لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


رواية 13

-1- من يستطيع أن يضع تصوراً عن النساء في عقل طفل لم يعرف عن أمه سوى صورة بملامح ساكنة تتوسط جدار غرفة أبيه، ومن يمكنه أن يشرح له

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-09-13, 09:22 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 258684
المشاركات: 28
الجنس ذكر
معدل التقييم: Ahmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاطAhmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 121

االدولة
البلدKenya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Ahmad Rufai غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رواية 13

 



-1-


من يستطيع أن يضع تصوراً عن النساء في عقل طفل لم يعرف عن أمه سوى صورة بملامح ساكنة تتوسط جدار غرفة أبيه، ومن يمكنه أن يشرح له معنى الخواء الفكري الذي يجتاحه كلما فكر في ملكوتهن بين سبعة إخوة خط الشارب سيفه على وجوه أغلبهم.
لم يتمكن والده في أصفى حالاته الذهنية أن يجيبه عن أهم سؤالٍ لديه، عندما يقول لأبنائه بتأثر شديد:
- كانت والدتكم تحبكم.
فأجيب بغصة:
- ولمَ تركتنا إذن؟!
ما هو نوع الحب الذي يريد أن يشعرني به والدي عند حديثه عنها لأدين لها بولاء يجعلني أشعر بتأثر شديد عند ذكرها، وماذا يجب أن يعني لي هذا الحب إذا كان هناك الكثير ممن يستطيعون أن يمنحوني إياه فعلياً أكثر منها؟ وإن كان هذا الحب من نوع مختلف يميزه عن غيره سلفاً، فكيف استطاع أبي أن يكمل حياته بدونها؟
كانت النساء بالنسبة لي شيء أشبه بالخيال منه إلى الواقع فسكنتني منهن رهبة قديمة، وهالة من الضباب تجتاحني كلما فكرت في ملكوتهن، لطالما اعتقدت أنهن كائنات لا تتحلى بما نتحلى به نحن الرجال من أفكار كالحقد والغباء، أو تصرفات كالأكل والنوم والشرب، لجهلي بتفاصيلهن وطريقة عيشهن، فربما كنتُ أعرف عن عالم الجن، أكثر مما أعرفه عن عالم النساء.. اللاتي كنّ في نظري أقرب إلى الملائكة من كونهن بشراً.. وسقى أخي هذه الفكرة عندما أقسم لي أن أجسامهن تختلف في هيئتها عن أجسامنا!!
بات الأمر بالنسبة لي حدثاً كونياً سيحدث لي مرة واحدة بطريقة أجهلها، سأعرفها عندما أكبر وأقوم بحزم أمري وأقرر أن يكون لي أطفالاً، حينها ستظهر هذه (النساء) وستقوم بعملها، ثم تختفي حينما تنتهي مهمتها في هذه الحياة، تماماً كما حدث مع أبي وجدي من قبله.
النساء من النسيان..
فبالرغم من كل هذا الزخم الذي يرافق ظهورهن واختفائهن، إلا أنني نسيتهن حالما دخلت إلى المدرسة، ووجدت أشياءً ملموسة أكثر إثارة تمنحني الشعور بالخوف والفرح معاً، كالهرب من المدرسة مثلاً!!
كم عرفتُ من النساء؟
واحدةٌ منهن كانت تبيع الحلوى أمام المدرسة، تجلس على كرسي خشبي وترتدي الأسود بالكامل، من رأسها وحتى آخر أطرافها، والقليل جداً منهن كن يعبرن بين الفينة والأخرى في العصر من أمام منزلنا.
أول النساء نون النسوة، والسين للسراب الذي يلهث الرجل خلفه طول عمره، والأَلف حرفٌ أو رقم، كلاهما لا يستطيع أن يدل على نفسه إن جاء مفردا!!
لذلك لم يزدني التوغل في تفاصيلهن إلا جهلاً، فكلما اعتقدت أنني اقتربت من الحقيقة، وجدتني أنقب عنها خارج الإطار!!
ثم جاءت كالطّيف..
كالحلم..
لتغذي هذه الرهبة وتمنح قلبي المزيد من التقديس لكينونة النساء، وزادت على ذلك نوعاً من السحر الخلاب الذي جعلني أقف على حافة العقل والذهول –دائماً- عندما أحدثها، ومنح الأشياء بريقاً، والكون روحاً فوق الحياة التي يتغنى بها، فأصبحت أشعر أن الأشياء التي ترتبط بلقائها صارت أكثر إحساساً.
سحراً يخيل لي أن أشيائي تقاسمني التنفس والتفكير والإحساس، فنظارتي تشتاق لمرآها، وقلمي يكتب مشهد اللقاء قبل حدوثه، وساعتي تنتظر الموعد..
الباب يقف بانتظاري، والكرسي على عجلة من أمره ينصب لنا مجلساً، يأمر المنضدة فتطيعه ويطلب من الضوء أن يخفت أو ينطفئ، ليهيئ لهذا السحر مشهد المساء.
سحراً ليس كالسحر.. يختالني فأشعر أنه تعويذة فرعونية من نقشٍ بابلي، نصبته أسطورة آشورية على قلاع أحد آلهة الإغريق، سحر اجتمعت عليه وفيه الدنيا بأسرها.. سحر الحب.
الحب الذي اختلف أهل الأرض في تعريفه واتفقوا على سحره، يعربد دائماً كيفما شاء، ولا يعيد الكرة مرتين، ذلك أنه لا يؤمن بالروتين ولا يعجبه التكرار!!
ثم أنه لا يتبع خواصاً فيزيائية أو حسابات رياضية، لا كميات محدودة أو احتمالات منطقية، لذلك عادة ما يأتي مقترناً بما لا نستطيع إحصائه نحن البشر (أحبك بحجم السماء.. بحجم البحر)، هكذا متجاوزاً كل الأرقام الفلكية في ثوان.
لكننا نبحر فيه مقتنعين بأننا الأفضل، نخوض في تفاصيله دون الخوض في تفاصيلنا، لا أستطيع التفكير وهي تحاصرني حد الغرق، فتقبل كالبحر الذي لا تمل الجلوس بحضرته، تستأنس بحديثه وإن لم تعي ما يقول، تقف دائماً في حيرة من جبروته وحنانه وفتكه وهدوئه، تخافه وتشتهيه، لأن الحب هو الشيء الوحيد القادر على أن يمنحك شعورين متناقضين في الوقت ذاته إن أراد ذلك!!
فابتسامة الحب مثلاً.. تحمل كل الصفات والأضداد من المعاني والتصرفات.
كانت تحدثني كطفلة..
وتستمع لي بحكمة عجوز..
وتضاحكني بمرح أنثى لا تنتهي..
ومهما تكررت اللقاءات بيننا فإنها تغيب لتظهر بنفس الهالة القدسية المبتسمة لا يغيرها الزمن ولا يحيد بها، كأنها صحراء مترامية الأطراف، ترى نفسك صغيراً أمامها مهما كبرت.
لون العينين، حجم الشفتين، طول القد، عقدة الحاجب، رسمة الجيد، انحناءة الخصر وكل التفاصيل لا تعني شيئاً عندما تنظر إلى امرأة تعتقد أنك كلما رأيتها، تأخذك تلك الهالة السحرية التي تخيل لك أنك تراها للمرة الأولى!!
فعينيها متجددة، وشفتيها قديمة، وروحها أزلية لا تعترف بمقاييس العالم الحسي الذي وضعه الناس عرفاً لوصف معشوقاتهم.
وأمام كل هذا السحر كنت أنا..
كالطالب البليد الذي لا يستطيع تدوين مشاهداته ولا مراجعة دروسه، يزداد إيماني بجهلي يقينا كلما ابتسمت لتستحيل أيام حياتي مجرد حلم تبعثره ابتسامتها وحضورها الآسر لكل شيء، فكأن الدنيا والمشاعر والناس رهن إشارتها تحركهم كيفما شاءت.
حتى بت أشعر أن العالم الخارجي لا يعدو على أن يكون ابتسامة واحدة منها، وحتى الآن.. وبعد كل هذا العمر والشيب الذي بدأ يغزو رأسي لازلت أمنع نفسي من التفكير في تلك الابتسامة، حتى لا أخرج إلى حيز الكفر أو حيز الجنون!!
تمنيت حينها لو أنني كنت شاعراً لأستطيع وصف ما يدور بخلدي ودواخل نفسي على صورة شعر ليفهم الناس ما معنى أن تبتسم لك امرأة بحق.. وحتى أكون أكثر دقة، فقد تمنيت أن أكون شاعراً أكثر جاهلية، لأكون أكثر بدائية وشاعرية في وصف ما حدث دون الحاجة إلى استخدام الأغراض الشعرية الحديثة التي طرأت على الشعر العربي فجعلته ركيكاً هزيلاً يستخدمه العامة قبل الخاصة حتى في المناسبات التي لا تستحق حتى التفاتة فيحيلها إلى شعر خيالي متكلف وتافه.
أبجديات الحب صعبة ومخيفة، فلكي تحب لا بد أن تنحي عقلك جانباً، تتوقف عن التفكير تماماً، تعيش كل لحظات الحب في حياتك كأنها الأخيرة.. اغمض عينيك وقل أصدق الأشياء في حياتك.. ستشعر تلك اللحظة أنك ركضت ملايين الأميال دون توقف.. وأن قلبك شارف على الانفجار.. ستختفي كل معالم الكون لتشكل معلماً واحداً فقط.. معلم الحب.. وبعدها سيختفي كل شيء لتجد أنك أصبحت وحدك.. لا شيء معك، حتى ذلك الشخص الذي تكاتف كل الكون ليتشكل في صورته.. ليحيل حياتك حلماً تائهاً وسط المجرة.
يقول علماء النفس أن أطول حلم يراه النائم يستمر لمدة ثلاث ثوان فقط، إن كان هذا صحيحاً فكل ما تبقى لي الآن بعد كل هذا العمر الذي قضيته كالحلم، ثلاث ثوان وتسعون ألف عمر مقسمة ما بين أحلامي وآمالي وما كنت أتمناه وأخشاه.. ما أطول مدة هذا الحب الذي لا زلت أتذوقه رغم رحيله.
وكما جاءت كالحلم رحلت معه..
كان يجب عليّ أن أتوقع ذلك، لكن قلّة خبرتي في التعامل مع الحياة وقتها جعلتني أرفض هذه النهاية ولا أصدقّها بالرغم من أنني كان من أجاب منادي الرحيل أولاً.. لأنني فضلت أن أحتفظ بذكريات حبي كما هي دون أدنى شائبة، فرحلت بكل قوتي..
لا عجب.. فهذا نحن عندما تجمعنا قلة الخبرة، جنون المراهقة وطيش الشباب!!
وتلاشت الحياة قدراً لتصبح لا شيء..
لا شيء..
هكذا يرحلون من حياتنا تاركين اللا شيء خلفهم..
إن أكثر شيء قاتل يمكن أن يحدث لك في حياتك هو لا شيء..
عندما تكون ردة الفعل لا شيء..
عندما لا يعتريك أي شيء من المشاعر ولا تظهر أمامك أي خطوط تمكنك من اتخاذ رد الفعل المناسب..
فتمسي وأنت ترى أن الأشياء الملموسة بدأت تفقد قيمتها الحسية، تصبح كلها بلون أسود لتتحد على صناعة الظلام والفراغ لجميع قائمة مشاهداتك، يصبح القلم جافاً، والجو بارداً والباب عنيداً.. ليس الباب فقط، فكل الأشياء من حولك تتحد لتصنع الشيء الذي يخالف ما تريده أنت، لكنك لا تملك سوى التسليم، فمن يقف في وجه الكون سينفى إلى عالم الفراغ والظلام.. عالم لا جاذبية فيه ولا لون لمعالمه ولا نهاية لوجوده.
حتى المشاعر التي كنت تقتاتها بصبر تفقد قيمتها المعنوية.. تتبدد لتصبح متساوية فلا تعرف صبراً ولا تحملاً ولا حنيناً إلى شيء.. يختلط الحب والجنون، وينتهي العشق والألم لتصبح أقرب إلى دمية في ركن قصي سئم طفل من ملاعبتها فأعادها إلى عالم النسيان.
الآن اكتشفت طريقة جديدة للقتل، فحين تريد أن تقتل شخصاً يعرف أنك تنوي قتله، لا تفعل شيئاً.. أتركه لـ(اللاشيء) .. ثم تمتع بمشاهدته وهي يذوب في عالم النسيان!!
أصبحت أحيا بعدها بلا مشاعر.. بقيت لفترة لا أستخدم أي تقنية محتملة ، وسافرت.. كأن الأرض كانت تتنفس باسمها، غيرت كل ما يمكن أن يذكرني بها، نسيت كيف كانت حياتي قبل أن أتعرف إليها.

*****

ويهرب الإنسان دوماً.. من قدرٍ لن يصيبه إلى قدرٍ سيصيبه!!
رغم يقينه وإيمانه بالقدر إلا أنه لا يتورع عن الهرب، مسهلاً مهمة القدر دوماً، ومثله كنت أهرب، أبتعد خوفاً من أن يقتلني كل شيء هناك، حتى الهواء الذي طالما تشاركنا استنشاقه باستمتاع.
ولم أكد أنفض رجلي من غبار تلك التجربة حتى وقعت مرة أخرى فلمعت حذائي وارتديت ملابسي وخرجت على عجل..
هنا في الهند لن يعرفني أحد، أقصد.. سيعرفني كل أحد!!

يتبع ..

 
 

 

عرض البوم صور Ahmad Rufai   رد مع اقتباس

قديم 17-09-13, 02:22 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 258540
المشاركات: 2
الجنس أنثى
معدل التقييم: F H A O A H عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدBarbados
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
F H A O A H غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: 13

 

مُلغممة بِ الجمَال
منتظرينكَ . .

 
 

 

عرض البوم صور F H A O A H   رد مع اقتباس
قديم 19-09-13, 02:18 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 258684
المشاركات: 28
الجنس ذكر
معدل التقييم: Ahmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاطAhmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 121

االدولة
البلدKenya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Ahmad Rufai غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: 13

 

-2-

ويهرب الإنسان دوماً.. من قدرٍ لن يصيبه إلى قدرٍ سيصيبه!!
رغم يقينه وإيمانه به إلا أنه لا يتورع عن الهرب، مسهلاً مهمته دوماً، ومثله كنت أهرب، أبتعد خوفاً من أن يقتلني كل شيء هناك، حتى الهواء الذي طالما تشاركنا استنشاقه باستمتاع.
ولم أكد أنفض رجلي من غبار تلك التجربة حتى وقعت مرة أخرى، فلمعت حذائي، ارتديت ملابسي وخرجت على عجل..
هنا في الهند لن يعرفني أحد، أقصد.. سيعرفني كل أحد!!
كنت أرى في نظرة سائق الحافلة وهو يحدث من بجانبه كأنه يقول له:
- هذا المجنون سافر الأميال بحثاً عن مكان لا يصله الهواء الذي تستنشقه حبيبته.
فيضاحكه صديقه بصوت عالٍ وهو ينظر إليّ بشفقة!!
كل الأشياء كانت تعرفني وتشمت بي، حتى مفتاح الغرفة ومزلاج الباب.
ولم تستطع الهند بكل آثارها، أديانها، لغاتها وثقافاتها المتعددة أن تحتوي رجلاً جاء هارباً إليها بصمت، علمت حينها أنه لو اجتمع كل رجال الكون لن يستطيعوا تغيير شيء فيك ما دام هذا التغيير لم ينبع من داخلك.
لذلك حاولت أن أفعل أي شيء يساعدني لأتغير من داخلي فقررت أن أدرس..
لا أريد أن أعود قبل أن أنساها، أريد أن أخطو على الجرح مستمتعاً، أن أقف على قصتي ضاحكاً مستفزاً لذاتي، فهل بالإمكان أن يحصل ذلك؟؟
صعدت إلى الحافلة على عجل، وما أن اقتربت من وجهتي المنشودة حتى قفزت مسرعاً واتجهت نحو المدخل، وعلى حائط طويل صفّت عليه الأوراق بحثت عن اسمي ورقم قاعتي، ولم أستطع الوصول إلى القاعة حتى تبللت بالمطر تماماً.
نقرت الباب نقرتين بإصبعي السبابة ثم عدت إلى الخلف ففتح الباب رجل قصير، حليق شعر الرأس وله ذقن كثيفة ويرتدي بزة رسمية وبادرني بالقول
- Master Qusay
حركت رأسي بالإيجاب فتابع:
- You are late
أفسح لي الطريق حينما وجدني مبللاً فدخلت وأنا أنفض شعري من الماء، وأصابني القلق حين اكتشفت أنه لم يبقَ في القاعة سوى كرسي واحد، بجانب فتاة نحيلة نوعاً ما يبدو أنها عربية، اتجهت للكرسي أبعدته عنها كأنني أعيده إلى مكانه بلباقة وجلست.
بدأ المدرس القصير في سؤالنا عن أسمائنا وأعمارنا والدول التي قدمنا منها.
لم يفهم البعض مقصده فراح يشرح لهم ويشير إلى نفسه، ماي نيم إز (نعيم) وات إز يور نيم؟ كان رائعا في إيصال فكرته.
وجاءني الدور فقلت:
- ماي نيم إز قصي.
أما هي فقالت:
- ماي نيم إز ربى..
كونها تنتمي لنفس المنطقة التي أنتمي إليها لا يعطيها الحق في أن ترمقني بالطريقة التي كانت تنظر بها إلي، أردت أن أقول لها بالعربية.. المعلم بهذا الاتجاه، لكنني أحجمت عن ذلك لعدة أسباب لست أعلمها!!
في الأيام التالية وجدت نفسي مضطراً للجلوس في نفس الكرسي بجانبها، خفت إن أنا جلست مكان أحدهم أن يطلب مني مغادرة الكرسي.
فأصبح لزاماً عليّ أن أشاركها المجموعة عندما يقسمنا ذلك (النعيم) إلى مجموعات ليقوم بتنشيط أدمغتنا وتحفيزها على التعلم مما ولد جواً من الألفة بين كل من في القاعة، وساهم في نشر المزاحات اللطيفة، حتى باتت تغششني بيدها كلما سألني الأستاذ نعيم فوجدني سارحاً في اللا شيء.
ساعدنا جو القاعة وطريقة الأستاذ نعيم على التأقلم مع الوضع الجديد بسهولة، فكان هو محور أول حديث يدور بيننا. قلت لها بالعربية:
- طريقته لطيفة ورائعة في التدريس
قالت:
- نعم، لكنك تسرح كثيراً.. لا أعلم، هل أنت بخير؟
قلت:
- نعم.. أشكرك
وعدنا للصمت مرة أخرى فربتت على يدي بالقلم بلطف، قالت:
- أمتأكد أنت من أنك لا تعاني من أي شيء؟
لم أجبها.. نظرت إليها ثم عاودت النظر باتجاه الطالب في الجهة المقابلة لي وهو يبتسم.
قالت:
- مالذي جاء بك إلى الهند؟
قلت:
- الطائرة
ابتسمت:
- لم أسألك عن الوسيلة التي جئت بها، أقصد لماذا جئت إلى هنا؟
قلت:
- أخبرني الأصدقاء أنها مكانٌ جيد للتعلم..
قالت:
- وكيف تقضي وقتك هنا؟؟ هل أعجبتك الهند؟
علمت أنها لن تتوقف عن الأسئلة أبداً طالما كنت أجيب، فاخترت إجابة قصيرة ومقتضبة في الوقت ذاته، قلت:
- أعتقد أنها جيدة.
تظاهرت بالانشغال بكتابة ما يقوله الأستاذ (نعيم) حتى تكف عن طرح الأسئلة على هذا النحو المربك فعلا، كانت هذه أطول محادثة دارت بيننا حتى الآن، وبالرغم من ذلك فأن تلك المحادثة القصيرة جعلتها تجسر على الاقتراب مني أكثر.. ودون مقدمات وجدتني أرضخ لطلباتها حتى أستطيع تجنب ثرثرتها على الأقل!!
استقبلني عم (موجود) عندما عدت إلى الفندق مساء ذلك اليوم، كان رجلاً قد تجاوز الستين من عمره، هو من ساعدني في كثير من خياراتي منذ أن جئت إلى هنا.. كان أبيض البشرة طويل شعر الرأس.. يضع (عمة) على رأسه تذكرني بعلاء الدين، ويرتدي ثوباً فضفاضاً أغلب الوقت.. ينحني بابتسامة مرحة حين يصافح زبائن فندقه الصغير، قال لي أنه عاشر العرب كثيراً حين كان يعمل على متن السفن التجارية.. صافحته وبادلته الابتسامة فقال لي:
- سيد قصي، سأسهر اليوم أنا وأحد أصدقائي العرب، أعتقد أنك ستستمتع بذلك.
اعتذرت منه بأدب وصعدت إلى غرفتي وأنا أفكر في ربى، لا أستطيع منعها من الاقتراب أكثر، كما لا يمكنني السماح لها بذلك، لا أريد أن أضعها في مقارنة خاسرة ولا أريد أن أكون تجربة فاشلة في حياتها تحملني وزرها فيما بعد كما حدث معي، لكن الأحداث جاءت أسرع مما كنت أتوقع!!
وجدتني وأنا أجلس أمامها في مطعم يقدم لزبائنه وجبات على الطريقة العربية، فجلست أتأمل وجهها بعد أن خلعت الحجاب عن رأسها، بينما راحت هي تقلب قائمة الأطباق في يدها، شعرت أنها لم تزل في الصف السادس، قصيرة و نحيفة جداً، شعرها قصير وعينيها صغيرة بفعل النظارات التي لا تفارق وجهها أبداً.
كانت لا تكف عن الحديث أبداً.. ما أن تجد مساحة فارغة في ناموس الوقت حتى تملؤها بحديثها عن نفسها وحياتها الخاصة وأحلامها.. قالت وهي تلعب بقطعة القماش في طرف الطاولة:
- أمي مدرسة جغرافيا.. عندما علمت أنني لا أفضل التخصصات العلمية بدأت تبحث لي عن تخصصات أدبية تمكنني من إيجاد عمل مناسب، قالت أنه لا يمكنني الاعتماد على الرجال والزواج في حياتي، كما أن مجموعي لم يمكني من الدخول في أي جامعة وطنية، فأخبرتها خالتي - التي كانت قد أرسلت ابنها إلى هنا ومن ثم ابنتها- أن الهند مكان رائع جداً.. وأن وجود أبنائها سيسهل الكثير من الأمور إن هي أرادت أن ترسلني إلى هنا.
كنت أستمع لها دون مقاطعة وأكتفي بابتسامة عندما أجدها تنظر إلى وجهي مباشرة لتبحث في ملامحه عن انطباعات ربما تكون قد رسمت على صفحته لتحدد من خلالها الشعور الذي أعيشه في تلك اللحظة.
واصلت حديثها:
- في البداية واجهت صعوبات كثيرة جداً.. تخيل أنني بقيت لشهور لا آكل سوى المعلبات والفواكه الطازجة فقط.. استغرب كيف تأكل ابنة خالتي من أكلهم، حتى أنها تحب أفلامهم وتحاول تعلم لغتهم وتقلدهم في كل شيء حتى في ارتداء الملابس، حتى خالد ابن خالتي اندمج كثيراً معهم.
أيقظتني من غفلتي عندما أمسكت بيدي، وابتسمت عندما رأت معالم الحرج ترتسم على ملامحي فضحكَت، لكنها شعرت بتوتري من لمسها ليدي، خاصة وأنني كنت قد بدأت أبتعد عن نقطتها لأعود إلى نقطتي الأصلية هناك داخل وطني، كالكترون لا يتأثر بأي مجال مغناطيسي غير الذي ينتمي إليه.
شعرت هي بتسرعها فحاولت أن تغطي الموضوع وأن تكمل حديثها بتلقائية، قالت:
- قليلاً ما أجلس معهما، فهما مشغولان بالخروج دائماً ، كما أنني لا أفضل الجلوس بصحبتهم أبداً..
صمتت قليلاً حين رأت أنني لا أتفاعل مع حديثها فربما حاولت تغيير مجرى الحديث، قالت:
- حتى جاء اليوم الذي سمعت فيه صوتك.. جاء رخيماً كأنه صوت أمي.. لدرجة أنني لم أعد أعلم هل بت أواظب على الحضور باكراً من أجلك أم من أجل الأستاذ (نعيم)، صدقني يا قصي.. توقيت ظهورك في حياتي مهم جداً، كنت قد بدأت أشعر باليأس من الحياة هنا و..
قاطعتها بتوتر:
- وأين يعمل والدك؟
- في الجيش.
- ضابط؟؟
- لا.. إنه طبيب بيطري .. يعمل في الجيش، عمله يتطلب منه أن يتأكد من سلامة المواشي التي يقومون بذبحها لتموين الجيش.
إنه طيب جداً.. لكنه يقول أن انفصاله عن أمي ليس بسببها ولا بسببه، وإنما نتج ذلك عن عدم ملاءمتهما لبعضهما، أعتقد أنهما يقولان ذلك حتى لا يجعلاني أتخذ موقفاً سيئاً من الارتباط بأحدهم.
- وما رأيك في ذلك؟
قالت بخبث:
- في ماذا؟
- فيما يقوله والدك؟
- وماذا قال..
لم أجبها فتابعت:
- قصي.. لست غبية.. أعلم أنك تتهرب من إدخال مشاعرك في حديثك معي، حتى أنك لم تتحدث عن نفسك أبداً.. لكن مجرد استماعك لي يكفيني حتى الآن.
حاولت أن أجد رداً مقنعاً، لكنها تابعت الحديث مرة أخرى:
- ليس كل البشر متشابهون يا قصي، لكل شخص تجاربه وما يؤمن به في حياته، ربما تؤثر علاقة والدي بولدتي في حياتي لكنني أؤمن بأن الالتقاء بأشخاص جيدين، يجعل حياتنا أجمل.
ابتسمت قليلاً وشكرتها في نفسي، قلت لها بصوت منخفض:
- أنا آسف..
ردت لي الابتسامة بابتسامة أجمل، قالت:
- لا بأس.. لن أكفّ عن المحاولة.
لا أعلم هل كنت أنا رائعاً لهذا الحد لتتقرب مني أم أنها صنعت مني أسطورتها بنفسها، لابد أنها الغربة التي كنا نتشاركها، فأن تجد شخصاً من نفس بيئتك في دولة أخرى، سيخيل لك أنك التقيت به قديماً هناك، وأن وجودكما هنا جاء ليحقق ذلك الحلم القديم، بينما ليس هناك سوى الاشتياق، ليس له وإنما للديار.
لم يكن لديها الوقت لتفلسف أي شيء، شرعت مباشرة في تعليمي كيف أفعل كل شيء تحبه هي، لم تكن أنانية بقدر ما كانت تحاول أن تشعر أن أحداً ما بالغربة بجانبها، تعبت كثيراً لتحصل علي، أو لتحدثني حتى، كانت تجلس في وقت الاستراحة داخل القاعة بانتظار أن أتحدث معها لكنني لم أفعل، وحينما أخرج من القاعة أجدها تمشي بهدوء خلفي، فما يكون مني إلا أن أشعل سيجارتي وأتوجه إلى موقف الحافلات.
المساحات الضيقة لا تسمح لك بالطيران، ومساحات الغربة مهلكة دائماً، بدأت ربى في تضييق الخناق حول رقبتي، تريد أن ترافقني أينما ذهبت، قلتها لها مرة بصراحة:
- كيف تريدين أن أحبك وأنت تجثمين على صدري كأنك ليلة لا تنتهي.. أرجوك، قفي قليلاً ، دعيني أتنفس..
لم تجب، تجمعت الدموع في عينيها وصمتت، نظرت لي بعتب وغطت فمها بكلتي يديها، ثم بدأت تحرك رجلها بتوتر ملحوظ.
للحظة.. تذكرت دموعي القديمة، لا أريد لها أن تمر بنفس تجربتي.. فشعرت باليأس وبدأت بالكذب، قلت:
- دعيني أشتاق إليك.. أنا أفعل هذا من أجلك، أريد أن ينمو الشوق ويزيد الحنين، أريد أن ألتقيك ليس لمجرد اللقيا، أريد أن التقيك لأنني أشتاقك جداً..
قاطعتني بعتب، وعيناها تجود بمائها:
- لكني أشتاقك في كل ثانية أقضيها بعيداً عنك.
صمتُّ قليلاً، لن يكون الحل سهلاً كما توقعت، كلما توقفت لصدّها تردعني دموعها بشدة فلا أقوى على متابعة الحديث. فأسلك مساراً آخر لا يروقني.. ربما لأنني حينها أكون قد شعرت بالتعب، لا فائدة من هذا كله.
قلت:
- أنا أيضاً حبيبتي، لكنني متعب قليلاً هذه الأيام، سامحيني، رفعت صوتي دون قصد.
أغمضت عيني وقطعت رأيي، الحجارة الصغيرة المتتابعة تؤدي دورها صخرة كبيرة واحدة، هذا هو الحل الوحيد، فبدلاً من أن أتجنب دموعها الصغيرة يومياً، سأتجنبها مرة واحدة بدموع أكثر، وسينتهي كل شيء، لكن تلك الفكرة كلما راودتني صاحبها خوف شديد من ردة فعلها، فأجدني أحجم عن ذلك.
كانت العودة إلى الجرح.. إلى الوطن، أهون بكثير من الكذب، فنحن نكذب على أنفسنا حينما نشعر باليأس، ثم نطلق على تلك الكذبة جزافاً مسمى الأمل.. لكن الكذب على الذات أو منحها الأمل، لا يبرر لنا الكذب على أناس أحبونا بكل حواسهم ومشاعرهم..

يتبع..

 
 

 

عرض البوم صور Ahmad Rufai   رد مع اقتباس
قديم 19-09-13, 02:31 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عهد الكلمات


البيانات
التسجيل: May 2010
العضوية: 167604
المشاركات: 658
الجنس أنثى
معدل التقييم: رباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالقرباب فؤاد عضو متالق
نقاط التقييم: 2651

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
رباب فؤاد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: 13

 



وأخيراً أنضم أحمد الرفاعي لكتيبة مبدعي ليلاس

مرحباً بك بين الصفوف وبحرفك الراقي الذي طالما أمتعني وأمتع كثيرين ممن لمسوا رقي احساسك وحروفك

تتغير المعرفات أخي لكن تبقى الروح التي تذكرنا فوراً بصاحب القلم الذي نقرأ له

فمرحباً بك وبإبداعك بالاصالة عن نفسي وعن شعب ليلاس الذي أنتمي إليه

وبالنسبة لقصتك....فأعترف أنني من مشجعيها منذ بدايتها وناوية معاك لقصي على نية سوووودا ان شاء الله عشان يحرم يغلط في الحريم

بس عنوان القصة شكل وراه حكاااااية طويلة...يا إما هو دلالة على رقم 13 اللي بعض الناس بتعتبره دلالة شؤم، يا إما دا عدد البنات اللي هيأدبوا قصي هههههه


في انتظار المزيد لمعرفة الى أين يتجه قصي

دمت بحفظ الله




 
 

 

عرض البوم صور رباب فؤاد   رد مع اقتباس
قديم 19-09-13, 04:29 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Sep 2011
العضوية: 229283
المشاركات: 7,565
الجنس أنثى
معدل التقييم: براعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسي
نقاط التقييم: 6201

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
براعم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: 13

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

رائعه جدا بداية موفقه اتمنى لها الانتشار الواسع >>>> تستحق

اهلا وسهلا فيك اخوي بليلاس >>>> اللي فهمته من كاتبتنا رباب الفواد ان لك تجارب سابقه

ماشاء الله اسلوب راقي ومتقن ملئ بالمشاعر

البطل يروي حكايته >>> اسلوب جميل ومحبب يكون فيه التعبير اسمى وارقى



ان شاء الله بانتظار البقيه بشوق

ياترى شو سر الرقم 13 ؟؟؟


يعطيك العافيه

 
 

 

عرض البوم صور براعم   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook



جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 09:57 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية