منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   حصري 399 – خفقات فى زمن ضائع - ديانا هاملتون (كاملة) (https://www.liilas.com/vb3/t205436.html)

زهرة منسية 20-12-17 04:33 PM

رد: 399 – خفقات فى زمن ضائع - ديانا هاملتون
 

وجوده بالقرب منها هكذا زاد من توترها. حاولت أن تهدئ من توتر انفاسها و اعصابها. نظراته التي شملتها جعلتها تشعر كأنه يلمسها حقاً.
رفع يده عن كتفها كـ إجابة علي السؤال الذي لمع في عينيها و لم تسأله.
ابعدت اصابعه الطويلة السمراء خصلة من الشعر عن وجهها, و لمس بظهر تلك الاصابع بشرتها بنعومة مميزة.
شعرت بالحرارة..... حرارة لا تُحتمل..... كأنها تحترق. حاولت ان تجعل وجهها خالي من أي تعابير, و كأنه مصنوع من الحجر. ارتاه يدرك ما الذي يفعله بها؟ ببطء ابعد يديه الاثنتين و قال معلقاً بخفة:
- الفطور بانتظارنا. رأي بلير انكِ نهضتِ و اصبحت جاهزة فاعتقد اننا قد نفضل تناول الفطور في الحديقة. تعالي!
ركزت ليزا نظراتها علي قامته الطويلة و علي رشاقة خطواته, و هز يسير امامها ليفسح لها الطريق.... شعرت انها علي وشك الانهيار عندما جلست علي مقعدها في وسط الحديقة, التي كانت مظلمة في هذا الوقت من الصباح, و محمية من حرارة الشمس التي ترتفع بسرعة كبري.
سمعت هديل الحمام الأبيض و هو يحط علي الأشجار التي تطل من فوق الجدران الحجرية العالية, فيما كانت رائحة الهواء مشبعة بعطر الازهار المختلفة.
ها هو المضيف اللطيف المجامل كالعادة....! سكب دييغو لها زهرة منسية العصير, قدم لها وعاء مليئاً بالفاكهة الطازجة, اختارت منها ليزا حبة دراق. لم تكن تشعر برغبة في تناولها, إلا انها كبتت رغبتها بالصراخ في داخلها.
إذا كان سيفعل هذا اليوم كما كان يفعل في الأيام السابقة, منذ وصولها إلي هنا, فهو سيتحدث معها بلطف فيما هما يتناولان الطعام, ثم سيقترح عليها ان تذهب للسير قليلاً قبل ان يشتد الحر, ثم سيعتذر بتهذيب و يمضي وقته بعيداً عنها في مكتبه.
في هذه الحالة ستقوم ليزا بدورها الذي قررته لنفسها, سترفع كتفيها بملل ظاهر, و كأنها غير مهتمة البتة. تساءلت لكم من الوقت ستستطيع الاستمرار في ادعاء عدم الاهتمام و اللامبالاة!
لت اسأله لماذا لم يمضي القليل من الوقت معها, فهذا أمر مرفوض كلياً. ألم يقل إنه يريد منها الاهتمام بشؤونه لأربع و عشرين ساعة في النهار؟ هذا هو السبب الرئيسي لإحضارها إلي هنا, أليس كذلك؟ فكرت في ذلك باستغراب محاولة إيجاد عذر للشوق الذي تشعر به نحوه.
- سنذهب في نزهة إلي ماربيلا هذا الصباح.
افصح دييغو عن ذلك و هو يضع فوطته جانباً, ثم تابع:
- يبدو أنك احضرت معك بنطلونات جينز و قمصان سميكة, و هذه الثياب مناسبة لإمضاء ايام العطل في لندن الباردة, إلا انها ليست مناسبة لهذا الطقس و هذه الأجواء.
نظر نظرة ميالة للنقد إلي وجهها الشاحب بسبب شدة الحرارة.
سكب لها و لنفسه فنجاناً آخر من القهوة و قال بحزم :
- سأشتري لك ملابس مناسبة.
تفاجأت من رغبته في إمضاء بعض الوقت معها, في حين أنها كانت تعاني طوال الأيام الأربعة الأخيرة من نفوره.
بدت دقات قلبها تتسارع و اصبحت انفاسها متقطعة, غطي الاحمرار وجهها. من الواضح ان الثياب التي دستها بلا اهتمام في حقيبتها لا تعجبه. ما الذي يفكر فيه؟ تنانير قصيرة, و جوارب شبكية, مع احذية ذات كعوب عالية, و قمصان أنيقة مزينة بالترتر؟
أتراه سيعاملها كامرأة تافهة؟ قال إنه يريدها مرافقة مؤقتة له, فهل يود أن يفرض عليها ايضاً طرازاً معيناً من الثياب؟
بدت الفكرة سخيفة جداً, حتي إنها لم تعلم إن كان عليها ان تضحك أم تبكي, و بدلاً من ذلك أخذت تحدق به, و قد تورد خداها الشاحبان.
ادركت ليزا انها فتحت فمها من الاستغراب, لكنها لم تكن قادرة علي القيام بأي شيء بخصوص ذلك.
اعاد دييغو فنجان قهوته إلي صحنه و هو يصدر صوتاً. وقف علي قدميه, و هو ينظر بكره إلي عينيها المتسعتين, و فمها المندهش الذي ظهرت عليه ملامح السعادة. يا لها من وقحة!
انها العاطفة الوحيدة التي ظهرت علي وجهها منذ ان وصلت إلي هنا. كانت تبدو إما متوترة أو شاعرة بالملل خلال لقاءاتهما الحذرة. كل ما كان عليه ان يفعله هو ان يذكر أنه سيشتري لها بعض الثياب الجميلة التي تشع كأنها شجرة عيد الميلاد. لكن ماذا كان يتوقع غير ذلك؟ سأل نفسه بإيجاز قبل ان يقول لها ببساطة :
- سيجهز مانويل السيارة. سأراكِ في الردهة الأمامية للمنزل قبل عشر دقائق.
هل تكفي عشر دقائق لتعيد دقات قلبها المتسارعة إلي سابق عهدها, و لتهدئ من روعها بصوة كافية لمواجهة ما يبدو المرحلة الثانية من اللعبة؟
إنه بدون شك يمارس ألعاباً! قالت ذلك لنفسها بقلق و هي تبدل قميصها بقميص ضيق أكثر اناقة, مصنوع من القطن, ذات لون زهري داكن. مررت احمر الشفاه بسرعة فوق شفتيها و هي تفكر. ما الذي يفسر تركه لها بمفردها معظم الوقت, دون ان يذكر لها مرة واحدة سبب وجودها هنا؟ و لماذا يريد اليوم ان يمضي الوقت برفقتها؟ اليوم لامس وجهها بأصابعه, و وضع يديه علي كتفيها, كما لمست اصابعه بشرة خدها بينما كان يبعد شعرها عن وجهها. يبدو ان المرحلة الثانية من اللعبة قد بدأت...
لم يخفف ذلك من تسارع نبضها مطلقاً. لاحظت ذلك و هي تصفف شعرها و تعقده كذيل فرس. اعترفت لنفسها انها هي ايضا تقوم بألاعيب. فهي تتصرف بعدم مبالاة, و بطريقة مملة. و هي حتي الآن تسير علي هذا المنوال بطريقة جيدة, لكن لديها شعور غامض أنها لن تتمكن من الاستمرار هكذا لفترة اطول.
منتديات ليلاس
بينما كان يقود السيارة, أخبرها عن التاريخ العريق للدير السابق, شارحاً لها أن جده قد اشتراه منذ سنين عديدة, و اعاد بناءه مستعيناً بعمال مهرة, و حوله إلي منزل رائع, من دون ان يبدل شيء من الجو العام للمكان.
- كان والدايّ نادراً ما يأتيان إليه, فهما يجدانه منعزلاً جداً . لو لم اكن احبه كثراً, و آتي إلي هنا كلما استطعت ذلك, لأصبح مهجوراً.
بينما كان يتكلم تغيرت ملامح وجهه و اصبحت اكثر رقة, و عادت قسماته لتشع بالحياة. ابتلعت ليزا غصة بصعوبة, و ابعدت نظراتها عن الدفء المعلن في نظراته الجانبية التي كان يرمقها بها.
هذا هو دييغو الذي تتذكره..... دييغو الذي وقعت في غرامه... المذهل المليء بالحيوية. ذكرت نفسها بذلك الشعور الدائم بالشوق إليه.
راحت الطريق الضيقة تنحدر عبر منحني محاط بالأشجار و النباتات الكثيفة. و بعد قليل, اصبح الهواء ألطف قليلاً, مما ساعد بطريقة ما علي إيجاد عذر للرجفة التي اصابتها.
سألها بنعومة:
- هل انت خائفة؟
و كأن عينيه ادركتا من خلال النظر إليها ما بها. لوي شفتيه برضي كامل, و اعاد اهتمامه إلي الطريق المعبدة الملتوية.
ادركت ليزا ما يفكر به. لكن لا مجال مطلقاً للاعتراف انها تأثرت علي الإطلاق من تصرفاته الأكثر لطفاً و وداً. تمتمت بجفاء:
-لا, علي الإطلاق! أنت تقود السيارة بمهارة, فلِمَ علي ان اخاف؟ انا فقط اشعر بالبرد, هذا كل شيء.
ابتسامته الواضحة اعلمتها أنه لم يصدق كلمة من ما قالته. فحتي تحت الأشجار كان الهواء الناعم مازال دافئاً. ولا احد يشعر بالبرد في مثل هذا الطقس!
تمتم بسخرية:
- لكن بالطبع, هل هناك أي شيء آخر قد يجعلك ترتجفين حتي اخمص قدميك الجميلتين؟
حان الوقت لتسوية الأمور بينهما, و لوضع نهاية للعبة الهر و الفأرة التي يقوم بها, خلافاً لكل ما يقوله المنطق و العقل فهي في سرها لا زالت مغرمة بذلك البائس, لكنها تكره طريقته في التلاعب بها.
ما إن اقتربا من ضواحي المنطقة ذات الثراء الفاحش حتي قالت له :
- لم أكن افكر بطريقة واضحة عندما وضبت حقيبتي. نسيت الفرق الكبير في الطقس, حتي في هذا الوقت من السنة. و هذه غلطتي.
اعترفت بذلك بخسارة, و تمنت لو أنها لم تكن مولعة بالمشاكسة فبسبب مزاجها الغاضب رمت ثياباً قديمة فقط في حقيبتها.
تابعت تقول :
- كما أنني سأشتري بنفسي ثيابي, و شكراً لك بكل الأحوال.
بعض التنانير القطنية و القمصان, هذا كل ما تستطيع ان تشتريه. ماربيلا ليست المكان المناسب إذا كانت تريد الشراء بميزانية محدودة. فكرت بذلك بضيق, و هي تفكر برصيدها في المصرف, و بحقيقة أن لا عمل لديها لتعود إليه.
- لن اسمح بذلك مطلقاً!
قال دييغو ذلك بحزم ما أن وجد مكاناً ليركن فيه سيارته. استدار بحوها, مد ذراعه عبر ظهر مقعدها. اصابعه الرشيقة وجدت الرفيع الذي يبعد شعرها عن وجهها و نزعته. اصبح صوته الآن ناعماً كالحرير, مما جعلها ترتجف:
- كي لا ابدو فظاً جداً, اخبرك ان لا مشكلة عندي مع المال, لا سيما ان والدك الكريم ليس معنا ليدفع لك الفواتير.
قالت ليزا بسرعة و غضب كبيرين:
- لا تفعل ذلك.
و سرعان ما اصطبغ خداها باللون الأحمر. اختفي الشريط في جيب بنطلونه, و فكرت ليزا في ان محاولة استعادته سينتج عنها صراع غير ملائم, و هي ستخسره بالطبع.
- إذا ذكرت ابي, و قلت أنه كريماً مرة ثانية سأضربك.
التفت اصابع قاسية جول رسغها بينما كانت تحاول ان تخرج من السيارة. اعادها ديغو إلي الوراء لتنظر إلي وجهه. رفع حاجبه الأسود بقوة و تمتم :
- أضربيني و سأنتقم!
سقط عيناه علي فمها المرتجف و بقي ينظر إليها مطولاً و هو يتابع:
- لكن ليس من خلال العنف الجسدي. فهناك طرق اخري أكثر سروراً لإخضاع المرأة.
سيطر عليها احساس بالرضي, لقد تركها بمفردها لمدة اربعة ايام و اربع ليال كاملة, مما جعلها تبدو متوترة كأنها علي حد السيف. و الآن, ها هي قشرتها الخارجية من عدم الاهتمام و اللامبالاة تتحطم, و هو سيعمل علي سحقها لتصبح غبار.
ابتسامة خفيفة غلفت فمه ما ان اعادتها كلماته إلي مظهرها الجليدي ثانية. بدا ذلك واضحا في العينان الكبيرتان, و بعد ان ضاقت شفتاها عن صمت معبر, أنها تحارب بكل ما لديها من قوة إرادة, لكن بعد وقت قصير سيجدها ضعيفة جداً. سوف تغدو متعلقة به, و هي تشتعل ناراً من اجله.... و من اجله هو فقط.
تخلص دييغو من هذه الأفكار, و ببطء ترك رسغ ليزا. تجهم وجهه عندما رأي آثار الاحمرار علي بشرتها.
- سنأخذ شراباً باردا قبل ان ننطلق إلي السوق.
و سيدفع فاتورة ثيابها التي ستضفي مزيداً من الحسن و الجمال علي فتنتها الملائكية, علي الغم من رفضها غير المتوقع. لا شك انه رفض ظاهري فقط.
انضم إليها علي الرصيف. كانت تضع حقيبتها علي ظهرها, و شريطا الحقيبة يتقاطعان فوق قميصها القطني الضيق الزهري اللون. اما قماش بنطلونها الجينز فينساب باتساق فوق وركيها و ساقيها الرشيقين.
ابعد نظره عنها. يا إلهي! إنها جذابة جداً! و قبل ان يعلم سيكون هو من سيركع علي ركبتيه و يتوسلها, و ذلك ليس هو مخططه.
تقضي خطته بأن يذلها, و ليس العكس. سارا مسافة خمسين ياردة, ما اوصلهما إلي اقرب مقهي علي الرصيف. جلسا إلي طاولة تظللها شجرة من الكرمة, تطل علي منظر شامل الرؤية للبحر الأزرق اللماع. طلب دييغو مياه معدنية لـ ليزا و عصير ليمون لنفسه سامحاً للأجواء ان تصفو بينهما قبل ان يحث نفسه عن السؤال عن شيء بدأ يثير حيرته.
- أخبريني شيئاً, ليزا.....
قال ذلك عندما لاحظ بوادر الراحة بدأت تظهر عليها من خلال عدم توتر كتفيها, و تابع قائلاً:
- لماذا تغضبين كثيراً عندما اضع كلمتي والدك و كريم في الجملة ذاتها؟
قالت ليزا بهدوء:
- لأنك لا تعرف عما تتكلم.
شعرت بالراحة بسبب الأجواء المحيطة بها, و التي اذابت كل انزعاجها. وضعت ابتسامة علي وجهها لمجرد التفكير ان هناك من يستطيع تخيل جيرالد بينينغتون صاحب عواطف أبوية لأبنته الصغيرة غير المميزة.
- إذاً, لِمَ لا تدعيني اعرف الحقيقة؟
بإشارة من إصبعه عاد النادل إلي الطاولة و هو يحمل كوب من العصير لها. راقب دييغو نظرة الدهشة و الفرح معاً تمر علي وجهها الجميل, و انتظر حتي ارتشفت رشفة من الكوب قبل ان يتابع بلطف:
- احب ان اعرف ما الذي اتكلم عنه.... فهذا يجعلني اكثر...
توف عن الكلام للحظة, قبل ان يضيف و هو يسخر من نفسه:
- ...... جاذبية.
رفعت نظرات عينيها الرائعتين لتلتقيا بعينيه, وضحكت بنعومة, تماماً كما ارادها ان تضحك. ساوره إحساس من الكره لنفسه ما إن تذكر أنها لم تأكل شيء اثناء الفطور. فهي بالكاد تذوقت حبة الدراق التي اختارتها قبل ان تبعدها عنها. لكم يحب ان يراها مرتاحة, لتتخلص من توترها و رغبتها بالمحافظة علي عدم اهتمامها!

منتديات ليلاس


زهرة منسية 20-12-17 04:35 PM

رد: 399 – خفقات فى زمن ضائع - ديانا هاملتون
 

رفعت كتفيها النحيلتين بلا مبالاة, و قالت :
- حسناً !
تنهدت بغضب و اخبرته:
- لم يكن ابي يُظهر الاهتمام بيّ عندما كانت امي حية, و اصبح اهتمامه أقل بعد وفاتها. عندما كنت اعود إلي المنزل من المدرسة الداخلية كنت اذهب إلي منزل شريكة, لهذا السبب انا مقربة جداً من صوفي و بن.
عضت ليزا علي شفتها السفلي بقوة. و قد ظهر الندم في عينيها. صححت لنفسها:
- كنا مقربين جداً, إلا ان هذا ايضاً لم يعد له وجود الآن!
رأي دييغو خيبة املها المفاجئة. و شعر برغبة بأن يأخذ اليدين الصغيرتين النحيلتين اللتين وضعتهما علي الطاولة, و يضمهما بين يديه, لكنه تنكر لهذا الاحساس بصعوبة قصوي....
ربما كان حزيناً جداً بعد موت امك المأساوي المبكر, و كان يريدك أن تكوني سعيدة و قادرة علي مواصلة حياتك بطريقة افضل.
اقترح ذلك محاولاً ان يكون منصفاً فلا يتخذ موقفاً متحيزاً, و راغباً في تفهم دوافع رجل لديه طفلة وحيدة, و هو يبعدها عنه باتجاه اشخاص آخرين. فهو قد نشأ في عائلة تهتم جداً بأفرادها, و تعتبر العائلة الأمر الأكثر اهمية في الحياة كلها.
ظهرت معالم السخرية علي وجه ليزا و قالت:
- من الواضح انك لا تعرف ابي.
انها تبحث عن الشفقة و التعاطف, إنها فتاة مدللة فاسدة بكل ما في الكلمة من معني!
قال دييغو بنعومة:
- ربما لا. لكنني أعلم انه يقدم لك هدايا ثمينة, و من المحتمل انه يفعل ذلك لأنه لا يجد ما يستطيع القيام به معك. كما انه اعطاكِ مركزاً مرموقاً في "لايف ستايل". بالمناسبة, هل حصلت علي إجازتك الجامعية؟
انقشع الضباب المخادع عن عيني ليزا. فما اعتبرته اهتمام لطيف منه لم يكن سوي ازدراء و قد ظهر ذلك في صوته العميق.
- الهدايا الوحيدة التي كان يقدمها ليّ هي كتاب بمناسبة عيد الميلاد, و ساعة في عيد ميلادي الثامن عشر, حتي انه لم يختارها بنفسه. اخبرتني هونور كليتون انه كلب منها ان تشتري ليّ شيئاً ما. أما بالنسبة للشهادة الجامعية, فلم احظ بفرصة للذهاب إلي الجامعة. فما إن عدت من إسبانيا حتي اخبرني ان امبراطورية التوزيع في "لايف ستايل" قد تقلصت إلي حجم جزيرة صغيرة. طلب مني –بالأحري امرني- ان اتخلي عن دراستي الجامعية و انضم إلي فريق العمل, فأحاول ان أتعلم الشروط و القواعد الخاصة بالعمل. "كل الأيادي تعمل علي إنقاذ المجلة, و كل حسب إمكانيته" هذه الجملة التي اتذكرها.
- و هل كنتِ سعيدة بهذه التضحية؟
أراد دييغو ان يعرف الحقيقة.... تجهم وجهه قليلاً و هو يشد حاجبيه السوداوين معاً.
قالت بعناد:
- لا! لكنني شعرت بالإطراء لأنه, و لأول مرة في حياتي, قد لاحظ وجودي, و طلب مني شيء ما. بالطبع وافقت. أردت ان اسعده, أليس كذلك؟ أردته أن يجد ليّ قيمة خاصة لديه.
شعر دييغو بأنفاسه تنحبس في رئتيه حين غطي عينيها الجميلتين ضباب كئيب من الدموع. ضاقت عيناه و هو يراها ترمش بعينيها بقوة لتتخلص منها. تنفست بصوت منخفض, و اظهرت ابتسامة تدل علي انها قالت الكثير مما في داخلها, و افصحت عن الكثير.
- هل نذهب؟
ما إن حاولت النهوض حتي امسك دييغو يديها بين يديه.
- في غضون لحظات.
بدت يداها صغيرتين جداً بين يديه. نعومة هاتين اليدين و رقة عظامهما اشعلتا مشاعره و الهبتا العاطفة التي يكنها لها منذ خمس سنوات, و جعلته مدركاً لجمالها الفاتن الهش الرقيق. ما إن ضاقت عيناه و هو ينظر إلي ملامحها الفاتنة, حتي ارتجف فمها قليلاً, فشعر بأن كل شيء يحدث من جديد مرة ثانية, ساورته الرغبة في ان يدللها و يحبها لأقصي درجة.
إذا كانت تقول الحقيقة في ما يتعلق بعلاقتها بوالدها –و هو متأكد تماماً أنها كذلك- فهو إذاً يسيء الظن بها و يقسو في حكمه عليها. هذا ما اعترف به لنفسه بقوة.
أتراه اساء الحكم عليها بأمور اخري؟ هل عليه ان يصغي إلي ما كانت تريد قوله عن تلك الليلة المخيفة, بدون انتقادات و افتراضات؟ لا.....! إن ما ستقوله هو مجرد سلسلة من الأقاويل الكاذبة....
إذا اقتنع بما يقوله له ضميره بكل وضوح, أي انه كان مخطئاً بعدم إعطاءها أي خيار إلا ان تفسخ خطوبتها, و تأتي معه إلي إسبانيا, عندها ربما يمكنهما البدء من جديد. فالانجذاب بينهما ما زال موجوداً, و هو يثير جنونه منذ اللحظة التي التقي بها ثانية. كما انهما الآن اكبر و اكثر حكمة.
شعر ان اليدين الصغيرتين الجامدتين عادتا إلي الحياة, التفت اصابعها النحيلة حول أصابعه, و كان تأثير ذلك عليه تأثير تيار كهربائي. قال:
- و هل فعل ذلك؟ هل اصبح لكِ قيمة خاصة لديه؟
لم تستطيع ليزا الاجابة. ببساطة حدقت بوجهه الغامض الفاتن. إمساك يدي دييغو القويتين الدافئتين ليديها حبس انفاسها, وجعلها ترتجف من تدفق الذكريات. تذكرت كيف كانت الأمور بينهما في الأيام الماضية, عندما كانت تؤمن حقاً انه يحبها بجنون كما تحبه أرادت ان تعود غلي ذلك الزمن الساحر الجميل, و بشوق كبير دفع أي شيء آخر من تفكيرها.
سحبت يديها من يديه, و شعرت بالألم من فقدان الإحساس بالأمان. حاولت ان تركز علي ما كان يسأله عنه.
قالت اخيراً و قد ظهر الحزن في عينيها:
- لم يعطِ أي اشارة تدل علي ذلك.
انحني دييغو فوق الطاولة, و شعرت ليزا كأنها ستتجمد في مكانها من لمعان عينيه. سألها بفظاظة:
- أي نوع من الرجال هو؟
اجابت بصدق:
- أنا حقاً لا اعرف, فهو لم يسمح ليّ مرة أن اكون قريبة منه كي اعرف.
منتديات ليلاس
- و مع ذلك وافقتِ علي طلباتي. فسختِ خطوبتك, و أظن انكِ سببت الألم للرجل الذي تحبين, و ذلك كله بهدف إنقاذ العمل و المستقبل المالي للمؤسسة. مع أن والدك حسبما تقولين, يُظهر اقل القليل من الاهتمام الأبوي بك.
بدا واضحاً من كلامه انه لا يجد مبرراً يفسر حاجتها الدائمة للحصول علي رضي والدها, لاسيما إذا كان ذلك علي حساب رجل آخر هو خطيبها.
هزت ليزا رأسها الذي اصيب فجأة بالألم, و تمنت لو لم تبدأ هذا النقاش كله.
- لم يكن الأمر كذلك! أن تجعلني ابدو قاسية القلب. أنا و بن لم نكن ابداً مغرمين ببعضنا.
و بدون وعي منها نظرت إلي إصبعها الذي نزعت منه خاتم الخطوبة, و تابعت:
- لطالما احببنا بعضنا كأخوين, و اعتقد اننا انجرفنا في فكرة الزواج.
رفعت كتفيها و ظهرت ابتسامة صغيرة علي وجهها, قبل ان تتابع:
-في الواقع بن اقنعني ان إفلاس "لايف ستايل" لن يكون نهاية العالم لوالدينا أو حتي لفريق العمل. و أنه يمكنني ببساطة ان اطلب منك أن ترمي عرضك في سلة المهملات, و دون أن اشعر بأي عذاب ضمير.
لكنها لم تفعل, أليس كذلك؟ موجة دفء انتشرت عبر جسد دييغو و هو يقف و يقدم لها يده, هذا يعني انها اتت إلي هنا لأنها تريد ذلك.... و هذا يعني بالمقابل أنها لا تزال تشعر بشيء نحوه. يا إله السماوات! لو كان بإمكانه أن ينسي الماضي, و أن يمحو تلك السنوات المريرة, عندها....
- كنت قد قررت أن اتصل بك....
قالت ذلك ما ان وصلا إلي الرصيف تحت اشعة الشمس القوية و هما يسيران ببطء, و تابعت:
- .... لأخبرك أنني بدلت رأيي, و أن اتفاقنا ملغي. عندها اخبرني والدي انه التقي بك في اجتماع, و أنا لا اعلم ما الذي قلته له, لكنه بدا مقتنعاً ان سبب إنقاذك للمجلة له علاقة بمعرفتنا السابقة لبعضنا.
التوي فمها بابتسامة صغيرة, مدركة انها تتكلم كثيراً. أكلمت تقول:
- قال ليّ أنني اخيراً قمت بالتعويض عن كوني لست الصبي الذي اراده دائماً. يمكنك ان تقول أنني حمقاء, فأنا في الواقع استحق ذلك. لكنني لم استطع ان اخبره أن كل شيء قد اُلغي, و اجعله يتحول من عدم المبالاة بشأني إلي كرهي فعلياً. هل استطيع؟
فجأة اظلمت الدنيا في عيني دييغو. اصبح دمه بارداً, ثم عاد فاشتعل كالنار. يا له من احمق! ألا يملك من المنطق أكثر مما كان عليه منذ خمس سنين؟ بالطبع, هي لم توافق علي القدوم إلي هنا لأنها لا تزال تريده, أو لأنها لا تزال تحمل عاطفة من أي نوع كان له.
إنها راضية ببيع نفسها له لفترة من الوقت لتحصل علي رضي والدها.
تحولت غيرته من الرجل الآخر, من والدها, إلي غضب صارخ. صرّ علي اسنانه بقوة, فالمرارة عادت إليه كالطوفان.




نهاية الفصل السادس

قراءة ممتعة


زهرة منسية 20-12-17 04:39 PM

رد: 399 – خفقات فى زمن ضائع - ديانا هاملتون
 
منتديات ليلاس
7- حب ام انتقام


ادركت ليزا أن كل شيء قد تغير, و ان أي تحرك من قبلها, مهما كان بسيطاً سيؤدي إلي ظهور مواقف جديدة. توقفت عند أعلي الدرج الحجري العريض, و هي ترتدي الفستان الأزرق الضيق المصنوع من الشيفون , و الذي اختاره دييغو لها.
ألقت اللوم علي تلك اللحظة المحددة, عندما شرحت لـ دييغو بالتحديد لماذا وافقت علي عملية الابتزاز. فعندما كانا في ماربيلا هذا الصباح, شعرت بالكلمات تنزلق علي لسانها علي الرغم من إرادتها.
التغيير الذي طرأ علي دييغو بدا دقيقاً جداً, بالكاد يمكن لسواها أن يلاحظه أو يعلق عليه. أما بالنسبة لها, فد اصابها ذلك التغيير في الصميم, وكأن طناً من الحجارة سقط فوق رأسها. لا يمكنها ان تصف طريقة سيره علي الرصيف بقربها بأقل من الاستبدادية المطلقة. بدأ كأنه يملك البلدة و كل شخص, بل كل شيء فيها. كان يرفع رأسه عالياً, و قد علت وجهه الوسيم ملامح ترشح بالازدراء.
قادها عبر الأبواب الزجاجية لمتجر للأزياء العالمية. المجموعة الغالية التي رأتها ليزا جعلتها تشعر علي الفور بالرعب و الرهبة, إذ شعرت أنها لا تنتمي إلي هذا المكان ببنطلونها الجينز و قميصها ذات اللون الزهري المشرق.
قام بخدمتها موظف طويل القامة, نحيل الجسم في الثلاثين من عمره, علي وجهه ابتسامة دائمة عديمة الحيوية. استلقي دييغو إلي الوراء علي كرسي مغطي بقماش من الحرير, و اخذت الفساتين ذات النوعية أو الطراز المميز تُعرض أمامه من اجل الحصول علي إيماءة من موافقته المتعالية.
بعد مرور ساعتين حمل شاب نشيط, يرتدي بذلة رمادية عادية, تحيط به هالة خاصة من الأهمية, بيديه الاثنتين علبا و حقائب أنيقة إلي سيارة دييغو. كادت ليزا تصاب بالهستيريا لكنها فكرت: ليبدد امواله إذا كان يرغب بذلك!
بعد ان تناولا غداءً متأخراً لم يتحدثا خلاله إلا القليل, كما لم يأكلا إلا بعض الطعام, بدأ بالرحلة الطويلة نحو الدير القديم. تملكها بقوة إحساس غريب ينذر بالشر, و ذلك بسبب السلطة الجديدة الباردة التي رأتها في دييغو. أحست انه يراها مجرد دمية متحركة اشتراها و دفع ثمنها, ثم صممها لتقوم بكل ما يريده عندما يشد خيوطها. لم يكن بإمكانها ان تندم لأنها كشفت له عما يحدث معها, ليس فقط بشأن علاقتها بأبيها و بن, بل فيما يتعلق ايضاً بسبب موافقتها علي ما طلبه منها منذ البداية.


منتديات ليلاس



زهرة منسية 20-12-17 04:42 PM

رد: 399 – خفقات فى زمن ضائع - ديانا هاملتون
 

و هي تبدأ في السير وحيدة نحو غرفة الطعام الرئيسية, فكرت أن هذا هو الوقت المثالي ليكشف لها دييغو و يفصح عن نواياه بشأنها. فمنذ أن التقيا ثانية, و كلاهما يتجنب الافصاح عن أفكاره الحقيقية تجاه الأخر. مهما كان نوع هذا الأفكار, من الأفضل كثيراً لو انهما يستطيعان التحدث عنها.
حمل مانويل جبلاً من الحقائب إلي جناحها بعد عودتهما, و كسر دييغو الصمت بينهما ليقول :
- ارتدي ثوباً جميلاً الليلة. لأننا سنتناول العشاء في قاعة الطعام الرسمية, و احب أن أري ما امتلكه مسرّاً للنظر.
ما يمتلكه؟!!
لو سمعته يقول ذلك في وقت باكر هذا اليوم لارتجفت, أما الآن فهي تستطيع تقبل ذلك. لقد فعلت ما طلبه منها, اختارت هذا الثوب من عشرات الفساتين التي قامت روزا زوجة مانويل الجميلة, بإخراجها من الحقائب الورقية و تعليقها في خزائن جدارية يستطيع المرء أن يسير بداخلها.
انتعلت زهرة منسية حذاء ذا كعبين مرتفعين مغطي بقماش من الحرير الأزرق, يناسب تماماً ما ترتديه. و صففت شعرها تاركة إياه ينسدل حول كتفيها كشلال من الحرير الأشقر, بعد ان ضمته من جانب واحد من وجهها بحلية صغيرة مثبتة بمشبك, و بالغت حتي النهاية بوضع مساحيق الزينة علي وجهها.
لا يستطيع أن يتهمها بأنها تبدو قبيحة, مع أنها ما إن تنتهي منه من المحتمل أن يتهمها بأنها سببت له آلماً لا يُنسي.
في السابق, كانا يتناولان طعامهما في باحة داخلية أو في غرفة الفطور الصغيرة التي تطل علي المدخل الأمامي للمنزل و علي المناظر الرائعة للجبال. إذا كان قد اختار الفخامة التي تحيط بقاعة الطعام الكبيرة ليؤثر عليها فهو لن ينجح بذلك. هذا ما اقسمت عليه و هي تفتح الأبواب الثقيلة المنحوتة للقاعة.
بدت غرفة الطعام مثيرة للدهشة بكل ما في الكلمة من معني. السقف العالي بقناطره المحفورة مضاء بواسطة ثريات معدنية ضخمة, أما الجدران المغطاة بلوحات من الجص فقد حُفرت فيها نوافذ ضيقة تعلوها أقواس. اما الطاولة الضخمة التي تلمع كالزجاج فقد وضع حولها مقعدان فقط, واحد في كل جانب.
سارت إلي الأمام و كعبا حذائها يطوفان بخطوات واثقة علي الأرض الواسعة اللماعة. نهض دييغو عن كرسيه المزين بصور محفورة عند رأس الطاولة, و كان يحمل بيده شرابا ما.
حبس انفاسه بوسامته و أناقته. بدا رائعاً بثيابه الرسمية, الخالية من أي عيب, إلا أنه بدا ايضا بارداً جداً كالفقر نفسه.....
خلال اقترابه المدروس منها كانت عيناه المحجوبتان بأهدابه الطويلة ترمقانها بنظرات تقييمية, بدءاً من شعرها الحريري, إلي كتفيها النحيلتين حيث الشريطين الرفيعين للفستان نزولاً إلي خصرها و ساقيها النحيلتين اللتين بدتا اطول تحت الثوب الأنيق الذي يصل إلي ركبتيها, وصولاً إلي حذاءها الجميل.
كان من الصعب عليها ألا ترتبك تحت تلك النظرات المدققة التي لا تحمل أي تعابير. لكن ليزا تمكنت من تحمل ذلك, و كادت ان تظهر ارتياحها عندما احني رأسه ليُظهر موافقته. استدار دييغو ليسير نحو طاولة من خشب السنديان وضعت بجانب المدفأة, حيث النيران المشتعلة تضفي جمالاً و دفئاً علي المكان, مبددة برودة المساء من هذه الغرفة الحجرية الكبيرة.
شعرت بتوتر كبير عندما عاد إليها و هو يحمل علبة مغطاة بالجلد, و قال لها:
- لم اعرف أي لون ستختارين لهذه الليلة, لذلك قررت ان الماس سيكون الاختيار الأنسب.
لمعت احجار الألماس كالنيرات فوق قطعة المخمل الأزرق الباهت اللون. اتسعت عينا ليزا برعب ما إن رفع عقداً من فصوص الألماس الرائعة المرتبة علي شريط من الذهب الأبيض, و سار خلفها ليثبت العقد حول عنقها.
تصميمها علي ان تبقي ثابتة, هادئة و منطقية طار من رأسها, فعمدت إلي الابتعاد عنه و قالت بسرعة :
-لا اريده!
- أنه ليس لكِ, صدقيني! اريدك ان تضعيها لهذه الأمسية فقط, لتكتمل الصورة و تجعليني اشعر بالسعادة عندما انظر إلي مقتنياتي المادية.
تألمت ألماً شديداً بسبب الإهانة المتعمدة. وقفت ليزا كالحجر بينما كان يبعد شعرها جانباً ليثبت العقد حول عنقها. لمسة يديه جعلتها ترتجف بشدة. سيطر عليها إحساس غريب كوخز الإبر طوال ذلك الوقت.
في المرحلة الثانية, آتي دور السوار. صفان منن الأحجار الجميلة رُتبت بشكل نادر, و هي تناسب العقد تماماً. قال دييغو ببساطة:
- تجد أمي جواهر العائلة قديمة الطراز جداً, و تبقيها في خزانة من الفولاذ هنا. احياناً تقوم بتنظيفها و رؤيتها عندما تزور المكان هي و ابي, قائلة إنها تجد بذلك شيء تفعله.
ماس مرصع علي شكل دمعة كـ قرطين لتكتمل اللوحة.... لامست اصابعه بشرتها الحارة بينما كان يضعهما في اذنيها, و ما لبث ان تراجع إلي الوراء لينظر إليها. مع ان ليزا شعرت كأنها تشتعل من جراء تلك اللمسة الخفيفة, لكنها استجمعت قوتها و سألته في تعالٍ و إشراق مصطنعين:
- متي يزور اهلك المكان؟ و هل سألتقي بهما؟
افترضت ان سؤالها هذا سيشعره بالإهانة و هو في ذلك المزاج المتعالي.
- هذا أمر صعب جداً. هناك نساء يسعد الرجل بتعريفهن علي والديه, و من الواضح انك لست منهن.
أجابها بحدة واضحة في صوته, و علمت أنها كانت علي حق في افتراضها, لكنها لم تهتم لذلك. بعد ان تقول له ما تنوي ان تقوله الليلة, لن يكون قادراً علي إيذائها.
منتديات ليلاس
علي الأقل هذا ما قالته لنفسها بينما وصلت روزا و مانويل لتقديم العشاء. إلا انها لم تعد متأكدة من ذلك عندما أبعد دييغو الكرسي لها, و تمتم بنعومة في اذنها:
سيكون لدي شيء جميل أنظر إليه و نحن نأكل. فالنظر إليك يسعدني.
يمكنه أن يسبب لها الأذي لأنه هو نفسه الرجل الذي احبته و كرهته معاً. هل تريد ان تعطيه تلك السعادة؟ سعادة رجل بارد موضوعي حصل علي تحفة غالية. أيحسبها كالماس, ممتلكات يتباهي بها في مناسبات معينة ثم يقفل عليها خزانة حديدية و ينساها؟ بالطبع لا!
عملت روزا و مانويل علي خدمتهما بتقديم المحار و الشراب الشهي, و احضرا طيور السلوي مع صلصة الأعشاب و سلطة الخضار المشوية, و اخيراً تركاهما مع القهوة و صحون صغيرة مليئة بالكريما و الحلوي الشهية وصحون من الفاكهة الطازجة.
قالت ليزا بخفة متعمدة :
- كان عليك ان تزودهما بمزلجة ذات عجلات كي يتمكنا من الوصول من طرف هذه الطاولة إلي الطرف الآخر بصورة اسرع.
حاولت ان تتجاهل تأثير نظراته عليها طوال فترة تناولهما الوجبة. ارادته أن يعلم ان كل تلك الفخامة الرسمية, و كومة الماس علي رقبتها و معصمها و اذنيها, لم تؤثر بها مطلقاً.
لم تظهر أي ردة فعل علي دييغو. اتكأ علي ظهر الكرسي المحفور, و قد وضع يديه بخفة علي ذراعي الكرسي. كانت عيناه لا تزالان عليها, و هو يفكر ملياً.
قالت ليزا بحزم:
- سأغادر عند الصباح. حتي لو اضطررت إلي الذهاب سيراً علي قدماي. يمكنك ان تفعل ما تشاء بشأن الأموال التي وضعتها لإنقاذ المجلة, فهذه المسرحية المزعجة بدأت تثير مللي. و قد قررت أنني استطيع التعامل مع انزعاج أبي, لو سحبت كل أموالك من هذا الرهان. ففي النهاية, لقد تحملت ذلك, أو ما يشبهه كثيراً, طوال سنين عمري.
لم تكن تقصد ما قالته... أي شيء مما قالته, قالت ذلك فقط لتثير ارتباكه و لتخرجه من وضعه الاستبدادي و برودته المحتملة. إنها لا تريد الرحيل قبل ان يتحدثا عن الأخطاء التي مرا بها منذ خمس سنوات. لا يعلم دييغو أنها رأته مع تلك المرأة الجميلة, و شاهدت بألم كبير كيف كان يتصرف بقربها. كما انه لا يعرف سبب تصرفها السيء الذي تلا تلك الحادثة, و الذي سببته من آلام لقلبها الذي تمزق و تشتت من الغيرة.
حان الوقت لإظهار الحقيقة, كل الحقيقة. لقد منعها من التحدث في لندن بقوله إنه ليس مستعداً لسماع المزيد من الأكاذيب. و بطريقة ما, عليها ان تجبره علي ان يسمع وجهة نظرها من القصة.
مفاجأة غير مرحب بها طرأت علي ذهنها, قد يشعر دييغو انه مل من هذه التمثيلية مثلها, و سيوافق علي الفور علي رحيلها. جعلتها هذه الفكرة ترتجف من البرد للحظة, لكن الابتسامة الكئيبة التي رماها بها جعلتها تشعر بالتجمد حتي اعماق اعماقها.


منتديات ليلاس

زهرة منسية 20-12-17 04:44 PM

رد: 399 – خفقات فى زمن ضائع - ديانا هاملتون
 
سمعته يقول بنعومة:
- إذا ذهبتِ سألحق بك. و إن اختبأتِ سأبحث عنك.
علي الرغم من النعومة التي ظهرت في صوته بدا المكر واضحاً فيه. لكنها لم تسمح له بالسيطرة عليها. قالت بانفعال:
- إني متأكدة من وجود قانون يمنع ذلك النوع من المضايقة و الإزعاج. و ليس هناك من قانون ينص علي انه علي البقاء هنا.
أخذت رشفة من فنجان قهوتها لتقوي الصورة المخادعة التي كانت ترغب في إظهارها بقوة.
- مهما يكن, سأبقي إذا وافقت علي الإجابة عن سؤال او اثنتين فقط. لكن ليس هنا, فالمكان رسمي جداً. سأذهب إلي الحديقة يمكنك ان تتبعني إذا كنت موافقاً علي ما قلته.
لم تعرف مطلقاً كيف تمكنت من الخروج من الغرفة بدون ان تسقط علي الأرض. و لم تعرف ايضاً إن كان سيتبعها. لكنه فعل....
أتي دييغو بعد مرور عدة دقائق امضتها ليزا في قلق كبير. خلع سترته الرائعة الداكنة اللون, و رفع اكمام قميصه البيضاء حتي مرفقيه, و حل ربطة عنقه. بهرها بجماله الرائع مع كل خطوة يخطوها بتكبر و عدم مبالاة, في ضوء القمر الشاحب.
تمكنت من السيطرة علي الرجفة التي اعترتها من الإثارة لمجرد التفكير أنهما اخيراً قد يصلا إلي مكان ما بعد التخلص من اعباء الماضي و وضعها و راءهما.
سار دييغو فوق الأرض الحجرية باتجاه الطاولة المظللة بأغصان كثيفة لشجرة تين قديمة. قال بصوت اجش:
- لنوضح هذا الأمر جيداً, يمكنك ان تسألي أي سؤال تريدينه, لكن قد اختار ألا أجيب عليه. و أنت ستبقين هنا حتي اقرر أنا متي يمكنك الذهاب.
و تابع :
- أجلسي في مكان أستطيع رؤيتك فيه.
اشار نحو مقعد يواجه الحائط المغطي بأشجار الكرمة, و بطريقة عجائبية غرقت المساحة بأضواء خافته مميزة.
فكرت ليزا:
- لابد أنه ضغط علي مفتاح كهربائي, لأن الأنوار المنتشرة و الموزعة عبر اماكن مرتفعة و منخفضة كانت تشع من خلال أحواض من النباتات الخصبة. من الواضح أه لم يكن في مزاج يسمح له بالتحدث من القلب إلي القلب, و لا رغبة لديه في مناقشة الأمور الجدية.
مازال دييغو رافاكاني يوتر اعصابها. فكرت بذلك و هي تكاد تشعر بانهيار, ما إن جلست حيث قال لها ان تفعل.
صممت أن تفعل شيئاً ما بشأن هذه المسألة المذلة. جلست مستقيمة جداً و قالت:
- أن تعاملني كأنني مجرمة, و تُلقي اللوم بالكامل علي ما حدث منذ خمس سنوات. لكن لِمٍ لا تفكر انك كذبت علي منذ أول لقاء لنا؟
إنه الرجل الوحيد الذي احبته في حياتها. فبعده ما من رجل يستطيع أن يأمل بامتلاك قلبها الأحمق في راحة يده, و هي مازالت تريده مهما كان سيئاً. قالت ذلك لنفسها بحزن.
أرادت أن تستعيد دييغو السابق ثانية, تماماً كما كان في تلك الأيام الرائعة حيث كانا مغرمين ببعضهما البعض. لم يكن مخلصاً كما كانت تعتقده, و الآن ها هي تراه بصفته الحقيقية. مع ذلك ما زالت تريده. يا لغبائها!
جلس علي المقعد قبالتها, و فكرت أن ذلك أفضل من وقوفه بقامة بطول ست اقدام تلوح فوقها, مليئة بالوسامة و القوة. فذلك يفوق قدرتها علي الاحتمال. مع ان جلستهما لم تشعرها بالارتياح, لأنها تجلس تحت الأضواء و هو يجلس في الظل.
كان من المستحيل عليها أن تقرأ تعابير وجهه, و عليها بذل جهد كبير لتعرف ما الذي يفكر فيه. بدا صوته مرحاً قليلاً عندما رد عليها قائلاً:
- بالنسبة لكونك مجرمة فأنت تستحقين خمس نجوم علي ذلك, لكنك لم تحصلي بعد علي عقابك. و أنا حقاً ما كنت لأتذمر لو كنت مكانك.
اصبح صوته أقسي و هو يتابع:
- كما أنني لم اكذب عليك ابداً. لذلك لا تهينيني بالقول إنني فعلت.
ثم تابع:
- لكن هذا ما تفعله النساء عادة, أليس كذلك؟ عندما يتم حجزهن يبدأن بإلقاء الاتهامات السخيفة بسهولة.
أجابت ليزا بهدوء:
- لا شك أنك تعرفت علي نساء سيئات جداً.
إذا سمحت لصوتها أن يرتفع و لو لأقل من درجة, ستفقد السيطرة علي نفسها, و ستبدأ بالتحدث بصخب, و ستهاجمه بعنف. لذا تابعت تقول بهدوء:
- إذا يمكنك أن تستعيد ملاحظتك تلك, و تشرح ليّ لماذا قلت ليّ إنك مجرد نادل متواضع بينما أنت طوال الوقت مفعم بالثراء؟
كان دييغو متكئاً علي كرسيه بارتياح, قال:
- أنت من قررت أنني نادل متواضع. أنا قلت لك كل الحقيقة. أخبرتك أنني امضي معظم الليالي و أنا أعمل في احد مطاعم الفندق. هل ترين يا ملاكي المزيف, كيف اتذكر كل كلمة قلناها لبعضنا البعض؟ الفندق الذي كنا سنلتقي فيه في الليلة الأخيرة كان الفندق الأخير من سلسلة فنادق العائلة. و أبي, كونه رجل منطقياً, اصر علي ان يكون ليّ تجربة فعلية في كل فرع من المؤسسات التجارية المتنوعة التي نمتلكها. كنت اعمل مديراً للمطعم في ذلك الوقت.
امتلأت عينا ليزا بالدموع الحارة. لم تستطيع منع حدوث ذلك, فقلبها المجنون تحول إلي هلام. من الواضح أنه لم يقصد ان يكون قاسياً جداً, و لم يدرك ما الذي صرح عنه بدون انتباه منه, إنه هو أيضاً يتذكر كل كلمة قالاها لبعضهما البعض. و هذا لن يحدث إذا كان يعتقد أنها مجرد مغامرة عابرة, فتاة تسليه و ترضي غروره, أليس كذلك؟
لابد انها عنت شيئا ما له....
سألته بصوت مرتجف:
- لماذا لم تخبرني من تكون؟ لقد اخبرتك كل شيء عن نفسي. ما اقصده هو, أنني اجبت عن كل سؤال سألتني اياه بصدق كامل. لماذا تركتني اعتقد انك تحصل علي معيشتك من خلال الخدمة علي الطاولات؟
لقد صدقت كذبة, و هو تركها تفعل. لابد أنه اكن يضحك من فكرتها الخاطئة, معتقداً أنها حمقاء فعلاً. هذا ما آلمها حقاً... كانت صريحة و صادقة معه بينما هو....
- لماذا كنت ماكراً جداً معي؟
- لماذا برايكِ؟
تابع دييغو بحزم:
- أنا افضل مدرك و منطقي علي ماكر.
رمشت الدموع من عينيه, و نظرت إليه وقد ضاقت عيناها عبر رموشها الرطبة.
ما الذي يريده منها هذه الليلة؟ حتي الآن لم يُظهر أي اشارة عن استعماله لأية وسيلة ماكرة او خبيثة معها.
وجدت ليزا من الصعب عليها ان تركز علي أي شيء آخر, فأجبرت نفسها علي الإصغاء بانتباه له عندما قال لها بتوتر:
- منذ ان اصبحت في السابعة عشر من عمري و أنا ملاحق من قبل الفتيات اللواتي يحلمن بالحصول علي الفرصة الذهبية.
ساد صمت قصير بينهما, مليء بالسخرية و الانتقاد. بعد ذلك تابع بنعومة, كأنه يتحدث مع نفسه:
- احببت فكرة أنك ظننتني مجرد شاب عادي.
هل كان هناك ابتسامة في صوته؟ لم تكن ليزا متأكدة, لكنه تمنت ذلك. اميراً كان ام فقيراً, لا احد يستطيع ان يصف دييغو بالشاب العادي.
بعد ذلك افسد كل شيء بقوله متشدقاً:
- كنت صغيرة جداً, بالسنين و بالخبرة. و فكرت ان الفتاة بحاجة إلي وقت قصير لتتعلم كيف يمكنها ان تصبح أكثر تميزاً باستخدامها جمالها و فتنتها. أتكلم طبعا من الناحية الاقتصادية.
كانت لا تزال تحلم بإعجابه بها لأنها اعتقدت انه لا يملك أي مال. احتاجت ليزا لعدة لحظات لتفهم ما قصده و ما الذي كان يرميها به ببساطة.
إنه يتهمها ببساطة أنها باحثة عن الذهب.
من الواضح انه لم يصدق أية كلمة مما قالته عن الأسباب التي دفعتها أخيراً للموافقة علي عرضه المشين. لقد اعتقد انها قفزت للحصول عليه متمنية الحصول علي الكثير منه. كالاستلقاء تحت اشعة الشمس, و الخدمة الدائمة و الرفاهية : طعام شهي, ثياب جديدة و جميلة, و جواهر مستعارة.....
بإمكانها التخلص من مجوهراته الكريهة. قالت ذلك لنفسها في غضب, لأنها تكرهه لاعتقاده أنها فتاة وضيعة. و لأنه يجعلها تحمل له الحب مع انه يحتقرها إلي درجة كبيرة.
اشتعل وجهها بالغضب القاتل, قفزت علي قدميها و سحبت من رسغها السوار الرائع, و تبعته بالقرطين في اذنيها, رمتهم بدون اهتمام علي الطاولة. كانت ترغب في رمي العقد من عنقها علي طول الشرفة كلها, ليختفي بين النباتات المزهرة, لكنها علمت انه سيقف قربها حاملاً عصا بينما هي ستعمل بيديها و علي ركبتيها حتي تجده, و لو استغرقت عشر سنوات للقيام بذلك.
العقد كان مسألة مختلفة.... بإحباط و بدموع غاضبة تنهمر من رموشها علي خديها حاولت بقوة ان تفتح المشبك. راحت تضغط شفتيها بقوة, و كأنها بطريقة ما ستتمكن من حل المسألة.
نهض دييغو بتكاسل علي قدميه, و سار ليقف قربها, ثم قال :
- اسمحي ليّ.
توترت ليزا ما ان شعرت بأصابعه الرشيقة تزيل العقد. اصيبت كل اطراف اعصابها بتوتر غير محتمل. عندما يكون بهذا القرب منها تشعر بدفء جسمه في كل نفس تأخذه و في كل دقة قلب سريعة. رجفة ضعيفة سيطرت عليها فحاولت حبس تنهيدة كادت ان تفلت منها. ما إن أنهي عمله و رمي العقد علي الطاولة, امسك كتفيها بيديه و ادارها لمواجهته. تحولت نظرة عينيه من تكبر و غطرسة إلي تجهم خفيف.
- لم اقصد ان اجعلك تبكين.
رأت ليزا صدره العريض يتمدد فحبس انفاسها. عضت بقوة علي شفتها السفلي بينما كان يمسح الدمع عن وجهها بأصابعه.
اصابع لطيفة, لطيفة جداً. شعرت أن دموعاً جديدة تتشكل وراء عينيها....
كانت غاضبة منه, غاضبة جداً, لأنه رماها بلقب الجشعة و الباحثة عن الذهب, أليس كذلك؟ إذاً, لماذا تريد ان تدفن رأسها في صدره العريض و تبكي حتي تشفي من كل آلامها؟
تمتم دييغو بقوة:
- من فضلك, لا تبكي!
مرر إصبعه فوق شفتيها المضغوطتين بقوة. تأوه عندما رأي عينيها ترتفعان لتصرحا عن الموافقة علي الطلب الذي كان يرسله من عينيه الغامضتين.... و عانقها.....
لم تعرف ليزا كيف بدأ ذلك العناق و في أية لحظة, ولم تهتم لذلك. فهذا ما تريده و ما تتمناه. التخلص من توتر الأيام الماضية آتي سريعاً. شعرت بإحساس من الأمان وكأنها عادت إلي ديارها, إلي حيث تنتمي بعد سنوات عقيمة من النفي و الهجران.
رفع دييغو رأسه, و ابعدها عنه لينظر إلي جمالها. بدت مشرقة كأنها لؤلؤة كبيرة تحت القمر, عيناها مليئتان بالشوق له.... له فقط.
عليه ان يصدق ذلك.

نهاية الفصل السابع

قراءة ممتعة

منتديات ليلاس


الساعة الآن 01:56 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية