منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   (رواية) الرحيل ...إليه (https://www.liilas.com/vb3/t202693.html)

نغم الغروب 22-08-16 03:06 AM

الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أحبّائي أفراد عائلة منتدى ليلاس ، أهدي لكم باكورة رواياتي ، أتمنى أن تنال إعجابكم و أن تستمتعوا بقرائتها
أترككم مع أول فصولها و دمتم في رعاية الله.

http://e.top4top.net/p_256awj41.jpg


الفصل الاول في نفس المشاركه
الفصل الثاني ، الفصل الثالث ، الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصلين السابع و الثامن
الفصول التاسع و العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر


الرحيل ...إليه


الفصل الأول : غرباء أم رفقاء؟


وصل إلى مشارف المدينة بعد مضي الهزيع الأول من اليل. كان المكان مألوفا تماما له و كان قادرا على استحضار خطته بأصغر تفاصيلها. لكنه رغم ذلك كان قلقا متوجسا. فلو حاد أي شيء عن مساره فمن الممكن أن يضيع تعب أشهر من التخطيط و معه سنوات من الصبر و المعاناة. اتجه نحو الخان الذي اعتاد أن ينزل فيه.كان مكانا متوسط الحال والخدمة، معظم رواده من التجار الصغار و عابري السبيل. خاطب نفسه قائلا :
- أول شيء أضع الجواد في الإسطبل ثم أبحث لي عن فتاة مناسبة.
ترجل عن صهوة جواده و ربت على عنقه قائلا :
- الآن تبدأ رحلتنا بحق يا صاحبي
غادر الخان ليسير في طريق رصّت على جانبيه بيوت غير متناسقة ، في آخره كان هناك مكان متسع و مضيء يتصاعد منه صخب شديد ما بين أصوات الرجال و صهيل خيولهم.
وصل إلى ساحة واسعة تتوسطها حانة كبيرة. كان المكان مجمعا لممارسة جميع أنواع الموبقات من شراب و ميسر و بغاء و حتى القتل أحيانا. تمتم لنفسه بسخرية :
- المكان المنشود لذوي الشرف المفقود
و لعن السبب الذي جعله يتواجد في هكذا مكان و لعن من وراء السبب. تذكرعندما قابل الرجل الثمل في المرة لأخيرة لتي كان فيها هنا و أخبره أن هذا هو أكثر مكان تتجمع فيه بائعات المتعة. شاهد العديد من الفتيات ذوات الضحكات الرقيعة و النظرات الخاوية. تنقلت عيناه بينهن بسرعة و ازداد شعوره بالتوتر حين وجد جميعهن مشغولات. تأفف قائلا :
- يبدو أنني وصلت متأخرا. لم يدر في خلدي أن ساقِطَات هذه المدينة مبكرات في العمل.
أسرع خارجا من جو الخمارة الخانق و قرر أن يمكث أمام المبنى و يصطاد فتاة من غير المبكرات. كان قد بدأ يتململ من الانتظار حين رأى بغيته تأتي من بعيد بخطوات متسارعة. بدت امرأة معتدلة الطول ، ترتدي لباسا فضفاضا. لاحظ أنها كثيرة الالتفات كأنما تبحث عن أحدهم. ما إن راودته هذه الفكرة حتى أسرع يعترض طريقها قبل أن يقتنصها أحد غيره.
- أيتها الفتاة، ناداها بصوت جهوري و هو يسد الطريق أمامها.
أجفلت المرأة و تراجعت خطوتين إلى الوراء. تأملت ثيابه البسيطة ثم رفعت عينيها إلي وجهه ، كان قد أرخى عمامته فتسربلت ملامحه بالظلال. دلتها هيئته على أنه من تجار المناطق المجاورة، غير أن شكل نعليه أثار اهتمامها ذلك لأنها لم تشاهد مثلهما في حياتها. استنتجت أنه ليس كما يدعي، إنه ليس مجرد تاجر بسيط، فلربما كان لصا ، قاطع طريق أو قاتلا مأجورا. أيقظ الخاطر الأخير مخاوف كامنة داخلها فتراجعت خطوة أخرى إلى الخلف و سألته بلهجة متعالية تخفي توترها :
- ما حاجتك أيها الغريب؟
"الغريب" كره الكلمة كما كره الطريقة التي قالتها بها. " فاجِرَة و متكبرة" هكذا فكر في نفسه. لابد أنها حكمت عليه من بساطة مظهره و ظنت أنه لن يستطيع أن يدفع لها ما تريد. قال لها ببطء :
- أنت تعلمين تماما ما أريده منك.
ازداد قلقها و توجسها منه : من هو؟ من الذي أرسله خلفها؟ هل رآها أحدهم و هي تغادر؟ ولكن كيف عرفها و خمارها يخفي معظم وجهها، لا شك أنها مخطئة.
- ليس لدى من هي مثلي ما قد يريده من هو مثلك.
شعر بكل ذرة احتقار تلونت بها كلماتها فأجابها باحتقار مماثل:
- لا تعتقدي أن البضاعة التي تبيعينها أغلي من أن أشتريها. صعدها بنظره ثم أضاف :
- أنت تبيعين أرخص بضاعة على وجه الأرض.
رددت وراءه بعدم فهم :
- البضاعة التي أبيعها هي أرخص بضاعة علي وجه الأرض ؟!
مال نحوها قليلا و أضاف باشمئزاز :
- و كلما زاد عدد المشترين كلما ازدادت رخصا.
"ما الذي يقصده هذا المأفون تساءلت في سرها. و في إجابة سريعة على تساؤلها قال و هو يعقد ذراعيه على صدره :
- عموما لا حاجة لي بجسدك، ما أريده منك هو خدمة أخرى و تأكدي أنك ستنالين أجرك المعتاد و ربما يزيد.
شحب وجهها من الغضب تحت خمارها و شدت على يديها بقوة و قالت له بصوت يرتجف من الغيظ : أنا لست ما تظن و كما سبق و أخبرتك لا شيء لدي لمن هو مثلك. و حرصت على أن تضع كل احتقار الدنيا في الكلمة الأخيرة.
اقترب منها و قال لها بتعال : إن لم تكوني بائعة هوى فأنا واثق أنك لست بذات حسب أو نسب فأي ديوث هو أبوك أو زوجك حتى يتركك تسيرين في مكان كهذا في ساعة كهذه.
لم يكد يكمل كلماته حتى فوجئ بصفعة منها ارتج لها خده الأيسر. ظل واضعا يده على خده للحظات ذاهلا غير مصدق لما حصل. بينما استغلت هي شلل فكره فأخذت في الابتعاد و لكن هيهات فما إن استعاد رشده حتى لحقها في خطوتين و قام بلوي ذراعها اليمنى خلف ظهرها. كان الألم شديدا و لكنها تحملت و لم تصرخ، حاولت أن تفلت ، داست على قدمه بعقب حذائها عدة مرات و لكنّ قبضته لم تلن.
سمعت صوته قاسيا يقول : لشد ما أرغب في كسر ذراعك. تصفعينني أنا يا فاجِرَة ، تصفعينني و أنا من أنا.
قالت بصوت كالفحيح : لست بفاجرة ، ثم من أنت ، أنت رجل يبحث عن مومس فأي شرف تدّعيه ؟؟
لانت قبضته قليلا فأمرته بصوت يملأه الانفعال : اتركني و إلا صرخت و استنجدت بالمارة، اتركني حالا.
ضحك بصوت خافت : أعتقد أن آخر ما تريدينه هو لفت الأنظار إليك، و على أية حال اصرخي مهما شئت فلن أتركك حتى تطلبي العفو.
للأسف كان محقا فنجاح مهمتها كان يعتمد بشكل تام على سريتها. كلا لن تصرخ بالطبع . لم تفكر كثيرا لأن قبضته عادت و اشتدت على ذراعها فأرغمت نفسها علي ابتلاع الإهانة و الاعتذار بصوت خافت و لكنه قال لها آمرا : لم أسمعك يا امرأة، ارفعي صوتك.
قالت له بهدوء مصطنع : أرجو أن تعفو عما بدر مني في حقك أيها الغريب
ضلّ واقفا وراءها للحظات ثم أرخى قبضته و سمعت خطواته تبتعد مسرعة. أمسكت ذراعها متأوهة و استدارت تراقبه بغضب حتى ابتلعه الظلام.
- يا لسوء الطالع تمتمت بحنق
- يا لسوء الحظ تمتم لنفسه و هو يتخذ له ركنا يراقب منه المارة عسى أن يحظى بفتاة ليل حقيقية هذه المرة. رغما عنه تعلقت نظراته بالفتاة و ظل يراقبها.
رآها تتجه إلى بيت في الشارع الجانبي للخمـّارة. طرقت الباب و انتظرت و ما لبث أن خرج لها رجل ضخم الجثة. ظلا يتحدثان لبضع دقائق ثم فجأة امتدّت ذراع الرجل ليحيط كتفيها، رآها تحاول التملص منه و لكن بدا واضحا أن الرجل لن يتركها تفلت من قبضته. بل تطور الأمر فبدأ يسحبها إلي الداخل. لاحظ أنه رغم مقاومتها له فإنها لم تحاول أن تصرخ أو تطلب المساعدة، و ما أثار غيظه أنها لم تحاول حتى أن تصفعه مثلما فعلت معه. كان الموقف قد احتدم بينهما و بدأ يتحرك ليتدخل عندما شاهد الفتاة تغير من موقفها و تتجه مع الرجل لتدخل معه. هز رأسه بأسف و هو يتمتم :
- إذن فهي امرأة رخيصة في النهاية.
شعر بخيبة أمل كبيرة و غيظ عميق لم يعرف له سببا. "فلتذهب إلى الجحيم" فكر في نفسه و تأهب ليغادر مكانه و يعود للحانة حينما سمع صرخة الرجل و شاهد الفتاة تلوذ بالفرار.
"ما الذي فعلته يا ترى" تساءل باستغراب، كانت قد وصلت قرب مكانه و رأى الرجل يخرج ليلاحقها و هو يمسك أعلى ذراعه اليمنى. برز من مكمنه و قال للفتاة بصوت آمر : تعالي معي و لا تلتفتي إلى الخلف.
رغم عظمة دهشتها إلا أنها أطاعته فورا. تبعته إلى زقاق ضيق مظلم و هي تستغرب من الأمان الذي تشعر به في وجوده مع أنه غريب مجهول. ظلت تسير خلفه صامتة حتى توقفا غير بعيد عن الخان الذي ينزل فيه. كان الرجل الآخر قد غاب تماما عن ناظريهما و لن يخطر له حتما أنها اتجهت إلى هذا المكان.
وقفت أمام الغريب لا تدري ماذا تقول أو تفعل. لقد سدت جميع الأبواب في وجهها وأظلم أفقها تماما. سمعت صوته العميق يأمرها بالرحيل : تستطيعين العودة إلي بيتك ، أنت في أمان الآن ، كنت أود أن أوصلك و لكني مشغول بما هو أهم
استدارت لتغادر بخطى ثقيلة حين خطر لها خاطر مفاجئ جعلها تعود إليه بسرعة و تسأله بلهفة : أيها الغريب أخبرني هل ستغادر مدينتنا هذه قريبا؟؟
أجابها ببرود : مع أنه ليس من شأنك إلا أني سأرحل غدا قبل طلوع الفجر.
شعرت بالأمل ينعش قلبها فهي شبه واثقه أن دياره بعيدة، واثقة لأن لهجته و كذلك شكل نعليه ميزاه عن جميع الرجال اللذين عرفتهم خلال أسفارها العديدة.
قالت له برجاء : ما رأيك أن تقلني معك و سأدفع لك مبلغا مجزيا
أجابها بسرعة و بلهجة قاطعة : انسي هذا الأمر تماما فأنا لا أقل أحدا و لا أسافر إلا مع من أعرف.
أضاف بغلظة : ارحلي الآن فأنا في غنى عنك و عن متاعبك، ارحلي و لا تجعليني أندم على مساعدتي لك.
و لكنها لم تستسلم ، كان هو القشّة و كانت هي الغريق.
قالت تحثه على الموافقة : سأدفع لك أضعاف ما تحصل عليه من تجارتك أو أيا كان عملك. سأدفع لك بأي عملة تختارها ذهبا، فضة أو أحجارا كريمة.
أجابها و هو ينظر لها بشفقة : مسكينة أنت ألا تفهمين، فلتعلمي أني لن آخذك معي و لو دفعت لي وزنك ذهبا.
لكنها لم تيأس و واصلت تقول بصوت ليّن : حتى لو وافقت أن أؤدي لك الخدمة التي كنت ستطلبها مني
أجابها و هو يحث خطاه نحو النزل : حتى لو فعلت فلن آخذك معي و الآن فلتنصرفي يا امرأة
ترددت قليلا ثم رمت بآخر سهامها : حتى لو أخبرتك أني أود الرحيل فرارا من الموت قتلا
توقف و هو يتأملها بعدم تصديق فأسرعت تقول بصوت هامس و هي تلتفت يمنة و يسرة : صدقني أحدهم يريد قتلي
تفكّر في أمرها للحظات و لكنه قرر أخيرا أنه من الأسلم الالتزام بخطته بدون أي تغييرات. قال و هو يستدير ليبتعد :
- للأسف لا أستطيع مساعدتك
لحقت به شبه راكضة و وقفت أمامه و هي تقول له بصوت خفيض مليء بالازدراء :
- لقد كنت متأكدة أن المروءة ماتت مع أبي غير أني أريدك أن تفقه كلامي جيدا: أنت رفضت مساعدتي و أنا امرأة لا سند لي لذلك كن واثقا أنه سيأتي يوم تحتاج فيه ابنتك أو إحدى نسائك إلي أحد يساعدها و لن تجد. أوتعلم لماذا؟ لأنك كما تدين تدان.
ما إن أتمت كلامها حتى أولته ظهرها و سارعت بالابتعاد. تنهد بغيظ ، لقد عرفت الأفعى ماذا تقول و كيف تقوله. و استطاعت بحديثها أن تلمس وترا حساسا بداخله. وجد نفسه يلحقها مرغما و يقول لها بصلابة :
- لسوف أستمع إلي روايتك و حينها فقط حينها سأقرر إن كنت تستحقين أن آخذك معي أم لا. هيا معي الآن.
سألته بصوت خافت : إلى أين؟
أجابها بنفاذ صبر : إلى غرفتي طبعا، أين عسانا نتحدث في هذا الوقت من الليل
همست قائلة : غرفتك؟
و لكنه كان قد غادر فلم يسعها إلا أن تتبعه في استسلام.
.
.

مانسيتكـ 22-08-16 03:37 AM

رد: الرحيل ...إليه
 




مرحبًا بكِ عزِيزتي "نغم الغروب"


بداية مُشوقة للغاية،

أسلوبٌ سلِِس ..

كلّ هذا يُخبرنِي أنّي سأتواجدُ كثيرًا بين صفحاتِك، ولاشكّ سأستمتع ..


لكِ كلّ التوفيق.



نغم الغروب 22-08-16 10:30 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
شكرا لك عزيزتي على مرورك اللطيف
سعيدة برأيك و أتمنى أن يدوم استمتاعك حتى النهاية

سباهي 23-08-16 05:07 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
بداية تدعو للحماس و اسلوب جذاب ننتظر القادم

نغم الغروب 24-08-16 04:28 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
سعيدة بردك و سأحاول أن لا أتأخر في نشر باقي الفصول

نغم الغروب 24-08-16 04:31 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الثاني : مكاشفة و قرار


دخلت خلفه إلى غرفته على استحياء. لأول مرة في حياتها تتواجد في غرفة رجل غريب عنها. رجل تملؤه الشكوك في شخصها وخلقها. تنهدت في سرها و كررت لنفسها أنها ليست لديها العديد من الخيارات.
تأملت الغرفة البسيطة بنظرات سريعة ثم جلست على أحد الكرسيين بينما اختار هو الوقوف متكئا على الحائط. عقد ذراعيه على صدره و انتظرها لتبدأ حديثها.
لأول مرة منذ قابلته تتاح لها فرصة تأمل ملامحه بشكل واضح. كان الفانوس بجانبه بينما كانت هي نسبيا في الظلام إضافة إلى أن خمارها كان مازال مسدلا على وجهها ، لذلك لم يكن في استطاعته تبين نظراتها إليه.
بدا لها مختلفا عن أي رجل رأته من قبل و اعترفت لنفسها أنه كان رجلا وسيما جدا ، كانت وسامته لا تكمن فقط في تناسق ملامحه بل في قوتها و جاذبيتها. و رغم طيف الحزن الذي كان يغلف نظراته و قسماته إلا أن ذلك لم ينقص شيئًا من السحر الذي ينساب منه. شعرت بالضعف وهي تحدق في عينيه. كانتا سوداوين تتلألأن في وجهه العريض، كجزيرتين غامضتين تأسران كل من يقترب من شواطئهما. شعرت بإدراكها يتعطل شيئًا فشيئًا و لأول مرة في حياتها تعجز تماما عن فهم أحاسيسها.
أما هو فقد انتظرها عبثا لتبدأ بالكلام فلما طال صمتها بادرها قائلا بصوته العميق : لا داعي للعجلة أبدا يا فتاة ، لدينا الليل بأكمله كما تعلمين.
أحست بحرج شديد فأسرعت تقول مبررة : كنت فقط أحاول استيعاب الأحداث الأخيرة التي مرت بي.
علق بخشونة : إذن فلتوقيظيني حين تكونين مستعدة للكلام.
تنهدت و بدأت في سرد قصتها بقدر ما يمكنها من إيجاز. انبعث صوتها الرخيم و هي تقول :
- كان أبي تاجرا معروفا موفور الثراء و كنت أنا ابنته الوحيدة إلى أمد غير بعيد. عندما بلغت السادسة عشر أنجبت أمي ولدا ذكرا و ما لبثت قليلا حتى وافتها المنية. ساءت حالة أبي كثيرا بعد موت أمي و لم يعد بقادر على القيام برحلات تجارية كما في السابق فتوليت أمرها بنفسي بمساعدة صديقه الأقرب إليه. بعد أربع سنوات من وفاة والدتي و إثر عودتي من رحلة طويلة، وجدت أبي قد عقد قرانه على إحدى النساء. كانت امرأة قد ترملت حديثا وقررت أن تعود لتقضي بقية عمرها في مدينتنا حيث ولدت و شبت. جاءت مع ولدها الأصغر الذي كان لا يزال أعزبا. و على قدر ما كانت هي ظريفة المعشر و لطيفة الطبع على قدر ما كان ابنها ثقيل الظل كريها و لزجا. منذ أن دخل حياتنا و هو يفرض نفسه علي يريد الزواج مني. و ما زاد الأمر سوءًا أنه اتخذ لنفسه منزلا غير بعيد عنا فأصبح ضيفا شبه دائم لدينا.
صمتت قليلا لتلتقط أنفاسها ثم واصلت بلهجة خاوية:
- بعد مضي عامين على زواجه الثاني بدأ والدي يتعرض لنوبات مرضية متتالية انتهت بوفاته. في إحدى الليالي التي تلت موت أبي غفوت في الحديقة و لم أصح إلا في النصف الأخير من الليل، سرت إلى البيت بهدوء حتى لا أوقظ أحدا. حين اقتربت من نافذة المطبخ سمعت همسا ، اقتربت و أصخت السمع فميزت صوت "أسعد" ابن زوجة أبي يكلم امرأة. كان صوته واضحا لقربه من النافذة بينما كانت المرأة بجانب باب المطبخ لتراقب باقي المنزل، كان يخبرها أنني لو لم أوافق على الزواج منه قريبا فإنه سيقوم باختطاف أخي بعد أن قام بقتل أبي و سيستغل فرصة انشغالي في البحث عنه و يقوم بنهب ما يستطيع نهبه من أموالنا.
قاطعها متسائلا : و أي حق له في أن يتصرف في مال ابيك.
أجابته بحزن : كان أبي رحمه الله بناءًا على طلب زوجته جعله شريكا صغيرا له. كنت أنا شريكة أيضا و كان صديق أبي يتابع الوضع بين فترة و أخرى و لذلك فهو يستطيع بغيابي أن يستولي على الكثير.
صمتت فأمرها أن تكمل. أجابته بأسى : هذا كل شيء. مادام وغد مثله ينوي اختطاف أخي و ربما قتلي من بعده فلن أستطيع منعه خاصة و أنا أعيش في هذه المدينة التي يكثر فيها أصحاب الأنفس الوضيعة.
مهما حاولت إخفاء أخي فسوف يصل إليه. صدقني لو كان الأمر متعلقا بي لما اكترثت فلم يعد لي أي مبالاة بالحياة بعد أبي و أمي. و لكني مسؤولة عن سلامة أخي و لن يرتاح لي بال إلا حين أرحل به بعيدا.
سألها باهتمام: لماذا لم تحاولي قتله انتقاما لأبيك و اتقاءًا لشره؟؟
أجابت بعد تنهدة عميقة : أتظن أني لم أفكر في هذا الأمر، كن واثقا أني فكرت كثيرا بذلك و تأكد أني سأعود يوما ما لأنتقم منه. لكن المشكلة أني لم أعرف شريكته فلم أستطع تمييز صوتها في تلك الليلة و لم أتوصل إليها إلى هذه اللحظة.
قاطعها متسائلا : و من عساها تكون سوى والدته!؟؟
أجابت بحيرة : لا أكاد أصدق أنها هي. أشك بذلك كثيرا ، الأرجح أن تكون شريكته هي إحدى وصيفتي أمه و أخشى إن قتلته أن تقوم شريكته باستكمال خطته انتقاما مني. و لعلك لا ترى أن أقتلهن جميعا درءًا للشك.
صمت قليلا ثم سألها و قد تذكر شيئًا ما : لم تخبريني عن قصة ذلك الرجل الذي حاول إرغامك على الدخول إلى بيته.
أجابت بمرارة : عديم الشرف ذاك؟ القصة و ما فيها هي أن صديق أبي الذي أخبرتك عنه و الوحيد الذي بإمكاني الوثوق فيه سافر في رحلة طويلة لن يعود منها قبل شهر. لذلك وجدتُني بلا سند. و كنت ملزمة أن أرحل مع رجل خبير بالسفر لأني إن استطعت أن أرعى نفسي فلن أقوى على حماية أخي.فبدأت أسعى إلى رجل موثوق به.
صمتت وهي تتذكر كيف ذهبت إلي ماشطتها و ألفت قصة من نسج خيالها عن صديقة لها تريد الهروب لتقابل محبوبها في إحدى المدن البعيدة و تتزوجه فرارا من سطوة أبيها و إخوتها . طلبت من الماشطة أن تدلها على رجل ذي مروءة لا يطمع في الفتاة حين تسافر معه وحيدة. تذكرت كيف شعرت بقرب الخلاص حين بشرتها المرأة بعثورها على الرجل المنشود و كيف طلبت منها عربونا تقدمه له.
أخرجت نفسها من ذكرياتها لتكمل موضحة : عندما قابلتني هذه الليلة كنت متوجهة إلى بيت الرجل الذي دلوني عليه لأتفق معه على تفاصيل الرحيل. حين طرقت الباب خرج لي صاحب له و أخبرني أن رفيقه ذهب ليثمل بعد أن حصل على مبلغ من المال. ثم أخذ يدعوني إلى الدخول و قال لي ما معناه أنه و صاحبه واحد و يبدو أنه ظن في نفس ما ظننته أنت. عندما لم أر في طاقة بمقاومته تظاهرت بالانصياع له و حين استدار ليغلق الباب طعنته بخنجري في ذراعه و لذت بالفرار.
علق باقتضاب : خيرا فعلت.
ثم تساءل بصوت هادئ : اذن لهذا تريدين الرحيل؟
أومأت بالإيجاب فواصل موجها الحديث لنفسه أكثر مما إليها : و بما أنك ستصطحبين أخاك معك فهذا يعني شخصين إضافيين يرافقانني.
صححت له بصوت خجول: ثلاثة
كرر كلمتها باستنكار : ثلاثة!!! ماذا تعنين؟
أجابته بصوت مرتجف : أنا و أخي و مربيته
أكمل هازئا : و أصدقاؤه و جيرانه و جميع معارفكم.
انتصبت واقفة وهي تقول : أرجوك إنه لا يستطيع العيش بدون مربيته و أنا لا أعرف شيئا عن تربية الأطفال. ثم إني سوف أدفع لك أجرة كل منا على حدة. أرجوك لا ترفض و إن كنت لا تستطيع فدلني على من تثق فيه و يستطيع مساعدتي.
شبكت أصابعها في توتر و هي تنتظر إجابته. كانت تكاد تسمع وجيب قلبها و هي تراقبه مستغرقا في التفكير ثم التفت إليها أخيرا و قال لها بإيجاز : سآخذكم معي
قبل أن تطلق تنهدة ارتياح فاجأها بطلب غريب حين أمرها قائلا : و الآن أريني وجهك
تبعثرت الكلمات من عقلها للحظات ثم سألته حائرة : لماذا ؟ ما الغرض من رؤيتك لوجهي؟؟!
شرح لها بصبر : حتى أرى إن كنت مناسبة لأداء المهمة التي وعدتِ بتنفيذها مقابل مساعدتي لك.
ظلت مترددة لبعض الوقت، و رغم أنها في العادة لا تغطي سوى شعرها. لكن كشف وجهها أمام هذا الرجل الغريب و في هذا المكان الغير مألوف بدا لها صعبا بشكل لا يصدق.
تهكم منها قائلا : صدقيني سواءًا كنت قبيحة كالأبالسة أو جميلة كالحوريات فلن أقع مغشيا علي.
قالت و هي ترفع خمارها ببطء : لست بهذه ولا تلك...
عندما كشفت عن وجهها ظل يتأملها لبرهة . فاجأه جمالها و حرك فيه مشاعر ظن أنها ماتت منذ زمن. لم تكن حتما أجمل امرأة رآها في حياته لكنَّ شيئا في قسماتها كان يجعلها تبدو مألوفة، عذبة و قريبة من القلب. نفض عنه هذا الخاطر بعنف فلا مكان لأي امرأة في قلبه.
كانت ما تزال تحدق في الأرض فسألها ساخرا ليبدد حرج تلك اللحظات: عمّ تبحثين في الأسفل؟
- عفوا؟ سألته و هي ترفع عيناها إليه لأول مرة. حبس أنفاسه عندما التقت نظراتهما. كانت عيناها عالما كاملا، تخفيان الكثير و تقولان الكثير في الآن ذاته. صافيتان، صريحتان، خلابتان . عندما أسبلت الفتاة جفنيها أخيرا خجلا من تحديقه فيها شعر باستياء شديد و أحس أنه لم يكد يرتوي من رقة نظراتها. أغمض عينيه قليلا ليتمالك نفسه ثم خاطبها بصوت حاول أن يكون هادئا :
- سنخرج من هنا الآن و سأشرح لك المهمة في الطريق . إن رأيت أنك تستطيعين أداءها فليكن و إن وجدت أنها عسيرة الأداء سأبحث عن فتاة أخرى.

الخاشعه 24-08-16 05:50 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
حياك الله كاتبه جديده ومميزه
بدايه رائعه ....تخبر عن كاتبه مميزه
استمري فما تكتبينه يعتبر من الناودر لأنه الحقبه قديمه والقليل يتطرق لها وهذا ما يميزك
في انتظارك

نغم الغروب 25-08-16 09:55 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
سعيدة بردك الجميل و برأيك في ما أكتب و أتمنى أن تتابعوا تطور الأحداث و تساعدوني بأرائكم

نغم الغروب 25-08-16 09:58 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الثالث : الخطة



حين طرقت الباب الخارجي للمنزل الذي دلها عليه الغريب بدأت تستحضر كلماته في ذهنها. " سيفتح لك الباب رجل كهل، حين يسألك عما تريدين لا تجيبي مباشرة بل افعلي أي شيء حتى يدخلك البيت. و لا تنسي أن تتركي الباب مواربا خلفك"
فتح الباب و ظهر الكهل و قبل أن ينبس بكلمة اندفعت نحوه و هي تقول بدلال : بيتك بعيد جدا ، لشد ما أشعر بالعطش الآن، هل أطمع في أن تسقيني شربة ماء
حين تبدى للرجل محياها الجميل فغر فاه إعجابا. "إنه ضعيف أمام النساء الجميلات " رنت كلماته في ذهنها فواصلت قائلة : ما أقسى قلبك ، أتترك امرأة ساعية إليك عطشى أمام بابك!
أخيرا استطاع الكهل أن يتكلم فقال بصوت يرتجف إعجابا: كم أنت جميلة أيتها الشابة، ادخلي ادخلي و لكن أخفضي صوتك فامرأتي نائمة في مخدعها.
ضربت على صدرها و شهقت قائلة : أتدعوني إليك و امرأتك في البيت
ناولها كوبا من الماء ثم قال لها بصوت خافت : الحق أني لم أدعوك و لكن دعاك حظي السعيد، لا بد أنك أخطأت العنوان، من الرجل؟
أجابته وهي تدعي الحيرة : يقال له مروان الصائغ، أو لست هو؟
أجابها و هو يكاد يلتهمها بنظراته : كلا يا جميلة الجميلات لست هو، سوف أطلعك على بيته و لكن بشرط
قالت بسرعة : و شرطك مقبول يا ذا الكلام المعسول
قال و هو يفرك يديه : شرطي أن نتواعد أنا و أنت في أقرب الآجال
تظاهرت بالتفكير قليلا ثم قالت : إذا كنت مثلي مشتاقا مشتاقا ألقاك غدا و إذا كنت تطيق صبرا علي فبعد أسبوع موعدنا.
قال بلهفة : بل مشتاق مشتاق
بعد قليل خرجت من عنده و وصف لها بيت من يدعى مروان الصائغ و ابتعدت متأنية إلى وجهتها المزعومة. حين تأكدت أنه لم يعد يتبينها غيرت وجهتها إلى حيث كان الغريب ينتظرها.
بادرته قائلة : لم تخبرني باسمك حتى الآن. بم أدعوك؟
أجابها بلا مبالاة: ناديني عاصم
لاحظت أنه لم يكترث بمعرفة اسمها على الإطلاق. فقط سألها باهتمام إن كانت الخطة سارت كما رتب لها. أجابته بهدوء : واعدته الغد و أخبرته أني سأقابله في غرفة في الخان الذي تنزل فيه.
بدا على وجهه الارتياح ثم غادرا ليتوجها إلى منزلها
............................................................ ............................................................ ......
حين اقتربا من مكان سكنها، أشارت له إلى حيث يقع بيتها و التفتت إليه لتشكره , لكنه كان قد أسرع بالابتعاد. منذ أن غادرا غرفته، أصبحت تصرفاته شديدة الغرابة. من صوته الجافي إلى عدم نظره إليها البتة حتى عندما يكلمها إلى عدم اهتمامه بمعرفة اسمها، لم تستطع فهم سر فظاظته الشديدة معها. مع أنها تكاد تقسم أنها رأت الإعجاب الصريح في عينيه حينما رآها لأول مرة.
- إلى حيث ألقت، تمتمت لنفسها ، من يظن نفسه ، لولا حلكة الظروف التي أمر بها الآن لما ألقيت عليه نصف نظرة.
ما إن دخلت غرفتها حتى ألقت بجسدها على الفراش دون تغيير ملابسها. تمتمت بصوت مرهق : لشد ما أنا متعبة ، أمضيت اليل بأسره و أنا أمشي على قدميّ، جميع عظامي تئن من الألم.
لم تستطع أن تستمر في شكواها فقد انطبق جفناها و ارتخى فكاها رغما عنها و غاصت في نوم عميق بلا أحلام لم تستيقظ منه إلا حين دخل عليها أخوها و بدأ يهزها في غير رفق : لقد تأخرت في النوم اليوم ،انهضي ، هيا انهضي يا ميسون لقد وعدتني بأن تأخذيني في جولة على الفرس هذا الصباح.
فتحت عينيها بصعوبة و أمرته بين تثاؤباتها : اخرس الآن يا أسامة، دعني أغير ملابسي على الأقل
تباكى بنفاذ صبر : و لكنك ترتدين ملابسك بالفعل.
نظرت إلى نفسها و تذكرت فجأة جميع أحداث اليلة السابقة. شعرت بغيظ شديد يملأها فنظرت إلى أخيها شذرا و أمرته بانفعال : اخرج من هنا حالا، سألحق بك حين أكون جاهزة
............................................................ ............................................................ .......
بعد أن عادت من نزهتها مع أخيها، تركته في رعاية إحدى الوصيفات و أرسلت إلى مربيته تستدعيها إلى غرفتها. بعد وقت يسير دخلت عليها هذه الأخيرة و وجهها الطيب يحمل ابتسامتها الوادعة التي ألفتها منذ وعت وجودها في هذه الدنيا فقد كانت مربيتها قبل أن تكون مربية أخيها. رغم الابتسامة كان هناك قلق يلوح في عيني السيدة المسنة. سألتها بلهجة حانية : خيرا يا بنيتي؟
"بنيتي" ، أعادتها الكلمة إلى زمن بعيد بعيد، زمن جميل لم تكن فيه تحمل أي هم على كاهلها الصغير. و تمنت أن تعود طفلة، و لو للحظة و ترمي نفسها بين ذراعي مربيتها فتربت على ظهرها بيديها الدافئتين و تطيب خاطرها بألفاظها الرقيقة. ولكن هيهات فهي لم تعد طفلة.
- خيرا إنا شاء الله ، أجابت بابتسامة ضعيفة
سكتت قليلا ثم أخبرتها بكل ما حصل منذ تلك الليلة التي عرفت فيها الحقيقة
ظلت المربية صامتة ، خافضة عينيها، كانت قسماتها جامدة إلا من اختلاجة صغيرة في طرف شفتيها.
لما طال صمتها مدّت ميسون يديها إليها لتحضن كفيها قائلة بهدوء :
- أنت تعرفين كم أحبك و كم أحترمك و أنت فعلا أمي بعد أمي و لكني لن أرغمك على فعل شيء إلا ما ترتضينه وترينه مناسبا. كل ما أريده منك الآن هو أن يبقى ما قلتله لك سرا بيننا.
نظرت إليها كأنها تلومها على كلماتها الأخيرة ثم قالت متنهدة : إذا فقد عقدت العزم على الرحيل؟
أجابتها بتصميم : و لن يثنيني إلا ظرف لا أطيقه
قامت المرأة و قالت بلهجتها المعتادة : إذا لم الانتظار؟ فلنبدأ بتجهيز ما قد نحتاجه في سفرنا
قفزت ميسون و هي تصفق بفرحة : هل سترافقيننا حقا؟
أجابتها بعتاب : ربما أكون أمك بعد أمك و لكنك و أخيك ابناي اللذان لا أبناء لي سواهما.
دون أن تفكر رمت ميسون نفسها في حضن مربيتها و عادت طفلة في تلك اللحظة. مررت السيدة يدها على شعرها الناعم في حنان ثم أبعدتها فجأة و هي تسألها باهتمام: و الرجل الذي سنرحل معه، أهو من أهل الشرف و المروءة فأنت يا بنيتي شابة و جميلة و أخشى أن يطمع فيك.
أجابتها بابتسامة ساخرة : اطمئني إنه رجل أمين، و لتعلمي أنه لا يكاد يطيقني
اتسعت عينا السيدة و قالت باستنكار : ما هذا الهراء يا ابنتي الحبيبة ، لا يوجد رجل لا يطيقك
حاولت ميسون أن تعترض و لكنها أسكتتها بإشارة من يدها : و إن كان يدعي ذلك فهو يكذب
…………………………………………………………………………………………………………………………..
ما إن حل وقت العصر حتى كانتا قد أتمتا التجهيز بكل سرية لرحلتهما المرتقبة. كان ابن زوجة أبيها قد تغذى معهم و حاولت ميسون قدر الإمكان أن تتصرف معه بطريقة طبيعية حتى لا تثير لديه أية شكوك. بل أرغمت نفسها على أن تبتسم لدعاباته السمجة.
عند الغروب تظاهرت أنها متوعكة و انسحبت إلى غرفتها. هنالك ارتدت عباءتها الواسعة فوق ثوبها ثم خرجت من الباب الخلفي. كانت مربيتها قد دعت الجميع إلى الحديقة ليتناولوا الحلويات التي أعدتها لهم خصيصا لتوفر لها فرصة الخروج سرا.
اتجهت إلى الخان الذي ينزل فيه ذلك المدعو عاصم و اتخذت لها ركنا غارقا في الظلام لتنتظر مجيئ الرجل الكهل. أثناء ترقبها له، استرجعت حوارهما بشأن هذا الأخير. كانت قد التفتت له أثناء إيصاله لها إلى منزلها متسائلة : ماذا تنوي فعله بالرجل بعد أن أستدرجه إلى غرفتك؟
قال دون أن يلتفت إليها : هذا ليس من شأنك
أصرت قائلة بحدة : لا أريد أن أساعدك على قتله، أخبرني على الأقل أنك لن تقتله
أكمل سيره قائلا بجفاء : اسمعي يا فتاة عليك أن تكتفي دائما بما أخبرك إياه، سترافقينني في السفر و كونك امرأة فهذا أمر لا يساعد أما كونك كثيرة الفضول فهذا سيحيل الحياة جحيما.
تذكرت كيف قالت له و هي تزفر بغيظ : كم أتمنى لو رفضت أن أساعدك، لا أدري كيف سولت لي نفسي أن أقوم بمثل هذا الأمر.
نفضت عنها أفكارها و أسرعت تقابل الكهل الذي لمحته قادما يتهادى من بعيد. حين وصلت إليه قالت بصوت معسول : لقد تأخرت علي. هلا تبعتني
قال بلهفة و هو يلحقها : لم أنم البارحة و أنا أتخيل لحظة وصالك أيتها الحبيبة.
اشمأزت نفسها منه، و رغم أنه لم يلمسها لمسة واحدة إلا أنها شعرت انتقص شيئا من حيائها و لطخ شرفها. لعنت عاصم في سرها و تمنت لو أنها رفضت هذا الدور.
أخرجت المفتاح الذي ناولها إياه عاصم ثم تباطأت في فتح الباب كما أمرها. خطت إلى الغرفة التي بدت خالية و ولج الرجل وراءها ، حين استدار ليغلق الباب فوجئ بضربة من عاصم بجانب يده على عنقه.
تهاوى الرجل ككيس خاو و شهقت هي فزعا و انحنت على جسمه لتجس نبضه، تنفست الصعداء حين وجدته ما يزال حيا و ما لبثت حتى شعرت بذراع عاصم تدفعها بغلظة عن الجسم الغائب عن الوعي و يبدأ في تفتيشه بدقة. رأته يبتسم في ظفر و هو يخرج مفتاحا من قميص الرجل و يتمتم لنفسه : و أخيرا
لم تستطع أن تتمالك نفسها و اندفعت تقول له باحتقار :
- إذا أنت لص، مجرد لص، لقد عرفت حقيقتك منذ أن رأيتك أول مرة و لكنك خدعتني بمروءتك الزائفة و الآن استعملتني و استغليت ظروفي لأساعدك في سرقة هذا الرجل المسكين. وطبعا لن تأخذني معك إلى أي مكان بل ربما تنوي أن تفقدني وعيي مثلما فعلت معه.
كانت ترتجف انفعالا و هي تتكلم بينما كان هو ينظر إليها و كأنه لا يسمعها. حين أحس أنها اكتفت قال كأنه يتسلى بغضبها :
- لحسن حظك أني منتش بالسعادة الآن لذلك لن ألقي بالا إلى اتهاماتك. إن كنت مازلت ترغبين في الرحيل معي فلتذهبي و تحضري أخاك و مربيته و تنتظريني هنا. إن لم تحضري خلال نصف الساعة فسأكون قد رحلت.
حين ظلت في مكانها و هي تحدق فيه بجمود، صاح فيها بنفاذ صبر: هل تريدين أن أرشدك إلى الباب ؟
وجهت إليه نظرة قاتلة ثم رفعت رأسها و خرجت بشموخ. خرج خلفها تماما و سار بخطى سريعة و لم يحاول حتى الالتفات إليها.
تمتمت و هي تصر على أسنانها : اللص ، الحقير ، السافل، أكرهه أكرهه.

نغم الغروب 26-08-16 03:41 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الرابع : الرحيل




حين وصلت إلى منزلها كان المكان غارقا في السكون. دخلت من الباب الخلفي بخطى متسللة إلى أن وصلت غرفتها. فتحت الباب فوجدت مربيتها بانتظارها و هي تضع رأس الطفل النائم على حجرها.
سألتها بنظراتها فأجابتها مطمئنة : لقد أعطى الدواء الذي ناولك إياه الرجل مفعوله بسرعة.
سألتها بقلق : هل أنت متأكدة أنهم نائمون فقط ؟؟
- اطمئني لن يحصل لهم أي مكروه
نظرت إليها بحزن و قالت بصوت مرتجف : إذا فقط حان موعد الرحيل، فلنبدأ بإخراج جميع متاعنا ثم سأجلب فرسي كي نحمّل عليها.
بدأت المرأة في إخراج أشيائهما و ما إن وجدت ميسون نفسها وحدها حتى سمحت لعبراتها بالتدفق على خديها، أخذت تلمس الحائط والأثاث و الستائر و دموعها تزداد غزارة.
لسبب ما كانت تشعر يقينا أنها لن تعود لتعيش في هذا البيت بعد اليوم. و تمنت لو تستطيع إخفاءه و حمله معها إلى كل مكان تذهب إليه. فهذا البيت ليس مجرد حيطان و غرف و أثاث. بل كان كل ركن من أركانه يحمل ذكريات و ذكريات , ذكريات ملكها و تخصها , سعيدة كانت أو حزينة و لن تستطيع أبدا استرجاعها كما تفعل في هذا البيت، نعم هذا البيت الذي لو تكلمت جدرانه لحكت قصة حياتها بجميع تفاصيلها و لرددت رنين ضحكاتها و لو نطقت زواياه لكشفت صوت آهاتها و دموعها التي خبأتها عن الجميع. هذا البيت الذي كانت فيه أولى خطواتها و أولى كلماتها و فيه كانت تحس إحساسا مطلقا بالأمان.
لكن الآن ضاع الأمان و ضاع معه الاطمئنان و وجب عليها الرحيل.
" ترى هل سأشعر يوما بالانتماء اللذي أشعر به هنا أم سأظل بقية عمري طريدة ذكرياتي" تساءلت و هي تشعر بالأسف لحالها. تقلب أخوها في نومه فنظرت إلى وجهه بحنان ثم بدأت توقظه في رفق. فتح عينيه و نظر إليها بحيرة فقالت له بلطف : هيا قم الآن فسآخذك في جولة على ظهر فرسي.
قال متكاسلا : جولة في هذا الوقت ، الظلام دامس و لن أستطيع رؤية شيء.
طمأنته قائلة : لا تقلق ، أنت ستركب بينما أنا أسير و أمسك بلجام الفرس. هيا انهض و كفاك كسلا.
بعد وقت قصير كانت هي و مربيتها تجدان السير و قد حملتا ما تستطيعان حمله واضعتان الباقي مع الطفل على ظهر الفرس. لم تشأ ميسون الالتفات إلى الوراء و لو للحظة، أحست أنها إن التفتت فستعدل عن الرحيل ، فالهروب هكذا هو ضعف و جبن وهي لم تكن أبدا جبانة و لكن للضرورة أحكام أقوى من الجميع.
نظرت إلى وجه أخيها المبتسم الخالي من جميع هموم الدنيا و واصلت السير.
……………………………………………………………………………………………………………………….
كان عاصم قد وصل إلى بيت الرجل، دخل مسرعا و ملهوفا. ما إن فتح الباب و ولج إلي الداخل حتى هبت فتاة في مقتبل العمر كانت جالسة في منتصف الغرفة إلى لقائه.تطلعت إليه بعينيها الخائفتين الحزينتين للحظات ثم قالت له بصوت مرتجف مختنق بالعبرات : لقد تأخرت، تأخرت كثير، مضى وقت طويل منذ أن غادر، وقت طويل حتى كدت أيأس من الخلاص.
ارتجف جسدها تحت طوفان من الدموع فأخذ يربت على ظهرها بحنان و هو يردد بصوت هادئ : لا بأس عليك بعد اليوم،أنت بخير الآن ، أنت بخير.
نظرت إليه بحزن و سألته بصوت مليء بالعتاب : لماذا تأخرت؟؟
أجابها بلطف : أنت تعرفين الرجل العجوز، عندما يسير يتمايل كالنساء
ابتسمت له من خلال دموعها و قالت : لقد قمت بكل شيء أمرتني به، خدرت زوجته حتى لا تفتقده و جهزت حاجياتنا.
سألها ملهوفا : و الطفلة، أهي في غرفتها؟
ما إن أجابت بالإيجاب حتى اتجه إليها يسابقه قلبه. و أخيرا سيملأ عينيه من ملامحها ، أخيرا سيستطيع ضمها إلى صدره و احتضانها ، سيحملها عاليا بين ذراعيه، أخيرا سيستطيع أن يناديها ابنتي، طفلتي ، أميرتي الصغيرة. دخل الغرفة بهدوء حتى لا يفزعها ، كانت نائمة بعمق و وجهها الجميل يحمل وداعة و براءة لم ير مثلهما في حياته. فكر أنه لو قضى عمرا كاملا و هو يتأملها فلن يمل. أخرج نفسه عنوة من فورة مشاعره و حمل الطفلة برفق، تأكد من أنها متدثرة و دافئة ثم حمل المتاع على كتفه و خرج إلى الطريق حيث كانت تنتظره الفتاة.
عندما وصل إلى النزل تذكر الشابة الثانية و استرجع آخر كلماتها حين ظنته لصا. فكر بقلق هل تراها ستعدل عن الذهاب معه. ماذا يفعل إن لم يجدها في انتظاره، هل يرحل و ينسى أمرها أم يذهب إلى بيتها ليتأكد. كان قد وصل إلى باب غرفته فتردد قليلا ثم فتحه، شعر براحة كبيرة عندما قابلت نظراته وجهها الجميل. هبت واقفة ما إن دخل الغرفة و قلت بصوت هادئ لا يكاد يخفي توترها :
- لقد تأخرت كثيرا
لم يستطع أن يمنع نفسه من الابتسام لتكرر نفس الموقف و لكن مع اختلاف المرأة. " يا للنساء مختلفات و لكن كلهن واحدة" تعجب في سره.
قالت ممتعضة : حقا ,لا أرى ما يدعو للابتسام
نظر إليها متفحصا فلم تفته آثار الدموع في عينيها الواسعتين أو على محياها الحزين. شعر برغبة كبيرة في ضمها بين ذراعيه و محو جميع آلامها و لكنه سرعان ما تراجع و أنب نفسه قائلا " عليك أن تبقيها بعيدا عنك أو لا تلومن إلا نفسك"
قال لها بصوت محايد : قبل أن نغادر يجب أن تعلمي أني لا أسافر وحدي ، أنا أصطحب معي ابنتي و مربيتها.
حدقت فيه بدهشة بينما واصل مفسرا : كانت ابنتي محتجزة عند هذا الرجل ، و أشار إلى الجسم المغشي عليه، و الليلة بعد عامين ونيف من الفراق استرجعتها. ربما يوما ما ستعرفين أكثر لكن الآن حان وقت رحيلنا.
كانت ما تزال تحت وقع المفاجأة الأولى حين صدمت بمفاجأة ثانية . عندما دخلت العربة لتقبل أخيها و تطمئنه ، فوجئت برؤية الفتاة الشابة جالسة بجانب الطفلة النائمة. عندما أخبرها عن مربية لابنته ظنت أنها أي شيء إلا أن تكون فتاة بهذا الجمال. كانت فاتنة تماما. أحست بانقباض في قلبها و هي تتأملها و لكنها سرعان ما تجاهلته و هي تحيي الفتاة بصوت خافت.
ثم خرجت لتمتطي فرسها ، نظر إليها عاصم متسائلا فقالت له بهدوء : المكان لن يسعنا جميعا في الداخل، لذلك من الأفضل أن أسافر راكبة
- هل أنت فارسة متمرسة
أومأت برأسها فأشار لها بيده للتحرك بينما همز بطن جواده بكعبيه و انطلق. و هكذا بدأت رحلتها المجهولة. إلى أين ؟ لا تدري ، كم ستدوم ؟ لا تعرف ، كيف ستكون؟ لا علم لها. واست نفسها بأنها على الأقل تثق بهذا الرجل. ابتسمت بمرارة و هي تتذكر خوف مربيتها عليها منه، ترى ما شعورها الآن و هي تراه يصطحب معه الفتاة الأخرى التي تفوقها جمالا؟

الخاشعه 26-08-16 06:02 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
فصلين رائعين ....عرفنا فيها قصة ميسون وسبب هروبها
مع اني كنت اشك في الجزء الاول ان مربيه اخوها هي المعاونه لأسعد....بس بما انها كانت معها في طفولتها اصبح الامر غير وارد الشك فيها
من الفتاة الجميله التي مع عاصم وبنته احتمال اخت زوجته لأنه ما سلم عليها وهذا يدل انها من غير محارمه
مشاعر غريبه بين ميسون وعاصم واكيد السفر مع بعض راح يظهر المخفي
في انتظارك💑

نغم الغروب 26-08-16 04:08 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
شكرا لك عزيزتي على اهتمامك الجميل و كما قلت فإن هذه الرحلة ستكشف كل ما كان خافيا
دمت بخير

نغم الغروب 27-08-16 05:27 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الخامس لماذا الجفاء؟




ظلوا يرتحلون طوال اليل و جزءًا كبيرا من الصباح حتى وصلا إلى أول مدينة تقابلهما. ما إن دخلت ميسون غرفتها في الخان الذي اختاره عاصم ، حتى غطت في نوم عميق و لم تستيقظ إلا حين أتتها مربيتها بالطعام. و أثناء الأكل أخذت تحدثها بما فعلوه أثناء نومها.
قالت في معرض حديثها : لو تعلمين يا ابنتي ما عانته تلك الفتاة التي تدعى "عزة" لبدا لك ما أنت فيه هينا.
قالت ضاحكة : ما أسرعك يا خالتي في اكتشاف خبايا الناس. إذا فقد أخبرتك باسمها و بمكنون قلبها كذلك.
قالت المرأة بتواضع : لقد إِطْمَأنَّت إلي فحدثتني بقصتها، أتريدين أن أخبرك إياها
هزت كتفيها متظاهرة بعدم الاكتراث : إذا كانت ليست سرّا
أجابتها مربيتها بحماس : كلا ليست بسر طبعا، ثم بدأت تقص عليها بتأن شديد كعادتها دائما : حسنا اسمعي حكايتها كما روتها لي. أولا الرجل و المرأة اللذان كانت الطفلة لديهما هما جداها والدا أمها التي هي كما لا شك فهمتِ زوجة عاصم أو بالأحرى كانت كذلك لأنها قد توفاها الله. أما الفتاة عزّة فهي ابنة خالة الزوجة. توفي عنها أبواها و تركاها شبه معدمة و بدون عائل فأتت لتعيش لدى خالتها منذ حوالي سنة. كانت في السابعة عشر عندما بدأت تسكن عندهما فجعلاها مربية لحفيدتهما. ورغم أن الطفلة سرعان ما تآلفت معها و أحبتها إلا أن المسكينة كانت في غاية البؤس و التعاسة.
قالت ميسون متأسفة : لا شك أنهما كانا يعاملانها كخادمة
أجابت المربية و هي تتنهد : يا ليت الأمر كان كذلك فحسب , ما زاد في شقائها هو زوج خالتها عديم المروءة فقد كان يراودها عن نفسها ليل نهار و لولا خوفه من زوجته و خشيته من كلام الناس لما نجت منه.
صمتت ثم سرعان ما أكملت بعد أن تذكرت شيئا ما : أتعلمين لماذا باحت لي بكل هذا؟
- لماذا يا خالة؟
لأنها كانت قد أفاقت من كابوس رأته فيه وهو يخنقها خنقا بيديه و هي تستغيث و لا تغاث. لو رأيت منظرها المسكينة عندما استيقظت مفزوعة و هي تردد " العصافير العصافير" حتى خفت و ظننت أن بها مسا. ظللت أسمّي عليها و أحضنها حتى هدأت.
هزت ميسون رأسها و هي تقول بإشفاق : يا إلاهي، لذلك بدت لي نظراتها تموج بالفزع.
صمتت قليلا ثم سألت مربيتها باهتمام : خالتي "جميلة" أخبريني عن الطفلين ، كيف هما ، ألا يشعران بالحزن لمفارقة الديار.
ضحكت المرأة و هي تنفي بثقة : يشعران بالحزن ؟ أبدا يا ابنتي بل العكس تماما، لقد تآلفا تماما كأنهما عاشا معا طوال حياتهما. لكن أتعلمين ما الشيء المحزن بحق؟
تطلعت إليها ميسون متسائلة فردت بأناة : الشيء المحزن هو أن الطفلة لم تتذكر أباها إطلاقا فقد فارقها و هي بالكاد تبلغ الثالثة. المسكين لم تدعه يلمسها أو حتى يقترب منها، بل عندما استأذن و دخل علينا الغرفة ليحضر لنا الطعام سارعت الطفلة بالاختباء ورائي.
- ألفتك و لم تألف أباها
- نعم يا للمسكين
............................................................ ..................................................
بعد أن ركب الجميع العربة سارعت ميسون إلى عاصم قبل أن يعتلي صهوة جواده و مدّت إليه يدها بكيس من المال قائلة : أنا آسفة لتأخري عليك
ترك يدها معلقة في الهواء قائلا لها بصرامة : ما هذا اللذي تفعلينه؟
أعادت يدها إلى جانبها و هي تقول بارتباك : هذا أجرك الذي اتفقنا عليه في مقابل أن تأخذنا معك
قال لها بصوت قاس : اسمعي يا امرأة، أنا لا آخذ أجرا من لدن أحد. لقد أخذتكم معي مشفقا لا طامعا في ذهب أو مال
رغما عنها جالت نظراتها بملابسه البسيطة و قالت له بشك : و لكني أخشى أن ترهقك نفقاتنا فنحن ثلاثة أشخاص إضافيين و لا أريد أن أثقل عليك
للمرة الثانية منذ أن قابلها لاحظ أنها تحكم عليه من هيئته. الحق أن كلهن سواء خاويات و متكبرات.
قفز على ظهر جواده برشاقة و خاطبها من الأعلى بصوت جليدي : إن كنت لا تريدين إثقالا علي فلتشتري طعامك بنفسك
همز الجواد بكعبيه و انطلق تاركا إياها لا تحير جوابا. أسرعت بركوب فرسها للحاق به و هي تغلي غيظا.
" دائما ما تكون له الكلمة الأخيرة معي ، الفظّ ، الفجّ ، الجلف، لكم أمقته "
…………………………………………………………………………………
………………………………………
في الأيام التي تلت لم يترك لها الفرصة لتشتري أي شيء ، كان دائما يستيقظ قبلها و يشتري الأكل لهم جميعا و لكنه رغم ذلك لم يكن يكلمها إلا لماما. لم تستطع أن تفهم أبدا سرّ جفائه الشديد معها . في البداية ظنت أنه يكره النساء جميعا و لكن عندما رأت طريقة كلامه و تصرفه مع تلك الفتاة عزة ، تيقنت أنه ينفر منها هي بالذات. و لأول مرة و هي الفتاة الجميلة التي تعودت بالرجال يطلبون ودها تقابل من يكاد لا ينظر إليها.
كانت جالسة وحدها مع أفكارها تحت إحدى الأشجار عندما رأته قادما نحوها. شعرت بالاستغراب الشديد و تساءلت عن السبب وراء قدومه. رفعت عينيها إلى وجهه فقابلت نظراته الباردة إليها. وجهت له نظرة يمتزج فيها الحزن بالعتاب ثم قامت واقفة تنتظر دنوه منها و هي تنظر إلى الأرض لتتلافى عينيه القاسيتين .
توقف على بعد خطوات منها و سألها بصوته العميق : لم نتفق أين سأُنزلك؟
رفعت عينيها إليه في دهشة ثم عادت فخفضتهما بسرعة. فاجأها سؤاله للغاية فلقد ظنت بداهة أنه سيأخذها معه إلى مدينته حيث ستتخذ منها موطنا جديدا. لكن الآن فهمت أنه لم ينو أبدا هذا بل أراد تركها وراءه في إحدى المدن التي تقع في طريقه.
لا تدري لم داهمها إحساس عنيف بالهوان، شعرت و كأنها حمل غير مرغوب فيه يسعى صاحبه للتخلص منه. زمت شفتيها و ظغطت على أسنانها بقوة لتمنع عبارات أرادت التدفق و فضح ضعفها أمام هذ الرجل اللامبالي.
بذلت مجهودا كبيرا لتقول له بصوت خفيض : هلا انتظرتني قليلا ، سأحضر غرضا و أعود
أشار لها بالموافقة فانطلقت راكضة إلى العربة و قد تركت العنان لدموعها الدافئة تنسكب على خديها و تغسل ألمها.
عندما عادت إليه بعد برهة، كانت قد تمالكت نفسها تماما. كانت قد أحضرت معها لوحا و بعض الأوراق و الأقلام. سألته بأدب : هل يسمح لك وقتك بأن تصف لي الطريق حتى أرسم خريطة و أختار أنسب مكان تُنزلنا فيه.
صمت قليلا ثم جلس متكئا علي جذع الشجرة و هو يقول لها بعدم اكتراث : فليكن
جلست غير بعيد عنه و وضعت لوحها على حجرها و بسطت أوراقها عليه. بدأ يصف لها مختلف معالم الطريق و كانت توقفه أحيانا لتسأله عن بعض التفاصيل ثم تعود للرسم. عندما أكمل وصفه لها، نهض من مجلسه و نظر إليها من أعلى . كانت أناملها الرقيقة تنهي آخر لمساتها على الخريطة التي بدت مرسومة ببراعة متناهية.
قال لها بإعجاب لم يستطع إخفاءه : أنت ترسمين بحذق ، من علمك الرسم بهذه الطريقة
قالت بفخر و هي ترفع الخريطة أماها و تتأملها : إنه عمي صديق أبي. فكما أخبرتك كنا نسافر طوال الوقت إلى أماكن كثيرة لذلك كنا دائما نحتاج إلى الخرائط.
نظرت له و واصلت تقول : و لكنها ليست بعسيرة كما قد تتصور. كل ما يحتاجه المرء هو القليل من الصبر حتى يتقن الأمر.
ساد الصمت بينهما و عجزت هي عن خفض عينيها فورا ، ربما لأنها رأت شيئا آخر غير القسوة في عينيه، شيئا أبعد ما يكون عن البرود و الجفاء. خيل إليها أنها تلمح في نظراته شيئا من الدفء و رأت شفتيه تنفرجان كأنه يهم بقول شئ ما عندما تمت مقاطعتهما باقتراب الطفلين منهما.
توقفا يلهثان بعد ركضهما، و حين استعادا أنفاسهما تقدمت الطفلة سائلة و هي تحدق في الخريطة بإعجاب : ما هذه الرسمة الجميلة
أجابتها ميسون بابتسامة هادئة : ندعوها خريطة، و الغرض منها هو أن نعرف أين نحن و أين سنتجه
قربتها منها ثم أخذت تشرح لها بتمهل : الآن نحن بجانب هذا الجبل، فيما بعد سنمر بهذه المدن الصغيرة حتى نصل إلى هذه المدينة التي تقع قبل هذا النهر، سننزل نحن هناك بينما تكملون أنتم رحلتكم فتعبرون النهر حتى تصلوا إلى وجهتكم.
ظلت الطفلة صامتة ثم سألتها بحيرة : هل تعنين أنكم ستفترقون عنا؟!
عندما رأت الأسف في عيني ميسون التفتت إلى صديقها الحديث قائلة : لماذا كذبت علي يا أسامه ، لماذا قلت لي أننا سنظل معا إلى الأبد. لن نلعب معا بعد الآن.
و انفجرت بالبكاء فأجابها باكيا هو الآخر : لم أكن أعلم ، صدقيني
ثم التفت إلى أخته صارخا : لماذا لم تخبريني؟ لماذا كذبت علي كما كذبت من قبل عندما مات أبي و أخبرتني أنه سافر في رحلة. كاذبة ، كاذبة ، كاذبة و أنا أكرهك أكرهك
تركته يفرغ ما في جعبته من ألم ثم احتضنته بقوة وهي تهمس له بكلمات رقيقة. عندما هدأ أخيرا ركعت على ركبتيها و وضعت ذراعا على كتفي كل من الطفلين و قالت لهما بهدوء : عندما يقرر الكبار شيئا ما فيجب أن تنصاعا له ذلك لأن الكبير يعرف أكثر من الصغير، أتفهمان؟
قالا باحتجاج: و لكننا لا نريد أن نفترق، نود أن نبقى معا ، ما الضير في ذلك؟
أجابتهما بابتسامة حزينة : بعد كل فراق يأتي لقاء
التفتت إلى الطفلة و داعبت شعرها برفق و هي تقول : و الآن لا أريد الدموع أن تفسد جمال وجهك يا زهراء ، كفي عن البكاء الآن و سأعلمك كيف ترسمين.
راقبتهما يبتعدان بخطوات بطيئة ثم لملمت أغراضها و قامت تتبعهما.
استوقفها عاصم متسائلا : هل أنت واثقة من اختيارك تلك المدينة؟
تمتمت في سرها " كلا لست واثقة أيها الجلف لكنك لم تترك لي الخيار" . أجابته بهدوء دون أن تلتفت إليه :
- إنها تقع على مسافة معقولة ثم إنها الأكبر مساحة بين ما قبلها من مدن ، سنذوب في زحامها و حتى لو تعقبني ذلك الحقير أسعد فلن يعرف لي طريقا فيها.
غادرته دون أن تترك له الفرصة ليقول شيئا آخر. كان قد أخبرها أن المدينة التي اختارتها تقع على بعد عشر ليال سفر. و قد قررت أنها ستتجاهله تماما طوال المدة الباقية. أسرعت في سيرها و هي تكلم نفسها بصوت خافت :
- سأرد لك الصاع صاعين أيها الفظ ، سأعلمك من هي ميسون

الخاشعه 27-08-16 06:50 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
يا حبي لناس اللي تلتزم بمواعيدها.....ما شاء الله عليه
صدقيني بتشوفين تفاعل جميل من القراء بس لازم الصبر لحد ما تثبت الكاتبه نفسها وتفرض وجودها...واكثر مفقود في الكاتبات الالتزام ....شوفي الغاليه الكاتبه برد المشاعر تجعل المنتدي في حالة نشاط لانها تعيشنا في جو الرواية بدون انقطاع....وان شاء الله تكونين مثلها وافضل
الحين الغامض عاصم من يكون احس في حياته غموض وبؤس
في انتظارك😚

نغم الغروب 27-08-16 04:20 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
عزيزتي الخاشعة ردك الجميل أضحكني رغما عني:e404:، أنا لست قلقة كثيرا من قلة الردود فأنا أعلم أني ما زلت في أول الطريق ثم إن المنتدى ماشاء الله يعج بالكاتبات المميزات ، لذلك لست مستعجلة على رزقي كما يقال
يكفيني بعض التعليقات اللطيفة مثل تعليقك و سأحاول جاهدة أن لا أتأخر في نشر باقي الفصول

سباهي 28-08-16 01:50 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الرواية جميلة و رااائعة في انتظارك

نغم الغروب 28-08-16 03:28 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
بل أنت هي الرائعة عزيزتي:0041:

نغم الغروب 28-08-16 03:30 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل السادس لهيبها




ابتعدت ميسون عن طريق عاصم تماما. أصبحت تنام فترة أطول بالنهار و تقضي بقية الوقت تلاعب الطفلين و تعلمهما الرسم. لكنها رغم سخطها على عاصم لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور بالشفقة عليه و هي ترى محاولاته المستمرة و الفاشلة في كسب ود ابنته.
لذلك بدأت تسعى بكل طاقتها لتجعل الطفلة تتعلق بأبيها، خاصة و أنه لم يبدو أن أحدا غيرها سيفعل. حتى عزة كانت تبدو مستريحة لتعلق الطفلة الشديد بها و نفورها من أبيها. ربما كانت تريد استعمال الطفلة كورقة ظغط على الأب الذي لا تكاد تخفي شغفها بحبه. لذلك وجب عليها هي التدخل فالطفلة لا ينبغي أن تكون لعبة للعشاق. و الشابة الأخرى عليها أن تكتفي بسلاح جمالها حتى تجعله مدلّها في حبها.
و عندما أثمرت مجهوداتها أخيرا و رأوا الطفلة تجلس لأول مرة في حجر والدها و هي تريه رسوماتها ، التفتت إليها مربيتها قائلة : على عاصم أن يشكرك فأنت لم تدخري جهدا لتجعلي ابنته تألفه من جديد.
ردت ميسون و هي منكبة على الخريطة تدرسها : لا أريد منه شكرا فلم أفعل هذا لأجله بل لأجل الزهراء.
أما عن عزة فقد شعرت بارتياح عظيم عندما علمت أن رفقاء سفرهم لي يكملوا معهم كل الطريق. كانت بغريزة الأنثى قد عرفت أن ما بين عاصم و ميسون ليس سوى رماد يغطي لهيبا ساخنا. و أن الامر لن يحتاج أكثر من ريح خفيفة حتى تبدو حقيقة ما يشعران به لجميع من حولهما و لهما هما بالطبع.
كانت قد ازدادت ارتياحا عندما لاحظت مجافاة ميسون لعاصم، لم تهتم كثيرا بمعرفة السبب ما دامت النتيجة كانت في صالحها تماما و الأمور تجري كما تمنت منذ ذلك اليوم الذي رأته فيه. أغمضت عينيها و استرجعت تفاصيل ذلك اللقاء في ذهنها.
كان الوقت أصيلا و كانت عائدة من عند بائع الأقمشة بعد أن أخذت منه بعض العينات لتريها لخالتها. كانت قد اختارت السير في طريق شبه خال بعد أن ضايقتها نظرات المارة بسبب ثيابها البالية التي لا تتناسب مع جمالها الملفت.
كانت تتفكر في حياتها و حالها حين سمعت صوتا عميقا واثقا يناديها باسمها. عندما التفتت إليه أسرها سحر رجولته على الفور و احتارت كيف تتصرف و أخيرا أسدلت جفنيها و قالت بصوت خجول : هل تعرفني أيها السيد اعذرني فأنا لم أعرفك مع أنك تبدو مألوفا
أجابها ووهو يبتسم بلطف : أنت لا تتذكرينني حتما و أما عني فإن آخر مرة رأيتك فيها كنت ما تزالين طفلة
حين أخبرها أنه والد الزهراء تذكرته بغموض ذاكرة الأطفال : رجلا طويلا ، أسمر، شعره الفاحم يبدو ناشزا وسط الشقرة السائدة. أما هذه المرة فهي تتأمله بعيني صبية كاملة الأنوثة و لشد ما أعجبها. تذكرت كيف شعرت أنه الحل لجميع مشاكلها و أنه أتى استجابة لدعائها . لذلك عندما عرض عليها أن تساعده على استرجاع ابنته و عرض عليها أن يأخذها معه لتقيم مع عمته الأرملة و بنتيها، وافقت فورا. و منّت نفسها أنه سيكتشف أثناء سفرهما معا أنه لن يجد أفضل منها زوجة له و أما لابنته.
و سار كل شيء تماما كما خططت له حتى اللحظة التي أطلت فيها ميسون عليها في العربة. كانت ملامحها من أرق الملامح التي وقعت عليها عيناها و شعرت فورا أن هذه الفتاة هي غريمتها في هذا الرجل.
عندما أحيطت علما بسبب مرافقة ميسون لهم في سفرهم ، تأكدت أن هذه الأخيرة لم تكن لتفعل شيئا لتستميل عاصم إليها. لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها لم تكن لتحتاج لتقوم بأي شيء فعاصم كان يميل إليها بالفعل. لم تكن متأكدة من درجة عمق مشاعره ، لكن لم يخف عليها نظرة الاهتمام في عينيه كلما رأى ميسون أو حتى سمع اسمها. لم يخف عليها بحثه عنها في الأنحاء حين تغيب طويلا عن ناظريه.
أما أكثر شيء كشف لها عن ولعه بميسون كان نظراته إليها حين كانت جالسة بجانبه ترسم ما يدعونه بالخريطة. تذكرت عزة كيف جلست وحدها في العربة تراقبهما بانتباه. كانت ميسون مستغرقة كلية في ما تفعله، لذلك لم تلاحظ نظرات عاصم إليها. كان هذا الأخير يتأملها كما لو كان يراها لأول مرة أو كما لو كان سيراها لآخر مرة. لم ينزل نظره من على وجهها و لو للحظة. أحست حينها أن كل آمالها ذهبت أدراج الرياح لذلك كم كان شديدا ارتياحها عند سماعها أنهم سينفصلون عنهم في الطريق.
" كم بودّي لو تنتهي اليلتان الباقيتان في غمضة عين، حينها لن يجد عاصم أمامه غيري"، أرسلت ناظريها تبحث عنه حتى إذا وقعت عيناها عليه أخذت تتأمله بشغف.
أما عاصم فقد كان يحس إحساس عميقا بالضيق و التبرّم و لولا وجود ابنته حواليه لأضحت الحياة لا تطاق. كان متضايقا منذ بداية الرحلة و لكن ضيقه بلغ منتهاه بعد أن قررت ميسون النزول في تلك المدينة. اعترف لنفسه أن القرار لم يكن قرارها بل كان بإيعاز منه و لام نفسه عشرات المرات على حديثه معها في ذلك اليوم. لم يدر أي شيء اعتراه حتى اقترح عليها ذلك الأمر. و الآن وجد نفسه في غاية الندم و الغم. كثرت هواجسه و هو يفكر فيها ، كيف سيتحمل أن يتركها وحدها في تلك المدينة الغريبة التي لا تعرف فيها أحدا. كيف يتركها بلا حماية و بلا سند سوى طفل صغير و امرأة كبيرة في السن. كان يحاول إقناع نفسه بأن هذا ما كانت تنتويه هي منذ البداية ، ألم تكن تنوي السفر مع رجل غيره و الاستقرار في مدينة مجهولة؟
- و لكن أين المروءة يا رجل ؟ زفر مكلما نفسه بغيظ.
كان قد بحث عن ألف طريقة يقنعها بها بالعدول عن قرارها، لكنه كان سيبدو أحمقا في جميع الحالات خاصة مع مقاطعتها التامة له. فمنذ ذلك اليوم لاحظ أنها عزفت عن الكلام معه. حتى عندما كانت تحتاج شيئا منه كانت تطلبه عن طريق مربيتها. حتى في الليل و بعد أن كانت تبادله بعض الكلمات فقد أضحت تغرق في صمت تام. و في المرات القليلة التي خاطبها فيها تظاهرت بعدم سماعه.
كان تصرفها معه بعيدا عن الأدب لكنه لم يستطع لومها. اعترف لنفسه بأنه كان شديد القسوة معها بدون سبب واضح ، إلا ما كان يعتمل في نفسه من مشاعر أوقدتها ذكريات الماضي الأليمة. قيّم الفتاة و بنى أحكامه عليها مستندا على أهوائه لا على عقله. ربما كانت الشابة متعالية قليلا ، تترفع عن الحديث مع الغرباء ذوي الهيئة الرثة. لكن كل هذا لا يجعلها متكبّرة و خاوية العقل كما تخيلها. كانت فقط فتاة حذرة، حريصة على الاهتمام بكل التفاصيل. حتى أنها منعت أخاها منعا باتا من الخروج من غرفته في كل خان ينزلون فيه. كما كانت قليلة الكلام حتى مع مربيتها و أخيها. ولم يفته محاولاتها الحثيثة المستمرة لتقريب ابنته منه مما دله أنها تخفي الكثير تحت قناع التعالي و البرود الذي ترتديه.
غير أن أشد ما أثار استغرابه هو عدم شكواها. فعلى عكس عزة التي كثر تبرمها في الأيام الأخيرة و هذا من حقها فإن ميسون منعها إباؤها من لفظ كلمة شكوى واحدة رغم وضوح علامات التعب على وجهها الرقيق.
يا لهذه الفتاة ميسون و يا لغرابة تصاريف القدر الذي وضعها في طريقه هو بالذات! و تمنى أن يحصل أي شيء في الليلتين الباقيتين يجعلها تعدل عن قرارها.
"لماذا؟ ، انبعث الصوت بداخله ، لماذا لا تريد لها المغادرة ؟ أهي فقط مروءة منك أم أنك أصبحت لا تطيق فراقها؟ "
أخرس الصوت بداخله قائلا بصوت خافت : إنها مجرد امرأة غريبة، غريبة عني و أكمل قائلا بإصرار : و سوف تظل كذلك. كل ما في الأمر أني مسؤول عن سلامتها لأنها تسافر معي
قام من مجلسه و توجه إليهم ليخبرهم بأنه قد حان وقت الرحيل. قبل أن يغادروا ليبدؤوا الاستعداد استوقفهم بصوت فيه نبرة اعتذار : هناك أمر نسيت أن أعلمكم به
رفع الجميع أعينهم إليه متسائلين ،ما عدا ميسون التي تشاغلت بالعبث بشعر الطفلين بينما واصل هو قائلا : في المدينة المقبلة التي سنصل إليها ينتظرني ثلاثة من أصحابي ليرافقونا بقية الطريق.
عندما غادرهم رفعت ميسون عينيها و تأملت ظهره العريض بحزن عميق. في تلك اللحظة قالت عزة شيئا ما جعلته يلتفت ليجيبها. قابلت عيناه عيناها و لم تقو على الإشاحة بنظرها بعيدا. كان يقول شيئا ما لم تسمعه و لم تعيه بل بدا أن حواسها كلها تعطلت إلا بصرها المتعلق به. شعرت و كأنها تود أن تملأ عينيها و ذاكرتها و وجدانها من ملامحه قبل أن يطويها النسيان. أما هو فقد بادل نظراتها بنظرات عميقة حارت في فهم معناها. و لم تستطع تحويل عينيها عنه إلا حين بدأ أخوها يشد ثوبها بعنف حتى توليه اهتمامها.
ما إن التفتت إليه لتنهره حتى أولاهم عاصم ظهره و أسرع مغادرا. تأملته بوله و هو يكاد يهز الأرض بخطواته القوية. تنهدت بعمق و اعترفت لنفسها أنه لو طُلب منها تفصيل رجل على مقاس أحلامها لما اختارت أفضل من عاصم. كان كل ما فيه يخلب لبها. من نظرات عينيه القويتين العميقتين ، إلى قسماته النابضة بالرجولة ، إلى كتفيه العريضتين ، إلى جسده المفتول العضلات ، إلى طوله الفارع في غير شطط ، إلى شعره الفاحم الكثيف الذي طالما تمنت أن تمرر أصابعها من خلاله. تنهدت مرة أخرى و هي تعترف لنفسها أنها وقعت تماما في غرام هذا الرجل. لم يكن هيامها سببه الوحيد هو جاذبيته الجسدية الجارفة فقد قابلت من قبل من يضاهيه وسامة. لكن أكثر ما جعلها تعشقه هو رجولته، مروءته و كرمه الذي لم تر مثله إلا في قلة من الرجال. تذكرت و هي تشاهده يربت على ظهر جواده كيف أرسلت مربيتها بمبلغ من المال ليشتري لها سرجا جديدا، و كيف أنه أحضر لها ما تبغي دون أن يلمس شيئا من المبلغ. تذكرت أيضا كيف كان دائما يكتفي بالبسيط من الطعام و يشتري لهم كل ما قد تشتهيه أنفسهم. لكن أكثر ما أثر فيها هو عدم تفرقته في المعاملة بين ابنته و أخيها رغم أنه غريب عنه. كان يشتري له نفس ما يشتري لها سواءًا كانت ألعابا أو حلوى. بل كان أحيانا يفضله عليها. و كان الفتى قد تعلق به كثيرا حتى فكرت في نفسها قائلة : " لو تزوجت رجلا مثله لما أحس أخي مرارة اليتم". لكنها سرعان ما أزاحت هذه الفكرة بعيدا فأولا لا يوجد رجل مثله و ثانيا هي و هو لايكادان يتكلمان فكيف يتزوجان و ثالثا لن يلبثا حتى يفترقا إلى الأبد.
خفق قلبها بعنف عند هذا الخاطر، تنفست بعمق و لكن الخفقان ازداد سرعة . أظلمت الدنيا في عينيها فأغمضتهما و وضعت يدها على موضع قلبها كأنما لتمنعه من أن يثب من مكانه. و ما لبثت حتى وقعت مغشيا عليها بين ذراعي مربيتها.

الخاشعه 29-08-16 03:20 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
لله درك.....لهيب جدا هالبارت
بس ماتوقعت ميسون تنهار ...لكن اتوقع التعب الجسماني والنفسي والفكري وصل منتهاه
عزه أبدا ما أرتحت لها....غير ان عاصم في قلبه قصة خيانه معميه عن قلبه هوى النساء الا ميسون
شكرا نغم💔

نغم الغروب 29-08-16 06:15 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
شكرا على تشجيعك المستمر عزيزتي الخاشعة
و على فكرة ستكرهين عزه أكثر في الفصلين القادمين
دمت بخير
:rdd12zp1:

نغم الغروب 29-08-16 06:17 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل السابع هل تخضع يا قلب ؟



لم تعرف ميسون كم لبثت في الظلام حين استيقظت على صوت بكاء مربيتها و الطفلين. ظلت برهة غير قادرة على الحراك و لكنها كانت تسمع ما يدور بوضوح. كانت مربيتها تقول بصوت باك : بنيتي الحبيبة كدت تهلكين من التعب و لم تنبسي بكلمة شكوى واحدة و أخيرا خانك جسدك. هيا استيقظي يا ابنتي و لا تحيرينا معك.
سمعت أخاها يقول بين شهقاته : قولي لها أن لا تموت هي الأخرى وتتركني وحيدا
استجمعت ما تبقى من قواها و همست باسمه فأسرع يعانقها و يمطرها تقبيلا وهو يقول بسعادة : أنت مازلت حية، مازلت حية
قالت و هي تبتسم بصعوبة : ذكي كعهدي بك
رأت وجه مربيتها ينحني عليها و هي تحمد الله على سلامتها ثم سألتها إن كانت تحتاج شيئا ما.
- فقط شربة ماء ، أجابتها بوهن
بعدما شربت ظلت مربيتها تمسح بيدها الدافئة على جبينها البارد ثم استأذنت منها قائلة : بنيتي سأذهب الآن لأطمئن عاصم وعزة فهما في غاية الانشغال عليك. هل تحتاجين شيئا آخر؟؟
هزت رأسها نافية فانطلقت المرأة لتبلغ الآخرين باستيقاظها.
بعد قليل سمعت لغطا بجانب العربة تم ما لبثت أن دخلت عزة عليها. لاحظت الانزعاج الصادق على وجهها فكرت في سرها " إنها تغار مني بلا شك ، لكنها على الأقل لا تتمنى لي الموت."
سألتها الفتاة عن حالها فطمأنتها و هي تبتسم لها ابتسامة رقيقة. سألتها إن كانت تحتاج إلى شيء فلما نفت خرجت و خرج الطفلان معها.
بعد لحظات دخل عليها عاصم. لاحظت رغم جلوسه أن جسده القوي ملأ العربة. لم تجرؤ على النظر في عينيه ، خشيت ألا تجد ما تتوقعه من قلق عليها و تصدم بالجفاء ، بالقسوة أو ربما الغضب ، فهو رجل لا يمكنها توقع ردة فعله.
ساد صمت شبه ملموس بينهما قطعه أخيرا و هو يقول بصوت أجش لا يكاد يخفي انفعاله : كيف أنت الآن؟
أجابته بتهذيب : أفضل و الحمد لله
عاد الصمت ليخيم عليهما قبل أن يقول لها بخفوت : ألن تنظري إلي؟؟
مال نحوها قليلا ثم أضاف بصوت دافئ : هل أنت غاضبة مني ؟؟
رفعت عينيها إليه ببطء فقابلت نظراته الملتهبة ، ابتلعت ريقها بصعوبة و أجابته بصوت هامس : لست بغاضبة منك
سألها بحنان و هو لا يكف عن التحديق فيها : هل أنت واثقة
ابتسمت بخجل و هي تجيبه بصوت مرتجف : ربما قليلا
مال نحوها أكثر و هو يسألها بلهفة : أخبريني كيف أراضيك؟
طغى عليها الحياء فأخفضت عينيها و لم تنبس ببنت شفة. شعرت بعينيه تكادان تلتهمان وجهها فكست حمرة الخجل خديها و شعرت بالدفء يجتاح قلبها و جسدها. و تواصل الكلام الصامت بينهما لم يقطعه إلا دخول الطفلين عليهما.
ما إن ترجل عاصم من العربة حتى أطل عليها قائلا بصوت حاول أن يكون حازما : ستسافرين من هنا فصاعدا في العربة مع البقية. ستنامين الليلة مع المرأتين و سينام الطفلان معي خارجا.
فتحت شفتيها لتعترض لكنه قاطعها بحزم : و لا أريد أي اعتراض منك
قالت باستسلام : كما تشاء إذن
............................................................ ..........................................................
كانت عزة تعيش أسوأ لحظاتها. فقد تيقنت تماما أن عاصم يذوب عشقا في ميسون.
- كلها مسألة وقت ، تمتمت محدثة نفسها
عندما أغمي على ميسون و سمع صرخة المربية، نسي عاصم كل شيء عن رصانته و جاء راكضا و على وجهه علامات القلق البالغ. عندما رأى مسون بين يدي مربيتها كانت تبدو أقرب للموت منها للحياة ، بدت بشرتها بيضاء تماما كأنما خلت من الدماء.
انحنى قربها و رفع معصمها ليجس نبضها ، كان ضعيفا حتى أنه بالكاد استشعره . وضع يده على جبينها و خديها فوجدهما باردين تماما. شعر بالفزع يملأ قلبه و امتقع وجهه، لكنه تمالك نفسه خاصة أنه الرجل الوحيد بينهم.
كان قد رأى رجالا يصابون بهذه الحالة بعد إجهاد كبير في التدريبات أو حين يصاب أحدهم و ينزف كثيرا. رأى البعض يلقى مصرعه، أغمض عينيه ليطرد الفكرة ثم أمرهم أن يحظروا وسادتين و قام برفع قدميها ليضعهما أعلى من مستوى رأسها. التفت إلى مربيتها ليسألها عم إذا كانت أكلت جيدا فلما أجابت بالنفي أمر عزة أن تحضر القليل من الماء المُحلّى ، فتح شفتي الفتاة شبه الميتة و بدأ يسقيها ببطء لكن معظم الماء كان يسيل من جانب فمها. عندما رأت مربيتها هذا المشهد تعالى نحيبها و بدأ الطفلان يشركانها العويل.
كان هذا أقوى من احتماله تماما فأخذ يصرخ فيهم فاقدا رباطة جأشه : اذهبوا جميعا، ابتعدوا ، أريدكم أن تختفوا من أمام ناظري.
عندما لم يبادروا بالتحرك صرخ فيهم بصوت أفزعهم : الآآآآآآن
عندما غادروا التفت إلى الشابة و واصل يسقيها بصبر. ظل يسند رأسها قليلا ثم مددها على الأرض و أخذ يدعك جبينها و كفيها و هو يخاطب جسدها اللاواعي : تعسا لي ، أنا السبب في ما أنت فيه. حملتك أكثر مما تطيقين. خمسة عشر ليلة و أنت تسافرين راكبة، لم ألق بالا إلى كونك امرأة و إلى ضعف بنيتك و إلى الإرهاق البادي على وجهك و جسدك.
أمسك معصمها الرقيق متأملا إياه بإشفاق ثم ضرب جبينه مرتين بكف يده و هو يردد بحنق : تعسا الي، تعسا لي
تنهد بعمق و قال محدثا نفسه : تمالك نفسك يا رجل ، لن تنقذ الفتاة و أنت تولول كالنساء
بدأ في القيام بالخطوات التي اعتاد أن يفعلها عند إغماء أحد رجاله. نزع عنه عباءته و لفها بها جيدا حتى يدفئها. ثم أمال رأسها للخلف ، رفع ذقنها للأعلي ، وضع يده يستشعر أنفاسها و ظل يلاحظ حركة صدرها. شعر ببعض الاطمئنان حين بدأ شيء من اللون يسري في وجهها و كفيها. بعد قليل أصبح تنفسها شبه عادي فتنهد بارتياح لتجاوزها الخطر. قام بحمل جسدها الغائب عن الوعي بين ذراعيه واتجه بها إلى العربة. ما إن اقترب حتى تجمع الجميع حوله يسألون عن حالها. أمرهم بالانتظار ثم دخل و أرقدها و غطاها بنفسه و لم يخرج إلا حين اطمأن ثانية على انتظام أنفاسها.
- لا تقلقوا، قال لهم بهدوء، ستكون بخير إن شاء الله و الآن اتركوها تستريح فهي نائمة.
ثم غادرهم مسرعا، ترددت عزه قليلا ثم لحقته. ما إن أحس بها خلفه حتى التفت إليها قائلا بضيق واضح : خيرا يا عزة، ما حاجتك؟
تألمت لتكلمه معها بتلك الطريقة و لكنها قالت أول كذبة خطرت ببالها : الحق يا عاصم أن الزهراء خافت كثيرا عندما رأت منظر ميسون و هي تفقد الوعي . إنها تشعر باظطراب شديد و لم أستطع أن أسري عنها
سكتت قليلا ثم أضافت بصوت ناعم : ربما تحتاجك أنت والدها
زفر عاصم و هو يجيبها بضجر : الحق يا عزة أني لست في حال تسمح لي أن أسري على أحد
قالت تلومه : حتى ابنتك؟ ابنتك التي طالما انتظرت حتى تراها، ابنتك التي...
قاطعها متأففا : كفاك يا عزة ، كفاك لوما فأنا لا أطيقه. أخبرتك أني لا أستطيع فلتذهبي إليها ولتحاولي ثانية
ثم أضاف بحدة : و الآن أريد أن أترك و شأني و أسرع يمتطى جواده ليجول به في الأنحاء.
تذكرت عزة حالته حينها و قارنت بينها و بين ما هو عليه الآن من ارتياح ظاهر و سعادة بادية.
في الوقت القصير الذي قضته ميسون غائبة عن الوعي، تأكدت عزة بما لا يدعو للشك من قوة مشاعر عاصم و شدة تأججها.
تمتمت لنفسها بحرقة و هي تراه يداعب الطفلين بمرح " يا لسوء حظك يا فتاة، يا لخيبتك و خيبة مسعاك"
ظلت طوال الليل تحترق بلهيب الغيرة. كانت تنام قليلا و تستيقظ على فكرة واحدة " ينبغي علي فعل شيء ما كي أبعدها عن تفكيره ،انا التي عرفته أولا و لن أتركه لها "
في الغد أتاهم عاصم بعد انتهائهم من الغداء، و خاطب ميسون برفق قائلا : ميسون أريد أن أكلمك في أمر ما.
رفعت هذه الأخيرة عينيها إليه متسائلة فقال بنبرة تحمل بعض الحزم : أريد منكم أنتم الثلاثة أن ترافقوني إلى وجهتي. و هذا أمر و ليس طلبا لأني لا أنوي ترككم في مكان أجهله و تجهلونه.
قالت ميسون و ابتسامتها الرقيقة تضيء وجهها : ما دام أمرا فهل بوسعنا الرفض؟
نظر إليها عاصم بوله لم يخف على عزة و أجاب بصوت دافيء : كلا ، ليس بوسعكم
صفق الطفلان جذلا و أمسك يدي بعضهما البعض و أخذا يتقافزان. أما المربية فلم يفتها ما بدا واضحا لكل ذي عينين و بدت في غاية الرضا و السعادة.
الوحيدة التي شعرت أنها تغرد خارج السرب كانت عزة و لكنها كانت قد عقدت العزم على فعل ما تنوي فعله.

تالا الحلوه 29-08-16 07:01 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
وش بتسوي هالعزه جعلها الماحي ليتها جلست عند الشايب 😩😩
الا طيور الحب ماصدقنا يلين قلب عاصم ، لا تجيهم ، جاها المرض اثاريها خبيثه 😑

رائعه روايتك و غريبه عن المعتاد ، وصفك جمييييل و سلس يجعلني اعيش التفاصيل و اتخيلها بقوه .. ميسون مسكينه احس قدامها طريق طويل من المشاكل و الالم 💔 غريبه استسلمت لامر عاصم بأن تستمر معهم ، معقوله تسوي عزه خطه تخلي ميسون تتراجع عن الموافقه او تخلي عاصم يعدل عن قراره و يجرح ميسون ..
الثلاثه اصحاب عاصم ، احس لهم دور قوي في مجرى الروايه ان لم يكن جميعهم فواحد منهم .. عاد ليت واحد منهم ياخذ عزه و يفكنا بس اتوقع بيعجب بميسون و يخلي عاصم يغار 😂
لا تخليننا ننتظر طويلا روايتك بجد جميييله و طمعانيين في فصول اطول 😚💜 و بالتوفيق ياجميلة الجميلات ؛)

نغم الغروب 30-08-16 02:21 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
عزيزتي تالا يشرفني رأيك بروايتي أرجو أن يستمر إعجابك
أحببت كثيرا تفاعلك مع الشخصيات و أضحكني دعاؤك على عزة:ekS05142:
كنت أتمنى أن تكون الفصول أطول و لكني للأسف بطيئة في الكتابة:fIi04592:

نغم الغروب 30-08-16 02:23 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الثامن كَيدُها



استغلت عزة فرصة تواجدها مع المربية على انفراد و قالت لها و هي ترسم على وجهها ابتسامة مشرقة : لو تدرين يا خالة ما أشد سعادتي ببقائكم معنا ، هكذا تستطيعون أن تحضروا زفافي إلى عاصم.
حدقت فيها المرأة المسنة باستغراب و سألتها غير مصدقة : أنت و عاصم ستتزوجان؟!
أجابتها بثقة : و هل تصدقين يا خالة أني كنت لأرضى مرافقة رجل غريب في سفره لمدة ثلاثين ليلة لولا أنه وعدني بالزواج؟
سألتها المرأة الأكبر سنا بلا شك : و لم لم تخبرينا من قبل؟
كانت عزة قد جهزت إجابة لكل سؤال فقالت دون تردد : الحق أن عاصم أوصاني بكتمان الأمر حتى نصل مدينته و يأنس أهله بي. فأنت تعلمين أني ابنة خالة زوجته الأولى لذلك لم يشأ أن يصدمهم حتى يثقوا أن طباعي ليست كطباعها فهي لم تترك لديهم أثرا طيبا.
أضافت و هي تبتسم ابتسامة واسعة : لكني لم أعد أستطيع إخفاء الأمر عنك فأنت يا خالة تحدبين علي و كأني ابنتك. ثم إني أثق أنك لن تنقلي كلامي إلى أحد.
ابتسمت لها المرأة بحنان و قالت لها بصدق : أتمنى لك السعادة يا ابنتي مع من اختاره قلبك.
شدت الفتاة على يديها و هي تنظر إليها في مودة ثم غادرتها وهي تشعر بمزيج من الانتصار و القلق.
أما عاصم فقد بدا شديد الحرص على على ميسون و صحتها . كان يراقبها عن كثب و لا يتركها تجهد نفسها. حتى أنه نهر الطفلين بصوت صلب : لا تطلبا من ميسون اللعب معكما و تنهكا قواها بالجري وراءكما . يجب أن تفهما أنها بحاجة للراحة المطلقة لبضعة أيام أخرى
أضاف و هو يُبرّق لهما عينيه : لا تجعلاني أعيد قولي هذا مرة أخرى و الآن اجريا و هاتا عزة من مكانها ترافقكما في لهوكما.
التفت إلى ميسون و أمرها مترفقا : كفاك يا ميسون فلتذهبي لترتاحي الآن
قالت معترضة : و لكني أشعر أني بخير!
قال يسخر منها بلطف : ألا تجيدين سوى الاعتراض؟
أجابته و هي تنظر له في عينيه : بل أجيد تقديم فروض الطاعة أيضا.
ثم أولته ظهرها و ذهبت لتنضم لمربيتها. أما عاصم فقد استظل تحت إحدى الأشجار و عكف يصنع بخنجره سيفين خشبيين للطفلين. كان بين الفينة و الفينة يجد نفسه مرغما على النظر ناحية ميسون و في مرتين أو ثلاث تعانقت نظراتهما فقرأ في عينيها رسالة واضحة دلته أنها تبادله شوقا بشوق و توقا بتوق.
تنهد بعمق وقال محدثا نفسه بحيرة : و الآن يا رجل خبرني ما هذا الذي أنت فيه؟ كيف تركت الأمر يصل بك إلى هذه الحال؟ ما الذي بوسعي أن أفعله الآن؟
…………………………………………………………………………………………………………………
بدت ميسون لمربيتها مشغولة البال، شاردة الخاطر حتى أنها كانت تظطر لإعادة السؤال مرات عديدة كي تظفر منها بجواب. عقدت المرأة حاجبيها وهي تنظر إلى الفتاة مستغربة أمرها. عرفتها دائما رصينة ، قوية ، شديدة في وجه المصائب و المحن. لكنها الآن تكاد تنكر منها أكثر مما تعرف. حقا مازالت بنفس الطبع اللطيف و نفس الحديث الهادئ و لكن شتان ما بين الفتاة الصلبة ذات النظرات المتوقدة التي كانتها و بين هذه الفتاة المهتزة ذات النظرات الذاهلة و الكلمات التائهة. حدثت نفسها بغم "أخشى عليك يا ابنتي أن تكوني عاشقة"
و كأنما لتؤكد لها ظنها التفتت إليها ميسون قائلة بصوت مرتبك :
- خالتي جميلة كيف ترين عاصم؟
حدقت المرأة في عيني الشابة كأنما لتسجوبها لكن هذه الأخيرة هربت بنظراتها منها. أجابتها بصدق :
أراه رجلا غير كل الرجال، صادق الوعد، كريم ذات اليد ، عفيف النفس عزيزها ، قوي جلد، زاهد في ملذات الدنيا ، إضافة إلى أنه طيب المعشر و حسن الخلق ، يحنو على الصغير و يوقر الكبير.
الحق يا بنيتي أني لم أكن لأختار لك أفضل منه زوجا. لكان نعم الرجل لنعم الفتاة لولا أنه...
و سكتت عن الكلام فألحت عليها ميسون سائلة : لولا أنه ماذا يا خالتي؟ لولا أنه ماذا ؟
ترددت المرأة قليلا ثم قالت بأسف : لولا أنه وعد عزة بالزواج منها ، و أنا أعلم أنك ترفضين تماما أن يكون لك ضرة.
رددت ميسون بذهول : وعد عزة بالزواج؟! و لكن ولكن…. ضاعت منها الكلمات فلجأت للصمت.
حدثتها مربيتها بما كان بينها و بين عزة. أُسقط في يد ميسون تماما و بدا لها أن كثيرا من تصرفاته أضحت مفهومة في ظل هذا الواقع الجديد. لهذا كانت عزة دائمة اللحاق به و لذلك كان هو يعاملها منذ البداية بلطف و رفق زائد. لذلك كان يتظاهر بالنفور منها هي و لم يسعى إلى طلب ودها على عكس معظم الرجال الذين عرفتهم.
قاطعت مربيتها سيل أفكارها قائلة : لو أنك فقط تغيرين موقفك يا بنيتي ، لو تقبلين بعزة شريكة لك فيه. كل النساء يقبلن و كل الرجال يفعلونه.
قالت ميسون بحسم : أبي لم يفعل و أمي لم تكن لتقبل و أنا ابنتهما قلبا و قالبا.
سكتت قليلا لتضيف بصوت يحمل رنة حزن : و على العموم فهذا حديث سابق لأوانه فعاصم لم يعرض علي الزواج و لا حتى لمح لي بذلك.
قالت مربيتها بثقة مطلقة : آه يا بنيتي سيفعل سيفعل بالتأكيد فالرجل عاشق متيم بحبك.
ابتسمت ابتسامة واهنة و هي تقول : و هل تعرفين الكثير عن العشق يا خالة؟
أجابتها بسرعة : أعرف ما يكفي لأؤكد لك أن الرجل يهيم بك حبا. أنت لم تري حاله حين أغمي عليك ، كان كالمجنون تماما.
" هذا لا يدل على شيء ، حدثت ميسون نفسها ، كان سيقلق على أي أحد فينا فهو يعتبر نفسه مسؤولا عنا و عن سلامتنا"
كانت واثقة من إعجابه بها و لكنها لم تكن لتعرف هل شعوره نحوها هو حب بحق أم مجرد هوى عابر. و ما دام لم يطلب منها الزواج فلا تستطيع التأكد من شيء.
التزمت الصمت تماما و لم تخرج منه إلا حين أتى الطفلان و بدأا في الثرثرة.
…………………………………………………………………………………………………………………
ما إن فارقها الطفلان حتى ذهبت عزة لتنضم إلى عاصم كعادتها. كانت ميسون تراقبهما و هي تتظاهر باللعب مع الطفلين. أما عزة التي كانت واعية تماما لهذه المراقبة فقد بادرت عاصم بالقول : لكم شعرت بالسعادة و الراحة حين قرروا أن يكملوا معنا طريقنا. الحق أني تعلقت بهم كثيرا و أصبحت لا أكاد أطيق فراقهم.
تمتم عاصم موافقا و هو منكب على السيفين و قد أوشك أن ينتهي من صنعهما. أما عزة فقد أكملت بصوت يشوبه بعض القلق : أنا فقط مشغولة البال على ميسون.
رفع عاصم رأسه و سألها باهتمام : ما بال ميسون ؟ ما الذي يقلقك بشأنها؟
قالت و هي تعقد ما بين حاجيها : الحق أني أخشى عليها أن لا تستلذ العيش هناك. أنا شبه واثقة أنها سرعان ما ستشعر بالسأم و الضجر. فتاة ثرية مثلها، منذ نعومة أظفارها و هي ترتع في مباهج الحياة وتسافر من مكان إلى مكان أتظن حقا أنها ستطيق الاستقرار بمدينتك، لا أكاد أتصور ذلك.
و ختمت كلامها بتنهدة عميقة. أما عاصم فقد قطب جبينه و أطرق برأسه. كلماتها فتحت جرحا عميقا لم يندمل. هل تراه أخطأ هذه المرة أيضا، هل سيظل يكرر نفس الغلطة طوال حياته؟
نهض واقفا بعجلة و هو يشعر أنه متبرم بالدنيا و ما فيها . وقفت عزة لوقوفه و بادرته قائلة بحرج و هي مطرقة الرأس : عاصم أود أن أطلب منك شيئا و لكني و لكني
قاطعها قائلا بنفاذ صبر : أوجزي يا عزة و لا تطيلي
قالت بسرعة : كنت أريد القليل من المال حتى أشتري بعض الأشياء التي أحتاجها.
شعر عاصم بالأسف من أجلها و مد يده إلى خصره ليعطيها ما تريد.
و لكنها أوقفته قائلة : ليس هكذا، ليس هنا ، فالجميع يرانا . لننزوي قليلا خلف إحدى الأشجار و تعطيني ما أحتاجه.
تنهد عاصم و تبعها في صمت.
كانت ميسون قد رأت ما حدث و أولته بالظبط كما أرادت لها عزة أن تأوله ، ضاقت بها الدنيا بما رحبت فأسرعت تفر بهمومها إلى العربة.

الخاشعه 31-08-16 10:00 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
تسلم يدينك 👏
كيد الحريم والعذال اشتغل والضحيه ميسون اللي كبريائها ما راح يخليها تكشف الحقيقه وراح تنسحب على طول
اما عاصم فتجربته السابقه مع زوجة مسبب له حساسه زايده من النساء فهو يشك في كل شي
مشكورة عزيزتي نغم💗

نغم الغروب 31-08-16 07:42 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
و عليكم السلام عزيزتي
يسعدني تفاعلك الدائم و الفصل القادم اعتبريه هدية مني إليك:welcome3:

نغم الغروب 31-08-16 07:48 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل التاسع العاشق



في اليوم التالي ، بدأت عزة تشعر بالارتياح قليلا و هي تقطف ثمار نجاح خطتها. فقد بدا واضحا أن عاصم و ميسون قد تغيرا على بعضهما البعض. لم يعودا بالطبع لما كان عليه من جفاء مصطنع و نفور زائف. غير أن كل منهما بدا كأنما يفضل تلآفي الآخر.

كانت ميسون قد شفيت تماما من إجهاد السفر غير أنها كانت مستاءة من ضيق العربة. فقد كان عليها أن تختار بين وضعين للنوم إما شبه جالسة أو ثانية ركبتيها. و رغم احتمالها و صبرها إلا أنها لم تكن لتطيق هذا الوضع لعشر ليال أخرى.
وصلوا المدينة التي كان ينتظره فيها رفاقه قبل أن ينتصف النهار بقليل. اتجه بهم عاصم إلى الخان الذي ينزل فيه أصحابه ، استقبله ثلاثة رجال يماثلونه حجما وبنية. تبادل معهم كلمات قصيرة ثم أسرع إلى غرفته ليسقط على الفراش شبه مغشي عليه بعد تعب سفر يوم كامل.
تأملت ميسون الرجال من وراء ستار النافذة، كان اثنان منهم قد تجاوزا الأربعين من العمر و ربما شارفا علي الخمسين بينما بدا الشاب الثالث أصغر من عاصم.
بعد قليل أتاهم أحد الرجلين الأكبر سنا و طلب منهم بلطف أن ينزلوا حتى يأخذهم إلى غرفتهم.
قال لهم باعتذار و هو يتقدمهم : لم أعلم أنكم خمسة أنفار لذلك استأجرت لكم غرفة واحدة
لكن لا تقلقوا ، سأتدبر الأمر حالا.

حالما استقرت ميسون في غرفتها أخرجت كيسا من المال و ناولته لمربيتها قائلة لها بلطف : أرجو منك يا خالة أن تذهبي للشاب الأصغر سنا و تطلبي منه شراء عربة جديدة لنا و كذلك بعض الأغطية و الفراش


بعد ساعة من الزمن كانت تتأمل العربة بارتياح . تفقدتها من الداخل و الخارج ثم التفتت للشاب و قالت له بابتسامة مهذبة : أرجو أن تتقبل شكرنا و تعذرنا لأننا أتعبناك معنا
أجابها و هو يتأملها بإعجاب واضح : رجائي أن تتعبيني كل يوم
ابتسمت رغما عنها و التفتت لتغادر لكنه استوقفها قائلا : بم أدعو سيدتي؟
قالت بهدوء : أدعى ميسون و أنت؟
ردد اسمها عدة مرات كأنه يتذوقه ثم قال : أدعى جاسر يا سيدتي ميسون و أنا اسم على مسمى
ابتسمت مرة أخرى ثم قالت مودعة : أشكرك مرة أخرى يا بن أبي جاسر
تمتم محدثا نفسه و هو يراقبها تبتعد : لأول مرة يا ابن عمتي تجيد اختيار رفقاء السفر. و يا له من اختيار!!

عندما علم عاصم بأمر العربة الجديدة، توجه إلى ميسون و عاتبها قائلا :
- لِم لم تنتظري حتى أستيقظ لكنت انتقيت لك واحدة أفضل وأمتن
أجابته دون تردد : لأنك كنت سترفض حتما أن أدفع لك ثمنها. و نحن و الحق يقال أصبحنا نستثقل أنفسنا، فأنت لا تدعنا نساهم معك لا بالكثير و لا بالقليل.
قال بصوت خفيض : لا تستثقلي نفسك معي أبدا يا ميسون ، وددت لو ظللت قائما عليكم أبد الدهر
اتسعت عيناها دهشة و لكنه ما لبث أن تمالك نفسه و واصل بهدوء : أنتم ضيوفي و من واجبي أكرمكم
............................................................ ............................................................ ................................
أمضوا ليلتين في الخان ، استراحوا فيهما من وعثاء السفر و تزودوا للمدة الباقية فلن تعترضهم بعد الآن أي مدن أخرى حتى يصلوا وجهتهم.

في الأيام الثلاثة التالية عرفت ميسون أكثر عن رفاق سفرهم الجدد. كان جاسر رغم قوة بنيته أبعد ما يكون عن الشدة و الصلابة في الطبع. كان طيبا متسامحا ، حاضر البديهة ، دائم الدعابة لا يترك أحدا في شأنه. لذلك لم تستغرب حين رأت الطفلين يولعان به أكثر من أي أحد آخر.
أما الرجلان الآخران فكانا في غاية الدماثة و غاية العزلة عنهم في نفس الوقت. لم تكن تراهما إلا مبتسمين، مستبشرين غير أنهما لا يتكلمان إلا قليلا. كان أحدهما يقضي اليوم و هو يتشمم الجو بأنفه القوي حتى أنها أطلقت عليه لقب "المتشمم" بينما كان الآخر أوفر الرجال نشاطا فكان ينظف الخيل و يسقيها و يطعمها و يجمع لهم الحطب.
أُعجبت بهم جميعا فقد بدوا جد مختلفين عن رجال مدينتها الذين كان معظمهم خاويي العقل ، فاسدي الطوية ، لا يكادون يطيقون أي مشقة.
أيقظها صوت جاسر من تأملاتها. كان يلعن سوء حظه ، التفتت إليه متسائلة فوجدت إحدى قدميه حافية و هو يحمل في يده أحد نعليه. ارتسم على وجهه تعبير آس أضحكها رغما عنها.
قالت له بين ضحكاتها : هاته و سأصحله لك قبل أن تبدأ بالبكاء
نظر إليها باستغراب : حقا ستصلحين لي نعلي، كلا، كلا فهذا لا يليق بمقامك. ناوليني الأدوات و سأقوم بخياطته بنفسي
سألته بشك : و هل تجيد ذلك؟
أجابها متأسفا :ليس فعلا و لكني لن أدع أناملك الرقيقة تلمس نعلي الأعفر الأغبر
قالت و هي تفتعل نفاذ الصبر : هات النعل حالا يا ابن أبي جاسر فشكلك مضحك و أنت حافي القدم.
ناولها إياه باستسلام و ظل يراقبها بنظرة عميقة و هي تبتعد.
............................................................ ............................................................ ..........................
بمرور الأيام ، ازداد تقرب جاسر منهم ، كان يأتيهم يوميا فيجتمعون كلهم باستثناء عاصم و الرجلين الآخرين. و يقضون بعض الوقت في قص الطرائف و ما يتذكرونه من نوادر. كان جاسر يستأثر بمعظم الحديث بينما كانت ميسون أحيانا تحكي لهم عن بعض الغرائب التي رأتها أثناء أسفارها.
كانت شديدة الحيرة في أمر عاصم فهو لم يحاول مرة أن يشاركهم أحاديثهم و مع ذلك كان دائما يظل غير بعيد عنهم. و لم يخف عليها اكفهرار وجهه و قسوة نظراته إليها كلما رآها تتبسط في الحديث مع جاسر. كانت قد لاحظت أن هذا الأخير دائم التودد إليها إلا أنها لم تقل له كلمة تشجيع واحدة بل كانت تتجاهل تلميحاته و تصريحاته. و صعب عليها أن تصده بغلظة لطيبته الشديدة معهم جميعا.
" ما الذي يتوقعه مني عاصم ، أن أجلس مثله منزوية عن الجميع ، لا أشارك في حديث و لا أضحك على دعابة، ما الذي يريده مني " أفاقت من تساؤلاتها على صوت قهقهة عزة و هي تضحك على إحدى فكاهات جاسر. نظرت إليها باستغراب شديد فليست الفتاة بالتي تطلق العنان لضحكاتها. أما عزة فقد وضعت كفها على فمها كأنما أحست بالندم.
نظر إليها جاسر بتسلية ثم قال متهكما منها برفق : لا تخشي من الضحك يا عزة فلو كان يودي بحياة المرء لكنت ميتا منذ زمن.
ابتسمت له عزة في تسامح ثم خفضت عينيها في خجل.
............................................................ ............................................................ .....................
في الليلة الخامسة ، أرقت ميسون من نومها ، أغمضت عينيها و حاولت العودة للنوم و لكن بدون جدوى فقد جافاها النعاس تماما. كان الرجال قد اختاروا أن يبيتوا ليلتهم في العراء كي يستريحوا قليلا من عناء السفر. نزلت ميسون من العربة بعدما لفت نفسها جيدا في عباءتها الواسعة، أصاخت السمع قليلا فلم تسمع أي صوت فمضت تتجول في الأنحاء بتمهل عسى أن يعاودها النوم.
سمعت صوت خطى ورائها و ما إن التفتت حتى وجدت جسما قويا طويلا يسد الطريق أمامها ، خفق قلبها بشدة لكن سرعان ما شعرت بخيبة الأمل حين رفعت رأسها و رأت جاسر.
كان ينظر إليها بطريقة غريبة، بدا مشوشا و حائرا. سألته بقلق :
ما بالك يا جاسر، أتشتكي من شيء؟ هل أدعو أحد الرجال؟
أجابها كأنه يلومها : تسألينني مم أشكو يا سيدتي ميسون ، تسألينني و أنت سبب ما أنا فيه؟
قالت له مستنكرة : ويحك يا ابن أبي جاسر و كيف أسأت إليك؟!!
قال لها بصوت ملتهب : آذاني جمالك و جرحتني رموشك و طعنتني نظراتك في صدري أما صوتك ف...
قاطعته و هي لا تكاد تصدق ما تسمع : كفى يا جاسر لم أعهدك بهذه الجراءة. و إني لأتساءل أي شيء بدر مني و هيأ لك أني قد أستعذب مثل هذا الحديث.
رسم تعبيرا مضحكا على وجهه و قال بصوت فيه نبرة أسى : يا لسوء حظك يا جاسر، المرأة الوحيدة التي مال لها فؤادك لا تكاد تطيقك.
حاولت جهدها أن تحافظ على تعبير الحزم الذي يعتلي قسماتها و لكنها فشلت و غالبها الابتسام. فهم جاسر انبساط وجهها على أنه تشجيع منها فصارحها قائلا : اعتقدت أني أستطيع الانتظار حتى الصباح و لكن رؤيتي لوجهك الساحر الجميل الآن أذهبت كل ذرة صبر باقية.
واصل بصوت مظطرب : سيدتي ميسون أتمنى لو تسعدي قلبي وتقبلي أن تكوني زوجتي
شهقت ميسون و هي لا تكاد تصدق أذنيها و قالت في نفسها " حتى أنت يا جاسر و أنا التي عاملتك و كأنك أخ لي؟!" و استدارت لتنصرف من أمامه مسرعة.
لكنه ما لبث أن تبعها و هو يعيد السؤال بلهفة : أرجو أن تحققي مقصدي و تطفئي النار المتوقدة بداخلي.
أجابته بصوت حازم : ليس الآن يا ابن أبي جاسر ، فيما بعد ، فيما بعد
وقف أمامها فقالت له بجدية : أرجوك دعني أذهب الآن
عندما ابتعد جانبا أكملت طريقها و هي تهز رأسها بتعجب " ياللأحمق" ، حدثت نفسها ، فجأة سد الطريق أمامها مرة أخرى أو هذا ما ظنته لأول وهلة حتى رفعت نظراتها فرأت وجه عاصم.

نغم الغروب 01-09-16 01:37 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل العاشر ما بالك ؟


كانت ملامحه مشدودة يعتليها تجهم شديد. قالت له و في عينيها نظرة تساؤل : لقد أفزعتني. ما الذي...
قاطعها بصوت قاس كالجليد : ما الذي تفعلينه في هذه الساعة من الليل؟
أجابته و هي تزداد حيرة من سلوكه الغريب : لقد أرقت فأردت أن أجول قليلا في الأنحاء قبل أن أعود للنوم.
قال بنفس الصوت القاسي : حقا؟؟
رفعت رأسها و أجابته بتحد : نعم حقا!!
قال لها باحتقار : لو علمت أنك فتاة لعوب لما رضيت باصطحابك معي في رحلتي هذه.
عقدت الصدمة لسانها فلم تستطع النطق بينما واصل هو قائلا : العيب ليس فيك، العيب في أنا عندما تعاميت عن حقيقتك. فكيف لفتاة فاضلة أن تستطيع إغواء رجل كهل خبير بالمومسات.
وضعت يدها على فمها للحظات ثم قالت و هي ترتجف غضبا من رأسها إلى أخمص قدميها :
- اغرب عن وجهي الآن ، هيا فلتغرب
قال و هو يقترب منها مهددا : لا يجوز لم هي مثلك أن تخاطبني بهذه الطريقة، إن لم تتأدبي في بيت أهلك فسأؤدبك بنفسي.
ردت و هي تحدق في عينيه بقسوة : يبدو و كأنك اشتقت لصفعة أخرى من كف يدي
قال مستهزئا : أتمني أن تحاولي
طبعا لن تجرأ. فاكتفت بأن تصعده بنظرها باشمئزاز و توليه ظهرها لتنصرف. و لكنه أمسكها من معصمها و أدارها إليه قائلا : من انعدام الأدب أن توليني ظهرك و أنا لم أتم بعد كلامي
أجابت وهي تحاول تحرير يدها المقيدة لديه بقبضتها الحرة : كلامك يا هذا لا يهمني سماعه
عندما عجزت عن فك نفسها بدأت بخدش يده فما كان منه إلا أن قبض على معصمها الآخر و هو يقول بغضب : آلمتني أيتها …
قاطعته بصوت متنمر : إياك أن تكمل
ظلا صامتين يتبادلان النظر. كانت نظراتها تموج بالغضب و الحيرة بينما كان هو ينظر إليها بمزيج من القسوة و الألم. نعم لدهشتها كان يبدو متألما.
بعد برهة قالت له بهدوء مفتعل : اتركني الآن ، أنت تؤلمني
خفف قبضته قليلا و لكن لم يبد عليه أنه ينوي تركها.
قالت بنفاذ صبر : ما الذي تريده مني؟
رد عليها ببرود : ليست لي عندك حاجة. و لكني آمرك أن تتركي ابن خالي و شأنه
قالت باستهزاء : تأمرني؟! لا أمر لك علي أتفهم ؟ إن كنت رجلا حقا فلتأمره هو.
قال بغلظة : هذا ما أنوي فعله و لكن اعلمي أنك إن لم تبتعدي عن طريقه ف…
أقاطعته بهدوء مستفز : و ماذا عساك تفعل؟ تتركني في منتصف الطريق أم تطعم جسدي للسباع؟
تجاهلها و هو يسألها مغيرا الموضوع : إلى أين وصل الأمر بينك و بين جاسر؟
قالت متهكمة : أخبرني أنت ! ألست من كان يتلصص علينا؟
قال لها بصوت أجش : لقد سمعتكما تتواعدان على اللقاء الليلة؟ فهل كان بينكما لقاء قبل هذا؟
ضمت شفتيها و قلبت عينيها في السماء و هي تتساءل متظاهرة بالحيرة : هل كان بيننا لقاء من قبل، هل كان بيننا لقاء من قبل؟
هزها بعنف : أجيبيني الآن!
قالت بابتسامة معسولة و هي تنظر إليه ببرود : الحق أني تعددت لقاءاتي فنسيت إن كنت التقيته هو أم الرجلين الآخرين. عموما اذهب و اسأله هو إن كنت تجرأ
أمرته بقسوة و هي تجذب يديها بقوة : و الآن اتركني، أفلتني ، لم لا تدعني و شأني؟
لكنه لم يتركها بل واصل قائلا بصوت شبه هامس كأنه يحدث نفسه : لكني متأكد أني سمعتكما تتواعدان على اللقاء في وقت لاحق هذه الليلة.
ظلت تتطلع إليه ببرود. نظر إليها متسائلا بصوت خفيض : إن لم يكن حديثكما عن المواعدة فعم كان؟
أجابته بصوت لاذع : قابلني ابن خالك صدفة و إذا به يفاجئني بطلب يدي ، و لم يشأ أن يتركني أذهب إلا حين وعدته بالتفكير في عرضه
قال بصوت مظطرب : طلب يدك للزواج ؟ كيف و هو لا يكاد يعرفك؟
أجابته ساخرة : لحسن حظي ليس لكل الرجال حكمتك و سداد رأيك. خذ عندك ابن خالك مثلا ، المسكين لم يستطع أن يعرف أني أخفي وراء مظهري هذا امرأة لعوبا. لكن لا بأس ما يزال أمامك متسع من الوقت حتى تعيده إلى رشده. و الآن دعني أذهب، اتركني حالا
و لكنه بدل أن يطلقها قربها منه حتى صارت ترى العرق النابض في عنقه بوضوح، نظرت إليه بدهشة و غيظ قائلة : أخبرتك أن تتركني، ما بالك، ألا تفهم ؟
ظل صامتا لا يحير جوابا. كانت تسمع صوت أنفاسه الهائجة بوضوح. قطع الصمت قائلا لها بصوت دافئ : ميسون ، أخبريني هل ما تقولينه هو الحقيقة؟ ألم يحصل أي شيء بينك وبين جاسر؟
زفرت بضيق و أشاحت بنظرها بعيدا عنه.
فكرت بينها و بين نفسها أن من يراهما الآن عن بعد سيحسبهما عاشقين متيمين بحب بعضهما و لن يحدس أبدا نوع الحوار الذي كان يدور بينهما.
لم تظن أن الغيرة من الممكن أن تطير صواب الرجال هكذا. و لم تحسب أنه قد يغار عليها إلى هذه الدرجة. كادت تبتسم سعادة و لكنها تذكرت سيل الاتهامات التي كالها لها فارتدت قناع الغضب مرة أخرى.
" علي معاقبته فكونه يغار علي لا يعطيه أبدا ذريعة كي يتهمني في عرضي و شرفي ، إن تجاوزت هذه المرة فسأتجاوز في كل مرة"
قطع حبل أفكارها قائلا بصوت فيه نبرة استعطاف : ميسون أمازلت غاضبة؟ انظري إلي يا ميسون
سحرتها طريقته في نطق اسمها حتى شعرت و كأنها تسمعه لأول مرة. صوته الدافئ وقربها من جسده القوي و تنشقها لعبير رجولته ، كل هذا جعل شيئا من الخدر يسري في أوصالها. شعرت بضعف تام و حدثت نفسها قائلة " أين قوتك و رباطة جأشك يا فتاة ؟ ما هذا الذي أنت فيه ؟ لكأني بك إن أقبل عليك فستقبلين عليه"
استجمعت كل طاقتها ثم قالت له و هي تتحاشى عينيه : نعم ما زلت غاضبة و سوف أظل كذلك وقتا غير قصير. و لتعلم أني لن أقبل منك أي اعتذار فلا عذر لك لما فعلته و قلته لي.
تنفست بعمق ثم قالت له بتقريع : عيب عليك أن تتهمني في عرضي دون بينة ، و عيب عليك كل العيب أن تعايرني بشيء ما فعلته إلا كارهة و ما فعلته إلا لأساعدك. و الآن بحق مروءتك فلتتركني أذهب.
ظل محتفظا بها قريبا منه و هو يحاول اصطياد نظرة منها و لما أيس من الأمر أفلتها فجأة. ما إن أبعدها عنه حتى أحست بالبرد يسري في أطرافها و يغلف قلبها. لكنها سرعان ما تمالكت نفسها و ركضت مبتعدة عنه.
كانت تشعر بمزيج من السعادة و الانزعاج : كانت سعيدة لأنها تأكدت من قوة عاطفته نحوها ، و لكنها كانت تشعر بالانزعاج لأنها لم تفهم إلى الآن ما مستقبلها معه.
تساءلت و هي تضع خدها الساخن على الوسادة : مالذي تريده مني يا عاصم ، ماذا عساك تنتظر حتى تصارحني و تكشف لي عن مكنون قلبك. أم لعلك تعتقد أني أنا من سأبادر بالبوح. إذا كان الأمر كذلك فلتنتظر أبد الدهر
"و هل ستقدرين على الصبر عنه، وجهت الحديث لنفسها، هل ستحتملين البعد عنه؟ و ماذا لو وفى بوعده و تزوج تلك العزة؟ كيف العمل حينذاك؟"
تقلبت في فراشها متذكرة ما دار بينهما منذ قليل. ابتسمت و هي تسترجع ذلك الشعور الطاغي الذي اجتاحها حين كانت قريبة منه. كان شيئا أشبه ما يكون بالسحر. نظرات عينيه العميقتين التي امتزجت بأنفاسه الملتهبة و بصوته المشبوب بالعاطفة ، كل هذا جعل دفئا لا يوصف يسري في جسدها و في روحها مذيبا الكثير من الثلوج التي أحاطت بها نفسها منذ سنين. حتى أن أحدهم وصف قلبها بأنه قد من الصخر.
عبثا حاولت استحضار صورة ذلك الشاب في ذهنها ، المسكين حاول استمالتها بشتى الطرق و لم ينجح و لا حتى اقترب. لم تتأثر كثيرا بوسامته و لا بسرعة بداهته و لا بقدراته كفارس مغوار. فقط أعجبت به كرجل يثير الإعجاب. و لم يكن غزله بها ليثير في نفسها شيئا من المشاعر سوى بعض الغرور.
همست قائلة لنفسها : "فلتنظر إلى حالي الآن و لتنظر إلى حال قلبي ، لو رأيتني لما عقلتني"
كلمات عاصم البسيطة و مشاعره المتأججة التي قرأتها في عينيه كانت أبلغ من ألف ألف قصيدة عشق و غزل. مروءته، شهامته و كرمه أشد وقعا لديها من فروسية و مبارزة أو أي شيء آخر يتفاخر به الرجال.
نادته في سرها : "عاصم حبيبي و آسري، ترى ما الذي يمنعك عني؟ ترى ما الشيء الذي يجعلك كلما اقتربت ابتعدت و كلما أوشكت تراجعت؟ "
أخيرا غلبها النعاس فغرقت كعادتها في نوم بلا أحلام.

الخاشعه 01-09-16 02:54 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
هدية جميله ومقبوله من كاتبه انتظر جديدها كل يوم
ميسون وعاصم إلي اين؟
احس ان كل شي ضدهم بداية بعزه وكيدها وحمق جاسر وشكوك عاصم والحين الغيره القانله
احب لقاء ميسون وعاصم فيه جمال وابداع وأندمج معاهم😍
عندي احساس ان عاصم مو مثل ما يتهيأ لنا ...اتوقع انه شخص غني والشخصين اللي معاه تابعين له
تسلم ايدينك نغم👍

عمر البعد 01-09-16 10:26 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
صباح احلى من الفل ..
ماشاء الله ياانغم روايه جميله واحداث مشوقه
عاصم واقع بحب ميسون ولكنه يخشى شيء ماا ,,, اكيد له تجربه فاشله او تض لخيانه غير متوقعه

في شي غريب هنآآ
الجدين ليه خاطفين حفيدتهم ؟؟!!!

عجبني تصرف ميسون ومحافظتها على نفسهاا ومحاولتها تجنب عاصم
اتوقع ان مريبتهاا بتعرف انهاا تميل له وبتحاول تجمع بينهم اوعلى الاقل تقنعها بعدم مفارقه عاصم

سلمت يمناك نغم وبانتظار البقيه

نغم الغروب 02-09-16 11:01 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخاشعه (المشاركة 3657793)
السلام عليكم
هدية جميله ومقبوله من كاتبه انتظر جديدها كل يوم
ميسون وعاصم إلي اين؟
احس ان كل شي ضدهم بداية بعزه وكيدها وحمق جاسر وشكوك عاصم والحين الغيره القانله
احب لقاء ميسون وعاصم فيه جمال وابداع وأندمج معاهم😍
عندي احساس ان عاصم مو مثل ما يتهيأ لنا ...اتوقع انه شخص غني والشخصين اللي معاه تابعين له
تسلم ايدينك نغم👍

أنا سعيدة لانسجامك مع الشخصيات عزيزتي و سلمت يداك على ردودك الجميلة دائما
شكرا

نغم الغروب 02-09-16 11:06 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر البعد (المشاركة 3657833)
صباح احلى من الفل ..
ماشاء الله ياانغم روايه جميله واحداث مشوقه
عاصم واقع بحب ميسون ولكنه يخشى شيء ماا ,,, اكيد له تجربه فاشله او تض لخيانه غير متوقعه

في شي غريب هنآآ
الجدين ليه خاطفين حفيدتهم ؟؟!!!

عجبني تصرف ميسون ومحافظتها على نفسهاا ومحاولتها تجنب عاصم
اتوقع ان مريبتهاا بتعرف انهاا تميل له وبتحاول تجمع بينهم اوعلى الاقل تقنعها بعدم مفارقه عاصم

سلمت يمناك نغم وبانتظار البقيه

سعيدة جدا بمتابعتك للرواية
بالنسبة لميسون فهي بطلة مسلمة لها مبادئ لن تتنازل عنها و لو ذابت عشقا و عاصم يحافظ عليها أكثر مما تحافظ على نفسها
دمت بخير

نغم الغروب 02-09-16 11:08 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الحادي عشر سِرّهُ



عندما استيقظت من النوم ، قررت أن تشغل نفسها كامل النهار و لا تدع نفسها للفراغ و إلا جنت من التفكير. تطوعت للقيام بمهام المرأتين الثانيتين فقامت بإعداد الطعام و غسل الملابس و تنظيف العربتين. و لحسن حظها فإن الرجال ظلوا بمنأى عنهم لذلك لم تقابل عاصم أو جاسر طوال اليوم.
فقط عند حلول المساء و قرب رحيلهم أحست بوطأة الحرمان و لم تستطع الدخول إلى العربة إلا بعد أن أشبعت عينيها برؤية عاصم قادما من بعيد. ثم أسرعت بالاختباء حتى لا تفضح نظراتها ضعفها و شدة شوقها إليه.
في اليوم التالي تساءلت كيف عساها تقضي بقية يومها فلم يتبقى لها من البارحة الكثير لتفعله. و لم تكن من هواة الحديث و حتى لو كانت فمربيتها كانت متعبة للغاية وعزة لم تكن صديقتها المفضلة بالطبع.
لذلك كم كان ارتياحها حين أتاهم جاسر و عرض أن يأخذهم في جولة على ظهور الخيل إلى مكان جميل يقع غير بعيد.
ركبت عزة وراءها على فرسها بينما أردف جاسر الطفلين أمامه و انطلقوا. توقف جاسر حين وصلوا و أشار لهم بيديه يستعرض المكان و هو يقول بحماسة : ما رأيكم، أليس هو هذا هو البهاء بعينه؟
ترجلوا جميعا وأخذوا يتأملون المكان بانبهار، تناثرت ذرات التراب الأسمر تحت وقع أقدامهم و غمرتهم الضلال الندية و تاهت أعينهم في المشهد الممتد أمامهم ، فما بين زرقة السماء و اخضرار الأشجار و ألوان الأزهار و صفاء المياه احتاروا أين يحطون أنظارهم .
و بدا كأن الطبيعة تهمس لهم بأغنية أبدية ألفتها الأصوات الساحرة لشدو الطيور و حفيف الأوراق و أنغام تدفق المياه.
وبدا المكان كقلب رحب يدعوهم لللجوء إليه. التفت إليهم جاسر و حدق في وجهي عزة و ميسون و قال و هو يغمز بعينيه : هذا هو النعيم حقا، الماء و الخضرة و الوجه الحسن.
ابتسمت ميسون رغما عنها بينما احمر خدا عزة خجلا.
انطلق جاسر و الطفلان يتسلقان الأشجار بينما جلست الشابتان تتسليان بأكل بعض الفاكهة ، تنهدت عزة قائلة : ألا ما أشد جمال هذا المكان ، ربما لو عشت فيه قليلا لنسيت جميع ما مر بي من غم و شقاء.
تنهدت ثانية وهزت رأسه كأنما لتنفض عنها سيل الذكريات المؤلمة. نظرت إليها ميسون بإشفاق ثم مدت يدها تربت على كتفها برفق.
تطلعت إليها عزة بشيء من الحزن ثم أشارت إلى جاسر قائلة : أما هو فأنا والحق يقال أحسده بعض الشيء. فمتى نظرت إليه وجدته ضاحكا مستبشرا كأنه لم يحمل يوما هما بين جنبيه.
قالت ميسون : لا أعتقد أن هناك قلبا خاليا في هذا العالم
أجابت عزة و هي تهز كتفيها :
- لا أستطيع أن أتصور أن حياته كانت قاسية
- أعتقد يا عزة أن جاسر من النوع الذي لا يحمل هما بطبعه ، إنه من النوع الذي قد يستقبل المصائب برأس مرفوع و فم مبتسم.
سكتت و هي تراه يتجه نحوهما يتبعه الطفلان. عندما وصل تمدد على الأرض و قال لاهثا : يا إلاهي ، لم أعتقد أن الجري وراء الأطفال متعب إلى هذا الحد ، أتصدقان أنه أجهدني أكثر مما يفعل التدرب مع عاصم !
التفت إليهما و قال و هو يبتسم ابتسامة واسعة : فلتقم إحداكما لتجري وراء المتمردين و لتظل الأخرى بجانبي لتؤنسني.
قامت عزة واقفة و نفضت الغبار عن ثوبها ثم أخذت الطفلين و ابتعدت دون أن تلتفت. قالت له ميسون لائمة : فلتعلم يا ابن أبي جاسر أن أسلوبك الصريح الجريء قد لا تستسيغه النساء.
أجابها ممازحا : و لكنك لا تمانعين ، أليس كذلك؟
نظرت له بحزم و قالت له بجدية : افهم مني هذا يا ابن أبي جاسر لأني لن أكرره ثانية ، أنا لست من النساء
فغر فاه دهشة لكنها واصلت بنفس الحزم : أنت ترى امرأة أمامك غير أنك عندما تعاملني فستجد رجلا . فقلبي قلب رجل ، و عقلي عقل رجل و كلمتي أفضل من كلمة الكثير من الرجال. أخبرني أرأيت رجلا يحب أن يُتغزل به؟
لما أومأ بالرفض واصلت قائلة : و أنا كذلك تماما ، أمقت كلمات الغزل و العشق و ما إلى ذلك. فإذا أردت صداقتي عاملني كرجل.
قال و هو ما يزال غير مستوعب تماما لكلامها : سيدتي ميسون ، من العسير علي أن أخاطبك بما أخاطب به الرجال و أنا أرى وجهك الصبوح أمامي.
قالت له ببساطة : إذن فلتغض بصرك عندما تخاطبني
صمت قليلا ثم قال بلهجة تحمل الكثير من التسلية : سيدتي ميسون ، في حال وافقت على أن تكوني زوجتي ، هل ستظلين رجلا بعد الزواج ؟
ابتسمت رغما عنها و قالت بصوت حاولت أن يكون حازما : لكل مقام مقال
صمتت قليلا ثم قالت وهي تدعي اللامبالاة : قلت أنك تتدرب مع عاصم، فعم تتدربان بالظبط ؟
أجابها متثائبا : كل ما يخطر على بالك و ما قد لا يخطر : مبارزة بالسيوف، رمي بالنبال، جميع أنواع المصارعة
قالت بنفس اللامبالاة : و لم تتدربان؟ أعني ما الداعي؟
اتكأ على مرفقيه و حدق فيها بدهشة : يبدو أنك لا تعلمين أي شيء عن عاصم أليس كذلك؟
أجابته و هي تهز كتفيها : و لم قد يحدثني عنه ؟ فنحن أغراب ، ألسنا كذلك؟
قال باحتجاج : و لكنكما رفيقا سفر، لو كنت مكان عاصم أسافر معك منذ نيف و عشرين يوما لكنت الآن تعرفين أسماء جميع أفراد قبيلتي فردا فردا.
قالت وهي تشرد بنظرها : بالتأكد أنت أدرى بابن عمتك مني، فهو على النقيض منك تماما حتى أني أستغرب كيف يعقل أن تسري في عروقكما دماء القرابة!
نظر جاسر إلى السماء و قال آسفا : أعلم ذلك. فعاصم في الغالب ليس لطيفا مع النساء. لكن لا يستطيع المرء أن يلومه فالجفاء لم يكن أبدا من شيمه ، لكن بسبب ما حصل معه. لقد عاش أوقاتا صعبة للغاية و أعتقد أنك لا تعرفين شيئا عنها طبعا.
أجابت بصدق : أنا لا أعلم إلا ما أخبرتنا إياه عزة : أعلم أنه تزوج فتاة من مدينتي و أنه أخذها لتقيم معه و أنها بعد سنوات قليلة جاءت لزيارة بيت أهلها و معها ابنتها و ما لبثت قليلا حتى مرضت و ماتت و أنه حين أتى عاصم لأخذ طفلته رفض أهلها إعطاءه إياها رفضا قاطعا لذلك اظطر لخطفها منهم.
تردد جاسر للحظات ثم قال : القصة الحقيقية هي أنها عندما أتت بيت أهلها لم تستأذنه. الحقيقة هي أنها ذهبت إليهم هاربة.
سألته و هي في غاية الحيرة و الاستغراب : كيف ؟ أولم يستطع اللحاق بها و هو على ما هو عليه من مهارة في ركوب الخيل؟!
أجاب ساخرا وصوته يحمل شيئا من المرارة : أو لا تسمعين عن كيد النساء؟ لا أحد يعرف تماما كيف خططت و لكن خطتها كانت شديدة الإحكام . انتظرت إلى حين خرج عاصم في أحد أسفاره ثم استأذنت في أن تحل ضيفة على إحدى صديقاتها من أعيان مدينتنا. أوصلها والد عاصم بنفسه على أن يعود لها بعد أسبوع و لكنها كانت قد أخبرت صديقتها في ذات الوقت أنها لن تقيم عندها سوى ثلاثة أيام. و في نهايتهم جاءتها عربة و غادرت إلى الأبد ، لم يرها أحد بعد ذلك اليوم.
و هكذا حين علم حموها بالأمر كانت قد سبقته بأربع أيام سفر و لم يستطع اللحاق بها. وحين عاد عاصم من سفره و أحاطوه علما كاد المسكين أن يفقد رشده. لم يسترح و لو للحظة ، انطلق على جواده كالمجنون دون أن يأخذ معه أي شيء: لا زاد و لا مال و لا حتى سيفه الذي لا يكاد يفارقه.
تنهد و واصل حديثه قائلا : من حسن الحظ أني كنت موجودا فلحقته آخذا معي جميع ما قد نحتاجه.
عندما وصلنا حصل ما تعرفينه : رفض أبوها رفضا تاما أن يدعه يرى الطفلة حتى عن بعد. و لم يكن باستطاعتنا فعل أي شيء ففقد كانت زوجته بين ظهراني أهلها و معارفها و كنا نحن الاثنين غريبين عن المدينة. ظللت مع عاصم ثلاثين ليلة بالتمام و الكمال.
أغمض عينيه كأنما ليستحضر ذلك الوقت الذي مضى ثم قال بشيء من الحزن : كانت أمر أيام عشتها في حياتي .نفذ فيها مالنا و زادنا و اظطررنا لنعمل أي شيء و كل شيء. و أخيرا استسلم عاصم و قرر الرحيل حتى يفكر في حل أجدى.
أما بالنسبة لزوجته فقد وافتها المنية بعد رحيلنا بأيام قليلة و من حينها و عاصم لم يفتأ يفكر و يخطط حتى يستعيد ابنته.
التفت إليها و هو يقول مبررا : لقد عانى الكثير الكثير و كل ذلك بسبب زوجته لذلك فقد كره النساء جميعا . لو بدا لك جافا غليظ الطبع فبسبب ما مر به . المحنة التي عاشها جعلته صلبا قاسيا لكنه في الواقع من أطيب الرجال و أحسنهم معشرا.
رأى الحزن يعتلي ملامح ميسون الرقيقة فسألها بعطف : يبدو أنه كان قاسيا جدا معك أليس كذلك؟
ابتسمت ميسون ابتسامة خفيفة و قالت دون أن تنظر إليه : بلى كان كذلك و لكني فهمت كل شيء الآن و الحق أني أعذره تماما.
ثم التفتت إليه متسائلة و علامات الحيرة على وجهها : الشيء الذي لم أفهمه هو كيف استطاعت الهرب لوحدها فالمسافة بعيدة جدا
عقدت حاجبيها و هي تنتظر إجابته و لما طال صمته حتى كادت تقوم من مجلسها أجابها ببطء : كانت هناك قافلة مغادرة و يبدو أنها اتفقت معهم سرا و دفعت لهم ليأخذوها معهم.
لم تقتنع تماما و لكنها لم تلح و سألته مغيرة الموضوع : لم تخبرني حتى الآن لماذا تتدربان سوية؟
أجابها مبتسما : مع أنه يقال أن الفضول مذموم إلا أني أحب كل شيء فيك حتى فضولك.
كشرت في وجهه فقال ضاحكا : رويدك علي يا سيدتي ميسون ، مهلك علي. نحن نتدرب لأن هذا هو عمل عاصم ، إنه يعمل مدربا للرجال على فنون القتال و هو كذلك يجيد الحدادة فيصنع السيوف و الخناجر و الأسهم. لذلك فهو كثير السفر ليبتضع و ليبيع ما يصنع. هذا هو كل ما في الأمر . و الآن أرجوك فلتناوليني بعض الطعام فأنا أكاد أهلك جوعا. و لا أعتقد أنك يرضيك هلاكي
ابتسمت ميسون و أسرعت بوضع الطعام الذي أحضروه معهم ثم قامت تنادي عزة و الطفلين ليشاركوهما.
بعد الأكل ، تمدد جاسر تحت شجرة بعيدة عنهم و سرعان ما غفى. و ظلت عزة جالسة لتستريح قليلا بينما أخذت ميسون الطفلين في جولة على ظهر فرسها.
حين عادت ، وجدت جاسر وعزة يتجاذبان أطراف الحديث فابتسمت مفكرة : " يا للماكر ، لقد عرف كيف يخرجها من قوقعتها"
ما إن وصلت إليهما حتى قالت باحتجاج : لقد حان دوركما الآن، فأن أريد قليلا من الوقت حتى أخلد هذا المنظر الساحر على أوراقي
ما إن ابتعدوا حتى تخيرت موقعا مناسبا. وضعت لوحها على صخرة مسطحة و ركعت على ركبتيها بجانبها ثم انغمست في رسم هذا لجمال الذي تغلغل حتى أعماقها.
كانت غارقة تماما في رسمتها ، تظبط خطوطها ، أشكالها و ألوانها فلم تشعر بوقع جواد عاصم و هو يقترب، و لا سمعته حين ترجل و بدأ يخطو نحوها و لا أحست بوجوده خلفها إلا حين امتد ضله على أوراقها. التفتت برفق و هي ترفع عينيها بفضول فالتقت بعيني عاصم.
اتصلت نظراتهما و قرأت في عينيه رسائل أبلغ من أي كلام ، رأت عشقا وهياما و استعطافا وشوقا جارفا.
عندما أخفضت نظرها أخيرا قال لها بصوته العميق : ما أبدع رسوماتك يا ميسون
سألته بصوت خافت : هل أعجبتك حقا؟
قال و عيناه مسلطتان على وجهها : بلى أعجبتني ، أعجبتني كثيرا و فوق ما تتصورين
احمر وجهها خجلا و قامت واقفة . مدت له الرسمة و هي تقول له بصوت رصين : إذا فهي لك.
تناولها منها و هو يبتسم لها بدفء و قال لها : أفهم من هذا أنك لم تعودي غاضبة مني؟
تذكرت فجأة كل شيء فعقدت حاجبيها و زمت شفتيها و قالت بسرعة : بلى مازلت غاضبة ، غير أني كنت قد نسيت
أخذت في الابتعاد قائلة له بهدوء : لكنك تستطيع الاحتفاظ بالرسمة
في لمح البصر وجدت جسده الضخم يسد الطريق أمامها.
نظرت له بتساؤل صامت ، فقال لها : ميسون لقد لحقتكم لأعتذر منك و لن أبرح مكاني حتى تصفحي عني.
تناهى إلى سمعها أصوات رفاقها آتين متوجهين نحوهم فقالت له بسرعة و هي تنظر إليه معاتبة : سأصفح عنك هذه المرة شرط ألا تعيد اتهاماتك لي . و إن عدت فلا كلام لك معي أبدا.
ابتسم راضيا ثم وقف بجانبها ينتظران قدوم الآخرين. ظل يتأمل جانب وجهها بإعجاب و بالكاد أرغم نفسه على النظر بعيدا عند اقتراب جاسر و عزة.
كان الطفلان يترنحان من التعب حتى أنهما ما إن صعدا على ظهور الخيل حتى غلبهما النعاس. انطلقت ميسون مسرعة و عزة خلفها على الفرس بينما تمهل الرجلان كي لا يزعجا الطفلين في نومهما.
بعد فترة التفت جاسر إلى عاصم وقال له بمرح : أتعرف فيم أفكر يا ابن العمة ؟
- خيرا ؟ سأله بذهن شارد
أجابه ضاحكا : كنت أفكر كم أنها محظوظة هذه الفرس و هي تحمل على صهوتها اثنتين من أجمل النساء يا ليتني كنت ..
قاطعه عاصم بصرامة : صه ! لا تكمل ، أنت تعلم جيدا أني أبغض مثل هذا الحديث
تراجع جاسر قائلا : رويدك علي يا ابن العمة أنا أمزح لا أكثر
نظر إليه عاصم بعينيه القويتين و وبخه قائلا : كثيرا ما أودى المزاح بالرجال إلى المهالك
سكت الشاب قليلا ثم قال بصوت جاد : صدقني يا ابن العمة ، أنا لا أقصد سوءًا أ شرا ، بل أريدك أن تعلم أني خطبت ميسون لنفسي و أني أنتظر ردها علي.
ما إن أكمل كلامه حتى اربدّ وجه عاصم و قست ملامحه. لم يغب التغير الذي طرأ على رفيقه و لم يفته مغزاه كذلك . تردد قليلا ثم سأله و هو ينظر إليه بجانب عينيه : لعل لك فيها حاجة يا ابن العمة ؟
أجابه عاصم بالصمت المطبق فأطرق برأسه أسفا. كان رغم مزاحه المتواصل و مرحه الدائم قد أعجب صادقا بميسون و بدأ يهيم بحبها بالفعل. لكنه رغم شعوره بوخز مؤلم في قلبه قال متصنعا المرح :
- أتعلم شيئا يا ابن العمة ، بعد تفكير أعتقد أن ميسون لا تناسبني فهي صعبة الطباع ، ما بالها عزة جميلة ، ليّنة و ذات حياء. هل ترى أن أطلب يدها أم لعلك ...؟
انفرجت أسارير عاصم أخيرا و سارع قائلا بصوت لا يخفي ارتياحه : سأخطبها لك بنفسي إن أردت.

عمر البعد 03-09-16 12:21 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
مرحباا نغم ...
مشكوره ياعسووله
جزء هاادي ومريح خصوصا ان يااسر عرف باعجاب عاصم بميسون
اكيد انه شي واضح من نظراته ولو حااول يخبي او يداري مشااعره ههههه

نتظر البقيه بكل شووق

نغم الغروب 03-09-16 01:46 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
عزيزتي ردك أحلى من العسل:shokrn:
سعيدة لأن الفصل أعجبك و سأحاول ألا أتأخر عليكم

bluemay 03-09-16 12:32 PM

رد: الرحيل ...إليه
 

الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,

يا هلا وغلا فيك يا نغم ..

روايتك رااائعة ربنا يبارك لك عندك موهبة فذة

وحس عالي بالإسلوب البلاغي الراقي ..


اعدتي الي ذكريات كاتبة رائعة طال غيابها (عالم خيال)

ذكرني اسلوبك الكتابي بها ولكن الفرق بينكما اننا نحسها واقعية

بعيدة تماما عن الخيال .


احببت ميسون واحببت قوتها وتماسكها وصدقها ...

وعاصم الشهم الشجاع الذي ما زال يعاني من مرارة الخداع والخيانة

ولكن ميسون تتسللت داخله بكل رقة وعذوبة ولا اظنه سيطيل الصمود امامها.


جاسر اضفى طعما للرواية بمرحه ودعابته .. احزنني انه آثر عاصم على نفسه

فبالرغم من محبته لميسون الا انه لم يستطع ان يؤذي ابن عمته وهو متيقن من انه يهمه امرها .


عزة لا الومها فقد ذاقت مرارة العيش والبؤس ورأت في عاصم خلاصا لها فمنت نفسها بحبه والزواج منه.

اتمنى ان تقاتل بشرف وتبتعد عن الغدر والخديعة .


سلمت يداك عزيزتي

تقبلي خالص ودي

بعد نهاية النقاش او الحديث مع أحد
لاتنسوا دعاء كفارة المجلس:*

سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ



نغم الغروب 04-09-16 12:54 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3658019)

الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,

يا هلا وغلا فيك يا نغم ..

روايتك رااائعة ربنا يبارك لك عندك موهبة فذة

وحس عالي بالإسلوب البلاغي الراقي ..


اعدتي الي ذكريات كاتبة رائعة طال غيابها (عالم خيال)

ذكرني اسلوبك الكتابي بها ولكن الفرق بينكما اننا نحسها واقعية

بعيدة تماما عن الخيال .


احببت ميسون واحببت قوتها وتماسكها وصدقها ...

وعاصم الشهم الشجاع الذي ما زال يعاني من مرارة الخداع والخيانة

ولكن ميسون تتسللت داخله بكل رقة وعذوبة ولا اظنه سيطيل الصمود امامها.


جاسر اضفى طعما للرواية بمرحه ودعابته .. احزنني انه آثر عاصم على نفسه

فبالرغم من محبته لميسون الا انه لم يستطع ان يؤذي ابن عمته وهو متيقن من انه يهمه امرها .


عزة لا الومها فقد ذاقت مرارة العيش والبؤس ورأت في عاصم خلاصا لها فمنت نفسها بحبه والزواج منه.

اتمنى ان تقاتل بشرف وتبتعد عن الغدر والخديعة .


سلمت يداك عزيزتي

تقبلي خالص ودي


عزيزتي المشرفة الجميله التي عرفناها جميعا بحسن أخلاقها و أدبها الجم يشرفني أن تعجبي بكلماتي و أفكاري
شكرا على تشجيعك و ترحيبك بي و عباراتك الصادقة
و يسعدني أن تقارني أسلوبي بالكاتبة الجميلة خيال فأنا أتابع رواياتها الممتعة باستمرار
سرني بشدة ملخصك لروايتي فهذا ما أردت إيصاله بالظبط
شكرا مرة أخرى

نغم الغروب 04-09-16 12:59 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الثاني عشر الحائر



في اليوم التالي لاحظت ميسون التغير الذي طرأ على جاسر فقد تجنب صحبتهم تماما و في المرات القليلة التي حاولت فيها سؤاله عن شأنه تحجج بأعذار واهية و ابتعد مسرعا.
- ما باله ياترى؟ تساءلت حائرة
كانت عزة واقفة بجانبها و لم يخف عليها هي الأخرى عزوف جاسر عن الكلام فقالت بأسف : المسكين ، يبدو أني حسدته
ابتسمت لها ميسون و حثتها قائلة : حاولي أن تسأليه أنت عن حاله ، فلربما كان مستاءًا مني ، ربما أكون أثقلت عليه بحديثي دون أن أدري
نظرت إليها عزة مستوثقة فلما رأت التشجيع في عينيها اتجهت إلى حيث كان جاسر يسقي جواده. عندما اقتربت منه ابتسم لها ابتسامة واهية ، و في عينيه نظرة تساؤل. ظلت صامتة و هي تنقل نظرها بين قدميه تارة و بين يديه تارة أخرى و أخيرا ركزت نظرها على الجواد . سألها جاسر بإشفاق و قد لاحظ ارتباكها : أتحتاجين شيئا يا عزة ، اعتبريني أخاك الأكبر و لا تخجلي
أجابته و هي تهز رأسها نافية : كلا كلا ، لا حاجة لي في شيء ، كنت فقط أود ، كنت أود أن ...
ثم سكتت عاجزة عن التعبير ، انتظرها جاسر قليلا ثم خاطبها بعطف : عزة ، أنت ...
لكنها قاطعته و هي تتكلم بسرعة كأنما تخشى أن تهرب منها الكلمات : لماذا أنت غاضب يا جاسر؟ البارحة كنت في أحسن حال معنا . هل أسأنا إليك ، هل تعتب علينا تصرفا ما ؟ ميسون أيضا تظن أنك غاضب منها.
تنهد عندما سمع اسم هذه الأخيرة و أجاب الفتاة يطمئنها : أنا لست غاضبا منكم أبدا يا عزة بل صدقيني حين أخبرك أنكم من أحسن رفقاء السفر الذين حظيت بهم على الإطلاق.
سألته بإلحاح : إذن ما خطبك؟؟
أجابها بصوت متعب : كل ما في الأمر أني مهموم بعض الشيء.
قالت رغما عنها : و لكن لا يحق لك أن تكون مهموما يا جاسر ، ليس أنت
رفع حاجبيه و هو يقول مندهشا : و لم لا يحق لي؟
قالت بارتباك : لأنك أنت الوحيد الذي يسري عنا ، أنا لا أعني أننا نلزمك بهذا ، و لكننا جميعا ، كما لا شك تعرف ، هاربون من هموم الماضي . جميعنا تحاصرنا الذكريات الحزينة ، ما عداك أنت يا جاسر فقد بدوت لي خاليا من الهموم ، مرتاح البال ، بادي المرح و الحبور
صمتت قليلا و أضافت بخجل : و لذلك نكره أن نراك حزينا
ظل جاسر ينظر باستغراب إلى وجهها الجميل الذي اعتراه شيء من البؤس. ثم قال لها برفق : هل تسمحون لي أن أختلي بنفسي هذا اليوم ، و من الغد إن شاء الله سأحاول أن أعود لسابق عهدي معكم.
قالت عزة محذرة : فقط هذا اليوم
نظر إليها باستغراب مرة أخرى ثم ابتسم رغما عنه ، أما هي فقد ابتسمت براحة لابتسامته و أسرعت مغادرة.
حدث نفسه بحيرة : من كان يظن أن الفتاة عزة قد تعبأ بأمر أحد إلا نفسها ؟!!
كان قد لاحظ منذ أن التقاها أن جل اهتمامها كان بنفسها و بشؤونها. فما أن يحل الظلام حتى كانت تهرول إلى العربة كأنما لتحتمي فيها ، غير مبالية بالآخرين أو هكذا كانت تبدو. على عكس ميسون التي كانت دائما آخرهم دخولا.
بدت له عزة كذلك و كأنها لا ترتاح في الحديث سوى مع عاصم أو مع السيدة المسنة. أما فيما عدا ذلك فلم تكن تنبس إلا بكلمات تعد على أصابع اليد الواحدة ، لم تضحك إلا فيما ندر ، أما ابتساماتها فكانت تختفي بمجرد أن ترتسم على شفتيها. و ما إن يطول صمتها حتى تبدو كتمثال معبر عن الحزن و الأسى.
كانت جميلة ، لا أحد يستطيع الإنكار ، بل و شديدة الحسن أيضا. و لكنها كانت تبدو في كثير من الأحيان جامدة ، خالية من الروح.
أما ميسون ، ميسون فكانت تفيض بالحياة حتى و هي صامتة . خلبت لبه منذ أول نظرة من عينيها العسليتين و علم منذ اللحظات الأولى أنها نشأت في بيت عز. كانت طريقتها في الحديث ، التفاتاتها ، و جميع حركاتها تدل على رقيها ، و لكنها رغم ذلك لم تكن تأنف من فعل أي شيء.
و لشد ما أسرت فؤاده حين انحنت مرة على أوراقها لترسم شيئا ما. عقدت حاجبيها الرقيقين و أسبلت جفنيها و اكتسب وجهها تعبيرا أخاذا حتى غدت هي نفسها لوحة ناطقة ، لوحة ساحرة خلابة ود لو يمضي عمره يتأملها و يحافظ عليها و يخبئها عن جميع الأعين.
لكن يشاء سوء حظه أن المرأة التي شغف بها هي نفس المرأة التي اختارها قلب عاصم.
زفر قائلا بغيظ : لو كان رجلا غيرك يا عاصم لما أقمت له وزنا و لما اكترثت و لكنك أنت يا عاصم ، أنت!
نعم كان غريمه فيها هو عاصم. عاصم ابن عمته و معلمه و قدوته و أعز صحبه . عاصم الذين يئسوا جميعا من فكرة اقترانه بامرأة أخرى بعد ما كان من زوجته الأولى.
كان هو أكثر من رأى معاناته و بؤسه بعد ما حصل.
كان معه عندما غادرا في تلك الرحلة المشؤومة ليلحق امرأته و ابنته. رآه في أشد حالاته بؤسا و هوانا. كان لا يكاد ينام الليل و لا يبتلع من الطعام إلا ما يسد رمقه و يجعله يقيم أوده.
رأى القهر في عينيه و قسماته عندما منع عن ابنته ، لكنه لم يشتك أبدا حتى له. كتم ألمه بداخله حتى كاد يهلك. تذكر جاسر تلك الليلة عندما قام من الليل على صوت هذيان ابن عمته ، كان محموما كأنه قدر تغلي و كان يردد عبارات غامضة لم يفهم منها إلا اسمي زوجته و ابنته.
تعهده برعايته حتى زالت عنه الحمى و مع زوالها اختفت أشياء كثيرة لدى عاصم ، اختفتت بشاشته و مرحه و خبت لمعة عينيه و أصبح كأنما هو جسد بلا روح.
و حتى حين بدأ يعود لسابق عهده لم يعد أبدا كما كان. و أكثر ما طرأ عليه هو كرهه للنساء و بغضه لكل ما يتعلق بهن. لكن هاته الأخيرات لم يتركنه و شأنه. فعندما عرف عنه عزوفه عن الزواج ، حاولت الكثيرات أن يداوين جراح قلبه و روحه و لكن هيهات فهو لم يسمح لهن حتى بالاقتراب أو الدنو، و صدهن صدا غليظا قاسيا.
و الآن و لشدة استغرابه ، لان قلب عاصم أخيرا و هوى و هام بامرأة و أي امرأة. ميسون التي شغفت قلبه هو الآخر برقتهآ و عذوبتها ، ميسون الحلوة التي تبدو كفاكهة تؤكل بعد الشبع .
تنهد مرة أخرى و خاطب نفسه بتصميم : " مادام عاصم اختارها فلا شأن لك بها أبدا ، يجب عليك أن تنساها. أنت لم تعرفها إلا قريبا أما عاصم فتعرفه طوال عمرك "
ظل يحدث نفسه بهذا الكلام طوال اليوم خاصة و قد بدأ يلاحظ ما كان خفي عليه من قبل ، من نظرات متبادلة بين العاشقين و من كلام يحمل أكثر من معنى.

عندما أفاق في اليوم التالي قبل أن ينتصف النهار بقليل كان ما يزال يشعر بتعكر مزاجه و لكنه ما إن رأى عاصم قادما إليه حتى رسم ابتسامة مصطنعة على وجهه ، ابتسامة ما لبثت أن اختفت حين سمع هذا الأخير يقول له بحماس : أبشر يا جاسر فقد حدثت عزة بشأن رغبتك في خطبتها و وافقت...

نغم الغروب 04-09-16 02:26 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
هذه صورة متواضعة للغلاف كي أقرب لكم صور الشخصيات كما تخيلتها

[IMG]http://img4.hostingpics.net/pics/55366555a2.jpg[/IMG]

bluemay 04-09-16 12:17 PM

رد: الرحيل ...إليه
 

الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,


اشكرك على كلماتك الطيبة بحقي وارجو من الله أن يجعلني عند حسن الظن دائما.

وصدقيني لم اجاملك بأي حرف بل اقررت ما كان واقعا واحسسته بكل جوارحي..


صدق حدسي بخصوص مشاعر جاسر .. وأنه آثر سعادة عاصم على سعادته

عزة صدمتني بموافقتها السريعة على جاسر والحق يقال انا لا الومها فهو نعم الرجل الخفيف الظل المرح.


هل ستمضي الامور بلا اي تعقيد ام ستستجد اخرى ؟!!


سلمت يداك عزيزتي
تقبلي مروري
مع خالص ودي

بعد نهاية النقاش او الحديث مع أحد
لاتنسوا دعاء كفارة المجلس:

سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ



نغم الغروب 05-09-16 02:43 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الثالث عشر العصافير


ظل جاسر فاغرا فمه للحظات ثم ضرب جبينه بيده عدة مرات و هو يقول في غيظ : يا ابن العمة كنت أمزح معك ، أمزح ، ألا تعرف شيئا عن المزاح ، ألم تسمع به؟!
أجابه عاصم في حزم : كلا لا أعلم شيئا عن هذا النوع من المزاح ، و هل يمزح الرجال في أمور الخطبة و الزواج؟
قال جاسر بغيظ أشد : أنا أمزح يا عاصم ، أمزح في جميع أمري و الآن فلتذهب إلى عزة و تخبرها أنه لا توجد خطبة و لا زواج ، و أن الأمر كله مجرد مزاح بين رجلين أحدهما لا يعرف الفرق بين الجد و الهزل
قطب عاصم جبينه و قال له بحدة : ويحك يا جاسر أَوَ مثلي من يفعل هذا؟!
سار مبتعدا و لكنه ما لبث أن قفل عائدا ليقول لجاسر بتأنيب : ثم ما بالها عزة يا فتى؟ أو لم تقل بنفسك أنها جميلة و ذات حياء؟ و أنا بنفسي أؤكد لك أنه لا تشوب سمعتها شائبة ، فقد كنت أراقبها بنفسي لمدة طويلة و لم ألحظ عليها ما يريب
قال له جاسر متهكما : لماذا لم تخطبها لنفسك إذن؟
أجابه عاصم باستنكار : أخطب عزة لنفسي؟! ويحك إنها تكاد تكون ابنتي
مضى جاسر في تهكمه قائلا : وا عجبي على زماننا هذا الذي يكون فيه لابن الثانية و الثلاثين ابنة في الثامنة عشر
أجابه عاصم بهدوء : عرفت الفتاة منذ كانت طفلة ذات إحدى عشر ربيعا و لم أفتأ أنظر إليها كطفلة
قال جاسر بمرارة : تراها طفلة و مع ذلك تخطبها لي.
- لم أفعل إلا لأنك طلبت مني ، رد يحسم الموضوع ، و الآن لا مزيد من اللغو يا جاسر ، الفتاة أمامك ، اذهب و أخبرها ما شئت
و انصرف بخطى سريعة. أما جاسر فظل يجوب المكان و هو يزفر غاضبا كأنه أسد حبيس. و أخيرا استجمع شتات نفسه و سار باحثا عن عزة .
لمحها من بعيد جالسة على إحدى الصخور و هي تجدل شعر الطفلة. انتظر حتى أكملت ثم اقترب منهما. لم ينظر إليها مباشرة بل ربت على رأس الطفلة بلطف و هو يقول لها : ما أجمل لون شعرك يا زهراء
هزت الطفلة رأسها يمينا و شمالا تأرجح ضفيرتها ثم قالت له بسعادة : هل أعجبك حقا يا عماه
- و هل فيك ما لا يعجب يا زهرتي ، أجابها مبتسما بحنان
ازدادت ابتسامتها اتساعا ثم قالت له بحماس : عزة أيضا شعرها أشقر مثل شعري
التفت إلى الفتاة و قالت تحثها : هيا يا عزة ، انزعي غطاء رأسك حتى يرى أن شعرك يشبه شعري
نظر إلى عزة فوجدها تكاد تتمنى أن تبتلعها الأرض من شدة خجلها فالتفت إلى الطفلة و طلب منها أن تذهب لتلعب مع أسامه.
ما إن ابعدت حتى التفت إلى عزة و أخذ يتأملها بإمعان. كانت حمرة الخجل التي تصبغ خديها قد زادتها فتنة على فتنتها حتى أنه صارح نفسه أنه لو لم تكن ميسون موجودة لربما كان شغف بعزة على جمود طبعها فجمالها كان يخلب الألباب.
لما طال صمته رفعت نظرها إليه بتردد و سرعان ما خفضته مجددا حين قابلت عينيه.
شعر جاسر أنه أُخذ على حين غرة و دفع نفسه دفعا للكلام و بصوت مرتبك قال لها : عزة ، هل خاطبك عاصم في شأني؟
أومأت برأسها بالإيجاب دون كلام فواصل قائلا أول شيء يخطر بباله : و ما رأيك؟
ازداد ارتباك عزة بشكل واضح و أخذت تتشاغل بتسوية ثوبها مرات و مرات حتى خشي أن تمزقه. فقال لها بهدوء : اسمعيني يا عزة ، لو بدا لك أن ترفضي فلتقولي و لا حرج عليك.
تكلمت الشابة أخيرا فقالت بصوت ناعم و هي تنظر إليه في رقة : بل أقبل يا جاسر
عندما لم يتكلم وجهت له ابتسامة فاتنة ثم فرت من أمامه.
ظل يلاحقها بعينيه حتى غابت عن ناظريه ، حين أفاق مما هو فيه ضرب جبينه مرة أخرى بقبضته و قال مخاطبا نفسه بصوت عال : ما الذي فعلته يا رجل أتيت لتخرج نفسك من المأزق فازددت غرقا فيه
تأفف قائلا : سامحك الله يا عاصم إن لم أجد مخرجا قريبا فسيكون زواجي قائما على مزحة
ثم أضاف و هو يضحك من غرابة أمره : وا عجبي عليك يا جاسر ، عندما طلبت جادا رُفضت و عندما طلبت مازحا قُبلت
ظل يسير بلا هدى و هو مسترسل في ضحكه حتى قابل ميسون التي ما إن رأته حتى بادرته قائلة : أضحك الله سنك يا جاسر ، ما أسعدني بعودتك إلى ما كنت عليه
أجابها بدفء : و ما أسعدني بسعادتك لأجلي
لكنه سرعان ما تذكر عاصم فتنهد وودع ميسون و سارع بالابتعاد.
ما إن حل الظلام حتى شد الرجال رحالهم . كانوا قد تعودوا على مزاح جاسر معهم و حكاياته المضحكة التي يسليهم بها لذلك بدت لهم الليلة طويلة ثقيلة حين التزم الشاب الصمت على غير عادته.
أما هذا الأخير فقد غرق تماما في أفكاره. تذكر بوضوح كلمات أمه عندما رفض آخر فتاة اقترحتها عليه ، حينها قالت له مستهزئة : أو تظن أنك ستختار فعلا عروسك كما تشاء ، ثق يا بني أن المرأة التي كتبت لك ستتزوجها رغما عنك ، شئت أم أبيت
ابتسم بتعجب و هو يرى مدى مطابقة وصفها لحاله الآن. لم تكن عزة بالخيار السيء و لكنه لم يكن أبدا ليفكر فيها كزوجة له. فعدا جمالها لم يبدو أن لديها الكثير ليعجبه فيها . و كان أكثر ما يستنكره منها هو اهتمامها الزائد بعاصم . لوى شفتيه بامتعاض و هو يتذكر كم الأسئلة التي كانت تسألها بشأن هذا الأخير :" هل آستيقظ عاصم ، هل أكل عاصم ، هل يحتاج أن أغسل له بعض ملابسه ، هل ، هل ، هل ..."
اهتمام شديد جعله يظن يقينا أن ما خفي من أمرها أكبر بكثير مما يبدو ، لذلك كم كانت مفاجأته عند قبولها السريع لطلبه المزعوم الزواج منها.
هز رأسه محتارا و هو يؤكد لنفسه أنه لم يخلق بعد من يقدر على سبر أغوار النساء و تذكر حين صحى يوم أن أخذهم في نزهة بعد غفوته القصيرة و كيف وجدها تنظر إليه نظرات غريبة. و على غيرعادتها لم تقم بخفض بصرها حالا بل ظلت تتأمله طويلا و بعمق حتى أنه نظر إليها نظرة مليئة بالتساؤل. و حينها فقط احمر خداها و أطرقت برأسها تنظر إلى الأرض.
تذكر أيضا كيف أخذ يستعلم منها عن سر قلة كلامها و ندرة ضحكاتها. أجابته بصوت تشوبه بعض المرارة :
لم تكن حياتي بالسهلة في السنة الماضية فبعد وفاة والداي عشت في بيت خالتي و لم أكن أتكلم إلا مع الطفلة، أما فيما عدا ذلك فكان الصمت يحيط بي من كل جانب حتى أصبح جزءًا مني، لذلك تراني لا أشارك في حديثكم
صمتت ثم أضافت : كما إني لا أعرف أي نوادر أو طرائف لأحكيها لكم
عندها نظر إليها باستغراب و هو يقول : لا أكاد أصدق ذلك يا عزة
عندما رأى تعبير الأسى على وجهها قال مشجعا : فلتقولي أي طرفة يا عزة و أعدك أن أضحك عليها من كل قلبي.
تذكر كيف رمقته بنظرة اعتذار و لجأت للصمت. وقتها أحس بشفقة شديدة عليها فسارع يشجعها مرة أخرى:
دعينا من النوادر فأنا أعرف معظمها في جميع الأحوال فلتخبريني عن أطرف شيء فعلته في حياتك
فكرت الفتاة للحظات ثم قالت و ابتسامتها تتسع شيئا فشيئا : كنت لا أطيق زوج خالتي فقد كان رجلا شديد البخل ، كثير الكلام ، تافه الحديث. الحق أنه جعل حياتي في بيته جحيما . لذلك ليلة هربي قررت أن أرد له الجميل.
صمتت و ابتسامتها تملأ وجهها فسألها بفضول : ماذا فعلت؟
أجابته باستمتاع : لقد أطلقت جميع طيوره من أقفاصها ، لم أترك له طيرا واحدا
التفتت إليه مفسرة : كان يربي الكثير من الطيور صغيرة الحجم ، أصغر من العصفور ، ألوانها زاهية بين أحمر ، بني ، أزرق ، أخضر ، أبيض و أصفر و ما كان أجمله مشهدا حين ملأت سقف الغرفة و كم كانت سعادتي حين فتحت لها النافذة و رأيتها تغادر ذلك المنزل البائس إلي الأبد ، إلى الأبد. حينها فكرت في نفسي أن حالها أشبه ما يكون بحالي
ظل صامتا للحظات و هو يتأمل التعبير الحالم المرتسم على وجهها ثم بدأ يضحك من غرابة أمرها و بساطة تفكيرها. قال لها مترفقا : يا لك من فتاة يا عزة! أو تظنين أن الرجل سيحزن لرحيل طيوره أكثر من حزنه على رحيل حفيدته؟!
أجابته بكل ثقة : بل أقسم لك على ذلك فأنت لا تعرفه مثلي. أما الأحفاد فلديه الكثير غير الزهراء، لكن هذه الطيور لم يكن لديه غيرها. لو رأيته كيف كان يقضي وقته يطعمها و يسقيها و ينظف أقفاصها. و لشد ما كان أسخفه حين كان يتظاهر بأنه يزقزق مثلها.
صمتت قليلا و أضافت بشماتة : لا زقزقة لك بعد اليوم يا أبا الوليد.
ابتسم جاسر رغما عنه وهو يسترجع كلماتها الأخيرة . كان يستعد للاستغراق في أفكاره من جديد حين أوقفهم رفيقهم "المتشمم" و هو يقول لهم بصوت يحمل بعض القلق : لدينا صحبة يا رفاق.

الخاشعه 05-09-16 04:15 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
ما شاء الله ...الرواية يتابعها قراء مميزين في المنتدي ويعتبرون من افضل القراء
كأن الامور تصافت بين العشاق وهم على مشارف بلدتهم بس احس بيصير شي كبير بيفرقهم
استمري نغم فأنتي مبدعه💗

bluemay 05-09-16 09:36 AM

رد: الرحيل ...إليه
 


الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,



فصل هاديء وجميل ....

ههههه لقد تورط جاسر بمزحته وفعلا كما قال عاصم لا مزاح في الزواج والخطبة ..!!

ما زلت استغرب سر تحول عزة المفاجيء ، اتراها آيست من التفات عاصم لها وايقنت بعمق مشاعره تجاه ميسون ؟!

ام هل تخطط لشيء ما ؟!!


جاسر اراد ان يكحلها فعماها هههههه

اضحكني كثيرا عندما حاول ان يبين لها انه كان مازحا في خطبتها فوجد نفسه يتعمق في المسألة اكثر ..


من هم القادمون اليهم ؟!

قلبي ليس مطمئنا البته.

سلمت يداك

كلي شوق لما هو آت



عمر البعد 05-09-16 04:02 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
سلمت يمنااك ي نغم ..

ضحكت على موقف يااسر والورطه الحلووه اللي ورطه بهاا عااصم هههههه
وكأنه مااصدق خبر او يبي يزيح الاثنين عن طريقه ويشغلهم مع ان مااتوقع هذا من شيم عاصم بس ياابخت من وفق راسين بالحلااال خخخخخ
يمكن عزه تتغير وتصير ظريفه وثرثاره وتعجب ياسر اكثر واكثر ويمكن تسااعدها ميسوون في هالشي
حبيت الطفله وعفويتهاا بالكلام عن شعر عزه امام ياسر

الجزئين حلووين مثلك ياانغم بس فقدنا عاصم وميسون فيهم

بانتظاارك وبانتظاار احداث اكثر بين ابطالناا

نغم الغروب 07-09-16 12:55 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخاشعه (المشاركة 3658258)
السلام عليكم
ما شاء الله ...الرواية يتابعها قراء مميزين في المنتدي ويعتبرون من افضل القراء
كأن الامور تصافت بين العشاق وهم على مشارف بلدتهم بس احس بيصير شي كبير بيفرقهم
استمري نغم فأنتي مبدعه💗

ما شاء الله عليك أنت يا عزيزتي الخاشعة و على تشجيعك الدائم لي
الأمور تصافت بين العشاق فعلا و لكن سيحدث شيء ما لكن ربما ليس لتفريقهم فلننتظر و نرى

نغم الغروب 07-09-16 01:03 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3658279)


الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,



فصل هاديء وجميل ....

ههههه لقد تورط جاسر بمزحته وفعلا كما قال عاصم لا مزاح في الزواج والخطبة ..!!

ما زلت استغرب سر تحول عزة المفاجيء ، اتراها آيست من التفات عاصم لها وايقنت بعمق مشاعره تجاه ميسون ؟!

ام هل تخطط لشيء ما ؟!!


جاسر اراد ان يكحلها فعماها هههههه

اضحكني كثيرا عندما حاول ان يبين لها انه كان مازحا في خطبتها فوجد نفسه يتعمق في المسألة اكثر ..


من هم القادمون اليهم ؟!

قلبي ليس مطمئنا البته.

سلمت يداك

كلي شوق لما هو آت



شكرا على متابعتك عزيزتي و يسرني أنك أعجبت بشخصية جاسر فأنا كتبتها بحب
سأروي شوقك قيبا إن شاء الله و آسفة على التأخير غير المتعمد

نغم الغروب 07-09-16 01:35 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر البعد (المشاركة 3658341)
سلمت يمنااك ي نغم ..

ضحكت على موقف يااسر والورطه الحلووه اللي ورطه بهاا عااصم هههههه
وكأنه مااصدق خبر او يبي يزيح الاثنين عن طريقه ويشغلهم مع ان مااتوقع هذا من شيم عاصم بس ياابخت من وفق راسين بالحلااال خخخخخ
يمكن عزه تتغير وتصير ظريفه وثرثاره وتعجب ياسر اكثر واكثر ويمكن تسااعدها ميسوون في هالشي
حبيت الطفله وعفويتهاا بالكلام عن شعر عزه امام ياسر

الجزئين حلووين مثلك ياانغم بس فقدنا عاصم وميسون فيهم

بانتظاارك وبانتظاار احداث اكثر بين ابطالناا

و سلمت يمناك كذلك عزيزتي
بالنسبة لعاصم فهو بالفعل أراد أن يزيح جاسر و يطمئنّ على عزة في ذات الوقت
أنا كذلك فقدت عاصم و ميسون لكني لا أميل إلى القصص التي تتمحور حول البطل و البطلة فقط ، أردت أن أعطي فسحة لشخصيات إضافية حتى لا يكونوا مجرد ديكور
سعيدة بمتابعتك و سأحاول ألا أتأخر في نشر الفصل القادم

نغم الغروب 07-09-16 06:32 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الرابع عشر لقاء الأحبة



أوقف جميع الرجال خيلهم بسرعة و سأل عاصم بصوت يحمل بعض القلق : كم عددهم ؟
أجابه " المتشمم" و هو يصيخ السمع : ليس أقل من عشرة أنفار و ليس أكثر من خمسة عشر
فكر عاصم بسرعة ثم قال لأكبرهم سنا :
- سترافق أنت النساء و الأطفال يا أبا عبد الله و سنتكفل نحن بقطاع الطرق
اتجه مسرعا إلى العربة الأخرى و نادى على ميسون التي كانت مستيقظة أصلا ، ما إن أطلت عليه حتى خاطبها بكلمات سريعة : ميسون ستكملين الطريق راكبة ، سنربط جوادا آخر إلى هذه العربة و ستنظم إليكم عزة و الزهراء و ستتجهون جميعا إلى الديار برفقة "أبي عبد الله".
و أشار إلى الرجل الذي كان قد أتم ربط جواده بعربتها.
في الأثناء كان جاسر قد أيقظ عزة و حمل الطفلة بسرعة إلى العربة. حاولت الشابتان أن تستفسرا عن الأمر لكن لم يجبهما أحد و وجدت ميسون نفسها تدفع دفعا إلى امتطاء فرسها.
و غادرتهم وقلبها يكاد يتمزق خوفا و حيرة على عاصم و مصيره.
لم يمض سوى وقت يسير حتى حاول رفيقها تهدئة روعها ، قال لها مفسرا باقتضاب : إنهم قطاع الطرق ، لقد فاجؤونا بوجودهم في هذه الأنحاء فليس من عادتهم الاقتراب من ديارنا إلى هذا الحد.
ثم أكمل مطمئنا إياها : على العموم لا تقلقوا فالرجال سيتكفلون بهم تماما
بعد كلماته القصيرة لجأ الرجل للصمت فاحترمت ميسون رغبته و لم تجرأ على أن تستفسر أكثر و ظلت فريسة للقلق و للهواجس.
أما عاصم فقد أخذ يشرح خطته للرجلين الآخرين و هم يتوجهون للقاء اللصوص. أمرهم بصوت جهوري : حين أقترب منهم سأختبئ في العربة أما أنت يا جاسر فستتأخر عنا . حين يوقفون النعمان سنأخذهم على حين غرة. ففي الوقت الذي سأخرج فيه عليهم ستبدأ أنت يا جاسر بتصويب سهامك على أرجل خيولهم.
لما تأكد من استيعابهما لأوامره ، ترجل عن جواده و ضربه على عجزه ضربة قوية كي يبتعد عنهم.
…………………………………………………………………………………………………………………
كانت ميسون و رفيقها ينطلقان بأقصى سرعتهما حتى كادت فرسها تهلك من الإجهاد. فقط عندما بدأ الليل يسحب عباءته السوداء أخذت أسوار المدينة تلوح لهما من بعيد. حينها فحسب طفق الرجل يهدئ من سرعة جواده تدريجيا و فعلت هي نفس الشيء مع فرسها المتهالكة.
بعد قليل كان الرجل يطرق أحد البيوت و عرفت فورا أن هذا بيت عاصم ووجدت نفسها تتشوق لدخوله. و كيف لها أن تلوم نفسها و هو مكان يحمل الكثير من أثاره و ذكرياته و ربما ضحكاته حين كان يضحك.
فتح لهم الباب رجل في أواسط الستينات عرفت من عينيه أنه والد عاصم ، نظر إليها نظرة عابرة ثم سأل الرجل الآخر عن ابنه. ما إن عرف بما حصل حتى طلب منهم جميعا الدخول ، كانت أصواتهم قد نبهت زوجته فجاءتهم مسرعة تستقبلهم ، شرح لها زوجها الأمر بسرعة ثم أمرها بتولي أمر ضيوفهم و أسرح من حينه مغادرا ليقتفي خبر ابنه برفقة الرجل الآخر.
حملت ميسون أخاها بينما حملت عزة الطفلة الأخرى و سارتا و المربية تتبعهم وراء والدة عاصم ، تقدمتهم هذه الأخيرة في ممشى طويل يصل بين الباب الخارجي و بين مكان سكنهم.
و أخذت ميسون في تأمل المكان الذي رغم غرابته عليها إلا أنها شعرت براحة فور دخوله. لم يكن في فخامة مسكنهم بالطبع فبينما كان بيتهم أقرب إلى قصر صغير محاط بحديقة مترامية الأطراف، كان هذا البيت من طراز مختلف تماما . كان يتألف من عدة غرف تحيط بساحة رحبة بها فسقية جميلة ، و كان له بستان واسع متصل به من ناحية الشمال.
أخذتهم السيدة إلى غرفة فسيحة و عرضت عليهم أن يكملوا نومهم فيها ، عندما لم يلب طلبها سوى المربية و الطفلين أشارت إلى الفتاتين أن تتبعاها. رافقتهما إلى غرفة تطل مباشرة على الباب الخارجي و غادرتهما لتعود بعد قليل حاملة معها بعض الطعام. غصبت ميسون على نفسها لتأكل لقيمات حتى لا تحرج السيدة ثم أخذت تتأملها بإمعان. كانت المرأة متعلقة بإطار الباب و هي تراقب الخارج و التوتر يصبغ ملامحها . كانت لا تكاد تمت إلى عاصم بصلة فقد بدت ضئيلة الحجم مقارنة بكل من ابنها و زوجها ، لكنها بدت مميزة بقسماتها التي تجمع بين سمار البشرة و اخضرار العينين مع حاجبين مزجّجين بدا كل منهما و كأنه هلال أسود يظل بحيرة زمردية ، لا شك أنها خلبت لب والد عاصم في شبابها.
ظلت ميسون تتأملها خفية من حين لآخر عسى أن تجد فيها شبها و لو بسيطا من وجه الرجل الذي تحب.
كانت في الأثناء تظغط على يديها بشدة حتى ترغم نفسها على الجلوس و لا تفعل مثل عزة التي أخذت تجوب المكان مرارا و تكرارا. أخيرا استدارت إليها المرأة و قالت لها بصوت لطيف لا يخفي توترها :
- اجلسي يا ابنتي فقد زدت من قلقي و انشغالي بكثرة حركتك.
طأطأت عزة رأسها في حرج و أسرعت بالجلوس و أما المرأة ففضلت أن تشغل نفسها عن حيرتها بتبادل الحديث معهما . قالت مخاطبة عزة :
- أنت ابنة الخالة ، أليس كذلك؟ ففيك شبه منها
عندما أجابت الفتاة بالإيجاب ، التفتت إلى ميسون و سألتها مبتسمة : و أنت يا ابنتي من تكونين ، أرجو أن تعذري فضولي فابني لم يحدثني عنكم.
بادلتها ميسون ابتسامتها ثم ردت برفق : لا تعتذري يا خالة فمعك كل الحق ، نحن من يتوجب عليه الاعتذار لأننا أثقلنا عليكم دون وجه حق.
سارعت المرأة بنفي الأمر لكن ميسون واصلت مفسرة : الحق يا خالة أننا كنا نحتاج إلى من يقلنا معه و تكرم عاصم بمساعدتنا ، و كان نعم المضيف ، أكرمنا و سهر على راحتنا و كم نتمنى أن يعود سالما حتى نرد له الجميل.
تنهدت المرأة و قالت و هي تنظر إليها باهتمام : سمع الله منك يا ابنتي.
ثم بدأت تسألهن عن الطفلة و أحوالها و كيف تقبلت ابتعادها عن جديها و بينما هن كذلك إذ سمعن صوت الباب الخارجي. قفزت ثلاثتهن قفزا من مكانهن و جرين جميعا نحو باب الغرفة ، فأما الأم فخرجت راكضة و أما الفتاتان فقد وقفتا بالباب تنظران.
رأت ميسون والد عاصم يسند هذا الأخير إليه الذي كان يعرج برجله اليسرى ، ما إن اقتربت والدته منه حتى انحنى عليها و ضمها إليه و قبل جبينها بدفء و ظل يطمئنها عن حاله بصوت عطوف. ثم رفع عينيه فقابل نظرات ميسون الملهوفة و رغم حيائها إلا أنها لم تستطع أن تخفض بصرها بل حملت نظراتها كل لواعج نفسها. عندما دخلوا الغرفة ابتعدت الشابتان لتقفا في أحد الأركان و هما تحمدان الله عل سلامة الرجال. نظر الرجل إلى زوجته و أمرها بإحضار دلوا من الماء و بعض الأربطة و قال لها موضحا : جاسر مصاب في ذراعه يجب أن نغسل له الجرح بسرعة قبل أن أوصله إلى بيته .
هرعت المرأة لجلب ما أمرها به و تبعتها عزة بسرعة بينما خرج الأب عند سماعه صوت مناداة أحد الرجلين.
وجدت ميسون نفسها وحيدة مع عاصم و حارت كيف تتصرف. أخرجها من ارتباكها عندما أمرها بصوته العميق : تعالي إلي يا ميسون
ركضت إليه و روحها تسابق جسدها ، توقفت قريبا منه و رفعت وجهها تتطلع إليه في صمت أبلغ من أي كلام. سألها بصوت دافئ :
- ميسون هل القلق الذي رأيته في عينيك من أجلي؟
أجابته بصوت مختنق و شفتاها ترتجفان : كله من أجلك يا عاصم ، كله من أجلك
طافت عيناه على صفحة وجهها ثم ارتاحتا قليلا على شفتيها ثم عادتا لتحدقا في عينيها. انحنى عليها و قال لها بصوت يجيش بالعاطفة : ميسون اذهبي الآن إلى غرفتك فقد يدخل علينا أحدهم في أي وقت
أطاعته على الفور لحسن حظها ، فما إن بلغت الباب حتى خرجت والدته تتبعها عزة و هي تحمل دلوا من الماء.
وجهت له نظرة أخيرة حملتها جميع شوقها إليه ثم غادرت. بينما قبلته أمه على خده و أسرعت متوجهة إلى ابن أخيها. حين وصلت إلى العربة التفتت إلى عزة و طلبت منها أن تناولها الدلو و لكن هذه الأخيرة أجابتها و هي تتجنب نظرات عينيها : لا بأس يا خالة ، قد يكون ثقيلا عليك ، سأدخله معك إلى العربة ثم أغادر
فلم تكن الفتاة بأي حال تنوي أن تذهب دون رؤية خطيبها. ما إن رأت منظر جاسر حتى أصابها الهلع فقد كان مستلقيا على أرض العربة ، عاري الصدر و جرح في أعلى كتفه ينزف بغزارة بينما والد عاصم يظغط عليه بقوة. بدأت المرأة تغسل له جرحه بيدين خبيرتين ثم لفتة بالأربطة و شدت هي أحد الطرفين بينما شد زوجها الآخر ثم عقدتهما على الجرح حتى ينقطع النزيف. كان جاسر مغمضا عينيه طوال الوقت ، يبدو على ملامحه الألم الشديد و لم تستطع الشابة فعل أي شيء سوى النظر إليه بفزع. التفت إليها السيدة و قالت لها بلطف يغلفه الحزم : أشكرك يا عزة على مساعدتك و الآن اذهبي لتنالي قسطا من الراحة.
خرجت الفتاة رغما عنها و هي تشعر بالفراغ فكم تمنت أن ينظر إليها نظرة واحدة. فمنذ أن خاطبها عاصم بشأن جاسر و هي حائرة في أمر أحاسيسها ، لم تشعر بالصدمة أبدا عندما تأكدت بما لا يدعو للشك أن عاصم لم ينو و لي ينوي الزواج منها ، ما فاجأها هو سعادتها العظيمة برغبة جاسر فيها. كانت قد وصلت الغرفة التي خصصتها لهم والدة عاصم فاستلقت بجانب ميسون النائمة و استرسلت في تفكيرها.
اعترفت لنفسها أن أكثر شيء جعلها تولع بعاصم هو جاذبيته الجسدية ، فهي لم تكن قد قابلت رجالا مثله من قبل. فجُلّ من كانت تتعامل معهم هم من التجار و الباعة ذوي المظهر العادي و البطن المكتنز في كثير من الأحيان.
لذلك عندما رأت عاصم افتتنت به و عندما رأت جاسر كذلك أعجبت به فورا هو الآخر مع أنها لم تعترف لنفسها بذلك إلا بعد لأي. و وجدت نفسها تغرم بسرعة باندفاعه ، بمرحه ، بدفء طبعه و شيئا فشيئا وجدت اهتمامها بعاصم يقل ليحل محله الاهتمام بجاسر.
كانت المرة الأولى التي واجهت فيها حقيقة مشاعرها هو يوم نزهتهم معا.
كان غافيا تحت ظلال الشجرة و ظلت هي تتأمله كالمسحورة ، أرادت دون جدوى أن تشبع عينيها من وجهه غير أنها احتارت على ما تركز بصرها ، أ على شعره الناعم الطويل ، أم على رموشه الكثيفة ، أم على شفتيه الممتلئتين في غير غلظة ، أم على ذقنه العريضة التي تزيد ملامحه رجولة و قوة. كانت تنظر إليه و قلبها يخفق بعنف حتى فتح عينيه فجأة ، و لأول مرة منذ التقيا ترى لونهما بوضوح. كانتا خضراوين ، و لكن ليس ذلك الأخضر العشبي الذي رأته كثيرا من قبل. بل كان ذلك الأخضر الزمردي ، تماما كلون بحر عميق انعكست عليه أشعة الشمس الدافئة.
و اليوم بعد أن رأته في هذه الحالة تأكدت بما يدعو للشك أنه هو رجلها و أنه هو من اختاره قلبها و تذكرت كلمات مربية ميسون حين تمنت لها السعادة مع من اختاره قلبها. أخذت تدعو في صمت أن يقوم سالما من إصابته. و ما لبثت حتى غرقت في نوم عميق.

bluemay 07-09-16 08:17 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
_الـسـلام عـليكـم ورحـمة الله وبركــاته_


فصل اكتنفه الحزن والقلق..
تمثل بإعتراضهم من قبل قطاع الطرق واصابة عاصم وجاسر البليغة .

اعجبني اللقاء الحميم لوالدي عاصم وميسون ومن معها.

اكتشفنا حقيقة مشاعر عزة وانها وجدت في جاسر رجل احلامها.. فهل يا ترى تكون بالمثل له ؟!!


سلمت يداك

تقبلي خالص ودي



«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

sareeta michel 08-09-16 06:30 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم رواية رائعة ومميزة وفكرة جديدة واحداث مميزة اقبليني من متابعيك استمري عزيزتي بالتنزيل البارتات في موعدها هذا اهم شي وبالتوفيق لك واستمري في الابداع وعيد اضحى مبارك

نغم الغروب 09-09-16 07:54 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
شكرا عزيزتي مايا على متابعتك و على اهتمامك
سعيدة بتفاعلك و إحساسك النقي فأنت تفهمين ما أرغب بقوله بكل وضوح

:55:

نغم الغروب 09-09-16 07:58 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sareeta michel (المشاركة 3658734)
السلام عليكم رواية رائعة ومميزة وفكرة جديدة واحداث مميزة اقبليني من متابعيك استمري عزيزتي بالتنزيل البارتات في موعدها هذا اهم شي وبالتوفيق لك واستمري في الابداع وعيد اضحى مبارك

حبيبتي شكرا لك
لا تستأذني مني فأنت تشرفينني بمتابعتك
بالنسبة لتنزيل الأجزاء فأنا أحاول جاهدة أن ألتزم بمواعيد معينة و لكن ظروف الحياة تعيقني أحيانا

ساره اليماني 10-09-16 06:07 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
رواية رائعة شكرا

نغم الغروب 10-09-16 04:50 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
شكرا على متابعتك

نغم الغروب 10-09-16 04:55 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الخامس عشر اعتذار و انكسار


مر ذلك اليوم دون أن ترى ميسون عاصم و لو لمحة خاطفة فقد أخذتهم والدته إلى غرفة جانبية شبه منفصلة عن باقي البيت. و حتى عندما حان موعد الأكل ، لم تجتمع به فقد تناول الغداء هو و والده بعيدا عن النساء.
اعتذرت منهم قائلة : أنا آسفة لأني جمعتكم في هذه الغرفة و ضيقت عليكم و لكن لا تقلقوا فمن الغد صباحا سيغادر زوجي و ابني ليقيما عند عمته

أسقط في يد ميسون تماما فستظل على هذا الحال محرومة من رؤيته لمدة غير معلومة ، لاحظت المرأة وجومها فاستأنفت قائلة : لا تقلقي يا ابنتي ، فهما متعودان على هذا كل ما أقامت عندي إحدى صديقاتي أو قريباتي ثم إن بيت أخت زوجي ليس ببعيد عنا ، إنه ملاصق للبستان
ابتسمت لهم ابتسامة دافئة ثم خرجت لبعض شؤونها.

مضت الأيام طويلة و ميسون و عزة تعيشان أسوأ أوقاتهما، تكتفيان بسؤال عابر من حين لآخر عن حال الرجلين و لا تطمعان حتى في نظرة من بعيد. كانت عزة قد كشفت لميسون و مربيتها عن أمر خطبتها لجاسر. دخلت عليهما في إحدى المرات و تطلّعت إليهما بحرج ثم قالت وهي تختار كلماتها بصعوبة : أردت أن تعلما أني لم أعد مخطوبة لعاصم الآن فقد أصبحت مخطوبة لجاسر
ما إن تفوهت بآخر كلماتها حتى سألتها المرأة المسنة باستغراب : و كيف حدث ذلك يا بنيتي؟ و هل يخطب الرجال على خطبة بعضهم خاصة و هم أقارب؟
أجابت عزة و هي تكذب بطلاقتها المعهودة : لم يكن جاسر يعلم بذلك حين خطبني من عاصم و لم يشأ هذا الأخير أن يسوءه فآثره على نفسه
رددت ميسون وراءها بتهكم خفيف : آثره على نفسه ، يا لمروءته!
ثم سألتها و هي تمعن النظر في وجهها : و أنت يا عزة كيف وافقت على هذا الأمر؟
ردت الفتاة بامتعاض : هذا ما حصل

lرغما عنها شعرت ميسون بشيء من الحسد من عزة فهي حتى الآن لم تعرف ما كنه الشيء الذي يجمعها بعاصم. كانت تفكر طوال الوقت في حالها و حاله و لحسن حظها فإن تعدد مشاغلها خفف عنها و قلل من ضيقها و أساها.
كانت تقضي يومها و عزة في مساعدة والدة عاصم في القيام بمختلف شؤون البيت و رغم أن هذه الأخيرة ألحت عليهما مرارا بأن يلزما الراحة إلا أنهما أقنعتاها بأنهما ستستثقلان نفسيهما لو لم تفعلا.
بعد العصر كان الجميع يذهبون إلى منزل عمة عاصم فيقضون هناك جزءًا من المساء ما عدا الشابتان اللتان تظلان لوحدهما تجترعان آلام الشوق في صمت.

في اليوم العاشر بعد أن خرج الجميع فضلت عزة الخلود إلى النوم باكرا فخرجت ميسون للتنزه في البستان. عندما عادت إلى ساحة البيت سمعت خطوات في الممر فأسرعت لتلقي نظرة ، رأت عاصم يحمل كيسا و يسير متجها إلى الباب ، كان ما يزال يعرج عرجا خفيفا ، أحست بوخز خفيف في قلبها و دون أن تشعر سمعت صوتها يناديه بلهفة : عاصم

تصلب ظهره ثم التفت إليها و هو يبتسم لها بلطف ، قال بصوت هادئ : كيف أنت يا ميسون ؟ هل ينقصك شيء ما؟
أجابته بصوت شبه هامس : أنا بأتم عافية يا عاصم و لا ينقصني سوى الاطمئنان عليك
أجابها و نظراته تحتويها : أنا بخير الآن ، لا تشغلي نفسك بالقلق علي

لم يكن قد تحرك من مكانه فبادرت هي بالاقتراب منه فشوقها كان أقوى من أي تعقل. ظلا يتطلعان لبعضهما دون كلام ثم قطعت هي الصمت و هي تقول بعاطفة مشبوبة : عاصم أود أن أعتذر منك على كل ما بدر مني في حقك ، على غلظتي و جفائي و أي كلمة أسأت بها إليك. سامحني لأني صفعتك في ذلك اليوم ، أنا آسفة فليس من شيمي أن أصفع الرجال غير أني لم أحتمل أن يهان أبي في قبره.

ظل ينظر إليها في صمت للحظات ثم أمسك يدها اليمنى و سألها : أ هذه هي اليد التي صفعتني؟

هزت رأسها بالإيجاب فرفع راحة يدها الى شفتيه و طبع عليها قبلة دافئة و هو مغمض العينين.

كانت لمسة شفتيه على بشرتها كشرارة انبعثت لتغمرها بلهيب طاغ شعرت معه بغيابها عن هذا العالم و انطلاقها في دنيا غير الدنيا و لم تستيقظ إلا على صوته المظطرب و هو يقول لها : أنا لست غاضبا منك يا ميسون و الآن فلتسرعي إلى الداخل
عندما لم تتحرك أمرها برجاء : اذهبي للداخل يا ميسون ، الآن
غادرته على مضض تاركة قلبها بين يديه. غادرته و هي لم تحض بعد بجواب شاف عما يحصل بينهما.

في الغد ما إن استيقظت حتى توجهت إلى والدة عاصم و قالت لها مبتسمة : هل تستطيعين أن تنقلي رسالة مني إلى عاصم يا خالة؟
سألتها المرأة بفضول : خيرا يا ابنتي
- أود أن تطلبي منه أن يبحث لنا عن منزل لنقيم فيه حتى لا نثقل عليكم أكثر من هذا
قالت المرأة بصدق : أولا أنتما لا تثقلون علي يا حبيبتي و خاصة أنت و عزة فأنتما تذكرانني بابنتي قبل أن تتزوجا و ثانيا عاصم سافر هو و والده و سيغيبان عدة أيام
جاهدت ميسون بشدة كي تخفي صدمتها و ألمها و انسحبت و هي حائرة في أمره، قابلها الليلة الماضية و لم يخطر بباله أن يخبرها بسفره، لماذا يتصرف معها بهذه الطريقة ، هل يتعمد أن يزيد من انشغالها. كم تتمنى إذن لو ظلت خالية القلب.
………………………………………………………………………………………………………………..
أصبح من عادة الفتاتان أن تتوجها إلى منزل عمة عاصم كل مساء بعد سفر هذا الأخير برفقة أبيه. و لكن عزة كانت سرعان ما تشعر بالسأم فتغادرهم باكرا. في اليوم الثاني كانت عائدة من عندهم عندما برز لها جاسر فجأة من خلف إحدى الأشجار. رغم فزعها إلا أنها لم تستطع كتمان فرحتها.
سألته و هي غير قادرة على إخفاء لهفتها : كيف أنت يا جاسر
أجابها بهدوء : أفضل و الحمد لله و لكني لا أستطيع تحريك يدي كما في السابق
طمأنته بثقة : لا تخف ستتحسن بإذن الله

ظلت ترنو إليه بنظرات كلها اشتياق ، انتظرته عبثا ليتكلم لكن طال صمته و بدأ القلق ينتابها.
حين تكلم أخيرا قال لها بلطف زائد : عزة أود أن أخبرك شيئا ما و لكني أخشى أن تنزعجي
سكتت وهي تشعر بقلقها يتزايد ، أكمل مرتبكا : اسمعيني يا عزة كنت أتحدث مع عاصم و هو و هو…
استجمع أنفاسه ثم قال دفعة واحدة : الحق يا عزة أني لا أنوي الزواج الآن
اتسعت عيناها فزعا و سألته بصوت مرتجف : هل تريد مني أن أنتظر أكثر؟ أ هذا ما تقصده؟
رد و هو يتحاشى نظراتها : كلا يا عزة لا تنتظريني

لجأت الفتاة للصمت التام و تنفس جاسر الصعداء لأن الموقف مر على خير.
و لكن الفتاة ما لبثت أن قالت و نظراتها تزداد قتامة : إذن أنت تكلمت مع عاصم ثم قررت أن لا تمضي في هذا الزواج ، إذن فقد أخبرك عاصم بكل شيء
- كلا يا عزة ليس هكذا تماما ، بدأ يشرح لها
إلا أنها لم تبدو على استعداد لأن تسمع و استمرت تقول بصوت متهدج : و أنت طبعا لا تريد الزواج من فتاة فاقدة الشرف ، أليس كذلك ؟ أليس كذلك؟
نظرت له بحدة و واصلت بصوت جاف : و لكنك أخطأت في الحكم علي. نعم أخطأت فأنا لم أسمح له بلمسي أبدا
ثم فجأة انهارت تماما و أخذت تهز رأسها بعنف و الدموع تغرق وجهها و هي تقول : لم يلمسني أبدا ، لم يلمسني ، لم أسمح له بلمس شعرة مني ، رغم أنه حاول مرارا و رغم أنه عرض علي المال و الحلي إلا أني رفضت و لم ينل مني أي شيء ، كنت كل يوم أنسحب قبل الجميع إلى غرفتي ، كل يوم أقفل على نفسي و أظل أترقب في خوف. كل هذا العذاب لتأتي أنت الآن و ترفض الزواج مني لأنك تشك في أمري

سألها مستغربا : عمن تتحدثين يا عزة؟

أجابته بحدة : عمن تظنني أتحدث ؟ عن ذلك السافل الخسيس زوج خالتي
صمت جاسر ليستوعب حديثها ثم قال محاولا تهدئتها : اسمعي يا عزة لم يحدثني عاصم بأي شيء مما أخبرتني إياه. الأمر و ما فيه أني كنت أمازحه بشأن خطبتي لك و هو تسرع و أخبرك

نظرت له و هي تشعر بتبلد ذهنها : أتقصد أنك لم تكن تعرف ؟ !
عضت على شفتيها بغيظ من تسرعها ثم أضافت مستفسرة : و أنت كنت تمزح حين طلبت الزواج مني ؟!
أجابها متوسلا : أرجوك لا تغضبي مني يا عزة
نظرت له بانكسار و قالت بصوت حزين : حتى لو أردت أن أغضب منك يا جاسر فلن أستطيع

ثم مضت مبتعدة بخطوات ثقيلة بينما ظل جاسر ينظر إليها و بداخله شعور جارف بالشفقة ، لقد كسر خاطر الفتاة المسكينة ، يا له من نذل.
ما إن وصلت عزة إلى البيت حتى دخلت غرفتها ورمت نفسها على الفراش ثم بدأت في النحيب. دخلت عليها ميسون و علامات القلق على وجهها و سألتها و هي تربت على ظهرها بحنان : ما بالك يا عزة ، هيا أخبريني و لا تخافي فلن أفشي لك سرا
حاولت عزة أن تتمالك نفسها و لكنها عجزت و بين أناتها و شهقاتها حدثتها بما كان . ظلت ميسون صامتة وهي تشعر بغيظها يزداد من رجال هذه العائلة الذين يعلقون النساء بحبهم ثم يتراجعون ، فعاصم يبدو أنه ينتظر قيام الساعة حتى يطلب الزواج منها بينما ابن خاله يعلق الفتاة بحبال الوهم ثم يتخلى عنها.
- هوني عليك يا عزة ، هوني عليك فهو لا يستحق دموعك
حاولت الفتاة أن ترد و لكن صوت شهقاتها منعها . أضافت ميسون و هي تضمها إليها : كفي عن البكاء يا عزة و لا تفكري فيه أبدا بعد الآن ، انسيه تماما ، تجاهليه هل تفهمين تجاهليه
رنت إليها عزة بحزن و قالت : و هل تعتقدين أني سأقدر
أجابتها و هي تدعي الثقة : ستقدرين صدقيني
كفكفت الفتاة دموعها و قالت بكآبة : سأحاول
............................................................ ............................................................ ....................
في اليوم التالي ، وفدت عليهم والدة جاسر فقد كانت والدة عاصم قد زارتها مرتين لتطمئن على ابن أخيها. عندما رأت الفاتان و تكلمت معهما قليلا ، التفتت إلى المرأة الأخرى و قالت لها ضاحكة : أنا أستغرب من ابني كيف رافق شابتان جميلتان مثلهما و لم يعرض الزواج على إحداهما مع ما تعرفينه عنه من عشق للجمال
ما إن سمعت عزة كلماتها حتى تلألأت الدموع في عينيها و استأذنت منهما و خرجت مسرعة. التفتت ميسون إليهما و اعتذرت نيابة عنها قائلة : إن عزة شديدة الحياء أرجو أن تعذراها
ابتسمت المرأتان ثم واصلتا الحديث ، شاركتهما ميسون لبعض الوقت ثم استأذنت منهما بلطف. ذهبت مباشرة لتطمئن على عزة فوجدتها تبكي في صمت. ما إن لمحتها حتى بادرتها قائلة بحزن : عرفت الآن لماذا صارحني البارحة بالأمر، خشي أن أخبر أمه و يجد نفسه مضطرا للزواج مني
لم تجد ميسون ما تقوله فاكتفت بأن تربت على ظهرها برفق و لم تتركها حتى كفت عن البكاء.

في الأيام التي تلت بدأت نساء أخريات يتوافدن على البيت و يسألن عن الشابتين القادمتين من ديار بعيدة. يبدو أن والدة جاسر نسجت أساطير عن جمالهما و حيائهما فبدأت كل من لها ابن أعزب أو حتى متزوج تأتي عسى أن تحظى بإحداهما. كثرت أسئلتهما و استجوابهما حتى شعرت ميسون كأنها سلعة تباع و تشترى ، كل هذا لأن عاصم لم يخطبها لنفسه ، لكان وفر عليها كل هذا السخف.
من حسن حظها أن والدته كانت قد أخبرتهم أن ميسون من أقاربهم البعيدين و أنها أتت لتقيم عندهم بعد وفاة والديها و إلا لكانت كل هؤلاء النسوة أقمن عليها حفلة من الأسئلة.
…………………………………………………………………………………………………………………
في أحد الأيام كانت عزة تسير ببطء و هي تفكر في حالها تماما كمثل ذلك اليوم الذي التقت فيه عاصم. و تماما كما في ذلك اليوم سمعت من يناديها ، التفتت لتجد جاسر أمامها و رغما عنها خفق قلبها بعنف ، تطلعت إليه في صمت فقال لها بارتباك : كيف حالك يا عزة ؟
- بأفضل حال و الحمد لله ، ردت بصوت هادئ
فهي إن لم تنل حبه فلا تريد شفقته.
- ألست بغاضبة مني ، تساءل بصوت لين
ابتسمت برقة و هي تجيبه : اطمإن يا جاسر فأنا سامحتك تماما ، سكتت قليلا ثم أضافت : ثم لا تقلق بشأني كثيرا فقد تمت خطبتي ثانية
سألها بفضول : و هل وافقت ؟
- طلبت مهلة للتفكير في الأمر
تأملها و هو يضيق عينيه ثم قال بغموض : و لكنك وافقت فورا حين خطبك عاصم لي
قالت و هي تهز كتفيها : حينها بدا لي أن أوافق
- و الآن بدا لك أن تفكري؟
نظرت إليه بعتاب و لم تدر كيف واتتها الجرأة لتقول له بثبات : أردت أن أتأكد أنه لم يكن يمزح حين خطبني

ظل ينظر إليها و عيناه متسعتان دهشة بينما أسرعت تغادره ، سمعت صوته يناديها و همت بأن تلتفت له لكن في تلك اللحظة رن صوت ميسون داخل رأسها و هي تأمرها قائلة : تجاهليه ، تجاهليه

sareeta michel 10-09-16 08:03 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
فصل رائع عزيزتي وجاد الاحمق عزة لا تستحق ما فعله بها لكن رغم هذا افضل لها من ان تتورط بزواج غير معروف الملامح . وعاصم ماذا ينتظر لطلب يد ميسون يبدو بانه سوف يطول الامر ولن ينطق عاصم .

تالا الحلوه 10-09-16 11:33 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
مثل ماتوقعت احد اصحاب عاصم يُعجب بميسون 😍
لكن الجلمود عاصم يغار و يحجر عليها و لا يخطبها ولا يعطيها ريق حلو 😑💔

يارب تنخطب ميسون و تقهره 😂

فصول جميله تسلم يدينك 🌷

bluemay 11-09-16 05:23 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,

محزن ما اصاب عزة. فبعدما منت نفسها بمستقبل زاهر مع جاسر ، جاء اﻷخير ليفطر قلبها

ويخبرها بأن اﻷمر مزحة.

احسنت بأخذها لنصيحة ميسون . فلربما اثارت اهتمامه بتجاهلها اياه مواصلتها لحياتها بعيدا عنه.



عاصم امره غريب فعلا . فيم التردد ؟؟!! هل ما زال عنده شك في مشاعره تجاه ميسون؟!

موقف ميسون محرج. فلا هي تملك ما يجعلها تنتظره ولا تستطيع ان تمضي قدما وتتخطاه.


سلمت يداك عزيزتي

بإنتظار القادم بشوق كبير..


عيد اضحى مبارك


تقبلي خالص ودي

بعد نهاية النقاش او الحديث مع أحد لاتنسوا دعاء كفارة المجلس:

سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ

نغم الغروب 12-09-16 03:07 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
عزيزتي ساريتا شكرا على متابعتك ، سعيدة بإعجابك بالفصل أما بالنسبة لعاصم فأنت تعرفين الرجال و تقلهم:Tgn04610:
عيدك مبارك يا عزيزتي

نغم الغروب 12-09-16 03:14 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
عزيزتي تالا أريت كيف لم أرد أن أخيب توقعاتك ، أي خدمه:e105:
عيدك مبارك عزيزتي

نغم الغروب 12-09-16 03:17 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
مرحبا بك و بتعليقك الجميل الذي كالعادة يلخص ما كتبت بوضوح
عيدك مبارك مشرفتنا الجميلة:0041:

الخاشعه 12-09-16 06:07 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
كل عام وانت بخير......وعيدكم مبارك
جميل سرد الرواية وحداثها تمشي بسلاسه
عاصم كل الظروف مناسبه لخطبته مع ذلك متردد ..ليه؟
صدمته من زواجه الاول وغدر زوجة واحداث ما نعرفها معرقله الخطبه
شكرا نغم💐

bluemay 12-09-16 06:13 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نغم الغروب (المشاركة 3659131)
مرحبا بك و بتعليقك الجميل الذي كالعادة يلخص ما كتبت بوضوح
عيدك مبارك مشرفتنا الجميلة:0041:

آمين مبارك علينا وعليكم العيد

يا رب ينعاد علينا وعليكم بالخير والصحة والسلامة.

تسلمي حبيبتي هادا من ذوقك .. وما جاملتك

انتي مبدعة فأستمري



تقبلي خالص ودي

تالا الحلوه 13-09-16 02:41 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
هههههههههه يازينك اجل اتوقع ميسون تنخطب و توافق عشان تقهر عاصم يلا تخيبين توقعي :e412:

علينا وعليك يتبارك يارب .. الله يعيده علينا وعليكم ب افضل حال

ساره اليماني 14-09-16 09:35 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
شكرا على القصة

تالا الحلوه 17-09-16 07:02 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
عسى ان يكون المانع خيراً .. ننتظرك🌷

نغم الغروب 17-09-16 07:30 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخاشعه (المشاركة 3659158)
السلام عليكم
كل عام وانت بخير......وعيدكم مبارك
جميل سرد الرواية وحداثها تمشي بسلاسه
عاصم كل الظروف مناسبه لخطبته مع ذلك متردد ..ليه؟
صدمته من زواجه الاول وغدر زوجة واحداث ما نعرفها معرقله الخطبه
شكرا نغم💐

عزيزتي الخاشعة افتقدتك كثيرا
مرحبا بك من جديد نورت صفحات الرواية
عيدك مبارك و كل أيامك إن شاء الله

نغم الغروب 17-09-16 07:33 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sareeta michel (المشاركة 3658931)
فصل رائع عزيزتي وجاد الاحمق عزة لا تستحق ما فعله بها لكن رغم هذا افضل لها من ان تتورط بزواج غير معروف الملامح . وعاصم ماذا ينتظر لطلب يد ميسون يبدو بانه سوف يطول الامر ولن ينطق عاصم .

عزيزتي ساريتا
سعيدة بتواصلك الجميل بالنسبة لعاصم فالأمر لن يطول فالرواية أوشكت على الانتهاء
دمت بخير

نغم الغروب 17-09-16 07:47 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تالا الحلوه (المشاركة 3659809)
عسى ان يكون المانع خيراً .. ننتظرك🌷

عزيزتي تالا الحلوة
جميل منك أن تنشغلي علي
خير إن شاء الله و كل ما عند الله خير
آسفة على التأخير و لكنه غير متعمد

نغم الغروب 17-09-16 08:06 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل السادس عشر بين القلب و الجسد



بعد يومين فقط لا غير قدمت والدة جاسر لتخطب عزة إلى ابنها.
عبرت عن فرحتها باختيار ابنها ثم عقدت حاجبيها قليلا و قالت ببطء : انتظروا ، لقد أوصاني بقول شيء ما لكن يبدو أني قد نسيت
انتظرنها في صمت و فجأة لمعت عيناها و قالت بسرعة : آه تذكرت ، إنه يقول لك أنه لم يكن جادا في حياته كما في هذه اللحظة
سكتت ثم أضافت بحيرة : والحق أني لا أدري لم قد يقول مثل هذا الكلام فهل يمزح الرجال في أمر كهذا ؟
تبادلت ميسون و عزة نظرات ذات مغزى لم تفت المرأة الذكية التي قالت لهم : يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها
ضحكت الفتاتان فضحكت معهما ثم سألت عزة بين ابتساماتها : حسنا يا ابنتي ماذا تقولين ؟
أضافت اللمسة المميزة لأي حماة حين قالت بفخر : طبعا ستقبلين فأنت لا تتصورين يا ابنتي كم ستكونين محظوظة برجل مثل ابني ، رجل لن تجدي مثله لا في السند و لا في الهند
صمتت عزة و هي تشعر بالحرج ثم أطرقت برأسها و الحمرة تصبغ خديها. فما كان من المرأة إلا رفعت صوتها بزغرودة طويلة عريضة سمعها جاسر و هو واقف أمام الباب الخارجي فابتسم.


كان قد أمضى اليومين الأخيرين يفكر في أمره . فبعد الجرح الذي أصابه و الذي كان ليصيبه في مقتل لو كان اللص أكثر مهارة في التصويب أطال جاسر التفكير في حاله و حال هذه الدنيا وقرر أنه بالتأكيد لا يريد أن يموت أعزبا. كان منذ أن خطب ميسون تلك الليلة قد وطن نفسه على الزواج و العيش مع امرأة تحت سقف واحد ، امرأة يحدثها و تحدثه ، يلاعبها و تلاعبه و ترافقه إلى كل مكان إن لم يكن بجسدها فبذكراها التي تعيش بداخله.
حاول أن يفكر في الفتيات اللاتي كانت أمه قد اقترحتهن عليه و لكنه لم يستطع أن يستحضر أي واحدة منهن، في الوقت الذي وجد فيه نفسه قادرا و بكل يسر أن يتذكر وجه عزة بكل تفاصيله و خاصة نظراتها ، نظراتها التي كانت تحمل في البداية شوقا جليا و لهفة واضحة ثم بسببه امتلأت بالحزن و الانكسار .

لم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير فيها و من الشعور بالشفقة عليها. فبعد معرفته بما وراءها ، أصبح يراها بعين أخرى : خوفها ، فزعها ، صمتها الطويل ، كل ذلك بسبب ما تعرضت له. و بدت له الفتاة معذورة فقد عاشت محنة أكبر من سنوات عمرها و تحتاج وقتا لكي تنسى و تطلق ذاتها من عقالها.
كان و مازال يكره جمود الطباع لكنها لم تكن جامدة أبدا، كلا لم تكن كذلك ، تذكر دموعها الغزيرة ، شهقاتها و زفراتها. كانت الفتاة تكتم بدخلها عاطفة عارمة.
اشتد تأنيب ضميره له و أراد أن ينساها و يريح باله ولكنه كلما حاول إخراجها من عقله كلما ازداد تفكيرا فيها.

كان أكثر ما أثر فيه هو عدم غضبها منه و تقبلها الأمر بحزن لكن بدون موجدة، لم ير أي نظرات حقد في عينيها و لا شعر بأي غل في كلماتها ، فقط بعض العتاب الخفيف الذي لا يؤلم. لم يشك في أن الفتاة أحبته بالفعل إلا أنها رغم ذلك لم تسعى إلى توريطه في أمر لا يريده ، امرأة أخرى كانت لتخبر أمه بما كان منه و تخبر جميع من حولها و ربما كان ليضطر حينذاك أن يتزوجها درءًا للألسنة التي لن ترحمه لو عرف أنه يخطب النساء مازحا ثم يتخلى عنهن.

لم يستطع الكف عن لوم نفسه عن الألم الذي تسبب فيه لها كأنه لا يكفيها ما عاشته قبل أن تعرفه. حاول أن يسلي نفسه بأنها ستسلوه قريبا مع من سيصبح زوجها لكنه وجد قلبه يمتلئ غيظا ، ماذا لو لم يكن الرجل مناسبا لها ماذا لو عاملها بغير ما تستحق، خاطب نفسه بحيرة " و ما شأنك أنت ، لو عُرف عن الرجل شيء فسيخبرها أهل عاصم"
لكنه لم يستطع أن يتخيلها متزوجة فهي حقا كما قال عاصم أقرب إلى طفلة منها إلى امرأة ناضجة.


لمدة ليلتين لم يستطع النوم كما اعتاد. و طالت حيرته في أمره و تمنى لو أن عاصم لم يستعن به في هذه الرحلة بالذات فقد كان خلي القلب تماما من الحب و من اللوم. و الآن وجد نفسه ممزقا بين حبه لميسون و شفقته على عزة.

كان ليظل على هذا الأمر وقتا أطول لولا تجوله في السوق ذلك اليوم .كان قد قصده ليشتري بعض ما تحتاجه أمه حين رأى أحدهم يعرض مجموعة من الطيور للبيع ، تذكر حديث عزة معه عن العصافير فاتجه إليه يدفعه فضوله ، عندما اقترب لفت انتباهه طائر يفوق الباقين بهاءًا ، سأل البائع عن ثمنه فلما أجابه قال له باستغراب : أليس سعرا باهظا خاصة و أنا لا أسمع له أي صوت
أجابه الرجل بثقة : ما أن يأنس بك حتى تسمعه يشدو بأعذب الألحان

عندما بدا على الشاب عدم التصديق قال له البائع بتساهل : لو لم تصدقني يا بني فدعك منه فغيرك لا يهمه زقزقته و يريده فقط ليستمتع بجماله وحسنه

ظل جاسر يحدق في الرجل مبهوتا و قد أحس كأنما كلمات الرجل أيقظته ثم قال له بتصميم : إذا كان الأمر كما تقول فأنا أولى بذلك من غيري

بعد قليل كان يتجه بخطوات واسعة إلى منزلهم الذي ما إن دخله حتى اتجه لأمه و قبل رأسها بقوة ثم قال لها برجاء : قومي الآن يا أمه لتخطبي لي عزة.
…………………………………………………………………………………………………………………
كانت عزة تكاد لا تسعها الدنيا من شدة سعادتها و شاركها جميع من في البيت فرحتها و سرورها. و بقدر ارتياح ميسون لما آل إليه حال الفتاة الأخرى بقدر ما كان غيظها و حنقها على عاصم الذي تركها ضائعة تماما. حتى جاسر الذي اعتبرته ناقص الرجولة بعد تصرفه مع عزة عاد و خطبها بعكس ابن عمته الذي طال تردده و زاد عن الحد.

في اليوم التالي أخبرتهم والدة عاصم أن هذا الأخير في طريقه إليهم هو و والده . و رغم شوقها الجارف إليه استغلت ميسون انشغال الجميع و فرت إلى البستان فلم تكن تود أن يتم حصارها في تلك الغرفة كما في المرة الماضية. هناك على الأقل بين أحضان الطبيعة ستعرف كيف تسلي نفسها.

أمضت وقتها في قطف بعض الأزهار التي كان المكان يعج بها ثم بدأت في تنظيمها في باقات كما علمتها أمها منذ زمن بدا بعيدا للغاية في تلك اللحظة.
رغما عنها فرت دمعة من عينها و رفعت راحة يدها تمسحها عن خدها عندما سمعت خطوات قادمة إليها.
خرجت من وراء الشجرة فوجدت نفسها تنظر إلى عاصم.

للحظات ظل يتأملها في صمت ثم قال لها بلهجة عادية كأنما يحدثها بأمر يحدث كل يوم : تعالي معي يا ميسون فالناس ينتظروننا لنعقد قراننا
عقدت الدهشة لسانها تماما و هي تنظر إليه بعينين متسعتين ثم سمعت نفسها تقول له بجفاء : و لم العجلة ، كنت انتظرت عاما آخر أو عامين حتى تعرفني و تسأل عني

قال لها و قد اتسعت ابتسامته : لم أعرف أنك مستعجلة على الزواج يا ميسون

فغرت فاها و وجدت نفسها عاجزة عن إيجاد رد مناسب فقد أفحمها تماما و رد الأمر عليها، زمت شفتيها و هي مغتاظة ثم أولته ظهرها ، ثواني فقط و كان خلفها تماما ، قريبا منها بشدة إلى درجة أنها كانت تحس بدفئ أنفاسه على خدها ، ظل صامتا للحظات ثم قال لها برجاء : ميسون لا أريدك أن تغضبي مني
خاصة و أن اليوم ستكون دخلتي بك

لم تدر كيف تصف إحساسها في تلك اللحظة : خجل ، صدمة ، فرحة أم غضب و أخيرا غلب عليها الشعور الأخير فأجابته و هي تبتعد عنه و تواجهه : و لم أنت واثق أني سأوافق على عرضك فقد وصلتني عروض أخرى لو لم تكن تعلم

تنهد و قال بشيء من الملل : لقد أحاطتني أمي علما و لقد لمتها كثيرا على تعريضك إلى ذلك الأمر و ما فيه من مضايقة لك
دون أن تفكر قالت له بحدة : كان عليك أن تلوم نفسك بدل أن تلوم أمك

نظر إليها بشغف و قال لها بحنان :
- ألن تكفي عن عتابي يا حبيبتي
انهارت دفاعاتها جملة و تفصيلا ، و بكلمة واحدة لم تسمعها منه إلا في أحلامها وجدت قلبها يرقّ و يلين و يُسلّم. لكن عقلها ظل يكابر فاستمرت تقول مدعية البرود : و ماذا كنت تتوقع مني أن أفعل؟

في لحظة وجدت نفسها بين ذراعيه ، ضمها إليه ضمة قوية ثم قال بلهفة و هو يحيط وجهها بكفيه و يحدق فيها بنظراته الملتهبة : كنت أتوقع أن تبادليني شوقا بشوق ، عشقا بعشق ، كنت أتوقع أن تريدي وصالي كما أشتهي وصالك ، كنت أتوقع أن تكوني ملكي و لي و الأنثى التي بحثت عنها طويلا لأرضيها و ترضيني

دون شعور وجدت نفسها ترفع شفتيها إليه في دعوة صامتة لكنه اكتفى بتمرير أصابعه برقة عليهما ثم قال لها بدفئ : ليس الآن يا حبيبتي فأنت لم تصبحي حلالي بعد، هلا ذهبنا الآن

تبعته باستسلام تام و هي في أشد الحيرة من نفسها ، بكلمات قليلة أذهب جميع غيظها و أسكت كل تساؤلاتها ، كان الشيء الوحيد الذي استفسرت عنه هو من يكون وكيلها ، أجابها عاصم بهدوء : إنه أبي لو كنت لا تمانعين


بعد إتمام عقد القران ، استسلمت كل من الفتاتين ليدي الماشطة تفعل بهما ما تشاء. بدأت بتعطير شعرهما بمزيج من الريحان و المسك الأبيض ثم زينته ببعض الحلي و أزهار الياسمين. انتقلت بعد ذلك إلى تلوين الشفاه و الخدود و في لمسة أخيرة زينت عيونهما بالكحل بطريقة بدت لميسون مبالغا فيها حتى أنها لم تعرف نفسها.
بعد انتهاء الماشطة منهما انتقلت الفتاتان إلى غرفة تطل على البستان في انتظار توافد الضيوف و بدء الاحتفالات .
…………………………………………………………………………………………………………………
دخلت عليهم والدة جاسر و قالت لهما بارتياح : الحمد لله أنكما لوحدكما
أغلقت الباب خلفها بإحكام ثم بدأت تتأملهما و قسماتها تختلج و ما لبثت حتى أخذت في البكاء و هي تتكلم بتأثر :
- أنا آسفة يا ابنتاي و لكني لم أستطع تمالك نفسي ، تمنيت لو كانت والداتكما حيتين حتى تريا كم تبدوان جميلتان و سعيدتان
اغرورقت عينا الشابتين بالدموع و بذلتا مجهودا كبيرا حتى لا تفسدا زينتا وجهيهما و استطردت المرأة و هي تكفكف دموعها : يا لحمقي و قلة عقلي ، سامحاني يا ابنتاي ، هيا الآن انسيا ما قلته فليس هذا ما جئت لأجله
نظرتا إليها بفضول فقالت بحماسة و عيناها تلمعان : أتيت لأحدثكما بما ستواجهانه بعد قليل
سكتت قليلا ثم واصلت ببطء : كل منكما بكر و لا تدري شيئًا عن كيف يفضي الرجل إلى المرأة و كيف تفضي هي إليه لذلك سأعلمكما كل شيء عن هذا الأمر

نظرت إليها عزة بمزيج من الفزع و عدم التصديق بينما فتحت ميسون فمها لتعترض إلا أن المرأة واصلت تقول و هي تشير بيدها : لا داعي للحياء الآن فليس هذا وقته، و صدقاني ستشكرانني فيما بعد، فأنتما غريبتان لا صديقات لكما ليعلمنكما عن أمور الزواج و الرجال و أما أنا فاعتبراني بمثابة أم لكما

مضت المرأة في الأمر و هي تفسر و تشرح بروية غير مبالية بشهقات الاستنكار و الصدمة التي تطلقها الفتاتان بين حين وآخر. كان وجه عزة قد أصبح قرمزيا و ما لبثت أن دفنته في الوسادة . و أما ميسون فقد أطرقت برأسها و تشاغلت باللعب بالخواتم التي تزين أصابعها.

عندما انتهت المرأة من تعذيبهما خرجت و هي تغمز لهما بعينيها ،حينها فقط نظرت الشابتان لبعضهما البعض ثم انفجرتا في ضحك صاخب قطعته ميسون و هي تقول لاهثة :
- يا لها من امرأة متوقدة العاطفة ، الآن فقط عرفت من أين ورث جاسر جرأته

عندما هدأت ضحكاتهما أخيرا نظرت عزة بهلع إلى ميسون و سألتها في قلق : هل تظنيننا قادرتين على الإتيان بمثل هاته الأمور

أجابتها في استسلام : هذا ما يريده الرجال يا عزة و لو أن الأمر يرجع لي لاكتفيت بحضن وقبلة
تمتمت عزة بتوتر : وأنا كذلك و أنا كذلك ثم التفتت إليها و ملامحها يعتريها قلق بالغ :
- بعد الليلة سنتغير تماما و مع ذلك سنظل نحن ، طمئنيني يا ميسون هل سنصبح أفضل أم أسوأ ؟

أجابتها هذه الأخيرة بصوت عطوف : ليس هذا الأمر ما سيجعلك أفضل أم أسوأ يا عزيزتي

أكملت و هي تشير إلى رأسها و صدرها : بل عقلك و قلبك

رمقتها الشابة الثانية بإعجاب و قالت بنوع من الحسرة : ما أجملك و ما أجمل كلامك يا ميسون ، تكادين تكونين كاملة، لا عجب أن الرجلان لم يرياني و أنت موجودة

ابتسمت لها ميسون برقة و ربتت على خدها برفق قائلة : هذا لا يهم الآن ، لقد اختارك جاسر أنت بين نساء أخريات كثيرات فلا تجعليه يندم و أوجه الكلام لنفسي قبلك يا عزة

بعد الاحتفال غادرت عزة في عربة إلى بيت جاسر ، ما إن وصلت حتى حملها زوجها بين ذراعيه القويتين و أسرع بها إلى غرفتهما و ما إن أنزلها و رفع خمارها عن وجهها حتى ابتعدت عنه لا إراديا.

ظل برهة يتأملها بافتتان ثم قال و هو يداعب بشرة خدها بلطف شديد : تعالي معي يا عزة فلدي هدية لك
نظرت له بحرج و تمتمت : لكنك غمرتني بالهدايا يا جاسر و كذلك أمك و جميع معارفكم

ابتسم لها بود و قال بغموض : هذه هدية خاصة بك وحدك يا عزة و ليست كمثل غيرها

الخاشعه 19-09-16 04:43 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم

تسلم ايدينك 💎
ما أدري هل هذا الفصل ما قبله الاخير او في احداث راح تستجد عند ابطالنا .....فالحقيقه حنا استمتعنا في كل جزء من الروايه ....احداثها وسيغتها وتسلسلها كان رائع وما فيها حشو ممل علشان كذا نقرأ الجزء اكثر من مره
بس عندي احساس انه للحين باقي احداث خاصة من جهة عاصم
مشكوره نغم💖

bluemay 19-09-16 10:24 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

فصل مميز بحق ..

واخيرا تحرك الجلمود الصخري .. اضحكتني خطبته لميسون وثقته الشديدة حد الغرور .

جاسر اصلح خطأه وتقدم رسميا بخطبة عزة ..

عزة ذات قلب طيب نسيت كل ما كان منه وغفرت له بل وغمرتها السعادة بإقترانها به.

ام جاسر كتلة من الدعابة ، تطوعت بنصح الفتاتين واخذت مكان والدة كل منهما .

مشاهد رائعة وجميلة استمتعت بقرائتها كثيرا..


سلمت يداك عزيزتي

لك مني خالص الود

نغم الغروب 21-09-16 09:46 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
فعلا عزيزتي الخاشعة هذا هو الفصل قبل الأخير و لا يظل سوى بعض التوضيح من جهة عاصم كما خمنت تماما
و لا أستغرب فأنت تتابعينني منذ البداية و أشكر لك اهتمامك الجميل و سعيدة باستمتاعك بالقصة
و حقا هي لا تحوي حشوا لأني أنا نفسي كقارئة أملّ بسرعة و أحب الاختصار و الإيجاز لذلك لم أسمح لنفسي بالاستطراد كثيرا
دمت بخير عزيزتي

نغم الغروب 21-09-16 09:53 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
"الجلمود الصخري " جميلة تعابيرك يا عزيزتي و تصيب كبد المعنى ولكن أليس الرجال جميعا أو أغلبهم مجموعة من الجلاميد التي تخفي بداخلها حنانا جارفا ، مرة يظهرونه و أحيانا يخفونه ( هما و مزاجهم بقى)
سعيدة بوصول المشاهد إليك بوضوح و سعيدة باستمتاعك و تعليقك الجميل
أتمنى لك مزيدا من التوفيق و مزيدا من حب الناس

bluemay 21-09-16 10:41 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نغم الغروب (المشاركة 3660377)
"الجلمود الصخري " جميلة تعابيرك يا عزيزتي و تصيب كبد المعنى ولكن أليس الرجال جميعا أو أغلبهم مجموعة من الجلاميد التي تخفي بداخلها حنانا جارفا ، مرة يظهرونه و أحيانا يخفونه ( هما و مزاجهم بقى)
سعيدة بوصول المشاهد إليك بوضوح و سعيدة باستمتاعك و تعليقك الجميل
أتمنى لك مزيدا من التوفيق و مزيدا من حب الناس


أشكرك على كلماتك الطيبة في حقي..

واسأل الله ان يجعلني عند حسن الظن .



حزنت لاقتراب النهاية واتمنى ان تعودي لتطلي علينا بالجديد قريبا.

لك مني خالص الود

نغم الغروب 21-09-16 11:06 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل السابع عشر حديث العشاق



تبعته بفضول إلى ركن الغرفة و هناك رفع إحدى الملاءات التي غطوا بها الهدايا فبدا لها من تحتها أجمل عصفور رأته في حياتها
التفتت الى جاسر و ابتسامة حائرة على شفتيها فأجاب التساؤل الذي في عينيها : لم أبتعه لك حتى تحتفظي به يا حبيبتي بل لكي تطلقيه
تلألأت الدموع في عينيها فواصل بصوت دافئ : و حين تطلقيه أطلقي معه جميع مخاوفك يا عزة و جميع هموم الماضي، هل تستطيعين؟
ظلت تنظر إليه بتردد ثم رمت نفسها بين أحضانه و دفنت وجهها في صدره أما هو فضمها إليه بلطف ، شعر بجسدها يرتجف بشدة بين ذراعيه فسألها بصوت حان : هل أنت خائفة مني يا عزة؟
تطلعت إليه بخجل و قالت بصوت خافت : خائفة و لكن ليس منك
أحاط كتفيها بذراعه ثم أخذها و أجلسها معه على الفراش و هو يقول : ما رأيك يا عزة أن أحدثك ببعض طرائف ليلة الدخلة
هزت رأسها موافقة فواصل بمرحه المعهود : سأبدأ بقصة ذلك الرجل الذي نام ليلة دخلته تحت الفراش ، أتعرفين لماذا؟
سألته بابتسامة واسعة : لماذا؟
وشوش لها الإجابة في أذنها فتعالت ضحكاتها و هكذا ظل جاسر يلاعبها مرة بالكلمات و مرة باللمسات حتى استسلمت لرغبته فيها برضى كامل.
…………………………………………………………………………………………………………………
في المنزل الآخر كانت ميسون تنتظر عاصم و هي تجوب الغرفة جيئة و ذهابا ، احتارت في أمر هذا الرجل الذي حتى في ليلة زفافهم يتركها تنتظر ، أخيرا شعرت بالتعب يأخذ منها مأخذه فاتجهت إلى الأريكة لتنتظره جالسة و ابتسمت ابتسامة حالمة و هي تتخيل ما سيحدث بينهما بعد وقت قصير. شعرت بنفسها كأنها سبحت طويلا في بحر الشوق إليه و الآن اقتربت من أن ترسي سفينة قلبها على شطآن حبه و وصاله.

حين دخل عاصم الغرفة أخيرا كانت ميسون قد استسلمت للنوم و هي بكامل زينتها. ركع بجانب الأريكة حيث نامت نصف جالسة و أخذ في تأمل وجهها الساحر وهو محاط بخصلات شعرها الكستنائي الذي يراه لأول مرة ، مد يده و بدأ في تحسس نعومته بين أصابعه. كانت جدائله تصل إلى حد خصرها تقريبا ، أبعد شعرها بلطف فكشف عن رقبتها الرقيقة العاجية و دون أن يشعر حطت شفتاه عليها و قبلها بشوق. تململت ميسون في رقدتها ثم فتحت عينيها ببطء لتجد عاصم يحدق فيها بنظرات لا توصف.

- عاصم تمتمت متنهدة بضعف

فانحنى عليها مداعبا شفتيها بشفتيه برقة ثم قام و أوقفها معه. كانت لمسته رغم قصرها قد زعزعت أعماقها فكيف عندما يتمادى أكثر. أما هو فظل فاغرا فاه و هو يحدق في مفاتنها فعندما أوقفها سقطت الملاءة عن جسدها الذي بدت معالمه واضحة خلف الغلالة الشفافة التي ترتديها ، كان دائما يرى ميسون مخلوقة رقيقة دقيقة التفاصيل لذلك لم يتصور أن يكون جسمها بهذا الشكل ، لم يكن يتخيل أنه يحوي هذه الاستدارات و هذه الانحناءات الساحرة. أما ميسون فقد توهج خداها لتحديقه فيها بكل تلك الرغبة الجامحة.

أخيرا تكلم عاصم فقال و صوته مختنق من شدة اشتهائه لها : أين كنت تخفين كل هذا يا ميسون ؟ و مد يديه يتحسس ليونة خصرها و استدارة جسدها ثم شدها إليه بقوة حتى أنّت من الألم الممزوج بالنشوة

أما هو فكان يغمغم بصوت لاهث و هو يتنشق عبير شعرها بلهفة : ما أجملك يا حبيبتي و ما أشد فتنتك ، لا أكاد أصدق أنك أخيرا أصبحت لي ، صرت ملكي ، لكم أتمنى أن أضمك إلي ضمة تعودين معها إلى أصلك : ضلعا في صدري

أبعدها عنه قليلا و واصل يقول بأسف زائف: لكني حينها لن أستطيع فعل ما أنوي فعله بك

قالت بدلال : و ما الذي تنوي فعله بي ؟

أجابها كأنه يؤنبها : و هل تظنين أنك ترتدين لي مثل هذه الأشياء و تفلتين من العقوبة

أضاف و هو يتأملها ثانية بنظرات جائعة : حبيبتي أنا أنوي التهامك قطعة قطعة

فتحت فمها لتقول شيئا ما غير أنه لم يمهلها وانحنى عليها في قبلة طويلة دافئة جردتها من أي صبر باق لو كان لديها صبر. عندما ابتعدت شفاههما قالت متنهدة : عاصم

سمعت صوته الحاني يجيبها : يا قلب عاصم
ثم رفعها بذراعيه بيسر و حملها إلى الفراش حيث حلقا معا في سماء العشق بدون قيود.

فتحت ميسون عينيها بعد نومة خفيفة و احتارت هل تصدق أن ما عاشته و عاصم حقيقة أم كان فقط حلما آخر من ضمن أحلام يقظتها العديدة.
ظلت تتأمل زوجها بافتتان و عشق ، زوجها ، رددت الكلمة عدة مرات و تنهدت بسعادة مطلقة . أخيرا أصبحت تنتمي له و ما أحلاه انتماء.

فتح عينيه و نظر لها نظرته العميقة التي طالما احتارت في فهم معانيها. قالت بهمس : لا أكاد أصدق يا عاصم ما صرنا إليه، حين أتذكر أول لقاء لنا و كيف كنا نكره بعضنا البعض و الآن ، الآن

صمتت و قد خانتها الكلمات فأكمل و هو يجلس و يسند رأسها على صدره العاري : الآن أصبحت زوجتي و ملكي يا حبيبتي
سألته وهي ترفع عينيها إليه : منذ متى بدأت تحبني يا عاصم ؟

رد عليها و هو يمرر أصابعه على بشرة ذارعها :قلة من سيجيدون الإجابة عن هذا السؤال ، لم تكن لحظة بذاتها تلك التي كشفت لي عن عشقي لك يا ميسون فأنت تغلغلت في دمائي دون أن أدري و لم أستطع منك فكاكا و الحق أني لم أرد هذا
ربما بدأ اهتمامي بك منذ أن تلقيت صفعتك على خدي ، فليست أي امرأة تجرأ أن تمد يدها علي و أنا من أنا .

هزت رأسها و هي تقول بتهكم : ما أشد تواضعك يا حبيبي

- و من يستطيع أن يكون متواضعا و هو يراك بين ذراعيه دون غيره

قالت و هي تدفن رأسها في عنقه و تتنشق رائحته :و أنا لا أريد أن أكون لغيرك ، أنا ملكك يا حبيبي بكل ذرة من كياني و الحمد لله أن قلبك اختارني دون سواي ، كنت لأموت لو لم تفعل

شردت نظراته قليلا و هو يقول :
- قبل أن ألقاك ظننت أني عفت جميع بنات جنسك. ظننت قلبي حصنا منيعا على النساء. و رغم أني كنت في أشد الحاجة لامرأة تدفئ برودة ليالي و تؤنس وحشة قلبي إلا أني تعودت على وأد جميع رغباتي. دفنتها في قبر عميق و ظننت أنها ماتت حتى جئت أنت فأحييتها بنظرة واحدة من عينيك. عيناك اللتان لم أر لهما مثيلا من قبل.

أحسست حين حدقت في بحر العسل الممتد فيهما بالأمان ، أحسست أن صاحبة هذه العيون لا يمكن أن تغدر ، لا يمكن أن تخون ، لا يمكن أن تهجرني و تتركني وحيدا في العراء.

بنظرة واحدة جردتني من القشرة الصلبة التي غلفت بها قلبي بإحكام و شعرت بمدى ضعفي أمامك. لذلك حاولت جاهدا الابتعاد عنك ، تجاهلك ، إخراجك من عقلي
و خاطري و لما عجزت حاولت أن أنفرك مني، أن أجعلك تبغضينني و تفرّين مني.

التفت إليها و قال لها بحيرة : و لكنك لم تفعلي يا ميسون و أنا أستغرب كيف استطعت أن تحبيني و أنا على ما كنت عليه معك من غلظة و جفاء.

داعبت خده بأناملها ثم همست له بوله: ربما جفاؤك يا حبيبي هو ما شدني إليك ، لكم تعودت قبلك بمن يطلب ودي و لكن لا أحد ملأ عيني كما فعلت. عشت قبلك و أنا أظنني باردة نائية و لا أنكر أني كنت كثيرا ما أصاب بالغرور . حين رأيتك أعجبت بك على الفور و خيل إلي أنك بادلتني شعوري لكنك سرعان ما تغيرت علي و شعرت حينها أني منبوذة تماما ، كنت قاسيا جدا معي ، جلفا و فظا و رغم ذلك لم أستطع إلا أن أزداد تعلقا بك كنت تجذبني إليك رغما عني ، كنت نارا يا عاصم و كنت الفراشة التي تتوجه لحتفها بكامل إرادتها.

ليال طويلة ظللت فيها ألوم قلبي و أحاول أن ألملم شتات نفسي التي ذابت فيك و لكني لم أقدر

قبل رأسها بعمق و قال : يسعدني أنك لم تفعلي

صمتت قليلا ثم سألته معاتبة : لماذا تأخرت في طلبك الزواج مني ؟ لماذا تركتني تائهة في حيرتي و لم ترح بالي و لو بكلمة واحدة ؟!
أجابها مراوغا : ميسون كل هذا الحب الذي في قلبي لك و لم تشعري به

مررت أناملها على ذقنه و هي تقول برقة : بلى شعرت و لكني لم أفهم لماذا لم تصرح لي أبدا قبل يوم عقد قراننا
- لم أشأ أن أفعل ذلك أثناء سفرنا معا، خشيت عليك من نفسك و مني و فضلت أن أنتظر حتى وصولنا ثم حصل ما حصل من مواجهتنا لقطاع الطرق و إصابتي و إصابة جاسر

صمت قليلا ثم قال باعتذار : لكن أكثر ما جعلني أؤجل الأمر هو رغبتي في أن أجنب أمي أي ضيق
عقدت حاجبيها و هي تسأله : و ما الذي قد يضايق أمك من رغبتك في الاقتران بي

تنهد و هو يفسر لها : حبيبتي ضعي نفسك مكانها ، أعود من رحلتي بامرأة غريبة من نفس مدينة أم الزهراء ، المرأة التي خطفت ابنتي و ضيعت سنوات من عمري ، و أقول لها أمي أريد الزواج من هذه المرأة الغريبة التي لا تعرفينها و لا تدرين شيئا عن طباعها

واصلت بإلحاح : لماذا لم تصارحني و تطلب مني كتمان الأمر
- لم نختلي ببعضنا إلا للحظات يا حبيبتي و لم أر جدوى من الأمر ما دمت لا أنوي في أي حال أن أطيل الأمر

زمت شفتيها و قالت و هي تشيح بنظرها بعيدا عنه : و الأمر كان مرهونا بموافقة أمك من عدمها و لو لم تفعل كنت لتهجرني و تنسى أمري أليس كذلك؟

قال بصبر : كلا ليس كذلك ، افهميني يا حبيبتي ، أغلى النساء في حياتي هن أمي و ابنتي و أنت
سألته مشاكسة : بهذا الترتيب؟

احتضن وجهها بين كفيه و قال لها بصدق : لا يوجد ترتيب فكل منكن أغلى عندي من الأخرى ، كنت قادما مع والدي الذي أخبرته كل شيء منذ أول يوم وكنت أنوي أن أخبر أمي برغبتي فيك لكنها سبقتني ، أتدرين ماذا قالت لي عنك
- ماذا؟

- نصحتني أن أبادر بخطبتك لنفسي قبل أن يحظى بك غيري ،و أكدت لي أنك أنت من ستداوين جميع جراحي، فهل ستفعلين يا حبيبتي ؟

نظرت له بحنان و همست : طبعا سأفعل يا حبيبي و لكن ألا تخبرني عن هذه الجراح و عن سببها ؟

أظلمت عيناه للحظات ثم قال بحزم : ليس الآن يا ميسون فلا أريد أن أفسد علينا ليلتنا هذه
ابتسم بمكر ثم قال و هو يداعبها : أتعلمين أنني اشتقت إليك ثانية

نظرت إليه و قالت و هي تدعي البراءة : و لكني لم أبرح مكاني بجانبك

أجابها بلهفة : أريدك أقرب

نغم الغروب 21-09-16 11:16 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
هذا كان الفصل الأخير و لا يظل سوى فصل صغير أو بالأحرى خاتمة للرواية
سأقوم بإنزالها قريبا بإذن الله

نغم الغروب 22-09-16 12:52 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الفصل الثامن عشر و الأخير مني و إليك



ثلاثة أشهر مضت ، لم تشعر ميسون بمضيها كأن أيامها تفر فرارا من دفتر حياتها و هكذا هي أيام السعادة قصيرة دائما.

كانا قد انتقلا إلى بيت خاص بهما بينما فضل الطفلان أن يظلا بجانب الجدتين كما يطلقان عليهما : والدة عاصم و مربية ميسون.

ثلاثة أشهر و لم تشعر أنها شبعت من عاصم و قربه فلم يكن يطيل المكوث في البيت. يوميا يخرج منذ طلوع الشمس و لا يعود إلا بعد غروبها. و رغم كثرة أعبائها اليومية كانت تشعر في كل لحظة بوطأة غيابه و شدة شوقها إليه.

لكن هذا هو عاصم الذي أحبته و عشقته ، ليس بالرجل الذي خلق لتشبع منه امرأة .
اتكأت على إطار النافذة و هي تراقب غروب شمس هذا اليوم و ابتسمت مفكرة أن الحياة كلها غروب و شروق ، تغرب أشياء من حياتنا لتشرق بدلا منها أشياء أخرى .

سمعت صوت الباب الخارجي فانطلقت راكضة لترتمي في أحضان عاصم كعادتها كل يوم ، رفعها عاليا فور وصولها إليه أما هي فقد أحاطت عنقه بكلا ذراعيها بقوة كأنه غاب عنها دهرا. أبعدها عنه بصعوبة و أحاط وجهها بكفيه و ظل يحدق فيها لدقائق ثم غمغم بصوت خافت : ماذا فعلت بي يا ميسون ؟

أجابته و هي تعود لحضنه : نفس ما فعلته بي

حملها بين ذراعيه و قال و هو يسير بها إلى البيت : الرجال أصبحوا يتغامزون علي يا ميسون
قالت متسائلة : و لماذا؟

أجابها و هو يجلسها على حجره : سمعتهم يقولون بأني أصبحت رقيق القلب منذ زواجي و أني لم أعد أقسو عليهم كما في السابق
مررت سبابتها على شفتيه و هي تسأله : و هل كنت تقسو عليهم حقا؟

لوى فمه و هو يقول بضجر : أنا لا أكاد أطيق الرجل الشكّاء البكّاء لذلك فحين يأتيني أحدهم ليشتكي لي من تعب أو إعياء أقول له : لست أمك يا هذا و لتعلم أني لا أدرب النساء على القتال فلو كنت منهن فلترحل عني

ضحكت ميسون و داعبته قائلة : و هل يسمون هذه قسوة ، هذا منتهى الحنان منك يا حبيبي
قال و هو يقبل طرف أنفها بلطف : سمعتهم يتمنون لو أني تزوجت من قبل لكانوا استراحوا من كثير من العناء

تمتمت بشيء من الضيق : و لكنك تزوجت من قبل بالفعل

لم يجبها و قام من مجلسه و ذهب ليغير ملابسه ، حين عاد وضعت راحتيها على صدره و قالت له باستعطاف : عاصم ألم يحن الوقت لتحكي لي عن كل ما حصل من زوجتك الأولى ، لقد مضى ثلاثة أشهر على زواجنا يا حبيبي

تأملها قليلا ثم قال بلا مبالاة : لا يوجد الكثير لأحكيه لك عنها
- أخبرني على الأقل كيف قابلتها و لمذا تزوجتها

بدأ يحدثها على مضض : في ذلك الوقت كنت شابا أهوج ، كنت في ريعان شبابي و لم يكن عقلي قد اكتمل بعد ، كنت ذهبت برفقة أبي لأن له عم هناك ترك له بعض الميراث.
كنت مارا بجانب بيتهم عندما رأيتها في الحديقة

صمت كأنه يتذكر : بدت لي حينها كحورية ، كانت أجمل امرأة رأيتها في حياتي ، شقرة شعرها و غنج عينيها أخذا بمجامع لُبِّي ، سحرني جمالها و صرت أنام و أصحى على صورتها
و لم يهنأ لي بال إلا حين أصبحت زوجتي و لم أعبأ حينها برأي أبي عن أبيها و أمها و لم يشأ هو أن يثقل علي

عندما انتقلت لتعيش معي هنا سرعان ما بدأت في التذمر و التبرم ، افتقدت مجالس الغناء و اللهو التي تكثر لديكم و لا توجد عندنا

لم يتوافق طبعها مع طباع نسائنا فقد كانت شديدة الكبر و الترفع و كنت لأحتمل كل هذا منها لأني أحببتها بصدق ، غير أنها غلبت عليها طباع والدها و نشزت تماما .

بدأت ألاحظ عليها كل ما قد يسوء الرجل من زوجته : كانت تتمايل في مشيتها و ترفع صوتها بالضحك و لا تنهر أي رجل يتغزل بها. حاولت أن أصلحها بقدر ما أستطيع ، أمرتها أن تغطي وجهها حين تخرج للسوق و لكنها أبت أن تطيعني في أي شيء و كانت دائما تقول أن ما هي فيه بسبب كثرة غيابي عنها ، كانت تريد رجلا طوال الوقت بين أحضانها و لم أكن هذا الرجل.

صمت ثم واصل ببطء : ثم جاء ذلك اليوم الذي هربت فيه من بيتنا و لم أرها أبدا بعد ذلك حتى من بعيد وذلك أفضل لأني لو كنت فعلت كنت قتلتها . فهي لو لم تكوني تعلمين هربت مع رجل آخر.

عضت ميسون على شفتيها و لكنها لم تستغرب بينما أكمل عاصم يقول : كان بائعا شابا قدم إلينا مع إحدى القوافل و كنت أنا قد أطلت الغياب فلم يشعر أحد بشيء و حتى فيما بعد طلبت من الجميع إخفاء الأمر حتى لا تظل ابنتي تعاني من آثاره.

التفت إليها و قال بمرارة : أنت قد لا تشعرين بوطأة الأمر علي و لكنه كان شديدا ، لم أتخيل أبدا أنها قد تفعل مثل هذا الشيء و أنا التي راقبتها مئات المرات أثناء نومها .

عرفت دائما أنها طائشة و لكني لم أتصور يوما أنها خائنة .ترك الأمر آثاره العميقة في قلبي و تغيرت نظرتي إلى النساء خاصة الجميلات و الغنيات منهن.

ابتسمت بأسى و هي تقول : مثلي
- نعم مثلك لذلك عندما أحسست بنفسي أتوق إليك خنقت مشاعري داخل صدري رغم أنك لم تكوني تشبهينها في شيء لا شكلا و لا موضوعا

سألته و هي لا تكاد تخفي غيرتها : هل كانت أجمل مني ؟
أجابها بعدم اكتراث : الحق أني لا أستطيع تذكر شكلها بوضوح

واصل و هو يقبلها على جبينها : غير أنك يا حبيبتي أجمل امرأة في عيني
ابتسمت برضى ثم واصلت استجوابها له : لماذا تأخرت في استردادا ابنتك من عائلتها ؟؟
- لقد حاولت معهم بشتى الطرق لكنها كانت قد أوغرت قلوبهم علي و

أخبرتهم أني أقوم بضربها و أن أهلي لا يتقبلونها بينهم و كل هذا الهراء
سألته بعدم تصديق :و هل قمت بضربها حقا ؟!

تنهد بعمق و هو يقول : أنا لا أنكر أني صفعتها مرتين بسبب غيرتي الشديدة عليها و لكني عدت و طلبت منها السماح غير أنها لم تنسى لي ذلك

بعد أن توفاها الله ذهبت و والدي إلى أهلها لنعزيهم في فقدها و لكن أباها أبى أن يقابلنا ، حاولت بكل الطرق أن أتفاهم معه بالحسنى غير أنه أبى إباءًا تاما ، لذلك اظطررت لفعل ما فعلت فلم يكن من السهل علي أن أتعامل مع فتيات الليل ، لا تتصورين كم كنت سعيد الحظ بلقياك تلك الليلة

ابتسمت و هي تعترف له قائلة : أتعلم أن أكثر سبب جعلني أوافق على أداء تلك المهمة البغيضة هو غيرتي عليك ، فلم أرد لك أن تكلم إحدى أُولَئِكَ النسوة

ضمها إليه بقوة ثم تمتم قائلا : لو كان هناك أي شيء يجعلني أتذكر ذلك الرجل بخير فهو أنه كان السبب في التقائي بك ، لا أكاد أتصور الآن ماذا كان ليكون طعم الحياة بدونك

غابا في قبلة طويلة ثم قالت بلهجة حالمة : أرأيت يا حبيبي إلى غرابة هذه الدنيا ، قد نكره شيئا لنعرف بعد ذلك أن كل الخير وراءه ، لا تدري كم كرهت الرحيل عن دياري و ترك كل ما ألفته و أحببته خلفي ولكني لم أكن أعلم أني كنت أقوم بأجمل رحلة في حياتي

أكملت وهي تطوق عنقه بذراعيها و تنظر له بمنتهى الحب : كان رحيلا مني
إليك




تمّت و الحمد لله

نغم الغروب 22-09-16 01:03 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
وصلت معكم إلى نهاية الرواية
أشكر كل من تابعها و شكر خاص لكل من شجعتني بعباراتها اللطيفة
دمتم بخير و أتمنى لكم التوفيق في هذا العام الدراسي الجديد
:shokrn:

الخاشعه 23-09-16 09:52 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
السلام عليكم
تسلم ايدينك.....كفيتي وفيتي وهذا من حسن اخلاقك
الروايه جدا كانت راقيه وجميله ....فيها من الماضي الجميل
اتمني أقرأ لك شي جديد عما قريب ان شاء الله
شكرا جزيلا نغم😍

bluemay 23-09-16 03:07 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,

سلمت يداك عزيزتي

واشكرك من اعماق قلبي على التزامك و رقي اسلوبك في الكتابة والذي جذبننا اليك وعلق قلوبنا بمتابعتك ..

لم اقرأ الفصول بعد ولكن احببت ان اعبر عن جزيل شكري لك وامتناني لجهدك العظيم.

تقبلي مروري و خالص ودي

*تم تثبيت الرواية*



بعد نهاية النقاش او الحديث مع أحد لاتنسوا دعاء كفارة المجلس:

سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ

عمر البعد 23-09-16 10:16 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
الف مبروك تثبيت الروايه
امتعتنا باحداث راقيه وحوارات رقيقه
عشنا مع ابطال الروايه كل لحظاتهاا
شكرا نغم بارك الله فيك واسعد قلبك كما اسعدتنا

نغم الغروب 24-09-16 12:26 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخاشعه (المشاركة 3660678)
السلام عليكم
تسلم ايدينك.....كفيتي وفيتي وهذا من حسن اخلاقك
الروايه جدا كانت راقيه وجميله ....فيها من الماضي الجميل
اتمني أقرأ لك شي جديد عما قريب ان شاء الله
شكرا جزيلا نغم😍

و عليكم السلام و الرحمة عزيزتي
شكرا مرة أخرى على كلماتك الرقيقة و تشجيعك الدائم و المستمر
الرواية كانت راقية بكم أعزائي
و أتمنى أيضا أن ألتقي بكم مرة أخرى في رحلة من رحلات القلم و الخيال
و في الأثناء أقول لك دمت بخير و عافية

نغم الغروب 24-09-16 12:32 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3660712)
الـسـلام عـليكـم ورحمة الله وبركاته,

سلمت يداك عزيزتي

واشكرك من اعماق قلبي على التزامك و رقي اسلوبك في الكتابة والذي جذبننا اليك وعلق قلوبنا بمتابعتك ..

لم اقرأ الفصول بعد ولكن احببت ان اعبر عن جزيل شكري لك وامتناني لجهدك العظيم.

تقبلي مروري و خالص ودي

*تم تثبيت الرواية*



بعد نهاية النقاش او الحديث مع أحد لاتنسوا دعاء كفارة المجلس:

سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنت أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إِلَيْكَ

مشرفتنا الغالية مايا أنا التي أشكرك على اهتمامك و على صدق مشاعرك و بالنسبة لالتزامي فتعلمته من الكاتبات المميزات اللاتي تعطرن هذا المنتدى الجميل بعبق أقلامهن
أتمنى لك و لهن دوام التوفيق إن شاء الله
شكرا عزيزتي على التثبيت

نغم الغروب 24-09-16 12:55 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر البعد (المشاركة 3660756)
الف مبروك تثبيت الروايه
امتعتنا باحداث راقيه وحوارات رقيقه
عشنا مع ابطال الروايه كل لحظاتهاا
شكرا نغم بارك الله فيك واسعد قلبك كما اسعدتنا

الله يبارك في عمرك عزيزتي
سعيدة بوصول مشاعري و رسائلي إليكم و أسعد الله قلبكم كما أسعدتوني بمتابعتكم لروايتي

fadi azar 17-02-17 10:41 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
رواية رائعة جدا

بيلسان الشرق 13-04-17 07:10 PM

رد: الرحيل ...إليه
 
سلام عليكم

ندى ندى 18-08-18 05:07 AM

رد: الرحيل ...إليه
 
تسلم ايدك حبيبتي ووفقك الله
روايه في قمة الروعه


الساعة الآن 01:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية