منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   رواية 13 (https://www.liilas.com/vb3/t189986.html)

Ahmad Rufai 17-09-13 09:22 AM

رواية 13
 


-1-


من يستطيع أن يضع تصوراً عن النساء في عقل طفل لم يعرف عن أمه سوى صورة بملامح ساكنة تتوسط جدار غرفة أبيه، ومن يمكنه أن يشرح له معنى الخواء الفكري الذي يجتاحه كلما فكر في ملكوتهن بين سبعة إخوة خط الشارب سيفه على وجوه أغلبهم.
لم يتمكن والده في أصفى حالاته الذهنية أن يجيبه عن أهم سؤالٍ لديه، عندما يقول لأبنائه بتأثر شديد:
- كانت والدتكم تحبكم.
فأجيب بغصة:
- ولمَ تركتنا إذن؟!
ما هو نوع الحب الذي يريد أن يشعرني به والدي عند حديثه عنها لأدين لها بولاء يجعلني أشعر بتأثر شديد عند ذكرها، وماذا يجب أن يعني لي هذا الحب إذا كان هناك الكثير ممن يستطيعون أن يمنحوني إياه فعلياً أكثر منها؟ وإن كان هذا الحب من نوع مختلف يميزه عن غيره سلفاً، فكيف استطاع أبي أن يكمل حياته بدونها؟
كانت النساء بالنسبة لي شيء أشبه بالخيال منه إلى الواقع فسكنتني منهن رهبة قديمة، وهالة من الضباب تجتاحني كلما فكرت في ملكوتهن، لطالما اعتقدت أنهن كائنات لا تتحلى بما نتحلى به نحن الرجال من أفكار كالحقد والغباء، أو تصرفات كالأكل والنوم والشرب، لجهلي بتفاصيلهن وطريقة عيشهن، فربما كنتُ أعرف عن عالم الجن، أكثر مما أعرفه عن عالم النساء.. اللاتي كنّ في نظري أقرب إلى الملائكة من كونهن بشراً.. وسقى أخي هذه الفكرة عندما أقسم لي أن أجسامهن تختلف في هيئتها عن أجسامنا!!
بات الأمر بالنسبة لي حدثاً كونياً سيحدث لي مرة واحدة بطريقة أجهلها، سأعرفها عندما أكبر وأقوم بحزم أمري وأقرر أن يكون لي أطفالاً، حينها ستظهر هذه (النساء) وستقوم بعملها، ثم تختفي حينما تنتهي مهمتها في هذه الحياة، تماماً كما حدث مع أبي وجدي من قبله.
النساء من النسيان..
فبالرغم من كل هذا الزخم الذي يرافق ظهورهن واختفائهن، إلا أنني نسيتهن حالما دخلت إلى المدرسة، ووجدت أشياءً ملموسة أكثر إثارة تمنحني الشعور بالخوف والفرح معاً، كالهرب من المدرسة مثلاً!!
كم عرفتُ من النساء؟
واحدةٌ منهن كانت تبيع الحلوى أمام المدرسة، تجلس على كرسي خشبي وترتدي الأسود بالكامل، من رأسها وحتى آخر أطرافها، والقليل جداً منهن كن يعبرن بين الفينة والأخرى في العصر من أمام منزلنا.
أول النساء نون النسوة، والسين للسراب الذي يلهث الرجل خلفه طول عمره، والأَلف حرفٌ أو رقم، كلاهما لا يستطيع أن يدل على نفسه إن جاء مفردا!!
لذلك لم يزدني التوغل في تفاصيلهن إلا جهلاً، فكلما اعتقدت أنني اقتربت من الحقيقة، وجدتني أنقب عنها خارج الإطار!!
ثم جاءت كالطّيف..
كالحلم..
لتغذي هذه الرهبة وتمنح قلبي المزيد من التقديس لكينونة النساء، وزادت على ذلك نوعاً من السحر الخلاب الذي جعلني أقف على حافة العقل والذهول –دائماً- عندما أحدثها، ومنح الأشياء بريقاً، والكون روحاً فوق الحياة التي يتغنى بها، فأصبحت أشعر أن الأشياء التي ترتبط بلقائها صارت أكثر إحساساً.
سحراً يخيل لي أن أشيائي تقاسمني التنفس والتفكير والإحساس، فنظارتي تشتاق لمرآها، وقلمي يكتب مشهد اللقاء قبل حدوثه، وساعتي تنتظر الموعد..
الباب يقف بانتظاري، والكرسي على عجلة من أمره ينصب لنا مجلساً، يأمر المنضدة فتطيعه ويطلب من الضوء أن يخفت أو ينطفئ، ليهيئ لهذا السحر مشهد المساء.
سحراً ليس كالسحر.. يختالني فأشعر أنه تعويذة فرعونية من نقشٍ بابلي، نصبته أسطورة آشورية على قلاع أحد آلهة الإغريق، سحر اجتمعت عليه وفيه الدنيا بأسرها.. سحر الحب.
الحب الذي اختلف أهل الأرض في تعريفه واتفقوا على سحره، يعربد دائماً كيفما شاء، ولا يعيد الكرة مرتين، ذلك أنه لا يؤمن بالروتين ولا يعجبه التكرار!!
ثم أنه لا يتبع خواصاً فيزيائية أو حسابات رياضية، لا كميات محدودة أو احتمالات منطقية، لذلك عادة ما يأتي مقترناً بما لا نستطيع إحصائه نحن البشر (أحبك بحجم السماء.. بحجم البحر)، هكذا متجاوزاً كل الأرقام الفلكية في ثوان.
لكننا نبحر فيه مقتنعين بأننا الأفضل، نخوض في تفاصيله دون الخوض في تفاصيلنا، لا أستطيع التفكير وهي تحاصرني حد الغرق، فتقبل كالبحر الذي لا تمل الجلوس بحضرته، تستأنس بحديثه وإن لم تعي ما يقول، تقف دائماً في حيرة من جبروته وحنانه وفتكه وهدوئه، تخافه وتشتهيه، لأن الحب هو الشيء الوحيد القادر على أن يمنحك شعورين متناقضين في الوقت ذاته إن أراد ذلك!!
فابتسامة الحب مثلاً.. تحمل كل الصفات والأضداد من المعاني والتصرفات.
كانت تحدثني كطفلة..
وتستمع لي بحكمة عجوز..
وتضاحكني بمرح أنثى لا تنتهي..
ومهما تكررت اللقاءات بيننا فإنها تغيب لتظهر بنفس الهالة القدسية المبتسمة لا يغيرها الزمن ولا يحيد بها، كأنها صحراء مترامية الأطراف، ترى نفسك صغيراً أمامها مهما كبرت.
لون العينين، حجم الشفتين، طول القد، عقدة الحاجب، رسمة الجيد، انحناءة الخصر وكل التفاصيل لا تعني شيئاً عندما تنظر إلى امرأة تعتقد أنك كلما رأيتها، تأخذك تلك الهالة السحرية التي تخيل لك أنك تراها للمرة الأولى!!
فعينيها متجددة، وشفتيها قديمة، وروحها أزلية لا تعترف بمقاييس العالم الحسي الذي وضعه الناس عرفاً لوصف معشوقاتهم.
وأمام كل هذا السحر كنت أنا..
كالطالب البليد الذي لا يستطيع تدوين مشاهداته ولا مراجعة دروسه، يزداد إيماني بجهلي يقينا كلما ابتسمت لتستحيل أيام حياتي مجرد حلم تبعثره ابتسامتها وحضورها الآسر لكل شيء، فكأن الدنيا والمشاعر والناس رهن إشارتها تحركهم كيفما شاءت.
حتى بت أشعر أن العالم الخارجي لا يعدو على أن يكون ابتسامة واحدة منها، وحتى الآن.. وبعد كل هذا العمر والشيب الذي بدأ يغزو رأسي لازلت أمنع نفسي من التفكير في تلك الابتسامة، حتى لا أخرج إلى حيز الكفر أو حيز الجنون!!
تمنيت حينها لو أنني كنت شاعراً لأستطيع وصف ما يدور بخلدي ودواخل نفسي على صورة شعر ليفهم الناس ما معنى أن تبتسم لك امرأة بحق.. وحتى أكون أكثر دقة، فقد تمنيت أن أكون شاعراً أكثر جاهلية، لأكون أكثر بدائية وشاعرية في وصف ما حدث دون الحاجة إلى استخدام الأغراض الشعرية الحديثة التي طرأت على الشعر العربي فجعلته ركيكاً هزيلاً يستخدمه العامة قبل الخاصة حتى في المناسبات التي لا تستحق حتى التفاتة فيحيلها إلى شعر خيالي متكلف وتافه.
أبجديات الحب صعبة ومخيفة، فلكي تحب لا بد أن تنحي عقلك جانباً، تتوقف عن التفكير تماماً، تعيش كل لحظات الحب في حياتك كأنها الأخيرة.. اغمض عينيك وقل أصدق الأشياء في حياتك.. ستشعر تلك اللحظة أنك ركضت ملايين الأميال دون توقف.. وأن قلبك شارف على الانفجار.. ستختفي كل معالم الكون لتشكل معلماً واحداً فقط.. معلم الحب.. وبعدها سيختفي كل شيء لتجد أنك أصبحت وحدك.. لا شيء معك، حتى ذلك الشخص الذي تكاتف كل الكون ليتشكل في صورته.. ليحيل حياتك حلماً تائهاً وسط المجرة.
يقول علماء النفس أن أطول حلم يراه النائم يستمر لمدة ثلاث ثوان فقط، إن كان هذا صحيحاً فكل ما تبقى لي الآن بعد كل هذا العمر الذي قضيته كالحلم، ثلاث ثوان وتسعون ألف عمر مقسمة ما بين أحلامي وآمالي وما كنت أتمناه وأخشاه.. ما أطول مدة هذا الحب الذي لا زلت أتذوقه رغم رحيله.
وكما جاءت كالحلم رحلت معه..
كان يجب عليّ أن أتوقع ذلك، لكن قلّة خبرتي في التعامل مع الحياة وقتها جعلتني أرفض هذه النهاية ولا أصدقّها بالرغم من أنني كان من أجاب منادي الرحيل أولاً.. لأنني فضلت أن أحتفظ بذكريات حبي كما هي دون أدنى شائبة، فرحلت بكل قوتي..
لا عجب.. فهذا نحن عندما تجمعنا قلة الخبرة، جنون المراهقة وطيش الشباب!!
وتلاشت الحياة قدراً لتصبح لا شيء..
لا شيء..
هكذا يرحلون من حياتنا تاركين اللا شيء خلفهم..
إن أكثر شيء قاتل يمكن أن يحدث لك في حياتك هو لا شيء..
عندما تكون ردة الفعل لا شيء..
عندما لا يعتريك أي شيء من المشاعر ولا تظهر أمامك أي خطوط تمكنك من اتخاذ رد الفعل المناسب..
فتمسي وأنت ترى أن الأشياء الملموسة بدأت تفقد قيمتها الحسية، تصبح كلها بلون أسود لتتحد على صناعة الظلام والفراغ لجميع قائمة مشاهداتك، يصبح القلم جافاً، والجو بارداً والباب عنيداً.. ليس الباب فقط، فكل الأشياء من حولك تتحد لتصنع الشيء الذي يخالف ما تريده أنت، لكنك لا تملك سوى التسليم، فمن يقف في وجه الكون سينفى إلى عالم الفراغ والظلام.. عالم لا جاذبية فيه ولا لون لمعالمه ولا نهاية لوجوده.
حتى المشاعر التي كنت تقتاتها بصبر تفقد قيمتها المعنوية.. تتبدد لتصبح متساوية فلا تعرف صبراً ولا تحملاً ولا حنيناً إلى شيء.. يختلط الحب والجنون، وينتهي العشق والألم لتصبح أقرب إلى دمية في ركن قصي سئم طفل من ملاعبتها فأعادها إلى عالم النسيان.
الآن اكتشفت طريقة جديدة للقتل، فحين تريد أن تقتل شخصاً يعرف أنك تنوي قتله، لا تفعل شيئاً.. أتركه لـ(اللاشيء) .. ثم تمتع بمشاهدته وهي يذوب في عالم النسيان!!
أصبحت أحيا بعدها بلا مشاعر.. بقيت لفترة لا أستخدم أي تقنية محتملة ، وسافرت.. كأن الأرض كانت تتنفس باسمها، غيرت كل ما يمكن أن يذكرني بها، نسيت كيف كانت حياتي قبل أن أتعرف إليها.

*****

ويهرب الإنسان دوماً.. من قدرٍ لن يصيبه إلى قدرٍ سيصيبه!!
رغم يقينه وإيمانه بالقدر إلا أنه لا يتورع عن الهرب، مسهلاً مهمة القدر دوماً، ومثله كنت أهرب، أبتعد خوفاً من أن يقتلني كل شيء هناك، حتى الهواء الذي طالما تشاركنا استنشاقه باستمتاع.
ولم أكد أنفض رجلي من غبار تلك التجربة حتى وقعت مرة أخرى فلمعت حذائي وارتديت ملابسي وخرجت على عجل..
هنا في الهند لن يعرفني أحد، أقصد.. سيعرفني كل أحد!!

يتبع ..

F H A O A H 17-09-13 02:22 PM

رد: 13
 
مُلغممة بِ الجمَال
منتظرينكَ . . :e106:

Ahmad Rufai 19-09-13 02:18 PM

رد: 13
 
-2-

ويهرب الإنسان دوماً.. من قدرٍ لن يصيبه إلى قدرٍ سيصيبه!!
رغم يقينه وإيمانه به إلا أنه لا يتورع عن الهرب، مسهلاً مهمته دوماً، ومثله كنت أهرب، أبتعد خوفاً من أن يقتلني كل شيء هناك، حتى الهواء الذي طالما تشاركنا استنشاقه باستمتاع.
ولم أكد أنفض رجلي من غبار تلك التجربة حتى وقعت مرة أخرى، فلمعت حذائي، ارتديت ملابسي وخرجت على عجل..
هنا في الهند لن يعرفني أحد، أقصد.. سيعرفني كل أحد!!
كنت أرى في نظرة سائق الحافلة وهو يحدث من بجانبه كأنه يقول له:
- هذا المجنون سافر الأميال بحثاً عن مكان لا يصله الهواء الذي تستنشقه حبيبته.
فيضاحكه صديقه بصوت عالٍ وهو ينظر إليّ بشفقة!!
كل الأشياء كانت تعرفني وتشمت بي، حتى مفتاح الغرفة ومزلاج الباب.
ولم تستطع الهند بكل آثارها، أديانها، لغاتها وثقافاتها المتعددة أن تحتوي رجلاً جاء هارباً إليها بصمت، علمت حينها أنه لو اجتمع كل رجال الكون لن يستطيعوا تغيير شيء فيك ما دام هذا التغيير لم ينبع من داخلك.
لذلك حاولت أن أفعل أي شيء يساعدني لأتغير من داخلي فقررت أن أدرس..
لا أريد أن أعود قبل أن أنساها، أريد أن أخطو على الجرح مستمتعاً، أن أقف على قصتي ضاحكاً مستفزاً لذاتي، فهل بالإمكان أن يحصل ذلك؟؟
صعدت إلى الحافلة على عجل، وما أن اقتربت من وجهتي المنشودة حتى قفزت مسرعاً واتجهت نحو المدخل، وعلى حائط طويل صفّت عليه الأوراق بحثت عن اسمي ورقم قاعتي، ولم أستطع الوصول إلى القاعة حتى تبللت بالمطر تماماً.
نقرت الباب نقرتين بإصبعي السبابة ثم عدت إلى الخلف ففتح الباب رجل قصير، حليق شعر الرأس وله ذقن كثيفة ويرتدي بزة رسمية وبادرني بالقول
- Master Qusay
حركت رأسي بالإيجاب فتابع:
- You are late
أفسح لي الطريق حينما وجدني مبللاً فدخلت وأنا أنفض شعري من الماء، وأصابني القلق حين اكتشفت أنه لم يبقَ في القاعة سوى كرسي واحد، بجانب فتاة نحيلة نوعاً ما يبدو أنها عربية، اتجهت للكرسي أبعدته عنها كأنني أعيده إلى مكانه بلباقة وجلست.
بدأ المدرس القصير في سؤالنا عن أسمائنا وأعمارنا والدول التي قدمنا منها.
لم يفهم البعض مقصده فراح يشرح لهم ويشير إلى نفسه، ماي نيم إز (نعيم) وات إز يور نيم؟ كان رائعا في إيصال فكرته.
وجاءني الدور فقلت:
- ماي نيم إز قصي.
أما هي فقالت:
- ماي نيم إز ربى..
كونها تنتمي لنفس المنطقة التي أنتمي إليها لا يعطيها الحق في أن ترمقني بالطريقة التي كانت تنظر بها إلي، أردت أن أقول لها بالعربية.. المعلم بهذا الاتجاه، لكنني أحجمت عن ذلك لعدة أسباب لست أعلمها!!
في الأيام التالية وجدت نفسي مضطراً للجلوس في نفس الكرسي بجانبها، خفت إن أنا جلست مكان أحدهم أن يطلب مني مغادرة الكرسي.
فأصبح لزاماً عليّ أن أشاركها المجموعة عندما يقسمنا ذلك (النعيم) إلى مجموعات ليقوم بتنشيط أدمغتنا وتحفيزها على التعلم مما ولد جواً من الألفة بين كل من في القاعة، وساهم في نشر المزاحات اللطيفة، حتى باتت تغششني بيدها كلما سألني الأستاذ نعيم فوجدني سارحاً في اللا شيء.
ساعدنا جو القاعة وطريقة الأستاذ نعيم على التأقلم مع الوضع الجديد بسهولة، فكان هو محور أول حديث يدور بيننا. قلت لها بالعربية:
- طريقته لطيفة ورائعة في التدريس
قالت:
- نعم، لكنك تسرح كثيراً.. لا أعلم، هل أنت بخير؟
قلت:
- نعم.. أشكرك
وعدنا للصمت مرة أخرى فربتت على يدي بالقلم بلطف، قالت:
- أمتأكد أنت من أنك لا تعاني من أي شيء؟
لم أجبها.. نظرت إليها ثم عاودت النظر باتجاه الطالب في الجهة المقابلة لي وهو يبتسم.
قالت:
- مالذي جاء بك إلى الهند؟
قلت:
- الطائرة
ابتسمت:
- لم أسألك عن الوسيلة التي جئت بها، أقصد لماذا جئت إلى هنا؟
قلت:
- أخبرني الأصدقاء أنها مكانٌ جيد للتعلم..
قالت:
- وكيف تقضي وقتك هنا؟؟ هل أعجبتك الهند؟
علمت أنها لن تتوقف عن الأسئلة أبداً طالما كنت أجيب، فاخترت إجابة قصيرة ومقتضبة في الوقت ذاته، قلت:
- أعتقد أنها جيدة.
تظاهرت بالانشغال بكتابة ما يقوله الأستاذ (نعيم) حتى تكف عن طرح الأسئلة على هذا النحو المربك فعلا، كانت هذه أطول محادثة دارت بيننا حتى الآن، وبالرغم من ذلك فأن تلك المحادثة القصيرة جعلتها تجسر على الاقتراب مني أكثر.. ودون مقدمات وجدتني أرضخ لطلباتها حتى أستطيع تجنب ثرثرتها على الأقل!!
استقبلني عم (موجود) عندما عدت إلى الفندق مساء ذلك اليوم، كان رجلاً قد تجاوز الستين من عمره، هو من ساعدني في كثير من خياراتي منذ أن جئت إلى هنا.. كان أبيض البشرة طويل شعر الرأس.. يضع (عمة) على رأسه تذكرني بعلاء الدين، ويرتدي ثوباً فضفاضاً أغلب الوقت.. ينحني بابتسامة مرحة حين يصافح زبائن فندقه الصغير، قال لي أنه عاشر العرب كثيراً حين كان يعمل على متن السفن التجارية.. صافحته وبادلته الابتسامة فقال لي:
- سيد قصي، سأسهر اليوم أنا وأحد أصدقائي العرب، أعتقد أنك ستستمتع بذلك.
اعتذرت منه بأدب وصعدت إلى غرفتي وأنا أفكر في ربى، لا أستطيع منعها من الاقتراب أكثر، كما لا يمكنني السماح لها بذلك، لا أريد أن أضعها في مقارنة خاسرة ولا أريد أن أكون تجربة فاشلة في حياتها تحملني وزرها فيما بعد كما حدث معي، لكن الأحداث جاءت أسرع مما كنت أتوقع!!
وجدتني وأنا أجلس أمامها في مطعم يقدم لزبائنه وجبات على الطريقة العربية، فجلست أتأمل وجهها بعد أن خلعت الحجاب عن رأسها، بينما راحت هي تقلب قائمة الأطباق في يدها، شعرت أنها لم تزل في الصف السادس، قصيرة و نحيفة جداً، شعرها قصير وعينيها صغيرة بفعل النظارات التي لا تفارق وجهها أبداً.
كانت لا تكف عن الحديث أبداً.. ما أن تجد مساحة فارغة في ناموس الوقت حتى تملؤها بحديثها عن نفسها وحياتها الخاصة وأحلامها.. قالت وهي تلعب بقطعة القماش في طرف الطاولة:
- أمي مدرسة جغرافيا.. عندما علمت أنني لا أفضل التخصصات العلمية بدأت تبحث لي عن تخصصات أدبية تمكنني من إيجاد عمل مناسب، قالت أنه لا يمكنني الاعتماد على الرجال والزواج في حياتي، كما أن مجموعي لم يمكني من الدخول في أي جامعة وطنية، فأخبرتها خالتي - التي كانت قد أرسلت ابنها إلى هنا ومن ثم ابنتها- أن الهند مكان رائع جداً.. وأن وجود أبنائها سيسهل الكثير من الأمور إن هي أرادت أن ترسلني إلى هنا.
كنت أستمع لها دون مقاطعة وأكتفي بابتسامة عندما أجدها تنظر إلى وجهي مباشرة لتبحث في ملامحه عن انطباعات ربما تكون قد رسمت على صفحته لتحدد من خلالها الشعور الذي أعيشه في تلك اللحظة.
واصلت حديثها:
- في البداية واجهت صعوبات كثيرة جداً.. تخيل أنني بقيت لشهور لا آكل سوى المعلبات والفواكه الطازجة فقط.. استغرب كيف تأكل ابنة خالتي من أكلهم، حتى أنها تحب أفلامهم وتحاول تعلم لغتهم وتقلدهم في كل شيء حتى في ارتداء الملابس، حتى خالد ابن خالتي اندمج كثيراً معهم.
أيقظتني من غفلتي عندما أمسكت بيدي، وابتسمت عندما رأت معالم الحرج ترتسم على ملامحي فضحكَت، لكنها شعرت بتوتري من لمسها ليدي، خاصة وأنني كنت قد بدأت أبتعد عن نقطتها لأعود إلى نقطتي الأصلية هناك داخل وطني، كالكترون لا يتأثر بأي مجال مغناطيسي غير الذي ينتمي إليه.
شعرت هي بتسرعها فحاولت أن تغطي الموضوع وأن تكمل حديثها بتلقائية، قالت:
- قليلاً ما أجلس معهما، فهما مشغولان بالخروج دائماً ، كما أنني لا أفضل الجلوس بصحبتهم أبداً..
صمتت قليلاً حين رأت أنني لا أتفاعل مع حديثها فربما حاولت تغيير مجرى الحديث، قالت:
- حتى جاء اليوم الذي سمعت فيه صوتك.. جاء رخيماً كأنه صوت أمي.. لدرجة أنني لم أعد أعلم هل بت أواظب على الحضور باكراً من أجلك أم من أجل الأستاذ (نعيم)، صدقني يا قصي.. توقيت ظهورك في حياتي مهم جداً، كنت قد بدأت أشعر باليأس من الحياة هنا و..
قاطعتها بتوتر:
- وأين يعمل والدك؟
- في الجيش.
- ضابط؟؟
- لا.. إنه طبيب بيطري .. يعمل في الجيش، عمله يتطلب منه أن يتأكد من سلامة المواشي التي يقومون بذبحها لتموين الجيش.
إنه طيب جداً.. لكنه يقول أن انفصاله عن أمي ليس بسببها ولا بسببه، وإنما نتج ذلك عن عدم ملاءمتهما لبعضهما، أعتقد أنهما يقولان ذلك حتى لا يجعلاني أتخذ موقفاً سيئاً من الارتباط بأحدهم.
- وما رأيك في ذلك؟
قالت بخبث:
- في ماذا؟
- فيما يقوله والدك؟
- وماذا قال..
لم أجبها فتابعت:
- قصي.. لست غبية.. أعلم أنك تتهرب من إدخال مشاعرك في حديثك معي، حتى أنك لم تتحدث عن نفسك أبداً.. لكن مجرد استماعك لي يكفيني حتى الآن.
حاولت أن أجد رداً مقنعاً، لكنها تابعت الحديث مرة أخرى:
- ليس كل البشر متشابهون يا قصي، لكل شخص تجاربه وما يؤمن به في حياته، ربما تؤثر علاقة والدي بولدتي في حياتي لكنني أؤمن بأن الالتقاء بأشخاص جيدين، يجعل حياتنا أجمل.
ابتسمت قليلاً وشكرتها في نفسي، قلت لها بصوت منخفض:
- أنا آسف..
ردت لي الابتسامة بابتسامة أجمل، قالت:
- لا بأس.. لن أكفّ عن المحاولة.
لا أعلم هل كنت أنا رائعاً لهذا الحد لتتقرب مني أم أنها صنعت مني أسطورتها بنفسها، لابد أنها الغربة التي كنا نتشاركها، فأن تجد شخصاً من نفس بيئتك في دولة أخرى، سيخيل لك أنك التقيت به قديماً هناك، وأن وجودكما هنا جاء ليحقق ذلك الحلم القديم، بينما ليس هناك سوى الاشتياق، ليس له وإنما للديار.
لم يكن لديها الوقت لتفلسف أي شيء، شرعت مباشرة في تعليمي كيف أفعل كل شيء تحبه هي، لم تكن أنانية بقدر ما كانت تحاول أن تشعر أن أحداً ما بالغربة بجانبها، تعبت كثيراً لتحصل علي، أو لتحدثني حتى، كانت تجلس في وقت الاستراحة داخل القاعة بانتظار أن أتحدث معها لكنني لم أفعل، وحينما أخرج من القاعة أجدها تمشي بهدوء خلفي، فما يكون مني إلا أن أشعل سيجارتي وأتوجه إلى موقف الحافلات.
المساحات الضيقة لا تسمح لك بالطيران، ومساحات الغربة مهلكة دائماً، بدأت ربى في تضييق الخناق حول رقبتي، تريد أن ترافقني أينما ذهبت، قلتها لها مرة بصراحة:
- كيف تريدين أن أحبك وأنت تجثمين على صدري كأنك ليلة لا تنتهي.. أرجوك، قفي قليلاً ، دعيني أتنفس..
لم تجب، تجمعت الدموع في عينيها وصمتت، نظرت لي بعتب وغطت فمها بكلتي يديها، ثم بدأت تحرك رجلها بتوتر ملحوظ.
للحظة.. تذكرت دموعي القديمة، لا أريد لها أن تمر بنفس تجربتي.. فشعرت باليأس وبدأت بالكذب، قلت:
- دعيني أشتاق إليك.. أنا أفعل هذا من أجلك، أريد أن ينمو الشوق ويزيد الحنين، أريد أن ألتقيك ليس لمجرد اللقيا، أريد أن التقيك لأنني أشتاقك جداً..
قاطعتني بعتب، وعيناها تجود بمائها:
- لكني أشتاقك في كل ثانية أقضيها بعيداً عنك.
صمتُّ قليلاً، لن يكون الحل سهلاً كما توقعت، كلما توقفت لصدّها تردعني دموعها بشدة فلا أقوى على متابعة الحديث. فأسلك مساراً آخر لا يروقني.. ربما لأنني حينها أكون قد شعرت بالتعب، لا فائدة من هذا كله.
قلت:
- أنا أيضاً حبيبتي، لكنني متعب قليلاً هذه الأيام، سامحيني، رفعت صوتي دون قصد.
أغمضت عيني وقطعت رأيي، الحجارة الصغيرة المتتابعة تؤدي دورها صخرة كبيرة واحدة، هذا هو الحل الوحيد، فبدلاً من أن أتجنب دموعها الصغيرة يومياً، سأتجنبها مرة واحدة بدموع أكثر، وسينتهي كل شيء، لكن تلك الفكرة كلما راودتني صاحبها خوف شديد من ردة فعلها، فأجدني أحجم عن ذلك.
كانت العودة إلى الجرح.. إلى الوطن، أهون بكثير من الكذب، فنحن نكذب على أنفسنا حينما نشعر باليأس، ثم نطلق على تلك الكذبة جزافاً مسمى الأمل.. لكن الكذب على الذات أو منحها الأمل، لا يبرر لنا الكذب على أناس أحبونا بكل حواسهم ومشاعرهم..

يتبع..

رباب فؤاد 19-09-13 02:31 PM

رد: 13
 


وأخيراً أنضم أحمد الرفاعي لكتيبة مبدعي ليلاس

مرحباً بك بين الصفوف وبحرفك الراقي الذي طالما أمتعني وأمتع كثيرين ممن لمسوا رقي احساسك وحروفك

تتغير المعرفات أخي لكن تبقى الروح التي تذكرنا فوراً بصاحب القلم الذي نقرأ له

فمرحباً بك وبإبداعك بالاصالة عن نفسي وعن شعب ليلاس الذي أنتمي إليه

وبالنسبة لقصتك....فأعترف أنني من مشجعيها منذ بدايتها وناوية معاك لقصي على نية سوووودا ان شاء الله عشان يحرم يغلط في الحريم

بس عنوان القصة شكل وراه حكاااااية طويلة...يا إما هو دلالة على رقم 13 اللي بعض الناس بتعتبره دلالة شؤم، يا إما دا عدد البنات اللي هيأدبوا قصي هههههه


في انتظار المزيد لمعرفة الى أين يتجه قصي

دمت بحفظ الله





براعم 19-09-13 04:29 PM

رد: 13
 
السلام عليكم

رائعه جدا بداية موفقه اتمنى لها الانتشار الواسع >>>> تستحق

اهلا وسهلا فيك اخوي بليلاس >>>> اللي فهمته من كاتبتنا رباب الفواد ان لك تجارب سابقه

ماشاء الله اسلوب راقي ومتقن ملئ بالمشاعر

البطل يروي حكايته >>> اسلوب جميل ومحبب يكون فيه التعبير اسمى وارقى



ان شاء الله بانتظار البقيه بشوق

ياترى شو سر الرقم 13 ؟؟؟


يعطيك العافيه

قرة عين امي 21-09-13 01:38 AM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لاول مرة اقراء لرجل لعتقادي القاصر ان الروايات باقلام انثوية مليئة بالمشاعر والغموض المحبب الى قلوب القارائات لكنك اخي غيرت اعتقادي الظالم بحقكم لاجدني استمتع بما خطت يمناك من تالق وابداع من بداية الرواية
اجتذبني العنوان بشدة اردت القاء نظرة سريعة على المحتوى ولم اشعر بنفسي وانا التهم الحروف الندية والكلمات الجميلة بنهم وحب شديد الا عند توقف نبع قلمك على كلمة يتبع
في شوق عارم لمعرفة اسرارك الخفية خلف الرقم 13 وحياة قصي مع النساء
في اعتقادي ان قصي سينتقل بحياته من امراءة الى اخرى دون ان يستقر مع احداهن
في انتظار جمال حرفك وغموض رقمك

Ahmad Rufai 22-09-13 05:21 PM

رد: رواية 13
 
الأستاذه فهاوه/

لن أنسى أبداً أنكِ كنت صاحبة أول إطلالة على روايتي هنا :)

****

أستاذتنا رباب/

كثير على مثلي هذا المديح والثناء.. أنا من سعدت بالتواجد معكم والكتابة هنا..

أما بالنسبة لقصي المسكين ونيتك السوداء.. فحرام أتركيه، حرام نكون أنا وإنتي والزمن عليه:)

خالص ودي واحترامي لحرفك..

****

أستاذة/ براعم

وعليكم السلام ورحمة الله..

أهلاً بك..

لا زلت صغيراً جدً على أن تكون لي تجارب سابقة :)

أما سر الرقم 13 ستعرفينه قريباً..

شكراً لتواجدك

****

الأستاذة/ قرة عين أمي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سعيد جداً بتواجدك، وسعيد أكثر لعاطفتك تجاه ما أكتب..

كوني بالقرب..

في حفظ المولى :)

Ahmad Rufai 23-09-13 03:31 PM

رد: رواية 13
 
-3-

استقبلني العم (موجود) في جناحه تلك الليلة، قال مرحّباً:
- أهلاً.. قصي.. كيف حالك؟
- الحمد لله.
- أرى على وجهك علامات الضيق.. يبدو أن الهند لم تعجبك ؟
- لا.. إنها رائعة.
اتجه لمشربه الصغير في زاوية الجناح وهو يضحك، قال:
- عندما نقترب من الأشياء التي كنا نحلم بها أكثر من اللازم، نكتشف أنها ليست سوى أشياء عادية غالباً.
حاولت التهرب من أسئلته بأن أقوم بدوره في إلقاء الأسئلة، قلت له وأنا أقلب نظري في غرفة المعيشة علّها تشي لي بشيء من ماضيه القديم:
- لماذا اخترت أن تكون بحاراً يا عم موجود؟
- تلك قصة قديمة جداً يا قصي.. قديمة جداً..
فتح زجاجته وجلس على كرسيه المتحرك، ثم راح يحدثني عن ذكرياته وهو ينظر إلى السقف ويهدهد نفسه بمرح طفل صغير:
- ولدتُ في قرية نائية تطل على البحر في الجنوب، كنت مثار السخرية في طفولتي بين أقراني لزيادة وزني وعدم قدرتي على الحركة بشكل سريع فأصبحت أتجنبهم، وعشقت الجلوس وحيداً على سقف بيتنا أراقب دخان السفن التجارية صباحاً وأضوائها ليلاً.. أحببت البحر، السفر والترحال لأراضٍ بعيدة، تمنيت أن أصبح بحاراً أجوب العالم على متن سفينة تنقل البضائع والمسافرين من الشرق إلى الغرب.. تخيلت وجوهاً بملامح عربية وأفريقية ومعالم دولٍ أسمع عنها في مذياع أمي الصغير الذي تضعه بجانبها دائماً.
لكن والدي المزارع - الذي جاء نازحاً من الشرق أثناء الحرب الطائفية التي تبعت استقلال الهند عن بريطانيا - كان يكره هذه الأمنية ويمقتها، لأنه يرى أن الرجل لا تساوي قيمته شيئاً دون أرض يملكها وتملكه.. كان رجلاً شديد الارتباط بأرضه وماشيته.
ولحدته وغلاظة طبعه لم أجرؤ يوماً على الوقوف في وجهه عوضاً عن مناقشته وعرض ما يدور بداخلي أمامه، تركت تلك المهمة للوقت، وكلما جلست أمام المحيط سألته أن يقنع أبي في العدول عن رأيه لأستطيع تحقيق أمنيتي ؟؟
وكما تتبخر أحلام الصغر سريعاً فقد تبخر ذلك الحلم حين رأيتها وأنا أمارس عادتي اليومية في مراقبة السفن تقف بالقرب من منزلنا في المساء، تبكي وتتلفت يمنة ويسرة فاقتربت منها وأخبرتني أنها جاءت مع أهلها لتزور قريباً لهم في قريتنا وتقيم عنده لكنها ضلت الطريق.
قام من مكانه بتثاقل يطوح بجسمه الممتلئ يمنة ويسرة حتى اتكأ على النافذة، قال وهو ينظر من خلالها كأنه يصف شيئاً متألقاً في السماء:
- سمراء واسعة العينين، طويلة الشعر، مهما حاولت جاهداً أن أصفها لك يا قصي فلن أستطيع، بعض الأشياء يأتي جمالها في صعوبة وصفها وعدم احتمالية حدوث ما يشبهها، كحديث السماء حين تسقط مطراً على البحر صانعة بينها وبينه سلماً خفياً إليها.. هل شاهدت ذلك يوماً يا قصي؟؟
لم أجب فعاد إلى مقعد كان بجانبي وشد على يدي بقوة:
- أحببتها بحجم البحر بل أكثر من ذلك، ومنذ تلك الليلة التي ساعدتها فيها للوصول إلى منزلها تغيرت حياتي، كنت صغيراً جداً لا أملك القدرة على التعبير عما يدور في داخلي ولا أملك الحق في شرح ما حصل لوالدي حين رآني أقبلها القبلة الأولى في حياتي.
رأيت في عينيها وأبي يسحبني إلى البيت دموعاً تبلل خدّها وابتسامة تغمر محياها، مدت يدها إليّ دون أن تتحدث حتى غبت عن نظرها تماماً، قيدني والدي تلك الليلة في حجرتي وضربني.. ضربني كثيراً.. قال أنها ليست على ديننا.. وأن مجرد الحديث معها سيجلب لنا كثيراً من المتاعب، بكيت كثيراً دون أن أعي ما يقول..
كان أكثر ما جرحني هو أنه ضربني أمام الناس فلم أعد أقوى على الخروج أمامهم.. إن..
ولأول مرة أقاطعه وأتحدث، تمنيت أن يلهمني هذا العجوز الثمل شيئاً من تجاربه، أردت أن أعرف هل حقق حلمه بالارتباط منها بعد ذلك، قلت بتوجس:
- وهل قابلتها بعد تلك المرة؟ أم أنها كانت الأخيرة؟
تنهد قليلاً أغرق عقله وثوبه بكأسه، ثم عاد بنظرة إلى السقف ولمعة تغطي عينيه:
- الأخيرة.. نعم.. لازال مشهدها الأخير يتكرر في رأسي لدرجة أنني كلما رأيت أنثى تبتسم، أنظر إلى عينيها مباشرة لأبحث عن تلك الدموع التي اعتقدت أنها فطرة تصاحب ابتساماتهن.. لكني لا أجدها..
بدأ يختل توازن كلماته وبدا حديثه أقرب إلى الهمس:
- علمت أنني لن أستطيع الحصول عليها وأنا أعيش مع ذلك المزارع المقيت، رغم محاولات أمي الكثيرة لتهدئتي وإسباغ الحنان علي إلا أنني هربت.. خبأت الخبز في كم ثوبي ثم تسللت إلى أحد السفن في جنح الظلام وخبأت جسدي الصغير داخل صندوق خشبي يرقد في المستودع ولم يشعر بي أحد..
حاول الوقوف عن مقعده لكنه بدأ في الضحك بهستيريا حتى وقع على الأرض فلحقت به لأرفعه بثقله عن الأرض وأحاول إجلاسه على المقعد ولم تلتقط أذني سوى كلمات قام يرددها بالعربية ( لم أعد.. غبي.. لم أعد.. أمي أين أنتِ..)
غاص جسمه في المقعد دون أدنى مقاومة، في البداية حاولت الاتصال بالاستقبال.. توقعت أن مكروهاً ألم به، لكنني سمعت شخيره المنتظم يعزف سمفونية الغائبين، فغطيته بملائة كانت على سرير في أحد الغرف وخرجت دون أن أطفئ النور.. أردته أن يواجه قدره بقسوة.. أن يحقق أحلامه في النور.
لم أنم طوال تلك الليلة.. رأيت فيما يرى المستيقظ بين الوعي والجنون أنني كهل يقف على حافة رصيف يستجدي المارة أن يتحدثوا معه، لا أريد أن أموت غريباً وحيداً هارباً في بلد لا أعرف فيه أحد، كان مجرد تخيل ذلك يزيد من تسارع دقات قلبي ويجعلني أتنفس بصعوبة شديدة حتى أشعر أن الأكسجين لم يعد يستطيع أن يغذي جسدي فأفقد السيطرة على أطرافي وأشعر ببرد شديد قاتل.. فقررت التوقف عن الهرب..
وقبل أن يستيقظ (عم موجود) من نومه، كنت أحمل شنطة ذكرياتي عائداً إلى أرض الوطن، لا أريد أن أموت هرباً، وبقدر ما أحببت عم موجود لا أريد أن أكون مثله أبداً!!
وكما لم يعارض والدي سفري إلى الهند فجأة دون سابق إنذار، لم يناقشني أبداً في اختياري الانتقال إلى أي مدينة أخرى من المدن الممتدة بعرض الوطن،، ربما أعتقد أنني سأعود سريعاً كما عدت من الهند، كان آخر ما قاله لي حين أخبرته برغبتي:
- لو كانت والدتك على قيد الحياة الآن، لتغيرت كثيراً من الأمور في حياتك وحياتي.. حياتنا..
لم أجد إجابة أطبعها على لساني فآثرت الصمت.. أمي.. ولماذا أمي.. لم كل هذه النقاط المبهمة التي يتركها والدي؟؟ هل أراد أن أحب والدتي أكثر؟؟ لما لا يقوم هو بما كان يجب عليها القيام به طالما أنها ليست موجوده؟؟
دقيقة من فضلك.. وماذا تعني أمي؟؟
عادة ما أقوم بإعادة الكلمات التي لا أشعر بمعناها الحسي إلى حروفها الأصلية، ثم أقوم بتحليل كل حرف على حدة، علّني أستطيع الحصول على مفاتيح ترشدني إلى ضالّتي.
الأم ألف أُلفة وميم محبة كما يقول العم (موجود).. لا.. إنها ألف اشتياق وميم مودة، كما شعرت بذلك في حديث ربى عندما قالت أن في صوتي شيئاً يشبه صوت أمّها..
ترى كيف حالك الآن يا ربى؟ هل آلمك غيابي المفاجئ أم أنك وجدت شخصاً آخر يجيد القيام بدور مهدئ للغربة؟؟بعيداً عن كل ما حدث بيننا فأنا أحسدك على صوت أمك الرخيم واهتمامها الحنون.. فكلما قلبت حروفي وجدتها ألف اغتراب وميم معاناة..
وانتظرت كثيراً حتى تذكرت شيئاً أذكر أنني كنته سابقاً، رحت أتجول في ذاكرتي بحثاً عن أي شيء ينقذني من شر نفسي وهلوساتها، فوجدتني أنظر إلى المرآة في مدينة أخرى، وكما قال جدي، كل الأشخاص الذين يكسبون قوتهم بيدهم لا يبالون إن أقاموا أو رحلوا.. عملتُ في شركة لصيانة الحواسيب والتقيت (باسل) صديق دراسة قديم كانت تربطني به علاقة وثيقة، كان يمثل الضمير المستتر بالنسبة لي عندما أخطئ.. خاصة في الأيام التي تلت عودتي إلى أرض الوطن.. أرض الذكريات، لأنني لم أكن منعدم الضمير فحسب، بل كنت لا شيء.
كنا نجتمع في المساء لنتحدث، في الواقع لم نكن نتحدث، كان (باسل) يتحدث وأنا أستمع فقط لحديثه الممتع وتجاربه ومعتقداته وانتمائاته الفكرية وتحليلاته السياسية، كنت أشعر أنني لا أملك سوى تجربة واحدة، فاشلة يتيمة، أودت بي إلى هنا.
من سور الصّين العظيم حدثني عن الشيوعية والاشتراكية، وقرب برج إيفل، أخبرني كيف استطاع الألمان أن يسقطوا فرنسا في ثلاثة أسابيع، حدثني عن أدغال أفريقيا ومقاطعات الشرق البعيد ساعدني على تجاوز محنتي دون أن يعلم، فاكتشفت أن هناك أموراً أكثر إثارة من الحب، إنها الحياة.
بالرغم من أنها زائلة إلا أنها تمكنك من اختيار قراراتك فيها أو معها، تصبح تحت طوعك إذا استطعت موازنتها وقيادتها بالشكل الصحيح، فقمت أمارس التجربة تلو التجربة.
ولأن تجارب الصغر تؤثر فينا طويلاً، فقد ظلت تجربتي القديمة ترافقني أينما رحلت، فرحت أبحث في كل وجوه النساء عن ملامحها.. لكن ذلك لم يزدني سوى خيبات متكررة تتساقط على رأسي.

****

كان (لباسل) فضل كبير - بعد الله - في حصولي على أشياء كثيرة منها هذه الوظيفة، كان عملي بسيطاً يتطلب مني تجميع البلاغات من موظف شركتنا ومن ثم الذهاب إلى عنوان الشركة التي يجب أن أصلح جهاز أحد منسوبيها، عادة ما تكون هذه الأخطاء ناتجة عن سوء استخدام للحواسيب، ولأن الأخطاء كانت تكرر جداً فقد طلب مني مديري أن أكون مسئولاً عن ثلاث شركات فقط، شركتين للمقاولات وشركة مرموقة للأعمال الحرة بينما يقوم بقية زملائي بالتوزع على باقي الشركات حسب تقسيم المناطق.
عملي الجميل ساعدني على عقد بعض الصداقات الجميلة مع بعض الموظفين هنا وهناك، لكن موظفي شركة الأعمال الحرة كانوا لا يميلون إلى الابتسامة أو عقد الصداقات، دلفت إلى مبناهم ذات صباح بعد أن تلقيت بلاغاً عن عطل فني في أحد مكاتبها، كان في المكتب ثلاث موظفين يتحدثون عن مباراة ليلة البارحة، وفجأة قطع صمتهم صوت أنثوي يصدر من أحد أجهزة الهاتف:
- أستاذ عبد الرحمن..
فزّ أحدهم ليجيب مباشرة بارتباك كأنه طفل صغير:
- نعم..
وبكل برود تابع الصوت الأنثوي:
- تعال إلى مكتبي رجاء.. لا تتأخر..
خرج الموظف على عجل فيما ضحك البقية، قال أحدهم:
- ستقتله بكل تأكيد.
- لن يجسر على الوقوف أمامها.
قال أحدهم، وكان في طرف الغرفة تنم ملامحه عن مكر وكبر شديد:
- بل على العكس.. سيكون وجهاً لوجه.. مع أجمل وأصغر مديرة في الشركة، بودي لو بدأت صباحي يومياً بوجهها الصبوح.
- لن يستطيع ذلك المغفل الحديث أمامها.
أكملت عملي دون أن أتدخل في حديثهم ثم طلبت من الموظف أن يوقع على فاتورة الاستلام المذيلة باسمي ورقم هاتفي، ضحكت في السيارة كثيراً وأنا أسأل نفسي.. هل هناك حقاً امرأة يخافها الرجال ويجدونها جميلة في الوقت ذاته؟؟
جاءني الرد صباحاً حين وجدت نفسي وجهاً لوجه مع مديرة شئون الموظفين، قادتني سكرتيرتها إلى مكتبها، نقرت على الباب ثم فتحته قائلة:
- موظف الصيانة.
دخلت المكتب دون أن أنظر إليها مباشرة، بل نظرت إلى الأوراق الصفراء التي علقتها فوجدتها قد كتبت في أحدها (معرض الكتاب) فخمنت أنها قد تزوره مساء اليوم بعد أن جعلته ضمن خططها المسبقة، لم أكن ألوي على شيء لولا أنها بدت كبدر مكتمل في كبد السماء.
لم أبدِ أي إعجاب ولم أبتسم لها محاولاً التقرب منها، كنت أعلم أن ذلك يعني أن أضاف إلى قائمة المعجبين الصامتين، وأنا لا أفضل أبداً أن أكون ضعيفاً.
كانت تعلم مسبقاً بدخولي فبدأت مباشرة في عملي، قطعت التيار عن جهاز الطابعة دون أن أتحدث إليها، ورأيت علامات التعجب على وجهها لكنني أهملتها تماماً.
قالت موضحة:
- قمت بفصل جهاز الطابعة لأضع شاحن الهاتف، وعندما أعدته لم يعد جهاز الطابعة يعمل.
لم أجبها، فتنحت جانباً وجلست على أحد الكراسي في الجهة المقابلة لي وهي تحاول أن تتفحصني وأنا أوهمها بعدم اهتمامي بها. لم تكن تعلم أنني أنظر إليها من خلال انعكاس صورتها على شاشة الكمبيوتر.
الأشياء المنعكسة عادة ما تعطي انطباعاً أوضح، خاصة عندما لا تستطيع النظر إليها مباشرة، كالشمس مثلاً، يزداد انبهارك بها عندما ترى انعكاسها على صفحة الماء أو أشعتها تنفذ من فتحة في الباب.
من جلستها المنزوية والمتفحصة أدركت أنها تعاني مشكلة ما مع الرجال، لكنني كنت مختلفا عنهم، فهم عادة ما يحاولون جذب انتباهها فيما أقوم أنا الآن بتجاهلها تماماً.
لم أحاول التقرب والتزلف منها، فأنا على موعد معها مساء اليوم في معرض الكتاب، صحيح أننا لم نتفق بعد، لكننا سنلتقي هناك في الثامنة على الأغلب، إذا افترضنا أنها ستخرج من عملها في السادسة مساءاً متجهة إلى منزلها استعداداً للقائي المفترض ثم إلى المعرض، ستكون هناك في الثامنة إذا افترضنا أن معرض الكتاب يبعد عن مقر شركتهم ساعة ونصف تقريباً.. ونصف ساعة سأقوم أنا بانتظارها ريثما تغير ملابسها في منزلهم.. لكنني كنت هناك من السابعة والنصف تحسباً لأي خطأ لم أحسب حسابه.
أوقفت سيارتي قبل مدخل المواقف بقليل، أتفحص في وجوه الداخلين إلى المعرض وأين يوقفون سياراتهم، حضورها مع والدها منحني الثقة في أمرين، ليس لديها صديقات يشاركنها نفس اهتماماتها، كما أنها تفضل القوة والصرامة في التعامل، وستحضى بوقت أكبر للمطالعة إن كانت مع والدها.
أوقفت سيارتي ملاصقة لسيارتهم من جهة اليسار، حتى لا يستطيع والدها الدخول قبل أن أزيح سيارتي وانتظرت لخمس دقائق دخلت المعرض بعدها.
كانت تتمتع بجاذبية تشبه جاذبية الكتب بالنسبة لي، وقوام يتسابق شعراء العصر الجاهلي في وصفه، كانت تجاري في الحسن مثيلاتها في كتب الألف ليلة وليلة..!!
مشيت خلفها لأرى كيف يكون تعاملها مع الرجال، ثم استغليت وقوفها في أحد المعارض أمام كتب إدارة الوقت لأقترب منها أكثر، تجاوزتها ومنحتها ظهري وقمت أقلب في كتب التاريخ.
بدا لي أنها تمتلك من الكيمياء والاهتمامات ما يمكن تقسيمه على خمس فتيات في وقت واحد دون أن تقصر كل فتاة في جانب من جوانب الفتاة الأخرى، انتظرت حتى تيقنت أنها أخذت ما تريد وقبل أن تتوجه إلى البائع توجهت أنا إليه، لنلتقي مصادفة هناك أيضاً، فمن العيب أن نأتي إلى هنا مصادفة ثم نتوقف على بعد متر من بعضنا مصادفة ثم نخرج دون أن نتحدث!!
شعرت بها تقف خلفي إلى اليمين فاصطنعت النظر إلى بعض الكتب، ثم سقط نظري عليها فزويت ما بين حاجبي، افتعلت أنني أحاول أن أتذكرها ثم قلت:
- أهلاً أستاذه.. وصـ.. عفواً خصال..
ابتسمت بثقة:
- مرحباً أستاذ.
قلت:
- أرجو أنكِ لا زلت تذكريني، لا أستطيع أن أعبر عن مدى سعادتي بلقائك، كنت سأحاول الاتصال بكِ في جميع الأحوال أو المرور بشركتكم صباح السبت، لكن لقائكِ وفّر علي الكثير من الإحراجات والمتاعب.
قالت محاولة أن تخفي جميع مشاعرها:
- لمَ؟
تابعت بنفس طريقتي:
- لقد نسيت محفظتي بجميع محتوياتها في مكتبكِ عصر اليوم، لم أكتشف ذلك إلا حين وقفت أمام المحطة لأملأ سيارتي بالوقود، والحمد لله أن عامل المحطة يعرفني وإلا لكنت الآن في مشهدٍ آخر.
في بداية حديثي شعرت أن عصافير قلبها بدأت في التغريد، رغم أنها حاولت جاهدة إخفاء ذلك لكنها لم تستطع إخفاء ابتسامتها، التي اختفت فعلاً عندما علمت أنني سعيد بلقائها ليس لشخصها وإنما لأستطيع الحصول على أغراضي الشخصية، ثم ابتسمت مرة أخرى عندما علمت أنني وضعت في موقف محرج نتيجة لنسيان محفظتي في مكتبها.
ما حدث بعد ذلك في مواقف السيارات بيني وبين والدها كان كفيلاً بأن لا تنساني أبداً.. وفي صبيحة يوم السبت كنت أقف أمام سكرتيرتها القصيرة، قلت:
أريد أن أرى الآنسة خصال.. هل هي موجودة؟!
نظرت إلى وجهي محاولة الاستفسار عن هويتي فقلت:
- أنا قصي.. نسيت محفظتي في مكتبها نهاية الأسبوع الفائت.. فأخبرتني أن أحضر اليوم لاستلامها.
قالت بعدم اهتمام:
- لا يمكنها مقابلتك الآن، أخبرتني أنها ليست مستعدة للقاء أحد..
قلت:
- أنا لم آتي للقائها، أطلبي منها محفظة نقودي فقط، لست مسئولاً عن مزاجها اليوم ولا يخصني في شيء.
كان من الواضح أنني غاضب ولن أتنازل أبداً، أطل أحد الموظفين برأسه من المكتب المجاور عندما سمع صوتي و دخلت الفتاة إلى مكتب مديرتها التي يبدو أنها سمعت، حتى أنها سبقت سكرتيرتها في الخروج من المكتب.
سألت الموظف:
- ما الأمر؟؟ هل فقدت شيئاً؟؟
وقبل أن يجيب جاءه الأمر الصارم من أستاذه خصال:
- أستاذ مروان.. عد إلى مكتبك..
ما أن نظرت إليها حتى قذفت المحفظة في وجهي، قالت:
- يا لوقاحتك.. هل تعتقد أنني سأسرق منها شيئاً؟؟ تصرخ كأنك المالك هنا؟؟ أنت حقير!!..


يتبع

براعم 23-09-13 11:42 PM

رد: رواية 13
 
يعطيك العافيه اخوي

قمة اﻻبداع ...... مو سهل قصي والله بيطلع منه عامل فيها وﻻ على باله ﻻ وواثق كمان امممم

اسلوب مميز متمكن وقلم مثقف ربي يحميك

شخصية البطل بدات بالوضوح اكثر ..... يخفي الكثير

شكرا

قرة عين امي 24-09-13 06:25 PM

رد: رواية 13
 
مساء الاقلام المبدعة والحروف المزخرفة
ماشاء الله عليك استاذ احمد قلمك رائع ومبدع واسلوبك جديد غير تقليدي يجعلني في شوق عارم للقادم
والله وطلع قصي ماهو سهل وحاسبها بالدقيقة وتخطيط دقيق من غير ثغور
الله يعطيك العافية وفي انتظارك

Ahmad Rufai 28-09-13 09:46 PM

رد: رواية 13
 
-4-


- يا لوقاحتك.. هل تعتقد أنني سأسرق منها شيئاً؟؟ تصرخ كأنك المالك هنا؟؟ أنت حقير!!..
لم أتركها تكمل حديثها، ابتسمت ثم انحنيت لألتقط محفظتي من الأرض وأرحل دون كلمة واحدة، كنت أعلم أن ذلك سيثيرها أكثر، ويحفظ لي حقي في حال حاولت الادّعاء عليّ في عملي.
ما أن خرجت من المبنى حتى ضحكت بكل قوتي، هكذا أحاول دائماً السيطرة على غضبي من خلال تذكر الجوانب والمواقف المضحكة في الأمر، لابد أنهم اعتقدوا أن هناك صلة تجمع بيني وبين خصال!!
لم أعطي لنفسي الحق فيما قمت به، كما لم أحاسبها عليه في الوقت ذاته، هل كنت محقاً فيما فعلته أم لا؟ الحقيقة هي أنني لم أدرك ما قمت به فعلاً منذ اللحظة الأولى لرؤيتي لها حتى الآن.. هل أحببتها حقاً؟؟ أم أنه مجرد إعجاب بشخصيتها القوية والمتمردة، مهما يكن.. فقد باءت محاولة التقرب منها بالفشل.
عندما عدت إلى البيت رأيت باسل يستعد للخروج، ألقيت عليه التحية ودخلت إلى غرفتي وأنا أسمعه يقول من خلف الباب:
- قصي.. لا تنتظرني على العشا.. قد أتأخر قليلاً هذا المساء.. ربما يطول بقائي في المعرض.
رفعت صوتي ليسمعني جيداً:
- لا بأس..
اختفى صوت باسل لكنني لم أسمع صوت باب الشقة، فخمنت أنه ربما انشغل بشيء ما، لكنه فاجأني حين فتح باب غرفتي دون استئذان:
- قصي.. بإمكانك الحضور إن أردت، سيكون هناك الكثير من الكتاب والمثقفين، أعلم أنك تحب ذلك.
للحظة شعرت أن هذا ما كنت أود أن أقوم به فعلاً حتى أنشغل عن التفكير في ما حصل اليوم مع خصال، لكنني أحببت أن أواجه نفسي كما وعدتها، وأن لا أترك لها فرصة للهرب، اعتذرت من باسل بحجة أن لدي عمل مهم أقوم به في الصباح الباكر، وما أن خرج باسل حتى بدأت بإعداد وجبة صغيرة تبعدني عن الشر القابع في زوايا روحي، وتعيد لي القليل من الطاقة، وضعت الأكل على الطاولة وسمعت هاتفي يرن في غرفتي، ترددت قليلا في البداية حين وجدت أن المتصل رقم غريب لا أعرفه وفضلت عدم الرد، لكنني حين بدأت في الأكل أنبني ضميري، قال لي أنه ربما كان شخصٌ يعتقد أنه اتصل بالرقم الصحيح وحينما لم يجد رداً أخذته الظنون.. فسارعت لهاتفي وطلبت الرقم، وبعد ثوانِ جاءني صوتها:
- مساء الخير.. أنا خصال..
كانت هي آخر شخص أتوقع اتصاله هذا المساء وأخذتني الدهشة فلم أستطع الكلام، تابعت حينما لم تجد تفاعلاً مني:
- أخذت رقم هاتفك من فاتورة الاستلام.
أجبت وأنا أحاول أن أسبغ على صوتي الكثير من الهدوء:
- مساء النور، أهلاً أستاذه خصال؟!
نقلت لي الشبكة تنهيدتها العميقة، قالت:
- أنا آسفة..
أجبت ببرود:
- لا بأس.. لا عليكِ.
قالت محاولة تبرير موقفها عندما لم تجد اهتماماً من طرفي:
- لقد كان أبي على حافة الموت مساء الأمس، وكنت قلقة عليه جداً، لم أقصد الإساءة لك، صدقني.. أرجوك، لا تغضب.. لا أريد أن أشعر أنني أخطأت في حق أحد.
بدأ صوتها يتهدج فقلت:
- لا بأس يا خصال.. لست غاضباً منكِ.. سامحتك.
انهارت تماماً وقالت من بين بكائها:
- أنت المخطئ!! لقد شعر الجميع أن هناك صلة تربطني بك حتى أن السكرتيرة الحقيرة تسألني كيف سقطت محفظته دون علمه، حقيرة.. جميع الموظفين حقراء يعتقدون أن كل علاقة بين اثنين لابد وأن لا تكون نزيهة أبداً، ينتظر الواحد منهم ابتسامة فقط ليروي لأصدقائه عن قصة كاملة من خياله، كأن الابتسامة جاءت تدليلاً على ما في عقولهم.
غاب صوتها بين بكائها الذي أصبح واضحاً جداً فقلت محاولاً تهدئتها:
- وكيف حال والدك الآن؟
هدأت تدريجيا وقالت:
- بخير.. تحسنت حالته قليلاً.. لا زال في المشفى.
- لا بأس عليه.. سآتي غداً صباحاً.
ردت بحدة:
- لم؟؟!
- لتصرخي في وجهي مرة أخرى فربما تحسنت حالته أكثر.. يقولون أن الصراخ في وجهي يحسن حالة المرضى.
بدا لي أنها توقفت عن البكاء، قالت:
- غبي.. أنت غبي.
- لا بأس.. أنا غبي.. المهم لا تقلقي يا وصال.. سيكون والدك بـ..
قاطعتني:
- اسمي خصال.. وليس وصال.
بالغت في ضحكتي قليلاً لأستفزها وقلت:
- لا بأس، خصال.. آنسه خصال.. سيكون والدكِ بخير، لا تقلقي، عندما يمرض الإنسان فإن الله يريد به خيراً لأن المرض سبب لمغفرة الذنوب.. لكن هناك استفسار بسيط أود سؤالك عنه، قد يدعوني لزيارة مكتبك مرة أخرى؟
قالت باهتمام واضح:
- ما هو؟؟
- محفظتي.. كنت قد وضعت بها ألفاً، بينما لم أجد الآن سوى خمسين، قد أحضر لأبحث عنها فربما سقـ...
قاطعتني:
- هل أنت مجنون!! تريد أن تحضر مرة أخرى لتثبت لهم صدق ما يفكرون فيه.
ضحكت:
- وبماذا يفكرون؟
- أغبياء.. يفكرون أنني على علاقة بك.. وستكون غبياً مثلهم إن سألت أكثر من ذلك.. فلن أجيب.
- بالعكس.. إن حضرت فسأدحض جميع توقعاتهم، وتثبتين للجميع أنك لست خائفة.
صمتت، كان من الواضح أنها تفكر ثم قالت:
- مممممم.. لا قصي.. رجاءاً لا تأتي.. لست مستعدة لذلك أنا آسفة لما فعلته معك.
- سآتي، ربما سيكون ما يفكرون به حقيقة لاحقاً.. فمن الأفضل أن يعتادوا على مشاهدتي إذاً.
قالت مستجدية:
- قصي رجاءاً، رجاءاً لا تأتي.. أرجوك.. وإلا سأطلب من الأمن إخراجك بالقوة.
- افعلي إن استطعتِ.. سأضربهم جميعاً، ثم سأضرب مروان وأكسر رقبته لكي لا ينظر إليكِ مرة أخرى.
- أنت تحلم بي إذن؟
- لا.. أريد سبباً مقنعاً لأضربه فقط!!
- أنت مجنون..
طال الحديث وانتقلنا لعدة مواضيع، كنت أستمتع بصحبة صوتها القوي وضحكتها الرنانة، كانت تمتلك شخصية قوية لا تتورع عن الشتم وإلقاء الأوامر، وإن كانت جميع النساء ضعيفات، فقد كانت ضعيفة أكثر منهن، لأنها لا تبوح بمشاعرها حتى للمقربين الذين يعتقدون أنها قوية جداً، متسلطة وجبارة، بعض الحنان فقط هو ما كان ينقصها، والغريب في الأمر أنني أصبحت أمتلك الكثير منه!!
أصبح ذلك سبباً وجيهاً في زيادة التواصل بيننا، تحدثني عندما تخرج من عملها لاستراحة الغداء، فأختار المطعم مرة بينما تختاره مرات، وكان قناع القوة والسلطة هو ما تخفي به ضعفها وانكسارها من عدم التفات الرجال إلا لجمالها، وغيرة النساء منها.
كل ذلك جعلها تكتفي بنظرات الإعجاب التي تحيطها وتخافها في الوقت ذاته، فلم يجرؤ أحد الموظفين على الاقتراب منها أو التصريح لها بما يمكن أن يقربه منها شبراً، ناهيك عن الابتسامة في وجهها، دائماً ما كنت أقول لها أن الجمال الذي يصاحبها هو جمال ديكتاتوري، فتضحك بثقة.
عينيها الواسعتين، كانت جميلة بقدر ما كانت تساعدها على استيعاب كل ما يحدث من حولها، قالتها لي يوماً بصراحة "الزواج هو محصلة العادات والتقاليد يا قصي، لكن النجاح لا يأتي دائماً محصلة لشيء اعتدنا فعله"
قالت لي ذات يومٍ ونحن نتشارك طعام الغداء في أحد المطاعم:
- متى ولدت يا قصي؟
- منذ زمن بعيد.. أكثر من عقدين.
- أنا ولدت في مثل هذا اليوم، اليوم هو عيد ميلادي.
- جميل، كل..
قاطعتني:
- لا.. لا تقل شيئاً.. هل بالإمكان أن ألتقيك مساء اليوم.
- كما تحبين، لكن أين؟
- ممممم.. في منزلنا، سافر أهلي صباح اليوم للتنزه، لن يعودوا قبل يومين.
في البداية توقعت أنني أحلم، أو ربما لم أسمع جيداً في أحسن الأحوال، لكن حين بدأت تشرح لي طريق منزلها تأكدت أنني لا أحلم.
أخذت عنوان المنزل، وتعليمات الأمان ثم خرجت من المطعم باتجاه منزلهم، كان لا بد أن أتأكد من العنوان حتى لا أتأخر مساءاً، في موعد كهذا لا يتحمل الضمير أي مسئولية !!
دخلت أحد محال الساعات، اخترت ساعة صغيرة و طلبت من البائع أن يغلفها ثم أخذتها وذهبت إلى منزلي، أخذت دشاً بارداً كعادتي عندما أتعرض لاستفزاز داخلي من الضمير، لست منعدم الضمير، ولا يوجد شخص ليس لديه ضمير، كل ما في الأمر أنه ينام بين الفينة والأخرى متعذراً باختلاف التوقيت!!
رششت العطر حول عنقي وأنا أحاول أن أتهرب من ذلك الرجل الغريب الذي ينظر إليّ في المرآة لدرجة أنني لم أنتبه حين أوقعت زجاجة العطر على قدمي ظناً مني أنني وضعتها على الطاولة، شعرت أنه هو من قذفني بها وهو يقول "لقد أوقعت بها مهيئاً لها أن ما حدث كان محض مصادفة عمياء"!!
أزعجني اتّهامه أكثر من منظر الدم وهو يخرج من طرف إصبعي، فنظرت إليه بتحدِ وأخبرته أن ذلك سيزول مباشرة عندما أخبرها الليلة بحقيقة كل ما حدث، رمقني بنظرة استحقار وخرج.. لا أعلم من خرج منا أولاً لكنني كنت على يقين أنني سأصارحها بذلك الليلة.
كانت بانتظاري عند العاشرة، تركت لي الباب مفتوحاً فدلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفي، أدخلت يدي في جيبي وأخرجت هاتفي لأتصل بها وأعلمها بوصولي لكن شيئاً ما شد انتباهي، كان صوت أقدام تقترب من الدرج فنظرت إلى الأعلى وكانت هي.
نظرت لي مبتسمة، كانت ترتدي قميصاً بلون برتقالي يضغط على جسمها من الأعلى وينفرج عند خصرها ليصبح فضفاضاً جداً، مدت يدها فمددت يدي لكن سلامها كان طويلاً هذه المرة، مختلفاً كثيراً عن سابقيه في المطعم، ربما كان يحمل جزءاً مما كانت تنوي أن تفعله في عشية يوم عيد ميلادها.
أعطيتها الهدية قائلاً:
- كل عام وأنتِ بخير.
- لا تستعجل، بقيت ساعتين، لكنني سأفتح الهدية لأنني لا أطيق الانتظار.
لم أجب ففتحت المغلف بهدوء وأخرجت الساعة وهي تقول:
- جميلة جداً..
- اخترت الساعة لأنني أعلم أنك تهتمين بالوقت كثيراً فأحببت أن أهديكِ واحدة.
- شكراً.
قمت من مكاني ونظرت إلى غرفة الجلوس وأنا أقول:
- ما رأيك أن نأكل الآن، ولنترك البريستيج لوقت لاحق، فأنا جائع جداً.
لم تجبني وإنما قامت بنزع الغطاء عن طاولة الطعام بهدوء وأشارت إلى المقعد فجلست عليه وبدأت بالأكل وهي تنظر إلي مبتسمة، وبعد دقائق كنا نجلس على الأريكة نتناول بعض السكاكر ونتكلم.
قالت:
- سأريك بعض صوري.
قالتها ثم ذهبت إلى أحد الغرف وعادت تحمل عدة ألبومات، وضعتها على الطاولة ثم قاسمتني الأريكة واقتربت مني جداً فتجرأت بوضع رأسي على حجرها، تقلب صفحات الألبوم وتخبرني بقصة كل صورة.
قالت:
- أبي من هواة التصوير، كان لا يكف عن تصويرنا أنا وأختي في كل حالاتنا، ربما أراد أن يأتي يوم نستمتع فيه بمشاهدة بعض لحظات حياتنا.
انظر هذه الصورة عندما كنت طفلة، وهذه في أول يومٍ دراسي، هذه الصورة عندما كنا في حديقة الحيوانات الكبرى، هل تعلم تمنيت دائماً أن أكون سلحفاه، هل تعلم لماذا؟
لا أحد يستطيع مضايقتها، فما أن تشعر بالخطر حتى تتقوقع حول نفسها ولا تخرج إلا حينما تريد.. لو كنت مثلها لاستطعت التغلب على كثير من مشاكلي مع البشر.
لم أجب كنت أنظر إلى الصورة وأنا أعلم أنها تقلب نظرها بين الصورة وعيني لترى تأثير ما تقوله على وجهي، وبعد أن عرضت صوراً كثيرة أغلقت الألبوم وأخذت واحداً آخر، لكنها ما أن شاهدت أول صورة حتى أعادته مرة أخرى وأخذت ألبوماً آخر وأكملت حكايتها.
قالت:
- هنا عندما تخرجت من المرحلة الثانوية، أحلام كثيرة كانت تراودني، لكنني لم أحقق أياً منها، كثرت المشاكل بين والدي و والدتي، كان عصبياً وكانت عنيدة جداً.. كنت أخاف في كل مرة أعود فيها من المدرسة ألا أجد أحدهم، وفعلاً هذا ما حصل..
وضعت الألبوم فوق الطاولة، و وضعت يدها على شعري، تنظر إلى وجهي وأنظر إلى السقف، قالت:
- بالرغم من أنه يحبنا جداً لكنه دائماً ما يتصرف بطريقة غريبة، وددت منذ صغري أن أكون مهندسة ديكور، لكن شعوري الدائم بعدم الاستقرار في منزلنا جعلني أتنازل عن ذلك الحلم وأتخصص في إدارة الأعمال، أصبح حلم هندسة الديكور في بيت على وشك الانهيار يشبه أن تفكر في طبق من اللازانيا بينما يقتلك الجوع، فتكتفي بقطعة خبز يابس.. درست إدارة الأعمال والتحقت بالعمل في نفس الشركة التي يعمل بها والدي.
وتفوقت.. تفوقت جداً لدرجة أنني أصبحت في مركزٍ مرموقٍ كما ترى، في كل يوم كانت تلاحقني نظرات الموظفين في ذهابي وإيابي، وفيما صرح البعض بإعجابهم ورغبتهم بالارتباط بي بشكل مباشر، اكتفى البعض الآخر باتصالات ورسائل غزل مجهولة الهوية.
وتقدم لي ابن عمي الذي يبلغ من العمر أربعين سنة ولم يتزوج بعد، كما أنه لم يجمع فلساً واحداً خلال السنتين التي سبقت خطوبتنا، كان يجيد إلقاء الأوامر فقط، ويقتات على وظائف تعاقدية تنتهي بطرده لعدم صلاحيته للعمل، قلت له يوماً ما رأيك أن تجلس في البيت بينما أقوم أنا بجمع المهر بدلاً عنك، رحب بفكرتي ولما يعارضها أبداً فطلبت من والدي أن يفسخ العقد ، أخبرته أنني مقتنعة تمام القناعة أنه لو كان يصلح للزواج لتزوج عندما كنت أنا في عمر الخامسة.
وكالعادة وافق والدي كل رغباتي لأنه يعلم أنني لا آخذ قراراتي عن تسرع أبداً، أصبحت أكره الرجال جميعاً، أشعر بالقرف عندما ينظر لي أحدهم.. أشعر أنهم حشرات.
ابتسمت ونظرت في عينيها، أحببت أن أصنع جواً لطيفاً، قلت:
- حتى أنا حشرة، لكن بقرة هي التي أرضعتني فكبرت على هذا النحو.
ضحكت بشدة وغطت وجهها بيدها حتى هدأت ثم قالت:
- أتعلم يا قصي؟؟ جميع الرجال متشابهون، لكنك لا تشبههم، كأنك من عالمٍ آخر، فأنت بالرغم من هدوئك ولا مبالاتك إلا أنني أشعر أن جنياً يسكن أعماقك.
ابتسمت فقط، لم أكن مستعداً أبداً للإبحار نحو الأعماق، فقالت:
- قصي.. أخبرني عنك.. أي سر من أسرارك.. لقد تحدثت لساعتين على الأقل وأنت صامت تماماً..
قلت:
- أي شيء؟
قالت:
- أي شيء..
قلت بهدوء وأنا أنظر إلى عينيها مباشرة:
- ممممم.. أنا لا أتعامل بالأسرار لكنني سأخبرك بسرٍ يخصك أنتِ، قبل شهرين ونصف، ثلاثة شهورٍ على الأغلب، طلب مني مديري في العمل أن أقوم بصيانة أحد الأجهزة التابعة لأحدى الشركات الكبيرة، ذهبت إلى هناك وسلمت ورقة الطلب إلى موظفة قصيرة وبدينة بعض الشيء، فقادتني عبر ممر قصير نحو أحد الأجنحة، ثم طلبت مني أن أدخل، وفي الداخل كانت المفاجأة..
توقفت عن اللعب بشعري، ورأيت ظلال ابتسامة خجلى ترفرف على ملامحها، فتابعت عندما شعرتُ أنني استحوذت على كل حواسها:
- في الداخل كان ملاك صغير يزين طاولة المكتب من الجهة المقابلة، لجم لساني عن الحديث وعقلي عن التفكير، فاقتربت منه وأنا أتحاشى النظر في عينيه التي خفت أن أكون ضحيتهما.. رأيت ورقة صفراء كتب عليها (معرض الكتاب) فعرفت أن الملاك سيكون هناك الليلة على الأغلب، ألقيت محفظتي تحت الطاولة وغادرت المكتب، وكما توقعت حضر في نفس الساعة التي حددتها له، انتظرته عند المدخل، ثم أوقفت سيارتي ملاصقة لسيارته كي أمنعه من الخروج، جاء هذا كله حسبما رتبت له، لكن ما أثار استغرابي هو أمر واحد. هل تعلمين ما هو؟
أشارت بعينها فقط، كانت عاجزة عن الكلام، فتابعت:
- تخيلي أننا التقينا في نفس المعرض وفي نفس الزاوية أمام نفس البائع مصادفة..!!
الأغرب من ذلك أننا التقينا في مواقف السيارات مرة أخرى، هل تعلمين ماذا قال لي الملاك؟
رفعت يدها عالياً لتهوي بها على كتفي لكنني تحركت في الوقت المناسب وسقطت على بطني وأنا أضحك، فراحت تضرب ظهري بكل قوتها وتشد شعري وتقول:
- أنت جني.. عفريت.. لست من البشر.. لئيم.. كيف استطعت أن تفعل كل هذا.. أنت عفريت.
شعرت أنها هدأت قليلاً فقمت من على الأرض بمساعدتها وجلست على طاولة الطعام هذه المرة وأنا أقول:
- لقد انتصف الليل، لم لا نطفئ الشمعة.
لم تجبني، جلست أمامي مباشرة وقالت:
- قصي سأسألك سؤالاً، رجاءاً جاوب دون أن تكذب؟
- نعم.
- هل أحببتني حينها أم أنك أعجبت بشكلي فقط؟

يتبع..

براعم 29-09-13 11:51 AM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم

يعطيك العافيه استاذ احمد

مازلنا في الرقم 3 في مغامرات قصي واللي كشفت عن جزء بارد في شخصيته

محاولته للتقرب من خصال كانت بغية اثبات شي في داخله >>>> ربما انتصاره على تلك الانثى التي تظهر انها شخصيه عمليه وممنوع الاقتراب منها

شكلت له تحدي لكسر ذلك الحاجر المحيط بها >>>> وعرف باسلوبه كيف يكسر ذلك الحاجز

في رحلة البحث عن الجنس الاخر >>>> اتوقع ان لايكن لها اي مشاعر

والا اخبرها عن كل مايجول في ذهنه >>> اخبرها بالجزء الخاص بها كيف خطط للايقاع بها وهذا بعد ان عرف مافي قلبها

وهي بكل غباء صرحت له بكل مابداخلها معتقده انه هو الشخص الذي احبت >>> لان خطته المحكمه اوقعت بها

عرف كيفية كسر الحاجز >>> مو قليل هالقصي

الرجل هنا في رحلة بحث وخصال كانت احدى تلك التجارب

هل وقع في حبها ؟؟؟

سيكون الجواب لا حتى لو كان بينه وبين نفسه >>>> هل يجروء على اخبارها مباشره بذلك او سيتهرب من الاجابه

الحوار بينه وبين ضميره اثبت لنا انه لايهتم بمشاعرها >>>> ربما ستاتي من تعلمه الدرس وايقاظ الضمير

جميل جدا ماتخطه يداك هنا >>> وخصوصا انها تنقل لنا مكنونات ربما الكثير منا لايعرفها وينخدع بها

تكشف لنا اسرار نحن بحاجه لها وهذا مايجعل من قصتك قريده من نوعها

بالتوفيق >>> بجد تستحق المتابعه

قرة عين امي 29-09-13 12:55 PM

رد: رواية 13
 
ياللهي منك ياقصي طالع على مين بكل هذا البرود والله مسكينة خصال اللي وقعت في حبال العنكبوت التي تنسجها حولها
عاجبني كثير معرفه تفكير الرجال من منظور ذكوري بحت
مشوقة الرواية كثير وتستحق المتابعة بشغف
في الانتظار

Ahmad Rufai 04-10-13 03:52 PM

رد: رواية 13
 
أهلاً أستاذة براعم وعليكم السسلام ورحمة الله

أشكرك على تفاعلك الدائم وتوقعاتك اللي تلهمني بعض الأشياء اللي أكون قد غفلت عنها..

دمتَ بود :)

****

أهلا أستاذه قرة

لا تستطيعين تعميم حالة قصي على جميع الرجال وذلك بسبب المؤثرات الخارجية التي لعبت دورا كبيراً في حياته..

أما عن تفكير الرجال وعلاقتهم بالأشياء فسأكتب لكم عنها يوماً.. إن طال مقامي هنا :)

كل الاحترام ..

ملاحظة:

الجزء الخامس سيكون مساء اليوم بإذن الله :)

Ahmad Rufai 04-10-13 09:01 PM

رد: رواية 13
 
-5-

- هل أحببتني حينها أم أنك أعجبت بشكلي فقط؟
للحظة شعرتُ أن كل خلية في جسمي تصرخ وجعاً يملأ الفضاء، اسودّت الدنيا من حولي واختفى كل شيء، كأن العالم تحول إلى سراب، أعادتني بسؤالها إلى تلك النقطة الأخيرة في الحياة.. النقطة التي يتبعها اللاشيء..
الحب هو حلم بعيد.. حياة بائسة.. حرمان وبعد.. إنه آخر محطات الحياة، يستمر بنا الإعجاب حيناً ثم يأخذنا الشوق والحنين دهراً، يغمرنا الحنان بدفئه والاحتواء بعطفه، يطير بنا إلى نقطة يتوقف عندها الزمن، ثم يسقطنا الحب زمناً فنموت سريعاً متأثرين بجراحه منتقلين إلى عالم اللا شيء.
الحب لا يجيد الانتظار يا (خصال) ولا يعرف الرحمة، لا يسمع أنين الموجوعين ولا أغنيات التائهين التي نقدمها في محرابه، يفتك بالقلوب مهما كبر حجمها أو حجم صاحبها، فترى الوحوش الكاسرة تموت حباً..
الحب أنانية يا (خصال)، إنه ديكتاتورية شخصين، يحاول كل منهما أن يفرض نفسه على الشخص الآخر..
صدقيني الحب هو أسوء ما في الحياة..
إنه الكذبة التي نطلق عليها مسمى الأمل، إنه الفخ الذي ينصبه لنا اللا شيء ليستدرجنا به إلى عالمه فيقتلنا.. صدقيني.
خرج من داخلي صوت لا أعرف مصدره ولا أقوى على التحكم بصاحبه:
- لا أعلم.. حقيقة لا أعلم، كل ما أعلمه هو أنني أردت لقائكِ مرة أخرى.
بالرغم من أنه لم يعجبني أبداً إلا أنه جاء مقنعاً جداً بالنسبة لها، قالت بابتسامة:
- ناولني قداحتك..
ناولتها القداحة وأنا تحت تأثير اللا شيء، غابت قليلاً وسط ضوضاء أفكاري ثم خيم الظلام على المنزل فجأة إلا من شمعات زينة تتوسط كعكة على الطاولة، سحبتني من يدي وأوقفتني أمام الطاولة وهي تقول بصوت حنون:
- اقترب يا قصي.. الليلة سأحتال على حلمي لأحوله إلى حقيقة.
قالتها ثم احتضنتني من الخلف وخلال بضع ثوان شعرت أن أنفاساً ساخنة اخترقت أذني لتعبر المسافة الفاصلة بيني وبين الشموع فأطفأتها، اختلطت أنفاسنا وتلاصق وجهانا، لنغيب من بعدها في ظلام ستر كل انفعالاتنا وجنوننا.
استيقظت في السابعة، وفيما ارتديت ملابسي على عجل أعدت هي وجبة إفطار خفيفة، تناولناها سوية وابتسامات الرضا تملأ وجهها ثم رحلت..
في طريقي إلى البيت اتصلت بزميلٍ لي لأطلب منه أن يقدم لي إجازة مرضية ليومٍ واحد، ليس لإرهاق ألمَ بي سوى أنني كنت أؤدي كل شيء كأنني آلة صدئة أعطبها التصاقها بجسد خصال، تصيبني القشعريرة كلما اقتربت مني انثى أكثر من اللازم لتدخل إلى أضيق المساحات في روحي فتصيبها بالعطب، لا زال رأسي غارقاً تحت تأثير اللا شيء بالرغم من أنني حاولت نسيانه بالاستجابة المباشرة لجسد خصال دون فائدة، ودخلت في سبات عميق لا يشبه سوى ظلام البارحة.
واستيقظت على لمسة من يد (باسل) على جبيني كأنه يتأكد من درجة حرارتي، ابتسم وحرك شفتيه دون أن أعي ما يقول فحركت رأسي وأنا أنظر إلى هاتفي لأعرف الوقت، كانت الساعة الرقمية تشير إلى الحادية عشرة ظهراً، و سبع دقائق وخمس اتصالات من خصال.
أغمضت عيني أحاول الهرب من كل شيء، أن أنسى ما حصل البارحة، وكيف أنسى ورائحة عطرها وأحمر شفاهها لا زال يعربد على جسدي مثبتاً وبقوة ما حدث بالأمس؟ لابد أن علاقتنا ستتخذ مساراً مختلفاً الآن، فالنساء يختلفن دائماً عندما يعتقدن أنهن يملكن رقم هاتفك وجزءاً من رائحتك!!
رن هاتفي فأجبت دون أن أفتح عيني:
- أهلاً..
كان صوتي قد تغير بفعل النوم فلم تستطع أن تمييزه، قالت:
- قصي؟
- لا.. ليس رقمي.. ورائحة الأمس كانت من زجاجة عطر عثرت عليها بالقرب من منزلكم.
ضحكت، لم تفهم شيئاً مما كنت أقول، قالت:
- هل أنت متعب؟
- لا.. كنت نائماً فقط.
- أين تحب أن نأكل ظهر اليوم؟
صمتّ لثوانِ أردت أن أتهرب فيها من الغداء معها فطلبت أمراً مستحيلاً:
- في أول مكان التقيتك فيه.. أريد أن أتناول غدائي في مكتبك.
كنت أتمنى أن ترفض ذلك، فيكون سبباً وجيهاً يؤخر لقاءنا يوماً على الأقل، قالت:
- قصي!!! هذا مستحيل.. هل أنت جاد؟؟
- نعم.. لن أعبث بالمكان، سآكل بهدوء.
ضحكت، ثم تابعت:
- يبدو أنك تريدني أن أخسر وظيفتي وسمعتي، هل تعلم ما ينطوي على طلبك من المخاطر؟
- لا شيء.. سأحضر بعد الواحدة عندما تتأكدين أن الدب اللطيف غادر لاستراحة الغداء، وسأجلب معي طبقك المفضل، سأدخل سريعاً ثم أخرج قبل أن يراني أحد.
- لم كل هذا؟
- تقاليد، أعتقد أن اليوم هو يوم صباحيتك.
صمتت قليلاً ثم قالت في حديث أقرب إلى الهمس:
- قصي.. هل تحبني؟
أجبت ضاحكاً:
- لدرجة أنني أفكر في تبنّيك.
- هل تعلم.. أنت مجرم.. سأنتظرك..
في المكتب كانت هادئة على عكس ما توقعت، قرأت لي قصيدة لنزار وشربنا من كأس واحدة، وغنت لي.. لم يكن صوتها جميلاً بقدر ما كانت روحها منطلقة نحو الحياة، كأنها كانت تغني لتعيش.
منذ الليلة السابقة، بدأت العلاقة تتخذ مساراً مختلفاً من أهم ملامحه هي وجنونها، تلى ذلك الغداء لقاءات كثيرة في مطاعم مختلفة، أصبحت أكثر حيوية وانفتاحاً في حديثها وتصرفاتها، تمسك بيدي كلما أرادت أن تخبرني بشيء وتقترب من وجهي كثيراً جداً، في المقابل كان برودي يزداد كل مرة أكثر من سابقيه، في البداية كنت أستمع لحديثها وانتقادها لديكورات المطاعم والأماكن التي نزورها، كان ذلك أفضل ما تمارسه هي، التعبير عن إعجابها بالديكور والألوان، بعدها أصبحت أستمع لها دون اهتمام، دون أن أتخيل تعديلاتها، بعد ذلك أصبحت أنظر إلى شفتيها وهي تتحرك لكنني لا أستطيع أن أسمع شيئاً..
عندما أنظر إلى عينيها، وتصرفاتها المراهقة أسأل نفسي.. هل هذه هي مديرة شئون الموظفين التي يقول عنها الجميع أنها المرأة الحديدية التي لا يستطيع أحدهم اختراق مشاعرها؟!
لم أجدها صعبة المراس أبداً، بل على العكس تماماً فقد وجدتها سهلة جداً؟؟ لم أبذل جهداً كبيراً في إبقائها على الخطة التي رسمتها لها، حتى أنها باتت تمشي عليها من تلقاء نفسها.
أعتقد أنه كلما زاد تعليم المرأة وانفتاحها أصبح من السهل السيطرة عليها أو قيادتها، وكلما قل تعليمها وزادت بدائيتها غلب جنونها وباتت السيطرة عليها أو قيادتها أمراً مستحيلاً.. أقصد أن أقول أن أصعب النساء طباعاً هن أكثر انقياداً وطاعة للرجل، وأسهلهن طباعاً هن أكثر تعقيداً في التعامل مع الرجل!!
باتت تشبه ربى في كثير من تصرفاتها، حتى أنها باتت تضيق الخناق حولي، تحادثني في اليوم أكثر من عشر مرات، أصبحت أشعر بالحرج من اتصالاتها أحياناً لكنني لم أوضح لها ذلك أبداً، حاولت أن أتقبلها كما هي دون أن أجرح مشاعرها لكنني لم أستطع، فمهما أجدت التمثيل سيعلم المشاهد لاحقاً حين أصمت أنني انتهيت من أداء المشهد وتحولت إلى مشهد آخر، وكان لا بد أن تفهم ذلك هي أيضاً!!
أمسكت بيدي ونحن على الغداء قالت:
- انظر هنا، لو أنهم وضعوا إنارة بيضاء بدلاً من هذه الإنارة الباهتة لجاء انعكاس الضوء على اللون الخشبي رائعاً جداً، ثم أن وجود كل هذه المرايات جعل المطعم يبدو وكأنه صالة ألعاب رياضية. أ..
أوقفت حديثها عندما رأتني أسحب يدي من يدها بهدوء وأضعها على وجهي، ونظرت لي باستغراب:
- قصي مابك؟؟ هل أنت مريض؟!
- نعم.. قليلاً..
سحبتني من يدي وطلبت مني الوقوف:
- هيا أعدني إلى المكتب واذهب إلى منزلك لترتاح.
- حسناً..
لم نقل حرفاً واحداً طوال بقائنا في السيارة، حتى اقتربنا من مقر عملها فقالت:
- هل تستطيع القيادة وحدك إلى المنزل؟
- نعم..
- أنا خائفة.. سأذهب معك إلى منزلك ثم أستقل سيارة أجرة من هناك إلى المكتب..
- لا .. لا .. ستتأخرين.. وأنا على ما يرام.
توقفت أمام نافذتي وهي تقول:
- قصي.. رجاءاً اتصل بي عندما تصل إلى البيت..
- سأفعل..
- رجاءاً يا قصي.. رجاءاً..
ابتسمت وشدت على يدي ثم منحتني ظهرها فانطلقت نحو المنزل، أغلقت الهاتف عمداً واسلمت جسدي للسرير يقلب هواجسه كما شاء، منذ صغري لا أستطيع النوم دون أن أتقلب على سريري لساعات أحاسب فيها نفسي على كل حرف صدر مني، وأحلل كل تصرفات الأشخاص الذين قابلتهم من بداية يومي حتى نهايته، لدرجة أنني أكره النوم أحياناً لكثرة ما يسببه لي من القلق والإرهاق النفسي. استيقظت في الخامسة يراودني شعور أنني لم أنم أصلاً فقمت أعدّ لنفسي كوب قهوة وأجلس لمتابعة التلفاز سارحاً في الفراغ.
عاد باسل في الثامنة، وضع يده على كتفي وهو يقول:
- اتصلت بك مرتين.. هل أنت على ما يرام؟؟
- الحمد لله.. كنت أريد أن أبتعد عن العالم فقط..
تذكرت خصال فقمت لأحضر الهاتف من غرفتي، لأجد خمس رسائل وسبع اتصالات منها فقط، وقبل أن أفتح رسائلها جاءني اتصالها، قلت:
- مرحبا..
- أين كنت؟؟
- كنت نائماً، لقد فتحت هاتفي للتو.. كـ..
قاطعتني بغضب:
- أعلم أنك فتحته للتو.. جاءتني رسالة تخبرني أنك استلمت رسائلي.. أنا أسألك أين كنت؟؟ ألم أطلب منك أن تتصل بي عندما تصل إلى المنزل؟؟
بالرغم من أنني كنت قادراً على الكذب والدفاع عن نفسي إلا أنني فضلت الصمت، فتابعت هي بسخط:
- أنت لا تستحق.. ثم أغلقت الخط في وجهي.
وضعت الهاتف بجانبي وعدت لمتابعة الفراغ على التلفاز، رأيت (باسل) يخرج من غرفته وهو يعدل ياقة قميصه ثم يقترب مني ويحرك شفاهه بحديث لم أسمعه، قلت:
- عفواً..
اقترب مني وجلس أمامي مباشرة:
- ما بك يا قصي.. أعتقد أحياناً أنك تتقدم في حياتك للأفضل، بينما أشعر الآن أنك تهوي إلى عالم ليس فيه أحد سواك.. ما الأمر؟؟
ابتسمت في وجهه دون أن أركز في حديثه، أصابني التبلد تماماً ولم أستطع التركيز على ما يقوله بالرغم من أنني سمعته جيداً.. فكررت آخر كلمة من جملته فقط:
- ما الأمر؟!!
ابتسم ابتسامة عريضة وهو يحاول كتم غيضه الذي بات واضحاً جداً:
- لا شيء يا سيدي أبداً.. لا شيء.. سوى أنني سألتك لمرتين إن كنت مرتبطاً بعمل هذا المساء، ولم تجبني حتى الآن؟
أنا على يقين أنني لو حاولت التفكير في سؤاله فلن أجد إجابة مقنعة لأنني حتماً سأكون قد نسيت سؤاله!! فأجبت دون تفكير وبسرعة:
- صدقاً.. لا أعلم إن كنت مرتبطاً بعمل أو موعد مع أحدهم، لكن ليذهب كل شيء إلى الجحيم.. لا يهم.. أخبرني فقط ماذا تريد.
لم يستغرب تصرفي، فأحياناً أشعر أنه أقرب إليّ من نفسي، قال ضاحكاً:
- كنت أريد أن ترافقني فقط.. فقط.. هكذا بكل سهولة..
قمت عن مقعدي، لأستعد للخروج:
- لك ذلك..
- ألا تريد أن تعلم إلى أين؟؟
كنت قد أغلقت باب غرفتي فرفعت صوتي:
- لا يهم.. أمهلني دقائق فقط وأكون مستعداً لمرافقتك إلى القطب المتجمد.
أشعر أحياناً أنني غائب عن الوعي تماماً سوى أنني لا أغمض عيني، يتفاقم هذا الشعور عندي كلما تعمقت في التفكير أكثر فلا أشعر بجسمي أبداً، ثم وفي مرحلة متقدمة أصبح كأنني مجرد إسفنجة، لا تستطيع التفكير ولا التفاعل مع البشر، يكون رد فعلها مبنياً دائما على تعاملك معها واستخدامك لها، فإن جرحتها جرحت نفسك، وإن أغرقتها في الماء فلن تخرج لك غير الماء..
(باسل) هو أول من اكتشف هذه الحالة عندما كنت أجلس معه لساعات دون أن أنطق بكلمة واحدة، وهو أول من أطلق عليها ضاحكاً لقب (نمط الإسفنجة)، كان يتجنب النقاش معي في أمر مهم عندما يراني قد بدأت في الدخول إليها..
- قصي.. قصي..
رفعت نظري إليه بعد أن كنت قد سمرت عيني على السيارات والطريق، فتابع:
- هاتفك يرن..
أخرجت هاتفي من جيبي لأجد اتصالين من خصال، تمنيت أن أخترع جهازاً يجعل الاقتران بيني وبين هاتفي ممكناً.. فبمجرد أن أدخل في حالتي الاسفنجية يدخل هو في حالة السبات الشتوي فلا يزعج من بجانبي.. سيضحك (باسل) كثيراً إن أخبرته بتلك الفكرة وستعجبه جداً..
يعمل (باسل) في تجهيز وإقامة المعارض والمؤتمرات، ساعده عمله في عقد الكثير من العلاقات مع رجال ونساء المجتمع النافذين في كثير من المجالات، وبالرغم من أنه يبدو هادئاً جداً إلا أنه مستعد لقضاء الليل كله لصنع فكرة تليق بمعرض أو الإشراف على العمل لساعات متواصلة.
بعد دقائق سمعت صوت باسل يفتح باب السيارة وهو يقول:
- اتبعني بسرعة.. لم يتبق الكثير من الوقت.. لا بد أن أكمل باقي التجهيزات قبل أن يحضر الضيوف.
تبعته سريعاً ودلفنا إلى المصعد، وما أن استقرت قدمه على أرض القاعة حتى شرع مباشرة في عمله، يوزع كل شخص في مكانه بذكاء كأنه يقود فرقة أوركسترا مكونة من عشرات الأشخاص دون أن تغفل عينه عن أحدهم للحظة، بينما رحت أقلب نظري في تجهيزات القاعة من معدات صوتية وإضاءات وخلاف ذلك.. جميل هذا (الباسل) بالرغم من أن لمساته في اختيار الديكور والتجهيزات كلاسيكية بحتة، هذا إذا نظرنا إليها من منظور خصال!!
كنت قد بدأت بالتفكير في خصال فعلياً لولا أنني سمعت صوتاً أنثوياً عند المدخل وامرأة متوسطة الطول تدلف إلى القاعة يتبعها رجل له ملامح آسيوية، اتجه إليها (باسل) تتوسط شفتيه ابتسامة واثقة عندما رأى ملامح الرضا ترتسم على وجهها، قالت لـ (باسل) بصوت طفولي:
- رائع جداً يا (باسل).. بالرغم من أنني سمعت كثيراً عنك لكنني لم أتوقع أن تكون بمثل هذه الخبرة.. أنا سعيدة جداً.
أجابها باسل وهو يقترب منها أكثر:
- شكراً..
كانا قد أصبحا قريبين جداً مني، فقالت لي بتلقائيه وهي تشير إلى الرجل الآسيوي:
- لو سمحت.. خذ هذه الحقيبة من السائق وضعها في غرفة التجهيز.
ضحك باسل بشدة وأنا أستلم الحقيبة، ثم حاول أن يسحبها مني وهو يقول:
- نسيت أن أعرفكِ إليه، إنه صديقي قصي.
لم تستطع إخفاء خجلها الشديد، قالت:
- أنا آسفة حقاً.. لم أنتبه.. اعذرني أرجوك.. لقـ..
قاطعتها بهدوء:
- لابأس.. ليست هناك مشكلة.
حاول (باسل) أن ينهي الموقف بهدوئه المعتاد:
- إنه خطأي، فقد نسيت أن أعرفكما إلى بعضكما البعض.
ثم تابع موجهاً حديثه إلي:
- الأستاذة (سمر) كاتبة صحفية و مشرفة اجتماعية لها مقالات رائعة في علم السلوك، وهي هنا الآن لتصدر كتابها الأول بعد أن نجحت إطلالتها في الكثير من الصحف.
قالت بخجل:
- لا تصدق ما يقوله باسل.. إنه يبالغ كثيراً.
- فرصة سعيدة جداً أستاذة سمر، حديث باسل عنك شدني لقراءة كتابك.. أعتذر منكم الآن فقد نسيت شيئاً في السيارة، سأعود حالاً.
تركتهما يتحدثان في أمور التجهيزات واتجهت نحو المصعد، لم أكن أريد شيئاً من السيارة، أحببت أن أقلل من حدة توترها وخجلها، وأن أدخن سيجارة فقط.
بعد لحظات بدأت تتوافد السيارات من كل حدب وصوب، لم أكن أعلم أن هناك الكثير من المهتمين لأمر تلك الخجولة وما تعرضه من كتب، وقبل العاشرة والنصف جاءني اتصال من باسل:
- أين أنت؟
- بالأسفل..
- غريبُ أمرك.. أصعد بسرعة رجاء.. لقد حجزت لك مقعداً في الصف الأول.
- حاضر.
أغلقت هاتفي وتوجهت إلى المصعد.. وحين دلفت إليه تذكرت أنني لا أعرف رقم الطابق الذي نزلت منه، فخرجت أبحث عن السلالم، لا أريد أن أكون وجبة لسخرية باسم هذا المساء.. كانت الطوابق الثلاثة الأولى مظلمة تماماً وفي الطابق الرابع خيّل لي أني سمعت صوتاً يصدر من باب مفتوح، وبالرغم من أنني لا أحب التدخل في شئون الغير إلا أنني دخلت عندما لمحت في المرآة انعكاس ظل مبهم لوجه امرأة، وما أن حطت رجلي داخل المعرض حتى شعرت أنني في أرض الأحلام، كان المعرض عبارة عن صور زيتية علقت على الحائط بحرفية كبيرة، وكل صورة تحكي عن عالم مختلف يفيض روعة وشاعرية، أعادني صوت رزين إلى الواقع:
- أحب هذه اللوحة جداً.. أشعر أنها حياتي.


يتبع...

براعم 04-10-13 11:03 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم

يعطيك الف عافيه يارب

مشاعر قصي في البدايه وتعريفه للحب من وجهة نظره اثبت لنا انه لايكن لها اي مشاعر فهو لم يقع بعد بالحب ؟

حتى لو كان هنالك الم من وجهة نظره فانه لم يشعر بعد ما هو الم الحب الحقيقي >>>> انه يعتبر تجربته الاولى حبا ربما مع انه لم يذكر لنا الكثير عن تجربته الاولى >>>> الا انه اوضح انه تعلق بامراة اكبر منه سنا >>> اعتد انه شعر فيها بحنان الام الذي لم يعرفه

الا انه اجابته كانت صريحه >>>> لم يكذب عليها وهذا يوضح جانب اخر من شخصية قصي برغم من استخدامه الحيله للايقاع بها الا انه كان صادق معها منذ البدايه >>>> هدفه واضح واظن انها ليست بذلك الغباء وهي تعرف انه لايكن لها مشاعر وسواله الدائم والمتكرر هي على علم بان الاجابه عليه لا ..... لو كان يحبها لما انتظر منها ان تساله ؟


أعتقد أنه كلما زاد تعليم المرأة وانفتاحها أصبح من السهل السيطرة عليها أو قيادتها، وكلما قل تعليمها وزادت بدائيتها غلب جنونها وباتت السيطرة عليها أو قيادتها أمراً مستحيلاً.. أقصد أن أقول أن أصعب النساء طباعاً هن أكثر انقياداً وطاعة للرجل، وأسهلهن طباعاً هن أكثر تعقيداً في التعامل مع الرجل!!

كلام جميل هالجمله عدتها اكثر من مره .... فعلا كلام صحيح منك نستفيد استاذ قصي ^^

اها اصبح يرى با خصال تشبه ربى >>>>> تريد امتلاكه ^^

يريد الهرب منها ويحاول ان يبرر الاسباب لنفسه بعد ان مل منها >>>> ذهب البريق الذي كان يميزها

كل مره عم تشوقنا >>>> عم تعصبنا من قصي ونحقد عليه وبنفس الوقت عم تقنعنا انه الحق مو عليه لوحده

كان ممكن يحب خصال لو ماكانت بتلك الجراة والانفتاح

النهايه تكشف لنا دخول امراة جديده بصفات اخرى وربما اثنتين ؟؟؟؟

الله يعطيك العافيه ابداع مميز >>>> يارب تنال ماتستحقه من الانتشار

اتمنى لك التوفيق




قرة عين امي 05-10-13 02:45 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صحيح ان قصي لم يكذب على خصال ولكنه بحيله اشعرها بحبه لها ولكني اريد ان اعرف لما ينجذب نحو النساء ولا يكاد يتخلص من احداهن حتى يتورط مع اخري على الرغم من اشمائزازه من العلاقات الجدية بينهم وفوق هذا كله تعريفه للحب ( اللاشيء ) في منظوره لكن نظره في انجذاب المراءة وخضوعها لسيطرة الرجل واقعية وحقيقية فالمتعلمة تكون اكثر انفتاح وجراءتاً
اعجبتني وصف حالته بالاسفنجة .... شعرت بالحزن حياله في حالته هذه والتي وقع بها بسبب جراءت خصال والتي باتت تشبه ربى في شد الخناق عليه
لكن هل ستكون الاستاذة سمر هي المهرب له من علاقتة بخصال او ان لقائهم محظ صدفة لا رجاء من وراءها
في انتظار ابداعك اخي احمد لمعرفت علاقة الرقم 13 بالنساء التي ارتبطن مع قصي باي شكل كان

Ahmad Rufai 11-10-13 09:26 PM

رد: رواية 13
 
-6-


- أحب هذه اللوحة جداً.. أشعر أنها حياتي.
التفت ناحية الصوت لكنني لم أجد أحداً فعرفت أن إحداهن تقف خلف الحائط تنظر إلى لوحة ما وتحادث أحداً لم أتبين إن كان ذكراً أم أنثى، يبدو أنهما لم يشعرا بوجودي فخرجت أحرك رجلي بهدوء حتى لا يسمعني أحد، وصعدت إلى الطابق السادس لأجد القاعة التي دخلتها سابقاً مع (باسل)، اتصلت به وخلال ثوانٍ رأيته أمام باب القاعة يسألني:
- أين كنت؟
ابتسمت في وجهه ببراءة:
- في عالمٍ جميل.
- أشعر أحياناً أنك تتصرف كالأطفال تماماً.
أخذني من يدي وأقعدني بجانبه في المقاعد الأمامية، لم أركز على حديث الأستاذة سمر لكنها كثيراً ما تنظر إلى الأرض بابتسامة وفي عينيها خجل شديد، بعد انتهاء العرض قام الناس للعشاء فسحبني (باسل) من يدي مرة أخرى وأخذني نحو صالة منزوية كانت فيها الأستاذة (سمر) مع بعض صديقاتها يجلسن حول مائدة دائرية يشاركهن رجلان أحدهما أربعيني بشارب كثيف والآخر يغطي الشيب مقدمة رأسه ولا شارب له.
قام باسل بسحب الكرسي إلى الخلف لأجلس عليه وبدأ بتعريفنا إلى بعضنا البعض:
- أعرفكم على صديقي قصي.. هذه الأستاذة (هند) صحفية في جريدة يومية وهذا الأستاذ (عادل) صاحب العدسة الذهبية، يعمل مصوراً في نفس الصحيفة، وهذه الأستاذة (منال) محررة، لن تستطيع مقاومة قلمها أبداً، أما هذا الأسد العجوز فإنه الدكتور (خالد).. دكتور في علم الاجتماع وله برنامج يقدمه على الإذاعة مساء كل سبت..
تبادلنا الابتسامات والترحيبات، وتابع (باسل):
- وهذه سيدة السهرة.. الأستاذة (سمر).. غنية عن التعريف طبعاً.
ذابت عينيها خجلاً فاكتفت بابتسامة تفيض طفولة وبراءة.
قالت الأستاذة (هند):
- وأين تعمل يا قصي، لا تقل لي أنك تعمل في تجهيز المعارض مع باسل، فهذه أول مرة أراك فيها.
- لا.. أنا..
قاطعني باسل، كان يعلم أنني قد أدخل حالة (الإسفنجة) في أي لحظة:
- لقد عاد لتوه من الهند، يعمل في مجال صيانة الحواسيب.
نظرت إليه بابتسامة ذات مغزى:
- يبدو أنكم أصدقاء جداً..
- نعم منذ الطفولة، لقد درست أنا و (قصي) في نفس المدرسة لسنين طويلة..
- يبدو على ملامحه أنه هادئ جداً..
ضحك (باسل):
- أبداً.. لقد كان صوته يشرق مع النور كل صباح في الإذاعة المدرسية، وكان له خط جميل جداً.. أعتقد أنه لا زال يملكه حتى الآن.. لكنه أصبح هادئاً.
وجهت حديثها إليّ:
- وهل تحب القراءة يا قصي؟
- قليلاً..
- لمن تحب أن تقرأ؟؟
- كنت أقرأ للعقاد.. مصطفى محمود والرافعي.. الـ
قاطعتني:
- ممم.. رائع.. وغادة السمان و نجيب محفوظ؟
- لا.. لم.. أ..
- وما رأيك فيما تكتبه (سمر)؟
- في الواقع.. لم أقرأ لها حتى الآن.
ضحكت الأستاذة (منال):
- دعك منها يا قصي.. إنها تحب أن تحقق مع أي شخص تقابله في حياتها، يبدو أن مهنتها تسيطر عليها بشكل كبير؟
ابتسمت الأستاذة سمر، وضحك الأستاذ (عادل)، فيما قام العجوز ليدخن سيجارة في ركن قصي بالغرفة أمام النافذة، لكن (هند) لم تأبه لهم وتابعت بإصرار:
- وما رأيك فيما يكتبه العقاد؟
بدأت أشعر بالنفور منها ومن أسئلتها، قلت:
- لا أعتقد أنني أمتلك الحق كقارئ في تقييم أحد.. فمن أنا لأقوم بذلك.. كل ما أملكه هو حق التعبير عن رأيي في جمال ما يكتبه فقط.
شعرت أن كل العيون باتت تتجه إليّ كأني متهم في قفص، عدت بجسدي إلى الخلف وأنا أقول:
- أعتذر منكم .. كانت فرصة سعيدة، سأقوم لأدخّن..
يبدو أن هذا لم يقنع (هند):
- هل تتهرب مني؟
قلت بصوت تمنيت أن أجعله فكاهياً إلى حد بعيد:
- تقريباً..
قالت الأستاذة (منال) ضاحكة:
- لن تتوقف هند عن طرح أسئلتها حتى تقوم بتحليل شخصيتك.. يبدو أنها لم تستطع فعل ذلك حتى الآن..
همت (هند) بالحديث لكن (باسل) قاطعها بابتسامة ماكرة:
- ولن تستطيع مهما حاولت..
بدا الجميع مهتماً كأنها لعبة تحدي مسلية حتى أن الأستاذ (خالد) عاد للجلوس معنا.. قالت (هند):
- ربما لم أتمكن من تحليل شخصيته بشكل كامل، لكنني استطيع إخباركم بأمر - عن قصي- تعلمته من خلال تجاربي في التحقيق مع الناس..
اكتفيت بابتسامة تدل على عدم الاهتمام لكنني شعرت أن أعين الجميع تستحثني لأسألها لكنني تجاهلتهم تماماً، ولأول مرة تتحدث سمر:
- ما هو؟
- لقد التقيت في حياتي بأشخاص كثر.. تمكنت مع الوقت من قراءة السطور الرئيسية لكل شخص، أستطيع أن أقول شيئاً واحداً فقط أنا على ثقة به.. أنت من الشخصيات النادرة التي لا يمكن نسيانها أبداً.. حتى وإن لم نلتقيها مرة أخرى.. فإننا لا نستطيع نسيانها..
فكأن عقرباً لدغني بوجع الذكريات والنسيان، إذا كان حديث (هند) صحيحاً فإنها لا زالت تذكرني على الأغلب، لا زالت تذكرني كلما نظرت إلى نافذة أو توقفت لتنظر في المرآة، لا زالت تذكر كل الذي كان بيننا من طيش وحماقة وجنون.. ذلك يعني أن ذكرى الحب الأول تؤرقها وتعذبها مثلما تعذبني.. ولأول مرة منذ فراقنا الأخير شعرت أنني انتصرت لنفسي منها، ولأول مرة منذ فراقنا أيضاً يطغى شعور الغرور على شعور الأسى حين أذكرها!!
وقمت لأدخن سيجارة الانتصار، شعرت أن الدّخان الذي أخرجه من فمي يشبه دخان طائرة شراعية، أو قطاراً يعمل على الفحم.. أو ربما كان دخان سفينة تولي المدينة ظهرها غير عابئة بمن خلفت وراءها من غائبين متأخرين أو بمن ستلتقي في طريقها من تائهين.. المهم أنه لن يستطيع أحد إيقافها طالما أنها لا تملك وجهة معينة..
أكملت سيجارتي وعدت إلى الطاولة، كانت النساء الثلاثة يتحدثن على انفراد فيما يقلب (باسل) ورقة مطبوعة كانت في يده، والمصور - الذي نسيت اسمه- يتحدث في هاتفه، فاقتربت من باسل:
- (باسل).. كنت أود أن أسألك عن أمر ما؟؟
ترك الورقة جانباً ونظر في وجهي بابتسامة:
- تفضل..
- عندما أتيت إلى هنا صعدت الدرج على قدمي فاكتشفت معرض لوحات فنية في الطابق الثالث.. هل لك علم به؟
حرك رأسه قائلاً:
- لا..
ثم استدرك بتعجب:
- مممم.. هذا ما كنت تقصده بقولك أنك كنت في عالم جميل؟!!
- نعم..
تحدث المصور الذي كان قد أنهى حديثه في هاتفه للتو:
- تقصد المعرض في الطابق الثالث؟
قالت الأستاذة (هند) التي انتبهت لحديثنا:
- لابد أنك دخلت معرض الأستاذة (تالا).. إن لها رسومات لا تقاوم.. تأخذك إلى عالم الخيال.
ثم استدركت:
- لكن كيف دخلت إلى هناك؟؟ لقد أخبرتني أنها ستفتتح معرضها يوم غد؟؟!
- كان الباب مفتوحاً ورأيت ضوءاً خافتاً يصدر منه فدخلت..
- غريب.. أعلم أنها لا تفعل ذلك أبداً.. دائماً لا تكشف الستار عن لوحاتها إلا في اللحظة الأخيرة.
قال المصور:
- أعتقد أن الأستاذة (سمر) تعرفها جيداً، أليس كذلك؟
ابتسمت الأستاذة (سمر):
- نعم.. درست مع (تالا) في المرحلة الثانوية وأعرفها جيداً.. لقد اخترنا إقامة معارضنا سوية في هذا المبنى.
قالت الأستاذة (هند):
- هل أنت مهتم بها.. أم بلوحاتها؟
اكتفيت بابتسامة فقط فتابعت:
- سأكون في المعرض مع (سمر) والأستاذ (عادل) غداً لأعد تقريراً عن معرضها.. هل تود الحضور معنا؟
قاطعتها الأستاذة (منال) ساخرة:
- تقصدين أنك ستقومين بتلميعها وبهرجتها .. منافقون!!
ضحك الجميع حتى (سمر)، كنت أعتقد أن خجلها قد يمنعها من ذلك، لكنني اكتشفت أن عقدة الإحراج تختفي عندما تكون في وضعها الطبيعي لكنها تزداد عندما يجاملها أحدهم، كأنها تصدق كل كلمة مديح تقال لها!!
قالت (هند):
- دعك منها يا قصي.. إنهم لا يعلمون أننا نقوم في عملنا بموازنة القوى بين مؤسسات المجتمع الفنية والسياسية بجميع أشكالها وخلق بيئة مناسبة للتنافس الشريف فيما بينهم.. دعك من هذا.. سأشرحه لك لاحقاً.. هل تود الحضور معنا؟
ابتسمت لها:
- إذا كان ذلك لا يزعجكم..
تبادلت أرقام الهواتف مع الأستاذ (عادل)، واتفقنا أن يتصل بي غداً عندما يأتون إلى هنا، ضحك برزانة تخفي الكثير من الجنون الواضح في عينيه وهو يقول لي أنه يشعر أنه التقى بي قديماً، وأنه اعتاد عليّ كأنه يعرفني منذ زمن ثم انصرف مع الأستاذة (هند). وتبعتهم الأستاذة (منال) متعذرة بانشغالها، وخرج (باسل) ليشرف على انتهاء العمل وإعادة كل شيء إلى وضعه فوجدت نفسي وجهاً لوجه مع الأستاذة (سمر).. ابتسمت في وجهي فرددت لها الابتسامة ووجدت نفسي مضطراً لقول أي شيء يخرجنا من الصمت وابتسامات المجاملة، فقلت بلهجة الأستاذة (هند):
- يبدو أنكن صديقات جداً.. أنت والأستاذة (تالا)؟
ابتسمت:
- نعم.. منذ الطفولة..
تابعت بنفس طريقة الأستاذة (هند) مقلداً صوتها:
- ولمن تحبين القراءة؟
ضحكت وغطت فمها بيدها:
- نسيت أن تسألني إن كنت أحب القراءة أصلاً..
- لا زلت أتدرب على ذلك فساعديني.. مَن مِن الكتّاب يستطيع إشباع شغفك؟
اعتدلت في جلستها أكثر وبدأت تتحدث بجدية:
- أحب أن أقرأ لـ (ديل كارنيجي)، (باولو كويلو) يتصف بكثير من الروحانية.. كما أ..
قاطعتها:
- ممم.. رائع.. والمنفلوطي والرافعي؟؟
حاولت أن تخفي ضحكتها وتتحدث بجدية:
- هل تعرف المنفلوطي يا قصي؟!!
- ومن لا يعرف المنفلوطي.. نظراته وعبراته..
- وما رأيك فيما يكتبه؟؟
ضحكت أنا هذه المرة:
- يبدو أن الأستاذة (هند) لم تؤثر عليّ وحدي فقط..
ثم تابعت بجدية:
- أعتقد أن بعض الأدباء كالمنفلوطي مثلاً.. فوق مستوى النقد.. ولا ينطبق عليهم قانون الأدب..
- لمَ؟
- لأنهم أكبر من ذلك.. هم في الحقيقة رجال صنعوا من أقلامهم مدارس متفردة.. أصبحت هذه المدارس فيما بعد فوق قانون الأدب وفوق الأدب عموماً لأن ما يكتبونه هو عالم متجدد في كل شيء.
- مثل ماذا؟
- مثل التطرق إلى مالم يتطرق إليه قبلهم من الأدباء، ووصف شيء لم يصفه أحد من قبلهم، دون تزوير الحقائق.. كحقيقة الموت مثلاً..
نظرت إلى عيني تستحثني على الحديث، قلت:
- لقد زوّر الأدب والأدباء التقليديون حقيقة الموت تماماً فجعلوه مجداً صعب المنال.. أين حقيقة الموت من أشعارهم وأخبارهم؟؟ إنه ليس سوى موت أسود مهيب لا جمال فيه.. عندما شرح المتنبي..
قاطعتني عودة (باسل) يحمل في يده نفس الحقيبة التي طلبت مني الأستاذة (سمر) أن أحملها سابقاً إلى غرفة التجهيز، قال:
- لقد انتهيت تقريباً.. سآتي غداً صباحاً لأنهي باقي الأعمال.. أريد فقط أن تقومي بالتوقيع على هذه الورقة..
تحدثوا قليلاً في أمور العمل ثم استئذنا للذهاب، فقالت سمر:
- قصي..
التفت إليها بعد أن كنت قد منحتها ظهري، قالت بارتباك:
- سيقيم النادي الأدبي ندوة بعد ثلاثة أيام.. أ..
حاولت أن أظهر على وجهي بعض الاهتمام:
- جميل جداً.. هل بإمكاني الحضور؟؟
- نعم.. الدعوة عامة.. يمكنك أن تصطحب (باسل) معك أيضاً..
ابتسمت ومنحتها ظهري:
- سأراكِ هناك إذن.. مع السلامه..
ما أن ابتعدنا قليلاً حتى همس لي (باسل):
- سأراك هناك إذاً.. كانت مجاملتك واضحه..
- لا أعتقد أنها تكترث..
في الطريق إلى البيت ماجت بي الأفكار في كل اتجاه، كان صدى حديث الأستاذة (هند) يتكرر في مساحات عقلي فتعقبه شلالات من الفرح وأنهار من الرضا، وعين صغيرة من الغرور.. شعرت أنني انتقمت من تلك التي غيرت حياتي للمرة الأولى فأحالتها إلى فراغ.
هناك أشخاص كـ (هند) يستطيعون - رغم سطحيتهم- أن يغيروا كثيراً من نظرتك للأشياء أو معتقداتك حولها، لم تستطع خصال في أصفى حالاتها الذهنية أن تسحبني لأبعد من اللا شيء، وربى كذلك، وهذا ما تفوقت فيه (هند) منذ اللحظة الأولى للقائي بها.. استطاعت أن تسحبني نحو أعمق نقطة داخل روحي.
عندما انتصف المساء تماماً جاءني اتصال خصال، يبدو أنها مصرة على ألا تنام قبل أن تقول شيئاً، يعجبني في خصال احترامها للوقت، فحين يرن هاتفي في أوقات معينة أعرف أنها المتصلة دون أن أنظر إلى شاشة هاتفي:
- أهلاً.. وصال كيف حالك؟
شعوري بالرضا كان واضحاً جداً فجاء صوتي مرحاً، تعلم أنني أستفزها دائما عندما أناديها بوصال بدلاً من خصال..
- قصي.. أنا.. أريد أن أتجاوز ما حدث اليوم.. أعلم أنك لم تقصد أن تفعل ذلك.. أنا آسفة.. لكنني كنت قلقة عليك..
- لا بأس.. لست غاضباً.. كيف كان مساؤك؟
- لا شيء جديد.. أشعر أنني أغضبتك فقط، فرحت تهمل اتصالاتي..
- لا.. كنت مشغولاً مع (باسل).. لم أنتبه لاتصالاتك.. ولم أستطع الرد عليها..
- قصي.. أرجو أن تسمعني.. أنا.. لست نادمة على كل لحظة منحتها لك.. ليس لأنك قصي فقط.. بل لأن الحب جاء متجسدا في صورتك..
قد أكون متعجلة قليلاً.. لكنني أردت أن أمنحك شيئاً مميزاً.. أقصد.. أنني أردت أن أفعل كل شيء برغبة شديدة لتكتمل عناصر الحب في حياتنا.. لا تعتقد أنني أحاول تملكك أو السيطرة عليك.. أردت أن أمتلك في حياتي لحظات حب مع رجل يستحق أن يكون فيها..
لم أجب فتابعت:
- هل كنت عجولة يا قصي؟؟ لا أريد أن أشعر بالندم.. لا تصدق أنك لا تستحق.. كنت أكذب عليك لأستفزك فقط.

****

لم أجب على اتصال الأستاذ (عادل) في اليوم التالي، شعرت أنني سأكون بحالٍ أفضل إن تجنبت زيارة المعرض برفقة (هند) و (سمر).. أريد أن أرى (تالا) ورسوماتها وحدي دون أي تأثير منهما وسيكون ذلك مستحيلاً إن ذهبت برفقتهم.
ثم طرأت لي فكرة صغيرة، لم لا أستعد للقاء (تالا) صاحبة الرسوم الخيالية؟
اتصلت بالأستاذ (عادل) بعد العاشرة، لابد أنه يتوجه إلى منزله الآن.. جاءني صوته ضاحكاً:
- أهلاً بصديقي الذي أعرفه ولا أعرفه، بالرغم من أنني التقيتك بالأمس إلا أنني أشعر أنني أراك كل يوم.
أعجبني حضوره وحديثه معي كأنه يعرفني منذ زمن، هذا يسهل المهمة التي أحتاجه من أجلها، قلت:
- أهلاً بك سيدي..
- يبدو أنك متقلب المزاج يا قصي.. من يرى اندفاعك بالأمس لا يصدق أنك لم تحضر اليوم.. عموما لا تقلق.. بقي على نهاية المعرض ثلاثة أيام، لكنني وهند لن نستطيع مرافقتك، فلدينا عمل مساء الغد.
- في الواقع لقد انشغلت رغماً عني.. لكن أخبرني كيف حالك؟
- بخير.. الحمد لله، لقد خرجت لتوي من المعرض.. سأذهب إلى المعمل الخاص بي، لم لا تأتي لتشاركني رؤية الصور التي قمت بتصوريها، سأعد لك كوباً من الشاي أو القهوة يكون عربون صداقة بيننا، ما رأيك؟
- يسعدني ذلك..
أعطاني عنوان معمله، وخلال عشر دقائق كنت أستمتع بشرب القهوة بصحبته..
كان رجلاً بسيطاً في تعامله ومشاعره، ودوداً يحب خدمة الجميع، يرى أن التصوير رسالة يصل من خلالها إلى قلوب الناس ليرسم الابتسامة على وجوههم أو يشد اهتمامهم بجمال صورة في لحظة ناطقة يسرقها من الزمن بعدسته الصغيرة.
عندما قمت للخروج طلبت منه أن أحتفظ بأحدى صوره التي صورها هذا المساء مختومة بتوقيعه ففرح بذلك، اخترت صورة تظهر فيها تالا بجانب أحدى لوحاتها الخيالية، وقعها لي بابتسامة ثم شكرته على دعوته، كوب قهوته وبساطته الرائعة ثم رحلت.
من خلال تجربتي (القصيرة) في هذه الحياة أستطيع القول أن البشر عبارة عن خطوط تنقسم إلى قسمين، مستقيمة وعامودية.. يسير بعضهم باتجاه مستقيم بينما يسير البعض الآخر باتجاه عامودي.. وتبقى صفحة القدر هي الشاهد والحكم في الوقت ذاته، فإذا تقاطع شخص مستقيم ما مع شخص عامودي فإن الزمن يتوقف معلناً بداية رحلة جديدة لهما.. فتتخذ بعداً آخر لتصبح خطاً واحدا.. لكن بعض الخطوط لا تستطيع تفهم هذا التقاطع فتنحرف عن طريقها مصطدمة بخطوط موازية لها لتؤثر عليها وتخرجها عن مسارها، غالباً ما تكون الخطوط المتأثرة ذات تجربة ضحلة لم يسبق لها التعامد أو التصادم مع غيرها من الخطوط.
هذا لا يعني أن هناك تقاطعات أخرى محتملة بدون تأثير كتقاطعنا مع المارة، الحلاق أو قائد السيارة الذي قد يبتسم لك أو يشتمك في الجهة المقابلة، لكن ما يحدث أحياناً أن تقاطعنا مع بعض الخطوط كـ (هند) يعيدنا إلى ذكرى الخط الأول الذي تقاطعنا معه منذ زمن بعيد، فإما أن نعود أدراجنا للبحث عن تلك الخطوط التي تقاطعنا معها سلفاً - واحتمال نجاح ذلك ضعيف جداً - وإما أن يكون هذا التقاطع بداية لحياة جديدة أجمل بكثير مما كنا نتوقعه..
بعض الخطوط يجيد قيادة نفسه وحمايتها من التقاطع مع خطوط ذات تأثير عكسي.. لكن ذلك النوع من الخطوط قليل جداً لأنه يمتلك بصيرة تؤهله من الحصول على لقب حكيم.. هذا إذا افترضنا أن غالبية الخطوط تسير بشكل أعمى.. أراني أسهبت في إعادة كلمة خطوط كثيراً.. هل قال (باسل) أن خطي لا زال جميلاً؟؟ سأختبر ذلك بنفسي!!
وقفت في طرف المعرض أراقبها دون أن تعلم، أن كنت أنا عاشقاً للجمال فإن الجمال نفسه يتجسد في إطلالتها، قوامها ومنظرها وكل شيء في ثناياها يصرخ وينادي بأعلى صوته، أحبوني.. فاستجبت!!
علمت أنه لن يجدي الكلام أو الثناء عليها نفعاً، فكلما اقتربت منها استمعت إلى من يحاول التقرب منها من خلال المديح والمعاكسات اللطيفة، من نوع (أتمنى أن أقبل الأصابع الذهبية التي رسمت - لابد أن ملاكاً هو الذي أوحى إليكِ برسم هذه الملحمة العظيمة - لابد أن أشكر الله أن منحني فرصه للقاء أشخاص ملهمين مثلك.. إلخ).
نظرت إلى عينيها لأرى تأثير الجمل التي تتلى على مسامعها، فمهما استطاع الجسد أن يخبئ مشاعره وانفعالاته فلن تستطيع العيون إخفاء ذلك، وكان ردها مفاجأً بالنسبة لي إذ لم تكن تزيد على أن تقول في كل مرة يثني عليها أحدهم:
- شكراً على الإطراء الجميل.
أعتقد أنها وبعد فترة من الزمن أصبحت مشبعة بكل ماهو جديد ولطيف من عبارات المدح والثناء، والأكيد أنني لن أكون الأول الذي سيحاول التقرب منها، وإن أردت الفوز فلا بد أن أكون مختلفاً عن الجميع، أن أبهرها بطريقة لم يسبقني إليها أحدهم.


يتبع...

براعم 15-10-13 01:10 AM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم

ماشاء الله عليك اخوي ابداع مميز في كل مره تبهرنا بما تخطه يداك

بالرغم من قصر الفصول الا انها مليئة بابداع متقن ومدروس

اظهرت لنا شخصيات في هذا الفصل وعرفتنا على كل شخصية باسلوب يستحق الثناء والتقدير

وصفك لشخصية هند وحوارها وطريقة استجوابها لقصي >>>> ووصف المشاعر عند تلقيه تحليل هند لجزء من شخصيته

تميز ودقه >>>>> كمان في حواره مع سمر عن الكتاب >>>> اسلوب مقتنع لايقل عن اي روايه ادبيه خاصه بالسير

وكمان اظهرت لنا شخصية عادل وعلاقته بالتصوير

صحفيه وكاتبه ومصور وفي طريقه الى الفنانه التشكيله وماننسى منال اللي اظهرت واقعيتها وصراحتها يعني جمعت بينهم وما اهملت اي تفصيل خاص بمهنة كل شخص فيهم >>>>> تميز ماشاءالله


قصي في هذا الفصل

شديد الملاحظه مستغل للفرص >>> صياد محترف

اظهر لنا ان لديه مشاعر وانه يتالم

قانون الخطوط >>> راح نعتبره القانون الثاني لقصي في تجاربه للحياه


شو راح يعمل مع خصال ؟؟؟؟ كيف بخلص منها وهو الان بالطرق لنصب الفخ الجدبد


اصبحنا بشوق لكيفيه رسمه للخطط


يعطيك الف عافيه

Ahmad Rufai 25-10-13 09:56 PM

رد: رواية 13
 
مساء الخير..

أعتذر عن التأخير الخارج عن إرادتي :)

وشكراً أستاذه براعم على تواجدك.. سأكمل ما بدأته وإن لم يتبق سوى متابع واحد ..

Ahmad Rufai 25-10-13 09:58 PM

رد: رواية 13
 
-7-

أعتقد أنها وبعد فترة من الزمن أصبحت مشبعة بكل ما هو جديد ولطيف من عبارات المدح والثناء، والأكيد أنني لن أكون الأول الذي سيحاول التقرب منها، وإن أردت الفوز فلا بد أن أكون مختلفاً عن الجميع، أن أبهرها بطريقة لم يسبقني إليها أحدهم.
جميع هذه الأفكار كانت تدور برأسي وأنا أهم الاقتراب من الحائط لرؤية ما يخبئه خلفه، ولم أجد صعوبة في معرفة اللوحة التي كان يخبئها إذ لم يكن هناك سوى لوحة واحدة.
الغريب أنها كانت رديئة جداً مقارنة ببقية اللوحات إذ دمجت ألوانها بطريقة غير متناسقة، حاولت أن أفك الشفرة بين الفوضى البصرية التي أمامي وبين قولها في الأمس: (أشعر أنها حياتي) لكنني لم أستطع أن أتوصل إلى أي شيء، لم تترك لي فرصة لأعيد ترتيب السيناريو الذي كنت قد أعددته سلفاً لأنني تفاجأت حقاً وبات من الصعب محاولة إكمال الطريق.. شعرت بالسخط حين علمت أنها أنثى معقدة كهذه اللوحة تماماً، وأن الدرب للوصول إليها سيكلفني الكثير.
كنت أعلم أن وقوفي أمام هذه اللوحة سيشد انتباهها سريعاً، خصوصاً أن الجميع تجنبوا الوقوف أمامها، ففكرت بالابتعاد قليلاً لأعيد ترتيب ما سأقوله لكنني لمحت ظلها ينعكس على اللوحة فعلمت أنها تقف خلفي تماماً لكنني تجاهلتها حتى سألتني.
- هل أعجبتك؟
التفت إليها بهدوء مصطنع، قلت:
- بعض الأشياء لا يجب أن تكون جميلة كي نحبها.
صمتت لبعض الوقت ثم قالت:
- كيف؟
- أنا أحب أبي بالرغم من أنه ليس وسيماً أو قويا، لكنني لا أستطيع الاستغناء عنه، وأعشق وطني وقد أحارب من أجله بالرغم من أنه ليس رائعاً.
نظرت إلى عيني مباشرة بطريقة أربكتني، قالت:
- وما الذي قد يدفعك إلى أن تحب لوحتي؟
- تقصدين.. ما الذي دفعك إلى أن تعجب بلوحتي.. أعتقد أن فيها ملامح من كل اللوحات الموجودة في المعرض.. كأنها المسودة التي أوحت لك بجميع اللوحات الأخرى، كما أنني أعتقد أن مكانها المنزوي في هذه القاعة يعبر عن روحك، وطريقة تداخل ألوانها تعبر عن بداياتك.
تابعت حديثي وأنا أشير إلى اللوحة مخبئاً ضحكة كادت أن تفلت مني:
- وعند تدقيق النظر فإن توقيعك هنا جاء مختلفاً عن كل اللوحات، الخط هنا مستقيم أكثر من اللازم.
لم يكن التوقيع مختلفاً لكنني استطعت أن أوهمها بذلك بالرغم من أنها صاحبة التوقيع، فعندما تأتي بمعلومة حقيقة يظن الجميع أنك لا تعرفها، ستمنح نفسك الحق في تزوير بعض الحقائق!!
بدت على وجهها ابتسامة خفيّة لم أستطع فهمها، قالت:
- هذه أول لوحة رسمتها، وحتى الأمس لا زلت أضيف إليها بعض التعديلات، كأنها حياتي.. في كل يوم أستيقظ فيه من النوم، أضع عليها بعض اللمسات التي تشعرني أنها لا زالت غير مكتملة.
للحظة شعرت أنني نجحت في الوصول إليها، قلت:
- وبكم تباع هذه الحياة الجميلة غير المكتملة؟
عادت إلى رشدها بمجرد أن حاولت تملقها، قالت:
- قلت قبل قليل، أنها ليست جميلة.
- لم أقل ذلك.. قلت أنه لا يشترط أن نحب الأشياء فقط لأنها جميلة، هناك أسباب أخرى..
بات من الواضح أن وصولي إليها صعب، خصوصاً وأنها لا تتأثر بسهولة فآثرت الصمت واختارت هي عدم الحديث، لكنني ما أن منحتها ظهري حتى قالت:
- هي لك، لا أعتقد أنها تقدر بثمن، يعزّ عليّ بيعها.
عندما بدأت تعالج اللوحة وتبعد الخيط عن الحائط لتخرجها شعرت أنها امرأة تحاول التخلص من فضلات ذكرياتها الفارهة بإهدائها لأول عابر سبيل يلتقطها، بعض الأشخاص - وأعتقد أنها منهم - يفضلون الحديث مع الغرباء على أشخاص يحبونهم، لأنهم على ثقة بأنهم لن يلتقون بهم مجدداً.
لابد أنها حين عرضت الماضي للبيع ولم يشتره أحد، قامت بإهدائه لأول غريب يأخذه ويرحل، وأنا لا أريد ان أكون غريباً يشتري منها أثقالاً سئمت حملها منذ زمن، أريد أن أقيم إلى الأبد!!
قلت:
- لا تخرجيها، سآتي في الغد لشرائها.. حتماً سأجد قيمة مناسبة لها.
قالت بإصرار:
- هي لك دون ثمن، إنها أغلى عندي من أن تقدر بثمن.
- وأنا لا أحب الهدايا.. فهي تذكرني بأصحابها.
رأيت ملامح الخيبة تعلو وجهها، كأنها تلعن نفسها ألف مرة على تسرعها فتابعت وأنا أشعر بانتصار داخلي:
- لا أستطيع أن أقبلها الآن، لا أقبل الهدايا من الغرباء، غداً عندما أعود سيكون لك حق إهدائي لأننا حتماً سنعرف بعضنا البعض، أنصحك أن تضعيها في غلافٍ موقع باسمي، لأن الهدايا لا تهدى بهذه الطريقة.
رن هاتفي فنظرت إلى الشاشة لأجد رقم خصال يومض فيها، فنظرت إليها نظرة أخيرة وقلت:
- للمعلومية.. اسمي خالد.. المهندس خالد.
قالت بتلقائية وهي تنظر إلى ياقة قميصي كأنها في عالم آخر:
- وأنا تالا..
- سررت بمعرفتك..
تركتها ممسكة بلوحتها وغادرت وفي رأسي ملايين الأفكار، أبحث عن ثمن مقبول للوحتها التي لم تعجبني!!
واتصلت بخصال التي أوحت لي باسم (خالد):
- أهلاً خصال، كيف أنتِ؟
- بخير..
- اشتقت إليكِ..
صمتت للحظة ثم قالت:
- حقاً؟؟!
- وما الذي قد يدفعني للاتصال بك إن لم أكن قد اشتقت إليكِ؟؟
- لابد أنك رأيت اتصالي قبل دقيقة.. مخادع.
- لم أنتبه لهاتفي إلا حين أخرجته للاتصال بك.
- سأصدقك..
ثم تابعت بصوت منخفض:
- لأنني أريد أن أفعل ذلك.
لا بأس بالكذب أحياناً على شخص يعلم يقيناً أنك تكذب، ذلك سيجعل الكذبة تبدو جميلة كشمع أعياد الميلاد، لا يهمنا عددها بقدر ما تهم حاجتنا إلى وجودها، التفكير بهذه الطريقة سيوسع مداركنا لنعيد النظر في كثير من الأمور التي نفعلها في حياتنا متجملين بها كالمساحيق النسائية، أزرار القمصان الملونة، إعلانات الشوارع والكثير من الزوائد الحياتية المثيرة التي قد يصبح الحب أحدها يوماً ما!!
مررت بالمكتبة لأشتري بعض أوراق الرسم وعلبة ألوان مائية بعد أن سألت صاحب المكتبة عن طريقة استخدامها، ثم عدت إلى البيت وأعددت فنجان قهوة وقمت بتحميل برامج تعديل الصور وتحويلها إلى رسومات على جهاز الحاسوب، قمت بوضع صورتها التي أخذتها من الأستاذ (عادل) في الماسح الضوئي لتحويلها إلى رسمة، ثم طبعتها.. لم تعجبني فقمت بتعديلها مرة أخرى وطبعها على ورق الرسم، ثم بحثت في الإنترنت عن طريقة التلويين بالألوان المائية، لم يكن يهمني سوى أن أنجح في تحقيق ما أود فعله، فعقولنا نحن الرجال تصبح كعقول الأطفال عندما نريد شيئاً بقوة، ليس مهما كيف سنحصل عليه، المهم أن نقوم بتحقيق ما نصبوا إليه، وهذا ما حدث قبيل الفجر بدقائق، قمت بتصميم اللوحة الأولى في حياتي التي كانت توازي لوحة (تالا) في السخف، إلا أن ملامح صاحبة الصورة، كانت واضحة إلى حدٍ بعيد.
جلست أتأمل اللوحة حتى نمت على الأريكة من الإرهاق العقلي والجسدي الذي أصابني من العمل المتواصل لعدة ساعات، واستيقظت ظهر اليوم الثاني وأنا أشعر بآلام شديدة في مفاصلي، فأخذت حماماً سريعاً ثم تناولت فطوري وأنا أتأمل لوحتي.
سينتابك الشعور بالرضا عن الذات عندما تنجز عملاً توقعت عدم قدرتك على القيام به كالرسم مثلاً.. وتشعر حينها أنك تفوقت على أشهر رسامٍ في العالم، فهو حتماً لن يستطيع فعل ما فعلته أنت(كمبتدئ) في ليلة واحدة.
اتصلت بخصال بعد الظهيرة ودعوتها إلى الغداء في أحد المطاعم، وحالما جلست أمامي أخرجت لها وردة من وسط كمي - بحركة خفة تعلمتها من أحد العروض المسرحية - وقدمتها لها، ارتبكت قليلاً واحمرّت وجنتاها وظلت تنظر إلى الوردة وهي في يدي دون أن تأخذها وبعد لحظات من الصمت، قالت:
- قالت لي أمي منذ زمن.. احذري الرجل الذي يقدم لك وردة دون أن يشرح لك أسبابها، فالرجال يهدوننا الورود عندما يكذبون.. أو يخونون.. ليشعروا بالرضا عن أنفسهم.. لكنني على ثقة بأنك لست مثلهم يا قصي، ليس لأنك لا تكذب أحياناً.. بل لأنك لا تخشى من قول الحقيقة مهما كلفك الأمر.. هذا أكثر شيء تعلمته عنك يا قصي..
اكتفيت بابتسامة باردة وأنا أشعر أن الوردة تحولت إلى كتلة من النار تحرق أصابعي حتى التقطتها بابتسامة، وتابعت:
- هل تذكر ذلك الاتصال في المساء؟؟.. تملك قدرة عجيبة على جعلي أتحدث دون حياء، فحين أهرب مني أجدني أبحث عنك، وما أن أسمع صوتك حتى أقول كلما كنت أخشاه ولا أريد قوله لنفسي.. كأن الاعتراف لك بكل شيء يمنحني شعوراً أفضل..
شبكتُ أصابعي بيدها وضغطت عليها بقوة فراحت تنظر إليها وتقبلها وتسحبها نحو وجهها لتعانقها وتمسح بها دمعة تجرأت على النزول وسط كل فوضى المشاعر التي تعتريها، قالت:
- آسفة.. لا أريد أن تشعر أنني ..
قاطعتها بابتسامة:
- لا بأس.. ما رأيك أن نأخذ جولة بعد تناول الغداء في المجمّع التجاري.
حركت رأسها بابتسامة مرتجفة وعادت لمتابعة طعامها سارحة فأحببت أن أضفي بعض المرح لأغير من مسار الموقف، فقلت:
- تخيلي أنني أستطيع أن أخبرك ماذا يقول ذلك الرجل السمين على يميني لزوجته.
نظرت إلى وجهي باستفهام فقمت بتثخين صوتي وقلت:
- حبيبتي.. لقد أتيت بك اليوم إلى هنا لأخبرك أن الإدارة قررت أن تزيد من راتبي.. صحيح أنني كسول ولي بطن ممتلئة لكنهم رأوا ذلك سبباً وجيهاً لبقائي على مكتبي أغلب الوقت مقارنة بأصدقائي الذين يختفون ما أن تسنح لهم الفرصة بذلك..
- انظري هناك إلى تلك المرأة إنها تحاول أن تعاكسني.. يبدو أن النساء أصبحن يملن إلى الأشخاص ذوي البطون الممتلئة.. ها ها ها..
تزامن حديثي مع تحريك الرجل يده باتجاه النساء فتابعت:
- لم لا تهتمين بنفسك قليلاً يا عزيزتي لتظهري مثل هذه المرأة..
أجابت خصال مباشرة:
- ولم لا تهتم أنت ببطنك الممتلئة؟؟
- إنني أقوم بخطة تكتيكية في حال تحولك إلى رجل مع الوقت فإنني من سيحمل الطفل بدلاً عنك.
ضحكت خصال لدرجة أنها جذبت انتباه بعض الناس لها، قالت:
- هل تتوقع أنهما يقولان ذلك فعلاً.
- إنهما أقل من أن يقولا ذلك حتى. انظري إلى نفورهما من بعضهما.. كأنهما مجبران على الجلوس سوية.
اقتربت أكثر ووضعت يدها على يدي مرة أخرى، قالت:
- وماذا تقول أنت؟
- أقول هيا بنا لنأخذ جولة في السوق.
اكتشفت أن (خصال) أنثى حسيّه، تحب أن تلمس كل الأشياء التي تتعامل معها مباشرة، فما أن تنجذب لشيء أو حديث ما فإنها تضع يدها في يدي مباشرة، أخذنا جولة صغيرة في السوق ثم أعدتها إلى المكتب وذهبت إلى البيت لآخذ حماماً سريعاً أذهب بعده إلى (تالا).
دخلت المعرض وأنا أحاول أن أقلل من حدة توتري، كان عدد الزوار أقل من اليوم السابق، فبات من السهل ملاحظتي وأنا أحمل في يدي مغلف لوحة كبير تتوسطه وردة بيضاء، وضعت اللوحة التي زودتها ببرواز أنيق على الأرض ثم رحت أتجول في المعرض كي لا أحرجها في حال شاهدني بعض الموجودين، توقفت أمام نفس اللوحة فسمعت صوتها يأتي هادئاً من الخلف.
- أهلاً أستاذ...؟؟
التفت إليها بنفس الهدوء، لم أتوقع أن تنسى الاسم الذي اخترعته بهذه السرعة، قلت:
- خالد.. اسمي خالد.
- وماذا تعمل يا أستاذ خالد.
ولأنني قررت أن أكذب مرة أخرى - لعدة أسباب - فإن أول ما خطر ببالي هو حديث خصال وعلاقة الوردة بالكذب، قلت:
- أنا مهندس كما أخبرتك بالأمس.. مهندس ديكور.
- مممم رائع.. لو كنت أعرفك قبل ذلك لسلمتك مفتاح المعرض حتى تنتقي لي ديكور المكان، لقد تعبت حتى أحصل على المستوى الذي تراه الآن، لكنه لم يأت كما كنت أريد.. ما رأيك أنت؟
عندما تنتقص النساء من قيمة ما يفعلنه، فإنهن يطلبن منك بطريقة غير مباشرة أن تحترمه، أن تخبرهن أن ذلك كان رائعاً بحق، فهن يحتجن دائماً لرفع معنوياتهن للعيش!!
ابتسمت بثقة وتقمصت شخصية خصال، قلت:
- اختيارك لوضع المرآة هنا في المدخل كان رائعاً جداً فهي تعكس اللوحات المعروضة للقادم من الخارج فتشجعه على الدخول.. كذلك الإضاءة، جاء توزيعها مناسباً، لكنك لو فكرت في الاستعانة بإضاءة عمودية مائلة بدلاً من الإنارة الأفقية لتلافيتِ خطأ الظلال المنعكسة هنا على الحائط، حتى أنها سرقت من ألوان الحائط بعضاً من جمالها الذي يبدو من الواضح أنك أنفقت عليه كثيراً جداً.. فدرجة اللون على الحائط مكرر بشكل رائع، مما يعطي انطباعاً لمن يشاهده للوهلة الأولى أنه نوع من القماش الفاخر جداً.
عندما يستشيرك الناس متوقعين أنك مهندس، فعليك أن تتصرف كمهندس، حتى لا تخيب ظنهم على الأقل!!
قالت:
- فعلاً، وهذا ما أردته.
- أما إذا تحدثنا بشكلٍ عام، فإن هذا المستوى رائع جداً.. بالمناسبة، لقد أحضرت جزءاً من الثمن.
ابتسمت:
- أين؟
- وضعته هناك على الأرض.
نظرت إلى المكان الذي أشرت إليه وقلبت نظرها بيني وبين المغلف والوردة، حاولت أن تبدو طبيعية أكثر، قالت بمكر:
- والجزء الآخر من الثمن؟!
- سيقرره رأيك في الجزء الأول.. فربما أجد نفسي ملزماً بعدة أجزاء..
ولأنها كانت رسامة لم تستطع أن تنتظر لترى ما يخبئه لها المغلف، وضعت الوردة أمام أنفها وهي تجاملني بابتسامة زائفة، ثم وضعتها على الطاولة ورفعت اللوحة وشرعت تزيل عنها الغلاف الورقي وهي ترمقني بين الفينة والأخرى.. ثم توقفت وهي تحاول أن تخفي انفعالاتها، قالت:
- أنت من رسمها؟
- نعم، أتمنى أن تكون قد أعجبتكِ.. وأن تعذري أخطائي كوني فنان مبتدئ..
وبعكس كل النساء، لم أستطع أن أقرأ شيئاً في عينيها.

*****

قد يؤلمك أحياناً ألّا تحصل على ما تريد، لكن الأكثر إيلاماً هو أن تحصل عليه حين تفقد الرغبة في امتلاكه، وبالرغم من أن التحكم في هذا الأمر صعب جداً لأنه مرهون بالقدر، لكن ترتيب أولويات حياتك بشكل جيد يمنحك القدرة على توقع المستقبل بحيث تعد له متطلباته مسبقاً لتحصل على كل شيء في الوقت الذي تريده.
أصبحت - في اليوم الثالث- مخيراَ بين الذهاب إلى معرض (تالا) أو أمسية (سمر)، فإن فكرت في الذهاب إلى المعرض فإنني غالباً ما سأفقد لقائي بـ (سمر)، وإن كانت الأخيرة لا تعني لي شيئاً مقارنة بـ (تالا) وقد أستطيع الوصول إليها مرة أخرى بأي طريقة كانت، لكن اليوم هو الأخير لمعرض (تالا)، وإن لم أذهب إلى هناك فسأفقدها.. وربما للأبد.
ورغم أن ما أفكر فيه الآن يدفعني لتفضيل (تالا) على (سمر) إلا أنني لن أستطيع الذهاب إلى معرضها لعدم امتلاكي لسبب حضور، وأنا لا أريد أن أظهر ضعيفاً أمام (تالا).. أرجو أن يكون الأمر يستحق هذه المجازفة.
بقيت أفكر طول اليوم إلا أنني غيرت رأيي في اللحظة الأخيرة، سأذهب للقاء سمر ثم أعتذر منها للذهاب إلى المعرض، أغلقت باب سيارتي متجهاً إلى المدخل وأنا أشعر بالرضا النسبي عن هذا القرار، لم أهتم لأمر الأمسية التي بدت مخملية نوعاً ما، كنت أهم بالاقتراب من المنصة لأبحث عن مكان تستطيع (سمر) أن تجدني فيه بسهولة، لكنني ما أن اقتربت من المنصة حتى أصابتني خيبة أمل كبيرة حين رأيت (سمر) تجلس بالقرب من (تالا) فانعطفت بجسمي لأجلس على آخر كرسي في الزاوية اليمنى خلفهم.
لم أتوقع أن ألتقي بهما سوية أبداً ولم أضع ذلك ضمن احتمالاتي نهائياً، لكن احتمال بقاء (تالا) لنهاية الأمسية ضئيل جداً فقد بقي أقل من ساعة ونصف على موعد افتتاح معرضها، هل باعت جميع لوحاتها بالأمس أم أنها؟؟ لا أعلم، كل ما أملكه الآن هو وقت قليل للتفكير وعنصر مفاجأة صغير فرحت أتأملهما.
بدت (تالا) قليلة الالتفات والضحك بعكس (سمر) تماماً، تركز نظرها على نقطة واحدة كأنها تحاول تخزين مشهد ثلاثي الأبعاد في مخيلتها، عندما انتصفت الأمسية توقف مرتبوها بداعي الراحة لمدة عشر دقائق، التفتت فيها (تالا) إلى سمر التي قامت لتسلم عليها فلمحتني..
هرعت إلى الباب وأنا أغالط نفسي بين رؤية (سمر) لي من عدمها، بقي على بداية معرض (تالا) نصف ساعة فقط، لابد أنها ذاهبة إلى هناك، والأكيد أن (سمر) لن ترافقها طالما أنها قامت لتوديعها.
خبأت هاتفي تحت مقعد الراكب في سيارتي ثم فتحت الأبواب على مصراعيها، وأدخلت رأسي بين المقعدين، كأنني أبحث عن شيء فقدته. رأيت انعكاس ظل (تالا) على مرآة سيارتي فأخرجت رأسي ونظرت إليها مباشرة فنظرت إلى عيني وقالت دون أن تتوقف عن السير:
- مهندس خالد.. يبدو أن لك اهتمامات أدبيّة أيضاً..
ثم تابعت حين رأت ملامح الارتباك على وجهي:
- هل أنت بخير؟!
أربكني عدم توقفها وتجاوزها لسيارتي دون الوقوف فقلت بارتباك:
- لقد سقط هاتفي هنا ولا أستطيع الوصول إليه.. هل بإمكانك الاتصال به؟
لم تتغير ملامح وجهها أبداً، أخرجت هاتفها من حقيبتها بتلقائية، قالت:
- على الرحب والسعة.. كم رقم هاتفك؟
ولعنت نفسي، لقد أعددت هذه الخطة مسبقاً لتكون طريقة طريفة أحصل بها على رقم (سمر)، لكن السحر انقلب على الساحر، ومع كل رقم كنت أقوله لها أشعر باحتقار شديد لذاتي، شعرت أنني خسرت كل الجولات حتى التي نجحت فيها مؤخراً.. وما أن سمعت صوت هاتفي حتى منحتني ظهرها متجهة إلى سيارة يقف بجانبها سائق آسيوي.. فتح لها الباب وأنا ألاحقها بنظري حتى اختفت إضاءات السيارة عند المنعطف.
خللت أصابعي داخل شعري ثم شددته بقوة، شعرت بعار شديد لا يمكن وصفه، هل فهمت تالا ما أقصده؟؟ أم أنها كانت على عجلة من أمرها؟؟ ربما كانت هذه هي طبيعتها التلقائية في التفاعل مع الأشياء؟؟ أعتقد أنها أرادت ذلك هي أيضاً.. مستحيل!! فهي لم تبدي حتى اهتماماً لوجودك يا غبي.
اكتشفت في تلك اللحظة أن اهتمام النساء بتفاصيلنا يجعلنا أقوى وأجمل في نظر أنفسنا، وأن إهمالهن وعدم مراقبتهن لنا يجعلنا محبطين ويشعرنا بالفشل كما حدث معي الآن، ربما بسبب ذلك جُعلت زينة الحياة الدنيا بالنسبة للرجال (امرأه)!!
لم يكن لي بد من العودة إلى الداخل مرة أخرى، أردت نسيان ما حدث قبل قليل حتى وإن كان بالجلوس مرة أخرى على ذات الكرسي الذي كنت أراقبها منه وأنا أرى مكانها فارغاً وكأني بمقعدها يسخر مني ضاحكاً فأهملته حتى لا أضع عقلي بعقل الجمادات وادعيّت الانشغال بما يقوله ذلك الشاعر الذي لا يكف عن المفاخرة بنفسه وقبيلته!!
بعد وقت لا أدركه كانت (سمر) تقف أمامي، قالت:
- أستاذ (قصي).. هل أتيت وحدك؟
- ماذا؟؟ نعم.. نعم.. قال (باسل) أنه لا يستطيع الحضور وقد طلب مني الاعتذار لك نيابة عنه.
- لا بأس.. بالمناسبة، حين كنت أودع صديقتي رأيتك تجلس على هذا الكرسي، وحين التفت إليك مرة أخرى لم أجدك.. أين ذهبت؟
- كان لدي اتصال مهم..
- ما رأيك في هذه الأمسية..
توقفت لأمشي بجانبها متجهين إلى الخارج، قلت:
- أحب الشعر لاعتقادي بأن أساسه مبني على تواصل لا حسي بين فرد من البشر وجماعة من الجن يخبرونه بمشاهداتهم في أنحاء الأرض أو بعض أخبار استراقهم للسمع أ..
ضحكت وهي تحرك يدها حول رأسها:
- أشعر بذلك فعلاً عندما أجلس معك، كأنك تستقي أفكارك حول الأشياء من الجن.
غطت وجهها بيدها وتابعت الضحك، كنا قد أصبحنا خارج المبنى، فقلت بابتسامة:
- ربما كان ذلك صحيحاً.. ثم استدركت.. أسرعي قبل أن تتأخري على السائق.. لا بد أنه ينتظرك منذ وقت طويل..
قالت بخجل:
- لا.. في الواقع لقد قرأت الإعلان بشكل خاطئ، أخبرته أن يأتي في العاشرة بدلاً من الثامنة.. ثم اتصلت بأختي لتطلب منه الحضور فأخبرتني أنه خرج مع والدتي ولن يعود قبل التاسعة والنصف..
- هل تودين أن..
زاد خجلها أكثر ليصبح واضحاً، قالت مقاطعة:
- لا لا.. صدقني شكراً.. سأنتظرهم لن يتأخروا كثيراً..
حاولت أن أقلل من حدة توترها:
- لا بأس.. سننتظرهم هنا في حديقة المبنى ريثما يأتون، لا تقلقي.. لا عمل لدي.
لم تجبني، اتجهت نحو أحد المقاعد فتبعتها وجلسنا، قالت:
- كنت قد أحضرت معي بعض الكتب لك.. أريد منك قراءتها.. لقد تركتها في السيارة.
- رائع.. يسعدني ذلك جداً.. بالرغم من أنني أرى أن الكتب بدأت في الزوال بعد ظهور طائفة كتّاب الإنترنت.
قالت بسعادة:
- وهل تقرأ لهم؟
- أحياناً.. عندما أصادف أشياء جميلة فإنني أقرأها ثم أقوم بتخزينها في جهازي.
- أنا أحب أن أقرأ لهم كثيراً.. لأنهم يلهمونني بأفكار لم أكن أتوقعها، كنت أتوقع في البداية أنهم مجرد مراهقين، لكنني وبعد أن أجريت بعض الدراسات النفسية التي شارك فيها عدد منهم تأكدت أنهم لو حصلوا على فرصة لنشر ما يكتبون فإنهم سوف يتفوقون على كثير من مشاهير اليوم.
قلت بعدم اهتمام:
- ربما..
تابعت بكل حماس:
- ما رأيك أن تدخل إلى هذا الموقع.. به كتاب رائعون يملكون فكراً متفرداً ورائعاً، أنا متأكدة من أنه سيلقى جزءاً كبيراً من اهتمامك.
أخرجت مفكرة صغيرة، واتكأت على حقيبتها ثم دونت عليها أرقاماً وحروفاً لتناولني الورقة بعدها، قالت:
- سأكون سعيدة جداً بانضمامك.. لقد كتبت لك معرفي المستعار الذي أدخل به عادة، قم بإرسال رسالة لي حالما تدخل.
- سأفعل.. هل تكتبين هناك أيضاً؟
اعتدلت في جلستها ونظرت أمامها مباشرة قالت:
- نعم.. أحياناً.. كنت أدخل في البداية لأقوم بعمل استفتاء لفئة معينة أعد من خلالها دراسة اجتماعية حول شيء ما بحكم عملي، ثم شيئاً فشيئاً وجدتني أنشد نحو كتاباتهم وأشعارهم التي أشعر أنها صادقة لا زيف فيها.
لم أجبها.. فتابعت
- أتمنى أن أبدع في مجالي لتكون مشرفة ككتاباتهم ، هل تتوقع أن ذلك ممكن؟
قلت بابتسامة:
- لا..
- لماذا؟
- لأن إبداع الإنسان مرهون بحاجته إلى هذا الإبداع..
- ماذا تقصد؟؟
- عندما اخترع الإنسان الورق مثلاً، فإنه اخترعه وفقاً لحاجته الوليدة لهذا الشيء، أراد أن يصنع شيئاً يدون عليه العلم الذي يكتسبه مع مرور الوقت.. فنحت على الصخور، وكتب على الأخشاب والألواح تدويناته ورسوماته.. ثم بعد مدة استطاع التوصل لصناعة الورق.. عندما أصبحت حاجته ملحة إليه.
نظرت إلى الأرض تفكر فيما أقوله، فتابعت:
- ثم صنع الأطباق، القداحات، الطائرات والأقلام وفقاً لحاجته الوقتية أو الزمنية، الدليل على ذلك أنه لم يصنع القصور في العصر الحجري رغم قدرته الجسمية على ذلك، ولم يقم باختراع الكهرباء بعد ذلك بالرغم من أنه في العصر الفرعوني مثلاً كان يمتلك مؤهلات أكبر وعلماً أفضل يمكنه من ذلك.. لكنه في كل مكان وزمان لم يصنع سوى حدود حاجته..
اكتفت بالابتسام فقط فتابعت:
- ذلك يعني أن حدود حاجتك هي حدود إبداعك، فإذا استطعتِ أن ترفعي سقف احتياجاتك فستصنعين كل شيء.. لأن الإنسان يستمد إبداعه من حاجته..
تفرع بنا الحديث لكنه لم يخرج أبداً عن نطاق علم الأدب والفلسفة والاجتماع، كانت أنثى مثقفة ومتواضعة، تستطيع أن تعرض أفكارها بطريقة مرتبة وتجيد التنقل بين الأحاديث بشكل يبعث الراحة في نفس المتلقي كحديث (باسل)، تركت لها دفة الحديث حتى لمحنا ضوء سيارة قادمة من بعيد.
قامت من مكانها وتبعتها في الوقوف، قالت:
- لقد وصل السائق..
تحركت باتجاه السيارة التي توقفت بقربنا ثم أدخلت حقيبتها الصغيرة وأخرجت بعض الكتب فاقتربت منها.. قالت:
- هذه مؤلفاتي المتواضعة.. وهذه مسودّة كتابي القادم أضعها بين يديك.. لم يقرأها أحد حتى الآن.. أتمنى أن يكون خطي واضحاً بالنسبة لك..
أخذت منها الكتب فعادت إلى الخلف وحشرت جسمها داخل السيارة فأمسكت باب السيارة قبل أن تغلقه فنظرت أليّ تنتظر مني أن أبرر تصرفي، قلت:
- أقدّر هذا.. رفعت الكتب إلى الأعلى لتفهم قصدي.
أحمر وجهها خجلاً وأعادت نظرها إلى موضع قدمي، فتابعت:
- شكراً.. مع السلامه.
لم أنتظر منها إجابة أعلم أنها لا تملكها أو لا تملك القدرة على قولها.. لم أكن أعلم أن الحياء يمنح الأنثى جمالاً فوق جمالها، يمنحها الطهر والبراءة وجمال الروح الاستثنائي.. وما أن استقر جسدي على السرير حتى أمسكت بجهازي المحمول وأخرجت الورقة التي وضعتها في جيبي لأدخل إلى الموقع الذي كتب عليها..
كتاباتها كانت تتمحور حول الشعور الإنساني في لحظات الخوف، الإنسانية، الفرح والجنون.. تجعل منها لحظات استثنائية لتكشف فيها عن مشاعر مختلفة.. تخبئ القوة تحت ركام الخوف، العجز وراء كثير من الابتسامات والحب خلف أطنان من الذكريات.. بعد لحظات وصلني تنبيه من البريد الالكتروني، كان طلب إضافة من (زهرة السماء) فقبلتها مباشرة..
قالت:
- مساء الخير..
- أهلاً.. مساء النور..
- لم أتوقع أن تدخل إلى هنا بهذه السرعة..
- كيف استطعتِ الحصول على عنوان بريدي الالكتروني؟
- لقد تركته ظاهراً لجميع الأعضاء..
- لم أكن أعلم ذلك.. عموما ليست هناك مشكلة لا أحد يعرفني هنا سواكِ..
- أنصحك بجعله مخفياً.. هذه المنتديات مليئة بنساء مجروحات متعطشات إلى رائحة رجل.. ههههههه..
انتقل بنا الحديث نحو كثير من مسارات الحياة المختلفة ولم أنتبه للوقت إلا حين رن هاتفي الجوال فرددت مباشرة دون أن أعرف المتصل:
- أهلاً..!!
سمعت صوت تنهيدة خفيفة تبعها صوت (تالا)، قالت:
- آسفة.. مهندس خالد أنا تالا..


يتبع..

قرة عين امي 26-10-13 01:25 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم اعد استطيع فهم القصي هذا مالذي يشدوا اليه من ملاحقة كل امراءة تقف في طريقة او يمر عليها في منعظفات حياته على الرغم من انه لا يؤمن بالحب
اشعر بالشفقة اتجاه كل النساء التي التقين بقصي واستطع ان يلف حولهن شباكه فخصال اصبحت من الغرقى بملء ارادتها وسمر وتالا يبدوا انهن سيصلن الى نفس ماوصلت اليه خصال
في اعتقادي ان قصي يجعل النساء تشعر بحبه لهم ليقعن في حبه ثم ينسحب من حياتهم لينتقم لنفسه من اول انثى احبها وانسحبت من حياته لتجعله رجل محطم يبحث عن انتقامه من جميع بنات حواء حتى وان لم يكن لهن ذنب يذكر في حقه

Ahmad Rufai 01-11-13 08:42 PM

رد: رواية 13
 
-8-

سمعت صوت تنهيدة خفيفة تبعها صوت (تالا)، قالت:
- آسفة.. مهندس خالد أنا تالا..
تحركت لأعتدل في جلستي على السرير، كانت هي آخر من أتوقع اتصاله الآن، قلت:
- أهلاً أستاذه تالا.. كيف حالك؟؟
- بخير.. أنا آسفة..
صمتت للحظات ثم تابعت:
- لقد اتصلت بآخر رقم ظناً مني أن والدتي هي آخر من قمت بالاتصال به.. نسيت أنني التقيت بك قبل عودتي إلى المعرض.. أنا آسفة.
- لا بأس..
كنت أود أن أقول لها سعيد الحظ أنا حين قدّر لي أن أسمع صوتكِ هذا المساء، لكنني لم أجرؤ على قول حرف من ذلك، قالت:
- سأسجل اسمك على هذا الرقم، حتى لا أخطأ مرة أخرى.. أنا آسفة.
- لا بأس.. سأفعل ذلك أيضاً.
- مع السلامة.
لا بأس.. لا بأس.. أهذا كل ما استطعت قوله أيها الغبي؟؟.. دفعني اتصالها إلى التفكير مرة أخرى في ما حدث حين التقيتها هذا المساء.. لكنني لم أستطع الوصول إلى أي شيء يذكر سوى أنها قد لا تستطيع التعبير عن مشاعرها، ربما كانت تعاني من مرض عقلي أو شيء من ذلك!!
ثم لماذا أحاول التفكير فيها في الوقت الذي نسيت فيه أنها التقت بي أصلاً.. حتى أنها نسيت اسمي قبل ذلك!!
انتشلني صوت جهازي عندما راحت (سمر) ترسل لي تنبيهات بشكل متتابع ظناً منها أنني أصبحت خارج الشبكة، فأخبرتها أنني كنت أجيب على الهاتف ثم استأذنت منها بعد دقائق لأذهب إلى النوم.
لم أستطع أن أزيل (تالا) من مخيلتي طوال النهار، كانت التساؤلات تلعب بي كقشة يلعب بها الموج في عرض البحر، فلا هي قادرة على إنقاذ نفسها ولا الغرق في أحشائه، كل ما تملكه هو المقاومة من أجل البقاء ومثلها كنت أفعل، عندما عدت في المساء كان (باسل) يخرج حقيبته الصغيرة من الخزانة فعلمت أنه يريد السفر، لكن ما أثار حيرتي أنه لم يخبرني مسبقاً كعادته.
ابتسمت في وجهه لكنه بدا متوتراً على غير عادته، قال:
- لقد توفي ابن عمي هذا الصباح في حادث سير.. أ..
قاطعته دون تفكير:
- سأرافقك..
نظر إلى وجهي باستغراب فاحتضنته وهمست في أذنه:
- أمهلني دقيقة فقط.
اعتاد (باسل) أن يسافر لزيارة أهله في مدينتنا في بعض إجازات نهاية الأسبوع على فترات متقاربة كل ثلاثة أسابيع أو شهر تقريباً، لكن عندما يصاب أحد أفراد أهله أو أقاربه بمرض فإنه يعتذر من عمله ويسافر على الفور حتى وإن كان قد عاد لتوه من هناك.
كان لا يمل من دعوتي للسفر معه في كل مرة يقرر فيها ذلك لكنني كنت أتظاهر دوماً بالانشغال بأعمالي و وظيفتي هنا، وبالرغم من أنه لم يقم بدعوتي هذه المرة إلا أنني لم أستطع التنصل من شعوري بأنه لا فائدة من وجودي في حياته إن لم أكن معه في موقف كهذا.
عندما مررت بالقرب من المرآة قالت لي عيني: هل أنت جاد في أمر العودة إلى هناك؟؟ كانت ستقنعني في نهاية الأمر إن استمعت لها لكن عقلي قاطعها هذه المرة قائلاً (الرجولة مواقف.. فاختر لنفسك موقفاً بحجمك)
انطلقنا في الخامسة مساء بعد ساعتين من سماع (باسل) للخبر، وفي الطريق كان كل منا يحلّق في عالم سماوي الذكريات، شدّ على يدي وراح يخبرني بذكرياته مع ابن عمه ورفيق درب طفولته وهو يجاهد دموعاً تحاول التظاهر أمام عينيه لتمنحها لمعة ووقار رجل عجوز، وكأني بوجهه يحاول أن يقول..نحن نشيخ عندما نتألم!!
عندما وصلنا إلى مدينتنا كان الإجهاد البدني واضحاً على وجهه فطلبت منه أن يذهب كل منا ليرتاح في منزله على أن نلتقي في منزل عمّه بالمساء.
طوال الطريق وأنا أشعر أنني أحلم، لم أفكر في أي شيء سأفعله عند عودتي سوى مواساة صديقي لكنني ما أن وضعت رجلي على عتبة دارنا حتى سرت في جسدي قشعريرة توقف لها شعر جسمي ليصبح كأشواك مغروزة في روحي.
جاء صوت أبي مرحباً من الداخل واحتضنني أخي الذي يكبرني بربع قرن تقريباً وهو يقول:
- أهلاً قصي.. سعدت جداً برؤيتك.
- وأنا أيضاً.. كيف حال زوجتك وأبنائك؟
- إنهم بخير..
ثم تابع ضاحكاً:
- يشتكون جفوتك فقط.
ابتسمت في وجهه فسحبني من يدي إلى الداخل، لأجد كل شيء كما كان قبل رحيلي، حتى والدي الذي كان يجلس في صدر المجلس معتمراً غبانته، انحنيت لتقبيل رأسه ويده التي لا تزال تجاهد للإمساك بالمسبحة.. لم يبدو عليه أنه يحاول مقاومة تقدمه في السن، بدا سعيداً ومتماسكاً رغم اهتزاز يده كأنه يقول لي لا بأس في أن يرتعش جسمك بعد كل هذا العمر، المهم أن تُعدّ لهذه الرعشة يداً حنونة تمسك بيدك كلما احتجت إليها.
بعد دقائق كان يتحلق حول والدي العجوز سبعة رجال أنا ثامنهم، وأطفال صغار يجلس بعضهم في حجر أبي وإخوتي بينما يلعب البعض الآخر من حولنا إلا ابن أخي (أسامه)، كان يجلس بجانب والده بينما يجلس أخوه الكبير في حجر والده، فقال أخي الأكبر يحدث والد (أسامه):
- لقد كبر ابنك.. لا تعوده على الدلال في هذا العمر.. ثم إن (أسامة) أولى بهذا الدلع من أخيه كونه الأصغر.
هم أخي الآخر بالتحدث لكن والدي قاطعه مبتسماً:
- دعوه كما يحب.. إن (أسامه) يشبه إبني (قصي)، كان يحب أن يظهر نفسه رجلاً مستقلاً منذ صغره.
علت على وجهي ابتسامة خجلى حين رمقني الجميع، فقال أخي الكبير:
- وهو رجل دون أدنى شك..
بالرغم من أنني أعلم أنه قالها ليشجعني كعادته، إلا أنني كلما استمعت لمديحه - هو بالذات - باغتني شعور ذلك الطفل الصغير الذي يحتاج إلى المؤازرة والتشجيع دائماً ليتصرف بشكل جيد.
راح أبي يسرد علينا بعدها القصص المضحكة عن شقاوتنا وتصرفاتنا في الصغر ويذكرنا بأحداث نسيناها وأشخاص كانوا يسكنون بقربنا أخذهم الموت أو ألهتهم الحياة، فأرهف الجميع سمعهم له حتى أطفالهم الذين تحلقوا في حلقة أصغر حول أبي مشكلين لوحة رائعة لكهل عجوز يحيط به ثمانية رجال بأطفالهم.
حين رأيت السعادة في وجه الجميع لم أخبرهم بسبب زيارتي، أحببت أن يشعروا ولو كذباً أنني هنا من أجلهم، أن تبقى ابتسامتهم على وجوههم طوال المساء وهم يتذكرون ثامنهم معتقدين أن الشوق هو من جاء به.
استأذنت منهم بعد صلاة العشاء متعذراً برغبتي في أخذ جولة في المدينة، كنت أمنع نفسي من النظر إلى أي شيء في الطريق كما منعت نفسي تماماً من التفكير، حاولت أن أفكر فقط في (باسل) الذي بدا عليه التأثر جداً عندما كان يجلس بقربي ذاك المساء.
وفي مجلس عمه كان الناس يتوافدون جماعات وأفراداً ثم يختفون بعد ذلك ليأتي غيرهم، كان مشهداً اعتيادياً في كل شيء، يتكرر دوماً بشكل رتيب ولا يشعر به في كل مرة سوى المعنيين به من أهل الميت، وحين بدأ الناس في الاختفاء توقف باسل متجهاً نحو سيارته فتبعته وركبت بجانبه دون أن أسأله عن وجهتنا، فكل الطرق مهما بعدت تؤدي إلى نفس المكان تقريباً!!
ظل صامتاً طوال قيادته وهو يتجه إلى أطراف المدينة الشمالية، اختار طريقاً ترابياً ثم توقف بسيارته على شفير أحد الأودية، ونزل من سيارته مقترباً من الوادي أكثر حتى ظننت أنه سيلقي بنفسه من الأعلى لولا يقيني بقوة إيمانه.
قال بعد فترة صمت:
- هل تستطيع رؤية ظهرك يا قصي؟
كان ينظر إلى الوادي بينما كنت أقف بالقرب من السيارة فكان من المستحيل أن ينظر إلى وجهي كما كان من الصعب أن أجيبه دون أن أفهم ما يقصده، فاكتفيت بالاقتراب منه والوقوف بجانبه فقط.
تابعاً قائلاً:
- هل عدم رؤيتك لظهرك تعني عدم وجوده؟
أمسكت بيده دون أن أتحدث فتابع:
- ظهورنا هي أهم جزء في أجسامنا، تثبت للناس مدى قوتنا وشموخنا، تساعدنا على الوقوف والجلوس.. نعتمد عليها في كل حركة نقوم بها..
بالرغم من هذا إلا أننا نهملها في كثير من الأحيان لأننا على ثقة أننا سنجدها حين نحتاج إليها، متجاهلين أن وجودها أو بقائها مرهون بالحفاظ عليها..
شد على يدي بقوة وطفرت دمعة من عينيه تبعتها دمعة ودموع ثم شلال ينهمر، قال:
- لقد أصيب ظهري اليوم يا (قصي).. أشعر بكثير من الألم.. لقد كان هو ظهري الذي يقف بجانبي دائماً ليمدني بالقوة والمساندة.. لم يعد بإمكانه الوقوف بجانبي بعد اليوم.. أصبحت مكشوف الظهر يا (قصي).
لم أستطيع أن أميّز بقية كلامه من بين بكائه فاحتضنته حتى هدأ قليلاً وعاد إلى سيارته فتبعته وأنا أفكر في عائلتي وأخي الذي أسرّ لمديحه جداً وعلمت أنه يجب عليّ أن أكون بجانبهم دائماً حتى لا أفقدهم وقت حاجتي إليهم.
ساعدني الالتقاء بأشخاص كثر على تشتيت أفكاري بشكل كبير، ونجحت محاولتي في عدم التفكير لكنني ما أن عدت إلى بيتنا في المساء، حتى شعرت برغبة شديدة بالبكاء فدخلت غرفتي وأغلقت بابها ثم أغمضت عيني ودفنت وجهي في السرير حتى لا أراها لكنها أصرت على الظهور كأنها تقول لي (هذا المكان لي، أنسيت أنك أدخلتني إليه خلسة في غفلة من أهلك وقلت لي أنني سأملكه ذات يوم؟؟ لقد امتلكته في غيابك.. لا تشعر بالحزن، لم أجبرك على المجيء.. أنت من اختار ذلك وعليك أن تتحمل تبعاته يا حبيبي) فرحت أتقلب في ثنايا ذاكرتي مرغماً..
أذكر أنني في كل مرة كنت أجالسها أكتشف زاوية جديدة لها وبعداً آخر لملامحها كأنني أشاهدها للمرة الأولى، هنا يتلخص الجنون الذي اقترن بالحب منذ نشأته، لأن حبنا للفناء جنون، منذ أن رحلت وأنا أبحث عنها في الابتسامات التي أشاهدها كل يوم، أبحث عن التفاتتها، جنونها، غنجها وأسلوبها الشقي.
لطالما كنت أعتقد أنني سأجد أخرى تتجسد في صورتها، فالنساء يتشابهن دائماً.. لكنها كانت حدثاً كونياً شاذاً لا يتكرر إلا مرة واحدة كل ألف سنة، أو ربما كانت الطبيعة التي صقلتها مختلفة.. فأصبت أنا بالجنون.
بالرغم من رحيلها إلا أن حبها لا زال يؤكد نفسه بعد كل تجربة، لا شيء يشبهها ولا أنثى هناك تستطيع أن توصلني إلى ذلك الشعور الذي كنت أشعر به وأنا معها.
ربما كانت هي الخيال الذي يلهم الشعراء دون أن يظهر لهم، أو ربما كانت المتعة المحرمة التي لا يستطيع العقل الاعتراف بشرعيتها لأنها لا تخضع لحساباته، أو لنقل أنه لم يستطع أن يضعها تحت أي مسمى، فأصبحت متفرّدة!!
سمعت طرقاً خفيفاً على باب غرفتي لكنني لم أجب، عاد الصوت ليفتح الباب ويدلف إلى الغرفة ثم سمعت صوت خطواته يقترب مني ويلعب بشعري فرفعت رأسي لأراها تقف أمامي.. وكأنني تركتها بالأمس..
ابتسمت حين رأت علامات الدهشة على وجهي وجلست على الكرسي المقابل بالمقلوب كما كانت تفعل دائماً وبدأت تحدثني وأنا أنظر إليها فقط.. الغريب أنني لم أكن أملك القدرة على النظر إليها بشكل سليم، فكلما نظرت إليها برز ذلك العضو الذي أنظر إليه ليغطي جدار الغرفة بأكمله، فرأيت عينيها، أنفها وندبتها التي على رقبتها كل شيء على حده.. تخيل أن ترى امرأة تملك ابتسامة بحجم جدار غرفتك!!
كما تملك القدرة على الاختفاء في ثوان أيضاً..
فتحت عيني لأجد أنني كنت أحلم، لكنني لا أعلم إن كنت قد رأيت ذلك وأنا في مرحلة النوم أو مرحلة الإدراك.. لا يشكل ذلك فرقاً إلا أنه في الثانية يجبرني على التسليم بأنني أصبت بالجنون فخرجت من الغرفة قبل أن يتآمر كل شيء فيها على جعلي أجن.
بقيت جالساً في صالة المنزل فسمعت رنين هاتفي في الغرفة، كنت أعلم أنها خصال لكن عقلي الباطن قال لي ولم لا تكون (تالا)؟ حالما أخبرني بذلك قمت مسرعاً للرد على هاتفي.. لكنها لم تكن سوى خصال.
ولأن الحب عبارة عن رسائل نستقبلها عن طريق قلوبنا وأجسامنا كان على (خصال) أن تدرك أن ساعي البريد لا يحمل الرسائل السعيدة - فقط - وإن تمسكنا بها، وأن المرسل قد يتوقف عن الإرسال إن لم يجد رداً مقنعاً لجميع تساؤلاته، أو حصل على إجابة واحدة تكفيه للأبد.
لا بد أن (خصال) أدركت من تلقاء نفسها - بعد أن بذلت مجهوداً خرافياً للحفاظ على علاقتنا - أن عليها أن تتوقف.. أن تكتفي بما حصلت عليه وترحل..
كان عليها أن تدرك أن الحب عندما يتحول من حلم جميل إلى واقع تمارسه فلا بد أن تدفع ضريبة هذا الانتقال والتحول من الخيال إلى المادة، وطبقاً لقوانين الحياة فإن هذه الضريبة تلزمنا أن نعترف بكل أحلامنا الفاشلة ونوقع إقراراً بعدم مقاضاة الحب أمام محكمته وإخلاء مسئوليته من تصرفاتنا التي ننسبها له ولا تمت إليه بصلة، ثم سيقوم هو بتوزيع هذه الضريبة - بالعدل - بين آلامنا وانتكاساتنا وخيباتنا المتكررة..
مالم فإن عقوبة التهرب من دفع ضريبة الحب هو الحرمان من ممارسته مرة أخرى للأبد، فنصبح معاقبين بتجربة واحدة فاشلة لا نستطيع الخروج من بوتقتها، يفقدنا القدرة على امتلاكها أو نسيانها حتى نقوم بتسديد ضريبتها كاملة.
وما لم تكن تعلمه (خصال) للأسف هو أن معدل ضريبة الحب لا ترتبط بقيمته..!!
فمهما بدا كبيراً بحجم الكون أو صغيراً كعصفور يغرد أمام شرفتك، فإن قيمة الضريبة تساوي نسبة متساوية.. لأن الحب لا يجيد التفريق في ضريبته بين الكبير والصغير.. كل ما يعلمه هو أن عليك أن تدفع ليسمح لك بمواصلة العيش.
وهكذا بدأت (خصال) مجبرة على تسديد الضريبة، إلا أنها كانت تتصل بي من وقت لآخر حين يستبد بها الشوق ويثقلها الألم فتهرع إلى جرعة من صوتي تسكن آلامها وتساعدها على أن تشفي جراحها.. وغرورها!!
ولأن الحب التزام.. فقد قمت بوظيفتي المرحلية على أكمل وجه، أجيب على اتصالاتها القليلة بلهفة واهتمام واضحين جداً، وأسألها عن سبب اختفائها الدائم بلهفة وأنا أعلم أن لا سبب هناك إلا أنا!!
فعلت ذلك لأترك قلبها نظيفاً كما كان حين عرفتها، وأضفت إليه تجربة تزيد من خبرتها وتجعلها أقدر على اتخاذ القرار في المرات المقبلة.
كانت ابتساماتي الهادئة تقول لها لا تقلقي يا (خصال)، لقد جربتُ الأمر مرتين على الأقل، غادرتني الأولى قبل أن أتذوق حنانها وسلمتني الثانية إلى رصيف النسيان.. ولقد جاء وجودي في حياتك تحريكاً لعجلة القدر يا حبيبتي.. فقد قالوا قديماً أن من طبع الدنيا أن تدور بنا لكنهم لم يخبرونا أن التعساء في الأرض من أمثالي وأمثالك هم عجلاتها التي لا تتوقف.
لا تبكي يا (خصال) فإن البكاء يقلل من قيمة الموقف ويجعله حزينا كئيباً فيسلبه قسوته، برودته وحرمانه، أنا يا سيدتي رجل يحب أن يعطي المشاعر حقها كما أنني لا أحتمل بكاء النساء!!
لقد أخذتِ درساً قصيراً عن الحياة، سعادة تعقبها شقاء وحلم يعقبه واقع وتراجيديا لا نهاية لها.. الآن صار بإمكانك وضع قوانينك ورؤيتك وفلسفتك عن الحب، وسيشتريها الجميع بأعلى الأسعار.. لأنها حتماً ستنبع من أحاسيس صادقه.
الحياة لا تنتهي يا (خصال).. ما ينتهي حقاً هو إحساسنا بها، فلا تتوقفي عن التجارب يا حبيبتي وكوني على ثقة أنه عندما يحين الوقت.. ستحصلين على كل شيء.. لست مضطرة للسفر بحثاً عن الحب في تلك العوالم والمجرات البعيدة، هو من سيأتيك راضخاً في النهاية.. فقط تذكري دائماً ألا تقدمي له التنازلات!!
لا تقلقي يا خصال فلن تكوني بحاجة للبحث عن شخص آخر، هم من سيسارعون لطلب قربك وفرحك، وحتماً ستختارين أحدهم لتمارسين معه الحب، تستيقظين من فراشك لتجديه بجانبك تبتسم ملامحه بالرغم من نومه، إن عزاء المعذبين يا خصال أنهم يملكون المعجزات النادرة في هذا الكون لأنهم جزء منها ولأنها تتكون من أحلامهم و بقايا ابتساماتهم.
وداعاً يا خصال..
سأشتاق لضحكتك الرنانة..
لشموع تنير في الظلام..
لجسد لاصق روحي بجنون..
لطفلة في ثياب امرأة..
لأنثى تخبئ وراء جدتيها مرحاً لا ينتهي..
ولتعلمي عندما أقول أنني سأشتاق يا (خصال) فأنا أعني كل حرف أنطق به.. كل ما في الأمر أنني لن أخبرك بذلك حتى لا تحاولي التعلق بطرف الأمل.. فقد نسيت أن أخبرك أنني رجل لا يحب كل ما يشتاق إليه!!

يتبع

قرة عين امي 02-11-13 12:28 AM

رد: رواية 13
 
المني جداً تشبيه باسل لولد عمه بالظهر لكنه تشبيه بليغ وواقعي
اخيرا توصلت لشيء مهم وهو ان قصي يعاني من مرض نفسي ويجب عليه ان يراجع باقرب وقت طبيب نفسي حتى يشفى من مرضه قبل ان يدمر نفسه

براعم 03-11-13 04:19 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم

يعطيك العافيه اخوي >>> حمد لله على السلامه


في كل مره تبهرنا بالاسلوب الراقي لتثبت انها تستحق المتابعه


تالا مازالت تشكل تحدي لقصي هو للان لم يتمكن من الوصل اليها ولا حتى معرفة كيفية الوصول اليها

الجدار الذي يلفها محكم نوعا ما >>>> ربما عانت من تجارب فاشله جعلتها تدرك وتعي الخطط التي يمارسها قصي

لهذا كانت فاشله خططه الى الان او ربما هو القدر من احبط مخططاته لانه لم يدرك انها ستكون موجوده في الندوره مع سمر

المحير بقصي انه ليس شخص سطحي ابدا وانه يراعي ان يكون على درايه باهتمامات الاخرين

ويحترم اهتماماتهم وعقولهم

من هي التي تحتل قلبه >؟؟؟ واين رحلت ؟؟ ماتت او تزوجت وغادرت ؟؟؟؟

ربما لو كانت ماتت ماحاول نسيانها وابقى على الذكريات تحتل ذاكرته ولم يغادر ويغترب بعيدا عن ذكرى االمته وجعلت منه انسان لا يثق باي امراه كانت

حبه الاول كانت ولانه لايمتلك الخبره في النساء كانت هي كل النساء بالنسبه اليه

يريد ان يتنقم ام ماذا ؟؟؟ حيرتنا ياقصي


موقف باسل من وفاة ابن عمه والتشبيهات بجد مؤثرة وكذلك لمة قصي واخوانه حول والدهم وصف دقيق للمشاعر

احترمت قصي لاهتمامه بالموقف حتى وان كان ظاهريا لايريد ان يفسد الجو العائلي واللوحه الجميله

الاسلوب جدا مميز وثقافه عاليه ماشاء الله

الله يحفظك يارب شكرا

بالانتظار ان شاء الله

radiant star 05-11-13 04:29 PM

رد: رواية 13
 
ماشاء الله أسلوب رائع أ.أحمد استمتعت كثير بقراءة الرواية

قصي الله يهديه بيكرّهني باسمه , ايش المزاجية هذي , تحب الحب الأول ومن تجربتك مع خصال ما ملى عينك إلا هو خلآص ابعد عن الحريم ! بس هو يفش نفسيته من فراق حبيبته الأولى بالعلاقات كل ما صادف وحدة بطريقه لازم يشبّكهآ , وأعتقد ما بيتوب إلا بعد ما يكمل عدد علاقاته بالحريم 13 علاقة وأعتقد أن هذا هو سر اسم الرواية D=

خصال صدمتني شخصيتها بقوة ما توقعتها خفيفة كذا وبسرعة تستسلم لقصي ! و صراحة دور الحبيبة المهتمة ما يليق فيها آنا مليت منها كيف هو المزاجي ؟

تالا إن شاء الله تستمر بهالقوة , خوفي يكون اتصالها بقصي متعمد بس هي تستهبل , و مادام خصال العاقلة انهبلت مع قصي ما استبعد يصدر الشي نفسه منها

سمر أعيذك بالله من شر هذا السوسة المتخبط , برائتها و طيبة قلبها لا تبشر بخير بوجود قصي

باسل صديق رائع أحببت شخصيته و متفائلة كثير إنه رح يترك أثر كبير بحياة قصي

شكرا لك مرة أخرى و بانتظار الجزء القادم

Ahmad Rufai 08-11-13 03:49 PM

رد: رواية 13
 
مساكم خير :)

قرة عين أمي

براعم

والمتابعة الجديدة radiant star

لا تعلمون مقدار فرحتي بوجودكم وتفاعلكم مع قصي وباقي شخصيات الروايه ..

هذا الشي يبث فيني الفرح ويخليني أواصل الكتابة بحماس..

يمكن ما أرد على كل تعليقاتكم وردودكم لأنها تتحدث بصدق وتأثر أكثر من الرواية

لكنها وبكل تأكيد وسام أعلقه على صدري وأفتخر فيه

فشكراً لكم جميعاً من أعماق القلب.. حتى المتابعين الصامتين :)

وبإذن الله وقت تنزيل الجزء مثل ما هو.. كل يوم جمعه الساعه التاسعه والنصف مساءاً :)

دمتم بخير

Ahmad Rufai 08-11-13 08:04 PM

رد: رواية 13
 
-9-

ورجعت أنا و (باسل) من حيث أتينا، كان يملك سبباً وجيهاً لعدم السفر عدة أسابيع أخرى بل ربما لشهور.. حتى يتسنى له نسيان موت رفيق دربه..
قال لي في طريق عودتنا:
- تافه هو الإنسان حين يحاول التخلّص من ذكرياته الجميلة فقط لأنها انتهت!!
لم أجب فتابع:
- أعتقد أنك لم تفعل.. أليس كذلك يا قصي؟؟
نظر إلى عيني بابتسامة فرددت له الابتسامة وأنا أضغط على يده دون أن أتحدث.
ولأن الحياة لا تمنحنا وقتاً لنعيد ترتيب أوراقنا وترغمنا على الركض خلفها، كان علينا أن نقوم بأداء أعمالنا الجديدة تزامناً مع الأعمال التي أخرناها بسفرنا،
ولأنني لا أهاب أحداً ولا تستطيع الحياة إخافتي فقد جلست على الأريكة واضعاً قدمي على الطاولة أقلب نظري بين شاشة التلفاز وشاشة (اللاب توب)، أدخن سيجارة مستمتعاً باللامسئولية.. حين تستطيع التملص يوماً من مسؤولياتك أمام ضميرك ستشعر أن الأريكة رمل وأن التلفاز بحر وأنك في رحلة استجمام رائعة.. ستصبح أتفه الأشياء حينها ذات قيمة عالية، قال لي قلبي: خلقنا لنكون سعداء، لا لنحاول اللحاق بركب الحياة الذي لا يتوقف.
لم يعهد عني ذلك قبل الآن، لكنني متعب جداً وبحاجة إلى راحة من السفر والموت والحنين والعمل، وها أنا أرتاح الآن.
سمعت تنبيهاً يصدر من (اللاب توب) تبعه وجه مبتسم من (سمر) التي كنت قد نسيتها تماماً، كانت فرصة مناسبة للحديث مع شخص يشغلني عن التفكير في ما أهرب منه، فعندما يجتمع كاذب وكاتبة يصبح للحديث متعة تجمع ما بين خيال الأساطير وعذوبة اللغة مكونة منهما هرطقات فكرية جذابة.
ولأنها تملك الكثير من المصطلحات في قاموسها، رحت أنظر إلى حروف كلماتها وأعيد تعريفها بطريقة أخرى كما اعتدت أن أفعل دائماً، اكتشفت أنها تصبح أكثر جرأة عندما تكتب، أعتقد أن أغلب الكتّاب - ذكوراً وإناثاً - يستطيعون التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل عندما يكتبون، لكنهم ما أن يصبحوا في مواجهة مباشرة مع الحياة فإنهم يشعرون بخجل يمنعهم من التحدث بشكل طبيعي.
تحدثنا لساعتين تقريباً ثم قام ضميري بتأنيبي عندما علم أنني لا أملك سبباً وجيهاً يمنعني من الذهاب إلى العمل فأجبرني على الاستئذان منها وسلمني إلى فراشي، وبالرغم من أنها لم تستطع منعي من التفكير في (تالا) -لأنها ارتبطت بها - إلا أنها كانت تفيض بشيء لا أعرف أصله ومعدنه يؤهلها لأن تكون صديقة رائعة.
في صباح اليوم التالي بدا باسل كأنه يحاول لمّ شتات نفسه، أن يعيد لنفسه نشاطها وتفاؤلها الدائم، ابتسمت له فرد لي الابتسامة بابتسامة واسعة تقترب من المبالغة لكنها لا تقع فيها، جميلة وهادئة كابتسام الأب لطفله حينما يحاول أن يريه رسمة صغيرة في كراسته، فيبتسم له ابتسامة كاذبة لكنها من قلبه!!
أحب هذه الابتسامات لأنها تملك طاقة تمكنها من التحدث دون أن ينطق أصحابها، فحينا تهمس لنا أن غداً أجمل، وحيناً تعلمنا أن الحياة لا تتوقف عند موت أحدهم، وأحيانا تقف على قارعة الأمل لتخبرنا أنها تصارع اليأس، وبغض النظر عن رسائلها إلا أن الروعة تكمن في قدرتها على الحديث.
قال لي باسل وهو يلمع حذائه:
- قصي.. لقد استلمت دعوة لحضور ورشة عمل في العاصمة.. لمدة أسبوعين..
أبعدت القداحة عن فمي بعدما كنت أنوي إشعال سيجارتي وقاطعته:
- رائع.. مذهل.. أنت تستحق.
بدا وجهه مرتبكاً وحاول الحديث لكنني منعته، أعلم أنه يريد بعضاً من الوقت بعد وفاة ابن عمه ليشحن نفسه بالطاقة ويعيد مزاولة الحياة من جديد، لكن الفرصة قد لا تتكرر مرة أخرى، قلت:
- ستكون أغبى رجل عرفته في حياتي إن لم تقم باستغلال هذه الفرصة، ما بك يا رجل؟.. أنا على ثقة أنك لست بحاجتها.. كل ما في الأمر أنك ستذهب إلى هناك لتخبرهم أن في غرب البلاد رجلاً يستطيع أن يخلق من الطبيعة مسرحاً رائعاً بأفكاره الجميلة..
ابتسم فتابعت بخبث:
- ثم إنني أمر بضائقة مالية.. سيكون من الجيد أن أتمكن من تأجير غرفتك لمدة أسبوعين.
ترك الحذاء من يده واستغرق في الضحك:
- لن تجد من يقبل بها.
أطفأت سيجارتي في المنفضة ومنحته ظهري متجهاً إلى المغسلة، قلت:
- لا تقلق.. لن أيأس من البحث عن مستأجر.
سمعت صوت باب الشقة بعد دقائق فعلمت أنه رحل، إذا أردت أن تعرف من هو أقرب شخص إلى قلبك فابحث عن ذلك الذي يأتي و يرحل دون استئذان دائماَ!!
في المساء أقليت (باسل) إلى المطار ثم عدت إلى البيت وأنا أشعر بملل شديد، جلت بنظري في أنحاء الشقة، ذهبت إلى المطبخ وأعددت العشاء ثم وضعته في الثلاجة واكتفيت بكأس حليب ساخن شربته وأنا أشاهد التلفاز وأقلب في جهازي بحثاً عن برنامج قمت بتحميله من أحد المنتديات الأجنبية لكني لم أجده، نظرت إلى ساعتي فرأيتها تشير إلى الحادية عشرة قبل منتصف الليل..
ما بال الوقت هذا المساء لا يريد أن يتحرك، وماذا أصاب هذا الحاسوب الذي بات يبتلع الملفات بغباء فلا أكاد أجد أي شيء أبحث عنه، كل شيء بدا غبياً وتافهاً إلا التلفاز الذي بدا سخيفاً كعادته، فدخلت إلى غرفتي لأقوم بترتيبها، لأجد بعض الألوان المائية على الرّف ولوحة (تالا) التي أهدتني إياها.. فخطرت في رأسي فكرة.
عدّت إلى غرفة الجلوس وفتحت بريدي لأجد (سمر) في حالة اتصال كما توقعت.
هممت بمحادثتها لكنني خفت أن تسألني عن رأيي في كتبها التي تركتها معي، ثم خطرت لي فكرة.. سأحدثها وفي حال سألتني عنها سأجد عذراً وجيهاً بلا ريب، قمت بفتح محادثة جديدة وأرسلت لها ابتسامة فقالت:
- أهلا (قصي) كيف حالك؟
- بخير.. وأنتِ؟
- الحمد لله.. وكيف حال باسل؟
- لقد سافر لتوه إلى العاصمة.. سيحضر ورشة عمل هناك.
- كم سيطول بقائه هناك؟
- لا أعلم.. قال لي أنه سيمكث أسبوعين على الأغلب..
- أتمنى له التوفيق.
- وكيف حال (هند) و (تالا)؟
- إنهن بصحة جيدة.. أعتقد أن هند لا زالت بالعاصمة في ضيافة والدتها، أما تالا فأعتقد أنها ستختفي ككل مرة قبل الظهور بمعرض جديد.
حاولت للحظات أن أجد صياغة لسؤالي بطريقة لا توضح أنني مهتم بتالا فقلت:
- كم المدة التي تقضيها عادة بين كل مرة تقيم فيها معرضاً لرسوماتها؟
- ليس هناك وقت محدد، كما أنها لم تقم سوى معرضين حتى الآن.. لكن بالمناسبة هل ذهبت إلى المعرض الذي أقامته مؤخراً؟
- في الواقع لا.. كنت مشغولاً ببعض الأمور التي منعتني من الحضور.. ثم ندمت على أنني لم أؤجلها، فأنا الآن لا أعرف أين يمكنني مشاهدة رسوماتها مرة أخرى.
- هل تود أن أحادثها؟
- لا.. لا داعي لذلك.
- لم؟
- في الواقع لا أريد أن أسبب لكما إحراجاً من أي نوع..
كان بقائنا في نفس الحلقة سيؤدي حتماً إلى إغلاقها وإنهاء المحادثة، وبالرغم من أن ذلك لا يعنيني إلا أنني خفت أن تشعر باهتمامي بصديقتها وتخبرها باسمي وعملي ويذهب كل ما فعلته أدراج الرياح، لكنها قامت بتغيير مجرى الحديث بطريقة أراحتني كثيراً، قالت:
- كما تحب.. بالمناسبة.. كنت أود إضافة بعض البرامج إلى جهازي لكنني جاهلة تقنياً.. هل بإمكانك مساعدتي؟
شرحت لها كيف تقوم بذلك وكنت معها خطوة بخطوة حتى أنهت ما كانت تريد عمله ثم استأذنت منها لأنام.
جاءتني ظهر اليوم التالي رسالة على هاتفي الجوال، الغريب أنها كانت من (تالا) تقول فيها (( سيقام الليلة حفل خيري لجمع التبرعات، يسعدني حضوركم جداً)) قرأت الرسالة لخمس مرات متتالية ثم وضعت الهاتف في جيبي لكنني ما لبثت أن أخرجته مرة أخرى لأتأكد من عنوان الحفل ووقته، لكنني تذكرت أمراً في غاية الأهمية.. سيمسي كل شيء عديم الفائدة إن أرسلت نفس الرسالة إلى سمر تدعوها للحضور أيضاً، مشكلتي في تواجد (سمر) هو ليس (سمر) بحد ذاتها فأنا لا أخشى حضورها بحجم ما أخشى أن أكون وليمة نسائية لرسامة وعالمة نفس تستطيع تحليل تصرفاتي القادمة بناءاً على دراستها، أحب أن أكون صاحب عنصر المفاجأة، لا فأر تجارب لهما!!
دخلت إلى بريدي في السابعة مساءاً أنتظر دخول سمر وحالما دخلت قمت بسؤالها مباشرة:
- أستاذة سمر.. هل ستخرجين مساء اليوم؟
ظهر لي أنها تقوم بالكتابة للحظات ثم توقفت لتكتفي بكلمة واحدة:
- لا.. لماذا؟
- في الواقع لدي موعد مع أحد أصدقائي بعد ساعة، وكنت أفكر في حال عودتي مبكراً أن أتحدث معكِ بخصوص الكتب التي أخذتها منكِ..
- سأزور الخياطة لنصف ساعة ثم أعود إلى المنزل.. سأكون بانتظارك.
- جيّد.. سأحاول ألا أتأخر.. لأعود بسرعة.
- لا..لا.. خذ وقتك، ولا تقد سيارتك بتهور.
- حاضر يا صديقتي..
- صديقتك؟؟!
- نعم.. أنت وباسل تتحليان بصفات كثيرة متشابهة.
لم ترسل رداً على كلامي واكتفت بإرسال وجه مبتسم فقط، فودعتها وقمت لأرتدي ملابسي على عجل.. الليلة ستكونين ملكي يا (تالا)، لي فقط!!
ارتديت ملابسي مستخدما جميع قدراتي على الجذب، فعندما تكون مدعواً لحفل خيري فهذا يعني أنك مدعو لمشاهدة مجموعة من رجالات المجتمع وهم يرتدون الأحذية اللامعة والساعات المذهبة يتظاهرون بمساعدة الفقراء، قدت سيارتي نحو الحفل وأنا أمني نفسي بأحداث رهيبة هذا المساء، لن أضيع فرصتي هذه المرة.
شدّ انتباهي وأنا أبحث عنها بين الحضور أن عدد الرجال يطغى على عدد النساء وهذا مالم أره في كل المرات السابقة، وجدتها أخيراً تقف منفردة مع إحدى صديقاتها، فانتظرت حتى نهاية المزاد الخيري.
اكتشفت أنها محطّ اهتمام الرجال، فبالقرب من طاولتها وعلى مسافات متقاربة كان سبعة رجال على الأقل يحاولون لفت انتباهها ومتابعتها بأعينهم.. للحظة فكرت في العودة من حيث أتيت لكن ذلك سيجعلني تافهاً على الأقل من وجهة نظري فاقتربت أكثر.
كنت أود محادثتها على انفراد بمعزل عن صديقتها، لأنني لا أستطيع التكهن بردة فعلها أمام الجميع كما لا أريد أن أكون فريسة لعدد لا بأس به من الرجال!!
اقتربت منها أكثر وأشرت لها بعيني فابتسمت لي ابتسامة هادئة شجعتني على الاقتراب منها وشكرها على دعوتها لي، قلت:
- أهلاً أستاذة تالا.. شكراً لهذه الدعوة الجميلة..
- أهلاً بك.. أي دعوة تقصد؟!
قلت وأنا أحاول إخفاء ارتباكي:
- لقد جئت بناءاً على دعوتك التي أرسلتها ظهـ..
قاطعتني:
- امممم.. تقصد الرسالة الجماعية.. أسعدني حضورك حقاً.
بالرغم من المفاجأة التي نزلت كالصاعقة على رأسي، إلا أن جملتها الأخيرة (أسعدني حضورك حقاً) كانت تشبه (وماذا تريد الآن؟؟)، حاولت أن أبدو طبيعيا قدر الإمكان، قلت:
- بل أنا من يشكرك على هذه الدعوة الجميلة.
توقعت ألا أحصل على اهتمامها لكنني لم أتوقع أن تكون مستفزّة لهذه الدرجة، ولأنني لن أتراجع فقد انتقلت إلى الخطة الثانية فوراً، اقتربت من طاولة الرجل الأكثر تأثيراً ولفتاً للانتباه.. والذي قام بدفع مبلغ باهظ لقاء لوحتين زيتيتين لـ (تالا) ثم سحبت الكرسي إلى الخلف وأنا أقول:
- مساء الخير.. أستأذنكم في الجلوس.
في عالم الرجال لا توجد صعوبة في إنشاء العلاقات، كل ما عليك فعله لتكون صديق أحدهم هو أن تسأله عن الوقت أو تطلب منه قداحة لتشعل سيجارتك، وبمجرد إجابته على سؤالك يمكنك أن تسأله عن اسمه لتصبحا صديقين حميمين في الغالب، لأنهم - أي الرجال- لا يتبعون تعقيدات معينة كالنساء في اختيار من سيقمن بالرد عليها تدخل ضمنها اعتبارات كثيرة كالجمال والمستوى الاجتماعي ونوع الهاتف النقال.. حتى طريقة تسريحة الشعر!!
تركت صديقي الجديد يتحدث وجذبت اهتمامه بموافقته في رأيه عن القروض العقارية والدراسة في الخارج، كان ذلك سبباً وجيها لأكون محط اهتمامه وإن كان عن طريق نظرات يقدمها لي بعينه طالباً مني موافقته أو تأييده لكنني قمت باستغلال أول فرصة يسألني فيها بشكل مباشر بعد حديثه عن علاقة الآلهة الإغريقية بالفن الأوروبي قال:
- هل رأيت الإبداع في لوحات بوتيتشيلي؟
- نعم.. كنت أتحدث عن ذلك مع سائق التاكسي نهاية الأسبوع المنصرم.. أخبرني أنهم يبالغون في أسعارها.
بينما ابتسم أحد الرجال ابتسامة واسعة، ضحك الثلاثة الآخرون بصوت عالٍ وبطريقة شدّت انتباه الأشخاص في الطاولات المجاورة فاكتشفت أن لديه أعداء كثر يتمنون أن يشهدوا لحظة انكساره.. حتى صديقة تالا، استطعت أن ألمحها وهي تغطي وجهها لتخفي ضحكة تريد المشاركة، أعدت المقعد إلى الخلف وأنا أقول:
- يبدو أن صديقكم يعيش في كوكب آخر.. أستميحكم عذراً.. سأقوم للتدخين..
توجهت نحو الشرفة وأنا أعلم أنني كسبت التحدي وبعد ثوان كان أحد أصدقاء الطاولة يقف بجانبي، قال:
- إنه رجل مريض، يحب استعراض ثقافته ولفت الانتباه إليه.
نظرت إليه بابتسامة، أعلم أنه ليس سوى متملق أحمق لكنني لا أريد التوغل في أمر جانبي يبعدني عن الهدف الرئيسي لمجيئي هنا، قلت:
- لقد نال ما يستحق..
عرفني باسمه الذي نسيته فوراً وعرفته باسمي فراح يحدثني عن بعض الأمور الحياتية، بعد قليل شاركنا رجلين آخرين ورجل مسن الحديث فاستأذنت منهم بعدما تأكدت أن (تالا) قد شاهدتني عندما كنت أقف هنا أمام الشرفة.
اقتربت منها في محاولة أخيرة، وأنا أرى صديقتها تبتسم، قلت:
- أشكرك مجدداً على دعوتك..
- على الرحب والسعة..
- أراكما على خير..
لم أنتظر سماع إجابتها لأنني كنت أتوقع أن يتغير موقفها قليلاً على الأقل، لكنها بدت تزداد بعداً وصلابة في كل مرة أعتقد فيها أنني تمكنت من الاقتراب!!
في السيارة قمت بفتح الرسالة مرة أخرى فضحكت لغبائي، كان واضحاً من النص أنها رسالة جماعية لكن حماقة الإنسان تجعله يهتم بالمرسل أكثر من الرسالة!!
عدت إلى المنزل وأنا أشعر بالإحباط نوعاً ما وكان من الجميل أنني وجدت (سمر) بانتظاري، وضعت كتبها أمامي على الطاولة ورحت أباغتها بالأسئلة حتى لا أمنحها وقتاً لاستجوابي أو سؤالي عن رأيي في كتبها.
انتقلنا بعدها بالحديث إلى عدة مواضيع، شعرت أن (سمر) انتشلتني من عالمي نحو الأعماق حيث كان لحديثها نكهة خاصة، تجيد العزف على أوتار الحروف بمهارة بالغة، استطاعت أن تجذب جميع حواسي للاستماع إليها بسهولة كما كان يفعل (باسل)، أعتقد أن الحظ أرسلها لتؤنسني في غيابه.
في الأيام التالية كان الحديث يمتد بنا حتى ساعات الصباح الأولى، شجعتني كثيراً على نشر مذكراتي التي لا ترتقي إلى أن تكون كتابات صالحة للنشر، قالت لي أن مجرد التعبير عن الذات شيء لا يقدر على القيام به كثير من البشر، مع مرور الوقت أصبحت أشعر أنها زرعت داخلي شيئاً أجهله.. لكنه وبكل تأكيد يجعلني أجمل.
جلسنا ذات ليلة نتجاذب أطراف الحديث، راحت تنتقل من حديث إلى آخر بتقنية محترفة ولم أشعر بنفسي حتى غازل النور زجاج نافذة غرفتي فانتبهت إلى الوقت، قلت:
- لقد طلع الصباح!!
- حقاً؟؟
- نعم.. يبدو أنني سأذهب إلى عملي اليوم دون أن أنال قسطاً من الراحة..
- أنا آسفة.. لم أنتبه للوقت أعذرني..
- لا بأس.. لا مشكلة.
- لم لا تنام الآن؟.. بقي على دوامك ثلاث ساعات على الأقل.
- لا أعتقد أنني أستطيع.. سأكون بحاجة لأن يوقظني أحدهم لأنني لا أسمع صوت المنبه.
بقيت صامتة لدقائق فظننت أنها محرجة ربما، قلت:
- أراكِ على خير..
- انتظر.. كم رقم هاتفك؟
- لم؟؟
- سأوقظك..
- لا أعتقد أن ذلك سيجدي نفعاً.. لا تقلقي سيكون كل شيء على ما يرام.. سأطلب من صديقي في العمل أن يفعل ذلك.
- أشعر بالذنب.. أنا آسفة..
- لا لا.. لا بأس..
- دعني أجرب.. أعطني رقم هاتفك.
أعطيتها رقم هاتفي ثم قمت لأصلي الفجر، شعرت أنها وفي غضون أسبوع ونصف استطاعت أن تغيير في نظام حياتي كثيراً.. أصبحت أحب غرفتي والحاسوب والشرفة كثيراً، وأطيل الجلوس في المنزل بصورة غريبة.
استيقظت في التاسعة والنصف على صوت هاتفي لأجد تسعة وعشرين اتصالاً منها، ذلك يعني أنها لم تكف عن الاتصال منذ التاسعة، لأن كل اتصال يستغرق دقيقة تقريباً، ابتسمت لاهتمامها ثم قمت لأتجهز بسرعة، بعد الظهيرة جاءني اتصال من رقم لا أعرفه، قلت:
- مرحبا..
نقلت لي الشبكة صوت أنثوي، قالت:
- كيف حالك؟
- من؟
- أنا سمر..
شعرت بغبائي وضحكت ضحكة قصيرة، قلت:
- أنا آسف.. كنت مستعجلاً جداً هذا الصباح.. نسيت أن أسجل رقم هاتفك.
- لا بأس..
- أشكرك على اتصالك بي.. لقد استيقظت في الوقت المحدد تماماً.
- الحمد لله.
شعرت بارتباكها الشديد، قلت:
- أراكِ لا حقاً.. مع السلامة.
- مع السلامة.
عدت لعملي لكنني سمعت صوت الهاتف مرة أخرى ينبئني عن وصول رسالة جديدة ففتحتها لأجد أن سمر قد أرسلت (لابد أنني سقطتُ من نظرك.. أنا آسفة).


يتبع..

pearls 14-11-13 06:30 PM

رد: رواية 13
 
إلى اين سيصل قصي مع تالا ؟
من سينتصر على الآخر ؟
إصرار قصي أم برود تالا المستفز ؟
و سمر هل ستجد نفسها غارقة في حب قصي ؟ و هل سيبادلها المشاعر أم انه لا يرى فيها الا صديق يحب الحديث معه ؟
أحداث مشوقة و اسلوب رائع استاذ أحمد
قلمك رائع و حروفك حية تنبض بالابداع
انتظر بقية الاحداث

Ahmad Rufai 15-11-13 09:08 PM

رد: رواية 13
 
-10-

عدت لعملي لكنني سمعت صوت الهاتف مرة أخرى ينبئني عن وصول رسالة جديدة ففتحتها لأجد أن سمر قد أرسلت (لابد أنني سقطتُ من نظرك.. أنا آسفة).
لم أفهم ما تقصده برسالتها ولم أستطع أن أرسل لها رسالة خاصة لأنني أعلم أن الحديث سيمتد ولن تكتفي برسالة واحده فأجلت الحديث إلى المساء، ولم أرغب بالاتصال بها لأنني أشعر أنها ترتبك جداً عند سماع صوتي.
كان الوقت يمر بطيئاً في انتظار المساء، وحالما رأيت معرفها متصلاً على الشبكة سألتها:
- لم أفهم ماذا تقصدين برسالتك..
- لا شيء.. أنا فقط غاضبة من نفسي.. لا أعلم ماذا فعلت.
- تقصدين بخصوص رقم الهاتف؟؟
- لا.. ليس تماماً.. فأنت تستطيع الحصول على رقم هاتفي بمجرد اتصالك بالصحيفة التي أعمل بها..
- ما الأمر إذاً ؟؟
- لابد أنك تعتقد الآن أنني فتاة لعوب، أليس كذلك؟؟ صدقني يا قصي أنا أتحدث مع الرجال بحكم عملي أحياناً.. لكنني لم أحاول أن أوقظ أحدهم من نومه يوماً..
- وما المشكلة في ذلك أصلاً؟؟
- لا.. إنها خصوصية.. ذلك يعني نشوء علاقة بيننا..
- أنا أحترمك يا (سمر).. لا أجد بأساً في ما قمتِ به صباح اليوم.. نحن أصدقاء.
- لا يا قصي.. أنت تعلم أنه لا يحق لي ذلك، لا أحب أن أتجاوز الخطوط، أنت تفهم ما أقصده، أليس كذلك؟
- نعم.. لا تقلقي أنا أعي ذلك جيداً.
- ألا زلت تحترمني؟!
- بكل تأكيد.
في الواقع لم يخطر ببالي أن تكون (سمر) بهذه الروعة، فرحتُ أطمئنها وأخبرها أنني أحترمها جداً، شعرت بذلك حقاً عندما رأيت أنها تحترم العلاقات وتضع كل علاقة من علاقاتها ضمن قيود وضوابط محددة، ربما لا أحب أن أفعل ذلك لكنني أحترم النساء اللاتي يفعلن هذا كثيراً، شعرت حينها أنها وبالرغم من تحرر كتاباتها نسبياً إلا أنها أنثى رائعة تزن أفعالها وتتصرف بحكمة مع الناس، ربما تعتقد أن تصرفها ذاك جعلها تسقط من نظري لكنني اكتشفت أنه رفعها كثيراً.. كثيراً جداً!!
كنت أكتفي بالاستماع لقصصها اليومية حول مشوارها الروتيني إلى العمل، سائقهم الذي لا يفهم العربية جيداً فيذهب حين تطلب منه الانتظار ويبقى حين تطلب منه الذهاب، والدتها التي تطلب منها مشاركتها في أعمال المنزل، وأخوها الذي لا يحب أن يشتري شيئاً إلا بعد أن تنتقيه له بنفسها، صديقاتها المقربات والتي كانت تالا إحداهن، وأحلامها وما يؤرقها، وبالرغم من أنني كنت قليل الحديث جداً إلا أنني أصبحت أتوق للجلوس معها بصحبة شخصيتها المرحة جداً والتي نادراً ما تجدها في النساء، وقلمها الذي بات يظهر لي في كل مرة كنزاً دفيناً مخبئاً في أعماقها، ولم أشعر بنفسي إلا وقد أصبحت (سمر) جزءاً مهماً من يومي، علمت ذلك حين كانت أول من أخبره بقرار ترقيتي في العمل عندما أخبرني الأستاذ حسن - مديري في العمل - بذلك.
بدت سعيدة جداً تلك الليلة، قالت لي بحماس:
- متى ستستلم الوظيفة الجديدة؟
- من الغد.
- مبروك.. أنت رجل ناجح.. تستحق ذلك يا قصي.
- أشكرك..
قالت مازحة كعادتها:
- أهذا كل ما استطعت قوله؟؟ ألا أستحق هدية لأني منذ أن أصبحت صديقتك وحياتك تتغير للأفضل.. لا تحاول أن تنكر أنني قدرك الأجمل ومصدر الحظ الوحيد في حياتك.
قالت جملتها ثم أتبعتها بضحكة طويلة ظناً منها أنها استطاعت إحراجي، فكرت لثانية ثم قلت:
- بلى تستحقين، غداً سأعطيك هديتك.
- لا تصدق يا قصي.. أنا أمزح.. ثم أنني سأعلمك أمراً .. الهدايا لا تأتي بالطلب، إنما تمنح هكذا دون سبب أو مناسبة.. لأن المفاجأة هي ما تمنح الهدية طابعها الأجمل.
لم أعلق على كلامها، اكتفيت بابتسامة ثم سألتها:
- هل أكملت عملك المتعلق بالصحيفة؟
- نعم سأذهب غداً قبيل السادسة مساءاً لتسليمه.
- جيد.. تأكدي أن تطلبي من السائق ألا يغادر حتى لا يتركك كما يفعل دائماً..
- لا.. سأطلب منه أن يغادر لأن أمي بحاجته، وحالما تنهي عملها سترسله لي مرة أخرى.
- وهل لديك عمل آخر هناك؟
- لا.. سأتصفح بعض رسائل القراء ريثما يعود..
- أخشى أن زميلاتك سيشغلنك بالحديث معهن بدل قراءة الرسائل.
- لا.. غالبية الزملاء ينهون عملهم قبل الرابعة مساءاً.. لن يكون هناك سوى العم بركات والقليل جداً من الموظفين في الأقسام أخرى.
- حسناً..
كنت أسألها لأنني رسمت تصوراً لما سأفعله مساء الغد وكل ما أريده هو التأكد من بعض المعلومات حتى لا أفاجأ بشيء لم أضعه في الحسبان، وطوال النهار لم أكن أفكر سوى في ردة فعلها من تصرفي، ربما يكون ما سأفعله جميلاً لكنها قد تراه تجاوزاً للخطوط وانتهاكاً لحريتها الشخصية، ترددت كثيراً ومع كل خطوة أخطوها كان أزداد توترا.
توقفت أمام مبنى الصحيفة بعد السادسة بدقائق واتصلت بهاتفها لكنها لم تجب، حاولت التغلب على خوفي ودلفت إلى مبنى الصحيفة وأنا أحمل في يدي باقة ورود وهدية صغيرة، في الداخل كان كل شيء كما وصفته لي تماماً.. لون الحائط، المجسم الخزفي في آخر الممر والإنذار المعلق على باب مكتبها.. نظرت إليه فخيل لي أن الباب يبتسم فبادلته الابتسامة ونقرته نقرتين بأصبعي السبابة ليأتي صوتها شارداً من الداخل:
- أدخل..
فتحت الباب بهدوء وأدخلت رأسي فقط لأتأكد من عدم وجود أحد آخر كالعم بركات مثلاً، كانت تنظر إلى شاشة الكمبيوتر مرتدية نظارتها الطبية، وقفت لثوان أنظر إليها وحينما شعرت بوجود شخص في الغرفة نظرت ناحية الباب وحالما رأتني غزت ملامحها الدهشة لثوان ثم وقفت مسرعة بارتباك، قالت بنبرة هادئة تحاول أن تخفي غضبها:
- قصي!! ما الذي جاء بك؟؟!
ابتسمت وأنا لا أزال واقفاً في مكاني، قلت:
- لقد وعدّت إحداهن بهدية، وقد حضرت من أجلها.
اقتربت منها بخطوات بطيئة فابتعدت لتقف بجوار النافذة، وضعت الورود على طاولة مكتبها ثم فتحت المغلف الصغير وأخرجت منه قلماً ذهبياً بفصوص كريستالية نقش عليه اسمها بلون أبيض، رفعته في وجهها:
- لقد اخترت هذا القلم لأروع كاتبة في العالم.. أردت أن أشاركها به جزءاً من أفكارها الرائعة.
وضعته على الطاولة ثم ابتعدت قليلاً لأمنحها فرصة الاقتراب من طاولتها والنظر إليه ثم اتجهت إلى الباب وأنا أقول:
- أعتذر عن تصرفي.. سأراكِ لاحقاً..
فتحت الباب لأخرج لكنني سمعت صوتها يقول:
- قصي..
التفت إليها فوجدتها تحتضن القلم بكلتي يديها، قالت:
- أنا آسفة..
أجبتها بابتسامة:
- لا بأس.. أتفهم موقفك.
بدت مترددة جداً، قالت:
- هل تريد فنجان قهوة؟
رفعت كتفي إلى الأعلى بابتسامة، فقالت بمرح:
- عدني ألا تتصرف بتهور أولاً..
ابتسمت ثم اقتربت لأجلس على الكرسي المقابل لمكتبها مباشرة، فجلست وهي تنظر إليّ ورفعت سماعة الهاتف، وحالما جاءها صوت المتحدث في الطرف الآخر قالت:
- عم بركات.. فنجاني قهوة من فضلك.
أعادت سماعة الهاتف إلى وضعها لكنها سقطت على الأرض لشدة ارتباكها فأعادتها مرة أخرى وهي تبتسم بحرج شديد، قالت:
- أشكرك على الهدية.. لكنني كنت أمزح معك فقط.
اكتفيتُ بالابتسامة فقط فتابعت:
- لم لا تتحدث؟؟
ابتسمت لها ثم أعدت نظري إلى الأسفل، قلت:
- لا أجد ما أقوله..
نظرت لي للحظات ثم أخذت القلم وراحت تكتب اسمي على الورقة ثم طبقتها لتجعلها صغيرة جداً ووضعتها أمامي على الطاولة، قلت:
- هل سأتحول إلى ضفدع إن ابتلعتها؟
غطت فمها وقالت وهي تغالب ضحكتها:
- خبئ هذه الورقة في محفظتك.. ستجلب لك الحظ الجيّد.
التقطت الورقة ثم توقفت مباشرة، قلت:
- سأفعل.
- إلى أين ستذهب؟؟
ابتسمت لها دون أن أتحدث واتجهت نحو منتصف الغرفة باتجاه خزانة الملفات، قالت:
- وفنجان القهوة؟!!
أدركتُ أنها علمت أنني أود الذهاب بالرغم من أنني لم أقل ذلك مباشرة ولم أحرك رجلي من أمام الخزانة، فشعرت بتوتر شديد أفقدني القدرة على الحديث.. هذا يعني أنها تقرأ كل تصرفاتي وتفهمها جيداً.. فابتعدت متجهاً إلى باب المكتب مباشرة، سمعتها تقول:
- أنت مجنون.. أقسم أنك لن تدخل هنا مرة أخرى.. مجنون!!
ضحكت من ردة فعلها وأغلقت الباب متجهاً إلى المدخل الرئيسي عبر الردهة، هل أدركت (سمر) أيضاً أنني فعلت ذلك لأختبر قدرتها على قراءتي؟؟ سيكون هذا هو لبّ الجنون بلا ريب!!
جلست على مقعدي في السيارة أحاول أن أتذكر التصرفات التي قمت بها لكنني لم أجد دليلاً واحداً يشير إلى أنني كنت أود الذهاب، قطع تفكيري صوت هاتفي منذراً باتصال فعلمت أنها هي، قلت:
- ماذا أيضاً؟
جاءني صوت أنثوي مختلف تماماً:
- السلام عليكم.. المهندس خالد؟
نظرت إلى شاشة الجوال فوجدت اسم (تالا) ، قلت بارتباك:
- وعليكم السلام.. أهلاً أستاذة تالا؟!
- كيف حالك.. هل أنت بخير؟؟
بدا سؤالها كأنها كانت قلقة جداً، قلت بحيرة:
- نعم، الحمد لله..
- متأكد أنك بخير؟؟ أشعر أن أمراً أصابك..
- لا.. الحمد لله..
- هل أنت متأكد؟؟ أشعر أن صوتك مختلف..
- لا.. قليل من الإرهاق بسبب قلة النوم.
قلت ذلك فقط لأني وجدت إلحاحها يتزايد، أعلم أن الأنثى تحب أن تكون ظنونها صحيحة، قالت:
- لا تجهد نفسك كثيراً يا خالد.. أرجوك..
- بإذن الله..
- لقد حلمت بك البارحة فعلمت أن أمراً أصابك..
قالتها بطريقة اعتيادية كأنها تخبرني أنها تحلم بي كل يوم، فأربكتني ولم أعرف ماذا يجب أن أقول فظللت صامتاً حتى سألتني:
- ما الأمر خالد، هل أنت مشغول؟
- لا..
- ما بك؟؟ هل هناك شيء؟؟
- لم أكن أعلم أن.. أقصد أنني لا أعلم.. أنا.. كنت أفكر في..
قاطعتني:
- في ماذا؟؟
- في الحلم.. هل كان سيئاً؟؟
- لا تقلق نفسك يا خالد.. سيكون الأمر على ما يرام، المهم أن تنتبه لنفسك.. أحمد الله أنك بخير.. كنت أود الاتصال بك منذ الصباح..
الصوت كان لتالا لكن التصرفات مختلفة تماماً، فقمت بتغيير الموضوع، قلت:
- وكيف حالك أنتِ؟
- بخير.. خالد لا تتردد في إخباري إذا احتجت لأي شيء.. مفهوم؟
- سأفعل..
- أراك على خير يا خالد.. أتمنى أن تكون بخير دائماً.. في أمان الله.
- مع السلامة.
لا أعلم ماذا تريد هذه الـ (تالا).. فكلما حاولت الاقتراب منها قامت بالابتعاد، وكلما ابتعدت عنها قامت بالاقتراب مني بطريقة مربكة، اكتشفت أنني لازلت أضع السماعة على أذني بالرغم من أنها أغلقت الخط منذ أكثر من دقيقة، لم أنتبه لذلك حتى سمعت تنبيه الهاتف ينبئ عن رسالة وصلت ففتحتها مباشرة وكانت من سمر (لا أستطيع التعبير عن مدى شكري لك.. لكن أرجوك.. لا تكررها مرة أخرى).
ألهمتني (سمر) بطريقة رائعة للحديث، فعندما تعجز عن قول أمر ما لمحدثك قم بإرسال رسالة له تخبره فيها بما في داخلك، فتحت رسالة جديدة وكتبت فيها (ممتن جداً لسؤالك عني.. أشكرك) وأرسلتها لتالا فجاءتني رسالة منها قبل أن أقوم بتشغيل محرك السيارة (على الرحب والسعة.. أنت أهل لأكبر من ذلك).. وانهمر سيل الرسائل ماطراً بغزارة حتى المساء.
دلفت إلى الشبكة فوجدت (سمر) بانتظاري، كنت أود أن أسألها كيف علمت أنني أنوي الذهاب، لكنني خفت أن تعرف خوفي الدائم من أن يكتشف أحد ما بداخلي فتراجعت عن ذلك، قلت:
- كيف حالك؟؟
- لن أخبرك.. ولن أجيب على أي سؤال.. لقد تذكرت ما حدث البارحة حين سألتني متى سأذهب ومن سيكون هناك.. لقد كشفت لعبتك.. لن يكون بإمكانك أن تلعبها معي مرة أخرى.
- نحن متعادلان إذاً..
يبدو لي أنها فهمت ما أقصده، فغيرت الموضوع تماماً، قالت:
- لماذا رحلت سريعاً؟
- لقد شعرت بخوفك عندما اقتربتِ من النافذة.. فخرجت قبل أن تلقي بنفسك من الطابق الرابع.
- صدقني لم أكن خائفة منك.. كل مافي الأمر أنني لم أعتد أن يقترب أحد مني إلى هذا الحد، خاصة أنه لم يكن هناك أحد معنا في الغرفة.. تأكد أنني لا أقصد الإساءة.. لكنني تربيت هكذا..
- لا بأس.. أحترم ذلك.
- ما رأيك أن نلعب لعبة صغيرة؟ سيعترف كل منا للآخر باعترافات صغيرة صادقة.
- جيد..
- فلتبدأ أنت.. هيا..
- حسنا.. أعتقد أنني أخاف من الأماكن الضيقة جداً..
- ممم، أنا أخاف من الحشرات الطائرة.
- أستمتع بالوقت الذي أقضيه بصحبتك.
- وأنا أيضاً..
- أشعر أنني تائه دائماً..
- بدأ يراودني هذا الشعور مؤخراً..
- هذه كل الاعترافات التي أملكها حتى الآن.. كما أنك تعيدين كل ما أقوله..
- حسناً.. سأسألك أنا وعليك أن تجيب خلال عشر ثوان فقط، موافق؟
- ولم العجلة؟
- لأن علماء النفس يقولون أن الإجابة خلال عشر ثوان تمنعك من الكذب.
- حسناً.. اسألي.
- ما هو سبب شعورك بأنك تائه دائماً؟؟
- لا أعلم.. لكنه شعور يراودني كثيراً..
ومنذ لقائنا في مكتبها باتت (سمر) بالنسبة لي شيئاً مقدساً يشبه البياض في طهره والسماء في نقائها، لوحة فنية تخجل من تشويهها بنظرك أو تنفس ألوانها عن كثب، تشعر كلما اقتربت منها أنك تقترب من السماء ثم تكتشف أنك لست طاهراً بما فيه الكفاية للاقتراب من روحها.

*****

هل اقتربت من تالا حقاً.. أم أنني بدأت ألعب معها لعبتها المزاجية المجنونة، فهي لم تقترب مني بطريقة تمكنني من معرفتها، ولم تتركني لأمارس حياتي كما أحب، ولأنني لا أعرف قوانين لعبتها رحت أتبعها فقط.. بت أشعر أنها في وضع الهدوء الذي يسبق العاصفة، لكنها تحتاج إلى محفز قوي لتستطيع البوح بما في داخلها.
لم أقترب منها كثيراً، كنت بحاجة إلى وقت لأفهمها جيداً لكن رسائلها المتقلبة لم تترك لي أي فرصة لذلك، ولأنني كنت مندفعاً حد الثمالة فقد بات من الواضح أنني مهتم بها، وهذا ما كان يجب عليّ إخفاؤه تحسباً لما قد يحدث بعد ذلك، أما رسائلها فقد كانت تظهر لي أنها تبدو كعاشقة أحيانا، صديقة، زميلة أو عابرة سبيل غريبة.. ولولا أن رقمها هو الذي يظهر مع كل رسالة لأقسمت أنها ليست هي!!
اتصلت بي في منتصف الأسبوع تدعوني لزيارة مبنى جمعية خيرية لأنهم يرتبون حفلاً صغيراً للداعمين، قالت أنها ستكون سعيدة جداً في حال حضوري ثم أغلقت الهاتف بعد أن أخبرتني من أين أستلم بطاقة الحضور لأن الحفل سيكون الليلة.
ربما أرادت أن تختبر قوة تأثيرها علي، فحضوري يعني أنني قمت بتأجيل أعمالي المسائية من أجلها.. لكنني لم أفكر، ذهبت إلى البيت لأرتدي ملابسي وأذهب على عجل. ربما لأنني قررت أن أفعل شيئاً مختلفاً هذا المساء شيئاً يجبر (تالا) على أن تتحرك من الداخل..
اخترت أن أجلس على طاولة في منتصف القاعة، كأنني أحاول أن أخبر الجميع أنني نجم هذه الليلة، وأن تالا بكل أقمارها ستدور حولي، على الزاوية اليمنى جلس رجل أربعيني ببزة أنيقة ملفتة ينظر إلى المسرح بابتسامة متفائلة مبالغ فيها. أصدر جوالي صوت رسالة من تالا تقول فيها (أسعدني حضورك جداً)، الغريب أن ذلك الأربعيني فتح هاتفه في نفس الوقت والثانية التي قمت فيها بفتح هاتفي وتهللت أساريره بفرحة كأنه يقرأ نفس رسالتي فعادت إلى رأسي ذكرى الرسائل الجماعية.
بدأ الحفل وقامت (ود) صديقة (تالا) - التي كانت معها في الحفلة الماضية- بإلقاء كلمة رائعة عن التعاون والمشاركة، وحاجتنا كبشر إلى التكاتف والعمل بروح فريق بعيداً عن الأنانية..
بعد كلمة (ود)، صعدت (تالا) لتلقي كلمتها على المسرح فزادت ابتسامة الأربعيني بشكل ملحوظ، ثم وضع يديه على الطاولة كأنه يستعد للوقوف، ودون تفكير انطلقت نحوه بسرعة وأنا أمسك بهاتفي وانتظرت اللحظة التي يعيد فيها مقعده إلى الخلف ثم ارتطمت به فسقط على الأرض والتوى كاحلي جراء هذا الارتطام الذي أردت أن أجعله يبدو حقيقياً، وسقط هاتفي على الأرض متحولاً إلى أشلاء.
أمسكت بيده ورفعته عن الأرض، قال بصوت خافت وهو ينظر إلى أشلاء هاتفي:
- أنا آسف.. لم أنتبه أنك تسير بجواري حين كنت أعيد المقعد إلى الخلف.
ابتسمت له ابتسامة كبيرة وأنا أنفض غباراً وهمياً عن قميصه:
- لا بأس.. المهم أنك بخير سيدي.. كان يجدر بي أن أنتبه وأنا أتحدث في الهاتف..
ثم تابعت بمرح:
- يبدو أن الهاتف نال جزاءه قبل أن أنهي مكالمتي..
أدخل يده في جيبه مباشرة وأخرج هاتفه ووضعه في يدي، قال:
- خذ هاتفي وأكمل محادثتك.. لابد أنها مهمة..
وضعت يدي على يده وأعدتها إلى الخلف، قلت:
- ليس أمراً مهماً يا رجل.. لا تشغل بالك.
أمسك يدي بقوة، كأنه يرجوني:
- إنك تحرجني بطيب أخلاقك.. رجاء خذ هاتفي وأكمل محادثاتك كلها..
ابتسمت له وأخذت هاتفه ثم توجهت إلى الخارج لأجري مكالمة من نوع مختلف.. وحالما تأكدت أنه لا أحد بجانبي فتحت قائمة رسائله لأجد أن (تالا) كانت ترسل لنا رسائل متشابهة تماماً، وربما كان في الحفل أشخاص آخرون تحمل هواتفهم نفس الرسائل، شعرت بألم في كاحلي فتذكرت الكرسي الذي ركلته بقوة، ولكن لا بأس يا قدمي.. فالضمادة التي ستقوم بتضميدك لن تكفي أضعافها عشر مرات لتضميد قلب (تالا)، قمت بفتح رسالة فارغة وفعلت مالن تتوقعه (تالا) أبداً، ثم أخذت نفساً عميقاً ودلفت إلى الداخل وأنا أحاول أن أرسم على وجهي أجمل ابتسامة. أعدت له هاتفه شاكراً ثم جلست بجانبه نتابع بقية فقرات الحفل.
..

يتبع

ارادة الحياة 15-11-13 09:08 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم
اسلوب غاية يالتشويق
تحية لك استاذ ولقلمك الفخم
رغم الرؤية القدسية للمراة من قبل بطلك الا انه جعلها العوبة
انتظر بشوق لارى ما نهاية قصي ومغامراته
دمت متالق

براعم 18-11-13 09:58 AM

السلام عليكم

يعطيك العافيه اخوي

مبروك البنر للروايه 13 تستحق واكثر


تطور العلاقه بين قصي وسمر الى صداقة ؟ هل يوجد صداقة بين الرجل والمرأة ؟

اختلاف سمر عن النساء بالنسبه لقصي هنا انه يحترمها وطبعا لانها هي تحترم نفسها لتجبر الاخرين على احترامها

عند انهاء علاقته مع وصال لم يتاثر لمشاعرها ولم يكن يهتم ؟؟ هل سيهتم بمشاعر سمر وهل سينهي علاقته بها ؟

هو يعتبرها مثل باسل وربما مشاعره لاتتجاوز مشاعر الصداقة ؟ ولكن لو كانت صديقته بالفعل كما يحاول ان يقنعنا ويقنع نفسه لما لايخبرها عن تالا ؟


تالا بدات بالتقرب له اعتقد انها من النوع الذي يريد ان يلفت انتبهاء الجميع اليها >>> ممكن انها مغروره او انها لا تريد ان تظهر انها هي من تسعى وراء الرجال ؟؟

بشوق لمعرفة خطة قصي للايقاع بها ؟

بالتوفيق

اعتقد ان تاﻻ تحاول جذب الرجال من حولها .... بحرص منها تظاهر عدم الﻻمباﻻة والتغلي
ومسج الدعوه ماكان يصل اﻻ للشباب ودليل ذلك عدم ذهاب سمر ﻻنها غير مدعوه
....وهي صديتقتها ؟؟؟ أذن تاﻻ تشكل نوعا اخر من النساء بنظر قصي

بشوق لمعرفة خططه وايقاعه بها ......

عصفورالجنة 20-11-13 08:34 PM

رد: رواية 13
 
:110::110:رائعة حدا

Ahmad Rufai 22-11-13 08:51 PM

رد: رواية 13
 
-11-


ابتسمت له وأخذت هاتفه ثم توجهت إلى الخارج لأجري مكالمة من نوع مختلف.. وحالما تأكدت أنه لا أحد بجانبي فتحت قائمة رسائله لأجد أن (تالا) كانت ترسل لنا رسائل متشابهة تماماً، وربما كان في الحفل أشخاص آخرون تحمل هواتفهم نفس الرسائل، شعرت بألم في كاحلي فتذكرت الكرسي الذي ركلته بقوة، ولكن لا بأس يا قدمي.. فالضمادة التي ستقوم بتضميدك لن تكفي أضعافها عشر مرات لتضميد قلب (تالا)، قمت بفتح رسالة فارغة وفعلت مالن تتوقعه (تالا) أبداً، ثم أخذت نفساً عميقاً ودلفت إلى الداخل وأنا أحاول أن أرسم على وجهي أجمل ابتسامة. أعدت له هاتفه شاكراً ثم جلست بجانبه نتابع بقية فقرات الحفل.
لم يكن يعلم صديقي الجديد أنني أنقذته من بين براثن هذه الحية السامة، وأنه سيكون مديناً لي - دون أن يعلم- بقية حياته كلها، وبعد آخر وصلة في الحفل اقتربت (تالا) مع صديقتها (ود). ولم أجد غرابة حين حدثتني أمام ذلك الشخص كأنها لم تلتقي بي منذ زمن بعيد ، قالت:
- مهندس خالد.. كيف حالك؟
قلت بابتسامه:
- بخير..
قالت بخبث:
- هل لازلت هنا؟ لم أرك منذ مدة طويلة.
قلت بابتسامة تعمدت أن أودعها كل الفرح والحياة:
- في الواقع سترينني كل يوم.. طالما أنك تأتين بصحبة (ود)..
ضحكت (ود) بخجل ، فتابعت موجهاً حديثي لها:
- هل تعلمين أن (ود) من الأسماء التي غيرت مجرى التاريخ.. كان ود رجلاً شديد التعبد لله فلما مات صنع الناس له تمثالاً.. عبدوه فيما بعد.. لابد أنهم وجدوا سبباً وجيهاً لذلك وباتوا يقدمون له الهدايا والقرابين.. بودي لو فعلت ذلك معك الآن..
كان غزلاً صريحاً، حاولت (تالا) الصمود لآخر لحظة ثم حدجتني بنظرة مرعبة. قالت:
- ألا تكف عن مغازلة الفتيات؟
قلت لها ضاحكاً ببرود:
- أنا لا أغازلها.. فالأشياء من شاكلة (ود) تنطق الحجر.
- أنت تافه..
ضحكت بمرح فسحبت (تالا) صديقتها (ود) من يدها بينما اخترت طاولة منزوية لأتناول عشاءي.. هذا المساء لا أريد أن يشعر بي أحد..
بعد العشاء كنت أود الذهاب لكنني توقفت أمام النافذة عمداً لأدخن، أحببت أن أمنح انتصاري نكهة مميزة، فرأيت ملامح (ود) تنعكس على النافذة وهي تقترب بهدوء وتردد، قالت:
- مساء الخير..
ترددها الواضح يعني أنها لا تحمل بداخلها شيئاً لتقوله، فقررت أن أدير دفة الحديث بدلاً عنها، قلت بابتسامة:
- أهلاً أستاذة ود.. هل تعرفين من هو (بوتيتشيلي)؟؟
مطّت شفتيها وقالت بابتسامة:
- لا.. لا أعرفه..
- هذا جميل.. ستكون علاقتنا جيدة إذاً..
ظهرت على وجهها علامات الاستغراب ثم نظرت إلى عيني مباشرة دون أن تتحدث، قلت:
- اقتربي من النافذة وانظري إلى عش الحمام على شرفة المبنى المقابل.. هناك أشياء أجمل من النظر إلى وجه رجل يكذب.
غطت فمها بيدها لثوان ثم همست:
- أنت مجنون.
ابتسمت دون أن أدير وجهي ناحيتها، قلت:
- معرفتك بهذا الأمر تعني أن علاقتنا تتطور بسرعة..
- ثم ماذا؟
التفتُ إليها بكامل جسدي ولوحت بيدي اليمني أمام وجهها كأني أودعها، ثم قلت ضاغطاً على كل حرف:
- ثم.... نــفــتــرق..
أعدت نظري إلى النافذة مرة أخرى وتابعت:
- أليست هذه هي الحياه؟!
اختفت ابتسامتها وبقيت متسمرة في مكانها كأنها تمثال حجري لا روح فيه، يبدو أن الكلمة لامست جرحاً عميقاً بداخلها فقالت بصوت كأنه يخرج من أعماقها:
- أكره الفراق..
كنت أود أن أقول لها: أنت تطلبين المستحيل يا ود، لكنني رأيت ملامح وجهها تتألم فآثرت الصمت ثم قلت بابتسامة لأغير مجرى الحديث:
- أمتأكدة أنك لا تعرفين من هو (بوتيتشيلي)؟
ابتسمت كأنها تحاول العودة إلى طبيعتها، قالت:
- لا أعلم ما الذي يبقيني معك بالرغم من اعترافك بأنك كاذب..
- ربما لأنه لا يوجد رجل صادق على وجه الأرض.. يوجد فقط رجل يعترف بأنه يكذب... وأعتقد أنه نادر الوجود.. أنت الآن تملكين فرصة لامتلاك أحد النادرين.. لا تضيعيها.
صمتت قليلاً كأنها تفكر ثم قالت:
- بالحديث عن الرجال، ألا تظن أنك بالغت كثيراً في تصرفك مع الدكتور أسامه ذلك اليوم؟
- هل تقصدين ذلك الرجل الذي كان يحدثني عن (بوتيتشيلي)؟
قالت وعلامات التعجب بادية على وجهها:
- حتى أنك لا تعرف اسمه!!؟
اكتفيت بالابتسام فقط وتحريك رأسي فتابعت:
- لا أنكر أني فرحت بذلك جداً لأنني أكرهه شخصياً، كما أكره جميع الرجال الذين يتحدثون بطريقة برجوازية، أشعر أنهم تافهون.. لكنني منذ ذلك الوقت وأنا أفكر في سبب مقنع يدعوك لتتصـ..
قاطعتها بابتسامة خبيثة:
- لم تكفي عن التفكير فيّ منذ ذلك الوقت؟؟ أنه أمر يدعوني للغرور.. لكنني أود أن أسألكِ أولاً.. هل أنت شيوعية؟!
بدت معالم الحرج على وجهها لكنها تجاوزتها وقالت بإصرار:
- نعم.. وكادحة أيضاً..
- جميل.. هذا يدل على أن لديك هدف إنساني تسعين لتحقيقه..
- نعم.. وماذا عنك أيها المغرور.. ماهو هدفك الذي تسعى لتحقيقه؟؟
- أنا مغرور؟؟ ستتنازلين عن هذه الفكرة بمجرد أن تعرفي أحلامي البسيطة في هذه الحياة..
- لا أتوقع ذلك.. لكن لا بأس من الاستماع لك؟
- إنها ليست بسيطة.. لكنها تعتمد على حظي في هذه الحياة.
نظرت إلى وجهها فرأيت عينيها تستحثني على الحديث، قلت:
- إن كل ما أحلم به الآن هو أن تأخذ بيدي صاحبة الابتسامة الأجمل في هذا الحفل، لتعرفني على الرجال والنساء الموجودين هنا ثم أخرج من هذا الحفل ويدها تمسك بيدي كطفل صغير..
كانت لا تزال تنظر إلى عيني، قلت:
- حينها سأشعر أن كل الكون تآمر ليحقق لي أحلامي.
لمعت عينها، قالت:
- لك ذلك.. سأحقق لك هذا الحلم..
ثم تابعت بسرعة لتبين لي سبب ذلك، قالت:
- سأحققه ليس من أجلك.. وإنما لأجرب شعور السعادة التي يشعر بها الإنسان حين يحقق حلماً لأحدهم.. هات يدك.

*****

عندما عدت ذلك المساء إلى المنزل وجدت باسل بانتظاري، احتضنني بقوة وضغط على رقبتي، قال:
- يالك من وغد.. لقد اتصلت بك أكثر من عشرين مره لتأتي إلى المطار.. لكنك صديق عديم الفائدة.
ضحكت وأنا أحاول التملص من بين يديه، قلت:
- لقد سقط هاتفي وتحول إلى أشلاء.. لمَ لم تخبرني مسبقاً بموعد وصولك؟
تركني من يده، وقال بجديه:
- هل أنت جاد.. هل سقط هاتفك؟؟
- نعم.. وما الغريب في ذلك؟
- لا أعلم.. لكنني أعرف أنك تحافظ على أشيائك كثيراً..
- لا تشغل بالك.. إننا نكسب أكثر عندما نخسر بعض الأشياء، سأقوم لأعد فنجانين من القوه ثم أعود لتخبرني ماذا فعلت هناك..
- أنا بانتظارك..
دخلت إلى المطبخ فسمعت صوته يقول:
- يبدو أنها أنثى تلك التي كسرت هاتفك.. فرائحة يدي الآن تفوح برائحة عطر نسائي بعد أن وضعتها في يدك..
علمني التواجد مع (باسل) تحت سقف واحد ألا أتبع روتيناً محدداً في الحياة، قال لي ذات مساء أنه يعتقد أن من أسباب الوفاة المبكرة هو التكرار اليومي للحياة، فنجان القهوة و ملعقة السكر، التحيّات البائسة والابتسامات المخيّطة، الملابس التي تجعلنا نبدو كتماثيل خشبية لا حياة فيها، ثم مع مرور الوقت تسلبنا ما تبقى من أرواحنا وتقذف بنا إلى (فاترينات) العرض لنصبح كائنات مستأنسة مروضة للمتعة.
هذا لا يعني أن كل تكرارات الحياة مملة، فبعضها نشتاق لتكراره بالرغم من أننا نفعله كل يوم، كالحديث مع شخص نحبه.
يعتقد البعض أن الحب الخالد أو الأسطوري لا ينشأ إلا من طفرة كونية بين رجل يستطيع أن يخبئ الشمس في كم ثوبه وأنثى تشبه القمر، وأنه - أي الحب - ليكون خالداً يجب أن يكون مختلفاً في نشأته عزيزاً في قومه ذو حكمة وعلم، لكنه يأتي دائماً مخالفاً لكل هذه التوقعات ناشئاً من أتفه الأسباب.. كالتعود مثلاً !!
ويبدو أن اللقاء اليومي بيني وبين (سمر) على الشبكة الافتراضية جعلنا نعتاد هذا الحدث إلى أن أصبح جزءاً رئيسياً لا يكتمل يومنا إلا به.. وإن لم نعترف بذلك أبداً.
كنت أقضي معها الساعات دون أن أخشى من معرفتها لما يدور في عقلي لأنها لا تستطيع رؤيتي، بينما تتيح لها هذه الشبكة قدراً أكبر من الحرية في التعبير عن نفسها بسهولة دون خجل كما في الواقع.
بعد أن نام (باسل) تلك الليلة متعذراً بإرهاقه دخلت لأتحدث مع (سمر)، قلت:
- ماذا تفعلين حتى هذه الساعة؟
- أنتظر شخصاً غبياً وعدني أنه سيكون هنا قبل العاشرة..
- لقد عاد باسل من العاصمة، فجلست معه قليلاً قبل أن يخلد للنوم.
- حمداً لله على سلامته.. قصي.. سيقيم النادي الأدبي غداً أمسية شعرية، هل تود الحضور؟
ترددت في الحضور، فقد أصبحت أخاف كثيراً من معرفتها لما أفكر فيه، قلت:
- سأحاول..
- احضر من أجلي يا قصي.. ألسنا أصدقاء؟؟
- حسناً.. سأفعل... لكن رجاءاً.. حاولي ألا تقرئي تصرفاتي.. يربكني ذلك..
- أعلم.. فجميع الرجال يربكهم ذلك..
- هل تعلمين.. أشفق على زوجك كثيراً..
- ممم.. سأخبرك بسرٍ يا قصي.. ربما أملك القدرة على قراءة أفكارك، أستطيع أن أخبرك أنك تكون في أحسن حالاتك النفسية عندما تنفث دخان سيجارتك للأعلى مثلاً، وأنك ترفع حاجبيك للأعلى حينما لا تصدق أحدهم، كما أنك تخفض عينيك عندما تشعر بالذنب، وتلمس أذنيك عندما تشعر بالحيرة..
قد أستطيع قراءة الكثير من تصرفات البشر بحكم خبرتي ومجالي.. لكن عندما يتعلق الأمر بالحب فإنني أصبح كغيري من الفتيات الساذجات، أتوق لسماع كلمات الغزل وإن كانت كاذبة!!
عندما تتعامل مع شخص رائع ومخيف كسمر.. لن تخجل من أن تكون تلقائياً على طبيعتك دون تكلف أو مبالغة، أن تكون أنت.. فلا تخشى أن تسقط على وجهك، أو تمسح فمك بطرف كمك.. المهم أن تكون جميع خلجات وجهك صادقة لأنها ستكتشف ذلك بسهولة.
كان الأستاذ عادل (المصور) هو أول من التقيته عند المدخل فاستقبلني بحفاوة وسألني عن سبب انقطاعي عنه فأخبرته أن هاتفي كسر ولم أستطع الوصول لرقمه مرة أخرى، وكان هاتفي الجديد دليلاً واضحاً على صدق كلامي، حضرنا الأمسية سوية وتحدثنا وتبادلنا الأرقام من جديد قبل أن يقوم للتصوير، وبعد الحفل الذي كان هادئاً نسبياً وجدت سمر تقف أمامي، قالت:
- كيف كانت الأمسية؟
- جميلة..
جلسنا في نفس المكان الذي جلسنا فيه سابقاً، قالت:
- لقد طلبت من السائق أن يتأخر..
- جميل..
كان المكان يعج بالسيارات التي بدأت تختفي تدريجياً وسمعت صوت هاتفي يرن، قلت لسمر:
- إنه عادل.
حركت رأسها فقمت بالرد عليه:
- أهلاً أستاذ عادل.. ما الأمر.. سيارتك لا تعمل.. حسناً حسناً.. سأخرج الآن..
قالت لي كأنها لا تريدني أن أذهب:
- هل ستقوم بإيصاله إلى المنزل؟
نظرت إلى عينيها مباشرة، قلت:
- أشعر أن هناك ما تودين قوله.. سأحاول جاهداً ألا أفعل ذلك.. سأعود في أسرع وقت ممكن..
قمت من مكاني فسمعتها تقول:
- لا تخبره أنني معك.
كنت قد أصبحت بجوار سور المبنى فأشرت لها بيدي ثم اتجهت إلى سيارة الأستاذ عادل مباشرة وعدت بعد دقائق يتخلل أصابع يدي زيت السيارات الأسود.. أشرت لها بيدي الغارقة في الزيت ثم ضغطت بلساني على خدي الأيمن ليبرز بشكل مضحك فضحكت، قالت:
- هل تعلم يا قصي؟
نظرت إلى عينيها فتابعت:
- لن أصاب بالدهشة إن أخرجت لي أرنباً من كم قميصك الآن، لن أتفاجأ أبداً.. أعلم أنك قادر على فعل كل شيء تريده، أشعر أنك تمتلك قوة داخلية تستطيع من خلالها تسخير جميع الأشياء لخدمتك.
اكتفيت بالنظر إلى الأسفل وأنا أشعر أن كل نساء العالم لن يستطعن أن يمنحنني هذا الشعور الذي أشعر به الآن، ثم شعرت بها تقترب من أذني وقالت في حديث أقرب إلى الهمس:
- لذلك أعتقد أنني سأسلبك متعة الشعور بالغرور عندما تقوم بشيء مختلف عن الجميع.. أعلم أنك قادر على فعله مسبقاً..
قلت بعدم تركيز:
- وهذا ما يحبطني ويخيفني فيكِ.. هو أنك تستطيعين قراءة أفكاري فلا أقدر على مفاجئتك..
قالت بإحباط:
- لا تصدق كل ما أقوله.. فأنا أشعر أحيانا أنك لست هنا، كأنك مجرد خيال فقط..
دائماً ما تأتي في خيالي منفرداً دون أي تأثيرات خارجية.. كما في الواقع، لا يرتبط حضورك أو غيابك سوى بك.. كأنك محور التأثير على ما حولك.
نظرت إلى عيني مباشرة ورأت آثار الذهول تخترقني، قالت:
- أعلم أنك قد لا تصدق ما أقول.. أو تعتقد أنني أبالغ في وصف واقعي معك.. لكن صدقني، هل لك أن تخبرني بشيء تتحدث عنه كثيراً؟
أغنية تشير إلى زمن؟؟
مشهداً يشير إلى وطن؟؟
موقفاً يشير إلى حياة ترتبط بك؟؟
لا شيء أبداً..
هكذا تأتي أنت وحدك مغلفاً بالفراغ لتفرض سيطرتك على كل ما حولك.
تستخدم يديك في صنع نكاتك، وروحك في صنع المواقف من حولك.
لذلك تصبح ابتسامتك أهم معالم حلمي.. بل أنها قد تكون المعلم الوحيد فيه..
شعرت أن جسمي بدأ يرتعش بقوة وأن دقات قلبي بدأت تتزايد بشكل ملحوظ كأنها تبذل جهداً خرافياً لتبقيني على قيد الحياة.. حاولت أن أشتت تفكيري في ما حولي لأبتعد عن محورها الذي أدور حوله، لكنني وجدت نفسي أتحول إلى نقطة صغيرة في عالمها، قلت:
- لم أفكر في ذلك أبداً..
ربما أكون جسماً غريباً في هذا الكون يسبح في فضاء خاص به، ربما يكون ذلك حقيقة.. لطالما شعرت بأنني لا أنتمي لأي شيء في هذه الحياه.
وصمتنا.. لكن عقولنا كانت تعمل بسرعة الضوء، ولا إرادياً بدأت رجلي بالاهتزاز بحركة متتابعة فأيقظتني.. قالت:
- ماذا رأيت في حلمك؟
مسحت شعري بيدي، وبدأت أحاول ألا أصدر حركات تستطيع هي قراءتها بسهولة:
- لا شيء.. فراغ مهيب لا جاذبية له ولا نهاية لوجوده.
- قد يكون هذا عالمك الذي تبدأ منه كل أحلامك يا قصي.. امنح هذا الفراغ لوناً أبيض.. بإمكانك أن تضع عليه سحباً رمادية وسماء زرقاء صافية.. أعتقد أنك تحب الليل.. لا أعلم.. ضع فيه قليلاً من النجوم.. صوت البحر، وقليلاً من الصمت لتتمكن من تخيل الأعشاب البحرية والأسماك التي تعيش على عمق ميلٍ أو ميلين من سطح البحر.. تخيل كيف تعيش وتتكاثر وعلى ماذا تقتات.. ارتفع قليلاً من سوداوية الموقف.. اقترب من السطح قليلاً لترى المروج والأسماك تسير في أسراب مشابهة لأسراب الحمام.
اقترب أكثر فأكثر.. هل ترى الدلافين؟؟ ضوء الصباح.. واحة وسط الصحراء؟؟ وشمس تغرب خلف كثيب رملي ناشرة شعاعها كدم أحمر في السماء..
أراض خضراء.. وحقول القطن أو الشاي.. لا أعلم وجه الشبه أو الفرق بينهما.. المهم أن هناك عمال بسطاء يحنون ظهورهم ليجمعوا شيئاً من تلك الحقول..
وناطحة سحاب زجاجية شاهقه تعرقل حركة السحاب.
ومتظاهرون يرفعون شعارات صفراء، يخرج منها نور يغمر الوطن.. وأمل جديد.. وشمس تغازل الأرض فترسل لها هدايا النور مغلفة بأشعة ذهبية تغطي كلّ ما وقع ضوئها عليه..
وفتاة هائمة بك..
لا تتخيلها رجاءاً.. افتح عينيك ..
إنها أنا..



يتبع..

عشـق القــمر 24-11-13 05:05 PM

رد: رواية 13
 
رووووااايه جميله جداااا وفرررييييده من نووعهااا..
متابعه جديده ..وأريد ان اعلم متى موعد تنزيلها أختكم عشق..وشكرا..

Ahmad Rufai 24-11-13 09:28 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ..

شكرا لجميع المتابعين

تقريباً موعد نزولها هو مساءكل جمعه وشاكر لكم دعمكم جميعاً

وألف شكر لكل طاقم الإداره :)

همسة حياااة 25-11-13 06:52 AM

رد: رواية 13
 
الى الامام بارك الله فيك

عشـق القــمر 25-11-13 08:48 PM

رد: رواية 13
 
ياااعاااالم ممكن تفهمووني قصي هذا وشو سالفته..انا تعقد منه صراحه..هههههه
مع ان الروايه جميله جدا جدا جدا..لكن اظن اني راح اطالب بتحليل شخصية قصي. !!
ممكن يحب سمر في النهايه او يمكن تالا او يمكن يصل لرقم 13في العلاقات العابره ممكن..؟؟!!
أنا محتآره جدا..مع اني يمكن اقدم فيه بلااغ لانو ماعم بيحترم العنصر النسائي ابدا..هههه..شكرا كثير..ومتحمسه الفصل القادم..وشكرا..اختكم عشق..

براعم 25-11-13 10:03 PM

رد: رواية 13
 
اعتقد ان قصي يخبرنا من خلال علاقاته وتجاربه انه على معرفة بالنساء

ويعرف تفكيرهاا وكيفية التعامل معها >>>> نرى ذلك من خلال خططه والتي للاسف ناجحه

شخصيه ذكيه جدا نعترف ياقصي انك اجدت فهم المراه للان وهذا ماجعل من الروايه ملفته للانتبها وخصوصا لدينا نحن النساء

السر برقم 13 هل اقتربنا من النهايه ؟؟؟؟ اذا كان عدد الفصول هي 13 ؟؟

ام في عدد التجارب وانواع مامر به هن 13 ؟؟؟ اذا كان الجواب نعم >>> هل سيقع تحت تاثير سمر ؟

سمر التي تفوقه ذكاء ولديها القدره على تحليل شخصيته ؟ وباعترافها الاخير هل تبقى العلاقه مجرد صداقة ؟ لا اغتقد

ممكن الرجل يخاف الارتباط بامراة اذكى منه ؟

شكرا لك ولابداعك المميز

Ahmad Rufai 29-11-13 07:50 PM

رد: رواية 13
 
-12-


وفتاة هائمة بك..
لا تتخيلها رجاءاً.. افتح عينيك ..
إنها أنا..
للحظة شعرت أنني أريد فتح عيني لاكتشف أنهما كانتا مفتوحتين مسبقاً، فنظرت إلى سمر وعيني ترجوها قائلة: أرجوك.. تراجعي عن قرارك يا سمر.. وأعدك بأنني سأتصرف كأنني لم أسمع شيئاً، قلت ضاحكاً:
- هل تصدقين أنني شعرت أن عيني كانتا مغلقتين فعلاً.. بالرغم من أنني أكاد أجزم أنني رأيت كل ما قمت بوصفه لتوك..
أدركت سمر حينها أنني تجاهلت آخر حروفها، فقالت بحسرة وهي تمسح بيدها دمعة طفرت من عينيها:
- أتعلم يا قصي.. لا أعرف رجلاً يستطيع تخيل كل هذا في وقت واحد ليكوّن صورة جميلة كما تفعل أنت..
لماذا يا سمر.. أنا لست جيداً في إنتاج الحب وتغليفه في علب لا تنتهي صلاحيتها كما يفعل الآخرون، فعادة ما تتلف منتجاتي من الحب وتصبح غير قابلة للاستخدام قبل أوانها، لقد تركت قلبي منذ زمن في مكان ما ونسيته هناك ولا أعرف طريق العودة إليه الآن..
لو كنت أملك قلباً ينبض لما تركت ربى غارقة في الغربة دون أن أودعها.. لما رأيت الحب في عيني خصال وهي تحاول أن تمنحني كل شيء ثم أهملها.. أعترف بأنني لم أحاول أن أحبهما لأنني لم أرد ذلك كما لم أطلب منهما أن يحبنني..
ثم ما بال النساء لا يجدن اللعبة التي منحتهن الحياة إياها، ألم تقسم الحياة بيننا وبينهن فأعطتهن الفتنة والإغواء وأعطتنا المحن والحروب!!
كنت قد منحتها ظهري عندما بدأت الحديث، لكنني الآن لا أجد مجالاً للهرب فاختلست النظر إليها بعد لحظات لأني توقعت أنها رحلت حين لم أشعر بها - أو هكذا منيت نفسي- فوجدتها تمسح دموعها وتخبئ وجهها بكلتي يديها، وحالما شعرت أنني أنظر إليها رفعت عينيها لتلتقي بعيني لثوانٍ شعرت أنها دهراً كاملاً، كانت كأنها تنظر لي للمرة الأولى منذ التقينا، أو كأنها نظرة الشخص المتسائل.. لم أنت هنا؟!
آه يا (سمر) لو تعلمين أنك الأنثى الوحيدة التي استطاعت أن تنسج لي الحلم بخيط الحقيقة.. أنتِ بالنسبة لي علم.. أقصد أنك شيء مقدس جداً، وسأشعر بحقارتي إن قمت برفع القداسة عنك.. صدقيني..
ابتلعت ريقي وفتحت فمي أحاول أن أتكلم.. أن أشرح لها قداستها في نفسي، أعلم أنني لن أستطع مهما فعلت.. فرحت أهذي بكلام غير مفهوم، قلت:
- أريدك أزلية يا سمر.. لا أريد أن تكوني واهمة بالحب.. السيطرة.. الخلود.. هذه كلها أوهام العاجزين الذين لا يريدون الاعتراف بعجزهم وأنهم بشر مصيرون إلى الفناء.. ومهما حاولوا فلابد أن يصلوا إلى النهاية..
الحب كالدول يا (سمر) يبدأ صغيراً في نفسه كبيراً في قلوب أصحابه ثم ينمو ويكبر ليصبح كبيراً في قدرته كبيراً في قلوب أصحابه.. ثم يصير إلى الزوال عندما يصبح أكبر من قلوب أصحابه فيموتون متأثرين بتضخمه..
كنت قد وصلت إلى حافة الشعور بأني سأفقدها فرحت أحاول أن أشرح لها ما بداخلي دون جدوى وأنا أحرك يدي موضحاً كل انفعالاتي لدرجة أنني أصبحت لا أعي ما أقول، قلت:
- الحب يستنزفنا يا سمر.. يستنزفنا لأننا يجب أن نبقى في حالة حرب مستمرة مع شخص يفترض أننا نحبه حتى لا نقلل من وتيرة هذا الحب.. أنت أكبر من هذه الترهات .. أكبر من هذه الترهات بكثير..
في الحب يا سمر.. دائماً ما تأتي النساء على صورة مدينة.. ويأتي الرجال على صورة وطن.. فإذا سقطت المدينة مات الوطن..
وأنا لا أريد أن أموت..
لا أريد لهذه الصورة الجميلة أن تنتهي.. لا أريد أن أصحو يوماً لأجد نفسي وحيداً هارباً من ذكرياتك في بلد لا أعرفه..
شعرت أنها لم تفهم شيئاً مما أقول فرحت أحاول أن يبدو كلامي واضحاً، قلت:
- هل تعلمين أن..
قاطعتني بهدوء:
- لا أريد أن أعلم.. أريدك أنت يا قصي.. أريدك أنت..
أنا مؤمنة بك وبقدراتك، إيماناً يتجاوز كل درجات التسليم.. ويمنعني من التراجع ..
وتأكد أنه ليس تسليماً بواقع ولا استسلاماً لمشاعر..
ابتلعت ريقها ثم عادت للحديث وبدأ صوتها يعلو من بين بكائها، قالت:
- لا أريد أن أعرف.. هل تعلم لماذا؟؟ لأن الإيمان مصدره الثقة وليست المعرفة، فالمعرفة تولد عدم الثقة في أكثر الأحيان.. وأنا لا أريد أن أعرف..
اقتربت مني وهي تحاول أن تقنعني، قالت:
- أحلامنا الصغيرة، لا تحتاج إلى طاقة خرافية بقدر ما تحتاج إلى إيمان كبير.. وأنا على يقين بأنني سأمتلكه معك..
للحظة شعرت أنني لن أستطيع الصمود أمامها.. وأنني سأجثو على ركبتي لأخبرها أنني أحبها كما تحبني، لكن ما حدث مع خصال جعلني أعيد التفكير كثيراً، ولن أسمح لنفسي بتكراره مرة أخرى مع امرأة أعلم يقيناً أنني لا أحبها..
رأيت سيارة سائقها تقترب فقلت:
- سأكون سعيداً جداً عندما أجد رسالة منك صباح الغد تقولين فيها كعادتك: أتمنى لك يوماً جميلاً يا صديقي..
لم أمنحها فرصة لأي شيء واتجهت نحو سيارتي مباشرة.
ولأول مرة منذ عرفت (سمر)، ها أنا أستلقي على فراشي دون أن تكون هي آخر من أتحدث معه، خيل لي أنني سمعت صوت (باسل) يتحرك في المطبخ ويسقط شيئاً فقمت لرؤيته، عندما دخلت إلى المطبخ كان يجمع قطع الزجاج المنثورة على الأرض، قال لي باسماً:
- ألا زلت مستيقظاً؟
اتكأت بجسدي على خزانة الصحون دون أن أجيبه، قال بخبث:
- يبدو أن صاحبة العطر بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من تفكيرك.. هل هي جميلة إلى هذا الحد؟؟
رفعت حاجبي إلى الأعلى ثم أخذت نفساً طويلاً وزفرته بهدوء، فتحرك ناحية سلة المهملات وهو يقول:
- الحب.. الحب.. أعتقد أنه العمود الأهم لخيمة الحياة الزائلة.. إذا استطعت أن تراه جميلاً فسترى جميع أحلامك تتمحور حوله، وإن لم تستطع أن ترى ذلك فإنك ستعتقد أنه العقبة التي تقف في منتصف الطريق دائماً بينك وبين أحلامك.. أنت من يقرر كيف تريد أن تراه..
اقترب مني ووضع يده أمام أنفه بحركة مسرحية، قال:
- لا زلت أشم رائحة عطرها في يدي.. أعتقد أنها تشعر بالوحدة.. فرائحة العطر نفاذة جداً.. وأعتقد أن هذا يبدو جيداً حتى الآن.. أهم ما في الأمر هو أن تبني علاقة متينة مبنية على أساس سليم لتستمر لآخر العمر..
قالها ثم أتبع حديثه بضحكة كبيرة فشاركته بابتسامة وخرج من المطبخ وهو يغمز لي بعينيه.. فناديته:
- باسل..
التفت لي فقلت:
- وكيف ترى أنت عمود الحب في حياتك.. هل هو محور أحلامك؟؟ أم عقبة يقف بينك وبينها؟؟
اتكأ بجسمه نحو الباب وهو يقول:
- أعتقد أنه بالنسبة لي في مرحلة التحول.. فأصبح علامة لموضع أعلم الطريق إليه ولكنني لا أحتاجه كثيراً..
بدا على وجهي التفكير في حديثه، فتابع:
- أما صاحبة العطر فأنصحك ألا تتأخر عليها.. فكأني برائحة عطرها تخبرني بأنها على عجلة من أمرها.
قالها ثم اختفى وسط ظلام الردهة عائداً إلى غرفته.. وبالرغم من أنني لم أكن أتحدث معه بخصوص ما يحدث معي في يومي إلا نادراً إلا أنه كان على حق، فقد بدت (ود) على عجلة من أمرها تلك الليلة حين سحبتني من يدي وراحت تعرفني على بعض شخصيات الحفلة أمام عيني (تالا) التي كادت تموت حسرة عندما رأتني بصحبتها، ثم سحبتني إلى الخارج وقالت لي:
- هل اكتفيت؟؟ أم أن حلمك يريد الذهاب لأبعد من ذلك؟؟
تراجعت متجهاً نحو سيارتي، قلت مبتسماً:
- لا أعتقد أنه سيكتفي من أنثى تشبهك أبداً.. لكنني على ثقة أنه يتفهم موقفي الآن.. فتحقيق جميع أحلامه بهذه السرعة دائماً يجعله كثير المتطلبات..
صمتت قليلاً، ثم قالت:
- وأنا.. لدي حلم.. هل بإمكانك أن تحققه لي؟
أشرت لها بعيني علامة الموافقة، قالت:
- أريد أن أعرف لماذا أحرجت الرجل في تلك الليلة؟؟ ولماذا اخترتني من بين كل النساء لتكذب عليّ هذا المساء..
صمتت قليلاً ثم تابعت:
- وفي حال موافقتك على تحقيق حلمي فإني أريد أن أعلم لماذا وافقت على تحقيقه؟؟
ابتسمت لها واقتربت من سيارتي لأفتح لها الباب وأدعوها بعيني للركوب.. بدت واثقة من نفسها جداً وهي تقترب مني وتتجاوزني نحو مقعد الراكب، وما أن استقرت بنا السيارة على الطريق قالت:
- رغم شعوري بأنك تشبه اللعنة.. إلا أن الحديث معك جميل جداً..
ابتسمت لها، قلت:
- إن الحياة مع امرأة شيوعية لعنة أكبر.. فهي لا تبذر حتى في مشاعرها، دائمة السؤال عن أسباب كل شيء..
قاطعتني بسرعة بديهة:
- ربما لأنها لا تحب أن تعطي أمراً أكثر مما يستحق!! دعك من هذا الآن.. ألن تجيبني على أسئلتي؟
رن هاتفي ليعيدني إلى الواقع.. فهرعت إلى غرفتي بسرعة لأجيب على الهاتف ظناً مني أنها سمر، قلت:
- أهلاً..؟
لم يجبني أحد فتوقعت أنه ربما لا يستطيع سماعي، قلت:
- هل يسمعني أحد؟؟ .. صباح الخير..
لم أجد إجابة فأغلقت الهاتف ورحت أتقلب على سريري وأنا أنظر إلى السقف، ما بال الوقت هذا المساء لا يريد أن يتحرك يا سمر، ليتك تعلمين أنني لم أكف عن التفكير للحظة في ما حدث بيننا اليوم، أتمنى لو كنت أستطيع أن أغسل كل أحزانك أو أختزلها لأضعها على قائمتي التي لم تعد تكترث بزيادة المصائب، أصبحت أكره كل شيء يا سمر.. ويبدو أنني بدأت أكره نفسي..!!
بدا المساء ثقيلاً جداً وكذلك الصباح، وبالرغم من أنني أنهيت عملي إلا أنني جلست على مكتبي دون أن أتحرك.. حتى عندما خرجت من المكتب مرغماً لم تعد تغريني تلك الطرق الفرعية التي كنت أستخدمها في الوصول إلى المنزل سريعاً لأتحدث مع (سمر)، قدت سيارتي إلى البيت من الطريق الرئيسية، لأتوقف في كل إشارة علّها تأخرني قليلاً، سمعت صوت هاتفي فاختلست النظر إلى شاشته لأجد اسم (ود) يتكئ عليها بملل فرفضت أن أجيبها، ورفضت هي أن تصمت، أعادت اتصالها لمرتين فأجبتها في الثالثة على مضض.. يبدو أنني بدأت أكره كل النساء أيضاً..
حاولت أن يبدو صوتي طبيعياً قدر الإمكان، قلت:
- أهلاً (ود).. كيف حالك؟
جاءني صوتها مرهقاً جداً، قالت:
- أنا في المستشفى أجري بعض الفحوصات..
- هل أنتِ بخير؟؟
- لا تقلق.. إنه أمر روتيني..
- هل هناك أحد برفقتك؟؟
- اتصلت بصديقتي، لكنها مشغولة..
- في أي مستشفى أنتِ الآن؟
- أنا بخير.. لا تقلق..
أخذت عنوان المستشفى، كنت أعلم أنها بحاجة أحد إلى جانبها وإلا لما اتصلت فقط لتخبرني أنها هناك، وبالرغم من أنني لا أريد رؤيتها إلا أنني لم أستطع أن أعتذر عن مساعدة شخص أراد مساعدتي.
الغريب أنني عندما دخلت إلى المستشفى أصبت بحالة غريبة، فكأن وجهها مسح من ذاكرتي تماماً.. حاولت أن أتذكرها لكنني كلما أمسكت بطرف خيط رأيته ينسل من يدي ليتبدد في الظلام..
توجهت نحو موظف الاستقبال بتردد وهممت بسؤاله فشعرت بأصابع صغيرة تسحبني من ذراعي إلى الخلف، قالت ضاحكة:
- لا أعلم كم من الوقت يجب عليّ أن أمسك بيدك كطفل صغير..
التفت إليها مباشرة، قلت:
- ماذا قال الطبيب؟؟ هل أنت بخير؟
لم تجبني، اكتفت بابتسامة وقادتني من يدي إلى الخارج، كانت ملامحها تنذر بالخوف رغم محاولتها الشديدة إخفاء ذلك، لم نتحدث طوال بقائنا في السيارة، ولم أكن أعرف إلى أين سنذهب، ولم أستطع أن أطلب منها أن تدلني إلى منزلها حتى لا تشعر أنني لا أريد البقاء معها، كما أنني لا أعلم إن كانت في مزاج جيد للذهاب إلى مكان ما.. فرحت أتنقل من شارع إلى آخر وأختلس النظر إليها لأتأكد من أنها على ما يرام..
قالت بعد فترة من الصمت:
- هل تعلم يا (قصي).. أشعر أنني في الأربعين..
شعرت بمدى الإحباط الذي تعانيه (ود) في هذه اللحظة، فأحببت أن أمنحها شيئاً من الأمل:
- مثيرون جداً أصدقاء الأربعين.. فكما يمنح الأربعين الرجل الوقار في هذه المرحلة ويخط الشيب أولى حروفه على صدغه ويمنحه مظهر الرجل الحكيم، فإنه يمنح الأنثى فتنة لا تنتهي، كأنه يصقل كل مفاتنها طوال هذه السنين ليجعل منها تمثالاً صلداً لا يتغير..
إن امرأة لا تثيرك في الأربعين هي امرأة تم استهلاكها قبل أن تصل إلى هذه الفتنة.. لأن الأربعين هو أهم مرحلة انتقالية فاصلة في حياة كل شخص، وهو المفتاح لما بعده من سنين..
ابتسمت لي بامتنان أنثى في الأربعين، الأربعين في هيبته وجلاله وتجاربه.. وإثارته!!
ولكي أمنعها من التفكير بإحباط وأمنع نفسي من الكذب حركت مؤشر مذياع السيارة لينساب صوت (الست) هديراً يجتاحنا ويجرفنا بقوته وحيويته نحو الشلال.. فسقطنا وضللنا صامتين كتماثيل، لا نحاول التجديف نحو الأعلى كأننا نستمتع بالغرق، في الواقع كانت أفواهنا صامتة فقط، أما أجسادنا فقد راحت تتحدث بمنتهى القوة والحيوية كصوت (الست) وتعبر عن نفسها بانقباضات متكررة في أصابعي وعينيها، وما أن أنهت وصلتها حتى انفجرت باكية، غطت وجهها بيد واحدة وأمسكت الأخرى بالباب بقوة فأغلقت جهاز التسجيل وتوقفت جانباً.. ثم سحبت يدها ورحت أمسح عليها بهدوء.
قالت:
- الحب كالموت، قدر لا تستطيع الفرار منه، ومهما فررت منه فإنك ستصطدم به يوماً، أكثر ما يعجبني فيك يا قصي أنك تجاوزت الحب بمراحل، تستطيع الاستمتاع بكل لحظاتك كأنها الأخيرة..
قبضت على يدها ورحت أرسم دوائر صغيرة على راحتها، قلت:
- وماذا يعني الموت.. كلنا سنموت، أنا أخاف الموت كما تفعلين، لكنني أستغل كل لحظة لأحيا ما أحبه وأفعل ما أريده.. لا أريد أن ينتشلني التفكير في الموت عن الحياة.
مسحت دموعها ونظرت إلى عيني مباشرة، قالت:
- قصي.. هل تجيد الرقص؟
ابتسمت وأنا أدير محرك السيارة من جديد، قلت:
- في الواقع.. لا..
- أشعر برغبة جامحة في الرقص..
لم أجبها أكملت طريقي متجهاً نحو نفس المكان الذي جلسنا فيه سابقاً وأوقفت سيارتي على تلّة بعيدة عن الأنظار..
نزلت من السيارة ورفعت رأسي إلى السماء أستنشق الهواء، ثم أخرجت علبة السجائر من جيبي لكنني اكتشفت أن القداحة في السيارة، فالتفت نحوها لأجدها تقوم بنزع حذائها ثم ترفع صوت المذياع وتخرج من السيارة، أشارت لي فاقتربت منها بعد أن أخذت قداحتي من السيارة وأشعلت السيجارة لتشاركني هذا المشهد الذي لن أنساه ما حييت.
رفعت (ود) يديها إلى الأعلى وابتعدت لخطوتين ثم بدأت في الرقص بشكل مثير وتدور حولي وأنا في قمة دهشتي، فسحبتني من يدي وأوقفتني بجانبها تقول ضاحكة:
- هكذا.. افعل هكذا.
استغربت من قدرتها العجيبة على تجاوز المشاكل بهذه الطريقة المجنونة حقاً .. لا أعلم كم من الوقت بقيت تتمايل بطريقة هستيرية، كان جسمها يتلوى مع كل نغمة كأنها ثعبان كوبرا يحركها عازف هندي!!
ولم تنقطع ضحكتها وهي تراني أشاهدها بذهول وتعجب، حتى ألقت بجسدها على مقدمة السيارة وهي تتنفس بقوة..
اختفت ابتسامتي واقتربت منها، قلت:
- ود.. هل أنت بخير؟؟
تنهدت وهي تحاول أن تعبئ صدرها بالأوكسجين، قالت:
- لم أشعر أنني بخير في حياتي كما أفعل الآن.. أشعر أنني حرة من كل شيء..
أشعلت سيجارة أخرى وتوجهت نحو السيارة لأخفض صوت المذياع لكنني سمعت صوت ارتطامها بالأرض فحملتها مباشرة وتوجهت بها نحو المستشفى..

*****

جلست بقرب النافذة في المساء أقلب نظري بين التلفاز وشاشة الكمبيوتر، أفكر في (سمر) التي جرحها الحب، و (ود) التي جرحها عدم وجوده.. سمعت صوت جهاز (الكمبيوتر) ينبئني عن رسالة واردة.. سعدت جداً عندما وجدتها من سمر.. لا بد أنها فهمت ما أقصده.. فرحت أقرأها بكل حواسي..
"الواحدة بعد منتصف الحلم بقليل.. وخمسة وعشرون ساعة منذ فقدتك..
كنت أعتقد أن كلماتنا تسمو عندما نحب، لكنني اكتشفت اليوم أن أصدق اللحظات هي تلك التي نفقد فيها القدرة على التعبير، تنسل الحروف من بين يدي بعد أن كنت أستطيع تشكيلها بالطريقة التي أحبها، لتظهر كمنحوتة أو لوحة تشكيلية خالدة.
فاغفر لي غباء كلماتي وعجز حروفي لأنني لا أجد طريقة أبدأ فيها حديثي معك، بعد أن كنت لا أجد طريقة لإنهائها!!
الغريب أنني حتى الآن لم أستطع تحديد الوقت الذي وجدت فيه نفسي مغرمة بك، فكلما حاولت تحديد أول تصرف أجبرني على الاعتراف بذلك، اكتشف أنني أهملت موقفاً قبله كان أجمل منه، كأن الحب يريد أن يجبرني على الاعتراف بأنني أحبك منذ ولدت..!!
هل كان القلم الذي أهديتني إياه ليتلبسني كعاشق، أم كان جلوسنا معاً كل ليلة كصديقين، أم هو ذاك الشعور الذي رأيته في عيني (هند) عندما قالت أنك رجل يستحيل نسيانه، أم كان ذاك الموقف في حديقة مبنى الثقافة حين تأخر سائقي وشعرت أنك قادر على حمايتي كأب فقدته منذ زمن بعيد.
لأشعر أنني مرتبطة بك ارتباطي بالوجود..
أيقنت الآن أن أجمل الأشياء هو ما يغمرنا صدفة دون ترتيب.. ولأول مرة في حياتي أشعر أن هناك شخصاً يرتقي ليكون نصفي الآخر.. يرتقي لأن أجمع كل أحلامي الصغيرة وأنثرها أمامه كطفلة تسمح له بأن يشاركها باللعب في أحلامها.. ومشاعرها باختيارها.. لأنها على ثقة بأنه لن يخذلها يوماً.. لأنها موقنة بأن الخوف منه كالخوف من الفرح.. وأن الكون كله عاجز أن يمنحها الفرحة كما يمنحها لها..
واعذر طيشي فأنت من علمني أن الحب هو أن نتصرف كمراهقين.. أنت من شجعني على الاعتراف لك بذلك حين منحتني الإحساس بأنك مستعد للتضحية بكل شيء من أجلي فاعتقدت أنني امتلكتك يا قصي لتصبح لي وحدي.. لكنني كنت مخطئة حين حاولت أن أمتلك شيئاً كتب عليه أن يكون ملكية عامة..
افتح مسودة كتابي الذي لم أعد أريده بعد أن امتلأ برائحتك، واقرأ حروف اسمك في كل أول سطر من كلمات الإهداء، ثم احرق هذه المسودة أو احتفظ بها لنفسك لأنني لم أعد بحاجتها، لأنها تذكرني بعجزي وعدم قدرتي على امتلاك حبك..
يبدو أنني بحاجة إلى أكثر من عمر لأنسى ما حدث، ويبدو أنني لن أنسى لأني لا أريد ذلك حقاً، أنا من رضيت مختارة أن أعرف جميع الأشياء بطريقتك الباذخة في تعريف الأشياء.. هل تذكر حين أسررت لي بأنك تقوم بتجزئة كل كلمة إلى حروف ثم تعيد صياغتها من جديد؟
اليوم سأخبرك ماذا تعني بالنسبة لي يا قصي..
قلب كبير..
وصغيرة تهذي..
ويوم أخير..
أرجوك يا قصي.. بقدر قداستي التي تدعيها في نفسك.. لا تحاول الاتصال بي لأنني لا أملك ألا أن أجيبك.. وأنا لا أريد ذلك.. وتأكد أنني لست نادمة على كل لحظة قضيتها بجانبك، كل ما في الأمر أنني لا أقبل أن أمتلك جزءً منك بينما تتمتع أخرى بكل ما فيك"

*****

وقفت أمام سرير (ود) في المستشفى أنظر إلى تجاعيد وجهها والمحاليل التي التصقت بها، انتظرت طويلاً حتى فتحت عينيها وانتبهت لوجودي، قالت بصوت واهن:
- أكره الحقن، لو كنت أملك قليلاً من الطاقة لنزعتها.
ابتسمت، لم أجبها، قالت:
- أخبرني.. ماذا يفعل الإنسان عندما يصل إلى هذه المرحلة؟
أخذت مقعداً قربها وجلست لكنها لم تلتفت ناحيتي وبدأت عينيها تفيض بالدموع، قالت:
- تخيل أنني لا أستطيع حتى الالتفات إليك.
عدّت للوقوف مرة أخرى أمام سريرها، والتقت أعيننا فتحدثنا بصمت مهيب، قالت:
- لا تصمت، أخبرني.. هل أنا جميلة حقاً؟
اقتربت منها وقبلت رأسها بعد أن احتضنته بيدي، قلت:
- لا تسألي عن المسلمات.. قولي هل يستطيع الناس استيعاب كل هذا الجمال والفتنة التي أملكها؟
هل يستطيع من يراني أن يمر به يوم دون التفكير بي؟ هل يملك ألّا يفقد عقله؟ إن رجلاً يستطيع تقبيلك يا (ود)، هو بلا شك أسعد رجال العالمين.
لم تبتسم، قالت:
- اقترب.. انزع عني هذه الملاءة.
أمسكت طرف الملاءة بتردد، قالت:
- انزعها.. وارفعني.. ستكون أنت أسعد الرجال على الإطلاق..
حملتها بيدي دون أن أتحدث، قالت:
- هذا يكفي.. أعدني الآن.
عندما أعدتها إلى وضعها، كانت عينيها تلمع، صمتت طويلاً ثم قالت:
- أعلم أنك لا تحبني ولست مفتوناً بي.. لا تحاول الإنكار، إن محاولة قلب الحقيقة لن تجعلك كبيراً في عيني، بل على العكس تماماً.. سأشعر بأنك مثل أي كاذب عرفته في حياتي.. لكنني سأكذب على نفسي الآن.. وعليك أن تصدق كل كلمة أقولها.
وجهت نظرها إلى السقف وتابعت بصوت حالم وعميق جداً:
- أنت تعشقني جداً ولا تستطيع العيش من دوني.. حتى أنك الآن تقف أمامي راجياً أن أمنحك نظرة من عيني.. لكنني لن أفعل، فأنت لا تستحق ذلك.. أنت شخص عادي، ليس هناك ما يميزك أو أستطيع أن أحبك من أجله، لكنني أمنحك الآن الوقت لتفعل أي شيء يساعدني على أن أحبك..
كانت قد وصلت إلى حافة الحياة، تستجدي الحب في أصعب لحظاتها، لكنها لم ترد أن تصرح بذلك، بل أرادت أن تكون محور اهتمامي ففعلت. واقتربت منها جداً قلت:
- هل تسمحين لي أن أنزع الغطاء عنك.. أريد أن أكون أسعد الرجال هذا المساء.
- لا..
اقتربت من رأسها وجلست على ركبتي وأمسكت بيدها، قلت:
- رجاءاً.. سأكون سعيداً إن قبلت طلبي برؤيتك.
توجهت بنظرها نحو السقف، قالت:
- لست في مزاج طيب لأسمح لك بذلك.
- رجاءاً.. أرجوك سيدتي، أريد أن أمتلك في حياتي تلك اللحظة التي يخبئها كل الرجال في صدورهم ويقدسونها.
صمتت لثوان كأنها تفكر ثم قالت:
- حسناً.. سأفعل ذلك فقط لأنك رجل طيب..
رفعتها وأجلستها في حضني، قالت:
- هل صحيح يا قصي أن الرجال يخبئون بعض اللحظات في صدورهم ويقدسونها؟
- نعم..
- وكيف تكون هذه اللحظات؟؟
- تكون أقرب إلى الخيال من الحقيقة، ولا يصدقها أحد.
- وهل تملك أحداها في قلبك؟
- إنها لحظة تمثل الخلود، تزداد روعة كلما اختزلت لتصبح أقرب إلى الحلم منها إلى الواقع.. يصبح الرجل فيها مهما بلغت قوته عبداً لامرأة.
صمتت، فقبلت جبينها وأعدتها إلى سريرها، قلت:
- أخاف أن أبقى معك أكثر فلا أستطيع أن أبتعد عنك، لذلك سأحتفظ بقليل من ذاتي بعيداً عنك، فأنا كغيري من الرجال أخاف أن يسيطر حبك على كل تصرفاتي.
ابتسمت بامتنان واضح، قالت:
- هل تعلم يا قصي؟؟ قبل أن تطرق الباب بلحظات، كنت أتمنى لو استطعت الوقوف لألقي بنفسي من هذه النافذة.. أما الآن، فبودي لو استطعت الوقوف لأحلق من خلالها نحو الحياه، قصي.. هل تسمح لي أن أضع رأسي على كتفك؟؟
عندما يستطيع إنسان أن يشعرك بأن وجودك في حياته مصدر إيجابي، فإنك ستقف بجانبه مجبراً حتى آخر لحظة في عمرك، لأنه يكون حينها قد استطاع مخاطبة الإنسان في أعماقك.. استطاعت (ود) أن تسرق الكثير من اهتمامي دون أن أشعر بذلك.. أشعر وأنا بجانبها بالسعادة لكنني ما أن أعود إلى المنزل فإن كل شيء في حياتي يبدأ في مضايقتي بذكرياته، تطل (سمر) من كل النوافذ وتأتي (خصال) مع كل اتصال تتبعها (تالا) التي لا بد أنها الآن تعاني من الوحدة والقهر متأثرة بالطعنة التي سددتها لها كأفعى لا تريد أن تموت دون أن تنتقم من قاتلها.. شعرت بتفاهة تصرفي معها لأنها في النهاية أنثى ولا تستحق ما حصل.. لكن قلبي كان يبرر بأنها طعنت رجولتي وكان عليها أن تتحمل النتيجة!!
قضيت الليل كله أنظر إلى السقف وأتنقل بين طوابق الذاكرة الخربة، اكتشفت أنني أصبحت أمارس كل شيء بتلقائية آلية، فأحيانا أخرج من العمل لأجدني في البيت ثم أستيقظ وأنا في العمل دون أن أتذكر التفاصيل التي مررت بها أو الأشياء التي قمت بفعلها طوال هذا الوقت، استيقظت ذات صباح لأجد نفسي على مكتبي والأستاذ (حسن) يربت على كتفي لينبهني إلى وجوده، أطال النظر إلى الورقة التي أمامي وهو يتأمل الدوائر الفارغة التي صنعتها دون شعور مني، قال:
- قصي.. هل أنت على ما يرام؟؟
حركت رأسي بابتسامة، قلت:
- نعم.
توجه نحو النافذة ثم فتحها وهو يقول:
- أنا أعتمد عليك.. هل تعي ذلك؟؟ إنها فرصة لا تعوض.
وضعت يدي على يده بابتسامة، أخذت كوب قهوتي يرافقني زميلي داني، وطوال طريقي كنت أفكر في (ود).. ترى كيف هي الآن، لابد أنها تتوقع زيارتي القادمة في أقرب وقت ممكن..
وصلنا إلى مقر الشركة فقادنا أحد الموظفين عبر ردهة طويلة تنتهي بباب مغلق.. طرقه مرتين ثم فتحه فظهرت في الواجهة لوحة فنية وما أن نظرت يميني حتى وجدت مكتباً بلون عسلي أنيق تتوسطه امرأة في منتصف العمر يبدو أنها شاميّة، ظللت واقفاً بجانب صديقي أحاول أن صنع ابتسامة على وجهي، حتى طلبت منّا أن نتفضل بالجلوس..
اختفى ذلك الموظف الذي يبدو أنّه أنهى مهمّته بإيصالنا إلى هنا.
قالت:
- مرحباً..
قلت بتوتر:
- كان لدينا موعد مع الأستاذ فيصل في الحادية عشره هذا اليوم بخصوص المناقصة التي عرضتها شركتكم لعقد صيانة حواسيبها.. و.. هل هو مستعد للقائنا.. أم..
قالت بابتسامة:
- يبدو أنك على عجلة من أمرك.. انتظر قليلاً ريثما ينهي مكالمته فقط.
رددت الابتسامة وجلت بنظري في أنحاء الغرفة، فبالرغم من أنها ليست سوى مديرة مكتبه إلا أن مكتبها فخم جداً، علقت في بعض زواياه لوحات فنية وفي منتصفه سجّادة إيرانية وتمثال صغير بعيون يبدو لي أنها صينية.
ساد الهدوء إلى أن قالت:
- لقد أنهى الأستاذ فيصل مكالمته، تفضّلوا معي.
تبعناها إلى قاعة اجتماعات زجاجية تطل على مكتب الأستاذ فيصل.. رأيته يرفع سماعة الهاتف لثوان ثم تقدم نحونا وطلب مناّ أن نجلس بعدما جلس إلى أول كرسي عن اليمين فتبعته السيدة بالجلوس.
قلت:
- أنا قصي.. وزميلي داني.
قطع حديثي رجلين وامرأة أخرى يدلفون إلى الغرفة ويجلسون بسرعة على الكراسي المقابلة، فقامت السيدة بتعريفهم، قالت:
- الأستاذ سعيد.. المدير المالي، الأستاذة رجاء مديرة شئون الموظفين، والأستاذ حامد مدير العقود والاتفاقات في الشركة.. بإمكانك أن تبدأ أستاذ قصي.
قلت:
- مرحباً بالجميع، في الواقع.. سيكون شرفاً لمؤسستنا أن يكون اسم شركتكم وارداً في ملفاتها، كما تتشرف بالعمل مع أحد صروح العمل العملاقة كالتي تعملون على صناعتها.
تقدم مؤسستنا خدماتها المتمثلة في إمدادكم بحواسيب عالية الجودة والتقنية، مع برامج مصممة خصيصاً لعمل ربط ما بين الإدارات وتشمل القسم المالي من إحصاء رواتب الموظفين وأيام غيابهم واستحقاقهم للإجازات والترقيات والانتدابات، كما تحتوي على عملية ربط بريدي بين جميع الأقسام، يستطيع الموظف تقديم التقارير والأمور المطلوبة من خلالها.. الجميل أنها تحتوي على شبكة تستطيع أن تعمل في ظل انقطاع خدمة الأنترنت، كما أنها تقوم بخدمة توقيع حضور وانصراف الموظفين من خلال البصمة أو الكاميرا ومراقبتهم أيضاً خلال أداء أعمالهم.
قام داني بتوزيع البروشورات، فتوقف الأستاذ (فيصل) ودلف إلى غرفته وتوقفت عن الحديث، بينما راح داني يجيب على أسئلتهم واستفساراتهم المتعلقة بالحواسيب وقوة أدائها.. كنت أنظر إلى قلمي وخيّل لي للحظة أنه حقنة، سأقوم بإعطائها لود.. وستشفى إلى الأبد.
أيقظني صوت الأستاذة (معالي):
- يبدو أن صديقك متوتر جداً يا داني.
انتبهت لأنني أصبحت أصدر صوتاً عالياً جراء ضرب القلم على الطاولة فتوقفت فوراً تعلو وجهي ابتسامة خجلى.
قال داني:
- سيزول هذا التوتر حتماً ما أن يخرج من هنا ويشعل سيجارته.
ضحك الأستاذ سعيد والذي يبدو أنه خفيف الظل جداً، قال:
- يبدو أنه يتنفس السجائر بدلاً من الأوكسجين، أنظروا إلى يده.. إنه يمسك بالقلم كأنه سيجارة كوبيّة فاخرة..
في الواقع كنت أمسكها كذلك فعلاً.. لكنني كنت أضع إبهامي على مؤخرة القلم كأنني أستعد لغرز الحقنة في جسد ود..
ابتسمت الأستاذة (معالي) وهمت بالحديث لكن دخول الأستاذ فيصل أوقفها، قال موجهاً حديثه لهم:
- ما رأيكم في العرض؟؟
حركت فمي بصمت، لم أكمل عرضي حتى الآن، قالت الأستاذة (معالي):
- يبدو أن الأستاذ قصي لديه ما يقوله.. بـ
قاطعها الأستاذ فيصل:
- أنا موافق.. لابد أنه عرض جيّد، ثم مد يده ليصافحني وتابع حديثه.. إذا ضحك المدير المالي فاعلم أن العرض قد نال إعجابه.. وهذا يكفي.
لم أجب، اكتفيت بمصافحته بابتسامة ثم رأيت ظله يختفي خلف زجاج غرفته، فجمعت أوراقي فوراً.. قالت الأستاذة (معالي):
- نادراً ما يوافق الأستاذ فيصل بسرعة.. يبدو أن لباقة قصي في حديثه هي السبب..
قال الأستاذ حامد:
- اتبعوني لعمل بنود العقد وتوقيعها.
خرجت خلفه وأنا أخرج علبة السجائر من جيبي وأشعل واحدة، قالت الأستاذة (معالي):
- أطفئها أن كنت رجلاً..
كنت قد تقدمتها فأجبتها بصوت بارد:
- ومن قال لك أنني بحاجتها لأثبت أنني رجل..!!


يتبع..

عشـق القــمر 03-12-13 04:25 PM

رد: رواية 13
 
فصل جميل ..أستمر اخي بارك الله فيك..منتظره الفصل القادم والى ماسيصل اليه قصي!!!

Ahmad Rufai 06-12-13 08:01 PM

رد: رواية 13
 
-13-


خرجت خلفه وأنا أخرج علبة السجائر من جيبي وأشعل واحدة، قالت الأستاذة (معالي):
- أطفئها أن كنت رجلاً..
كنت قد تقدمتها فأجبتها بصوت بارد:
- ومن قال لك أنني بحاجتها لأثبت أنني رجل..!!
لم أستطع معرفة التعبير الذي رسم على وجهها حينها لأنني كنت قد منحتها ظهري قبل أن أتحدث، عبر بنا الأستاذ حامد عدة أقسام قبل أن نصل إلى مكتبه ثم جلس وأشعل سيجارة هو الآخر، وبينما اتخذ داني مقعده أمام مكتب الأستاذ (حامد) وراحا يكتبان صيغ العقد وبنوده بينما اتخذت مقعدي في ركن قصي من الغرفة أفكر في ردة فعلي من تصرفها.
إن أكبر خطأ قد ترتكبه المرأة هو محاولة الانتقاص من رجولة أحدهم، لأن ردة فعله حينها تكون محاولة منه لإثبات رجولته وخشونته التي لن تأتي مناسبة لما تريده هي أبداً..
نكزني داني ثم همس لي:
- قصي.. هيا، لقد تم عمل كل شيء.. بقي تعميد الأستاذة معالي.
أشرت بيدي:
- اذهب وحدك.. لا أريد أن أراها.. سأنتظرك هنا..
اقترب مني وهمس لي في أذني بخجل:
- قصي.. رجاءاً لا تحرجني.. أنني أتلعثم أمام النساء سريعاً.
لم أتحدث بكلمة واحدة طوال بقائنا في مكتبها، وضعت الورق على الطاولة فقامت بتوقيعه دون أن تنظر إليّ ثم قالت:
- يعتبر هذا العقد نافذاً من صباح الغد.. مبارك لكما..
توجه داني إلى الباب فتبعته لكنها نادتني، قالت:
- أستاذ قصي.. هل تعلم لماذا طلبت منك أن تطفئ سيجارتك؟؟
لم أجبها.. اكتفيت فقط بالنظر في عينيها، فقالت بلهجة عراقية خالصة مليئة بالشوق في ثناياها:
- آني أحب ريحة السجاير.. لو ضليتك مولعها بضل أمشي وراك..
للحظة شعرت أنني أهوي في عالم ابتسامتها وحمرة خدها.. بدت امرأة أخرى غير تلك التي استقبلتنا هذا الصباح، شعرت أن تنهيدتها التي تبعت حديثها سحبت كل الأوكسجين من الغرفة، فنظرت لها بتوتر ولم أعرف ماذا يجب أن أقول أمام كل هذا الجنون..
وكما استطاعت أن تشعلني بكلمة، فقد أطفئتني بكلمة أيضاً ثم وجدتني وأنا أضغط على أصبعي بقوة خارج مكتبها أحاول أن أعود إلى وضعي الطبيعي دون فائدة.
وما أن دلفنا إلى السيارة حتى بدأ داني في الضحك بطريقة هستيريه.. لا بد أنه سمع ما قالته تلك المجنونة لكنني تظاهرت بعدم الاهتمام وأشعلت سيجارة أخرى فقال محاولاً تقليدها:
- لو ظليتك مولعها يا قصي .. آني..
لم يستطع إكمال جملته من الضحك فرميت سيجارتي من النافذة وأمسكت برقبته وصرخت في وجهه بتوتر:
- أسكت..
غطى وجهه بكلتا يديه ليمنع نفسه من الضحك، ثم عاود القيادة وهو يحاول السيطرة على نفسه.
أشعلت سيجارة أخرى ونظرت من النافذة أحاول أن أمنع نفسي من التفكير، قلت:
- مجنونة.. لا أعلم كيف تجرؤ على ذلك.. لوهلة شعرت أنني كنت أحلم.. تخيل أنني لم أستطع حتى أن أجيبها.. مجنونة..
- لكنها جميلة.. أعتقد أنها لم تتجاوز الثلاثين..
- لا.. لا.. أعتقد أنها.. في الرابعة والثلاثين.. الخامسة ربما.. لا أعلم.. لكنها تجاوزت الثلاثين دون أدنى شك.. عينيها صغيرة بعض الشيء.. لكنها تتناسب مع أنفها المنساب.. أعتقد أنها..
أدركت أنني أتحدث بصوت عالٍ بعض الشيء وداني ينظر إلي، قال:
- تعتقد أنها ماذا؟
- لاشيء.. داني انعطف إلى اليمين وتوقف أمام الصيدلية، لقد تذكرت شيئاً.
انعطف إلى اليمين ثم توقف، فخرجت من السيارة وأنا أقول له:
- سأتأخر كثيراً.. لا تنتظرني.. أخبر (حسن) أنني قد لا أعود اليوم.. وداعاً.
لم أنتظر لأسمع ما يقوله بل قطعت الشارع مسرعاً باتجاه الشارع المقابل وبعد ثلاثمائة متر توقفت لابتاع علبة شوكولاته صغيرة ثم توجهت إلى المشفى حيث ود..
دخلت إلى غرفتها بهدوء، بدا على وجهها أنها تحسنت كثيراً فجلست بقربها أتأمل وجهها وأسأل نفسي، أليس لها أهل أو أصدقاء يأتون للسؤال عنها؟؟ تخيلت نفسي في ذات الموقف ورأيتني وأنا ممتد على سرير في مشفى بوسط المدينة ولا أحد حولي فظهرت لي بعد قليل صورة أبي يدخل حاملاً في يده مجلة أطفال ومجموعة أوراق اللعب التي كنت أحبها كثيراً، ثم يقترب مني ويمسح على رأسي لينزع كل الآلام بيد واحدة بينما تحمل يده الأخرى كل سعادة الدنيا ليغمرني بها.
لطالما كنت الأثير عند أبي وإخوتي ولا زلت.. أذكر أنني أصبت يوماً بالحمى عندما كنت صغيراً ولازمت الفراش لأسبوع، كنت أشعر بأنني محور اهتمام كل عائلتي، فلا يكاد ينقضي وقت قصير جداً حتى أرى من يقف أمام سريري ويغمرني بابتسامة أو قبلة أو هدية ترسم الابتسامة على وجهي وتجعلني أتجاوز تعبي بسهولة.
مدّت (ود) يدها ولامست يدي، قالت:
- منذ متى وأنت هنا؟
وقفت مباشرة، قلت وأنا أنظر إلى عينيها:
- قبل لحظات..
صمتت قليلاً ونظرت إلى السقف كأنها تحاول أن تبحث عن كلمة تعبر عما بداخلها، قالت:
- تدخل وتخرج هكذا دون أن تحضر معك شيئاً.. يا لك من بخيل.
ضحكت وقمت لأحضر علبة الشوكولاته من على الطاولة وجلست على طرف سريرها، وشرعت أزيل عنها الغلاف ثم أمسكت بواحدة وقلت لها ضاحكاً:
- افتحي فمك..
فتحت فمها فوضعت قطعة الشوكولاته لكنها اكتفت بقضم نصفها ثم أغلقت فمها، فأعدت القطعة إلى الطاولة، قالت بخجل:
- قصي هل كنت أتحدث وأنا نائمة؟؟
ضحكت دون أن أجيبها ثم مسحت على وجهها، قالت:
- هل تعلم أنني أكرهك؟؟ من سمح لك بالدخول وأنا نائمة؟!
حاولت أن أزيل توترها فقلت لها ضاحكاً:
- لا تخافي.. لا أعرف أحداً من أهلك أو أصدقائك لأخبره بما تحدثتِ به أثناء نومك..
تغير وجهها تماماً، وقالت لي بحدة:
- ولا أعتقد أنك بحاجة لأن تعرف..
قمت من مكاني وتوجهت نحو النافذة ورحت أنظر من خلالها وأنا أعرف أن هناك أمراً تخبئه خلف هذه الجملة، وأن هناك احتمالات كثيرة خلف عدم سؤال أحد عنها منذ أن دخلت المشفى، لكن وجه الشبه بين كل هذه الاحتمالات هي أنها قاسية بكل تأكيد، قلت بابتسامة:
- ومن أخبرك أنني بحاجة إلى معرفة أحد منهم.. يكفي أن أعرف (ود) فقط.. النساء اللاتي يشبهنك لسن بحاجة إلى أحد يعرفن من خلاله.. أنت قبيلة كاملة بمفردك يا جميلة.
نظرت إليها لأرى تأثير ما قلته على وجهها لكنها بدت شاردة، صمتت قليلاً ثم قالت:
- عندما تكذب يا قصي فأنت لا تستطيع النظر إلى وجه محدثك، فتصطنع النظر من النافذة مثلاً كما تفعل الآن.. وكما فعلت في الحفلة سابقاً.. لكن لا بأس.. أنا أحب كذبك..
اقتربت منها، قلت:
- يبدو أنك معجبة بي لدرجة أنك تحاولين قراءة كل تصرفاتي في محاولة فاشلة منك لفهمها..
- لا يأخذك العجب بنفسك كثيراً يا قصي.. كل مافي الأمر أنني أفعل ذلك لأتجنب خوض تجربة أخرى مع رجل يشبهك في المرة المقبلة.. لا وقت لدي لأخسره كما ترى..
رحت أضحك بشدة إلى أن دمعت عيني من كثرة الضحك فجلست على طرف السرير ووضعت يدي على فمي في محاولة فاشلة للسيطرة على نفسي، ابتسمت (ود) بسعادة عندما رأتني أضحك بهذه الطريقة، ثم شدت على فخذي وقالت:
- أنا على ثقة من أنك تفعل الشيء ذاته معي.. لكنني أحبك هكذا.. كاذباً حنوناً خائناً مجنوناً ورائعاً.. كما أنت..
ابتسمت لها ثم حملتها دون أن تطلب مني ذلك ووقفت بها أمام النافذة لدقائق تدثرتُ فيها بالصمت بينما اكتفت هي بإغراق يدها في شعري واللعب به ومشاركتي النظر من خلال النافذة، كان المنظر يبدو متأثراً لدرجة أنني شعرت أنه يشاهدنا متعجباً وسعيداً كما نشاهده فيتأمل أصابعها النحيلة وقامتي المرهقة.. وتشابهنا القديم!!
عندما هممت بالخروج تلك الليلة قالت لي:
- قصي..
التفت نحوها بابتسامة لأحثها على الكلام، قالت:
- لقد تعلمت منك اليوم أمراً يا قصي..
تعلمت أن لا أكون آسفة على موتي.. وبالرغم من أنني عرفت الكثير من الرجال إلا أنني أعتقد أن الحياة كانت كريمة جداً معي في النهاية حين أرسلت إليّ هدية على شكل رجل اسمه قصي.
ابتسمت لها فتابعت:
- لا يعني ذلك أنك أفضل رجل التقيته في حياتي، لكنك رجل جيد..
أعلم في قرارة نفسي أنك مغرور جداً، وأنك قد تقف بجانبي الآن فقط لتقوم بالتكفير عن أخطاء سابقة ارتكبتها مع أخريات.. لكنني لست غاضبة من ذلك لأن هذا يعني أنك تتمتع بنصف ضمير ولأن ذلك أيضاً لا يعنيني طالما لم أكن الفتاة التي أخطأت في حقها!!
ولكن.. لمَ تخطئ في حق الفتيات إن لم تكن تستطيع أن تعالج جراحهن؟؟ أعتقد أنك تفقد القدرة على الحب.. هل تعلم لماذا؟
لم أجبها.. استمريت بالابتسام وأنا أحاول النظر إلى عينيها فقط، فتابعت:
- يقولون أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأنا أقول أن مالك الشيء هو من لا يعطيه.. لأنه يرى أن الوصول إليه طبيعة لا عطاءاً وأن امتلاكه له يأتي من منطلق استحقاقه له، متناسياً أنه قد ينزع عنه في أي لحظة ليمنح لغيره..
جلست تلك الليلة في غرفتي أنظر إلى المرآة وأفكر في حديثها، كنت أنتظر أن يخرج صوت ضميري من المرآة كما يفعل دائماً ليجادلني فأبرر له أسبابي وأقنعه بأنني على صواب، ولكنه آثر عدم الظهور ربما لأنه لا يريد تضييع وقته في نقاش يعلم تماماً أنني لن أقتنع به فأغمضت عيني وألقيت رأسي على السرير فسمعت صوت هاتفي وقمت لأجيب، قلت:
- أهلاً..
جاءني صوت أذكر أنني سمعته مسبقاً، قالت صاحبته:
- هل أنت قصي؟؟
- نعم..
بدأت تكيل الشتائم وتصرخ بكل قوتها ولم تترك نعتاً سيئاً أعرفه ولا أعرفه إلا وقذفتني به ثم بصقت في وجهي وأغلقت الخط دون أن تترك لي فرصة للرد أو الحديث.. أغمضت عيني وحاولت أن أشتت تفكيري كما أفعل كل مرة أحاول الهروب فيها من الواقع لكن ذلك لم يزدني سوى محاولة لمعرفة صاحبة الصوت.. ثم اكتشفت بعد أن قمت بعصر كل ذرة في دماغي أنها (هند)!!
في صباح اليوم التالي وبينما كان داني يشرف على تركيب الأجهزة بالأعلى، كنت أشرف على العمال الذين يقومون بإدخالها إلى الشركة ولمحت الأستاذة (معالي) وهي تقترب فابتعدت عن مدخل الباب قليلاً لكنها اقتربت مني، قالت:
- صباح الخير..
حاولت أن أكون طبيعياً جداً، فآخر ما ينقصني الآن هي وجنونها، قلت:
- صباح النور..
- أبو صدام.. هل لي أن أدعوك إلى فنجان قهوة في مكتبي؟
- لكنني.. أ..
قاطعتني:
- سأنتظرك حتى تكمل عملك..
حاولت الرفض مرة أخرى لكنها قاطعتني:
- سأسحب دعوتي وأطلب منك دعوة مماثلة إلى فنجان قهوة.. كما سأطلب من داني أن تقوم أنت بتركيب الجهاز في مكتبي لأنني سمعت أنك خبير في ذلك..
شعرت أنني لا زلت رافضاً هذا اللقاء فتابعت لتمنحه شيئاً من الرسمية والأهمية:
- ولدي بعض الأسئلة.. بخصوص العمل..
دلفت إلى مكتبها قبيل الظهر لأجد كل شيء بانتظاري.. قمت بتركيب الجهاز على عجل وهي تسألني عن بعض أمور العمل، قالت:
- الآن أريدك أن تنقل لي بعض البيانات من جهازي السابق إلى هذا الجهاز.. اعتبرها خدمة شخصية.
قمت بجميع ما طلبته مني دون أن أتحدث، كنت أجيب على أسئلتها فقط وحالما أنهيت عملي قمت لأخرج، قالت:
- عجباً.. أذكر أن شهماً بدوياً دعاني إلى فنجان قهوة.. وها أنا الآن أراه يتنصل من وعده.
للحظة أردت أن أسألها ماذا تريد، لكنني فضلت أن أعرف ماذا تخبئ لي هذه الجريئة، قلت بابتسامة باردة:
- لا زالت الدعوة قائمة..
كان لابد من قتل الخوف بداخلي أعلم إنني لو لم أفعل ذلك لبقيت ألوم نفسي طوال الليل منشغلاً بالتفكير في حديثها وتصرفاتها، وأنا لا أريد التفكير بأحد..
قامت باختيار المقهى الذي تفضله هي وما أن أخذنا أماكننا متقابلين حتى جاء النادل ليقف على رؤوسنا، قالت:
- فنجاني قهوة من فضلك..
وحلما جاءت القهوة سألتها:
- ثم ماذا؟؟
قالت ببراءة مصطنعة:
- ماذا عن ماذا؟؟
حركت أصبعي مشيراً إلى القهوة وأنا أنظر إلى عينيها، قلت:
- وماذا بعد القهوة؟؟
التقطت علبة سجائري بخفة وأشعلت واحدة ثم قدمتها لي، قالت:
- قصي.. أريد أن أنظر إليك وأنت تدخن سيجارة.
- فقط؟؟!!
- حتى الآن.. يكفيني ذلك.. أو لنقل أن هذا ما أريده حتى الآن..
لم أجبها ورحت أدخن سيجارتي، ولأول مرة في حياتي أتمنى أن تنتهي هذه السيجارة بسرعة، لكنها وضعت كفيها تحت ذقنها وراحت تنظر إليّ باستمتاع، قالت:
- لم قمت بدعوتي إلى فنجان القهوة هذا؟؟
- لأستطيع النوم ليلاً..
- وما الذي قد يمنعك من النوم إن لم تقم بدعوتي؟
نظرت إليها قليلاً وأنا أفكر، قلت:
- لا أعلم.. لكن على فرض أنني من قمت بدعوتك لفنجان القهوة هذا.. فما السبب الذي دعاك لاستجابة طلبي؟
شبكت أصابعها وبدت أكثر جديّة من ذي قبل ثم قالت بصوت رزين:
- أنا لا أؤمن بالصدف ولا أعترف بالحظ، لذلك أقوم بصناعة الفرص في حياتي بنفسي.. أو لأكون أكثر واقعية لنقل أنني لا أحب أن أترك فرصة في حياتي تمر دون أن أستغلها.. حتى لا أندم على ذلك لاحقاً..
هل فهمت ما أقصده؟؟
اكتفيت بالابتسام ونفثت دخان سيجارتي إلى الأعلى، فكأنها فهمت أن سبب صمتي هو عدم استيعابي لما قالته، فرحت تحاول أن تشرح الأمر بطريقتي، قالت:
- لقد استجبت دعوتك لأستطيع النوم ليلاً.. هل فهمت الآن؟؟
- نعم.. لكن أليس السعي وراء كل الفرص يحرمنا متعة الشعور بالحياة ويجعل صدمتنا أكبر حين نكتشف أن ليس كل ما نسعى وراءه يستحق كل هذه التضحية؟؟
أعادت جسمها إلى الوراء ونظرت إلى كوب القهوة شبه الفارغ كأنه يعلن عن نهاية اللقاء ثم قالت بصوت حائر:
- لا أعلم.. لكنك رجل غريب تجبر محدثك على الاعتراف بما تريده أنت دون أن تبذل جهداً يذكر..
- أرى أنك تنظرين إلى كوب القهوة.. هل تريدين كوباً آخر؟؟
نظرت إلى ساعتها ثم قالت:
- لا.. لقد تأخرت على ابنتي.. لابد أنها خائفة الآن.
قمت من مكاني وأنا أشير إلى النادل ليأخذ الحساب، قلت:
- لا بأس.. سأعيدك إلى مقر عملك بسرعة..
قالت بتردد:
- لا.. لا.. سأوقف سيارة أجرة من أمام المـ..
قاطعتها بسرعة:
- لا بأس.. سأوصلك بنفسي.. ليس لدي عمل.
عادت لتجلس بجانبي في السيارة تدلني على طريق مدرسة ابنتها، واتصلت بالسائق لتطلب منه عدم الحضور. وصلنا إلى المدرسة فاختفت وسط المبنى لدقائق ثم عادت وهي تمسك بيد طفلة صغيرة أجلستها في المقعد الخلفي ثم عادت لتجلس بجانبي وتوجهنا إلى منزلها.
قالت وهي تفتح باب السيارة:
- لقد أجبت دعوتك صباح اليوم وأريد منك أن تجيب دعوتي.
حاولت أن أتحدث لكنها قاطعتني:
- لا تتعذر بانشغالك.. أنت مدعو على الغداء معنا ولكن ليس الآن، حدد اليوم الذي يناسبك وأخبرني..
- لا يـ..
قاطعتني مرة أخرى:
- أنا لا أجبرك على النزول الآن.. طلبت منك أن تختار الذي يناسبك.. لا عذر لديك.. هل يناسبك نهاية الأسبوع؟
كان من الواضح أنها لن تغيير رأيها، قلت:
- حسناً..
أغلقت باب السيارة وهي تقول بلهجة جادة:
- عدني أنك ستحضر؟؟
- أعدك..
رفعت رأسها وأمسكت بيد ابنتها، ثم منحتني ظهرها وهي تقول:
- سنكون بانتظارك.. شكراً لوقتك قصي.
وسألت نفسي السؤال نفسه وأنا على فراشي تلك الليلة، وما الذي قد يمنعني من النوم إن لم أقم بدعوتها إلى فنجان قهوة!!؟؟
ثم رحت أسأل السؤال ذاته ولكن بطريقة مختلفة.. هل يمكن أن تكون (ود) على حق حين قالت أنني لا أستطيع أن أحب؟!
لقد كان بإمكاني أن أحب ربى لو كانت أجمل، وكنت سأهيم بخصال جداً لو كانت أقل جرأة مما كانت عليه، كما أنني كنت سأذوب عشقاً بـ (سمر) إن كانت أقل علماً مما هي عليه الآن.
هل هذه هي الحقيقة أم أنني أحاول أن أجد لنفسي عذراً عن كل علاقة فاشلة مررت بها حتى الآن؟ وهل يعتبر ما مررت به معهن تجربة حقاً إذا افترضت أنني لم أختر أن أحبهن؟؟!
لقد كانت (سمر) صادقة حين قالت أن أجمل الأشياء هو ما يحدث لنا مصادفة، فأنا لم أختر أن ألتقي بسمر كما لم أكن يوماً أملك خياراً معها..
بات يومي فارغاً جداً بدونها وباتت ترهقني الأفكار كثيراً، كانت (سمر) جرعتي المهدئة التي أتناولها يومياً للوصول إلى قمة النشوة في عالم جميل لا يشاركني فيه أحد، ومنذ أن رحلت قررت أن لا أمنح هذا الامتياز لأي أحد كان حتى لا يستطيع أن يسلبه مني لاحقاً..
وبعيداً عن كل هذا يبقى لسمر امتيازها الخاص في قلبي لشيء لا أعرف سببه أبداً.. ربما لأنني كنت أرى فيها أحد عناصر الحياة الأساسية..



يتبع..

براعم 07-12-13 03:38 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم

يعطيك العافيه اخوي

نساء من كل صوب تحيط بهالقصي >>>> يعني مافيه فرصه او نفس بين كل وحده >>> مابضيع وقت

بالبداية كانت ربى >>> طالبه مغتربه وبحاجه الى رفقه وعريس لقطه >>> ليس فيها ميزه

ومن ثم خصال >>>> امراة جريئه تعيش وسط عائله تظن نفسها منفتحه على العالم >>>> كل ماتريد يجاب

تالا >>>> جميلة ومغتره بذلك الجمال تريد ان تكون محط اهتمام جميع الرجال من حولها وكانه امر طبيعي مسلم به !!!

سمر >>> خجوله مثقفه وذكيه ومستمعه جيده وصريحه >>>>> نعم الصديقه

ود >>> ماهو مرضها ؟ ولما لا يزورها احد >>> هل هنالك مايجعلهم يتبرون منها ولايريدونها >>> هل هي عابثه ؟؟؟

معالي >>> ارمله او مطلقه او ربما امراة متزوجه

انواع وتجارب مختلفه من النساء في حياة قصي

الى الان لم يتعلق بواحده منهن وربما يكن مشاعر لسمر لانها مختلفه عن الاخريات تحترم ذاتها الا انه لايريد انسانه اذكى منه


في كل علاقاته السابقه كان العقل هو الحاكم >>>> رافضا التعلق بامراه لديها عيب ما يرفضه العقل


يعطيك الف عافيه من ابداع لاخر باذن الله

عشـق القــمر 09-12-13 10:05 AM

رد: رواية 13
 
جممميييل جداااا..!!

يبدو ان راااح نعيش مع قصي حياااه مختلفه !!
وعجيبه في نفس الوقت ان لم اجد اسم اسميه غير قصي المزاجي!!
يبدو ان حياته الماضيه اثرت فيه ربما ..متشوقه لمعرفة ماحصل معه في ماضيه والى اين سيصيل..وقلمك جميييل جداا!!
وكل شخصية من ربى الى خصال الى ود وسمر وتالا ومعالي تختلف عن الاخرى ولابد ان ارفع دستتة قبعات لقصي المزاجي بررااااففو قصي في روتينك اليومي خمس فتيات!!!!!!
رااائع رقم قياااسي!!هع هع!!
ابداااعك جميييل اخي ..اتمنى لك المززيد من الابدااااع..اتمنى تعلمنا بااسرع وقت حياة قصي الماضيه..وشكرااا..

Ahmad Rufai 13-12-13 08:06 PM

رد: رواية 13
 
-14-

هذه الحياة جميلة في مظهرها، متغيرة في طبعها، والأنثى كذلك.. جميلة في بهجتها وحضورها وضحكتها، لكنها متغيرة الطبع متقلبة الأفكار، تأخذ طابع الأشياء التي تتعامل معها بشكل أو بآخر، هذا ما يجعل التعامل معها ممتعاً ومخيفاً في الوقت ذاته، سيصيبك الغرور عندما تستطيع فك شفرتها، كما يصيبك الخوف دائماً من ردة فعلها، ربما كانت المرأة التي تعاملها هي عنصر الحظ في هذه الحياة بالنسبة لك.
لذلك عليك أن تتقبلها كما تتقبل حظك في هذه الحياة لتستطيع العيش برضا!!
تقترب الأنثى من طبيعة الحياة هذه كلما عادت أكثر إلى بدائيتها، إلى حواء، إلى الأصل القديم الذي لم تخالطه تكنولوجيا، ولم تأثر عليه عادات وتقاليد.
في ظهر اليوم التالي ذهبت لزيارة (ود).. كانت قد تحسنت كثيراً وبدا عليها أنها بدأت تستعيد عافيتها تدريجياً، لاحظت ذلك حين رأيتها تحاول فعل كل شيء بنفسها دون مساعدة من أحد. جلست أراقبها بصمت حتى استهلكت كامل طاقتها وخفضت رأسها لتستلقي مرة أخرى، صمتت قليلاً ثم قالت:
- قصي..
- أهلاً..
قالت بسخرية:
- أراك صامتاً على غير عادتك.. هل وقعت في غرام إحداهن؟!
- وكيف عرفتِ ذلك؟؟
- أنت رجل لا يصمت إلا عندما يصل إلى قمة اليأس أو قمة الفرح.. أعلم أن الرجال لا يحبون الحديث كثيراً.. لأنهم يفضلون التعبير عن مشاعرهم بشكل عملي، والتي تتخذ عادة شكل الأشياء التي يتعاملون معها، لكنهم يتحدثون بين الفينة والأخرى عن أنفسهم.. لكنك غريب جداً فلا أذكر أنني رأيتك تتحدث عن نفسك أبداً.. كما أنك تنعتها دائماً بالكذب لكنك مقتنع بها ولا تحاول تغيرها..
لم أجبها فصمتت قليلاً ثم تابعت بعد أن حاولت أن ترفع رأسها لتنظر إلى وجهي:
- أنت تفهمني، أليس كذلك؟
- بكل تأكيد..
اقتربت منها ورفعت رأسها قليلاً ثم وضعت بعض الوسادات تحت ظهرها وجلست على طرف السرير وأنا أبتسم، قالت:
- كيف تحب أن أكافئك على هذا؟؟
- الأمر لا يستحق..
- لنفترض أنه يستحق من وجهة نظري على الأقل.. كيف تحب أن أكافئك؟؟
صمتّ قليلاً لأفكر ثم وضعت نظارتي في يدها، قلت:
- هل بإمكانك أن تمسحي لي زجاج نظارتي.
التقطت نظارتي ومسحتها بطرف كمها بعد أن غطتها ببخار حار أخرجته من فمها ثم أعادتها لي.. لكنها سحبتها مرة أخرى، قالت:
- اقترب.. سأضعها على وجهك أيضاً..
اقتربت بوجهي حتى أصبحت أمامها مباشرة فألبستني إياها، قلت:
- شكراً..
- على الرحب والسعة.. هل وقعت في غرام إحداهن فعلاً قصي؟؟
اتجهت نحو النافذة عمداً ونظرت من خلالها، قلت:
- لا.. ألم تخبريني سابقاً بأنني أفقد القدرة على الحب.. كيف سأقع في غرام أنثى إذن؟
صمتت قليلاً ثم قالت:
- أنا آسفة..
نظرت إلى عينيها ثم عدت ببصري إلى النافذة، بقيت على حالتي تلك لدقائق فقالت:
- كنت أعتقد أنك تحب النظر من النافذة لترى شيئاً يلهمك فتخبر به محدثك، لكنني أشعر الآن أنك تتهرب مني.
كانت تلك الدقائق كفيلة بأن تنزعني من عالمي بالكلية وتسحقني في عالم اللا شيء بعد أن كنت قد نسيته لفترة ظننت فيها أنه اختفى من حياتي ولم يعد له مكان فيها، فلم أستطع الردّ عليها ولا استيعاب ما تقوله خاصة وأنها باتت تحمل بالنسبة لي جزءاً منه، اقتربت من الطاولة لآخذ مفاتيحي فحاولت أن تمسك بيدي لكنني سحبتها قبل أن تصل إليها ومنحتها ظهري بسرعة، قالت:
- قصي.. هل أنت غاضب؟؟
- لا..
- هل مللت مني؟؟ ستزورني غداً.. أليس كذلك؟
قلت بصوت بارد بعد أن التفت إليها:
- بالتأكيد.. إن لم يكن اليوم هو الأخير في حياة أحدنا..
تجمعت الدموع في عينيها وقالت بصوت مبحوح:
- أنت تخيفني.. أنا أكرهك..
مر الأسبوع رتيباً ومملاً بشدة، لم تخبرني ود بخروجها من المستشفى في اليوم التالي ولم أحاول الاتصال بها، قررت ألا أكون عبئاً ثقيلاً تحاول التخلص منه، كلانا لم يحاول أن يحافظ على هذه العلاقة كما لم يحاول أحدنا أن يمنحها بعض الخصوصية، جعلنا ذلك نبدو كغريبين التقيا في أحد محطات الزمن، ثم افترقا بعد أن أخذا موعداً بألا يلتقيا مرة أخرى.. الغريب أنها أخذت قداحته وأخذ كتابها، كي يكون عذراً للالتقاء في حال حاول أحدهما الاتصال بالآخر مرغماً بشوق، أو مرهقاً بحنين!!
كان أسبوعاً رتيباً زارني فيه أطياف كل من عرفتهم في حياتي، كنت قد حاولت التخلص من دعوة (معالي) ولكنني في آخر الأمر لم أجد بداً من الذهاب لأنني لم أستطع معرفة سبب دعوتها لي بعد أن فكرت كثيراً.. فقررت الذهاب فقط لأعرف ماذا تخبئ لي.
اتصلت بي بعد الواحدة ظهراً تخبرني أنها بانتظاري فأخبرتها أن لدي عملاً أنهيه وأحضر بعده حالاً.. في الواقع لم يكن لدي عمل.. كنت أنتظر اتصالها فقط..
استقبلتني ابنتها الصغيرة أمام الباب ودعتني إلى غرفة الجلوس، بعد دقائق دخلت الخادمة تحمل بيدها صينية عليها كوب بنفس لون الغرفة، يبدو أن (معالي) تهتم كثيراً بالتفاصيل المرهقة.. أعتقد أن ذلك يجعلها تعيش جحيماً لا يطاق.
لم يختلف ديكور منزلها عن ديكور مكتبها كثيراً إذ كان بنفس الأناقة والجمال، وضعت الكوب على الطاولة وأشعلت سيجارة وأنا أحاول ألا تعرف الطفلة التي وقفت بقرب الباب أنني أشاهدها، بدت مرتابة من مظهري ومتطلعة إلى معرفة سبب وجودي هنا، كانت تقترب كلما شعرت أنني لا ألاحظ ذلك، وعندما شعرت أنها اقتربت كثيراً أشرت لها بيدي فعادت مباشرة إلى الداخل ثم عادت بصحبة والدتها التي بالغت في الترحيب بي كثيراً ثم جلست أمامي على الكرسي المقابل تحمل طفلتها بين ذراعيها، قالت:
- سعيدة جداً بحضورك يا قصي..
- وأنا كذلك.. سعيد جداً بتواجدي هنا..
نظرت إلى منفضة السجائر ثم أعادت نظرها إليّ، قالت:
- أين عائلتك؟؟ لا أرى أحداً معك!!
اعتدلت في جلستي وقلت بابتسامة:
- في الواقع.. إنهم يسكنون مدينة أخرى..أعمل هنا بمفردي.
- وتعيش وحدك؟؟!!
- لا.. أسكن مع أحد أصدقائي..
كان من الواضح أنها تريد أن تخوض في تفاصيل التفاصيل، وكنت أعلم إنني إذا أردت أن أعرف سبب دعوتها لي عليّ أن أبقي فضولها لأطول وقت ممكن، وألا أدخلها في التفاصيل سريعاً حتى لا أفقد عنصر المفاجأة، وقبل أن تلقي سؤالاً أخر كان من الواضح أنه يحاول الخروج من شفتيها قلت:
- أرى أنك بمفردك.. أين والد.... بالمناسبة.. ما اسم ابنتك؟
قالت بابتسامة:
- ليان.
- وأين والد ليان؟
حاولت أن تخفي ارتباكها وأن تبدو طبيعية فقالت بابتسامة:
- إنه.. في عالم آخر..
ابتسمت لها دون أن أعلق على حديثها ففهمت بطريقة غير مباشرة أنني لا أحب الخوض في التفاصيل كما تفعل، كنا سنتحول إلى حالة الصمت لكن الخادمة أنقذت الموقف عندما أطلت من الباب وأشارت لسيدتها، فقامت (معالي) وهي تقول:
- سعيدة جداً بحضورك.. تفضّل.. الغداء جاهز..
كانت (معالي) تبدو مختلفة تماماً عن لقائنا في المقهى، بدت رزينة وحكيمة كما كانت في أول زيارة لي إلى المكتب، وهذا مالم أتوقعه أبداً.. تبعتها إلى طاولة الطعام فأزاحت الكرسي إلى الخلف ثم ابتعدت قليلاً لتسمح لي بالجلوس ثم قامت بالجلوس هي أيضاً على الكرسي قبالتي وابنتها بجانبها، كانت مهووسة جداً بترتيب الأطباق والصحون ووضعها بطريقة متناسقة على الطاولة، والغريب أنها كانت تفعل ذلك دون تكلف أو مبالغة.
قلت بابتسامة:
- أعجبتني طريقتك في ترتيب طاولة الطعام.
ضحكت بخجل ثم قالت:
- كل النساء يستطعن فعل ذلك بسهولة.. أنا على ثقة أن والدتك ترتبها بطريقة أجمل.
نظرت إلى عينيها لثوان دون أن أجيبها، لم أتخيل يوماً كيف كانت والدتي ترتب الصحون على الطاولة، ويبدو أنها لاحظت شرودي فقالت:
- أليس كذلك؟؟
اكتفيت بتحريك رأسي نحو الأسفل مع ابتسامة حاولت جاهداً أن أجعلها تبدو طبيعية.
بالرغم من أن والدي كان لا يكف عن الحديث عن والدتي واهتمامها بنا، لكنه لم يذكر يوماً شيئاً يتعلق بطريقتها النسائية في ترتيب الصحون، أو في أشياء سحرية تفعلها النساء ولا تلاحظه إلا النساء أمثالهن!!
أعتقد أنه مهما بلغ اهتمام الرجل بما تفعله الأنثى فلن يستطيع أن يصف ذلك لأن والدي وبقدر حبه واهتمامه بوالدتي وتذكره لها، إلا أنه لم يذكر يوماً شيئاً مشابهاً لهذا أبداً.
سمعت صوتها يخترقني، قالت:
- هل تحب أن تأكل بطريقتك يا قصي.. أم بطريقتنا؟
- وما الفرق؟
راحت تشير بيدها إلى الأطباق وهي تقول:
- نحن نحب نأكل من هذا الطبق أولاً ثم من هذا.. بعض الناس يفضلون أن يبدأوا بهذا الطبق أولاً..
راحت تشرح لي بحماس بعد ذلك مقادير كل طبق من أطباقها وتخبرني ماذا سيحصل إن أضفت كثيراً من هذه البهارات أو تلك، بعضها قد يصبني بعسر في الهضم أو قلق في النوم، كما أخبرتها أمها بذلك نقلاً عن جدتها التي أخذت هذه المعلومة عن أمها بالتواتر.
وخلال نصف ساعة أصبحت قادراً على أن أقول.. أن الطعام عبارة عن إرث ثقافي وتاريخ منقول، وأن امرأة لا تجيد الطهي هي امرأة جاهلة مهما امتلكت من مقاييس العلم في العصر الحديث..
للحظة شعرت أنني آكل تاريخ العراق، مبهراً بنخيله الشاهقة وترابه الناعم، ممزوجاً بكثير من حضارة بابل وآثار بغداد ولذعة حكّامه، ومطهياً بماء دجلة والفرات..
أعشق التنقل بين المدن، أعتبرها تجربة جديدة تسمح لي بتلمس معارج الحضارات ومخابئ الكنوز فيها، فإذا أردت أن تعرف تاريخ مدينة فاقرأ وجه امرأة من سكانها.. حتماً ستخبرك عيناها بالحقيقة.
بدت سعيدة جداً وهي ترى ملامح الرضا بادية على وجهي وأنا أمضغ طعامها بتلذذ عجيب، قالت:
- أنا سعيدة جداً لأن الطعام أعجبك..
رفعت الملعقة عن الصحن وأنا أقول ضاحكاً:
- إن طعاماً كهذا ليس بحاجة إلى ملعقة، أعتقد أنني بحاجة إلى رمح أحقق به مجداً أو قلماً أسجل به شعراً أعلقه على هذه الطاولة ليكون علامة أشكرك بها على روعة هذه الملحمة.
دخلت في نوبة من الضحك وارتسمت على وجهها أمارات الفرحة كأنها حققت ما كانت تصبو إليه، قلت:
- هل درستِ الطهي؟؟
وضعت يدها على فمها لتمنع ضحكة أخرى ثم قالت:
- لا.. لقد درست علم النفس.. ثم حولت مسار دراستي إلى العلوم السياسية..
- وما الذي دفعك لدراسة علم النفس في البداية..
أعتقد أن إعجابي بطعامها كان بادرة جيدة جعلتها تعود تدريجياً لطبيعتها المجنونة، قالت:
- لأقوم بتحليل شخصيتك.. علمت أنني سألتقي يوماً برجلٍ غريب الأطوار مثلك.. أردت أن أخبره بما في قلبه حينها.
ضحكت قليلاُ ثم قلت:
- وماذا تعتقدين في قلبي الآن..
حاولت أن ترسم على وجهها ملامح الجد وهي تقول:
- هل تصدق إن أخبرتك أنني لا أعلم.. أقصد أنني سأحاول أن أفعل ذلك الآن..
أستطيع أن أقول أن داخل قصي مدينة لا تهدأ.. كما أن في داخله قصص لا تنتهي لكنه لا يحب سردها.. يبتعد بمشاعره عن الجميع.. ولا يحب مشاركتهم بأغلب مافي نفسه.. لا أعتقد أن ذلك ناتج عن عقدة نفسية.. ربما يكون هذا الابتعاد ناتج عن جرح عميق سببه له أحدهم.. لا أعلم.. ربما كانت فتاةً لأنني لا أعتقد أن هناك رجلاً قادراً على النيل منك..
لكن صدقني لو كان الأمر كذلك فكل ما عليك فعله هو أن تدلني على عنوانها..
استغربت من قدرتها التحليلية السريعة، لكنني لم أحب أن أشعرها بأنها صادقة فضحكت:
- وماذا ستفعلين بها؟؟
بدت جادة جداً وهي تحكم قبضة يدها على الملعقة، قالت:
- سآتي بها وأجبرها على تقبيل باطن قدمك.. صدقني..
- وماذا سأكسب حينها؟؟ إن تقبيلها لقدمي لن يغير شيئاً من حقيقة ما حدث.
قالت بتأثر شديد:
- وهل أحببتها حقاً قصي؟
حاولت أن أبدو طبيعياً جداً وألا أظهر ذرة اهتمام لما قالته لتوها، قلت:
- لا يزال الأمر مجرد تخمين.. ربما يكون ماتقولينه ليس حقيقة أصلا.. لم لا تسكبين لي طبقاً آخر من هذا الشيء الجميل الذي لا أعرف اسمه؟؟
وقفت من مكانها وهي تمسك بالطبق، كان من الواضح جداً أنني قمت باستفزازها، قالت:
- سآتي لك بالقدر كله وأضعه بين يديك.. أعلم أنك لا تريد الحديث.. لكن صدقني أنا لا أريد أن أعلم بحجم ما أريدك أن تتحدث فقط..
كان يوماً جميلاً شعرت بأنني تخلصت فيه من الأرق والتفكير الذي صاحبني في الأيام الأخيرة، تحديداً منذ لقائي الأخير بسمر ورسالتها الأثيرة.. لذلك لم أمنع نفسي من الاستجابة لدعوة (معالي) حين اتصلت بي بداية الأسبوع تخبرني أنها تدعوني إلى فنجان قهوة آخر في نفس المقهى، بدت (معالي) حنونة جداً تسبغ عليّ الكثير من الاهتمام بأدق التفاصيل مهما بدت صغيرة أو غير مهمة بالنسبة لي، كانت تستمتع بعد سجائري نهاية كل لقاء كطفلة تعد ألعابها الصغيرة بفرح.
دعتني نهاية الأسبوع إلى غداء آخر وبالرغم من أنني كنت مرتبطاً بموعد إلا أنني أجلته إلى وقت آخر لأستمتع بصحبتها ولقائها الجميل.
بعد ذلك الغداء الذي كان ألذّ من سابقه عدنا إلى غرفة الجلوس، بدت (معالي) أقل رسمية وأكثر حميمية في التعاطي معي، قالت:
- لم لا تشعل سيجارة يا قصي؟
ابتسمت لها وأشعلت سيجارة، قلت:
- وما قصتك مع سجائري؟؟
استنشقت هواء الغرفة بشوق، قالت:
- أحب رائحتها.. وأحب إدمانك لها..
راحت تنظر إلى عيني مباشرة ثم قالت بعد لحظات:
- أستطيع أن أخبرك عن شخصية كل رجل من طريقة إمساكه لسيجارته ونفثه لدخانها وانفعالاته عندما يدخن.
كان من الواضح أنها جادة جداً، قلت:
- وطالما أن رائحتها تعجبك إلى هذا الحد لم لا تدخنين إذن؟
- لا أستطيع.. حاولت ذلك عدة مرات لكنني لم أستطع أعتقد أنني أستمتع أكثر عندما يدخنها أحـ..
دخلت ليان تحمل في يدها لعبة صغيرة ثم صعدت على الأريكة وراحت تحدث والدتها في أذنها وهي تنقل نظرها بين لعبتها وأذن أمها، يبدو أنها كانت تخبر والدتها أن دميتها لم تعد تعمل، قبلتها (معالي) في خدها ثم همست لها:
- لا بأس.. سأشتري لك واحدة أخرى غداً..
عادت الطفلة تهمس في أذن والدتها فقالت لها:
- لا يمكننا الخروج الآن لقد تأخر الوقت.. سأشتري لك واحدة أخرى أجمل منها.
قاطعتها:
- أعطني اللعبة..
رفضت الطفلة أن تعطيني دميتها لكنها رضخت أخيراً تحت أصرار (معالي) على أن تفعل ذلك، اقتربت مني بحذر، ووضعت اللعبة أمامي على الأرض ثم عادت إلى أمها وبدأت تراقبني وأنا أفتح الدمية وأنظر إلى بطاريتها، قلت لمعالي:
- مممم.. هل لديكم قصدير؟؟
طلبت معالي من خادمتها أن تحضر قصديراً ففتحت الدمية من الخلف ثم أعدت القطعة إلى وضعها وقمت بتثبيتها بقطعة صغيرة من القصدير وأنا أقول لـ(ليان):
- عندما كنت صغيراً كنت أحب أن أغير بطارية ألعابي كل دقيقة إلى أن تخرج هذه القطعة فأهملها وأرميها.. لكن أخي كان يأخذها دوماً ويصلحها بهذه الطريقة ثم يعيدها إلي ويخبرني أنّه اشترى لعبة جديدة، لكن أمّك لن تكون قادرة على فعل هذا.. لأنك ستصنعين هذا بنفسك.
ابتسمت (ليان) عندما سمعت دميتها تصدر صوتاً من جديد، قالت لها (معالي):
- هيا.. إذهبي وخذيها.. وقولي له شكراً..
اقتربت (ليان) مني بخجل فأخذتها وقبلتها وأعطيتها الدمية فخرجت مباشرة من الغرفة تركض بمرح.
قالت (معالي):
- يبدو لي أنك عشت طفولة سعيدة.. لماذا تعيش بعيداً عن أهلك؟؟ لا تخبرني أنك لم تجد عملاً في منطقتك!! لن أصدق ذلك..
ابتسمت لها وأشعلت سيجارة أخرى وأنا أخرج لساني.. لم تبادلني الضحك كعادتها، ضلت صامتة للحظات ثم قالت:
- لقد ولدتُ وترعرعتُ في بغداد.. كان أبي يعمل جندياً في الجيش، بينما كانت أمي معلمة في مدرسة ابتدائية، هل تعلم ماذا يعني أن يكون والدك جندياً في الجيش العراقي؟؟
لم أجب فتابعت:
- ذلك يعني أنني لم أكن أرى والدي إلا ببزته الرسمية أغلب الوقت، وفي تلك الأوقات التي عقبت الحرب مع إيران، كنت أراه أحياناً يرتدي ذلك القميص والبنطال القماشي بلون واحد.. حتى أنني لا أذكر أنني رأيته يرتدي غيرهما يوماً.. يبدو أن ولاءه لصدام كان أكبر من ولاءه لنفسه..!!
في الليالي التي كان يعود فيها مرهقاً إلى البيت كان يطلب مني أن أذهب لشراء علبة سجائر، فأنطلق مسرعة وأحضرها له، وبالرغم من أنني كنت أعلم أنه سيطلب مني الاحتفاظ بالباقي ككل مرة إلا أنني كنت أعيده ليطلب مني ذلك بنفسه.. فأذهب مرة أخرى لشراء الحلوى وأعود لآكلها بين يديه منتشية وأنا أتنفس عبق سجائره بحب وأنظر إلى دخانها يتطاير في الهواء..
رفعت رأسي لأجد أن عينيها قد امتلأت بالدموع، قالت:
- كان هذا كل ما أعرفه عن والدي.. ثم اختفى كما اختفت رائحة السجائر من المنزل والحلوى من يدي..
هل تعلم.. أحياناً نفكر كثيراً في أمر دون أن نجد إجابة مقنعة له، لكننا ما أن نتحدث مع شخص مثلك حتى نكتشف عن حياتنا أموراً لم نتوقف عندها بشكل كافٍ.. عندما سألتني لم لا أدخن إن كنت أحب رائحة السجائر إلى هذا الحد لم أجد إجابة مقنعة، لكنني اكتشفت الإجابة الآن حين أعدّت السؤال لنفسي أكثر من مرة.. ولم لا أدخّن؟؟
ربما لأنني حين أنظر إليها يخامرني شعور بأنني طفلة.. طفلة تعلم أن التدخين أمر لا يتقنه سوى الكبار فقط..
حاولت أن أتجاوز الموقف الذي بدا مؤثراً جداً بالنسبة لي.. ولأول مرة في حياتي أشعر أن تدخين سيجارة أمام امرأة كـ (معالي) يعتبر مسئولية!!
حاولت أن أبدو طبيعياً وأنا أسألها:
- وكيف حال والدك الآن؟
عضت شفتها السفلى تحاول أن تمنع نفسها من البكاء وتستعيد هدوئها بالتدريج، قالت:
- لا أعلم.. لقد هجر والدتي عندما كنت في التاسعة.. تقول والدتي أنه تزوج بامرأة أخرى تصغره بعشرين سنة.. لكننا لم نره بعد ذلك ولم نسمع له خبراً، وبعدها بفترة طويلة أخبرنا جارنا أنه قتل في حربنا مع الكويت حين كان عائداً.. كثرت الأخبار عنه لكن ذلك لم يعد يعني أحداً بعدما بات الجميع مشغولون بأنفسهم.. مرت الأيام ودخلت الجامعة ثم تخرجت في عام الغزو..
رحت أبتسم لها وأحثها على الحديث فتابعت:
- كان من الصعب إيجاد وظيفة في ذلك الوقت.. تزوجت ابن خالتي والذي كان يعمل مغترباً هنا.. قام بترتيب أوراقي ثم أحضرني معه إلى هنا.. كان طيباً في البداية، رقيقاً وجميلاً يغني لي ويراقصني بحب، حتى أنجبت (ليان)..
أصبح بعدها سكيراً عديم الفائدة، يبقى خارج البيت لأيام..
أمسكت بيدها اليمنى زاوية الأريكة وضغطت على يدها اليسرى بشدة، قالت:
- استيقظت على صوته في أحد الليالي وهو يفتح الباب، دخل إلى غرفتي ونعتني بأقبح الشتائم، أراد أن يأخذ ابنتي فأخرجت سكينا من المطبخ لأهدده به، لكنه حاول أكثر، فطعنته في يده وصرخت فهرب..


يتبع

راجية عفوالله 14-12-13 08:34 PM

رد: رواية 13
 
قصة رائعة واسلوب متميز
جزاك الله خيرا

قرة عين امي 15-12-13 02:09 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اااااه من قصي وخبايا نفسه كلما واجهه شخص لتحليل شخصيته نكتشف الكثير مما يحمل في قلبه ويخشى الافصاح عنه
لقد تأثرت كثير بحال معالي فبرغم من كراهيتي لجراءتها واستفزازها لقصي في اول لقائتهم الا اني رحمتها واشفقت عليها بشدة بسبب طفولتها المؤلمة وبداية حياتها الزوجية والتي بيدوا انها انتهت بكارثة
ساكون في انتظارك لاكتشف المزيد من اسرارك

عشـق القــمر 18-12-13 08:28 PM

رد: رواية 13
 
وكالمعتاااد منك أخي الفصصصل جممييييل..!!
هل من الممكن تتغير حياة قصي اذا تعرف على حب تغلب على حبه المااضي..وأسئله كثييير تدووور في رأسي
ويبدو ان قصي يزيدني أسئله على ماافيني!!
منتظره الفصل بعد غد وشكرررااااا!!^-^

Ahmad Rufai 20-12-13 09:10 PM

رد: رواية 13
 
-15-

هذا الجزء مهدى إلى الصديق المتابع/ مختار كليب..بمناسبة زفافه..

وإلى روح والدته.. رحمها الله


- استيقظت على صوته في أحد الليالي وهو يفتح الباب، دخل إلى غرفتي ونعتني بأقبح الشتائم، أراد أن يأخذ ابنتي فأخرجت سكينا من المطبخ وهددته به لكنه حاول أكثر، فطعنته في يده وصرخت بأعلى صوتي فهرب..
حاولت المتابعة لكنها لم تستطع واختنق صوتها فصمتت، ولم أحاول النظر إليها لأنني لا أستطيع مواساتها بأكثر من تدخين هذه السيجارة التي بين أصابعي، تركتها حتى استعادت قدرتها على الكلام، قالت:
- سمعت فيما بعد أنه تزوج بامرأة أخرى أودعته السجن.. كان هذا ما يستحقه.. لم أعد أهتم بعدها بأمر أحد في هذه الحياة سوى أمي و (ليان).. أنا آسفة.. لم أكن أقصد إزعاجك.
يبدو أنها اختزلت كثيراً مما كانت تنوي قوله ظناً منها أنها أزعجتني بحديثها، قلت:
- بل على العكس تماماً.. أنا سعيد بالاستماع لكِ.
ابتسمت (معالي) بامتنان فتابعت لا شعورياً:
- أخبريني عن والدتك..
صمتت قليلاً ثم قالت لي بمرح:
- حسناً سأخبرك.. هل تعلم ماذا تعني أمي بالنسبة لي؟؟ إنها الأمن والأماني والأمنيات.. كلما شعرت بضيق أتصل بها وأشكو لها كل ما بداخلي، ولا أغلق سماعة الهاتف إلا وأنا أشعر أنني طفلة صغيرة مستعدة لممارسة لعبة الحياة من جديد.. كأنها لم تلدغ منها يوماً..
تستطيع أمي أن تحتوي كل ضعفي وتحوله إلى طاقة إيجابية، لا أخجل من إخبارها بكل أسراري.. وألجأ إليها كلما مرضت ليان، وبالرغم من آلاف الكيلومترات التي تفصل بيننا إلا أنها تقوم بإعطائي العلاج الصحيح في كل مرة كأنها تقف أمامي مباشرة..
بدت سعيدة جداً وهي تتحدث عن والدتها فكأن مجرد تذكرها جاء كتعويذة الفرح التي أنستها أنها كانت تبكي قبل قليل.
راحت تخبرني عن مواقف مضحكة استطاعت أن تفعلها بمساعدة أمها للتخلص من مضايقة أحدهم أو الوصول لأمر كانت تريد أن تحظى به، وفي قمة تلك المتعة المشتركة باغتتني بالسؤال ذاته، قالت:
- وأنت قصي.. أخبرني عن والدتك، لا تعلم كم أصبحت مشتاقة لرؤيتها بعد أن عرفتك..
- وأنا كذلك..
- أشعر أنها استطاعت أن تغرس قيم الرجولة بداخلك أنت وإخوتك.. أليس كذلك؟
اكتفيت بتحريك رأسي، فقالت بحماس:
- كم عدد إخوتك يا قصي؟
- سبعة..
قالت باستنكار:
- سبعة؟!
- وأنا ثامنهم..
نظرت لي باستغراب ثم قالت:
- كنت أعتقد أنه كلما زاد عدد الأبناء، قلّ نصيب كل فرد من الاهتمام الذي يحصل عليه من والدته.. لكنني لا أشعر أنك تفتقد هذا الاهتمام ولا تحاول تعويضه.. كأنّك الفتى الوحيد الذي أنجبته.
اكتفيت بابتسامة فقط فقالت وهي تنظر إلى السقف كأنها تحدث نفسها:
- لابد أن الحياة بين سبعة إخوة مثيرة جداً.. أليس كذلك يا قصي؟؟
حركت رأسي بالموافقة، فتابعت وهي تحاول أن تستعطفني لألبي طلبها، قالت:
- سأطلب منك أن تحكي لي عن كل واحد من إخوتك السبعة لاحقاً.. لكنني أريد أن أطلب منك طلباً تنفذه لي الآن.. رجاءاً يا قصي.. اتصل بأمك، أريد أن أسمع صوتها.. وأنظر إلى تعابير وجهك وأنت تتحدث معها..
حركت فمي لأقاطعها لكنها تابعت بإصرار:
- هيا.. الآن.. أرجوك.
قاطعتها بصوت عال.. حاولت أن أخرج الكلمة كثيراً لكنني لم أستطع فلفضتها بقوة:
- ميته.. إنها ميته.
ارتخت أطرافها وأعادت ظهرها إلى المقعد بعد أن كانت قد تقدمت بحماس لتحاول إجباري على الحديث، أطفأت سيجارتي كأنني أقتص منها وأحرمها متعة مشاهدتها ثم أخذت مفاتيح سيارتي من على الطاولة قربي، فهمست لي بصوت نادم:
- أنا آسفة..
لم أجبها.. كان من الواضح جداً أنني متحفز للخروج، لكنني أنتظر الإذن منها بذلك، قالت:
- رحمها الله..
بدأت أشعر بضيق شديد من كل شيء في المكان فحاولت أن أجمع كلماتي وأرتبها، قلت:
- أنا أعتذر.. أريد الذهاب.
حاولت أن تتجاهل كلماتي، قالت بتأثر شديد:
- أنا على ثقة بأنها ستكون فخورة بك..
أكره أن يتملقني أحدهم أو يشفق علي لأنه يملك ما لا أملكه، فهو لا يستطيع أن يشعر بما أشعر به لأنه لم يجرب ذلك فعلاً ، فرحت أضغط على كل حرف بقوة في محاولة فاشلة لأخفي عصبيتي:
- شكراً.. هل بإمكاني أن أذهب الآن؟
غطت فمها بيدها ونظرت لي بتعجب ثم حاولت أن ترسم ابتسامة على وجهها وهي تتوجه نحو باب الخروج فتبعتها، قالت لي وهي تمسك بطرف الباب بعد أن قامت بفتحه:
- أكره أن يعاملني أحدهم بمزاجية..
تجاوزتها متجهاً نحو الخارج، قلت:
- مع السلامة..
لم أسمع صوت إغلاق الباب حتى بعد أن ركبت سيارتي فشعرت أنني مجرد أناني حقير، لكنني لم أكن أقوى على البقاء ولا لدقيقة واحدة.. ولأنني كنت أضعف من أن أختار وجهتي تركت نفسي لتختار هذه المرة.
ودون تفكير قررت أن أعود..
كنت أهم بالتوجه إلى منزلي لآخذ ملابسي أولاً لكنني لست بحاجة لشيء سوى يد حانية مليئة بالتجاعيد تربت على رأسي، وسبع إخوة يغطونني من غدر الدنيا ويكونون أقرب إليّ مما أرتديه.. وقبر موحش تسكنه قدّيسة أقف أمامه لتؤنسني!!
بعد ساعتين كنت أقف أمام منزلنا من ناحية جناح أكبر إخوتي (أسامة) فاتصلت به وجاءني صوته ضاحكاً:
- مرحباً بأصغر إخوتي وأكبر أبنائي.. من أين أتيت بكل هذا العقوق؟؟ كيف حالك؟
- بخير..
عندما سمع صوتي مختلفاً قال بنبرة منخفضة:
- ماذا بك يا قصي؟؟ هل أنت متعب؟؟ سآتي في الصباح لأقلك إلى هنا.. كفاك غربة يا رجل..
قاطعته:
- أنا بالأسفل.
أغلق الخط في وجهي وبعد لحظات رأيته يخرج من بوابة المنزل متجهاً إليّ فخرجت من السيارة وقبلت رأسه فضمني بقوة وبدأت الدموع تفر من عيني كأنها فضلت أن تمطر على رأسه.
استلم عجلة القيادة وأنا مركون بجانبه كقطعة قماش بالية يحركها أتفه شيء حتى الهواء، توقف أمام المقبرة ثم نادى على الحارس ليفتح الباب وهو يسحبني من يدي ليتوقف بي أمام قبر والدتي فشعرت أن قدمي لم تعد قادرة على حملي فسقطت على ركبتي وأجهشت بالبكاء فتبعني (أسامة) بالجلوس دون أن يحاول تهدئتي.
أمسك بعود صغير وراح يرسم به خطوطاً مستقيمة على الأرض ثم قال بعد صمت طويل:
- في الليلة التي توفيت فيها أمي عدت إلى البيت وأنا أتمنى أن يقتلني كل شيء في طريقي حتى لا أشاهد شروق شمس الغد دون أن تكون أمي هي من تسمح لنورها بالانتشار في حياتي، لم أستطع النوم ليلتها فقمت من فراشي دون أن تشعر زوجتي بذلك وتوضأت ثم قمت أصلي وأدعو الله باكياً أن يسبغ الطمأنينة على قلبي، عندما سلمت وهممت أن أقوم لأصلي مرة أخرى أمسكت والدتي بيدي، كما كانت تمسك بها عندما كنت أزورها في المستشفى آخر أيامها، خللت أصابعها بين إبهامي وسبابتي ووضعت إبهامها من الجهة الأخرى لتصبح أصابعها ملتفة حول إبهامي، ثم قالت لي "هل صليت يا ولدي؟" فحركت رأسي وبدأت الدموع تنهمر من عيني فقالت:"لاتقلق.. أنا بخير".. "كن بجانب إخوتك دائماً" .. "انتبه لقصي".
كنت أجيبها على كل سؤال كما تعودت أن أجيبها كل يوم، الذي اختلف في تلك الليلة، أنها هي من قبّلت رأسي ثم اختفت وسط الظلام، عندما قمت صباح اليوم التالي وجدت نفسي على سريري فعلمت أنني كنت أحلم، لكنني في اليوم الثاني وبعد أن ودعت جموع الناس الذين جاءوا للعزاء واطمأننت بأن زوجتي قد نامت، قمت لأفعل كما فعلت في الليلة السابقة، فجاءتني أمي وحدث بيننا مثل الليلة الأولى، وعندما قمت من النوم وجدت نفسي على فراشي.
ثم أصبح هذا هو ديدن كل ليلة أقضيها لأصلي، لم يكن لدي مجال إلا بالتسليم بأنني كنت أحلم بالرغم من أنني على ثقة بأنني أكون في كامل وعيي بما حولي، زادت ثقتي عندما رأيتها تكبر مع مرور الأيام فبدأت ملامحها تذبل وبدأ شعرها يقل ويتحول إلى اللون الأبيض.. فلم تعد تأتيني بنفس الصورة التي كانت تأتيني بها عادة، وباتت تحادثني في أمور يومية وتساعدني على حلها.
سألتني قبل أيام.. "هل عاد قصي؟".. فأخبرتها أنك لم تعد، فقالت "لا تقلق، لابد أن هناك ما يشغله.. سيعود من تلقاء نفسه".. وها أنت تعود اليوم من تلقاء نفسك لتقف هنا.
لم أخبر أحداً بهذا من قبل، خفت أن يعتقد الجميع أنني قد جننت، لكنني أقسم لك أن هذا ما يحدث في كل ليلة أقوم لأصلي فيها..
بدأت أمسح دموعي وخفضت رأسي إلى الأرض أحاول بين الفينة والأخرى أن أشاهد عيون أخي التي أصبحت لامعة وسط الظلام مستغلاً انشغاله بتحريك العود على الأرض.
قال:
- أحياناً أشعر أنني أغبطك لعدم معرفتك لها، لأن إحساسك بها الآن هو شعور غريزي لطفل نحو أمه التي لم يراها مرة واحدة في حياته، وليس شعور المشاركة والجمال الذي كانت أمي متخمة به، كانت تختار لنا من كل شيء أجوده، ومن كل كلمة أجملها ومن كل شعور ألطفه إلى قلوبنا.
راح يخبرني عن ذكرياته معها، عن سر خبأه معها عن والدي، عن أقصوصة أدمن سماعها من فمها، عن أحلام كانت تسر له بها حين كانت على فراش الموت وعن أشياء صغيرة ويومية لا يغري روايتها كما يغري أن تكون جزءاً منها.. تساهم في صنعها واستخدامها كلما شعرت أنك تشتاق إليها، لتخلق تلك اللحظة بنفسك.
توقف (أسامة) فتبعته، لم ينفض يديه وملابسه، وإنما قام بمسح يده على شعره ورقبته كأنه يتطيب بما علق فيهما من رمل، ابتسمت حينها رغماً عني وقلدته كما كنت أفعل دائماً.. لأنه الشخص الوحيد الذي لا أخجل من تقليده في هذا العالم، قال لي:
- املأ نفسك.. فهذا كل ما تبقى من حضنها الدافئ، ورائحتها العطرة.
رافقته نحو البوابة فسلمني مفتاح سيارتي، قال:
- سأريك الآن وجه المدينة كما لم تراه من قبل.
لم أفهم ما يقصده فرحت أتنقل بين شارع وآخر كغريب يبحث عن بيت يعرفه ولا يعرفه حتى أنقذني بصوته:
- سأختار أن أبدأ من هنا.. هل ترى ذلك المبنى باللون البني، توقف أمامه.
روى لي في كل شارع حكاية، هنا درس.. وهنا قاد سيارته الأولى، وهناك في ذلك الشارع حصل على أول وظيفة له، هنا يسكن أهل زوجته، وهنا أمام هذه الحديقة لمحها لأول مرة..
بدت الشوارع ساكنة تصغي إلى حديثنا وضحكات أخي الذي بدأ الشيب يتسرب إلى صدغيه وذقنه دون أن يشعر، أو ربما كان يعرف ذلك ويتجاهله.. المهم أنه بدا شغوفاً بكل شارع نمر به ويطلب مني التوقف قليلاً كأن العلاقة التي تجمعهم وثيقة جداً..
لم أكن أعلم أن للشوارع قيمة حسية تشاركنا انفعالاتنا، فحسب ما يرى (أسامة) يعتقد أن كل شارع يتصف بصفة تميزه عن غيره، فهذا حزين كئيب، بينما يمتد بموازاته شارع سعيد صنع لنفسه أصدقاء وذكريات رائعة، يواجههما شارع قديم تلفظ أبنيته (رواشينها) بفخر لتجبرك على الوقوف لمشاهدتها وإحناء رأسك أمامها، أما ذلك الشارع في وسط البلدة فتعلو أرصفته ألوان مبهجة تركها له تجار قدماء كانوا يلتقون كل أسبوع ليرتبوا على زواياه بضائعهم التي أحضروها من مكان بعيد.
وبينما نحن على حالتنا تلك في التنقل وأسامة يروي لي حنين الشوارع إلى أهلها، قامت كل الشوارع مجتمعة بترتيل آذان الفجر في مشهد لا يخلو من الدعابة وإن خالطه الكثير من الوقار والجمال، فقد اكتشفنا أن هناك شوارع لا تنام باكراً ولا تستيقظ مع باقي إخوتها لتردد معهم أذان الفجر في الوقت ذاته، كما أن هناك أخرى تردده بكسل.
وصلنا إلى المكان الذي بدأنا منه رحلتنا، ولكن بقلب مختلف عن الذي بدأناها به، خفت أن يطلب مني البقاء لأنني لا أملك القدرة على رفض ذلك أبداً، قال لي:
- عندما كنت صغيراً يا قصي، كنت تعود لي كلما أتعبك أمر ما أو ضربك أحدهم.. وكان يحلو لي أن أساعدك دائماً حتى في ربط عقدة حذائك.. وحالما أحل مشكلتك فإنك تختفي مباشرة حتى يرهقك أمر آخر، فتعود من جديد..
ضغط على يدي بقوة وشخص بصره نحو يدي، قال:
- مر زمن طويل لم تعد فيه يا قصي.. حتى ظننت أنك لم تعد بحاجة لأحد، وأن يدك باتت قوية كفاية لتعينك على حل مشاكلك..
ابتسم في وجهي الذي احمرّ خجلاً، وتخليت عن الضغط على يده لكنه أمسكها بقوة وتابع:
- لكنني سعيد جداً بعودتك هذا المساء.. كن قوياً دائماً يا قصي.. وعد سريعاً..
فتح باب السيارة وخرج منها وحالما ابتعدت صرخ لأسمعه:
- لا تعد يا قصي.. كن أخي القوي دائماً..
أدخلت يدي في جيبي وأخرجت علبة السجائر ثم أشعلت سيجارة ورحت أدخنها وملايين المشاعر تختلج بداخلي، لا أعرف أي طريق سلكت، ولا كم من الوقت استغرقت.. كل ما أذكره هو أنني توقفت أمام باب منزلنا وحالما اقتربت منه كان أخي (حمزه) يتبعه (ليث) يخرجان متوجهين إلى عملهما، اتسعت عينا (حمزة) بدهشة وابتسم ابتسامة كبيرة بينما عانقني (ليث) بكل قوة، كانا يودان العودة معي إلى الداخل لكنني أخبرتهما أنني مرهق وبحاجة إلى النوم، فلا داعي لتأخير أعمالهما لأننا سنلتقي حتماً في الظهيرة ونتناول طعام الغداء سوية.
خطوت إلى البيت الذي لم يتغير أبداً.. فكأنني تركته بالأمس.. وقفت في الصالة متردداً.. لم أرغب أن أخرج أبي من عزلته المعتادة كل صباح، فصعدت الدرج بهدوء متسللاً إلى غرفتي وأغلقت بابها خلفي، كان كل شيء يجثم على أرض الغرفة كما تركته قبل أن أغادرها آخر مرة، ورحت في سبات عميق أترقب زيارتها لأخبرها بكل ما في نفسي هذه المرة.
أدرت وجهي باتجاه النافذة فرأيت وجهها ينعكس على زجاج النافذة، فأدرته باتجاهها لأجدها تجلس في مكانها المعتاد على الكرسي بالمقلوب، وقبل أن تهم بالحديث فتح الباب مرة أخرى ودخلت (معالي) تحمل ابنتها (ليان) اقتربت مني فبدأت أرتجف خوفاً من أن تلاحظ كل واحدة منهن وجود الأخرى، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.. اقتربت (معالي) من السرير وتركت ابنتها تلعب حول السرير ثم جلست في منتصفه بعد أن أزحت رجلي، وقبل أن أستوعب ما يحدث، قامت ود بالظهور أمام النافذة وهي ترتدي زي راقصة شرقية وتدورحول نفسها بابتسامة واسعة.. بعدها دخلت (تالا) مطرقة رأسها بخجل يعلو الحزن ملامحها فأردت أن أحدثها لكن (سمر)سحبت البساط من تحتها حين ظهرت من رف المكتبة تشيّر لي بكتاب كان في يدها..
حاولت أن أقوم من مكاني لكن أصابع (خصال) تخللت أصابعي فالتفت إليها لأجدها تجلس على زاوية السرير وترتدي ذلك القميص البرتقالي.. وعلى عكس (معالي) التي اتسمت نظرتها بالعناية والحب، فقد بدت نظرة (خصال) شديدة الرغبة..
من بين كل هذا الجنون لم أستطع أن أهمل (ربى) التي وقفت أمام سريري تحمل في يدها قاموس اللغة الإنجليزية الذي كانت تحمله دائماً.. في البداية توقعت أنني أحلم لكنني تأكدت من ذلك حين اكتشفت أن إحداهن لا تشعر بوجود الأخرى، فرحت أضحك وأنقل بصري بين خصر هذه وشعر تلك، كانوا جميعاً في أجمل حلة عرفتهن بها، حتى (ربى) بدت جميلة كما لم تبدو من قبل.
أعتقد أنني جننت لا محالة لكنني سمعت صوت دقات قوية على باب غرفتي ففزعت خائفاً وحينما استيقظت وجدت أبي يضرب الباب بعصاه وهو يقول:
- من هنا.. من هنا؟؟
رفعت وجهي والتقت نظراتنا فقال بصوت عال جداً:
- أعوذ بالله منك.. أخرج يا شيطان..
وقفت على سريري وأنا أسمعه يردد نفس كلماته ويتعوذ بالله مني ومن الشيطان الرجيم، ويبدو أن أخي (حيدر) - الذي كان يعمل بدوام مسائي- استيقظ على صوت أبي هو الآخر فتبعه إلى غرفتي مذعوراً وحالما رآنا على حالتنا تلك فهم ما كان يقصده والدي وراح يضحك بشدة وهو يقول له:
- أبي.. هوّن عليك.. إنه قصي..
صمت أبي ونظر إلى عيني مباشرة، ثم بدت على وجهه أمارات الخجل وقال بلهجة عتب يوجه حديثه لـ (حيدر):
- لمَ لم تخبرني يا بني أن أخوك قد عاد من سفره.
أمسك أخي بيد أبي وقبّل رأسه وهو يقول:
- لقد أخبرني (ليث) لكنه طلب مني أن لا أزعجه، ولم أكن أعلم أنك ستصعد إلى هنا..
اقتربت من أبي وقبّلت رأسه ويديه، فأصر علي بالعودة إلى النوم مرة أخرى لكنني فضلت أن أخرج للجلوس معها في صالة المنزل.
بالرغم من تفاجئ بقية إخوتي بتواجدي على سفرة الغداء إلا أن المفاجأة الكبرى كانت من نصيب (أسامة) الذي ودّعني صباحاً ظناً منه أنني سأسافر حالاً، فقال وهو يقرص على يدي:
- متى جئت؟!
غمزت له بعيني وقبلت يديه:
- صباح اليوم.. اشتقت إليكم.
كان يوماً جميلاً ضحك فيه الجميع بشدة عندما علموا بالموقف الذي حصل بيني وبين والدي حين ظن أن جنياً يتخذ من غرفتي مسكناً له، ثم انتقل بنا الحديث نحو مواقف مضحكة كان (الجن) متصدّراً فيها أكثر من غيره.


يتبع..

براعم 22-12-13 07:13 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم

يعطيك العافيه فصل مؤثر جدا

كنت اعتقد ان المراة اكثر تاثرا لفقدان الام بالرغم من ان حزن الرجل اعمق ولكن علاقة الابنة بوالدتها اقوى من الابن

او ان الرجل بعد فقدان والدته ربما يجد السلوى في زوجته

ولكن قصي الى الان برحلة بحث حتى بالاحلام ماعم يخلص منهن هههههههه جننه هالنسوان الله يعينه


عند حديث معالي عن والدتها امام قصي واصرارها عليه ليكم والدته عنجد مشاعر قاسيه تمنيت لو ان اخرسها قبل ان يقول بغصه انها ميته وصف رائع وابداع مميز

كم هو مؤثر مشهد قصي مع اخيه عند القبر والرساله التي وجهها اليه انه لا يريده ان يكون ضعيفا

مبروك الزواج لصديقك وعقبال عند قصي يارب

الله يرحم اموات المسلمين

عشـق القــمر 26-12-13 11:32 AM

رد: رواية 13
 
ووواااااووو فصل رااااائع وأجمل مافيه انه هديه الى صديقك تهانينا مباااارك له أتمنى له حياه سعيده وجمييييله!!
أوووه حياااة معالي مع زوجها السابق فضييييعه جداا!! كنت رااح اسبه وأشتمه وأنعته بانوواع السب لكن معالي أراحتني نفسيا بطعنه في يده ياليتها كانت موجهه لرقبته وينتهي الكاابوس هع هع!!..
ماعلينا ماعلينا الظاهر ان زوجته الثانيه زجت به في السجن !! وووواااااووو هذي بنت ابوها ولابلاش!!هههههه
وووااااااووو رااااائع جدا جدا وصفك لحوارهم وجلستهم وكيف أنتقلنا من ماضي معالي الى حاضر قصي اللي ماعنده اي فكره كيف يواسيها!!
انا كنت اعتقد ان الاولاد بطبعهم لايفقدوون الام كثيرا اممم يمكن ان البنت اقرب الى أمها لكن حقيقة أنا ربما اظن ان معظم الاولاد وليس كلهم يفقدون اﻷم!!
ولكن وصفك وكل شيء تحدثت عنه عن اﻷم راااااااائع جداااا جداااا لديك قلم مميز ليه ماتحط صور عن شخصيات الروايه اممم فكره ليس أكثر!!
طيب طيب انا تمنيت ان قصي اخرس فم معالي با أسنفجه وصابونه !!
بس مؤثر جدااا جدااا هذا الجزء ..أسامه اكبر أخووته ..لطالما تمنيت ان لي أخ أكبر مني ^-^
مووقف والدتهم والمقبره مؤلم جدا !! لكن ابدددعتتت من جد وصفك أجمل من جمميييييل ..!! لااحب التعمق في الاحزااان لذا أسمح لي ان أطييير طيراان الى مووقف الجن..هههههههه..:lol:
بسم الله اعووذ بالله ..وش ذا طيب طيب ماعلينا يشوف أمه بس طل شووي تطلع وحده لا لا يخوووف صراااحه لو كانوا في أبهى حله اذا بقيت ثانيه في محلي فسموني عشوقه ههههههه انا من جد وانا اقرا هالمشهد وانا اناظر يمين وشمال مابحب هالاشياء..!! طيب وش قصة قصي هو وهالنسوووان..اول مررره اشفق على رجل من نون النسووه..هههههههههه!!!!الله معك ياقصي!!
مافي أمل تقووولنا يااخي مين بطلة قصي ؟!!
الشرع محلل اربع فقط..ههههههههههه..!!
ومافي أمل تقول وش سر 13؟!!
ايه يابابا تعووذ من الشيطاان الظااهر أخنا الكااتب أحمد ..ناوووي يخووفك انته بعد !!
حيدر اجا وانقض المووقف ..وجمعتهم العااائليه جميله جدا واجمل لو الام تتوسطها!!
رحم الله جميع أموووات المسلمين!!

:55::55::55:
فصصصل جممميييييل وراااائع جدااااا وخيااالي أتمنى لك المززيد من التقدم والتفوووق!!وعرفت نبذه عن حياة قصي وعائلته ووالدته!! وأعتقد ان تعليقي كان طوويل لكن حبيت أعلق على الفصل الراااائع ..برااحتي!! ولاتحرمني من الاجابه على أسئلتي على الاقل اكاد أموووت واعرف مين بطلة قصي ..!! وشكررررااااا بحجم الكوون لك !!أختك..عشق!!^-^:peace:

Ahmad Rufai 28-12-13 09:41 AM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ورحمة الله..

أتمنى أن يكون الجميع بصحة وعافية

الأسبوع الفائت كان مليء بالأعمال كعادته منذ بدأت بكتابة هذا القصي.. ولا أنكر إني كنت أحصل أحيانا متنفس ساعه أو نصف ساعه للكتابه، لكنها لم تكن تخدمني بالشكل المطلوب فأصبحت أكتب ثم أمسحه مرة أخرى لأكتب شيئاً يليق بكم..

تعليقاتكم ومشاركاتكم تؤثر فيني جدا جدا جدا وأحاول أنتقي لكم أجمل الكلمات لكن التعبير يخونني

ولا أنكر أنني أستقي بعض أفكاري من تعليقاتكم وتفاعلكم مع بطلي المجنون

فاعذروني عن الأسبوع المنصرم.. ولا أقول الأسبوعالقادم.. لكن لو حصل فاعذروني وإن كنت سأبدأ الكتابة من الآن..

أما بالنسبة لأسئلتكم الدائمةحول بطلة قصي وسر الرقم 13

فهو كان مبني على 13 شخصية تدخل في حياة قصي وتؤثر فيها سلباً أو إيجابياً لنهاية القصة. وفي نفس الوقت يعتبر الرقم 13 دليل على سوء الحظ في الموروثات العربية

أما بالنسبة لحبيبة قصي.. الأولى أو الأخيرة لازم نعرف إن شخصية قصي مهما كانت مختلفه عن أقرانه ومهما كان يبحث عن الأنثى الكامله أو المختلفه فهو في النهاية لازم يتزوج مهما كانت الأسباب..

لأن مستوى الكمال نسبي.. أقصد أن ما قد تراه الأخت عشق القمر كمالاً في بيئتها.. قد تراه الأستاذة براعم أمراً عادياً جداً في بيئتها..

أما بالنسبة لرسم شخصيات القصة فأنا أرسم الكاريكاتير وأنشره وفكرت إني أرسم الشخصيات أكثر من مره لكني لم أركز عليه أبداً.. حتى في الروايه كنت أتجنبه دائماً حتى لا أظهر قصي أو أحد الأبطال بشكل أسطوري في الملامح الخارجيه..

فتجنبت الحديث عن شكله أو شكل وحده من الأبطال ما عدا ربى وخانني النعبير فيها أعتقد..

والسبب في هذا إني أعطي مساحه من الحرية لتفكيركم إنه يتخيل نفسه أو أحد يعرفه مكان البطل هذا..

من الأشياء اللي آلمتني جداً في هذي الروايه هي شخصية سمر الجميلة حقاً.. والطريقة اللي انتهت فيها من حياة قصي..

حتى مشهد الوداع أو النهاية اللي كانت بين سمر وقصي كانت بارده نسبياً ولم تعجبني..

حاولت أتعاطف معاها جداً وأقرب قصي منها أكثر لكني أعرف وتعرفون إن زواج قصي يعني نهاية القصة بكل تأكيد..

فكان لابد من عدم التوقف عندها وإكمال القصة وإن كان في النفس تأثر من عدم إنصافها في الروايه..

آخر شي وأهم شي.. اللي ينتظرحبيبة قصي أونهاية القصة فهي ما راح تختلف عن أي نهاية قصة في العالم

لأن الجمال في القصة مش في نهايتها وإن كانت النهاية جميلة لكنها تظل نهاية..

أكرر اعتذاري عن عدم تواجدي أمس بجزء جديد..وبإذن الله سأسعى أن يكون القادم أجمل

واعذروني على التقصير في الرد عليكم حقاً.. أشوف قلمي لا يرتقي للرد على مشاعركم الجميلة وتفاعلكم الراقي وتأثركم الصادق مع الشخصيات,, واللي يلهمني كثير في رسم ملامح الجزء القادم..

تحياتي :)

براعم 28-12-13 12:05 PM

رد: رواية 13
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

يعطيك العافيه يارب واحنا بانتظار ابداعك خذ راحتك اخي

مايميز روايتك الاسلوب في السرد وربما الفصول تكون قصير ولكنها قمة في الابداع
واكيد الفضول ربما تكون النهايه سعيده وعاديه بنظرك ولكن صحيح كلامك العبره بالمضمون

ولا اخفيك عندما اظهر لنا قصي تعاطفا مع سمر ومع كل الصفات التي تملكها الا انني تمنيت الا تكون تلك النهايه ليس لانني لااريد سمر او اني لم احبها ولكن لم ارد ان تتنهي الروايه

ربما البعض منا يجامل في بعض الروايات ويدعي ان ينتظرها بكل شوق

لا ابالغ ان قلت انني افرغت وقت نزول الفصل في ذلك الوقت لاتحرمنا من ابداعك


شكرا لك اتمنى لك التوفيق

عشـق القــمر 28-12-13 02:36 PM

رد: رواية 13
 
وعليكم السلام والرحمه أهلاااا اخي ..
الحمد لله بخير جميعااا!!
أووه اعترف اني انتظرت نزول الفصل الى ان غلبني النوم!!
ﻵتضغط على نفسك أكثر ..رااح ننتظرك وننتظر قصي ..أهم شيء تووفيقك ..واممم منشان انك بتالقي وقت وتحاول تكتب وتمسح ..!! اعترف ان كتابة الرووايه صعب لكن ليس صعب امام قلمك المميز!! افكار تأتي فجأه دونها جانبا وانا متأكده انها تساعد في الفصول القادمه!! ^-^
أووه تماما زي ماتوقعت بسر رقم 13..وارجع واهتف من جديد روااايه مميييييززززه!!

صراااحه قصي وسمر فرااقهم كان صعب بالنسبه لي طبعا قصي كان بارد..وانا معك زواج سمر من قصي تعبتر النهايه..
وبما اني.سمعت.كلمة نهايه فاانا بهتف واوقول لا لا لا تزوجه الحين اصلا مو لازم. يتزوج .!! اهم شيء نعيش مع قصي هالروايه ..!!
بالنسبه لشخصيات الروايه فكرتك جميله ناخذ راحتنا لكن اتووقع ان جميل ان تكتب لنا ملامحهم..وفي الحقيقه" ربى " بالعكس انته اظهرت شكلها بااسلووب رااائع وان قلت انت العكس من كلامي فانا ارجع واقول بل كنت رااائع واتمنى تستمر!!
اممم اتووقع في الفصول القادمه يحدث شيء يحررك قصي من مكانه اقصد بهذا مشاعره احاسيسها برووده مزاجه.. !! شيء يحركه من مكانه..وانا متاكده انك راح تغير من قصي وبالتاكيد بيتغير من الاشخاص اللي في حياته..!! مع حادثة ود احسست ان قصي قليلا بدأ يتكلم عن نفسه ..!! ومتأكده ان في شيء راح يحصل لقصي كما تغير قليلا مع حادثة ود!!
ووفاة والدته تحدث عن مشاعره كثيرا بفقدانه لوالدته..واتووقع ان قصي لم يجد هدفه بعد لاادري بس اني.احس ان قصي تائه لاادري يمكن احساسي خاطئ ..بس حقيقه من السطور الاولى شعرت اني تائهه مع قصي !!
تائه وغامض قليلا احسه غموضه قليلا ينجلي ..
ﻵانكر انها روايه مميزه جداا جدااا ..واتمنى حقا ان أقرأ روايات ثانيه من قلمك..!!
وبإذن الله نرى المزيد من قلمك الاكثر من الراااائع وربما اتواجد الجمعه القادمه او ربما ﻵ ..فقد بدأت امتحاناتي..!!
أتمنى لك المززيييد من فضل الله خذ وقتك مع قصي سننتظرك..شكرااا لك بحجم الكووون^-^

Ahmad Rufai 03-01-14 07:58 PM

رد: رواية 13
 
-16-

كان يوماً جميلاً ضحك فيه الجميع بشدة عندما علموا بالموقف الذي حصل بيني وبين والدي حين ظن أن جنياً يتخذ من غرفتي مسكناً له، ثم انتقل بنا الحديث نحو مواقف مضحكة كان (الجن) متصدّراً فيها أكثر من غيره.
اغتنمت فرصة تواجدهم قبل أن يدخل كل واحد منهم إلى غرفته ليرتاح قبل صلاة العصر، فأخبرتهم برغبتي في السفر لكن والدي طلب مني البقاء، قال لي أنه يريد الحديث معي بعد الصلاة، فصعدت إلى الأعلى برفقة (ليث) و(حيدر) حيث جلسنا في الصالة العلوية، وبعد صلاة العصر توجهت إلى الديوان الخارجي، حيث يجلس أبي ليستقبل أصدقائه.
من عادة أبي أن يجلس في صدر المجلس متربعاً فوق مقعده، لكنه يغير هذه الجلسة إذا أراد أن يشعر محدثه بأهمية الموضوع فيضع رجليه على الأرض ويحني ظهره إلى الإمام، أخبرته بذلك فضحك، قال:
- الأمر مهم فعلاً يا بني.. لقد تحدثت مع (أسامة) البارحة بخصوص أخويك (حيدر) و(ليث).. إنهما يريدان اللحاق بأخيك (حمزة) الذي ينوي الزواج في منتصف الربيع القادم.. فأخبرني (أسامة) أن هناك متسع من الوقت لنخطب لهما..
صمت والدي ليرى تأثير كلماته على وجهي ثم تابع:
- في حال استطاع زوجات إخوانك أن يبحثن عن زوجتين لهما، ما رأيك أن نقيم حفل زفاف لأربعة رجال بدلاً من ثلاثة؟؟
صمتُ قليلاً لأحاول انتقاء كلماتي لكنه قاطعني وأمسك بيدي يحدثني بنشوة وفرح:
- سيكون حفلاً رائعاً يتحدث عنه الناس لسنين قادمة، لا تحمل همّ الترتيبات، بإمكانك أن تنتقل بزوجتك إلى هناك إذا كنت لا تحب الإقامة هنا..
- لا.. ليس كذلك..
- أما إذا كنت تريد الإقامة هنا فسأطلب من (أسامة) أن يبحث لك عن عمل منذ الغد.. وحتى تحصل على عمل.. سأتحمل كل شيء.. فقط أخبرني بأنك موافق..
كان من الواضح أن أبي يشعر بحماسة شديدة لا يجدر بي مقابلتها بالرفض، ثم من قال أنني رافضٌ أو مؤيد لفكرته، كل ما أريده الآن هو أن أخرج من هنا لأستطيع التفكير واتخاذ القرار المناسب.
قاطع والدي أفكاري ليمنحني حلاً لم أكن أملكه، قال:
- لا تستعجل في اتخاذ قرارك.. فكر بروية ثم أخبرني بما تريده.. لكن عدني أن تفكر حقاً فيما قلته لك..
قمت لتقبيل رأسه ثم قلت:
- حسناً.. أعدك.. سأفكر جيداً..
قلتها ثم توجهت نحو باب الديوان لأغادر فقال أبي ضاحكاً:
- أم أنك لا زلت تعتقد بأنهن يأكلن الأطفال؟!
كانت هذه الجملة مختصراً لقصة تروى عني عندما كنت صغيراً ولا أذكرها، يقول أبي أنني عندما كنت صغيراً، كانت زوجة (أسامة) تحاول أن تقطع خيطاً زائداً في قميص رضيعها بفمها، وعندما سألتها ماذا تفعلين أجابتني ضاحكة بأنها ستأكله فهرعت إلى أبي وأسامه قبل أن تأكلني وأخبرتهما بأنها تأكل الأطفال، وبالرغم من أنهم أكدا لي أنها لم تأكله إلا أنني بقيت لفترة طويلة أتجنب الجلوس معها وحدنا.
أخفيت ابتسامتي وأشعلت سيجارتي بعد أن خرجت من محطة الوقود متجهاً للطريق السريع، اكتشفت وأنا أقود سيارتي متجهاً نحو الشمال أنني لم أفكر في الزواج أبداً منذ ولدت، كأنني لم أؤمن يوماً بحتمية ذلك، وحالما دخلت المدينة رحت أتأمل نسائها وأسأل نفسي.. يا ترى أي واحدة منهن تريد يا قصي؟؟ ترجلت من سيارتي متجهاً نحو أحد المطاعم وأنا أقول لنفسي.. حتى أتمكن من الاختيار بشكل جيّد.. يجب أن أعرف كل أنواع النساء وأجربها حتى يكون اختياري ناتجاً عن معرفة ودراية.
جلست على الطاولة أنتظر طعامي وأتأمل كل شيء يقع أمام زاوية بصري.. رأيت فتاة تجلس أمام شاب يضع أصابعه بين أصابعها وعينيه مسمّرة على عينيها فعلمت أنه كاذب من تهدل كتفيه وعدم مناسبة تصرفه مع حركة فمه، ولأن هذه المشاهد تثيرني لدرجة الغثيان فقد قلبت وجهي نحو الجهة المقابلة لأرى زوجين يحملان طفلهما الصغير، وبينما يحاول الأب وضع اللعبة في يده، تحاول الأم أن تعدل ياقته من الخلف، على يمينهما جلس رجل بجوار امرأة تكرهه لدرجة أنها تحاول النظر إلى أي شيء عداه، خلفهم مباشرة جلست فتاة تملأ وجهها بمساحيق التجميل فأصبحت كأنها لعبة معروضة للحب أو شيء آخر.. لا أعلم..!!
تمنيت أن أأخذ ذلك الحبيب الكاذب لأضعه أمام تلك الفتاة التي تشبه الدمى الصينية، ثم أركل تلك المرأة التي تكره زوجها وأمنحه تلك الفتاة التي كانت تصدق كل شيء وعينها تفيض حباً ولمعانا.. لوهلة تمنيت لو أنني أستطيع أن أفعل ذلك حقاً.. لكنني حين تخيلت أنني أملك القدرة لم أفعل ذلك أبداً..
لأنني اكتشفت أن تلك المرأة - التي كنت أود ركلها- غاضبة من زوجها لأنّه يطيل النظر إلى (الدمية الصينية) ولفرط حبها له وغيرتها عليه، باتت غير قادرة على تحمل الجلوس في ذلك المكان، أما تلك الفتاة المخدوعة بمعسول الكلام فإنها تستحق ذلك، كانت شاشة هاتفها تومض بشكل متواصل منبئة عن اتصال شخص قلق عليها لكنها وضعت هاتفها في جيب حقيبتها لتتخلص من إزعاجه، ربما يكون حبيبها السابق.. وبالرغم من أنني أصبحت أملك القدرة على وضع كل الأمور في نصابها - في خيالي على الأقل- إلا إنني فضّلت ألا أفعل شيئاً حيال أخطائهم وتعديلها.. كأنني أعاقبهم على سوء اختياراتهم ممارساً دور القدر!!
اكتشفت أيضاً أنني لم أستمتع بالنظر إلى الناس ومراقبتهم منذ زمن بعيد كما أفعل اليوم، لم أكن أعتقد أن في ذلك متعة لا تشابهها متعة، خاصة عندما أكتشف أمراً يؤكد نبوءتي التي وصلت إليها قبل أن تحدث، فأعرف أن هذه المرأة ستقبل طفلها، وأن هذا الرجل سيسقط، وأن تلك المرأة هي من ستقوم بدفع الحساب!!
قبل أن أستمتع بمواصفات هوايتي الجديدة في الحياة أطلت برأسها من باب المطعم بعد أن دفعت الباب بيدها فالتقت نظراتنا ووجدتني أبتسم رغماً عني ببلاهة في وجهها، كانت هي نفس تلك العيون التي كنت أقدم لها قرابين الحب كل ليلة.. في البداية توقعت إنني أحلم، لكنني عندما تفرست في بقية ملامحها علمت أنها لم تكن هي.. بل كانت أخرى تملك عينين تشبه عيناها..
هل قلت تشبهها؟!!
هذه هي المرة الثانية التي تبدو لي فيها امرأة تملك مقاييس حسية يمكن أن أقارنها من خلالها بشبيهاتها بين بنات حواء.. الأولى كانت حينما ظهرت لي صباح اليوم عندما كنت نائماً في غرفتي ورافق ظهورها ظهور النساء من بعدها كأن كل واحدة منهن تحاول أن تثبت لي أنها الأفضل.. أو ربما أردن أن يثبتن لي أن جميع النساء يتشابهن بشكل أو بآخر، وأن تلك التي كنت أعتقد أنها مختلفة لم تكن سوى أنثى تعيسة!!
الغريب في الأمر أنني عندما ابتسمت لها كأنني أعرفها ثم أزحت نظري - عندما تيقنت أنها ليست هي- لم تكترث كثيراً، كأنها اعتادت أن يقع الناس في هذا الخطأ معها دائماً حين يعتقدون أنها شخص آخر.. ترى كم من النساء يشبهن بعضهن بهذه الطريقة؟
شعرت أنني أستخدم عيني للمرة الأولى في حياتي، وأنني يجب أن أحاول استكشاف الأشياء بها مرة أخرى كأنني طفل بدأ يميز الأشياء لتوه ويعطيها أسماءً تناسب عالمه الصغير، لأن إعادة النظر إلى الأشياء بموضوعية وتركيز يسلبها الكثير من سحرها الذي قد يفتننا في المرة الأولى.. فلا تستغرب إذا كررت النظر إلى شيء واحد ورأيته يختلف في كل مرة بالرغم من أنه لم يتغير..
وطالما أن الأمر كذلك.. لابد أن أضع هذا في الاعتبار، أريد امرأة تملك فتنة (تالا) وحضور (خصال) وثقافة (سمر) وحيائها.. أريد امرأة تملك حنان (معالي) وجنون (ود) وإصرار (ربى) وملائكية تلك التي زجّت بي نحو مفترقات الحياة..
نعم.. وقبل هذا كله أريد امرأة قديسة كـ(أمي).. أليست هي من النساء أيضاً!!
عندما قررت الخروج من المطعم، شعرت وأنا أقوم من على الكرسي بأنني أخف وزناً رغم امتلاء معدتي بالطعام، شعرت أنني تركت جزءاً مني هنا ولم أعد أرغب بحمله من جديد.. وحالما ركبت سيارتي وجهت نظري نحو حائط المطعم الزجاجي فرأيته لا زال جالساً على نفس الكرسي في المطعم يتناول طعامه بعينين ناعستين وأعصاب مرتخية كأنه عجوز شارف على الستين، كان مظهره تعيساً ومثيراً حد الشفقة!!
سألني (باسل) عن سبب سفري المفاجئ ولأنني أعلم أنه لن يتركني قبل أن أخبره بالحقيقة فقد أخبرته بأن الشوق لوالدي كان سيّد الموقف.. جلسنا نتسامر تلك الليلة قليلاً ثم ذهبنا للنوم..
بدأت أشعر أن شيئاً بداخلي قد تغير.. بت أمتلك قوة أكبر.. أركز على أمور دقيقة لم أكن أركز عليها سابقاً.. أشعر أن حالتي الاسفنجية بدأت تتحول تدريجياً بشكل أجمل..
بات تقييمي لكل أنثى يأتي من منطلق (هل هي صالحة للزواج؟) وبالرغم من أني لا أرى الكثير من النساء في يومي لأنني لا أحب الخروج كثيراً وإن كنت أعلم أنهن يتواجدن في أقسام أخرى من الشركة إلا أنني لم أفكر في إقامة علاقة مع زملائي عوضاً عن الزميلات، لأنني لا أحب العلاقات الممتدة ولأنني شخص شديد المزاجية، وأخاف أن يؤثر ذلك على علاقتي بهم في العمل.
عندما أردت الخروج من مكتبي آخر الأسبوع رأيت (معالي) تقف أمام الشركة.. فتحت باب سيارتي وجلست على مقعدي فجلست بجواري.
قالت:
- أين كنت؟ ولماذا لا تجيب على اتصالاتي؟!
لم أنظر باتجاهها، حاولت أن أتجاهل سؤالها، لكنني توقعت أن يزيد ذلك من عمق الفجوة بيننا فقلت:
- كان والدي مريضاً.. فذهبت لزيارته.
كانت تعلم أنني أكذب لكنها أرادت أن تصدق ذلك، ربما لأن النساء يشعرن بالقوة حين يعلمن أن الرجال يضطرون إلى الكذب خوفاً من ردة فعلهن!!
قالت:
- وكيف حاله الآن؟
- بخير.
صمتنا قليلاً فقالت بابتسامة في محاولة لتجاوز كل ما حدث:
- لقد أعددت طعام العشاء..
لم أجبها، ولم أستطع أن أرفض طلبها بعد أن جلست تنتظرني كل هذا الوقت، أخرجت هاتفي وتحدثت مع (باسل) لأعتذر عن تناول العشاء معه وتوجهت إلى منزلها مباشرة.
كان كل شيء أكثر حميمية هذا المساء، حتى (ليان) بدت مستمتعة بوجودي، وعندما قامت والدتها لتكمل بعض أعمالها اقتربت مني وجلست أمامي مباشرة كأنها تنتظر إشارة مني بالاقتراب، فمددت يدي واقتربت مني على استحياء شديد فأجلستها بجانبي ورحت أتحدث معها وأسألها، وكعادة الأطفال راحت تسهب في كل شيء..
كنت أفعل ذلك لأتجنب الحديث مع (معالي) ويبدو أنها كانت تريد ذلك أيضاً فتركتني ألاعب ابنتها في غرفة الجلوس واختفت هي متنقلة بين غرف المنزل، كان من الواضح أنها مرتبكة جداً وعلى غير طبيعتها التي أعتدتها عليها، كأنها تخفي أمراً لا تريدني أن أشعر به، بعد قليل رأيتها تقترب وتجلس معنا مرة أخرى.
وقفت (ليان) على المقعد ثم وضعت قدمها اليمنى على فخذي والقدم الأخرى على حافة المقعد لتستطيع أن تصل بيدها إلى راسي ثم راحت تنبش شعري وتلعب بشاربي وذقني.. قالت (معالي):
- ليان.. لا تفعلي ذلك..
قاطعتها بابتسامة:
- لا بأس.. إنها طفلة..
قالت (ليان):
- لا.. لست طفلة.. أستطيع أن أفعل كل شيء.. أليس كذلك ماما؟
حركت (معالي) رأسها بابتسامة:
- بلى..
قلت:
- أنا جائع.. هل تعرفين كيف يعدون الطعام؟
- نعم.. اسأل أمي؟؟ أليس كذلك ماما.
أحببت أن أتخلص من ذاتي تلك الليلة، من كل أفكاري ومعتقداتي وما يشوش عقلي، ربما أحببت أن أعتذر لـ(معالي) بطريقتي تلك الليلة، حملت (معالي) ابنتها التي نامت بجانبي إلى فراشها ثم عادت لتجلس عن يساري في الزاوية، قالت لي:
- أعتذر عما حدث ذلك المساء.
- لا بأس..
- كنت فقط أريد أن.. أقصد أنني كنت سعيدة بوجودك.. فأحببت أن تشعر أنني مهتمة بتفاصيلك.
لم أجبها فتابعت:
- منذ أول مرة رأيتك فيها شعرت أنني أقف أمام نخلة من نخيل العراق، لا يزيدها الزمن إلا قوة ومهابة تستمدها من جذورها التي استعمرت باطن الأرض قسراً عشرات السنين.. منذ ذلك الوقت وأنا أتمنى أن أعرف عنك كل شيء.. لكن يبدو أنني اقترفت خطأً باستعجالي.
قاطعتها:
- لا بأس.. حاولي نسيان ما حدث.. أنا أيضاً كنت سيئاً في ردة فعلي..
- لا.. إنني أعذرك.. لو كنت مكانك لفعلت أكثر من ذلك..
ابتسمت في وجهها:
- لنحاول نسيان ما حدث إذاً طالما أننا لسنا غاضبين.
صمتت قليل ثم قالت:
- كما تحب.. وإن كنت لا أحب نسيان ذلك اليوم، لأنني شعرت فيه بأنك جزء من..
توقفت عن الكلام ثم نظرت إلى السقف وهي تحرك يدها أمام صدرها، فعلمت أنها عاجزة عن شرح ما تشعر به الآن، قلت:
- كلنا جزء من هذه الحياة.. اكتشفت ذلك قريباً.. يتم إعادة تكريرنا في هذه الحياة بصور مختلفة، لذلك نتواجد بصورة حسية أو معنوية في حياة بعضنا، أحيانا قد تجدين رجلاً لا يشبهني أبداً لكن له صوت كصوتي تماماً، أور بما يمسك بسيجارته مثلي تماماً، كما أنك قد تشبهين أحداً رأيته يوماً ما..
قاطعتني:
- هل رأيت أحداً يشبهني من قبل؟!
- في الواقع.. لا..
- لماذا تريد أن تقنعني بذلك إذاً..
- لأنني.. لا أعلم.. لكنني متأكد من ذلك، لا تأخذي الأمر بحساسية..
صمتت قليلاً ثم قالت:
- بالرغم من أنك تبدو قليل التعقيد جداً في قرارتك وتصرفاتك، إلا إنني أشعر كلما اقتربت منك بأنك الشخص الأكثر تعقيداً في هذا العالم.

- عندما كنت صغيراً كان والدي يحاول أن يذكر والدتي كثيراً جداً.. ويدخلها في كل موقف يحصل يومياً.. بالرغم من أنني لم أشاهد لها سوى صورة واحدة تتوسط غرفة أبي، ولا أعتقد أنها ستعرفني هي أيضاً لأنها ماتت قبل أن تراني.. حتى وإن كانت قد رأتني فلا بد أنها لن تعرفني بعد أن تغير شكلي هكذا..
عندما كنت صغيراً، كانت كل مخاوفي تتمركز حول تمكنها من معرفتي وتمكني من معرفتها إذا قامت بزيارتي في المنام كما تزور أبي كل فترة فيخبرني برسائلها في الصباح، وفي كل مرة كان يقص لي خبر رؤيتها فإنه يختم القصة برسالة موجهة لي منها تقول لي فيها "كن ولداً عاقلاً واسمع كلام والدك يا قصي"..
كنت سأكون أكثر طاعة لرسائلها لو نقلتها لي بنفسها دون وسيط!!
أعدت رأسي إلى الخلف حين شعرت أن دمعة تحاول الفرار من عيني وصمت، فشعرت بيدها تقترب من يدي وتغطيها بحنان وتضع أصابعها على نتوء كان في يدي، قالت:
- أنا على ثقة أن هذه الندبة لها قصة رائعة لن يستطيع الزمان محوها من مخيلتك.. دعني أخمن.. لابد أنك كنت تلعب حينها مع إخوتك ولم تشأ أن تخبر والدك خوفاً من أن يعاقبهم.. لذلك أخفيتها ولم تعالجها سريعاً فأصبحت هكذا.. أليس كذلك؟؟
ابتسمت وحاولت أن أسحب يدي من يدها لكنها سحبتها بقوة فوضعت يدي الأخرى فوق يدها، قالت:
- اغفر لي عجلتي الدائمة وفضولي.. فعندما تتحدث يا (قصي) أشعر أنني طفلة تستمع إلى قصص الخيال والخرافات.. هل تعلم يا قصي.. أرى فيك إخلاص أبي وجنون زوجي وكل الرجال.. أرى فيك مدينة لا تهدأ.. تشبه كل الرجال لكنهم لا يشبهونك.. أعتقد أنني أحببتك..
اقتربت مني وجلست بجانبي تماماً وراحت تغني بصوت منخفض ومثير جداً بطريقة اقشعر لها شعر بدني، وضعت رأسها على صدري وواصلت غناءها ذو اللحن الغريب والجميل جداً..
نظرت أمامي فوجدت ذلك التعيس الذي تركته في المطعم ينظر لي بحدة رافضاً أن يستمر بقائنا متقاربين على هذا النحو كأنه يحذرني من أن موافقتي على ما يحدث الآن سيزيد الأمر سوءاً، وفي تحد سافر مني لوجوده، رحت أخلل شعرها بيدي وأقربه من أنفي كأنني أخبره بأنني لا أكترث بوجوده وأنني مستعد للتجربة هذه المرة.
كانت هذه الليلة مختلفة عن سابقتها مع (خصال)، كنت غارقاً في اللذة والسعادة، ربما لأن (معالي) كانت تعرف ماذا يجب أن تفعل، ومتى تفعله أيضاً!!
انحنيت اجمع ملابسي من الأرض فأمسكت بيدي، قالت:
- قصي..
نظرت إليها بابتسامة مشوبة بقليل من الخوف لأن صوتها كان مختلفاً جداً، قالت:
- أنا لا أريد منك وعداً بأي شيء.. فقط أريدك أن تظل بجانبي دائماً كما أنت..
قبلت يدها فوضعتها على خدي للحظات ثم رحلت تاركاً جسدها الممتلئ وهو يأخذ حيزاً أكبر على الأريكة بعد أن كان هناك جسد آخر يقاسمه المكان..
رحت أسأل نفسي بعد هذه الليلة التي قضيتها مع (معالي) عن معايير الجمال في الأنثى، وقبل أن أعرف ذلك أريد أن أعرف أمراً أهم، خاصة عندما شعرت بالنفور من (معالي) آخر الوقت بالرغم من المتعة التي منحتني إياها، كيف يقرر اثنين مهما بلغا من العقل أن يعيشا مع بعضهما حتى آخر لحظة في عمرهما؟؟ ألا يشعران بالنفور من بعضهما بعد مدة من الوقت؟؟ ألا يتغير تفكير الإنسان كلما كبر في السن؟؟ ألن يشعر وقتها أنه قام بتصرف خاطئ حين قرر الارتباط بإحداهن على وجه الخصوص وإكمال حياته معها؟؟
لست متذمراً ولا أنانياً.. كل مافي الأمر أنني ملول بطبعي، لكن كيف استطعت البقاء مع (باسل) في مكان واحد كل هذا الوقت؟؟ أعتقد أن هناك أسباب كثيرة لكن أهمها هو أن ما يبقيني مع شخص كـ (باسل) لأطول مدة ممكنة هو أنني لست مجبراً على البقاء أصلا..!!
أعتقد أن الإنسان يفقد الشعور بالمتعة حالما يشعر أنه مجبر على ممارستها، ربما لأنه يشعر بالخوف من أن يبقى مجبراً في مكان واحد لوقت طويل حتى وإن كان يعشقه.
هل أنا مجنون؟ مريض نفسي؟ لابد أنني كذلك لأنني لا أشبه أغلب البشر الذين يتناسلون من حولي ولا أؤمن بما يفعلوه، وبناءً عليه يجب أن أرعى داخل القطيع، لكنني كلما أتذكر صورة الحياة المصغرة في المطعم تلك الليلة فإنني أتراجع لأنني أعلم أن أغلب البشر يكذبون في كل شيء..
وفي خضم بحثي عن فتاة تمتلك مواصفات المرأة التي أود الارتباط بها فلا بد أن أسجل أول صفة أريدها أن تتحلى بها.. وأهم صفة أيضاً.. لا أريدها أن تكذب!!
أعلم أن ذلك قد يصعب المهمة لكنني هكذا أريد امرأة بمواصفات مستحيلة. بالرغم من أنني أعلم أن القدر قادر على أن يريني أن ذلك هو أبسط ما يستطيع فعله، فقط عندما يريد هو أن يفعل ذلك!!
دخلت إلى مكتبي بعد فترة الغداء وجلست على الكرسي موجهاً بصري من النافذة التي أخذت مساحة الحائط بأكمله أراقب المارة الذين يعبرون أمامي طوال الوقت، فسمعت صوت الأستاذ (حسن) يخترق الصمت:
- أستاذ قصي.. هل بإمكانك الحضور إلى مكتبي الآن؟
ضغطت زر الهاتف بأصبعي، قلت:
- حسناً..
قمت بتثاقل متوجهاً إلى الباب، لابد أنه سيسند إليّ مهمة ما ثم يحدثني عن سيرته الأسطورية التي بناها بعصامية من خلال إنجازه الكثير من المهام في حياته الوظيفية، والغريب أن بعضها لم يكن مسند إليه أصلاً!!
أكثر ما يجبرني على تقبل ترهاته هو أنه يحبني جداً ويتغافل عن سقطاتي المزاجية التي أقوم بها بين الحين والآخر، دلفت إلى المكتب متوقعاً أن يكون بمفرده لكنني تفاجأت بوجود ثلاث موظفات من أقسام أخرى، وموظفاً آخر أذكر أنني رأيته في مستودعات الشركة.
قال الأستاذ (حسن):
- مرحباً أستاذ قصي.. خذ كرسياً واقترب مني أريد أن أتحدث معكم.
سحبت الكرسي وجعلته مقابلاً له ثم جلست، فراح يعرفنا على بعضنا البعض ثم أخبرنا بأمر ترشيحنا نحن الخمسة لدورة في تطوير الذات على حساب الشركة.. كان يستطيع أن يرسل لكل موظف رسالة يخبره فيها بذلك ويطلب منه التوقيع بالموافقة أو الرفض، لكن المدراء يحبون استغلال هذه اللحظة ليشعروك أن هذه الدورة هي على حسابهم الخاص، وأن عليك أن تبدو سعيداً وممتناً لأنه رشحك لذلك، لكنني أحب أن أسلبهم تلك المتعة دائماً فأشعرهم بأنني غير مهتم نهائياً.
عندما قمت للخروج حاولت أن أتذكر أسماء الأشخاص الذين سأكون بصحبتهم لمدة سبعة أيام لكنني لم أستطع فأخذت ورقة الترشيح وقرأت أسماء الموظفين وأرقام هواتفهم.. (فاطمة)، (ماجد)، (لمى)، (بشرى) و(قصي) أنا.. وبالرغم من أنني حفظت أسماء الفتيات اللاتي سيشاركنني هذه الدورة إلا أنني لم أعرف أشكالهن ولم أركز فيها جيداً حتى الآن.. لا بأس فالأيام السبعة كفيلة بأن تفعل ذلك.
في اليوم الأول للدورة صعدت إلى مكتبي لأوقع على ورقة الحضور ثم نزلت إلى الأسفل حيث كان الجميع بانتظاري، لم نتحدث طوال الطريق بكلمة واحدة، وصلنا إلى الفندق قبل بداية الدورة بساعة إلا ربع، فتوجهت إلى المطعم وطلبت فنجان قهوة ورحت أحتسيه مع سيجارتي بهدوء شديد وأنا مغمض العينين، سمعت صوت الكرسي الذي بجانبي يبتعد إلى الخلف ثم صوت رجل يتنهد وهو يهوي بجسمه عليه، قلت:
- أهلاً أستاذ (ماجد)..
قال بعد ضحكة قصيرة:
- وكيف عرفت أنني (ماجد) وأنت تغمض عينيك؟
- ومن سيرغب بترك كل المقاعد الفارغة في هذا المكان ثم يقرر الجلوس بجانب شخص مدخن مثلي..
فتحت عيني ونظرت إليه مباشرة، فقال:
- ربما.. هل تتوقع أن تكون هذه الدورة مملة؟
أكره هذا النوع من الأسئلة المملة جداً وأكره أصحابها فاكتفيت بتحريك رأسي وقررت أن أغمض عيني فلا شيء يستحق أن أبقيهما مفتوحتين لوقت أطول، لولا أن الفتيات اقتربن هن أيضاً وشاركننا الجلوس على الطاولة الدائرية، قالت إحداهن وأظنها الأكبر سناً:
- السلام عليكم..
تفصحت ملامحها بسرعة وهي تنظر إلى نقطة مبهمة خلف (ماجد)، قلت:
- وعليكم السلام ورحمة الله.. أهلاً..
قالت الأخرى كأنها تكمل حديثاً كانت بدأته مع صديقاتها:
- لقد خفت أن أتأخر بعد ذلك.. حتى أنني نسيت أن أحضر أقلامي ومفكرتي لأدون بها.. هل لدى أحدكم قلم؟
سارع (ماجد) وأخرج قلماً من حقيبته قائلاً:
- معي قلمين.. أحب أن أستخدم الأحمر لأدون به الأشياء المهمة فقط.. لكنني سأكتفي بالأزرق، يمكنك أن تأخذيه.
وضع القلم على الطاولة أمامها فأخذته وهي تقول:
- شكراً..
كان الوضع مثيراً للاشمئزاز جداً، بدت تلك الفتاة تحاول أن تصنع جسر تواصل بين أي منا، وأعتقد أن (ماجد) سعيد بذلك جداً.. بينما بدت الثانية التي ألقت السلام متعقلة وهادئة، أعتقد أنها أكبرنا سناً لذلك كانت تتصرف بتلقائية مع الجميع، لم تعجبني هذه المجموعة جداً، ويبدو أن الفتاة الأخرى التي ظلت صامتة لم يعجبها الأمر كذلك، فرحت أخمن أسمائهن، لابد أن الكبيرة هي (فاطمة).. فاسمها قديم بعض الشيء، أما تلك المراهقة فأعتقد أن اسمها (لمى) أما تلك الصامتة فهي (بشرى) بكل تأكيد، لطالما آمنت أن لكل شخص نصيب من اسمه، وسأكون سعيداً جداً إذا كنت على حق.
قطع (ماجد) حبل أفكاري، قال وهو يهم بالوقوف:
- هيا بنا نسجل أسمائنا قبل أن نتأخر.. أحب أن أحصل على مكان جيد في المقدمة.
قلت:
- سألحق بكم.
نظر إلى وجهي مستنكراً، فهممت أن أقول له وما دخلك بما أفعل، إن وجودنا في سيارة واحدة صباح اليوم لا يعطيك الحق في أن تتصرف كأنك زوجتي لكنني قلت:
- لدي مكالمة مهمة، سأنهيها وألحق بكم مباشرة..
قال (ماجد):
- لكن لا تتأخر أرجوك..
- حسناً..
سيكون أسبوعاً حافلاً بلا شك، أتمنى أن ينتهي قبل أن أفقد أعصابي وأقوم بتحطيم وجهه، دخنت سيجارة أخرى ثم لحقت بهم، وحالما دخلت إلى القاعة أشار لي ماجد بيديه ثم أشار إلى كرسي فارغ كان بجانبه يبدو أنه حجزه من أجلي، اقتربت منه مرغماً ثم جلست لأنني لا أريد إحراجه، بعد دقائق دخل أحدهم وتقدم نحو المنصة التي ارتفعت لنصف متر تقريباً فصعد عليها وأمسك بمكبر الصوت ثم راح يشرح لنا في نقاط أننا يجب أن نبقى هادئين وأن ندون الملاحظات، ويبدو أن هناك صلة قرابة بينه وبين مديري الأستاذ (حسن) فراح يؤكد لنا أننا في مكان يحسدنا عليه الكثير من الأشخاص، وأنه يجدر بنا أن نظهر استحقاقنا لهذه الفرصة، لم يبق سوى أن يخبرنا أنه سيقوم بطرد الأشخاص المشاغبين لأنه صاحب هذه القاعة!!
دخل بعده أحد المنظمين بصحبة فتاة قصيرة بعض الشيء فسلم ثم رحب بالسادة الحضور، وأعطانا نبذة قصيرة للدكتورة القصيرة (روان) وقدمها تقديماً لا يخلو من بعض المبالغة المتكلفة التي اعتدنا سردها نحن العرب، بعدها قامت الدكتورة بالتقاط مكبر الصوت وبدأت في الحديث مرفقة بعض الصور على جهاز العرض.

يتبع..

****

اعتدت أن أتوقف عن الكتابه عندما أصل إلى 2500 كلمة تقريباً..

لكني هذي المره حاولت أعوض واستمريت حتى وصلت لأكثر من 3400 كلمة..

جيجى ياسر 06-01-14 03:58 AM

رد: رواية 13
 
واااااااااااااااااو ماشاء الله قمة التميز والتمكن فى اللغة والسرد
اكثر ما جذبنى لروايتك ..اسمها الغامض ..13 ..وقلت ماالذى يكتنفه رقم 13 غير ان البعض يعتبره من الارقام سيئة الحظ
او عنوان لاحد الشوراع فى الرواية
لكن ان يكون مر على حياة بطل روايتك قصى 13 شخصية تأثر فيه بالسلب او الايجاب ..ابهرتنى الفكرة كثيرا ووجدتها ثرية للمناقشة والقراءة ...ومادعم ذلك اسلوبك ورسمك للشخصيات بمنتهى الحرافية
لم انهى قرأت ما كتبته بعد الا انى اعجبت به كثيرا حتى الان
احسنتى اخى ..موفق ..من مزيد لمزيد

عشـق القــمر 10-01-14 04:09 PM

رد: رواية 13
 
ياااامررررحبا فيني ..نوووورت..ههههههه اما المعذره على التاخير بس امر في فترة امتحانات وداااخله طيررراااااااان..اقووووول الفصل يججججججنننننننننن خرااااااااافي
رااااااائع ..وكماااااان ووااااااوو لتطوووررراااات قصي ..الرااائعه بصراااحه اذهلني جدا جدا ومن جد بعد مااخلص امتحااني اسووي زي قصي اتعمن في ناس من حووولي..ممتع..هههههه
مجهووووووود خيااااالي منك اخي ..
وقمممممه في التمييييييز..

تمنيت ان اقدر اعلق على كل حرف في الفصل الاكثر من راااااائع لكن اعذرني على تقصيري ..وحتما رااح ارجع..بس اخترع اجووبه للفيزياء وارجع..دعووواتك..^-^

بالمنااااسبه انك تجاوزت حدك في الكتابه!!فبصراااااحه حقاااا انت مذهل !!!!!!!
وانته دقيق في حياتك..وهذا اكثر شيء رااااااااائع ..وتهاااانينا على تجااااااوزك للحد المعتااااااد !!!مذهل حقااا اتمنى لك المززييييد من الابداااااااع..!!!
في حفظ الله..^-^

Ahmad Rufai 10-01-14 08:02 PM

رد: رواية 13
 
-17-

دخل بعده أحد المنظمين بصحبة فتاة قصيرة بعض الشيء فسلم ثم رحب بالسادة الحضور، وأعطانا نبذة قصيرة عن الدكتورة القصيرة (روان) وقدمها تقديماً لا يخلو من بعض المبالغة المتكلفة التي اعتدنا سردها نحن العرب، بعدها قامت الدكتورة بالتقاط مكبر الصوت وبدأت في الحديث مرفقة بعض الصور على جهاز العرض.
بدت مثقفة، طموحة ومتواضعة أيضاً.. تحاول أن تصنع جواً من المرح داخل القاعة، نظرت إلى اليمين نظرة خاطفة فرأيت (معالي) تجلس في آخر الصف الثاني إلى اليمين وتنظر إليّ لكنني تصنعت عدم الانتباه لوجودها تماماً وأدرت وجهي إلى الأمام.
تذكرت أنني أخبرتها بأمر ترشيحي قبل بداية الدورة بيومين عندما التقيتها في آخر الأسبوع، كان يجب أن أعلم إنها تملك من النفوذ ما يكفي لتسبقني إلى هنا، لكن ذلك لم يخطر ببالي أبداً، أصبحت أخشى من وجودها لأنها لم تتصرف بحكمة حين قررت دخول هذه الدورة من أجلي، وقد تقوم بأكثر من ذلك مجازفة بسمعتها وسمعتي دون أن تشعر، ويبدو أنني مطالب بالحفاظ عليها من شر نفسها وتصرفاتها الطفولية.
في منتصف اليوم توقفت الدكتورة (روان) لاستراحة الغداء والصلاة، لكنها لم تخرج من القاعة وراحت ترتب أوراقها فسحبني (ماجد) من يدي، قال:
- هيا بنا.. أشعر بالجوع.
قلت بابتسامة حاولت أن أودعها كل هدوئي:
- لكنني لا أشعر بالجوع يا بني.. اذهب أنت لتأكل واتركني هنا لأحجز لك مقعدك..
حاول أن يقاطعني لكنني استخدمت أقوى سلاح يمكن أن يبعده عني عندما شعرت أنه يريد أن يعترض على قراري، فسحبته من ياقته وقلت له بصوت أقرب إلى الهمس:
- أشعر أن الفتاة صاحبة القلم معجبة بك.. يجدر بك الاهتمام بها أكثر مني.
ظهرت على وجهه علامات الزهو بنفسه، قال:
- هل أنت جاد؟؟ لقد كنت أفكر في ذلك.. لكن أخبرني؟؟ كيف شعرت بذلك؟؟
- ما بك يا (ماجد)؟؟ إنها أمور لا تحتاج إلى تفسير.. كما أنه لا وقت للحديث الآن.. اذهب بسرعة.
حاول أن يتمالك أعصابه وأن يبدو بمظهر الرجل الرزين، قال:
- حسناً.. سأتركك هنا، لكن رجاءً لا تغادر مقعدك..
- لا بأس..
انطلق (ماجد) دون أن يرى الدكتورة (روان) التي سمعت جملته الأخيرة فاقتربت قائلة:
- ترى أي نوع من الرجال يكون الذي يضحي بوقت راحته من أجل صديقه؟؟
نظرت إلى أقصى اليمين فرأيت (معالي) ترمقني بنظرات مختلفة، لابد أنها فهمت الأمر بشكل خاطئ، فقامت من مقعدها متوجهة إلى منتصف القاعة، لا أعلم هل كانت تود الخروج أم الاقتراب.. فقلت موجهاً حديثي للدكتورة (روان):
- كل مافي الأمر هو أنني لا أشعر بالجوع..
أرادت أن تتحدث لكن (معالي) اقتربت وأصبحت خلفي مباشرة، قالت:
- عفواً دكتورة.. كنت أود أن أسألك عن أمر ما..
قبل أن تجيب الدكتورة قاطعتهما قائلا:
- حسناً.. أستأذنكما الآن.. في الخروج.
ابتسمت لي الدكتورة (روان) وعلى وجهها علامات الاستفهام، ثم وجهت حديثها لـ (معالي) التي كادت أن تأكلني بعينيها، قالت:
- تفضلي سيدتي..
وقبل أن تبدأ (معالي) بالحديث توجهت نحو الخارج كأنني طفل يهرب من والده قبل أن يعاقبه على خطأ قام به، اخترت مكاناً يطل على النافذة ورحت أدخن أمامه وأنظر إلى الناس من انعكاس صورهم على الزجاج من الجهة الأخرى دون أن يشعروا بذلك.
كان منظر (ماجد) مضحكاً وهو يحاول أن يبدو خفيف الظل أمام (لمى) وصديقاتها، راح يشرح لهن بيديه ورجليه موقفاً مضحكاً مرّ به، كانت (فاطمة) ترمقه باستخفاف فيما تحاول (لمى) إظهار اهتمام مصطنع، بينما كانت (بشرى) تأكل طعامها دون النظر إليه، بدت معزولة عن الجميع تماماً كأنها تشاركهم بجسدها فقط، فنظرت إلى عينيها لأحاول قراءتها لكنني لم أستطع، نظرت إلى ظهري دون أن تعلم أنني أشاهدها، بقيت تتابعني قليلاً ثم نقلت بصرها إلى جهة أخرى.
جميلة لغة العيون الهادئة التي لا توحي بشيء أبداً، كأنها تخبرك إن أروع ما تبدو عليه هو عند ممارستها لشيء خلقت من أجله فقط.. النظر والتأمل..
لمحت (معالي) وهي تخترق الطاولات متوجهة إليّ، وقفت بجانبي مباشرة وقالت وهي تضغط على أسنانها لتكتم غضبها:
- ماذا كانت تقول لك تلك القصيرة؟
نظرت إليها بابتسامة أردت أن أجعلها مصطنعة لحاجة في نفسي، قلت:
- أهلاً أستاذة معالي.. كيف حالك؟
رمقتني بعين غاضبة، ثم حاولت أن تتمالك أعصابها، قالت:
- بخير..
- أتمنى ألا تزعجك رائحة السجائر..
قالت بنفاد صبر وعتب:
- أنت تعلم أنها من تدلني عليك..
صمتُّ قليلاً ثم قلت:
- هل بإمكانك أن تتصرفي كراشدة؟ تذكري من هي (معالي) قبل أن تقومي بحركات المراهقات..
لم تحرك شفتيها بحرف واحد، فقلت لها بابتسامة، وبصوت مسموع:
- لا تعلمين مدى سعادتي بلقائك..
قالت برزانة:
- وأنا كذلك.. أتمنى لك يوماً رائعاً.. بعد إذنك.
بعد إن انتهى العمل ذلك اليوم خرج الجميع فاتجهت نحو سيارتي ولحق بي (ماجد) و(بشرى)، اتكأ (ماجد) على مقدمة السيارة وجلست (بشرى) في المقعد الخلفي فسألتها دون أن أنظر إليها:
- أين بقية الزملاء؟!
لم تجبني ولم تحرك ساكناً، فالتفت بوجهي نحوها وقلت:
- أين بقية الزملاء؟
حركت يدها باتجاه فمها ثم صمتت، فدخل (ماجد) إلى السيارة عندما رآني أحدثها وهو يقول ضاحكاً:
- ما بك يا قصي تحدث هذه الخرساء؟؟ هل جننت؟!
لم أجبه بانتظار أن تجيبه هي بنفسها كما تمنيت، لكنها لم تفعل.. شعرت بكثير من الألم لحالها قلت:
- لا تقل خرساء.. احترم وجودها بيننا..
قال دون اهتمام:
- لكنها لا تسمعنا.. الحمد لله الذي عافانا، لابد أن حياتها مثيرة للشفقة.. أ
قاطعته قبل أن يكمل حديثه:
- إن تفكيرك هو المثير للشفقة، إنني لا أستطيع حتى الآن تخيل مدى القوة التي يتمتع بها شخص لا يتكلم حين يجلس مع أشخاص قادرين على الحديث ويشاركهم حياتهم ثم يتفوق عليهم فيها، في حين أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا مثله.. ولا يملكون سوى السخرية منه..
كنت سأتابع حديثي لكنني سمعت صوت باب السيارة فصمت، ثم انطلقت بعد أن ركبت (فاطمة) و(لمى) واختلست النظر إليها فرأيت عينيها تلمع.. ترى كيف يكون شعور الإنسان عندما لا يسمع ما يدور حوله ولا يستطيع مشاركة الناس في حديثهم؟ في غمرة تلك الأفكار سمعت صوتاً قوياً قادماً من الجهة اليسرى وشاباً يحاول السيطرة على سيارته فحاولت الابتعاد عنه لكن بعد فوات الأوان، أدى ارتطامه بسيارتي لخروجها عن مسارها والارتطام بسيارة كانت تقف أمام أحد المحال التجارية.
كان أول ما قمت به هو محاولة التأكد من أن الجميع بخير.. ثم خرجت لأتفقد صاحب السيارة التي ارتطمت بها فوجدته غارقاً في دمائه، وقبل أن أنظر إلى السيارة التي ارتطمت بي لاذ صاحبها بالفرار..
حملت ذلك الرجل ومددت جسده على الرصيف ثم اتصلت بالإسعاف الذي حضر برفقة رجال الشرطة، فحملوه إلى المستشفى وجاء الضابط لاستجوابي وحين علم بهرب صاحب السيارة الأخرى، قال أنني أتحمل كامل المسئولية أمام النظام كوني المذنب الوحيد، وأنني سأذهب بصحبتهم إلى السجن حتى يخرج الرجل من المشفى ويتنازل عن حقه في التعويض لأنني ربما قد أكون كذبت بخصوص الرجل الذي ارتطم بسيارتي.
حاولت أن أشرح له دون جدوى، خاصة وأنه اعترض على سماع شهادة (ماجد) والفتيات متعذراً بأنها لا تقبل، فحاولت الاتصال بـ(باسل) علّه يستطيع أن يفعل شيئاً ما، لمحت رجلاً يقترب من نافذة (بشرى) فتوجهت إليه وسحبته من يده بقوة قائلاً بعصبية:
- ماذا تريد؟!
حاول أن يفلت يده من يدي وهو يقول:
- إنها أختي..
تركت يده لا إرادياً.. ثم راقبتها وهي تخرج من السيارة ثم تشير بيدها إلى الشارع ثم إلى السيارة ثم إلى نفسها وأخوها يشاركها بتحريك يده كأنه يستفسر عن شيء ما فتجيبه مرة أخرى، كان مشهداً مثيراً جداً لم أر مثله قبل اليوم، بعد دقائق توجّه الرجل نحوي ومدّ يده مصافحاً باحترام، قال:
- أنا الضابط (صالح ناصر).. لقد شرحت لي أختي ما حدث.. بإمكانكم الذهاب، فقط اسمح لي أن آخذ أوراقك الثبوتية لأعد المحضر.. وسأرسلها لك غداً مع أختي..
لم أتحدث أبداً، أخرجت أوراقي الثبوتية ووضعتها في يده وأنا أضغط على أسناني بتوتر، ثم عدت إلى سيارتي وشاهدته وهو يتحدث مع الضابط الآخر الذي كان يحرك رأسه على كل شيء يقوله (صالح) علامة الموافقة، فاقتربت منهم بسيارتي وقلت موجهاً حديثي لصالح وأنا أنظر إلى يده وآثار أظافري مغروزة فيها:
- أعتذر عن تصرفي معك قبل قليل.. كنت.. أعتقد..
قاطعني بابتسامة:
- أقدر موقفك.. بل على العكس تماما.. لقد انتهى قلقي تماماً.. لأنني أمسيت أعلم من أنت..
أشرت له بيدي شاكراً وتوجهت إلى الشركة وأنا أسمع المحرك يصدر صوتاً غريباً، توقفت أمام المكتب ثم دخلت بصحبة المجموعة إلى الداخل وحالما سمعت صوت المصعد تذكرت أمراً مهماً، إذا كانت (بشرى) لا تسمع فكيف تم ترشيحها لحضور هذه الدورة؟؟!! لا بد أنها تسمع بكل تأكيد، وأعتقد أن صديقاتها يعلمن ذلك لكنني لا أملك القدرة على سؤالهن فقررت أن أعرف ذلك بنفسي.
تعمدت أن أتأخر قليلاً لأمشي خلفها ثم قلت لماجد الذي كان في المقدمة بصوت تعمدت أن يكون منخفضاً نسبياً:
- ماجد.. ما هذا الشيء الذي تعلق برجلك؟
ركزت نظري على عينيها التي اتجهت إلى الأسفل قبل أن يقفز ماجد وهو ينظر إلى رجله ويصرخ:
- ما هذا.. ماذا تقصد.. لقد أخفتني.
ضحكت (لمى) بصوت مسموع، بينما وضعت (فاطمة) يدها على فمها فقال (ماجد):
- سأردها لك يا (قصي).. لا تنسى ذلك.
أصبحت واثقاً من أنها تسمع، وحاولت أن أتذكر ماذا قلت لـ (ماجد) حين قال لي أنها خرساء، أذكر أن عينيها كانت تلمع بعد حديثنا ذاك، لكنني ولفرط توتري لم أستطع تذكر ما قلته جيداً.
عندما خرجت لأستقل سيارتي وجدت بقعة كبيرة من الزيت تحتها، فعلمت أن عطلاً قد أصاب المحرك، اتصلت بـ (باسل) فطلب مني أن أعطي المفتاح للحارس وأترك الأمر له.
عرض علي (ماجد) من باب الذوق أن يقوم بإيصالي لكنني اعتذرت منه وتوجهت نحو الشارع العام ثم استقليت سيارة أجرة إلى منزلي، وحالما وصلت إلى البيت توجهت إلى غرفتي وأخرجت أرقام هواتفهم لكنني لم أكن متيقناً من اسمها وإنما بنيت ذلك على تخميناتي فاتصلت بـ(ماجد)، قلت له:
- ماجد.. أردت أن أسألك عن اسم الضابط الذي أخذ أوراقي؟؟
- صالح..
- فعلا صالح.. وما اسم أخته؟
- بشرى..
- حسناً، حسناً.. شكراً سيدي أراك غداً، لا تتأخر لأننا سنذهب بسيارتك.
أغلقت الخط قبل أن يجيبني ثم أخرجت رقم هاتف (بشرى) وأرسلت لها رسالة "لا أعلم هل أعتذر عن سوء أخلاقنا، أم أشكركم على رقي أخلاقكم" تركت الهاتف من يدي ثم قمت لأستحم، وعندما عدت لم أجد رداً منها، فتوجهت إلى المطبخ لكنني سمعت صوت الهاتف يرن فعدت مسرعاً، كانت (معالي):
- كيف حالك قصي؟؟
- بخير..
- هل أنت متأكد؟؟
قلت باستغراب:
- نعم.. ما الأمر؟؟
- لقد رأيت إضاءات سيارتك محطمة من الجهة اليمنى.. هل حدث لك مكروه؟؟ أخبرني أرجوك..
حاولت أن أتحكم بأعصابي، قلت:
- عفواً.. هل تقومين بالتجسس علي ومراقبتي؟؟
- حبيبي.. لا تفكر بهذه الطريقة.. لماذا تعاملني هكذا؟؟ كل ما في الأمر أنني أحببت أن أطمئن عليك..
قاطعتها بقوة:
- رجاءً معالي.. هذا يكفي.. لا أريد أن أتحدث الآن..
- حبيـ..
- مع السلامة..
صمتت لثوان ثم قالت بانكسار:
- أنا آسفة.. مع السلامة.
لم أجد مبرراً لما تفعله (معالي) سوى انزعاجها من وجود (روان) بالرغم من أنني لا أعرفها شخصياً، فماذا لو علمت بأمر الثلاثي الذي سيرافقني لمدة أسبوع؟؟
انتشلني صوت هاتفي ينذر عن وجود رسالة واردة ففتحتها، وكانت من بشرى كما توقعت " لم يحدث منك ما يسيء لتعتذر عنه"، قمت بالرد عليها مباشرة " أعتذر أيضاً عما فعلته مع أخيك"، فردت "المسكين.. لقد آلمته بشدة".
بالرغم من أنني كنت أستطيع إنهاء الحوار لكنني كنت مستمتعاً به بشدة، فحاولت إطالته قدر الإمكان، أرسلت لها "صدقيني لم أقصد أن أؤذيه.. كنت أعتقد أنه متطفل جاء ليتحدث معكِ" فأجابت " لا بأس.. لقد شعر بالفرحة وتنازل عن حقه عندما علم أنك أفزعت ماجد".
يبدو أن علاقتها بأخيها قوية جداً، لدرجة أنها تخبره بتفاصيل يومها بدقة، أرسلت لها " في الواقع، كانت مزحة سخيفة فقط"، انتظرت لدقيقتين لكنها لم تجب على رسالتي فأرسلت لها مرة أخرى " وطالما أن ذلك أسعد (صالح) فسأعيد الكرة مرة أخرى وأجعل (ماجد) يدفع ثمن مضايقته لك غداً"، أرسلت بسرعه "أنت مجرم.. كفاك ظلماً.. كما أنني لا أعتقد أنه يحتمل أكثر من ذلك" لم تكن تعلم أن كلمة مجرم في قاموسي تعني..
ملاك فاتنة..
وجسور تهوِي..
ورجل لا يهوى..
ومواعيد لا تنتهي..
في صباح اليوم التالي جلست على طاولة (ماجد) والفتيات نكاية في (معالي) ومحاولة لجذب انتباه (بشرى) ولكن بطريقتي!!
لا أعلم سر اهتمامي المفاجئ بها لكنني شعرت أنها تروقني جداً، لابد أنها تحمل بين جنباتها روحاً عميقة بكل تأكيد، فرحت أتأمل تصرفاتها القليلة جداً وأحاول تحليلها، دخل أخوها (صالح) من باب المركز لكنها لم تلاحظه لأنها كانت تعطي الباب ظهرها فأشرت إليه بيدي حين رأيته يحاول البحث عنها فاقترب مني وصافحني بابتسامة عريضة فأخذت له كرسياً ودعوته للجلوس.
قال:
- أعتذر عن تأخري أستاذ (قصي).. لم أكمل إجراءات الحادث إلا في وقت متأخر، ولم أستيقظ صباح اليوم باكراً.. كما أنني أخبر أختي لتحضرها لك..
- لا تقل ذلك يا رجل، أنا المدين لك بالاعتذار وليس أنت..
كان يود مقاطعتي لولا تدخل (معالي) التي اقتربت من الطاولة وقالت بطريقة مصطنعة:
- أستاذ قصي هنا؟؟ إنها صدفة رائعة.. كيف حالك؟؟
كانت طريقتها مبتذلة وواضحة جداً، قلت:
- أهلاً أستاذة.. أعرفك على زملائي في العمل.
قاطعتني موجهة حديثها للجميع:
- أهلاً بكم.
ثم وجهت حديثها إلى صالح:
- لم أكن أعلم أن لديك أخ يعمل معك هنا..
قاطعتها مشيراً بيدي إلى (بشرى):
- إنه الضابط (صالح).. شقيق الآنسة (بشرى)..
تفحصت ملامحه للحظة ثم قالت:
- غريب.. إنه يشبهك جداً..
ثم وجهت حديثها للجميع:
- أليس كذلك؟؟
ابتسم (صالح) بحرج، والتقت عيني بعيني (بشرى) التي راحت تتفحص ملامحي، حتى ماجد والفتاتين أصبحوا ينظرون إلى وجهي ووجه (صالح) كأنهم يحاولون البحث عن نقاط الشبه أو الاختلاف، فقبضت على يد (صالح) وقلت:
- حتماً يسرني ذلك.. أعتذر منكم، كنت أريد التحدث مع (صالح) على انفراد.
سحبته من يده مباشرة وأنا أعلم أنه ليس لدي ما أقوله له، فرحت أسأله إن كان سيواجه مشاكل في المستقبل لعدم تمكنهم من القبض على ذلك الشاب حتى الآن، وهل يمكنني تقديم أي خدمة حيال ذلك، لكنه شكرني بأدب ثم انصرف فعدت إلى الطاولة مرة أخرى.
عندما عدنا إلى القاعة بعد فترة الاستراحة ذلك اليوم كنت أفكر في معالي وتصرفها الغبي جداً، لابد أن الجميع لاحظ طريقتها المبتذلة كأنها تخفي أمراً ما، لكنها أنقذتني عندما سألتني عن (صالح)، لأن ذلك دليل على أن علاقتنا سطحية جداً، وإمعانا مني في مضايقة (معالي) جلست في الصف الأول أتأمل (روان) لأنني أعلم كرهها الشديد لها فأردت أن أعاقبها!!
كانت الدكتورة (روان) حركية جداً، لابد أن بقائها بين طلاب الجامعة لفترة طويلة قتل فيها الخوف والخجل، فبالرغم من مظهرها الوديع إلا أنني واثق أنها تستطيع معاقبتهم وتعليمهم في الوقت ذاته.
وفي محاولة منها للتفاعل مع الجميع، تجاوزت طاولتها ووقفت أمام الحضور، حاولت أن تشرح نظريتها بطريقة أبسط فتفاعل معها الجميع مما حمسها على النزول إلى المسرح كأنها تتجول بين طلابها، كانت تقترب بين الفينة والأخرى من منتصف القاعة ثم تعود مرة أخرى إلى الخلف وهي تمنح وجهها للحضور وتختلس النظر إلى الخلف حتى لا تخطئ طريقها.
علق ثوبها في طرف مقعدي فتوقفت عن الحديث وانحنت بحرج شديد تحاول فك العقدة عن طرف بارز في المقعد الذي تحرك قليلاً وانحنيت أساعدها وأنا أرى كل العيون تتجه إلي، وتلاقت نظراتنا فوجدتها فرصة لأقول لها بعيني: رجاءً لا تفعلي ذلك مرة أخرى..!!
كان من الطبيعي أن أتصرف بهذه الطريقة لرد هجوم متوقع منها، تلاقت أصابعنا باضطراب عاشقين في نفس الحلقة، أبعدت يدها فأخرجت عقدة الثوب دون أن أنظر إليها فهمست لي بصوت خافت:
- آسفة..
من الجيد أنها لم تنتظر جوابي لأنني لم أتوقع أن تتأسف مني أبداً، لم أحاول النظر إليها طوال الوقت لكن من الواضح أن صوتها بدا مختلفاً جداً ولم أشأ أن أحرجها أكثر.. عندما خرجت من القاعة كانت نظرات الناس تحيط بي، توقعوا أنني من قمت بالإيقاع بها، ولأن شرح أمرٍ لم يحدث لأشخاص يحبون خيالهم أكثر من الحقيقة كان أمراً مستحيلاً فقد آثرت الصمت، أحببت أن أفتح المجال لخيالاتهم المريضة ليتخيلوا ما شاءوا!!
حتى (معالي).. رمقتني بنظرة غريبة ذلك اليوم كأنها اعتبرت أن ما حدث رسالة واضحة لتحديها، لكنني تجاهلتها تماماً ولم أترك لها فرصة للحاق بي، وجاءني اتصالها:
قالت بنبرة مختلفة:
- قصي.. كيف حالك؟!
قلت بغضب:
- حدث هذا مصادفة.. رجاءً (معالي)، لست مستعداً للحديث مع أحد.
- أعلم.. لست غاضبة منك.. حبيبي.. صدقني أنا أحبك.
- وماذا تريدين؟!
- أردت الاتصال بك لأخبرك بأنني أحبك..
بت أشعر أن معالي تريد امتلاكي بأي طريقة ولن تتوقف قبل أن تفعل ذلك، كما أنها كانت متحفزة لاتهامي بمعاكسة (روان) بعكس (بشرى) التي أرسلت لي مساء ذلك اليوم "لقد بدا منظرك مضحكاً جداً.. لم أكن أعلم أنك تخجل من النساء إلى هذا الحد". أمسكت بهاتفي واستلقيت على سريري وقمت بالرد على رسالتها "دعيك من هذا الآن، هل أشبه (صالح) حقاً؟" ردت بعد لحظات "لا أعلم حقيقة، أعتقد أنكما تتشابهان في بعض الصفات والتصرفات".
حاولت استغلال موضوع الشبه بيني وبين (صالح) لأكبر حد ممكن، راحت تحدثني عن صفاته وأحدثها عن صفاتي ونقارن بينها، وفي آخر الليل أحببت أن أعترف لها بالأمر الذي أخفيته عنها، فأرسلت لها "هل تذكرين عندما قمت بإخافة (ماجد)؟ لم أكن أهتم لأمره، كنت أحاول فقط أن أعرف إذا ما كنت تسمعين أم لا.. لم أفضل أن أسأل أحداً عن ذلك"، ردت "أعلم ذلك.. كانت لفتة جميلة استطعت أن تجذب انتباهي من خلالها".
ساعدني تقبلها لهذا الاعتراف الصغير بأن أعترف لها بأكثر من ذلك.. أخبرتها بما قلته لـ (ماجد) عن (لمى) حتى أستطيع الاستمتاع بقدر أكبر من الحرية بعيداً عن مراقبته لي، ولا أنتظر توجيهاته السخيفة حول ما يجب عليّ أن أفعل، فقالت لي أنها ستلقبني بالمجرم من الآن فصاعداً، لأنني أستحق ذلك!!
لم تكن تعلم أن كلمة (مجرم) هذه التي تلقبني بها تعني أنني أصبحت متقدماً على غيري بكلمة صارت تخصني وحدي، وأنا لا ما أمانع أن أكون مجرماً طالما أنني سأكون المجرم الوحيد في حياتها!!
في اليوم التالي اخترت أن أجلس في الخلف متعمداً لألفت انتباه (روان)، ثم أخذت قهوتي في فترة الاستراحة واخترت كرسياً يطل على الباحة المزينة بالأشجار قريباً من مصلى الرجال، لمحتها وهي تتحدث مع أحد المنظمين، نظرت إليّ بارتباك ثم توجهت نحو الباب فلحقت بها.
قالت:
- أنا آسفة.. صدقني لم أفكر في أن أسبب لك الحرج، كنت عائدة إلى الخلف عندما حصل ذلك، تعلم أنني أحبكم وأحترمكم جميعاً كإخوتي.. لا أحب أن يغضب مني أحدكم.. إنكم تمثلون مصدر النجاح بالنسبة لي..
ابتسمت:
- لست غاضباً.. كنت أجلس على تلك الطاولة وأمارس حقوقي كمواطن في شرب القهوة حين رأيتك تنظرين إلي، فأتيت لأرى ماذا تريدين، ليس أكثر؟
صمتت قليلاً ثم قالت:
- تقصد أن عيناي طلبت منك الحضور؟
- نعم.. قالت لي.. رجاءً هل بإمكاني أن أتحدث معك لدقيقة؟
بدت مرتبكة جداً وقالت بحرج:
- هل قالت لك شيئاً آخر؟
- في الواقع ليس كل كلام العيون يقال؟ كان حديثاً خاصاً بعض الشيء؟
صمتت ونظرت إلى عيني لوهلة ثم أعادت نظرها إلى الأرض، قلت:
- هل تريدين أن أقرأ لكِ ماذا قالت الآن؟
- لا.. رجاءً.
ابتسمت ابتسامة ذات مغزى وأطلت النظر إلى عينيها فغطت وجهها بكتاب كان في يدها، قالت:
- رجاءً أستاذ.. لا تنظر إلى عيني.. أنا أخجل.. احترمني.
- أمزح..
خفضت الكتاب عن وجهها، قالت بمرح:
- لا تصدق، أنا أيضاً أمزح.. ثم أنك لا تجيد قراءة العيون بشكلٍ صحيح.
- إذن دعيني أنظر لتعرفي إن كنت أجيد ذلك فعلاً أم لا.
نزعت نظارتها الطبية بتحدٍ وحاولت أن تتصنع الصرامة وهي تنظر إلي وأنظر إلى عينيها وأنا أتذكر جنون الأطفال وتحدياتهم التافهة، ابتسمتُ مرة أخرى فأعادت نظارتها وقالت محاولة إخفاء استحيائها:
- شكراً لتفهمك.. لا بد أن أذهب الآن، لدي أعمال يتوجب عليّ القيام بها.
- ألا تريدين أن تعرفي ماذا قرأت في عينيكِ؟
حاولت أن تتصنع الكثير من الهدوء والابتعاد عن الهزل، قالت بلهجة حازمة:
- ماذا قرأت..
- لا شيء.. لست قارئاً جيداً.
لم تمنحني فرصة أخرى للحديث ورحلت دون أن تجيب بشيء.. وعدت أنا بهدوء إلى ذلك الكرسي، ثم أكملت قهوتي ورحلت.
في طريق العودة كان لابد أن أصنع حدثاً ليكون فاتحة لمحادثة بيني وبين (بشرى) في المساء وقبل أن أجد طريقة أقوم بها اتصل بي أخي (أسامة) يبشرني بأن زوجته أنجبت مولوداً ذكراً، فوعدته بزيارة في أقرب فرصة، وأنا أعلم أن الجميع يستمعون إلى حديثي، بارك لي ماجد بعد أن أنهيت حديثي مع أخي فسألته:
- هل تعرف محلاً جيداً يبيع مستلزمات الأطفال؟
- ممم.. لا أعلم..
- لا بأس..
وكما توقعت، أرسلت لي (بشرى) قائمة صغيرة بأسماء المحلات التي تبيع مستلزمات الأطفال وكان هذا كل ما أريده لأجد طريقة أرسل لها بها أول رسالة تكون فاتحة لرسائل تستمر بيننا طوال الليل..
في المساء أعددت كوب قهوة ثم جلست أمام جهاز الكمبيوتر ورحت أبحث عن لغة الإشارة، وأنا أتبادل الرسائل مع (بشرى)، ثم خطرت لي فكرة قررت أن أقوم بها غداً.
في اليوم التالي لم أبتسم طوال تواجدي في القاعة، كنت أنظر إلى عيني (روان) طوال الوقت متصنعاً التركيز في حديثها، في البداية كانت تختلس النظر إليّ متصنعة عدم الاهتمام، لكنها أصبحت تتحاشى النظر في عيني تماماً حتى سألها أحد الأشخاص بجانبي، نظرت إلى وجهه ثم إلى وجهي، قالت:
- عفواً.. أعد سؤالك.. لم أفهم ماذا تقصد..
كرر سؤاله لكنها لم تجبه.. اقتربت منه أكثر حتى أصبحت أمامه مباشرة واستجمعت كل حواسها ثم قالت:
- أنا آسفة، لم أستطع سماعك لكثرة الضجيج، ماذا كنت تقول؟
أعاد سؤاله فأجابت بسرعة ثم اعتذرت على ذلك وادّعت أنها تمر بيوم سيء حيث أنها لم تنم بالأمس وهذا يفسر قلة تفاعلها معنا، اعتذرت من الجميع ووعدت بعدم تكرار ذلك، ثم رتبت أوراقها وخرجت..
خرج الجميع من القاعة بعد خروجها فاعتذرت من ماجد وأخبرته بأن لدي عمل في منطقة قريبة من هنا ثم توجهت نحو مكاني المفضل في زاوية المطعم بعد أن تأكدت أن (معالي) قد غادرت هي أيضاً، كنت أعلم أن (روان) ستمر بالإدارة لتضع أوراقها قبل أن تغادر المبنى فأحببت أن أراها قبل أن تغادر.
دخلت إلى المطعم وطلبت فنجان قهوة ثم خرجت مرة أخرى وأنا أنظر إليها دون أن أحرك ساكناً.. نظرت لي مرة أخيرة قبل أن تدفع حساب القهوة لكنني حركت رأسي بلا علامة على أنني لم أفهم فجاءت بنفسها. قالت:
- رجاءً.. هل تريد مني أن أترك عملي بسببك؟؟ هل يرضيك أن يتحدث عني الجميع ؟ ماذا فعلت لك لتفعل بي كل هذا؟
- لم أفعل شيئاً، كنت أتابع المحاضرة فقط.. مثل الجميع..
قاطعتني:
- نظراتك كانت مختلفة.
- كانت مختلفة لأنك أردتِ أن تكون كذلك.
- لا تراوغ.. لست أول شخصٍ أنظر إليه ولن تكون الأخير.
- جيد.. أنت تقرئين لغة العيون إذن.. أخبريني ماذا كانت تقول عيني.
- أنت مجنون!!
- ربما.. لا زلت أحاول أن لا أكون.. لا أعلم سبب تهجمك عليّ الآن، كيف قررت أن نظرتي كانت مختلفة عن مائة وخمسين شخصاً ينظرون إليكِ مثلي؟
صمتت دون أن تجيب فتابعت:
- لمَ أنت خائفة إن كنت تثقين بنفسك؟ ليقل جميع الأشخاص ما يريدون، المهم أنك تثقين فيما ترينه مناسباً..
- لو سمحت، كف عن المراوغة، أنت تعلم أن نظراتك كانت مختلفة.
ابتسمت:
- حسناً.. أعترف أنها مختلفة.. كنت أحاول قراءة عينيكِ.. تستطيعين القول بأنه فضول شخصي لأسبر أغوارها فقط.
رفعت فنجان قهوتي أرشفها لأمنحها مساحة للتعقيب لكنها صمتت، قلت:
- جميعنا نخاف أن يعرف الآخرون ما نشعر به أو نخبئه في ذواتنا، فنقوم بإخفائه ظناً منا أن ذلك سيجدي نفعاً، ثم نكتشف أن الكل أصبح يشعر بذلك عدانا!!
ليس عيباً أن نخاف، المهم أن نواجه الأمر بقوة، إذا كنت أحبك مثلاً فعلي أن أقول أنا أحبك..
أمسكت يدي بخوف ترجوني أن لا أرفع صوتي:
- ما هذا الكلام، هل تعي ما تقول؟
- نعم.. سأصرخ وأقول أنا أحبك، وعليك أن ترفعي صوتك وتقولي أنا أكرهك.. ألم تخبريني أنك تحبينني بالأمس.
- لم أقل أنني أحبك.. قلت أنني أحترم الجميع وأحبهم وأكن لهم المودة، هذا لا يعني..
قاطعتها بهدوء:
- ما رأيك أن تقومي بعمل شيء تخافين منه جداً؟
- إن جلوسي معك الآن هو أكثر شيء أخافه وأخشاه، وكل ما أريده منك هو أن تبتعد عني.. من فضلك!!
صمتُّ قليلاً ثم قلت:
- حسناً.. أعدك بأنني سأبتعد عنكِ، دعينا ننهي هذا اللقاء فقط..
صمتت قليلاً كأنها تفكر ثم قالت:
- سأنهي معك هذا اللقاء، شريطة أن تبتعد عني للأبد..
وضعت كوب القهوة على الطاولة وضحكت:
- حسناً..
أعادت ظهرها إلى المقعد كأنها شعرت بالهدوء، قالت:
- هل تملك القدرة على قراءة العيون حقاً؟
- لا أعتقد.. هذا صعب جداً.. لكنني أعتقد أنك تفعلين.
- لا أدري، ربما لأنني أرى كل يومٍ آلاف العيون في طريقي، لكنني لا أعلم إن كانت قراءتي لها صحيحة.
- حسناً.. لنختبر ذلك، سأنظر إليك كل مرة بطريقة مختلفة.. وعليك أن تخبريني كيف نظرت إليكِ في كل مره.
عادت لنفسها السكينة وابتسمت:
- حسناً.
عدت إلى الخلف قليلاً ونظرت إليها، وفي كل مرة تجيب، أغير من ملامح وجهي.
- متكبر.. مممم حزين.. متفاجئ.. سعيد..
اقتربت منها جداً ونظرت إلى عينيها بابتسامة، قلت:
- والآن؟
تضرج وجهها بالحمرة، قالت:
- لا أعلم..
- ولماذا أحمرّ وجهك؟
- ما هذا!!
- أنا سأخبرك.. هذه نظرة إعجاب.. هل فهمتِ الآن.. نحن نقرأ ما نريد قراءته فقط ونهمل ما لا نريده أو نخافه، وهذا ما يجب عليك التغلب عليه.
صمتت وتابعت:
- عندما كنت صغيراً قال لي أخي أن كل عذابات المرء ناشئة من عدم إيمانه بنفسه وتسليمه بالواقع واستماعه لنصائح الآخرين وتجاهله لما يمليه عليه قلبه، كنت صغيراً حينها ولم أدرك كل ما قاله.



يتبع..
**

3907 كلمة بالضبط.. واقتربنا من النهاية.. :)

شكراً للجميع بدون استثناء :)

عشـق القــمر 14-01-14 03:57 PM

رد: رواية 13
 
ووووااااااااووو بصرررااااحه فصللل في قممممة الرووووعه بس ايه ديه كررهت معااالي كثير !!تحب التملك..ماعلينا منك دووورك قررريب
ان شااء الله يتم ترحيلك لزحل..^-^

بس بس اسمووووحي لي أسب قصي في حااجه هنه هووووه مو مجررررم ياآنسه روووان..ده..
"زبييييير نسااااااء" واخير لقيت الاسم اللنسب له هههههه.فديتني..ماعليكم مني..بس اعجبتني طريقة تصرفه مع معاااالي..برراااافووو..!!


اقتربنا من النهااايه يااارباااه متحمسسه كثير..
والمجهووووود منك خياااااالي جداااا..واسلوووب متميييز ..بس اني ودي اعذب قصي اشووويه على نااار هااديه صجيح محترم بس مستفز..لو ان حلفااائي معي هووون كان مسحووو بك الارض يااقصي..
بس ابقى طيووبه كتير ومااناديهم..ههههههه^-^

Ahmad Rufai 17-01-14 08:17 PM

رد: رواية 13
 
-18-


لا أعلم سر اهتمامي وانجذابي لـ(بشرى).. لكنني لم أستطع مقاومة فضولي في اقتحام عالمها الصامت، أريد أن أعرف تفاصيل مجتمعها الصغير، ترى كيف يكون طعم الحياة حين نفقد أحد حواسنا؟
في الليلة التي تسبق اليوم الأخير للدورة، جلست على فراشي أبحث عن طريقة تمكنني من الاستحواذ على انتباه (بشرى) وخلق صداقة مستمرة تمنحنا القدرة على الحديث خارج نطاق العمل، خاصة وأننا لن نلتقي بعد ذلك أبداً لأنها لا تعمل في القسم الذي أعمل فيه.
فكرت كثيراً لكنني لم أصل لشيء خاصة وأنها تبدو على قدر عال من الذكاء يمكنها من اكتشاف تصرفاتي التي قد يعتقد الكثير أنها حدثت عفوية أو مصادفة، وفي الصباح ارتديت ملابسي وأنا لازلت تحت تأثير التفكير بها.
أعتقد أن ما يجعلني غير قادر على فعل شيء لها، هو أنني أحترمها أو ربما كنت سأشعر بالاحتقار لنفسي جداً إن قمت بخداعها.
جلسنا على الطاولة في فترة الاستراحة بعد أن أعد كل شخص لنفسه طبقاً من الطعام، وضعت القليل من الطعام ثم عدت إلى الطاولة وفي الطريق مال أحد الأشخاص عن مقعده ليلتقط شيئاً سقط منه على الأرض، ارتطامي به كان وشيكاً لكنني تجاوزته دون أن يشعر حتى هو بذلك، وأوحى لي بفكرة شيطانية، وهي أن قوة الخطة تكمن أحياناً في بساطتها وعدم توقع أحد لها.. وهذا ما قمت به.
وضعت الطعام على طرف الطاولة ثم سحبت طرف حجاب رأس (بشرى) دون أن تشعر و وضعت كأس الماء فوقه بعد أن وضعته في الحد الفاصل بين الطاولة والطبق عمداً، رتبت ذلك بانتظار أن تحاول (بشرى) أن تلتقط شيئاً من الطاولة، بقي أن أنتظر أن يحدث ذلك دون أن أفتعله أنا، ومن حسن حظي أنني لم أنتظر كثيراً، فحالما تقدمت برأسها إلى الأمام انسحب حجابها فسقط كأس الماء متدحرجاً على الأرض بعد أن طارت بعض قطراته لتستقر على قدم الرجل الذي يجلس على الطاولة خلفها مباشرة.
ما أن سقط الكأس على الأرض حتى التفت الجميع إلى مصدر الصوت واستجمعت بشرى قواها ظناً منها أنها من أسقطت الكأس، التفت الرجل نحونا وقبل أن تجد (بشرى) طريقة للاعتذار، رسمت على وجهي ابتسامة جميلة وأخذت أحد المناديل وقدمتها للرجل، قلت:
- أنا أعتذر بشدة، لم أنتبه للكأس وأنا أعود للخلف.
قال الرجل بجلافة وبصوت عالٍ بعد أن عرف غريمه:
- هل أنت أعمى؟!
حاولت أن أرسم ابتسامة أعرض على وجهي وأنا أقول:
- ليس تماماً.. لم أنتبه أن الكأس هنا.. أكرر اعتذاري.
لم يجد الرجل بداً من قبول اعتذاري خاصة وأنني لم أطرح خيارات أخرى كجاهزيتي لافتعال مشكلة مثلاً!! عندما عدت بوجهي إلى الأمام كانت (بشرى) محرجة جداً كما توقعت، لمعت عينيها فحاولت التظاهر بانشغالي بالهاتف، فتحت نص رسالة جديدة وأرسلت لها:
- لا داعي للقلق.
لكنها لم تخرج هاتفها ولم تحاول النظر إليّ طوال الوقت على الإطلاق، فشعرت بالأسف لما قمت به، لم أكن أعلم أنها تشعر بالحرج إلى هذا الحد.
لكن ذلك الشعور ما لبث أن تحول إلى الفرح تدريجياً، لم أكن لأحصل على ما سأحصل عليه مساء اليوم إن لم أقم بهذا التصرف الطفولي، ثم أنني سأعتذر عن ذلك لاحقاً بطريقة أو بأخرى، وسأبذل جهدي أن يكون اعتذاري مجزئاً عما فعلته بها!!
في مساء ذلك اليوم، جاءتني رسالتها:
- أنا آسفة، وضعتك في موقف محرج.
- لا تفكري في ذلك أبداً.. لم أفعل سوى ماكنت ستقومين به تماماً، ولم أشعر بالخجل حيال ذلك.
- لأول مرة أمرّ بهذا الموقف.. لم أكن أعرف ماذا يجب أن أفعل.
- لا تعطي الموضوع حجماً لا يستحقه.. ثم أنني أعتقد أن عليه أن يشكر ربه لأنك قمت بإسقاط الكأس عليه.. كان يجب عليه أن يوقن أنه محظوظ جداً.
- لماذا؟
فكرت في مغازلتها فكتبت رسالة ثم مسحتها وانتظرت أفكر لدقيقة ثم أرسلت:
- لأنني قمت بالاعتذار مرتين نيابة عنك.. وهذا ما لن يحدث أبداً في حال كنت أنا من أسقط الكأس.. فليحمد الله إذن على أنك أنثى وديعة.
- وماذا كنت ستفعل في حال كنت أنت من ألقى الماء عليه.
- كنت سأعتذر منه بعد أن أخبره أنه من جلس في المكان الخطأ، وحالما يعترض سأسكب عليه كأساً آخر.
جاءني ردها خلال ثوان أسرع من المعتاد:
- أنت مجرم..
- لا أمانع أن أكون كذلك إذا كنت أنتِ من سيقوم بمحاكمتي.
قمنا بصناعة عالم صغير نعيش فيه، نتواصل صباحاً في العمل عن طريق رسائل هاتفية قصيرة، وحالما نعود إلى البيت فإننا نتبادل رسائل تتجاوز السطور لتصنع جسراً تنتقل فيه مشاعرنا بطريقة سلسة، بات من الصعب جداً أن أصف هذه (البشرى) وصفاً دقيقاً يمكنني من إنصافها، فهي طباخة ماهرة، تستطيع الاعتناء بكل أمور المنزل، والأمر الأكثر حساسية هو امتلائها بالإيمان الذي يعينها على مواجهة القدر.
كانت أكثر النساء روحانية من بين كل من عرفت أو التقيت في حياتي، أشعر كلما جالستها بأن جوانبي النفسية ترتقي لتصبح أكثر اتزانا وبعداً عن المادية، يكفي أنها كانت تستطيع بعفويتها أن تجعلني أقف على حافة حدود الحياة الجنسية دون أن أفكر بها!!
بل على العكس تماماً، فإن أكثر شعور كان يراودني أمامها هو الخجل من تصرفاتي السيئة، ولأنه يفترض أنني في طور البحث عن زوجة فلا بد أن تكون هذه الصفة من ضمن صفاتها.. أريد امرأة أشعر أمامها بالخجل عندما أخطئ!!
رن هاتفي في المساء، كانت (معالي) وضعت الهاتف على الطاولة دون أن أعيره أي اهتمام، فاتصلت بي عدة مرات، وكان لابد من الرد عليها لأنني أنتظر اتصالات كثيرة يجدر بي الرد عليها، ولا أستطيع إغلاق هاتفي أو تحويله إلى الوضع الصامت فقمت بالرد:
- أهلاً..!!
جاءني صوت الطفلة (ليان) تقول لي:
- أهلاً عمو..
- أهلاً صديقتي الصغيرة.. كيف حالك؟
- بخير..
- هل ذهبت اليوم إلى المدرسة؟
- نعم..
- وكيف حال والدتك؟
- بخير
سمعت صوت (معالي) كأنها تلقنها شيئاً فقالت لي الصغيرة:
- لقد اشتقت إليك..
- وأنا أيضاً.. سأراك قريباً بإذن الله.
صمتت قليلاً ثم قالت:
- تعال لنلعب الآن سوية..
نظرت إلى ساعتي، ثم نظرت إلى نص رسالة (بشرى) الذي وصل لتوه، فقلت لها:
- حسناً.. سأحضر من أجلك بعد ساعة.. فقط من أجلك، تذكري ذلك..
- شكراً..
أكملت حديثي مع (بشرى) ثم اعتذرت منها للذهاب، لا أريد أن تقود (معالي) علاقتنا لأن ذلك سيعني نهاية أحدنا بالتأكيد، لكنني لا أستطيع أن أتحكم في ذلك لأنني لا أعتقد أن معالي ستغير تصرفاتها بسهولة، دلفت إلى منزلهم وفتحت لي (ليان) الباب فحملتها ودخلنا إلى غرفة الجلوس، بعدها بقليل دخلت (معالي) وهي في كامل أناقتها، كأنها تستعد للخروج، قلت:
- أهلاً معالي.. هل لديك موعد؟
أجابت وكأنها تتصنع الاستغراب:
- لا..
- حسناً.. هل تريدين اللعب معنا؟
لم تجبني، جلست أمامي على الأرض وجلست (ليان) ورحنا نلعب دون أن نتحدث، كانت تنظر لي بين الفينة والأخرى فأتصنع عدم انتباهي بذلك، قالت لي بعد برهة:
- كيف حال والدك؟
- بخير.. يريدني أن أعود لأتزوج..
نظرت لي دون أن تجيبني، ثم قامت وعادت بعدها بلحظات، قالت:
- العشاء جاهز..
لم نطل الجلوس هذه المرة، أكلنا سريعاً ثم توجهنا إلى غرفة الجلوس فأعدت (معالي) الشاي، وذهبت (ليان) للنوم بناءاً على طلب والدتها، جلست تراقبني وأنا أرشف كوب الشاي وأدخّن ثم قالت:
- هل قام باختيار زوجة لك، أم أنك من قمت باختيارها.
- كلانا لم يفعل.
قالت بترقب:
- وهل هناك فتاة في ذهنك تخطط للارتباط بها؟
- معالي.. الأمر ليس بالسهولة التي تتحدثين بها، ثم إنني .. لا أعلم..
- لا تعلم ماذا؟؟
- لا أعلم إن كنت أريد الزواج أصلاً..
لا أعلم ماذا دار في ذهنها تلك اللحظة، ربما توقعت أنني مغرم بها ولا أريد إنهاء علاقتنا، أو ربما ظنّت أن عزوفي عن الأمر هو شعوري بالحيرة تجاهه وقررت أن تبادر بتوجيهي، المهم أنها صمتت قليلاً ثم تغيرت تعابير وجهها إلى الفرح تماماً وراحت تحاول إضحاكي بقصة حصلت بينها وبين (ليان) قبل أيام، ثم راحت تحدثني عن إعجاب ابنتها بي ومحاولة تقليدها لتصرفاتي ثم اقتربت أكثر لتخبرني كم هي مشتاقة لي.. بعد ذلك راحت تغني لي موالاً عراقياً حزيناً وهي تتكأ برأسها على صدري، وقبل أن تقترب أكثر من ذلك أردت الوقوف لكنني أعلم أن ذلك لن يكون في صالحي إن فعلته بطريقة سيئة، رأيت يدها تقترب من ياقة قميصي فقلت لها:
- حبيبتي.. هل لي بكأس من الماء؟
ابتسمت لي ثم مسحت شعر رأسي، قالت:
- ليس الماء فقط.. أنا اليوم خادمتك، اطلب مني ما تشاء..
لم أجبها فقامت إلى المطبخ وعادت بعد لحظات وهي تحمل في يدها الماء، وقبل أن تحرك شفتيها في الحديث قلت لها:
- معالي.. كنت أريد أن أقول لك شيئاً.. أنا متأكد بأنك ستفهمين ذلك.
وقفت أمامي مباشرة بتحفز بعد أن كانت قد جلست بجانبي على المقعد، ثم نظرت لي وحركت رأسها لأتابع الكلام، وأياً كان ما تفكر به عندما صمتت قبل قليل، فهو أمر جيد بلا شك، لأنه منحها شعوراً رائعاً ويجب أن أستغله بطريقة ما لأحقق ما أريده..
شبّكت أصابعي ثم رحت أتحدث بشكل متقطع لتقوم هي بوصل الجمل حسب فهمها لها، قلت:
- أنا متوتر جداً بسبب الموضوع.. أعتقد أنك تفهمين ذلك.. أريد بعض الوقت فقط.. لوحدي.. لأستطيع أن أقرر.. بعيداً عن تأثيرك.. أقصد أنني..
أطرقت برأسها إلى الأسفل قليلاً، ثم رفعت رأسها بابتسامة وقاطعتني كما توقعت:
- لا بأس.. أعلم ما تفكر فيه.. وأعلم أنك بحاجة لبعض الوقت لتستطيع التفكير بهدوء.. حسناً.. لست غاضبة منك.. أتفهم ذلك.
لم أعلق على حديثها فجمعت شعرها الذي تناثر حول رقبتها، كأنها تلملم بقايا فتنة كانت ستقاسمني بها هذا المساء، ثم جلست على الأرض أمامي، قالت:
- هل ستغيب كثيراً؟
ابتلعت ريقي وأشعلت سيجارة وأنا أصطنع التهرب من عينيها، قلت:
- لا أعلم.. كل ما أعرفه هو أنني بحاجة لقليل من الوقت.
- حسناً.. لكن لا تبتعد كثيراً.. تعلم كم أشتاق لك.. ولسيجارتك.
قمت من مكاني وتوجهت نحو الباب، قلت:
- سأفعل..
ثم تابعت:
- قبلي وجنة (ليان) من أجلي، أخبريها بأنني سأشتاق لها.
نظرت لي بحب دون أن تجيب فخرجت وأغلقت الباب خلفي، وحالما جلست على مقعدي في السيارة تنهدت بصوت مسموع، كأنني نجوت لتوي من حادث قاتل، فعلاً .. يبدو أنني نجوت من (معالي) بأعجوبة!!
كثيراً ما كنت أفكر في صناعة حدث يجعلني أجلس مع (بشرى) مجدداً على طاولة في مقهى أو مائدة في مطعم لأتأمل هدوئها المهيب لكنني كلما فكرت في ذلك، تذكرت أننا سنجد صعوبة في التواصل، كما أننا سنكون محط أنظار كثير من الناس الذين سيراقبوننا كقردين في سيرك، فأجدني أحجم عن ذلك!!
جلسنا ذات ليلة نتجاذب أطراف الحديث عبر الرسائل، قالت:
- وماذا ستفعل غداً؟
- سأذهب إلى السوق لشراء هدية لابن أخي ثم أتوجه إلى هناك على الفور.. لقد تأخرت كثيراً، كان يجدر بي الذهاب قبل أسبوع من الآن.
- ومن أين ستشتري هديتك؟
- لا أعلم.. أتوقع أنني بحاجة لاستشارة أحداهن..
- حسناً.. هناك محل في شرق المدينة، سأرسل لك عنوانه..
- شكراً..
كانت تجيد استخدام الوجوه التعبيرية في رسائلها، أخبرتني أنها تعلمت ذلك في نادي الصم الذي ترتاده بطريقة منتظمة لتتواصل من خلاله مع الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في السمع أو النطق.
كنت أعتقد أن الإنسان يحب أن يخلق لنفسه بيئة متكافئة مع أشخاص يماثلونه في القدرات لأنه لا يحب أن يشعر بالعجز، لكنني عندما تصفحت رابط موقعهم الالكتروني الذي أرسلته لي أدركت أنني على خطأ وأن الإنسان يفعل ذلك لأنه كائن عنصري في المقام الأول، لا يحب الكائنات التي لا تشبهه ويسعى إلى تدميرها بأي طريقة كانت!!
لم أبح لها بذلك، أحببت أن أعرف ذلك منها بطريقة غير مباشرة، فرحنا نتحدث عن النادي وزواره وطريقتهم في التعامل مع الأشياء التي تحتاج للتواصل عن طريق الصوت، وفي نهاية حديثها أخبرتني أنني أستطيع زيارة النادي معها إن أحببت، وكان هذا هو ما أريده حقاً، قالت:
- سأذهب مع أخي يوم الخميس القادم.. تستطيع الحضور إن أردت.
اعتقدت أنها تمزح بخصوص دعوتها، خاصة وأن أخوها (صالح) سيكون معها، فقلت:
- هل يعلم صالح بحديثنا؟؟
- نعم..
سرت البرودة في جسدي، لا شك أنها تمزح، لكنها أرسلت لي:
- لقد أخبرته الآن برغبتك في الحضور فرحب بذلك..
- وهل تخبرين (صالح) بكل ما تقومين به؟
- بالطبع.. (صالح) ليس أخي فقط.. إنه كل ما تبقى من عائلتي..
راحت تحدثني في رسائل طويلة.. تستغرق كل رسالة عدة دقائق لكتابتها، أرسلت:
- قبل أربع سنوات خرجت في رحلة برية مع أبي وأمي وأختي، كان أخي (صالح) مشغولاً آنذاك بالإعداد لزفافه، فلم يستطيع الحضور معنا..
في طريق العودة كنا سعيدين جداً، كان أبي يقص علينا قصة الذئب العجوز التي لا نمل سماعها، وأمي تسكب لنا القهوة وقطع الحلوى التي أعدتها، كنت أقول لنفسي أن هذه السعادة لن يعقبها شقاء أبداً، كل الأمور كانت على ما يرام حتى رأينا ضوءاً قادماً باتجاهنا، لم يستغرق الأمر برمته ثانية واحدة، واستيقظت في المشفى.
قبل أن ترسل (بشرى) رسالتها كنت مستلقياً على سريري، وحالما قرأت رسالتها قمت لا إرادياً وتوجهت نحو النافذة وأشعلت سيجارة وأنا أشعر أن دقات قلبي تتسارع، لم أعرف ماذا يجب أن أكتب لها.. بقيت لدقائق لا أصدق ما حدث حتى جاءتني رسالتها التالية:
- اعتقدت أنني كنت غائبة عن الوعي لساعات، لكنني اكتشفت فيما بعد أنني كنت غائبة عن الوعي لأكثر من أسبوعين، كان صالح هو أول شخص رأيته أمامي، وآخر شخص كذلك، كانت صدمة عقدت لساني عن الحديث من ذلك الوقت.
كنت أقرأ رسائلها وأنا أشعر أنني خارج نطاق الزمان والمكان، شعرت أن هناك ما هو أقسى من فقد الأم.. شعرت بيد تربت على كتفي فحبست أنفاسي وجمعت قبضتي وأنا التفت إلى الخلف لأضرب ذلك الجسم الذي كان يقف خلفي في الظلام بكل قوتي فسقط على السرير وصرخ:
- أنا (باسل).. ما بك يا قصي أنا (باسل)..
قام ليفتح النور ثم عاد ليجلس على السرير وأنا لا زلت متسمراً أمام النافذة، قال:
- لقد طرقت الباب عدة مرات، لكنك لم تجب.. كدت أن تقتلني يا رجل..
ضغطت على راحة يدي وأنا أشعر بألم شديد جراء احتراقها بالسيجارة التي كانت في يدي ونظرت له باستغراب، قال:
- ما بك قصي.. هل حدث لك مكروه؟؟ رائحة السجائر غطت المكان فتوقعت أنك نمت وتركت سجائرك تحترق من خلفك وتحرقنا جميعاً..
توجهت نحو الطاولة ووضعت قليلاً من جل الشعر على راحة يدي، ثم حركتها يمنة ويسرة لتبرد، قلت:
- آسف.. كنت.. لم أنتبه..
قاطعني:
- لا داعي للأسف.. الأهم عندي أن تكون بخير..
- نعم.. نعم بخير.. كنت سارحاً فقط.
بدا على وجهه أنه لم يصدقني أبداً، لكنه انسحب بابتسامة هادئة من حيث أتى، فتلقفت هاتفي وعدت لأقرأ باقي رسائلها، أرسلت:
- ومنذ ذلك الوقت أصبح (صالح) هو كل ما أملكه في حياتي، والآن اكتشفت مجرماً يشبهه جداً فرحت أزعجه بحديثي.
لم تكتب تفاصيل كثيرة كنت أود معرفتها، لكنني لم أجرؤ على سؤالها عن أي شيء، لابد أنها لا زالت تعاني ألم الفقد حتى الآن، تحدثنا تلك الليلة حتى ساعات الفجر الأولى ثم تركتني لأرتاح قبل السفر.
في الصباح الباكر ذهبت إلى المحل الذي وصفته لي (بشرى)، كان البائع يقف أمام الرف الزجاجي مع أحد زبائنه، لم يحدثني عندما دخلت، حاول أن يتيح لي الفرصة لأقلب محتويات محله الذي يشبه عالم الأحلام، جعلني ذلك حائراً في اختيار ما جئت من أجله.
بعد قليل اخترق صوت أنثوي عزلتي، قالت:
- لو سمحت.. كم يبلغ سعر هذه الحقيبة؟
لفتتني هذه الجملة خاصة وأنه لا أحد بجانبي فعلمت أن الصوت النسائي يقصدني تحديداً، ولأنه كان صوتاً من نوع آخر، قررت أن أقوم بتغيير الخطة قليلاً.. رفعت رأسي مبتسماً، قلت:
- مائتين وخمسة وسبعون.
لم تعرني أي اهتمام وعادت تقلب عينيها في المعروضات بضع ثوانٍ، فيما قالت صديقتها:
- لا.. إنه غير مناسب لعمرها، لا تزال صغيرة لتستخدم أشياء كهذه..
يبدو أنها شعرت بالعجز فجربت الاستعانة بي، لم تكن تعلم أني لا أخذل أنثى تحاول الاستعانة بي، قالت:
- لو سمحت.. هل لديكم شيء مناسب لطفل في الخامسة؟؟
- ألهمتني دون أن تعلم بما أريده، أريد شيئاً يناسب طفلاً رضيعاً تستخدمه والدته من أجله، اكتشفت أن تحديد الطلب يساعدني كثيراً في الوصول لما أريده.
قاطعتها صديقتها:
- وما أدراه..
تجاهلت ردها، ثم نظرت خلفها مباشرة فوجدت ما أريد الحصول عليه، قلت:
- أنظري خلفكِ هنا.. في الأسفل.
كانت تنظر في عيني مباشرة، لأنها رأت ملامح ضحكة تجول في وجهي، فنظرت إلى صديقتها لتسألها إن كان هناك ما يضحك على وجهها، لكنني لم أمنحها وقتاً للتفكير فقلت بجدية:
- لم يتبق منها سوى هذه و واحدة أخرى باللون الأحمر.. أعتقد أنها خلفها مباشرة.
بدا عليها الاقتناع والرضا التام، فأخذتها تقلبها، مددت يدي وأنا أقول، أعتقد أن الحمراء مناسبة جداً.
وضعتها بتلقائية في يدي فأخذتها وتوجهت نحو البائع، ثم أخرجت محفظة نقودي، قلت:
- رجاءاً ضع لي هذا.. أريد شراءه.
وضعه البائع في كيس بلاستيكي واسترقت النظر إلى الخلف فوجدتها تنظر لي بطريقة غريبة، علمت أنني لست بائعاً وأنني قمت بخداعها، فقد كانت الحمراء مختلفة تماماً عن تلك التي أخذتها أنا.
دفعت قيمة الهدية ثم ذهبت لمحل آخر بجانبه متخصص في تغليف الهدايا، فأخذها وطلب مني أن أعود بعد دقائق فتوجهت إلى المقهى لأطلب فنجان قهوة ريثما ينهي عمله ثم توجهت إلى أحد المقاعد المنتشرة في المركز وجلست، فلمحتها تخرج مع صديقتها وعندما رأتني أشارت لصديقتها بيدها إلي كأنها تريد أن تدلها على مكاني، فأشرت لهما أيضاً لأحرق أعصابها لكنها توجهت إليّ، ولا أنكر أني قلبي وقع بقوة، خفت أن تقوم بإهانتي دون أن أستطيع الرد، لأنني في بلد لا يصدّق فيه سوى النساء والأطفال!!
حاولت أن أقوم من مكاني لكنها كانت أسرع، اقتربت مني بينما توقفت صديقتها على بعد عدة أمتار، وقبل أن تبادرني بالحديث قلت لها:
- هل وجدت شيئاً آخر يناسب طفلاً في الخامسة من عمره؟
قالت:
- كنت أعتقد أنك فعلت..
قلت:
- في الواقع كنت أبحث عن هدية لمولود أخي الصغير.. فأعجبني ذلك الشيء واشتريته.
نظرت إلى صديقتها وضحكا سوية، فقلت:
- ما الأمر؟ هل هذا مضحك؟!
أدركت فيما بعد أنه حصل سوء فهم، كانا يتوقعان أنني أمازحهما، لكنهما اكتشفا أنني جاد فيما أقول، فأخبرتاني أن ما أخذته لا ينفع لهذا السن أبداً، فشعرت بحرج شديد جداً عندما علمت ذلك وأصبحت عاجزاً حتى عن الضحك، قالت إحداهن وكانت جريئة جداً:
- أين الهدية؟
أشرت بيدي إلى محل في آخر الرواق وقلت بصوت منخفض:
- إنها في ذلك المحل، طلبت منه أن يقوم بتغليفها.
ضحكت ضحكة قصيرة ثم قالت:
- سأعرض عليك أمراً.. سأقوم أنا بشراء هدية للرضيع وأقدمها هدية لك، وتقوم بإهدائي بدلاً عنها تلك التي قمت أنت بشرائها.
ضغطت بيدي على أنفي أحاول أن أتحكم بهدوئي، قلت:
- حسناً.. موافق.
بدت سعيدة جداً وقالت بفرحة:
- سأعود قبل أن تكمل قهوتك.. لن أتأخر..
لم نكتفِ بتبادل الهدايا فتبادلنا الأرقام، ولأول مرة في حياتي أتحدث مع أنثى لأكثر من ساعتين بطريقة متواصلة، كنت أضع الهاتف على فخذي عندما اقترب من نقاط التفتيش وحالما أبتعد أرفع الهاتف وأضعه بجوار أذني.. وكانت الساعتين كفيلة بأن أعرف عنها كل شيء!!
كانت (ذكرى) - وهذا اسمها- تعمل مندوبة مبيعات، قوية وجريئة جداً، لا تتحرج من التحدث بخصوصياتها أمام ابنة خالتها التي كانت تشاركنا الحديث أحياناً لكنها كانت أقل جرأة من (ذكرى).
لم تغلق الخط حتى أصبحت أمام بيت أخي مباشرة، فودعتها بعد أن وعدتها بالاتصال قريباً.. لكنني وبالرغم من كل الأسباب التي يجب أن تجعلني سعيداً إلا أنني كنت منزعجاً جداً لأجل (بشرى).
لأول مرة أشعر أنني أخون إحداهن، بالرغم من أنني لم أتحدث مع (بشرى) بخصوص أي شيء، لكن علاقتنا بدت لي أمراً حتمياً دون مبالغة أو تهاون فيها.. كان شعوراً مقيتاً جداً حاولت التخلص منه من خلال المبالغة في الضحك وإلقاء النكات على مسامع إخوتي وتأمل مولودهم الجديد.
تسامرنا حتى وقت متأخر من الليل، ثم ذهبت إلى غرفتي أمسكت بهاتفي وقمت بإرسال رسالة لـ(بشرى) ثم خلدت للنوم..


يتبع.. :)

عشـق القــمر 26-01-14 08:10 PM

رد: رواية 13
 
مرحباااا..امممم متى ينزل الفصل الجديد؟!!!
أنا بشوووق كبييير لنزووول الفصل!!

Ahmad Rufai 28-01-14 08:41 AM

رد: رواية 13
 
قريب إن شاء الله..

الأسبوع اللي فات أنا أخذت إجازة مع طلاب المدارس.. كنت مرهق وتعبان شويه :)

بإذن الله لو حالفنا الحظ يكون هذا الأسبوع هو الجزء الأخير لو قدرت أختصر..

أما لو ماقدرت أختصر فيكون الجزء الأخير الأسبوع الجاي بإذن الله

عشـق القــمر 28-01-14 05:49 PM

رد: رواية 13
 
لا بأس خذ راااااحتك ووقتك ^-^
وسلااامتك..^-^

Ahmad Rufai 31-01-14 07:35 PM

رد: رواية 13
 
-19- (ما قبل الأخير)

لا يخاف الرجل من المرأة إلا حينما يكتشف أنها تجاوزته في أمر ما، واستطاعت أن تبرهن على قدرتها بالبراعة فيه، حتى إن كان هذا الأمر تافهاً جداً.. لأن ذلك يجعل الرجل قلقاً متوجساً من تفوقها عليه أو إحراجها له..
كان ذلك سبباً وجيهاً في تجنبي لفتيات الليل أو المتسكعات في الأسواق.. أعتقد أنهن يتمتعن بجرأة لا قدرة لي بمجاراتها، أو هكذا خيل لي..
لكنني حين التقيت (ذكرى) قررت أن أجرب أمراً أخافه.. أحببت أن أعرف مدى تأثيري على هذه العينة من النساء وأن أتغلب على خوفي منها، خاصة وأنها كانت قوية وجريئة، من الواضح أنني لم أكن الرجل الأول في حياتها بكل تأكيد، بدا ذلك جلياً من طريقتها في الحديث معي وغنائها لي بصوت عالٍ حتى عندما تكون في عملها، وبالرغم من أن صوتها جميل جداً إلا أنه لم يكن يعني لي كثيراً لأنني على يقين بأنها أنثى هوائية.. جلّ ما كان يعنيني هو أن أغرس سيف رجولتي على ركام كل الرجال الذين عرفتهم يوماً ما..
هذه المرة كان يجب أن أعدّ خطة تليق بامرأة متعددة التجارب دون أن أشعر بالقلق على مشاعرها لأنني أعتقد أننا (أنا وهي) خطوط هوائية هامة لا تتبع نظاماً معيناً، لذلك لن تؤثر هذه العلاقة على أحدنا، كل ما في الأمر أنها ستصقلنا أكثر، فعندما يلتقي رجل مثلي بأنثى هوائية تصبح لعبة التملك ممتعة إلى حد بعيد!!
بعض الأشخاص يجبرونك على امتلاكهم حباً لطبيعة ذواتهم (كبشرى)، أما (ذكرى) فكان امتلاكها بالنسبة لي تحدياً لقدراتي الذاتية التي اكتسبتها خلال الفترة السابقة!!
كنت أتحدث معها وقت فراغي غالباً، حينما أقود سيارتي من العمل متجهاً إلى المنزل أو العكس، وكانت تحدثني في كل وقت، أعتقد أن الهاتف لم يكن يفارق أذنيها.
أعلم أنها كانت تملك الكثير من البدائل، وأن الرجل المحظوظ هو الذي يستطيع أن يحافظ على علاقته بها لأسبوع دون أن تشعر منه بالملل، ولأفعل ذلك كان يجب أن أرسم لها جدولاً مليئاً بي، خصوصا وأنني أوهمتها حين منحتها كل وقتي أنني لا أكترث لأمر الفتيات، وأن رجلاً مثلي لم يتزوج بعد لأنه لم يجد حتى الآن أنثى تستطيع أن تلبي جميع متطلباته، فعلت ذلك لأخلق فيها روح التحدي وحب التملك.
في منتصف الأسبوع وحين كنت عائداً من العمل اتصلت بي (ذكرى)، قالت في بداية حديثها:
- أشعر بالملل.
- فلتخرجي معي إذن..
صمتت لثوان ثم قالت:
- إلى أين؟!
قلت بجدية:
- حيث تريدين..
- إذا كان الأمر حسب رغبتي، فإنني أحلم برحلة برية أبتعد فيها عن العالم.. أشاهد فيها النجوم وأستمتع برائحة الشواء..
قاطعتها:
- فلتستعجلي إذن، واستغني عن الوصف بالممارسة..
- هل أنتَ جاد؟!!
- نعم..
- ما بك يا قصي.. إننا في منتصف الأسبوع!!
- وما المشكلة في ذلك؟؟
قالت باستغراب:
- أليس لديك عمل؟؟
ضحكت لثوان ثم قلت:
- ليذهب إلى الجحيم.. الحياة أقصر من أن تنتهي على سطح مكتبي.
أذهلتني قدرتي على التملص من شخصيتي وطبيعتي كما أذهلها ذلك، حاولت أن تتعذر بعائلتها وعملها، ثم طلبت تأجيلها لنهاية الأسبوع لكنها رضخت آخر الأمر حين استطعت اقناعها.
اتفقنا أن نلتقي في نفس المركز التجاري - الذي التقينا به أول مرة - بعد نصف ساعة، فسبقتها إلى هناك وقمت بشراء بعض المعدات ووضعتها في سيارتي ثم جلست أنتظر قدومها، رأيتها تقترب من بوابة المركز فأشرت لها بيدي فاقتربت ثم فتحت باب السيارة وهي تقول بصوت منخفض حتى لا تسمعها صديقتها:
- قصي، آسفة.. لم أستطع إقناع والدتي بالخروج وحدي إلى السوق، لم توافق إلا حين أخبرتها أن ابنة خالتي (هند) ستكون معي.
قلت بابتسامة:
- لا بأس..
سلكت الطريق الأقرب إلى البرية، ثم اخترت نفس التلة التي جئت إليها عندما كنت مع (ود)، فعلت ذلك لأنني اكتشفت أن الذكريات تتلاشى عندما تجتمع كلها في مكان واحد.. كما يحدث حين تأتي إلى المكان نفسه بصحبة أكثر من فتاة، حينها تستطيع تذكر المكان دون تذكر الأشخاص الذين كانوا معك.. وهذا تحديداً ما أحتاجه الآن.
وفيما قمت بإخراج الأدوات من السيارة، قامت (ذكرى) بمساعدة (هند) بتجهيز المكان سريعاً، وقبل أن تغرب شمس ذلك اليوم كنت أقف معهما على ركام (ود)..
علمتهن طريقة سريعة لإشعال النار وعلمتني (ذكرى) طريقة تتبيل اللحم السريعة بدلاً من إحضارها مبردة من السوق، تسابقنا وضحكنا وقمنا بالتدخين من سيجارة واحدة، في طريق العودة قالت (ذكرى) وهي تمسك بهاتفها:
- لم أنتبه أننا خرجنا عن نطاق الشبكة إلا الآن.. كان يوماً جميلاً.. أشكرك يا قصي..
اكتفيت بابتسامة فقط، يبدو أنني نجحت في المواجهة الأولى، وقبل أن أقوم بكسب النقطة الثانية منحتني إياها مجاناً، قالت:
- متى سألتقيك مرة أخرى؟
- حين تشائين..
- لا أريد أن أزعجك..
- لا تفكري في ذلك أبداً، كل ما عليك فعله حين تشعرين بالملل هو أن تفركي هاتفك ليقوم بالاتصال بي، لا تفعلي ذلك حين تكوني غير مستعدة لتحمل النتائج، لأنني أخرج من الهاتف أحياناً..
كان ذلك تلميحاً لما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة، ولا أعتقد أنها لم تفهمه، وقبل أن تقوم بالرد قاطعتنا هند بحماس:
- ما رأيكما أن نلتقي غداً.. سيقيمون معرضاً مفتوحاً..
ضحكت من حماسها وجرأتها، قلت:
- أنا موافق.. ما رأيك (ذكرى)؟
قالت على مضض:
- أنا.. موافقه
صافحتني بطريقة تلقائية عمداً وهي تنظر بطرف عينيها لابنة خالتها، وقالت بابتسامة:
- سنلتقي غداً إذن
- بكل تأكيد.. مع السلامة.
وفيما خرجتا من السيارة أوحت لي نظرات (ذكرى) لابنة خالتها بفكرة مجنونة سأقوم من خلالها بكسب الرهان سريعاً، سأرفع سقف المنافسة على (ذكرى) وأدخل (هند) لتكون نداً لها، وحتما لن يعجبها ذلك.
في اليوم التالي كنت أعطي (هند) اهتماماً يقترب من حجم الاهتمام الذي أمنحه لـ(ذكرى)، أمسكت بيدها لنجتاز الرصيف واخترت لها لعبة دبدوب صغيرة تضعها في غرفتها وسألتها عن وصفة الدجاج الذي أعددناه بالأمس.. فعلت ذلك بطريقة عفوية كادت أن تقتل ذكرى من الغيرة، وفي المساء جاءني اتصالها وأنا لم أصل إلى المنزل بعد، ذلك يعني أنها كانت مستعجلة للقيام به، قالت:
- قصي.. كيف أنت؟
قلت ضاحكاً
- لقد كنت معك قبل عشرة دقائق.. لماذا لم تسأليني حينها كيف أنا؟
قالت بطريقة تفيض دلالاً:
- ومن قال أنك كنت معي؟ لقد كنت مع (هند)..
لم أجبها فراحت تقلد طريقتي في الكلام، قالت:
- هذا لون جيد.. اختاري هذا.. إنه جميل.. هاتي يدك لـ..
قاطعتها ضاحكاً:
- لا لا.. لم أطلب منها أن تعطيني يدها.. هي من فعلت ذلك..
ثم تابعت بصوت جاد، قلت:
- ثم إنها ابنة خالتك يا (ذكرى) وأنت من أحضرها، كل ما فعلته أنا هو أنني احترمت وجودها لأنها كانت معك..
قاطعتني بسرعة:
- فعلاً.. أنا المخطئة.. لقد أحضرتها البارحة لأنني خفت أن تغدر بي إن كنت وحدي، فطلبت منها أن تحضر معي..
ثم تابعت بغضب وبصوت عالٍ:
- لكنني لم أطلب منها أن تقوم بالاستئثار بك.
لا يعترف الإنسان بأمر قام به سراً إلا حين يشعر بزوال السبب أو المسبب، واعترافها هذا يعني أن خوفها زال، وأنني أصبحت أثيراً لديها لتتجرأ وتخبرني بسر عني أنا!!
أكدت لي فكرتي حين ختمت محادثتها تلك الليلة بقولها:
- قصي.. أنت تحبني.. أليس كذلك؟
بعد عدة تجارب، أصبحت مستعداً دائماً لمواجهة هذا الفخ الذي تصنعه النساء بمهارة، فأنا لم أخبرها أنني أحبها، لكنها افترضت ذلك من تلقاء نفسها، فقلت:
- دعي التاريخ يتحدث.. لا تفسديه باستباق أحداثه.
صمتت قليلاً ثم قالت:
- حسناً.. سأفعل
يبدو أنني كسبت الرهان في وقت أقصر مما كنت أتوقعه بكثير!!

*****

لكل شخص مفتاح يسهل الوصول له من خلاله، لكن مفاتيح البعض قديمة مهترئة، إن حاولت معالجتها كسرتها، هذا إذا افترضنا أنك استطعت العثور على المفتاح الذي سقط سهواً في أحد غياهب الزمن البعيد.
أعتقد أن هذا هو الوصف المنطقي لمفتاح (بشرى)، كما أعتقد أن نصيبها من اسمها جاء موازيا لتصرفاتها وليس لحظها في هذه الحياة!!
لم أكف عن التفكير بها في اليوم الذي سنتلقي به منذ الصباح، صنعت فنجان قهوة ثم خرجت من المنزل دون أن أحدد الذهاب لوجهة معينة، فعلت ذلك لأنني لا أريد الجلوس على أريكة وبيدي فنجان قهوة.. أعلم أنني حينها سأصبح فنجان القهوة، ويصبح هو المسيطر على تصرفاتي!!
وتجنباً لحدوث ذلك، فقد خرجت مسرعاً من البيت واستقليت سيارتي أنتظر أن يسخن محركها، وكأن هذا ما كان ينتظره فنجان القهوة فراح يسألني السؤال الذي تهربت منه كثيراً طوال الأسبوع، لكنه أصبح يواجهني بشكل مباشر ولا بد من الإجابة عليه.. هل أحب (بشرى)؟!
كنت أتهرب دائماً من نفسي بالقول أنها طيبة.. وجميلة أيضاً، لكن هل أحبها؟ لا أعلم.. ثم لنفترض أنني أحبها، ألا يجب أن أتأكد من حبها مسبقاً!! لأنها لم تفعل حتى الآن شيئاً يدل على ذلك أبداً، سوى جلوسنا للحديث طويلاً عبر رسائل الهاتف، وهذا لا يعني أنها تحبني.
كان اللقاء الأول في نادي الصم حساساً جداً، يتطلب مني أن أضع بعض النقاط على الحروف شارحاً لـ(صالح) أمر محاولتي التقرب من أخته (بشرى) والرسائل اليومية بيننا، خاصة وأنه استقبلني بترحيب مشوب بالحذر، لابد أنه وافق على حضوري ليقوم بدراستي ويستطيع حماية أخته مني بالطريقة الصحيحة في حال دعا الأمر لذلك، بدا لي متعقلاً وحريصاً على كسب رضى أخته في نفس الوقت.
جلست بجانبه نتحدث في شتى أمور الحياة دون أن نقترب من النقطة الأصلية التي كنت أقرأها في عينيه، ربما أجل حديثه لحين انشغال (بشرى) التي لم تفارقنا للحظة، بل على العكس تماماً فقد دعت صديقتها للجلوس معنا، ولأنها كانت لا تستطيع تعريفنا بصديقتها الجديدة فقالت الفتاة في محاولة للتعريف بنفسها:
- أنا فاتي.. أعمل في مركز لمعالجة الاضطرابات السلوكية لدي الأطفال.
كانت تود متابعة الحديث لكنني قاطعتها:
- جميل.. أهلاً أستاذة (فاتي).
- أهلاً بكم.
تابع (صالح) حديثه الذي كان قد قطعه حين جلست (فاتي)، حيث كان يتحدث عن الهواتف الذكية وصناعتها، قال:
- أعتقد أن الجيل الجديد لن يصل لأكثر من هذا التطور الذي نعيشه الـ..
قاطعته (فاتي) بحماس:
- صدقت.. تخيل.. إنني أشعر بالإرهاق جداً حين أقوم بتدريس أبناء هذا الجيل.. لقد اختلفت الحياة.. أصبحوا لا يحترمون أحداً ويريدون أن نقوم بتلبية طلباتهم.. يبدو أنني سأترك التدريس هذا حتى يخرج جيلٌ يقدر العلم والمعلمين.. كـ
في البداية حاولت التحكم بأعصابي، ثم غطيت فمي بيدي، ثم انفجرت ضاحكاً ليشاركني (صالح) فصمتت (فاتي)، ثم تابعت باستغراب:
- ماذا هناك؟
ضحك (صالح) وأمسك بيد بشرى التي كانت تضغط بيدها على يده ليصمت، بدت محرجة جداً من تصرفنا فقلت:
- إن الأستاذ (صالح) معجب بطريقتك جداً.
قالت بحدة:
- ماذا تقصد؟
بدت متوترة وكانت على وشك المغادرة لكنني حاولت أن أسترضيها، قلت:
- ما بك أستاذه (فاتي) لم أقل أنه معجب بك، إنه معجب بحديثك فقط، طريقتك رائعة في الحديث.. هذا ما قصده فقط.
ظلت صامتة دون أن تتحدث، فتابعت بابتسامة:
- ثم لنفترض أنه معجب بك.. لم كل هذه الحدة؟
ابتسمت لي بخجل فتدخلت (بشرى) لإنقاذ الموقف وقامت بالحديث معها بلغة الإشارة.
كانت (فاتي) ذات شكل وصوت طفولي جداً، مرحة جداً وتقدم المساعدة دون أن يطلب منها ذلك، جلسنا نتحدث حتى قامت عن الكرسي قائلة:
- لقد تأخرت.. سأذهب الآن.. أراكم على خير
بينما حركت بشرى يدها لتودعها قلت لها:
- فرصة سعيدة.. وأعتذر عن إزعاجك أنا وصالح.
- لا بد أنكم أقرباء..
- نعم إنه أخي الكبير..
قالت وهي تأخذ شنطتها من على الطاولة:
- إن عقله أصغر من أن يبدو كذلك..
ضحك (صالح) بحرج وغطت (بشرى) فمها بيدها ورحلت (فاتي)، أعتقد أنها لا توفر حديثاً تحتفظ به لنفسها أبداً.. أما أنا فجلست معهم قليلاً ثم رحلت فيما جلسا بانتظار أن يتحدثا مع أحد الموظفات في النادي بغرض الحصول على بعض الكتب التعليمية.
نزلت درجات السلم فخيل لي أنني سمعت صوتاً بالأسفل فاسترقت السمع، كانت (فاتي) تحدث أحدهم، قالت:
- ماذا تريد.. ابتعد هيا.. لقد أخرتني.. ما هذا.. يا غبي.. هيا.. ارحل.. أنا أكرهك..
اقتربت من مدخل المبنى بهدوء حين لم أسمع صوت الشخص الذي تحادثه، فلم أجد أحداً ورأيتها تشير بيدها إلى الباب.. لا بد أنها مجنونة.. تنحنحت بصوت واضح ثم قلت:
- أهلاً أستاذة (فاتي).. ألم تذهبي بعد؟!
صمتت قليلاً ثم قالت:
- أنظر.. هذا القط.. إنه يقف هناك.
قلت بتعجب:
- حسناً؟!
قالت بحرج:
- أنا أخاف القطط..
فهمت حينها مع من كانت تتحدث، وحاولت أن أبدو طبيعياً جداً، قلت:
- لماذا لم تطلبي من السائق أن يأتي لإبعادها؟
قالت بجدية:
- تخيل أن يعرف السائق أنني أخاف من القطط.. لن يتورع حينها عن اختطافي..
رسمت ابتسامة كبيرة حين شعرت أنني أتحدث مع أنثى بقلب طفلة، قلت:
- فعلاً.. معك حق..
أبعدت القطة ثم توجهت إلى سيارتي فتبعتني وتوجهت هي أيضاً نحو سيارة تقف على مقربة من سيارتي، وقبل أن أذهب سمعت صوت طرقات خفيفة على زجاج سيارتي الجانبي، توقعت أن (صالح) يريد توديعي فنظرت لأجد (فاتي) مرة أخرى، فتحت الباب وقلت:
- أهلاً أستاذة.. ماذا هناك أيضاً؟!
قالت بحرج:
- هل سمعتني حين كنت أتحدث مع القط؟!
- لا.. بتاتاً..
زوت ما بين حاجبيها، قالت:
- هل أنت متأكد؟؟
- هل تقصدين حين قلتي له ارحل يا غبي؟؟ لا تخافي لن أخبر أحداً سيكون سراً بيننا..
كانت قد وصلت إلى قمة الإحراج لكن ذلك لم يمنعها من الحديث، قالت:
- عدني!!
- أعدك.. أقسم لك أنني لن أخبر أحداً..
- حسناً.. وداعاً..
ابتعدت قليلاً ثم اقتربت مرة أخرى وقالت:
- وأنا أيضاً.. لن أخبر والدتك بأنك تدخن..
أعتقد أن مشكلة (فاتي) هي أنها تستخدم لسانها أكثر من استخدامها لعقلها بمراحل، لم أقابل أحداً في حياتي يفكر بهذه الطريقة البسيطة والبعيدة عن التعقيد تماماً، أعتقد أنها بحاجة لعدة تجارب تصقلها، كانت النقيض في تصرفاتها لذكرى، التي كانت تستغل أنوثتها وسحرها وصوتها لتصل لمن حولها، بينما تكتفي (فاتي) ببساطتها فقط.
في منتصف اليوم التالي وبينما أنا في مكتبي جاءني اتصال من (ذكرى) قالت:
- جنّي المصباح.. كيف حالك؟
- بخير.. أحاول الخروج منه..
- لا تفعل ذلك رجاءاً.. أين سأعثر عليك بعد ذلك؟!
لم أجبها، قالت:
- اليوم عيد ميلاد (هند)، قالت أنها تود أن تدعونا للعشاء بهذه المناسبة..
- حسناً..
صمتت قليلاً ثم قالت:
- أقسم أنني سأقتلك إذا قمت بتدليلها..
ضحكت برزانة ثم قلت:
- حسناً.. أنا في العمل الآن.. سأتصل بك حين أخرج من هنا..
أعتقد أنني تحدثت خلال أسبوعين مع (ذكرى) ما تحدثته مع (ربى) طوال فترة معرفتي بها، كانت هي أول من يتصل بي صباحاً وآخر من يحدثني مساءاً، وأعتقد أن هذا التواصل سهل مهمتي في الوصول إليها.
التقيت (ذكرى) بعد خروجي من العمل مباشرة، قالت أنها تريد أن تحضى بوقت خاص معي قبل أن نلتقي (هند) في المساء، وكان لها ذلك..
جعلها ذلك منتشية إلى حد بعيد، حتى أنها باتت تهمل نظرات (هند) التي كانت تحاول أن تخترقني وقت العشاء، وحين قامت (ذكرى) إلى دورة المياه، طلبت مني (هند) أن أعطيها رقم هاتفي ففعلت، وحين عادت (ذكرى) للجلوس معنا، أمسكت (هند) بهاتفها وأخرجت (ذكرى) علبة صغيرة من حقيبتها، قالت لهند:
- أتمنى لك سنة سعيدة.. هذه الهدية باسمي أنا و (قصي).
مدت هند يدها والتقطت الهدية فقلت:
- في الواقع لم تخبرني (ذكرى) مبكراً.. وإلا لكنت أحضرت معي هدية أخرى.. فأنتِ تستحقين ذلك.
ابتسمت في وجهي دون أن تجيبني ثم عادت تمسك بهاتفها قليلاً فسمعت صوت رسالة واردة على هاتفي فتوقعت أنها (بشرى) ففضلت أن أحدثها عندما أخرج لكن (هند) قالت وهي تغمز بعينيها دون أن تراها (ذكرى):
- هل هذا هاتفك؟
ابتسمت وأنا أخرجه من جيبي، قلت:
- نعم.
راحت تفتح هدية (ذكرى) وهي تنظر إلى عيني وأنا أقرأ الرسالة التي كانت منها "وجودك اليوم بجانبي هو أجمل هدية"، ابتسمت في وجههما ثم أعدت هاتفي إلى جيبي وأنا أشعر بالجمود لهذا التصرف الذي أخرجني من حيزهما تماماً.. التقتني سراً في اليوم التالي قبل أن تلتقي بي (ذكرى) أيضاً، حتى شعرت أنني سئمت هذه اللعبة الحقيرة وقررت أن أغرقها في عالم النسيان.
لم تطل علاقتي بـ (ذكرى) وابنة خالتها (هند) بعد ذلك لا لخطأ قمن به في حقي، ربما لأنهن يتكررن في هذه الحياة بأشكال كثيرة لا يغريني التعرف عليها، لم تحمل إحداهن فكرة خلاقة أو هدفاً مختلفاً عن باقي بنات جنسها، فآثرت الانسحاب ببطء ولا أعتقد أنهن تأثرن بذلك كثيراً.
لأني على ثقة بأنهن سيحصلن على ما أمدهن به عن طريق أي ذكر يلتقين به مصادفة، حتى وإن كان هذا الذكر عبارة عن بطريق تافه!!
وأنا كذلك، كنت سأستطيع الحصول على ما يقدمانه من حنان واهتمام من أي أنثى التقيها في طريقي مصادفة، حتى وإن كانت هذه الأنثى مجرد زرافة تائهة!!
بل أنني أعتقد أن الوصول إلى زرافة تائهة أصعب من الوصول إلى أمثالهن من الفتيات!!
كما وأنّه في حال رغبتي في الحصول على أنثى للمتعة فقط، فإنني يجب أن أختار الأفضل.. كـ (جمانة) مثلاً..


يتبع..

Ahmad Rufai 09-02-14 08:15 PM

رد: رواية 13
 
-20-

****
كانت (جمانة) تعني الإثارة بلغة الجسد.. هذه المرة لم تكن وجبتي صعبه، لكنها كانت لذيذة في الوقت ذاته، فلعبتُ دوراً تقليدياً في حياة امرأة عادية!!
جرت الأمور على نحوٍ أسرع من المعتاد، عطست فأصبح شكلها مضحكاً فابتسمت، وردت لي الابتسامة التي لم أكن أتوقعها، في كل الأحوال كانت ستمضي دون أن آبه لها، لكنها كانت مختلفة، تمتلك من الإثارة ما لم أره في حياتي.
اقتربت مني بهدوء وقالت:
- اسمك؟
قلت بتلقائية:
- أيمن.. هل تحبين الآيس كريم؟
ابتسمت وحركت رأسها، فقلت:
- أنا لا أحبه.
زوت ما بين حاجبيها ونظرت لي فضحكت وابتسمت.
فقط!!
هكذا تقام العلاقات العابرة، فمن الخطأ أن تبذل لأمر أكثر مما يستحق!!
كانت موظفة في أحد البنوك، قوامها يتجاوز كلمة مذهل بمراحل ووضعها الاجتماعي مطمئن، لم أمارس أي طقوسٍ مربكة ولم أتحدث أبداً، كنت تقليدياً بشكل مثيرٍ للشفقة.
لقاءنا الأول كان في أحد الأسواق، حددت موعد لقائها عقب لقاء (ذكرى) حتى لا أضطر للحضور لأجلها، وجرى الأمر طبيعياً جداً كأي اثنين يلتقيان للمرة الأولى ويستطيعان تجاوز ذلك بنجاح، ربما نظراً لخبراتهما السابقة!!
تلا ذلك اللقاء الهادئ لقاءين في منزلها وآخر في أحد المطاعم المحترمة عندما وجدت أنها وطبقاً للمادة الثانية والعشرين من قانون المناسبات تستحق ذلك، كنت كلما فكرت في الابتعاد عن مشاكلي توجهت إليها، كانت هادئة وضحوكة، ترسل لي الكثير من النكات كل يوم.. والمريب في الأمر أنني كنت شبه واثق أنها لا تتحدث مع أحداً غيري، على الأقل في هذه الفترة..
كما أنها لم تسألني أبداً إن كنت على علاقة بإحداهن، كأنها كانت على ثقة بأنني أعرف غيرها، فكانت واقعية حتى في علاقاتها. قالت لي ذات مساء:
- هل أنت متزوج؟
أجبت:
- لا..
قالت بابتسامة:
- تبدو كمتزوج.
كانت هذه هي المرة الوحيدة التي سألتني فيها عن علاقاتي، لم تحاول التعمق أكثر في تفاصيل حياتي، كانت تفعل كلما أطلب بحب، وتجيب على اتصالاتي بابتسامة ولا تصطنع المشاكل نهائياً، لذلك كانت المفضلة عندي وإن لم أبح لها بذلك، لأنها لم تكن تجبرني على الكذب ولم تسألني عن أي شيء في حياتي سوى اسمي، وأحوالي.. أعتقد أن هذا ما كانت تحتاجه فقط
هذه العلاقة الهادئة ابتعدت بي عن النقطة الأساسية.. (بشرى)، التي كانت ترسل لي كل مساء لنتحدث قليلاً، اعتدت أن أرى رسائلها وأجيب عليها، لكنني فوجئت باتصالها وأنا أجلس مع باسل لتناول العشاء، ترددت قليلاً ثم أجبت:
- أهلاً..
جاءني صوت (صالح)، قال:
- أهلا.. قصي.. أنا (صالح) اتصلت بك من هاتفي لكنك لم تجب..
- نعم.. أهلاً (صالح).. لا أجيب على الأرقام الغريبة أحياناً.. اعذرني..
قال بصوت أراد أن يجعله شامخاً واثقاً من نفسه:
- لا بأس.. أحببت أن أخبرك أنه تم القبض على الشاب الذي ارتطم بسيارتك..
أجبته بصوت حاولت أن أسبغ عليه بعض الامتنان والشكر لكنني فشلت، قلت:
- رائع.. هذا جيد..
- هل تريد مطالبته بأي تعويضات؟؟
- في الواقع.. لا أعلم.. ما رأيك أنت؟
- لقد قبض عليه وسينال جزاء هروبه، كما أن صاحب السيارة الأخرى لم يتنازل عن حقه.
قاطعته:
- أعتقد أنه نال جزاءه، كما أنه خلق لي فرصة مناسبة للتعرف إليك..
ضحك بحرج، فتابعت:
- أنا متنازل عن حقي.. أشكر لك اهتمامك أخي (صالح).
- لا شكر على واجب..
صمت قليلاً ثم تابع كأنه تذكّر أمراً لتوه:
- سأذهب برفقة (بشرى) غداً إلى النادي.. أراك هناك..
- حسناً.. مع السلامة.
- في أمان الله.
لم يفتني أنه فعل ذلك عمداً، لابد أنهم قبضوا عليه منذ أيام، لكنه لم يخبرني إلا اليوم ليتخذ ذلك حجة وذريعة للحديث معي، ولابد أن أكون واضحاً معه هذه المرة، ولكن قبل كل شيء، يجب أن أتأكد من مشاعري.
كان قد أغلق الخط لكنني تركت الهاتف على أذني حتى أخرجني (باسل) من عزلتي، قال:
- أشعر أحياناً أنك شخص متزن جداً، تزور عائلتك بانتظام وتشارك الناس حياتهم الاجتماعية، وفي أحيان أخرى أشعر أنك غير موجود أبداً.. في السابق كنت تتجنب زيارة عائلتك، بينما تزورهم الآن كثيراً.. أنت شخص غريب الأطوار..
تنبهت إلى وجوده فسألته متجاوزاً كلما قاله، قلت:
- باسل.. ما رأيك في الزواج من فتاة خرساء؟
صمت قليلاً وهو ينظر إلى عيني كأنه يحاول أن يشرح لي أنني مجنون، قال بنفاد صبر:
- لا أعلم.. ذلك يرتبط بمدى حبك لها، وتقبلك لحالتها..
- أها.. صدقت..
- لكنّه اختيار يتعارض مع صفات رجل مثلك..
نظرت إليه باستغراب فتابع:
- ألا تعتقد أن شخصاً عنيداً مثلك لا يحب مثل هذه الاختيارات السهلة، إن فتاة خرساء ستهيم حباً بأي رجل يظهر لها نوعاً من الاهتمام.. وعليك أن تفرق بين حبك لها وشفقتك عليها.. لا أعتقد أنك شخص يرضى أن يطلق عليه (أي رجل)..
- حسنا؟!
قام من مكانه وهو يتحدث بأمر لم أنتبه له، لابد أنه يعتقد هو الآخر أنني قد جننت. ترى ماذا سيقول (صالح) غداً وماذا سأجيبه؟
في اليوم التالي كنت أتقاسم الطاولة مع (صالح) و(بشرى) و(فاتي) التي أصبحت لا تفارقنا للحظة، شعرت أن (صالح) يريد أن يقول شيئاً فاعتذرت منهم قائلاً:
- سأذهب إلى الخارج لأدخن..
قال (صالح):
- حسناً.. وأنا أيضاً سأذهب لدورات المياه.
وكما توقعت، بعد لحظات كان (صالح) يقف خلفي، قال لي حين لمحني أنظر نحو إشارات الصم المعلقة على باب المدخل:
- كل هذا سينتهي قريباً..
لم أعلم ماذا كان يقصد بقوله فقلت مستوضحاً:
- ماذا تقصد؟
مسح وجهه بيده، قال:
- لقد قمت بإرسال نتائج فحوصات (بشرى) إلى الخارج دون علمها.. أخبرني طبيبها أن علاجها ممكن، وهذا ما أكده لي الأطباء هناك.
اجتاحني شعور غريب لا يقترب من أي شيء، لم أتخيل أن (بشرى) ستتحدث معي بصوتها يوماً ما.. ولم أضع ذلك في حساباتي أبداً، لكنني وجدت نفسي مجبراً على اصطناع الفرحة، قلت:
- هذا جميل.. جميل جداً..
يبدو أنه كان ينتظر رداً مختلفاً، بات من الواضح أنني خيبت ظنه فحاولت أن أتدارك الحديث، قلت:
- لابد أنها ستكون سعيدة جداً.. هنيئاً لها.. ومتى ستسافران؟
قال بصوت منخفض:
- مساء الأحد المقبل..
- رائع.. هذا رائع.. سأكون معكم لإيصالكم إلى المطار..
لم أكن مستاءاً من أمر سفرها، كما لم أكن سعيداً بذلك.. كل مافي الأمر هو أنني أحببتها هكذا ورسمت الكثير من المواقف معها دون صوت، ذلك يعني أن الخلل ليس في (بشرى) وإنما في تفكيري الذي يريدها أن تبقى هكذا.. كل هذا يدفعني للتفكير مجدداً.. هل كنت أحبها حقاً؟!!
عدنا إلى الطاولة مملوئين بالتوتر والقلق بالرغم من أن محادثتنا لم تدم لأكثر من دقيقتين، لكنه ابتسم وهو ينظر إلى عيني (فاتي) للتعريض، قال:
- ليكن الأمر سراً بيننا..
ضحكت ونظرت إلى عينيها المتسائلتين، قلت:
- بكل تأكيد.. ستكون فاتي آخر من يعلم..
قالت بتردد وخجل:
- أعلم عن ماذا؟
أجابها (صالح):
- عن السر الذي بيني وبين (قصي).
رفعت رأسها ونظرت إلى عيني مباشرة، قالت:
- هل الأمر يخصني؟
حرك (صالح) رأسه بنعم، بينما حركت رأسي بلا، فأصابتها الحيرة واقتربت مني برأسها، قالت:
- هل أخبرته بالسر الذي بيننا.
تذكرت ما حدث بالأمس فحاولت أن أبدو طبيعيا جداً، قلت:
- لا.. ما حدث بالأمس هو سر بيني وبينك، أما ما حدث اليوم هو سر بيني وبين (صالح).
قاطعني صالح:
- أعتقد أن قصي يريد أن يضعك في مقلب..
وقفت (فاتي) عن مقعدها بحماس، قالت:
- أخبروني.. هيا أخبروني بما حدث.. سأعاقبكم.. أنت يا قصي سأعاقبك.. صدقني.. سأخبر والدتك..
لم أحتمل منظرها وتهديدها فغرقت في نوبة من الضحك، فأخذت هاتفي الذي كان على الطاولة، قالت:
- لن أعيد لك هاتفك حتى تخبرني بما حدث بينكم.
أمسكت (بشرى) بيدها وأجلستها، قلت:
- لا بأس.. سأتركه لك حتى ينتهي السر فتعيديه لي.
حركت يدها أمام وجهي وهي تقول:
- لا.. هل تعتقد أنني سأعيده.. لست غبية كما تعتقد..
غيرت مجرى الحديث تماما، قلت:
- ومن قال أنني أعتقد أنك غبيه؟؟ بل على العكس تماما أعتقد أنك نادرة الوجود طيبة القلب هادئة.. جميله.. وبريئة.
راحت تنظر لي وهي تحاول أن تخفي إحراجها، ثم قالت بصوت هادئ:
- أنا لا أصدقك.. أنت تحاول أن تحصل على هاتفك فقط.
رن هاتف (صالح) فصمتنا وكان محدثه يتكلم عن أحد القضايا، بدا الاتصال مهماً جداً، وبعد دقيقتين أنهى (صالح) المكالمة ونظر إلينا، قالت (فاتي):
- هل أنت شرطي؟!
ابتسم (صالح):
- نعم..
قالت باستغراب:
- حقا؟؟!! وماذا عنك يا قصي.
كنت أهم بالإجابة عليها حين قاطعني صالح وهو يغمز بعينه لي، قال:
- قصي يعمل لدى جهة أمنية خاصة، هل ترين هذه الندبة على يده؟
أمسك بيدي ورفعها قليلاً ثم وضع أصابعه بجانب الندبة التي كانت تستمتع (معالي) قديماً بلمسها، ترى كيف حالها الآن، أخرجني (صالح) من تفكيري وهو يقول:
- كانت هذه الندبة طلقة رصاص أصيب بها حين كان يحاول القبض على أربعة مجرمين.
تصنعت الصرامة ونظرت إلى عينيها مباشرة، وتابع (صالح):
- هل يعقل أنك لم تسمعي عن قصي من قبل أبداً؟؟
وجه حديثه إلى (بشرى) كأنه يعاتبها:
- هل يعقل أنك لم تخبريها عن (قصي)؟؟ ماهذا يا (بشرى)!!
أعادت (فاتي) هاتفي إلى الطاولة بمرح وهي تقول:
- ما هذا يا قصي.. لا تصدقني كنت أمزح معك فقط.. لا زلنا أصدقاء أليس كذلك..
ابتسمت:
- بكل تأكيد..
لم أستطع التفريق بين مزاح (فاتي) وجديتها، فهي تتصرف أحياناً بطريقة جادة لكنها تقول أنها تمزح، وتتصرف أحيانا بطريقة هزلية لكنها تصر على أنها جادة فيما تقول، رنّ هاتف (صالح) مرة أخرى فاعتذر بالذهاب وقامت (بشرى) فتبعتهم، قالت (فاتي):
- هل ستذهب معهم؟
نظرت إلى (صالح) الذي ابتعد عن الطاولة فيما تستعد أخته للحاق به، قلت:
- لا.. سأذهب إلى البيت.
ابتسمت ثم أشارت إلى المكان:
- ألا يعجبك المكان؟ لم لا تجلس قليلاً؟
لم أجد طريقة أعتذر بها عن الجلوس خاصة وأنه لا شيء لدي لأقوم به، قلت:
- حسناً.. لا بأس.
ابتسمت (بشرى) ثم لوحت لنا بيدها وغادرت، فيما جلست أتحدث مع (فاتي) التي كانت كثيرة الأسئلة، إلى جانب بساطتها الغريبة كانت تحمل (فاتي) شخصية مثقفة ومتعلمة لكنها لا تجيد استخدامها إلا في حياتها العلمية فقط، أما في الجانب الحياتي فإنها تستخدم بساطتها وطبيعتها البريئة، في نهاية اللقاء طلبت مني بخجل أن أرافقها للأسفل خوفاً من أن يكون القط بانتظارها.
حين عدت إلى البيت ألقيت جسدي المنهك على سريري ونزعت عن وجهي قناع الهدوء الذي حاولت أن أبدو به رزيناً أمام (صالح) و(بشرى).. لا بد أنه الآن يعي جيداً أنني لا أحبها، حتى أنا اكتشفت ذلك، لم أكن أحب بشرى، كنت أشفق لحالها فقط كما قال (باسل).. وحالما شعرت أنها يمكن أن تكون كأي فتاة أخرى، أصبحت مستعداً جداً للتخلي عنها..
لم ترسل لي بشرى رسالة في ذلك اليوم.. ولم أتجرأ بفعل ذلك أنا أيضاً.. كان عليّ أن أخبرها أن الحب أمر والعلاقة أمر آخر بالنسبة لي، أنا شخص لا يحب وإنما يرتاح من عناء السفر فقط، ولكي تكون هذه العلاقة مريحة لكلينا يجب علينا أن نبتعد عن الحب في معناه الأصلي ونكتفي بممارسته بأجسادنا وإيماءاتنا ولا يمنع كذلك في بعض تصرفاتنا!!
أما أن نؤمن به ونجعله القائد الأول لنا فهذا يعني أنه استطاع التحكم فينا ولن نستطيع التحكم به، الأمر ممتع قليلاً، جربي أن تحبي وتحبي وفي لحظة تمارسي النسيان، إنه أمر يشبه ذاكرة القلم والرصاص معاً، فالقلم يكتب الأفراح والأحزان معاً، بنفس الرتم وبنفس الطريقة دون تخاذل حسبما نوجهه، دون أن يبذل جهداً في التأقلم.. ربما لذلك أسموه قلم، لقدرته الفائقة على التأقلم مع الوضع!!
في ظهر اليوم التالي تفاجأت عندما عدت من استراحة الغداء لأجد (فاتي) تجلس على مكتبي وتعبث بأغراضي، قالت أنها جاءت للسلام على بشرى التي أخبرتها بدورها أنني أعمل هنا، أقسمت أنها لم تنطلي عليها خدعة (صالح) حين قال أنني شرطي لأنها تعتقد أن (أحلامي) تتجاوز ذلك بكثير لتسابق النجوم والمجرات.
تطورت علاقتنا على نحو سريع جداً دون رغبة مني في ذلك، كأنها كانت تختصر المسافات عمداً، فجاءت الأسئلة متوالية هكذا.. كم تبلغ من العمر؟ حياتك رائعة.. هل أنت في علاقة مع إحداهن؟ أحبك.. كان هذا هو ما حصل باختصار هذه المرة، حيث أن الأمر لم يأخذ برمته أياماً قليلة. ولأول مرة أتمرد على أحد أهم صفاتي الاعتيادية التي صارت جزءاً مني.. رفضت حبها، وحاولت تذكيرها بمأساوية النهاية إن هي أرادت أن تستمر في اللعب، حاولت أن أشرح لها أنها قد تسرعت وأنّ ما تشعر به ناحيتي لا يعدو على أن يكون أكثر من إعجاب بشخصيتي فقط.
أصرت على أن أسألها إن كانت تحبني ورجتني كثيراً أن أخبرها أنني أحبها، قالت لي أنها تعرفني أكثر من نفسي وأنها تعلم أنها تحمل الخير لي.. حاولت جهدها أن تقنعني أن البرج الذي أنتمي إليه كثيراً ما يتردد في علاقاته وأنه دائماً ينتظر من يبادئه الحب، وأن من يفعل ذلك معه لن يندم أبداً لأني أستحق، رجتني كثيراً وطلبت مني أن أترك لها مهمة تجديف قارب حياتي لكنني أخبرتها أن الوقت لم يعد مناسباً لذلك وأن كل ما أستطيع أن أقدمها له هو أن أبقى بجانبها ما استطعت.
كنت حينها قد وصلت إلى حافة الحياة.. والدليل أنها بدأت في تكرار نفسها بشكل ممل ورتيب في محاولة بائسة منها لإغرائي والاستمرار فيما أفعله كل يوم.. فما أشبه اليوم بالبارحة.. وما أشبه (فاتي) بـ (ربى).. ويبدو أنّه لا جديد!!
كانت (فاتي) ورغم قصر الوقت الذي جمعني بها، درساً يجب الوقوف عنده كثيراً.. شعرت تلك الليلة عندما أغلقت الهاتف أنني عدت مرة أخرى إلى مرحلة اللاشيء.. عدت إلى نقطة الصفر التي بدأت منها دون أن أجد حياتي التي كنت أبحث عنها.. أعتقد أنني كنت أدور في حلقة مفرغة أو أسلك طريقاً خاطئ.. وأياً كان.. فإنه يجب عليّ أن أتراجع عنه إذا كنت أريد أن أخرج من مرحلة اللاشيء..
سمعت صوت هاتفي فأجبت مباشرة دون أن أدرك من المتصل:
- أهلاً..
جاءني صوت أخي (أسامة) كأنه صوت جندي لا يملّ من حراستي، قال:
- أهلاً بك.. ما بال صوتك مهموماً، كأنك لا تريد أن تحدث أحدا..
جلست على الفراش بعد أن كنت مستلقياً، قوة صوته أجبرتني على ذلك، قلت:
- لا شيء..
ضحك قليلاً ثم قال:
- تستطيع أن تكذب على أي أحد.. باستثنائي يا قصي..
لم أجبه فتابع:
- ماذا هناك يا قصي؟؟
ترددت قليلاً ثم قلت:
- ألم تخبرني أنه همومنا مثل ملابسنا تكبر معنا كلما تقدمنا في العمر؟
صمت قليلاً ثم حاول أن يستحثني على الحديث، قال:
- نعم؟؟
- لقد توقفت عن النمو.. ألا يجدر بهمومي أن تتوقف عن النمو هي أيضاً.. لم تعد ملابسي تضيق بي يا أسامة كما في السابق..
صمت قليلاً ثم قال بصوت حنون:
- يبدو أنك وصلت إلى مرحلة المشاركة..
لم أجبه فتابع:
- وفي هذه المرحلة نقوم فيها بتشارك الهموم كما نتشارك مقاسات ملابسنا.. فكما صار بإمكاننا أن نستعير ملابس بعضنا وجب علينا الآن أن نتشارك همومنا.. فنحمل هموم بعضنا دون أن نشعر..
تشاركنا الصمت للحظات فقال:
- فلتعد يا قصي.. دعنا نشاركك همومك وأحلامك.. وطفلاً صغيراً نغرقه حباً وحنانا..
شعرت أنه لا مفر من العودة.. فمهما رحلت لابد أن أعود ذات يوم.. وقد جاءت فرصة العودة على طبق من ذهب.. ولا أعتقد أنني سأحصل عليها مرة أخرى إن رفضتها هذه المرة، قلت:
- حسناً.. سأعود..
ضحك بطريقة مجنونة ثم قال:
- وأطلب من زوجتي أن تبحث لك عن زوجة؟
ترددت قليلاً ثم قلت:
- نعم.. لا بأس..
عاد للضحك بمرح ثم قال:
- وداعاً.. سأغلق الخط قبل أن تغير رأيك..
أغلق الهاتف فعلاً ونظرت إلى وجهي في المرآة.. هل ستتزوج من سيختارونها لك يا قصي.. أجابني صوت بداخلي.. وماذا في ذلك.. لقد أخفقت إثنى عشر مرة.. ولا أظنك ستفلح في الثالثة عشرة.. دعهم يختارون هذه المرة على الأقل..
كنت أعتقد أنني تخلصت من (فاتي) بعد آخر حديث بيننا لكنني تفاجأت من وجودها في المطار عندما ذهبت لإيصال (صالح) وأخته (بشرى) التي أحببت أن يكون وداعي لها أنيقاً أواجهها فيه بنفسي دون التملص فيه من واجباتي نحوها..
خرجت من المطار متجهاً نحو مكتبي وفي الطريق جاءني اتصال (فاتي)، كنت أعلم أن غرورها لن يسمح لها بالتنازل عن حلمها، خاصة وأنها قدمت كلما يمكنها تقديمه وأكثر، بادرت وأطالت وقصرت وفعلت كل ما بوسعها للوصول. لم تكن تعلم أنها كانت النقطة الأضعف بين قائمة لا يستهان بها من الفتيات. وحين يئست من الحصول على مرادها، قالت في محاولة أخيرة لجذبي إليها:
- الآن أدركت كم كنت غبية جداً، كنت أسابق الأنفاس للوصول إليك، وها أنا أكتشف اليوم أنني كنت أسهل لقمة ابتلعتها أنت، وأعلم أنك لا تحب التعامل مع الأشياء السهلة.
رغم أنها قالتها بانكسار عائد من أرض المعركة إلا أنها كانت تنتظر أن يكذب جوابي حديثها، لكني لم أفعل. فقالت لي في نهاية المحادثة عندما يئست من الحصول على ما تريد:
- لا تعلم مقدار معزتي لك يا (قصي)، أتمنى أن لا ينقطع تواصلنا.
دلفت إلى مكتبي وطبعت طلب الاستقالة ثم وقعته واتجهت به نحو المدير العام الأستاذ (حسن)، لم يستطع إخفاء علامات الدهشة من وجهه، حاول أن يبادرني بالحديث لكنني لم أترك له مجالاً لذلك، قلت:
- لن يجدي الحديث نفعاً.. لقد فكرت كثيراً وقطعت رأيي مسبقاً..
أزال جميع الأوراق من أمامه ثم وضع الورقة على الطاولة ومسحها بكلتي يديه كأنه يقبرها، لم يطلب مني أن أساعده كما كان يفعل دائماً حين أطلب منه توقيعه.. أخرج قلمه ونظر لي نظرة أخيرة ثم أمال رأسه وقام بتوقيعها ثم مدها في وجهي دون أن ينظر إلي فأخذتها وخرجت دون أن أنبس بكلمة واحدة، تفقد المواقف قيمتها حين تذهب بكلمات الوداع المزيفة، كيف يعتذر الإنسان عن أمر اختاره بمحض إرادته؟!!
وضعت جسدي على مقعد السيارة، تنفست رائحة المدينة وأنا أشعر بإعياء شديد فسمعت هاتفي يرن، كانت (جمانة):
- أيمن.. كيف حالك.. لقد خرجت من العمل لتوي.. هل تريد المـ..
قاطعتها:
- أين أنت الآن؟
- أمام البنك..
- سأكون هناك بعد دقائق.
توجهت نحو البنك وتوقفت أمامه مباشرة فصعدت إلى السيارة وتوجهنا نحو منزلها، كنت لا أزال أمسك بالمقود عندما نزلت لكنها طلبت مني النزول، كنت بحاجة إلى الراحة والهدوء بعد يوم طويل فتبعتها وألقيت بجسدي على الأريكة دون أن أتحدث فابتسمت لي حنان ثم عادت بعد قليل وفي يدها طبق من السكاكر صنعتها بنفسها، قدمتها لي لكنني أشرت بيدي فوضعتها على الطاولة و صوبت نظرها نحوي.
كنت أعلم أنها تنظر إليّ لكني لم آبه فيما كانت تفكر به، أخذت السكاكر بهدوء وسكبتها على وجهي فاتسخت ملابسي.
نظرت إليها والشرر يتطاير من عيني، قلت:
- وقحة.
كفت عن الابتسام واقتربت لتمسح وجهي لكنني دفعتها، ثم خلعت قميصي وقذفته إلى الأرض بعد أن مسحت به وجهي ، ثم وضعت ساقي على الطاولة ونمت!!
عندما استيقظت كان المساء قد دخل، قميصي كان معلقاً على مدخل غرفة الجلوس وبداخله ورقة الاستقالة، بدا نظيفاً فعلمت أنها قامت بإصلاح الخطأ، ناديتها لكنها لم تأتِ، ذهبت إلى غرفتها فوجدتها تجلس أمام حوض السمك، اقتربت أكثر ورأيت دموعها، كانت موقنة إذن أنه اللقاء الأخير وأحبت أن تطيل بقائي معها فقامت بسكب السكاكر على قميصي..
يبدو أنني من كنت غبياً ومغفلاً هذه المرة..
بقي شخص واحد يجب أن أودعه.. لطالما اعتقدت أنني كنت أفضل بوجوده معي، لكن حجم الصداقة بيننا كان أكبر من أقوم بوداعه، فاخترت أن أودع شخصاً آخر كنت أعلم الطريق إليه يقيناً.. توجهت نحو أطراف البلدة ثم دلفت إلى المطعم الذي تركتني فيه آخر مرة، قاسمتني المقعد ثم بدأت أأكل وأنا أقلب نظري في عيون الناس، فسألني بعد أن نظر في جيبي:
- هل لك أن تشرح لي ما حدث؟
- لو كنت أستطيع أن أشرح لك شيئاً لشرحت لنفسي عوضاً عنك.. لا زلت لا أعلم ما الذي توقف بداخلي بعد أن كنت منصفا، ربما كان خوفاً من أن أكون قد كذبت!!
وأنا أعلم أنه لا يجب علي أن أكذب على نفسي في المقام الأول إن كنت أريد أن أبقى على قيد الحياة بالطريقة التي أحبها.
- لكنك كاذب..
- أعلم أنني كاذب، لكن أسوأ أنواع الكذب هو الكذب على الذات وإخبارها بما هو مخالف للحقيقة فتصدقه!! النفس مهما كانت قادرة على التحمل إلا أنها تضل روحاً تحاول السعي بأمل نحو الهدف.
- وما الهدف من حياة شخص يعيش منفردا؟؟
- الهدف هو أن تكون سعادته في جيبه، يخرجها وقتما شاء، يبتلع منها قرصاً صغيراً فيحيل عالمه إلى هناء، غير آبه ولا منتظرٍ لجرعة أخرى يعلم أنها في جيبه، وأنها لن تنفذ.
جلست أحاوره محاورة الخاسرين، أعلم أنني لا أستطيع تركه في هذه المدينة، كما لا أستطيع التفوق عليه.. كل ما أملكه هو أن أحاول إثارته كالعاجزين فقط..
وكعادتي حين أترك شيئاً خلفي، فإنني أشعل سيجارة وأنثر رمادها على روحه، زدت من سرعة السيارة لأستمتع بمنظر الغبار المتناثر يشارك سيجارتي حفل الوداع.. رن هاتفي فحاولت التقاطه لكنه سقط أسفل مقعد الراكب فأدخلت يدي تحت المقعد لأبحث عنه، ويبدو أنه توغل في الهروب فتوغلت خلفه وأمسكت يدي بورقة فأخرجتها ووضعتها على المقعد ثم أعدت يدي مرة أخرى أسفل المقعد وعندما أمسكت بالهاتف كان المتصل قد سئم الانتظار فأغلق الخط.. نظرت إلى شاشة الهاتف لأجد أن المتصل هو والدي، فقررت أن أفاجئه بدلاً من الإجابة على اتصاله فوضعت الهاتف على المقعد بجانبي ومنحت الورقة المطوية نظرة خاطفة ثم أمسكتها وبدأت أفتح طياتها باستعجال استعداداً لقراءتها ثم تمزيقها لكنني حين قرأتها لم أجرؤ على ذلك، شعرت أنها أطهر من أمسكها بيدي رغم أن اسم (ذكرى) هو ما كان مدوناً في أعلاها.
في منتصف أعلى الورقة طبع اسم جمعية خيرية لرعاية الأيتام، وفي الأسفل إلى اليسار رأيت توقيع (ذكرى) بجانب مبلغ تدفعه شهرياً لكفالة طفلة يتيمة، ليس هذا ما قرأته فقط، فقد كان اسم (ود) موجوداً أيضاً على نفس الورقة..
أوقفت سيارتي جانباً ثم ترجلت منها، كان بإمكاني أن ألمح أضواء المدينة التي لا تزال تسطع من بعيد..
كأنها تقول لي مهما فعلت يا قصي.. أنا من سيفوز في النهاية دائما..
شعرت أنني تافه جداً، وأن تلك الهالة التي أحاطوني بها كانت قناعاً مزيفاً صنعته لأخبئ حقارتي.. وقداسة صنعتها لنفسي من الوهم متجاهلاً قداسة تنازلوا عنها لأجلي..
نعم..
جميعهن كانوا يملكن جزءاً من القداسة بشكل أو بآخر.. لكنهن تنازلن عنها باسم الحب، كل واحدة منهن كانت تتمتع بها من حيث لا أعلم، ولكن كيف لحقير أن يلمس أرواحاً نزيهة، وكيف له أن يستشعر شيئاً طاهراً جبلوا عليها وهو في أوج نذالته.
جميعهن كانوا قديسات..
كرطب تعلق بنخيل شاهقة ليمطر الناس بالأمل..
كدلو صغير يجلس على حافة بئر ليجلب الماء والفرح..
كطيور تحمل في أجنحتها رائحة الوطن للمسافرين..
كأشياءٍ صغيرة تبعث الفرح في البائسين..
وكتوقيع صغير في أسفل ورقة!!
لا أحد يملك القداسة المطلقة.. حتى الأمهات.. لكن الجميع يملكها بشكل أو بآخر.. وهذا ما لم أستطع تعلمه أنا طوال هذا الوقت..
أعتقد أنني الآن أستطيع أن أحتفظ بتلك التي تحمل في حياتي الرقم (13) بقية العمر، ولكن قبل ذلك، لابد أن أتطهر من ذنوبي ليحق لي ذلك..
****
يقول والدي أن زكاة كل شيء تكون من جنسه، ذلك يعني أن زكاة النساء حين يبلغن النصاب لابد أن تكون من جنسهن.. ونصاب كل شيء هو كفايته، ويبدو أنني اكتفيت.. ولأن الزكاة توجب تطهير الذات وغسل النفس من كل شيء، فقد اخترت أن أدفعها مرغماً، ولأنني لا أعلم نصاب النساء ولا كميته، فقد اخترت أن أتصدق بكل شيء وأبدأ من جديد.. علّي أستطيع تطهير نفسي.
ولأن بعض الطهارة تأتي من الألم فقد جئت بعد كل هذا العمر -وطفلة تجلس بأحضاني- لأخبركن جميعاً أنني لا زلت أتألم بكل ذكريات تفاصيلكن.. لا زلت أحتفظ بصوركن في نفس المكان الذي أخبرتكن به جميعاً تحت مكتبة غرفتي، وربما لا يعلم بعضكن ذلك.. لكنني لا زلت أحتفظ بأصواتكن أيضاً، كونوا سعيدات فقد حلت عليّ لعنة الماضي فأصبحت لا أنسى أبداً، صدقوا أنني لا زلت أذكر تفاصيل حديث (ربى) عن أمها وابنة خالتها، لا زلت أذكر لون أحمر الشفاه الذي تفضله (ذكرى)، والقميص الذي تفضله (هند)، ورائحة العطر الذي ترشه (سمر) على الكتب قبل أن تقرأها..
لا زلت أذكر تفاصيل التفاصيل عن حياة (بشرى)، أستطيع أن أقول أنها الآن وفي هذه الساعة تجلس أمام التلفاز وبيدها فنجان قهوة بسيط لا يشبه أبداً ذاك الذي تتعمد (تالا) في حالة اختيارها له أن يكون ملهماً.
لابد أن (ود) الآن نائمة باتجاه النافذة كما وعدتني أن تفعل دائماً، أما (معالي) فإنها الآن تلعب مع طفلتها، بعكس (خصال) التي من المؤكد أنها في مكتبها، ترى هل لا زالت تضع خططها اليومية على الأوراق ليراها الجميع.. حتماً أنها لم تعد تفعل!!


النهآيه :)

براعم 09-02-14 08:39 PM

رد: رواية 13
 
يعطيك الف عافيه اخ احمد ومبروك الف مبروك نهاية الرقم 13

وان شاء الله يارب عقبال الروايه ال 100 وماتكون الاخيره بليلاس >> لاتحرمنا من ابداعك


اتمنى لك التوفيق والاستمرار الدائم

انا وصلت بالقراءة للجزء 17 ضروف كانت السبب بعدم المتابعه في اخر الاجزاء

شكرا الك كل الشكر

Amjaad m 10-02-14 11:03 AM

رد: رواية 13
 
اول شي مبروك على انتهاء الرواية
وعقبال الرواية 100


ولأن بعض الطهارة تأتي من الألم فقد جئت بعد كل هذا العمر -وطفلة تجلس بأحضاني- لأخبركن جميعاً أنني لا زلت أتألم بكل ذكريات تفاصيلكن.. لا زلت أحتفظ بصوركن في نفس المكان الذي أخبرتكن به جميعاً تحت مكتبة غرفتي، وربما لا يعلم بعضكن ذلك.. لكنني لا زلت أحتفظ بأصواتكن أيضاً، كونوا سعيدات فقد حلت عليّ لعنة الماضي فأصبحت لا أنسى أبداً، صدقوا أنني لا زلت أذكر تفاصيل حديث (ربى) عن أمها وابنة خالتها، لا زلت أذكر لون أحمر الشفاه الذي تفضله (ذكرى)، والقميص الذي تفضله (هند)، ورائحة العطر الذي ترشه (سمر) على الكتب قبل أن تقرأها..

ما تتوقع قد ايش كنت محتاجة لهذا المقطع وسعيدة به.. انه يتألم و مو قادر ينسى وبيفتكر كل شي.
الفكرة لوحدها مريحة ...

في انتظار جديدك

Ahmad Rufai 15-02-14 01:02 AM

رد: رواية 13
 
وانتهى قصي..

شكراً لكل من تابعني وانتظر حروفي رغم ضروفه وانشغالاته..

شكراً لمن وضعها على قائمة الفعاليات في المنتدى..

وشكراً لكم جميعاً على أكثر من 100شكراً حصدتها خلال كتابتي لأجزاء الرواية العشرين..

ربما كنت أتوقع تفاعلاً أكبر من الأعضاء..

لكنني اكتشفت وأنا معكم أن الجمال ليس في عدد المتابعين وإنما نوعيتهم التي تمنح الرواية جمالا أكثر مما تبدو عليه :)

وبالنسبة للأشخاص الذين يسألون عن رواياتي السابقة فقد كتبت في المنتديات قديماً باسم (احساس حرف) ولي بعض القصص القصيرة هناك أذكر منها الآن

مذكرات عزوبي

مغامرات سلمان

تمتمات قمر

الوحش

نهاية الحرب وكابوس الانتصار..

وبعض القصص القصيرة لا تحضرني الآن لكنني كتبتها تحت معرف إحساس حرف..

لا أعدكم بأننا سنلتقي مجدداً هنا.. لكن إن حدث ذلك.. فتأكدوا حتماً أنه يسعدني بلا شك :)

وداعاً ~

قرة عين امي 24-02-14 12:30 PM

رد: رواية 13
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الف مبروك النهاية
ماكان يستهويني يوما ان اقراء النهاية فبرغم حلاوتها الا انها تعني انتها خوضنا في حياة وتفاصيل اشخاص جعلوا في حياتنا بصمة استمتعنا معهم وابحرنا برفقتهم لتاتي النهاية وتقطع صلتنا بهم للابد الا من ذكرى عابرة تمر بنا في تفاصيل حياتنا اليومية
شكرا لك بحجم السماء اخي احمد امتعتنا بقلم الرائع وحروفك الشجية لك مني كل الشكر والتقدير
كانت نهاية منصفة عادلة بنسبة لنا ولبطل قصتك قصي وهكذا انتهت مغامرات قصي بزوجة تقليدية وطفلة تملاء حياته سعادة وراحة

براعم 06-04-14 09:28 AM

رد: رواية 13
 
لكل متابعين الكاتب احمد الرفاعي

تم تنزيل

اعترافات شمعه


مذكرات عزوبي



وقريبا راح يت تنزيل رواية الوحش للكاتب


في القسم العام للقصص اتمنى لكم قراءة ممتعه

دمتم بكل الحب


الساعة الآن 12:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية