؟
عَزيز : لا .. تتوقّع ممكن يقول شي ؟
يحيى : ما أستبعد ، إنت حطّيت أجهزة تنصّت في كل ملابسه ؟ لازم نعرف عن ايش راح يتكلموا في المقهى .. لأني مو ضامن إن طارق بيوصل لنا كل شي ..
عزيز : في غرفته في جهاز ، و السّاحة برا حطيت جهاز في الطاولة ، و كل قمصانه حطيت فيها ، أساساً كل قمصانه على بعضهم حوالي 5- 6 قطع ..
صمتوا قليلاً ، نظر عزيز إلى يحيى : تخيّل يلبس ملابسه اللي عالحبل ؟
صمَت يحيى دقيقة ، ثم انفجر ضاحكاً : ههههههههههههههههههههه لعنة الله على ابليسك ، و نطلع مثل كأنك يا بـو زيد ما غـزيت !
عزيز : هههههههههه ، لا أمزح معاك ، ما كان في ملابس عالحبل ،، بالأصل ما كان في حبل ..
يحيى : ههههههههههه " اختفت ضحكته بشكل مفاجئ ، و تحوّلت نبرته إلى الجدية " : المهم خليك متابع و بلغني كل شي أول بأول ..
عزيز يعقد حاجبيه : حاضر ،، ولا يهمّـك ..
تبادل عِصام النظرات الضاحكة مع إبراهيم ، إبراهيم بهمس مسموع : راح يجنن الولد !

،,

في أجوائها التي اعتادت عليها منذ زمن طويل ، تجلِس في سريرها ، و الظلام الدامس يحيط بها من كل جهة ، سمِعت طرق الباب ، أوقفت الفيلم ، و قالت : تفضّـل ..
فتح الباب ، أطل بابتسامة و قال : أقدَر أدخل ؟
وضعت حاسوبها المحمول جانباً ، التفتت إليه و ردّت بابتسامة : أكيد ..
دخل و قد استطاعت سَارة أن تقرأ العتب في عينيه ، اقترب بصمت إلى النافذة ، رفع الأباجورات ، التفت إليها و قال : لما أمّك كانت تكلمني طول فترة سفري بروما ، و تقول لي إنّك مسويّة كذا بروحك ما توقعت لهالدرجة !
سَارة بلا مُبالاة : وش مسويّة يعني ؟
وضع يديه في جيوبه : إنتِ تبي تموّتي نفسك ؟
سَارة : غسّان الله يخليك ، لا تبدأ تعطيني مواعظ و حِكَم !
جلس أمامها : حبيبتي أنا أخوكِ ، مابيك تتحسسي من كلامي ، أنا قاعِد أتكلّم عشان مصلحتك ..
تأففت : طيب ، تكلّـم ..
غسّان : إنتِ قاعدة بس أكل و شرب ، و ما تبذلي أي مجهود ، و وزنك قاعِد يزيد ، ما تحبي تكوني مثل البنات تلبسي فساتين و تلاقي ملابس على مقاسك في الأسواق ؟
سَارة : أنا أحب نفسي كذا ، و واثقة من نفسي و ما أبي أغير شي عشان أي أحد ..
غسّان : أنا ما جبت سيرة الثقة بالنفس ، ولا أقول لك لا تحبي روحك ، أو تغيري عشان أحد ، الثقة بالنفس مو يعني نأذي روحنا عشان واثقين من نفسنا ! السّمنة الزايدة تسبب أمراض و إنتِ لازم تعتني بهالشي ..
سارة بسخرية : تصدّق ؟ ماني مهتمّة أعيش بصحتي أو بدونها ، بعدين وش المجهود اللي تبيني أبذله ؟ كلكم تقولون قومي سوّ شي مفيد ، وش الشي المفيد اللي بسوّيه ؟ أبوك حَرق عمري !
أطبق عينيه بألم حين لامست كلمتها الأخيرة قلبه ، تنهّد : سارة ، أنا عارِف إن أبوي ظَلمك .. ما خلّاكِ تكملي تعليمِك ، و ...
قاطعته و قالت باندفاع : و كل ما يزورونا ناس يحبسني بالغرفة و ما يبي العالم تدرى بوجودي ، حتى أمي صارت تخجل تقول عندي بِنت اسمها سارة .. أنا موجودة في بيتكم كمالة عدد ، و إنت و أمي و جمانة و رهف ظلمتوني مع أبوكم ..
عَقد حاجبيه : شلون ظلمناكِ ؟ احنا نحاول نتقرب منّك و إنتِ تنفري منا كلنا !
سَارة : عمري ما سمعت واحد فيكم يقول لعمي حرام تسوّي بهالبنت كذا .. كلكم سكتتوا ، و السكوت على الظلم ظلم ..
أخذ نفساً عميقاً ، يبحث في عقله عن أجوبة لكلماتها التي لفظتها بعد مخاضٍ طويل عسير ، لتردف سارة : غسّان ، أبوك لغى وجودي ، و أنا متصالحة مع هالشي ، و أقعد بغرفتي كافية خيري و شرّي ، و مابي شي منكم ، مابي غير تتركوني بروحي ..
تنهّد و راسل عينيها بنظرات غير قابلة للترجمة ، اقترب منها ، أمسك وجهها بين يديه ، قبّل جبينها كأنه يعتذر لها عن عجزه و ضعفه ليكن أخاً حقيقياً لها ، و خرَج ..

،,

يتحدّث من بين أسنانه بغضب ، يضغط بقوّة يده على جوّاله و يقول : أبغى أعرف الحين هذا الولد من وين عرف إن ولدي ضابط في الأمن ؟
عُمر بلا مبالاة : و شنو المشكلة لو عرف ؟ وش بيسوّي ؟
سُلطان : عمرر ! بتموتني ببرودك ، أقول لك ما هو سائل بشي و هددني لو حاولت أجبره على شي بيبلغ ولدي عن كل شي ..
يقلّب صفحات الملف بين يديه و يقول بثقة : ما راح يقول شي .. بعدين لما حضرتك تقول لفهد من أول زيارة عن اسمك الكامل ، طبيعي بيعرف ، ناسي إن أبوه مقتول و الأمن قاعد يحقق ..
سُلطان بهدوء : معقول ، يحيى اهوة اللي ماسِك قضية مشعل ؟
عُمر : محتمل ، وين الغريب بالموضوع ؟
هدأت أنفاسه ، جلس على كرسيه و قال بتعب : طيب وش الحل الحين ؟
عمر : كل شي عندي محسوب حسابه ، توقعت إنه مو بهالسهولة بيتقبل الكذبة اللي كذبناها يوم قلنا إنه شغلنا معاه بس للكمبيالات !
سُلطان و هو يرفع حاجباً : تقصِد ... ؟
عمر بابتسامة : أيووه ، فهمت علي .. احنا محاصرين فهد من كل النواحي ، فما له داعي تخاف ..
سُلطان بتوتر : و هالشي تبيني أقول عليه اليوم ؟
عمر : لا لا ، نخلص من الكمبيالات ، و بعدين نقول له ..

،,


في المقهى ، عانق صديقه عناقاً طويلاً ، يحكي ألماً يمزّقه ، طال عناقهما كأنهما غائبان عن بعضهما لسنوات طويلة ، تغيّرت كثيراً يا فهد ، العِز و الراحة يتضحان عليك في ملابسك و هيئتك ، لكنني أعلم أن الألم ينهشك من الداخل ، أعلم أنّك تحترِق ، ليتك تبوح لي ، علي أساعِدك ، أو حتى أنصحك ، ليتك تبوح ...
جلسوا على طاولتهما ، اللهفة في عينيهما لذكرياتهما التي جمعتهما تموت شيئاً فشيئاً مع توتر فهد ، و خوف طارِق .. كسر طارِق جليد الصمت : شلونَك ؟ و شلون كانت روما ؟
تنهّد فهد ، ابتسم بغير رغبة في التبسّم : مادري يا طارِق ، تعبان ..
يتلفت طارق حوله بطريقة مريبة ، كأنه يحاول أن يتأكد من أنه غير مراقب ، يتساءل فهد مرتاباً : وش فيك طارق ؟
تحتد السيوف في داخله ، صراع دار بين صداقته لفهد ، و بين ما أمره به المحقق .. تنحنح فهد و كرر سؤاله : طارِق ؟ وش صاير ؟؟
بسرعة لفظ جملته : فهد ، الأمن الجنائي كلفوني بمهمة ..
صمت لدقيقة ، ثم تكتف و تساءل : مهمّة شنو ؟
انخفضت عيناه ، قال فهد بحدة : طارِق ! مهمة شنو ؟؟
رفع طارق نظراته الخجولة ، و قال بصوت أقرب للهمس : أتجسس عليك .. شاكّين إنك متورط في شي .. و كانوا بيعرفوه عن طريقي ..

في الجهة الأخرى ، رمى عَزيز السماعات عن أذنيه ، صرخ بغضب : حيــواااان ..
اقترب يحيى و قد عرف أن الأمر يخص طارِق ، تساءل : ايش صار ؟
عَزيز بنفس النبرة الغاضبة : هذا الحيوان طارق قال لفهد إننا كلفناه يتجسس عليه ..
رفع يحيى حاجباً ، تنفّس بعمق محاولاً أن يضبط أعصابه ، تناول السمّاعة و قال لعزيز : أعطيني مكانك ..

عنده ، ابتسامة جانبية ذات مغزى ظهرت على محيّاه ، مرر لسانه على شفتيه ، وقال بعد صمت : طيب ؟ و إنت وافقت ؟
طارِق بخجل : أجبروني أوافِق ، و جابولي تكليف رسمي من مدير الأمن .. و حتى أبوي أجبرني أوافق ..
فهد مستغرباً : أبوك ؟؟
هزّ رأسه بتوتر ، ضحِك فهد بسخرية : هههههههه ، طيب و الحين ليش تبلغني ؟ ليه ما كمّلت مهمتك ؟
طارِق : ما بي أأذيك ..
هز فهد كتفيه ، و قال بلا مبالاة : ليش تأذيني ؟ أنا ماني مسوي شي عشان تتجسس عليه أصلاً ،، لتكون بعد إنت مقتنع إني " متورّط " ؟
طارِق : لا ، بس حسّيت إني لازم أقول لك ...
تنهّد فهد ، وقف و قال : طيّب ، قوم الحين بوصلك بيتكم ، عندي مشوار مهم ..
نهض طارق : تضايقت ؟
ابتسم : لا ، يلا مشينا ..

أزال يحيى السمّاعة عن أذنيه ، يهزّ قدمه بتوتر و يشبك أصابعه أمام لوحة المفاتيح ، بهدوء نادى : عزيز ..
تقدّم منه ، أردف يحيى و هو يشير بسبابته : حضّرلي دوريّة ، بروح أجيب " تعالت نبرته غضباً " : هالكَـلب من شعـره ..
،,


في مكان آخر ، و لهموم من نوع آخر ، وضعت الأطباق على الطّاولة ، تنظر إلى حماتِها التي تغيّرت كثيراً عليها ، بارتباك جلست على كرسيها ، قالت آمنة : عِصـام لسا ما وصل ؟
بصوت خافت مرتبك : لا ، قال بيتأخر شوي ..
أخذت صحن حماتها ، و بدأت تسكب لها السلطة ، متجاهلة نظراتها التي بدت كأنها تستنطقها ، و تعرف أنها دوماً ما تنتصر في حرب النظرات ، وضعت الصحن أمامها : بالعافية ..
آمنة : مـريم .. أنا ملاحظة من فترة إنك مو طبيعية .. إيش اللي صاير ؟
ابتلعت اللقمة ، بارتباك ابتسمت : أنا ؟ لا ما في شي عمتي .. كل شي بخير ..
آمنة بلهجة الشّك : هالكلام مو علي يا مريم ، إنتِ و عِصـام من فترة متغيرين ، وش صاير بينكم ؟ في مشاكل ؟
مَريم : أبداً ، من وين المشاكل ؟ فديت قلبه عِصـام ما يزعلني ..
هزّت آمنة رأسها ، يبدو على ملامحها عدم تصديق ما قالته ، وضعت لقمة من الطعام في فمها ، أطالت مضغها و هي تراقب مريم بنظراتها ، تعرف مريم أنها تراقبها ، بدأت تمضغ لقمتها بشكل سريع كأنها تركض هرباً من استجوابات حماتها ، ثم : آآه ..
انتفضت آمنة : بسم الله عليكِ وش فيكِ ؟
وضعت يدها على طرف شفتها العليا ، قالت بألم : الظاهر عضيت شفتي ..
اقتربت آمنة ، مدت يدها لترفع شفّتها ، تجعد جبينها و هي ترى الدم يقطر من شفتها : الله يهداكِ يا مريم ليش مستعجلة و إنتِ تاكلي .. راح أجيب مطهّر و أنظفلك الجرح ..
أدارت ظهرها و خرجت ، أخذت مريم منديلاً ضغطت به على شفتها ليتحول لونه إلى الأحمر ، دون أدنى ألم تشعر به ، تشوشها نظرات آمنة المدركة تماماً لإخفائهما شيئاً ما ، إنه قلب الأم ، شعور الأم الذي لا يمكن أن يخدع أو يكذِب .. لم تعتد أن تكذِب يوماً ، و الآن تضطر لتحافظ على زواجها و بيتها ، مجرّد نظراتها جعلتني أشعر أنني متعرية تماماً أمامها ، أنني أكذب و هي متيقنة من أنني أكذب ، فماذا لو سألتني ؟ من أين سآتي بالقوة لألفظ من لساني كلمات كاذبة ؟ و كيف سأجرؤ لأخبرها الحقيقة التي لن تصبِر عليها أبداً ؟ فثلاث سنوات كافية بالنسبة لأي أم في العالم لتجبر ابنها على الزواج بأخرى .. خياران أحلاهما مر ، و لست أمتلك القوة لأتخذ أي منهما ، لست قادِرة على الكذب دون أن تتضح تِلك الكذبة في عيني ، و لا أنا قادرة على المصارحة و البوح .. تائهة ، دلّني يا الله ..


،,

يُـتـبـَع ...

طِيفْ 08-11-19 12:48 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

" أنا مو مـلاك "
ذلك كان الجواب الذي يتردد على لسانه ، لكل سؤال تسأله ، كانت تعرف أنه ليس جاهِلاً ليحاسبها على خطأ أخيها ، لكنه في المقابل لن يكون قادراً على تجاهل وَجـَع أخته .. قرأ الخيبة في ملامح وجهها ، تنهّد و قال : المفروض تكوني توقعتي هالجواب لأسئلتك .. ماله داعي تزعلي مني ..
عَروب : بس أنا مـالي ذنـب يا سليمـان ،
سُليمـان : عارف ، و أنا ما قلت شي ، بس أنا بعد مو مـلاك ، ما أقدر أتجاهل إنّك أخت اللي جرح أختي و قهـرها ..
عَروب تشبك أصابع يديها فوق ركبتها و تقول بتوتر : جرحها بشنـو ؟ ما في واحـد منا يعرف سبب التأجيل ، أخوي قال ظروف .. ممكن ظروف بشغله ..
سُليمـان : و هذي الظروف ما قدرت تيجي إلا قبل العرس بيومين ؟ صحيح جيهان ما قالت وش الخِلاف اللي بينهم ، بس أنا ماني مغفّل أصدّق إنه مو مزعّـلها .. و جيهـان إذا كتمت ، كتمت عشان علاقتنا ما تتأثر ..
عَروب ابتسمت ساخِرة : و يا ليت كِتمانها جاب نتيجة ، لو تكلّمت أحسن .. عالأقل أقدر ألوم أخوي .. هالحين وش بقول له ؟ زوجي قرر يأجل العرس لأنك قررت تأجل ؟
صَمت و لم يجِد جواباً لسؤالها ، أردفت : بكرا لو تزوجنا ، و جيهان تزوجت إبراهيم ، و اختلفوا .. راح تفتعل معي نفس الخِلاف ؟
سُليمـان : أكيد لا .. هذا موضوع ثـانـي ..
نهضت عَروب : خسارة يا سليمان ، و أنا اللي كِنت أقـول إن سليمان مستحيل يخلي شي يأثّر على علاقتنا ..
وصلت إلى باب المجلس ، صوته يقول بحدّة : قلت لك إني مو ملااك ، و اللي عندي قلته ..
فتحت الباب و خرجت حاملةً انكسارها و خيبتها ، و كان حِملاً ثقيلاً جداً هذه المرة .. تناول سُليمـان مفاتيح سيّارته و جواله ، و خرج دون أن يلتفت ..

،,

التاسِعة مساءًا ،
جَلست شهد ، و عبير و والدتهما في الساحة الخارجية للمنزل ، تدرس عبير موادّها ، و شهد تتابع معها بعض المسائل التي لم تفهمها ، بتعب تُمسِك أم طارِق مسبحتها و تسبّح باسم الله العليّ العظيم .. نَغَمات الغضب تقرع الباب ، بصوتٍ مُفزِع ، جعلت أنظارهن جميعها تتجه صَوب الباب بتعجب ، قالت عَبير : مين هذا اللي يدق عالباب كِذا ؟
الطرق على الباب يزداد غضباً و اضطراباً ، أم طارِق : قوموا شوفوا راح يكسّروا الباب !
نظرت إليهما شهد التي اعتادت دوماً أن تكون الدّفاع الخاص بوالدتِها و أختها الصغيرة في حال عدم تواجِد رجل في المنزل ، بأعصاب هادئة : خليكم ، لا تقوموا أنا بشوف مين ..
وَصلت إلى الباب ، تناولت حجابها المعلّق و لفّته على رأسِها بإحكام ، قالت و هي تُمسِك قبضة الباب : مـين ؟
صوت حانِق من الخارج : الأمـن ..
تنهّدت بملل ، فتحت الباب و اختبأت خلفه و هي ترى أهل الحارة متجمّعين ينظرون صوب بيتهم ، مدّت رأسها و قالت بلهجة باردة : أمـر ؟
يَحيى رَفَع حاجباً : إنتِ هِنا بس اللي تفتحي الباب ؟ ما في رجال يفتح ؟
بغضب ، و بحدّة أجابت : والله مالَك علاقة ، إنتَ تارِك شغلك عشان تشوف في رجّال في بيتنا أو لا ؟ يا ليت تقول ليش جاي ، و باختصار ، و خليك محترم نفسَك لا أعلّمك الاحترام ..
نَظر عزيز إلي يَحيى ، و لوهلة شعر أنه سيُطلِق النّار عليها لما قامت به من إهانةٍ تجاهه ، عضّ يَحيى شفّته السفلية كأنه يُخفي انفعاله ، بهدوء لا يعكِس ما بداخله ، جعلها تبتسم في داخلها على جرأتها ، قال : طارِق وينه ؟
شهد : مادري ..
أخرَج سيجارة ، وضعها في فمه : شوفيلي في أي داهية خليه يجي فوراً ..
شهد : اسمع يا حضرة الضابط ، أنا مو شغلتي أنفّذ أوامرك ، دام إنّك محقق و فهيم ، استخدم قوّتك علشـان تجيبه ، مو تيجي على بيوت الناس بأنصاف الليالي تدقدق على الحريم !
صَرخ صرخة جعلتها تنتفض في مكانها : بــــــنـــت !! احترمي نفسِك أنا ساكِت لأنّك بنت !
أوقَفهم صوت طارِق من الخلف : خير يا سيد يحيى ، وش تبي ؟؟
انسحبت شهد ، أغلقت الباب و دخلت متأففة و هي تنزع الحجاب عن رأسها ، التفت يحيى إلى طارِق ، و قد فهم من نظراته أنه قد علِم بما أخبر فهد ، سأله بهدوء و هو يسحق سيجارته بمقدّمة حذائه : وين كِنت يا طارِق ؟
أخذ نفساً عميقاً ، أجاب و هو يعرف أنه لا جدوى من الكذب الآن : مع فهـد ..
ابتسم يحيى ابتسامة لا تُنبئ بالخير أبداً ، اقترب منه ، قال و هو يفتح ثلاث أصابع للحلفان ، و بلهجة تهديدية : والله ، بعلّمك شلون تلعب على يحيى الغانِم ، والله لأخفيك عن وجه الأرض ..
صَرخ بحدّة : عزيـز ..
عزيز : آمر طال عمرك ،،
أشار إلى طارِق بسبابته : خذوه ..
ابتعد عنهم ليدخل في سيّارته ، كبّل عزيز يدي طارق ، الذي كانت تدور في رأسه علامة استفهام واحدة : كيف عرفوا بهذه السرعة ؟


،,

في الجهة الأخرى ، لم يكن يبدو عليه التوتّر مما قاله فهد قبل ساعات ، يجلِس خلف مكتبه براحة ، يضرب بقلمه فوق الطاولة ، يكمل حديثه : هذولا الشّركة داخلين مناقصة مع شركة عمّـك عـمـر ، و المَطلوب إن عمر يكسَب المناقصة ..
فهد : آهـا ، و أنا شـلون بخليه يكسبها ؟
تنحنح سُلطان ، خرج من خلف مكتبه و وقف أمامه : الشركة هذي ، مديرها يكون صديقي ، و في بيننا صلة قرابة بعيدة .. و أنا رح أكلّمه كـواسطة عشان يوظفك عنده ..
صَمت فهد ، منتظراً سُلطان ليُكمل كلامه : طبعاً سَبق و قلتلك إن ما في أحد يدرى بعلاقتي بعُمر .. و هذا أهم شي أبيك تكون منتبه له ..
هزّ رأسه بالموافقة دون كلام ، أردف سُلطان : راح تتوظّف في قِسم المحاسبة و الماليّة ، و بالتالي رح تحضر كل اجتماعاتهم ، و من ضمنها الاجتماعات اللي تخص المناقصَة .. و المطلوب منّك ، تبلّغنا بالرقم ، اللي رصدته الشركة لهذي المناقصة ..
أخذ نفساً عميقاً ، تساءل بعدها : طيب ، و فرضاً ما قبلوا يوظفوني ، وش بيصير ؟
ابتسم بدهاء : راح يقبَلوا ، أولاً إنت شهادتك الجامعية ، محاسبة .. ثانياً الواسطة ممكن تسوّي أمور عقلك ما يتخيّلها .. و ثالثاً ، في موظّف بيستقيل خلال يومين .. و راح يكون بحاجة موظف يأخذ مكانه ..
رفع حاجبيه و هو ينظر إليه باستفهام : و شلون متأكّد إن هالموظّف بيستقيل ؟
جَلس مقابله : الدّراهِم مراهِم يا وِلدي .. و اللي بيستقيل أنـا راح أكـون ورا استقالته .. بس بدون ما أحـد يدرى ..
فهـد : يعني دفعتوا كل هالمبالغ عشان تاخذوا المناقصة ؟ وش تستفيدوا ؟
سُلطان : افـا ، دارس محاسبة و ما تدري ليش الشركات تبذل كل مجهودها لربح المناقصات ؟
صَمت بجهل ، أردف سُلطان : ما عليك ، المهمّة هذي أتوقّع إنها أسهل من الأولى ، و نَصيبك منها محفوظ .. و بعد ما نخلص من موضوع المناقصة ، راح تداوم بالشركة مثل أي موظف ..
فهد : ممكن يعرفوا إني أنا الجاسوس ،
سُلطان : ما راح يعرفوا ، إنت مو قاعِد تشتغل مع أغبياء !
نهض من مكانه ، أدار ظهره : المقابلة انتهت ..
ظل فهد جالساً في مكانه ، لم يسمع سُلطان أي حركة في الخلف تدل على رحيله ، التفت : قلت لك المقابلة انتهت ، وش تبي ؟
ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه : ولو ؟ دفعـة عالحساب ..
رفَع سُلطان حاجبه و قال بغيظ : والله ؟
فهد : أنا بدون دراهــم ، ما أشتـغـل ، و بدون دفعة سَلَف ، ما راح أشتغل ..
سُلطان : مو ملاحظ إنّك قاعِد تتجاوز حدودك ؟ و يلا تفضّل من هنا لا تصير طمّاع ، لا أنجزت المهمة بعطيك كامل حقّك ..
نهض من مكانه ، و بنبرة جادّة : شوف يا سُلطان ، تقدر تقول إن اللي واقِف قدّامك الحين ما هو فهد ، اللي شفته أول مرة ، ضعيف و مكسور ، و قليل حيلة .. هذا فهـد ثـاني ، لا تتحداني ، هذي نصيحة ..
وَصل إلى الباب ، قال بتحذير : فكّـر ، على أقل من مهلك ، و شاوِر معلّمك عُمر ، لا وافقتوا .. رقمي تعرفوه .. و غير هالكلام ما راح أقول ..
كان ليخرج لولا صوت سُلطان : فهـد ..
التفت ينظر إليه باستفهام ، أردف سلطان متسائلاً : من وين عرفت إن ولدي ضابط ؟ في مليون واحد من بيت الغانِم ، شلون عرفت إنه يحيى يكون ولدي ؟
ابتسم : كان مجرّد تخمين ، و صَاب ، و إنت أكّدت لي الحين صحّة توقعي ..
برزت عينا سُلطان الممتعض من قدرة ذلك الرجل على كَشف سرّه بحيلة صغيرة ، أكمل فهد مبتسماً : أتوقّع هالمرة ، فادني ذكـائي .. سَلام ..
خرج و أطبق الباب خلفه بقوّة ، سُلطان يحدّث نفسه بغيظ : صاير تتمرّد يا فهـد ، بسيطة .. دواك عندي ..



،,

الثانية عشر و النصف ، بعد منتصف الليل ..

تجلِس الأم بقلقها ، و الهواجِس لا تتركها ، إلا أنه المرض اللعين يفتك بها ، يمنعها حتى عن مزاولة خوفها ، جسدها يرتعش جزعاً ، تِلك الليلة الأولى التي يقضيها وَلدي الوحيد خارج المنزل ، وَلدي الوحيد ، الذي لم يكن يوماً مدللاً .. حتى اضطرابها كان هادئاً ، يتلخص في مسبحة تتنقل حباتها الصغيرة بين أصابعها المرتجفة ، يجلِس زوجها الذي لم تعهده بتلك القسوة من قبل ، مسنداً كوعيه إلى الطاولة ، يشبك أصابعه بتوتر ، و أمامهم شهد التي مشَّطت الساحة ذهاباً و إياباً عشرات المرات ، كل يعبر عن قلقه بطريقته ، أو بما أتاحت له قدراته ، عَبير التي تقرأ في كتابها بتمعن ، تزوغ نظراتها لضعف الضوء الوحيد الذي ينير المكان .. تنهّدت شهد ، اقتربت منها و هي تعرف تماماً أنها لا تدرس إنما تحاول الهرولة هرباً من خوفها : عَبير .. قومي نامي حبيبتي ..
عبير بعنادها المعتاد : ما فيني نوم ، اتركيني قاعدة معاكم ، بكرا الجمعة يعني إجازة ..
أغمضت شهد عينيها ببأس : اووف صحيح ، بكرا الجمعة و إجازة يعني أكيد ما راح يطلع بكرا !
أبو طارِق بصوت حاد : إنتِ ما فهمتِ ليش أخذوه ؟
هزّت رأسها بـ " لا " ، قالت بهمس خائف : يبه ، وش قالوا لك لما رحت المركز ؟
أبو طارِق بحيرة : ما لقيت إلا الضابط عزيز ، و ما رضي يقول لي وش مسوي طارق ..
شهد تمتمت : أكيد الموضوع يخص فهد ..
نظر إليها والدها : وش قلتي ؟
بارتباك : لا ما في شي ، بس ممكن الموضوع يخص فهـد ..
أبو طارِق : حسبي الله و نعم الوكيل ، هالفهد هذا بيجيب آخرتنا .. الله أعلم وش مسوي أخوكِ الثّور !!
شهد تفرك أصابعها بتوتر : يبه ، ماله لزوم كان إنك تضغط على طارِق عشان يسوي شي ما يبيه !
رمقها بنظرة : والله ؟ عاد مو ناقصني إلا حضرتِك تعلميني وش له لزوم و وش ماله لزوم !
شهد بخجل : لا يبه استغفر الله ماهو قصدي ،، بس أنا خايفة على أخوي !
أبو طارِق بقسوة : قومي خذي أمك و أختك فوتوا ناموا ، و هذا أخوكِ خليه يتربى في القِسم ماني سائل عنه ..

في الجهة الأخرى ، أنزل السماعات عن أذنيه و وضعهما جانباً ، تبدو الحيرة على وجهه في ظل هدوء المكان ، نظر إليه يحيى الذي يراقب تويتر فهد من حساب وهمي ، و قال : في شي ؟
تنهّد عزيز : الحقد اللي حاقده بـو طارِق على فهد غَريب .. يعني وش مبرره ؟
يحيى باهتمام : و أنا بعد حسّيت نفس الشي .. أنا حاسس إن فهـد ، و علاقته بحارته القديمة اهمة اللي بيوصلونا للقاتِل ..و هذا اللي مخليني ألاحِق فهد و تحرّكاته ..
عزيز : أتوقّع لازم نسأل ، ايش اللي مخلي بو طارق يحقد على فهد ، و بعد يحرّض ولده إنه يتجسس عليه !
يَحيى : أتوقع هالشي طبيعي ، أب لـ 3 أولاد ، و أمهم ، و المصاريف اللي ما ترحم ، و إنت شفت حالهم ، مبلغ ياخذه ولده طارق مقابل مجرّد تجسس على صديق عمره ، هو عبارة عن فَرج و نعمة بالنسبة لهم ، ولا تنسى إننا وعدنا طارق بوظيفة في جهاز الأمن .. بالنسبة لعاطِل عن العمل ، هذي فرصة ما أحد يفوّتها ..
عزيز بابتسامة : بس طارِق فوّت فرصة هالعمل ، و أبوه هو اللي كان مصر عليها !
يحيى : لأنه صديق حقيقي ، ما ينباع و ينشرى بفلوس ..
رفع عزيز حاجبه : أشوفك غيّرت نظرتك عنه .. من ساعتين خليتنا نحط الأغلال في ايديه ، و نزلناه للزنزانة ، و الحين تقول عنه صديق وفي ؟
نهض يحيى : صحيح ، و الصداقة المخلصة لها ثمن ، و اهو قاعِد يدفع ثمنها حالياً ..
عزيز يعارض كلامه : إنت قاعِد تدفعه ثمن الخصلة الكويسة اللي فيه ؟ إنه ما رضي يبيع صديقه ، قاعِد تعاقبه عليها ؟؟ لازم يكون خاين عشان ترتاح ؟
رمقه بنظرة حادة ، ارتدى جاكيته و قال : عَزيز ! إذا وفاءك لصديقك بيخليك تعرض أمن البلد للخطر ، ساعتها بيصير هالوفاء لعنة ، مو خصلة كويسة ..
عزيز بلهجة ساخِرة : أمـن البـلد ؟؟ مو ملاحظ إنّك مكبر الموضوع ؟ أنا ماني معاك أبداً ..
رفع يحيى حاجبه و بدت ملامح الغضب على وجهه : مو ملاحظ إنك ما تنعطى وجه ؟؟ " اقترب من مكتبه ، انحنى و هو يسند كفيه فوق الطاولة : " مو مطلوب منّك تكون معاي ، مطلوب تنفّذ أوامري ، و إذا كنت ديموقراطي معاك ، مو معناته إنّك تتجاوز حدودك ..
تجمّعت ملامح الامتعاض في وجه عزيز ، لم يترك له يحيى مجالاً للرد ، خرج و هو يقول ببرود : انتبهلي على ضيفنا ، الوفـي ..
عَزيز يتمتم لنفسه بعد خروج يحيى : صدقوا لما قالوا إنك مريض !


،,



رومـا ، المدينة الشّاهِدة على أوجاعِ الكثيرات .. تجلِس حسناء في الصالة رافعة قدميها فوق الأريكة ، تقلّب بالريموت كونترول في التلفاز ، و في الأريكة الخلفيّة تجلِس ريم ، و يبدو أنها في عالَم آخر ، التفتت لها حسناء التي سمِعت الكثير من التنهّدات في ذلك اليوم ، و كانت تعرف جيداً ما وراءها ، إلا أنها تجاهلت ذلك ، لأنها اعتادت أن لا تفضفض ، و أن لا تسمع فضفضة من أحد ، اعتادت أن تنسلِخ عن كونها أنثى تحكمها مشاعرها ، تساءلت : وش فيكِ ريم ؟
صمت ريم ، كان دليلاً على أنها بجسدها فقط تجلس في هذا المكان ، أما روحها .. فيبدو أنها في مكان بعيد .. كررت حسناء : هييه ريموه ، أكلّمك وش فيكِ ؟
انتفضت ريم و هي تعود لواقعها : هـا ؟ وش قلتِ ؟
عقدت حسناء حاجبيها : وين سارحة ؟؟
تحدثت و الهمّ يقطر من كلماتها : أبوكِ يا حسناء ، رافض الطفل اللي في بطني ..
أعادت حسناء توجيه نظراتها صوب شاشة التلفاز ، ببرود : و مستغربة ؟ لو كان يبي عيال ما كان أجبرك على حبوب منع الحمل ..
ريم : ماني مستغربة ، بس توقّعت إنه لما يسمع خبر الحمل يغيّر وجهة نظره ! تخيلي بيني أجهض الولد !
حسناء دون أن تلتفت : عـارفـة ..
رفعت ريم حاجبيها : عـارفـة ؟؟
حسناء : يعني شي متوقع ،، و بعدين إنتِ على طول كذا تعترضي على أوامر أبوي و في الآخر تنفذيها .. فنفذي ولا تعوري دماغي و دماغِك !
ريم بصوت خافت : مو لمّـا يكون الموضوع متعلّق بروح ، هذا ولدي .. بكرا لا تزوجتي و حملتي راح تعرفي وش معنى إنّك تجهضي ولدك اللي تنتظريه من سنين ..
ظهرت ابتسامة ساخرة على وجه حسناء ، تضحك على كلمة " تزوّجتِ ، و حملتِ " لا تظن نفسها يوماً ستكون امرأة ككل النّساء ، تكوّن أسرة و تصبح مسؤولة عن أطفال .. يبدو أن والدها قد أوكل لها مهمّة أخرى في تِلك الحياة .. رن جوال حسناء ، رفعته و نظرت باستغراب إلى الشاشة ، كان والدها المتصل ، التفتت إلى ريم : أبوي طـالع ؟
ريـم : لا ، في مكتبه ..
تمتمت حسناء : ليش قاعِد يدق علي ؟
فصلت المكالمة ، نهضت من مكانها و قالت : بقوم أشوفه ..
صعدت الدّرج حتى وصلت إلى باب مكتبه ، دخلت و كان يجلس خلف طاولته ، إنّها تعرف تماماً سبب استدعاءه لها الآن ، اقتربت : يبه .. دقيت علي ؟
رفع نظارته الطبية عن عينيه و قال : ايه يبه تعالي ..
جَلست أمامه ، قال : بكرا نازلة الجامعة ؟
هزّت رأسها بنـعم ، أردف عُمر : طيب ، بكرا لا تردي البيت قبل لا تشوفي جماعة كلية الرياضة ، خاصة اللي عندهم بطولات .. و قوليلهم عن المنشطات الجديدة اللي جبناها ..
أمالت رأسها : و تبي تعطيني عيّنة كالعادة ؟
عُمـر : أكـيد ، " أخرج كيساً صغيراً أسوداً من الدرج ، وضعه أمامها و قال بلهجة تحذير : " ما بي أوصّيكِ ، لا تتكلمي إلا مع اللي واثقة منهم .. مفهوم ؟
حسناء تحمل الكيس و تقف : مو أول مرة نشتغل .. أبغى بس أتخرج و أخلص من هالقرف اللي دخلتني فيه ..
عمر بحدّة : القرف هذا اهوة اللي خلّاكِ تدرسي جامعة ، نسيتي ؟
التفتت إليه ، ألقت الكيس أمامه بغضب : أنا بس أبـفهم ، قاعِد تشغلني بهالشغل الوصخ عشان تخليني أكمل دراستي ؟ ليش ؟ أنا مو بنتك ؟ مو مجبور فيني و بتعليمي و بمصروفي ؟؟ ليش لازم تلوثني ؟
عمر بقسـوة : لو كانت أمّك ، واحدة ثانية غير روزموند ، لو أمّـك ما سـوّت اللي سوّته يمكن كان اختلف الوضع ..
تجمّعت الدموع في عينيها : أنا وش ذنبي بغلطها ؟ ليش تحاسبني عليه ؟
نهض من مكانه : ذنبك إنك بنتها ، عيونِك مثل عيونها ، نفس اللون و نفس الرسمة ، كل ما أطالع فيهم أتذكرها و أتذكر خيانتها ..
حملت الكيس بخيبة ، بنبرة هادئة تخفي فيها ارتجاف أحبالها الصوتية المهتزّة من فيض بكاء أخفته طويلاً : مشكلتك إنك أبوي ، ماني قادرة أكرهك رغـم كل شي سويته فيني .. لأن مالي غيرك ، ماني قادرة أكرهك ، ولا أتخلى عنك ..
تركته و خرجت ، جَلس على كرسيه بتعب و طيف زوجته الأولى و عشقه الأول يمر أمامه ، إلا أنه لم يكن طيفاً ملوّناً ، بل كان طيفاً حالك السواد .. تركت خلفها قلبين جريحين ، لم يتعافى أي منهما حتى الآن ، يلعن نفسه في كل مرة يقسو فيها على ابنته بسببها ، إلا أن عينا حسناء ذات اللون الأخضر الداكن ، تذكرانه دوماً بـ "روزمـونـد " ، المرأة الوحيدة التي كَسرت جبروته ، و أطغت قلبه ، المرأة الوحيدة التي اختلست الدمع من عينيه حين تركته و رحلت لآخر .. و لم يجد سبيلاً للانتقام إلا في عينيها ، عينيكِ أنتِ يا حَـسنـاء ..


،,
الجُمعة ، ظهرًا .. مآذِن الجوامِع تصدَح بأصوات الأئمّة و الشوّارع هادئة في سكينة ، يستمع الجميع إلى خطبة الجمعة .. وَصلت إلى البيت ، نظرت حولها إلى الشّوارِع الخالية ، وصلت إلى باب المنزل ، تحدّث نفسها : أكيد الحين بيكون في الجامِع .. يا ليتني أخرت جيتي شوي !
رن جوّالها ، ذات الموديل القديم ، ارتجفت و هي ترى اسم جارتهم هُدى ، عرفت أن عبير من يتصل من جوال جارتهم ، ردّت بخوف : آلـو ..
عَبير بهمس : شهد ، وين رحتِ ؟؟
شهد : مشوار ، لا جيت أقول لك ، أبوي رجع من الجامع ؟
عَبير : لا بس ما راح يطوّل ! وش بقول له إذا سألني عنّك ؟
شهد تفكّر ، بعد ثانية : قولي إني رحت أعطي واحدة من البنات درس خاص ..
عَبير بلهجة استنكارية : والله ؟ تبيني أكذِب على أبوي عشان يكوفنني ! و بعدين أبوي عارف إن البنات ياخذون دروس في بيتنا مو إنتِ تروحيلهم !
شهد بتعجل : طيب خلاص قفلي الحين لا تأخريني ! دبري أي شي و أنا لا رديت البيت بتصرف .. يلا سلام ..
أغلقت الخط ، وضعت الهاتف في حقيبتها الصغيرة ، فركت يديها بتوتر ، بعد دقيقة قرعت الجرس بسبابتها المرتجفة ، لم تتوقّع أن يفتح هو الباب ، نظر إليها بعينين متسعتين ، و بصدمة قال : شهـد ؟؟
انخفضت نظراتها في الأرض خجلاً ، يعهدها منذ زمن غير قادرة على النظر في عينيه ، أمال رأسه و هو يحدّق بها : تفضّلي ..

صوت خجول خرج من حنجرتها بالكاد يُسمع : خالتي جواهر موجودة ؟
ابتسم : ايه موجودة تفضلي ..
دخلت بخطوات مرتجفة ، وقفت في المدخل و هي تفرك يديها بتوتر واضح ، تساءل : صاير معاكم شي ؟
رفعت نظرها إليه ، لوهلة شرد ذهنها و هي تتأمل ملامحه التي تغيرت كثيراً ، إنك تصبح أجمل ، لكنّك مختلف .. كأني أقابلك للتو ، أرى وجهك الأسمر للمرة الأولى ، و ذقنك المرسومة ، نصف الغمازة في خدّك الأيسر التي بالكاد تظهر حين تبتسم ، أفاقت بسرعة من شرودها و قالت : بصراحة أنا ،، مابي أشغلكم معانا ، توقعت تكون في الجامِع بس ..
فهد بخجل : ما لحقت الصلاة ، تأخرت في النوم ..
أرسلت نظرة خاطفة معاتبة له ، تغيّرت كثيراً يا فهد ، لم تفوّت يوماً فرضاً ، كنت ترافق طارق إلى المسجد دائماً ، فما الذي تغير الآن ؟
تنهّد فهد : قولي يا شهد وش صاير ؟
شهـد : الأمن أمس ، أخذوا أخوي طارق و للحين ما رجعوه ..
تكتّف عاقداً حاجبيه : عَـشاني ؟
شهـد : مادري ..
مشت بسرعة نحو الباب و هي تقول : ما أقدر أتأخر أكثر ، قلت يمكن تقدر تساعده ، أبوي ماهو سائل و أنا خايفة عليه ، عن إذنك ..
فتحت الباب و همّت بالخروج ، قال فهد : شـهد ..
التفتت إليه ، أردف : أعطيني رقمك ، بدق عليكِ لا صار شي مهم ..
شهـد بتردد : بـس ..
فهـد : لا تخافي ، مستحيل أزعجِك ، ما بدق إلا لا صار شي مهم ..


،,

خَرج من الجامِع متجهاً إلى المركز ، وصل و دخل مسرعاً إلى مكتبه .. كانت الغرفة خالية إلا من عزيز الجالِس خلف مكتبه و يقوم بطباعة أوراق أمامه على الكمبيوتر ، خَلع جاكيته و هو يوجّه كلامه لعزيز : أشوفَك مداوم اليوم ؟
تجاهل عزيز كلامه و لا زال حاملاً في داخله على كلام يحيى في الأمس ، أما يحيى فقد نسي تماماً حالة الفصام التي أصابته .. استمر بالطباعة ، وضع يحيى مسدّسه فوق الطاولة ، اقترب و هو يعقد حاجبيه و يرسم ابتسامة على وجهه : عزوز ، وش فيك ما ترد ؟ أقول ليش مداوم ؟
عزيز ببرود و دون أن ينظر إليه : عندي شغل ..
يَحيى : كلّمت طارِق ؟
بنفس البرود : لا ..
ارتفعت نبرة صوته ، و قال بملل : عزووز و صمخ ! وش فيك تتكلم كذا ؟
التفت إليه و هو يرفع حاجباً : والله ؟ ناسي كلامك أمس ؟
شرد دقيقة و هو يتذكر ما حصل في الأمس ، تذكر كلامه ، ثم ضحِك : هههههههههههه لا تكون زعلان مثلاً ؟
عَزيز : ماني تافه علشان أزعل ، بس مو غلط يكون في بيننا احترام !
يَحيى مازحاً : والله أنا مو محترم تحمّلني..
اكتفى عزيز بالسكوت ، أعاد نظراته لشاشة الحاسوب ، وقف يحيى : يلا قوم بلا ولدنة خذ طارِق لغرفتي اللي أحبهاا،،،

دقائق ، كان طارِق الواضِح على عينيه أنه لم ينَـم طوال الليل يجلس في الغرفة الخاوية إلا من طاولة صغيرة و كرسيان ، دخـل يحيى إلى الغرفة ، بدأ يطقطق أصابعه كَمـن يستعِدّ لأمر ما ، جَلس على الكرسي و قال بهدوء : شلونَك يا طارِق ؟
كانت نظرات طارِق هي الرد ، إنما اكتفى هو بالصمت دون إجابة ، قال و هو يحكّ ذقنه بسخرية : إن شاء الله تكون ارتحت في النومة ؟
استمر في صمته المستفزّ ليحيى ، مسح فمه بيديه و استقرت كفه على رقبته ، ثم قال : ما راح ترد ؟ عيب ، تارِك إجازتي و جاي عشـانَك ..
طارِق بصوت مبحوح : شتـبـي ؟
أمال رأسه و هو يرفع حاجبيه قال بحدّة : تكلّم باحترام ..
طارِق يتأفف : واضِح إنك قاعِد تدوّر مشكلة !
اعتدل رأسه و قال بغضب : طـارِق !! مفكر نفسك مع خويك ؟؟ تكلّم بأدب !
ابتسم طارِق و زاد في استفزازه ليحيى ، بدأ الغضب يشع من عينيه ، رغم أنه كان متوقعاً لما سيحدث ، إلا أنه لم يكن يتوقع أن يغضب إلى تِلك الدرجة ، كوّر قبضة يده و لكمه على أنفه ، أسقطه عن الكرسي و أسال منه الدم ، نهض طارِق و هو يمسح دمه بكم قميصه ، ينظر إليه بنظرات حاقدة ، اقترب يحيى و شدّه من قميصه ، و قال بصراخ : قاعــد تلــعب معــاي ؟؟ منــت عــارف وش ثـمـن اللعـب معــاي ؟؟
طارِق بلهجة تحدي : قلتلك مابي أشتغل معاك و إنت أجبرتني ، مستحيل أخون صديقي ..
تركه و ألقاه على الكرسي بقوة و قال بغضب : صديقــك ؟؟ صديقك اللي ما سأل فيك من أمس ؟؟ وينه صديقك ؟؟
طارِق : مالك علاقة ..
لكمه مجدداً على فمه ، لكمة أقوى جعلته يبصق الدم ، أخذ يسعل بقوة ، دخل عزيز على صوت الصراخ ، انصدم من الدم الذي يسيل من وجه طارِق و قال : يحيى وش تسوّي !!!
كاد أن يقترب من طارِق مجدداً ، وقف عزيز في وجهه ليمنعه من الاقتراب ، أشار يحيى بسبابته : والله ثم والله يا طارِق إني بعلمك شلون تلعب مع يحيى الغـانِم ، والله بندّمك عاليوم اللي جيت فيه !
عزيز يصوت منخفض : يحيى إنت وين عقلك معقول اللي مسويه بالرجال ؟؟
طارِق : إنتوا كنتوا سامعين كل شي ، و سمعتوا وش قال فهد ، لو كان مسوي شي كان قال و كنتوا سمعتوا .. روحوا جيبوا اللي قتل العم مشعل و حاسبوه ، مو قاعدين تتبلوا ع ناس مالها علاقة ، و تحققوا مع وِلد الضحية بدال ما تشتغلوا عشانه !
ابتسم يحيى بغيظ : ممتــااز والله ، حضرتك بتعلّمنا شغلنا !!
أحكم عزيز قبضته على ذراع يحيى ، جرّه خارجاً : خلااص ، هدي أعصاببك ! ما يصير كذا وش مسوي الرجال عشان تضربه و تهينه ؟؟
يحيى بتوتر : والله بربيه ، والله بربييه !!


،,

ظهيرة روما الملطّخة بالدماء ، خرجت من الحمّـام مرتدية روب نومها الحريري الأبيض ، تضع يدها على بطنها الذي يعتصر ألماً ، تذكّرت كأس العصير الذي قدّمه لها عُمـر صباحاً ، نَزلت على الدرج بحركات بطيئة و هي تضغط بكفيها على بطنها ، وصلت إلى نهاية الدرج و لم تقاوم الوقوف أكثر ، جَلست بتعب و العرق يتصبب من جبينها ، شعرت برطوبة روبها تحتها ، مدّت يدها المرتجفة ، تحسست روبها ، رفعت يدها لتراها .. شحب وجهها و اصفرّ لونها و هي ترى دماً مائل لونه إلى السواد يغطيها ،ارتجف فكّها ، بدأت تبكي و تعتصر ألمـاً بصوت غير مسموع ، بحروف متقطعة تحاول أن تنادي الخادمة لكن صوتها بالكاد يخرج من حنجرتها ، تصبب العرق من جبينها أكثر ، ثم سقطت مغمى عليها ..
خلال دقائق دخلت حسناء العائدة من جامعتها ، سقطت حقيبتها أرضاً و راحت تركض إلى ريم الملقاة إلى جانب الدرج ، جلست على ركبتيها : ريــم ! ريــم سـامعتني ؟
بدأت تضربها كفوفاً خفيفة على خدّها ، فتحت عينيها ببطء ، نطقت بصعوبة : أ أبـ ـوكِ !
انتفضت بخوف و هي ترى الدم يلوّن الأرض تحتها ، رفعت جوالها بيد مرتجفة ، و اتصلت بالحارس " عَـابِد " ..

،,



ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاد صبر : إنتِ قاعدة تبالغي و هالشي ما ينحمل !

،,


وَقف أمامه بنظرات خجولة ، رأسه في الأرض ، رفع يده و صفعه على وجهه : طول عمرك فاشِل ، و ما تعرف مصلحتك .. الشرهة علي اعتمدت عليك و اعتبرتك رجال !

،,


انتهى ()

أتمنى أن يَنال البارت إعجابكم ، لا تنسوني من آراءكم ، تعليقاتكم الجميلة ، و صالِح دعائكم ..
نلتقي الجمعة القادمة بإذن الله .. في حفظ الرحمن ()

طِيفْ!

شبيهة القمر 12-11-19 11:31 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
ياعمري عمرك ياطارق مااحد كلها غيرك..واكيد من تطلع بيستلمك ابوك...
فهد .. انا مثل يحيى مستغربه كره ابو طارق لفهد .. معقوله كان ابوه معروف انه يتاجر بالممنوعات علشان كذا مايبي هالعائلة !!!
حسناء ..الله يكون بعونك كان هذا ابوك ..

طيف ..تسلم يمينك ..بانتظارك بكل شوق

طِيفْ 16-11-19 08:43 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شبيهة القمر (المشاركة 3722635)
السلام عليكم
ياعمري عمرك ياطارق مااحد كلها غيرك..واكيد من تطلع بيستلمك ابوك...
فهد .. انا مثل يحيى مستغربه كره ابو طارق لفهد .. معقوله كان ابوه معروف انه يتاجر بالممنوعات علشان كذا مايبي هالعائلة !!!
حسناء ..الله يكون بعونك كان هذا ابوك ..

طيف ..تسلم يمينك ..بانتظارك بكل شوق

أهلاً و سهلاً بشبيهة القمر الجميلة ،،
ربي يسعدِك على تواجدك اللطيف و تعليقك الجميل ،

أنرتِ غلاتي

طِيفْ 16-11-19 08:47 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم أدخلني مدخل صِدقٍ ، و أخرجني مخرج صِدقٍ ، و اجعل لي من لدنك سُلطانا .

أصدقاء الرواية ، أتمنى أن لا تلهيكم الرواية عن واجباتكم الدينية و الدنيوية .

في البداية أعتذر على التأخير المفروض البارت ينزل أمس لكن كنت تعبانة والله مع إن البارت جاهز ، نزلته في المنتدى الثاني و نمت من غير لا أحس على نفسي ..

و كمان بقول شي ، مممم التفاعل في هذا المنتدى جداً بطيء ،، أول شي أوجّه شكر لشبيهة القمر المستمرة معي منذ البداية ،، لكن معقول هالقراءات كلها و المشاهدات ما أحد يعلّق ؟
أحب لو أرى نتيجة لتعبي و تسعدني تعليقاتكم حتى لو كانت ناقدة فأنا بحاجة للنقد حتى أطور من أسلوبي ،، أترككم الآن مع روايتنا .. قراءة ممتعة


و في نَشوة العِشق صرنا رمادا ، بِقلم : طِيفْ!

" لـقد كَتمت الهوى حتى تهيمني ،
لا أستطيع لهذا الحبّ كِتمانا . "

*جـَريـرْ

الجزء 7


المُستشفى ، يقِف عابِد بعيداً ، ريـم في الغرفة تشعر بإعياء و تعب ، و القلق يقتلها .. في الخارج ، تحدّث حسناء الطبيب باللغة الإيطالية .. يقول : الوَقت هو أكثر ما ساعَدنا ، لو تأخرتم في المجيء لكنّـا خسرنا الطّفل . لكن هل تعمّدت المريضة إجهاضه ؟
هزّت حسناء رأسها بالنفي : لا ، كانت سعيدة جداً بالحمل ..
الطبيب : لقد أخذنا عيّنة من الدم للتحليل لنرى سبب حدوث النزيف ، هي الآن بخير .. يمكنكِ أن تطمئني ..
ابتسمت حسناء بقلق : شكراً دكتور ..
تركَها و رحل ، تقدّمت حسناء من عابِد و قالت بحدّة : تقدر تروح ، اتركلي السيّارة ، و بلـّغ معلمك إن خطّته فشلت ..
التفتت و تركته خلفها ، تقدّمت و هي تعدّل السكارف على رقبتها ، فتحت الباب و دخلت بهدوء مبتسمة ، رفَعت ريم رأسها بتعب ، قالت بصوت مبحوح : حسناء ، طمنيني !
اقتربت منها ، جلست على الكرسي المقابل للسرير : لا تخافي ، قدرنا ننقذ الجنين ..
ارتخى رأسها على الوسادة براحة ، ابتسامة صغيرة ظهرت و هي تتنفس : الحمدلله ، الحمدلله ! " نظرت إليها بعين دامعة " : ماني عارفة شلون أشكرك لو ما جيتِ في الوقت المناسب مادري وش كان بيصير !
عَبس وجهها و هي تفكّر في أمر ما : أنا سوّيت اللي لازم أسويه ، بس أنا مو فاهمة شلون صار معاكِ كذا ؟
ريم : أنا متأكدة عمر السبب ، الصبح جاء للغرفة و معاه عصير برتقال ، أنا استغربت تغيّره و قلت يمكن ربنا هداه ، و غيّر رأيه .. شربت العصير ، و بعدها شفتي وش صار معاي ..
حَسناء و هي متأكدة تماماً أن والدها وراء الموضوع لكنها لا يمكن إلا أن تدافع عنه : لا تحكمي عليه بهالسرعة ، ممكن شي ثاني سبب النزيف .. على كل حال الدكتور قال لا وصلت النتيجة من المختبر بيعرفوا وش سبب النزيف ..
ريم بحقد : أنا متأكدة من كلامي ، و إذا نتيجة التحليل أكّدت شكوكي ، أنا مستحيل أقعد بالبيت عنده ..
عقدت حسناء حاجبيها : وين بتروحي يعني ؟
ريم : أي مكان ، مادري .. بس مستحيل من اليوم أأمن على نفسي مع واحد مُجرِم ..
حسناء بهدوء : لا تنسي إن اللي قاعدة قدّامك هي بنت زوجك ، و مهما كان ما يهونلي تتكلمي عليه بهالشكل ..
كتمت ريم الكثير من الكلام في جوفها ، نهضت حسناء : على كل الحمدلله ع سلامتكم ، أنا بروح البيت الحين و راح أجيبلك معي ملابس لما أرجع.. تَبين شي ؟
ريـم بلهجة رجاء : مابي عُمـر يدرى بأي مستشفى أنـا !
بسخرية قالت حسناء : تتوقعي عابـِد ما رح يقول له ؟ على كل حال ، لا تخافي أنا مو مطوّلة عليكِ ، و بعدين إنتِ هنا في المستشفى بـأمـان ..
تركتها و خرجت ، سَقطت دمعة على خدّها البارِد و هي تتحسس بطنها براحة يدها ، تمتمت بصوتٍ باكٍ : وش ذنبي أعيش بخوف عليك من قبل لا أشوفك ، وش ذنبك تطلع لدنيا أبوك رفضك فيها !


سَحب السيجارة من فمه بغضب : إنت مجنون ؟ ليش تسوّي كذا ؟
استمر يهز قدمه بتوتر و هو يرمق عزيز بنظرات غاضبة ، مدّ يده لعلبة السجائر ليتناول أخرى ، كانت يد عزيز أسرع الذي أخذ العلبة و أخفاها خلف ظهره : وش قاعِد تسوّي ؟
يحيى بتحذير : عـزيـز الزم حدّك ، هات العلبة و اطلع مالك علاقة فيني !
أصرّ عزيز على موقفه : لا والله ماني طالع ، إذا منت خايف على نفسك قدّر إن في ناس تشتغل معاك و تتضايق من ريحته !
يحيى : أنا ما أدخن هنا أيام الداوم هالحين ما في غيرك !
عزيز و ابتسامة جانبية : والله ؟ يعني أنا مو بني آدم ؟
تنهّد يحيى و أبعد نظراته عن عزيز محاولاً أن يضبط أعصابه عنه ، أخذ عزيز كرسياً و جلس و لا زال محتفظاً بعلبة السجائر : أبوك يدرى إنّك تدخّن ؟
رفَـع يحيى حاجبه الأيسـر ، اكتفى بالصمت ، تابَع عزيز : وش بيسوّي لا عرف ؟
يحيى : ما بيسوي شي ، بعدين أسلوب الأطفال هذا مو معاي أصغر عيالَك أنا تهددني بأبـوي ؟
عزيز بضحكة : ههههههههه ، بس إحساسي يقول إنه أسلوب الأطفال هذا جاب نتيجة ..
أخذ شهيقاً و أطلق بعده زفيراً سريعاً : عـزيز ، لا تخليني أعصّب و بعدين تقول ليش عصّبت و تقعد تحرد مثل قبل شوي !
عزيز بتعجب : والله إنت للحين ما عصّبت ؟ كل هذا و ما عصّبت ، والله عندي فضول أشوف وش بتسوي و إنت معصب !
يحيى و قد عاد لنوبة الغضب مجدداً : عـزيز ، لا تجبرني أزعلك ..
وقف عزيز و هو يلقي علبة السجائر على الطاولة : لا توثق مرة إنك قادر تزعلني ، تفضل دخّانك ، و يا ليت تدخن برا لأن التدخين هِنا ممنـوع ،،
يحيى : ممكن أفهم إنت ليه متضامن لهالدرجة مع هذا اللي اسمه طارِق ؟
عزيز بجدية : لأن تصرفه كان متوقّع ، من رجال ما يعرف شي بجهاز الأمن ، متوقّع إنه ما يأذي صديقه ، أنا و إنت عارفين إنه لو تجسس عليه و عرف منه معلومات كان ممكن يفيده لو هوة متورط في شي فعلاً ، بس اهوة ما يعرف ، ما عنده إلمام بأمور التحقيق ، و لا عنده فكرة عن أهمية هالشي و اهوة على باله إننا بنأذي فهد ماهو مقتنع إننا بنساعده ،، فليش نلومـه ؟
يحيى بسخرية : هالحين يعني إنت صاحِب الخبرة و الإلمام بجهاز الأمـن ؟
صمت لثانية ، ثم أجاب : دام إن مستوى الحديث بيكون كذا ، أفضّل إني ما أتكلم ، و يا ليت تكون قانوني بالتعامل مع طارِق ، و غيره ، لأني ما راح أسكت لو شفتك تستخدم وظيفتك بطريقة غلط .. و تأكـّد يا يحيى إني قادِر أكسِر غرورَك و إنت عارِف أنا وش أقدر أسوي و حدود صلاحيّاتي بهالمكان ، بس أنا رجل أمن ، و مستحيل أستخدم وظيفتي أو حتى واسطتي بطريقة غلط ،،
يحيى بامتعاض و هو يرفع حاجبيه : تهديد يعني ؟
عزيز بلامبالاة : اعتبره مثل ما تبي ، المهم إنّك تقدّر شلون تتعامل مع الموقوفين ، مهمّتنا نحافظ على أمن الناس ، مو نخوّفهم .. حتى لو كانوا بنظرك مسويين شي غلط ..
يصفق يحيى ساخِراً : برافوو ما شاء الله ، محاضرة وطنيّة رائعة .. أنا أقترح تترك الشغل و تتوجه للخِطابة و إلقاء المؤتمرات و المحاضرات ..
رمقه عزيز بنظرة من أعلى رأسه حتى أسفل قدميه ، تناول مفتاحه و جاكيته و خرج ..


،,


لم تصدّق ما سمِعت ، ابتسمت بفرحة ، بينما كان الجميع الآخر ينظر بتعجب إلى غَسّان ، يعقوب بهدوء قال و هو يمضغ اللقمة : مرفوض ..
بخيبة أعادت سارة نظراتها إلى الأرض و بدأت تلعب في الطعام بملعقتها ، الخيبة ذاتها ظهرت على وجه والدتها ، قال غسّان لأمه : يمه إنتِ وش رأيك ؟
كانت لتتكلم ، قاطعها يعقوب قبل أن تتفوه بكلمة بحدة : أنا قِلت مرفوض يعني مرفوض .. شتبي برأي أمّك ؟
غَسّان : يبه ليش ؟ أنا وش بسوي غلط ؟ سَارة عمرها 26 سنة و أنا أبي أغيّرلها جو ، كافي إنها ما كمّلت تعليمها و ...
رفع يعقوب حاجبيه ، و بابتسامة ساخرة : والله ؟ مو ناقِص إلا تعلّمها علي بعد !
غسّـان بنبرة رجاء : يبه الله يخليك ، لا ترفض ، أنا باخذها روما عشان تغيّر جو ، و تتسلى ، و يمكن تشوف طبيب تغذية و حميات .. مو لازم تظل في غرفتها محبوسة كِذا !
تسللّت يد يُسرى الناعمة لتلمس كفّه بهدوء : حبيبي ، وافِق .. خليها تغيّر جو مع أخوها ..
رهف بغيرة تنظر إلى سارة : و أنا بعد أبغى أروح ، ليش سارة تسافر و أنا أظل !
جُمانة بحدة : رهـفف ! و بعدين إنتِ عندك دراسة شلون بتروحي يعني !
تنهّد يعقوب ، نهض عن الطاولة و قال : سووا اللي تبونه ..
أدار ظهره و صعد إلى الأعلى ، التفت غسّان مبتسماً إلى سارة ، بحماس قالت : يـــسس
تِلك الفرحة لم يعهد أن يراها في عيني سارة أبداً ، ملامحها كانت دائماً خالية التعابير ، لم يكن يبدو عليها حزن أو فرح ، غضب أو رِضا ، ابتسم لاستطاعته في رسم ابتسامة صغيرة على وجهها الذي اعتاد العبوس ، اقتربت منه ، طوّقت رقبته بذراعيها ، قبّلت خدّه و قالت بحب : ربي ما يحرمني منّـك ..
تخللت يده في شعرها مبتسماً ، تساءلت : متى بنسافر ؟
غسّان بضحكة : ههههههه مستعجلة ، لسا إجازتي باقي عليها أسبوعين ، كمان أكون لحقّت أخلّص أوراقك و أجهزها ..
الحماس ذاته لا يترك نبرة صوتِها : ونـااسسة ، لازم أبدأ أجهّز نفسي من اليووم ..
تركتهم و صعدت بفرحة لم يرونها بها منذ زمن طويل ، بامتنان نظرت إليه والدته : ربي يرضى عنّك و يسعدك مثل ما أسعدت هالبنت ..
اختفت ابتسامة غسّان : يمه هذي أختي ، و على طول كنّا مقصرين معاها و ظالمينها ، أنا في الغربة عرفت معنى الأخت و الأهـل ، عشان كِذا أبغى أعوّضها عن كل شي ..
ابتسمت جمانة و قالت ممازحة : ترى أنا بعد أختك ..
غسّان : هههههههههه طيب تآمرين وين حابة تروحي في الإجازة ؟
جُمـانة تفكّر : مممممممم ، الهِند ؟
عقد حاجبيه : اوف الهند مرة وحدة ! طيب خليكِ قريبة في أوروبا عالأقل !
يُسرى : هذي تبي تروح تشوف الممثلين الهنود اللي تحبهم ..
غسان ينظر إليها : يا رب تكبري !

،,

وقفت أمام باب غرفته متوترة ، أمسكت مقبض الباب بيد مرتجفة ، من جهة تشعر بالمسؤولية تجاه علاقة أخيها بزوجته ، و من جهة أخرى لا تريد أن تترك مجالاً ليسألها أكثر عن سبب ما حصل بينها و بين زوجها ، نسيت حزنها ، من المفترض اليوم أن ترتدي فستانها الأبيض ، أن تُمسِك بيد رَجُلِها الذي اختارته ، لتمشي بين الناس بابتسامتها الخجولة ، و هو بهيبته الشّرقية السمراء ، لكنّ ما حدث كان العكس ، اختبأت في عقر غرفتها ، عينان تخجلان من نظرات الناس و تساؤلاتهم ، شَـوق يجرّها إلى إيذاء قلبها العاصي عن النسيان ، إنني بارّة جداً في حبّك يا إبراهيم ، و عاقّة جداً في نَفسي ، أنا التي عشت بلا قلب ، سَلبت قلبك و أخفيته بداخلي ، بدأت أحيا على نبضاته و أُشرِق ، ليتك تعلم أنني إذا ما سمعت قلبي ينبض ، سمعت اسمك كالنغم يتراقص من أوتار عود ، يعزفه طالب هش ، لا يعرف في الحب إلا معزوفة الصمت ، و عيناك.
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تطرق الباب ثلاث مرات متتاليات ، سمِعت صوته الناعس : ادخـل .
فتحت الباب بهدوء ، سليمان مستلقٍ على سريره و عيناه متعلقتين في السّقف ، ترسم ابتسامة مزيفة على وجهها : فاضي نتكلّـم ؟
نَظر إليها ، نهض و اعتدل بجلسته و هو يعرِف سبب قدومها : أكيد ..
دخلت جيهان ، جَلست أمامه و قالت : شلونَك اليوم ؟
تنهّد : الحمدلله ، و إنتِ ؟
ابتسمت ، فضّلت عدم الرد لأنها حتماً ستكذِب لو قالت أنها بخير : شلـونها عـروب ؟
ألقى نظرة و التزم الصمت ، أردفت : ليش قاعِد تسوي معاها كِذا ؟ أنا و إبراهيم تكلّمنا و تفاهمنا إننا اثنيننا حابين نأجل الزواج ، إنت و عَروب ليش تتأثروا بقرارنا ؟
سُليمان : قلت لك إن هذا النوع من الزواجات ما أحبه ، يجيب مشاكِل ، أنا ماقدر أتجاهل إذا إبراهيم زعّلك أو أذاكِ ،
جيهان : طيب لو إبراهيم ضربني ، وش بتسوي ؟ الرجّال وش مفروض يسوّي بهالحالة ؟ تضرب أخته ؟ أو تواجهه و تدافع عن أختك ؟
أرخى نظراته و التزم الصمت ، جيهان : قبل كل شي أأكدلك إن قرار التأجيل ما أخذه إبراهيم بروحه ، اهوة عرض علي الموضوع و أنا فكّرت و وافقت ، مثل أي ثنين مخطوبين ، أخذنا القرار بالتفاهم و برضى الطرفين ، و لـو إنت شايف إن إبراهيم غلط في حقي ، و شايف إن التأجيل كان غَلط ، المفروض إنّـك ما تسوّيه ، ليش تسويـه مع عروب ؟ اهية وش ذنبها تحاسبها ؟
سُليمان بخفوت : لأن الحياة ماهي عادلة ، و دائماً في شخص بريء بيدفع الثّمن ..
جيهان بحدّة : هذا ماهو كلام ، الحياة ماهي عادلة ، يعني نكون ظالمين ؟ إنت عارف إن ربنا ممكن يغفرلك أي ذنب ، بس ما يغفرلك حقوق الناس و ظلمهم ؟
مدّت يدها ، تحسست ركبته : حبيبي ، إذا لي خاطِر عندك ، لا تظلم عَروب ، لا تظلمها ، و دائماً خلي ربـنا بينَك و بينها ولا تعاملها إلا بما يرضيه .. و ما عَليك من غيرك لو شايفه ظالِم ، اتركه لربه يحاسبه ، اتفقنا ؟
تنهّد : إن شاء الله ..
جيهان بابتسامة : عروب ما قالت لأحد عن تأجيل الزواج ، بس أنا قالتلي ، اليوم أبغاك مصلّح كل شي ، و نبي نفرح فيكم بنفس التاريخ المحدد .. اتفقنا ؟
سُليمان بهدوء : إن شاء الله ..
نهضت عن السرير ، أرسلت ابتسامة ، و خرجت ..

،,

ارتشف القليل من فنجان قهوته الساخن ، وسط الأجواء المتوترة بينه و بين سُلطان الذي يرمقه بنظرات حادّة ، مرر لسانه على شفتيه ثم وَضع سيجارة في فمه ، أشعلها و بدأ الدخان ينتشر في الغرفة الضيقة المُظلِمة ، نفث دخانه : كلّمت معلّمك بموضوعنا ؟
سُلطان بجمود : أي موضوع ؟
ظهرت ابتسامة جانبية على وجهه : إنتَ عارِف أي موضوع ، و ترى ما أحب اللي يسوي نفسه غَشيم ،
يستنِد سُلطان إلى ظهر كرسيه الدوّار ، يقول بهدوء : ملاحظ إنك قَليل حيا و ما تحترم اللي أكبر منّك ؟
بنفس ابتسامته : هذا مو موضوعنا هالحين ، اخلص و قول ، عندي موضوع ثاني ..
سُلطان : وش هو ؟
أخذ نفساً عميقاً من سيجارته ، أطلَق دخانها : قول لي وش صار بموضوعنا الأول ، بعدين نتكلم بموضوعنا الثاني ..
سُلطان بملل : كلّمته ، و وافق ، مبسوط الحين ؟
ابتسم مجدداً : ممتااز ، " اقترب من منفضة السجائر ، أطفأ سيجارته ، أخذ رشفة من الماء ثم أردف " : هالحين موضوعنا الثاني ، وِلدَك يحيى ..
سُلطان بشيء من الغضب : لا حول ولا قوّة إلا بالله ! لا يكون عَبالك إنك بتلوي ذراعي بسالفة ولدي ؟
فهد بلهجة مستفِزّة : إني ألوي ذراعك بولدك هالموضوع متفقين عليه و منتهيين منه ، اللي بقوله شي ثاني ..
أطلق نظرات حاقدة ، أردف فهد : ولدك معتقل صديقي طارِق ، لأنه حاول يخليه يتجسس علي و طارِق رفض و اهوة الحين مسجون عندهم بالمركز ..
سُلطان : و المطلوب ؟
نهض فهد و بلهجة الأمر : اليوم طارِق بيرد بيته ، تصرّف قبل لا أنا أتصرّف ..
ضرب الطاولة بكفه ، نهض و قال بنبرة غضب : تهديداتك هذي راح تبطّلها و لا تخليني أطلّع وجهي الثاني معاك !
فهد متجاهلاً تهديداته : و يا ليت بطريقك تقول لولدك يلتهي بحل جريمة أبوي ، و يبعد عني .. يبـعـد عنّي ..
سُلطان : شوف يا فهد والله ثم والله بخفيك عن وجه الأرض أخلي الذبان الأزرق ما يعرف لك طريق ، احترم نفسك !
فهد : والله يا سُلطان أنا كانت نيتي معاكم طيبة ، كل اللي كنت أبيه إني أخلّص ديون أبوي و أحسّن وضعي و وضع والدتي ، إنتوا اللي حفرتولي ، و إنتوا اللي حاولتوا توقعوني ، و اللعب معاي عليه ضريبة ..
سلطان : نبي مصلحتك ..
ابتسم بسخرية ، توجه نحو الباب و هو يقول : طارِق اليوم بيكون في بيته ..
خرج تاركاً سُلطان خلفه ينظر إليه بغضب ، تمتم سُلطان بينه و بين نفسه : بَسيطة يا وِلد مشعل ، ما راح تكون أصعب من أبوك ،،

،,

تأمّلته و هو يُسرّح شعره حالك السواد ، ينظر إلى عينيها الخجولتين من المرآة و يبتسم حتى يظهر صف أسنانه ، وضع المِشط جانباً و التفت إليها ، اقتربت منه ، مدّت يدها لتداعب قميصه الرمادي و تقول بخجل دون أن تنظر إليه : ضروري اليوم تروح ؟ حتى في الاجازات ما أشوفَك !
أَخذ يدها ، قبّلها و قال : مالي خِلق أروح و أخليكِ ، بس ضروري أمر الشغل ،،
توتّرت نظراتها ، تنهّد عِصام : حبيبتي ، ليه أحسّك على طول على أعصابِك ؟
مَريم تترك يده ، تبدأ بفرك يديها ، تعطيه ظهرها : ماني متوترة بسس ..
احتضنها من الخلف و هو يغلق ذراعيه حول خصرِها ، أسند ذقنه إلى كتفها : كل هذا عشان أمي سألتك أمس ؟
بهدوء قالت : وش بقول لها لو سألتني الحين ؟ ماقدر أكذب يا عصام ما تعوّدت أكذب ..
ضحِك بخفة و لا زال على وضعيته واقفاً خلفها : ههههههههههه ، منو قالك تكذبي ؟ حبيبتي قولي ربنا ما أراد و خلاص ، فيها كذب لو قلتِ كذا ؟
التفتت إليه و هي تنظر بدهشة : عــصــاام ! شلون خطرت على بالَك هذي ؟ والله مَنت قليل ! صحيح ، لو قلت ربنا ما أراد للحين ما فيها كذب ! يا خوفي تكون قاعِد تسوي معاي نفس الشي و تخبي عني شغلات بس !!
ضحِك بصخب : هههههههههههههههههههه لا تخافي ما أستخدم ذكائي معاكِ مخليه للتحقيق ..
بدأت تتحدث بعفويتها التي غابت لفترة عنه : تدري أمس من الارتباك عضيت شفتي و نزل منها الدم ..
عَقد حاجبيه : صِدق ؟ أشوف ، " مد إبهامه و هو يرفع شفتها العلوية ليظهر تورماً أحمراً ، عَقدت حاجبيها معبّرة عن ألمها ، اقترب من مكان ألمها ، طبع قُبلة رقيقة فاجأتها ، أغمضت عينيها بخجل ، ابتعد عنها مبتسماً " : سَلامتِك حبيبتي ..
ضغطت بيدها على قميصه قبل أن يبتعد : راح تتأخر ؟
رفَع حاجبيه بـ " لا " ، و ابتسامة ذات مغزى على شفتيه ، بخجل قالت : أنتظرك ..
وقف عند الباب ، أرسل لها قُبلة في الهواء قبل خروجه ، توّرد خديها خجلاً ، أنعود في الحب مراهقين يا حبيبي بعد أن أضنانا الزمن و أتعبنا الحِرمان ؟


،,


بعد عدّة ساعات ، روما ،
نزلت الدرج و هي تحمل حقيبة صغيرة في يدها ، وصلت إلى نهاية الدرج ، وقف والدها أمامها ينظر إليها بطريقة غير مفهومة ، تساءلت : وش فيك يبه ؟
عُمر بهدوء : وين رايحة ؟
تنهّدت ، ثم أجابت : رايحة عند ريـم ، عالمستشفى ..
عمر : وش صار معاها ؟ أجهضت ؟
ابتسمت بشماتة : ما قال لك عابِد ؟ الطفل أنقذناه و صحته كويسة ، لا تخاف ..
عقد حاجبيه : شلون ؟ أقصِد شلونها الحين يعني كويسة ؟
حسناء بجدية : يبه لا تسوّي نفسك مو عارف شي ، أنا و ريم عارفين إنك مدري وش حاطط لها في العصير ، و الحين التحاليل راح تأكد هالشي ..
أرخى نظراته بتفكير ، أردفت حسناء : كنت عارفة إنك أبو قاسي ، بس ما توقّعت إنك ممكن تذبح وِلدك اللي من لحمك و دمّك !
ابتعد عنها و جلس على الأريكة : تعبت عشان أسوي منّك بنت قوية و قادرة تدافع عن نفسها ، و أنا الحين ما عندي نفس القوة عشان أسوي هالشي مرة ثانية ..
تركت الحقيبة أرضاً ، توجهت نحوه ، جلست على ركبتيها أمامه : منت مضطر لهالشي مرة ثانية ، أنا موجودة ، اترك الطفل اللي جاي يعيش حياته بشكل طبيعي ، مو ضروري كل أولادك تحوّلهم لأشخاص ثانيين عشان مصلحتك !
عمر بحدة : لا تعزفيلي على نفس الوتر ! أنا سويت كل شي لمصلحتك مو لمصلحتي أنا !
ابتسمت بسخرية : واضِح جداً ،، يبـه أنا عارفة سبب وجودي بحياتك ، و عارفة مكانتي عندك ، عشان كِذا خلاص ماله داعي نمثّل على بعض !
صَفَعها على وجهها صفعة لم تكن تتوقعها ، أسقطتها أرضاً ، قال بغضب : إنتِ صايرة قليلة تربية !
تجمّد الدمع في عينيها اللتان تزدادان خُضرة في كل مرة تجتمع الدموع فيهما ، تذكرانه أكثر بزوجته الخائنة ، يظنها أمامه فيرسل إليها نظراته الحاقِدة ، تنهض حسناء عن الأرض ، و بقوّة الذكورة التي اختلقها والدها في داخلها ، تكتِم دمعها الذي تظن أنه قد يَعيبها سقوطه ، تلتزم الصّمت و هي تعرف أن لا فائدة من اللوم و الكلام ، و لا تستطيع أن تحقِد عليه أو تكرهه ، فالأولى بتِلك الكراهية هي أمّها ، تقدمت لتحمل الحقيبة و تخرج دون كَلام ، أخرج جوّاله و هو يلهث غضباً ، كَتب الرسالة ذاتها بالإيطالية ، التي يكتبها منذ سَنوات إلى نفس الرّقم ، ثم يمحوها ولا يجرؤ على إرسالِها : أكرهك ، و أكره كلّ ما يخصّك ، و أكره كل أخضر أراه ، أكثر ما عشقته فيكِ هو خضرة عينيكِ ، و أول ما خانني فيكِ ، عيناكِ ..
خَرج من قائمة الرسائل قبل إرسالِها ، ليس قادراً على ذلك ، يشعر دوماً أنه يرغب بالاحتفاظ بخيطٍ رفيع للعودة ، رغم أنه أيقن أن عودتها شبه مستحيلة ، لكن لا زال أمله ينمو في أن تعود يوماً ، لا ليعشقها مجدداً ، بل لأجل الانتقام فقط !


يُتـبَـع ...


طِيفْ 16-11-19 08:48 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
،,

تقِف خلف المجلى تُشطّف الصحون بالماء ، شاردة في مكان آخر ، اقتربت منها عبير و هي تحمل الملاعق و تضعهم داخل المجلى ، تقول بهمس : حظّك من السما .. إنتِ دخلتي و بعد دقيقتين أبوي دخل ..
لم تكترث بكلامها ، استمرت في غسل المواعين و هي تفكّر في ملامح فهد و حسرتها لبعده عنهم ، لم تعد قادرة على أن تراه في كل صباح ، أردفت عبير بنفس الهمس : بس أبعرف وين كنتِ ؟
شهد : أحاول أحل مشكلة طارق اللي أبوكِ مو سائل عنّه ، أمّك المسكينة ما نامت الليل من قلقها ..
جحظت عيني عبير : رحتِ مركِز الأمــن ؟!
تجعّد جبينها و عقدت حاجبيها بتقزز من ذِكر اسم المركز : لاا طبعاً ، " هَمست بابتسامة " : رحت لفهـد ..
شهقت بصوت تحاول أن تكتمه : اهــئ !! شلــون و ويـن وش سويتوا ؟
ضربتها بخفة على كفّها : و صمخ وش بنسوي يعني ، قلتله عن مشكلة طارِق عشان يساعدنا ..
تكتفت و تساءلت بسخرية : فهـد يسـاعدنا ؟ من ويـن يقدر يساعدنا و اهو حاله أسوأ من حالنا !
ظهرت ابتسامة جانبية على وجهها : هه ، حبيبتي فهد اللي تعرفيه زمان ماهو فهد نفسه حق اليوم ، تغيّر مرة ، عنده بيت ، و سيارة ، و فلوس ، و أكيد واسطة ..
عبير : و من وين كل هالشي ؟
تنهدت شهد : مادري ، كل اللي أعرفه إنه صار بدنيا غير الدنيا اللي كان فيها ،،
عبير : طيب ما قالك شي عنكم ؟
شهد : عنا ؟ وش قصدِك ؟
عبير بابتسامة تحاول اخفاؤها : يعني وش آخرة هالنظرات من بعيد لبعيد ، وش آخرة هالحب العذري هذا !
شهد بخجل : بس يا بنت وش هالكلام الماصِخ ! بعدين أقولك رحت أكلمه بخصوص طارِق و يا دوب كلمتين عالباب ، جاية تقوليلي حب و ما حب ..
عبير : صدقتِ ، عجبتيني لأن اهو لازم يفتح معاكِ الموضوع مو إنتِ ، هذولا الرياجيل لا شافوا وحدة تحبهم يتكبروا عليها حتى لو كانوا يحبونها ..
شهد ترفع حاجباً : ما شاء الله ، من وين عندك هالخبرة آنسة عبير ؟
عَبير : من الروايات اللي أقراها كونه ما في تلفزيون نشوف مسلسلات ..
قاطعهم صوت رنة قصير لرسالة نصية وصلت على هاتف شهد ، التي ارتبكت و نشّفت يديها في بنطالها بعجلة ، أخرجت الجوال من جيبها و همست : عبير وقفي عند الباب إذا أبوي جاء قوليلي ..
عبير : أبوي مو هِنا ما سمعتيه لما قال إنه رايح يشوف جارنا بـو خالد ؟
صمتت و هي تقرأ رسالة فهد بابتسامة ، عبير : اللي ماخذ عقلك يتهنـى !!
شهد : هسسس ، " تابعت قراءة رسالته " :
" شهد ، عساكِ بخير ، أبغاكِ تكوني متطمنة ، طارِق اليوم أو بكرا بيكون بينكم ، أنا تصرّفت و بإذن الله ما رح يتأخر أكثر من كِذا ، انتبهي على نفسِك "
بدأت تضغط على أزرار جوالها و تكتب رداً ترسله بسرعة :
" مشكور ماني عارفة شلون أتشكرك ، و أعذرني من لهفتي على أخوي نسيت أقول لك الحمدلله عالسلامة ، و يا ليت تسلملي على خالتي جواهر و تعتذر منها عني إني ما قدرت أدخل أسلّم عليها ، "
جاءها الرد سريعاً و مربكاً :
" ربي يسلّمك و يسعدِك ، لا تخافي عَمـتـِك جواهـر تحبّك و ما راح تزعل منّك "
اتسعت ابتسامتها و هي تقرأ تِلك الكلمة ( عمتِك ) ، أيقصِد بها ما أفكر فيه ؟ ألا زِلت تريدني يا فهد كما أريدك أنا بكل خلية في جسدي النحيل ؟
بدأت تختفي ابتسامتها و هي تتذكر حقد والدها على فهد ، و استحالة قبوله به كنسيب لهم ، أطلقت تنهيدة حارة و هي تخفي جوالها في جيبها ، اقتربت عبير : هذا فهد ؟
التزمت الصمت ، فأردفت عبير : انتبهي يا شهد ، والله لو أبوي يدرى إنّك تكلميه بيذبحك و يذبحه ، و طارِق بعد !
شهد مرتبكة : منو قالك إني أكلمه شايفتني أغازله مثلاً ؟ كل الموضوع إنه طمني عن طارِق ، قومي سوي شاي و خذيه لأمي يلا ..
يُطرق الباب في وقت لم يعتادوا فيه زيارة أحد ، تذهب عبير بحركات خفيفة ، تقف خلف الباب و تسأل : مـين ؟
صوته الضّخم من الخارِج : الأمن الجنائي ..
ترفع عبير حاجبيها بخوف و دهشة ، تمشي على أطراف أصابعها بسرعة متجهة إلى المطبخ ، تنظر إليها شهد باستفهام ، فتقول بهمس : هذولا الأمن الجنائي !
تعقِد شهد حاجبيها و هي تتساءل في داخلها عن سبب قدومهم ، تغلق الحنفية ، تنشّف يديها من الماء و ترفع الشال عن كتفها لتغطي به شعرها ، تلتفت إلى عبير : خليكِ عند أمي ، ولا تقولي لها شي ..
اقتربت شهد من الباب ، تغلق أصابع يدها اليُسرى على حجابها من جهة الرقبة كي لا يفلت أمامهم ، و بيدها اليمنى تفتح الباب ، ذلك الطويل ، و عضلات جسده التي تدل على تدريبات قاسية تلقاها منذ زمن ، يعطيها ظهره و يديه في جيوبه ، يقول دون أن يلتفت : بـو طارِق موجود ؟
شهد تقف خلف الباب : خير ان شاء الله وش تبي منه ؟ مو كافي خذيتوا أخوي ؟ وش تبون من أبوي بعد ؟
أطلق زفيراً سريعاً ، التفت : هذا مو شغلك ، أبوكِ موجود أو لا ؟
شهد : لا مو موجود ، و ما أنصحَك تخليه يشوفَك لأنه ما بيعديها لَك على خير إنّك أخذت أخوي ..
رفع حاجبه الأيسر ، تعالت ضحكته ذلك الذي ظنّت شهد أن وجهه لا يعرِف حتى الابتسام ، تساءلت بنرفزة : خير ان شاء الله ضحكنا معاك !
أخذ نفساً ، توقّف عن الضحك بشكل مفاجئ : اللي ضحّكني ثقتك و إنتِ تهددي ،
بدا على وجهها التوتر : أخوي طارِق وينه ؟ و ليش أخذتوه ؟
أخذ يمرر نظراته في الشارع أمامه على المارّة ، قال ببرود : أنا ماني جاي أتكلّم في موضوع أخوكِ ، أنا جاي عَشان أبوك ..
شهد : والله أبوي مو هِنا إذا تبيه تفضل استناه في الشارع لين يجي ، ولا ترجع تدق علينا و تزعجنا ،،
يحيى : اوك ، سوي فنجان قهوة و حطيه عالباب أنا باخذه ..
ترفع شهد حاجبيها مستنكرة : نعم ؟ مو ملاحظ إنّك واثق في نفسك زيادة عن اللزوم ؟
يحيى بابتسامة : ملاحظ طبعاً ،
رمقته بنظرة حاقدة ، أغلقت الباب في وجهه بقوّة و دخلت إلى المطبخ تتمتم بغضب ، ضحِك هو و توجّه نحو سيارته ، عاد ليجلس مراقباً عودة أبو طارِق ..

،,

استند إلى ظهر المكتب وقف متكتفاً و سأل : كل هذا صار من أمس لليوم ؟
هزّ عزيز رأسه ببرود ، أردف عصام : و حضرة جنابه وين راح ؟
عزيز و هو يقرأ مقالاً على شاشة الحاسوب ، دون أن ينظر إليه : مادري ، أنا تركته بعد الظهر و الحين رديت ،، مادري وين راح ..
عِصام بهدوء : والله حلو ، أغيب كم ساعة ألاقيكم قالبين الدنيا !
عَزيز ينظر إليه : المسألة مو مسألة ليش اعتقلنا طارِق ،، طارِق ما نفذ المهمة ، أنا اللي عصبني من يحيى طريقة تعامله معاه ، يعني ماهو هالذنب الكبير ، بعدين طارق من الأساس كان رافض الفِكرة ..
عِصام بنبرة حادّة مرتفعة قليلاً : أساساً بأي حق بتجبروه يشتغل معاكم ؟ هذا ماهو رجل أمن شلون بتكلفوه بمهمة اهوة ما يعرف عنها شي !! و بالإجبار بعد ؟
عزيز : كونه صديق فهد المقرّب ، كان ممكن يكون أكثر واحد بيفيدنا ،،
عِصام يعتدل في وقفته : و انتوا بدال ما تحققوا في مقتل مشعل ، جايين تدورون وراء فهد و سفراته ؟
ارتفعت نبرة عزيز : ما هذا هو السر ، سفرات فهد و تغير وضعه ممكن يوصلنا لأشياء مهمة ! وش نسوي إذا القضية ما فيها ولا خيط يوصلنا للقاتِل ؟
رمقه بنظرة : وش تسوون ؟ شوفوا قضية ثانية امسكوها ، جبتوا واسطة عشان تشتغلوا بقضية أساساً ميؤوس منها ! ولا بس مضيعة وقت ؟
عزيز : إنت شايفنا نضيع وقت ؟
عِصام : طبعاً تضييع وقت ! المجرم قاعِد يسرح و يمرح و مبسوط ، و إنتوا لاحقين لي فهد و طارق و بو طارق و مدري منو ! وش هالكلام الفارغ ! ناقصنا عيال يشتغلوا معانا !
نهض عزيز و قال بغضب : وش عيال ما عيال احترم نفسك !! أنا و يحيى مو قاعدين نلعب !
مسح عصام وجهه بكفه ، اقترب من عزيز : انزل الحين اخلي سبيل طارِق ، و لو شفتكم مرة ثانية تلاحقون الهبل هذا راح أطلّع قرار نقلكم بإيدي ، والله برجعكم صف أول .. إذا حابين تتسلوا اتسلوا بعيد عن شغلنا ..
عزيز بعناد : مقدر ، أنا آخذ أوامري من يحيى ..
صَمت لدقيقة ، ثم : و يحيى يأخذ أوامره مني ، انزل اخلي سبيل طارِق أقول لك ،
أخذ مفتاح سيّارته ، التفت : أعتذِر ، عن إذنَك ..
خرج من أمامه ، تقدّم عِصام نحو الباب و هو يتوعّد في داخله لكليهما ، نادى على أحد الضبّاط ، اقترب منه بسرعة ، قال عِصام : انزل إخلي سبيل المتهم طارِق الحمد فوراً ..
الضابط : حاضِر سيدي ..
عاد إلى المكتب ، يده اليمنى في جيبه ، و الأخرى يحكّ بها ذقنه بتوتر : ناقِص علينا كنّا فـ يحيى صرنا فـ يحيى و عزيز !

،,

روما ، دخل الطبيب إلى غرفة ريم ، بابتسامة على وجهه ، تساءل بالإيطالية : كيف أصبحتِ الآن سيّدة ريم ؟
ريم و هي تعدّل حجابها : الحمدلله بخير ، هل ظهرت نتيجة التحاليل ؟
هزّ رأسه بـنعم ، حسناء تتساءل بفضول : و ما هي النتيجة ؟
تنهد الطبيب و هو يضع يديه في جيب لابكوته الأبيض : إن ما حدث لكِ سيدة ريم هو تسمم دوائي ، و لقد تبين لنا أن تركيبة الدواء ضارة بالجنين ، يستخدمنها النساء عادة للإجهاض ..
التفتت ريم إلى حسناء ، تنظر إليها و كأنها تقول : " صدقت توقعاتي " ، أردف الطبيب : هل تريدين تقديم شكوى بمن حاول أن يؤذيكِ و يؤذي طفلك ؟
تنظر إليها حسناء و عينيها متسعتين من تفكيرها بأن ريم قد تتقدم بشكوى ضد والدها ، ولا تعرف ما الذي يربطها به إلى تِلك الدرجة رغم كل الأذى الذي ألحقه بها ، تبادلت ريم النظرات الصامتة معها ، تنهّدت و قالت : لا ،
تنفست حسناء براحة ، أردفت ريم : هل يمكنني الخروج اليوم ؟
الطبيب : يمكنِك ذلك ، لكنني أفضل أن تنتظري حتى صباح الغد ،
ريم : أرجوك دكتور ، أريد أن أخرج اليوم ،
الطبيب : كما ترغبين ، سأسمح لكِ بالخروج اليوم .. أتمنى أن تتعافي بسرعة ..
ريم بابتسامة متوترة : شكراً ..
خرج الطبيب من عندها ، التفتت إليها حسناء و قالت بسخرية : بهالسرعة تبي ترجعيله ؟ لا تقولي اشتقتي ؟
رفعت اللحاف عن قدميها و نهضت : منو قالك إني برد البيت بعد سواة أبوكِ ؟
وقفت حسناء إلى جانبها ، متكتّفة : أجل وين بتروحي ؟
ريم : أبيكِ تاخذيني لأي أوتيل ، و المهم عمر ما يدرى عن مكاني ..
حسناء ترفع حاجباً : نعم ؟ يعني بتقضي حياتِك كلها في أوتيل ؟ بعدين عُمر لو يبي يقدر يعرف إنتِ في أي مكان ، ما هي صعبة عليه ،، أنا رأيي الأحسن تردي البيت و تحاولي تقنعيه يتقبل الولد .. بعدين اهوة ما راح يكرر اللي سواه مرة ثانية ..
ريم بعناد : مستحيل ، لو لفترة مؤقتة أنا لازم أبعد عن البيت ، طلبتك حسناء لا تاخذيني لعنده هالحين أبوكِ ممكن يسوي أي شي عشان يخلص من اللي في بطني !
حسناء تنهّدت : طيب ، جهزي نفسِك ، عبال ما أرجع بشوف الطبيب ..
تحركت نحو الباب ، قالت ريم : حسناء ، إنتِ شلون تخلين طبيب رجال يعالجني ؟ منتِ عارفة إني متحجبة و ما أرضى رجال يكشفني ؟
التفتت لها حسناء ، بلا مبالاة : إنتِ كنت تنزفي و الجنين كان بين الحياة و الموت ، و هذا الطبيب كان موجود و اهوة اللي أسعفك و أنقذ طِفلك ، الحالة كانت طارئة .. و لو ما كنت مضطرة كان استنينا تيجي دكتورة ، سمعتِ الدكتور وش قال ، الوقت كان أهم شي .. لو ما استعجلنا كان راح الجنين ..
أطلقت زفيراً ، هزّت رأسها : عالعموم شكراً ،،
أطلقت حسناء ابتسامتها المزيفة ، و خرجت ..

،,

قَبل الغروب ، سمِعت صوت الباب يُفتح و ترحيب من والدها بالمحقق الذي اعتقل أخيها ، يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، عن إذنك بس أقول للحريم يدخلوا داخل ..
يحيى بابتسامة : خذ راحتَك يا عم ..
دخل بسرعة ، جميعهن جالسات في الساحة و والدتهن مستلقية فوق الكنبة المهترئة ، قال بهمس : قوموا اقعدوا داخل معاي ضيف ..
شهد بالهمس ذاته : يبه هذا وش جايبه عندنا فوق ما أخذ أخوي وش يبي بعد ؟
يحيى في مدخل المنزل ، يسمع تذمراتها و يبتسم بشماتة ، حين يوبخها والدها : يلا قومي ولا تكثري هذرة ،، عَبير خذي أمك و ادخلوا ، و إنتِ سوي لنا قهوة و ومابي أسمع صوتِك !
أخذت عبير كتابها ، أمسكت بيد والدتها و دخلتا إلى الغرفة ، وضعت شهد حجابها فوق رأسها و دخلت متأففة إلى المطبخ ، عاد والدها إلى يحيى : تفضل يا ولدي تفضل أهلا و سهلا ..
أخذ كرسياً و جلس ، واضعاً قدماً فوق الأخرى بتعجرف ، تراقبه شهد من نافذة المطبخ الصغيرة بغيظ ، يتساءل أبو طارِق : شلون قهوتك يا سيد يحيى ؟
يخرج سيجارة من باكيت دخانه ، مبتسماً : ما حفظناها يا عم ؟ وسَط ،،
رد له الابتسامة ، رفع صوته : وَسَط و سادة يُبه ..
من عندها ، متخصرة ، تقلّد صوته بنرفزة : ما حفظناها يا عم ؟ وسط نانانا !! يا ثقل دمّك عساه سم ينزل في معدتك ..
تأففت و هي تقترب نحو الغاز لتشعله و هي تمتم : أستغفرك ربي و أتوب إليك ..
في الخارج ، التفت أبو طارق ليحيى و قال بقلق : يبه طمني عن ولدي ؟ وينه الحين ؟
أخذ نفساً عميقاً من سيجارته ، ثم أجاب و الدخنة البيضاء تنطلق من بين شفتيه : لا تقلق يا عم ولدك بالحفظ و الصون ،
أبو طارِق : طيب أقدر أعرف ليش أخذتوه يعني وش مسوي معاكم ؟
يحيى : وِلدك قال لفهد عن المهمة اللي كلفناه فيها ، يعني خرب كل شغلنا ..
يفرك أبو طارِق يديه بتوتر : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، طيب إلى متى بيظل عندكم ؟
اعتدل يحيى في جلسته بعد أن أطفأ السيجارة : أنا مو جاي أتكلم بموضوع طارق ،
أبو طارِق : أجل ؟؟
يحيى : أنا أبغى أعرف وش السر ، اللي مكرّهك في فهد ، و أبوه .. مع إنه معلوماتي تقول إنكم كنتوا أعز أصدقاء قبل وفاة مشعل ، وش اللي صار بعدين ؟
اتسعت عينا أبو طارق بدهشة ، ابتسم بارتباك : بشوف وش صار بالقهوة ..
همّ بالنهوض ، استوقفته نبرة يحيى الحادة : هالحين مو وقت القهوة ، جاوبني على سؤالي ..
اعتدل في جلسته ، و قال : بصراحة ، ما في سبب معين بس ..
اقترب يحيى و أطفأ سيجارته في منفضة السجائر : أيوه ، أنا سؤالي عن اللي بعد الـ بس هذي ، بس شنو ؟
أبو طارق : بعد مقتل مشعل ، فهد تغيرت أحواله و الكل في الحارة قالوا عنه إنه أكيد ما صار حاله هالحال إلا لأنه اشتغل بشي ممنوع ..
يحيى : شي ممنوع مثل شنو ؟
أبو طارق : والله يا سيد يحيى ما عندي معلومات ، فهد بعد ما تحسنت أحواله ما قعد في الحارة ولا عاد سمعنا عنه خبر ، حتى أولادي منعتهم يتواصلوا معاه عشان أبعدهم عن المشاكل ..
استند يحيى إلى ظهر الكرسي ، قال و هو يكتّف ذراعيه : و شلون لاحظتوا عليه إن أحواله تحسنت وش التغييرات اللي شفتوها ؟
أبو طارق : يعني صار عنده سيّارة ، و حتى لبسه صار مرتب و صار فهد ثاني يعني ، و بعدين أخذ بيت ثاني و غيّر بيته ،،
صمت يحيى بتفكير ، قال أبو طارق و هو ينهض : أكيد القهوة جهزت ، عن إذنك ..
توجّه نحو المطبخ ، ولا زال يحيى غارقاً في تفكيره ، غاب لثوانٍ و عاد ، وضع فنجانه أمامه : هذي القهوة الوسط مثل ما طلبتها ،،
جلس على كرسيه و بدأ ينظر إليه بتوتر ، تقدّم يحيى بجسده ، تناول فنجانه و ارتشف الرشفة الأولى ، أطبق عينيه و تغيرت ملامح وجهه من الطعم المالِح في القهوة ، تساءل أبو طارق : خير سيد يحيى ما عجبتك القهوة ؟
وضع الفنجان على الطاولة ، رفع نظره إلى نافذة المطبخ حيث تقف شهد و تنظر إليه راسمة ابتسامة على وجهها ، نهض و قال : لا لا عمي بس تذكرت عندي شغل ولازم أروح عن إذنك ..
وقف أبو طارق متعجباً من عجلته المفاجئة ، رافقه إلى باب المنزل ، شهد في المطبخ تفك حجابها و تقول بغيظ : روحـة بلا ردّة !

أغلق الباب خلفه و هو يقول : مع السلامة ،،
توجّه يحيى نحو سيارته غاضباً من تلك التي وضعت له الملح في فنجان القهوة ، ركب السيارة و تحرّك مسرعاً خارج الحارة الضيقة ، لاحظه طارق الذي يتقدّم نحو البيت بحركات بطيئة و ارهاق ، وسط نظرات أهالي الحارة المتعجبة للكدمات على وجهه ، وقف أمام بيته و هو يتحسس مكان الكدمة بيده اليسرى بألم ، و بيده اليمنى أخرج مفتاح المنزل ، دخل ببطء إلى الداخل ، حيث عادت والدته و أخته عبير للجلوس في مكانهم ، يجلس أبو طارق يفكّر في زيارة يحيى ، بينما تلم شهد فناجين القهوة خوفاً من أن يكتشف والدها فعلتها ، وقف أمامهم بحالته التي جعلت والدته و عبير تشهقان من منظر الكدمات ، قالت والدته بلهفة : يمه طارق وش صايرلك ؟؟
تقدّم بصمت نحو والده الذي انتصبت قامته و هو يرمقه بنظرات غاضبة ، وقفت شهد على باب المطبخ تراقب الوضع ، وقف أمامه بنظرات خجولة ، رأسه في الأرض ، رفع يده و صفعه على وجهه : طول عمرك فاشل ، و ما تعرف مصلحتك .. الشرهة علي اعتمدت عليك و اعتبرتك رجال ..
اقتربت شهد بسرعة و وقفت خلف أخيها ، وضعت يدها فوق كتفه و قالت بلوم : يبه حرام عليك مو شايف وش مسوي فيه هذا اللي ما يخاف من ربنا !
رفع طارق نظراته الجامدة نحو والده : سامحني يبه إني خيبت أملك ، و سامحني عاللي بقوله هالحين بعد ..
نظروا جميعهم إليه باستفهام ، فأردف : راح أخيب أملك أكثر من كذا ، لو كان أملك إني أخون صديق عمري و أأذيه .. أنا ماني خاين يبه ، و إنت ما ربيتني على كذا ..
ساد الصمت بينهم ، ألقى إليهم نظرة معاتبة ، و دخل إلى غرفته ..

،,



"" الله أكبـر

على صوتِ أذان المغرب ، دخل إلى غرفتهم المعتمة ، تجلِس مريم على سجادتها بنصف جسدها مرتدية لباس الصلاة ، رأسها مستلقٍ تحت ذراعيها الراقدة على الكرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم و قال بهمس : مريم .. قومي حبيبتي ..
انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ ..
فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟
عِصام : توني أدخل ..
بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله ..
عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فـ هالوقت ماهو كويس ؟
مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت !
عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟؟
هزت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت ..
عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع !
وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس و أنا ماني قادرة يا عصام !
ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي و هالشي ما ينحمل !
عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟
عِصام ينظر إليه بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحـال صدق راح ....


،,

لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة ..


،,



انتهى


بعضكم راح يقول البارت هذا قصير ، و هو فعلاً ما هو مثل طول البارتات السابقة ، بس ما هو مرة أقصر منهم ، البارتات السابقة كانت 40 -42 صفحة بالوورد ، هذا البارت تقريباً 30 صفحة ، و السبب إني كنت مشغولة بشكل هالأسبووع من أوله لليوم عزومات ، و بعد طلعات و شوبينق فما فضيت ،، العذر و السموحة يا غوالي و إن شاء الله بعوضكم في البارت القادم ..

نلتقي على خير الجمعة القادمة بإذن الله ، و لذلك الوقت فلتبقوا بألف خير ..

طِيفْ!

شبيهة القمر 17-11-19 06:55 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
طيف حبيبتي شوفي اول رد لي هنا ...
وارجع واقول لاتحبطك قلة الردود ..الكاتب يكتب ليثبت ذاته وقدراته .. وانت ماشاءالله قدرتي واثبت قدرتك ومهارتك بالكتابه .. فأمنيه لاتخلين قلة الردود تقلل من طموحك واستمري ونحن معك ... وماشاءالله يكفي المشاهدات % 👍

نجي لابطالنا .. قاهرني هاليحيى استغفر الله طالع على ابوه في قسوته وطيشه يعني هو غصب طارق يشتغل معكم .!! مدري ليييه احساسي ان يحيى بيحط عينه على شهد كنوع من الانتقام اما منها او من فهد ...
سلطااان يالله اكيد انت الي باخر البارت بتمسك فهد وتجلده .. يعني انت وولدك كل شي عندكم بالاكراه ..
غسان ..نعم الاخ ..فرحت انك فكرت باختك وبتطلعها من العذاب النفسي الي هي عايشه فيه .. اتوقع بتلتحق بنادي ويمكن تتعرف على حسناء ...

طيف ... تسلم يمينك .. ومشكوره حبيبتي ..انت كاتبه تستاهل المتابعه ..واتمنى من كل القراء يردون على الكاتبه ولو بكلمه بس 😉
خلوكم كرماء ترى كاتبتنا تستاهل 💚💕

طِيفْ 22-11-19 11:27 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شبيهة القمر (المشاركة 3722783)
السلام عليكم
طيف حبيبتي شوفي اول رد لي هنا ...
وارجع واقول لاتحبطك قلة الردود ..الكاتب يكتب ليثبت ذاته وقدراته .. وانت ماشاءالله قدرتي واثبت قدرتك ومهارتك بالكتابه .. فأمنيه لاتخلين قلة الردود تقلل من طموحك واستمري ونحن معك ... وماشاءالله يكفي المشاهدات % 👍

نجي لابطالنا .. قاهرني هاليحيى استغفر الله طالع على ابوه في قسوته وطيشه يعني هو غصب طارق يشتغل معكم .!! مدري ليييه احساسي ان يحيى بيحط عينه على شهد كنوع من الانتقام اما منها او من فهد ...
سلطااان يالله اكيد انت الي باخر البارت بتمسك فهد وتجلده .. يعني انت وولدك كل شي عندكم بالاكراه ..
غسان ..نعم الاخ ..فرحت انك فكرت باختك وبتطلعها من العذاب النفسي الي هي عايشه فيه .. اتوقع بتلتحق بنادي ويمكن تتعرف على حسناء ...

طيف ... تسلم يمينك .. ومشكوره حبيبتي ..انت كاتبه تستاهل المتابعه ..واتمنى من كل القراء يردون على الكاتبه ولو بكلمه بس 😉
خلوكم كرماء ترى كاتبتنا تستاهل 💚💕


:110:

حبيبة قلبي ، القمر بذاته .. ربي يسعدِك تواجدك دائماً يسعدني و إطرائك دائماً يحفزني ، هذا من لطفك و من جمال ذوقك ، و أكييد ما راح تكون قلة الردود سبب لاحباطي ، ما تعوّدت أبدأ عمل و ما أكمله ، و دام إن في جميلين مثلِك مستحيل أتركهم ..

ربي يسعدِك سعادة الدارين ،، أنرتِ يالغلا

طِيفْ 22-11-19 11:29 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، قرائي الغاليين ، يؤسفني إخباركم إنه اليوم ما فيه بارت ، ما راح أقولكم ظروف و غيره ..
البارت موجود لكن بصراحة نفسيتي الأسبوع اللي فات ما كانت كويسة لذلك هالشي ظاهر جداً في البارت أحداثه مو مرضية ولا طريقة السرد أعجبتني ،
ماني حابة أي جزء في روايتي يكون أقل من المستوى ، إن شاء الله ما بتأخر عليكم ، و أتمنى تعذروني .. أحبكم ، طِيفْ!

شبيهة القمر 27-11-19 12:18 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
👀
وينك طيف عسى المانع خير

طِيفْ 30-11-19 11:26 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

وحشتوني يا غوالي ، قبل كل شيء اعتذار كــبيــر على التـأخـير ، سَبق و أخبرتكم إني قرأت الجزء بعد ما كتبته و ما أعجبني حسّيته مجرد صف كلام و أبداً ماهو بمستوى الأجزاء السّبعة السابقة ، و لهذا السبب قلت لا والله ، بتأخر أحسن ما ينزل جزء دون المستوى ، لأن قرائي يستاهلون أجزاء عالية المستوى تصِل لذائقتهم ،
و أتمنى هالشي يخليكم تعذروني شوي .. و بعد حدث أمر خارج عن إرادتي ما كان برغبتي أتأخر لمدة أسبوع كامل ، لكن أصبت بإنفلونزا حادة شوي تقريباً كل البيت كانوا مصابين و عارفين الجو بهالوقت و تقلباته ، و لذلك كان صعب علي أسوي التعديلات اللي في دماغي بشكل أسرع ، العذر و السموحة أتمنى تعذروني ..

عِندي عَتَب صغنون ، الرواية تم نقلها دون إذن ، مو هنا زعلي ، زعلي إن اللي ينقلونها ما يكتبولي تعليقاتهم و آراءهم عالأجزاء ، ليه بس كِذاا :/

خلاص ، طوّلتها عليكم ، جاهزين للبارت ؟

بسم الله نبدأ ،

" لَن تستَطيع سنينَ البُعدِ تمنعنا ،
إنَّ القُلوبَ برغمِ البُعدِ تتّصِلُ .
لا القَلبُ يَنسى حَبيبًا كانَ يعشَقهُ ،
و لا النُّجوم عن الأفلاكِ تنفصِلُ . "

*امرؤ القَيْس .

و في نَشوةِ العِشقِ صِرنا رمادًا ، بقلم : طِيفْ!

الجزء 8


الحِقد ، كما الحب ، مُتساويان في المقدار ، متعاكسان في الاتجاه ، ذاكَ يقترِب ليسعَد ، أما أنا فسأقترِب لأنتقم .. لم أقَع في الحُب قط ، لكنني قد وَقَعت في الحِقدِ أخيراً ، منذ زَمن و أنا أشعر بالنّقمة على عدل الدنيا المزيّف ، أقنع نفسي دوماً بالقناعة و الرّضا ، إلا أن كل شيء يُعاكِسني ، يدعوني للحقد على حياتي ، و حياة من هم حولي ..
لِمدّة قصيرة ، ظلّت عيناه متعلقتين في سقف الغُرفة المتشقق ، القهر يأكل ملامح وجهه ، العجز يفتك به كمُقعَدٍ في أمسّ الحاجة للهرولة ، نَهَض من مكانه يصرخ بغضب و جنون ، ما جعل والدته و أخواته في الخارج ينتفضن خوفاً ، تقدّم من خزانته ، فتح بابها المتهالك بقوّة أسقطته أرضاً ، بدأ يأخذ قمصانه ، يُلقيها أرضاً و يدوسها بقدميه ، دخلت شهد بخوف ، تراه في حالة لم يسبق لها أن رأته بها ، اقتربت منه تُحاوِل أن تُحكِم سيطرتها على حركاته الانفعالية ، شهد بنبرة مرتجفة : بسـم الله عـليك ياخوي وش فيك وش مسويين فيك هذولا اللي ما يخافوا ربنا ؟؟
جلس أرضاً ، يتنفس بسرعة و يلهث كأنه كان يركض في ماراثون طويل جداً ، تجلِس شهد إلى جانبه ، تمسح جبينه المتعرق بكفّها و تتمتم : بسم الله عليك ، بسم الله عليك ..
كلمات متقطّعة تخرج من صوتِه المتحشرج : أنا طـارِق الحمد ، واحد مثل يحيى يمد إيده علي ، يهيني و يذلني و أظل ساكِت ؟
تنهّدت شهد : مالك غير تقول حسبي الله و نِعم الوكيل ، علِقنا مع واحَد ظالِم وش بنسوّي ؟ محـنا قـدّه يا طارِق ..
هزّ رأسه برفضٍ لِفكرة الاستسلام : لا والله يا شهـْد ، مو أنا ، مو طارِق اللي يسكت عالإهانة من غير ما يردها ..
تنظر إليه بِقلق : وش بتسوّي يعني ؟ طارِق تكفى ، إحـنا ما نقدر عليه ، مابيه يأذيك ، هذا ما يخاف ربنا !
ثبّت عينيه في عينيها ، تِلك الحدّة لم تراها في نظراته من قبل ، إنّه الرجل حين يحقِد ، إنه نداء رجولته التي حاولت أن تستبيحها ، قال : شهـْد ، هذولا المحققين ، حطولي أجهزة تنصت في قمصاني ، و مادري وين في البيت ، أبيكِ تفتشي ملابسي و البيت كويّس ، و إذا لاقيتي شي فوراً تعطيني إياه ،
عَقَدت حاجبيها : أجهزة تنصّت ؟ و إنت شلون ما حسّيت ؟
طارِق : حبيبتي هذولا عارفين شلون يحطونها و وين ، و أحجامها بعد ، أكيد ما بحس ، ليش سمّوها أجهزة تنصت ؟
صمتت تفكّر ، أردف طارِق : المهم أبيك تدوري كويس ، و هذا يحيى لو رجله تخطّي عتبة بيتنا بكسرها ، " نَظر إلى قمصانِه المُلقاة أرضاً ، بغضب رفع صوته : " سامعني يا يحيى ، والله بكسر رجولك لو عتبت باب بيتنا ، سـامـعني يَحيى ؟!!
اقتربت شهد بجزع ، وضعت يدها فوق فمِه ، و بنبرة رجاء هامسة : اششش ، صوتَك ! طارِق ناسي هذا وش يشتغل و ايش يقدَر يسوّي فينا ؟
حرّك رأسه ، أزاح يدها بغضب : أنا ما أخاف إلا من اللي خَلقني ، و سوي مثل ما قلتلك ..
نَهض عن الأرض ، توجّه نحو الباب ، التفت إليها و قال : و أنا جاي شفت اللي ما يتسمى طالِع من بيتنا ، شنو كان يسوّي هِنا ؟
شهد : مادري ، قال يبغى يشوف أبوي ، و قعدوا مع بعض أنا كنت في المطبخ ما قدرت أسمع كل شي ، بس سمعته يسأل عن فهد ..
طارِق : و أبوي وش قال ؟
هزّت كتفيها بجهل : مادري ، ما كنت سامعة كل شي ، هذا المحقق ما بيحل عنا إلا يخرب علاقتنا مع بيت عمي بو فهد الله يرحمه ..
هزّ رأسه بوعيد ، و خرج ..وَيلاه كم يكون الإنسان قادراً على التغيّر ، و كيف تتغير نظرات عينيه بلحظات ، كيف تُدس كل تِلك القسوة فيهما !


،,

" الله أكـبر الله أكـبر "

على صَوتِ أذان المغرِب ، دخل إلى غرفتهم المُعتِمة ، تجلِس مريم على سجّادتها بنصف جسدِها مرتدية لِباس الصلاة ، رأسها مُستلقٍ فوق ذِراعيها الراقدة على الكُرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعَل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نِصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم ، قال بهمس : مريم ، قومي حبيبتي ..
انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ ..
فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟
عِصام : توني أدخل ..
بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله ..
عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فهالوقت ماهو كويس ؟
مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت !
عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟
هزّت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت ..
عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع ؟
وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس ، و أنا ماني قادرة يا عصام !
ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي ، و هالشي ما ينحمل !
عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟
عِصام ينظر إليها بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحال صدق بتقلبي حياتنا لجحيم ..
تتسع عيناها : أنا قالبة حياتك جحيم يا عِصام ؟
عِصام بحدّة : من يوم عرفتِ عن التحاليل و إنتِ قالبة حياتي نكَد ، قلتلك مستحيل أتزوج عليك لو بظل من دون أولاد طول عمري ، و قلتلك العلاج موجود و فيه أمل و إنتِ مصرّة عالنكَد ! لا قادرة تقعدي مع أمي ، ولا قادرة تعيشي معي مثل البشر ، أنا ما رح أتحمل كل هالشي اللي فيني كافيني !!
ارتخت أنظارها نحو الأرض ، دون أن ترد بتعليق واحد ، توجّه إلى الخزانة ، تناول منشفة بيضاء طويلة ، أردف بذات الحدة و هو يتجه نحو باب الحمام : هالحياة ما تنطاق قاعِد أتحمل و أقول الحرمة تعبانة بس مو لهالدرجة اليأس و النكَد الناس قاعدة تنبلى بأمور أكبر من كِذا ما شفتهم يائسين مثلِك ! الضّحكة ما تطلع منّك إلا بفلوس ، مو كفاية علي مشاكل الشغل أرجع ألاقي نكَد في البيت ! تعبتيني معاكِ !
دخل إلى الحمام ، أغلق الباب خلفه بقوة أفزعتها ، جلست على طرف السرير و قد احتشدت الدموع في عينيها ، كانت تِلك اللحظة التي ستبدأ فيها الخلافات بسبب الإنجاب ، هي اللحظة التي تنتظرها ، تعرِف أنّها ستكون قاسية كهذه اللحظة أو أشد قسوة ، و سيبقى الانتظار أصعب ما تفعله ، انتظار ينهي هذا الزواج ، لا يمكن أن يستمروا دون أهم أساس في هذه العلاقة ، لا يُمكِن ..


،,

أَيُعقل أن هذا كله كان يوماً واحِداً ؟ يا لذلك اليوم اللئيم على قلبي يا الله ،
تنفّست بعمق بعد أن أدارت مفتاح السيّارة لتطفئها ، ارتخى رأسها إلى مسند الكرسي ، عيناها تستسلمان فتغلقهما بإرهاق ، تفتحهما مجدداً ، تخرج من بين شفتيها الورديتين تنهيدةً و هي ترى نور الصّالة مشتعِلاً ، سَحبت المفتاح ، تناولت حقيبتها و نزلت بخطوات متكاسلة تمشي نحو الباب ، فتحته و دخلت مُنهكة ، ثبتت في مكانها حين رأته واقفاً أمامها يُحملِق بها بنظرات غير مفهومة ، نَظرت إليه بجمود لا يعكِس ما بداخِلها من فوضى ، تحرّكت متجهة نحو الدرج ، مصطنعة اللامبالاة ، استوقفها سؤاله : ويـن ريـم ؟
دون أن تلتفت ، تتابع صعودها : مادري ..
استوقفها مرة أخرى ، بنبرة انفعالية : ديــانــا !
التفتت بذهول ، نِصف ابتسامة ساخرة ظهرت على وجهها ، رافعة حاجبها الأيسر : ديانا ؟ من 10 سنين ما ناديتني ديانا ، وش اللي صار اليوم ؟
لم يرد ، نظراته لها كانت لاذِعة ، نَزلت 3 درجات ، أردفت بنبرتها الساخرة : ديانا بنتك ، بس حسناء مو بنتك ، عشان كِذا غيّرت اسمي ، يعني لا بغيت تمون علي تناديني باسمي ؟ ولا احتجتني في شغلك تناديني حسناء ؟
صَعَد درجتين ، وَصل إليها ، أحكم قبضته على ذراعها و ضغط عليها ليؤلمها : اسمعي يا بنت ، قولي وين ريم و إلا أقسِم بالله بسوي شي لا يرضيكِ ولا يرضيها !
نَفضت يدها منه بقوّة : متى سويت شي يرضيني أصلاً ؟ ريم تركت المستشفى و اهية الحين في أوتيل ، و مادري أي أوتيل لا تغلّب روحك و تسألني ..
عمر بسخرية : على أساس إني ماقدر أعرف وينها !
أمالت رأسها : ممتاز ، أجل لا تسألني استخدم نفوذك و جيبها ،
عمر : وش صار معاكِ بسالفة المنشطات ؟
صمتت لثوان ، ترمقه بنظرات ما بين حقد و عتب و خيبة ، بصوت خافت : تصبح على خير ..
أدارت ظهرها ، صعدت إلى غرفتها و قد فكّت نصف لباسها على الدرج ، شيء ما يقِف في حنجرتها يحبس عنها التنفس ، لقد كان من المبكر جداً يا أبي أن أكره حياتي ، أشعر أنني خمسينية فقدت القدرة على الرؤية و الكلام ، متى تنتهي يا صَبري الذي أنهكني طولَه ، متى أخبرني متى تنفذ ؟

نَزل عُمر الدرج ، اتصل بعابِد و هو يجلِس أمام شاشة التلفاز ، دون عبارات ترحيبية قال : عابِد ، ذكّرني بكرا نمر البنك ، عندي شغلة بسويها ..
أغلق الخط ، ألقى هاتفه أمامه على الأريكة ، يقلّب محطات التلفاز بدون تركيز ، يحدّث نفسه : بسيطة يا ريم ، حبيتي تلعبي معاي ، بنشوف مين بيفوز في النهاية ..

،,


الحادية عشرة و النصف مساء الجمعة ، قد أوشَك ذلك اليوم الطّويل على الانتهاء أخيراً ، نسائِم الخريف بدأت تتجول بخفّة في الشّرق الخلّاب ، تداعب سِتارة غرفة أم فهد البيضاء الرقيقة ، تتحرّك بعذوبة جَميلة ، يسترخي فهد على الأريكة المقابلة لسرير والدته النائمة ، يُراقب بقلق صعود صدرها و هبوطه ، تنفّسها المضطرب أثناء نومها ، أخذ نفساً عميقاً ، انحنى و هو يُسنِد ذراعيه إلى ركبتيه ، يشبِك أصابعه بتوتر ، يفكّر في إيقاظها ، ولا يرغب في إزعاجها ، يهتزّ جوّاله في جيبه معلناً عن رسالة وصَلته ، تِلك التي تُخرجه دوماً من سفوح الحزن إلى أوجِ السعادة ، بكلماتها البسيطة ، الخَجل المتناثر من رسالتِها ، حُمرة خدّيها في حروفها ، تصنع تِلك الابتسامة الوحيدة التي استطاع فهد أن يختطِفها من ماضيه ، ليضعها في حاضِره ،
" طارِق صار في البيت ، ماني عارفة شلون أشكرك ، الله يحفظك يارب "
كيف تستطيع تِلك الصغيرة أن تنقله إلى دنيا ثانية ، برسالة مرتبكة الأحرف ، أخذ نفساً عميقاً ليكتب الرد ، إلا أن صوتَ والدته الخائر ، جعله يلقي الجوّال جانباً ، يتجّه إليها بسرعة متلهفاً ، انحنى يمسح بأنامله رأسها : يمه تبي شي ؟ قولي آمري !
فَتحت عينيها ، انتفاخ وجهها و يديها واضح بشكل ملحوظ لديه ، تقول بتعب : راسي مصدّع و ماني قادرة أتنفّس !
التفت إلى النافذة بسرعة ، و أعاد نظراته إليها : يمّه الشباك مفتوح !
ابتلعت ريقها و كررت : ماني قادرة أتنفّس خذني المستشفى
هز رأسه بخوف ، أسرع إلى غرفته ليتناول سُترته الخفيفة ، أخذ عباءة والدته ، وَقف أمامها و قال : قادرة تمشي يمه ؟
هزّت رأسها بـ نعم ، فهد و هو يرفع الغِطاء عنها ، يمسك بيدها : يلا يمه قولي بسم الله ، استندي علي ..
ضَغطت بقوة على يده و هي تهمس : بسم الله ،
دَفعت جسدها إلى الأمام لتجلس بصعوبة ، ولا زال تنفّسها مضطرباً ، ألقى عليها عباءتها بإهمال ، عدّل حجابها على رأسها ، تشبثت بيده مرة أخرى ، تنهض من سريرها بصعوبة ، ببطء خطواتها و هي تشعر بارتجاف يد فهد و برودتها ، و ضربات قلبه المتسارعة ، وَصلوا إلى السيارة بعد جهد ، ساعدها لتجلس في المقعد الخلفي ، و بعَجَلة توجّه إلى خلف المقود ، يقول بخوف و هو يضغط بقدمه على دعسة البنزين : يمه لا تقلقي هالحين باخذك لأحسن مستشفى في البلد ،
كان الطريق طويلاً جداً ، ولا أريد يا الله خَسارة أخرى ، فلم أتعافى بعد من خسارتي الأولى ،

،,

تُداعب نسمات الهواء وجهها الرقيق ، دون أن تظهر منها أي ردة فعل بالارتعاش و السعادة الي تغمرها عادة ما داعبت تِلك اللفحة الهوائية الهزيلة وجهها ، تستلقي في سريرها بقميص نومها البحري اللون ، ظهرها لباب الغرفة ، أمامها النافذة ، نظرات عينيها ثابتة في سماء مظلمة تُبرق فيها نجمة وحيدة مثلها ، يستقر كفيها بجزع فوق بطنها الذي يملأه الهواء ، لم تلتفت لدخوله البطيء ، ينعكس خياله على نافذتها ، يقف عند الباب متمسكاً بمقبضه ، نظرات معاتبة ، و قلب أضناه التنهّد يراقبانها ، أغلق الباب الذي أصدَر صريراً مزعجاً ، لم ينجح في لفت انتباهها ، اقترب منها و هو يعرف كم من المعاني كان يحمل كلامه اليوم لها ، يحاول منذ فترة أن يكون أكثر حذراً معها ، لكنه كان اليوم أكثر قسوة ، و جرحاً .. تقدّم أكثر نحو السرير ، ولا زالت هامدة في مكانها ، استلقى إلى جانبها ، يتنحنح علّها تنظر إليه ، اقترب أكثر ، التصق صدره بظهرها ، مدّ ذراعيه ليطوقها ، و يُغلق كفيه فوق كفيها ، يقول بخفوت : آسف ..
أدارت وجهها ، نظرت إليه ، ثم عادت للتحديق في تلك النجمة الوحيدة ، أردف بعد أن تنهد : مريم ، أنا مو عاجبني حالنا ..
أخذت أنفاساً متتالية ، أجابت بصوت مبحوح : ولا أنا عاجبني حالنا ..
عِصام : أنا قلتلك تزوري الطبيبة عشان لو فيه مشكلة تعالجيها ، ما شفتك زرتيها مرة ثانية !
مريم : وش بقول لأمك ؟ بروح الدكتورة أتعالج لأني ما أجيب عيال ؟
سَحب يديه عنها بغضب ، اعتدل في جلسته و قال بحدة : و بعدين عاد ! وش تبي في أمي ؟ و لو قلتيلها قاعدة تتعالجي وش بتسوي ؟ بتقص راسك ؟
عدّلت جلستها هي الأخرى ، و بنفس نبرته أجابت : ما بتقص راسي طبعاً ، بس ما بتركك إلا لما تتزوج علي ..
عِصام : أمي ممكن تتكلم في هالموضوع مرة و مرتين و عشرة ، لكن مستحيل تجبرني على هالشي ، إنت عارفة إني رافض لفكرة الزواج الثاني ، وش اللي مخوفك ؟
مريم : عالحالتين ما راح نكون مرتاحين ، أنا ماني راضية إنك تنحرم الضنا بسببي ! و أكيد عمتي ما راح تهنينا لو عرفت إني ماجيب عيال حتى لو ما تزوجت حياتنا بتصير كلها مشاكل !
رفع حاجبه الأيسر : ترى حيرتيني ، وش تبي بالضبط ؟
أرخت نظراتها ، تلعب في خاتِم زواجها بتوتر : مادري ، صدقني مادري ، أنا هالفترة ملخبطة كثير و ماني عارفة أفكر بشي ..
أدار جسده ليصبح مواجهاً لها ، أمسك بيدها : اللي لازم تفكري فيه الحين هو العلاج ، و بعدين لكل حادث حديث ، و ترى أمي ماهي كائن متوحش تخافي منها ! أمي تحبك مثل بنتها من يوم دخلتِ هالبيت ، و إنتِ عارفة هالشي ..
هزّت رأسها مؤيدة لكلامه ، رفع يدها ، قبّلها ، قال بصوت منهك : مريم أنا تعبان من كل شي ، أبيكِ معي ، مو علي !
مدّت يدها اليسرى ، تتحسس ذقنه بحب : سامحني ، عارفة إني كنت مثال للزوجة النكدية الفترة اللي فاتت ،
هز رأسه بتأييد ، و بلهجة مازحة : ايه والله نكدية ..
تضحك ، تضربه بخفة على كتفه : والله ؟
يضحك عِصام : ههههههههههههههههههههههه " يحتضن رأسها و يقبّله " : أحلى نكدية والله ، بس مو تصدقي و تسودي عيشتي !
ترفع حاجبيها : لا انت صدق بتزعلني منك ، متى سوّدت عيشتك يالنصاب ؟
عصام : مو من زمان ، من 3 سنوات بس ..
بنبرة احتجاجية ، و بنصف ابتسامة تخجل من الظهور : والله ؟
يبتسم بحب ، مد يده تتحسس خدّها الناعم : مريم ، اتوكلي على ربنا و لا تكوني يائسة ، إنتِ مو أكرم من ربنا ، حرام تسيئي الظن فيه ، ربنا قال : " ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوحِ الله إلا القَوم الكافِرون "
مريم بهدوء هزّت رأسها : صدق الله العظيم ..
عِصام : يلا ، قومي ننزل نقعد مع أمي شوي قبل لا تنام ..
مريم : لسا ما نامت ؟
عصام بعتب : زعلانة عاللي ما قعدت معاها طول اليوم ،
ارتخت نظراتها للأسفل بخجل ، نهضت عن السرير و تبعته بصمت ..


،,


خرَج برفقة الطبيب إلى خارج الغرفة ، يطقطق أصابعه باضطراب ، يلتفت الطبيب إليه : ما عليها شر إن شاء الله ..
هزّ فهد رأسه : تسلم ، بس وش اللي صاير معاها ما فهمت ؟
تنهّد الطبيب : خلينا نشوف نتائج التحاليل ، و بعدين نتكلّم ..
فهد بخوف : دكتور ، صارحني ! شاكك بشي ؟
ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه ، ربت على كتفه : لا تخاف ، إن شاء الله ما في شي ، بنشوف التحاليل أول ، ماله داعي تخاف ..
فهد : طيب ، أمي بتنام هنا ؟
الطبيب : طبعاً طبعاً ، إن شاء الله بكرا بتكون النتائج جاهزة ، ما عليها شر ..
هزّ فهد رأسه ، غادره الطبيب ، أخذ فهد نفساً عميقاً و دخل .. ابتسم لوالدته المرهقة بقلق ، جلس أمامها و أخذ يشتت أنظاره بعيداً عن وجهها ، تساءلت بتعب : وش قالك الطبيب ؟
نَظر إليها ، ابتسم بارتباك : ما قال شي يمه ، ينتظرون نتائج التحاليل ، إن شاء الله خير ..
ابتلعت ريقها ، ثم قالت : أنا بـمـوت ..
انتفض فهد ، قال بضيق : بسم الله عليكِ يمه ! لا تقولي كِذا !
اقترب بكرسيه منها ، انحنى يقبّل يدها : لا تقولي كِذا ، أنا ما عندي غيرِك !
أخذت نفساً عميقاً : كل إنسان له عمر ، و أنا ماني قادرة على هالدنيا بعد أبوك يا فهد ، ماني قادرة ..
فهد بابتسامة معاتِبة : و أنا وين رحت ؟ لمين بتتركيني ؟
جواهر : للي تركتني عشانهم و سافرت ،
أخفض بصره و هو يقول بخجل : نفس الموضوع يمه ! أنا رحت بشغل ، شغل ..
ضغطت بيدها الضعيفة على يده : يمه ، طالعني ..
رَفع أنظاره لها ببطء ، قالت : أنا ماني عارفة وش هو هالشغل ، بس متأكدة إنّك مخبي عني شي ، يمه أنا خايفة عليك ..
ابتسم : ليش الخوف ؟ أنا مو رجال ؟
جواهر بصوتها المبحوح : إلا ، زينة الرجال يا بعد أمّك ، بس إنت ماشي بطريق ماله آخرة ، أنا أم و أحس ، مَنت مرتاح يا ولدي !
أخذ نفساً عميقاً ، ابتسم بعده بتوتر : نامي يمه و ارتاحي ..
جواهر : فضفض يمه ، قول ، أنا اليوم هِنا ، يمكن بكرا ما أكون موجودة عشان أسمعَك !
نهض لينحني ، يقبّل جبينها : ربي ما يحرمني منّك ، يمه و اللي يخليك لا تقولي هالكلام ، اتحسني أول و بعدين نتكلم باللي تبيه ، اتفقنا ؟
بيأس هزّت رأسها موافِقة ، ابتسم و عاد للجلوس مكانه ، أطبقت عينيها محاولة النوم دون جدوى ..

،,


صباح جديد ، يُلقي نظرة إلى جهاز الحاسوب و هو يعدّل كم قميصه ، يرفع حاجبيه و قد لاحظ وجود تسجيلاً جديداً ، يبتعد عن طاولة المكتب لتتجه نظراته نحو الباب حيث دخل إبراهيم ، بوجهه العابس : صباح الخير ..
يَحيى : صباح النور ، جاي بدري ؟
إبراهيم ينظر إلى ساعته في يده : الساعة 8 بالضبط ، إنت اللي جاي بدري ، شعندك ؟
يحيى بابتسامة : شغلي ما غيره ، بس عزيز تأخر ، أنا نازل أشوف طارِق عبال ما ييجي ..
إبراهيم : منو طارِق ؟
يحيى يتجه للباب : سالفة طويلة بعدين أقولك ، قول لعزيز يلحقني لازم نروح عند فهد ..
خرج دون أن يترك له مجالاً للكلام ، مَسح إبراهيم وجهه بكفه بلامبالاة ، أشعل جهاز الحاسوب ، دقيقتين حتى التفت للصوت القادِم : صباح الخير ..
إبراهيم بابتسامة : صباح النور ، يحيى سأل عنّك ..
عَبس وجهه و هو يتجّه نحو مكتبه : يا فتّاح يا عَليم ..
إبراهيم يركّز في شاشة حاسوبه ، يكتم ضحكته : الله يكون في عونك ..
جَلس عزيز أمام شاشته ، يتساءل : يحيى اهوة اللي مشغّل جهازي ؟
يزم إبراهيم شفتيه : مـدري ، بس أكيد يعني ، اهوة كان أول واحد هِنا ..
عزيز يُدقق في التسجيل الجديد الذي لم يُفتَح ، يرفع أحد حاجبيه مستغرباً ، يتناول السماعة و يضعها فوق أذنيه ، يضغط على زر التشغيل ، تبدأ الأصوات غير الواضحة بالتردد عبر السماعات ، يعقِد عزيز حاجبيه بتركيز ، يأخذ نفساً عميقاً و هو يشتت نظراته في الغرفة و يفكّر في رد فعل يحيى لو سمِع ذلك الكلام ، أنزل السماعات عن أذنيه ببطء ، ظلل التسجيل ، طقطق أصابعه بتردد و هو يفكر ، سمِع صوت خطواته الغاضبة قادمة ، ضغط على مفتاح الحذف بسرعة ، توجهت نظراته إلى يحيى الذي دخل غاضباً ، وقف يحيى عِند الباب و هو يرى عزيز مكانه ، وجه كلامه لإبراهيم : أنا مو قلتلك تقول له إنه يلحقني ؟؟
إبراهيم بحدّة : أشتغل عندَك أنا تكلمني كِذا ؟
عزيز : قال لي ، و كنت عارف إنك بترجع لأن طارق ماهو موجود ، ألحقك ليش ؟
تقدّم يحيى ، بهدوء لا يُنبئ بالخير : يعني عارف إن طارِق ماهو موجود ؟ إنت اللي أخليت سبيله ؟
صَمت عزيز ، يصرخ يحيى : جاوبني إنت أخليت سبيله ؟
صوت من خلفه : أنا اللي أخليت سبيله يا يحيى ..
يلتفتون في آن واحد إلى الباب ، يقف عِصام بنظرات متحدية ليحيى ، و يردف : برافو يا يحيى ، المساعِد حقّك وفي جداً ، قلتله يخلي سبيل طارِق ما رضي ، فاضطريت إني أتصرف ..
يحيى : و دام إن مساعدي رفض ، بأي حق إنت تخلي سبيله ؟
يجلس عصام خلف مكتبه ، بلا مبالاة يرد : قبل إنت جاوبني ، بأي حق تسجنه ، و بأي حق تجبره يستلم مهمة زي كذا ؟
يحيى بنبرة غاضبة : هذي القضية قضيتي و ما يحقلك تتدخل فيها !
أمال عِصام رأسه ، حدّق فيه بحدة : شوف يا يحيى ، إنتَ قاعد تتخطى حدودك مع رئيس قِسمك ، هذا آخر تنبيه شفهي ، لا تخليني أضطر أوجهلك إنذار خطي ..
يحيى يرفع حاجبه الأيسر وسط مراقبة إبراهيم و عزيز بصمت : تهديد يعني ؟
عِصام دون أن ينظر إليه : بالضبط تهديد ، و لو ناسي في سيدي أخذته أول يوم داومت فيه هنا ، يوضحلك صلاحياتك و صلاحيات زملاءك حسب الرتبة ، تقدر تراجع معلوماتك ، عشان ما تخسر وظيفتك ، و أنا للحين سامحلك تمسك القضية و إنت عارف إني قادر أسحبها منك ، فخليك عاقِل معاي ..
أخذ يحيى نفساً عميقاً ، محاولاً أن يتجاهل تهديداته ، التفت نحو عزيز ، تقدم من مكتبه و قال : بعدلي كذا في تسجيل جديد ، سمعته ؟
يبتعد عزيز عن كرسيه ، يجلس يحيى مكانه ، يرد بارتباك : ما شفت تسجيلات جديدة !
يحرّك الفأرة ، ينتقل ليضغط على البرنامج ضغطة مزدوجة ، يدقق النظر في زاوية التسجيلات الجديدة ، لا يوجد أي تسجيل ، ينظر إلى عزيز : كان فيه تسجيل جديد ، وين راح ؟
عزيز بتوتر : ما كان فيه تسجيلات أبداً ،
نظر إليه إبراهيم الذي قد لاحظ أنه كان يستمع إلى شيء ما قبل دخول يحيى ، بادله عزيز النظرات ، التزم الصمت ، يضرب يحيى كفّه بالطاولة و يصرخ : شـلـون يعني ؟ تبي تجنني ؟؟؟ قبل لا أنزل كان في تسجيل ، وين رااح !
عصام بحدة : قصّر صوتك ..
ينظر إليه يحيى بحقد ، يلتفت إلى عزيز : واضِح في شي ما تبيني أعرفه ، ماشي يا عزيز حسابك بعدين ..
أخذ سماعة الهاتف الأرضي ، ضغط على الأزرار و قال بحدة : آلو ، ابعثولي أي واحد من قسم الحاسوب ، أبيه يرجعلي شغلات محذوفة من الجهاز ..
أطبق سمّاعة الهاتف بغضب و هو يشتت نظراته بينهم ،


,,

طِيفْ 30-11-19 11:27 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

،,


تتقلب في سريرها بانزعاج من صوت رنين الهاتِف ، تأفف و هي تحرّك يدها نحو الكوميدينا لتلتقطه ، واضعة العصبة السوداء فوق عينيها ، تلتقطه أخيراً ، ترد بصوت يملأه النعاس : آلـو ..
صوت خشن يتحدث بالإيطالية : صباح الخير آنسة حسناء ،
ترفع رأسها باستغراب ، ترفع العصبة فوق شعرها ، تنظر إلى الرقم الغريب ثم تعيد السماعة إلى أذنها ، يكرر الرجل : آنسة حسناء ، هل تسمعيني ؟
تنحنت : نعم نعم ، تفضل ، من المتحدث ؟
الرجل : ستعرفين لاحقاً ، لكنني أريدِك في موضوع يخص العمل ..
عقدت حاجبيها : عن أي عمل تتحدث ؟
الرجل : أنا طالب من كلية الرياضة في جامعتك ، و لدنيا بطولة أمام كلية الرياضة في جامعة أخرى ،
حسناء : و ما المطلوب مني ؟
الرجل بغموض : الفـوز ..
حسناء : عفواً ؟ و ما علاقتي بفوزكم ؟
الرجل : تعرفين تماماً علاقتك ، في المرة الماضية كنت سبباً في فوزهم ، الآن عليكِ أن تخدمي طلبة جامعتك ..
حسناء بحدّة : اعذرني لكنني لا أفهم عن ماذا تتكلم ، سأغلق الآن ..
يرد بحدّة مماثلة : لن تغلقي يا حسناء .. يجب أن نتقابل ..
حسناء تنظر إلى الساعة : هل الآن ؟ هل يتصل أحد ليقابل أحداً في هذا الوقت ؟ هل أنت مجنون ؟
يضحك : هههههههههههههه بالطبع لا ، يبدو أنك كسولة قليلاً ، سأنتظرك بعد ساعة مقابل الجامعة ..
حسناء : أنسيت أننا في عطلة ؟ و هل سأخرج لأقابل رجلاً لا أعرفه ؟
الرجل : ستعرفين ، بعد ساعة سأكون في انتظارك ، و أرجو أن لا تجادليني ..
أغلق الخط دون أن يترك لها مجالاً للكلام ، تأففت و ألقت الجوّال جانباً ، نهضت من سريرها بتكاسل ، وضعت روبها الدافئ فوق جسدها ، خرجت من غرفتها و هي تسمع أصواتاً من الأسفل ، متعجبة أن والدها مستيقظ في ذلك الوقت الباكر جداً ، وقفت عند بداية الدرج و هي تسمع والدها يحدّث عابد : يعني اليوم البنوك كلها مو شغّالة ..
عابد : سيد عمر إنت عارف اليوم عطلة ، بس ممكن لو تبي نروح على فرع البنك بالمول ..
عمر : مو كل المعاملات بيسوونها بأفرع المولات ، أنا ماني فاهِم شلون ما قلتلي أمس إن اليوم عطلة !
عابِد بنصف ابتسامة : سيد عمر إنت في هالبلد من قبلي و عارف إن السبت عطلتهم ..
عمر بحدة : والله ؟ و تخفف دم بعد ؟
ارتخت نظراته و هو يخفي ابتسامته ، قال بهدوء : سيد عمر إنت ما بتسوي معاملة كبيرة إنت تبي توقّف حساب زوجتك و هذي عملية بسيطة تقدر تسويها بأي مكان ..
اتسعت عينا حسناء و هي تسمع كلام عابِد ، قال عمر : طيب روح هالحين ، الظهر نتكلم و نشوف ..
خرج عابِد ، سمع عمر صوت خطوات حسناء و هي تنزل الدرج ، يتذمر داخلياً هذه الفترة من تصرفاتها و تمردّها ، يبتعد ليجلس على أريكته ، ينظر إلى ظلها من خلال شاشة التلفاز المُغلقة ، ترتخي نظراته ليركز في شاشة جواله دون أن يبالي بقدومها ، تلقي نفسها إلى الأريكة المجاورة و تقول : صباح الخير ..
عمر دون أن ينظر إليها : صباح النور ..
يعم الصمت لدقيقة ، تحدّق فيه بنظرات غير مفهومة ، يتساءل بعدها : وش مصحيك هالحين ؟
تُميل رأسها : الشّغل ..
ينظر إليها : أي شغل ؟ في شي ما أعرفه ؟
تبتسم ابتسامة ذات مغزى ، تشتت أنظارها في أشجار الحديقة الظاهرة من خلف زجاج النافذة : لا ، قبل شوي اتصل فيني واحد ، يقول إنه من جامعتي ، و واضِح إن فيه أحد دالّه علي ..
عقد حاجبيه : منو يعني ؟
تهز كتفيها بعدم معرفة : ما أدري ، بعد شوي راح نتقابل و نشوف ..
يترك جوّاله ، يقترب منها : تقابلي منو و ليش ؟ ما نبي أي مخاطرة ، اعتذري ، أو خلاص خليكِ ولا تروحي ، و إذا اتصل مرة ثانية لا تردي ..
تنظر إليه و تقول بجدية : و لو كان عارف شي فعلاً ، مو ممكن تكون مخاطرة لو ما لبينا طلبه ؟ الرجال قال إنه عارف لمين بعنا المنشطات المرة الماضية و شلون ساعدناهم يفوزوا !
تتسع عيناه : يعني اللي بلّغه واحد منهم ؟ شلون وثـقـتي فيـهم ؟ مو حضرتك قلتي أمـان ؟
حسناء : مو بالضرورة ، ما كانت أول مرة نشتغل ، إن الأمر ينكشف كان شي متوقع لا تقعد تحط اللوم علي ..
بنبرة حادّة مرتفعة : إنتِ لازم تعرفي مين اللي قاعدة تتعاملي معاهم ، لازم يكون معاكِ ضمانات ! وش كنت أعلمك طول هالسنين ؟؟؟
نهضت : كنت تعلمني أخدمك ، شوف يا ، عُمـر حـرب ، أكلمك الحين بصفتي ، خلينا نقول شريكة عمل ، مو بنتك .. إيّاك تحاول إنك تطلعني غلطانة ، أو تفكّر تضحي فيني ..
بهدوء ، يتساءل عمر : أضحي فيكِ ؟ شلون ممكن أضحي فيكِ ؟
حسناء : يعني ، لو الموضوع وصل للشرطة و الأمن ، لا تتوقع إنك تحطني كَبش فِدا و إنتَ تطلع منها ، هالشي مستحيل ..
نَهَض بصمت ، أمسك كتفيها بكفيه و قال بجدية : متوقعة إني ممكن أسوي شي زي كِذا فيكِ ؟ بنتي الوحيدة متوقعة إني ممكن أترك شي يأذيكِ ؟
ابتسمت بسخرية و هي تنظر إلى يديه المستقرتين فوق ذراعيها : ليش ما حاولت تقتل وِلدك اللي لسا ما شاف الدنيا ؟ و يا ليتَك تتوب ، لسا تحاول تقتله و تقتل أمه !
عَقد حاجبيه ، أردفت : لما تفكّر إنّك توقف حسابات ريم ، يعني كأنك تموّتها من الجوع ، تخيّرها بين حياتها و حياة وِلدها ، أنا ما شفت بحياتي رجال ظالِم مثلَك ..
أنزلت يديه عن ذراعيها بهدوء ، ابتعدت عنه بخطوات بطيئة حتى وصلت الدرج ، عيناها تتبعانها ، وقفت عند عتبة الدرجة الأولى ، التفتت : ربنا أعطاك فرصة يكون عندك ولد حقيقي ، ابن ، يحبّك ، لا تفوّت هالفرصة برأيي ، و لا تتأمل إني أكون بنتَك اللي بتظل معاك لآخر لحظة بحياتَك ، حاول تخلي شخص واحد عالأقل بهالدنيا يحبّك ..


،,


تظهر ابتسامة ساخرة على وجهه و هو يسمع التسجيل الذي حذفه عزيز ، يراقب جميعهم ردود فعله عدا عصام ، يرفع عينيه إلى عزيز الواقف أمامه بتوتر و يقول : طارِق كِبر راسه و قاعد يهدد .. أجل هذا اللي ما تبيني أسمعه ؟
اكتفى بالصمت ، أردف بصوت مسموع و هو يكلّم نفسه : أنا ما أخاف من ربنا ؟
عِصام بحدّة نظر إليه : وش استفدت بعد ما سمعت التسجيل ، يعني وش بتسوي ؟
يحكّ ذقنه بتفكير : مدري ، وش بسوي يعني ؟
عِصام يشبك يديه أمام الطاولة : يحيى إنت قاعِد تلعب ؟ وش قاعِد تسوّي فهمني ؟
يرفع حاجبيه : أنا قاعِد ألعب ؟ هذا رأيك ؟
عِصام يترك مكتبه ، يتقدّم إليه : شوف يا يحيى ، أنا مقدّر حماسك لهالقضية ، بس اللي شايفه إن الموضوع قاعِد يتحوّل لتحدي ، أو أمر شخصي بالنسبة لك ، و هذا مؤشر ماهو كويس ..
يحيى بملل : المعنى ؟
عِصام يأخذ نفساً : المعنى يا تحل هالقضية و تشتغل عليها كمحقق عادي ، يا اتركها لغيرَك ، و خليك صادِق مع نفسك و قول أنا ماني قادر أتعامل مع هالقضية .. إنت لا زلت مبتدئ ، و طبيعي تكون قضية من هالنوع صعبة عليك ...
نهض يحيى : أجل أنا مبتدئ !
يخفي عزيز ضحكته و كذلك إبراهيم ، الذي يتدخل : لا يحيى مو المقصود كذا بس خبرتك في التحقيق لسا بسيطة ، لازم تعترف بهالشي ..
يرمق يحيى عزيز بنظرة ، ينظر إليهم : شوفوا اتركوني أشتغل بقضيتي على كيفي ، أنا ماني قاعِد أخالف القانون ، لا شفتوني أسوي هالشي حطوا الكلبشات بايديني و احبسوني ، كويس ؟
عِصام : مانك ملاحظ إنك قاعِد تأخذ كل شي على منحى شخصي ؟ إنت عاطفي زيادة عن اللزوم ،
يحيى و هو يقف أمامه : كلامك هذا كله فارغ ، وش عاطفي ما عاطفي ، شايفني هندي ؟
عِصام بجدية ، متكتفاً : لا والله شايفك عربي ، لأن العرب اهمة الوحيدين اللي تتدخل عواطفهم بشغلهم ، تلاقيه مع حرمته و عياله جدار ، و في شغله كله أحاسيس !
يحيى ساخراً : والله إذا إنت جدار مع حرمتك هذي مشكلتك مو مشكلتي ..
ينظر الجميع إلى يحيى بصدمة ، تتسع عينا عِصام بغضب واضح لدى يحيى الذي شعر أنه تسرّع في كلمته ، تتكوّر قبضة يدِ عصام ليلكمه على وجهه ، يلتصق ظهر يحيى في المكتب دون مقاومة ، يقترب عِصام ، يشدّه من ياقة قميصه : صدقني بعلمك شلون تقلل أدبك معاي يا يحيى ..
رمقه بنظرة غاضبة ، خرج مسرعاً دون أن يلتفت لأحد ، إبراهيم و علي ينظران إلى يحيى بتوتر ، يتجاهل نظراتهم و هو يتحسس مكان اللكمة ، يخرج خلف عصام دون كلام ،،


،,


يضرِب الطاولة بكفه بِغضب ، يصرخ و هو ينهض : إنتَ جايبني من الصبح عشان تسمعني هالكلام الفارغ ؟
فهد ببرود : أبغى دفعة اليوم ، مو بعد أول أسبوع شغل .. قلتلك صار عندي ظرف طارئ و أمي في المستشفى !
سُلطان : وش ذنبي أنا ؟ أنا وعدتك أصرف عليك و على عيلتك ؟ ما معاك فلوس ؟؟
فهد بحدة : ما قلتلك اصرف علي ، قلتلك أبغى دفعة سلف من الشغل اللي بيننا ، ما هي صَدقة ..
يجلس مجدداً و هو يكتّف يديه : و إذا قلتلك ما معي الحين ، وش بتسوي ؟
فهد ، بلا مبالاة : ما بروح الشغل ..
سلطان : فهد أنا طوّلت بالي عليك أكثر من مرة ، واضِح إنك مَنت رايد لنفسك الخير .. إنتَ ملاحظ إنّك قاعِد تتحداني ؟
فهد : مو بكيفك طولت بالك ، ناسي إن في بين ايدي كَرت للحين ما حرقته ؟ و إنتَ عارف إني لو بحرق هالكرت بحرقك معاه ، شرايك ؟
أخذ نفساً عميقاً ، أخرج زفيراً : والله مَنت قدّ اللعب معاي ، أحذرك لا تلعب معاي .. و بكرا تنزل دوامك مثل البشر و إلا !
نهض فهد : وإلا .. ؟ شوف أنا الحين رايح المستشفى ، اليوم إذا ما وصلني دفعة ، بكرا ماني نازل الشغل ، و إذا جربت تأذيني ، رقم يحيى الغانِم معاي ،
ابتسم سُلطان بسخرية لم يفهمها فهد ، و سمح له بالخروج دون أن يمنعه ، تأكد من ابتعاده عن المكتب ، رفع سماعة الهاتف و قال : اهوة نازل الحين ، لا تخلوه يترك المبنى ، عارفين شغلكم .. مع السّلامة ..
أغلق الخط ، ليرفعه مرة أخرى و يتّصل ، يقول بدون مقدّمات : واضِح راح نحتاجِك ، ما في حل ثاني ..
تأتي ضحكتها الصاخبة : هههههههههههههههههههههه ، طبعاً يا سُلطاني ، و إنتَ تقدَر من غيري ؟
يبتسم بخبث : طبعاً مـقدر ، عارفة كل شي ولا نعيد ؟
: أفـا ، ولو ؟ عيب هالكلام ..
سُلطان : أنتظرِك ..


،,


تبدأ الحياة بالابتسام مجدداً لها ، تعود الشمس لُتشرِق في غرفتها و تنيرها ، تتجول بخفة رغم وزنها الزائد في غرفتها ، و هي ترتب جميع أغراضها في حقائبها ، تدندن بكلمات أغنية تخرج من بين شفتيها كعصفور يرقص فرحاً ، مَرت من جانب غرفتها أختها التي تحمل كوب النسكافيه بيدها ، تسمع فرحها لأول مرة ، دون أن تطرق الباب ، تفتحه و تدخل لتزول ابتسامة سـَارة عن وجهها فور رؤيتها ، تَميل بكتفها لتستند إلى الباب ، ترتشف شفة من كوبها ، تقول بسخرية : الله الله ، وش هالسعادة ، من متى ؟
تضع الكتاب من يدها في الحقيبة و تقول دون أن تنظر إليها : من يوم عرفت إني مسافرة ، غيره ؟
رَهف : كويس ، و احنا نفتّك شوي من اللي عاملة اكتئاب في البيت ..
ترمقها بنظرة دون أن ترد ، تدخل رهف لتتجول نظراتها في أرجاء الغرفة ، تقول : تدري يعني غرفتِك ما هي شينة ، ما كانت مبينة قبل لأنك كنت دايماً مقفلة النور و الأباجورات ، كويسة ، معاها حمام بعد ، راح تفيدني كثير ..
ترفع سارة حاجبها و تقول : شنو راح تفيدك وش تقصدي ؟
رَهف : يعني أفكّر لا سافرتِ ، أبدل غرفتي بغرفتك ، هذي أكبر و أحسن لي .. إنتِ وش تبي بغرفة كبيرة مثلها ؟
سارة بنرفزة : والله لو تغيري شي بهالغرفة بكسر ايدك !
رهف ترفع حاجبيها : والله ! قاعدة في بيتنا و تتكلمي بعد ؟ حبيبتي هذا بيت أبوي أنا ، و أنا اللي أقرر وين أقعد مو إنتِ !
سارة بابتسامة مستفزة : والله ما حزرتِ ، هذي الغرفة لي و بتظل لي ..
يأتي صوته الأجش من الخارج ليقول : و ليش ما حزرت ؟
تلتفتان سوية إلى الباب ، تبتسم رهف ابتسامة النصر و هي ترى والدها يقف أمام الباب ، تقول سارة : عمي !
يَعقوب : إذا حابّة هالسفرة مرة بتتركي هالغرفة لأختك و تاخذي إنتِ غرفَتها ..
تقترب رهف ، تعلق يدها بذراعه و هي تقبّل خده : فديت أحلى أبو في الدنيا ..
سارة : بس يا عمّي ..
يعقوب يقاطِعها : اللي قلته ما أثنيه ، " يقترب منها و يهمِس في أذنها " : و لو ما ترجعي البيت من الأساس تريحينا كِلنا ..
يتبادلان نظرات حادة ، قبل أن يخرج برفقة ابنته من الغرفة .. تبقى سارة وحيدةً ، تتمنى لو تجِد بالفعل مخرجاً آخر يخلصها من العيش مهملة ، غير مرغوب بها في عائلة ، كانَت يوماً تعني لها ..


،,

لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة ..
فهد : أمي بالمستشفى بروحها و لازم أكون عندها ..اتركني يا سُلطان أبركلك !
سُلطان بابتسامة : لا تخاف ، بعد شوي بنبعث ياسمين .. بس أول في شي لازم تعرفه ..
صَمت ، أردف سُلطان : الحين ياسمين بتيجي هِنا ، و بنشوف وش بتقول لك ، ما كِنت حابب أزيد همّك و أقول لك ، بس إنت أجبرتني ..
يلتزم بالصمت ، يُشير سُلطان إلى الرجل الواقف أمام الباب ليفتحه ، تدخل ياسمين بابتسامة ، و حركات بطيئة ، تُلقي السلام على سُلطان ، يرد : هلا بالغالية ، " ينظر إلى فهد " : زوجة الغالي ..
تتسع عينا فهد بدهشة خوفاً من أن يكون ما قد فكر فيه صحيحاً ، ينظر إلى سُلطان باستفهام ، الذي يغمِز لياسمين و كأنه يعطيها الضوء الأخضر للتكلم ، فتقول و هي تقف أمامه : سمعت إن ضرتي تعبانة ، قلت آجي آخذ عنوان المستشفى و أزورها ..
فهد بلهجة مرتجفة : وش هالكلام الفارِغ ؟
ياسمين : أنا ياسمين ، زوجة مشعل شَهران .. يعني زوجة أبوك ،
صَرخ و هو يتحرّك على الكرسي دون جدوى كأنما يحاول فكّ قيدِه : كــذب ، كذابيين ، وش تبون مني قولوا !!
ابتسمت و هي تفتح حقيبتها لتُخرِج منها عقداً ، تفتحه أمامه ليقرأه ، يرى كلمة " عقد زواج " ، يغلق عينيه بسرعة محاولاً أن يُبعد ذلك عن رأسه ، تصرخ بحدة : افتح و شوف ..
يفتحهما مجدداً بخوف ، يقرأ العقد كاملاً ، يتضح أنه لم يثبّت في المحكمة الشرعية ، لكن هذا اسم والدي ، و هذا توقيعه ، و هؤلاء هم الشهود على خيبتِك يا أمي ، يقول بنبرة هادئة : وش المطلوب مني ؟
تبتعد من أمامه ، يقول سُلطان : آهـا ، سألتني وش المطلوب ، يعني رح نتفق ، شوف يا فهد ، أمّك تعبانة و ما هي قادرة تتحمل خبر صادم زي كِذا و أنا مقدّر هالشي ، عشان كذا سالفة زواج أبوك من ياسمين بتظل سر هنا ، بس ياسمين راح تقعد عندكم في البيت ، مثل ما كانت في البداية مرافقة مسن ، و لو جربت تلوي ذراعي بكلمة وحدة ، الخبر بنفس الساعة بيكون عند أمّك .. و كل شي بقوله بيتنفذ ، مفهوم ؟
يصمت و يرتخي جسده على الكرسي بعجز عن المقاومة ، يتبادل سُلطان و ياسمين ابتسامة النصر ، تقول ياسمين بسخرية : مزودينها على وِلد زوجي ، ترى ما أرضى !
سُلطان : ياسمين الحين رايحة بطريقها لأمك ، و برسالة مني كل شي عنّك و عن أبوك بيكون عندها ، خليك ذكي مثل ما أعرفك ، ولا تخاطر ..
يشتت نظراته في الأرض ، عقله عاجز عن التصديق ، لِم فعلت بي كل ذلك يا أبي ؟ أعرفتني قوياً لأتحمل الدنيا من بعدِك ؟
تخرج ياسمين من عندهم بأمر من سُلطان ، الذي يأمر رجاله أيضاً ليفكّوا فهد ، يقول : هالمرّة فركة أذن بسيطة ، ما حبيت أزوّدها عليك ، بس لو تتصرف بغباء مرة ثانية صدقني ما بيحصل طيّب ، و هذاك عرفت مين سُلطان ، لا تجرب توقف بوجهي مرة ثانية ..
كان صمته لاذعاً ، و نظراته سامّة ، كأنه الهدوء الذي يسبِق العاصفة ، رأى وعيداً في عينيه ، وعيداً لم يُخِفه ، فقد أبرح قَلبه صدمات ، أعجز قلبه عن المقاومة ، يُردف سُلطان : هالحين تروح بيتكم و ترتاح عشان شغل بكرا ، و بالنسبة للعلامات اللي في وجهك ، قول إنّك تعالقت مع واحد في الطريق ..
فهد بصوت مبحوح : راح يقولوا لي مع السلامة من أول يوم ، منو بيوظّف عنده واحد راعي مشاكل ؟
سُلطان : لما يكون وراك سلطان ، ما في أهمية لأي شي ثاني ..
رفع فهد حاجبيه ، ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه من ثقته الزائدة بنفسه ، نهض بصعوبة من مكانه و هو يشعر أن حتى عقله شُل عن التفكير ، إلى أين ذاهب ؟ لا أدري ! إنه طريق بلا نهاية ، كما قلت يا أمي ..

،,

ألقى نظرة أخيرة إلى وجهه في مرآة السيّارة ، عاتَب نفسه في داخله على تِلك الكلمة التي ألقاها لعصام ، ترجل من السيارة متجهاً نحو بيت طارِق ، لا يعلم إن كان ما يفعله تحدياً له ، أم أنه يريد أن يفسّر ذاته .. لم يعجبه ما دار بين طارِق و أخته من كلام ، ولا يحب أن يظهر بتلك الصورة الوحشية أمام أي كان ، لا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد طرق الباب ، لكنّه دون تردد ، طَرقه ثلاث طرقات متتالية ، باتَ بإمكانها توقع الطارق ، فقد اعتادت على تِلك النغمة التي تصدر من باب بيتهم المتهالك ، حين يأتي ذلك المتغطرس ليطرقه ، لكنّها في هذه المرة لم تكن غير مبالية كالمعتاد بقدومه ، بل كانت خائفة جداً من التوالي .. اقتربت و هي تدعو الله أن تخيب ظنونها ، قالت : ميـن ؟
يبتسم يحيى ، المشهد ذاته يتكرر ، بنبرة هادئة غريبة عليها يقول : يحيى الغانِم ..
تنفث أنفاساً قوية ، تعدل حجابها و تفتح ، تقول بعجلة : طارِق مو موجود ..
يُميل رأسه و يقول : ننتظره ..
بنبرة الرجاء : و اللي يخليك روح من هنا قبل لا يجي أخوي !
يحيى بسخرية : اوف اوف شهد تترجى ! من متى !
رفعت نظرها إليه بحدة : من وين عرفت اسمي ؟
أرسل ابتسامة مستفزة ، تلاحظ كدمة حمراء تميل إلى اللون البنفسجي ، تبتسم بسخرية : سبحان الله ربّك ما يضيع حق أحد ..
يعقد حاجبيه و لم يفهم مقصدها ، أردفت : امشي من هنا ، نصيحة ..
جاءت لتغلق الباب ، استبقها بوضع قدمه ليبقي الباب مفتوحاً ، نظرت إليه بحقد : وش بيصير إذا ما مشيت ؟
تَركت الباب ، كتفت يديها : والله طارِق لو شافك هِنا بيكوفنك ، و أتوقع سمعت وش قال ..
يحيى : عشان كِذا أنا جيت ، أنا ماني شخص ما يخاف ربنا مثل ما قلتوا ..
شهد : و أنا ما يهمني و مابي أخوي يشوفَك لأني خايفة على أخوي مو عليك !
أغلقت الباب بغضب ، أطبق عينيه بملل ، ماذا أفعل هنا ؟ لا أعرف ، إنني أرتبط بقضية ارتباطاً أشعر أن مكانه القَلب ، قَلبي هو من يقودني ، و إنه كان شرساً طوال تِلك المدّة ، لكنني تعلمت أن لا أترك فيه مجالاً للعاطفة ، لا أعلم لِم أنا مهتم إلى تِلك الدرجة بنظرة طارِق عني ، ربما لأنني لست كما يرونني ، و لِم أنا مهتم بدقة الصورة التي يتخذونها عني ؟ ربما لأنني لم أعرف إن كانوا محقين ، لا أعلم يا الله ، هل كانوا محقين حين قالوا أنني لا أخشاك ؟ أيعقل أن أكون هكذا ؟ تنهّد بقوة ، ربما كانت تِلك اللكمة من عِصام هي ما توقظه ، لكنه إلى تِلك اللحظة لم يعرف بعد ، سبب اهتمامه بنظرة طارِق له ، أهناك صوت في داخله يخبره أنه قد ظلمه ؟

،,


تجلِس على الرصيف المُقابِل لكليتها ، واضعة نظاراتها الشمسية فوق عينيها ، تنظر بملل إلى المارّة ، تحاول أن تتعرف على صاحِب الاتصال ، تأخر عن موعده ، و لم مستغربة من تأخره كأنها تعرفه بدقة مواعيده و هي تراه للمرة الأولى ، قفز أمامها شاب يرتدي بدلة رياضية ، كأنه يعرفها تماماً ، يقول بلكنته الإيطالية : هل تأخرت عليكِ ؟
رَفعت النظارات عن عينيها ، و هي تعقِد حاجبيها تساءلت : من أنت ؟
ابتسَم : صاحِب الاتصال ، ألم تأتِ لتقابليني ؟
تجاهلت كلامه ، و عادت للتحديق في المارّة بتوتر واضح ، أردف : قبولك لدعوتي يعني أن ما سمعته كان صحيحاً ،
حَسناء دون أن تنظر إليه : و ماذا سمعت ؟
أجاب : قدرتك الهائلة على إستحضار كأس البطولة للفريق الذي تريدين ..
ابتسمت بسخرية دون أن ترد ، أكمل كلامه : نحن بحاجة لكِ .. بحاجة إلى تِلك المنشطات ..
رمقته بطرف عينِها : من أين أتيت بتلك الخرافات ؟ أي منشطات تتحدث عنها ؟
: أخبرني صديق لي ، لا تقلقي سيكون الأمر سراً بيننا ..
أرسلت ابتسامة ذات مغزى : من هو ذلك الصديق ؟ لا بد أنني أعرفه ..
: أنتِ حذرة بشكل مبالغ فيه ، لا داعي للقلق ، قلت أن الأمر سيكون سراً ..
حسناء : أعطني سبباً يجعلني أثِق برجل أراه لأول مرة في حياتي !
: و ما السبب كي لا تثقي برجل ترينه لأول مرة ؟ الحياة دائماً بحاجة إلى الفرص ، لا يمكنك أن تسيئي الظن بأحدهم لمجرد عدم معرفتك به !
أخذت نفساً عميقاً و هي تفتش في جوالها ، قالت بعد تفكير و هي تمد الكلام : أنت مُـحِق ، يـبـدو أنَـك تستحق فرصة ما ..
ابتسم براحة ، التفتت إليه : تعرِف جيداً أن أموراً كتِلك لا يمكن أن تحل بين أسوار الجامعة ..
: أين سنلتقي إذن ؟ لا مانع لدي !
حسناء و هي تنهض عن الرصيف ، تنفض الغبار عن بنطالها بكفيها : سأرسل لك العنوان و التوقيت ، ولا تنسى تجهيز الثمن ..
ابتسم : كل شيء سيكون جاهزاً ، صدقيني إن فزنا هذه المرة سأهديك مكافأة جيدة ..
بادلته الابتسامة ، تركته و مضت ..


،,

فَتحت عينيها ببطء ، بالكاد تذكر ما حدث في الأمس ، كان أشبه بكابوس ، أو حلم طويل ، لكنّها تأكدت من واقعيته حين رأت بياض الجدران حولها ، جهاز مراقبة القلب إلى جانبها ، يستقر المغذي في كفّها الهزيلة ، رفعت رأسها بإنهاك ، الرؤية غير واضحة تماماً لها ، فتاة نحيلة تختبئ في عباءة سوداء تجلِس أمامها تتصفح جوالها بلا مبالاة ، هل سافر فهد مجدداً ؟ ذلك السؤال تراود إلى ذهنها حين رأت تِلك المرافقة تطل مجدداً في حياتِها .. رفعت ياسمين رأسها ، لتقول بهدوء : صح النوم خالة ، نمتِ كويس ؟
تجاهلت سؤالها : وين فهـد ؟
دفعت كرسيها إلى الأمام لتقترب منها : فهد اتصل و طلب مني أظل معاكِ ، قال إنه مشغول اليوم ..
ارتخى رأسها فوق وسادتها البيضاء ، خيبة أمل ارتسمت على ملامحها ، تتمتم بينها و بين نفسها : مشغول ؟ أتفعل الأموال ما فعلت بك يا طِفلي الذي لم تبتعد عن حضني يوماً واحداً ؟ وحيدة و جدراني في هذه الغرفة الباردة ، هل سأموت وحيدة يا فهـدي ؟
دخل الطبيب بعد أن طرق الباب ، بابتسامة قال : لا ما شاء الله واضِح إنك أحسن اليوم ..
تعلقت عيناها بباب الغرفة الخشبي دون أن ترد ، شعر بسوء حالها ، وجّه كلامه لياسمين : حضرتِك بنتها ؟
ياسمين و هي تقف : لا أنا مرافقتها ، شلون وضعها دكتور ؟
تنهّد الطبيب و قد فهم سبب بؤس تِلك السيدة ، ابتسم بارتباك : ان شاء الله ما فيها شي ، شوية إرهاق ، ما عليكِ شر يا أمـي ..
تناثرت دمعاتها بعشوائية على وجنتيها ، أصبحتِ مثيرة للشفقة يا جواهر ، يقول الغَريب لكِ أُمي ، لاستشعاره مدى فقدانِك لتلك الكلمة ، إنني أفقِد نفسي يا وَلدي ، فهل ستجلبها لي بمالِك ؟ لم أقتنع يوماً أن السعادة قد تنفصل عن المال و الثّراء ، لكنني و إن كنت أملِك مال الدنيا كلها ، أشعر أنني فقيرة ، معدَمة أكثر من أي وقت مضى ، معدمة الأمومة ، معدَمة الحب ، و الدفء .. شعرت ياسمين أن الطبيب لم يقل كل شيء لديه ، خَرجت خلفه ، نادته بهدوء : دكتور ..
التفت إليها ، قالت : شلون وضع المريضة ؟ في شي ؟
أخذ شهيقاً قوياً و هو يرغب في لكم ذلك الرجل على وجهه : لازم ولدها يكون موجود عشان نبلغه ..
ياسمين بقلق مُفتَعل : تبلغوه بشنو ؟ اهوة صراحة دائماً مشغول عشان كذا أنا معاها و أنا دائمأ أبلغه بأي طارئ ..
الطبيب : المريضة عندها فَشل كلوي ، بمرحلته الأولى ، و لازم يكون موجود عشان إجراءات العِلاج ..
طقطقت أصابعها بتوتر : ممم طيب ممكن نخليها لبكرا هِنا عبال ما يتفرغ ولدها ؟
ينظر إليها بتعجب : بتنتظري إلين يتفرّغ ؟ هذا فَشَل كَلوي ، عارفة وش يعني ؟ يعني ممكن نخسر المريضة بأي لحظة !
هزّت رأسها بتوتر و هي تفتح جوالها : طيب الحين بكلمه إن شاء الله ..
رمقها بنظرة غير مفهومة ، مضى في طريقه ، راقبته حتى غاب عن عينيها ، ضغطت على اسم سُلطان ، بعد دقائق : سُلطان .. أنا في المستشفى ..
سُلطان ببرود : وش أسويلك ؟
ياسمين بهمس : الطبيب كان هِنا و قال إن أم فهد عندها فشل كلوي ..
يبتلع لقمته من السّمك ، و بنفس البرود : وش أسويلها أعطيها كليتي ؟
ياسمين : اففف ، أقصِد أتصل أبلغ فهد ؟
سُلطان : لا تبلغيه بشيء ، خليه ملهي بـشغله معـانا ، انتِ تصرفي ..
ياسمين : أتصرف بشنو قالوا ولدها لازم يكون موجود ! بعدين فهد لو درى بيموّتنا كلنا !
سُلطان بغضب : ياسـمـيـن ، ماني طفل عشان أخاف من هذا اللي اسمه فهد ، خلاص خليه بكرا يستلم وظيفته و يتثبت فيها بعدين نكلمه في سالفة أمه ..
تتجول ذهاباً و إياباً ، تتحدث بصوت منخفض : طيب وش أسوي الحين ؟
سُلطان : خليكِ معاها ، و بلغيني كل شي أول بأول .. ولا تتصرفي بغباوة و تدقي على فهد !
ياسمين : افرض جـاء بـروحه ، أكيد بيعرف ..
سُلطان بابتسامة : ما شفتِ وجهه خريطة شلون بيروح لأمه بهالحال ؟
ياسمين تبتسم بسخرية ، تقول : والله مَنت قليل .. طيب و أنا بالنسبة لي متى أبدأ شغلي ؟
تسمع صوت الماء يتدفق في حلقه ، يقول بعد أن يشرب : هالحين مو وقته أنا أقول لك متى و شلون ..
ياسمين تهز رأسها : طيب ، خليني أفوت لهالعجوز الحين ، سَلام ..
سُلطان : سَلام يا قمـر ..


،,






يتحرّك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخِر ، غير مباليان بمقاوماته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهما بغل : اتركوني ، شغلـي مو مـعــاكــم !!


،,



أخذت غرّتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا ..


،,

صَفعها على وجهها الناعِم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى ليأخذ شعرها بيديه ، يشدّه بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ..



انتهى


مرة أخرى سامحوني على التأخير ، و إن شاء الله لن يتكرر ..

توقعاتكم و آراءكم ، نلتقي الجمعة القادمة بإذن المولى ..

دمتم بخير ، طِيفْ!

شبيهة القمر 04-12-19 10:59 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
الحمدلله على السلامه طيوفه
واخر الغيبات ان شاءالله
نجي لابطالنا ..
احس كلهم عايشين في دوامه .. يحيى ..وفهد ..وحسناء ..وطارق .. مريم ..
يمكن لان الى الان ماأستقرت امورهم ولامسكوا اول الخيط
اتوقع ام فهد تموت ومايبلغونه ويمكن موتها تكون القشه التي قسمت ظهر البعير ... بعدها فهد ماراح يخاف منهم الا اذا عرفوا بحبه لشهد ..هنا بتكون شهد البطاقه الرابحه لسلطان والكرت الاخير في ترويض فهد ..
الشاب الي يبي منشطات من حسناء اتوقع انه يكذب عليها ويمكن يدبر كمين علشان توقع هي وابوها ..
واحتمال ابوها يراقبه ويكشفه
ويمكن تكون هي الي تتلقى صفعه من ابوها ..
ريم اتمنى احد الامرين اما انها تهرب لمكان مايعرفه عمر او تسقطه لان ماعليه حسوفه و ابوه عمر 👿 استغفرالله

طيف ..عاذرينك حبيبتي ..والف لاباس عليك ..

طِيفْ 07-12-19 10:32 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،

أتمنى أن يكون الجميع بصحة و عافية ، هذا الجزء رح أعتبره تتمة للجزء الثامن ، إن شاء الله يعجبكم

قراءة ممتعة


بسم الله نبدأ

وَ إن زارَنا الشّوق يومًا و نادى
و غنى لنا ما مَضى و استعادا
و عاد إلى القَلبِ عهد حنون
فزاد احتراقاً و زدنا بعادا
لقد عاش قلبي مثل النسيم
إذا ذاق عطراً جميلاً تهادى
و كم كان يصرخ مثل الحريق
إذا ما رأى النار سكرى تتمادى
فهل أخطأ القلب حين التقينا
و في نشوة العِشق صرنا رمادا ؟ "

*فَاروق جويدة

وَ في نَشوةِ العِشقِ صرنا رمادا ، بقلم : طِيفْ!

الجزء 8
*تتمة


الأجواء المشحونة ، الصّمت يعم المكان ، يعمل كل منهم دون أن يتحدث إلى الآخر ، كأنما كلمة واحدة من أحدهم ستشعل فَتيل الحرب ، تنهّد و هو يتقدّم نحو غرفته ، وسط نظرات الضباط المتعجبة لوجهه في دخوله و خروجه ، تجاهلهم ، وصل إلى مكتبه ، وقف عند الباب يتأمل التوتر الذي اختلقه اليوم ، أخذ نفساً عميقاً ، و قال بصوت أقرب للخجل : السّلام عليكم ..
توجهت أنظار كل منهم إليه ، بعد ثانية ، رد إبراهيم و عزيز بصوتٍ واحد : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
لاحظ نظرات عِصام الحانقة ، و عَدم ردّه السلام ، تجاهل نظراته و توجّه نحو مكتبه ، يقف عِصام أمام مكتبه و هو يحمل ملفاً أحمر اللون بين يديه ، دون أن ينظر إلى يحيى ، يسأل بجمود : وين كِنت ؟
يرفع نظره إليه ، يستمر بصمته ، لم يستوعب بعد أنه يوجه سؤالاً له ، يُكرر عِصام بنفس اللهجة : قاعِد أكلمك وين كِنت ؟
يحيى : كان عندي مشوار لبيت فهد ، و ..
قاطعه و هو يتقدم نحوه و يُلقي الملف الأحمر أمامه بقوّة : دقق هالملف و انقله عالكمبيوتر ، أبغاك اليوم تخلصه ..
ينظر إلى الملف بطرف عينه ، تنتقل نظراته إلى عصام : بس هذا ما يخلص اليوم ، و أنا ماسِك قضية و أشتغل عليها ..
عِصام و هو يُعطيه ظهره : مو مشكلتي هذا أمر من مسؤولك بتنفذه ، إبراهيم الحقني مع ملف السجين 4071
خرج من الغرفة ، تِلك المرة الأولى التي يرون بها عصام على تِلك الحالة من الغضب و السّخط ، توجّه إبراهيم نحو المكتبة ليفتش عن الملف ، يُطبِق يحيى عينيه بتعب و هو يسند رأسه إلى ظهر كرسيه و كأنه يعاتب نفسه ، ينظر إلى عزيز ، يسأله : قال شي لما كنت برا ؟
عَزيز يهز رأسه بالنفي ، يترك مكتبه و يتجه نحو يحيى ، يجلِس أمامه : شفت فهد ؟
يحيى : ما كان موجود في البيت ..
عقد حاجبيه : طيب ؟؟
ينظر إليه ، بتوتر يقول : وش طيب ؟؟ قلتلك مو في البيت وش اللي طيب ؟
عزيز : وين رحت بعدها ! كل هالوقت بس رحت بيت فهد و ما لقيته ؟
رفع حاجبيه و هو يشبك أصابع كفيه فوق الطاولة : وش رأيك تاخذني لغرفة التحقيق تحقق معاي ؟
عزيز : لا تنسى إني مُساعدك في القضية ، يعني حقي أعرف كل شي يخصها ..
يحيى : إنتَ قلت مساعدي ، و حقّك تعرف اللي أبيك تعرفه ، غير كِذا مالك علاقة ..
يرمقه بنظرة ، يقول بحدّة : واضِح إني كنت غلطان لما ساعدتك تستلم القضية هذي ،
يحيى بتأفف : بديـنـا جَمـايل ...
التفت إليهم إبراهيم و هو يحمل بين يديه إحدى الملفات : خلاص إنتَ و هو مثل الضراير قاعدين ، هالقضية ما جالنا منها إلا عوار الدماغ ، قفلوا هالموضوع و ريحونا !
رمقهم بنظرة حادة ، تركهم و خرج ، التفت يحيى إلى عزيز : دام إنّك قاعِد تقول إن هالقضية قضيتنا و مو لازم أحد يخبي شي عن الثاني ، ليش حذفت تسجيلات طارِق الأخيرة و حاولت تخليني ما أسمعها ؟
عزيز بتهرب : هذا موضوع ثاني ما كنت أبغى يصير مشكلة ثانية من ورا كلام طارِق ..
يحيى : لا تتهرب ، هذا مو هو السبب ..
نَهض عن الكرسي : حذفتهم لأني حسيت الكلام جارِح ، و لأني أعرِف إنك مو مثل ما قالوا ، ما حبيت تسمع كلام يأذيك ..
اتسعت عينا يحيى ، يترجم في نظراته تعجباً هائلاً من اهتمام عزيز بمشاعِره ، يُردف بارتباك : لا تطالعني كِذا ، إنت مسؤولي ، و زميلي و ما أرضى أحد يتكلم عنك بسوء .. و لو كانت نيتي سوء أو عدم احترام ، كان سمعت كلام عصام لما طلب مني أخلي سبيل طارِق ، مع إني كنت معارضك في تعاملك معاه بس ما رضيت أتصرف تصرف ممكن يقلل احترامك في غيابَك ، و كان ممكن أتحمل عقوبة هالشي من عِصام ، بس كل مرة تفاجئني بغرورك و تكبرك ، و تخليني أتأكد إنك ما تستحق هالشي ، و ما أستغرب أبداً إن ما عندَك أصدقاء و لو بتظل بهالنفسية مستحيل يكون لك أصدقاء ..
تنفس بعمق بعد أن فرّغ ما بداخله ، دون أن يترك مجالاً له للحديث ، التفت خارجاً من المكان ، ظل يحيى متجمداً في مكانه ، كلمات عزيز تتردد في مسامعه ، تنهّد و هو يُطبق عينيه بحيرة ، أشعل حاسوبه و بدأ بتنفيذ ما وكّله به عِصام ، بعقل مشوش جداً ..


،,

يجلِس أرضاً في زاوية غرفته ، في منزلهم القديم ، مستنداً إلى الجدار بإنهاك ، لم يعد الألم يحرق وجهه ، إنه يحرق قلبه دون رحمة ، صحن السجائر إلى جانبه ممتلئ بالرماد و السجائر المحترقة كروحه المتعبة ، سيجارة أخرى تذوب بين شفتيه ، صورة قديمة تكاد ألوانها تختفي ، أكثر ما هو واضح فيها ، تِلك الضحكة التي ارتسمت على وجوههم ، يجلِس أبيه على تلك الأريكة الوحيدة التي شابت معهم ، في المنتصف هو ، و إلى يساره والدته ذات يوم ، حين كان وجهها ضحوكاً ، يبتسم لتلك الذكرى ، حتى ذكرياتنا مزيفة يا أبي ، تِلك الضحكة الأجمل ، الشيء الوحيد الذي أورثتني إياه ، كنت أعتقد أنها ضحكتك الصادقة تظهر على وجهي ، إنني أكتشف أنها خدعة يا أبي ، تشبه خدعة ضوء الشمس في منتصف كانون القارِس ، إن حياتي الوردية ، مستقبلي ، كلها كانت كذبة كبيرة ، أعيش الصدق اليوم يا أبي ، أعيشه وحيداً ، إنه موجع جداً ، وحيد جداً ، و بحاجتك جداً ، و إنني ناقم عليكَ يا أبي ، جداً جداً ..

تعقِد حاجبيها و هي ترى باب ذلك البيت مفتوحاً بعد أن اعتقدت أنه قد أغلق على قلبيهما منذ زمن ، و إلى الأبـد ، تتلفّت حولها بريبة تنظر إلى المارّة ، تدخل ببطء إلى الداخل ، تمدّ رأسها بنظرات متفحصة ، تجده بحال لأول مرة تراه بها ، دخنة تملأ المكان ، لم ينتبه حتى لوجودها ، حتى وقفت بكامل جسدها أمامه تقول بتعجب : فهـد !
يرفع نظراته الدامعة نحو الباب ، ينظر إليها كأنه يستنجدها ، تتساءل و هي تتلفت حولها بارتباك : ليش قاعِد هنا ! وش صاير معاك ليش وجهك كِذا ؟
ارتخت نظراته ، يتابع تحديقه في الصورة و يقول بصوته المبحوح : تعبان يا شهد ..
ثَقيلة على قلبي أن أراه متعباً ، ثقيلة أن أسمع صوت قلبي مستنجداً ، اقتربت بحركات مرتبكة خجولة ، انحنت لتجلس بنصف جسدها أمامه ، تنظر إلى الصورة التي يحمِلها بين يديه ، تتساءل : اشتقتله ؟
تنضم شفتيه كأنه متقزز من فِكرة الشوق له ، يهز رأسه بالنفي متردداً ، تنظر باستفهام ، يُردف بنفس النبرة : تعبان يا شهد ..
تمتد يدها بتردد و خجل ، ترتجف أهداب عينيها ، إلى وجه ذلك الضعيف الذي لم يُبدي أي مقاومة لملامسة أطراف أناملها لحيته الخفيفة ، ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه و هو يشعر بارتجاف أصابعها ، رفع نظراته إليها ، تنتفض بخوف و تبعد يدها ، ينتصب جسدها واقفاً أمامه ، تفرك يديها و تشتت أنظارها في المكان ، تقول : قوم عن الأرض لا ييجيك برد .. أنا لازم أرد البيت ..
و ما ضر برد الجسد إن كنت في داخلي أرتجِف ، أرتعش برداً .. عاد لصورته و سيجارته مجدداً ، نظرت إليه بقلّة حيلة ، أطلقت تنهيدتها الأخيرة في المكان ، ود لو يحتفظ بتلك التنهيدة في صدره المشبع بالألم ، خرجت دون كلمات ، مشت في الحارة كالتائهة بلا عنوان ، تحبس دمعات عينيها بصعوبة و هي تفرك أطراف أصابعها بقوة ، كأنها تحاول أن تزيل أثر ملامستهم لذقنه ، بحركات سريعة ، لا مبالية بنظرات الناس ، وَقفت أمام باب بيتهم ، أخذت شهيقاً طويلاً ، أتبعته بزفير ، مَسحت وجهها بكفيها ، أخرجت مفتاحها ، دخلت إلى البيت متناسية ما حدث في الخارج ، تنظر إلى أمها و أختها الجالستين ، الخوف بعينيهما و كأن أمراً قد حصل ، يأتي والدها يرمقها بنظرات غاضبة ، تنظر إليه باستفهام و نصف ابتسامة مرتجفة تظهر على شفتيها ، يقف أمامها دون أن يتفوه بكلمة ، صفعها على وجهها الناعم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى لينزع عن رأسها حجابها ، يأخذ شعرها بيديه ، يشده بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ، تُسرع عبير نحوه باكية ، تحاول أن تبعده عنها بترجي : يبه اتركهاا واللي يخلييك !
تناثرت دمعات شهد على وجهها بصمت ، أول ما خطر في ذهنها أنه عرف عن دخولها لبيت فهد ، عاد ليمسك شعرها مجدداً و يصرخ : أنا ينحكى عن بناتي في حارتي و أسمع الكلام بأذني يا قليلة الحيا !!
بدخول طارِق ، يقترب مسرعاً ليُبعد والده عنها ، تجلس أرضاً دون حراك أو مقاومة ، يُحكم سيطرته عليه و يُبعِده عنها و هو يتساءل : يبه وش صار ليش ضربتها !!!
يُشير إليها بسبابته ، بعينين تشتعلان غضباً ، تُطبق عينيها بخجل منتظرة أن يروي له كيفَ خذلتهم بخلوتها مع فهد ، انفتحت عيناها مجدداً بصدمة و هي تسمع : أختك اللي ما تستحي تقعد تسولف مع هذا يحيى باب البيت و الرايح و الجاي يشوفهم أناا أسمع الناس بأذني تقول إنكم تتهاوشوا مثل المتزوجين !!
ترتخي قبضة طارِق عن ذراع والده ، ينظر إلى شهد و يقول : متى صار هالكلام ؟
تستمر في صمتها و بكائها ، يصرخ طارِق : تكلــــــمـــي !
ترتجف نبرتها الباكية لترد بخوف : اليوم ، اليوم كان هنا و أنا كلمته عشان أقول له لا عاد يخطي هالبيت لأني خايفة عليك خايفة يصيرلك مشكلة أو تسويله شي و تأذي نفسك !!
طارِق بهدوء : يعني يتحدّاني !
توجّه بسرعة نحو باب البيت ، أوقفه صوت والده الحاد : طـارِق !
توقف دون أن يلتفت ، اقترب والده و قال : إذا ناوي تكسَب غضب أبوك تروح ليحيى هالحين .. بس بعدها ما أبي أشوف خشتك عندي في البيت ..
التفت و هو يقول باحتجاج : يبه إنت سمحت لهالرجال يدخل بيتنا و حياتنا و هذا هو الحين بيخرب سمعتنا و إنت للحين قاعد ...
قاطعه : طــارق ، اللي عندي قِلته ، و وقفته مع شهد أنا أحاسبه عليها ..
التفت إلى شهد ، قال باشمئزاز : انصرفي قومي من قدّامي ..
نهضت عن الأرض نحو غرفتها بسرعة ، تتبعها عبير ، أما والدتها تجلس على أريكتها بتعب تفكر فيما آل إليه حالهم ، يتجه طارق نحو الباب مجدداً ، يقول والده : على وين ؟
دون أن يلتفت يكمل سيره : لا تخاف ماني حابب أكسب غضبك يُبه !
يخرج ، يُطبق الباب خلفه بقوّة معبراً عن امتعاضه ، شيء ما في كفيه يرغب في لكم يحيى على وجهه ، يُريد أن ينتقم و لو بضربة واحدة ترد له كرامته ، نفث أنفاساً عميقة و هو يسير مخفياً كفيه في جيوبه كأنه يحبسها عن رغبتها في ضرب يحيى ، يستمر في سيره على غير هُدى ، ارتفعت أنظاره بدهشة إلى فهد الخارج من منزله ، يستمران في النظر إلى بعضهما لثوانٍ دون كلمات ، لا يعلم طارِق بأي لغة من العَتب يكلّمه ، ولا يعلم فهد بأي لغة من الندم و الأسف يعتَذر .. حتى قال طارِق : وش فيك فهد ليش وجهك كذا ؟ مع مين متضارب ؟
يمحص فهد في وجه طارق و هو يقول : لا ما فيني شي ، إنت وش فيك ؟ ليش وجهك كِذا ؟
يمد طارِق أصابعه لتلامس مكان كدماته ، يصمتان لوهلة ، ثم ينفجران ضحكاً في وقت واحد ،،

،,

تدخل من الباب و على وجهها ابتسامة ، يبدو أنها غارقة في التفكير في أمر ما ، تتفاجئ بوالدها الذي يقترب متلهفاً منها و يقول : ديانا !! وش صار معاك تأخرتِ !
ترفع حاجبيها لتتساءل ببرود : وش السالفة الظاهر حنّيت لهالاسم ؟
عُمر بهدوء : من زمان أحن لديانا ، و أنتظر فرصة زي هذي عشان أناديكِ ديانا ، بس وجود ريم كان مانعني أسوي هالشي ..
خيبة جديدة ، تظهر على ملامحها التي انطبعت أساساً بالخيبة ، لتقول : عذر أقبح من ذنب ..
تبتعد عنه بهدوء و هي تخلع حذاءها و تتركه خلفها بإرهاق ، يوقفها سؤاله الصادم : تكرهيني يا ديانا ؟
أتراني لامست قَلبك الذي ظننت أنه قد مات ؟ أتراني بقسوتي أُحييك مجدداً يا أبي ؟ التفتت إليه ، تنظر إليه باستفهام و تعجب ، يقترب منها و يكرر سؤاله : تكرهيني ؟
ابتلعت ريقها ، قالت بصوت خافت : متى قلت إني أكرهك ؟
عمر بحدة : كلامك الصبح ؟ قلتي إني لازم أحتفظ بهالولد ، عشان يكون عندي شخص واحد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبيني ..
أمالت رأسها ، و بذات لهجته الحادة : إني أكرهك شي ، و إني ما أحبك شي ثاني .. أكيد ما أحبك لأني عمري ما حسيتك أبو .. أنا بالنسبة لك مجرد أرقام و آلة تصنع فلوس ، شلون تبيني أحبك ؟
عمر : إنت عارفة أمك وش سوت ..
ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيها ، تقول بملل : تعبت أقول لك إني مالي ذنب ، لا تقعد تحطلي مبررات واهية ، أنا ما طلبت منك تبرير ، خلاص ، أساساً اللي سويته و اللي قاعد تسويه فيني ماله مبرر أبداً ، إنت حاطط أمي شماعة تعلق عليها كل أخطاءك تجاهي ، مانك أحسن منها بشي ، كل واحد ظلمني بطريقته ، و اثنينكم تفننتوا بهالشي ، اثنينكم أنانيين و ما يهمكم إلا روحكم ، و أنا راضية بهالشي ، قول أنا أناني و استغليتك يا بنيتي لمصلحتي ، أنا راضية فيك يبه بكل عيوبك ، بس لا تحط مبررات لشي ما يتبرر ، عالأقل حِس بالذنب تجاهي !
كلماتها الحارقة ألجمت لسانه ، سارت أماماً مجدداً ، التفتت لتراه في نفس وقفته و مكانه ، عادت بضع خطوات : صحيح ، بالنسبة لمقابلة اليوم ، أبي ثنين من رجالك معاي في شي مهم ، لا تسألني وش هو ، تقدر توثق إني ما راح أورطك ..


،,


تسقط في الحِيرة ، إن زواجها و عشقها الأول يقفان الآن على حافة هاوية ، لا تُدرك تماماً ما هو الصحيح لتفعله ، لم يعد يحزنها عجزها عن الإنجاب ، قدر ما يحزنها عجزها عن الاحتفاظ بدقة قلبها الأخيرة ، تجلس برفقة أختها في غرفة المجلِس ، تتنهّد جيهان و تقول : إنتِ مو لازم تخبي هالشي عن عمتك ، بالنهاية راح تعرف ..
مَريم : و إذا زوّجت عِصام ؟ وش بسوي بروحي ؟
جيهان و هي تسند رأسها إلى يدها المنتصبة بهدوء فوق ظهر الأريكة : عِصام ماهو طفل ، لو يبي يتزوج بيتزوج ، ولو ما يبي ما في أحد بيجبره !
يتحرك بؤبؤ عينيها مشتتاً نظراتها في المجلِس ، الحيرة تتجلى في وجهها المُتعَب ، صوت يتردد في أذنها ، يشوّش تفكيرها ، تهزّ رأسها بقوة كأنها تُخرِس ذلك الصوت ، تنظر إلى جيهان التي قد اتضح على وجهها أنها لم تخسر نصيبها من الهموم هي الأخرى ، تتساءل : وش صار بينِك و بين إبراهيم ؟
تنظر جيهان إليها بيأس ، كأنها تبلغها بعدم رغبتها في الكلام ، تتجاهل الرد على سؤالها ، تكرر مريم بإصرار : جيهان ! قولي وش صاير بينكم ، سالفة التأجيل هذي ماني مرتاحة لها ،
ترد بنبرة يتضح فيها عدم الصدق ، لإنسانة لم يسبق لها أن تعلّمت كيف تكذِب : مو أول ثنين يأجلون زواجهم ليش مكبرين السالفة ؟
مريم : لأني أعرفك ، مو قاعدة تقولي الصدق ، جيهان أنا مو غريبة ، قولي وش صاير ؟!
تتأفف بملل ، تنظر إلى أختها بيأس و تقول : إبراهيم ما يبي يتزوجني ..
تبرز عيناها و هي تقول بدهشة : نـعــم ؟؟!!
جيهان : ما قال كِذا طبعاً ، بس سبب تأجيله الزواج إنه ما حس إنه يحبني ، و ما يبي يظلمني معاه .
مريم : و ليش أجلتوا ؟ ليش للحين معاكِ لو ما يبيكِ ؟
ابتلعت ريقها و هي تشعر بانتقاص قيمتها : أجلناه عشان الناس ما يقولوا هذولا ليش تطلقوا قبل العرس بيومين ، آخر هالشهر كل شي بيكون منتهي بيننا ..
مريم : يبي يطلقك بعد كل هالفترة ! ماني فاهمة شي !
جيهان : اهوة ما قال يبي يطلقني ، قال يبي يعطي نفسه فرصة ثانية إذا ممكن يكمل هالزواج ، و أنا رفضت قلتله إني مابيه و خلاص ، الرجال ما يبي يظلمني ..
مريم بنبرة احتجاجية : ليش قاعدة تحطيله مبررات !! وش السبب اللي يخليه ما يحبك لو كنتِ فعلاً أول حرمة في حياته !
تعقد جيهان حاجبيها : وش تقصدي ؟
مريم : واضحة ، لو ما كان في حرمة ثانية في قلبه ، ما كان حس إنه مو قادر يكمل معاكِ ..
تفكر جيهان لوهلة ، تهز رأسها بالنفي : لا لا ، مستحيل لو كان كذا كان ما قال يبي يعطي نفسه فرصة ..
مريم بحرقة : يبي يعطي نفسه فرصة ينسى ، إنتِ خبلة يَ بنت ! الرجال ما يبعد عن زوجته أو خطيبته إلا إذا كان في غيرها ..
جيهان بلامبالاة : و لو كان كلامك صحيح ، ما هي فارقة ، ما راح نتزوج لو إيش ما كانت الأسباب ، انتهى !
مريم : بس مو من حقه يساوي فيكِ كذا ! جيهان ، إنتِ ما حسيتي عليه لما بدا يتغير عليكِ ؟
جيهان : شلون يعني يتغير ؟
مريم : يعني ، يعصب عليكِ من دون سبب ، يقل كلامه معاكِ ، هذي كلها تدل إن الرجال في وحدة ثانية بحياته !
تبتسم جيهان بسخرية ، تأخذ نفساً عميقاً : اهوة ما تغير ، هذي صفاته فعلاً من أول ما ملكنا ، يعصب بدون سبب و ما يكلمني إلا قليل و حاطط الشغل حجة ..
مريم ترفع حاجبيها : النـذل ! يعني خطبك و اهوة يحب وحدة ثانية !! وش هالظلم ، مو من حقه أبداً يسوي كذا !
جيهان و هي تضع نقابها : لا تنسي إن هذي مجرد تخمينات ، يعني ممكن تكون طبيعته كذا مو بالضرورة يكون تخمينك صحيح ..
تضرب بكفيها فخذيها ، تقول بقهر : لسه تدافعي عنه ! بتموتيني انتِ !
جيهان : ما أدافع ولا غيره ، الموضوع ماهو مستاهل ..
مريم : مو مستاهل ! بتصيري مطلّقـة ، و قاعدة تقولي مو مستاهل ؟؟
جيهان : وش فيها يعني ؟ ترى المطلقة حالة اجتماعية ، مثلها مثل متزوجة ، عزباء ، أرملة ، ماني فاهمة وين الغلط ؟!
مريم : الغلط إن بمجتمعاتنا العربية المطلقة للأسف ماهي حالة اجتماعية ، إلا وصمة عار ! كل تحركاتك بتصير محسوبة عليكِ ، حتى فرصة إنك تتزوجي بتصير ضعيفة لأن رجالنا ما يحبوا ياخذوا وحدة كشفها رجال ثاني و قعد معاها ..
جيهان و هي تنهض : قاعدة تبالغي ، هالشي ممكن كان زمان لكن الحين الناس صارت تفكر بطريقة ثانية ، ما أقولك لا المطلقة وضعها صعب شوي بس ما هو مستحيل ، و بعدين الرجال اللي يفكر بهالطريقة أنا مابيه أساساً !
مريم تقف أمامها : قاعدة تقولي هالكلام لأنك ما عشتِ الحالة ، الحرمة عندنا تتحمل المر أهون ما تتحمل كلمة مطلقة و نظرات الناس ، جيهان حاولي تمنعي هالطلاق من إبراهيم ..
جيهان : تبيني أعيش معه بدون كرامة ؟! خلاص يا مريم و اللي يخليك أنا بروح كافي كلام بهالموضوع .. و لمعلومك سليمان ما يدرى بالموضوع و ما أبيه يدرى ، مابي هالشي يأثر عليه و على عَروب . السّلام عليكم ..
تخرج بسرعة كمن يهرب من نقاش عقيم يُلاحقه ليقتله ، كأنها تهرب من ذاتِها ، تنظر مريم إليها و هي خارجة بيأس ، تتكتف بقلة حيلة و ترد : مع السّلامة !

،,

تجلس في زاوية غرفتها ، تضم ركبتيها إلى صدرِها ، يُغرِق بياض عينيها حمارُ دموعها ، تجف بعد يأسها من السقوط ، ليحتشد الدمع مجدداً فيهما ، لا شيء يمر في ذاكرتها سوى نظرات فهد و ما كانت ستفعل ، أيعقل أن تُلامس أناملي وجهه ، أيعقل أن أرتكب ذلك الإثم ؟ إني أحبك يا فهد ، و إنّك أول من تسلل إلى داخلي دون إذني ، كيف يمكن للعِشق أن يُضعِفنا ، يبعدنا عن مبادئنا ، يقودنا نحو الخطأ دون مقاومة منا ، أذلك العشق حقاً ؟ أيجِب أن تضعف إرادتي تماماً كي أعشقك ؟ لِم لا يكون حبّي لكَ قوة ، لم يجب أن تنهار قِواي حين ألاقي عيناك ، و يبتسم لي ثغرك ليغرِس في قلبي سِهام غمازتك المختبئة بخجل في خدّك ، تقترب منها عَبير ، الضيق واضح على معالم وجهها ، تجلِس أرضاً إلى جانبها و تقول بقهر : شهد ، مو لازم تكوني خجلانة من نفسِك كذا ! إنتِ ما سويتِ شي غلط إنتِ كان هدفك تحمي طارِق ، الناس تهتّم بالظاهر ما يعرفون ليش وقفتي مع المحقق ، وش تبي فيهم !
تنظر إليها بنظرات غير مفهومة ، تردف عبير : خلاص عاد لا تظلي قاعدة كِذا ، عارفة إن أبوي زعّلك بس هذا أبوكِ و لو مد إيده عليكِ وش فيها مو هو أبونا ؟!
أخذت نفساً عميقاً : أنا أستاهل اللي سوّاه أبوي ..
عبير و هي تعقد حاجبيها : شلون يعني ما فهمت !
شهد دون أن تنظر إليها : مو عشان موضوع يحيى ، عشان موضوع فهد ..
عبير بابتسامة : تقصدي إنك زرتيه أمس و كلمتيه بالجوال ؟ إنتِ ما غلطتِ كلمتيه بكل احترام ، ما له داعي تحسي بتأنيب الضمير ..
شهد بنبرة باكية : الموضوع ما وقف هِنا يا عبير !
عبير بخوف : شهد ! وش هالكلام ؟ شلون يعني ما وقف هنا ؟
تصمت فيزداد خوف عبير : شهد تكلمي ! وش اللي بينك و بين فهد أكثر من اللي أعرفه ؟
شهد : اليوم كنت رايحة أشوف ريحانة بنت بوخالد ، و أنا بالطريق راجعة شفت باب بيت فهد مفتوح و استغربت يعني قلت مين اللي دخل البيت و ليش تارك الباب مفتوح فدخلت ..
عبير : ايه ؟؟؟
شهد تبتلع ريقها و تردف : دخلت و لقيت فهد قاعد في الأرض و حالته غريبة كأنه متهاوش مع أحد ، و كان قاعد يدخن و يتفرج على صورته مع أبوه ..جيت قعدت قدامه و سألته ما قال شي بس قال إنه تعبان ، و كسر خاطري مرة ما تحملت أشوفه كذا ..
عبير : كملي ؟
شهد : مدّيت يدي على وجهه ، و لَمسته ..
عَبير تأخذ نفساً عميقاً : و بعدين وش صار ؟
شهد : بس ، قمت و خجلت من تصرفي و طلعت ، و رديت البيت ..
تتنفس عبير براحة : هالحين هذا اللي مخليكِ تقعدي تبكي ، خرعتيني قلت أكيد صار شي كبير !
شهد بخجل : بس اللي صار ماهو قليل يا عبير ، كان ممكن يصير شي أكبر ! ما كان المفروض أسمح إني أختلي معاه بروحنا !!
عبير : صحيح إنك تصرفتِ غلط لما دخلتِ البيت ، و قعدتي لما شفتيه بروحه بس لو ما كنتِ خايفة من ربنا ما كان تركتِ البيت ، و شعورك الحين بالذنب دليل كافي إنك تخافي ربنا ولا يمكن تخوني الأمانة اللي ربنا وصّاكِ عليها ..
شهد : هذا رأيك فيني ؟ يعني نظرتك ما تغيرت لي ؟
عَبير بحب تضغط فوق يدها : طبعاً ما تغيرت و مستحيل تتغير ، بتظلي أختي الكبيرة اللي أحبها و أفتخر فيها ..
شهد تحتضنها : ربي ما يحرمني منك .


،,

ليال متعبة تتوالى ، يدخل يحيى إلى المكتب مبتسماً و هو يحمِل صينية بين يديه ، دون أن يلتفت إليه أحد ، يقترب من طاولة عِصام ليضع فنجان القهوة عليها ، يرفع عِصام نظره إليه كأنه يتساءل عن سر تصرفه ، يرد يحيى بابتسامة ، يقترب من مكتب عزيز ليضع الفنجان الثاني ، يتنحنح إبراهيم بابتسامة و يقول : و أنا ابن البطة السودا ؟ مالي قهوة ؟
يحيى : إنتَ ما سمّعتني كلام يليّن الحجر ، " ينظر إلى عِصام " ، و ما ضربتني على وجهي قدّام الكل ،
إبراهيم : يعني حضرتك ما تيجي إلا بالعين الحمرا ؟
يحيى بضحكة : ههههههههه تقريباً ، الحين رضيتوا عني ؟ مو أنا مثل أخوكم الصغير ؟
عزيز باحتجاج : والله ، أخونا الصغير بعد ؟؟
يرميه بعلبة المحارم : لا تدقق إنتَ !
عزيز يضحك مع إبراهيم بنفس الوقت : ههههههههههههههههه ماشي خلاص سامحتَك يارب تنعدل !
يحيى يرفع حاجباً : صدق إنك ما تنعطى وجه !
يلتفت إلى عِصام الذي لم يبرح مكانه ، يقترب منه و يقول : عِصام ، أنا آسف .. عارف إني قللت احترام معاك ، ما كان قصدي ..
يرفع نظره إليه و يقول بلهجة معاتبة و هو ينهض من مكانه : حصل خير .. أنا رايح البيت ، سَلام ..
بخيبة يقول يحيى : مع السلامة ..
يخرج عصام من المكتب ، يتنهد يحيى و هو يرخي نظراته أرضاً ، يقترب منه إبراهيم و يربت على كتفه بحب : لا تزعل ، بكرا يرضى ..

،,

و لكنني أخاف ، هل إن أردت يوماً أن تحبني ، سأحتاج إلى واسطة لتبوح لي بحبك ؟ ضربات قلبي لم تعد منتظمة منذ ذلك اليوم ، حين خذلتني ، لم يحزنني أنّك اختلقت عقبة في طريقنا ، بل ما أحزنني أنك خذلت قلباً ما وثق يوماً إلا بك ، إنني و إن كنت من قبل أتساءل كم من الورود سأنتظر في حياتي معك ، إلا أنني اليوم بدأت أعد كم من الخيبات سيحتمل قلبي بعد ؟ ينظر إليها بعينين تتساءلان عن سبب غياب ملامح الفرح عنها ، زمت شفتيها ، أخذت غرتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا ..
و لست متأكدة أيضاً من كلامي في هذه اللحظة ، أجازِف بقلبي يا سُليمان ، نهض الآخر مندهشاً : عَـروب ! شلون يعني ؟؟
تنظر إليه : لما قرر أخوي يأجل الزواج بآخر لحظة ، جاني و كان خايف إنك تتأثر بقراره ، قلتله إن سليمان عاقل و مستحيل يسوي هالشي ، بس إنت صدمتني بقرارك ، و الحين بعد ما عرفت جيهان بالتأجيل أكيد اهية كلمتك و طلبت منك ما تأجل ، أنا مابي واسطات في علاقتنا يا سليمان ، ماني مستنية أي أحد يقنعك فيني !
سليمان : منو قال إني ماني مقتنع فيكِ ؟ متى قلت أنا هالكلام ؟ أنا أبيك و ماني مستني من جيهان أو غيرها يتوسطون عشان أتزوجك ، أنا أخذت هالقرار بلحظة تسرع ، ممكن تكون جيهان نبهتني لتسرعي ، بس المسألة مو مسألة اقناع مثل ما أنت مفكرة !!
عروب : و منو عارف لحظة هالتسرع كم مرة ممكن تتكرر بحياتنا ؟ أنا ماني مضطرة أعيش معاك بخوف إنك ممكن خلال لحظة تسرع تظلمني ! بكرا لا صار أي مشكلة بين إبراهيم و جيهان رح أظل خايفة إنك تعاقبني بسبتهم ..
يُمسك بيدها : ممكن تجلسي شوي ؟
تنظر إليه بعتب و توتر ، تجلس فيقول : عروب ، إنتِ عارفة سليمان ، و عارفة إني ماني ظالِم ..
عروب : كنت أتوقع نفسي إني عارفة سليمان ، بس طلعت غلطانة !
سليمان : وش آخرة هالكلام ؟ أنا مابي زواجنا يتأجل ،
عروب بعد تفكير لم يدم طويلاً : زواجنا لسا عليه وقت ، اتركني أفكّر .. اللي صار آخر مرة غير شغلات كثيرة ..
نهضت متجهة إلى باب المجلس : عن إذنك تعبانة شوي ..
لاحقتها عيناه حتى خرجت ، تأفف في داخله ندماً ، هل بدأت بدفع الثمن ؟


،,

غرفة مظلمة ، نور خافت يقبع في زاويتها ، تجلِس حسناء على كرسي خشبي في وسط الغرفة ، تتصفح جوّالها بهدوء ، حتى دخل رجالها ، أو رجال والدها كما تسميهم ، ممسكان برجل مقيّد اليدين ، فمه مغلق بلاصق سميك ، يفتك الخوف في جسده ، الذي ارتخى براحة حين رآها تتقدم منهم مبتسِمة ، تقول لرجالها : ربطوه على الكرسي ..
تتسع عيناه مما سمع ، ما يؤكّد لحسناء ظنونها فتتسع ابتسامتها أكثر ، يُحكمون وثاقه على الكرسي ، ثم يقف كل منهم على حِدة منتظرين أوامرها ، تقترب و تنزع اللاصق عن فمه بقوّة ، تجلِس أمامه و هي تلف قدماً فوق الأخرى و تقول : اللي بعثك عندي ظلمك ، ما قالك من هي حسناء ..
يعقِد حاجبيه ، يتساءل بالإيطالية : أنا لا أفهم كلامك !
تضحك بصخب : هههههههههههههه ، طيب ، خلاص انتهى المزح و بدينا بالجد .. لغتك الإيطالية كويسة ، يعني تقدر تضحك فيها على واحد عربي ، بس مو علي ، أقدر أميز الإيطالي من العربي ..
يبتلع ريقَه ، جبينه يلمع في وسط الظلام من قطرات عرق تتصبب بخوف على وجهه ، يستمر في صمته ، تهزّ حسناء رأسها : قول لا تخاف ، منو إنت و منو اللي بعثك علي ؟ و ايش اللي كنت تبيه مني ؟
يعم الصمت المكان ، يصر أكثر على عدم الكلام ، تقول حسناء : مممممم ، مع إني ما كنت حابة إنك تجرب هالشي معانا من أول زيارة ، بس واضح إنك ما تتكلم إلا بالعصا ..
تصرخ و هي ترى في عينه الرغبة في الهرولة هرباً : يا بـدر ..
يدخل الرجل الطويل ، ذو العضلات البارزة ، يبدو أنه صمم ذاته خصيصاً بتلك الهيئة و البنية الرياضية الضخمة بعد تمرينات رياضية طويلة الأمد ، لذلك الغرض تحديداً ، انتفض مرتعباً حين رآه ، اقتربت حسناء من بدر ، قالت : هذا واضح إنه ما يبي يتكلّم بالذوق ، شوف شغلك ..
ألقت أمرها ، و نظرة أخيرة ساخرة له ، بثقة خرجت من الغرفة ، يزداد خوفه و هو يرى ذلك الرجل يتقدم منه ، يتحرك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخر ، غير مباليان بمقاومته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهم بغل : اتركوني ، شغلي مو معاكــم !!!

خارِج الغرفة ، تظهر ابتسامة جانبية على شفتيها و هي تسمعه يتلفظ العربية بكل طلاقة ، تتجه نحو سيّارتها ، و قد أتمت مهمتها ..
" مثل ما توقعت ، طلع كمين ، من واحد من أعداءك ، اللي علي سويته و الباقي عندك .. "

،,



تُخرِس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين ، يتساءل بدهشة : إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟


،,




يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت إليه ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي ..


،,



انتهى


عارفة والله إنه قَصير ، و عارفة إني قصّرت معاكم الفترة اللي فاتت .. و بعد الإعتذار صدقاً هالأسبوع كان فُل بالنسبالي ما كان عندي متسع من الوقت لكتابة البارت ، حاولت يطلع بشكل جميل قدر المستطاع ، و اليوم ما تحركت من قدّام الشاشة لأكتب 20 صفحة في الوورد ، لهذا السبب اعتبرته تتمة للجزء الثامن ..

موعدنا بإذن الله الجمعة القادمة ، مع بارت طويل يرضيكم و يعوّض تقصيري ، الذي أسأل الله أن يعينني لكي لا يتكرر .. كان أهم شي عندي هو عدم التأخر عن يوم الجمعة في نشره ، أتمنى ينال إعجابكم و رضاكم .. و لي عودة في الغد للرد على جميع تعليقاتكم الجَميلة ..

نلتقي الجمعة بإذن المولى .. طِيفْ!






شبيهة القمر 08-12-19 11:20 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
اهلين طيف
الجزء اليوم كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفه ..
اتوقع ان ابو طارق بيروح ليحيى وبيقوله يستر على شهد وياخذها ..
حسناء تكسر الخاطر تعيش كأنها ولد مو بنت وش هالحياة
فهد احسه ورط نفسه وبس

طيف ..تسلمين عزيزتي بانتظاارك 💚💚

طِيفْ 15-12-19 02:01 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

عَساكم بخير ،

بِسم الله نبدأ


الحب روحٌ أنتَ معنَاه ،
و الحُسن لفظٌ أنتَ مبنَاه .
ارحم فؤادًا في هَواكَ غدا ،
مُضنًى و حُمّاه حُميّاه .
تمّت برؤيتَك المُنى فحَكت ،
حُلُمًا تمتّعنا برُؤياه .
يا طِيب عيني حين آنَسَها ،
يا سَعدَ قَلبي حين نَاجَاه .

*جـُبـران


و في نَشوةِ العِشقِ صِرنا رمادا ، طِيفْ!

الجزء 9


أُدرِك تماماً يا صديقي ، أن الدنيا دوماً ما تجمع المتشابهين ، و لو لم أكن مثلك في ضعفِك و عجزِك هذا ، لما كنّا نجلِس الآن على نفس البقعة من الأرض ، إلا أنني لست متأكداً مما كنت سأفعل لو كنت مكانَك ، آخر ما أذكره هو أننا كنا متشابهين جداً في الخَيبة ، و قَسوة الدّنيا علينا ، لكنك بعد أن تغيّرت ، أتُراني أكسر مبادئي كما فعلت ؟ و لكنني لا أملك لك حلاً آخر ، فكَيف سأنجدك من السقوط في الهاوية ؟ كيف ألتقط كفّك التي تمتد لي لأنجيّك ، و كفّاي أنا مقيدان بحبل وثيق الرباط ؟
و أنا أعلَم يا طارِق ، أنّك ما كنت لتحتمل صفعة كتلك ، كيف تعرِف أنني غارِق بالخطايا إلى ذلك الحد ، إنّك منهك الآن ، أعلم ذلك ، فقد عشت شعوراً مشابهاً للتو ، لأخبرك يا طارِق ، لا تقلق ، ربما هي التجربة الأولى ، لكنّك ستواجه الكثير بعد ، فها أنا أمامك ، تلقيّت عدّة صفعات دون أن يرمش جفني ، لم تؤلمني الصفعات بل آلمني من صفعني ، إنّه أبي .. أيعقل أن يخيب ظني أبي ، أيعقل أن يرميني برصاص أفعاله ، و هو نائم في قبره دون حركة ؟ إنّه رصاص شديد القَسوة يا صاحبي ، يؤلمني كل يوم ، يمزّقني إلى أشلاء ، يتركني أنزف لساعات و ساعات ، لكنه لم يأذن لي بالموت بعد ، لم يتركني لألتقط حتى نفسًا أخيرًا ، لأعتذر لأمي ، عن كل ما فعلته ، و سأفعله ، و عن كل ما فعله أبي !

يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السّبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي ..
نصف ابتسامة متعبة تظهر بصعوبة على وجهه ، ساخرة منه و من صديقه اليائس ، يقترب طارِق منه ، يربت على كتفه : يمكن ما أقدر أخلصك من اللي تورطت فيه ، و يمكن ما أقدر أسويلك أي شي ، بس أقدر أنصحك ، لا تترك أمك يا فهد مهما كانت الأسباب ، لا تتركها بروحها و تكسرها ، و اعتبرني ما سمعت شي من كلامك ، اللي بيننا سر ما أحد يدرى فيه على موتي ، ما أقدر أساعدَك بشي ، غير إني مثل ما أنا ، موجود ، حتى لو عاجِز ، موجود معاك ..
يَضع فهد كفّه فوق كف طارِق ، يبتسم بإرهاق ، يرافقه ببطء حتى يصِل إلى الباب ، يخرج و يتركه وحيداً ، كم أصبحت أخاف أن أجلِس وحيدا ، إنها تلاحقني بذكرياتي و أوجاعي ، يقف أمام مرآته ، يسألها أهذا حقاً أنا ؟ إنني لا أعرفني ! يبتسم فتظهر لمعة ابتسامته في عينيه ، طيف ذِكرى شهْد ، قربها منه ، يمر في خاطِره الآن ، ليت كل الذّكرى كأنتِ يا شهْد ،

،,


الثانية و النّصف بعد منتصف الليل ، يدخل يَحيى ببطء و إرهاق إلى البيت ، و هو يفكّ أول أزرار قميصه ، يقترِب من الصّالة و هو يعلم أن والدته لا زالت مستيقظة كعادتها ، يطرق الباب و يدخل و هو يقول بخفوت : يمه !
تنهض من مكانها متلهفة ، تقترب منه : هلا حبيبي الحمدلله عالسّلامة يا بعد قلبي !
يبتسم بحب و هو يقبّل يدها : يمه مو كلمتك عالجوال و قلتلك بتأخر ؟ ليه سهرانة ؟
أم يحيى : ما جاني النوم يا يمه و إنت مو في البيت .. " تتسع عيناها و هي ترى تلك الكدمة على وجهه ، تمتد يدها و هي تقول بخوف : " يحيى ! وش ذا وش صايرلَك ؟؟ أنا عارفة قلبي قال لي إنه بيصير معاك شي !
يضحك : هههههههههه يمه هدّي روحِك ! ما في شي ، تهاوشت مع عِصام ..
أم يحيى بغضب : و منو هذا عِصام و ليش مسوي فيك كذا ؟
يحيى : مسؤولي في الشغل ، أنا عصّبته ، بعدين عادي ما فيها شي هذاني قدّامك بخير !
تضغط عليها بإصبعيها ، السبابة و الوسطى ، يتجعد جبينه متألماً ، تتساءل : تآلمـك ؟
يضع يده فوق أصابعها ليبعدهما بهدوء : ايه يمه شوي ..
أم يحيى : هذي يبيلها ثَلج ، بجيب ثلج و بحطلك فوقها ..
يحيى : لا لا يمه ما أبي إلا أنـااام و أرتاح ، ما عليكِ منها يومين و تروح ..
أم يحيى : طيب يمه يا حبيبي ما تبي تتعشى ؟
يحيى : لا يمه أبي أنام و بس و إنتِ بعد نامي .. تصبحي على خير ..
أم يحيى بهدوء : و إنت من أهل الخير ..

يتجه لغرفته بتعب ، يدخل و يقف أمام المرآة ، يتحسس مكان الكدمة بألم ، يمر طيف شهد و هي تسخر من وجهه ، يبتسم و هو يستذكر ما قالت ، يعلم أخيراً أنها قصدت أن الله قد اقتص لأخيها طارِق منه بعد أن ضربه ، طيف شهد ، يمر اليوم في بال أكثر رجلين بائسين في هذه الأرض ، يرسم ابتسامة يتيمة على وجهيهما ، كليهما كان الأب هو سبب بؤسهما ، لكن الفَرق أن يحيى لا زال يعيش الخدعة ، يظن نفسه مجرد محقق في تِلك القضيّة ، و لم يعلم بعد ، أنه أحد أهم أطرافها !

،,

نَفث أنفاسه بخوف ، يبتلع ريقه المختلط بالدم ، ينظر حوله و هو يحاول توقّع مصيره ، يقول عمر الجالِس أمامه : كمّل ، و ليش يعقوب ساوى كِذا ؟
راشِد : كان يبيني أبلّغ الشرطة ، و أقول لهم عن الكمين ، و المكان اللي بيصير فيه التسليم ، و بكذا يقضي عليك و عليها ، و اهوة يحتل الساحة بروحه ..
تظهر ابتسامة جانبية ساخرة على وجهه : ما يعرف إن هالشغلة ماهي شغلته ؟ و مهما حاول ينجح مثلنا ما يقدَر ؟ أتوقّع لازم تنبهه ، كونَك تشتغل عنده أكيد تهمك مصلحته ..
راشِد بتعب : أنا مالي علاقة بكل شي صار ، أنا مجرّد رجال يشتغل بأجرته عند يعقوب ، اهوة يأمرني و أنا أنفذ ! مالي علاقة تعاقبوني !
عمر : إنتَ عارف اللي يحاول يقرّب من بنتي أو يفكر حتى تفكير إنه يأذيها ، أنا وش بسوي فيه ؟
يصمت ، بجسد مكبل من جميع أطرافه ، غير قادر على الارتعاش ، قلب غير قادر على الارتجاف خوفاً ، يُردِف عمر : الحين أكيد معلمك منتظر منّك مكالمة ، علشان تبلغه إن المهمة تمّت بنجاح ..وين جوّالك ؟
راشد بهدوء : أخذوه مني الشباب ..
يقترب أحدهم من عمر ، يمد له الجوّال : تفضّل معلم هذا جواله ..
عمر و هو يفتح الجوّال ، يترقبه راشد بنظراته ، يضغط على رقم يعقوب للاتصال ، يمد له الجوال ليتحدّث ، يأخذه أحد رجاله و يضعه على أذن راشد ، بعد ثوانٍ ، يأتي صوت يعقوب الهامس ، يتحدث بلهجة ممتعضة : وينَك إنت كل هالوقت وين اختفيت ؟
يتنفّس بسرعة و خوف ، لا يعرف ماذا يقول ، يعقد يعقوب حاجبيه و يتساءل : راشِد ! وش فيك تكلّم ؟ أنهيت اللي طلبته منك ؟
يُشير عمر للرجل ، ليبعد السماعة عن أذن راشِد و يعطيه الجوال ، يأخذه ، يتنحنح و يقول : شلونَك يا يعقوب ؟
يتجمّد لسانه ، تجحظ عيناه ، يُردف عمر : مو حرام عليك اللي سويته بهالمسكين ؟
يعقوب : منو انت ؟
عمر بضحكة : عالأقل نبهه ، قول له إن العالم اللي جاي يحاول يوقعهم ، مو سهلين ، يعني الحين هاين عليك اللي صاير فيه ؟
يعقوب : وش اللي تبيه ؟
عمر بلهجة جدية : شوف يا يعقوب ، صارلك أكثر من مرة تحاول توقف بطريقي و تتحداني ، و كل مرة تفشل و إنت عارف إنك منت قدي ، و الطريق اللي قاعد تحاول تمشي فيه مثلي ، ماهو طريقك ، يا ليت تقتنع بهالشي لأنك قاعد تضيع وقتك و وقتي ..
يُغلق من جهته الخط دون أن يرد ، يلقي جواله جانباً ، بغيظ و هو يضغط على أسنانه : و بعدين معاك يا عُمر ، بعدييين !!

في الجهة الأخرى ، يبعد عمر السماعة عن أذنه ، تظهر ابتسامة شامتة على وجهه ، يقول لراشد : شفت ؟ عرف إنّك معانا ، و تخلى عنّك ، حتى ما طلب مني أتركك !
راشِد : الحين وش تبون مني ؟ كل شي تبونه عرفتوه ! اتركوني الحين .
عمر : والله يا راشد مثل ما يقولوا ، دخول الحمام ماهو مثل خروجه ، تكلّم بنتي و تحاول توقّعها و تسلمها للشرطة ، و تخرب علي شغلي و حياتي ، و تبيني بهالسهولة أتركك ؟ إذا معلّمك يعقوب ما سأل عنك ، و ما يبيك ، إحنا نبيك !
تتسابق أنفاسه الخائفة ، يتساءل : وش تبون مني ؟
يترك كرسيه ، ينتصِب واقفاً و هو يتنقل بنظراته بين رجاله الواقفين منتظرين أوامره ، يقول : الحين مبدئياً راح أتركك ترتاح مع الشباب ، و تاكل و تشرب و تنام ، بعدين نتكلم و نتفق ، " يقترب منه ، ينحني بجسده و يقول بلهجة مستفزة : " أحلام سعيدة يا حلو !
يخرج من عنده ، راحة غريبة تسري في جسده ، في كل مرة تثبت له حسناء ، أنّها بالفعل ابنته ، القوّية التي لا تُقهَر ، لولا أنها تقِف في وجهي دائماً ، تعاندني ، تتمرّد كثيراً ، إلا أنني سعيد ، فخور جداً بالقوة و الذكاء اللذان منحتها إياهما ، نجاحي الأعظم في الدنيا ، هو حسناء ، يقود سيارته و هو شارد يفكّر فيها ، يزداد إعجابه بها يوماً بعد يوم ، قوية ، معتدة بنفسها ، لا يمكن لأي كان أن يكسِرها ، ابتسامته لا تفارق وجهه و هو يحدّث ذاته عنها ، يصطف أمام المنزل ، تتسع ابتسامته أكثر و هو يرى نور الصالة المضيء ، ينزل متلهفاً ، يتقدم بخطوات متوازنة داخل المنزل إلى صالة الجلوس ، حيث تجلِس حسناء ، تتابع التلفاز ، بحركة فاجأتها ، تجعلها تنتفض في مكانها ، يضغط والدها بكلتا يديه على كتفيها ، يقبّل رأسها من الخلف ، تلتفت إليه ، و تنظر باستغراب ، يقول بفخر : هذي هي بنتي ، كل مرة ترفعي راسي أكثَر ..
تبتسم ابتسامة لم يعرف إن كانت تسخر بها منه ، تنهض من مكانها و تقول : و إنتَ كل مرة تخيّبني ..
تختفي ابتسامته عن وجهه : رجعنا لنفس الموضوع ؟
تكتّف حسناء يديها : كلّمتني ريم ، تدري كنت متوقعة بعد الكلام اللي صار بيننا إنك تتأثر و تغير رأيك ! بس للأسف قاعِد تصدمني !
عمر : هذا الموضوع له حسابات ثانية ، مو كل شي لازم تكوني عارفة فيه !
حسناء : وش اللي مو لازم أكون عارفة فيه ؟ اللي أعرفه إن هذا طفلك و هذي أمه و زوجتك ، شلون تقدر تسوي فيهم كذا ؟ طيب إذا ما تبي تربي هالطفل اترك الحرمة تربيه بروحها !
عمر بتذمر : إنتِ ما تعرفي تشوفيني رايق ؟ لازم تعكريني ؟
خطوات ناعمة ، ليست غريبة على مسامع أذنيه ، تقترب ، كأنه يمنع نفسه عن الالتفات ، حتى يسمع صوتها من خلفه تقول : أخيراً شرّفت ؟
يجيب بحدة : إنتِ وش جابك هِنا ؟ مو قلت ما تبي تردي البيت ؟
ريم ، و هي تقف أمامه : هالبيت بيتي ، مو مرحب فيني في بيتي ؟
عمر : برحب فيكِ ببيتِك بس بدون هالبلوة اللي حاملتها ..
تتكتف و تقول : أنا مابيك ترحب فيني ، أبيك تتركني أعيش بروحي و أربي ولدي بروحي ، مابي منك شي ..
يرفع حاجباً : أجل ليش جاية ؟
ريم : لأنك مجبور تتحمل مصاريفي و مصاريف هالولد ، أبيك تفعّل حسابي فِـ البنك و مصروفي يوصلني كل شهر ،
عمر بسخرية : و إذا قلت لك طلبك مرفوض ؟
حسناء تتدخل لتقول بحدّة : هذا مو طلب عشان ترفضه أو توافق عليه بكيفك ! هذا واجبك !
عمر : قاعدة توقفي معاها ضد أبوكِ ؟
ريم بابتسامة ، تقاطع حسناء قبل أن تجيب والدها : معلش حسنا ، خليكِ برا الموضوع ، شوف يا عمر معاك يومين ، إذا حسابي ما تفعّل ، و ما أرسلت لي مصروفي ، راح تخليني أضطر أتوجه للمحاكم ، و هالشي ما راح يكون في صالحَك ..
عمر ، ينظر إلى حسناء : شايفة اللي قاعدة تدافعي عنها ؟ قاعدة تهددني !
ريم بحدة : قلتلك خلي حسنا برا الموضوع ، اللي عندي قلته ، أنصحك تشوف محامي من الحين إذا كنت تبي تعانِد ..
تُعطيه ظهرها متجهة للباب ، تعلم جيداً مدى قَسوة النظرات التي يرمقها بها ، إلا أنه لا يعرِف أن نظراته تِلك لم تعُد تخيفها ، ذلك الجنين رغم صِغره المتناهي ، إلا أنه بدأ يمدّها بقوة كافية لتجابه عمر و كل من يقف إلى جانبه ،،

،,

صباح الأحد ، دون أن تشعر بها مريم ، تتقدّم بخطوات هادئة جداً نحو المطبخ ، بعد أن تأكدت من خروج ابنها ، تقف مريم مُعطية ظهرها للباب ، تقول أم عِصام بنبرة حادّة تفزع مريم : وين عصام يا مريم ؟
مَريم بجزع : بسم الله !
أم عِصام و هي ترفع حاجبها الأيسر : شايفة جني ؟؟
مَريم : لا عمتي مو القَصد ، بس ما حسيت لما دخلتِ ..
تجلِس على الكرسي ، و هي تضع كفّيها فوق بعضهما : طبعاً ما راح تحسي ، من متى كان عندك إحساس ؟
تعقِد حاجبيها ، للمرة الأول تحدّثها بتلك اللهجة ، تبتلع ريقها : وش تقصدي عمتي ؟
أم عِصام : لو كان عندك إحساس كان ما زنيتي براس ولدي عشان يخبي عني سالفة مرضك ، و ما كان رضيتي تحرمي ولدي الضنا عشان أنانيتك !
ترتبك شفتيها ، بلهجة مرتجفة : أنا ماني عارفة عن إيش تتكلمي ؟
أم عِصام بغضب : لا تسوي نفسِك مو عارفة شي ! أنا سمعت كلامك إنتِ و جيهان أمس ، و عرفت إنك ما تجيبي عيال و إنك مخبية عني إنتِ و عصام ..
ينحني رأسها بخجل ، تُردف أم عصام و هي تقف : مو مزعلني إنّك ما تجيبي عيال كثر مو مزعلني إنكم خبيتوا عني ، ليش خبيتوا عني جاوبيني ؟؟
مَريم ، تفرك يديها بتوتر : عمتي ، عصام قال لي مو وقته و قال لي أتعالج و إذا ما كان فيه أمل ذيك الساعة نقول لك ..
أم عِصام : لا تحطيها بظهر عصام هالحين ! أنا عارفة إنك إنتِ اللي زنيتي ع دماغه !
مريم : أنا خايفة ، خايفة يتزوج علي ..
أم عِصام : ثلاث سنوات متزوجين و ما شفنا منك شي ، و يطلع العيب منك و تبيني ما أزوج ولدي و أشوف عياله ؟
احتشدت الدموع في عينيها : العيب مو مني هذا شي بايد ربنا مو بايدي !
أم عصام : ما قلنا شي و النعم بالله ، بس تصرفك هذا أثبتلي سوء نواياكِ ..
تنظر إليها بعينين متسعتين : سوء نواياي ؟؟ عمتي ليش قاعدة تكلميني كذا ؟
أم عصام : شلون تبيني أكلمك ؟ بعد ما عرفت وش ناوية عليه مع ولدي ؟ شفتيه رجال طيّب تبي تستغليه و تحرميه الضنا ؟؟
مَريم بلهجة باكية : أنا أحب عصام و مستحيل أفكر أأذيه أو أستغله !
أم عِصام بسخرية : والله هذا الكلام ما يمشي علي ، شوفي يا مريم أنا ما راح أرضى إن عصام يطلقك لأني ما أرضى هالشي لبنتي ، بس لمعلومك ، أنا من اليوم راح أشوفله عروس ، و برضاكِ أو بدونه عصام بيتزوج ، عاد الحين الطابة في ملعبك ، حبيتي تظلي يا هلا و مرحبا ، ما حبيتي إنتِ حرة ..
احترقت وجنتيها بملوحة دمعها : هذا القرار راجِع لعصام ، عصام يبيني ما يبغى يتزوج علي ، لو يبي يتزوج علي كان بلغك بمرضي ..
تَرفع يدها ، تصفعها على وجهها صفعة تفاجئها : صِدق إنك قليلة أدب قاعدة تجاوبيني ؟؟ و تبي تحرضي ولدي ما يسمع كلمتي ؟
تمتد يدها لتتحسس مكان الصفعة ، تنظر إليها بألم و الدموع توالي احتشادها في عينيها الواسعتين ، تخرج دون كلمات ، بينما تنفث أم عصام أنفاسها و هي تتمتم : استغفر الله العظيم يا ربي ..

،,

عالم جديد يدخل إليه ، يمشي بثبات ، نظراته تأخذ جولة في الشركة التي سيصبح موظفاً فيها ، دقائق من الحلم يقتلها الواقِع تمر في عقله المشوش ، لو كنت أزور هذه الشركة ، دون وساطات ، دون أن أتورط ، أعلم جداً حقيقة تواجدي هنا ، إدراك الحقيقة مؤلم جداً ، أستغفل ذاتي جداً ، لِم لَم تتاح لي فرصة كهذه من قبل ؟ لم أكن أعرف حتى بوجود هذه الشركة فوق كوكب الأرض ، فقط لأنني أنتمي إلى طبقة أخرى ، و واقع آخر ، حُكِم علي أن أدفَن حيّاً في أرضي التي لم تُرحب بوجودي ، كان علي أن أكون شخصاً آخر ، و ابن شخص آخر ، لأستطيع أن أحلم ، و أن أصِل ، فإن الحلم ، حتى الحلم مشروط بشروط أوّلها جيبك ، و ما تملك بداخله ! بتجاهل لنظرات الموظفين ، الذين عرفوا أنه الموظف الجديد ، متعجبين من آثار الكدمات على وجهه ، يتقدّم نحو مكتب الإدارة ، يطلب من السكرتاريا الدخول ، بعد أن يعرف بنفسه ، يطرق الباب و يدخل ، إلى رجل يرتدي دشداشه الأبيض ، يجلِس خلف مكتبه بوقار ، ترجمت الحياة على وجهه كل ملامح النعم التي لم تكن موجودة في وجه فهد ، استطاع أن يرسم ابتسامة زائفة على وجهه ، يتقدم و يقول : السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. حضرتك السيد نَعيم العَتيق ؟
نَعيم بجمود : نعم ، و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، تفضل اجلس ..
يجلِس فهد ، يبدو عليه التوتر و هو يشتت نظراته يميناً و يسارًا ، يتساءل نَعيم بصوت جهوري : عرّفني بنفسك ؟
فهد : أنا فهد ، فهد مشعل شهران ..
نَعيم : عارِف ، غيره ؟
فهد بنصف ابتسامة : كل معلوماتي عندَك في السي في ..
يرمقه بنظرة ، يقرأ السي في بعينيه بصمت ، يرفع نظراته إليه بعد ثوانٍ ، يقول : عارِف يا فهد ، لو ما كان سُلطان وراك كان مستحيل أوظفك ..
يرفع حاجبه الأيسر : و ليش ؟
نَعيم : إذا مقابلة عمل مو عارف تسوي ، قاعد أسأل تقول لي معلوماتي عندك ؟ يعني ماني عارف أنا ؟ إنت أول مرة تسوي مقابلة ؟
يأخذ نفساً عميقاً ، يُردِف نعيم : اللي يسألك بالمقابلة عن اسمك و شغلك و تخصصك مو لأنه مو عارِف ، بس يبي يشوفَك شلون تتكلم ، ثقتك بنفسك و كل هالشي ما يبين بالسي في ..
فَهد : ما كنت عارِف نفسي جاي أقابل ، على بالي توظّفت و خلاص ..
نَعيم : أنا مدير هالشركة بس ماني صاحبها ، و في مجلس إدارة في الشركة ، لو وظفتك بدون مقابلة عالأقل شكلياً قدامهم ، بيصير مشاكِل ..
فهد ببرود : آها ،
يترك نعيم مكتبه ، يتقدّم نحوه و هو يمد يده للمصافحة : أهلاً و سهلاً فيك بيننا ، تقدر تستلم شغلك بقسم المحاسبة ..
يُصافحه فهد ، يتساءل نعيم و هو يعقِد حاجبيه : في كمان شي مو مكتوب بالسي في ..
فهد : وش هو ؟
نَعيم : هالعلامات اللي في وجهك مو مكتوب عنها شي ..
يَضحك فهد ، تظهر غمازته و يقول : ما في شي ، عَلقت أمس مع شباب ، أكلنا اللي فيه النصيب ..
نَعيم يهز برأسه : مشكلجي بعد ، وش هذا اللي جايبه لنا سلطان !
تختفي ابتسامة فهد ، يرن جوّال نعيم و المتصل سُلطان ، يقول نعيم : طيب ، الحين يدلوك على قسمك و مكتبك ، روح باشِر شغلك ..
يخرج فهد و هو يحدّث ذاته متسائلاً عما تخفيه له الأيام ، أصبحت حياته أشبه بفيلم مغامرات غامض جداً ، لا يعلم ما سيحدث له في الغد ، كأنه يقِف قدماً في الحياة و قدماً في الممات ،
بعد خروجه ، رد نَعيم على مكالمة سُلطان : يا هلا و غلا بأبو يحيى ..
سُلطان : شلونك يالحبيب ؟
نَعيم : الحمدلله بألف خير ، ياخي وش هذا اللي جايبه لنا ، والله لولا معزتك فلا بوظفه عندي ..
سُلطان : ليش ساوى شي يسوّد الوجه ؟
نَعيم بضحكة : لا ما لحق توه رايح لمكتبه ، بس واضح إنه ما عنده خبرة ..
سُلطان بعتب : من وين بيجيب خبرة إذا هالشركات ما ترضى توظف إلا اللي بخبرة ، لازم يشتغل عشان يصير عنده خبرة ..
نعيم : ما قصدت كذا ، بس حتى بمقابلات العمل ما عنده خبرة !
سُلطان : الولد هذا مسكين و ما أخذ فرصته بعد ما تخرج ما لاقى وظيفة ، اهوة ولد سايق نعرفه و المسكين توفى و ماله وصية غير ولده ، عشان كذا نبي نساعده بمعيتك ، تكسب فيه أجر و تتحسن أحواله و أحوال أمه المريضة ..
نعيم : على كل حال راح نوظفه 3 أشهر كتجربة ، و بعد كذا بنشوف و بنثبته إن شاء الله ..
سُلطان : ما يبيلك توصية يا نعيم ،
نَعيم بابتسامة : ولو ، بعيوني إن شاء الله ..
سُلطان : ربي يسعدَك ، يلا مع السلامة ..
أغلق الخط ، من جهته ، ابتسامته المعتادة تظهر على وجهه ، يفتح جواله مجدداً ليتصل بشريكه ،

ثوانٍ ، جاءه الرد من عمر ليخبره بآخر المستجدّات ، عمر بامتعاض : شلون تسوي كذا من غير لا تسألني ؟
سلطان : الولد بدأ يتمرد علينا ، و صار يحطلنا شروط ، و كان لازمه نربيه !
عمر : احنا نبي نكسبه معانا ، مو نضيعه بهالتصرفات ، ما كان لازم تتصرف من دون ما تكلمني ، و سالفة ياسمين اتفقنا إنه مو وقتها الحين ،
سُلطان : أنا ماني بزر عمر ! عارف وش قاعِد أسوي ، اللي سويته خلاه مثل الخاتم فـ اصبعنا ، تبيه كل شوي يقول هاتوا فلوس و هاتوا فلوس ؟ و يهددني بولدي بعد ؟ إنت إيدك مو فـ النار ،
عمر ، يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول : إن شاء الله ما تندم على تسرعك ، يعني فهد داوم في الشركة ؟
سُلطان : ايه نعم ، قبل شوي كلمت نَعيم و وصيته عليه ،
عمر بلهجة تحذيرية : بس أهم شي ، ما نبيهم يحسوا أو يشكوا بفهد ، عشانَك ، إذا عرفوا راح يقولوا هذا وش بينه و بين عمر ..
سُلطان بابتسامة جانبية : من وين بيعرفوا ؟ مناقصة و خسروها من وين راح ييجي عَ بالهم إن في جاسوس بالشركة ؟
يهز رأسه بتأييد : عسى خير ، طيّب ، خليك ع تواصل معاي ولاا تصرف بشي قبل لا تتصل فيني .. مع السلامة ..

يُغلِق الخط ، يلتفِت ليكمل أعماله ، شيء ما يدور في رأسِه ،


،,


تتنهّد بحيرة و هي ترى اسمها يُنير شاشة جوّالها ، تعرف تماماً ما سيكون خلف هذا الاتصال ، تردد لم يدم طويلاً حتى ردت بصوت مهموم : هلا جيهان ..
جيهان : شلونها عروستنا الحلوة ؟
تلجم لسانها كلمتها ، تمتنع عن الإجابة ، فتردف جيهان : سليمان قال لي إنك مزعلتيه .. صحيح هالكلام ؟
عَروب بانفعال : فوق اللي ساواه معاي ، زعلان بعد ؟ منو اللي لازم يزعل من الثاني ؟
جيهان : عروب ، أنا عارفة إن سليمان تصرف غلط لما قال إنه يبي يأجل العرس ، بس إنتِ شايفة إنه تراجع عن هالخطأ ، معقولة تقولي إنك مو عارفة إذا تبيه عشان مشكلة صغيرة زي كذا ؟
عَروب : لو ما كلمتيه ما كان بيتراجع ، بعدين الموضوع ماهو مجرد زعل لأنه أجل الزواج ، إنتِ قادرة تكوني طبيعية مع إبراهيم بعد ما أجل زواجكم بآخر لحظة ؟
بلهجة تعتريها الهموم : اللي بيني و بين إبراهيم شي ثاني تماماً ، إنتِ و سليمان تحبون بعض و ما في شي يوقف بطريقكم ..
عَروب : لا تزعلي مني يا جيهان ، بس سليمان اتضحلي إنه لا يؤتمن جانبه ، شلون بأمن أتزوج من شخص قدر يخلي شي مالنا علاقة فيه يأثر على علاقتنا ؟ شلون بأمن إن هالشي اللي صار ما راح يتكرر ؟
جيهان : سليمان شخص واعي ، و هالتصرف بدر منه بلحظة تهور ما فكّر فيها ، و مستحيل يتصرف بتهور بعد ما تصيري عنده في بيته ، إنتِ عارفة إن الشباب أحياناً يتصرفون بتهور خاصة لا كان الموضوع يخص خواتهم ، لا تلوميه ..
عروب : ماني قاعدة ألومه ، بس عالأقل أعطوني حقي إني آخذ موقف من تصرفه ، عالأقل عشان يتعلّم ما يكرره مرة ثانية ، لو سامحته بسهولة على هالشي ، بيكرره بسهولة مرة و اثنين و عشرة بعد !
تنقل جيهان سماعة الهاتف إلى أذنها اليسرى : بس عرسكم مو باقي عليه شي ، ما فيه وقت للتفكير و مابي اللي صار معاي يصير معاكِ من غير شر !
تلقي تنهيدة طويلة ، ثم تقول : لا تخافي ، خلال هاليومين بردله خبر ،
جيهان بصوت مُنكسر : نتكلم بعدين ، سلام ..

تُغلِق الخط ، تلتفت إلى جدتها الجالسة إلى جانبها ، تنظر إليها بحيرة ، تتنفس بعمق و هي تشتت نظراتها بعيداً عن أعين جدتها ، التي تقول : مو كافيكِ همومك ، قاعدة تحملي هموم الناس معاكِ ؟
جيهان و هي ترخي نظراتها للأسفل ، تقول بخفوت : هذولا الناس مو غرب ، أخوي يا جدّة ، خايفة عليه تخترب حياتي بسببي ..
تمتد يدَها بطيات الزمن ، تختبئ فيها حنيتها لتبعد خصلة غرتها عن وجهها : ما بتقولي لي وش اللي خلا إبراهيم يسوي فيكِ كذا ؟
تُمسِك بيدها ، تقبّلها بحب كأنها تتهرب من سؤالها ، إلا أن جدتها تصر ، فتكرر : وش اللي خلاه يسوي كذا ؟
جيهان بابتسامة باهتة : مدري ، صدقيني مدري ، كل اللي أعرفه إنه ما حبني ، وش أسوي هالشي ماهو بيدي ولا بيده ، ما حبني ..
تعقد حاجبيها : و يحبه برص ! شلون ما حبك إنتِ منو يشوفك و ما يحبك ؟
تضحك بخفة : ههههههههه ، تسلميلي أنا من دونك وش بسوّي ؟
الجدة ، بجدية و هي تحتضن رأسها : أناا ما أجاملك ، أقول الصدق ، ترى لو ما خاطِر زوج أختك عِصام كان في ألف واحد غير إبراهيم يتمنى ظفرك ،
تستمر في الضّحِك ، إلا أن اسماً لم يزر شاشتها منذ مدة ، يُنير شاشتها اليوم ليقطع عليها صفوها الذي تتعب كثيراً لتحصّله ، تقرأ عينيها الاسم عدة مرات ببرود ، تقول جدتها : صحيح إني ما أعرف أقرأ الكلام ، بس أقرأ لغة العيون ، هذا الحبيب صح ؟
تَرفع رأسها : حبيب شنو يا جدّة الله يسامحك بس ، عن إذنك ..
تُجيب في اللحظة الأخيرة ، بصوت خافت : هلا ..
إبراهيم : كنتِ نايمة ؟
جيهان : منو ينام لهالحزة ؟ كنت قاعدة مع جدتي ..
إبراهيم بلهجة كأنه يخجل من محادثتها و هو يعرف تماماً أن الخدش الذي تركه في قلبها لم يتعافى بعد : لا بس طولتِ لين رديتِ قلت يمكن نايمة .. شلونِك ؟
جيهان ببرود : بخير الحمدلله ..
إبراهيم ، يتلفت حوله و هو يرفع حاجبه الأيسر : ما بتسأليني شلونَك ؟
لم يسمع رداً على سؤاله سوى صوت أنفاسها الهادئة ، يُردف بسؤال آخر : ليش ما تتصلي فيني ؟
جيهان : و ليش أتصل ؟؟ بعدين حضرتك اللي مقطع عمرك اتصالات و زيارات ؟
إبراهيم بحدة : و ليش تتكلمي كذا ؟
جيهان بنفس نبرته : و شلون تبيني أتكلم بعد ؟؟ رجال غريب شلون تبيني أكلمك ؟
إبراهيم متعجباً : رجال غريب ؟
جيهان : راح تصير غريب قريباً ، ماله داعي نظل على تواصل دام إن هالزواج مصيره ينتهي ..
إبراهيم : إنتِ اللي قررتِ مصيره مو أنا ..
جيهان : لا تحاول تلف الموضوع و تحط العلل فيني ، بس عشان تبرر لنفسك و تبري ضميرك .. أنا ما قررت نهاية هالزواج إلا بعد تصرفك معاي يوم أجلت زواجنا ..
إبراهيم : وش أسوي ؟ قعدت معاكِ 4 شهور على أمل إني أحبك و أتقبلك ماا قدرت ، وش أسوي ؟
تُخرسها سهام كلماته ، تضغط على أسنانها لتمنع نفسها من إصدار شهقة باكية ، تحبس دموعها في محاجر عينيها بقسوة ، يُدرِك كلامه فيقول بخجل : جيهان أنا ما قصدت ..
بصوت متحشرج تحاول أن توزنه : لو سمحت لا عاد تدق علي ، ولا عاد أشوف وجهك إلين يوم الطلاق ..
إبراهيم : اسمعيني يا جيهان ..
تُغلِق الخط دون مقدمات ، تسمح لنفسها بالبكاء بعد أن تغلق باب غرفتها بمفتاحه ، يتعالى نحيبها و هي ترى كرامتها تهدر أمامه ، بجبروته و قوّته ، قَسوته التي تجعله يسحقها بكلماته دون تفكير و لو لثوان ، لم تمنع نفسك أبداً من إيذائي ،


يُتبـَع ...

طِيفْ 15-12-19 02:02 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
،,


ظهراً ، يتقدم بخطوات مترددة نحو البيت ، على عكس شخصيته التي تمشي بثقة ، اليوم هو في قمّة تردده ، لا يَعلم ما يشعر به حِيال سكّان ذلك المنزِل ، يشعر أنه قد ظلمهم في إيلاجهم بأمور ليس لهم بها ناقة ولا جمل ، إلا أنه يشعر أن طرف الخيط الوحيد المتعلق بقضيته ، سيجده بينهم ، يسري شعور غريب في جسده ، و هو يلاحظ نظرات الناس المتفحصة له كأنه مطلوب ، لا يعلم إن كانت تلك هي نظراتهم له منذ البداية ، أم أن أمراً استجد دون أن يعلم .. يطرق الباب ، و لم يعد يزرهم في بيتِهم سوى ذلك المحقق الكريه ، ذلك ما كان يخطر في بال شهد و هي تسمع صوت نقر الباب ، تلتزم مكانها و هي تبتعد عن نظرات والدها ، الذي يشعر هو الآخر أن الضّيف هو يحيى ، يرمقها بنظرة و يقول : خذي أمّك و ادخلوا داخل ، ما تتحركي من الغرفة مفهوم ؟
تحاول أن تتجاهل في ذاتها لهجة والدها ، تعامله الذي اختلف كلياً معهم ، تتشبث بيدها يد والدتها الضعيفة ، لتنهض بصعوبة عن الأرض ، تتحرك ببطء مع شهد نحو الغرفة ، يتحرك بعد ذلك والدها نحو الباب ليفتحه ، لم يفاجئه قدومه مجدداً ، لكن علامات الترحيب به لم تكن ظاهرة على وجهه هذه المرة ، الأمر الذي أدى إلى اختفاء ابتسامة يحيى و هو يشعر أنه بدا ضيفاً ثقيلاً على قلوبهم ، يقول بصوت جهوري : شلونَك عمي ؟
أبو طارِق بجمود : الحمدلله بخير ، تفضل ..
يشعر يحيى أنه قد أفسح له المجال للدخول على مضض ، يدخل بتردد ، الأجواء متوترة على غير عادتها ، دوماً ما كان يُرحب بوجوده صاحب البيت ، فما الذي يحدث الآن ؟ يدخل يحيى ، يجلِس على الكرسي و يقول و هو يخفي ارتباكه : كويس إنّك موجود ، جاي عشان أكلمك ..
يقترب أبو طارِق بصمت ، منتظراً يحيى ليكمل كلامه ، يُخرِج يحيى سيجارة من باكيته ، و كأن التدخين لا يحلو له إلا في بيتِهم ، يقول و هو يشعل السيجارة دون أن ينظر إلى أبو طارِق : قهوة وسط كالعادة ..
أبو طارِق بصوت مرتفع : اعذرنا يا سيادة المحقق ، ما فيه قهوة اليوم ..
يرفع يحيى نظراته المتسائلة إليه ، يرمقه بنظرات و كل ما يأتي في باله هو ذلك اليوم الذي وضعت فيه شهد الملح في فنجانه متعمدة ، هل عرف ؟ و ما الذي يجعله يحدثني بتلك اللهجة ، يبتسم يحيى ، يقول بمراوغة : إذا ما فيه قهوة عندكم بلا ، عادي ما في مشكلة ..
يجلِس أبو طارق أمامه و يقول : إلا فيه قهوة ، بس ما نبي نضيفك ..
يَرفع حاجبه و هو يسحب ابتسامته لتتحول إلى عبوس جاد : و السبب ؟؟
أبو طارق : سيد يحيى لو تبي مني شي بخصوص التحقيق ، يا ليت تكلمني و أنا أجيلك المكان اللي تبيه ، بس لو سمحت مابي أشوفك في بيتي مرة ثانية ..
في الداخل ، تستمع شهد إلى الكلام ، ترتسم ابتسامة على وجهها ، رب ضارة نافعة ، سأنتهي منك أخيراً يا حضرة المحقق ،

خارجاً ، بذات وضعيته يكرر سؤاله : السبب ؟
أبو طارق : أنا عندي بنات في البيت ، و دخولك علينا كل يوم ماهو أصول ..
يحيى بنبرة حادة : و منو اللي أساء لبناتك يابو طارِق ؟ شايفني قليل تربية ؟
أبو طارق : العفو ، بس لو عندك أخت ما ترضى إنها توقف و تكلم رجال غريب باب بيتها و الناس يطلعون عليها كلام طالع نازل ..
يحيى : متى وقفت مع بنتك ؟ بنتك اهية اللي تفتح الباب كل ما جيت ، و توقف و تأخذ و تعطي معاي ، ولا مرة حاولت أكلمها كانت تفتح أسألها سؤال ما تجاوبني ع قده ، اهية اللي كانت تكلمني مو أنا !
يصطدم أبو طارِق بحقيقة ما قال ، لم تكن مرة واحدة كما قالت شهد ، إلا أن صوتاً رقيقاً من الخلف يأتي ليدافع بحدته عنها : إنت إنسان وقح و ما فيك دم ..
يلتفت كليهما إليها ، والدها و هو يجحظ عينيه ، يقول من بين أسنانه : أنا ما قلت لك لا تطلعي ؟
شهد بغضب : شلون ما تبيني أطلع و أنا سامعة بأذني هالكائن يتبلى علي ؟ أنا لما وقفت معاك أول مرة فـ شنو كلمتك ؟ سألتني عن طارِق قلتلك ماهو موجود و ما يبي يشتغل معاك ، و قفلت الباب ، و ثاني مرة سألتني عن أبوي ، و آخر مرة قلتلك تمشي من هنا لأن طارق ما بيعديها على خير ، قول لي ، في شي ثاني كنت أكلمك فيه يا حضرة المحقق المحترم ؟ في شغلكم تتعلموا شلون تفترون على بنات الناس و تسودوا سمعتهم ؟؟؟
يحيى و هو يرخي نظراته : أنا ما أقصِد أسود سمعتك ، شايفتني ماسك الناس و قاعِد أتكلم عليكِ ؟ أنا قاعِد أدافع عن نفسي قدّام أبوكِ ،
شهد : ماهو محتاج تدافع ، ما يهمنا حسن أخلاقَك ، يهمنا لا عاد نشوف خشتك في بيتنا و تريّحنا منّك !
تظهر ابتسامة على وجهه ، يوجّه كلامه لوالدها : هذا مثال حي قدامك ، يأكدلك صدق كلامي .. على كل حال ، ما كنت حابب أغلبك بالروحة و الجية عالمركز بس دام إن هذا طلبك يا ريت تراجعنا بكرا ، و خليك دائماً تحت الطلب ..
شهد : مالك شغل بأبوي و أخوي ، و احنا مالنا علاقة بقضيتك ، اتركنا بحالنا عاد !
أبو طارِق بلهجة متوعدة : شهـْد ، ادخلي للغرفة ولا تتدخلي !
تتقدّم بخطوات ثابتة و هي تعرف تماماً ما سيكون ثمن تجرؤها عند والدها ، دون تفكير بالعواقب و تقول : شلون ما تبيني أتدخل و أنا شايفة شلون قاعِد ع قلوبنا و كأن الجريمة صايرة في بيتنا ؟؟ روح حقق مع فهد و عيلة مشعل احنا وش علاقتنا ؟؟
يحيى : واضح إن بنتَك يستهويها الكلام معاي ،
تنظر إلى أبيها الذي تشتعل عيناه غضباً منها ، تنتظر أن يتصرّف بحقه بعد الكلمات اللاذعة الي ألقاها لها ، لكنه لم يفعل ، بالطبع لن يفعل ، فإنني حتى و إن كان كلامي دفاعاً عن عائلتي ، ثورة لحقي و حقهم في حياة هادئة ، سيعتبره أي رجل في العالم تودداً له ، كما لو كنت لا أبحث في الدنيا إلا عن رجل متعجرف يلقيني بأسفه الكلمات ليُشبِع غرور ذاتِه ، ليُرضي شعوره بمركزيته في هذا الكون ، تقدّمت بحقد نحوه ، يقرأ في عينيها الثائرتين كُرهًا لم يستطع أن يحمله ، ظلّ يراقبها ببرود ، منتظراً صرخة والدها التي قد توقفها في مكانها ، لكنه لم يفعل ، لربما اعترف بضعفه عن مجابهة وحشية ذلك الرجل ، لربما شعر بحاجته إلى أنوثة ابنته لتحمي ذاتها و تحميه ، دون تردد ، و بحركة فاجأته لم يجعل لها في دماغه حسباناً ، رفعت يدها و صفعته على وجهها ، علّها تعلّمه كيف تثور على الأنثى أنوثتها ، كيف تشحذها لتُصبِح أشجع من فُرسان الزمن الغابِر ، فرسان الأساطير القديمة ، اتسعت عيناه كرد فعل فقير على تصرفها ، كان يود لو بمقدوره رد تلك الصفعة بصفعات ، إلا أن قانونه يقول ، لا رجولة لمن يضرب امرأة ، أفَمن الرجولة أن تضربها بكلماتك و تصفعها بلسانِك ؟ لَم تعتدي عليكَ بصفعتها ، إنها ترد عليكَ كما يليق ، إنها تدافع عن ذاتها بيدها الناعمة التي دخلت شجاراً مع لسانِك السليط ، و على الرغم من قوة اللسان مقارنة بيدها النحيلة ، إلا أنها عَرفت كيف و متى تستخدمها لتخرسك تماماً ، ينظر إلى والدَها ، لِم ينتظر منه الوقوف إلى صفه ضد ابنته ؟ ألمجرد أنها أنثى يجب أن يقف ضدها ؟ نظرات حادّة ، كانت آخر ما يملك قبل خروجه بمشاعر ، و أفكار تتَلاكم في عقله لتُنتِج صداعاً عنيفاً في رأسه ، ركب سيّارته ، لم أكن أعلم يومًا أنني سأكون ضحية للحيرة ، ما بين الاعتذار ، و الانتقام !


،,


المستشفى ، تستاء حالتها بعد انقطاع ولدها عنها ، فتاة يافعة تجلِس أمامها تواصل الليل بالنهار ، لم تعرف بعد أنها شريكة ، بل منافسة قوية جداً لها ، و أي منافسة ستستمر بعد موتِ زوجها ؟ لم تعد هناك منافسة من الآن ، إنها الرابحة حتماً أمام عجوز مريضة طريحة الفراش لسنوات ، تظهر ابتسامة صغيرة تؤلم شفتيها المتشققتين ، و هي تسمع تقرير الطبيب بعد أن يئِس من قدوم ابنها ، فَشَل كَلوي ، كانت كليتاي هن الشيء الوحيد الذي صمد ، و نجح حتى هذه اللحظة ، و الآن قدّمن استسلامهن أخيراً للفشل ، إنه الفشل الأخير ، المتبقي ، لأختتم به فَشل حياتي ، و زواجي ، و فشل أمومتي .. إلا أن كل أنواع الفشل تِلك لم تقتلني ، كانت تغرز السكاكين في أجزاء جسدي دون رحمة ، تتركني أعيش و أنا أنزف قطرات دمي يومياً ، ظلت روحي صامِدة ، لا بد أن أكون ممتنة للفَشَل الذي سينهي ذلك الألَم ، سيُجهِز علي ، سينقلني إلى جانِب زوجي الذي بات في الظلمة وحيداً لفترة طويلة ، صوته المختنق يناجيني ، حان وقت الاستجابة يا خَليلي ..
الطبيب ، يردِف و هو يتنقل بنظراته بين مريضته ، و ياسمين : الحل الوحيد هالحين هو غَسيل الكِلى ، لكن لازم نسويلك عملية نقل كلية بأسرع وقت ..
ياسمين : و شلون بنسوي عملية نقل كلية ؟
الطبيب : بالنسبة للمستشفى ننتظر متبرعين ، في ناس بعد ما تتوفى توصي بالتبرع بأعضاءها ، بس ما أخفيكِ هالحل موّاله طويل و ممكن تنتظر سنوات ، لأن في كثير ناس تنتظر كلية من قبلها .. إلا إذا كان فيه متبرع من العائلة أو أي شخص تعرفوه يتبرع لها بالاسم ، كذا ممكن يكون الموضوع أسهل ..
ياسمين : آها ، و أي أحد يقدر يتبرع بالكلية ؟؟
الطبيب : لا طبعاً ، في فحوصات و تحاليل ، لازم نتأكد من توافق الأنسجة قبل لا تتم عملية النقل ..
يلتفت إلى أم فهد موجهاً كلامه لها : لازم نحجزلك موعد في وحدة غَسيل الكلى ..
أم فهد ببرود : أبي أرد البيت ..
يتبادل الطبيب و ياسمين النظرات المندهشة ، يقول بعدها : بس حالتك للحين ما استقرت ، ما أقدر أخرجك اليوم !
أم فهد : مابيها تستقر يا دكتور ، أنا عارفة إن غسيل الكلى مثل الضحك على اللحى ، الفَشل الكلوي بداية الموت ..
الطبيب : لا تكوني يائسة يا أمي ، الله قادر على كل شيء ،، بعدين كثير من مرضى الفشل الكلوي تعافوا و تعالجوا و رجعوا لحياتهم الطبيعية ..
أم فهد بسخرية : حياتي الطبيعية انتهت من زمان يا دكتور ، أرجوك تخرجني أنا مابي أقضي أيامي الأخيرة في المستشفى ..
تقترب ياسمين من الطبيب الذي يقف حائراً أمام مريضته ، تهمس بصوت خفيف : دكتور تقدر تكتبلها على خروج و لا رجع ولدها أكيد اهوة بيقنعها بالعلاج ، حالتها سيئة لأنه بعيد عنها ..
الطبيب : حسبي الله و نعم الوكيل فالأولاد اللي يسوون كذا بأمهاتهم ، ما عنده قلب ؟؟؟ على كل حال راح أكتبلها خروج بس لازم توقعلي إنه ع مسؤوليتها ، لأنه لو حصل شي أنا بتحمل المسؤولية ..
تهز ياسمين رأسها موافِقة ، يخرج الطبيب ، تجلس ياسمين بجوار أم فهد : الحين بتوقعي إنك خارجة ع مسؤوليتك ، و برجعك للبيت إن شاء الله ..
أم فهد : أبي أرجع لبيتنا القديم ، مابي أرجع لهالبيت الكبير ، هذا مو بيتي ..
ياسمين : أي بيت ؟ أنا ما أعرف بيتكم القديم !
أم فهد بتعب : أنا أعرفه كويس ، خذيني بالسيارة و أنا أدلك ..
ياسمين ، بتردد : لا يا خالتي إنتِ ما تبي تضريني لو فهد درى بيسويلنا مشكلة !
أم فهد : هه ، فهد ؟ فهد لو سائل عني ما تركني يومين في المستشفى ولا سأل عني ..
ياسمين : خالتي ما تعرفي وش هي ظروفه أكيد في شي جبره يتأخر عليكِ ..
أم فهد و هي تنهض بصعوبة لتعتدل في جلستها : الظروف أكبر كذبة اخترعها الإنسان يا بنيتي ..
تلتزم ياسمين الصمت ، تُراقب عيناها الكهلتين ، و ما مر على ذلك الوجه المجعّد ، كل تجعيدة تروي حكاية من التعب و القَهر ، كلماتها لَيست تنبع من قلب عجوز أمية ، و كأن قلبها لا زال شاباً ، يتحدّث عنها ، عن رغبتها التي تحتضر في داخلها بالحياة ، تتحدث : الحين باخذك لبيتكم ، و بكلم فهد عشان يرد البيت و يشوفِك ..
أم فهد ، بغضب مُتعَب غير قادر على الظهور : ماني بحاجة وساطات عشان يتحنن علي و يشوفني ، ما كنت عارفة رغم كل هالسنين اللي عشتها ، إن الفلوس ممكن تغير الإنسان هالكثر ، كان ما يقدَر يغمض عيونه إذا كنت بعيدة عنه ، بعد ما صار معاه فلوس سافر و تركني أسبووع ، و هذا الحين يتركني في المستشفى حتى ما كلّف نفسه يسأل عن تحاليلي ، و الحين تبي تتواسطي لي عنده عشان يشوفني ؟ أبي أروح للبيت اللي كان فيه كل شي بَسيط ، و حلو ، و حقيقي .. أبي أروح لبيت مشعل .
ينتفِض قلبها و هي تسمع ذِكر مشعل على لسانها ، شيء ما يتغير في داخلها فورًا حين تسمع اسمه ، يجرّدها من كل ما تحاول أن تلصقه بذاتها من إنسانية و مشاعِر ، تقول بارتباك : طيب ، بعد شوي آخذك للمكان اللي تَبيه ..
فأنا أيضًا لدي الفضول لأعرف أين قضيت سنوات عمرك ، يا مشعل ..

،,


يدخل إلى المكتب متعجلاً ، ينظر إلى عزيز و يقول : عزيز تجهز اليوم ، بنروح لحارة فهد القديمة ..
عزيز : وش لك شغل بحارته القديمة ؟
يحيى و هو يجلِس خلف مكتبه : باخذ إذن تفتيش عشان نفتش بيته ..
عِصام يتدخل ليقول : اووف ، شلون ما خطر عَ بالنا نفتش بيت مشعل !
يحيى ينظر بابتسامة غرور نحو عصام : إنتوا ما أعطيتوا اهتمامكم لهالقضية ، طبعاً لأنها من النوع الصعب مو أي شخص يقدَر يتذكر التفاصيل ..
عِصام بامتعاض مبتذل : طيب بس لا أرميك بالفنجال !
يحيى : هههههههههههه طيب لا خلاص ، ما صدقنا شفنا إعجاب سموّك بشغلنا ..
عِصام : أنا رايح لمدير الامن أجيبلك الموافقة ، لعل و عسى يبين هالخير فيك ..
يحيى بضحكة و هو يرفع صوته ممازحاً : ماني بحاجتك ، واسطتي معاي " ينظر إلى عزيز الذي يضحك هو الآخر "
يقول إبراهيم دون أن ينظر إليه : من وين فكّرت بهالسالفة ؟
يحيى : أي سالفة يا أبو وجه ما يضحك للرغيف السخن ؟
يرفع نظراته إليه ، بابتسامة جانبية : وش اللي يضحّك في الرغيف السخن مثلاً ؟ سالفة التفتيش ، لا تقول لي بذكاءك الخارِق ، ترى حارتنا ضيقة !
يحيى يرفع حاجباً : شـُف النذل !
إبراهيم : هههههههههههههههههه لا قول بجد من وين عرفت ؟
يحيى : عصافير المحقق يحيى الغانِم بلغته إن فهد كان في بيته أمس ، فكرت و قلت وش رجعه لبيته لو ما فيه شي ؟
عزيز : يعني رجع سكَن فيه ؟
يحيى : لا ، قعد شوي و طلع ، هذا ما أبلغتني به العصافير ..
عزيز : و شلون بتفوت البيت و اهوة مسكّر ؟ رحت لبيت فهد و قلتله ؟
يحيى : العصافير أبلغتني إنه بدأ شغل جديد ، و بعدين يا ذكي تبيني أبلغه إنه جايين نفتش عشان لو فيه شي يخفيه ؟
إبراهيم : و ليش بيخفي شي ممكن يساعد بالوصول لقاتِل أبوه ؟
يرفع يحيى حاجبيه : ممكن لأنه يعرف القاتِل ؟!
عزيز باندهاش : مجنون إنتَ ! لا عاد مو لهالدرجة !
يحيى يقول بجدية مختلطة بالمزاح : شوف يا ولدي يا عزيز بالتحقيق الجنائي و في جرائم القتل لازم تحط نسب متساوية لجميع الاحتمالات ، و لازم تشك بكل حدا قريب من المغدور ، حتى لو كان ولده ، و أتوقع ماهي غريبة علينا نسمع إن واحد قتل أبوه ، صح ؟
يصمت عزيز ، بحيرة بين الاقتناع بكلام فهد و عدمه ، يقول إبراهيم بفضول : تدري ، صار عندي فضول أشارِك بهالقضية ..
يحيى بسخرية : والله ! قبل كانت مو عاجبتك و تقنعني أتركها ، وش صار اليوم ؟
عزيز يرمق يحيى بنظرة : يحيى ! وش اتفقنا ؟
يحيى ممازحاً : طيب طيب ، ببطل غرور ، شوف ما عندي مانع تنضم لفريقنا ، بس لازم تتقبل إني أنا المسؤول عن هالقضية يعني مو بكرا تسويلي فيها الأكبر و أكثر خبرة ..
ينهض إبراهيم من مكانه و هو يحمل ورقاً بين يديه ، بابتسامة يقول : طيب اتفقنا ..
عزيز يلتفت إلى يحيى بعد خروج إبراهيم : طيب و فرضاً ما قدرنا نوصل لفهد وش بنسوي ؟
يحيى : بندور عليه ، لا تنسى إن فهد أصلاً مطلوب للتحقيق ..
عزيز و هو يفكّر : نشـوف ..

يسند يحيى رأسه إلى ظهر الكرسي ، يشرد في مكان آخر و هو يتحسس وجهه ، تعود أمامه شهد ، تقف بغضبها و سخطِها ، ترفع يدها و تصفعه مرة ثانية و ثالثة و رابعة ، ترمش عيناه و هو يتنفس بقوّة ، مشاعره المتناقضة في داخله تتجلى بوضوح في معالم وجهه الحائرة ، غير آبه بمراقبة عزيز له .

،,


ترتجف أطرافه و هو يرى غرفة والدته فارغة ، يبتعد بخوف عن الغرفة ليعود مُسرعاً نحو الاستقبال ، يصطدم في طريقه بالطبيب ، يقول بتعجل و خوف : دكتور ، غرفة والدتي فاضية وينها ليش مو موجودة ؟
ينظر إليه الطبيب بغضب : انت ولد المريضة أم فهد ؟
يهز رأسه ، بجبينه المتعرق ، يقول الطبيب : الحقني لغرفتي ..
تتسع عيناه و هو ينفث أنفاسه بسرعة ، لم يعد يشعر بأطرافه و هو يسير خلف الطبيب ، خيبة تسري أمامه ، تخبره أنه ينهزم أمام حياتِه المتوحشة مجدداً ، يدخل الطبيب إلى غرفته ، يجلِس خلف مكتبه ، يدخل فهد خلفه ، يجلِس على الكرسي و هو يشعر أن أقدامه لم تعد قادرتان على حمله ، ترتجف شفتيه ، ترتطمان ببعضهما ، أذنيه تتشوشان كأنما تحاولان الامتناع عن سماع خبر مؤذ ، يقول الطبيب و هو يشبك أصابع كفيه فوق طاولته ، دون أن يبدي أي احترام لفهد : المريضة مو في المستشفى ، خرجناها اليوم ..
يُطبِق عينيه و هو يتنفس براحة ، يفتحهما مجدداً و نصف ابتسامة تظهر على شفتيه : يعني تحسنت ؟
الطبيب بملامح جامدة : وش تحسنت ؟ المريضة رفضت العلاج و اهية اللي طلبت نخرجها !
اختفت ابتسامته ، تساءل : علاج شنو ؟؟ وش مرضها ؟
الطبيب : والدتك يا سيد فهد معاها فَشل كلوي ، بلغتها اليوم نحجزلها موعد بوحدة غسيل الكلى ، و رفضت ، و طلبت نخرجها ، و خرجناها بناء ع طلبها ..
ينهض فهد ليقول بغضب : شلون تخرجوها بدون ما تعالجوها ؟؟ مين صاحِب القرار بالمستشفى الطبيب أو المريض ؟؟
يقف الطبيب و يرد بنفس لهجته : قصّر صوتك يا أستاذ ، أنا ما أقدر أعالج المريضة أو أخليها في المستشفى إجباري ! خاصة إن ما في أحد من أقاربها كان موجود غير هذي البنية اللي قالت إنها مرافقتها ، في المستشفى حاولنا نوفرلها كل وسائل الراحة ، و سوينا واجبنا من ساعة دخولها لـ ساعة خروجها ، لو كنت هنا و مهتم بوالدتك كان قلنا بس إنت تاركها بروحها يومين ما سألت عن نتائجها و جاي تحاسبنا ؟؟
عجز لسانه عن الرد ، لا يعرِف ذلك الرجل كم رغبت في قص قدماي في كل مرة رغبتا فيها بالسير نحو والدتي ، لم أرغب في أن تراني بحالتي الرثة ، حاولت أن أبتلع آلامي ، و صدمتي بوالدي وحدي ، لم أكن أضمن صمتي أمامها و أمام تِلك الدخيلة ، لكن شوقي اليوم جرّني إليها من نصف قَلبي ، فلم أجدها ، أعرف أنني لم أكسب في تِلك الدنيا إلا المال و غضبها ، إلا أنني لست بتلك القوة يا أمي لأحتمل حزنك ، ليتك تعلمين أن كل ما أفعله ، هو لأسعدك ، و إن كنت جاهلاً في كيفية إسعاد البشر ، إلا أنني لا زلت أحاول ، و أسقط يا أمي ، إنني أسقط بشكل سيء جداً ،
خرج من عند الطبيب دون أن يتلفظ بكلمة واحدة يدافع بها عن نفسه ، قد وقّع والده على اتفاقية فقدان ابنه حق الدفاع عن ذاته قبل وفاته ، فقد حقه في العيش حراً ، حقيقياً .. رفع جوّاله ليتصل بياسمين ، بصوت حانق يقول : وين أخذتِ أمي ؟ ليش ما كلمتيني و قلتي باللي صار ؟
تبتعد ياسمين ، تقول بهمس : سُلطان ما سمح لي أبلغك ، على كل حال أنا و أمك الحين في بيتكم القديم ..
يعقد حاجبيه : ليش في بيتنا القديم ؟؟
ياسمين : هذا طلب أمك ، تعال شوفها حرام عليك يومين تاركها بروحها !
فهد بحقد : حرام علي ؟؟ إنتوا تعرفوا تميزوا بين الحلال و الحرام ؟؟

يُغلِق الخط ، يخرج من المستشفى هائماً على وجهه ، يركب سيارته و هو يشعر أن الدنيا تغلق أبوابها في وجهه ، يمشي باتجاه بيته القديم ، إلا أن الطرق جميعها توحي له أنه يسير في متاهة لا نهاية لها ..

،,


يحل المساء المرهق ، أنهكت ذاتها بكاءً و قهرًا ، يكوّر قبضته بعجز عن أن يفعل لها شيئاً يُرضيها ، تمتد يده الضعيفة لتتحسس شعرها ، الجزء الوحيد الظاهر منها بعد ما أخفت وجهها الباكي بين ركبتيها المضمومتين إلى بعضهما ، يقول : حبيبتي ، لا تزعلي منها أمي مثل أمك و تمون عليكِ !
مريم ترفع رأسها ، و هي تقول بين شهقاتها : أنا ماني زعلانة إنها ضربتني ، زعلانة لأنها قالت عني معيوبة ، أنا وش ذنبي هذا الموضوع بأمر ربنا أنا وش ذنبي تقول عني معيوبة ؟؟
عِصام : أكيد ماهي قاصدة بس يمكن من زعلها إنا خبينا عنها الموضوع قالت هالكلام من دون ما تقصده ،
مريم ولا زالت مستمرة في بكائها : إذا فيني مرض معين هذا من ربنا مو مني أنا مابي ينقص احترامي بهالبيت لأجل شي أنا مالي يد فيه !
يمد إبهامه ليمسح دمعة من بين حشد من الدموع المتزاحمة فوق وجنتيها الحمراوين ، يتنهد و يقول : طيب ، أنا نازل أكلمها ، و ما بتكوني إلا راضية ، بس أبيكِ تمسحي دموعِك و تغسلي وجهك و تستهدي بالله ..
تحاول كتم شهقاتها ، ينهض أمامها متجهاً للباب ، يلقي نظرة أخيرة إليها ، يتنهد مجدداً و يخرج ، تمسح وجهها بكفيها و هي تشعر بصداع عنيف يغزو رأسها بعد يوم طويل من البكاء ، تخرج على أطراف أصابعها لتتبعه نحو غرفة والدته ، تقِف خلف الباب و تُلصِق أذنها به لتحاول أن تسمع كلامهم ، علها تعرف ما سينتظرها في حياتها القادمة ، يجلِس أمام والدته التي ترمقه بنظرات معاتبة ، يقول بعد صمت دام لثوان : يمه أنا اضطريت أخبي عنك .. قلت مؤقتاً يمكن مريم تتعالج أحسن ما نخلق جو توتر في البيت عالفاضي ..
أم عِصام : لا تحمل الذنب عنها ، أنا عارفة وش مربية ولدي ما يخبي عني شي ، أنا عارفة إنها مريم اهية اللي زنت فـ دماغك عشان تخبي عني ..
عِصام : حرام عليكِ تظلميها يمه ، اهية أكثر من مرة قالتلي نبلغك و أنا رفضت .. بعدين يمه حرام تعيريها بمرضها ، المرض ما فيه شماتة !
أم عصام باستهجان : أنا أشمت بزوجة ولدي ؟ أشمت إنها مو قادرة تجيب لي حفيد ؟؟ حسافة عليك يا ولدي ما هقيتها منك !
ينحني برأسه ليقبل يدها : يمه مريم من ساعة ما كلمتيها و اهية تبكي فـ غرفتها ، كسرتِ خاطرها ..
أم عِصام : خليها تتعلم ما تخبي عني شي ، و بترضى بعدين لا يهمك ، المهم في شي ثاني بكلمك فيه ،
ينظر إليها بيأس ، يصمت لتُكمل كلامها : اليوم كلمت أم جمال ..
عصام ببرود : منو أم جمال ؟
أم عصام : هذي أمها لـ نورا ، البنية اللي قلتلك عنها قبل فترة ..
تتسع عيناه : شنو يعني ؟؟؟
أم عصام : وش شنو يعني ؟؟؟ أخذت موعد منها عشان بكرا أزورهم إن شاء الله و نتكلم في موضوعك ، و ترى لمحت قدامها عن سالفة الخطبة ..

في الخارِج ، تُخرس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع مجدداً في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين :ِ إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟


،,



يضرب الطاولة بكفّه ، ينهض و هو يصرخ بأعلى صوت : أبي أعرف ويـن راحـت ! ما بتركك إلا لما تقـول ! و اسأل عني يا فهـد ..


،,


يتقدمان بخطوات هادئة مدروسة جداً ، يبدو على ضحيتهم التعب و الإرهاق ، يتثاءب بكثرة و هو يتقدّم ببطء نحو منزله ، يتقدمان كليهما ببطء حتى يصبحا خلفه تماماً ، يرفع أحدهما عصاه الخشبية السميكة ، ليضربه بقوة على مؤخرة رأسه ، الضربة التي تُسقِطه أرضاً ، فوراً و خلال ثانية فقط ، يبدو أنه انتقل إلى مكان آخر ، فقد القدرة على البقاء ضمن واقعه ، تشوشت الرؤية في عينيه تدريجياً و هو يشعر بشابين متلثمين يفتشانه ، حتى فقد الوعي تماماً ..



انتهى


البارت القادِم إن شاء الله سيكون يوم الأحد القادِم ،

ملاحظة ، صار فيه تغيير بمواعيد البارتات ، في نهاية كل بارت ببلغكم بموعد البارت القادم ، لأن الجمعة غالباً يوم للعائلة و صعب ألاقي وقت دائماً للنشر ، لذلك تم التغيير ، أتمنى يكون البارت أعجبكم لا تحرموني من تعليقاتكم اللطيفة .

طِيفْ!

شبيهة القمر 17-12-19 02:03 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
انا ماقهرني الا ابراهيم وش هالوقاحه .. يعني بترقعها عميتها هههههه
فهد من جرف لدحديره الله يعينه

طيف .. تسلم يدك بالتوفيق

طِيفْ 01-01-20 02:48 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
قبل كل شيء ، أوجّه شكر خاص للأخت شبيهة القمر ، متابعتي الوحيدة في هذا المنتدى ، مشكورة على دعمها و تشجيعها المتواصل لي ، لا عدِمتك ..


بسم الله نبدأ ،

الجزء 10



يجلِسون بهدوء قاتل ، يتناولون العشاء ببطء ، يتنقلون بنظراتهم بين بعضهم البعض ، نظرات غير مفهومة تحتاج الكثير من التفسير ، دون أيّة كلمات ، تشعر أم طارِق بارتجاف يد شهد و هي تضع اللقمة في فمها ، كأنها تنتظر عِقابها الذي لم يحِن موعده بعد .. يقتل والدها الصمت لينطِق دون أن ينظر إليهم : أخوكم طارِق تأخر ، ما عرفتوا وين راح ؟
تلتزم شهد الصمت ، بينما ترد عَبير بخفوت : لا يبه ، الحين ندق عليه ..
ينفضّ كفيه ببعضهما ، ينهض عن الأرض و هو يقول : الحمدلله ..
يتجه نحو المغسلة ، تقترِب عَبير من شهـد ، تهمس لها : ماني مصدقة إن أبـوي سكـت عاللي ساويتيه مع المحقق !
شهـد : وش بيسوي يعني ؟ اهوة كـان قـليل حـيا ، و اللي صار كان لازم يصير عشان يحفظ حدوده ..
أم طارِق ، تمضغ لقمتهـا و تقـول : مانـي متطمنة ، هذا المحقق ما راح يسكت عن هالكف ..
شهـد تنظر إليهـا : لا تخـافي يمـه ، لو مـو عارف إنه غلطـان كان بنفس اللحظة رد ، بس اهوة سكَت لأنه عارف نفسـه ،
هزّت رأسها : لعلـه خـير ، لعـله خير ..
تتجه أنظارهم جميعاً نحو الباب حيث يسمعون فتحه ، يدخل طارِق بوجه مهموم ، يقترِب والده يسأله : وين كنت ؟
طارِق : كنت في المستشفى ..
أم طارِق بخوف : أي مستشفى وش فيك يمه ؟؟
طارق ، بابتسامة صغيرة : ما فيني شي يمه ، رحت زيارة ..
أبو طارق : مين زرت ؟؟
يمشي طارِق ، يجلِس إلى جانب والدته ، يضع لقمة في فمه ، يمضغها و يقول : خالتي أم فهد كانت في المستشفى ، رحت أشـوف فهد و أوقف معـاه ..
شهـد بلهفة جعلت الجميع ينظر إليها باستفهام : وش فيهـا عمـتي ؟
ترمقها عَبير بنظرة ، تنتبه شهـد : أقصِد خالتي أم فهـد ..
طارق بنبرة بطيئة و هو يتفحص شهد بنظراته : مادري ، رحت قالولي خرجوها ..
أبو طارِق : اليوم المحقق كان هِنا ..
تبدو على وجه طارِق علامات عدم الرضا : وش يبي ؟؟ هذا ما يبي يفهـم ؟
أبو طارِق بعد أن يأخذ نفساً عميقاً : فهّمته لا عاد ييجي بيتنا ، و طلب مني أراجعه بالمركـز بكـرا ..
طارق ، يرفع حاجباً : وش اللي ممكن تساعده فيه ؟
أبو طارِق : مادري ، بكرا نشـوف ..
ينهض طارِق من مكانه ، يتقدّم من والده و يقول : رغم إني مانصحـك تروح ، بس مثل ما تبي يبه ..
أبو طارِق باستغراب : و ليش ما تنصحني أروح ؟
طارِق بانفعال : لأن بيت عمي بـو فهـد طول عمرهم أصحابنا الوحيدين ، الحين من وين لوين نروح نعطي معلومات عنهم لهذا اللي اسمه يحيى ؟ ليش تبي تضرهم يبه ؟
أبو طارِق : اللي يسمعَك يقول إن يحيى هذا مُحتل ، ما هو ولد البلد .. أنا ماي أضرهم ، ما راح أتبلى عليهم ، بقول اللي أعرفه و بس ..
يتنهد طارق بيأس : مثل ما تبي يبه ، سوي اللي تشوفه ..
يرمقه والده بنظرة ، يخرج بعدها إلى خارِج المنزل ، بينما يتجه طارِق إلى غرفته ، يغلق الباب خلفه بقوّة معبراً عن غضبه ، ليتَك لم تبُح بسرّك يا فهـد ، لم يكن ليُقلقني ذلَك المحقق اللعين ، حين كان يسألني ، كانت الإجابة على الدوام ، لا أعرف .. اليَوم أنا أعرِف ، فهل إن سألني سأكون قوياً بما يكفي ، لأكذب و أخبئ سرّك دون أن يظهر في عيناي ؟ هل سأكون قادراً على حمل سرّك ؟ لِم ائتمنتني و قد عرفت أنني وظّفت لأتجسس عليك ؟

في الخارج ، تقترب أم طارِق من شهد ، لتهمس : وش سالفة عمتي جواهر هذي ؟
ترتخي نظراتها بخجل ، و هي تقطع قطعة الخبز في يدها إلى قطع صغيرة ، تبتسِم عبير و هي تنظر إلى توترها ، تقول أم طارِق : جواهر فاتحة معاكِ هالسالفة ؟
ترتفع نظراتها قليلاً إليها ، كأنها بصمتها تقول نعم ، تتنهد بعدها أم طارِق ، و تقول : شيلي هالسالفة من دماغك يا شهد ..
شهـد ، و عبيـر ، تنظران إليها في وقت واحد بدهشة ، تقول : لـو علي ، أتمنى تكوني زوجة فهـد اليـوم قبل بكرا ، بس شايفة أبوكِ ، مستحيل يوافِق .. لا تتأملي بشي ما بيصير ..
تُلقي قطعة الخبز من يدِها فوق صحن الطعام الفارغ ، تنهض لتتحرك بسرعة نحو غرفتها ، تجلِس أرضاً و هي تتنفس بسرعة ، كانت تعرِف تِلك الحقيقة ، لكنها لم تواجهها حتى الآن ، بل إن والدتها قامت بالمواجهة عنها ، فلماذا أُصِر إذاً ، على عِشقٍ لن يأتيني إلا بالمتاعب ؟
لكنني لا أستغني ، عن تِلك الابتسامة ، عن تِلك النظرة ، لن أستغني عن تِلك الأشعـار التي تنطقها عيناك حين تنظر إلي ، و نبضات قلبي الذي لا أشعر بحيويته إلا حين أراك ، كيف لي أن أستغني عنها ؟


،,


يصطف إلى جانِب الطريق ، نظراته متعلقة بالسماء التي اصطبغت باللون الأسود دون أن يَشعر ، تنقّل كثيراً في السيارة ، دون أن يُدرِك الزمان و المكان ، يختنِق ، ولا زالت رئتيه تنبضان ، يريد المـوت حتماً ، لكن الموت لا يريده ، حاول أن يحرِف مساره عن بيتِهم القديم ، لكن دواليب سيارته قادته دون إرادة منه إلى هُناك ، إلى حيث يجد والدته ، و تلك التي دخلت بينهم دون استئذان ، سيتساءل هذه المرة ، إلى مَن كنت تـفي يا أبي ؟ من كانت التي تستميل قلبك أكثر ؟ ماذا كانت لتفعل جوهرتك ، لو علِمت أنك أبدلتها بياسمينة قد تخونَك و ترحل في خَريف العمر ؟ ترجّل من سيّارته ، بعد أن شَعَر أخيراً بحاجته إلى المواجهة الحاسِمة ، تقدّم بخطوات مترددة ، لا يُبالي بنظرات الناس من حوله ، يتساءلون بأعينهم عن سبب عودته بعد أن ابتسمت له الدنيا كما يظنون ، لم يعرِفوا بعد أن الدنيا بخلت عليه حتى بعبوسها ، فقد أغلقت في وجهه كل أبواب المشاعِر ، الحب و الكره ، الرضا و الغضب ، التسامح و الحِقد ، كل ذلك لم يعد يعرف له معنى بعد وفاة والده .. دخل إلى البيت ، أغلق الباب الحديدي خلفه ، ما جعل والدته و ياسمين ، اللتان تجلِسان في الغرفة اليتيمة في هذا المنزل ، تحت إنارة خافتة جداً ، تلتفتان نحو مصدر الصوت ، تَضـع ياسمين حجابها ، لتنهض مسرعة نحو الباب ، حيث يقِف فهد صامتاً ، متأملاً المكان الذي جمع ذكرياتهم الكاذِبة ، كانت جدران المنزل ميتة ، حين زاره وحيداً في المرة الماضية ، هل أردتِ أن تحييها مجدداً يا أمي ؟
تقدّمت منه ياسمين ، وقفت أمامه متكتفة و قالت بهمس : أمّـك في الغرفة ، ادخل شوفـها ..
ينظر إليهـا و قد لاحظ جزءًا من شعرِها قد تمرّد ليهرب خارج حجابها ، قال بسخرية : استعجلتِ تحطي الحجاب ، مو على أساس إنك زوجة أبوي ؟ يعني ما هو حرام لو شلتيه ، ياا " خالتي "
تُشتت أنظارها و هي تعيد شعرها إلى داخل الحجاب : على أساس أمّـك ما تدري ، كل شي ساويناه عشان نحافِظ عليها ، لو تبي نقول ما عِندي أي مانِع !
يرمقها بنظرة باردة لا معنى لها ، يتقدم نحو الغرفة ، ترخي والدته نظراتها عنه كأنها تمنع عينيها عن البَوح بشوقها لطِفلها الوحيد ، يتقدّم ببطء ، أعرِف أنني مهما فَعلت يا أمي ، ستبقين كما أنتِ ، و أعرف أنه مهما طال غِيابي ، سأعود لأجدك بحنيّتك ذاتها تنتظريني ، إنّك الشيء الوحيد الذي لم يتغير منذ مجيئي إلى هذه الدنيا ، أحتـاج أن تُعيديني إلى رَحمك الآن ، إلى داخِلك ، لم أكـن لأشعر بأمـان أكثر سِوى داخل أحشاءك ، إنني أرتجِف برداً يا أمي ، أمامك وحدك يا من تُشعرني أنني ما زِلت حياً ، أضـع رأسي في حِجرك ، أعود طفلاً تملأه الحيـاة ، تعـود شهـد تنبِض في عروقي ، و ما إن ابتعدت عنك ، أتحول إلى حَجَر ناطق يا أمي ، أفتقد حقاً الشعور بالألم ..
يجلِس أمامها أرضاً ، تشيح بوجهها عنه ، ينحني رأسه دون مقاومة منه ، تتحرّك يداه لتلمِس يدها ، تلتصق شفتيه بكفّها ، كان يفضفض عن الكثير من أسراره بقُبلة على يدِها ، سَرت في جسدها آلامه ، لتمتد يدها الأخرى ، تتوغّل في شعرِه النـاعم ، تُراقِب ياسمين المشهـد من بُعـد ، على كفّهـا البـاردة ، تشعر بقطرة حارة ، تسقط بخجل من عين ابنها ، الذي أطبق عينيه لتبتل رموشه ، أحبّك جداً يا فهـدي ، لكنني لا أعرفك ، أصبحت غريباً يا طِفلي .. تَرفع رأسه نحوها بقوّة ، عيناه العاجزتين تحترقان ، وجهه مليء بالكدمات ، تتحسس مكانها و تقول : وش صايرلَك ؟
يَعتدل في جلوسه ، يمسح دمعه بخجل ، و عَجل ، يُجيب بعدها : صارت معاي مشكلة ، تهجموا علي رجال ما أعرفهم ، و ما حبيت آجي المستشفى و أنا بهالحالة و أقلقك علي ..
جواهر ، بعتب قاسي : و هذا سبب يخليك تبعد عن أمك و تتركها بروحها مع المرافقة ؟
ينحني مجدداً ، ليطبع قبلات متتالية و هو ينطق : سامحيني يمه ، سامحيني ..
جواهر : قول لي وش مخبي عني ؟ وش صاير عليك ؟
فهد : اتفقنا يمه لا تحسنتِ أقول لك كل شي ، ليش طلعتي من المستشفى و ما رضيتِ بالعلاج ؟
جواهر بنصف ابتسامة على وجهها الحزين : أي علاج ؟ فَشَل كلوي يا يمه ، يعني خلاص ..
تتسع عيناه ، ليقول برجاء : وش اللي خلاص يمه ؟ وش اللي خلاص ؟ أنا ما بقى لي في الدنيا غيرِك ! وش اللي خلاص ؟
جواهر ، بنفس ابتسامتها ، تتحسس وجهه : اللي أبيه ، إني أتطمن عليك قبل لا أموت .. أبي أشوفَك مع بنية تراعيك و تهتم فيك ..
فهد : يمه لا تقولي هالكلام ، أنا مالي حياة بعدِك !
جواهر : وش رأيك بـ شهـد ؟ لا تقول ما تبيها ، أنا عارفة وش اللي بينَك و بينها ..
تتشتت نظراته بارتباك : وش اللي بيني و بينها يعني ؟
جواهر ، تنظر إليه بطرف عينها : الحب العذري ، أعرف خاطرَك فيها ..
فهـد ، و هو ينظر إلى ياسمين الواقفة عند الباب ، يقول : يمه مو وقت هالكلام ، باخذك المستشفى عشان تتعالجي ، و تتحسني ، و تشوفي زوجتي و أولاد أولادي بعد ..

على بعد كيلومترات قليلة ، تصطف سيّارة يركبها كل من يحيى ، إبراهيم و عزيز ، في المقاعِد الأمامية ، يجلِس يحيى و إبراهيم ، في الخلف ، عزيز ، يَقول يحيى و هو ينظر إلى السيّارة الحديثة المصطفة إلى جانب الطريق : قلتلكم إنه هِنا .
إبراهيم : منو قالك ؟
يحيى بابتسامة جانبية : العصافير ..
عَزيز : لا يكون حطيت جاسـوس جديد ؟
يلتفت إليه : برافو والله شلون حزرت ، يلا خلونا ننزل نشوف شغلنا ..

يُطرَق الباب ، لينتشِل فهد من دوّامة أسئلة كان سيقَع بها ، تقترب ياسمين ، تفتح الباب ، تنظر بعينين متعجبتين إلى ثلاث رجال يقفون أمام الباب ، يتقدّمهم يحيى الذي تعرفه جيداً من خلال صوره مع سُلطـان ، ينظر يحيى إليها أيضاً بتعجب ، كان يتساءل ، من تكون تِلك الفتاة ؟
يَفتح يَحيى محفظته ، لتظهر بطاقته الأمنية و يقول : يحيى الغانِم من التحقيق الجنائي .. فهـد موجود ؟
يأتي فهـد على صوتِهم الضخم ، يتقدّم بتوتر و هو يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، تفضل ..
يحيى و هو يتنقل بنظراته داخل البيت المُعدَم : معانا أمر بتفتيش البيت ..
فهـد : وش السبب ؟
متجاهلاً سؤاله ، يُلقي أمره لعزيز بكلمة : عـزيز ..
يتحرّك عزيز ليبدأ التفتيش ، بينما يبتعد يحيى عن فهد و هو لا زال يتنقل بنظراته في المنزل ، يقترب فهد من إبراهيم ، يتساءل بهمس : ممكن أعرف ليش التفتيش ؟
إبراهيم : بنستكمل التحقيق في قضية مقتل والدَك ..
يتركه إبراهيم ، يتجه إلى يَحيى الذي يُدخّن سيجارته بمزاج عالٍ ، يقول في أذنه : وش بنفتش هنا بيت ما فيه شي وش بنلاقي فيه ؟
يرمقه بنظرة ، يُتابع فهد الذي تبِع عزيز ، ثم ينتقل إلى ياسمين ليسألها : منـو إنتِ ؟ معلوماتي فهـد ماله اخـوة ؟
تهزّ رأسها بتوتر واضح : صحيح أنا ماني أخته ، أنا المرافقة لوالدته لما يكون اهوة مشغول ..
يرفع حاجبيه و هو يهز رأسه بإعجاب ساخر ، ليتقدم عزيز و من خلفه فهد ، بعد دقائق ، يمد عزيز له فلاشة لجهاز حاسوب ، قديمة نوعاً ما ، يقول : ما لقيت إلا هذي ..
يأخذها يحيى ، وسط نظرات إبراهيم المتفحصة للفلاشة ، ينظر إلى فهد : هذي لَك ؟
يعقد حاجبيه ، يهز رأسه ببطء نافياً : لا ، ولا مرة كان عندي فلاش ميموري ، هذي أول مرة أشوفهـا ..
يُغلِق أصابعه عليها ، يسأل : عزيز ، فتشت كويس ؟
يقترِب منه ليهمس : البيت كله غرفتين ، " يَرفع صوته " ، نعم سيدي فتشت البيت كله ..
يمد يحيى الفلاشة لإبراهيم : إبراهيم تأخذ الفلاشة و تفتحها ..
يلتفت إلى فهد : نعتذر عن الإزعاج ، فهد ، راجعنا بكرا فـ المركز ضروري ..
يغلِق الباب بعد خروجِهم ، لتتقدم منه ياسمين ، تهمس : شلون تخليهم ياخذوا الفلاشة ؟ كان المفروض قلت إنها فلاشتك و ما تتركهم ياخذونها !
فهد ، يرفع حاجبه الأيسَر : ليه ؟؟ بعدين لو قلتلهم إنها لي كانوا بيتركوها يعني ؟
صَوت والدته المُتعَب يناديه من الداخل ، يدخل ليراها ، تقِف ياسمين حائرة تفكر ، ترفع جوالها لتكتب رسالة ..


،,


تهز قدَمها بتوتر و قهر ، تنظر إلى عيناه المشعّتان و تقول : ليش أمزح في موضوع زي كذا ؟
عِصام : يمه شلون تخطبيلي بدون ما أعرف أو أكون موافق حتى ؟!
أم عِصام : والله اللي أعرفه إن ولدي عصام ما يثنيلي كلمة ، علّمتك علي الست مريم ؟
يجلِس مجدداً أمامها : يمه وش اللي تعلمني عليكِ ! أنا رجال ماني بزر عشان أتعلم من فلان و علان ! بس يمه أنا من الأول قايل لك مابي أتزوج على مريم !
أم عِصام : والله ماني عارفة وش لاقي فيها ، ساحرتَك هالبنت ؟ و ليش ما تتزوج عليها ؟ عيب ولا حرام ؟
عِصام : يمه لا هو عيب ، ولا حرام ، بس أنا مابي ، مابي أتزوج مرة ثانية و خلاص ، وضعي ما يسمحلي !
تعقِد حاجبيها : وش فيه وضعك ؟ فلوسَك موجودة الحمدلله تقدر تصرف على أربع حريم مو بس على ثنتين !
يطلق تنهيدة طويلة ، يقول بعدها : ما قصدت الوضع المادي يمه ، بس إنتِ عارفة طبيعة شغلي ، و دوامي الطويل ، مريم بروحها و ماني ملحق أقوم بواجباتي عشانها ، شلون بقوم بواجبات ثنتين ؟
أمه ، بسخرية : والله ؟ واجباتك ؟ وش بتكون واجباتك ، والله ماني عارفة منـو الرجال !
يُطبِق عينيه ، و هو يضغط على أسنانه ليقول : حرمتي لها حقوق مثلي مثلها ، انتهينا من هالموضوع يمه ، ما راح أتزوج على مريم ! لا تجبريني آخذ بنت الناس و أظلمها ، تتحملي خطيتي و خطيتها و خطية مريم بعد !
أمه بدهشة : هذا الكلام لي أنـا يا عِصام ؟؟
يُرخي نظراته ، بعجـز ، يخرج من غرفتها دون كلام ، يخاف أن يتمادى أكثر فيُغضِبها .. صعد الدرج ببطء و هو يتنهد بألم على حالـه ، يتنفس بعمق عند باب جناحه ، لئلا يُشعِرها بشيء ، يفتح الباب بابتسامة مزيفة على وجهه ، لا زالت تُهلِك عيناها دمعاً ، تأفف و دخل إليها ، جلس على طرف السرير و قال : و بعدين يا مريم بهالحالة ؟ خلاص ، بالأول و بالآخر كانت بتعرف ، هذانا ارتحنا من هم كبير ، هالحين تقدري تروحي تتعالجي براحتِك ..
تستمر في بكائِها ، يُطلِق العَنان لغضبه ليصرخ : خلاص عاد ! ضيعتوني ما بينكم إنتِ و أمي ! إنتِ كل همّك إني ما أتزوج عليكِ ، و أمي كل همها إنها تشوف أحفادها ، و أنا ما أحد فيكم حاسس فيني ما أحد يقول هالرجال وش يفكّر فيـه ، قاعـد بس أراضيكِ و أراضيهـا تعبتـوني خلاص عـاد !
تَرفع رأسها ، تَمسح وجهها بهدوء ، بصوتٍ مبحوح تقول : ماله داعي تفتعل معاي مشكلة عشان تبرر زواجك الثاني علي ..
عِصام : أي زواج ثاني ؟ شفتيني تزوجت ؟
مَريم : لا ، بس مبارك الخطوبة ، أمّك شافت العَروس و قررت خلاص ،
عِصام ، يُميل رأسه و هو ينظر إليها : بس هذا القرار قراري ، مو قرار أي أحد ثاني ..
بنبرة مهتزّة : و قرارك راح يختلِف عن قرار أمّك ؟
عِصام : واضِح إنّك سمعتِ اللي تبيه و بس ، عشان كِذا أنا ما راح أتعب نفسي و أبررلك ،
يتجّه ليخرج من الغرفة ، يلتفت قبل خروجه : أكثر شي مضايقني ، إنك بعد كل هالسنوات طلعتِ ما تعرفي من هو عِصام ..

،,


روما ، المساء الممل ، تتحرك بغرفتها الكَبيرة بملل ، لا شيء يربطها بالحياة سِوى العمل الذي أجبرها عليه والدها ، لربما كان الشيء الوحيد الذي يشعرها بوجوديتها رُغم عدم رغبتها به ، دوماً ما أشعر أنني لَست أنا ، أشعر أنني في مسلسل تلفزيوني ، أتقمص شخصية تِلك البطلة التي سُميّت حسناء ، سأعود يوماً ما ديانا ، لكنني لا أعلم متى سينتهي ذلك المسلسل ! لقد تورطت حقاً ، أريد بشدة أن أعـود ديـانا ، لكنني حقاً لا أذكرنـي ، لا أعرفني سِوى حَسنـاء ، دُفِن الكثير مني قبل عَشر سَنـوات ، لَم يتبقى مني سِوى جسدي الذي يتحرك كروبوت ينفذ الأوامر فحَسب ، في غرفة الملابِس ، سقطت نظراتها على الوشاح الأحمر الذي قدّمه لها فهد ، ابتسامة خاطفة تظهر على وجهها و هي تذكر تِلك الساعات القليلة التي قضتها معه ، كَم شعرت بالانتماء و هي تُجالِسه ، رُغم أنهما كانا كثيرا الاختلاف ، تهمس بينها و بين ذاتها : والله كنت مُسلي يا فهـد ..
تلتفت إلى باب غرفتها الذي فُتِح ، تتأفف في داخلها و هي تشعر أن مهمة جديدة قادمة إليها ، لتكرّس حَسناء ، و تُلقي التراب فوق ديانا فتختنق أكثـر ، يقترِب والدها بابتسامة ، تضع الوِشاح جانباً و تتقدم منه ، تنظر إليه كأنها تقول أعرِف أن تِلك الابتسامة لم تكن لتظهر لولا أنّك تريـد أن تطلب مني طلباً تعرف مسبقاً أنني قد لا أوافق عليه ، يقول : مَساء الورد يا وردة بيتي ..
تتكتف بابتسامة ، تقول : نعم ؟
يرفع حاجبه و يقول بمزاح : كِذا يردون التحية ؟
تأخذ نفساً عميقاً : قول لي وش بعد هالتحية اختصر المقدّمات ..
عمر : يعني قصدِك إني مصلحجي ؟ أحياناً أحس إني ما ربيتك ربع ساعة !
تضحك : ههههههههههههه ، إنتَ اللي عوّدتني إن علاقتنا ماهي علاقة أب ، و بنته ، علاقتنا " بزنس " و بس ..
يجلِس على الأريكة المنفردة إلى جانب النافذة : هالمرة غلطانة ، جاي أكلمك ، أب ، لبنته ..
تَرفع حاجبيها ، تجلِس على طرف سريرها أمامه : الله الله ، خير إن شاء الله ؟
عمر : عارفة إن شركتي في الرياض داخلة مناقصة قوية ، و لازم أكون موجود ..
حَسناء : على أساس بو جابِر ماسك كل أمور هالشركة ، ليش تبي تكون موجود ؟
عمر : هذي مناقصة مهمة جداً ، و إن ربحناها هالشي بينعكس إيجاباً على شغلنا .. لازم أكون موجود و أتابع كل شي بنفسي ..
حسناء : و إذا ربحنا هالمناقصة ، بتترك شغلك بالمنشطات و غَسيل الأموال ؟
يعبُس وجهه ، حسناء بضحكة ساخِرة : مالك غِنى عن هالأمور .. يبه بقول شي ، وضعنا المادي الحمدلله صار فوق الريح ، و صار عندك شركات و أموال ، ليش للحين مصر تظل ماشي في الغلط ، متى بتصير قانوني ؟
عمر : هههههههههههههههه ، قانوني ؟؟ تدري لو مشيت عالقانون اللي قاعدة تتكلمي عنه ، كان قاعدين نعزف أنا وياكِ بشوارع ايطاليا و نتسول بالعزف ..
حَسناء : يعني الحين كل اللي معاهم فلوس حصلوا فلوسهم بالحرام ؟؟؟
عمر بغضب : لا تقولي حرام ، أنا اجتهدت ، بعدين فيه ناس حظها انها انولدت في عائلة غنية ، أنا ما انولدت كذا بس قدرت أكون نفسي من لا شيء ..
حَسناء : دام إنّك شايف إن اللي قاعِد تسويه ماهو حرام ، و اسمه اجتهاد مثل ما قلت ، أجل ليش كل هالتحفظ على شغلك ، و ليش دايماً تخاف إن الشرطة يعرفوا شي عن اللي تسويه و تتاجر فيه ؟
عمر : هذا ما هو الموضوع اللي جاي أتكلم فيه معاكِ ، هالفلوس اللي مو عاجبك مصدرها اهية اللي سوت منك بني آدمة و درّستك في أحسن جامعات إيطاليا ، لا تتكبري عالنعمة ..
تصمت ، لم يبدو عليها الاقتناع بكلامه ، يُردِف : أبيكِ تسافري معاي للرياض .. أبيكِ تتعرفي على بلدك ..
حَسناء : وش بسوي هناك ؟ ما أعرف أحد !
عمر : مو ضروري تعرفي أحد ، بس مو معقولة تكوني من أب سعودي و ما عمرك شفتِ بلدك ولا زرتيها !
حَسناء بملل : و جامعتي ؟؟
عمر : ما راح نغيب كثير ، أسبوع -10 أيام كحد أقصى ..
حسناء : يبه ، إنتَ أكيد ما تبيني أروح معاك بس عشان تعرفني ع بلدي ، قـول وش هـدفك من سفـري معاك !
ينهض عمر ، يقول بغضب : تدري ؟ إنتِ اللي ما تبي نكون أب و بنته ، كل ما أحاول أقرب منك كأب تبعديني ، و تطلعيني دائماً الرجل اللي يحاول يستغلك لمصلحته ، حتى و أنا قاعد أقولك إني أبيكِ تسافري معاي حولتي الموضوع لشغل و مصالح ، عكل حال تجهزي للسفر .. و مابي أسمع كلام بهالموضوع ..
يستوقفه صوتها عند الباب : و ريـم ؟
عمر : وش فيها ريم ؟
حَسناء : بتتركها و اهية حامل من دون مصروف ولا شي ؟؟
عمر : لا تخافي عليها ، فعلت حسابها فـ البنك ، خلها تولي اهية و ولدها ..
حسناء بتعجب : قاعِد تتكلم كأنه مو ولدك !
عمر : لا حول ولا قوة إلا بالله ، تصبحي على خير ..
يخرج ، يغلق الباب خلفه بقوّة ، تَعود حسناء إلى غرفة الملابِس ، تأخذ وشاحها ، تتحرك ببطء نحو سريرها ، تستلقي فوقه و وشاحها يغطيها ، هل سألتقي بك مجدداً يا فهد ؟ و لِم لا ؟ لعلّك ترد الجميل و تأخذني إلى جولة في شوارع الرياض التي لم يسبِق لي أن رأيتها إلا في الانترنت ، فقد فَعلت الكثير تِلك الليلة حتى ترد الجميل ..


،,

يتقدمان بخطوات مدروسة ، يبدو على ضحيتهم التعب و الإرهاق ، يتثاءب بكثرة و هو يتقدّم ببطء نحو منزله ، يتقدمان كليهما ببطء حتى يصبِحا خلفه تماماً ، يرفع أحدهما العصاة الخشبية السميكة ، ليضربه بقوة على مؤخرة رأسه ، الضربة التي تُسقِطه أرضاً ، فوراً و خلال ثانية فقط ، يبدو أنه انتقل إلى عالم آخر ، فقد القدرة على البقاء ضمن واقعه ، تشوشت الرؤية في عينيه تدريجياً و هو يشعر بشابين متلثمين يفتشانه ، حتى فقد الوعي تماماً .. يأخذان ما يريدان ، يتبادلان نظرات النصر المُبتسمة ، يجران ضحيتهما إلى جانب الطريق ، يتلفتان حولهما بمراقبة للطريق ، ينطلقان نحو سيارتهما ليختفوا في غضون ثوانٍ قليلة من المكان ..

في غُرفة التحقيق ، يدخل يحيى برفقة عَزيز ، يفاجئهم وجود عِصام في ذلك الوقت المتأخر ، يبدو عليه أنه معكر المزاج ، يتساءل يحيى : وش مرجعك ؟!!
يتنهّد عِصام ، يتجاهل سؤاله ليرد بسؤال آخر : فتشتوا بيت فهد ؟
يحيى ، يجلِس خلف مكتبه : فتشناه ، ولاقينا فلاش ميموري واضح إنها قديمة .. راح يجي الحين إبراهيم و يفتحها ..
عِصام : و ليش ما جا معاكم ؟
يحيى : قال بيروح البيت أول و بعدين بيلحقنا ..
يهز رأسه بصمت ، ينهض عزيز ، يستأذن يحيى ليعود لمنزله ، يخرُج ، يتقدّم يحيى من طاولة عصام ، بصوت خافت يقول : عِصام ، وش فيك ؟
دون أن ينظر إليه ، يطرق بالقلم فوق الطاولة : ما في شي ..
يجلِس أمامه : شلون ما في شي ؟ ليش رجعت ؟؟
يتنهّد ، يلتزِم الصمت ، يَحيى : قول عِصام ، وش مضايقك أنا مثل أخوك !
يرفع نظراته إليه ، بعد تردد يقول : أمي تبي تخطبلي ..
يَحيى ، و هو يعرِف تماماً ما ينتظره عِصام منذ بداية زواجه ، يتساءل : و انت وش رأيك ؟
عِصام ، يُميل رأسه : أنا ماني موافق أتزوج ، بس أمي مصرة على رأيها ..
يحيى : بس هذا القرار قرارك يا عِصام ..
ينهض مهموماً ، يقِف أمام النافذة : عارِف إنه قراري ، بس خايف أمي تزعل مني ، ماني عارف شلون أرضيها من دون ما أتزوج ..
يقف يحيى خلفه ، يربِت على كتفه : إنتَ أدرى يا عِصام ، بس حرام تتزوج بنت ثانية بس عشان ترضي أمك ، و تظلمها بعدين معاك ..

يتركه ، يعود لمكتبه لعدم رغبته في التدخل أكثر ، يعود عِصام للشرود ، و لم يزدد إلا حيرة ..

،,

طِيفْ 01-01-20 02:49 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

،,

في لُجّة الظلام ، يجلِس سلطان خلف طاولته ، أمام شاشَة حاسوبه التي تمنحه ضوءً وحيداً في غرفته ، يبتسِم بسخرية و هو يسترخي على كُرسيه الدوّار ، و هو يُقلب تِلك الفلاش ميموري بين أصابعه ، و في يدِه الأخرى ، يحمِل سماعته على أذنه ، بلهجة إطراء شديد : والله وجودِك معاهم فادنا يا ياسمين ..
من عندها ، تبتسم و تقول بهمس : طبعاً ، إنتَ ما تعرف قيمتي و على طول ظالمني ..
يَضحك : ههههههههههه ، خلاص ولا يهمّك ، من هِنا و رايح راح أصير أعرِف قيمتِك .. وينكم الحين ؟؟
ياسمين : فهـد أقنع أمه ترد المستشفى عشان تتعالج ، و الحين في المستشفى ..
تتغيّر لهجتها و هي تنهض من مكانها ، حين تسمع فتح باب الغرفة ، تتحدث بارتباك : طيب حبيبتي أكلمِك بعدين .. مع السلامة ..
تُغلِق الخط ، تلتفت إلى فهـد ، تبتسم بتوتر : هـا وش قال الدكتور كل شي تمام إن شاء الله ؟
ابتسامة جانبيّة تظهر على وجه فهد ، يقترِب منها و يقول : لا تسوّي نفسِك ذكيّة ، ترى عارِف إنّك كنتِ تكلمي سُلطـان ، مو علي هالحركات !
ياسمين بارتباك : و ليش أكلمه يعني ؟
بذات ابتسامته ، يتفحّصهـا بنظراته حتى يزداد ارتباكها ، يتساءل بعد عدّة ثواني : عندي سؤال محيرني ..
ياسمين : وش هو ؟
فهـد : وش سِر تعاونك مع سُلطان ضدي ؟ مع إني وِلـد زوجِك ، المفروض توقفي معاي ..
تكتّفت ياسمين ، ابتسامة جانبية تُشابه تِلك التي على وجهه ، تظهر على شفتيها : و متى شفتني واقفة ضِدّك ؟
فهد : كل اللي صار المرة الماضية ، و مجرّد إنك تسمحيله إنه يستخدمِك كوسيلة عشان يضغط علي فيها ، ما تعتبريه إنّك واقفة معاه ضدنا ؟
تَرفع يدها لتحك فوقَ حاجِبها بتوتر ، ثم تجيب : لأنـه سلـطان ما تركني من يوم وفـاة أبـوك ، و لـولاه كان ضـاع حقي معاكـم ..
فهـد : آهـا ، عن أي حـق قـاعدة تتكلمي ؟
ابتلعت ريقَهـا خوفـاً من المفاجأة الجديدة التي ستُفجّرها ، لتقول بصوت مرتجف : أبـوك كان راح ينكرني لولا وجـود سلطـان ..
عَقـد حاجبيه : بينكرِك ؟ شلـون يعني ؟
ترتخي نظراتها إلى الأسفل : مقـدر أقـولك ، هذا شي يخصني و يخص مشعل ..
أخـذ نفساً عميقاً ، بنبرة غاضبة : مشعـل يكـون أبـوي اللي انقتل ، قـولي وش بعـد مخبيين عنـي ؟
ترفَع نظراتَها الحادّة إليـه ، بنبرة واثِقة ثابتة : أنـا حـامل يا فهـد ..
تَظهر ملامح الصدمة على وجهه ، بعدم تصديق : نـعـم ؟؟
تَعود للجلوس على الكُرسي ، بلهجة المغلوب على أمرِها ، تبدأ برواية قصّتها : عِندي أبـو ظالِم ، أمي توفّت و أنا طِفلة ، و أبـوي تزوّج ، و تَركني لجدتي تربيني ، ما كِنت أشـوفه إلا فـ المناسبات و بعد ما جدتي تترجـاه يزورني ، زوجـته ما كـانت تحبني ولا كـانت تخليني أدخـل بيتهم ، ماتت جدتي لما كـان عمري 16 سنـة ، و اضطريت أعيش بعدها مع أبـوي اللي ما كِنت أعرف عنه شي ،
يقترب فهـد بإنهاك ، و قلّة حيلة ، يجلِس على الكرسي المجاور لهـا ، يستمع إليها بإنصات ، فتردف : خلال 6 شهور اكتشفت إن أبـوي يِلعب قمـار ، و معتمد على فلـوس القمـار فـ كل حياته ، زوجـة أبـوي ما كـانت تعترض لأنه كـان يكسَب و يدخّل فلـوس ، ما همها هالفلوس حلال أو حـرام .. و استمرينا بهالحـال إلين صـار عمري 28 سنـة ، عِشتهم مع أبوي و زوجته مادري شـلون تحملتهم و تحملت قسوتهم ..
فهـد ، بعد أن أطلق تنهيدة طويلة : كـافي تراجيـديـا ، قـولي اللي يهمني أسمعـه ..
تظهر ابتسامة ساخِرة : لا تستعجل ، بتعرف كل شي .. لمـا صِرت 28 سنة ، و أبـوي طبعاً مستمر فـ لعب القمـار ، بدا يِخسَر ، و كل ما يخسر كان يطمَع ، و يتحدى نفسه إنه يبي يعوّض خسـاراته ، بس كل مرة كان يخسر أكثـر ، استمر على هالحـال إلين خسر كل فلوسه ، حتى البيت اللي كـان قاعـد فيه خِسره ، زوجـة أبوي ما اتحملت ، خذت أولادها و ردّت لبيت أهلـها ، و ظليت أنـا ، مالي مكان أروحله ، و اللي بيصير على أبوي بيصير علي .. آخر شي كـان يملكـه أبـوي ، اهوة أنـا ، جِسمي .. و كِنت أنـا اللي بدفع ثَمـن خسارته هالمرة ..
تزاحَمت الدموع في عينيه ، ينظر إليها و هو يجاهِد نفسه ألا تسقط إحدى دموعه أمامها ، تساءل بنبرة مهتزة : و مـنو اللي ربـح ؟
ياسَميـن : الرابح كان ، مشعـل شهـران .. و هالشي كـان قبل وفـاته بشهـرين تقريباً ..
غطّى وجهه بيديه بعجز عن أن يمنع دموعه ، أردفت : أبوك اللي عاش آخر سنوات حياته مع حرمة مريضة مو قادرة تكون زوجة تقوم بكل حقوقه ، أعجبته الصبية اللي كانت تستلم لخسـارات أبـوها كل ليـلة ، و بعـد شهـر تقريباً ، حسّيت بأعراض الحمـل ..
رفع يديه عن وجهه الأحمر كالدم ، بعد تفكير : و سلطـان شلـون ساعدك ؟
ياسمين : كـان الوحيد اللي يدافع عني كل ما دخل علي أبوك الغرفة ، طبعاً سلطان كان من أهم لاعبي القمـار ، بس كـان خايف علي ، و لمـا حسيت بالحمل ، حاولت أوصل له ، اتصلت فيـه و قلتله ، و اهوة اللي ضغط على أبوك علشـان يتزوجني و يعترف بالولـد ، و لولا سُلطـان ، كان الحين أنا و ولدي مدري وش بيصير فيـنا ..
فهد بهدوء : أبـوي كان يلعب قمـار ؟ و كـان زانـي ؟ هذا اللي مـات عليه أبـوي ؟ اللي قاعدة تنتظريه هالحين ، ولـد حرام ؟؟
وَضع رأسه بين يديه : شلـون أساعدك يبـه ؟ شلـون أكفّرلك عن كل هالذنوب ؟؟
ياسمين : بعد ما تزوجنا ، أبـوك حس بغلطه و تحسنت معاملته معاي ، الله يرحمه ، قريباً راح أدخل بالشهر الثـالث ، كـنت قـادرة أجهضه ، بس هالولد ماله ذنب ..
ظهرت ابتسامة ساخِرة على وجهه ، نهض من مكانه و قال : أنا برد البيت و بكرا باجي أشوف أمي ، الكلام هذا إياك أمي تدرى فيه ، خليك معاها و أي شي اتصلي فيني ..

تركها و التفت خارجاً و هو يشعر أنه ترك دماغه عندها ، لـم يُجهض ذلك الجَنين ، فإنه ليس لـه ذنب بما اقترفت يدا والده ، و هـل كـنت أنـا المذنب يا أبي لأعاقب بتِلك القَسوة ؟



،,



اقتربت السّـاعة من الثالثة فَجـراً ، اقتربت أم إبراهيم برداء الصّلاة ، بملامح قلق و ذعر ، نحـو باب غرفـة ابنتِها عَروب ، تطرقه بهدوء عدّة مرّات ، في الداخل ، تفتَح عروب عينيها ببطء و هي تعتقِد أن طرْق الباب توهماً ، حتى تكرر أكثـر ، رفعت رأسهـا عن الوسـادة لتعتدل في جلوسـها ، بخوف رَفعـت شعرها عن وجهها ، تقدّمت نحو الباب و فتحته ، بخوفٍ قالت : يمـه ، وش فيكِ ؟؟
أم إبراهيم : أخوكِ للحين ما رد البيت ، خايفة يكون صارله شي !
تنفّسـت بعمق : يمـه خرعتيني والله ، يكـون انشغل بشي يمـه إنتِ عارفة طبيعة شغله !
هزّت رأسهـا بنفي ، بنبرة خائفة : أخـوك ولا عمـره تأخر لبعـد الساعة 12 ، مستحيل يتأخر علينا و احنا حـريم بروحنا لو مو صاير معاه شي ! عالأقل كان اتصل و قال إنه بيتأخر !
أخذت بيدها و سَارت معها نحو السرير ، عَروب : طيب يمه قعدي شوي ، وش نقدر نسوي مالنا غير ننتظر ..
تجلِس والدتها : وش ننتظر !! اتصلي بجيهـان خليها تكلّم أختها ، زوجها يشتغل معاه أكيد يعرف وينه !
عَروب بتردد : يمه مادري بس مو شايفة إنها مو مناسبة أتصل بهالوقت فيها ؟ جربتِ تدقي على إبراهيم ؟
الخوف يزداد وضوحاً في نبرتها : دقييت جواله مقفول ، دقي على جيهان ما فيني صبر دقي عليهاا
عروب و هي تفتح جوالها : طيب يمه اهدي راح أدق عليها ..
تبحث بسرعة عن اسم جيهان ، بإبهامها المرتجف تضغط على زِر الاتصال ، تبادل والدتها بنظرات الخوف و الاستفهام ، بعد ثوانٍ ، ردّت جيهان بصوت ملؤه النعاس ، تقول باستغراب : عَروب ، وش فيك ؟؟!
عَروب : آسفة إني دقيت بهالوقت ..
تفرك جيهان عينيها و تقول بخوف : لا ما في مشكلة قولي وش صاير ؟؟
عَروب : إبراهيم للحين ما رد البيت دقينا عليه جوّاله مقفول ، و أمي قلقانة مو عارفة تنام ، لو تدقي على أختِك مريم تسأل زوجها ، أكيد يعرف شي !
جيهـان بخوف تحاول أن تخفيه : طيب الحين أكلمها ، قولي لعمتي لا تشغل بالها إن شاء الله ما في شي ..
أغلقت السمّاعة فوراً ، نهضت من مكانها لتعتدل في جلستِها ، أشعلت اللمبادير لينتشر ضوء برتقالي خافِت في الغرفة ، وضعت السماعة على أذنها بعد أن طلبت رقَم أختها ، تَسمع صوت الرنين و هي تهز قدمها بتوتر ، في الجِهة الأخرى ، تتقلّب مريم بتعب فوق سريرها ، غير مبالية بصوت رنين هاتفها ، أفكـار سيئة تراودها تظهر في أحلامِها ، حتى يستيقظ عِصام على صوت الجوّال ، يختطف نظرة ليجِد اسم جيهـان ، يهزّ كتف مريم بقوة : مريـم قومي ..
تفتح عينيها بتعب : عِصـام ، وش فيك ؟
ينظر إلى هاتِفها مجدداً ، حيث انقطع الاتصال و هَدأت نغمته : قومي قومي دقي على أختِك ، كانت تدق عليكِ أكيـد صايـر شي !
تلتفت إلى الكومدينا إلى يسارِها ، تلتقط جوّالها : فِعلاً داقة علي ، خير إن شاء الله ..
تُعاوِد الاتصال بها ، قَبل أن تكتمل الرنّة الأولى ، ترد جيهـان : مريم ..
تعتدل في جلستِها : جيهـان وش فيكِ ؟ ليش داقة علي هالحزة ؟؟
ابتلعت ريقها لتتحدث بسرعة : دقّت علي عَروب و قالتلي إن إبراهيم للحين ما رد البيت ، و قلقانين عليه ، دقيت عليكِ عشان تسألي عِصام يمكن يعرِف شي ..
مَريم : طيب طيب ،
تلتفت إلى عِصام لتسأله : عصام هذي جيهان تقول إن إبراهيم للحين ما رد البيت و ما شافوه اليوم ، تعرف وينه ؟
يعقِد حاجبيه و يَقول بصوت كان مسموعاً لدى جيهـان : كـان مع يحيى و عزيز ، و لما ردوا المركز قالوا إنه بيمر البيت وش صاير عليه !!
مَريم : جيهان عِصام يقول ..
تُقاطعها بخوف : سمعت ! وين راح يا ربي ! وش بنسوي الحين ؟
عِصـام : قولي لها إني قلت إنه في عنده شغل اليوم ، لا تقلقوا أنا رايح المركز أشوف السالفة ..
مَريم : جيهان لا تشغلي بالهم الحين ، عِصام رايح المركز و بيكلمني ، قوليلهم عنده شغل ..
جيهـان : طيّب ، راح أجرّب أدق على إبراهيم يمكن يرد ..
مَريم : اوكيه حبيبتي و أنا بردلك خبر أول ما يكلمني عِصـام ..

خَمس دقائق ، في غُرفة عَروب ، أغلقت الخط بابتسامة عريضة ، توجهت لوالدتها لتقول : مو قلتلك يمه ، عنده شغل ، الحين زوج أخت جيهان قال إنه مكلفه بشغل عشان كِذا تأخر ..
لا زال القَلق يبدو على ملامحها : طيّب ليش جوّاله مقفول ؟ ماني مرتاحة !
عَروب : يمه أكيد فضي شَحن عشان كِذا مقفول ، قومي الحين نامي و إن شاء الله بكرا تقعدي من النوم تلاقيه موجود ..
تتنهّد والدتها ، تخرج من الغرفة مُرغَمة و هي تشعر أن مكروهاً قد أصاب ابنها ..

في الجِهة الأخرى ، عَـاودت الاتصال عدّة مرات ، عاد لينبِض قلبها و هي تَسمع رنة هاتفه ، تحمِد الله في سرّها ، لكن القَلق راوَدها مجدداً حين انتهى الاتصال دون أن يرد عليـها ، لتقول في ذاتِها ، و لِم كل ذلك القلق يا جيهـان على ذاك الذي لم يُفوت فرصة ليُحطّمك ، منذ تلك اللحظة التي وقّع فيها على عهـد الألـم الذي سيقذفكِ به حتى النهاية .. انتفضت يدها مع صوت نغمة الجوّال حين وصلتها رسالة مُرعبة من رَقم إبراهيم ، نصّـها : " خـلاص كـافي تدقـوا على هالرّقـم صاحِب الجوّال قدّام بيتـه و ما في خَطر عليه بس روحوا أسعفوه لأننا ضربناه على دمـاغه "
تَشهق بخوف و عَدم فهـم ، تتصل بمريم مُسرِعة ، يأتيها الرد فتقول بخوف : مريم وصلتني رسالة من جوّال إبراهيم !
يصِل عِصـام إلى باب الغُرفـة ، يقِف في مكانه مترقباً ، تقترب منه مريم و تقول : جيهـان تقول إنه واصلها رسـالة من جوّال إبراهيـم !
يَسحب مِنها الجوّال و يقول بعجلة : السّلام عليكم ، وش الرسالة اللي وصلتك ؟
جيهـان بصوتها المذعور : يقولون إنه ضربوه على دمـاغه و لازم نسعفه !
عِصـام : اقرأي لي الرسـالة مثـل ما هي ..
قرأت عليه نص الرّسـالة ، اتسعت عيناه بدهشة ، بسرعة قال : طيّب خلاص أنا رايح أشوف الموضوع ..
ألقى السّمـاعة إلى مريم ، التي تبعته متسائلة : عِصـام وش صـاير ؟؟
دون أن يلتفِت ، وضع مسدّسه في الجهة الخلفية من بنطاله و هو يقول : ما في شي لا تقلقي ، راح أكلمك أول ما يصير شي ..

خَرج من عندها بسرعة متجّهـاً نحو سيارته ، ركِب خلف المقود ، وضـع السمـاعة على وضعية السبيكر ، و هو يتصل بـيحيى ، الذي رد بعد عدّة رنـات بصوت ناعِس ، ليتساءل عِصام : يحيى إبراهيم رد المكتب بعد ما أنا رحت ؟
يعقد حاجبيه : لا انتظرته و ما رد ، و كلّمته ما رد قِلت يمكن تعب و ظل في البيت ..
صوت أنفاسه المتسارعة كانت الرد ، يتساءل يحيى بريبة : عِصام وش صاير ليش قاعِد تسأل ؟
عِصام : كلّمتنا قبل شوي خطيبته ، و قَالت إنه ما رد البيت ..
نهض يحيى من فرشته : شلون ما رد البيت ! أنا وصّلته قدّام بيته شلون يعني ما رد !!!
عِصـام : و لما حاولت تدق عليه أكثر من مرة وصلتها رسالة إنهم ضربوه على دماغه ,,
يحيى : عِصـام وش قاعِد تقول ماني فاهِم شي !
عِصام : أنا بروح الحين لبيت إبراهيم اتصل بعزيز و حصلوني ..
هزّ رأسه بسرعة موافقاً ، أغلق السماعة بتشتت و هو يتجه لدولابه ، يُخرِج قميصه الأسود و بنطاله ، يَخلع بيجامته و يرتدي ثيابه بسرعة ، يأخذ سلاحه و ينزل مسرعاً ، يتصل عدة مرات بعـزيز دون أن يجِد منه رداً ، تأفف و هو يفتح باب سيارته منزعجاً من عدم رد عزيز ، ركِب و سار نحو بيتِ إبراهيم ..
،,


فَتحت عينيها على اهتزاز جوّالها الموضوع إلى جانب وسادتِها ، للمرة الأولى يرن هاتفها في هذا الوقت ، تعجبّت بخوف و هي ترى اسمـه ، بدأت تنظر حَولـها بارتباك ، نَهضـت لترتدي خفّـها في قدمـها و تخرج ، تتجه على رؤوس أصابِعها نحو المطبخ ، ترد بصوت هامس : آلـو ..
يبتسِم و هو يسمَع صوتها بعد أن اعتقد أنها لن ترد ، يصمت ، فتقول : فهـد ، انتَ بخير ؟
فهـد : مانـي بخير ، تعبـان يا شهـد ..
ابتلعت ريقَـها ، بخوف تساءلت : وش فيك ؟ قول وش صاير معاك ؟
فهد : أبوي تركلي هموم الدنيا كلها و راح .. ماني قـادر على هالدنيا يا شهد ، ماني قـادر !
شهـد بذات الهمس : ليش قاعِد تقول كِذا ؟ ربنـا أكرمك و صـار عندَك فلوس تقدر تعالج أمّك و تشتغل و تحسّن حياتَك ، ليش كل هاليأس ؟
ظهرت ابتسامة سخرية على وجهه ، ثم قال : شهـد ، ممكن ما نتكلّم في هالشي ؟ أنا داقق عليكِ عشان أنسى همي شوي ..
اتسعت عيناها ، و بنبرة تجلى فيها الخجل : عن شنـو بنتكلم يعني ؟
فهـد : عنّـا ..
عَقدت حاجبيها لترد بارتباك : عنـا ؟
فهد بضحكة : ههههه ايه عنا ، ليه مستغربة ؟
شهـد : لاا ، ماني مستغربة ، بس ما فهمت ، شلون تقصِد ؟
أخـذ نفسـاً عميقاً ، ليقول بعد تردد : يعني عن عيونِك ، جَمـالِك ، عن قَلبي وش يصير فيه لا شافِك !
ازدادت سرعة أنفاسها و هي تقول باضطراب : فهد ، إنت وش تبي مني ؟
فهـد : مادري ، بس أكيـد أمي عارفة ، لأنها تعرفني أكثر مني ..
تنحنحت ، ثم قالت : وش تقصِد ؟
فهـد : اليوم كلّمتني ، قالت إنها عارفة عن اللي بيني و بينِك ..
شهد : وش اللي بيني و بينك !!
فهـد : النظرات ما تكذب يا شهـدي ، أنـا أبيـكِ .. مـا تَبيني ؟
ابتلعت ريقَها ، و ردّت بنبرة مرتجفة : هالحين مو وَقت هالكَلام !
فهد ، بابتسامة جانبية : ليش ترجفي ؟؟ بردانة ؟
أنزلت السمّاعة بسرعة عن أذنها ، أغلقت الخط دون أن تودّعـه ، رَفعت يدها إلى قَلبِها الذي كادَ يخرج من مكانِه ، إنّك غَريب جدًا ، لا أشعر بالراحة أحياناً تجاهَك ، لم تعد فهد الذي عشِقت يوماً ، تعرف بذاتك أنّك تغيرت ، إلا أنني غير قادِرة على السيطرة على نبضات قلبي في كل مرة يُذكَر فيها اسمك أمامي ،
انتفضت و هي تسمع صوت خطوات قادمة ، أخفت جوّالها في جيب بنطال البيجامة ، أخذت كأساً لتملأه بالماء ، صَوت طارِق يتساءل بهدوء : شهـد ؟ وش تسوي ؟؟
التفتت و هي تمسك بكأس الماء : ما في شي ، قمت أشرَب مويا ..
نظر إليها بريبة ، هزّ رأسه بهدوء و عدم تصديق ، تحرّك متجهاً نحو الحمام ، تنفست شهد الصعداء ، عادت بسرعة إلى غرفتها ، اندسّت تحت لحافها ، و قـَد غادر النّـوم عينيها و لم يعد مجدداً في تِلك الليلة .


،,

عدّة سـاعـات مَضت ، السّابعة و النصف صباحاً ، المُستشفى قِسم الطوارئ ، يجلِسان إلى جانِبه ، يفرك يحيى كفيه بتوتر و غَضَب ، أفكار عديدة تتلاحم في ذِهنه ، و أسئلة لا نهاية لهـا تدور في عقله ، شَبَك أصابِعه ببعضِها ، يثبت عيناه نحو إبراهيم النائم أمامهم ، رأسـه ملفـوف بقطعة شاش بيضاء ، يجلِس عِصام إلى جانِبه و يهمس له : رأيـك منـو اللي ساوى كِذا ؟
عاقِداً حاجبيه بحقد ، أخذ نفساً ثم أخرجه و أجاب : مادري ، مالنا غير ننتظر إبراهيم إلين يصحى ، و إن شاء الله ما يكون اللي فـ بالي صحيح ..
عِصـام : وش اللي فـ بالك ؟
تقدّم إليهما عَزيز متعجّلاً ، وَقف أمامهم و قال و هو ينظر إلى إبراهيم : شلـون صـار كِذا ؟ وش قال الطبيب ؟؟
رفَع يحيى نظراته الجامِدة إليه ، رمقه بنظرة حادّة ، و عاد للتحديق في إبراهيم ، نَهض عصام ليقف بمحاذاة عَزيز : إنتَ وين كنت للحين ؟؟
عَزيز : لما دق علي يحيى كِنت نـايم ..
عِصـام : دق عليك ألف مرة معقول ما سمعت رنة الجوال ؟؟
عَزيز و هو يُرخي أنظاره : كِنت حاطط الجوّال عالصّامت ..
يحيى بصوت جهوري حاد : أجـل التحقيق ماهو شغلك ، لو تبي تحط جوّالك عالصّامت و تنام ، لازم تشوفلك شغل ثاني غير الأمن الجنائي ..
ابتعدت شفتيه عن بعضِهما لينطق بتبرير ، استبقه يحيى و هو ينهض و يتحدّث بذات لهجته الحادّة : يوم تعيّنت معانا بشكل رسمي ، كنت بشرحلك طبيعة شغلنا ، ما تركتني أكمّل كلامي و قعدت تقول عارِف تراني مو جاي من كلية الرياضة ، و الحين يوم نحتاجك نلاقيك نايم في بيتَك و جوّالك عالصّامت بعد !
عِصـام بخفوت : يحيى خلاص ماهو وقت هالكلام ..
يحيى : هذي آخرة اللي يتوظفون بالواسطة !
ارتفـع حاجِب عزيز الأيسـَر معبّرًا عن احتجاجه ، إلا أن عِصـام أشـار لـه بنظراته ليختصِر الحَديث ، تنحنح عِصـام و قـال : يا شباب والدة إبراهيم و خـواته صـار عندهـم خبر ، أنا قلتلهم ماله داعي يجون المستشفى ، بس إذا شفتوهم جايين اتركوهم بروحهم مع ولدهم ..
التزموا الصّمت في آن معاً ، تبادل النظرات غَير المفهومة كانت تَسـود المـوقِف ، حتى خَرج صوت باهِت من حنجرة إبراهيم المتعبة ، التفتوا إليه في آن معاً ، اقتَرب عِصـام : إبراهيم ، الحمدلله عَ سلامتَك ..
عقد حاجبيه و هو يرى المكان من حولِه ، تساءل : وش صار !
يحيى ، يجلِس أمامه : المفروض احنا اللي نسأل مو إنت ..
رمَقه عِصام بنظرة و هو يقول بحدة : يَحيى !!
تنحنح ، ابتسم رغماً عنه و قال : الحمدلله ع سلامتَك ...
اقترَب عزيز و قال بابتسامة : الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم .. " التفت إلى عِصـام " : عِصـام أنا بروح المركز لازم يكون فيه واحد منا هنـاك ..
هزّ رأسـه بالموافقة ، تركهم و خرج دون أن ينظر إلى يحيى ، الذي لم يعجبه تصرف عزيز إذ أخذ الإذن من عِصـام بدلا منه ، رفَع إبراهيم رأسـه ، ليضع يده و يضغط بها فوق جرحه الملفوف بالشاش ، يتساءل باستغراب : يا جماعة وش اللي صار أنا وش أسوي هِنا ؟
عِصـام : فيـه جماعة تعرضولك و ضربـوك فـ راسك من ورا ، و تركوك فـ الطريق إلين جيت أنا و يحيى و أسعفناك هِنا .. و الحمدلله لحقناك لأن الضربة كـانت بمكان خطير !
إبراهيم و هو يتنقل بنظراته بينهم : و ليش يضربوني ؟؟
يحيى : علشـان ياخذوا منّك الفلاش ميموري اللي لقيناها فـ بيت فهـد ..
عَقـد حاجبيـه و هو يفكّر ، يستذكر آخر ما حدث معه ، تمر في باله كأطياف مشوشة غير مترابطة ، يتقدّم يحيى بجسده : إبراهيم إنتَ شفت اللي ضربوك ؟ يعني تقدر تتذكرهم ؟
عِصـام : يحيى ، الرجال توّه صاحي بديت معاه تحقيق؟! اتركه يرتاح و يتحسّن أول !!
تساءل إبراهيم : مين مصلحته يسرق الفلاش مني ؟؟
يحيى و هو يتكتف : مو هذا السؤال ، السؤال منـو اللي يدرى بموضوع الفلاش أصلاً ، أنا و إنت و عزيز كنـا موجودين فـ بيت فهـد ، و اللي شافوا الفلاش غيرنا اهمة البنية المرافقة ، و فهـد ، يعني اللي ضربوك على معرفة بواحد كـان موجود لما لقينا الفلاش !
إبراهيم بتعجب : لا تقول إنك شاكك بعزيز ..!
هزّ رأسه نافياً ، أخذ نفساً عميقاً : شاكك بـ فهـد ..

،,


بعد عدّة سـاعات ، رومـا ، تجلِسان في الكفتيريا التابعة للأوتيل ، أمام كل منهما كـوب عصير برتقال ، ريـم : وافقتِ تسافري معاه ؟
حَسناء بخيبة : أنا ماقدر أقـول ايه أو لا ، أنا أنفـذ و بس ..
عقدت ريم حاجبيها ، و هي تحدّق في ملامح وجه حسناء المليئة بالعجز ، ما جعل حسناء تصحو على ذاتِها ، تصلّح الموقف بابتسامة مفتعلة : أمزح معاكِ وش فيك ، أكيد وافقت أنا حابة من زمان أزور الرياض ..
هزّت رأسهـا ، عاد الصمت ليكلل المشهـد ، قَطعت حسناء الصّمت : ريـم ، إنتِ تحبيه ؟
ريم بارتباك : أحِب منو ؟
حسناء : منو يعني ، عمر حرب ..
ريـم ، أخذت نفساً عميقاً : مادري إذا أقـدر أقـول عن مشاعري لأبوكِ حب ، بس عمري ما حسّيت بأمـان إلا معـاه ، اهوة اللي أخذني من حياتي الصّعبة ، و اهوة اللي خلاني متمسكة فـ هالدنيا ، و الحين ربـنا بيعطيني منـه ولـد يملى علي حياتي ، شلـون ما راح أحـبه ؟
تَرفع حسناء حاجبها الأيسر ببطء : بس اهوة رفض هالطفل ، و كـان مستعد يموّته .. بعدين مَنتِ أول وحدة يتزوجها أبـوي بعـد أمي .. يعني يمكن هالحب ما يكون متبادل ...
ابتسمت ريـم بسخرية : مو يمكـن ، أكيـد ، أبوكِ يا حسناء للحين يحلَم بأمّـك ، أنا أحسِدها ..
حسناء بتعجب : تحسدينها ؟ على شنـو ؟
ريـم : لأنها الوحيـدة اللي قدرت تخلي أبوكِ يحبها ، و ما ينساها ، حتى بعد كل هالمدّة اللي انفصلـوا فيهـا عن بعض ، ما انفصلت عن دماغه و قَلبه ..
حسناء : صحيح إن أبوي للحين يفكّر فيها ، و للحين ما انفصلت عن دماغه و قلبه ، بس مو لأنه يحبّها ، لأنـها الوحيـدة اللي ضعف قدّامها ، و فـ وقت كل الحريم اللي عرفهـم كـانـوا خاتـم في اصبعه ، اهية الوحيدة اللي تركـته و ما اهتمّت له .. يعني الوحيدة اللي كَسرت قلبه و أوجعته ، و الرجال ما ينسى اللي توجع قَلبه ..
ريـم : أفهـم من كلامك الحين إنك تعطيني وَصفة عشان أعرف أتعامل مع أبوك ؟
نَهضت حسناء و هي تحمل حقيبتها : افهمي اللي تبيه من كلامي ، بس أنا متأكدة إذا بتظلي على موقفِك هذا ، الولد هذا اللي جـاي ما راح يتربى بعيد عن أبـوه ..

التفتت لتخرج ، و تتركها حائرة في أمرِها ، لِم أنتَ عَسير إلى ذلك الحد يا عمر ؟


انتهى

أعزائي القرّاء ، البارت ما كـان طويل مثل الوعد ، و هذا شيء يخجلني .. عدا عن التأخير ..

اللي صار إن الوالدة طاحت علينا ، و نقلناها للمستشفى ، و نامت كذا يوم بسبب فيروس شديد ، و اضطريت كوني البنت الوحيدة أكـون معاها على طول في المستشفى ، و اليـوم قدرت أدخل البيت و أفوت المنتدى ، حاولت أفوت المنتدى من الجوّال لكن ما قدرت للأسف .. و لما رجعت نزلت الشيء اللي كتبته لأجل ما أتأخر عليكم أكثر من كذا ..
أتمنى أن يكون عذري مقبولاً ، و اسمحوا لي بالتعويض في الأجزاء القادمة بإذن الله ..


انتظروني الاثنين القادِم ، أحبكم ..

طِيفْ!

شبيهة القمر 06-01-20 08:03 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
السلام عليكم
اولا الحمدلله على سلامه الوالده سلامتها الف سلامه عليها ربنا يخليها لكم يارب ..

نجي لابطالنا ...احساسي ان ياسمين تكذب وماهي زوجة ابو فهد ..وسالفه الحمل وحده من ثنتين اذا صدق حامل فهي زوجه سلطان ..
والخيار الثاني ان سالفه الحمل كذب ..وجالسين يخدعون فهد لحد ماتنتهي مهمتهم ..
والي حسيته ان ياسمين ممكن تكون هي الي قتلت ابو فهد 🤔 احساسي انها داهيه ...<<فيس كارهها بقوة

توقعاتي المستقبليه ..
فهد راح يكمل حياته مع حسناء ..
طبعا بعد ماياخذ يحيى شهد
جيهان وابراهيم ...رب ضارة نافعه ههههههه شكل الضربه على دماغه راح تسنعه ههههههه

عصام ..اكثر شخص ارحمه صعب الخيار اذا واحد من الوالدين فيه ..

حسناء ..اتوقع جيتك للرياض راح تشوفي فهيدان وتكون حياتك هنا هههه

نجي لسالفه الفلاش ..هذا الشي الي كنت متأمله ان يحيى يشوف فيه حقيقة ابوه بس للاسف طاااار ..
بالله كيف راح يلقاه مرة ثانيه !!
الا في حاله انه ممكن يدخل مكتب ابوه بالصدفه ويلقاه هذا اذا ماتخلص منه سليطن قبل يشوفه يحيى ..


طيف ... تسلمين يارب انت تستاهلي كل خير واصلي وانا معاك ههههه ..💕💕💕💕 وصدقيني فيه غيري كثييييير يتابعك والدليل كثرة المشاهدات ..فلا تيأسي
💚💚💚💚💚💚
ننتظرك وننتظر الاكشن ..
😎😎

نسرين نينا 16-01-20 05:48 PM

جميلة جدا تسلم أناملك 😙😚😚😙😙😚😚😚😚😙😙😚😚😚😚😚😚😚😚😚😚😚😚😚👄👄💋💋👄💋👄

شبيهة القمر 17-01-20 06:27 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
عظم الله اجركم طيف في الوالدة الله يرحمها ويغفرلها ويلهمكم الصبر والسلوان ..

شبيهة القمر 29-02-20 08:50 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
طمنينا عنك طيف ان شاءالله انك بخير

طِيفْ 14-03-20 10:03 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 


الجزء 11



بعد الظهر ، لا تبدو أية علامات رِضا على وجهه ، ملامحه غير مُريحة ، يجلِس في مكانه ، ظهره مستند إلى خلفية كُرسيه الدوّار ، الذي يدوّره إلى اليمين و اليَسار مراراً و تكراراً ، نظرات تحمل معانٍ غير مفهومة يُرسِلها إلى ذلك الرجل الجالِس أمامه ، ينتظر أي كلمة منه ليعرِف سبب وجوده هنا .. لاحظ يحيى نظرات عزيز المتكررة له ، تِلك التي تحذّره من أن يكون متعجرفاً ثانية ، و تحذره من إساءة استخدام منصبه للمرة الثانية ، تجاهلها ، تنحنح و هو يقول : أيـوه يابو طارِق .. طلبت مني ما آجي بيتكم ، صح ؟
هزّ رأسـه بالإيجاب ، بثقة مزعومة حاول أن يُظهر من خلالها عدم خوفه ، يُمعِن يحيى النظر في عينيه ليُربِكه ، كأن يُخبره لا تحاول أن تخفي عني أمراً ، فأنا أعرِف تماماً كل ما تحاول تغطيته خلف تِلك الثقة المتكلّفة ، نِصف ابتسامة بَرزت على شفتيه ، إذ نجحت نظراته الحادّة في تشتيت انتباهه ، و تضليل ثقته بذاته ، دون أن يُغيّر مسار عينيه ، بحدّة : عَزيز اتركنا بروحنا ..
يرفع رأسـه من الورقة التي كان يقرأها ، ينظر إليه باستفهام لمدّة ثوانٍ ، لم يلتفت خلالها يحيى إليه ، يُطلِق زفيراً ، يأخذ جوّاله و يخرج من الغرفة ، تتبعه عينا أبو طارِق ، متسائلاً في داخله عن سبب إخلائه للغرفة ، بنبرة جَهورية ينتفِض منها أبو طارِق ، يقول يحيى : كأنّك نسيت يابو طارِق ..
أبو طارِق : وش نسيت ؟
يحيى ، يقترب من الطاولة ليستند بكوعيه إليها ، يشبك أصابعه و يقول بصوت خافت : متوقع إني نسيت وش سوّت بنتك معاي ؟
ترتبك الكلمات لتعجز عن الخروج من بين شفتيه ، يُردِف يحيى : ما توقعت تسكت على هالشي ، بس انصدمت ، شلون سمحتلها ؟
أبو طارِق : متوقّع مني إني لـو أبغى أحاسبها ، بحاسبها قدّامك ؟ بعدين يا سيّد يحيى انت اللي بديت تقول كلام ماهو موزون بحقها ..
يَرفع حاجباً و هو يبتسِم بغير إعجاب بكلامه : يعني الحين إنتَ ضدي !
ينهض أبو طارق عن الكرسي و يقول بنبرة حادة : سيد يحيى ما أتوقع إنك جايبني هنا عشان تتكلم فـ موضوع بنتي ! لو ما عندَك شي ثاني اتركني أمشي ..
يحيى : أنا فعلاً ماني مصدّق إنّك صرت ضدي !
أبو طارِق : والله أنا اللي مو مصدّق حجم ثقتك بنفسك يوم تتوقّع إني راح أوقف معاك ضد أولادي !
يعبس وجهه ، يقول بجديّة : أبغى أعرف وش اللي بينك و بين بـو فهـد .. وش سبب حقدك عليهم ؟
يجلِس أبو طارِق مجدداً ، يبتلع ريقه : قلتلك المرة اللي فاتت ، ماني مرتاح لهالجماعة .
يحيى : انت عارف إن ماهو هذا الجواب اللي أبيه ..
ينظر إليه باستفهام ، يتساءل بنبرة حادة : وش تعرف عن مشعل شهران ؟
أبو طارق : وش اللي بعرفه يعني ؟ نفس اللي تعرفوه !
يحيى : مالك علاقة باللي نعرفه ، أبي أسمـع اللي تعرفـه إنت ..
تتشتت نظراته في الغرفة ، و هو يجيب بارتباك : ماني فاهم بالضبط وش اللي تسألني عنه ، ايش اللي تبي تعرفه ؟
هزّ رأسـه و هو يتنفّس ليحظى ببعض الصبر ، يُطلق زفيراً و يقول و هو يترك مكتبه ليقترب منه : طيب ، راح أشرحلك سؤالي أكثر ..وش تعرف عن حياته الشخصية ؟ شغـله ؟
أبو طارِق : كان يشتغل سايق عند رجل أعمال .. و كان رجال بسيط مثلنا مثله ..
يتكتف يحيى : بو طارِق ، إنت قاعِد تراوِغ .. دام كلامك صحيح وش اللي خلاك تكرهه ؟ ايش تعرف عنه خلاك تغير موقفك تجاهه ؟
أبو طارق : يا سيد يحيى أنا هذا اللي أعرفه ، و اللي خلاني أبعد عن هالجماعة هو يوم مقتل مشعل قلت مستحيل ينقتل إلا لو كـان في شي وراه ، و ولده أثبت هالشي يوم تغير حاله و ترك الحارة .. هذا كل اللي عندي ..
نظرات يحيى توحي له بأنه لم يصدّقه ، جاء صوت لم يسمعه منذ زمن ليُنقِذ الموقف ، يقول بنبرة جهورية : السّلام عليكم ..
يلتفت كليهما إلى الباب ، لينهض أبو طارق من مكانه و يثبت نظراته نحو فهد و يتأمل تغيره ، يرد يحيى و هو يتنقل بالنظرات بينهم : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
يقترب بخطوات ثابتة ، يصِل ليقف مواجهاً لأبو طارق ، يقول بخفوت : شلونَك عمي ؟
ثوانٍ من السكون عمّت الغرفة ، ينتظر كلاً من يحيى و فهد رد أبو طارِق ، إلا أنه في النهاية تجاهل سؤاله ، التفت إلى يحيى : سيد يحيى تبون مني شي ثاني ؟
عاد للجلوس خلف مكتبه ، أجاب : مع السلامة ، خليك تحت الطلب ..
رمق فهد بنظرة غير مفهومة ، ألقى السلام و خرج مسرعاً ، بينما تقدم يحيى ليجلس مكانه و يتساءل : وش كان يسوي عمي بو طارق عندك ؟ وش تبون منه ؟
يحيى : هذا شي ما يخصّك ..
فهد باندفاع : شلون يعني ما يخصني أكيد الموضوع له علاقة بقضية أبوي !
يحيى بحدّة : أنا اللي أقرر وش اللي لازم تعرفه ، الحين أبغى أعرف ليش أخفيت الفلاش ميموري ؟
عقد حاجبيه باستغراب : أي فلاش ؟
يحيى : لا تسوي نفسك مو عارف ، الفلاش اللي لقيناها أمس بالتفتيش ..
فهد : شلون قاعد تقول إني أخفيتها و إنتوا خذيتوها معاكم !
هزّ رأسه بتأييد : صحيح ، و أنا أعطيتها لزميلي عشان يفتحها ، بس مدري منو أرسل رجاله عشان يضربوا إبراهيم و يسرقوا منه الفلاش..
فهد : و أنا وش علاقتي بهالموضوع ؟ شفتني تعرضت لكم لما قلتوا بتفتشوا البيت ؟؟
يحيى : ما تعرضت لنا ، بس إنت قول ، الفلاش ما انسرقت إلا لأن فيها معلومات مهمة عن أبوك ، يعني اللي سرق له علاقة بالجريمة ، شلون القاتل عرف إننا أخذنا الفلاشة من عندك ؟ ما كان في بالبيت إلا أنا و زملائي ، و إنت و هذي المرافقة ، من وين القاتِل عرف ؟
شَرد ذهنه و هو يفكّر بياسمين ، تذكر حين أغلقت الخط بارتباك في الليلة الماضية و هي تحدث سُلطان ، قاطع تفكيره يحيى : فهـد ، لا تغلبني ولا أغلبك ، وين الفلاش أخذتها ؟؟
فهد بانفعال : قلتلك إني ماعرف شي عن هالموضوع !
يضرب الطاولة بكفه ، ينهض و هو يصرخ بأعلى صوت : أبي أعرف وين راحت ، ما بتركك إلا لما تقول ، و اسأل عني يا فهـد !
ينظر إليه ببرود ، يقول : إذا انتهت أسئلتك اسمح لي ، عندي شغل ..
يجلس بعد أن يلتقط أنفاساً متتالية ، يقول : ما راح أمضي موضوع الفلاش على خير ..
فهد : ما طلبت منك تمضيه على خير ..
يحيى بغضب يحاول أن يكتمه : طيب يا فهد ، الحين أبغى أعرف كل شي عن شغلك ، و مع منو تشتغل ، و ليش سافرت لروما ..
فهد ببرود أعصاب : و هذي الأسئلة وش علاقتها بمقتل أبوي ؟
يحيى : جاوب على قد السؤال ..
أخذ نفساً عميقاً ، ثم قال : طيب ، أشتغل في قسم المحاسبة بشركة هنا في الرياض ، و اللي دبرلي الوظيفة عمر حرب اللي كان أبوي سايق عنده ..
يحيى : و سفرك لروما ؟
فهد : سافرت عشان أغير جو ، ممنوع ؟؟
ارتخى يحيى في جلسته : لا مو ممنوع ، بس من وين جبت فلوس تسافر و تغير بيتك ، و تشتري سيارة ؟
فهد : من أبـوي ، أبوي كان مخبي فلوسه عنا عند السيد عمر ، و يوم مات عمر ردلي الأمانة ..
أخذ شهيقاً طويلاً ، و بنفاد صبر : تبيني أصدق كلامك ؟
فهد ، يرفع حاجبه الأيسر و يقول بسخرية : و ليش ما تصدق مثلاً ؟
يحيى : لأن كلامك ماهو منطقي ..
نهض عن الكرسي ليهم بالخروج : والله منطقي مو منطقي ، هذا اللي عندي ، عندَك دليل إن كلامي كذب ؟
يحيى بهدوء ، يميل رأسه و يتفحصه بنظراته : المشكلة إني ما عندي دليل ..
فهد : أجل اسمح لي أمشي ، أتوقع خلصت أسئلة ..
ظهرت ابتسامة جانبية على طرف شفتيه ، لم يفهم فهد مغزاها ، هزّ رأسه يحيى و هو يقول : الله معك ، و مثل جارك بو طارِق ، خليك تحت الطلب ..

خرج دون أن يلقي السلام ، يمتلك ثقة مرعبة في ذاتِه ، لست مقتنعاً بكلامه لكن ثقته تخرسني ، كل المجرمين الذين قابلتهم في مسيرتي القصيرة ، كنت أستطيع أن أقتنص الكذب من أعينهم ، أو من اهتزاز نبرات أصواتِهم ، أعرف يقيناً أنّك تكذِب ، لكنّك محترف جداً ، يبدو أنني سأستهلك طاقة مضاعفة معك ..


،,


لا أعلم إن كنت محقة فيما أفعل ، تِلك القوّة الخفية التي سارت بي إلى هنا ، أراها الآن توهنني ، توهن قلبي الذي لم يعد يجرؤ على رؤية وجهه الذي مُسِح بملامح الغضب و القَسوة ، قلبي الجبان عن الابتعاد ، أتراني للتو أصحو ؟ ما الذي قادني إلى أمام بيتِه ؟ كيف نهضت من سريري ، سرحت شعري و ارتديت ثيابي ، وضعت نقابي ، كيف سارت السيارة تلك المسافة دون أن أشعر ؟ أنا هنا ، قدماي تخذلانني ، تمشيان إلى ما لا رغبة لدي فيه ..
ارتفعت عيناها إلى نافذة غرفته المغطّاة بستارة ذات لون بني ، تنهّدت في أعماقِها و هي تسير بتردد نحو الباب ، تراجعت أصابعها عدة مرات عن قرع الجرس ، لتقرعه أخيراً بيد مرتجفة ، تفرك يديها بتوتر ، تتشابك أصابعها دون سيطرة منها ، الخوف يستدعي جسدها ، لتلتفت بسرعة للرحيل ، إلا أن صوتًا استوقفها : جيهان ..
أخذت نفساً عميقاً ، رسمت ابتسامة مزيفة و هي تلتفت لتسلم على سحر : شلونك سحر ؟
تنظر إليها باستفهام : كويسة ، وش فيكِ ليش كنتِ رايحة ؟
اصطدمت شفتيها ببعضهما بارتباك : ما في شي ، بس كنت بزور إبراهيم بعدين قلت يمكن نايم مابي أزعجه ..
سحر : لا لا قاعِد بغرفته و أمي عنده اهية و عَروب ، فوتي اتفضلي ..
جيهان : طيب أمر بعدين لازم يرتاح ..
تتقدم سحر لتسحبها من يدها : وش فيك جيهان تعالي !
تدخل برفقتها بخطوات مترددة ، ابتسامة خجولة تظهر على شفتيها ، تستشعر سحر ارتباكها ، ترافقها ببطء حتى تصل إلى غرفة إبراهيم ، تطرق الباب ، تمد رأسها لتقول : برهـوم ، في ضيف جاي يزورك ..
تتجه أنظارهم جميعاً نحو الباب ، لم يفاجئ قدومها أم إبراهيم و عروب ، أما إبراهيم ، فلم يتوقع أن تنظر حتى إليه بعد مكالمته القاسية الأخيرة ، ارتخت نظراته للأسفل و هي تدخل ، تنهض عروب و والدتها لتسلمان عليها ، تبادلهما التحية بخجل ، تقِف على بعد من سريره ، تسأله من تحت نقابِها : شلونك ؟
إبراهيم دون أن ينظر إليها : الحمدلله ، الله يسلمك ..
تُشير أمه إلى ابنتيها لتُخليان الغرفة ، يخرجن و يغلقن الباب ، تتقدّم جيهان قليلاً لتجلس على الكرسي المجاور لسريره ، يقول بخفوت : ما توقعت تيجي !
جيهان : ضايقتك ؟
يطلق تنهداً طويلاً ، يبعد اللحاف عن قدميه ، يقترب من كرسيها بحركة تفاجئها ، تتسع عينيها و هو يفكّ نقابها عن وجهها ليقول : ماله داعي هالحركات ..
جيهان : أي حركات ؟؟
إبراهيم بضيق : أول شي تقولي مابي أتصل فيك لأنك غريب ، و الحين جاية تزوريني حتى النقاب ما رفعتيه تراكِ للحين زوجتي ! ليش تزوريني لو شايفتني غريب فعلاً ؟
تنهض عن الكرسي : تدري واضح إني كنت غلطانة يوم فكرت أزورك !
يضغط بيده على يدِها لتجلس من جديد : اقعدي قاعِد أكلمك !!
جيهان : وش تبي ؟؟ أنا جيت أزورك عشان عمتي ما تقول إني ما اهتميت ، مو أكثر .. لا تفهم الموضوع غلط !
إبراهيم : يعني مصرّة عالطلاق ؟
ابتلعت ريقها ، التزمت الصّمت ، يبتسِم إبراهيم : عارف إنك تبيني ..
جيهان : لا تكون مرة واثق ، خاصة بعد المكالمة الأخيرة .. مو قلت إنك ما تحبني ؟ وش تبي مني ؟
تحولت ابتسامته لعبوس ، قال بعدها : مابي أظلمك ، كل الموضوع إني مابي أظلمك ..
ترفع حاجبيها ، لتقول بنبرة مجروحة : ظلمتني من يوم ما عقدت علي و إنت ما تبيني ، و لو تسوي أي شي الحين ما بيكون منه فائدة ، أنا عشان حضرتك تتسلى ، راح أصير مطلقة ..
إبراهيم : بس أنا ما كان هدفي إني أتسلى يا جيهان ، يعلم الله ما كنت رايد إلا الخير ..
جيهان بحدة : أجل ليش خطبتني ؟ ليش سويت هالشي فيني ؟ ماني مقتنعة بأسبابك ، عندَك اللي يخليك تكرهني ، و الرجال ما يكره حرمة إلا لو في حرمة ثانية بحياته ...
يرفع نظراته لها بدهشة ، كأن ذهوله توثيقاً لشكوكها ، تبتسم بسخرية و تقول : الظاهر إني حزرت ..
تنخفض أنظاره مجدداً يقول بصوت مكتوم : فـ حياتي ما فيه غيرك يا جيهان ..
جيهان : و قلبك ؟
يمتنع عن النظر إليها ، يعرِف أن عيناه لم تكن يوماً وفيتان إلى أسراره ، تفشيها بسرعة و دون تردد ، تنهض جيهان : واضِح إن علاقتنا ما في منها أمل ، الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم ، ما تشوف شر ..
لم يستطِع لسانه أن يجِد حروفًا يجمعها ليرد عليها ، يعلم أنه مهما قال و لو جمع أشعار العالَم أجمعين ، لن تكون كافية ليعتذِر لها ، رَفعت نقابها لتغطي وجهها ، بعد تيقّنها من معالِم وجهه و ضيقِها أنه لن يرد ، استدارت نحو الباب ، ألقت نظرة أخيرة إليه ، لم يُبادِلها النظرات ، كان احمرار وجهه رغم برودة الجو خير دليل على اضطرابه ، أغلقت الباب خلفها ، ضَياع تام يحيط بها ، رغم معرفتها القوية بمكانها و زمانها ، إلا أنّها تَسير في متاهة لا تعتقد أنها ستجد سبيلاً للخروج منها أبدًا .

،,


ابتعد عن شاشة الحاسوب بإرهاق و هو يفرك عينيه بتوتر و تعب ، تأفف بملل و عيناه تشعان غضباً و حقداً ، صرخ يُنادي : مـاجد ..
اقترب ماجد بسرعة : نعم أستاذ سلطان ..
ينهض من مكانه ، يقترب بحركة مريبة نحوه و هو يقول : أبي واحد يخترق هالفلاش ! ماني قادر أعرف وش كلمة سرّها !
ماجد : تآمر طال عمرك ، اليوم ألاقيلك واحد يخترقها ..
سُلطان : مو بس يخترقها ، أبغاه يكون أمين ، يعني بعد ما يخلص شغله معانا ، ينساانا تماماً .. مفهوم ؟ مابي ولا غلطة !
ماجد يهز برأسه : أن شاء الله تآمـر أستاذ سلطان ..
أشـار بإصبعه له لينصرف ، ترك ماجد المكان ، عاد سلطان ليجلس مكانه ، لم يكن التوتر ذلك كله لأجل مجرد قطعة توضع في جهاز ، بل كان هناك ما هو أكبر من ذلك ، اقترب بجسده ليتناول جوّاله عن طاولة المكتب ، ثم عاد ليستند إلى ظهر الكرسي ، يفتح الجوال ، جهات الاتصال ، يتمعن جيداً في الأسماء قبل أن يضغط زر الاتصال ، من يجب أن أحدث الآن ؟ فهـد ؟ أم ياسمين ؟ أم ابني يحيى ؟؟ ما نهاية التحقيق الذي أجراه ابني مع فهد ، و هل تصرّف فهد كما يجِب ؟ أخذ نفساً عميقاً و هو يضغط على اسم ياسمين ، ليتصل بها ، عدّة رنات سمِع أنغامها ، أثناء خروج ياسمين من غرفة أم فهد ، لترد أخيراً بصوت هامس : هلا سلطان ..
سُلطان : وش صار معك ؟
ياسمين : في شنو ؟؟
سُلطان : فهـد ، وش صار معاه ؟ رجع من المركز ؟؟
رفعت كتفيها بجهل ، ثم قالت : مادري ، قال إنه بيروح المركز و بعدين شغله في الشركة ، يعني مادري إذا لسا في المركز أو لا !
هزّ رأسـه ، أنفاسه المتسارعة كانت قوية الصدى لدى ياسمين ، التي تساءلت : سلطان ، صاير معاك شي ؟
سُلطان : خايف من فهـد ..
ضحِكت بعدم تصديق : إنتَ ! شُلطـان الغـانِم ! خايف من فهـد !! ليش وش بيسويلك فهد ؟
ارتطم فكيه ببعضهما ، يجيب من بين أسنانه : يا غبية ، فهد الحين عندي ولدي ، ولدي المحقق ، خايف ينتقم منا و يقول له على كل شي !!
ياسمين ، تفكّر لثوانٍ ثم تجيب : لا لا مستحيل ، لو بيقول شي راح يتورط معاكم ! أكيد ماهو غبي لدرجة يترك أمه في المستشفى بدون علاج عشان ينتقم و بس !!
تنفّس براحة ضئيلة تسللت إلى أعماقه ، ليقول بعدها : هذا رأيك ؟
ياسمين : أيـوه هذا رأيي ، أقـول ارتـاح ولا تفكّـر بالوساوس هذي .. فهد صار معاكم و ما منه خوف .. الحين بروح لازم أقعد عند أم فهـد ، لا تحس علي !
سُلطان : أيوه انتبهي ما نبي مشاكل ، و إذا صار شي جديد فوراً تبلغيني .
أغلق الخط ، تنقّل بين الأسماء مجدداً ليتصل بعمر ، عمر : هلا يا سُلطان وش الأخبار ؟
سُلطان : الفلاش ميموري اللي أخذناها من المحقق طلع عليها كلمة سر و للحين ماني عارف أفتحها .. أبغى أعرف بس وش مخبي مشعل فيها !!
عمر : لا تحاول كثير تحط كلمات سر من دماغك بعدين تقفلها عالآخر ، جيب مختص يفتحها و انتبه نبيه يفتحها من دون ما نخسر المحتوى اللي داخلها !
سلطان : طيب طيب ، بس وش تتوقع مشعل مخبي فيها ؟
عمر : والله يا سلطان ما ادري ، احتمال كبير يكون كاتب كل شي عنا أو صور أو مادري ، مشعل ماهو سهل يا سلطان ..
ابتلع ريقه : و أنا بعد قلقان ، الزفت فهد عند ولدي يحيى و خايف يقول شي !!
عمر : ما رح يقول شي ، وش بيقول يعني ؟ ماله داعي تظل خايف منه ، ما رح يقدر يتكلّم عن شي لأنه صار متورط معانا ، ناسي وش ماسك عليه ؟
سُلطان : أهم شي عندي إني مابي ولدي يدرى بشي ، مابي صورتي تهتز قدّامه !
عمر : لا تخاف ، فهد ما رح يتجرأ يقول أي شي ، المهم وش صار الحين بموضوع المناقصة ؟
أخذ نفساً عميقاً ثم أجاب : فهد الحين في الشركة ، و قاعدين نستنى عقد الاجتماع بخصوص هالموضوع ..
عمر : متأكد إن فهد رح يحضر الاجتماع و يجيب لنا الرقم ؟
سلطان : طبعاً ، أنا عينته فـ موقع مهم في المحاسبة ، و ضروري يحضر اجتماعاتهم ..
هزّ رأسه : لعله خير ،
سُلطان : متى جاي المملكة إنت ؟
عمر : قاعد أجهز أموري يعني يبيلها يومين ثلاثة ، و انت لا تنسى ترسل خدم ينظفون البيت ، بنتي جاية معاي ..
لَمعت عيناه ، ابتسم ثغره : ديانا جاية معاك ؟
عمر بنبرة حادة : حَسْنـاء ، كم مرة قلنا ؟؟ لا تغلط !!
سُلطان : أيوه أيوه غاب عن بالي اسمها الثاني هذا ، خلاص ولا يهمك بيتكم راح يكون نظيف و جاهز و ينتظر وصولكم ..
عمر : ما تقصر يابو يحيى ، رح أبعثلك يوم و ساعة الوصول عشان ألاقيك في المطار .. تيجي أو ترسل لي فهد ، مفهوم ؟
سلطـان : طيب ، اتفقنا .. مع السلامة ..
وضع الجوّال فوق الطاولة ، عيناه تشعان بمعانٍ كثيرة لا حصر لها ، و هو يقول بتمعن و بطء : يا هلا والله بحسناء ، بتنور المملكة !


،,


تجلِس أمام نافذتها ، تمعن النظر في شجرة صغيرة لا تعرف اسمها ، أسفل المنزل في الحديقة ، وحيدة بين عائلة من الأشجار المتشابهة ، كم تشبهني تِلك الشجرة ، هي الشاذة الوحيدة بينهم ، لا يمكنها الاقتراب منهم ، و في الوقت ذاته ، لا يمكنها الابتعاد ، إنها تذبل بهدوء دون أن تصدر صوتاً يزعجهم ، دون أن تتألم ، لا مكان لها بينهم ، إنها تحتل أرضاً ليست أرضها ، كما أفعل أنا ، لم يكن وجود أمي كافياً لأستحق البقاء بينهم ، لأستحق الحب الذي حُرمت منه منذ بداية حياتي ! تتحرك يدَها ببطء فوق جَسدها الممتلئ ، أعلم أنني لو كنت أعتني بجسدي و رشاقتي ، لن يغير ذلك في الأمر شيئاً ، سأكون دائماً منبوذة ، لكنني أكرهك جدًا ، أكرهك يا جِسمي ، لم ينجح أحد غيرك في أن يسلب ثقتي بذاتي ، و أن يُشعرني دوماً أنني بحاجة إليهم ، لولاك لربما تزوجت منذ زمن ، لربما انتهيت من كل ذلك لولاك ..
تبتسم بسخرية ، أو يعلم أحد بوجودك يا سَارة ؟ يا لسخرية ذاتِك من نفسك ، أتخدعين ذاتك بذلك الكلام ؟ من هي سارة ؟ من يعرِف بوجودك غيرهم الذين لا يطيقونك ؟ هل يعرِف أحد في الدنيا بوجودك ؟ قـد دُفِنتِ منذ زمن مع والدك تحت الثرى ، منذ تلك اللحظة و أنتِ تستنجدين ، تطلبين منهم أن يزيلوا عنكِ التراب لتتنفسي ، لكن أحداً لم يسمعك ..
طُرِق الباب بخفة ، تدخل والدتها بابتسامة ، لتقول : أخوكِ يقول إن السفر هاليومين ..
تبتسم بغير رغبة في الابتسام ، تهزّ رأسها بالموافقة لتعيد نظراتها إلى شجرتها المنزوية تماماً كمثلها ، تزول الابتسامة عن وجه والدتها و هي تقترب نحوها ، تجلس أمامها : سارة ؟ وش فيكِ ماما ؟ منتِ مبسوطة عالسفر ؟
دون أن تنظر إليها ، قالت بهدوء : رح أظل طول فترة سفري أفكّر ، وين بروح بعد ما تخلص هالسفرة ؟
عقدت حاجبيها : وين بتروحي يعني ؟ بترجعي هنا ؟
التفتت إليها : أرجع هنا وين ؟ يَعقوب ما قال لك ؟
يُسرى : عن شنو ؟؟
سَـارة : يعقوب قال لي لو تبي تسافري فعلاً ، راح يكون الثمن إنك تعطي غرفتِك لبنتي ، يعني لـ رهف ..
يُسرى : حبيبتي لو تبادلتوا الغرف وش عليه ؟
تنظر إليها بدهشة : إنتِ عارفة إني ما أطلع من غرفتي لأن حضرة السيد زوجك ما يحب يشوفني ، غرفتي فيها كل شي و حمامي فيها و تلفزيوني فيها ، لو أخذتها بنتك أنا وين بروح ؟ بصير كل مابي أطلع من الغرفة أشوف خشته عشان يذكرني على طول بفضله علي و إني لولاه ما عشت لليوم ، يا ليته ما كان و يا ريتني متت ولا عشت بهالذل !
يسرى : طيب يمه لا تفكري بهالموضوع الحين ، إنتِ مسافرة و أبيكِ تغيري جو ولا عاد تفكري فـ هالأمور ، من هنا إلين ترجعي من السفر يخلق الله ما لا تعلمون ! فكري شلون بتقضي وقتك وش بتسوي في روما ، فاهمة علي ؟
سارة بنبرة احتجاجية : يعني أفهم من كلامك إنك موافقة إن رهف تأخذ غرفتي ؟
ابتسمت بخفة : لا حبيبتي أوعدك ما أحد يقرّب على غرفتك فـ غيابِك ، لا تخافي ..
ردّت الابتسامة لوالدتها بقلق ، أدعو الله أن ينجيني ، لا أرغب بالعودة إلى مكان لا أنتمي إليه ، لكنني تائهة حقاً عن موقعي في هذه الدنيا ، إن لم أكن هنا ، فأين سأكون يا ترى ؟


،,


يجلِس في مكانه ، خلف شاشة حاسوبه ، توهِمنا نظراته بأنه منشغل بأمر ما على الشاشة ، لكنه في حقيقة الأمر يراقب الوضع ، المارّة في الشركة ذهاباً و مجيئاً ، بيده اليُمنى يحرّك فأرة الجهاز ، و يده اليُسرى متكئة إلى الطاولة ، سبابته تغطي شفتيه اللتان ترتطمان ببعضهما بغيظ ، تحرّكت حدقتا عينيه لتتجها إلى الشاشة مُباشرة حين تنبّه لقدوم زميله ، لامست أصابعه لوحة المفاتيح ليبدأ بإدخال البيانات ، اقترب زميله أحمد ، دخل الغرفة و قال بتعب : السلام عليكم ..
رفَع عيناه ، أعادهما للشاشة و قال مصطنعاً اللامبالاة : و عليكم السلام ..
جَلس أحمد خلف مكتبه بإرهاق ، يفتح الملفات ، يعمل على الجهاز ، الصمت ساد في المكتب كعادته ، كسره فهد ، بذات اللهجة غير المبالية : شلون كان الاجتماع ؟
أحمد ببرود : عادي ، مثله مثل كل هالاجتماعات ..
فهـد : عن شنو تناقشتوا ؟
رفع نظراته إليه و هو يبتسم : حابب تحضر اجتماعات ؟
ردّ له الابتسامة و التزم الصمت ، أردف أحمد : المرة الجاي تحضر اجتماعنا ، هذا الاجتماع كان عشان المناقصة اللي داخلة فيها الشركة ، يعني مو الكل لازم يحضروه ..
فهد ، بارتباك يحاول سَتره : يعني الشركة الحين صارت جاهزة للمناقصة ؟
أحمد : تقريباً ، حددنا المبلغ اللي داخلين فيه ، و إن شاء الله هالمرة مضمونة المناقصة راح ترسي علينا ..
بابتسامة : ان شاء الله ..
نهض فهد من مكانه ، استأذن للخروج ، رفع جوّاله ، فتحه ليتصل بسلطان ، مشى عدّة خطوات حتى اصطدم بجسد استوقفه ليقول : عفواً ..
رفع نظراته ، إلى الرجل الذي تفحصه جيداً ، عقد حاجبيه و هو يحاول أن يستحضر صورته في دماغه ، يعرِفه مسبقاً ، لكنه لم يعلم من هو ، سَار عدة خطوات أخرى مبتعداً من أمام الرجلين ، يهمِس أشرف ليعقوب : سيد يعقوب ..
يَعقوب : نعم ؟
أشرف : هذا الرجال ، أعرفه ، وش جاي يسوي هنا ؟؟
عقد حاجبيه : منو هذا ؟
أشرف ابتلع ريقه ، و هو يدقق النظر فيه : هذا اللي كان مع بنت عمر حرب يوم ..
قاطَعه معلمه بحدة : يوم سودت وجهي إنت و اللي معاك ..
انخفضت نظراته أرضاً بخجل ، ليردف يعقوب بهمس : هذا وش يسوي هنا !!
يقِف فهد على بعد عدّة خطوات ، يتبادلون التحديق في وجوه بعضِهما ، إلا أن فهد قد عجِز عن التذكر ، يهز يعقوب رأسه بحركة أشعرت فهد بتهديد ما ، التفت يعقوب إلى رَجُله : الحين ماني فاضي ، ذكرني المرة الجاي يوم آجي أزور نعيم نقول له عن هذا اللي كان مع بنت عمر ..

ابتعدوا عن أنظاره ، إلى خارِج الشركة ، تنفّس بعمق ، رفع جواله مجدداً ليتصل بسلطان ، جاءه رده المتلهف : وينَك يا ولدي من الصبح قاعد أستنى مكالمتك !
فهـد و هو يرفع حاجباً : الحين صِرت ولدك ؟
سُلطان بتلهف ، تجاهل كلمته : الحين قول طمني وش كان يبي منك يحيى ؟ عن شنو تكلمتوا ؟
فهد : ما معاي مجال أتكلم الحين ، بعد الدوام أمرلك و أقول لك ..
سلطان : أجل ليش داقق علي ؟
تلفت حوله بريبة ، ثم قال : الشركة حددت المبلغ عشان المناقصة ، بس ...
سُلطان : بس شنو ؟؟؟
فهـد : ما سمحولي أحضر الاجتماع ، و الرجال اللي معاي في المكتب قال إني مو ضروري أحضر هالاجتماع !
سُلطان بغضب : نعــم ؟؟؟ وش استفدنا منك الحين ؟
فهد : وش أسويلك ؟ أنا توقعت إني أحضر الاجتماع و أقدر أعرف الرقم بسهولة ، بس ما كنا حاسبين إنه طبيعي ما يوثقوا بموظف جديد و يطلعونه على كل أسرار شغلهم !
سلطان بنفس اللهجة الغاضبة : هذي ماهي أسرار يا فهيم أنا ليش حطيتك في قسم المحاسبة ؟ لأن هالأمور اختصاص قسم المحااسبة ، شلـون ما حضررت شلـوون ؟؟؟
فهـد : قصّر صوتَك ! زميلي دعوه للاجتماع ، وش أسويلك يعني ؟
سلطان بنفاد صبر : شوف فهد دبر نفسك سوي اللي تبيه أبي الرقم يكون عندي خلال يومين ، و إلا ما بتشوف مني فلس أحمر ، فـاهم ؟
فتح شفتيه ليرد ، توقف عن الكلام ليلتفت إلى الصوت الذي نده باسمه بحدة : فهـد !!!


،,

طِيفْ 14-03-20 10:05 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 

،,



روما ، دخلت من باب المطعم ، تحرّك رأسها يُمنة و يُسرة ، ابتسمت و هي ترى تِلك اليَد تُلوّح لها ، اقتربت بلهفة حتى وَصلت الطاولة ، نهضت صديقتها لتحتضنها بحب و شَوق ، انفصلتا بعد عِناق يَحكي آلاماً مَرّت على قلبيهما ، جلست كل منهما على كرسيها ، تقول ريم : شلونِك وين هالغيبة !!
سَناء : والله مشاغل الدنيا يا ريم ، دوامي و شغلي و بنتي اللي مشيبتني ..
ظهرت ابتسامتها و هي تذكر ابنة صديقتها في طفولتها : والله معاكِ حق ، الأطفال يغيرون حياة البني آدم ..
تَضع حقيبتها جانباً و تقول بتعب : والله مو للأحسن يا ريم ، بنتي ليان مشيبتني ماني قادرة عليها ، و الحين داخلة في سن 12 يعني بتبدا مراهقة ، و الله يعيني عليها ..
ريم : مرحلة و تعدي ، المهم تتحملي ، و بعدين بكرا هذي البنت بتكون معاكِ فـ كبرك ما بتقعدي بروحك ..
تبتسم بسخرية : أكبر كذبة كذبوها علينا و احنا بزارين إن الأولاد بيظلوا لأهلهم بكبرتهم ، بنتي من الحين ما تقعد معاي و طول الوقت مع صديقاتها و جيرانها و ما هي فاضية تقعد معاي !
ريم : هذا يعتمد على أسلوب التربية ، ولا تنسي إنتِ عايشة فـ مجتمع غربي طبيعي البنت تأخذ من أطباعهم شوي !
سَناء : والله أكبر هم يا ريم تربي بنتك في الغربة بمجتمع غربي تفكيره مختلف عن ديننا و عاداتنا ، والله راح تظل ايدي على قلبي إلين أزوجها و أخلص من هالهم .
عَقدت حاجبيها و تساءلت بتعجب : هم شنـو ؟
سناء : هم البنت ، أبوها عربي و أمها عربية ، و حتى لو عاشت بأوروبا ما رح واحد يقبل فيها لو كانت لا سمح الله مسوية شي قبل الزواج ، و المشكلة إني ما أقدر أسيطر عليها ضمن مجتمع هذي الأمور من أبسط ما يكون عنده !
ريم بلهجة حادة : والله اللي يربي أولاده بناءً عالمجتمع اللي عايش فيه طبيعي يخاف من هذي الساعة ! أما لو ربيتِ بنتِك حَسب دينها و علمتيها قواعِد الدين و الحلال و الحرام ما راح تخافي عليها لو قعدتيها بين عشرين رجال !
سناء بتعجب : وش فيكِ ريم ليش معصبة لهالدرجة ؟؟!!
أغلقت عينيها و هي تشعر بمبالغتها في ردّ فعلها ، تنفست بعمق و صديقتها تنظر إليها باستفهام ، فتحت عينيها مجدداً : آسفة سناء ماهو قصدي ، بس أتنرفز يوم الأهل ما يستخدموا طرق صحيحة لتربية أولادهم ، و فـ الآخر يلومونهم و ما يلومون أنفسهم !
سَناء : بس إنتِ فيكِ شي ، قولي وش مخليك معصبة كِذا ؟
استندت إلى ظهر كُرسيها بتعب واضح ، تفرك عينيها بإصبعيها و هي تتنهد ، ما أكّد لسناء أن هناك ما تخفيه ريم ، تساءلت مجدداً : ريم ! بديتِ تقلقيني ، وش صاير ؟ مختلفة إنتِ و زوجك ؟
ريم : مو بس مختلفين ، غالِباً راح توصل للطلاق .. ما عاد يبيني ..
رَفعت حاجبيها ، تساءلت باستهجان : ليـــه !! وش صار بينكم ؟؟ آخر مرة كلمتك كان كل شي تمام !
ريم : أنـا حـامل ..
ظهرت ابتسامة واسعة على وجهها بان فيها صف أسنانها الأمامي : صِدق ؟ ألف مُبارك يا قلبي ، بالسّلامة إن شاء الله ، أجل وين المشكلة هذي خبرية تفرح !!
ريِم ببرود : المشكلة إن عمر ما يبي هالطفل ، و طلب مني أجهضه ، و يوم رفضت حطّلي دواء عشان يموّت وِلدي ، و الحمدلله ما صار شي ، و الحين أنا تاركة البيت ، و أفكر بالطلاق !
تختفي ابتسامتها بالتدريج مع كلام صديقتها ، لتقول : اوف اوف اوف ، كل ذا صار معاكِ بهالفترة اللي غبتها عنّك ؟!
تنهّدت و هي تهز رأسها بـ نعم ، صمتت سَناء ، و عينيها تتجول تُلاحق المارّة في الشارع من خِلال زجاج نافذة المطعم ، قاطعت ريم تفكيرها ، و هي تقترب إليها من جديد لتسألها : وش رأيك يا سناء ؟ ساعديني ؟ انصحيني ! أنا أبي هالولد ، ما صدّقت صار الحمل و أنا فـ هالسن ، و مابي أخسره ..
التفتت سناء إليها ، ترفع حاجبها الأيسر و تجيب : بس كِذا ممكن تخسري زوجك اللي رافِض هالطفل ! و رح تظلمي وِلدك يوم تجيبيه على دنيا أبوه ما يبيه فيها !
ريم باستغراب ، ابتعدت عنها : يعني انتِ مع إني أسوي إجهاض ؟
سناء : عارفة إنها صعبة ، بس ما رح تقدري تربي ولدِك بروحك ، هالشي ماهو سهل ..
ريم بعدم اقتناع : ماني مصدقة إنك قاعدة تنصحيني أقتل ولدي ! إنتِ يا سناء ؟
تنهّدت بقوّة ، أطلقت نفساً طويلاً ، قالت بعده : أنا قاعدة أكلمك عن تجربة ، تربية الولد ماهي سهلة ..
ريم : ما سمعتِ عن أمهات أرامل ربوا أولادهم أحسن تربية ؟ وش اللي قاعدة تقوليه ؟
سَناء : هذولا الأمهات انجبروا على هالشي ، انجبروا يربوا أولادهم بروحهم ، بس إنتِ منتِ مجبورة ، منتِ مجبورة تجيبي طفل و تربيه في بلد كل عاداته تختلف عن عاداتنا ، و تعيشي معاه فـ هالصراع ، هذا غير صراعك مع وِلدك نفسه عشان تقنعيه شلون أبوه تخلى عنه و ما كان يبيه ! عارفة وش يعني تجيبي ولد لهالدنيا ، أبوه ما يبيه ؟ عارفة عواقب هالشي ؟
صمتت ، و هي تفكر في كلامها ، أردفت سناء : كنت حامل بـ ليان ، لما تطلقت من عاصِم ، و نفس الشي كان رافِضها ، طبعاً اهوة حرمته الأولى خلفت له 5 عيال ، وش يبي من السادسة ؟ طلّقني يوم عرف إني حامل ، بنتي صارت 12 سنة للحين ما يعرف صورة وجهها ، لو تلاقى معاها في الشارع ما راح يعرفها ، حتى اخوانها ما يعرفونها ، ولا يعرفون حتى بوجودها ، و أنا عايشة بصراع بين أسئلتها اللي ما تخلص ، وين أبوي ؟ ليش ما يسأل عني ؟ دام إنه حي و يبعثلي مصروفي أجل ليش ما أشوفه ؟ ليش منتِ مع أبوي ؟ كل هذي الأسئلة اللي مالها جواب ، إنتِ مستعدة تواجهيها يا ريم ؟
نظرت إليها ، تأملتها لثوانٍ ، قالت بعدها : بسألك سؤال ، تتخيلي شلون كانت بتكون حياتِك ، لو ما خلفتِ ليان ؟
سناء بابتسامة : كنت رح أحس بالوحدة ، كانت حياتي بتكون مملة جداً ، بس عالأقل بتكون هادية ، قلبي كان بيظل هادي ، كان بيظل ينبض هِنا ، في صدري ، الحين قلبي مو معاي يا ريم ، قاعدة أواجه كل يوم أصعب من اليوم اللي قبله ، و عاصِم ؟ عاصم مرتاح ولا على باله ، منو اللي تعذب و بَلع الهم بروحه ؟ طبعاً أنا ..
ريم : بس إنتِ أم ، و الأمومة ماهي مجانية ، هذي ضريبتها !
سَناء بانفعال : أجل الأمومة لها ضريبة ، أدفعها كل يوم من عمري ، و الأبوة مالها ضريبة ؟ ليش اهو بعد ما يدفع هالضريبة ؟
ريم : راح يتحاسب ..
ابتسمت بسخرية و هي تُشيح بنظرها عنها ، أوَ يشفي صدرها ذلك الحِساب بعد أن دفعت حياتها ثمنًا لأنانيته و نرجسيته ؟ أيعيد ذلك حق ابنتها التي تقتلها كل يومٍ أفكارها و هي تتخيل تجهم وجه والدها عندما سمع بخبر قدومها إلى الدنيا ؟
،,


ألقَت على الطاولة أمامه ، كيسًا أسودًا مغلفًا بإحكام ، لاصِق شفّاف يلفّه ، ألقى نظرة خاطفة إلى الكيس ، ليرفع نظره إليها بعد أن اعتدلت من انحناء جسدِها ، علامات استفهام تجوّلت في مقلتيه ، تقول حسناء : اليوم نفّذت عملية ، أو ... صفقة ، مدري ، سميها اللي تبي ، و هذا المبلغ اللي كنا متفقين عليه صار عندَك .. تقدر تحسب نسبتي من المبلغ و تعطيني إياه بعدين ..
هزّ رأسه ، بابتسامة خافتة لم تميز ظهورها حَسناء ، دَفع كُرسيه الدوّار إلى الوراء و نهض ، اتضّحت ابتسامته أكثر و هو يقترب نحوها ، صَار أمامها ولا زالت مُتجمّدة في مكانِها تبحث عن تفسير لنظراته و ابتسامته ، حتى ضمّ بكفيه وجهها الصّغير ، انحنى رأسه قليلًا ، و امتدّت شفتيه ليطبَع قُبلة على جبينها ، ابتعَد قليلًا لينظر إلى وجهها ، ابتسامة الفَخر لا زالت ظاهرة على شفتيه ، يقول بعدها : هذي هي بنتي حَسناء ، عمرِك ما خيّبتِ أملي فيكِ يا بنت أبوكِ .
بادَلته ابتسامته ، بأُخرى خجولة ، تمتد يدها الناعمة لتلتف فوق كفّه ، تُبعِده برقّة عن وجهها ، تعودُ خطوة إلى الوراء ، لا زالت متمسّكة بيدِ والدِها ، و هي تقول بهمس : بس أنا ما اخترت أكون كِذا .. و هذا هوة الفرق ..
تركَت يده ، تحرّكت ببطء نحو الباب و هي تُعدّل شعرها بيدِها بارتباك واضِح ، استوقفها سؤاله دون أن يلتفت إليها : أي فَرق ؟
وقَفت في مكانها ، دون تحرّك أو إجابة ، انحنى رأسها نحو الأرض لتحدّق في قطعة السجّاد الصغيرة التي تكسوها ، التفت إليها و كرر مجددًا : تكلمي ، أي فرق ؟
أخذت نفسًا عميقًا ، استدارت بكامل جسدها إليه ، نظرات العَتب التي صبغت عينيها ، باتت عادية لديه ، تنهّد و كأنه يعرف الإجابة قبل أن تقولها ، قالت : هذا الفرق بيني و بين الولد اللي بييجي .. أنا ماني قاعدة أسوي اللي أسويه ، و ماني قاعدة أشتغل هالشغل ، بس عشان أرضيك ، ولا عشان خايفة أخيب أملك فيني ، أنا حَسناء لأنك إنت تبيني أكون كِذا ، و أجبرتني أسوي هالشي ، و لو الأمر بإرادتي ، أخيب أملك كل يوم ، ولا أسوي اللي قاعدة أسويه ، بس إنت حطيتني بين خيارين ، كأنك قلت لي اختاري بين الحياة و الموت ، بس اللي فـ بطن ريم ، تقدَر تخليه يحبك ، تقدَر تخليه يسوي أي شي علشان يرضيك و يخليك تفتخر فيه ، من دون ما تجبره على شي ما يبغاه ،
اقتَرب خطوتين حتى وقف أمامها ، و قال بتجهم : هذي ثاني مرة تقولي إني أقدر أخلي الولد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبي أبوكِ يا ديانا ؟
ارتسمت ملامحها بابتسامة ساخِرة لاذعة ، قالت : السؤال المفروض أنا أوجهه لك ، إنتَ تحب بنتك ، يا عُمر ؟
بلهجة دفاعية : طبعًا أحبك ، في أب ما يحب بنته ؟!
حَسناء : المشكلة يا يُبه ، إنّك حطيتني فـ مكان ، ولا تزعل مني ، خلاني ما أوثق فيك ولا بمشاعرك ، يمكن الحين لو أقولك بترك الشغل ، تقطني برا البيت و تتخلى عني ، و لو ماني قاعدة أمشيلك مصالحك ، ما كنت بتحبني .. مابي أجزم بهالشي وأظلمك ، بس طبيعة علاقتنا خلتني أفقد الثقة فيك ، و فـ كلامك ، و دائماً فيه سؤال بيخليني أشك بمحبتك لي ، لو كنت تحب بنتك فعلًا ، شلون تسمح إنها تعرض نفسها للخطر في شغل مثل هذا ، عشان مصالحك ؟ عندَك جواب ؟
أَخذ نفسًا عميقًا في محاولة منه لكسب بعض الوقت علّه يجِد إجابة ، ابتسامة صغيرة بانت على شفتيها ، و هي تقول بلهجة ساخرة : لا تحاول يبه ، عارفة إنك ما عندَك جواب ، أنا ما قِلت إني أكرهك ، بس ما اقدر أحبك مثل ما أي بنت تحب أبوها ، ما بنسى وش سويت فـ شبابي ، و على شنو ضيعته .. فخلاص لا تتعب روحَك معاي ، ربنا أعطاك فرصة ثانية بعد كل هالسنين ، عشان يكون عندَك ولد ، عشان تكون أب حقيقي ، لا تضيّع هالفرصة بعد ..
هزّ رأسَه ، بحيرة ، تساءَل : جاهزة للسفر ؟
حسناء : متى السفر ؟
عُمر : الخميس إن شاء الله ..
هزّت رأسها بالموافقة ، دون أن تنطِق ، و خرجت ..


،,

ارتجفت يده و هي تنزل عن أذنه متشبثة بالهاتف ، اتسعت عيناه و قد عَرف من ناداه من صوتِه ، إن سمِع مجرى الحديث فقد فُضِح أمرهم ، ابتلع ريقَه و التفت بقلق يحاول أن يُخفيه ، نظر إليه نَعيم بريبة : وش قاعِد تسوي برا مكتبك ؟
تنحنح بارتباك : احم ، ما في شي بس جا لي اتصال ضروري تركت المكتب عشان أرد ..
رَفع حاجبه الأيسر بغير إعجاب : جالك اتصال ؟ إنتَ جاي تشتغل أو تسولف عالجوّال ؟
ابتلع ريقَه مجددًا : لا بشتغل طبعًا بس ..
قاطعه بنبرة حادّة : من دون بس ! ارجع لمكتبك الحين ، و هذا آخر تنبيه ، آخر مرة أشوفك برا مكتبك فـ أوقات الدوام ، مفهوم ؟
هزّ رأسه بتخبّط ، ثم غَدا بسرعة نحو مكتبه ، رفَع السماعة ليضع الميكروفون عندَ شفتيه : ما أظن سمع وش قلنا ، اقفل الحين أمر عليك بعد الدوام ..
يَضغط بطرف ابهامه على الزر الأحمر على شاشة جوّاله ، و هو يتلفّت حوله ، يدخُل إلى المكتب ، ترتفع نظرات زميله إليه ، بابتسامة جانبية كأنه يعرف ما حدث : وش صاير ؟
يرد بارتباك و هو يجلِس خلف طاولته : لا ، ما في شي ..
أحمد ، و هو يعمل على جهازه دون أن ينظر إليه : شافَك نعيم برا مكتبك و سمّعك كلمتين ؟
تحرّكت عيناه نَحوه ، رافعًا حاجبيه بتعجب : شلون عرفت ؟
أحمد بضحكة خفيفة : كلنا صار معانا كِذا أول ما توظفنا .. بس لا تفكر إنه بيتكلم جد ، اهوة بس يحب يستلم الموظفين الجدد و يسوي عليهم نظام ، شهرين زمان يصير ما يسأل عنك .
صَمت فهد بتفكير ، نصف ابتسامة مُسايرة تعلو شفتيه ، التفت إلى صوت زميله حين قال : الحين برسلك عالايميل ملفين ، لحسابات الشركة الشهر الأخير ، أبيك تدققهم و تعملي كونفورميشن ..
هزّ رأسه بالموافقة : اوك يلا ..

،,


عَصرًا ، دَخل بهدوء إلى البيت ، أغلق الباب خلفه و هو يُحدّق بعينيه نحو الأمام ، تجلّى اليأس في وجهه من كل شيء ، اقترب و هو يُعيد المفتاح إلى جيبه و يدفِن كلتا يديه في جيوبه ، تنهّد و هو يعرِف ما ينتظره الآن ، وَقف أمامهم ، و قد اجتمعوا على طعام الغداء ، ارتفعت أنظار شهد إليه و هي تقول بابتسامة : هلا حبيبي حماتَك تحبّك ، غسّل و تعال تغدّا ..
ببطء سَار خطوات قليلة حتى اقترب منهم ، وسط نظراتهم المتفحّصة ، ارتمى جَسده فوق كنبة منفردة مهترئة ، في زاوية الغرفة ، تبادل الجميع النظرات فيما بينهم ، بعد صمت غير طويل ، تساءلت شهد : وش فيك طارِق ؟ ما تبي تتغدى ؟
طارِق ببرود : ماني جوعان ..
شهد : كَليت شي ؟
هزّ رأسه بالنفي ، تساءل والده و هو يمضغ طعامه و دون أن ينظر إليه : وين كنت ؟
ارتفعت عينا طارِق نحو والده لثانية ، ثم عاودتا الانخفاض ، التزم الصمت ، يقول والده بسخرية : ما لقيت شغل طبعاً ..
كان النفي في تنهيدتِه واضِحًا ، عيناه لا تتركان الحملقة في بَلاط المنزِل القديم ، و أصابعه تُلاعِب مفاتيحه بتوتر ، نَفض والدَه كفّيه من الطّعام ، نَهض عن الأرض بصعوبة ثم توجّه نحوه و هو يُسلّط سبابته اليُمنى عليه كأنما يوجّه له اتهامًا ما ، و قال بحدّة : كله من دماغك اليابِس هذا ، جالَك عرض ما كنت تحلم فيه بحياتَك ، نعمة وصلت لعند رجولك رفضتها و رفستها مثل الغبي !
نَظر إلى والده بعتب : رجعنا لنفس الموضوع ؟
أبو طارِق : و ليش ما نرجع يُبه ؟ قول لي وش سويت شي يخليني أقفل الموضوع ؟ رايح جاي تدوّر شغل و منت ملاقي ، قول لي متى بتتزوج و بتفتح بيت على هالحال ؟
طارِق : منو قال إني مستعجل أتزوج هالحين و أفتح بيت ؟ يبه أنا لو بموت من الجوع ما راح أكسب فلوسي من ورا أذى أخوي و صديقي !
أبو طارِق : كل شوي يقول لي صديقي و أخوي ، وينه صديقَك و أخوك هذا ؟؟ وينه عنّك و عن حالتك ؟ اهوة اشتغل و دبر أموره ، أشوفه ما تذكرك ؟
استعت عينا طارِق : وش يعني يتذكرني ؟ تبيه يتصدق علي ؟؟
أبو طارِق : طبعاً لا ، بس ليش ما يدبرلك وظيفة مثل ما دبّر لنفسه ؟
أشاح بنظره عنه و هو يعرف حقيقة ما يحدث مع فهد : صداقات أبوه دبروه مو اهوة دبر نفسه ..
ارتفع حاجبا والده باستنكار : يعني قصدك تقول إن أبو فهد أحسن مني ؟ و عنده علاقات دبّرت ولده بـ شغل و إني مقصّر معاك ؟
تنهّدت شهد بيأس و أطبقت عينيها و هي تسمع كلام والدها الخالي من المنطق ، نهض طارق من مكانه و وقف أمام والده : يبه منو قال كذا ؟ ليش تفسّر كلامي على شي ثاني ؟ أنا قصدي أقول إن اللي ماله واسطة ، و حاله مثل حالي صعب يلاقي وظيفة ، وش الغلط اللي قلته ؟
هزّ رأسه و لم يعجبه كلامه : على كل حال ، بكرا تمر فيك الأيام تلاقي نفسك ما سويت شي لحياتك ، ساعتها تندم على اللي ضيعته من عمرك ..
نظرة حادة أخيرة رمقه بها قبل أن يُدير ظهره ، و يتحرك خارجًا من المنزل ، التفت حينها طارِق إلى والدته و أخواته اللاتي ينظرن إليه بقلّة حيلة ، تنهّد و دخل إلى غرفته دون كلمات .


،,


وصل إلى المستشفى ، عَقله مشوش بكثير من الأمور ، صَعد في المصعد إلى الطابق الخامس ، تحرّك خارجه حين وصل بتوتر ، و حركات سريعة ، و هو ينظر بعين الشك إلى ياسمين التي تجلس خارج الغرفة ، تراقبه عن بعد مع ابتسامة صغيرة ، انتصبت قامتها حين وقف أمامها ، التقط أنفاسه و هو يشتت نظراته بعيدًا : شلونها أمي ؟
ياسمين : تعبانة شوي ، تركتها نايمة ..
هزّ رأسه بتوتر و عيناه معلقتان في الأرض ، قالت ياسمين : وش فيك فهد ؟ مانك على بعضك !
بحركة مفاجئة منه ، أحكم قبضته على ذراعها حتى تألمت ، و قال من بين أسنانه بغضب : وين راحت الفلاشة ؟
ياسمين و هي تنظر حولها بريبة : فهد وش تسوي قاعد ابعد عني !!
يحاول أن يتمالك نفسه ، تَرك يدها ، ابتعد إلى الوراء خطوات عدّة ، مَسح وجهه بكفّه بينما تفرك ياسمين مكان ذراعها بألم ، قال مجدداً بذات الغضب : وين راحت الفلاشة ؟
ياسمين : مادري عن شنو تتكلم !
فهد : المحقق لما أخذ الفلاش ميموري ما كان فيه غيري و غيرك ، ما حد عرف عنها غيرنا ، و إنتِ كنتِ ضد إني أعطيها للمحقق ، قولي وين اختفت ؟؟
تكتفت و قالت ببرود : اتصرفت مثل مو لازم أتصرف ! قلت لسلطان و اهوة حل الموضوع .. هذي الفلاشة ممكن يكون فيها معلومات عن شغل أبوك السابق ، و بالتالي إنتَ رح تنضر لو الشرطة عرفت !
فهد يبتسم بسخرية : هالحين إنتِ خايفة على ضرري ؟ ليش ما تقولي فيها معلومات عن القاتل ما تبوني أوصلها ؟؟!!!
ياسمين : والله أنا ما أعرف الفلاشة وش فيها ، بس مهما كان ما هو من صالحنا إنها توصل للشرطة !
رفع حاجبه الأيسر و قال متعجبًا : صالحنا ؟ من متى في مصالح تجمعنا ؟
ياسمين بابتسامة مستفزة : افـا عليك يابو مشعل ! ناسي إني بجيب لك أخو ؟
نظر إليها بحقد ، بنبرة تهديد قال : يا ويلك أمي تدرى بهالسالفة ، لا بدا بطنك يكبر تروحي تقعدي في بيتك لين تولدي ، و بعد الولادة في فحص بنسويه قبل لا أتأكد إنه أخوي فعلاً !
ابتعدت خطوة إلى الوراء ، رفعت يدها لتصفعه ، لكنه أمسَك ذراعها و ضغط عليه بقوّة : اكسري ايدِك قبل لا تفكري تمديها !
ساد الصّمت لثوانٍ و هما واقفان على ذات الوضعية يتبادلان النظرات الحانقة ، قبل أن تصِل رسالة إلى جوّال فهد تقلِب مزاجه تمامًا .
ترك يدها ولا زال العبوس على وجهه ، حتى قرأ تلك الرسالة فامتدت شفتيه بابتسامة واسعة ، و بريق لامع ظهر في عينيه ، جعل ياسمين تتساءل ، من المرسِل يا ترى ؟!
ابتعد عنها و أخذ زاوية ليقرأ كلامها مجددًا : " سلامتها عمتي جواهر ، دريت من طارق إنها في المستشفى ، لكن ما قدرت أبعث و أتطمن عليها قبل ، إذا صارلي مجال أكيد بمرلها المستشفى . سلّم عليها .. "
كَتب : أحلى كلمة تطلع من شفايفك كلمة عمتي ، ربي يخليكِ لـ عمتك ، و ولد عمتك ..
أخذ نفسًا عميقًا و هو يغلق الجوّال و يضعه في جيبه ، التفت بابتسامة ليجد ياسمين تحدّق فيه باستغراب ، تجاهلها و دخل إلى غرفة والدته ، اقترب بابتسامة : شلونها ست الكل اليوم ؟
بلهجة معاتبة : مشتاقة ..
انحنى ليُقبل ظَهر كفها ، ثم اعتدل في جلوسه : سامحيني يالغالية ، إنتِ عارفة المشاغل ، ما صدقت لاقيت وظيفة ..
هزّت رأسها : معاك حق ، أنا ما تعودت إنك تغيب عني ، طول الوقت كنت معاي ، بس يوم لاقيت وظيفة حسيتك بعدت ، مع إن هذا الشي طبيعي ، طبيعي إنك تلتفت لحياتَك و مستقبلك ، بس ماني قادرة ما أكون أم أنانية !
فهد باستهجان : لا يمه وش هالكلام ! وش أنانية ؟ إنتِ أحلى أم في الدنيا ، بعدين حياتي و مستقبلي اهمة انتِ يمه ، كل شي قاعِد أسويه علشانك علشان ترتاحي بعد كل هالتعب اللي شفتيه بحياة أبوي !
تنهّدت بألم : أبوك الله يرحمه ما قصّر ..
فهد : إلا قصّر !
نظرت إليه بتعجب ، تدارَك ذاته بابتسامة : المهم شلون حاسة اليوم ؟
جواهر : الحمدلله على كل حال .
نهض عن الكرسي : طيب يمه أنا عندي شغل بروح الحين و برجع بالليل .. و هذي ياسمين عندك لو احتجتوا شي دقوا علي ..
اقترب منها ليقبل جبينها ، مع تمتمتها : الله يرضى عليك يا يمه ..

،,

طُرِق باب غرفتها ، ابتعدت نظراتها عن شاشة الحاسوب و ابتسامة حالمة تظهر على وجهها : تفضل ..
فتحت الباب و مدّت رأسها بابتسامة : ها شلون استعدادك للسفر؟
سَارة : تمام التمام ..
اقتربت جمانة من أختها ، جلست على طرف السرير و هي تحمل كوب شاي بيدها اليمنى ، قالت : تدري إنتِ لازم تسوي مخطط عشان تزوري الأماكن الحلوة بروما ، و كمان مو غلط تخلي غسان بالعطلة ياخذك برا روما ، ممكن تروحوا فلورنسا ، ميلانو ، نابولي .. كلها أماكن حلوة لازم ما تضيعي ولا يوم ..
سَارة : ما بخطط شي أصلًا أنا أول مرة أسافر و ما عندي مخططات غييير هذا
أدارت شاشة الحاسوب نحو جمانة لترى ، رفعت جمانة حاجبيها بإعجاب : اووه ، يخقق ! منو هذا ؟
سَارة بحماس : كنت قاعدة أفكر إني لازم أسوي تغيير بهالسفرة ، قلت لو أقدر أشوف طبيب تغذية و حميات بروما ، و أصير أراجعه ، يمكن يساعدني إني أنحف ، راح أقعد مع غسان فترة مو قصيرة ، و ممكن أستفيد ..
جمانة بتأييد : برافو عليكِ هذا التفكير السليم ، بس منو هذا طبيب يعني ؟
سَارة : أيوه طبيب ، اهوة سعودي بس مقيم بروما من زمان و عنده عيادة و كل الريفيوز على صفحته تقول إنه طبيب ممتاز حتى الأجانب كاتبين إنه مرة كويس ..
غمزتها جمانة : و حليوة بعد !
سَارة : يلا عاد ، مو كافي بننحرم من الأكل اللي نحبه ، نشوف وجه حليوة يصبرنا ..
جمانة : ههههههههههه لا معاكِ حق بصراحة !
سارة و هي تشير بسبابتها إلى الشاشة : حجزت موعد عنده ، بعد أسبوع من وصولي ..
عقدت حاجبيها : من أول أسبوع تبي تبدي نظام و حميات ؟ شلون حجزتي ؟
سارة : عنده موقع عالانترنت و المريض يقدر يحجز أون لاين .. مرة متحمسة إني أبدا حياة جديدة ..
دخلت رهف بدون استئذان على وقع الكلمة الأخيرة لتقول باستهزاء : خير إن شاء الله منو اللي بيبدا حياة جديدة ؟
رفعت سارة نظراتها المتجهمة لها و قال بحدة : إنتِ شلون دخلتِ غرفتي بدون ما تطقي الباب ؟
رهف و هي تستند إلى الباب بكتفها : والله حبيبتي الباب كان مفتوح ، و بعدين هذي الغرفة بعد يومين بتصير غرفتي ..
أطبقت سارة شاشة الحاسوب بعنف ، نهضت أمامها : والله حبيبتي ما حزرتِ هذي الغرفة غرفتي و بتظل غرفتي !
وقفت جمانة بينهما : وش فيكم ماهي مستاهلة عشان غرفة تسووا كِذا !
رهف باستفزاز : والله قولي لهالدخيلة تتركنا بروحنا المفروض تشكر ربها ليل و نهار إننا مقعدينها معانا و أنا اللي أقرر وين تقعد مو اهية هذا بيت أبوي مو أبوها !
جمانة : رهف ، عيب هالكلام ، أبوها يكون عمّك الله يرحمه ، و أمك اهية أمها ، انتوا خوات ما يصير كِذا ..
سَارة : تدري وش الشي اللي بنفسي أسويه قبل لا أسافر ؟
تكتفت رهف بلا مبالاة و هي تنظر إلى الأعلى بغرور ، غافَلتها سارة حين مدّت يدها لتشد شعرها بقوّة تسحبها نحوها ، فاجأت الحركة جمانة التي تنحت جانبًا ، ألقت سارة رهف على السرير بعنف ، لتصعد فوقها و تسيطر على يديها و تبدأ في لكمها على وجهها ، بينما تصرخ رهف مستنجدة بوالدتها و والدها ، جاءت يسرى تركض على الصوت ، تقدّمت بغضب من سارة و أمسكت ذراعها : وش قاعدة تسوي يا مجنونة ذبحتيها للبنت !
نَهضت عنها منهكة و قالت و هي تلهث : بنتك هذي قليلة أدب و يبيلها تربية !
يسرى : بس يا بنت وش هالكلام عيب !
جُمانة ، متكتفة : ماما ، رهف اهية اللي بدت بصراحة !
رهف تبكي : و فوق إنك تركتيها تضربني و ما دافعتِ عني ، بعد واقفة معاها ؟
تقدّمت خطوة : ماما فعلًا رهف قليلة أدب ، قللت احترام مع أختها الكبيرة و سمعتها كلام مو كويس ، ولازم تتعلم الأدب و شلون تتعامل مع اللي أكبر منها ..
ابتعدت رهف حتى وصلت الباب : ع كل حال بعد شوي ييجي أبوي و نشوف وش بيصير !
خرجت غاضبة ، التفتت يسرى إلى سارة ، ربتت على كتفها : لا تاخذي على كلامها ، رهف صغيرة و ما هي عارفة وش قاعدة تقول ..
هزّت سارة رأسها بعدم رضا ، و في عينيها وَعيد لم يظهر سابقًا ، وعيد صعب الفهم و الشرح !


،,


ارتخى جسَده على كرسيه الدوّار ، و هو يُطبطب على بطنه بعد وجبة دسمة تناولها ، دَخل فهد و قد بانت على وجهه علامات الانزعاج من رائحة الطعام التي تعج في هذا المكان الضيّق ، قال بنبرة عالية : انت على طول فـ هالمكتب ؟
رفع رأسه ، اعتدلت جلسته حين رآه ، تقدّم فهد و جلس أمامه بسرعة : ماني عارِف شلون تقول إنك قلقان ، و تقدر تاكل كل هالأكل !
سلطان : وش علاقة الجوع بالقلق ! يعني إذا قلقان أموت من الجوع بعد ؟
ظهرت نصف ابتسامة على شفتيه ، قال سُلطان : أخبارك اليوم ماهي عاجبتني ، بس خلينا نبدأ بيحيى ، وش كان يبي منّك ؟
نظر إليه بحدة : الفلاشة اختفت ..
سُلطان يصطنع الجهل : أي فلاشة ؟
ابتسم فهد : سُلطـان ، أنـا عـارف إنّك انت اللي خفيتها ، لا تسوي علي هالحركات و قول وين الفلاشة و ليش خفيتها عني ؟
سُلطان بلا مبالاة : أنا ما خفيتها عنّك ، خفيتها عن الشرطة ..
فهد : كويس ، أجل أعطيني الفلاشة الحين ..
سُلطان : ما راح تاخذها ، مالك شغل فيها ... رح تظل عندي بأمان ، عندَك ممكن أي واحد ياخذها ! و ماله داعي تعرف كلشي عن أبوك !
رفع حاجبيه معترضًا : والله ؟ أجل منو لازم يعرف كل شي عن أبوي ؟؟ الولد اللي جاي عالطريق ؟
عقد سُلطان حاجبيه : أي ولد ؟
فهد : ياسمين قالت كل شي ، و قالت إنها حامل ، ما في شي يستاهل تخبونه ، ما أتوقع إن أبوي مخبي عنا أكثر من كذا !
أطبق سُلطان عينيه و هو يشتاط غضبًا من ياسمين التي أحرقت جميع بطاقاتها دفعة واحدة ، أخذ نفسًا عميقًا : و لو كان ، الحين ماهو الوقت المناسب عشان تأخذ الفلاشة ! خلينا فـ موضوع مهمتك هذي ، شلون بتحل المشكلة ؟
صمت لثوان و هو يحدّق فيه بكره ، ثم قال : مادري ، الوحيد اللي يقدر يقول عن الرقم اهوة زميلي أحمد ، و الحل الوحيد إني أستدرجه ، بس ماني ضامن هالحل !
سُلطان : وش استفدنا منك فـ هالحالة ؟
نهض فهد : والله أنا اللي علي سويته ، المفروض إنتَ و شريكك عمر خبرة فـ هالمجال ، و أكيد ما رح يفوتكم إن الشركة ما راح تأمن لموظف جديد و يطلعوه على صفقاتهم و مناقصاتهم بهالهسولة قبل لا يجربوه شهر عالأقل !
سُلطان : أفهم من كلامك إنّك خلاص بتستسلم ؟
فهد : لا ، بس مثل ما قلتلك ، ماني ضامن إني أقدر أستدرج أحمد بالكلام ، و لو ما تمت المناقصة أنا مالي ذنب ، و حقي باخذه كاامل ! ولا تخليني أستخدم أساليب ثانية !
خرج و سُلطان يرمقه بالنظرات الحادة ، رفع جوّاله بغضب ليتصل بـ ياسمين ..


،,

نهضت عن سريرها و صرخت في وجهه : لا طبعًا ! ماني موافقة يا عِصام !
وقف أمامها و قال بهدوء متكتفًا : وش اللي منتِ موافقة عليه يا مريم ؟
مريم بذات النبرة : أنا ما راح أنتظر اليوم اللي تدخل علي فيه بضرة ! وش يعني أمك تبي تذلني ؟
عِصام بنفاد صبر : ياا مريم وش تذلك و ما تذلك !! اهية قالت إنها ما راح تزور الجماعة ولا رح تخطبلي إلا لو حاولنا و ما نجحت محاولاتنا ، و هذا احتمال ضئيل لأن كل مشاكل الإنجاب اليوم صار لها حلول !
مريم : وش الحلول اللي قاعد تتكلم عنها ؟ أي حلول تبينا نجرب ؟
عصام : ممكن تهدي و تقعدي عشان نعرف نتكلم ؟
مريم تصرخ بغضب : مابي أقعد ولا أبي أتكلم خلاص روح تزوج و سوي اللي تبيه !
صرخ عِصام : مـريـم !!
هدأت و هي تنظر إلى عينيه المشتعلتين ، اقترب و قال بتهديد : إياكِ ترفعي صوتِك علي مرة ثانية !
سَقطت دمعة حارّة من عينها اليمنى و هي تخفض نظراتها أرضًا ، تنهّد عِصام بملل ، جلس على طرف السرير مجددًا و قال بامتعاض : اللي قاعدة تسويه ماهو من حقك ! مو من حقك تحرمينا نتعالج و نجرب قبل لا تتخذي قرار يخرب بيتنا ! لا شرع ولا دين يسمحلك تسوي اللي قاعدة تسويه !
التفتت إليه ببطء ، و همست : نتعالج ؟
عِصام : طبعًا نتعالج ، أنا و إنتِ واحَد ! مرضك مرضي ! و لو تبي تتعالجي ما راح أتركك تروحي جلسات العلاج بروحِك ، و راح نجرب كل الطرق ! ليش مستهينة بنفسِك مرة عندي ؟ ليش متوقعة إني ممكن أتخلى عنّك بالساهل ؟ مشكلتنا ماهي مرضك يا مريم ، مشكلتنا قلة ثقتك فيني !
جلست إلى جانبه و قالت بهدوء : يمكن إنتَ السبب !
عِصام بتعجب : ليش ؟ وش سويت عشان ما توثقي بمشاعري تجاهِك ؟
مريم : لأنّك ما سويت شي ! طول فترة زواجنا و أنا ما أحس بحبك ولا بمشاعرك ، ما حسيت فيهم إلا يوم عرفت عن مرضي !
عصام : لو كلامك صحيح ، المفروض ما تشكي بمشاعري ، لأني لو فعلًا ما أحبك كان انتظرت فرصة صغيرة عشان أتركك و أشوف غيرِك ، الحب ما يحتاج كلام يا مريم ، يحتاج أفعال ، و أنا ما أتوقع إني قصّرت معاكِ بيوم ! خاصة وقت الشدة !
مريم : أنا حاسة إن حياتي انتهت !
أخذ نفسًأ عميقًا : فيه ناس الله يبتليهم بالسرطان و الأمراض القاتلة ، و ما يعيشون حالة اليأس اللي عايشتها إنتِ ! يستقبلون أقدارهم برحابة صدر و ابتسامة ، و بهالطريقة بينتصروا على أمراضهم ، اليأس أقوى عدو للشفاء يا مريم ، أنا تعبت معاكِ مو لأنك منتِ قادرة تحملي في الوقت الحاضر ، تعبت لأنك ما تبي تواجهي ! إنتِ جبـانة ، و الحين أنا اللي لازم ما أوثق بمشاعرك تجاهي !
نظرت إليه باستفهام ، نهض بصمت حتى وصل الباب ، فتحه و قال قبل الخروج : لو تحبيني فعلًا تحاربي عشان تحافظي علي ، مو تسوي كل شي تقدري عليه عشان تطفشيني !!



،,






انتهى

أعتذر لجميع أصدقاء الرواية أولًا على الغياب ، و ثانيًا على قصر البارت ، لكن الله يعلم ما مررت به من ظروف و كم عانيت في كل مرة أحاول أن أكتب فيها سطر كنت أشعر أن شيئًا ما يكبّل يداي و يقيد تفكيري و يسرق إلهامي ، من الصعب جدًا التأقلم مع الحياة مجددًا بعد أن تفقد أحد والديك ، و لكنني لا زلت أحاول بالإيمان بالله لأستمر ، و محتاجة دعمكم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و محتاجة صبركم ، و أوعدكم إني ما راح أخيبكم ، بإذن الله ..

أراكم بإذن المولى قريبًا ..

طِيفْ !

missliilam 14-03-20 11:06 PM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
يا حبيبتي يا طيف حاسة بك والله وكلامك وقع في قلبي والله .. أنا كمان مريت بهذه المرحلة لمن توفى والدي رحمه الله فعلاً تشعري إن الحياة ما عادت نفس أول وتحسي بأنك كبرت أعوااااام وما عدت تشوفي الدنيا بنفس نظرتك الأولى حتى قلبك والله تحسي إنك ما عاد تشعري به وانه صار فعلاً مجرد مضخة فقط .. لكن فعلاً والله لولا الله ورحمته وفضله ومنه علينا الحمدلله ما كان خفت هذه الأعراض وقدرنا نمضي لكن أكثر ما بقي فقط هو الحنين والشوق الغلّاب .. ربي يرحمهم ويوسع مداخلهم ويرزقهم فردوسه الأعلى بدون حساب ولا سابق عذاب .. كل ما جاتك الذكريات ادعي لها وأكثروا من الصدقة وخصوصاً سقيا الماء ونحاول نشغل نفسنا بكل ما يرضي الله وفكري فيها انها يمكن بإذن الله في تلك اللحظة كانت أقرب ما تكون إلى الله ولذلك اختارها ،وهم ما سابونا هم فقط سبقونا إلى دار الحق وكلنا بإذن الله ماضون بهذا الدرب وبهم لاحقون ،الله يرضى علينا دائماً وأبداً ويربط على قلوبنا ويعطم أجورنا ويجعلنا معاً في جنانه كما كنا في دنيانا 🤚🏻✋🏻 وتذكري دائماً هذه الآيات " ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " ربي يجعلنا جميعاً منهم يا رب ، يا رب يطمنكم عليها ويطمنها عليكم ويرزقكم مرآها في المنام بخير وعلى خير يا رب ✋🏻🤚🏻✋🏻🤚🏻❤❤ كل الود لك ولقلبك✋🏻🤚🏻✋🏻🤚🏻❤❤

شبيهة القمر 15-03-20 10:43 AM

رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
 
طيف
الحمدلله على السلامه والله يرحم من راح ويجمعكم بها في جنات النعيم

missliilam
كلامك بلسم الله يزيدك من فضله.. 💕💕


الساعة الآن 07:29 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية