منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   [قصة مكتملة] حالة جنون ، للكاتبة : سلمى (https://www.liilas.com/vb3/t184704.html)

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:29 AM

حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 

.........................


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

يسسسعد صباحكم آل ليلاس ..

جبت معي اليوم رواية قصيرة ‘ قديمة شوي ..
يصراحة انا شدني فيها حدث طبي ..
من كذا قرآتها ..
وأعجبني الجانب الطبي فيها ..

أتمنى تعجبكم ..

/

لـ تحميل الرواية كاملة /

ملفات الوورد والتكست العادية ~> http://www.liilas.com/vb3/t147664-40.html#post3270912
ملفات الهواتف الذكية ~> http://www.liilas.com/vb3/t174654-37.html#post3270911


.........................

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:34 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الأول ،، ,,


كأني أنا عالمٌ من تضاد
فبعضي صراع و بعضي دَمار
و بعضي يعاني من الانهيار
و بعضي يجفف ما بللته الليالي
على حبل بعضي
و بعضي يقاتل بعضي
خَرقت القوانين،
ما للقوانين لا تعتني بالجنون؟!
فمن يعتني بي إذ كنت رأس الجنون؟!
،، ,,
_____ ،، كوب شاي أمسكته بأصابعي ليبث دفئه إلي .. أجلس أمام مكتبي الصغير و أنظر لمجموعة التقارير و الأوراق .. نتائج الفحوصات و الأشعة للمَرضى الذين أُشرف عليهم..
شعرت بزغللة فنزعت نظاراتي الطبية الفضية و رحت أفرك عيناي بارهاق قَبل أن يطرق مسامعي صوت جهوري :
" مُحمد "
رفعت راسي لمسئولي في العمل الذي حادثني بصرامة:" مُحمد!! للتو قد جئت من منزلك! هيا انهض لمعاينة المريضة"
يبدو أنني سأطلب اعفاء من دوام الليل هذا الذي لا أستطيع احتماله!
نهضت و أنا أحاول طرد النعاس من عيناي :" حاضر "
مضيت ناحية غرفة الكشف و عيناي شبه مغلقتان لا أرى أمامي ..
،،
" دكتور محمد قلمك سقط على الأرض "
" شكراً "
أمشي كالأعمى لا أرى أمامي و كل ما أقوله كلمات روتينية أقابل بها الناس .. كنت أفكر في مدى استجابة خلايا المخ للتخدر في فترة قصيرة جداً .. و ما إن تستجيب إلى ذلك فلا شيء يردعها .. إلا.....
صُعقت بصرخة مدوية أيقظت كل حواسي.. تسمرت و أنا أرمق الدكتور ( عبد الله ) مسئولي في العمل و هو يرشقني بنظرات حادة .. ثم صاح :" مُحمد! ما بك؟ "
نظرت له لبرهة ثم حركت رأسي بسرعة لأطرد النعاس اللعين من ثم قلت :" أين المَريضة؟"
أشار للغرفة :" هنا ! احذر ألا تغفل مجدداً "
و غادر فدخلت الغرفة و أنا أشعر بالدوار ..
اقتربت من المريضة التي تستلقي على السرير ممسكة برأسها و هي تهتز بألم فظيع .. رؤيتي لحالها فقط جعلتني أشعر بمطارق تمارس الضرب على رأسي تكاد تفجره..
نظرت للممرضة و سألتها :" منذ متى أتت؟ "
" للتو فقط "
نظرت لها و جلست على مقربة .. كانت امرأة في نهاية الثلاثين تقريباً من عمرها.. الخمار يتراجع عن رأسها قليلاً ليكشف على شعر أسود تتخلله بعض الخصلات البيضاء ..
كانت ترتجف بشكل رهيب.. سألتها إذ كانت تشكو من مرض مزمن أو الشقيقة مثلاً .. فصرخت بي فجأة! جعلتني أتسمر مقطباً حاجباي..
خدرتها لاجراء بعض الفحوصات اللازمة ، و أدخلتها على جهاز فحص الخلايا العصبية و المخ .. وقفت أراقب البيانات و عيناي تنغلقان رغماً عني فأعود لفتحهما بقوة .. قدماي لا تستطيعان حملي مزيداً من الوقت..
الجو البارد الكئيب و رائحة المشفى تزيد رغبتي بأخذ راحة .. جلست على المقعد ريثما ينتهي الفحص و تركت مهمة المتابعة للممرضة .. أسندت رأسي و غفوت...
لا أدري عن الوقت الذي مضى و لكني فتحت عيناي على صوت انفتاح الباب .. تقدم طبيب زميل لي يُدعى ( فؤاد ) أشعر بضيق كلما رأيته و لكنه للأمانة شخص ماهر و متفاني في عمله..
تقدم ناحيتي فرفعت رأسي له و عيناي تكادان تطبقان ..
سأل:" ما اسم المريضة"
صمتت لبرهة ثم همست " اسمها وداد "
تقدم هو للجهاز الذي يغطي رأس المريضة ثم قال بنبرة غريبة:" هذه المَريضة أختي الكبرى"
و رمقني بابتسامة ..فنظرت له باهتمام :" حقاً؟ .. و ما سبب حالتها هذه ألديك أي علم؟"
نظر لي و قال :" أنها مريضة نفسياً ! و نوبات الصداع و الألم تواتيها مع تأزم حالتها النفسية .."
اقتربت بدوري و قلت :" ربما يكون لديها مرض عصبي مصحوب بالمرض النفسي ، "
التفت لي و قال بنبرة عميقة :" أشكرك يا محمد و لكن أرجو أن توقف هذه الفحوصات لأن أختي متعبة و يجب أن آخذها للمنزل في الحال"
و وقف ينتظرني أن أطفئ جهاز الفحص و لكني تأملته قبل أن أقول :" كلا، سأكمل الفحوصات من بعد اذنك"
و باشرت بمراقبة البيانات التي تصدر على الشاشة بها رموز طبية ..رمقني فؤاد و خرج من الغرفة غير آبه..
راودني بعض الشك حيال هذه المريضة فبعد انتهائي من الفحص الكهربائي .. جلبت جهاز الأشعة و حثثت الممرضة أن تضع المادة المصاحبة لعمل الأشعة في شعر المرأة .. وقفت أتأملها و أنا أفكر،
لطالما حاول _ فؤاد _ أن يثبت أنه ناجح في مجاله العملي لكن! هناك ما يشير إلى وجود تذبذب في العلاقة بينه و بين أخته! لم يبد أنه ملهوف للاطمئنان عليها ..
اقتربت أتأمل وجهها الشاحب و ملابسها المُهملة .. هي امرأة كبيرة تعاني!
جمعت نتائج كل الأجهزة و بدأ تأثير المخدر بالزوال من المريضة التي بدأت تأن و هي على السرير ..
فتركت أنا الأوراق على المكتب و أسرعت لها .. اتكأت على حافة السرير مُخاطباً إياها :
" أأنت بخير؟ "
نظرت لي بوجه به بعض التجاعيد المبكرة .. و شفتين مرتجفتين و عينين دامعتين بألم.. فخاطبتها مُسرعاً :
" لا بأس ، لا شيء يدعو للقلق "
و تذكرت قول فؤاد بأنها مريضة نفسياً ، جاهدت لأحافظ على توازن مشاعرها من خلال طمئنتها لكنها كانت تلهث بخوف و قلق و ألم!
هُنا انتبهت على دخول فؤاد الغرفة و هو يرمقني ثم يحول أنظاره لأخته ثم يقول :" انتهيت؟؟"
قلت :" نعم انتهيت يمكنك اصطحابها للمنزل و أنصحك بأخذ أدوية مهدئة لها و لأعصابها و سوف أراجع الفحوصات إذ كانت تحوي شيئاً من ثم سأستدعيها "
اقترب هو من أخته و هو يساعدها على النهوض و ترتيب هندامها ثم قال :" لا أظن هناك داعي لزيارة أخرى و الأفضل أن ترمي بأوراق الفحوصات "
و خرج معها للخارج..
جمعت أوراق الفحص و قررت أن أحضر كوب شاي ينشط خلايا مخي كي أستطيع تحديد حالتها .. ما إن خرجت إلا و قد رأيت فؤاد يمسك بأخته من كتفيها و يرص على أسنانه بغضب ..
تواريت خلف الجدار و أنا أسمعها تلهث مرعوبة :" كفى ، كفى "
سمعته يهمس :" من الذي جاء بك ؟ تعرفين جيداً أن .............."
و بقية ما قاله لم يصلني لأنه خفض من صوته .. فملت أنا برأسي لأنظر له و هو يشد خمار أخته و هو يهمس باذنها ببضع كلمات .. ثم شد يدها بعصبية و هو يغادر ..
تسمرت لبُرهة و أنا خلف الجدار .. ماذا يحدث؟؟

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:34 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
_______,, ،، دخلت غُرفتي المُظلمة و أشعلتها! زفرت.. و نظرت لحزمة الأوراق التي بيدي.. النوم كان أقوى من أي شيء فقررت العودة للمنزل و النوم و لهذه الفحوصات القدرة على الانتظار للغد لمراجعتها.. أما أنا فلا أستطيع انتظار دقيقة ..
استبدلت ملابسي و غصت تحت الغطاء فوق ذلك السرير .. أغمضت عيناي بارهاق ..ما كدت أفعل ذلك إلا قد فاجئني صوت الهاتف النقال ..
تنهدت بضيق :" أوف!"
و رفعت رأسي و لألقي نظرة على المتصل ! كانت الممرضة! .. أجبت بنبرة جافة:
" أهلاً سُعاد"
قالت :" دكتور محمد آسفة على الازعاج و لكن دكتور فؤاد يبحث عن أوراق الفحوصات التي أجريتها الخاصة ...."
قاطعتها بضيق :" أي أوراق؟ ربما رميتها في القُمامة "
و أقفلت الهاتف بضجر و عدت أسند رأسي على الوسادة ، قبل أن أنتبه لبرهة! لقد قلت أني رميتها في القمامة و هي لدي ها هنا على مكتبي! فؤاد يبحث عن الأوراق؟ لمَ؟ ألم يقول أنه لا داعي للفحوصات!
فكرت قليلاً لكني أغمضت عيناي مستسلماً للنوم!
--
أقف أمام المرآة أغسل أسناني ببطء قبل أن أسمع نداء أمي :" مُحمد! الغداء! هيا "
حككت شعري و أنا أتنهد بتقاعس.. ثم خرجت من الغرفة ..
انتبهت على تواجد علياء ابنة خالتي المدللة.. كانت تجلس مع أختي ( شروق ) على عتبات الدرج تتنازعان عُلبة مساحيق تجميلية !
علياء هي ابنة خالتي الوحيدة و التي تبلغ الثامنة عشر من عمرها .. سمراء البشرة ذات ضحكة مميزة .. ملامحها عادية و لكن يمكنني القول أنها تحظى ببالغ اهتمام من الجميع لأن خالتي تفرض هذا الشيء ! فمن الذي يتجرأ أن يرفض لعلياء طلباً ؟
و لهذا أنا أتحاشى نصحها أو مخاطبتها بجدية لأنها تنهار بسرعة .. فقررت أن تكون علاقتي معها سطحية ..
هبطت على الدرج و أنا أخاطبهما :" ماذا تفعلان؟ "
رفعت علياء رأسها لي و سرعان دفنت أنظارها و هي تحكم من خمارها على رأسها .. و أجابت شروق :" أنها بغيضة تريد سرقة مكياجي "
نظرت لعلياء الخجولة ثم قلت و كأنني أحادث طفلاً :" عيب يا علياء السرقة حرام "
و غادرت ضاحكاً .. جميل أن أكتشف أني الوحيد في العائلة الذي تحترمه علياء و لا تطلق لسانها السليط ناحيته ! لم أكن أعلم مُسبقاً أني ذا هيبة و حضور..
و حَول طاولة الطعام اجتمعنا .. كُنا أربعة.. أنا و أمي و أختي شروق و علياء .. أبي انفصل عن أمي منذ زمن و هو متزوج و لديه أربعة أبناء.. من زوجته ( نهلة ) .. كلهم أولاد و أكبرهم في عمر علياء ..
أما أختي شروق فهي مقبلة على التخرج من الجامعة ..
فجأة تصادمت أنظاري بأنظار علياء التي ارتبكت و تشتت ثم تركت الملاعق هامسة :" الحَمد لله"
و غادرت .. سألت أمي شروق اذا كانت تشكو من شيء ما فأجابتها بكَلا ..
سَرحت لبرهة ! هل أنا مُخيف لهذه الدَرجة؟ في كل مرة تتصادم أنظارنا أراها تفزع بخوف!
نظرت لأمي و قلتُ :" ألم تعد خالتي من السفر؟"
أجابت :" لا أبداً و كل يوم تتصل للاطمئنان على علياء.. "
و قالت باصرار:" اهتما بها أرجوكما ..و نفذا كل طلباتها لألا تشعر بالنقص.. "
اعتبرت الحديث ليس موجه لي .. فعلياء مُدللة و مثلي لا يعرف أساليب التدليل الحديثة و لا القديمة حتى.. فحتى أختي شروق لم أدللها يوماً ..
شروق اختتمت الحديث بتذمرها :" حسناً أمي سندللها بل و سنضع اللقمة في فمها و سنقص لها قصة ما قبل النوم "
و نهضت مشتاطة!
--
اعتكفت على مراجعة بعض التقارير و الاتصال بالمرضى و اقناع هذا بالعملية و تذكير ذاك بجرعة الدواء ..و فحص نتائج الأشعة.. في ذلك الوقت اتصل بي مسئولي و هو يحثني على الذهاب للمشفى لضرورة تواجدي بسبب حالة طارئة و ليس هناك أطباء متواجدون ..
لملمت حاجياتي و خرجت من غرفتي لخارج المنزل .. فوجئت بعلياء و هي تقف بوجهي !
لم أفهم تصرفها و لما رأيتها مرتبكة مشتتة سألتها اذ كانت تريد أمراً لكنها قالت:" إلى أين تذهب ألم توصيك خالتي بالاهتمام بي؟"
عقدت حاجباي لأمر هذه الفتاة ثم قلت بهدوء:" الاهتمام بك"
و كدت أقول ( و هل أنا حارس و هل أنت طفلة)
و يبدو أنها رأت نظراتها الاستهجان في عيناي فهمت للهروب .. تأملتها و هي تركض على الدرج .. حقاً لا أحب دلال الفتيات!
شققت طريقي عابراً باب الطوارئ و أنا أرتدي معطفي الأبيض الخاص بالمشفى ..صادفتني الممرضات و كل واحدة تتحدث في شيء مغاير عن الموضوع الذي تتحدث فيه الأخرى..
قلت لهن و بقلة صبر :" أنا جئت لحالة صرع لا أريد أن أنشغل بحالات أخرى .. أين المريض؟؟"
في ذلك الحين سمعت نداء ممرضة أخرى :" دكتور محمد .. المريض هنا "
مشيت مسرعاً لغرفة ما و فتحت الستارة لتكشف عن مريض في حالة يُرثى لها و هو ينتفض و تكاد روحه تخرج من جسده.. حثثت الممرضة أن تأتي بصندوق السوائل و الحقن .. و انتقلت ببصري لفتاة طويلة القامة تقف متوترة و يبدو على ملامحها القوة و رباطة الجأش و الصبر ..
خاطبتها :" تقربين له ؟"
أجابت و هي تنظر له باشفاق :" نعم.. رضا أخي الوحيد "
و أضافت بحزن :" و هو من تبقى لي في هذه الدُنيا "
أتت الممرضة فباشرت أنا بحقنه بمادة مهدئة ... فبدأ يهدأ و تسكن حركته و ظلت عيناه تنتقل بيننا بحيرة .. خاطبت الفتاة :" ينبغي أن نجري تخطيطاً لمعرفة نسبة الشحنة الكهربائية .. "
و أشرت للممرضات قائلاً :" انقلوه لقسم التخطيط و الأشعة"
تأملته تلك الفتاة بضيق .. كانت تحمل ملامح مميزة .. بشرة بيضاء و عينين خنجريتين سوداويتين .. خاطبتني بيأس:" لقد فعلت كل ما بيدي فعله له.. و لكن حالته تسوء أكثر فأكثر ..و ليس بيدي أخذه لعيادة خاصة .. مادياً لا أستطيع لأني التي أنفق عليه و راتبي لا يكاد يشبع حاجاتنا الأساسية "
حملقت بها بتفهم ثم قلت لأطمئنها :" لا تقلقي سوف أحاول فعل ما بيدي أن أفعله "
،،
وقفت مذهولاً أمام نتيجة التخطيط! و نظرت للممرضة هامساً :" نسبة التشنج كبيرة جداً لا يمكننا اخفاضها بالأدوية .. نحتاج للعملية "
نظرت لي الممرضة بغير اكتراث :" العملية العميلة .. و هل سينقص منك شيء "
خاطبتها :" المشكلة أن أخته شديدة القلق عليه و بيني و بينك لا أثق بأجهزتنا و بالجراحين الذين لدينا .."
،،
خرجت بالأوراق لتلك الفتاة الملهوفة الذي أسرعت إلي :" ماذا حصل "
لمست قلقها الواضح فقلت بجدية :" نسبة الشحنات الكهربائية كبيرة جداً و على هذا فأنه يحتاج عملية "
توقعت أن تولول و تصيح و تزمجر و تخنقي كما يفعل عامة الناس منذ أن يسمعون مصطلح ( عملية ) لكنها رمقتي بهدوء و هزت رأسها قانعة :
" توقعت ذلك فحالته متأزمة "
خاطبتها :" قبل اجراء العملية يمكننا أن نعرضه على أطباء متخصصون ليحددوا حالته بالضبط"
تنهدت بقلة حيلة و هي تلملم عباءتها :" لو كان بيدي لفعلت ذلك و لكن كما قلت لك دكتور مدخولي المادي ضعيف و لا أستطيع دفع أجرة الطبيب المختص"
تأملتها كثيراً .. كانت تقول ذلك بصبر ..و فكرت أنى لهذه الفتاة الشابة أن تحمل كل هذه الهموم .. فخاطبتها :
" سوف يتم نقل أخاك تحت مسؤولية الدكتور فؤاد و هو طبيب جيد و ماهر "
و غادرت إلى ناحية الممرضات أوصيهن بمراقبة المريض ثم اتجهت لمكتبي ..
كنت أمشي ببطء مُرهقاً و أفكر بالعودة للمنزل لكن استوقفني حديث الممرضات ..
احداهن تقول :" ياه دكتور فؤاد جذاب جداً .. "
لن أنكر أني شعرت بالغيرة ! أعتقد أني أوسم منه بكثير..
سمعت الأخرى تستنكر :" مـــن؟؟ أتعلمين أنه في الثلاثين من عمره؟؟ "
" نعم و لكن يهتم بنفسه و بأناقته "
قالت الثالثة بهدوء :" أتعلمون أنه مسئول عن أختين .. ؟ و أبويه متوفيان؟؟ و يقولون أن أخته الكبرى وداد لم تتزوج إلى الآن و كذلك الصُغرى ياسمين"
" أشعر أنه غامض و يخفي شيئاً لأني عندما طلبت التعرف على أخواته رفض بشدة "
اتجهت نحو مكتبي و أنا أفكر في أمر هذا الفؤاد ، لست أنا الوحيد الذي يشعر بغرابته! و لكن اذ كان مسئولاً عن أختين فلماذا نراه يعمل في المشفى إضافة إلى عمله في العيادة فمتى يستطيع الاهتمام بأختيه و رعاية شؤونهما؟؟
تذكرت وجه أخته الكُبرى .. كيف كان يدل على حزن عميق لا يبدده فرح ..! تذكرت كيف شدها من خمارها بعنف .. يا ترى أهناك شخص يعامل أخته الكبرى بهذا الشكل؟
فؤاد مثال للشخص الناجح و العبقري و اللبق !
و أيضاً شخص يحظى باهتمام الممرضات و المريضات و الطبيبات اللواتي يتعاملن معه ..
لكــ،ن ؟ ماذا يخفي هذا الشخص المثالي من نواقص؟ !

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:36 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الثاني
،،
أُكابِـرْ .
أُضمّـدُ جُرحـي بحشْـدِ الخَناجِـرْ
وأمسَـحُ دَمعـي بكَفَّـيْ دِمائـي
وأُوقِـدُ شمعـي بِنـارِ انطِفائي
وأحـْـدو بِصمْـتي مِئاتِ الحَناجِـرْ
،،,,
_______،، ,, قرعت الجرس و أنا أقف أمام منزل أبي ..
منزل أبي و منزل أمي صعب جداً ترى أبويك كلاهما في منزل آخر و لكنها الحقيقة التي يجب أن نتقبلها!
فُتح الباب و ظهر أخي الأصغر ياسر .. ضحك بخجل و هو يمد يده :" محمد .. أين اللعبة "
عقدت حاجباي :" أية لعبة؟؟ "
ناداني أبي من داخل المنزل :" أدخل محمد "
دخلت و أنا أقنع الصغير ياسر أنه كبر و يجب ألا يلعب بألعاب بعد اليوم فقال حانقاً :
" قل أنك لا تريد جلب اللعبة .. يا لك من بخيل"
رمقته بدهشة ثم قلت بصرامة :" عيب يا ولد أنا أخاك الأكبر "
ضحك والدي فاقتربت مدهوشاً :" أسمعته يا أبي .. ما هذا الجيل ؟ يا لطيف "
ابتسم و هو يجلس على الأريكة يحاول تغيير القنوات ثم نظر لي :" هاه ما هي أخبار العمل "
جلست جواره و صببت لي بعضاً من الشاي و أنا أقول :" كل شيء يسير على ما يرام يا أبي .. "
ابتسم لي :" لذلك أنا أنصحك ألا تتزوج الآن و تهتم بتطوير نفسك مهنياً .. "
عندما رآني صامت قال مؤكداً :" لأن الزواج مشقة و مسؤولية و ثقل ما بعده ثقل .."
قلت و أنا أتلفت حولي :" أين خالتي لو سمعتك لسوف تغضب منك كثيراً "
قال و هو يصر على حديثه :" ها أنت قلت ! النساء هم و الأولاد هم ما بعده هم! "
هززت رأسي أجاريه .. ففوجئت فشخصٍ يقفز علي من خلفي و هو يمسك برقبتي .. صحت بفزع :" من هذا؟"
كان أخي سِراج .. لا أعلم أين أضاع عقله ! عمره ً ثمانية عشر ربيعاً.. صاح و هو يقبلني بعنف :
" محمد أخيراً جئت كم اشتقت إليك "
نظرت إليه من طرف عيني :" ماذا لديك؟"
نظر لي باستعطاف :" أريدك أن تأخذني إلى قاعة البلياردو .. أصدقائي كلهم هناك"
همست :" و أبي "
عاد يهمس :" لا لا .. لسوف يحيل هذا المنزل لجهنم لو طلبت منه ذلك "
نظرت للساعة .. كانت السادسة فقلت له :" تجهز الآن سأوصلك لأعود للمنزل "
أخي سِراج كَكل من هم في عمره ... ينشد حياة الترفه و الاستمتاع ..
و أنا كنت مثله يوم كنت بعمره .. و كنت مثله أصفف شعري و أطيله لأجذب أنظار الفتيات ..
و كنت مثله أريد فعل ما يفعله جميع أصدقائي .. و هذه رغبات طبيعية لشخص بهذا العُمر .. لذا فأني لا أؤنب سراج كثيراً لحد الاحباط و التجريح ..
و لا أكثر في النصائح و لا أمارس دور الراشد عليه .. فالمرحلة التي يعيشها فعلاً مرحلة لذيذة بل هي فسحة لاستنشاق هواء هذه الحياة!
أوصلته للمكان الذي يريده و أوصيته أن يذاكر دروسه .. فأجاب:
"أوه نسيت أن أخبرك أن الامتحانات آتية و أريد حبوب المنبهات التي أعطيتني إياها مسبقاً "
هززت رأسي :" حاضر سيد سراج سأحضرها لك في الغد على أن لا تكثر منها"
خرج من السيارة فاتصلت بي والدته تسألني عن المكان الذي يريد الذهاب إليه و أوصتني كثيراً به و أخبرتني أنه طائش و مسرف و غبي ..
نسيت أن أخبركم أن أمي كانت تقول هذه الكلمات أيضاً يوم كنت مُراهقاً ..
،،,,
_________،،,, دَخلت المنزل مُتعباً و شققت طريقي للدرج فاستوقفتني أمي القادمة و هي ترمقني بنظرات توحي بانزعاجها ..
أخبرتها ألا تجهز لي عشاءاً لأني سأنام .. لكنها قالت :
" محمد هل ذهبت لهم مجدداً ؟؟ "
نظرت لها :" من ؟"
اهتزت غاضبة و هي تقول :" منزل نهلة؟ هل اعتبرتها أماً ! هل أحببتها ؟ هل تصنع غداءاً ألذ من الذي أصنعه؟؟؟ "
و أكملت :" لا أريد منك الذهاب .. لتشعرهم أننا متعلقون بهم و نحتاجهم ..."
اقتربت منها و همست بابتسامة :" من قال ذلك أمي .. ؟ يشهد الله أن لك معزتك الخاصة و لكنه أيضاً أبي "
رمقتني بانزعاج و غادرت ..
صعدت الدرج . و.قبل أن أدخل غرفتي .. ملت برأسي ناحية غرفة شروق فسمعت صوت علياء :
" لا تقولي ذلك عنه فأنا لا أقبل .. "
و صاحت :" ياه!! كم أحبه "
صُعقت ! من ذا الذي تحبه ...؟
أردفت شروق :" و اذا اكتشف محمد هذا الأمر ماذا بوسعك أنت تفعلي؟ "
همهمت الأخرى :" لست أتخيل ردة فعله .. و لكن عليه أن يتفهم ذلك.. كذلك الجميع! "
تراجعت ثم دخلت غرفتي صافعاً الباب بغضب .. هل تركت خالتي ابنتها هنا لتحب و تعشق ؟؟
هل كانت توصيني خالتي عليها لهذا الهدف؟
من هذا الشخص الذي تحبه و كيف تعرفت عليه و متى تلاقيه و تحادثه؟؟
هل الحاسوب اللعين هو السبب؟ أم الهاتف؟؟
و لماذا شروق باردة!!!! لماذا لا تنصحها؟؟ أم أنها الأخرى تحب و تعشق؟؟
جن جنوني ! ! هل استغفلتني هذه الفتاة ؟؟؟ و تجاهلت وجودي؟
هل سأبقى محمد الطيب المسالم الذي لا يفعل شيئاً سوى أن يبتسم؟
فعلاً أنا ساذج و غبي..
فما يدريني ماذا فعلت علياء
و ماذا فعلت شروق
و ماذا فعل سراج...
تباً!!
--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:36 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
______,, ،، فكرة أن علياء تعشق ! و شروق تؤيدها في ذلك! فكرة ظلت تلعب بعقلي بحماس .. لا أملك أدنى فكرة بكيفية مواجهة علياء أو شروق ..
تباً لماذا تنصتُ عليهما أصلاً؟؟!
ترى هل يصلح علي دور الرجل الغيور و الشهم؟
هُنا هدأت قليلاً و أنا أستذكر ما قمت به اليوم و أستذكر ما علي أن أفعله .. تذكرت رِضا مريض الصرع و أخته ! ما كان اسمها؟؟
للأسف لم أتذكر أسمها بعد عصر تام لمخي .. يا ترى هل سأدع دور البطولة لفؤاد؟؟ دعوني أتخيل بعد تفاعلي و حماسي مع رضا و أخته ..
ما كان أسمها؟؟
دعونا من أسمها .. دعوني أتخيل بعد الذي فعلته و وعودي لها بأني سأفعل كل ما بمقدوري .. يتسلم فؤاد العمل ليكمل ما بدأت به أنا .. و في النهاية يظهر هو البطل و المنقذ!!
لا !
و لمَ لا ... ؟؟ و هذا الروتين تعودت عليه .. أتسلم أنا العمل و أجتهد فيه و أبذل كل طاقتي و يأتي فؤاد ليكمل الجزء الأخير من العمل فيظهر و كأنه فعل كل ما فعلته أنا ..
و لكن هذه المرة مغايرة .. أراني مصر أن أكمل عملي إلى آخر رمق! و في الحقيقة! ! أنا واثق أن المشفى لن يفعل شيئاً بأجهزته البالية..
فجأة! أسرعت للهاتف و أخرجت ملفي أبحث عن بيانات المريض رِضا .. نظرت للرقم المدون للتواصل.. أنه رقمها بالتأكيد .. ما كان اسمها .. لا أعلم و لكني سأتصل!
نظرت للساعة .. أنها العاشرة ..
ضغطت الأرقام بسرعة و بجنون و وضعت الهاتف على أذني أنتظرها ترد ...
ما كان اسمها ،، ما كان اسمها ،،؟؟ ذاكرتي خيبتني للمرة العاشرة ..
و جاء صوتها المنساب كالنهر المتدفق بغزارة ليطفئ لهيب صدري ..
" آلو .. مـن ؟ مـن معي ؟"
كانت مرتبكة فقلت مسرعاً :" أنا الدكتور محمد وددت أن أحادثك حول حالة رضا يا آنسة ......"
أجابت :" حسناء .. اسمي حسناء "
سَرحت في حروف الاسم لبرهة قبل أن أكمل :" حسناً آنسة حسناء ..كيف حالك"
برسمية :" بخير "
"ما رأيك باخراج أخاك من المشفى لعرضه على أطباء أفضل "
ارتبكت :" ماذا يمكنني أن أفعل يا دكتور "
قلت مطمئناً :" لا تقلقي ... سأنقل ملف أخاك إلى عيادة صديقي هو شخص ماهر سيجري الفحوصات اللازمة لتحديد حال أخاك و حتى لو استدعى الأمر عملية سيكون صديقي مؤهلاً لإجرائها "
قالت محرجة :" تبقى مشكلة النقود .. أنا ......"
قاطعتها :" لا تهتمي بهذا الشأن .. قلت لك صديقي .. اتصلت لك لأخذ موافقتك .. قبل أن ينقلوا الملف للدكتور فؤاد "
قالت مؤيدة :" أنا موافقة بالطبع .. و الباقي عليك "
ابتسمت هامساً :" سأكون عند حسن الظن .."
" أشكرك كثيراً .. فعلت ما لم يفعله أقرب الناس .. لا أعرف كيف أشكرك و لكن ....."
قلت مسرعاً :" لا داعي .."
و قلت :" سأتركك الآن و سنعمل منذ الغد على هذا الشأن .. "
" وداعاً"
" وداعاً"
بعد هذه المكالمة السريعة جدا جداً ... ارتحت نسبياً و فرحت كثيراً .. جميل أن نلبس رداء الشهامة و النخوة .. جميل أن تبدو كـ ( ابو شهاب ) مثلاً و عيون الكثيرين تمطرك شكراً و امتناناً!
رائع أن تتقدم على خصمك خطوتين على الأقل ..فـ فؤاد الآن خلفي ! لا مزيد من النجاحات يا فؤاد فحان دوري ...
أصارحكم! فأني أشعر بشيء تجاه هذه الفتاة .. القوية ... التي تحمل ذلك الكبرياء اللذيذ ..
ابتسمت بنشوة شديدة! و أنا أضع ذراعيّ خلف رأسي ! قبل أن أتذكر أمر علياء فيسود وجهي و ينطفئ بريق عيناي ..
أملك ذاك الجنون..
رُبما كنت بالنسبة للكثيرين .. مُجرد دكتور محمد ذا النظارات و ذا الجسد الممتلئ .. و الذي يحب تناول غدائه في مطعم بسيط كي يأكل أكثر و يدفع أقل ..
و لكن حقيقةً ؟ !
منذ أن ظهر فؤاد الذي امتلك الأفئدة .. أراني أبحث عن ثغراته كي أعرف كيف أتقدم على هذا الخصم..
________،،,, استيقظت صباح اليوم التالي و أنا أحاول انتشال جسدي من السرير و لكن في كل مرة أحاول أعود للوسادة طمعاً بالمزيد من النوم!
و شروق تهزني بغيظ :" محمد .. محمد تأخرت على الجامعة ! انهض ما بك ؟؟ "
قلت :" حسناً .. اذهبي لتتجهزي ريثما .."
صرخت بانفعال و هي تشد يدي بكل قوتها :" أنا جاهزة ..جاهزة أقسم أني جاهزة.. فقط انهض أنت "
تنهدت بضيق قبل أن أفتح عيناي و أجلس و أنا أتثاءب :" تباً .. "
أختي شروق كتلة نارية .. فأي شيء يثير غضبها و انفعالها و عصبيتها ..
لبرهة تذكرت ما جرى يوم أمس و تخيلت شروق و هي ككتلة ثلج و هي تتحدث مع علياء التي تصف حبها لذاك الشخص ..
واتتني رغبة بخنق أختي حتى الموت !
نعم ففي السيارة كنت أتأملها و هي تجلس في الكرسي المجاور و هي تتحدث مع صديقتها على الهاتف .. هل كانت صديقة أم صديق؟؟
وَاضح أن داء الشك بدأ ينتشر فيّ و يسيطر على كل ادراكي .. و هو داء مقيت يميت القلب .. فكيف أشك بأختي شروق التي وثقت بها طول تلك السنوات...
و لكن من يدري !! ما هي حقيقة علياء ابنة الخالة المُدللـــة!؟
لم أعَد أطيقها حَقاً !
،,

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:38 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
أمام مكتبي ظللت أفتش في التقارير الموجودة لدي ..استوقفتني تقارير خاصة بوداد !! أخت فؤاد ؟؟ كَيف نسيت أمرها و أمر تقاريرها الموجودة لدي؟
ظللت أقرأ التقارير ثم استخرجت نتيجة الأشعة .. دققت نظري بها مُطولاً عاقداً حاجباي ؟! ما هذا؟؟؟؟
كان واضح وجود أجسام لا أدري ماهيتها في الجزء السفلي من المُخ .. استخرجت التقارير مسرعاً و قرأت ما كان مكتوباً .. يبدو أن الأشعة التقطتها كأجسام معدنية صناعية ؟؟
غريب فعلاً؟
هذا لا يدل على مرض أو خلل طبيعي في المخ.. واضح جداً أن هناك شخص دس هذه الأجسام في رأسها و واضح أكثر أنه فؤاد..
ارتعدت لهذه الفكرة و رأيت نفسي كالمجنون أقرأ التقارير بعمق لأتأكد من هذا الاستنتاج .. لماذا يدس أشياء كهذه بمخها ؟؟ و كيف تجرأ على فتح رأسها و هو ليس جراحاً !!
تذكرت أخته بوجهها الكئيب و هي تبكي.. و كززت على أسناني حانقاً !
هُنا دخل زميلي ( عادل ) و هو يحمل كيس .. فيراني أضع رأسي أمام نتيجة الأشعة أتأمل تلك الأجسام ..أطلق ضحكة و قال :
" بربك... تعذب نفسك يا محمد! لو كنت مكانك لرميت كل هذه الأوراق في القمامة و فكرت في شيء أفضل "
بينما كان يثرثر كنت ألملم الأوراق بارتباك و أضعها في الملف كي لا يلمح شيئاً ...
قلت له :" يبدو أن لا شيء لديك لتفعله .. ما رأيك أن تتفقد مرضاي؟ "
صاح بي بذهول :" أجننت محمد .. الآن وقت الراحة ! فلتنسى أنك طبيب لساعة فقط "
ابتسمت له قائلاً :" ماذا لديك في الكيس ؟ "
اقترب و وضعه فوق المكتب قائلاً :" فطور خفيف "
قمت معه باخراج العلب و وضعها فوق المكتب إلى أن فتح الباب و وقف ( فؤاد ) بطوله المهيب و شعره الطويل .. شعرت بتشنج و أنا أنظر إليه فأتذكر أخته و نتائج الفحوصات ..
تقدم و هو يرمقنا لبرهة ثم يقول :" محمد ؟؟ "
رفعت رأسي و له فخاطبه عادل :" تفضل تناول الفطور معنا فؤاد "
تقدم فؤاد و هو ينظر للطعام ثم قال بجدية :" أظن أن هناك كيفتيريا لتناول الطعام .. و ليس المكتب مكاناً لهذا "
اشتعل عادل بغضبه ... فاتكئ فؤاد على الطاولة يخاطبني :" محمد .. جئت أكلمك بموضوع المريض رِضا "
نظرت له حيث قال بحدة :" كيف تفعل هذا؟؟؟ كيف تسحب ملفه ! ماذا تنوي؟ تحويله لمشفى آخر أو عيادة أخرى أليس كذلك ؟"
ثم هتف بحدة :" كان يجب أن تستشيرني "
خاطبته بهدوء :" كان ذلك مراعاة لحَالة المريض .. رأيت أن المشفى هنا لن يقدم له العلاج اللازم "
صرخ ضارباً على الطاولة :" من أنت لتحدد هذا؟؟ بما أنك حولت المريض تحت مسؤوليتي يفترض أن تستشيرني .. "
رمقته لبرهة فهمس بحنق :" أين الملف الخاص بالمريض؟"
رجعت بكرسيي الدوار لأفتح الدرج ثم أخرجت الملف قائلاً :" هُنا لدي.. لكني لن أعطيك إياه"
فتح عينيه بشكل مرعب و زمجر :" أعد ما قلته دكتور محمد .. قد نسيت من تكون أنت و من أكون أنا "
خاطبته بصرامة :" أنا من نقل المريض إلى مسؤوليتك و من حقي أن أغير رأيي بعدما فكرت أن المريض لن يحظى بالعلاج اللازم"
صرخ :" ماذا تقصد؟؟ هل تشك بقدرتي على احتواء هذه الحالة ؟ .."
و دفع بعلب الطعام مزمجراً :" هذه المرة سأتغاضى عن ما فعلته ! و لكن إياك و التصرف كما تشاء من دون العودة إلي يا دكتور محمد"
و غادر مشتعلاً ..
تنهد عادل مستاءاً :" أي شخص هو؟ يريد الالمام بكل كبيرة و صغيرة ..فقط ليحصل على الترقية"
زفرت ثم نظرت لملف التقارير الذي يحوي تقارير وداد! .. لا أنكر أنه عبقري و ذكي ! مؤكد أنه يجري تجارب غريبة للتأكد من أمر ما .. ما هو ؟ لا أعلم! ..
و لكن مسألة ادخال أجسام كهذه في مخ أخته سوف يعرضها لأخطار كثيرة ..
ماذا بيدي أن أفعل؟
تناولت الفطيرة ببطء و أنا أفكر في وداد و أتذكر وجهها الشاحب .. يَجب أن ألاقيها!
, ،
______،, فتحت السِتارة لأرى رضا و أخته بجانبه تطعمه ببالغ حنان و لطف .. نظرت لي و كذلك فعل رضا ... اقتربت و أنا أربت على كتف رضا ..
" أنت بخير؟ "
هزّ رأسه بابتسامة .. فخاطبت حسناء :" أجريت اتصالاً لصديقي ، يفترض أن ننقله للعيادة في الحال كي
يقوم بعض الفحوصات اللازمة "
رمقتني و هزت رأسها :" كما تشاء دكتور "
وضعنا رضا على كُرسي متحرك و نقلته لسيارتي بينما كانت حسناء تتبعنا و هي حَرجة و قلقة ..
ظننتها خائفة على أخيها ..و لذا فور ركوبنا السيارة حاولت تخفيف وطئ هذا الخوف لذا استدرت لها حيث كانت تجلس في الخلف و قلت :
" لا داعي للقلق الطبيب الذي سنذهب إليه ماهر "
و منحتها ابتسامة مُطمئنة ....
لكن رغم ذلك تحولت ملامحها القلقة إلى ضيق و انزعاج ..
لم يكن صعباً علي أن أفهم أنني بالغت في التدخل في أمرها و أمر أخيها الذي كان غيوراً جداً عليها لكنه التزم الصمت ..
شعرت بانقباض و أنا أرى حسناء تعقد ذراعيها أمام صدرها ثم تنظر عبر النافذة بنفور ..ربما أخطأت في أمر أو أنني تغزلت بها من دون قصد .. !!!
لكن و يشهد الله أني كنت أصون لساني و أحافظ على عدم الليونة في الحديث كثيراً ..
مضيت بالسيارة و في كل مرة أحاول فتح موضوع مع رضا لكنه يصدني بنظرات باردة.. فما بالكم بحسناء؟!
فور وصولنا دخلنا لنرى عيادة صديقي الواسعة الفخمة بممرضيها الكُثر و كذلك الأطباء ..رحب بي صديقي بترحاب فيه من المعزة الكثير فقدمت له رضا و حسناء و شرحت له الأوضاع و أعطيته نتائج التخطيط ..
طبعاً باشر بالفحوصات الأولية .. و كنت أنا و حسناء نجلس على مقاعد الانتظار .. رمقتها مبتسماً :
" لازلتِ قلقة؟"
رمقتني بجفاف :" لا "
جفلت من ردها .. وقد اختفت ابتسامتي..
علمت بعد ذلك أن الطبيب لن يتسرع باجراء العملية لأن شحنة الكهرباء يمكن السيطرة عليها بالأجهزة .. و هذا على ما أعتقد طمئن حسناء ..
اتجهت لها مبتسماً :" هذا يعني أن يحضر رضا بعض الجلسات ليقوم الطبيب بمعالجته بالأجهزة! سوف أحاول جاهداً أن أحضر معكما "
رمقتني باستنكار ثم قالت :" و لمَ تحضر أنت ؟؟ "
لا أدري سبب دهشتها و صدمتها و لكني شعرت مجدداً أني أدس أنفي فيما لا يعنيني.. و فكرت! ألم ينتهي دوري إلى هذا الحد؟؟
حاولت أن أبتسم مرتبكاً :" ان كانت رغبتكِ عكس ذلك فليكن ما تريدينه آنسة حسناء .. "
رمقتني بنظرة استهجان ثم قالت :" أظنك يا دكتور فعلت ما لم يفعله أقرب الناس فهل تريد مقابلاً؟؟ "
ارتعدت من هذا السؤال و تصبب عرقي .. فنظرت لي بحدة ..
قلت :" و من قال ذلك؟"
صرخت بشكل مفاجئ لفت أنظار الجميع :" و كل هذا و لا تريد شيئاً؟؟ اسمع يا دكتور محمد .. ان كنت تريد شيئاً قل ..من دون أن تحاصرنا بكرمك و سخائك و نبل أخلاقك .. لتجبرنا على الخضوع لك "
تشتتُ و أنا أرمق صديقي الطبيب يرمقني مستغرباً .. و رضا يتأمل أخته ثم ينكس رأسه .. عدت أنظر لوجهها الملتهب .. سُرعان ما احمر لتنفجر ببكاء مفاجئ..
اقتربت قليلاً محاولاً التبرير :" آنسة لا أعرف ما الذي تظنينه و لكنني لم أفعل هذا إلا لمساعدة رضا دون الطمع بشيء آخر صدقيني "
و قلت مؤكداً :" و ليس من طبعي استغلال الناس لصالحي "
ثم صمتت لبرهة و أنا أتأملها .... همست :" و لكني عرفت أنكما من أطيب من الناس و لو فكرت بـ ...."
و تسمرت مستصعباً استخراج الحروف و أنا أتأملها ترفع رأسها ثم تهمس :" فكرت بماذا؟"
كنت أريد أن أقول أني أريد خطبتكِ ! لا تنفجروا ! نعم كنت أريد خطبتها و هذه الفكرة تفاقمت أكثر فأكثر و كبرت لتنفجر فجأة بوجهي حينما رأيت نظراتها تحاصرني ..
واضح أنها سترفض ! و لكي أوفر بعض كرامتي يجب أن ألا أصرح بهذا ..
رمقتني بنظرة فيها من الاستغراب الكثير و كأنها استشفت مكنوناتي .. و أنا ألهث و أمسح عرق جبيني مرتبكاً ..
صرخت :" إذ كانت أفكارك قادتك لاستغلال فتاة وحيدة ضعيفة لها أخ مريض .. فاذهب إلى الجحيم أنت و أمثالك و لا نريد شفقتك المزيفة"
كالمطرقة هوت على رأسي ..
اذهب إلى الجحيم!
اذهب إلى الجحيم!
اذهب إلى الجحيم!
خرجت من العيادة و رأسي يدور .. التفتتُ للخلف لأرى صديقي يركض ليخاطبني :" مُحمد إلى أين و ماذا تقول هذه المخبولة! ماذا جرى؟"
خاطبته :" اعتنِ بالمريض رضا و سوف أرسل لك تكلفة العلاج فيما بعد "
هتف مستنكراً :" لا نقود بيننا محمد و لكن ما أود معرفته.. ما معنى حديث أخته؟؟ "
و قال بشك :" محمد هل فعلت شيئاً ؟؟"
فتحت عيناي بصدمة ثم قلت :" أهذا ما فهمته أنت أيضاً ؟؟ كنت أريد مساعدتها و لكنها فهمتني بشكل خاطئ .. "
و تنهدت :" لأني دائماً أتدخل فيما لا يعنيني "
الجزء الثالث
هل نلتقي
سألت وطال بي السؤال حبيبتي
وبعثت كل أفنان الوعود تذللي
فصفعتني كلا لن نلتقي
____،,
شعور مقيت ..
أن تشعر أن وجهك يحترق من فرط احراجك .. تشعر بحجمك يتضاءل و يتضاءل!
تشك في نواياك و تشعر أنك لا تفهم نفسك بينما الناس تفهمك !
كُنت أريد الارتباط بها!
لأنها كانت جذابة و قوية و صابرة ..
لأنها كانت تحمل نظرة مميزة و لا تتبع اسلوب استعطاف الأطباء!
و .. لأنها كانت جميلة.. و أنى لشخصٍ ألا يجذبه الجمال الطاهر ..المغلف بالعباءة و الحجاب ..
لكنها ظنت.. ظنت شيئاً آخر ..
نظرت لنفسي من خلال مرآة الباب الرئيسي للمنزل .. هل أبدو مجرماً منحرفاً ؟
نسقت نظارتي الطبية فوق عيناي .. لست كذلك و هذا مؤكد .. و لكن يبدو أنها حريصة و متأهبة لصد أي هجوم محتمل .. كونها وحيدة !
لكنها ليست ضعيفة..
هممت بفتح الباب لكنه فُتح من الطرف الآخر و ظهرت علياء و هي تضحك .. ترتدي بنطال ضيق و قميص على نفس الشاكلة .. و خمار مُهمل !
و تظهر من خلفها شروق ..و هي ترتدي عباءتها..
نظرتا إلي لبرهة.. فسألتهما :" إلى أين "
خاطبتني علياء بمرح :" مُحمد أأطلب طلباً "
عقدت حاجباي .. :" ألا و هو ؟ "
ابتسمت بحرج :" أريدك أن تُدربني على السياقة! "
و قالت بارتباك بعد أن رأت الجمود على وجهي :" منذ أن أخذت شهادة السياقة لم تتح لي الفرصة للقيادة .."
تأملتها عاقداً حاجباي .. و
دخلت إلى المنزل بغير اكتراث خصوصاً عندما تذكرت حديثها عن الحُب.. التفتتُ لشروق و قلت :
" لا ينبغي أن تخرجي بغير داعي .."
و نقلت بصري لعلياء التي ترمقني بنظرة لاهبة ..
،،
علمت فيما بعد أنها بكت عند أمي و شكتني إليها .. و أمي خير مُدلل لها .. فقد أتت لي و أنبتني كَثيراً بقولها:" كُنت أطمئن عليها بوجودك لم أكن أعرف أنك تجرحها و تهينها "
قلت بانفعال و أنا على سريري :" أمي ما بكِ لم أهينها! من قال هذا ؟؟؟ "
و أضفت :" فقط أنا جئت من العمل متعب و لست قادر على فعل شيء "
اقتربت مني بحزم :" انهض و اخبرها بهذا و اعتذر لها عما بدر منك "
قبضت بأصابعي على شعري بقلة صبر :" رباه!!! أمي .. لا تكوني هكذا "
انحنت ناحيتي قائلة :" و اللهِ إن لم تنهض الآن و تجبر بخاطرها لسوف ......"
قاطعتها بضجر :" حسناً أمي .. حسناً "
و نهضت قائلاً :" سأجبر بخاطرها و أعلمها القيادة و سأقتل نفسي لأرضيها "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:41 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
,,
،،
________________ ،،,, خَرجت من غرفتي مشتاطاً .. و عَلمت أنها خرجت بالسيارة الخاصة لوالدها للتدرب ..و أُختي تُرافقها...
جَلست على الأريكة في الصالة و تناولت الجرائد أقرأها ريثما تعودان.. و بصراحة لم أحبذ خروجهما وحدهما هكذا..
ثواني .. و ابليس بدأ يلعب لعبة الفأر و القط برأسي .. و بدأ يبث شكوكاً ... يا تُرى!! هل خرجتا للقاء أحد ما بحجة التدرب على السياقة ..
قرع قلبي بجنون لهذه الفِكرة الخطيرة !! و ضغطت بأصابعي على الجريدة بقهر.. هل تستغفلاني مجدداً؟؟
نهضت مُسرعاً و أنا أُخرج هاتفي النقال .. اتصلت بشروق و خرجت من المنزل أنتظرها ترد ..
" آلو مُحمد "
قلت بتوجس و أنا أنظر حولي :" أين أنتما "
ضحكت :" نحن نجول هنا و هناك .. أأنت قلق علينا؟ "
حاولت تليين نبرة صوتي :" نعم .. عودا رجاءاً "
و أقفلت الخَط و استندت على الباب أنتظرهما .. ماذا كانتا تفعلان؟؟
،،,,
بعد فترة رأيت السيارة تقترب حتى تدخل المنزل و تُركن بجانب سيارتي ..تَهبط الاثنتان و هما تضحكان خفية .. و هذا ما زاد قهري ..
وقفتا أمامي و قالت علياء بابتسامة استغراب :" ماذا يا دكتور مُحمد ؟"
و نظرت لشروق و ضحكتا ..
ثم عادت ترمقني :" تود تعليمي القيادة بنفسك ؟؟ "
قلت بصرامة و أنا أعقد ذراعيّ أمامي صدري :" هيا إلى الداخل .. و اذ كنتِ تريدين التدرب هناك أوقات أنسب "
نظرت لي بحنق ثم قالت :" لماذا تعاملني هكذا؟"
رفعت حاجباً ثم قلت :" ستشكيني لخالتكِ ؟ مُجدداً؟"
لم أحب قطعاً هذه الإنسانة و تصرفاتها و لم أحب تعلق أختي شروق بها و لم أحب أن أكون مسئولا عنها.. أبداً !
و لم أحب أن تصرخ بي فجأة و هي تبكي :
" ستعود أمي و سأخلصك مني و من وجودي ..!! أيها المغرور المتغطرس "
،،,,
,,،، ـــــــــــــــــــــ مكثت مع أخي سراج أذاكر معه دروسه .. و لكنه كان هائماً في وادٍ آخر .. زجرته بحدة :" سراج .. رَكـــزّ معي ! "
انتبه لي مرتبكاً:" آآ .. أنا معك "
قلت بغضب :" و لماذا لا تفهم ما أقوله ؟ ها أنا أعيد الشرح للمرة العاشرة "
اقتربت والدته قائلة :" محمد رويداً رويداً على ابني .. "
قلت بتنهيدة :" ياه .. كفاكِ تدليلاً له يا خالتي قد كبر و ظهر له شارب أيضا "
نهض هو قائلاً :" سأجلب الشاي و سآتناول حبوب المنشطات كي أعود لك بذهن واعي"
قلت به مُحذراً :" لا تُكثر من هذه الحبوب يا سراج "
قال بثقة :" أنا أتبع الجرعات نفسها المكتوبة فوق العُلبة "
غادر فتذكرت أنا وِداد التي قررت محادثتها .. كيف لي أن ألاقيها؟ !! في منزلها ؟؟ .. و لكن فؤاد! ستكون مُخاطرة إن فعلت ذلك..
فكرت مُطولاً و أنا أتصفح كتاب الرياضيات الخاص بسراج ثم لمعت ببالي فكرة جهنمية ! .. مقر عملها .. مقر عملها المدون في بياناتها .. نعم!! سوف ألاقيها هناك بدون اثارة للشبهة .. و سأستفسر عن علاقتها بأخيها و ما قصة الأجسام المغروسة برأسها ..
أصدقكم القول؟ تَحمست كثيراً للقاءها .. هناك ألف سؤال و سؤال أريد طرحه عليها!
لكم أن تعرفوا كم أنا فُضولي !..
،،,,
صباح اليوم التالي .. أقف أمام المرآة أرش العِطر على قميصي بسخاء قبل أن ألتقط المشط لأسرح شعري إلى الجانب .. أتناول الساعة لأرتديها على عجل .. فيأتي صوت أعرفه ..
" ياه ! مُحمد لمن تتأنق؟؟"
استدرت مذهولاً :" سِراج؟؟ "
هز رأسه و هو يحمل حقيبته المدرسية على أحد كتفيه ثم قال :" نعم سراج ما بك مستغرب هكذا كأنك لم تراني بالأمس ؟ "
اقتربت منه بنظرات تفحصية هامساً :" ما الذي أتى بك لهنا ؟ و هل رأتك أمي و شروق؟ "
تنهد :" لا .. و ماذا سيحدث إن رأينني ؟ "
كززت على أسناني بغيظ :" لا تتظاهر بالغباء يا سراج ! هل أباك على علم أنك هنا؟؟ "
هزّ رأسه :" نعم ، "
تنهدت :" و لمَ أتيت سأذهب للعمل الآن "
قال :" سأذهب معك "
رشقته بدهشة :" تذهب معي ؟؟ إلى العمل ؟؟ و هل أنا أمُك لأحملك أينما ذهبت ؟"
أردف :" اليوم إجازة للمدارس فقط .. و لأن أبي و أمي سيخرجان من المنزل فخشيا على الخادمة مني "
رمقته بصدمة .. فأتمم :" لا يثقان بي و ربما لأن الخادمة رائعة "
نظرت له لبرهة مستنكراً ثم قلت على مضض :" حسناً "
خرجت معه لخارج الغرفة فصادفنا أمي و هي تقف مذهولة! .. ثم تصرخ :
" مُحمد !! من أدخل هذا الشخص لمنزلي؟!! "
قلْ لي . قلْ لي
كيف تصير المرأة حين تحب
شجيرة فل ؟
قلْ لي
كيف
يكون الشبه الصارخ
بين الأصل , وبين الظل
بين العين , وبين الكحل ؟
كيف تصير امرأة عن
عاشقها
نسخة حب طِبق الأصل!
،,
. قلوب النساء تتغير بسرعة .. فجأة ترى قلبها ليناً جميلاً يضخ مشاعراً من كل جانب .. و فجأة تراه منقبضاً صخراً يعتصر بالحقد و الكره .. لذات الشخص الذي أحبته ربما تكرهه .. فتتحول مشاعرها إلى النَقيض..
و كَذا هي أمي !
كَم كانت تَعشق أبي ! بل كان حياتها و جنتها .. فمجرد أن تراه تتحول إلى فراولة لامعة شهية .. أو ربما بحيرة نقية .. تتحول لأي شيء فهو كان ينعش شبابها و نشاطها .... كانت تعشقه إلى حد الموت .. و تُدللــه و ترفع شأنه
إلى أن اكتشفت الفاجعة الكُبرى بالنسبة لأي زوجة مخلصة.. اكتشفت أنه تزوج منذ زمن بعيد و أنجب و بنى بيتاً آخراً ..
و منذ ذلك الوقت تغير قلبها الأبيض ناحيته .. فاسود و تحجر و كرهته ! كرهته كما كرهت زوجته و أبناؤها و ودت أنها لم تفني أياماً فارغة في عيشها معه!
و لذا فوجه سراج لم يكن وجهاً يسر أمي .. بل على العكس !
ـــــــــــــــــ ،،,, صرخت بكل غضب الدُنيا :" مُحمد من الذي أدخل هذا الشخص لمنزلي؟؟ "
سراج كان بارداً و هو يجيب عليها :" هيه ! سأخرج الآن لا داعي للصراخ "
رفعت هي ثوبها و تقدمت تخاطبني بحنق :" محمد هل أنت من أدخل هذه الجرثومة لمنزلي ؟؟"
صاح سراج :" أية جرثومة ! احترمي نفسك أيتها العجوز الشمطاء .."
دفعته أنا مزمجراً :" اخرس و هيا لنخرج "
مضيت معه فاستوقفتني أمي :" ليأخذني الله قبل رؤية أبناء نهلة في منزلي يتقاسمون معي حقي "
أمسكتها و قلت لتهدئتها :" أماه ! لماذا كل هذه العصبية ها أنا سأخرجه في الحال "
زمجرت و هي تنظر لسراج :" أخرجه! أخرجه ! ما عدت أحتمل "
،،,,
صَعدت مع سراج السيارة ..،, كنت مستاءاً ! حقاً مستاءاً من تصرف أمي تجاه سراج البريء من أي ذنب .. نظرت لسراج الذي يعبث بأقراص الصوتيات .. و خاطبته :" غضبت "
رفع رأسه :" هاه؟ "
علمت أنه لم يكترث و هذا طبعه اللامبالي .. و لكنه يتقن كيفية استفزاز أمي ..
وَصلنا للمستشفى و جعلت سراج يحمل ملفاتي عوضاً عني فتذمر قائلاً :
" ما هذا الاستغلال البشع! لا تنسى أنني أخاك و لستُ خادماً "
وقفت أمام مكتبي و أنا أُخرج المفاتيح من جيبي و قلت :" ذنبك أنك أصريت أن تأتي معي "
حاولت فتح الباب بالمفتاح .. فلم ينفتح ..!
استخرجت المفتاح الآخر و حاولت أن أفتح فباءت محاولاتي بالفشل..!
عقدت حاجباي مُستغرباً فقال سراج :" ما بك هيا افتح الباب يداي تؤلماني "
نظرت له ثم عدت أنظر للثقب في الباب الذي اتخذ شكلاً آخراً .. زفرت :" يبدو أنهم غيروا القفل ! "
نظر لي سراج :" و لمَ ؟"
تنهدت :" سأذهب لجلب المفتاح الجديد "
و شققت طريقي لغرفة الاستعلامات فانطلق من خلفي سراج و هو يحمل الملفات .. وقفت أمام الموظفة و شرحت لها الموضوع فقالت :
" أوه ! نعم! لقد تم تغيير مكتبك يا دكتور"
عقدت حاجباي :" تغيير مكتبي ؟؟ "
ابتسمت :" نعم ! هذا قرار الدكتور فؤاد "
زدت دهشة فوق دهشة :" و ما دخله؟ ما هو إلا طبيب ؟"
قالت موضحة :" لقد حصل على ترقية .. فأصبح نائب للمسئول على قسم الأعصاب و المخ .. و أول قرار له هو تغيير مكتبك و نقلك إلى مكتب الدكتور عادل .. "
قلت باستنكار: "نَعم؟ لماذا؟؟؟ و هل أنا طبيب مبتدئ لتشركوني مع عادل في نفس المكتب؟"
و قلت عاقداً حاجباي :" و ما هذه الطريقة الساذجة ! لماذا تغيرون القفل بدل أن ترفعوا سماعة الهاتف و تطلبوا مفتاح المكتب مني ! "
هزت كتفيها ثم نسقت خمارها الزهري :" لا أعلم ، أنها أوامر الدكتور فؤاد!"
اشتعلت غضباً ثم همست :" أين حاجياتي إذاً "
وضعت كفها على فمها تكتم ضحكة ساخرة :" أوه ، نعم "
ثم أخرجت كيس أسود خاص بالقمامة و قالت :" هنا جمعوا كل أغراضك يا دكتور"
لم ينقصني إلا ضحكة ساخرة من سراج و هو يصيح :" ما هذا! لم يجدوا إلا كيس القمامة ليضعوا فيه أشيائك "
و أمسك بطنه و هو يقهقه باستهزاء!
عضضت شفتاي بقهر.. أنّى لذلك الشخص أن يفعل ما يريد؟! أينتقم ؟ و من ماذا ينتقم؟ لا أظنني فعلت شيئاً له ! لكنه يريد كسر شوكة كل من يعترض طريقه!
،،,,!
مضيت مسرعاً ناحية مكتبه و بصدري تتفجر حمم بركانية .. و وجهي ملتهب .. فتحت باب المكتب .. _ مكتبه الجديد .. الواسع الفخم .. الأناقة تتجلى في الأثاث و الديكور ..
اقتربت ناحية المكتب حيث كان يجلس .. أشار لي :" اجلس "
جلست على الكرسي المقابل و رمقته بحدة :" مبروك على الترقية! "
ابتسم :" شكراً "
نظرت له لبرهة ثم قلت :" دكتور فؤاد .. لست أفهم سبب تغيير مكتبي؟ "
قال بسخرية و هو يرفع كتفيه :" رأيت أن المكتب كبير عليك "
قلت بحنق :" لا أظن أن هناك طبيب برتبتي في هذا المشفى يقبل بمكتب مشترك "
بتغطرس أردف :" بل سيقبل ! إذ أمره مسئوله بذلك! "
اشتعلت! يريد اهانتي و حسب!..، نهضت غاضباً و قررت أن أرفع شكوى إلى المسئول! فما هو إلا نائب ..
كنت أمشي و دخان القهر يتصاعد من رأسي ..... ظهر بوجهي سراج و هو يشرب مشروباً غازياً ثم يطلق ضحكة ساخرة فيرش رذاذ مشروبه من فمه على وجهي ..
صاح :" ما هذا! وجهك أحمر تكاد تبكي يا محمد ! "
مسحت وجهي بقهر . أما هو فضحك بجنون ! رمقته ببرود و مددت يدي و دفعته لأواصل سيري .. لبرهة تسمرت...
و أنا أرى حشد الممرضات ينقلن مريضاً على سرير متحرك .. كان المريض! هو رِضا! ..
رضا!!!!

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:41 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
،,
__________،, تسمرت لبرهة و أنا أرى رضا يتلوى و ينتفض على السرير بحالة صرع مفجعة ! اتجهت نحوه مسرعاً .. سُرعان ما سمعت صوتاً مألوفاً للغاية.. رفعت رأسي .. رأيتها أمامي مباشرة ،, حسناء ... كانت تضع يديها على صدرها و تهتف بهذه الكلمات :
" يا رب.. يارب "
لم أمنع نفسي من مخاطبتها :" لا تقلقي سأقوم باسعافه "
رفعت رأسها بدهشة ناحيتي ثم غضّت بصرها بضيق !!
تذكرت كيف خاطبتني مُسبقاً !
اذهب إلى الجحيم! كلمات كالجمر المشتعل رمتها عليّ ! ... لكني بدون كرامة آتي لأسعف أخيها مجدداً ...
نفضت كل هذه الافكار و حثني واجبي الوظيفي على اسعاف أخيها و معالجته وقتياً بالأجهزة .. كي تسكن الشحنة الكهربائية ..
كانت تقف بالجوار مضطربة ! حتى هدأ أخيها مع حقنة منومة .. تناقشت فيما بعد مع عادل زميلي في ضرورة استخدام جهاز معين.. فوعدني أنه سيحضره في الحال..
اتجهت إلى الممرضة و حثثتها أن تأتي معي للحاسوب .. جلست معها أمام الحاسوب نبحث عن بيانات المريض حتى وجدناها .. دققت أكثر في نتيجة التخطيط القديمة .. كانت سيئة .. و لكنها الآن تبدو أكثر سوءاً ..
هُنا جاءت ممرضة أخرى تحمل أوراق التخطيط الجديدة فهالني ما رأيت!!!!! نسبة الشحنة التشجنية تفوق النسبة السابقة إلى الضُعف ..
وقفت حائراً .. ما الذي جعل حاله ينقلب هكذا!! هل صديقي الطبيب لم يعالجه كما يجب؟!!
رفعت نظري لحسناء التي تقف بارتباك ترمقني .. ثم تشجعت و قالت و كأنها لا تعرفني :
" لو سمحت هل لي أن أعرف ماذا حدث؟"
رشقتها بنظرة تفحصية أربكتها ثم قلت بهدوء :" حسناء! "
ارتبكت أكثر :" نعم"
عقدت حاجباي و أنا أتأملها و هي تنسق خمارها بتشتت ثم تعود لتنظر لي فقلت :
" هل حضر رضا الجلسات عند عيادة صديقي"
قالت بمكابرة :" لا ! "
رمقتها بصدمة :" و لماذا؟؟! "
قالت بحدة؟:" أنبأتك أني لن أقبل أن تحاصرني بنبل أخلاقك لتحصل على ما تريد "
زمجرت بها فأفزعتها و أنا أرمي الأوراق التي بيدي بعنف :
" أمجنونة أنتِ؟؟ خاطرتِ بصحة أخيك لأجل سخافات كهذه؟؟ "
و رحت أبحث عن هاتفي و أنا أتمتم بحنق :
" تردت حالته كثيراً .. كثيراً .. لا يمكننا السيطرة على هذه النسبة المرتفعة من الشحنات الكهربائية"
فجأة انفجرت باكية .. فرحت أنا أتصل بصديقي صاحب العيادة و أنبأه بضرورة تحديد موعد قريب جداً لجراحة خاصة برضا .. من حسن الحظ أنه وافق و أخبرني أن بعد غد يوم مناسب ..
ما إن أقفلت الهاتف حتى هرعت هي ناحيتي و أمسكت بيدي صارخة :" لا! أتركوني و شأني.. أتركونا و شأننا .. دعونا نموت ! و ألا نكون تحت رحمتكم "
استدرت لها و تأملت وجهها المحمر المخضب بالدموع .. من دون ادراك مني أمسكت كتفيها و همست بلطف :
" اهدئي .. "
انتفضت هي بخوف ..تسمرت أنا من صدمتي من نفسي!! كيف فعلت ذلك؟؟ أبعدت يداي حَرجاً و تراجعت قليلاً منكساً رأسي .. و همست :" لن يؤذيك أحد صدقيني .. و لكن حالة رضا تستدعي الجراحة حقاً في مكان متخصص .. "
و رفعت عيناي لها فرأيتها تغض بصرها و تتنفس بصعوبة ..
لا يمكنني أن أصف لكم شعوري .. شعرت بنوبة صرع قادمة لتعصف برأسي عصفاً..
شعرت بقدماي ملتصقتان بالأرض تأبيان التحرك ..
أما هي فكانت أقوى مني .. فقد ركضت مُسرعة خارجة من الغرفة ..
أحببتها؟
نفضت هذه الفكرة عن رأسي، ! أنا في نظرها ذلك الذئب الذي يعسعس في الليالي الحالكة و يحوم حول فريسته و ينتهز الفرص للانقضاض عليها..
لن أحبها! بل لن أفكر فيها .. و سأمارس واجبي كطبيب على أتم وجه دون الاحتكاك بها .

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:42 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الرابع
؛
____________ ,، نقلت رِضا إلى العيادة دون علمي بأي أرض تكون حسناء.. شُغلت بتوصية صديقي على رضا و وعدته بتواجدي يوم العملية ... ثم عدت إلى المشفى لأرى سراج البغيض يتغزل في إحدى الممرضات ..
اقتربت ببطء فرأيته يلاحقها و يزعجها في عملها :" أريد غمزة من عينيك ، ضحكة من شفتيك ..أو لمسة من يديك "
استدارت له بوجهٍ محمر .. فرأتني أقف على مقربة ! كنت أكثر حرجاً منها .. سحبته من قميصه و خاطبتها منكساً رأسي :" المعذرة "
و مضيت و أنا أسحبه حانقاً .. نظرت له و كززت على أسناني :" ألا تخجل؟ تريد تشويه سمعتي يا متخلف"
ضحك و حرك حاجبيه :" ياهٍ يا طماع "
و أشار للممرضات قائلاً :" كلهن تريدهن لك ؟؟ كل هذا الجمال و كل هذا الغنج تريده لك وحدك يا أناني "
زفرت و أنا أرمقه هازاً رأسي يميناً و شمالاً :" لا فائدة .. عقلك ملوث .. "
و زجرته بحدة و قد احمر وجهي من فرط غضبي :" أغرب عني لا أريد رؤيتك ... و عد للمنزل أنا براء منك "
لا أدري لماذا جعل يضحك بسخرية !! يفترض أن يخاف مني؟؟ واتتني رغبة بتحطيم وجهه !
لبرهة تذكرت موضوع وداد ..
!!! يجب أن ألاقيها! استدرت و انطلقت لأرشيف ملفات المرضى و سراج يصيح :" أين تذهب؟ "
أسرعت بمشيي.. لكني توقفت لبرهة ممسكاً بساقي متوجعاً .. لهثت بتعب .. أرهقت تماماً .. اليوم بذلت كل طاقتي ! و تذكرت كيف أني لم أسكن على الحركة بل لم أجلس على مقعد ..
و لم أدخل مكتبي الجديد ! ..
استندت على الجدار و أنا أشعر بشد عضل بساقي .. :" آه .. "
هرعت إلي الممرضة و سألتني بقلق :" دكتور أتعاني شيئا...."
خاطبتها بإرهاق :" لا .. فقط اجلبي لي ملف المريضة وداد .. أخت الدكتور فؤاد "
ناولتني منديلاً ثم قالت :" حسناً "
ركضت هي بنشاط إلى الأرشيف بينما كنت أعرج و أنا أمشي إلى مكتبي و أمسح جبيني بالمنديل من العرق .. مررت بمكتبي السابق .. كان مفتوحاً .. رأيت دكتورة صديقة للدكتور فؤاد .. جالسة على كرسيي باسترخاء و هي تتحدث على الهاتف ..
ياه كان مكتباً واسعاً و يحوي ملفاتي و كتبي و أشيائي .. حتماً سأستعيده ! اتجهت إلى مكتبي الجديد ..، و ألقيت نظرة باهتة على الدكتور عادل و هو يلعب في الحاسوب ببرنامج ألعاب .. ثم انتبهت على وجود مكتب آخر لدكتورة مبتدئة تُدعى ( نوارة ).. رأيتها تبرد أظافرها و تهفها برقة ..
مشيت و أنا أجر قدمي جراً و رميت بنفسي على المقعد و نظرت إلى الطاولة أمامي .. كانت مغبرة و فوقها كيس القمامة الذي يحوي أشيائي ..
رمقتني نوارة و رفعت حاجبيها ثم ابتسمت :" دكتور مُحمد أخيراً شرفتنا بقدومك ؟؟ "
و قال عادل و هو منشغل باللعبة :" أشفق بحالك يا محمد .. فوق تعبك و اجتهادك في العمل تجاهلوك و حصل فؤاد على الترقية بدلاً منك "
و أكدت نوارة :" رغم أننا أخبرنا المسئول عن تفانيك في العمل و أحقيتك في الحصول على الترقية "
هززت رأسي و أنا ألهث متعباً .. فقال عادل ضاحكاً :" لكن جميل أن تؤنسنا هنا في الغرفة "
شعور سيء!
لستُ مغروراً .. و لكن كوني طبيب متقدم لا يصح أن أشاركهما غرفتهما لنصبح ثلاثة ! ثلاثة في غرفة واحدة .. و الخزانة ممتلئة ليس بها مجال لملف واحد من ملفاتي ..
هنا دخلت الممرضة و أقبلت ناحيتي تحمل ملف بيانات وداد ، تلقفت أنا الملف بسرعة و ابتسمت لها بامتنان:
" أشكرك "
ابتسمت هي و غادرت :" على الرحب و السعة دكتور "
سارعت بفتح الملف و نوارة و عادل يرمقاني ببلاهة! كأنهما يقولان .. ماذا يفعل هذا بعد؟ بحثت على بيانات عملها ..
كانت تعمل في مشغل خياطة تدير عمل الخياطين .. أسرعت باخراج هاتفي من جيبي و نقلت الرقم المدون إلى الهاتف و ضغطت الزر الأخضر و ظللت أنتظر الرد ..
أخبرتني المسئولة أن وداد استقالت من العمل منذ فترة بسبب ظروفها الصحية و بسبب رفض أهلها لفكرة عملها ..
أغلقت الهاتف سارحاً .. أهلها يعني فؤاد ! و فؤاد من حرمها من العمل .. و ظروفها الصحية متعلقة بحالتها النفسية المتأزمة و الأجسام المغروسة برأسها ..
دخلت ممرضة و قالت :" دكتور فؤاد سيبقى هنا إلى الساعة العاشرة و يريد منكم البقاء "
تذمرت نوارة و عادل .. و لكن فِكرة خطيرة هبطت على رأسي كالنيزك ..
نهضت مُسرعاً و مشيت ناحية مكتب فؤاد رغم الشد العضلي الذي أعانيه ! أخبرته أني لا أستطيع البقاء و يجب أن أغادر و اختلقت أعذاراً و كذبت و ألفت قصصاً.. و أخبرته عن الشد العضلي و استشهدت بالممرضة .. إلى أن سمح لي بالمغادرة ..
،,
أتودون معرفة ما أنوي فِعله؟؟
تعلمون أنني مجنون!
سأخبركم فقط لا تخبروا أحداً ..
سأذهب لرؤية وداد ..
تلك المرأة التي تعاني دون علم أحد
سأقابلها وجهاً لوجه
في منزل فؤاد!
في سيارتي رميت بردائي الأبيض الخاص بالمشفى جانباً و رحت أقود السيارة و أنا متوتر أتلفت حولي بارتباك ... فكرة شيطانية سيطرت على ادراكي ..
أريد رؤية تلك المرأة! لاشباع فضول ربما .. لانقاذ مظلومة ربما .. أو ربما لأكتشف ثغرات أكثر في فؤاد كي أخترقه ..
أكانت ترقيته لنائب مسئول أمراً سهلاً يمر علي مرور الكرام؟؟ لا داعي للمكابرة يا مُحمد .. لقد غُرت منه!
و في غمرة أفكاري رأيت وجهاً مشتعلاً يطل من نافذة سيارة أجرة يتأملني .. كانت ، حسناء! سُرعان ما غضت بصرها ..
تأملتها ثم عدت أنظر للطريق و حانت مني نظرة للمرآة ! لا شعورياً رتبت شعر غُرتي و رحت أفكر في علاقة الموجب و السالب التي تربطني بحسناء ... علاقة التجاذب و التنافر ..
تذكرت قراري الصارم مع نفسي بأن لا أوليها اهتماماً بعد اليوم ، فهل أقدر ... لا طبعاً !
و هل لشخص مجنون مثلي أن يقف أمام قوانين مثل هذه ؟؟

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:42 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
__________ ،, توقفت بالسيارة و نظرت للمنزل المتوسط الحجم و الذي يبدو جديداً .. ازدردت ريقي .. أي شيء أريد أن أفعله؟ يا إلهي .... كيف أوقف هذا التفكير الجنوني ..
انطلق صوت الهاتف النقال ليفزعني .. و تلفتتُ حولي ظاناً أن فؤاد رآني .. ثم عدت أنظر لاسم المتصل بربكة ! زفرت كانت أمي ..
أجبت :" أهلاً أمي"
قالت بصرامة :" متى ستأتي؟؟"
تنهدت :" أماه بعد ساعة أو أكثر بقليل .. هل هناك أمر طارئ؟"
خاطبتني بحدة :" كيف لك أن تتأخر هكذا ؟؟ علياء خرجت و لم تعد بالسيارة "
قلت باهتمام :" منذ متى ؟"
" منذ عشر دقائق "
ضحكت و قلت :" ياه! أمي هل أنتِ جادة ؟؟؟ بعشر دقائق لم تصل حتى إلى سوق الخضار "
و أكملت مختتماً الحديث :" أمي سآتي بعد ساعة ! لا أريد اتصالاً آخراً رجاءاً "
" حسناً يا وَلدي اعتنِ بنفسك "
" حاضر .. و داعاً "
أقفلت الخط و أنا أنظر لذلك المنزل مجدداً .. ثم فركت يداي بحماس قبل أن أطفئ السيارة و أهبط ناحية ذلك المنزل..
مضيت إلى الباب متلفتاً حولي .. الجو كان بارداً أو ربماً شعرت بذلك إثر حماسي الزائد .. وقفت على الباب و قرعت الجرس .. ثم رفعت رأسي أنظر للنوافذ العلوية ..
مططت شفتاي و أنا أنتظر .. فجاءني صوت مهتز :
" من؟؟ "
كانت هي .. هي.. لا أدري كيف عرفتها و لكن نبرتها الواهنة و الضعيفة تشير أنها هي ذاتها .. قلت مسرعاً:
" أنا فاعل خير "
صمتت لفترة .. قبل أن تقول :" و أي خير ستقدمه؟؟"
أكملت :" آنسة .. علمت أنك تعانين هنا .. و جئت أساعدك "
لم أسمع صوتاً و ظننت أنها لم تسمعني فهممت بإعادة العبارة لكنها قالت بشهقة :" و كيف علمت و من أنت"
قلت بغية الاستيضاح :" هل أخاك هو من قام بدس أشياء برأسك ؟؟"
لم أتوقع أن تنفجر بالبكاء ليصلني صوت آخر أكثر انثوية يبدو لفتاة أصغر بكثير :
" يا أخ .. رجاءاً ارحل .. فلو رآك أخانا سوف يقتلك "
التصقت بالباب و قلت باصرار :" المهم أنتما .. أخبراني .. هل تريدان مني إبلاغ الشرطة؟؟"
لم يصلني أي رد لذلك قلت :" أيعذبكما؟ ؟"
صاحت وداد الكُبرى :" كلا ، كلا .. فلترحل أرجوك .. ارحل "
عندما رأيت هذا الاصرار ..تراجعت و أنا أشعر بمأساتهما و صعدت سيارتي حائراً ..
،،
________،, أوجعني حالهما حقاً .. كأنني أراهما من خلف ذلك الباب .. و هما مقيدتان بأنابيب و أسلاك طبية .. و كل واحدة حليقة الشعر رأسها به شق طويل يدل أنه قد خيط بعد فتحه ..
مشهد مقزز و مؤلم أليس كذلك؟ و لكن هذا ما خطر ببالي ،, يا تُرى هل فؤاد متحجر القلب لهذه الدرجــــة؟؟ و لماذا؟؟ و لماذا ؟؟ و هل العلم النوراني الذي دعا إليه الاسلام .. يتحول إلى علم
شيطاني يدعو إلى محو الانسانية ؟؟
رن هاتفي الخلوي و كانت شروق ..أجبت :" نعم شروق؟؟
جاء صوتها مخنوقاً :" مُحمد ... أسر.. أسرع .... نحن نموت ..."
تجمدت لبرهة و آلاف من أبواق السيارات تهزني بأصواتها .. هَمست :" شروق ما الذي تقولينه؟ أين أنتِ "
" فِ .... بجانب محطة البنزين بالقرب من ...................."
و غاب صوتها ...
أعرفتم مقدار فاجعتي؟؟ .. ضغطت على البنزين فانطلقت السيارة إلى غير هُدى .. لا أعرف أي محطة بنزين تقصد و توقعت أن تكون قريبة من المدينة ...
و أصبت في توقعي ... كان الحادث هناك بالقرب من المدينة.. كان مشهداً مُروعاً مخيفاً .. اعتصر قلبي بقوة .. خرجت من السيارة و أنا ألهث ...
السيارة التي كانتا فيها مقلوبة و تحترق بشدة .. ركضت نحوها صارخاً :" شروق! ..علياء "
شعرت بالأرض تهتز من تحت أقدامي .. شعرت بالسماء تمطر لهباً .. و أنا أفتح عينين جاحظتين أتأمل سيارة مقلوبة في مشهد لا يُصدق ..
السؤال الصعب الذي طرحته على نفسي .. أكانت أختي و ابنة خالتي بداخل السيارة ؟؟ أتحترقان هناك؟؟ أتموتان هناك ؟؟
و كم كان الجواب صعباً مُراً ...
اسودت الدنيا فجأة من حولي و أظلمت و خفقان قلبي يزلزل كياني .. شعرت بكل شيء يتصادم و يحترق ثم يتلاشى .. شعرت بالسيارات كلها تتصادم و تحترق ثم تتلاشى و كذلك أنا .. بعضي يصطدم ببعضي فأحترق و أحترق و أحترق ثم أتلاشى ..
جررت قدمي جراً ناحية السيارة .. فهرع إلي الناس يمسكوني ، يوقفوني ..
" أنه مجنون " .. " أوقفوه " ..
نظرت لهم مخطوف الملامح .. و صحت :" أختاي هناك .. تحترقان "
و تأملت السيارة و هي تنفجر فتفجر بقايا الأمل بداخلي ...
بقيت متسمراً .. ألاحظ الشظايا التي تتطاير كأنها تحمل دماء أختي و ابنة خالتي .. كدت أتهاوى و أتحطم ..بل كنت أتمزق و أتمزق..
" الفتاتان نُقلتا إلى المشفى "
التفتتُ للرجل و أمسكته بقوة كأنني أتمسك بقارب النجاة .. صرخت :" أهما على قيد الحياة؟"
رمقني مُطولاً ثم هزّ كتفيه :" لا أعلم "
ركضت مسرعاً إلى السيارة.. رغم الشد العضلي الذي يشل حركتي .. صعدت السيارة و انطلقت مُسرعاً بأقصى سرعة يمكن أن أصل لها ..
رحت أمسح عرق جبيني .. و فكرت لبرهة في المشفى الذي يمكن أن تُنقلا إليه .. تناولت هاتفي و اتصلت على هاتف شروق .. لم تكن ترد .. أعدت الاتصال مضطرباً .. لكم أن تعرفوا كيف كان قلبي مجنوناً و هو يقرع و يقرع .
جاء الرد ليوقف قلبي فجأة ثم يضخ الدم بسرعة ..
" نعم؟"
صرخت :" شروق ، شروق .. أين أنتما ؟ أأنتما بخير ؟"
كان صوتاً رجولياً باهتاً :" صاحبة هذا الرقم تتلقى العلاج الآن "
قلت ملهوفاً :" في أي مشفى و أي قسم و أي غُرفة ؟؟"
____________،, دخلت المشفى راكضاً ... هرعت لموظفين الاستقبال الباردين بطبعهم .. سألتهم عن علياء و شروق .. ثم اتجهت للطابق العلوي ..استخدمت الدرج و لم أبالي بقدمي التي تجمدت خلاياها من شدة الألم ...
رحت أسأل الأطباء عن علياء و شروق و ألجمني وجه الطبيب الذي همس :" إحداهما تخضع للمعالجة الآن .. و الأخرى تستريح في هذه الغرفة "
لم أفكر بسؤاله من التي تستريح و من التي تُعالج ! بل أسرعت للغرفة التي أشار إليها .. فتحت الباب بقوة كدت أن أقتلعه من فرط لهفتي ..
كانت تستلقي على السرير مكشوفة الشعر ... التفتت لي ! كانت أختي شروق ..
" شروق! أأنت بخير؟"
ضممتها بقوة و هي بدورها بدأت تنتحب و هي متمسكة بقميصي ..مَسحت على رأسها لأهدئها لكن الخدوش الغزيرة في بعض مناطق جسمها و الضماد الملفوف على ذراعها كانت أشياء لم تخفى عني ..
رمقتني قلقة :" ماذا جرى لعلياء؟ ألم ينتهوا من علاجها؟"
نظرت لها مضطرباً و قلت :" لا أدري "
قالت بخوف :" أرجوك اذهب لتفقدها ... أخاف أن تكون اصابتها بليغة .. فهي لم يخرجوها من السيارة إلا بعد فترة "
تأملتها مُطولاً قبل أن أفزع لفكرة أن تكون علياء في وضع خطر.. نهضت مسرعاً .. خرجت من الغرفة و رحت أسأل عن علياء ..
أخبروني أنهم وضعوها تحت الملاحظة.. سألتهم إن كنت أستطيع رؤيتها .. و من حسن الحظ تعاطف معي أحد الأطباء و سمح لي بإلقاء نظرة ..
مضيت مسرعاً إلى تلك الغرفة و فتحتها ببطء ..
و سقطت الحقيقة المفجعة كالسيف ليفلقني فلقتين ..
أكنت أقوى على رؤيتها هكذا؟؟ أهي علياء ؟؟
لم تكن علياء المدللة الأنيقة .. كانت أخرى! أخرى تماماً .. لم أعرفها أبداً ..
وجهها مضمد .. شعر محروق و جسد مضمد .. و ساق مبتورة !
أعرفتم الآن ماذا حدث بعلياء ابنة خالتي
المُدللة! التي رفضتُ تدريبها السياقة؟؟
التي أوصتني عليها خالتي مراراً و تكراراً؟؟
التي منعتني أمي من تجريحها و اهانتها؟؟
ابنة خالتي التي أحبت و عشقت و كنت سأواجهها لولا ! لولا...
لولا هذا الحادث؟
وقفت قريباً منها ! تأملت ساقها المبتورة من الرُكبة .. رفعت نظري لوجهها المضمد! سَرت رعشة بجسدي جعلتني أغادر فوراً و أنا أغمض عيناي!
أكنتُ السبب؟! لطالما عاملتها معاملة سيئة بل و تعمدت تحقيرها ..! و رفضت تدريبها السياقة .. لو كنت دربتها بنفسي لما حدث ما حدث!
استغفرت ربي و دعوته أن يكون وقع الخبر بسيطاً على أمي و خالتي..
“” “” “”

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:42 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
__________________،, سأنتزع تلك المشاهد المؤلمة من قصتي! لا أريد تعذيبكم معي فلن أصف ما رأيته حين علمت أمي بالأمر ... كانت صدمة كبرى! بل و خيبة لا تفوقها خيبة! و بعد اسبوعين ستأتي خالتي من السَفر؟ ماذا نفعل؟؟
استفاقت علياء و كان من الصعب عليها التحدث .. أخبرونا أن وجهها محترق حرقاً بليغاً .. كذلك بعض مناطق من جسدها .. فضلوا أن يحلقوا شعرها ليداووا المنطقة المحروقة برأسها .. و هذا ما فعلوا على مرأى أمي التي كانت تنتحب بقوة ..
قررت أمي المبيت عند الفتاتين رغم رجائي لها بأن تعود للمنزل و تستريح لكنها أبت ذلك! لذلك أنا وحدي فاتجهت لمنزل أبي للمبيت هناك..و لأخبر أبي بإصابة شروق..
ركنت السيارة و اتجهت نحو الباب لأفتحه بالمفتاح الذي لدي... دخلت للداخل و رأيت المنزل مظلماً! يبدو أنهم نيام ..
اتجهت نحو غرفة سراج و حاولت فتحها، كانت مقفلة .. يبدو أنه نائم و لا فائدة من الطرق لأنه لن يستيقظ و عوضاً عن هذا سأوقظ الجميع من الضجيج ..
قررت النوم في الصالة.. استلقيت على الأريكة بعد أن خلعت قميصي و أبقيت سترتي الداخلية .. هاجمتني الأفكار بجنون ! و عصفت برأسي عصفاً ما بين تأنيب ضمير و ندم ! صورة علياء لم تبرح مخيلتي أبداً ..
أنّى لها أن تحتمل؟ أنى لها أن تقتنع ؟؟
صرت أخشى أن تفيق لتجد نفسها بهذه الحالة فيصيبها الجنون ! أو .. أو تموت من فرط الصدمة!
تلك الأفكار كانت مؤلمة و لم يكن بمقدوري تحملها ! و دعوت ربي أن يصبرها و يعينها..
هنا سمعت صرير الباب الرئيسي و هو ينفتح ببطء شديد! و كأنه شخصٌ يخشى أن ينتبه له أحداً
لص؟؟
ارتبكت لهذه الفكرة الخَطيرة .. و تجرأت لأرفع رأسي ببطء لأنظر لذلك الشخص الذي يمشي على أطراف أصابعه؟؟ لم أكن أرى ملامحه.. سواد في سواد..
هنا هو لمحني ! فتسمر .. و لم يبرح مكانه .. إلا عندما قلتُ أنا :" من أنت؟؟ "
لازال متسمراً ... لكنه همس :" مُـ.... مُحمد؟؟"
صوت سِراج؟؟ .. همست :" سِراج ؟؟ ماذا تفعل؟؟ "
أشعل هو المصابيح .. و نظر لي قائلاً :" ما الذي جاء بك؟؟؟ "
عقدت حاجباي :" سراج؟ ما هذه النبرة؟ جئت أبيت هنا و هل هي أول مرة أبيت معكم؟"
اتجه هو للسلم فخاطبته :" أين كُنت و لماذا تأخرت لهذا الحد؟؟؟ و هل تعلم أمك بأمر خروجك؟"
التفتت لي حانقاً :" كفى .. اخرس "
نهضت و صرخت به :" سراج ؟؟ "
تقدمت ناحيته بغضب و لاحظت أنه ينوي اخفاء شيء ما في جيبه .. فهجمت على يده و انتزعت ذلك الشيء بقوة .. لبرهة تسمرت !
نظر لي و قال :" أنها أقراص منبهة .. ذهبت للمذاكرة مع أصدقائي "
نظرت للأقراص ! فعلاً كانت هي نفسها التي أعطيها إياه ! و لكن لماذا يبدو و كأنه ارتكب جرماً؟
صعد هو على الدرج فتأملته لبرهة حتى دخل غرفته ..
تنهدت لقد ظننت به سوءاً ! و لكن يجب أن يحترمني قليلاً !
قررت الذهاب لغرفته و النوم معه فالأريكة ليست صالحة للنوم عليها ..
فتحت باب غرفته و صُدمت به و هو يبتلع أقراص جديدة منبهة!
نظر لي و ارتبك!!
تقدمت و أنا أنظر له بشك .... ثم هَمست :" سِراج ، لا تقل أنك .............."
،،,,
رمقني مرتجفاً و قد تشتت خوفاً ... ثم صرخ فجأة :" نعم.. نعم .. أدمنت هذه الحبوب .. "
و عض شفتيه مُنكساً رأسه و أنا أرمقه مذهولاً ..
أنها الصاعقة الثانية التي تهبط عليها فتصعقني و تحولني لأشلاء!!
و لم أكن بحاجة لكلماتٍ كالجمر الملتهب تترامى علي بجنون من سراج :
" بسببك أنت ! في كل مرة أطلب منك الحبوب تعطيني إياه بلا تردد ... بسببك أنت أنا وصلت لهذه الحالة"
وقفت كفزاعة تهاجمها الريح من كل جانب ..
نهض سراج و رمى بوجهي الأقراص بعنف ثم تقدم ليقبض على قميصي هامساً :" و الآن يا أخي الطبيب هل تجد علاجاً؟؟ "
تأملته و هو يكز على أسنانه ثم يصرخ :" لا ! لن تجد بعد أن ضيعتني .. بعد أن .. بعد أن "
و رفع يديه بتشتت :" بعد أن آذيت محبوبتي و .. زنيت بها "
و أجهش بالبكاء و هو يجثو على ركبتيه و أنا أنظر له مشدوهاً فاغر الفاه !!
رفع رأسه بوجهٍ محمر و همس :" فعلت كل شيء .. بسبب أقراصك الشيطانية .. يا مُحمد "
هنا ثار الدم في عروقي ! بل و التهب وجهي و أنا أرمقه بحنق ..شعرت بأخي يتحول لقذارة! لمسخ شيطاني يسيل من فمه اللعاب ..مجعد الوجه ..
بلا انسانية! أنه ليس أخي ! ليس أخي ..
لم أنتبه لنفسي و أنا أصفعه و أصفعه ! و أفرغ جُم غضبي عليه .. و مع كل صفعة أزيد جنوناً.. أدفع بجسده النحيل إلى السرير و أركل بطنه مرة و مرتين و عشر ..
بل و أصرخ ، و أشتمه .. و أشتم نفسي .. و أشتم الصيدلاني الذي يعطيني الحبوب .. و أشتم الدراسة المزعومة التي يتظاهر بها سراج لكي أزيده أقراصاً فوق أقراص ..
و أشتم غبائي و غفلتي! و سذاجتي ..
لم يوقفني إلا صوت أبي بصرخة :
" محمد "
رفعت رأسي و وجهي مخطوف الملامح .. ألهث! ألهث! فأزدرد ريقي ... تركت جسد سِراج .. وجه أبي كان يحمل ملامح غضب شديد و هو ينظر لسراج ثم ينظر إلي .. همس :
" كيف تجرؤ على ضرب أخاك؟"
هُنا ظهرت زوجة أبي ( نهلة ) و ركضت مسرعة لتحتضن سراج بحنان و تمسح الدم من أنفه ..
رفعت رأسي لأبي الذي اقترب مني غاضباً .. رفع يده و هوى بها على وجهي بصفعة ألجمتني!

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:43 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الخامس
رفع رأسه بوجهٍ محمر و همس :" فعلت كل شيء .. بسبب أقراصك الشيطانية .. يا مُحمد "
هنا ثار الدم في عروقي ! بل و التهب وجهي و أنا أرمقه بحنق ..شعرت بأخي يتحول لقذارة! لمسخ شيطاني يسيل من فمه اللعاب ..مجعد الوجه ..
بلا انسانية! أنه ليس أخي ! ليس أخي ..
لم أنتبه لنفسي و أنا أصفعه و أصفعه ! و أفرغ جُم غضبي عليه .. و مع كل صفعة أزيد جنوناً.. أدفع بجسده النحيل إلى السرير و أركل بطنه مرة و مرتين و عشر ..
بل و أصرخ ، و أشتمه .. و أشتم نفسي .. و أشتم الصيدلاني الذي يعطيني الحبوب .. و أشتم الدراسة المزعومة التي يتظاهر بها سراج لكي أزيده أقراصاً فوق أقراص ..
و أشتم غبائي و غفلتي! و سذاجتي ..
لم يوقفني إلا صوت أبي بصرخة :
" محمد "
رفعت رأسي و وجهي مخطوف الملامح .. ألهث! ألهث! فأزدرد ريقي ... تركت جسد سِراج .. وجه أبي كان يحمل ملامح غضب شديد و هو ينظر لسراج ثم ينظر إلي .. همس :
" كيف تجرؤ على ضرب أخاك؟"
هُنا ظهرت زوجة أبي ( نهلة ) و ركضت مسرعة لتحتضن سراج بحنان و تمسح الدم من أنفه ..
رفعت رأسي لأبي الذي اقترب مني غاضباً .. رفع يده و هوى بها على وجهي بصفعة ألجمتني!
أنا ابنه الأكبر الذي أبلغ السابعة و العشرون من عمري .... الذي أرضيته طوال تلك السنين و رفعت رأسه .. لم أتوقع أبداً أن يصفعني كما لو كنت مراهقاً طائشاً ..
زمجر :" تضرب أخاك ؟؟ اذهب و دع والدتك تربيك ثم تعال تتسلط على أبنائي .. أنا الذي جعلت باب بيتي لك مفتوحاً .. هكذا تتخطى حدودك ؟؟ لكني أعلم أن أمك زرعت فيك هذا الكره لي و لأبنائي .. "
كنت سأبرر و أخبره عمّا فعله ابنه لكني لمحت عينا سراج .. كانتا تحملان ضُعفاً و رجاءاً .. كان يريدني أن أسكت ! و أدفن الشيء الذي اكتشفته بداخلي.. لأظهر أنا الظالم و هو المظلوم!
صرخ أبي :" أخرج من بيتي .. هيا "
مضيت و الدُنيا تظلم من حولي ... لم أكن أرى شيئاً أمامي!!
________________،, قدت سيارتي و أنا مشغول البال ! بالأحداث التي تتوالى علي فلا تمنحني فرصة للاستيعاب!
أبي ! لم يكن قاسياً يوماً معي.. بل كانت لي معزة كبيرة لديه ...و لكن يتضح الآن أن أبناء نهلة أعز بكثير من أبناء عَفاف أمي ..
تباً لك يا سِراج!! تبــاً.. !!
،,
اضطررت للعودة للمنزل .. رغم وجود الخادمة وحيدة ! .... دخلت و اتجهت لغُرفتي .. استلقيت على السرير متنهداً! ... الكرامة تقول : شخص يطردك يجب ألا تعود له مجدداً
المنطق يقول : شخص منحط مثل سراج يجب ألا تحادثه مجدداً
و مُحمد يقول: لا قوانين لدي ! لذا فمن الطبيعي أن أعود في الغد لهما كما لو لم يحدث شيء!
تخيلت أخي سراج الطاهر البريء كيف يتحول لذئب شرس ينتهك عرض فتاة ! ؟؟ كيف؟ أمر لم أستوعبه! كيف تتحول الأشياء التي نألفها إلى أشياء مفترسة مخيفة ..
حتى سريري هذا الذي يضمني و يريحني على هذا القانون ربما يطبق علي فيخنقني..
أفكار مشتتة شغلتني عن النوم ..و أنا أشعر بغرفتي الهادئة تتحول لغرفة مخيفة حالكة الظلام تتحرك فيها الأشياء و تستيقظ الأشباح لتحوم في فضاء هذه الغرفة ..
أفكار خاوية سخيفة لكنها أرعبتني ! و لذا جذبت الغطاء على جسدي و أغمضت عيناي مرتجفاً بخوف..
عُدت أفتح عيناي مجدداً لأنظر حولي لأرى غرفتي هاهي .. لا أشباح تحوم و لا عفاريت تطل علي ..
تخيلت وجه سراج يظهر أمامي و يصرخ :" بسببك ! بسببك ! يا مُحمد"
ثم يظهر وجه علياء المضمد .. فينفك و تظهر عينين باكيتين مملوءتان بالدموع
" بسببك يا محمد"
قبضت بأصابعي على الغِطاء!..
هل سأتسبب بالمزيد بالعناء للأشخاص الذين أحبهم؟
____________ استفقت صباح اليوم التَالي .. غارقاً في العرق .. جلست على السرير أحرك قميصي و و أزفر مستاءاً ! نسيت إشعال المكيف كالعادة و لم يوقظني الحر .. كانت أمي تشعله عوضاً عني ! أعرفتم كم أنا مُدلل .. لكن نصيبي من الدلال لا يساوي شيئاً أمام شروق و بالأخص علياء ...
نَهضت مسرعاً للاستحمام لأذهب للمشفى .. و من هناك سأطمئن على شروق و علياء و أعيد أمي للمنزل .. انتهيت من كل شيء و هبطت على الدرج مُسرعاً قاصداً المطبخ .. أفتش في الثلاجة عن شيء يؤكل ...
افتقدت فطور أمي بأطباقه المتنوعة..هُنا أطلق هاتفي رنينه .. و يا لدهشتي كان المتصل أبي!
أسرعت بالإجابة ..لكني تمهلت! من المفترض ألا أجيب أليس كذلك .. تَلمست خدي .. صفعة الأمس لازالت آثارها باقية..
لكني طردت هذه الأفكار و أجبت بهدوء :" مَرحبا أبي "
" أهلاً مُحمد .. هل ذهبت للعمل؟"
" لا"
" أريد مقابلتك "
" حسناً "
--
لاقيته في الشارع و كم كنت متشتتاً أحاول أن أبدو طبيعياً و كأن لم يحدث شيء بالأمس .. تأملني هو لبرهة ثم قال :" محمد .. حادثتك فيما سبق عن صعوبة الحياة مع نساء و أولاد .. "
رفعت رأسي له فأكمل :" و فعلاً التربية الفعلية تحتاج بعض الأشياء التي نقوم بها جبراً و ليس رضاً.. فلو لم أفعل ذلك يا مُحمد للقيت اللوم الشديد من زوجتي و من ابني ... و علي أن أرضي جميع الأطراف "
خاطبته :" أبي لا داعي لتقل كل هذا أنا أتفهم موقفك .. "
" لماذا ضربته؟"
هنا تشتت ثم قلت :" عاندني و قلل أدبه .. و كنت متعباً ليس لي مزاج لتحمله"
و قلت لتغيير الموضوع :" أبي شروق في المشفى "
نظر لي مصدوماً :" ما بها؟؟"
" حادث بسيط تعرضت لبعض الرضوض و الخدوش "
و قلت :" سأذهب الآن لرؤيتها .. أتأتي معي؟"
هزّ رأسه بـ ( نعم )
__
وصلنا للمشفى و اتجهت مع أبي لغرفة شروق .. فتحنا السِتارة .. لنرى أمي و هي تُطعم أختي و تحادثها و تلاطفها .. ثم نظرتا إلينا و فوجئتا بتواجد أبي
!!
ارتسم على ملامحهما الازدراء و
الحنق و صاحت أمي :" أخرج ! "
اقترب هو و قال بحدة :" لم آتي لكِ ،أتيت للاطمئنان على ابنتي "
انكمشت شروق :" ها قد اطمئنت! هلّا خَرجت؟"
زفر و خرج مشتاطاً ..
_____________،, العَلاقة بين أبي و أمي و شروق علاقة منكسرة لا يمكن أن تنجبر ! أبداً ، أبداً ! عموماً عاد أبي بسيارة أجرة لمنزله .. و أعدت أنا أمي للمنزل بعد أن أوصتني أن أطمئن على شروق و علياء كل حين ..بما أنهما في نفس المشفى الذي أعمل فيه..
من ناحيتي جلبت لشروق متطلباتها و طللت على علياء فكانت على حالها تتأوه و تتأوه و لا نرى من وجهها شيئاً !
اتجهت نحو مكتبي لكن ! صادفني فؤاد بنظرة حادة و عقد ذراعيه أمام صدره :
" ما كُل هذا التأخير يا دكتور محمد؟؟"
توقفت الممرضة سُعاد و هي ترمقني .. فقلت :" ذهبت لمعاينة أختي المريضة و ابنة خالتي و أعدت أمي للمنزل "
رفع حاجبيه ثم قال بصرامة :" كل هذا ؟؟ بدون أن تستأذن ؟ هيا باشر بعملك هيا "
شعرت ببعض الاهانة ؟ هل شعرتم أنتم أيضاً؟؟
خاطبته بلباقة :" المعذرة .. "
و مضيت إلى ناحية مكتبي تلحقني الممرضة سُعاد تحدثني عن المرضى الذين أتوا اليوم .. و قالت :
" لقد كان الدكتور فؤاد ينتظرك و وكل إليك مهمة علاج المرضى الذين في ينتظرونك حالياً في غرفة المعالجة"
فتحت باب مكتبي و نظرت لنوارة و عادل الذي يتحدثان مع بعضهما البعض بمرح و أيضاً يأكلان ! و نظرت للممرضة :" و هذان ؟ لماذا لم يوكل لهما الدكتور فؤاد أية مهمة ؟؟ "
واضح جداً أن الدكتور فؤاد يستهدفني أليس كذلك؟
و لست مجبوراً أن أسايره!
كبرت في ذهني فكرة جنونية!
نظروا لي جميعاً و أنا أغادر :" لدي مهمة ضرورية خارج المشفى ... لن أعالج أي مريض الآن"
صاح عادل :" يا مجنون متأخر و ستستأذن أيضاَ ؟؟"
و لمَ لا؟ و هل سأخشى من فؤاد؟؟
أوصيت سعاد بابلاغه و انطلقت نحو سيارتي..
تعرفون ما هو المشوار الضروري؟؟
كون رِضا أجرى العملية! يجب أن أشتري له الأدوية اللازمة الباهضة الثمن بالنسبة لراتب حسناء .. و أنا متأكد أنهما لم يشتروها .. و سأزورهما بالمرة في منزلهما!
--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:44 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
_______________،, قرعت جرس منزل حسناء و رضا .. منزل صغير جداً و متواضع .. رحت أنسق هندامي و أنا أحمل كيس الأدوية الذي كلفني الكثير و لكن كل شيء يهون ! يهون إلى أجل من؟؟؟ صعب أن تصارح نفسك بأنك بدأت تسلك ذلك الطريق المجهول ! طريق الحُب ؟..
طردت تلك الأفكار و الباب ينفتح فأبتسم حين رؤيتي لرضا بالضماد على رأسه .. تسمر مصدوماً .. اقتربت منه و صافحته و ربتتُ على كتفه :" كيف الحال؟ أنت بخير رضا؟؟ "
ابتسم بارتباك :" نعم .. تفضل يا دكتور "
دخلنا سوية فسبقني و هو يتنحنح بغية تنبيه أخته .. المنزل كان ضيقاً .. و يبدو أنه لا يوجد إلا صالة للاستقبال .. دخلت مع رضا على حسناء التي ترتدي خمار الصلاة .. ثم استدارت لنا بملامح صدمة شديدة ..
ابتسمت بدوري :" مرحباً آنسة حسناء؟؟"
نهضت من سجادتها و طوتها و هي تضعها جانباً .. ثم مضت قائلة بنفور :" تفضلا "
يقولون إن لم تحبك الفتاة من أول مرة و ثاني مرة .. فلن تحبك أبداً .. وهذا يبدو صحيحاً ..... جلست مع رضا و سألته عن أحواله .. حتى جاءت حسناء جامدة الوجه و وضعت صينية الطعام على المنضدة .. ثم جلست جانباً ..
خاطبها أخاها بفرح:" أنظري حسناء .. الأدوية التي أوصانا بها الطبيب ها قد اشتراها دكتور محمد "
نظرت هي لكيس الأدوية ثم نظرت لي ببرود :" كم كانت التكلفة ؟"
حككت رقبتي بحرج و ابتسمت :" و لو آنسة حسناء ! أنتم أهلي .. و ليست بيننا كُلفة "
لكنها قالت باصرار :" أخ محمد .. رجاءاً أخبرني بالتكلفة .. و إلا فهذه الأدوية مرفوضة"
نظرت لرضا المرتبك .. التكلفة ضخمة و لا أريد التسبب بالحرج لهم و لي ..
قطة سوداء ظهرت فجأة فأنقذت الموقف .. لذلك نهض رضا لطردها ..
نظرت أنا لحسناء و ابتسمت :" أخت حسناء اعتبروني صديقاً "
عقدت حاجبيها :" و هل تفعل هذا لجميع المرضى؟؟ تزورهم في بيوتهم ؟؟ "
قلت :" لا .. إذا استدعى الأمر "
فقالت بحدة :" و إذا كان المريض وحيداً مع أخته في المنزل فهل من الذوق أن تزورهما على مرأى من الجيران ؟"
هنا تصبب العرق على جبيني و أنا أنظر لها بارتباك .. ثم همست :" أعتقد أني جئت لإعطاء رضا الأدوية .. و لم آتي بدون غرض "
زمجرت :" و الآن و قد أعطيتنا أدويتك .. و شكرناك و ضيفناك .. ماذا بعد؟"
طَرد مباشر أليس كذلك ؟؟
نظرت لرضا الذي صاح مرتبكاً :" حسناء! أرجوكِ! لقد .. كان كريماً معنا "
نهضت و خاطبت أخيها :" نحن لا نحتاج شفقة أحد يا رِضا ..فليكن كريماً لنفسه ! و إما أن يحاول استمالتنا لفعل ما يشاء فهو أمر يجب أن ترفضه يا أخي .."
هُنا جاء دوري لأفصح بما لدي .. رفعت رأسي لحسناء و قلت :
" كونك تظنين بي هذا الظن هذا شأنك ..فأنا لست أنتظر مقابلاً من مرضاي .. و لكن إذ كنت تشعرين بأن شيء ما يخصك ......."
قاطعتني بانفعال :" نعم أشعر أن هناك شيء يخصني من معاملتك الطيبة "
نظرت لرضا ثم قلت بجدية :" فعلاً .. أنا أود خطبتكِ "
،,
" فِعلاً ! أنا أود خطبتكِ "
علت ملامح الذهول على وجهها ! و كذلك رِضا ...
لم أفهم معنى هذه النظرات الصارخة!! أهي الرفض أم القبول؟؟
ابتسمت لها و توقعت أن تبتسم هي و تنكس رأسها حرجاً و لكن جاء الرد غريباً فعلاً ..
اتجهت هي لكيس الأدوية و رمته باتجاهي بقوة ثم أشارت للباب :" أخرج.. "
عقدت حاجباي و صرخ رضا :" حسناء ، ما بك ؟؟ الرجل يريد الارتباط بك على سُنة الله و رسوله "
مضت مسرعة خارجة من الصالة ..
‘’
___________________،, لكم أن تعرفوا مقدار الإحباط الذي أصابني ! بل مقدار الحرج الشديد الذي اعتراني ..و أيقنت أني تذللت كثيراً كثيراً للظفر بحسناء الذي على ما يبدو لها أسبابها الخاصة في رفضي .. بعد هذا الموقف ؟ يفترض أن أنسى حسناء و أخيها رِضا .. يفترض أن أدرك أني أهدرت كرامتي بما فيه الكفاية!
لن أنكر أنها أول فتاة أعجبت بها .. لكن يجدر بي أن أنساها! بل شخص مكاني سيكرهها ..
عدت للمشفى و أنا أندم على تلك اللحظة التي فكرت بحسناء .. و لمَ فكرت بها ؟ صحيح أن شخصيتها قوية ! و لكن هناك آلاف من الفتيات غيرها ! إذ كنت فعلاً أريد الزواج .. لكني لم أُقدم على هذه الخطوة إلى الآن اعتباراً لرأي أبي .. في الحقيقة !؟ أنا أريد أن أتزوج ! أقولها و وجهي يتورد خجلاً.. !
هذه الرغبة لدي منذ زمن طويل و لولا أن والدي مصر على عدم زواجي لكنت تزوجت منذ زمن.. ! و كذلك أمي لم تفاتحني في موضوع الزواج و لو فاتحتني؟ لصرخت : أريد الزواج !
أني أثير شفقتكم أليس كذلك؟؟
لكن لن أصمت أكثر! قريباً سأفاتح أمي بهذا الموضوع علها تجد العروس المناسبة!
أثناء عملي بفحص أحد المرضى .. دخل الغرفة الدكتور فؤاد و هو يرمقني بحدة ثم قال :" فور انتهائك تعال لمكتبي "
واضح أنه سيؤنبني على خروجي من الدوام! و لستُ بمزاج جيد لهذا!
كتبت الأدوية للمريض و خرجت مسرعاً إلى غرفة فؤاد .. ما إن دخلت حتى تسمرت إثر صرخة :
" مُحمد!!!! "
رمقته بصدمة حيث اقترب ثائراً فهمست :" ماذا ؟ أهناك أمر؟"
وقف أمامي و رص على أسنانه :"تماديت! تماديت يا مُحمد .. صدقني سأخصم من راتبي و أعلمك كيف تحترم أوامري "
قلت بهدوء :" خرجت لأوصل الأدوية لمريض من المَرضى .. لم أخرج لشيء غير العمل"
هتف :" يا سَلام ! و منذ متى لدينا خدمة توصيل الأدوية؟؟ "
هنا ثرت أنا و أقول منفعلاً :" لهذه الدرجة خروجي أثر في العمل ؟؟ عادل و نوارة لم يخرجا من غرفة المكتب لماذا لم يأخذا مكاني ؟؟ "
و قلت رافعاً أحد حاجباي :" أم أنك تتعمد افتعال الشجار معي دائماً؟؟"
التهبت عينا فؤاد قبل أن يقول :"ترقب خصم الراتب يا محمد "
و أشار للباب :" انصرف"
--
___________،, طرقت باب غرفة علياء في المشفى ..و فتحته ! لأرى شروق تتحدث معها و تحاول إضحاكها .. لكن الأخرى كانت تعود تبكي ! لم تكن واضحة ملامحها ... بمجرد أن تنحنحت للدخول ضحكت شروق :
" مُحمد ! تعال أقنعها أن تأكل "
فجأة انتابت علياء حالة هستيرية و هي تنكمش على نفسها و تصرخ بحنق! انسحبت فوراً ... يبدو أنها لا تريد مني رؤيتها و هي على هذه الحَالة!
،,
مرت الأيام ! و أمي مهدت لخالتي بالحادث الذي جَرى فعادت خالتي من السفر ملهوفة على ابنتها و صُعقت برؤيتها على هذا الحَال .. انتابتها حال حزن شديدة على ابنتها خصوصاً بعد أن خرجت من المشفى هي و شروق ..
في ذلك اليوم و هي على السرير الطبي أتى الطبيب و أخبرنا أنه سيقوم بنزع الضماد عن وجهها .. لا يمكنني وصف ما رأيت .. اختفت ملامحها مع آثار الحرق الشديدة على وجهها و رقبتها و على هذا فقد انهارت خالتي تماماً ..
عُدنا للمنزل و لست أدري أخفف عن من؟ عن علياء الصامتة؟ أم خالتي المصدومة ؟ أم أمي؟ أم شروق .. أم عني أنا ..
انزوت علياء في غرفتها .. فالآن هي مشوهة و مقعدة أيضاً ! صَعب ما حدث و لكن يجب على الجميع تقبله ..
هبطت شروق و هي تهزّ كتفيها :" لا تريد عشاءاً "
نظرت لي خالتي و قالت بقلق :" بربك يا مُحمد هي تحترمك و سوف تطيعك ! أرجوك اقنعها أنت بتناول الطعام "
نظرت لأمي التي هزّت رأسها مؤيدة.. فنهضت متجهاً نحو الغرفة و وقفت أطرقها مراراً و أتنحنح لكي ترتدي حجابها .. لتغطي الحروق العميقة برأسها..
فتحت الباب ببطء و طللت برأسي لأراها تنكس رأسها و هي تعبث بخمارها .. ابتسمت لها و اقتربت :" علياء عزيزتي! "
رفعت رأسها ونظرت لي ثم غضت بصرها .. رأيتها تغطي وجهها بالخمار و جاء صوتها مخنوقاً :
"صُرت مخيفة أليس كذلك؟؟"
أوجعني حالها حقاً .. فربتت على كتفها و همست :" علياء لا تقولي هذا ! حسناً أنا أريدك أن تتناولي الطعام"
كتمت رغبتها بالبكاء .. فوضعت أمامها أطباق الطعام قائلاً بمرح :" هل نتناول الطعام سوية؟ "
و قلت بمشاكسة :" ينبغي أن تسرعي قبل أن ألتهمه كله "
رفعت وجهها المغطى بالخمار الشفاف الذي كشف عن ابتسامة باهتة .. أما أنا جلست و رحت أنسق الأطباق أمامها و أشرت لطبق المكرونة :" ما ألذه! لقد صنعته خالتي خصيصاً لك"
تناولت هي الملعقة هامسة :" كانت مصدومة أليس كذلك؟؟"
بدأت أنا بتناول الطعام قائلاً :" كانت خائفة عليكِ ! لذا ينبغي ألا تقلقيها "
" و أنت؟"
رفعت رأسي لها :" أنا ماذا؟"
عبثت هي بالملعقة ثم قالت بهمس :" أأنت مصدوم من شكلي ؟؟"
لم أعرف حقاً بمَا أجيب .. لذلك قلت :" أنتِ لم تدعيني أنظر لعينيك بعد .. "
و ابتسمت لها :" هل لك أن تُنزلي الخمار لأتأكد أنك علياء ذات العينين الجميلتين؟؟ "
تسمرت مدهوشة ثم تشتتت ..فقلت لأطمئنها :" بالنسبة لساقك .. لا تقلقي أبداً ! لدي صديق يملك عيادة لتركيب الأطراف الصناعية تركيباً دقيقاً كما لو كانت حقيقية ..ما رأيك؟ ستعودين تمشين كما في الماضي "
تأملتني مطولاً ثم قالت بامتنان :" شكراً "
ضحكت بمرح و كأني أنجزت انجازاً عظيماً :" كم أنت رائعة! أحب أن أراكِ متفائلة دائماً "
و منحتها ابتسامة مُشجعة ..

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:45 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
دفعت بباب الصيدلية و أنا أحمل كيس الأدوية الذي رفضته حسناء.. وقفت أمام الصيدلاني أحاول اقناعه بأن يقبل الأدوية و يعيد نقودي و أكدت له أني لم أفتح أيّ منها .. لكنه رفض ..
سحبت الكيس باحباط .. لو كنت اشتريت نظارة طبية جديدة رفيعة الجودة بدل هذه الأدوية الباهضة لكان أفضل بكثير ..
" مُحمد"
رفعت رأسي لأرى سِراج!!! سِراج أخي..
نظرت له حيث كان يحمل أقراص حبوب منبهة ! وشعرت بلسعة حادة بصدري .. مضيت مسرعاً فاستوقفني و هو يمسك بذراعي ثم همس برجاء:
" مُحمد ! أنا أموت! كل يوم أتجرع هذا السُم "
استدرت له بملامح حانقة.. لكن سرعان ما ارتخت ملامحي و أنا ألاحظ الحالات السوداء و شحوب وجهه الواضح! همس : " أرجوك .. لا تتجاهلني! "
قلت :" ليس ذنبي أنا! لست أنا من يحمل أخطائك "
هتف :" لكن من سيساعدني يا مُحمد غيرك .. لو علم والداي بهذا الأمر لسوف ، لسوف "
و رفع أنظاره لي بخوف :" لا يمكنني تخيل ما سيحدث لهما "
تأملته لبرهة ثم قلت بتأنيب :" كان يجب أن تخبرني منذ البداية و ليس بعد أن تردت حالتك ..و كان يجب أن تكبح شهواتك و ليس أن تنفلت بلا قيود"
نكس رأسه بحرج .. فنزعت أنا منه كيس الأقراص و أعدته للصيدلاني و قلت :" بما أن العُطلة الصيفية ستبدأ .. من السهل أن تتعالج بشكل منتظم و سري عن والديك.. على اساس أنك مشترك في نشاط صيفي "
و خاطبته بجدية :" المُهم الآن دراستك ، أنها السنة الأخيرة"
تهلل وجهه باشراقة النجاة و قال :" بالطبع ! و سوف أتعالج و أتخلص من هذا الدَاء ! "
و قبّل جبيني :" أشكرك محمد لوقوفك معي .. "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:46 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء السادس
______________،، خرجت صاعداً سيارتي منطلقاً للبنك .. لأستلم راتبي أخيراً ! صُعقت!! و أنا أفرد أوراق النقود في يدي ... رُبعه مخصوم؟؟
ربع راتبي مخصوم!
تذكرت حديث فؤاد و تهديده بأن يخصم من راتبي ..! و لم أتوقع أن المسئول سيطيعه في شيء كهذا؟؟ فأنا جاد في عملي و متفاني و كلما يراني المسئول يثني علي و يمدحني و يعدني بمكافأة !!!
و لكن! كيف خُصم راتبي! يا لهذا الشعور السيئ! تباً!!! سكتت على موضوع نقلي لمكتب مشترك فهل سأسكت على خصم راتبي؟؟
كززت على أسناني و رحت أبعثر شعري بيداي بقهر ...فأنا فِعلاً بحاجة لهذه النقود المخصومة خصوصاً بعد صرفي لمبلغ كبير في الشهر الفائت على الأدوية ...
تبــــــاً !
وضعت النقود في محفظتي و أنا أهمس :
" فؤاد هذا يريد أن يثير جنوني ! "
،
عُدت للمنزل لتصادفني شروق و هي ترتدي عباءتها :" جئت في وقتك "
و هَمست :" سنخرج مع علياء للتخفيف عنها "
عقدت حاجباي :" أنها مَريضة كيف ستخرج "
انتفضت بحنق :" و هل ستصبح مثل خالتي؟؟ بالكاد أقنعنا خالتي بالموضوع! "
و قالت و هي تضع كفيها على خصريها :" أتعلم أنها لا تريد الذهاب لمنزل خالتي! هه! تفضل البقاء معنا و بدورنا نحن الترويح عنها "
و اقتربت بوجهها نحوي بنظرات حادة :" أليس ذلك صحيحاً دكتور محمد؟"
هززت رأسي ثم قلت ملوحاً بكفي :" سآخذ قيلولتي من ثم ....."
زجرت بي شروق :" أي قيلولة؟؟ "
و وضعت يديها على عنقها كأنها تريد خنق نفسها .. ضحكت على حركاتها ثم ضربت جبينها باصبعي :
" شروق كفى تهريجاً .. أمري لله ! طلباتكم كلها مطاعة يا جيل التدلل "
و اتجهت للسيارة قائلاً :" هيا اجلبي ابنة خالتكِ .. لنذهب لمطعم قريب.. "
الفِكرة راقت لي حقاً .. سأشبع عصافير بطني ! و سأغير جو الكآبة الذي يسيطر على علياء و بالمرة نسكت شروق الثرثارة!
،،
يمكنني القول أنها لم تكن نزهة طبيعية .. كانت علياء تنكس رأسها إثر نظرات الجميع .. فتاة مشوهة و مقعدة بساق مبتورة!! أمر نادر أليس كذلك؟؟
ما إن طلبنا ما نريده حتى انفجرت علياء بالبكاء :" أعيدوني للمنزل "
هتفت بها شروق :" ما بكِ ؟ لم يجلبوا الطعام "
خاطبتها بلطف :" علياء ؟ أنغير الطاولة؟؟ يمكننا استخدام غرفة كي لا يرانا أحد ، و كي لا يروني و أنا آكل كثيراً "
قلت العبارة الأخيرة بفكاهة لاضاحكها لكنها ضربت الطاولة بحنق :" قلت أعيدوني للمنزل"
قالت شروق بنبرة عنيفة :" أنا جائعة ! و للتو دفعنا النقود و الآن سيأتون بالطعام .. و بعدها سندعك في السيارة و نحن سنأكل هنا "
خاطبتها :" شروق ما بك؟؟ اسكتي "
و نظرت لعلياء التي ازدادت في بكائها :" أتريدين العودة للمنزل؟؟"
هزّت رأسها و هي تجهش بالبكاء ..
نهضت و اتجهت لمقعد علياء و جررته .. فخاطبتني شروق :" و الطعام؟"
" لا بأس ، أخبريهم بأن يغلفوه لنا لنخرج به... و ابقي أنتِ هنا ريثما يجهز "
زفرت شروق .. فدفعت أنا بعلياء إلى خارج المطعم .. كانت تغطي وجهها بخمارها.. أوجعني حالها حقاً !
فتحت باب المقعد الأمامي للسيارة .. فرمت بجسدها من مقعدها إلى الداخل .. أقفلت الباب و طويت المقعد المتحرك لأضعه بداخل صندوق السيارة.. ثم صعدت المقعد الخاص بي .. و بادرتها بابتسامة :
" هكذا أفضل؟ "
نظرت لي و أزاحت عن وجهها الخمار :" كثيراً "
قلت لتغيير الموضوع :" أظنك تمرين حالياً بفترة امتحانات أليس كذلك"
نظرت لي بنظرة باهتة :" و هل سأقدم امتحاناً واحدة بحالتي هذه؟؟ سأنسى شيئاً أسمه دراسة "
نظرت لها و ملامح الصدمة صارخة على وجهي !!!
ثم ارتخت ملامحي برقة و أنا أرى وجهها يتقلص و تبدأ تنتحب هامسة :" انتهى كُل شيء"
و انتهت هذه النزهة المشئومة!!
--
لا أريد شرح المأساة التي حدثت في المنزل .. من تأنيب و تلويم و بكاء ......... إلى آخره من الهموم و لكي لا أشرككم في هذا دعونا ننتقل لأحداث اليوم التالي ..
دخلت المشفى و أنا مشتعل ! أريد أن أسحق أي شخص ألاقيه كي أفرغ هذا الغضب الذي يتأجج بداخلي .. خصم الراتب بالنسبة لي أمر ليس مقبول ..أبداً أبداً ..
أولاً .. لدي مسؤوليات شتى أحتاج لكل فلس في راتبي .. و ربع الراتب مبلغ ليس مستهان به .. إذ أنني أحتاجه لدفع رسوم الجامعة لشروق .. و لو طلبت من أبي لن يرفض ، بالعكس .. لكن الحقيقة المُشكلة في أمي التي لا تقبل صرف أبي على المنزل .. و لذلك أنا الموكل بهذه المُهمة ..
ثانياً .. يمكنكم القول أني مهووس بفكرة الطبيب المتميز فكيف أقبل بعد ترقية فؤاد أن تتم معاقبتي .. معادلة صعبة!! جداً جداً بالنسبة لي ..
أول شيء فعلته اتجهت للمسئول ..
شرحت له كل شيء و سألته عن السبب الجوهري لخصم راتبي .. فقال بلا اكتراث :
" الدكتور فؤاد لاحظ عليك بعض التقصير و لا يمكنني معارضته إذ كان ذلك رأيه "
و مضى ..
كززت على أسناني بغيظ و كَردة فعل رحت أحوم كالمجنون في المشفى أعمل و أعمل هنا و هناك لأغطي المسؤولية التي أنا موكل بها .. و لكي أثبت أني لا أستحق هذه العقوبة... حتى عاودني الشد العضلي بشدة ..
أمسك بي عادل ليقودني لمكتبي .. جلست على المقعد ألهث ..
فقال عادل و هو يشمر عن ذراعيه :" أنت لست طبيعي! أنت مجنون لتستخدم الدرج بدل المصعد .. تصعد من الطابق السُفلي للطابق الخامس؟؟؟ ماذا جرى لعقلك "
زفرت و هو أرفع بنطالي عن ساقي :" هيا أسرع و مسدها .. "
صاحت نوارة و هي تشير لي :" أنظر لوجهه المحمر .. لا أصدق هل هناك شخص يملك كل هذا النشاط"
انحنى عادل و هو يضع المرهم في كفه ثم قال :" الغريب أن محمد لا يستقر لخمس دقائق .. و مع هذا فأنه لا يزال بدينا "
قلت :" إذ كنت أنا بديناً ماذا تكون أنت "
قال بتهديد :" هاه ! الآن مصيرك الطبي في يدي أنا .. فإذ لم أمسد ساقك سينتشر خبرك في المشفى كله و ستشيع عنك اشاعات و اشاعات .. و ربما يتم فصلك بسببك حالتك المَرضية"
ضحكت نوارة .. و بدأ عادل عمله ..
حينها فُتح الباب بقوة ... فاتحاً معه أبواب لرياح عاتية سببت شد عضلي لكامل جسدي ..
بل لقلبي!
أتعلمون أي وجهٍ رأيت في تِلك اللحظة؟؟
كان وجهَ حسناء ! !
كانت تقف تلهث بخمار مهمل و وجهها يحمل ملامح استغاثة ..
كانت تنظر إلي .. ركضت مسرعة ناحيتي و سحبت يدي بلا تردد!
كيف؟ لم يعد بمقدوري الربط بين الأحداث و لكنكم أقدر على ذلك أليس كذلك ؟؟
ألا تذكرون؟؟ من التي طردتني من منزلها؟؟ من؟؟ مَن؟؟
و لكن ما الذي جاء بها؟
سَحبت يدي إلى حيث شاءت فخاطبتها و أنا أعرج :" إلى أين؟ "
صرخت و الدموع تتقافز من مقلتيها :" أخي .. أخي "
و صرخت بصوت أعلى :" أسرع .. أسرع "
مضيت معها بكل ما لدي من قوة لغرف الطوارئ .. و رحت ألاحظ رضا الذي يتوجع ببطنه .. صحت بها :
" ما به ؟"
صَرخت :" لا أدري ! أنها أدوية اشتراها هو .. لكن "
نظرت له حيث كان يتقيأ و هو على السرير .. يتقيأ دماً .. صرخت هي بفزع .. بينما كنت أحث الممرضة أن تنقله لغرفة المنظار في قسم الباطنية .. كان بإمكاني تسليم هذا العمل لطبيب يعمل في هذا المجال لكني ,,
مضيت خلف سرير رضا و الممرضة و أنا أعرج فيأتيني صراخ حسناء و هي متشبثة بي :" ماذا سيحدث له ؟؟ أشعر أنه سيموت ! "
نظرت لها و خاطبتها لهدف طمأنتها :" سوف نأخذ كشف المنظار الآن .. لا تقلقي ... "
و كدت أمشي إلا أنها عادت تقبض على ردائي الطبي و تنظر لي بعينين ملؤهما الدموع :" دكتور ! أرجوك.. أنه أخي الوحيد .."
و رصت على شفتيها هامسة :" بل لم أناديك أنت إلا لمعرفتي أنك أخلص شخص يمكنني الاعتماد عليه! "
نظرت لها مُطولاً .. أخلص شخص؟؟ إذاً لماذا رفضت خطبتي لها؟؟
رؤيتي لها و هي متمسكة بي يجعلني أشك أنها حسناء السابقة ..
همست لها و أنا أتأمل عينيها الحمرواتين :" لا تقلقي .. أبداً .. سأفعل كل شيء أستطيع فعله .."
و ابتسمت لها بلطف .. فهدأت و هي تتأملني .. ثم انطلقت لغرفة المنظار ..
أُجريت الفحوصات المطلوبة و تبين أن هناك تمزق شديد في جدار المعدة ... .. و هناك تقطع واضح في بعض الشرايين و الأوردة ..
استدرت لأرى عيني حسناء الملهوفتين .. سرعان ما صرخت :" لا تلمني على شيء ! نعم أنه ذنبي لأني رفضت الأدوية.. لأني حمقاء !!! "
تأملتها مُطولاً ثم وَصيت الممرضات بعمل اللازم لرِضا .. ثم اتجهت لمكتبي .. لَحقت هي بي و أمسكت يدي هامسة :" دكتور "
وقفت لبرهة قبل أن أدير رأسي لها فهمست هي :" أنا أعلم أني وقحة! و أنك نبيل ! و أنك جئتنا لا تريد شيئاً منا و نحن جئناك نريد أشياء ..و أعلم أنك قدمت لنا النعمة على طبق من ذهب و نحن من رفس النعمة و فضلنا طبق التراب .."
و ضجت عيناها بالدموع و هي تنظر لي تنتظر شيئاً! ما هو ! ما هو!؟ لا أعلم ؟؟ العِلاج؟؟ و سوف أقدمه ؟؟ ماذا يُنتظر من الطبيب غير العِلاج؟؟
اقتربت قليلاً و همست :" و قدمت لي الجنة .. و فضّلت النار "
أنى لشخص أن لا يفهم؟ و لكني لا أريد أن أفهم !
نظرت لها لبرهة ثم خفضت نظراتي هامساً :" رِضا مريض من مرضاي و سوف أقدم له العلاج حتى لو كلف ذلك مني الكثير ... أني أعدك بهذا "
نظرت لي بلهفة .. و ابتسمت بامتنان .. فبادلتها الابتسامة و رحت أمشي و أنا أعرج .. فركضت هي نحوي و همست بقلق :" أنت بخير دكتور "
ابتسمت لها :" الطبيب لا يفكر بنفسه إلا عندما يفكر بكل مرضاه "
رمقتني مُطولاً ثم همست :" أشكرك كثيراً "
__
مَرت الأيام .... و عَلياء ابنة خالتي العزيزة تزداد حالتها النفسية سوءاً .. و في كل مرة تناديني أمي للتناقش في موضوع ربما يسعدها !
لم تقدم هي الامتحانات و انقضت السنة الدراسية و هي تقول أنها لن تعود للدراسة مُجدداً ..
ذات يوم اجتمعت خالتي و أمي تتحدثان بصوت خافت ثم نادتني أمي .. يبدو أنهما اتفقتا على أمرٍ تريدان رأيي ..
رمقتني خالتي بابتسامة و قالت أمي :
" بُني .... ألا تريد الزواج"
تهلل وجهي .. و أخيراً انتبهت أمي لي ..
ابتسمت :" بَلى "
ضحكت خالتي.. و قالت أمي بهمس :" ما رأيك بأن ترضي ربك و أمك و خالتك و تتزوج علياء؟؟"
الجزء السابع
" ما رأيك بأن ترضي ربك و أمك و خالتك و تتزوج علياء؟؟"
هذه العبارة صارت ترن في رأسي حتى كادت تصدعه !
رميت بجسدي على السرير و صرت أضرب رأسي بالوسادة لكي أسكت ضجيج أفكاري ...
كيف تقترح أمي اقتراحاً غبياً كهذا؟؟ !
علياء أختي الصغيرة ! المدللة كيف أتزوجها؟؟
شيء آخر مهم ..
كل رجل .. و بلا استثناء ..
يتخيل عروساً براقة! مُشعة! ...تتحرك حوله كحورية من الجنة و تبادره وجهاً حسناً ..
تلك أقل الشروط التي يضعها أي رجل؟؟ أليس كذلك ؟؟
ورَجل مثلي ! فأني قنوع لأبعد دَرجة ! و لكني أطمح بالأفضل ..
و لذلك أحببت حسناء!

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:46 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
لم أتخيل أن أتزوج علياء!!!!!
علياء قبل أن يقع الحادث كانت بالنسبة لي مُراهقة مملة مدللة .. تصغرني بثمان سنوات تقريباً .. كانت بالنسبة لي طفلة عنيدة ...
و بعد أن حدث ما حدث ! و أصبحت مُقعدة و مشوهة ! كيف لي بالارتباط بها !!
بديهي أن أرفض !
لكني رأيت اصراراً في عيني أمي أكثر من الرجاء في عيني خالتي
و كأن أمي تشعر أنها المسئولة عن الحادث و لذلك ستدفع الثمن
و الثمن ! ابنها مُحمد ..

ياه! كيف سأتصرف؟؟
أنها حياتي هل أربطها بزوجة مثل علياء؟ و حسناء؟ أأتركها و تغيرها المفاجئ؟
تسمرت لبرهة أطرد تلك الأفكار الأنانية عن رأسي .. و فكرت أن علياء بنت الخالة العزيزة و الغالية و التي تعاني ! و ربما الوسيلة الوحيدة للتخفيف عنها هي الزواج!
لكن لست أنا من سيضحي هذه التضحية!
عضضت على شفتي و الأفكار تحوم برأسي بجنون ..
طرق الباب و ظهرت أمي ....
لم أشأ مقابلتها بملامح الاعتراض الصارخة بوجهي ..
هي اقتربت و جلست جواري :
" أعلم أن ذلك صعب و لكن .... "
رمقتني هامسة :" تمنيت أن أموت و ألا تعود أختي لترى ابنتها التي أمنتني عليها بهذه الحالة ! خالتك طيبة لم تقل شيئاً .. لكني أشعر بها .... أشعر بمعاناتها و السبب أنا "
رمقتها لبرهة ثم همست :" أمي.. أنه قضاء و قدر "
نظرت لي بعينين دامعتين :" اقبل يا مُحمد .. لأكفر عن ذنبي .. اقبل لأحفظ ماء وجهي .. اقبل .. اقبل اقبل .."
تشتت و لم أستطع قول تلك الجملة التي أريدها لكني ضغطت على نفسي و أنا أرفع رأسي لها بضيق ثم قلت بصوت مخنوق :
" لكني...لكني ...."
هتفت :" لكنك ماذا؟؟ سوف تعالجها حتى تعود كالسابق و هي ابنة خالتك الوحيدة ! من كنت ستتزوج غيرها"
كدت أن أصرخ :" حسناء "
لكني رحت أكتم صراخي فوق ركام الصرخات التي أكتم في صدري ...و خفضت عيناي لكي لا تكشف عن رغبتي .. المدفونة!
ابتسمت أمي بحنو :" لا شيء يدعو للقلق ! سوف تتعود عليها . ستتعود يا مُحمد"
نظرت لها مزدرداً ريقي فقالت برجاء :" لا تخيب أمل خالتك المسكينة! أنها ابنتها الوحيدة .. لك أن تتفهم شعورها "
كنت متحرجاً من نطق اي شيء أمام اصرار أمي ... ثم فكرت لوهلة !
من أنا حتى أرفض الزواج بابنة خالتي؟؟
من أنا لأضع شروطي حسبما أريد ..؟؟
لأجل حسناء؟
و من هي حسناء؟؟؟
امرأة أُعجبت بها لكن .... لكنها لم تبادلني هذا الشعور.. و تلجأ لي فقط عندما تحتاجني .. أما قلبها فينفر مني ...
أستغرب من قلبي المفطوم على حبها .. كطفلٍ لم يرى أحداً في هذا العالم غير أمه ..
لماذا صُرت أفكر بقلبي لا عقلي؟
هنا شعرت بنفسي حقيراً و صغيراً .. شخص مثلي لم تعجب به أي فتاة من قبل ..
مُحمد طبيب المخ و الأعصاب الذي يعتكف على التقارير و الملفات و من حوله الناس يتضاحكون !
لماذا أرفض هذا العَرض المُغري؟؟
زوجة تريدك يا مُحمد !
ستدخل قصر الزواج أخيراً ليغنيك عن حسناء و غير حسناء ..
كأنني كنت أهدهد نفسي و أوهم نفسي ..
ما أجمل أن تتزوج زوجة مشوهة مقعدة أليس كذلك؟
جميل كثيراً .
فهذا أقصى ما يمكنك الوصول إليك يا مُحمد ..
رفعت رأسي لأمي و قلت بتصميم :" موافق"





--
ذُهلتم؟
صُعقتم؟
استنكرتم؟
يحق لكم ! أنا أيضاً مثلكم !! أقود سيارتي و أشعر بعصف مدوي برأسي الذي يكاد يتفجر ..
رأيت الفَرحة جلية على خالتي و هي تشارك أمي الزغاريد و أنا أقف بينهما بتيه و شروق ترمقني باستنكار ... ابتسامة باهتة واريت بها ما بداخلي من براكين تتفجر ..
لا مَجال للتراجع! و ما أهمية سَعادتي ؟؟ ليست مهمة ! أبداً !
تعودت أن ألبي كل الطلبات ! تلك مهنتي .. أساعد كل شخص يعاني على حساب نفسي و وقتي و راحتي..
اتصلت بي أمي تبشرني بموافقة العروس ..حاولت أن أكون ظريفاً لأطمئن قلب أمي ..و لأسعد خالتي ..
في ذلك الوقت لم أجد ملجئاً إلا عيادة صديقي لعلاج الادمان .. التي يتعالج فيها أخي سِراج .. بعد أن أخبرت أبي أن سراج يدرس في عدة دورات في مدينة أخرى ..
لاقيت سراج و عانقته و سألته عن حاله .. كان نشيطاً حيوياً .. سُرعان ما لاحظ هو استيائي .. فهمس :
" ما بك مُحمد؟؟"
كنت أجلس على سريره الطبي و أنا أنزع نظاراتي و أظل أنظفها هروباً من سراج الذي يتفحص قميصي و أزراره العلوية المفتوحة باهمال ..و رفع نظره لشعري المبعثر .. لا أدري كيف كان شكلي !
هنا صاح سراج ..
" مُحمد ! لماذا وجهك محمر و تكاد تبكي؟؟ "
و أطلق ضحكة في غير موقعها ..
رفعت رأسي له فصمت هو لبرهة ثم اقترب هامساً :" ما كُل هذا اليأس؟ لم أرك يوماً هكذا ... هل تم فصلك من العمل؟"
تأملته و فكرت ! أنى لقلبي أن يحمل المَزيد ؟ سأفضفض ! و أفرغ الحمم التي تلتهب بأحشائي ..
أمسكني سراج من كتفيّ و لأول مرة بدا جاداً :" مُحمد؟ ما بك"
تأملته مُطولاً ثم همست و أنا أرمش بعيناي :" سِراج .. سأتزوج بعلياء "
تسمر لبرهة ثم صرخ :" المشوهة ؟؟؟؟؟؟؟؟"
ازدردت ريقي ... فقبض هو على قميصي بجنون و صاح :" كنت أقول أنك مخبول يا أخي الكبير و لكن أن تتزوج مشوهة!!! هذا ما كنت أخشاه .. لا تقل أنه واجبك الوظيفي "
زفرت :" بربك! و هل سأتزوجها بارداتي؟؟ "
صاح بانفعال :" و من يجبرك ؟؟ و هل أنت فتاة ليجبرونك على الزواج "
نهضت من السرير و أبعدته مزمجراً :" سراج !! "
و استدرت له هامساً :"لم أُجبر على الزواج و لكن .. وُضعت في موقف حرج للغاية"
و أكملت باستسلام :" المُهم أني وافقت على هذا الزواج و لا مجال للتراجع"
اشتعل سراج و لا أدري سبب انفعاله المبالغ فيه .. و هتف و هو يضرب كفاً بكف بضيق :
" يا خسارة يا خسارة ! ستتزوج بتلك المشوهة و المعوقة؟؟؟ تاركاً الممرضات الجميلات كلهن؟"
رشقته بنظرة لاهبة ثم همست :" أرجوك لا تتحدث عن علياء هكذا "
و نظرت للناحية الأخرى و أنا أرتدي نظارتي و أدفعها باصبعي .. ثم قلت :" وَاجبي أن أسعدها "
انتفض هو :" لازلت تتكلم عن الواجبات و الوظائف و كأن حياتك كلها وظيفة يجب أن تنجزها حتى الحصول على الراتب و لكن في زواجك من علياء لن تحظى براتب .. بل ستكون خاسراً "
تأملته مُطولاً .. حقيقة!؟ لأول مرة سراج يقول شيئاً منطقياً .. فعلاً؟ الى متى سأنفذ كل الأوامر التي توجه إلي ؟
--



دَعوني أختصر عليكم كل شيء لألا أرهقكم بالأحداث .. تزوجت بعلياء من دون أية حفلة .. و من دون عِلم أبي !
لحظة ، لحظة ! ...... لستُ عاقاً بأبي .. و لكنها رغبة حقيقية لأمي كانت تصر عليها بقوة ! و قالت أنه سيفسد الزواج .. لأن أبي معارض لفكرة زواجي فكيف من علياء؟؟
كل شيء جرى سريعاً ! و كأن أمي لا تريد إعطائي مهلة لإعادة حساباتي .. و شروق المعترضة قررت أن تكون محايدة أخيراً ...
دَخلت شقتي المُستأجرة كعريس باهت .. أرتدي تلك البذلة الأنيقة و أخطو بخطواتي أبحث عن عروسي في الزوايا ..
غُرفة النوم كانت موصدة! تأملت الباب مزدرداً ريقي .. كأنها تخبئ ورائها معاناة ستنكشف عما قريب لي .. أي عريس أنا؟؟؟ لا تزفه والدته لعروسه؟؟ لا يرى تصفيق الناس و بهجتهم؟
يرى شقة صامتة .. و عروسٌ خلف الباب مختبئة؟؟ و أهل انفضوا من حوله هروباً من ردة فعل متوقعة ..
فتحت الباب ببطء و دخلت و أنا أشعر بحروب مشاعري .. بل أشعر بصخب أفكاري ..
أي عَروس تلك التي أزف إليها ..
لأجلس أمامها على السرير و هي مغطاة بالطرحة البيضاء المزخرفة ..
أظل أتأملها كمجهول غريب بالنسبة لي..
عرقي يتصبب بجنون على جبيني ..
أمسح غُرتي و أنا أفتح عيناي بارتباك و أنا أتأملها ..
مددت أصابعي بربكة ..
قد تقولون ! كفاك دلالاً يا محمد أنت رأيتها من قبل فلمَ الارتباك الآن..
و سأقول لكم! ربما هي حالة تواتي كل عريس .. خصوصاً لعريس مثلي يعلم أي وجهٍ سينكشف له الآن ..
لازلت أمد أصابعي ببطء حتى أمسك بالطرحة الخفيفة ....
أرفعها ببطء و عيناي مفتوحتان على أقصاهما ..
أزحت الطرحة و تسمرت و أنا أتأملها ..
رُبما كنت لا ألاحظ عُمق هذه التشوهات..
علياء!
زوجتي!
هكذا هي ...
خفضت عيناي على الفستان الطويل الأكمام و الذي يغطي رقبتها أيضاً ..
أي فستان زفاف هذا؟؟ و لكن ؟ أفضل..
عدت أنظر لها بربكة حيث كانت تُنكس رأسها المغطى ( بحجاب ) من تحت الطَرحة ..
قبلت جبينها المشوه و حاولت أن أبتسم :" مبروك يا علياء ..ها نحن زوجين من الآن و صاعداً"
و اهتزت كلماتي و أنا أراها ترفع وجهها بنظرات خجلة .. لم أمنع نفسي من تشتيت نظري و تذكرت حديث أمي .. سأتعود ..
كُل هذا لأنسى حسناء ! ؟ أتزوج بشكل عشوائي و سريع فقط لأنسى حسناء
عدت أنظر لعلياء التي نكست رأسها و كأنها شعرت بنفوري .. لم يكن شعوري هذا أستطيع التحكم به .. لكني قررت أن أضغط على نفسي لأمنحها تفاؤلاً في ليلة زفافها ..
أزحت عن رأسها الطَرحة و نظرت للكرسي المتحرك الذي بجوار السرير .. عدت أنظر إليها فوقع بصري على ساقها المبتورة
واتتني رغبة بالتقيؤ ! رحت ألهث بجنون و أنا أقبض بيدي على صدري .. و أعرضت عنها و أنا أفتح عيناي على مصراعيهما .. ما هذا؟ أي زوجةٍ تزوجت ؟؟
شعرت بها من خلفي تتحرك ثم تهمس :" مُحمد؟ ما لك ؟"
استدرت لها و نظرت للسرير الذي نجلس عليه سوية ! ذهبت أفكاري لما يجب أن يحدث حين يأتي موعد النوم !تصدع رأسي بجنون ...
كيف لي أنام و هي بجواري !؟؟؟؟؟؟؟
واتتني رغبة بالبكاء للمعضلة التي أنا فيها !!!!!
ازدردت ريقي و عاد لي بعض عقلي لأفكر .. قليل من التحمل ! اجعلها تبتسم فقط .. علي الصبر ! هذه الليلة على نحو خاص ! أنها زوجتي و ابنة خالتي ! و لو لم أسعدها سأكون ختام حياتها التعيسة!
استدرت لها و نزعت نظارتي الطبية و وضعتها جانباً .. ربما لكي لا أرى تفاصيل التشوهات الدقيقة.. نظرت لها و ابتسمت :
" علياء أكنتِ تعتقدين أننا سنتزوج؟"
رفعت وجهها ناحيتي فارتبكت و أنا أحاول ألا أبعثر أنظاري من جديد و أحاول أن أركز على النظر في عينيها على أن أنشغل بوجهها المشوه !
ابتسمت بهدوء :" لا .. أأنت سعيد؟"
أي سؤال هذا؟؟؟؟ بل أنا أود الانتحار على قراري الغبي ..
اصطنعت ضحكة :" بالتأكيد و أنى لشخص ألا يسعد بالزواج من علياء المُدللة "
ابتسمت بفرحة .. فنهضت أنا قائلاً :" عن اذنك .. سأستبدل ملابسي "
دخلت الحمام حاملاً البيجاما القطنية .. وقفت ألهث أمام المرآة ! أهناك عريس يتعذب عذابي هذا؟؟؟
نفضت هذه الأفكار و نظرت لوجهي بصرامة .. علي أن أكمل ما بدأت به ..و كيف لي أن أقول ذلك و أنا الذي وافقت ! علي أن أقتنع أن علياء هي حياتي الآن كلها ! لا مجال للالتفات هُنا و هُنا ..
استبدلت ملابسي و تعمدت التمهل و التمهل .. و فكرت ! لو نامت علياء سأرقد أنا في الصالة .. فكرة غير مألوفة لعريس أليس كذلك..
غسلت أسناني عشرات المرات .. و غسلت وجهي و توضأت .. بل استخدمت كريم لشعري .. و رحت أبحث عن شيء أنشغل به أيضاً .. و تلك المسكينة لابد أنها تنتظرني ..
خرجت بعد نصف ساعة من الحمام و قد استحممت و رائحة الصابون تفوح مني ..
رحت أفرك شعري بالفوطة و ما إن نزعتها حتى دُهشت برؤية علياء على حالها ..
اقتربت منها مصدوماً .. فنظرت لي و قالت باستغراب :" تأخرت"
وقفت أمامها بدهشة !!! ثم همست :" لمَ لم تنامي؟؟ "
رفعت وجهها بألم ثم همست :" و هل سأنام بالفستان؟؟"
العبارة الأخيرة شلت عقلي !! ماذا يعني؟؟؟
تذكرت أني تزوجت معاقة لا تستطيع تحريك جسدها إلا بالكاد .. و أنا موكل بقضاء كل ما تحتاجه ..
أي أنني موكل بنزع هذا الفستان أيضاً ؟؟
انطلق ضوء الصباح ينير الغرفة بشعاعه ... أنها فُرصتي لأحكي لكم شيئاً .. أنا علياء تلك الفتاة المشوهة! التي قبل بها مُحمد زوجةً..
هي معاناة طويلة أعانيها و يمكنكم تقدير حجمها ! بعد الدلال و الأناقة ، أستفيق على حقيقة التشوه! ظننت أنني سأنسى عند هذه اللحظة.. و ظننت أني سأُهمل ... و لكن تبين أن الله لم ينساني!
فبعث إلي بهدية كنت أرتقبها !
مُحمد
ابن الخالة الغالي .. الذي كُنت أراقبه و أكتم حُبي ..
ذلك الرجل الممتلئ الجسد قليلاً .. يصطبغ ببشرة بيضاء .. يضع نظارة طبية أمام عينين رماديتين.. لحية مهذبة خفيفة .. و شعر ناعم و غرة خفيفة تتناثر على جبينه العريض .. كل شيء عنده مرتب و منسق و منظم ..
كُنت أحبه و أتمناه و لم أشأ أن أكون له زوجة و أنا بهذا الحال..
يريدني مشوهة و مُقعدة ؟؟ فله ما شاء ! و كلي ظن بأنه و كالعادة يدوس على رغباته ليسعد الآخرين .. و ها هو الآن يدوس على رغباته ليسعدني ..
كان بامكاني الرفض ! رفض هذا الزواج كي لا يتأذى و أتأذى ! لكن لم أستطع .. فالحب في قلبي لازال يشتعل أكثر فأكثر !
فهذا مُحمد .. الهدية الالهية المستحيلة !
مُحمد ذلك الرجل العفوي .. الجدّي أحياناً أخرى ..الطيب القلب ... ها هو يرقد بجانبي .. ها هو زوج لي .. أنه هدية من السماء لا تقدر بثمن ..
جلست و رحت أتأمله و هو ينام بجواري بعمق .. ثم عبثت بشعره بحذر ..... أنّى لهذا الشخص المثالي أن يقبل بي؟؟
أدرت رأسي للمرآة .. لم أنزع غطاء رأسي من البارحة .. نظرت لثوبي الفضفاض بلا أكمام .. لم أتمنى أن أكون عروس مثيرة للتقزز ..
لم يخفى علي توتر مُحمد .. و حتى نومه بجواري كان قراراً صعباً بالنسبة له .. فكم تقلب و تقلب و هو يصد بجسده عني ..
و ها هو الصباح يشرق على رجل لم يكتفي بالنوم .. ليس لأنه سهر مع عروسته !
ظللت أتأمله دون أن أتجرأ على إيقاظه .. كما لو كان سباتاً يستحيل الاستيقاظ منه ..
لكني تفاءلت عندما تحرك قليلاً و هو يفتح عينيه و يعود يغلقها ...
همست :" مُحمد "
و لمست ذراعه ببطء ..فأدار رأسه ناحيتي و همس و هو يغمض عينيه :" نعم؟"
قد نسي أنه مع زوجته الآن ! ضحكت بخفة ثم عدت أقول _ بخجل :" مُحمد "
فتح عينيه ببطء و ظل يتأملني .. و سرعان ما تغيرت ملامحه و هو يرتبك و يتشتت .. حاولت أن أواري ذلك و أنا أبتسم :" إلى متى ستظل نائماً؟؟"
نظر لي لبرهة ثم رفع جسده بتقاعس ليجلس و هو يرتب شعره .. ثم ابتسم دون أن ينظر لي :
" صباح الخير يا عروس "
ابتسمت :" صباح النور"
أزاح هو غطاء السرير ثم ابتسم :" أول يوم في زواجنا يستدعي فطور دسم أليس كذلك؟"
و كل هذا و هو يتحاشى النظر إلي ..
دار هو حول السرير ليأتي ناحيتي و هو يجر الكرسي المتحرك .. مد يده ناحيتي ببالغ لطف فاتكأت عليها لأنتقل للكرسي ..
فجأة تغيرت ملامحه و هو يبعثر أنظاره بارتباك ثم يعرض عني .. عقدت حاجباي .. و سريعاً عرفت السبب .. ساقي ! بالتأكيد سيشمئز منها إلى هذا الحد..
و الشيء الذي أكد ذلك .. راح يبحث عن غطاء ثم جاء ليضعه على ساقاي هامساً :" هكذا أفضل "
هكذا أفضل؟؟؟ كم هي عبارة جارحة بالرغم من أنها بديهية ! لست أريد تعذيبه معي و لكن ماذا بيدي أن أفعل؟!
مُحمد لم يشأ التهرب مني و لم يشأ تحسيسي بذلك .. رأيته يجر كرسيي ناحية الشرفة ثم ظل يخبرني ببيوت معارفه في هذه المنطقة ..
سألته :" هل ستأخذني لزيارة أمي طوال فترة زواجنا"
نظر لي و ضحك :" بالتأكيد ! "
و قال بشقاوة :" و أنا أيضاً أريد زيارة أمي "
سألته سؤال كان يحفر و يحفر في قلبي حفرة ألم أريد دفنها :
" مُحمد! هل تشمئز من شكلي ؟؟"
كان سيجيب و كنت أعرف جوابه لذلك قلت :" مُحمد أريد عمل عملية تجميل و أريد تركيب ساق صناعية"
تأملني مصدوماً ... بالفعل شعرت برغبة بالبكاء ! و لم أقاوم هذه الرغبة لذلك انفجرت بنحيب فاجأه و صُحت:" أعلم أنك تعاني معي و لا يمكنك تحمل هذا أكثر .. "
نظر هو للمباني من الشرفة ثم عاد ينظر لي هامساً :" هل هذه رغبتك؟؟"
صُحت :" نعم !"
هزَّ رأسه :" أنا فكرت بهذا أيضاً .. لا تقلقي .. "
رفعت رأسي له و كنت أشاء أن يمسح دموعي بنفسه ! لكنه أخرج من جيبه منديل و أعطاني إياه مبتسماً :
" لا تبكي ! طلباتك مجابة يا مُدللتي "
ابتسمت له بغصة! .. فرن هاتفه المحمول .. رأيته يدخل للغرفة مجدداً ...

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:47 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
" آلو ؟ مرحباً دكتور فؤاد ...
نَعم؟
أنه يوم إجازة لي ..
حسناً ..
لا بأس .. سآتي حالاً "
عقدت حاجباي و حركت الكرسي ناحيته حيث كان يهم باخراج ملابسه من الخزانة .. نظر لي و حاول أن يبتسم :" عذراً عزيزتي .... هناك حالة طارئة تستدعي وجودي "
--



انطلقت بالسيارة في الطريق بعدما أوصلت علياء لمنزل خالتي .. حَقيقة! فؤاد يريد افساد حتى حياتي الزوجية المهترئة .. و مع محاولاتي برسم ابتسامة على محيا علياء يتصل فؤاد و يفرض أوامره كما يشاء ..
لستم تتخيلون ملامح الاستنكار على وجه علياء المشوه ! و كذا هي خالتي .. أي عريس يعمل حتى في أول يوم في زواجه !
دخلت المشفى و رحت أعاين الحالات الموجودة .. لم تكن حالات كثيرة و كان بإمكان عادل أن ينوب عني ..عموماً لم أشغل نفسي بالسؤال عن عادل و رحت أعمل ..
بادرتني الممرضة سُعاد :" مبروك دكتور على الزواج .. "
ابتسمت :" شكراً"
قالت باستغراب :" لم تدعونا على الحفلة؟ "
رمقتها مُطولاً ثم همست :" لم أقيم حفلة .."
و انطلقت ناحية غرفة التخطيط هروباً من مزيد من الأسئلة ..
،،
رُحت أجوب المشفى هنا و هناك .. و رأيت نفسي فجأة أمام غرفة المرضى المشتركة التي فيها رضا .. تسمرت لبرهة و أنا أسمع صوت حسناء :
" دكتور مُحمد "
تلفتت حولي لأراها تقف ترمقني بابتسامة جديدة علي ..كان وجهها مُشرقاً و هي تعبث بحقيبتها .. و ترفع أنظاراً خجلة ناحيتي ..
" أشكرك.. على وصايتك للأطباء أن يعتنوا بأخي و أشكرك على دفعك لتكلفة الطبيب المختص .. "
ارتبكت ثم ابتسمت :" لا داعي للشكر هذا واجبي كما تعلمين "
رمقتني مُطولاً ثم اقتربت قليلاً هامسة :" لقد طلبت خطبتي مُسبقاً يا دكتور "
و رفعت أنظارها لي و أنا متجمد مكاني ..من هول الصدمة!
و لم أشأ أن تكمل حديثها لكنها أكملت :" ربما كان ردي عليك سلبياً و لكنها ليست رغبتي الحقيقية .. في الحقيقة أنا موافقة على الخِطبة .. "
تصلبت تماماً و أنا أرمقها !!!!!!!! الآن؟؟ لتوكِ تقولين هذا يا حسناء؟؟ لتوكِ؟؟
تأملتني و أنا مصعوق و قد انعقد لساني .. فهمست :" إلا اذا غيرتَ أنت رأيك"
نظرت لها مُطولاً ثم رفعت يدي لها و أشرت للدبلة .. هامساً :" أنا تزوجت"
فتحت عيناها بصدمة ! و اصطبغ وجهها باللون الأحمر .. تشتتت هي بحرج ثم صاحت بمرح مفتعل :
" ياه ! أتعلم رأيت الدبلة و لذلك قررت أن أمزح معك هذه المزحة الثقيلة .. فلماذا سأغير رأيي ؟ أنا لا أريد أتزوج بتاتاً .. لأجل رضا .. "
و ضحكت بألم و هي تكابر :" مبروك ! يجب أن أزورك لأرى العروسة "
نظرت لها مُطولاً .. و آلمتني ضحكاتها المفتعلة .. تكابر؟ و تكتم رغبتها و لو كنتُ أدري بأنها ستوافق على خطبتي لما تزوجت علياء ..
قالت بمرح :" أنتظرني قريباً سآتي لزيارتكم "
ثم غادرت ... تأملتها ..
بيني و بينكم!
إذ كنتُ نادماً على زواجي من علياء مرة
فالآن أنا أتندم على ذلك مليون مرة ..
حسناء؟ لقد طارت من يدي ..
طارت بسببي أنا ! بسبب مفاهيمي و قيمي المغلوطة !
أن أقدم مصالح الناس على مصالحي !
فأضحي بحسناء
و أتورط بعلياء
--
انتهى وقت الدوام .. أراني منهك تماماً و أنا أقود السيارة متجهاً لمنزل خالتي لآخذ علياء .. رن هاتفي الخلوي و كان أبي ...
" أبي؟ كيف الحال؟"
قال بجدية :" بخير يا مُحمد... مُحمد؟؟؟ ما هذا الخبر الذي جاءني؟؟"
قلت ببلاهة :" أي خبر؟"
صاح بحدة :" أنك تزوجت بابنة خالتك المشوهة؟؟"
تسمرت مصدوماً !!! و فكرت .. من أخبره؟؟
قلت لتهدئته :" نعم لأنها ...."
قاطعني بحدة :" الآن الآن سآتي لمنزلكم لأتفاهم مع أمك العجوز التي ذهب عقلها "
قلت مرتبكاً :" أبي.. لحظة ... سأفهمك الأمر .."
صرخ :" ماذا ستفهمني؟؟ ألم أوصيك ألا تتزوج أبداً ؟؟؟ لماذا تزوجت و أخفيت عني؟؟ ألستُ أباك؟؟ و لماذا تزوجت تلك الفتاة؟؟؟ واضح أنك جُبرت لترضي أمك و خالتك"
و أتمم :" أريد رؤيتك في منزل أمك .. ها أنا آتٍ "
أقفلت الخط و أنا مرتبك ..من أخبره بذلك؟؟ أيمكن أنه سراج البغيض؟
ضغطت على الفرامل بقوة و أنا أنطلق إلى المنزل ...
الجزء الثامن

عصف مدوي يكاد يفتك بعقلي.. من هول ما ألاقيه من مواقف تسبب لي الجنون--
وصلت للمنزل و ترجلت من السيارة مُسرعاً مُتجهاً ناحية سيارة أبي المركونة و التي ترجل منها و على وجهه ملامح حادة و هو ينظر للمنزل .. استوقفته و أنا أمسك بيده :
" أبي؟ أبي .. لا تُدخل أمي في الموضوع رجاءاً "
نظر لي و صرخ :" أنا رافض لهذا الزواج "
" لكني تزوجت يا أبي! "
عاد يزمجر :" و لماذا لم تُخبرني؟؟؟ "
نظرتُ له ثم نكست رأسي :" لأني كنت أعلم أنك سترفض "
دفعني بيده و مضى ناحية المنزل ..فلحقته و كلي خوف من ما سيحدث ... إذ كان أبي ناراً ؟ فأمي جحيماً ...
لست منفعلاً للدفاع عن حبي لعلياء هذا إن كان هناك حُب .. لكني فِعلاً لا أريد أن تحدث مشاكل بيننا .. علاقتي بعلياء خُلاصة لعلاقة أمي بخالتي ..
نظر لي أبي و قال بنبرة أمر :" اذهب و نبه أمك أني سأدخل "
زفرت و أنا أهبط بكتفاي بقلة حيلة .. ثم دخلت المنزل و نظرت لأمي الجالسة في الصالة .. تقدمت فرأيت خالتي و علياء و شروق تجلسن معها ..
نظرت لهن و قد صُعب علي الأمر ...
بينما رفعت علياء رأسها و ابتسمت عندما رأتني .. فخاطبتني أمي :" أهلاً بالعريس! عروستك تنتظرك "
قلت :"أمي ! أبي في الخارج يريد أن يُكلمكِ "
عقدت حاجبيها باستنكار .. فقلت :" البسن الحجاب "
و خرجت من المنزل تلاحقني أنظار علياء .. فتحت الباب لأبي الذي دخل بوجه صارم و هيبة مُربكة..
قدته للصالة حيث تجلس أمي بوجه ملتهب و هي تحكم خمارها ..بجانبها خالتي المتربصة .. و في الأريكة المجاورة علياء التي تنكس رأسها و شروق المشتعلة!
التي نهضت بعصبية و مضت ناحية الدرج فأمسكها أبي من ذراعها .. التفتت له و صرخت :
" لا تلمسني "
رمقها بحدة حيث ركضت ناحية غرفتها .. عاد أبي ينظر لأمي بحنق :" ما هذه التربية الفاسدة يا عفاف؟؟"
رمقته أمي بحدة و هبت واقفة :" ماذا تريد يا أبا مُحمد؟؟ بيتي بكل من فيه يرفضك "
حانت منه ابتسامة و هو يحك ذقنه الملتحي بمفتاح السيارة ثم قال :" أنسيتِ أني من أعطيتك هذا المنزل لأسترك أنتِ و أبنائك "
و نظر لعلياء و زمجر بحدة :" لماذا زوجتِ ابني بهذه الآفة؟"
ارتبكت و أنا أراقب علياء التي ترفع وجهها بصدمة ! فتصرخ خالتي :" احترم نفسك يا هذا! ابنك تقدم لها بملء إرادته .. لا أقبل أن تتكلم عن ابنتي هكذا "
و صاحت أمي :" لا شأن لك بمحمد و زوجته .."
صرخ أبي :" بل هذا الرجل هو ابني و أنا من صنعته طبيباً ليتزوج بأفضل النساء "
و أشار لعلياء التي تبكي:" لا أن يتزوج بهذه المشوهة المخيفة ليرضيكِ أنتِ و أختكِ "
و استدار لي قائلاً :" أجبرت على الزواج يا محمد؟ "
رمقته بتشتت و نظرت لعلياء التي تنحب ..فقال أبي بأمر :" طلقها .. "
رمقته بصدمة و قد اهتزت عيناي .. و أمي مشدوهة و علياء تجهش بالبكاء و خالتي تنظر لي برجاء ..
قلت بتصميم :" لا أبي .. علياء زوجتي لن أتخلى عنها "
وجه أبي تحول لنار مُتقدة ... ثم مضى غاضباً خارجاً من المنزل ..
رُحت أتعرق بشدة و أنا أشعر بأني تخطيت حدوداً حُمراً !! كيف رفضت أمراً لأبي؟؟
حولت أنظاراً مشتتة لأمي و خالتي اللتان تتحدثان بحدة عن أبي .. و التقطت ابتسامة علياء و هي تمسح دموعها .. اتجهت نحوها و جررت مقعدها قائلاً :" هيا علياء سنذهب لشقتنا "
استوقفتني أمي :" بُني مهلك .. سأعطيك حصتك من طعام الغداء.. "
في شقتي الصغيرة ... جلست على الأرض و وضعت الأطباق على الصينية بترتيب .. كنت أفكر باستياء !! لست أنا من يعصي أبي و يخالفه! لست أنا ... لكن.... هو من علمني أن أحاول ارضاء جميع الأطراف ..
و يجب أن يكون هناك طرف لا تستطيع إرضائه .. و للأسف كان أبي ... شمرت أكمام قميصي عن ذراعيّ و أنا أنظر لعلياء بحماس :" ياه رائحة شهية .. ألا تريدين مشاركتي؟؟"
هزت رأسها سلبياً بابتسامة ثم نكست رأسها و هي تعبث بخمارها ..
لذلك شرعت في تناول طعام الغداء بحماس ..لأسكت ضجيج معدتي ..
نظرت هي ناحيتي و دفعت بعجلات كرسيها قليلاً باتجاهي ثم انحنت هامسة :" مُحمد ؟؟ "
أجبتها من دون أن أرفع رأسي :" نعم عزيزتي ؟؟ "
عادت تهمس :" أأنت صادق فيما قلت؟ ألن تتخلى عني مهما يكن؟؟"
تركت الملعقة لبرهة و رفعت رأسي لها مُبتسماً :" أتشكين في هذا "
تلاقت أعيننا بصخب مشاعر جعلها تبتسم و هي تتنهد ثم تقترب أكثر بكرسيها .. ثم عادت تنحني هامسة :
" مُحمد؟ أتسمح لي بقولها ؟؟ "
رفعت حاجباي و ابتسمت :" قولي ما تشائين يا غاليتي "
ابتسمت بخجل و أنكست رأسها :" أحبك كثيراً "
تأملتها مُطولاً و شعرت بقلبي يتحرك مُجدداً كما تحرك عندما رأيت حسناء للوهلة الأولى ..
نهضت من مكاني مسرعاً و أمسكت بكتفي علياء بضحكة :" أنا أيضاً أحبك كثيراً "
و قبلت جبينها ثم همست :" بل أقسم أني لن أتخلى عنك مهما حدث "
رفعت أنظارها بدهشة ثم خفضت عيناها بحرج ..
فكرت لبرهة ! أظنني بنيت حياتي الزوجية على المُجاملات ..غداً يمكن أنني أقول لعلياء (( ياه ! ما أجملكِ ))
نبهتني علياء بابتسامة :" محمد ؟ ما بك سرحت ؟"

نظرت لها و ضحكت :" سرحت فيكِ "
ابتسمت بدلال و هي تشد يدي :" مُحمد هيا أكمل غدائك؟"
مسحت على رأسها من فوق الخمار و قلت :" علياء أشكرك كثيراً "
--


هي لحظات جميلة قضيتها مع علياء .. قبل أن أفتح باب الحمام فأكتشف أن السعادة تتوقف عند هذا الحد ..
نظرت للملابس المُكدسة في سلة الملابس المتسخة .. عدت للخزانة أبحث عن شيء أرتديه فأكتشف أنه ليس هناك بيجاما مجهزة .. زفرت و أنا أغلق الخزانة و أمضي فأكاد أن أتعرقل بحذائي و من حوله جوربيّ المتسخين ..
حككت شعري بضيق ! و التفتت لعلياء التي تراقبني و هي على السرير .. ثم تنكس رأسها :" يبدو أننا بحاجة لخادمة "
نظرت لها قائلاً :" و لكني أكره الخادمات "
و قلت مبتسماً :" لا تقلقي أنا تعودت أن أدير شؤوني بنفسي "
قبل أن أمضي استوقفتني :" و شؤوني أنا؟؟ "
نظرت لها ضاحكاً :" و شؤونك أيضاً لا تغضبي "
لكن ملامحها كانت حادة و هي تهمس :" و هل ستغسل ملابسي؟ و هل ستتكفل بنقلي من مكان إلى مكان ؟ و هل ستقضي لي كل ما أحتاجه و عملك يأخذ منك نصف يومك؟؟"
نظرت لها لبرهة ... ثم اقتربت قليلاً هامساً :" علياء عزيزتي .. لا داعي لهذا التوتر .. أمورنا يمكننا قضاءها بسهولة .. "
و شمرت عن يداي مبتسماً :" لا تقلقي أبداً "
و اتجهت ناحية الحمام و وضعت الملابس في الغسالة .. و شعرت بالخزي من نفسي!
رفعت كفي و أنا أعد على أصابعي :
" مشوهة ، مقعدة ، مدللة ، فاشلة في الدراسة ، و لا تقضي أي واجب من واجبات المنزل و فوق هذا .. فأبي غير راضي عن زواجي منها "
كيف تزوجتها؟؟؟
و كيف كنت أهب فرحاً لها عندما قالت لي أحبك ..
و ماذا ستنفعني كلمة أحبك؟؟ أمام هذه الملابس المكدسة؟؟
قبضت على رأسي حانقاً .. تباً لتلك الساعة التي تزوجتك فيها يا علياء و تباً لقلبي الطيب الذي جعلني أقسم ألا أتركك و تباً لي عندما عاندت أبي لأجلك..
استدرت لأرى علياء تبتسم لي و هي على السرير !
شعرت بنار متأججة بداخلي ! هل أنتِ سعيدة و أنت مستلقية هناك و أنا من أقوم بأعمال المنزل؟؟ هل أنا رجلٌ حقاً؟؟
شغلت الغسالة و وقفت أفكر .. فجأة تخيلت تخيلات صدعت رأسي ..
تخيلت عادل و نوارة يضحكان و هما يصرخان :" محمد أتغسل الملابس عوضاً عن زوجتك "
ضججت بالغضب و أنا أمشي مسرعاً و أرتدي الحذاء على عجل فتبادرني علياء :" إلى أين "
قلت بجفاف :" سأخرج قليلاً و أعود"
كُنت أنتظر محمد في الشقة.. بعد أن سمحت للسيدة كريمة أن تغادر و هي جارتنا التي يطلب منها محمد أن تجالسني ريثما يعود.. و حقيقة فأطفالها مزعجون و قلبوا الشقة رأساً على عقب ..
فكرت و أنا أنظر لهذه الفوضى ؟ من سيرتبها غير مُحمد؟؟
طال انتظاري و أنا أعمل على الحاسوب .. لهذه الدرجة انزعج مني .. و لكنه هو من قبل أن يغسل الملابس بنفسه .. و هل كان يعتقد أن بمقدوري فعل شيء واحد ؟؟
هُنا فُتح الباب .. ففرحت كثيراً و أنا أجر الكرسي المتحرك ناحية المدخل .. اقترب و هو يحمل كيساً .. و كم كان وجهه يحمل ملامح باهتة .. شعره مبعثر على جبينه .. و زر قميصه العلوي مفتوح باهمال ..نظر لي لبرهة ثم نظر للصالة و ما حصل بها من فوضى ..
جررت الكرسي ناحيته و قلت :" مُحمد ؟ أين ذهبت "
تقدم هو ثم نظر لي .. نزع نظارته الطبية و فرك عينه هامساً :" قضيت عَملاً معيناً .. "
و جلس على الأريكة متنهداً ثم رفع عينيه لي بحدة :" ما كل هذه الفوضى؟؟ "
اقتربت منه بارتباك و قلت :" أبناء كريمة! لم أستطع منعهم .. "
تنهد و وضع الكيس على المنضدة قائلاً :" هذا هو العشاء "
ابتسمت له و أنا أقترب أكثر ثم مددت يدي بجهد لأربت على كتفه :" عوفيت "
نظر نحوي بنظرات باهتة ! .. قبل أن يرن هاتفه الخلوي ..
انحنى و رفع هاتفه من المنضدة و نظر لاسم المتصل على الشاشة.. عقد حاجبيه و نظر لي ... ثم أجاب على الهاتف هامساً :
" مرحباً آنسة حسناء ..
كيف الحال ؟؟
بخير ..
بلى بلى
الآن؟
لا لا أبداً !
حياكِ الله .. حياكِ الله ..
مع رضا ؟
نعم .. نعم ..
حياكِ الله
وداعاً "
تارة يبتسم و تارة يخفض عينيه و تارة ينظر لي .. و شعرت و كأنه تحمس قليلاً .. فاعتراني الفضول لأسأله فور اغلاقه للهاتف :
" من هذه ؟"
نظر لي و قال :" أخت مريض لدي! ستأتي لتبارك لي الزواج و تسلم عليكِ "
و نظر للساعة :" يجدر بي ترتيب هذه الفوضى في وقت قياسي "
نهض بنشاط و باشر بترتيب كل شيء و أنا أتأمله بحيرة ..
بعد أن أكمل ذلك مضى مسرعاً لغرفتنا فاستوقفته :" محمد أريد أن أبدل ملابسي "
استدار لي فهززت كتفي :" لاستقبال الآنسة "
تنهد و دفع بكرسيي بسرعة ناحية الغرفة ..


--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:47 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
" هذا؟ "
" لا .. أنه عاري الأكمام كثيراً"
" هذا ؟"
" لا .. ألا ترى أنه قصير فتبان ساقي؟ "
تنهد و هو ينظر لملابسي المصفوفة ثم نظر لي بحنق :" بربك علياء أهذا وقت التخير ؟ أمامنا نصف ساعة و تأتي حسناء .. "
زفرت بتدلل :" و لكن ينبغي التأنق أليس كذلك؟"
نظر لي بنظرة باردة ثم انتفض بانفعال :" هيا اختاري أي ثوب تريدين أريد الاستحمام "
ابتسمت ثم همست :" اختر لي إذاً "
فوجئت به يفتح الباب الآخر من الخزانة و يأخذ ملابسه مُسرعاً و يتجه للحمام قائلاً :" عزيزتي لن أستغرق عشر دقائق و سآتي لأتفاهم معك بشأن ملابسكِ "
تسمرت لبُرهة .. ما به؟ لماذا مرتبك لهذه الدرجة ؟؟
--
لكم أن تتخيلوا كم كان زوجي غريباً .. أراه ينسق المائدة .. ثم يتمتم :" حمد لله أنني اشتريت عشاءاً مفتخراً و زدت في الكمية قليلاً .."
و اتجه ناحية المرآة و هو يسرح شعره و ينسق قميصه ..
قُرع الجرس .. فارتبك مُحمد و هو ينظر لي :" ها قد أتت "
و نظر للمائدة و الصالة المرتبة و نظر لي أيضاً يتأكد من مظهري الجيد .... و انطلق ناحية الباب ..
طللت برأسي للمدخل ..
فدخل هو بصحبة فتاة طويلة القامة .. اتضح جمالها الفاتن و ابتسامتها .. نظرت لمحمد المبتسم و هو يرحب بها بحرارة!!
من هذه؟؟ !
ذات وجه بيضاوي نقي و حاجبين أسودين مع عينين ساحرتين .. رغم العباءة الفضفاضة فأنها كانت تبدو رشيقة القوام ذات جسد انثوي مميز و مثالي ...و أكثر شيء أثارني حبة خال صغيرة تستقر على خدها الناعم فتضفي عليه حُسنا فوق حسن..
هنا ثارت الغيّرة و أنا أحاول كبتها !
أكنت أظن أن محمد لا يرى غيري أنا المشوهة السقيمة؟؟ لا بل يرى أنواع الجمال فكيف سيحتمل بشاعتي ؟؟
اقتربت ناحيتي ثم تسمرت مصدومة و هي تتأمل وجهي .. فتتغير ملامحها للاشمئزاز .. ثم تهبط بعينيها للكرسي المتحرك .. تنظر لي بصدمة ثم نظرت لمحمد الذي ارتبك .. و أشار لي :
" علياء .. زَوجتي "
نظرت لي بدهشة .. ثم اقتربت و مدت يدها :" سُعدت بمعرفتك .. أنا حسناء .."
مددت يدي للسلام عليها ببرود فدعاها مُحمد للجلوس و هو يرحب بها من جديد..
و سألها عن أخيها بابتسامة .. تحدثا عن أشياء كثيرة تخص المشفى ..و أنا كالجدار لا أنطق و لا أحد يلتفت لي .. سوى نظرات تقزز من تلك الفتاة !
شعرت بالمهانة و محمد لا يوليني اهتماماً و أخذه الحديث معها .. و بدأ يدعوها لتناول الطعام ..
راحا يأكلان و يتحدثان و خير من محمد أنه التفت لي و سألني :" عزيزتي لمَ لا تأكلين ؟"
و وجه لي الملعقة و هي تحوي المكرونة نحوي و ابتسم :" ألا تريدين ؟"
أشحت بوجهي :" لا شهية لي "
رمقتني حسناء ثم ابتسمت :" تعلمين ؟ مُحمد طيب القلب و قد ساعدني طويلاً .. بصراحة ! فعل ما لم يفعله أقرب الناس .. "
ابتسم محمد و خفض رأسه .. فنظرت هي لي و هي تتفحصني :" ينبغي أن تشكرين الله على زوج كمحمد .. و تعتنين به "
ماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟ و ماذا تعرف هي عن مُحمد؟؟ كي توصيني به هكذا ؟؟
~~

هي أشياء تستثير أي زوجة في مَكاني ..! خصوصاً عندما غط محمد في النوم .. و فكرت ! كما تفكر أي زوجة ! إلى متى.. سيظل هذا الشخص بارداً ؟
في اليوم التالي أوصلني لمنزل أمي .. ..
كنت أجلس في الصالة و شروق موجودة .. رحبتا بي .. و أخبرتني شروق أنها تهرب من لوم والدتها بشأن عدم زواجها لحد الآن ..
نظرت لي أمي نظرة غريبة ثم همست :" علياء ما أخبار محمد ؟؟"
تأملتها ثم قلت :" بخير .."
" أأنت سعيدة معه؟؟"
ابتسمت :" كثيراً .. يعتني بي فوق ما تتصورين "
عادت تسأل بهمس :" إذاً هل حدث؟؟ "
عقدت حاجباي :" ماذا؟"
اقتربت ناحيتي و همست :" تعرفين عما أتحدث .. هل جرى ذلك الأمر ؟؟"
ارتبكت و تشتت ثم رفعت عيناي ناحيتها بارتباك :" لا .. ليس بعد "
عقدت حاجبيها :" و لماذا؟ أتمنعينه ؟؟"
زفرت :" لا .. لكنه ! لكنه يتهرب من هذا الأمر "
رفعت شروق رأسها حيث كانت مستلقية على الأريكة و ظننتها نائمة .. لكنها قالت بتهكم :
" من حقه أن يتهرب ! بزوجة مثلك يحق له أن يرقد في الصالة "
نظرت لها و قد شعرت بطعنات مريرة بقلبي .. فقالت أمي :" شروق ما هذا القول؟؟ محمد لم يشكو لك شيئاً"
و نظرت لي :" بُنيتي ... لا ينبغي أن تتظاهري بالغباء .. حاولي التلميح له .. "
زفرت :" سأحاول "
--
من قال أني لا أحاول ؟؟ و لكنه هو من يصدني بنومه المفاجئ .. أو انشغاله بأشياء أخرى .. أتراه يشعر بي؟؟
انتظرته طيلة نهار اليوم التالي أن يتصل بي و يسألني عن حالي .. لكنه لم يفعل .. و فكرت في حديث أمي و ضرورة فتح الموضوع بشكل مباشر هذه الليلة !
لعلكم تقولون! يا علياء أنظري لنفسك في المرآة .. و سأقول أني نظرت .. و رأيت بشاعتي! و لكني رأيت شيئاً آخر .. رأيت قلبي الذي ينبض بالحب لذلك الإنسان ..
حل الليل و أرى محمد منشغل بتقارير و فحوصات .. رمقته و أنا على السرير ثم همست :
" محمد .. ألن تأتي "
و أشرت للسرير فقال :" حسناً "
نهض متنهداً .. و جاء و استلقى على السرير و أغمض عينيه مستعداً للنوم ..
خاطبته :" مُحمد؟؟ ستنام ؟"
هزّ رأسه :" الساعة الحادية عشر علياء .. تودين السهر؟؟ "
قلت :" مُحمد ! أتعتبرني زوجة حقاً؟؟ "
فتح عينيه و نظر لي عاقداً حاجباه :" بالتأكيد "
نكست رأسي :" إذاً لماذا هذا البرود ؟؟"
اعتدل و هو يتأملني :" برود؟؟ هل قصرت في أمر يا علياء "
من جديد أراه لا يعي ما أعنيه ..
هززت رأسي :" نعم .. و هو شيء مهم .. ألستَ تنتظر عيالاً ؟؟"
نظر لي بنظرة استنتاج و كانه عرف ما أقصده لذا عاد يستلقي و هو يغمض عينيه ..
وضعت وجهي أمام وجهه و قلت بنبرة حادة :" مُحمد!!"
همس :" ماذا تريدينني أن أقول "
انفعلت و قد كسا وجهي الاحمرار :" أريد أن أعرف لماذا تتهرب من هذا الشيء؟ قل لي .. إلى متى ؟؟"
صعب علي أن أصرح برغبتي هذه و لكن بروده أجبرني ..
فتح عينيه ليشهد تدفق الدموع من عيناي .. فاستوى مسرعاً و همس :" علياء !! "
مسحت دموعي و همست :" أجبني "
قال متنهداً :" سأفعل ما تريدين فقط لا تبكي "
هُنا ثُرت ! و صحت به :" محمد !! لازلت تفعل كل شيء و كأنك مجبور .. "
رمقني بضيق ثم همس :" علياء ! "
ثم نظر للسقف بربكة قبل أن يعود ينظر لي و قد احمرت وجنتيه بحرج :" علياء! أنا ... أنا أحتاج أن تمهليني بعض الوقت كي أتأقلم "
عندما رأى عدم الرضا على وجهي .. ابتسم و همس :" رجاءاً "
زفرت و قلت بحدة :" كما تشاء ! و هل سأجبرك"
و مسحت دموعي :" لهذه الدرجة أنا مقززة؟؟"
ابتسم و هو يشير برأسه سلبياً.. ثم أمسك بكتفاي هامساً :" يجب أن تقدري مكانتك عندي ..."
و قبلني ثم همس :" أنتِ غالية كثيراً
قبلتها ثم همست :" أنتِ غالية كثيراً "
مازحتها و راضيتها حتى ابتسمت و تركتني أستلقي من جديد لأنام .. أوليتها ظهري و أنا أزدرد ريقي بارتباك ؟؟ ما هذا الموضوع الصاعق الذي فتحته معي؟؟
لم يخطر ببالي أنها تفكر بذلك الأمر .. ظننتها علياء الطفلة الذي علي تدليلها و تدليلها و هذا أقصى ما يمكنني تقديمه .. لكن ! لقد اصابت موضع الجِرح ..
بالكاد أستطيع تحمل وجودها معي في هذه الشقة .. في هذه الغرفة ! فهل كانت تتوقع مني ذلك الأمر ؟؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟؟ يفترض أن أهيئ نفسي لهذا الشيء .. و يفترض أني أعتاد على تشوهها !
التفتتُ للخلف لأتفقدها .. كانت نائمة!
تنهدت و عدت أفكر .. حسناء؟؟ حسناء ؟؟ لماذا تغيرت يا تُرى؟؟ لماذا؟؟ و لماذا لم أشهد هذا التغير إلا بعد زواجي؟؟ كم هذا يؤلمني و يجعلني أنفر أكثر فأكثر من علياء.. لماذا؟؟ لماذا أرى في حسناء الحياة ؟ و أرى في علياء الموت؟
تنهدت ! هل كنت أعتقد أني سألبي كل احتياجات علياء؟؟ للأسف. .. أحد الحقوق رغماً عني يسقط فلا أستطيع تحقيقه لها..
الجزء التاسع

في عشية اليوم التالي خرجت من الشقة أتهرب من علياء .. كنت أحاول مجالستها و التودد إليها و لكن بعد معرفتي لرغبتها الحقيقية فأني كلما أنظر لعينيها الآن أرى فيهما مُطالبة مُلحة ! لذلك أهرب ..
مضيت بالسيارة بلا هُدى و أنا أستمع للراديو ..توقفت بالسيارة أمام الاشارة الحمراء و أسندت رأسي لبرهة... ماذا أفعل الآن ؟ إلى أين أذهب؟
برقت فكرة جنونية عصفت بأفكاري عصفاً ..
ما إن حالت الاشارة إلى لون أخضر إلا قد انطلقت بالسيارة بسرعة لا تضاهيها سرعة ..
وداد ! سألاقيها مُجدداً ..
--
ترجلت من سيارتي التي ركنتها خلف الرصيف المقابل لمنزل فؤاد .. يفترض أن فؤاد لديه الآن دوام في المشفى .. وقفت مستنداً على سيارتي و رحت أضرب بكفي على سطحها بتوتر ...
ماذا بيدي أن أفعل؟؟
نظرت للناس التي تتجول هنا و هناك .. من الصعب الاقتراب من المنزل مُجدداً .. سأنتظرها حتى تخرج ! كان أملاً ضعيفاً و لكني اقتنعت به كي لا أثير أي شُبهة ..
و جلست على الرصيف و أنا أحك يدي ببعضهما من البرد .. يمكنني القول أني تناسيت زوجتي التي تنتظرني .. و ظللت أنتظر كما لو كنت سأنتظر قرنا ..أنتظر وداد لأحاول و لو بقليل أن أخرجها من هذا الجحيم..
أخرجت من جيبي كتاب صغير عِلمي عن تركيب المخ .. ربما هو كتاب ممل بالنسبة لكم و لكني قرأته مئات المرات .. و أكثر ما يثير تساؤلي حول امكانية الاستفادة من مخ الانسان حتى بعد مماته .. أي أن هناك جزء من مخ الانسان يحوي ذكرياته الماضية بل أنه يحوي أرشيف كامل لكل ما مر به الانسان من تجارب و ما لا نتذكره ليس بالضرورة أن تكون ذكرى تالفة لا يمكن الاستفادة منها بل هي ذكرى قديمة لا يمكننا استحضارها ..
رفعت رأسي للمنزل و فكرت .. أي أن فكرة غرس أجسام صناعية في مخ الانسان ربما لحفظ الذكريات بشكل أفضل ..و لكن لماذا؟؟ و ما الفائدة من ذكريات وداد مثلاً بالنسبة لفؤاد؟؟
هل هي مجرد تجربة عبثية ؟؟ أم ورائها غرض معين يستفيد منه فؤاد؟؟ كانت مجرد فرضيات ..
عُدت أقرأ الكتاب و شعرت برغبة بالنوم .. و بدأت الحروف تصبح ضبابية فلا أستطيع قراءتها..
أطرقت رأسي و أغمضت عيناي تدريجياً ..
" محمد ؟؟"
رفعت رأسي ..
فتحت عيناي مصدوماً !!
و قد سقط قلبي بين أحشائي ..
تجمدت كُلياً ...
فؤاد ؟؟؟؟؟
يقف بطوله المهيب .. و ملامحه الحادة .. رفع حاجباً و هو يتفحصني و أنا أجلس على الرصيف.. و همس :
" مُحمد ؟؟ ماذا تفعل هنا "
رفعت رأسي بارتباك و قلبي يقرع بجنون و لساني معقود لم أستطع أن أكذب أي كذبة أو أبرر أي تبرير ..
أسند هو كفه على خصره و عينيه تلتهبان بنظرة استنكار شديدة .. ثم قال :" تبدو مريضاً "
ربما لمح اصفرار وجهي من شدة هلعي ..
مد هو يده ليساعدني على النهوض .. فنهضت و أنا أشعر أن قدماي معطلتان ..
التقت عينانا بشكل مخيف .. عينيه العسليتان الحادتان الصغيرتان ..
نسقت نظارتي على عيني بارتباك فقال :" ما الذي جاء بك لهنا؟؟ "
ازدردت ريقي و قلت من دون تفكير :" تهت "
نظر لي باستنكار :" تُهت "
و ابتسم بتهكم فقلت و أنا أفتعل ابتسامة :" شعرت بتعب أثناء القيادة و فقدت التركيز فركنت السيارة هنا لأخذ راحة .. "
و قلت لأغطي كذبتي :" و أنت ماذا تفعل هنا ؟؟"
فتح عينيه بذهول ثم أشار لمنزله و قال :" بيتي هنا "
و وضع كفه على جبيني :" تبدو مُتعباً حقاً .."
و قال بسخرية :" هل تريد مني أن أوصلك لمنزلك بنفسي ؟ أخشى أن تؤذي نفسك "
ابتسمت و أنا أشير بيدي :" لا ، لا داعي .. "
و مضيت فأمسك بذراعي و قال :" مُحمد .. أريدك أن تنوب عني في العمل ! "
و ابتسم :" أعلم أنك متعب و لكن أريد أن تقوم بكل مهامي الإدارية ابتداءاً من الآن "
عقدت حاجباي :" لمَ؟؟ "
تنهد :" أمر بحالة وفاة ..."
تسمرت و أنا أسأل بريبة :" من ؟؟"
أنكس رأسه :" أختي الكُبرى "
هوت الصاعقة على رأسي لتحطمه لأشلاء !!!!!!!!
--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:47 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
قدت السيارة و أنا أضرب جبيني على المقود بقهر .. بل و أنا أشتعل بلهيب الألم ..ركنت السيارة أمام مطعم ... و فتحت النافذة و أنا أمسح عرق جبيني .. نظرت لوجهي في المرآة .. كان مُحمراً كئيباً ..
" ماتت ؟ ماتت ؟ "
لماذا كنت غافلاً كل هذا المدة ! حتى ماتت وداد ! على يديه القذرتين ! كيف ؟؟ كيف ؟؟ كيف سمحت لنفسي أن أتجاهلها كل هذه المُدة .. و أنشغل بعلياء و حسناء و أنسى وداد ؟؟
وداد هي خلاصة واجبي الوظيفي و الانساني الذي يجب أنفذه و إلا فلا أستحق كلمة إنسان أو طبيب !!
ألم الضمير ضج بصدري بل و خنقني ! و فكرت بحنق و أنا أضيق بعيناي .. لماذا قتلها ؟؟ و أي خبث يكبته هذا الانسان؟؟ و أي قلب بارد يملك !!
و أنا ؟ ماذا فعلت ؟؟ كنت أتفرج فحسب .. ياه كم كرهت نفسي !
فكرت باعلام الشرطة .. ليتم التحقيق في الأمر .. و لكن فجأة شعرت بأن هذه قمة التحدي الذي يجري بيني و بين فؤاد و يجب أن أفوز عليه ..
لابد أن أعرف ما هي نوايا هذا الشخص !
.. كنت أضرب أخماس بأسداس..
هل ماتت وداد اثر كثرة التجارب التي تُجرى عليها ؟؟
أم ماتت بنية مقصودة من فؤاد ..
في الاحتمال الثاني .. يفترض أنه سيستفيد حتماً من موتها لاكتشاف نتيجة لتجاربه تتضح في خلايا مخها بعد الموت مثلاً .!
أهذا ممكن ؟؟
و لمَ لا ؟؟
انطلقت بسيارتي نحو المقبرة و كانت قريبة .. رحت أبحث عن الحارس .. و أنا أنظر لداخل المقبرة المهيبة بظلامها المرعب .. وقفت لبرهة أتأمل السماء السوداء و صوت البوم يزيد الجو رهبة ...
الجو الضبابي برياحه التي تحرك ملابسي و شعري بعنف ..
نظرت للحارس الذي تقدم ناحيتي و قال بحدة :" من أنت و ماذا تريد ؟؟"
اقتربت منه و قلت و أزدرد ريقي :" لدي مجموعة أسئلة "
و نظرت لداخل المقبرة بربكة و عدت أسأله :" هناك نعش شُيع إلى هنا لامرأة .. أليس كذلك؟"
قال بارتباك و هو يهزّ رأسه :" نعم .. تم دفنها صباح هذا اليوم "
خاطبته و قد شككت بأمره :" أتعرف عنها شيئاً .. أو .. هل فعل أحدهم أمراً بجثتها؟ "
صاح :" لا أعلم ، لا أعلم .. "
و دفعني بعنف و هو يصيح :" ما غرضك لتأتي منتصف الليل تسأل عن شيء كهذا؟؟ "
قلت باصرار و أنا أتقدم لداخل المقبرة :" أستطيع جلب الشرطة لاستخراج الجثة و يكشفوا بنفسهم عمّا فُعل بها "
قبض هو على قميصي :" مكانك .. "
نظرت له و همست :" أخبرني ماذا حدث و لن أخبر أحداً بأنك تعلم بأي أمر صدقني "
نظر لي بارتباك ثم همس :" لن أخبرك أبداً "
كان رجلاً ريفياً و فكرت أن النقود ربما تكون وسيلة للحصول على معلومات كثيرة .. و لكن واضح من اصراره أن فؤاد أتى إلى هنا و رشاه قبلي و نبش قبر أخته ...
ماذا يمكن أنه فعل بالجثة ؟
ريثما كنت أفكر في شيء كهذا فوجئت بالحارس يأتي بعمود كبير و يصوبه ناحيتي ..
صرخت و أنا أتراجع متألماً واضعاً كفي على مقدمة رأسي .. و فتحت عيناي بصعوبة و أرخيت كفي لأصعق بأن رأسي بدأ ينزف بشدة ... رفعت كفي مجدداً و أنا أبعد شعري عن جبيني المخضب بالدم ..
و نظرت له و أنا أتهاوى على الأرض .. فاقترب ناحيتي و هو يرمي بالعمود .. انحنى و هو يهمس :
" لا أريد أن أقتلك و لكن إن كنت ستحضر الشرطة يمكنني قتلك بسهولة "
رمقته لفترة و أنا ألهث فعدت أخاطبه و أنا أمسح الدم عن غُرتي :" لو كنت أريد اعلام الشرطة لأعلمتهم قبل أن آتي .. "
و نظرت له باصرار :" أخبرني "
قبض هو على قميصي و رفعني من الأرض ثم رمى بجسدي على البوابة .. و اقترب قائلاً :" إما أن تخرج أو دفنتك في هذه المقبرة "
رمقته لفترة ..
كان يجب أنفذ بجلدي .. لذا نهضت مسرعاً و لذت بالفرار .
أعد الدقائق و الثواني ! و أنظر للساعة التي تشير عقاربها للثانية عشر ... الليل يظلم و الخوف يعتريني ... زوجة تعيسة مثلي يهرب منها زوجها عندما يرى الليل يحل ..
أتصل بهاتفه فأراه مغلق .. و أتصل على هاتف مكتبه فلا يرد ..
لم أسمح لنفسي أن أستسلم للنوم! لقد تجاهلني اليوم بما فيه الكفاية..و كنت متأهبة له لأعاتبه و أصرخ بوجهه..
هُنا سمعت صوت باب الشقة الرئيسي ينفتح ..فتأهبت و أنا أنظر للباب أترصده .. و قبضت على اللحاف مستعدة للصراخ و البكاء ..
فُتح الباب فانفجرت :" و لماذا تأتي؟؟ "
تسمر لبرهة .. و أنا ألهث أراقب ظلاله من الظلام الحالك و أعود أصرخ :" أي قلب تملك؟ لماذا تكرهني؟؟ لماذا تزوجتني أصلاً؟ لماذا لا تأتي إلا في منتصف الليل ثم تنام ببساطة؟؟ أي زوج أنت؟ "
تنهد و هو يشعل المصابيح .. فصُعقت لأراه مضمد الجبين و قميصه مخضب بالدم ..
يرمقني بنظرة باهتة .. ثم تقدم و هو يضع حقيبته .. و خلع حذائه و جوربيه بصمت ..
شهقت بصدمة و انفجرت بالبكاء .. نظر لي و أنا متشبثة بقميصه و أصرخ :" ما كل هذا؟ محمد ؟ ماذا جرى لك؟؟"
رمى هو بحذاءه و استدار لي ممسكاً بيدي :" علياء لمَ كل هذا الخوف ؟ "
ازدردت ريقي بخوف و أنا أنظر لقميصه الممتلئ بالدماء و ارتجفت مذعورة :" محمد !! محمد !! من فعل بك هذا؟؟"
تنهد :" سقطت على الدرج فحسب .. "
تأملته بفجيعة فابتسم :" يبدو أن هذا القميص أخافك .. "
و نهض هامسا :" سأستبدل ملابسي "
تأملته بذهول و هو يدخل الحمام ... و فكرت ... كيف سمحت لنفسي أن ألومه و لم أعرف ظروفه ! يا لي من مزعجة و مقيتة ..
هنا جاء هو و استلقى على السرير مبتسماً :" هكذا أفضل؟"
عبثت بشعره و همست :" حمداً لسلامتك "
قال :" أشكرك حبيبتي "
ابتسمت له و قلت :" فقط احترس في المرة القادمة لأنك لو سقطت مُجدداً سترى قلبي يتدحرج معك"
ابتسم و هو يتأملني ثم قال :" علياء .. خشيتِ عليّ؟"
ملت برأسي و قلت :" ممم .. يمكنك القول أن قلبي تدحرج من فوق السرير و أنا أراكِ بهذا الحال"
ضحك هو ثم قال :" هل تأخرتُ عليكِ "
هززت رأسي :" كثيراً و كنت سأقتلك لولا "
أشار لجبينه و قال :" لولا أن هذا الضماد أنقذني "
ضحكت ثم همست و أنا أحرك شعره المتناثر على جبينه :" لولا أني أحبك و أخشى عليك"
قال بنظرة ناعسة و هو يبتسم :" عزيزتي ... قلبي و عقلي ليس مركز معكِ و مع كلماتك .. لذا أريدك تمطريني بهذه الكلمات صباح الغد "
و جذب الغطاء هامساً :" لأني سأنام الآن"
تراجعت و أنه أتأمله و فكرت ! بهذه السُرعة! يبدو أنني يجب أن أقدر أنه متعب
خاطبته :" هكذا ستنام دون أن تقول شيئاً "
فتح عينيه بارهاق كأنه يترجاني أن أتركه ينام بسلام ثم همس :" سأقول أني أحبك كثيراً و سأحبك أكثر لو عُدت لوسادتكِ "
ابتسمت و استلقيت على وسادتي ..
نظرت له حيث غط في نومه بعمق .. و تذكرت الفجوة التي بيننا ..و علاقتنا المشوشة .. و التي يجب أن أعالجها .. لكن !! أمام تهربه هذا لا يسعني الضغط عليه أكثر ..

صباح اليوم التالي استيقظت بنشاط مستعداً لمهمة في غاية الأهمية و الاثارة! كنت أفكر و أنا أغسل أسناني ... فيما سأفعله اليوم للوصول إلى سِر فؤاد الذي يخبئه ...
بعد اكتشافي بالأمس بأنه نبش قبر أخته و عبث بجثمانها و هي ميتة! فكرة زلزلت كياني حقاً !
و التفسير الوحيد لما فعله هو اجراء بحوث جديدة على مخ انسان ميت لا يزال يحتفظ ببيانات مهمة ..
في دراستي كنا نتعلم أن الباحث لا يتخلى عن أدواته مهما كلف الأمر .. و مخ وداد هو أداة جيدة لفؤاد ..يحوي كل تجاربه السابقة.. و خير معين لتجاربه القادمة..
طُرق باب الحمام و جاء صوت علياء :" مُحمد! تأخرت عن العمل "
نظرت لوجهي في المرآة :" حسناً "
كنت أفكر في امكانية كشف فؤاد بأني أنا من ذهب للمقبرة .. عندما يرى هذا الضماد الملفوف على رأسي .. و مؤكد أن الحارس سيصفني وصفاً دقيقاً لفؤاد ..
و لكن فؤاد حالياً في اجازة و مدة اجازته تكفيني لنزع هذا الضماد حتى لو لم يلتئم الجرح..
--
في المشفى ..
استوقفتني الممرضة سعاد :" ياه مُحمد ... سلامتك .. ماذا حدث "
قلت و أنا مستعجل :" اصابة بسيطة جداً "
و اتجهت إلى الاستعلامات ...كنت أحاول اقناع الموظفة بتسليمي مفتاح مكتب فؤاد لأني سأنوب عنه هذه الأيام .. و بالفعل حصلت على المفتاح ..
دخلت الغرفة و أقفلت الباب من خلفي كمن يرتكب جُرما .. و اتجهت ناحية مكتبه المُرتب ..رحت أحاول فتح الأدراج لكن أراها مقفلة .. للأسف ..
كنت أبحث عن شيء يدل عن طبيعة التجارب الذي يجريها فؤاد .. و مع رؤيتي للأدراج و الخزائن المقفلة .. زاد فضولي و زاد احباطي .. يا لحرص هذا الشخص..
رحت أجول في المكتب و لم أجد شيئاً .. أو حتى ورقة تبدو مهمة ...وقفت أمام روزنامة معلقة على الجدار .. توقعت أن يسجل ملاحظات معينة على يوم وفاة وداد .. لكن لا شيء أبداً ..
يا لغموض هذا الشخص!! مضيت أبحث أكثر و رأيت أرصدة لمشتريات أجهزة مرمية في سلة القمامة .. تصفحتها بتململ .. ثم رميتها في القمامة و أنا أهم بالخروج مُحبطاً ..
تسمرت لبرهة .. و عدت أنظر للأرصدة!! ركضت لها و استخرجتها من سلة القمامة ... أرصدة لمشتريات أجهزة طبية ؟ قرأت أسماء الأجهزة و اكتشفت أنها لا تخص المشفى ..
أي أنه اشتراها له !!
يعني هذا أنه يملك مختبراً يجري فيه تجاربه و يضع فيه أجهزته !! يا ترى هل هو في منزله ؟؟
فكرت لبرهة و أنا أحك شعري .. لا ! مستحيل أن يضع أجهزة بهذه القيمة الباهضة في منزله !
جلست أمام المكتب و أنا أقرأ المشتريات بدقة ..
أجهزة غريبة بالفعل ..
لكن كيف لي أن أصل إلى ذلك المختبر ؟؟
هل يمكن أن يكون أحد زملائه يعرف بأمر المختبر السري ؟؟ لا .. لا أظنه يفصح بأمر كهذا ..
وضعت كفاي على رأسي و أنا أعيد قراءة المشتريات و أسعارها ..
و تسمرت عند ابر الروبيديوم المسجلة في آخر القائمة ..
الروبيديوم هو عنصر مشع و يستعمل للتجارب العملية على الأغلب ...
و على هذا فأنه يمكنني التقاط هذه الأشعة اذا كنت أملك عداداً يقيسها ..
قفزت لهذه الفكرة الرائعة .. مؤكد أنه يحتفظ بهذه الابر في مختبره الذي يعج بتجاربه الشيطانية و بيدي الوصول لذلك المختبر بسهولة .. اذ امتلكت هذا العداد ..الذي سيدلني على المختبر..
مشيت مسرعاً خارج المشفى فرحاً بهذا الاكتشاف العظيم.. ناحية مركز البحوث و اشتريت منه العداد .. و صعدت سيارتي و وضعت العداد بجانبي ..
الآن أمامي أن أجول المدينة شبراً شبراً.. لالتقاط أشعة الروبيديوم!
ضحكت و أنا أهزّ قبضتا يدي بحماس .. و أمسك بالمقود بفرحة .. نظرت للعداد .. ثم انطلقت أجوب المدينة ..
--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:48 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
جُلت بالسيارة حول المنطقة التي تحيط بمنزل فؤاد .. و أنا أعاود النظر للعداد .. فأرى أن مؤشره لازال ساكناً ..فكرت لبرهة أنه لن يتخذ مختبراً في هذه المنطقة! مؤكد أنه مكان بعيد قليلاً ..
زفرت و انعطفت لحي آخر ..
كنت أحتاج مزيد من الصبر و التحمل لأجول المدينة بأسرها ..
هُنا رن هاتفي الخلوي .. و كانت حسناء!!
حسناء؟؟!!
ألم ينتهي كل شيء؟؟؟ ألم يتعافى رضا ؟؟ تذكرت أيامي الجنونية التي أحببتها فيها و لكن ذلك الحُب خمد فجأة كرادع ضميري كوني متزوج..
رفعت الهاتف :" أهلاً "
جاءني صوتها الرقراق بنبرة لينة :" مرحباً دكتور كيف حالك ؟؟"
قلت بمرح :" أنا بخير يا حسناء ؟ لمَ كل هذه القطيعة؟؟ "
" لا أبداً .. يفترض أنك من تسأل عن رضا أليس كذلك؟"
" بلى .. كيف حاله؟"
" بخير .. آآ .. رأيت سيارتك تمر بجانب مركز التسوق .. و... أحببت التسليم عليك "
تلفتت حولي قائلاً :" أنت بجانب مركز التسوق؟؟"
" نعم .. "
قلت :" سأمرك الآن "
" حسناً "
من قال أن ذلك الحب خمد؟؟
حركت المقود و انعطفت عائداً لتلك المنطقة ..
لمحت تلك الفتاة الطويلة القامة بالعباءة و الحجاب الأسودين و الوجه البيضاوي بالبشرة البيضاء النقية ..العينين الخنجريتين ذاتهما تحملان ثقل الرموش الكثيفة ..
بديهي أن أعود للمقارنة الصعبة...بين حسناء الحسناء و علياء المعلولة ..
أوقفت السيارة بجوارها فهمت بالصعود و بادرتني ابتسامة سرعان ما تحولت لشهقة :
" دكتور ماذا أصابك؟؟"
رمقتها و أشرت لجبيني :" هذا؟؟ "
و ضحكت بمرح :" لا شيء على الاطلاق .. مجرد جُرح بسيط "
اقتربت :" أرني.. ياه .. "
و وضعت يدها على صدرها هامسة :" أخفتني عليك "
علامات تعجب كثيرة تتراقص فوق رأسي الذي لم يستوعب المعاملة الحسنة هذه .. هل من الممكن أن يتغير المرء إلى النقيض تماماً ؟؟
" مُحمد "
التفتتُ لها .. فقالت بنبرة هادئة نسبياً :" هل يمكنني قول اسمك هكذا خالياً من أي لقب؟؟"
مضيت بالسيارة و أنا أخاطبها :" بالطبع .. "
أخرجت من الكيس الذي تحمله قطعتي شوكولاتة و أعطتني واحدة و هي تقول :" تفضل "
تناولتها و قلت :" لك أن تعرفين كم أحب الحلويات رغم أنها مضرة "
ضحكت و هي تلعب بقطعة الشوكلاتة :" من المفترض أن تنسى قوانين الطب المملة "
و نظرت إلي قائلة :" مُحمد ! لا أخفي عليك.. تفاجئت بخبر زواجك و تصورت أن مثلك لا يمكن أن يتزوج .. قل لي هل ستشغلك زوجتك عن مساعدة الناس ؟؟"
رمقتها لبرهة ثم عدت أنظر للطريق :" علياء؟ "
ثم رفعت كتفاي بمعنى لا أدري ..
فقالت بارتباك :" هل هناك سر وراء زواجك منها؟؟"
عدت أنظر لها و شعرت بالحرارة .. فقالت موضحة :" أعني .. أعني ! ما الذي يجعل طبيب مثلك يتزوج بـ..."
قاطعتها :" رُبما لأني طبيب يسعى وراء مصالحي و أريد استغلال مرضاي "
رمقتني بصدمة ثم تشتت و هي تشيح بوجهها .. و كنت أقود السيارة بهدوء ناحية أحد المطاعم و لكن الازدحام كان عارضاً أمامي..
" معك حق ! "
نظرت لها حيث تنكس رأسها و تعبث بعباءتها و أكملت :" رُبما كُنت فظة و أظن فيك ظن السوء "
و رمقتني طويلاً ثم همست :" رُبما من الجراءة أن أقول ذلك .. و لكني اكتشفت أني خسرتك "
أدرت رأسي ناحيتها و أنا متسمر لفترة .. ثم همست :" أنا أيضاً خسرتكِ .."
و نظرت للطريق هامساً :" لقد طلبت الزواج منك فلمَ رفضتِ ؟ ما كان السبب؟؟ لقد أعلنت صدق مشاعري و حسن نياتي فلمَ رفضتِ؟"
وضعت هي كفها على صدرها ثم همست بصوت متحشرج :" .. أ.. آ .. لا أعلم .."
ساد الصمت فترة من الزمن .. حتى قالت هي :" رُبما لأني أكره من يقترب مني لأي غرض كان .."
نظرت لها و قلت :" لكنك كنت تعلمين أن غرضي سليم "
" لم أكن متأكدة ! "
ثم اندفعت بكلمات كالحمم " يجب أن تقدر أنني أعيش وَحدي مع أخ مريض ضعيف الشخصية عجز عن الدفاع عني مرات و مرات و أنا من كنت أدافع عن شرفي و سمعتي و عرضي وحدي ! وحدي واجهت الأعين الطامعة "
نظرت لها فغضت بصرها هامسة :" حياتي مجرد دوامة من الصراعات مع وحوش آتية لالتهامي و علي الدفاع عن نفسي بنفسي "
و نظرت لي :" و تعودت أن أرفض كل شخص يتقدم لخطبتي ! لألا أقع في الخديعة "
رمقتها ثم قلت بجدية :" أنتِ تصنعين هذا الجو المرعب بالنسبة لكِ و أنت من صنع هذه العُقدة !"
صاحت بانفعال :" لو كنت فتاةً مثلي وحيدة لعرفت معنى حديثي "
تأملتها طويلاً فهمست :" كل تصرفاتي كانت نتاج معاملة المصلحة الدنيئة التي يعاملني إياها الرجال ! فكيف بي أن أتصور أنك مختلف عن جميع الرجال؟؟"
رمقتها مُطولاً ثم نظرت للطريق هامساً :" و ماذا تغير؟؟"
تنفست هي ثم همست :" الذي تغير أنني اقتنعت أنك شخص شريف و لكن بعد فوات الأوان "
و نظرت لي بتهكم و هي تهز رأسها :" هه! بعد أن تزوجت أنت تلك الفتاة ! "
همست :" نعم لأنها قبلت بي دون حركات الغرور تلك"
انتفضت هي ثم قالت بابتسامة :" يمكنني القول أني أعرف أنك تزوجت بها كردة فعل لرفضي لك أليس كذلك؟"
كانت واثقة و محقة في ثقتها بنفسها فقلت :" رُبما "
و نظرت لها :" لكني مرتاح نسبياً معها .."
تبادلنا أنظاراً عميقة ثم فوجئنا بطنين جهاز العداد و مؤشره يستيقظ من سباته ثم يرتفع بقوة .. فتحت عيناي بصدمة و تلفتت حولي لأرى أرض بها مجموعة مباني متفرقة ..
همست حسناء :" ما هذا الجهاز؟"
كنت أتصبب عرقاً و أنا أنظر للجهاز لاهثاً .. و أعود أنظر للمباني المتفرقة !
فؤاد! هل مختبره هُنا؟؟
من الصعب جداً التصديق أني هُنا بالقرب من غابة فؤاد .. من الصعب التصديق أني هُنا أستطيع تحديد مكان جحيم فؤاد .. الحقيقة تتجلى أمامي .. كأني أشعر أني سأكشف عن سر رهيب يخفيه ذلك البحاثة ..

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:48 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء العاشر

نبض قلبي يتصاعد .. عرق جبيني يتصبب .. أمط شفتاي بربكة و أنا أنظر حولي .. و أعود أنظر للعداد الذي يصرخ بطنين عالي ..

من الصعب جداً التصديق أني هُنا بالقرب من غابة فؤاد .. من الصعب التصديق أني هُنا أستطيع تحديد مكان جحيم فؤاد .. الحقيقة تتجلى أمامي .. كأني أشعر أني سأكشف عن سر رهيب يخفيه ذلك البحاثة ..

كأن بيدي أن أكشف الستار على فؤاد و هو يجري جرائمه براحة في مكان ما هنا ..

حسناء تهزني :" محمد .. أين نحن ؟؟ "
نظرت لها لبرهة .. ثم قدت السيارة بهدوء و أنا أفتح النوافذ أتأمل المباني .. كانت ثلاثة مباني ..الأول يبدو عمارة سكنية .. و الآخر فيلا و الثالث كان منزلاً متواضعاً ..
كنت أفكر .. أين هي تقبع تجارب فؤاد ؟؟ بدأت بالدوران حول تلك المباني و أنا أتأمل العداد و مؤشره .. حتى قفز لحظة مروري بالفيلا ..
ازدردت ريقي و نظرت لحسناء :" أتريدينني أن أعيدكِ للمنزل؟؟"
رمقتني حسناء بتشتت ثم همست :" محمد ما بك؟ ماذا حدث؟؟ "
عدت أتأمل الفيلا و فكرت .. أيمكن أن فؤاد بالداخل ؟؟ و تذكرت أني أحوم بسيارتي التي يجب أن أبعدها كيلا يراها فؤاد إن كان في المنزل ..
كنت ألهث مرتبكاً .. و حسناء تتأملني بخوف ثم تهمس :" مُحمد !! مُحمد .. هلاّ أخبرتني ماذا يحدث؟؟"
حركت السيارة و واريتها خلف العمارة .. و نظرت لحسناء :" انتظريني .."
و هبطت من السيارة و مشيت مثقلاً ناحية الفيلا ..
الفكرة الجنونية التي سيطرت علي ..
كَيف لي أتسلل إلى هذه الفيلا لأصل لمعمله؟؟
قرع الجرس فكرة مستبعدة .. لا أريد مواجهة فؤاد أبداً ..
و لذلك كنت أحتاج خبرة اللصوص لاقتحام هذه الفيلا ..
درت حولها و أنا أفكر في كيفية الدخول .. حتى قررت أن أنفذ خطة جنونية ..
اتجهت نحو سيارتي و دخلتها .. نظرت لحسناء و قلت :" ألديك رخصة قيادة؟؟"
قالت بارتباك :" لا"
قدت السيارة حتى ركنتها خلف الفيلا .. و نظرت لحسناء هامساً :" ما إن أدخل أنا الفيلا حركي السيارة إلى أبعد منطقة هُنا "
نظرت لي و همست :" قلت لك لا أحسن القيادة و ماذا تعني بدخولك الفيلا؟؟ "
فتحت الباب قائلاً :" حسناء افعلي ما أخبرتك به "
و خرجت من السيارة .. كنت أفكر بالصعود فوق سطح السيارة للوصول للشرفة التي في الفيلا .. و رغم أني لا أملك تلك اللياقة البدنية و لكني كُنت أحاول مع صوت حسناء المرتجف :" محمد يا مجنون ماذا تفعل؟؟ "
كنت واقفاً فوق السيارة أمسك بأعمدة الشُرفة و أنظر للأسفل بخوف .. حتى شعرت بالسيارة تتحرك من تحتي.. صرخت :" حسناء ارفعي المكابح "
صرخت هي بخوف :" محمد ستقع "
" ارفعي المكابح "
كنت متشبثاً بأعمدة الشرفة بارتباك و السيارة تتحرك ببطء من تحتي.. حتى توقفت فتنهدت بارتياح ..
أي عملية تسلل هذه؟؟
بصعوبة قفزت إلى داخل الشرفة ...
خاطبتها و أنا على الشرفة و حركت يدي :" حسناء حركي السيارة و أبعديها من هنا "
صرخت :" هل تسرق يا مُحمد "
ارتبكت و أنا أتلفت حولي ثم عدت أهمس :" لا ! فقط حركي السيارة "
تأملتها و هي تنتقل لمقعد السياقة ثم تنظر لي بخوف :" لا أحسن القيادة "
همست بقهر :" حسناء افعلي ما تستطيعين فعله "
ثم نظرت للغرفة التي أطل عليها من الشرفة ! ماذا لو كان فؤاد موجوداً .. و من يدري ؟ ربما رأى مسرحيتنا المضحكة ؟ و تأهب لي ..
ازدردت ريقي و أنا أرى حسناء تحرك السيارة ببطء ناحية الميناء .. و عدت أمد يداي برجفة لأبعد الستائر الشيفونية .. تلفتت حولي ... كانت الغرفة خالية .. غرفة مكتبية واسعة..
تقدمت ببطء و حذر و اتكأت على الطاولة لأتفحص الأوراق الموجودة .. لم تكن تعني شيئاً واضحاً ... لفت نظري وجود صورة مبروزة ..
فؤاد و مع امرأة ثلاثينية و فتاة عشرينية ..قبضت بأصابعي على الصورة بدهشة ! فؤاد و أختيه؟ ابتسامة وداد المتوفاة حيرتني .. و لكن الذي جذبني تلك الفتاة الأخرى .. يمكنني القول أنها آية في الجمال الرباني ..هل هي الأخت الوريثة لمعاناة وداد؟؟
و ماذا تعني هذه الصورة ؟؟ هل كانت علاقة فؤاد بأختيه جيدة يوماً ما ؟ و لماذا يحتفظ بصورة كهذه و هو الذي عذبهما ؟؟
وضعت الصورة ثم خرجت من هذه الغرفة أجول في الغرف بهدوء و في كل مرة أترقب ظهور فؤاد فجأة فيكشفني .. لكني أطمئن نفسي لأواصل البحث..
هُنا صُدمت و أنا أسمع صوتاً .. و لكن تبين لي أنه صوت صادر من جهاز معين .. أسرعت لمصدر ذلك الصوت و دُهشت برؤيتي لمعمل ضخم واسع مملوء بالمعدات و الأجهزة .... منظم تنظيم رهيب ..
تأملت الأجهزة المصفوفة و كم كانت أجهزة متقدمة معقدة لم نتدرب عليها حتى في المشفى .. نظرت يميناً فرأيت أجسام معدنية غريبة الشكل تسبح في محلول أصفر .. و فكرت ! هل هذه الأجسام هي نفس الأجسام الذي غرسها في مُخ وداد ..
رُحت أتفحص كل شيء كطفلٍ أمام حلويات متنوعة و كثيرة ..
كل شيء هنا يدل على تقدم علمي و رهيب و معرفة كبيرة بذلك الشيء الغامض ( المُخ )
اقتربت ناحية شاشة تعرض بيانات عليها ... لكني تسمرت مكاني و أنا أسمع صوتاً قادماً .. تلفتت حولي أبحث عن مكان أختبئ فيه و تجمدت لدى سماعي لرنين هاتفي ...أخرجته و أغلقه بسرعة ثم أسرعت ناحية دورة المياه .. دخلتها و تواريت خلف الباب ثم طللت برأسي ببطء إلى الخارج ..
فُتح الباب و ظَهر فؤاد ..
ازدردت ريقي و أنا أراقبه .. بحيث لا يراني .. لو تعلمون كم بدا مختلفاً .. لا أعلم ! ملامحه غدت مجهولة و هو يحمل صندوق زجاجي مغطى بقماش ..وضعه على الطاولة ثم فتح الدرج و أخرج قفازين مطايين ارتداهما على عجل ..
راقبته مقطباً حاجباي و هو يزيح القماش عن الصندوق... ركزت أكثر في الشيء العائم في ذلك الصندوق ! لم أعرفه للوهلة الأولى .. و لكن !! صُعقت فيما بعد عندما عرفت أنه رأس وداد !
---

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:48 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
رحت ألهث مرعوباً فاتحاً عيناي على أقصاهما من شدة ذهولي ... أنا أمام سفاح يسفك الدماء و ينبش القبور و يقطع الرؤوس ..
كنت متسمراً و شفتاي ترتجفان! و أنا أراه يخرج الرأس من الصندوق و يبدأ بتشريحه .. أشحت برأسي و قد واتتني رغبة بالتقيؤ .. و الغريب ! أن ملامحه باردة ثلجية .. و هو يعمل بثقة و برودة قلب ..
رغم ذلك المشهد المقزز كنت أريد أن أعرف .. ماذا يريد أن يصنع ؟ ماذا يريد أن يستخرج من رأسها ؟ ما هو الشيء المهم الذي يستدعيه أن ينبش قبرها و يقتطع رأسها ؟؟
عُدت أتأمله و هو ينزع بأداة معينة تلك الأجسام بحذر شديد من الرأس و يضعها في محلول آخر .. الاجسام الغريبة مُجدداً ؟
رأيته و بكل قسوة ينتشل الرأس و يرميه في النفايات .. ركزت بنظري أكثر عليه و هو يراقب الأجسام بامعان ثم يتجه نحو الجهاز الملحق بالشاشة و يدون بعض البيانات ..
كان يكتب بشكل سريع و كنت أقرأ بشكل أسرع ..
كانت ملحوظات متناثرة مكتوبة بالانجليزية ..
" كل البيانات تم نقلها بشكل صحيح للأجهزة الصغيرة ..
تحوي ثلاثة آلاف كروسوماً لنقل الصفات الوراثية مع حذف الأمراض الوراثية
تم نسخ بيانات الذاكرة بشكل كامل "
عقدت حاجباي و أنا أراه يبتسم ثم يتنهد بارتياح .. و همس :" وداد ! لا تقلقي ! لم يبقى الكثير "
آخر كلماته شكلت لغزاً صعباً بالنسبة لي .. ماذا يعني هذا؟؟
ما هي نية فؤاد؟؟
بينما كنت سارحاً .. تقدم فؤاد ناحيتي و هو ينزع قفازاته ..
صُدمت !! هل كشفني؟؟
تواريت خلف الباب و قد توقف قلبي عن الخفقان من فرط الخوف ..
و تذكرت أني في دورة مياه ..
دخل فؤاد و وقف أمام المغسلة .. و أنا خلفه مباشرة لا يفصلنا إلا الباب .. كنت أكتم أنفاسي قدر الامكان و شعرت بجسمي يزرق من الرعب..
راح يغسل يديه و أنا أدعو ربي بأحر الكلمات ألا يكشفني ...
لم أكن أستطيع حتى أن أزدرد ريقي خوفاً من أن يشعر بي !!
هُنا تحرك هو و خرج من دورة المياه .. حركت عيناي لأراه يخرج من الغرفة و هو يطفئ المصابيح ..
لحظات و خرجت أنا من مخبئي .. لتهاجمني رائحة شنيعة ! على الأرجح أنها بسبب الرأس الملقى في القمامة ..
فكرت بانتهاز هذه الفرصة الذهبية للإطلاع على ما يفكر به فؤاد .. مباشرة اتجهت نحو الجهاز الموصول بالشاشة الكبيرة و رحت أبحث عن البيانات السابقة .. كانت البيانات كلمات مختصرة للخطوات التي يؤديها هو ..
لفت نظري استخدامه لعبارة وداد السابقة _ و وداد الجديدة ؟ و تحيرت أكثر ... ماذا يعني؟؟
تصفحت البيانات أكثر و رحت أقرأ .. كانت معقدة و صعبة الفهم و لكن اسم وداد يلوح هنا و هناك ! وداد تعني له الكثير ؟
تنهدت لم أجد فائدة من هذه الشاشة و بياناتها الصعبة .. أخرجت من جيبي جهاز صغير لحفظ البيانات الالكترونية بما يسمى في عصرنا هذا بـ ( فلاش ميموري ) ..
رحت أنقل كافة البيانات مرتبكاً ... و تصلبت تماماً حين سمعت صوت هاتفي النقال يرن ..
استخرجته مسرعاً و رددت على حسناء بصوت خفيض :" نعم "
و تلفتت حولي بقلق! هل سمع رنين الهاتف؟؟
جاء صوت حسناء :" ظننتك مُت .. صاحب المنزل دخل .. ماذا تصنع أنت هناك؟؟"
همست :" حسناء .. انتظري لثواني "
انتزعت الجهاز بسرعة و رميته بجيبي ثم فتحت الباب ببطء و أنا أتلفت حولي بحذر .. نظرت لغرفة النوم المجاورة الموصدة ... و مضيت ببطء لأخرج من المنزل ..
--
خرجت و اقتربت من سيارتي حيث بها حسناء تتربصني بنظرات لاهبة .. ثم هبطت من مقعد القيادة و اتجهت للمقعد المجاور ..
صعدت و أفكاري تتضارب بوحشية برأسي ... و رفعت رأسي لأرنو بشرود إلى ذلك المنزل .. و الرياح تعصف بنا .. رمشت بعيناي و نظرت لحسناء التي همست :" محمد أين كنت؟ ماذا كنت تفعل .."
قدت السيارة و عضضت على شفتاي بحنق :" شخص مُجرم "
تفاعلت :" من هو ؟؟ "
نظرت لها لبرهة و قررت أن أخبرها القِصة كاملة !
لم أتوقع أن تتفاعل بهذا الشكل بل و أبدت استنكارها و تقززها و نفورها ثم نظرت لي :" محمد؟؟ هل أنت طيب القلب لهذا الحد؟؟"
رفعت حاجباي فابتسمت :" لأول مرة ألاقي شخصاً عفوياً يتصرف بأخلاق سامية دون تكلف أو تصنع "
ابتسمت و خفضت نظراتي :" أحقاً أنا هكذا؟؟"
ابتسمت هي :" نعم و أدعوك على وجبة عشاء لذيذة ! "
نسيت علياء بل نسيت كل شيء و أنا أسرح في عيني حسناء السوداويتين ..
--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:49 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
بمرح صحت و أنا أقطع الطماطم :" ظننت أني سآتي ضيفاً لا أن أصنع معكما العشاء "
ضحك رضا و رفع كتفيه :" ماذا نفعل .. أنا كل يوم أساعدها في صنع الوجبات "
حسناء أخرجت المكرونة من الفُرن و قالت :" كنت أقول لرضا لا فرق بين امرأة و رجل .. الطعام هو للجميع و على هذا كل واحد يجب يساعد في صنعه"
ضحكت أنا :" أعانك الله يا رضا "
رمقتني حسناء و حركت حاجبيها مبتسمة ثم قالت :" رضا .. هيا اذهب لشراء العصير "
تركت أنا البندورة و قلت :" أنا سأذهب .. "
هنا أشارت لي حسناء و قالت بصيغة الأمر :" دكتور محمد رجاءاً أكمل السلطة "
تنهدت و نظرت لرضا :" هل هي دائماً هكذا ؟"
ابتسم رضا و هو يرتدي حذاءه :" لا .. فقط عندما تتحمس لأمر ما "
غادر و أنا أقطع الخيار بعدم خبرة و أضحك على نفسي :" أي سلطة هذه؟؟ "
انحنت حسناء و التقطت شيئاً ما قائلة :" محفظة؟"
و فتحتها لتبقى تتأمل ما بداخلها مطولاً ..كانت محفظتي و كانت خالية من النقود تماماً .. كما لو كانت لمشرد .. شعرت بالحرج و لذلك اضطررت للتظاهر بعدم الانتباه لها ,,
صاحت بدهشة :" من هذا الطفل الوسيم "
رفعت رأسي لها و هي تبتسم بتفاعل :" يا الله!!!!! ما أجمله ! "
و قبلت الصورة ضاحكة :" ما شاء الله ! "
و نظرت لي :" من هو؟؟"
هنا انعقد لساني و تورد وجهي قبل أن أهمس :" أنه أنا "
تسمرت هي بدهشة ثم عادت تنظر للصورة .. و علت الحمرة وجهها قبل أن تضع المحفظة على الطاولة و تهمس بارتباك :" حقاً ؟؟ "
فترة صمت و حرج لكلانا .. لكني ابتسمت و أنا أتأمل الخيار بيدي ثم نظرت لها :" كان عمري خمس سنوات حينها "
جلست هي في مقعد مجاور و تناولت المحفظة من جديد تتأمل الصورة :" ياه!! تبدو مختلفاً .. أو ربما بريئاً كثيراً "
و وضعت المحفظة أمامي ثم حركت كفيها حولها كمن يريد التهوية على نفسه .. لاحظت احمرار وجنتيها .. لكن سرعان ما صاحت بدهشة :" محمد كيف تقطع الخضار بهذا الشكل العشوائي "
نظرت أنا لطبق السلطة و كتمت ضحكتي :" عشوائي؟"
سحبت مني السكين و قالت :" ياه ! ليس لديك أية خبرة "
و نظرت لي بنظرة جادة :" يفترض أن تتدرب على هذه الأمور ستحتاجها في حياتك خصوصاً مع زوجتك المريضة "
هنا رمقتها بعمق و هززت رأسي :" معك حق "
و زفرت هامساً :" الأمر لا يتعلق بطهو فقط ! إنما كل مستلزمات المنزل .."
و تسمرت لبرهة مصدوماً من نفسي .. و كيف سمحت لنفسي التحدث عن علياء و عجزها ..و هنا تذكرت علياء بمزيد من تأنيب الضمير ..كنت قد أقفلت هاتفي كي لا تتمكن من الاتصال بي .. يا لقساوة قلبي !
" مُحمد!"
نظرت لحسناء التي نهضت فجأة :" جبينك!! "
نظرت لها بغير استيعاب فاقتربت صائحة :" أنك تنزف .. ضمادك ملوث "
تشتت و رفعت يدي للضماد و تلمسته .. فانحنت بدورها تتفحص الضماد ثم مدت يدها و بأصابعها النحيلة و بدأت تفكه هامسة :" يبدو أن الجرح انفتح"
حينها كنت أتصبب عرقاً ..و هي تزيل الضماد و ترفع شعري عن جبيني ..
المسافة بيننا كانت ثلاث بوصات فحسب .. و أنا أشعر بأصابعها تلامس جرحي بخفة و صوتها يأتيني مصحوباً بأنفاسها الحارة تلفح وجهي :
" أيؤلمك؟"
" لا "
لم أكن أشعر بأي ألم .. عدا خِدر لذيذ .. قبل أن تقول هي :" سأذهب لجلب الشاش .. لا تتحرك"
و فِعلاً بقيت متسمراً و أنا أتأمل الضماد المرمي في حضني الملوث بالدم ...
هنا أتت و مع وقوفها أمامي و هي تسكب المطهر في كرة القطن الصغيرة كنت أشعر بصخب عارم بمشاعري ..
أتأملها كطفل مشدوه ! و كأنني لأول مرة أرى أنثى .. تتحرك بنعومة و هي تنحني ممسكة بكرة القطن :
" لا تتحرك ؟"
و كيف سأتحرك؟ و أنا مشغول بسحر هذه الفتاة .. راحت تطهر الجرح و أنا سارح بها .. أخيراً شعرت بلسعة المطهر.. انكمشت فجأة :" آه مؤلم "
قالت بضجر :" محمد لا تكن طِفلاً ! ألست طبيباً ينبغي أن تتحمل "
رفعت رأسي لها :" هيا أكملي .. لكن بحذر "
راحت تلف الشاش بمهارة و فور انتهائها حملت العدة و غادرت .. ثم جاءت تنتشل القطن المتناثر و الضماد الملوث و ذهبت لتعقيم يديها ..
و عيناي عليها و أنا أغرق في تفاصيلها .. رشيقة القوام و هي تتحرك بحيوية و تبادرني كلمات مرحة ..
أكنت مخطئاً إذ عشقتها؟؟ من يقول أني متخبط بمشاعري؟ مشاعري كانت صائبة بعشقها .. هي حورية مضيئة تشغل البال..
التفتت لي و ابتسمت :" مالك ؟؟ "
ابتسمت لها و همست :" أشكرك كثيراً "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:49 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الحادي عشر

كنت جالسة مع أهلي .. أمي و خالتي و شروق .. فُتح ذلك الموضوع من جديد من قبل أمي و هي تسأل خالتي إذاً كان مُحمد يعاني مشكلة معينة تجعله يتصرف مثل هذه التصرفات معي ...
هنا ظهرت الصدمة جلية على وجه خالتي التي قالت :" لا ! بني لا يعاني أية مشكلة و سأسأله عندما يأتي "
كنت متشجعة لقدومه كي تواجهه أمه .. و لكي نضع حد لهذه العلاقة المشوشة بيننا!! ربما اذ فاتحته أمه بالموضوع يدرك أنه متزوج ..و إذ كان مريضاً يشكو مشكلة جسمانية ربما تحاول أمه حثه على العلاج...
نظرت للساعة ..
أي زوج يتأخر كل هذا التأخير ؟؟؟ !! بل و يقفل هاتفه متعمداً .. هُنا نهضن لاعداد العشاء و ظللت وحيدة أنتظره .. هنا فتح الباب أخيراً و ظهر وجه مُحمد المبتسم ..
قال:" علياء .. جلبت لك مفاجأة "
رفعت حاجباي .. فاقترب و وضع كيس أمامي مباشرة و ابتسم :" أنها المكرونة التي تحبينها "
الرائحة كانت شهية فأزحت الغطاء و تذوقت لقمة و كانت في قمة اللذة .. فنظرت له :" ياه! شكراً !! تعال و اجلس لنتناوله سوية "
أشار بيديه :" لا عزيزتي أنا تناولت عشائي ... "
و مضى و قبل ذلك استدار لي و قال :" أوه تذكرت .. حسناء هل تذكرينها؟؟"
هنا شعرت باللقمة تحجرت بحلقي ..رفعت عيناي له و هززت رأسي بمعنى نعم ... فقال :" تسلم عليكِ .. و هذا الطبق من صنعها "
و مضى !!!!!!!!!
تسمرت مصدومة!! أين كان ؟؟ بصحبتها؟؟ بصحبة تلك الحسناء؟ !! رفعت أعين حمراء له و هو يضحك مع أخته التي تلومه على تهوره و كانت تقصد الضماد ..
تقوست شفتي و واتتني رغبة بالبكاء !! حقاً شعرت بصدري يضيق و يضيق مع كلمات شروق لأخيها لتغيضني :" ياه يا محمد لا بد أن وراء هذه الاصابة من ينكد عليك حياتك ليل نهار "
و نظرت لي .. فنظر لي محمد لبرهة و مضى ناحية أمه التي تناديه ...
ظللت مشتعلة أنظر لشروق التي اقتربت و قالت :" ما لك تنظرين لي هكذا؟ كم أنت مخيفة !!"
و جلست قائلة بحدة :" كفاك تربصاً لأخي و التذمر عند أمك .. هذه حياتك عالجيها وحدك.. و رغم كل ما يفعله محمد لك من محاسن لازلتِ تتذمرين .. بالفعل لا تستحقين محمد "
كنت سأرد و أخبرها أن أخاها الذي تتباهى به ما هو إلا شخص خائن .. يتجاهل زوجته و يجالس فتاة غريبة .. لكني صمتت .. و أشحت بوجهي ..
طال انتظاري لمحمد و خالتي و يبدو أن اجتماعها مغلق و جدي جداً .. و فور خروج محمد هالني مظهره !
كان وجهه محمر و هو يمشي مسرعاً ثم نظر لي بحدة .. و قال للخادمة :" اجلبيها للسيارة "
اجلبيها للسيارة !!!!! صُدمت ؟؟ يأمر الخادمة بنقلي لسيارته ؟؟ و هو لا يكلف نفسه حتى بانتظاري ..!! أتساءل سبب اعجاب شروق بأخيها ..
و في السيارة رمقته بملامح صارخة و هو يقود السيارة مشيحاً بوجهه عني ..
و لم ينطق بكلمة أبداً ..
--
كنت متأهبة له .. ففي شقتنا رأيته يجلس على الأريكة و هو يفك زر قميصه العلوي و يتنفس بقهر .. و رمقني بوجه محمر و نظرة كئيبة ..
من المفترض أنني من اغضب و لكن مع مظهره هذا خُيل لي أن هناك حديث صاعق وُجه إليه ... اقتربت منه بكرسيي .. و نهضت من الكرسي بصعوبة و جلست جواره .. فأشاح بوجهه هامساً :
" ما الذي فعلتِه؟؟ ألا تخجلين من نفسك؟؟"
صُدمت من حديثه فقلت :" و ماذا فعلت أنا ؟"
و جذبت وجهه ناحيتي و قلت بحدة :" ماذا فعلت أنا؟؟ أم أنك تلقي علي الذنب لتتظاهر أنك لم تفعل شيء "
رمقني بنظرة باهتة و أبعد يدي عنه بعنف .. صُدمت منه و زادت صدمتي منه عندما رشقني بنظرات حادة و همس :" علياء؟؟ أهناك زوجة تفضح أسرار حياتها مع زوجها "
و عض شفتيه بحنق :" لمَ؟ لمَ ؟ "
رمقته و قد اهتزت حدقتا عيناي بارتباك .. فقال :" هكذا بكل بساطة؟؟ تخبرينهن جميعاً؟ ثم تدعين أني مريض و أحتاج للعلاج؟؟"
و احمر وجهه أكثر و هو يقول بصوت متحشرج :" لقد أحرجتِني مع أمي و خالتي و أختي .."
و نهض فجأة فقبضت على قميصه قائلة :" لأنك لم تعد تستجب لي .."
نظر لي بشزر و زمجر :" كم أستحقرك و أتندم على الزواج من مدللة مثلك "
أُلجمت تماماً و أنا أراه ينهض متجهاً لغرفة النوم .. فصرخت :" كل هذا؟؟ لأني أحبك و أريد من حياتنا أن تستقر ؟؟ هكذا تخاطبني بعد أيام صبري و معاناتي معك؟؟ "
وقف يتأملني ثم همس بحدة :" أخبرتك أني أحتاج وقتاً لأتأقلم "
و أشاح بوجهه هامساً :" لكنك لازلتِ تصرين على هذا .. و تصرين و تصرين "
و عاد يرمقني بضيق :" أنت تلاحقين رغباتك و تجبرين الجميع على تنفيذ أوامرك دون الاهتمام بمشاعر أحد "
و استدار متجهاً لغرفة النوم ! فوجئت به جاء حاملاً وسادته .. رماها على الأريكة الأخرى .. فصحت به :" محمد !! "
استلقى عليها و أغمض عينيه صائحاً بنبرة حادة:" من الآن و صاعداً . هُنا سأنام ! شئتِ أم أبيتِ .. لا داعي لمسايرتك و تدليلك بعد ما فعلته "
رمقته مصدومة !! فأتمم :" و غداً اذهبي لأمكِ و أخبريها .. محمد لم ينم معي ليلة البارحة .. "
و ابتسم بتهكم :" كل صغيرة و كبيرة تنقلينها حرفياً لهن أليس كذلك؟؟"
تحركت بصعوبة و أنا أستند على الأشياء للوصول له .. فاضت عيناي بالدموع .. و أنا أنظر له و هو يغمض عينيه ... همست :" يا لقلبك القاسي "
و أجهشت بالبكاء :" لمَ ! لمَ تفعل بي هذا؟؟ أنت تعرف كم أحبك و كل ما فعلته لأجلك .. لأتمكن من اسعادك و لو بالقليل "
تأملني مُطولاً و همس :" علياء ! لم أطلب منكِ شيئاً أنا مرتاح هكذا !! "
صرخت :" أي زوجين يعيشان هذه العيشة؟؟ لا تعاملني كأني حشرة مقززة ! إذ كنت غير قادر على احتمالي طلقني و انتهى الأمر "
تنهد بقلة صبر و هو يمرر أصابعه على شعره .. و رمقني بحدة :" علياء!! أنتِ من تسعين لتشويش علاقتنا و لست أنا ! "
و استوى جالساً و هو يقول بهدوء :" علياء !! أخبرتك أني مستعد بأن أفعل ما تشائين! فقط لا تنقلي شيئاً إلى أمك و أمي "
و قال على مضض و هو يهمس :" يمكنك التجهز الآن إن كنتِ تريدين ......"
و صمت و هو ينكس رأسه .. رمقته و أنا أمسح دموعي :" لا أريد اجبارك "
ابتسم بتهكم و همس :" أنتِ أجبرتني و انتهى الأمر .. ليس لدي أي خيار ! "
و همس :" هيا .. "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:49 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
تأملته بأعين مترقبة وسط ظلمة الغرفة .. و هو ينهض من السرير مشيحاً بوجهه بضيق ثم ينشغل بعقد أزرار قميصه .. يمكنني أن أعرف أنني أجبرته ..بتصرفاتي .. مؤلم أن أراه هكذا يتحاشى النظر إلي ..
همس :" عن اذنك"
أمسكت ذراعه بقوة و همست :" إلى أين ؟ "
من دون أن ينظر لي :" سأنام في الصالة "
ارتبكت و أنا أتأمله و هو يغمض عينيه محاولاً كبت شعور ما .. ثم همست:
" مُحمد !! كنت أظن أن علاقتنا ستصبح جيدة إذ ...."
و تأملت ملامح الضيق و الانزعاج على وجهه و أكملت :" ما بك؟؟ "
نهض مُستاءاً و همس :" تصبحين على خير "
رمقته و هو يغادر الغرفة و يترك الباب مفتوحاً .. هنا ضاق صدري!! لمَ ؟ لمَ ؟ أراه يفعل كل شيء كُرهاً .. ماذا بيدي أن أفعل ؟؟ ألم يتعود علي ؟؟
مُلت برأسي و أنا أراه في الصالة يجلس على الأريكة ممسكاً برأسه بكلتا يديه !! لمَ كل هذا الحزن و الاستياء؟ !! ماذا فعلت أنا لينفر مني ؟؟ لماذا؟؟
جذبت الغطاء و كتمت نشيجي !
لماذا ابتلاني الله هذا البلاء ؟ لماذا تشوهت أنا دون شروق؟؟ لماذا يحدث هذا معي .. أرى من أحب ينفر مني!!
-














-
في المشفى ....
رميت بجسدي على المقعد بعد أن أنهيت فحص أحد المرضى بجهاز الرنين المغناطيسي .. تنهدت بإرهاق قبل أن أنتبه بصدمة على أصابع خفية تطبق على فمي بقوة .. رفعت عيناي بخوف لوجهٍ أعرفه جيداً .. فؤاد!!!!
انحنى بابتسامة خبيثة و همس :" أريد إعادة وداد ! لن تمنعني يا مُحمد"
حاولت إبعاد يده عني فصعقت به و هو يوجه لي مشرطاً ضخماً ناحية رقبتي و يهمس :" ستكون التالي محمد ! رأسك سيزور مختبري"
قبل أن أتمكن من فعل شيء فار الدم من رقبتي ليخضب جيبي .. الصور و الأضواء بهتت أمامي حتى انعدمت الرؤيا ..و صوت فؤاد يزلزني :" مُت"
أنه الموت لا محالة !
و أنه الطريق لدنيا الروح لا الجسد !
أنه الخلاص الأبدي !

نعم!!! هذا جزاء فضولي و غبائي و طيبتي ..


















لا ! لم يكن موتاً ..
فتحت عيناي لأرى نفسي هنا في الصالة !
--












فُجعت بصرخة أيقظتني من النوم .. نهضت مسرعة من السرير و مضيت إلى الصالة بدون كرسيي المتحرك .. أتكأ على هذا الجدار و هذا الجدار .. و تجمدت كلياً و أنا أرى زوجي حبيبي يجلس على الأريكة و يغطي وجهه بكفيه مرتجفاً .. و صراخه يدوي الشقة بأكملها.. أسرعت له و لا أدري كيف وصلت له بساق واحدة .. جلست جواره أهتف بخوف :" محمد ! محمد ! ما بك رُد علي "
رأيته يزيح يديه عن وجهه و يظل يتأملها بعينين مفتوحتين بصدمة .. كأنه يرى شيئاً مريعاً مخيفاً ..أسرعت إلى المطبخ و أنا أتكئ على الطاولات و الجدران و صببت له ماءاً ثم عدت له و قدمت له الكأس بلهفة :" محمد اشرب .. اشرب "
صُدمت به و هو يدفعني بقوة فتراميت على الأرض مصعوقة و أنا أتأمله يمسك رأسه بيديه .. أراه يرتجف ! ينتفض ..نهضت مسرعة و ضممت رأسه لصدري هامسة رغم صده :" محمد ! محمد لا تقلقني عليك بربك قل ما بك .. تكلم ! "
لم يكن مُحمد !! الهادئ المبتسم اللطيف الوديع .. كان مختلفاً !! كانت ملامحه مخيفة و هي تحمل ذلك الذعر المجهول ! تمسكت به أكثر.. أريد محمد السابق .. لن أطالب بأي حق من حقوقي ! فقط أريد مُحمد السابق !
كنت أضعف من أن أحتمل مظهره و هو ينتفض فأسرعت بالاتصال بأمي صارخة ببكاء :" أمي .. أمي .. محمد ! محمد "
رفع محمد وجهه لي بملامح مريعة و قبض على الهاتف و رماه ناحية الجدار فتحول لحطام .. رمقت محمد بخوف و قلت بارتجاف :" ما بك ؟؟ "
و صرخت :" ماذا جرى لك ؟؟ "
بل قبضت على قميصه و أنا أهزه باكية :" مُحمد عد إلى رشدك ! محمد استفق أنا زوجتك و هذه شقتك .."
ملامحه لا تصدق و هو يمد أصابعه لرقبته كمن يشعر بالاختناق و يكز على أسنانه بصوت آتِ من أعماقه :" فؤاد!! "
صرخت به :" من هو فؤاد ؟ محمد !! ما بك ؟؟ "
رفع رأسه لي بوجه مخيف و عينين حمراوتين ثم همس :" أغربي عن وجهي "
تأملته باستنكار ثم فوجئت به و هو يزمجر :" قلت أغربي عن وجهي "
ارتعدت و نهضت أتكئ على الأشياء و وصلت لغرفتي .. أجهشت بالبكاء و أنا على السرير .. تعالت شهقاتي رُعباً ! ليس هو ! ليس هو !
--
استيقظت من النوم لأرى مُحمد يُصلي .. قد انتهى من التسليم ثم رفع عينيه للسماء و هو يدعو بخفوت .. حاولت أن أنسى ما حدث البارحة و همست :" صباح الخير "
التفتت لي ثم هزّ رأسه دون أن ينطق بكلمة .. و لملم سجادته مغادراً؟؟؟ !
استغربت هذا الجمود حتى على الافطار .. فقد أخبرني أنه تناول فطوره و أبقى حصتي في المطبخ .. تأملته داخل الحمام وهو يحلق ذقنه .. و خاطبته :" مُحمد؟؟ اليوم إجازة أليس كذلك؟؟"
همس :" بلى "
حاولت أن أكون ظريفة :" لمَ لا نخرج لنزهة ؟"
رمقني من طرف عينه ثم همس :" آسف لا أستطيع .. "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:49 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
صباحي كان مسود كئيب .. بعد ليلة البارحة ! من أسوأ الليالي التي مررت بها .. ما بين تشتت علاقتي بعلياء و الصرخة المكبوتة بداخلي ... ما عُدت أحتمل ! قبل ليلة البارحة كانت حياتنا جيدة .. لماذا تصر علياء على التنكيد علي بهذا الموضوع !
أتذكر كيف نظرت لعلياء البارحة و كم كانت تبدو في عيني أبشع فأبشع .. (( أهذه زوجتي؟ أهذه مصيري ؟؟ أهذه أم العِيال ؟؟ أهذه رفيقة الدرب ؟؟ أهذه من سأقضي بقية حياتي معها ؟؟؟ )) لم أكن أتصور أن حياتي ستكون هانئة مع زوجة مثلها لا تتوقف لبرهة أمام المرآة تنظر لذاتها لتقدر سبب نفوري منها ..
و مع نومي في الصالة وسط ضجيج هذه الأفكار المتضاربة؟؟ أستيقظ مذعوراً بكابوس مريع كنافذة على الحقيقة أو المستقبل القادم.. يد فؤاد ربما تقترب مني !!
نفضت هذه الفكرة و أقنعت نفسي أنه مجرد كابوس ..و تذكرت علياء التي أسأت إليها و جرحتها ليلة البارحة ! بل لم أكترث لنحيبها و اليوم أراني أواصل الهرب ...
في الحاسوب استعرضت الملفات التي نسختها من جهاز فؤاد ... قرّبت وجهي للشاشة و أنا أقرأ البيانات بشكل دقيق .. قد كتب فؤاد عن أهمية الجينات الوراثية و بيانات الذاكرة البشرية و مدى الذكاء .. كانت هناك مصطلحات صعبة أيضاً اضطررت للبحث عن معانيها في الانترنت ...
مع كل المعلومات التي وجدتها ذهب فكري لامكانية الاستنساخ البشري .. و لكن ما يفعله فؤاد ليس استنساخاً .. فهو قتل وداد و انتهى الأمر و مع هذا فأني شعرت في مجمل البيانات المعروضة على الشاشة أن وداد موجودة بلفظة ( وداد الجديدة )
ما معنى وداد الجديدة؟؟
و تذكرت فجأة أنه نسخ ذاكرتها و مجموعة هائلة من الجينات الوراثية الخاصة بها و على هذا يبدو أن يسعى لصناعة وداد الجديدة ..
هُنا تسمرت ! ما معنى هذا؟؟ أممكن هذا؟؟ مستحيل.. الله القادر فقط على خلق الإنسان و مهما وصل الانسان من علوم لا يستطيع خلق انسان متكامل ؟
و توقفت عند كلمة متكامل !! فكرت طويلاً !
للوهلة الأولى حين تسمع هذه اللفظة ( وداد الجديدة ) تشعر أنه سيتمكن من احياء وداد السابقة .. هنا استغفرت ربي مئات المرات و فكرت .. إلى أي جنون يقودني هذا الشخص؟؟
--










ركنت سيارتي أمام عيادة علاج الادمان .. و مضيت مسرعاً للداخل ..اتجهت نحو غرفة أخي سراج و أنا أحمل أكياس كثيرة له ... طرقت الباب و دخلت .. كان في الحمام و لذلك رحت أصف علب الأطعمة على الطاولة و أصيح :
" هيا سراج !! إلى متى ستظل في الحمام معتكفاً ؟؟"
و نظرت لباب الحمام ثم نهضت للثلاجة و وضعت العصائر فيها مع بعض الفواكه .. ثم اتجهت للكيس الآخر و أخرجت منه غطاء نوم جديد .. و باشرت ببسطه على السرير ..
هنا خرج سراج مع رنين هاتفه .. فأسرع له و أغلقه بعصبية شديدة .. نظرتُ له باستغراب :" ما بك؟؟"
نظر هو لي و صاح :" محمد أنت مصاب !! "
ابتسمت و رددت تلك الاسطوانة :" سقطت على الدرج "
و كالعادة رد سراج سلبي و مزعج للغاية :" و هل أنت أعمى لا ترى أمامك؟ أم تراك طفلاً لازال يتعلم المشي ؟؟"
و أطلق ضحكة ساخرة ...
نظرت له من طرف عيني فأتى و عانقني قائلاً :" اشتقت إليك "
ابتسمت و قلت :" شخص مكاني لن يأتي لزيارتك مجدداً "
و جلست قائلاً :" جلبت الباستا التي تحبها و هذه بيتزا .. "
جلس أمامي سراج متأهباً ثم رفع رأسه ناحيتي :" محمد ألازلت علاقتك بأبي سيئة؟ "
زفرت :" لم نلتقي و لم نتحدث منذ ذلك اليوم "
و رشقته بحدة :" و السبب أنت عندما أخبرته أني متزوج"
صاح :" و هل كنت ستخفي عنه شيئاً كهذا؟؟"
زفرت فضحك:" حسناً رغم محاولاتي بثنيك عن هذا الزواج أراك مرتاحاً الآن "
حاولت أن أفتعل ابتسامة و أنا أتناول البطاطا :" تقريباً "
هُنا رن هاتف سراج فأخرسه مجدداً و عاد ليتناول الطعام .. عقدت حاجباي و قلت :" لماذا لا تجيب على الهاتف؟؟"
زفر و قال :" مزعجة جداً "
رشقته بدهشة :" من هي ؟؟ "
رشف هو من العصير ثم قال :" البغيضة تريدني أن أتزوجها "
تأملته متسمراً ثم همست :" تلك الفتاة التي ..........."
قال بجرأة :" نعم نعم هي التي تورطت معها... يا لسخافتها !! "
عبثت أنا بعود العصير بشرود .. فخاطبني سراج :" محمد ما بالك صمتت ؟؟ "
رفعت كتفاي و همست :" لم تفكر قطعاً بالتكفير عن ذنبك؟؟"
نظر لي بدهشة ثم قال :" ليست مهمتي أن أواري فضيحتها "
عقدت حاجباي و زمجرت :" تتلاعب بشرف فتاة و تهرب من المسئولية ؟ "
نظر لي و قهقه ساخراً بشكل أثار قهري .. ثم قال :" بربك يا مُحمد لا تضحكني ! "
عضضت على شفتاي بغيظ و همست :" أضحكك ؟ و هل أنا أتلاعب معك ؟"
رمقني لبرهة فقلت بجدية :" سِراج ! أيقظ هذا الضمير الميت .. و تذكر أنك من اعتدى على شرفها و كنت تُحبها .. فكيف ستتخلى عنها الآن؟"
ابتسم و همس :" لست مستعد للتضحية بشيء لأجل فتاة قذرة مثلها "
و قال باشمئزاز :" كانت تعلم أني أستدرجها لفعل ذلك الشيء و كانت لا تمانع أبداً .. و كل ما فعلته أنا كان برضاها .. فلا يخدعنك الآن مطالبتها للستر.. "
رمقته مُطولاً و همست :" تقول ذلك كأنك لم تفعل شيئاً ! كأنك لم ترتكب جُرماً .. أنت حقير و تافه "
و نهضت مسرعاً لأغادر لكنه نهض و أمسك بي :" محمد !! لا أريد أن تساء علاقتنا ببعضنا البعض .."
ثم رفع كتفيه هامساً :" في كل الأحوال لن أستطيع فعل شيء لها ... الزواج مستحيل حالياً .. أنا لم أدخل الجامعة بعد !! هه تظن أن بإمكاني أن أقنع أبي بالزواج؟؟ و من من؟؟ من ***** ؟؟؟"
كززت على أسناني و أنظر له بشزر و همست :" اخرس! "
و تنهدت هامساً :" ما هذا الجيل المريع! كل شيء أصبح عادياً ! "

ابتسم سراج و طوق رقبتي بذراعه قائلاً :" ربما يزعجك أن اقول يا أخي الغالي .. أنني لن أتبع خطواتك و لن أصبح مثلك مثالياً أعيش حسب رغبات غيري و أتزوج أسوأ خلق الله كي أكون انساناً شريفاً "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:50 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الثاني عشر


خرجت من عيادة الادمان و اتجهت رأساً لمنزل أبي .. و انتهزت فرصة عدم تواجده لكي أساعد خالتي نهلة في بعض الأمور ..
علاقتي معه متدهورة فهو يتحاشاني و أنا أتهرب منه
اقتربت نهلة ناحيتي و أمسكتني :" محمد .. محمد دعني أساعدك السرير ثقيل للغاية "
صحت بها :" ليس ثقيلاً صدقيني ... فقط لا تعيقي طريقي "
المنزل كان مقلوباً رأساً على عقب .. و الأطفال يشتكون من انقطاع الانترنت .. و المصابيح بحاجة لتبديل ... و مكتبة ياسر تحتاج لتصليح .. و كان أمامي عمل كثير ..
بينما كنت على السلم المحمول أنتزع المصابيح التالفة لأستبدلها بالجديدة ... وقفت نهلة و هي تناولني المصباح الجديد :
" محمد! لماذا أغضبت والدك و تزوجت تلك الفتاة المشوهة "
تسمرت لبرهة ثم تنهدت :" يا خالتي كنت أحاول إقناعه و لكن .. ماذا أفعل إذ كان مصر على رأيه إلى هذا الحد؟"
رمقتني ثم همست :" أتعلم أن أباك يحبك أكثر من أي شخص آخر ؟؟ صَعب أن يتقبل أن تضيع مستقبلك هكذا"
نظرت لها مُطولاً :" أقدر هذا صدقيني .."
و رحت أكمل عملي فدارت هي حولي ثم قالت :" كيف حال سراج أيكلمك؟؟ "
هنا اهتزت يدي و أحنيت رأسي لها :" نعم يكلمني "
قالت :" متى سيكمل هذه الدورة و هل هي مفيدة؟؟ "
هززت رأسي :" كثيراً ! مفيدة كثيراً... و سينتهي منها بعد العطلة الصيفية مباشرة "
هُنا فتح الباب الرئيسي للمنزل و دخل أبي بهيبته ! أتعلمون شعرت بأني فقدت توازني فجأة .. تمسكت بالسلم بقوة .. و أبي يقف يتأملني مُطولاً ..
حاولت أن أبدو طبيعياً لأكسبه مجدداً :" أهلاً أبي ! كيف الحال؟؟ "
سكت لبرهة و توقعت أن يصدني بنظرات حادة لكن فوجئت به و يسرع نحوي رامياً حقيبته و قال بلهفة :" محمد ! محمد .. بني ماذا جرى لك "
أنه الضماد مجدداً يثير رعبهم و لكن أبي كانت ردة فعله مفاجئة .. هبطت أنا من السلم فحضنني بقوة و هو يهمس :" سامحني يا ولدي !"
" أبي !!! ما بك "
" جُعلت فداك يا محمد ! من فعل بك هذا ؟؟"
و رمقني بنظرات خوف شديدة .. همست :" أبي لا شيء .. فقط سقطت على الدرج "
قبل جبيني فوق الضماد و قال :" سامحني يا بني ! سامحني "
قبلت رأسه بسرعة :" أبي أنا من أطلب منك السماح ..."
ابتسم و همس و هو يربت على كتفي :" مبروك يا محمد على الزواج .. أتمنى أن أعيش لأرى أبنائك .. هي حياتك و أنت حُر بها و أنت رجل عاقل راشد أثق بكل مخططاتك .. "
و قال برجاء :" فقط لا تقاطعني .. محمد معزتك عندي كبيرة لا تحرمني منك يا بني "
تأملته مُطولاً قبل أن يزجر هو بزوجته :" نهلة!! كيف تدعينه يعمل و هو مصاب ؟؟ "
ارتبكت خالتي :" ما بك أبا محمد ابنك يأتي كل يوم جمعة ليساعدنا في عمل المنزل .. و اصابته هذه لا تبدو بليغة "
أبي القاسي حيناً و الحنون حيناً ! لا عجب بحنوه هذا .. بالفعل اشتقت إليه بعد قطيعة طويلة ..
--





دخلت المنزل و اتجهت نحو أختي شروق .. كانت قد اتصلت بي مسبقاً لأساعدها في مشروعها و بيني و بينكم كانت لدي ساعتين فقط لتبدأ نوبتي الليلية .. كنت أود استغلالها لانهاء عمل شروق .. اعتكفنا مطولاً .. حتى خاطبتني هي :
" محمد؟؟ "
نظرت لها :" ماذا؟"
نظرت لي و هي تحرك حاجبيها المرسومان بدقة ثم تغمز بعينيها الخضراوتين ..ابتسمت مستغرباً :" ماذا هناك؟؟"
ببطء نزعت هي نظارتي الطبية و قرّبت وجهها ناحيتي بنظرات مخيفة .. همست :" شروق ماذا تفعلين "
عبثت بشعرها بدلال :" أقرأ عينيك لأكتشف ! "
عقدت حاجباي فهمست :" أتحب يا محمد "
نظرت لها من طرف عيني و قلت :" بالطبع أحب علياء زوجتي "
ضربت كتفها بكتفي و قالت باستنكار :" علياء؟؟ "
ثم همست :" سمعت من علياء أن لك علاقة معينة بفتاة حسناء اسمها حسناء "
نظرت لها بصدمة فابتسمت بخبث :" أتحبها ؟؟ "
نظرت لها مصدوماً و ازدردت ريقي :" علياء قالت هكذا ؟؟ "
قالت:" نعم و بكت كثيراً عندي و هي تقول أنك تميل لهذه الفتاة ! "
عقدت حاجباي .. ! ! هــل علياء شعرت بهذا حقاً؟؟؟ هل كنت أظنها ساذجة و غبية لن تلاحظ شيئاً؟
نظرت لشروق بنظرة صارمة :" شروق لا شأن لكِ بهذا و لا تدّعي أشياء من عندك فهمتِ؟"
و أشرت للحاسوب :" هيا فلنكمل "
كتمت هي ضحكتها ثم راقبتني و أنا أعمل على الحاسوب و عادت تهمس بنبرة غير مريحة :" ما أخبار سراج؟؟ ! "
نظرت لها متخوفاً من أن تكون عالمة بأنه مدمن و يتعالج .. شروق و ما أدراك ما شروق .. فقلت :" منذ متى تكترثين لأمره أنتِ لم تريه منذ شهور و إذ رأيتِه تحاشيته أو تشاجرتِ معه "
هزت رأسها هامسة :" رُبما!! لكني سمعتك كثيراً و أنت تحادثه في الهاتف و توصيه على نفسه و صحته "
نظرت لها مرتبكاً ثم همست :" شروق! لو كان سراج مريضاً و يحتاج دعمك هل ستدعمينه ؟؟"
تأملتني مُطولا.. و هزت كتفيها :" لا ! "
رشقتها بنظرة حادة فقالت مبررة :" لا علاقة بيني و بينه و لذا ! لن يتقبل دعمي "
تنهدت و أنا أحفظ الملف في الحاسوب ثم أنهض قائلاً :" أكملته .. وَداعاً "
..
-

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:50 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
-
" هل تشعرين بتحسن؟؟ "
قلت ذلك و أنا أبتسم للطفلة الصغيرة على السرير الأبيض و من حولها الأجهزة الطبية من كل صوب .. بالكاد همست :" دكتور أنا جائعة "
ابتسمت و اقتربت و أنا أربت على يدها :" لا بأس يمكنك الصَبر قليلاً أليس كذلك .. تعلمين؟ كان نبينا أيوب صبوراً محتسباً و على هذا فقد فاز بالجنة "
نظرت لي الطفلة باهتمام فضحكت :" تريدين الذهاب للجنة؟"
هزت رأسها فوراً :" نعم"
نظر لي والد الطفلة و همس :" بِصراحة أنت أفضل بكثير من الطبيب السابق .. فؤاد .. كان فظاً و يتعمد تجريح الطفلة و تخويفها .. "
رفعت رأسي له و همست :" فؤاد؟؟ "
و سَرحت لفترة قبل أن أنتبه لصوت سُعاد :" دكتور محمد! غرفة رقم 9 "
خرجت مسرعاً و لحقت بالممرضة .. لوهلة تسمرت! عندما نظرت للبوابة و قد دخل منها ذلك الشخص!
الطويل القامة ! الحاد الملامح .. المفتول العضلات ..
فؤاد!
تلاقت أعيننا ... فتح عينيه مصدوماً و هو ينظر لي .. لضماد جبيني تحديداً..
--
رميت بجسدي بعنف على الكرسي أمام مكتبي .. و أنا ألهث فاتحاً عيناي على أقصاهما .. فؤاد؟؟ تلمست الضماد على جبيني برعب ! كنت أفكر مرتبكاً في عودة فؤاد المفاجئة!
و لم أحسب أنه سيفتح باب المكتب و يدخل مغلقاً إياه بالمفتاح.. ازدردت ريقي و أنا أفك زر قميصي العلوي و نظرت لفؤاد الذي يقترب بملامح مرعبة! دار حول المكتب حتى وصل لي ..
رفعت عيناي بربكة و افتعلت ابتسامة :" أهلاً دكتور فؤاد"
الجمود مرتسم على ملامحه و هو يقف أمامي مباشرة..لبرهة تذكرت ذلك الكابوس المرعب!
" أردتَ شيئاً دكتور فؤاد؟؟"
وجهه كان يحمل ملامح مجهولة مخيفة بل مريعة!! و هو يقف بطوله المهيب يتأملني بل يخترقني بنظراته ..ثم انحنى و جذبني بالمقعد الذي أجلس عليه .. و قرب وجهه ناحيتي و هو يضيق عينيه و همس :" مُحمد! "
ازدردت ريقي و هو يرفع بأصابعه شعري عن الضماد هامساً بحدة :" هل يمكنك أنت تجيب؟؟ من فعل بك هذا؟؟"
تأملت عينيه الثعلبيتان و قلت :" سَقطت على الدرج "
صرخ بملامح متقلصة مرعبة :" اخرس يا كاذب يا منافق "
رمقته مرتاعاً و جاء صوت طنين جهاز معين لدي في غرفة المخزن الموجودة في المكتب .. نهضت متهرباً من فؤاد و دخلت تلك الغرفة أنشغل باسكات الجهاز و اتجهت نحو المغسلة أجهز المحاليل .. و كأنني أحضر نفسي للعمل!
و نظرت لفؤاد المشتعل :" عُذراً لم أفهم ما تود قوله! و لدي عمل هنا "
اقترب ناحيتي و تأملني مطولاً و أنا أغسل القوارير .. فترة صمت قبل العاصفة! .. فجأة !! قبض بأصابعه على شعري و دفع برأسي إلى المغسلة .. أسفل الصنبور المفتوح و الماء يتدفق بجنون .. ضغط فؤاد بأصابعه على شعري ليكبح مقاومتي و صرخ :" أكره أمثالك !! أعرف أنك من فعل ذلك ! اعترف! اعترف! لمذا كنت تتبعني و تراقبني؟؟"
مع الماء المتدفق فقدت قدرتي على التنفس و أنا أقبض بيداي على القوارير.. كنت سأصرخ إلا أنه كتم صوتي مع مزيد من الماء المتدفق و همس :" مُحمد! لمَاذا؟ لماذا؟؟"
و مع ارتخاء قبضة يده رفعت رأسي و أنا ألهث كما لو كنت سأموت قبل ثواني ! أدرت رأسي لفؤاد و نظرت لعينيه الحمراوتين .. نظرت له بارهاق و كدت أتهاوى على الأرض لكنه أمسكني بعنف و صرخ :" محمد! تكلم "
نظرت لفؤاد و همست :" ماذا فعلت ؟؟ كدت تخنقني! "
و نزعت نظارتي فرماها من يدي إلى الأرض و داس عليها بحنق حتى أحالها لفتات ثم رفع رأسه بوجه ملتهب مريع :
" محمد! قل لي!! ما هي علاقتك بأختي المتوفاة؟؟ "
و شد قميصي بعنف و هو يضرب جسدي بالجدار .. رفعت عيناي ناحيته "لا أعرف عما تتحدث؟"
عض شفتيه بحنق و قرب وجهه من وجهي بنظرات كره شديدة :" لا تتظاهر بالبراءة أيها الخبيث ! "
حاولت الحفاظ على ملامحي كي أبدو ساذجاً :" خبيث؟؟ فؤاد؟؟ ما الذي يجري؟؟"
فتح عينيه مرتبكاً و أرخى يديه عن قميصي .. فأخرجت أنا منديلاً من جيبي لأمسح الماء من وجهي و خاطبته مدعياً السذاجة :" فؤاد؟ أنت بخير؟؟"
رمقني مطولاً ثم همس :" لا أعرف خُيل لي أنك ..."
و ابتسم بانكسار :" ياه كيف فكرت بأنك تفعل شيئاً كهذا "
و نظر لي هامساً :" هل أخذت إجازة لترتاح ؟؟ "
قلت :" تقصد الاصابة؟ ليست شديدة أبداً و لذا لم آخذ أي اجازات "
و رمقته :" فؤاد هل هناك أمر ؟؟ هل أنا فعلتُ شيئاً لك؟"
نظر لي و لشعري و قميصي المبتل و همس :" أعتذر ! أفكاري باتت مشوشة هذه الأيام .. "
و انحنى ليلتقط فتات نظارتي الطبية :" آسف "
سارعت بقولي :" لم يحدث شيء أبداً "
مد يده و ربت على كتفي :" أنت رَجل رائع يا مُحمد و ظننت بك سوءاً .. يمكنك العودة للمنزل لترتاح أظن أن ضمادك تبلل و تحتاج لاستبداله "
هززت رأسي ايجابياً و أنا أراه يغادر محتاراً منكسراً .. فور اغلاقه للباب تراميت على أقرب مقعد و تنهدت تنهيدة ارتياح كمن نجى من الموت!!
كُنت سأفضح نفسي و أواجهه و أخبره أني أعلم أنه قاتل أخته !
لكن حمدلله أن الله وهبني بعض العقل لأتدارك الأمر و أحتفظ بوجهي و ملامحي الملائكية البريئة!
نعم ! محمد أبسط من أن يكتشف جريمة فؤاد ..




--
في الصالة! كُنت جالسة على الأريكة و مُحمد مستلقي و رأسه بحجري .. راح يعبث بجهاز الارسال و هو يحادثني .. لعبت بشعره .. رغم أنه تأخر علي و تجاهلني اليوم.. لكني قانعة !! فبعد نفوره مني البارحة و صباح هذا اليوم لا يمكنني إلا أن أقبل بأي شيء .. أخبرته أني أشتاق كثيراً له طول اليوم .. و طلبت منه أن يبحث عن عمل لا يستهلك كل هذا الوقت ..
طبعاً ضحك و رفع أنظاره لي :" علياء! لو تعلمين أن جميع أقراني يحسدونني على هذا العمل فكيف أستقيل "
أحنيت رأسي له مبتسمة :" تستطيع لو افتتحت عيادة مثلاً ! و خبرتك عالية في مجال الطب أليس كذلك"
ابتسم :" ليس للدرجة التي تتصورين .."
و رفع عينيه مبتسماً .. فهمست :" ياه لمَ عينيك حمراوتين هكذا؟ و أين النظارة الطبية؟؟"
تأملني لبرهة و قال :" كسرها نائب المسئول "
رفعت حاجباي :" عمداً ؟؟"
ابتسم :" نعم !! لذا لا تتصلي بي أثناء العمل و إلا جئتك مفقوء العينين "
ضحكت و رحنا نتسامر و نتحدث بتودد و أنا لم أتحدث معه بخصوص البارحة .. فجأة انطلق صوت هاتفه .. رأيته يرفع رأسه من حجري لينظر لاسم المتصل .. و سُرعان هب جالساً و هو يجيب على الهاتف بنبرة هادئة و لبقة :
" مَرحباً آنسة حسناء! "
هنا تفجرت براكين ملتهبة بصدري!!! حَسناء مُجدداً ..
" لمَ تبكين؟ اهدئي.. "
و نهض مسرعاً ...
ثُرت! هي لحظات بسيطة ألاقي بها مُحمد .. يعود من المشفى منهكاً .. و تكون لدي فترة بسيطة للجلوس معه !! لتأتي حسناء و تشاركني في هذه اللحظات..و هي تتباكى لتحظى باهتمامه!!
الويل لك يا مُحمد!

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:50 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
كانت حسناء قد طلبت مساعدتي لكي أواجه مديرها الذي رفض تسليمها راتبها و أخبرتني أنها تحتاج الراتب حقاً و لا يمكنها الاستغناء عنه ..
لم أكن أستطيع رفض هذا الطلب رغم علياء التي لم أجالسها سوى عشر دقائق.. انطلقت بالسيارة ناحية مقر عمل حسناء و ترجلت مسرعاً لأدخل أبحث عن حسناء ..
رأيتها تبكي على مقاعد الاستقبال .. فهرعت لها هامساً :" حسناء! "
رفعت رأسها و أجهشت بالبكاء :" مُحمد! "
و صاحت :" لا يريد تسليمي الراتب!! ماذا أفعل؟؟"
تنهدت هامساً :" أولاً اهدئي و لا داعي للعصبية .... ثانياً ما هو السبب الذي جعله يسخط عليكِ هكذا "
فجأة نهضت هي مسرعةً لشاب يأتي مسرعاً ناحيتها .. نظرت للشاب النحيل الجسد الصغير بالسن الأسمر البشرة ..الذي وقف أمامها قائلاً باصرار و عصبية :" حسناء! لقد ذهبت له و هددته إن لم يسلمك الراتب سنتقدم بشكوى ضده في وزارة العمل "
قالت باهتمام :" و ماذا قال؟؟"
" تظاهر بعدم المبالاة ..."
و قال باصرار و هو يمسك بيد حسناء :" هيا! هيا سنذهب لتقديم الشكوى.. لن ننتظر دقيقة "
عيناي كانتا معلقتان على الأيادي المتشابكة .. و رفعت رأسي للشاب المشتعل بالحماس و المروءة و النخوة و الشجاعة !! و فكرت في السبب الجوهري الذي يجعل حسناء تتصل بي و معها مثل هذا الشخص المستعد للدفاع عنها ..
تقدمت بدوري و استوقفته :" لحظة! "
رمقني الشاب مقطباً حاجباه فقلت :" إذ هولتما الأمور ستصعب عليكما أكثر فأكثر .. كل شيء يحل بالهدوء و التفاهم .."
خاطبني الشاب :" من أنت أولاً ؟"
قالت حسناء:" أنه مُحمد .. صديق عزيز ساعدني طويلاً "
و نظرت له قائلة :" حسام ماذا سنفعل الآن ؟؟ "
أشعر بأني جدار لا أحد يكترث بي .. أراهما يتناقشان ضاربان بحديثي عرض الحائط و مثلي لا يحب الصمت ..
قلت مقاطعاً حديث الشاب :" عَفواً .. هل لكما أن تخبراني ما هو السبب وراء غضب المدير؟؟؟"
تنهدت حسناء هامسة :"ليس تقصير مني بقدر ما كانت مشادة كلامية جرت بيني و بينه ليس إلا.."
و قال الشاب بحدة :" أي شخص هو يربط بين علاقاته الشخصية مع الموظفين و مع أدائهم ... لا يعلم أنه محظوظ بحسناء كثيراً .."
و عاد يمسك بذراعها :" تعالي ... سنذهب لتقديم شكوى الآن"
واتتني رغبة جنونية بتحطيم يده ... كما لو كانت أخته يلمسها متى يشاء .. و يا للعجب حسناء ردات فعلها عادية ازاءه .. أتسائل كيف تغيرت هكذا؟؟ بعد أن كانت حريصة كل الحِرص ..
أمسكت أنا يد الشاب بغير ادراك مني فقط ليتركها و نظرت له قائلاً بجدية :" يمكنك الانصراف إذ أحببت و أنا مستعد لمعالجة الأمور بطريقتي "
تفحصني بنظراته ثم نظر لحسناء يتجاهلني قائلاً :" حسناء! لا أظنك تنوين مصالحة هذا المدير المغرور .. لدي معارف كثيرة في وزارة العمل سوف يساعدوننا "
اشتعلت ما هذا الشخص البغيض !!!!!! و نظرت لحسناء فرأيتها ترمقني هامسة :" محمد ما هي نيتك؟؟"
تنهدت و قلت :" حسناء يمكننا التفاهم معه بيسر و سهولة .. لأن اسلوب تقديم الشكاوي لن يجدي! فحتى لو سلمك الراتب سوف يعطيك إياه جبراً و قهراً ... يمكنك مصالحته و تعديل علاقتك به كي تثبتِي أقدامك أكثر في الوظيفة ... "
رمقني الشاب و خاطب حسناء بغضب مدفون:" يبدو أن الرجل سوف يساعدك حقاً .. أنا سأغادر و إذ احتجتِ أي شيء اتصلي بي "
تأملته و هو ينطلق خارج الشركة .. مَن هذا الشخص ليتدخل في أمور حسناء؟ و لماذا حسناء تسمح له بذلك؟؟ شعرت بارتياح مع خروجه و صعدت مع حسناء لغرفة المُدير ..
فوجئت أنه واحد من معارفي .. طبعاً سلمنا على بعضنا البعض و أخبرته بموضوع حسناء و جَرى كل شيء على ما يرام .. و قبل أن أخرج أوصيته بها قائلاً :" هي عصبية قليلاً و لكن أتمنى أن تتحملها و تعتني بها "
ضحك :" لا بأس .. لأجل عيّن تُكرم ألف عين "
نظرت لحسناء و خرجنا سوية و أنا أخاطبها :" رأيتِ؟؟ كل شيء يحل بالسياسة ... و لو كنت قد قدمت شكوى لن يفعلوا شيئاً و ستساء علاقتك مع مديرك أكثر فأكثر "
رمقتني متنهدة ثم ابتسمت :" مُحمد أشكرك كثيراً "
ثم تناولت هاتفها و ضغطت الأزرار قبل أن تخاطب الطرف قائلة بمرح :" حُسام؟؟ تَصور ؟؟ لقد تصالحت مع المدير للمرة الأولى ...
نَعم !
ما بك؟؟ غَضبت؟؟
بلى غضبت أليس كذلك؟؟
بيني و بينك أنا أفكر مثلك ..
نعم .. ينبغي أن نبحث عن عمل آخر ...
مممم ..
حقاً ؟؟
و كل هذا لأجلي؟؟
ما أسعدني...
متى سأراك؟؟
آه حسناً سأكون موجودة..
أشكرك كثيراً ..
وداعاً .. اعتنِ بنفسك "
أخجل أن أبوح بهذا الشعور الذي يختلج بداخلي .. و لكني حقاً .. حقاً .. أشعر بالغيرة من هذا الحسام..





--
عدت للمنزل و وقفت أمام مرآة الخزانة أفكر .. هل صدّقت أن حسناء أُعجبت بي؟؟ بعد أيام النفور و الكراهية؟؟!
نظرت لنفسي في المرآة و تذكرت ذلك الشاب الرشيق .. الصغير بالسن يمكنني القول أنه عمره يقارب الرابعة و العشرين .. و عندما كان يقف بجوار حسناء كانا ثنائي جميل جذاب ..
رفعت عيناي لوجهي المتورد و فكرت .. هل غُرت من هذا الشاب؟؟ و كيف لا أغار ..
زفرت و قررت طرد هذه الأفكار الساذجة ... و جلست على السرير و أنا أفتح حاسوب علياء مجدداً .. و ظللت ألاحظ البيانات مُجدداً و أفكر في أمر فؤاد! بغض النظر عن معتقداتنا الدينية و العقلية .. يجب أن أساير فؤاد في جنونه لأعرف ماذا ينوي ..
فمن المستحيل صنع انسان متكامل من ذاكرة و جينات وراثية و أشياء قليلة لا تسهم الا بالقليل بخلق الانسان .. فكيف سيعيد فؤاد وداد إلى الحياة؟؟
و كيف تجرأ و قال أنها لم تمت !!؟ أي أنه واثق من عودتها مجدداً ..
أنا واثق من رؤيتي للرأس و هو رأس وداد أي أنه قتلها و شرحها و انتهى الأمر فماذا يستطيع أن يصنع.. جسدها بدأ بالتحلل في قبرها ! لا مَجال لعودتها أبداً ..
هي أشياء بديهية ! و لكن فؤاد لا يفكر بالبديهيات بقدر تفكيره بالشيء الخارق للطبيعة!
و هنا فكرت!! ما محل الأخت الأخرى ياسمين من الاعراب!!!
تسمرت و أنا أفكر ! حقاً ما محلها من الاعراب؟؟! و هل لقت هي المصير نفسه التي لاقته وداد ! هل ماتت لتكون عُرضة للتجارب؟؟
لا أظن..
فؤاد تخلى عن وداد و هي فأر تجارب ثمين .. فقط لكي يحظى بمعلومات مهمة يمكنه الحصول عليها بعد موتها ..و هي حالة استثنائية لأي بحاثة..
أي أن فؤاد يملك فأر تجارب آخر! و هو ياسمين! لن يضحي به كما ضحى بوداد .. و الآن يمكنني التفكير في العلاقة بين ياسمين و وداد ..!
حككت عيناي و أغلقت الحاسوب بسبب ضعف نظري الذي لا يمكن احتماله .. و عدت أفكر! لقد قلنا أن معطيات فؤاد قليلة لصنع انسان متكامل .. فهل سيصنع فؤاد وداد الجديدة في جسد ياسمين؟؟ !
تسمّرت مذهولاً من هذه الفكرة الجنونية ..هل يمكن هذا؟؟!!
هي أفكار مشوشة لدى فؤاد و بعبث يطبقها غير مكترث بحياة أختيه !!!!!!
" مُحمّد"
هنا رأيت علياء و هي تقترب مني بكرسيها و تتنهد :" محمد! إلى متى"
همست :" "ما بك"
تنهدت هي :" أريد ساق صناعية يا مُحمد ،متى ستكترث بأمري !! لست أريدها لأجلي بل لأجلك"
نظرت لها لبرهة و خفضت نظراتي حيث أكملت :" هل ستشمئز مني الليلة أيضاً؟؟ "
فضلت الصمت فقالت :" أعذرك... لذا أريد العلاج يا محمد"
هززت رأسي :" غداً سآخذك للمشفى يا علياء "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:51 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
في صباح اليوم التالي كُنت متجهزة ليأخذني محمد للمشفى ! لم يخفى علي أنه كان مشغول التفكير بأمور أخرى ... وصلنا للمشفى فهبط هو من السيارة و أخرج الكرسي من الصندوق .. هُنا لاحظت أنا قدوم رجل ضخم البنية معه فتاة أخرى قصيرة القامة .. يرتديان رداء المشفى الطبي ..
اقتربا بمرح و سلما على محمد و تبادلا الأحاديث معه .. نظرت للفتاة و هاجت الغيرة من جديد في صدري ..و كيف كانت تتحدث مع محمد بكل أريحية! هُنا حاولت أن أتعقل و أقنع نفسي أن محمد طبيب و بالتأكيد سيكون له معارف كثيرة و صديقات طبيبات ..
صديقات؟؟؟! حقاً لا أقبل بأي صديقة لزوجي ..
فتح محمد الباب و أشار لي :" و هذه زوجتي "
طلت الفتاة علي و مدت يدها للسلام مبتسمة بارتباك :" كيف حالكِ ؟ أنا نوارة .."
و قال الرجل :" و أنا عادل .. نحن مع محمد في نفس المكتب "
و تنهدت الفتاة و هي تنظر لمحمد :" لقد كنا نقول أن محمد مجنون ! نحن لا نحتمل جنونه فكيف بزوجته "
ضحك محمد و هو ينظر لها و همس :" نوارة ألا يجب أن تمدحيني أمام زوجتي "
راح الثلاثة يتبادلان الأحاديث حتى انتبه محمد لي و قرب الكرسي المتحرك لي ثم مد يده لي :" هيا "
لم أكن أريد منه أن يساعدني للنزول أمام أنظار هذين .. لكن هذا ما حدث ..
و تأملت تلك الفتاة المرحة ( بشكل مبالغ ) و هي تضع يديها على خصريها و تقول لمحمد :" محمد لم أكن أعرف أنك خبير بتدليل زوجتك "
و قال الرجل الذي يدعى عادل ساخراً :" يبدو أنه تعلم دورات كثيرة قبل أن يتزوج "
ابتسم محمد و رمقني .. فلما رأى الاستياء على ملامحي حاول صرف الاثنين و هو يقول :" المعذرة عادل و نوارة سألاقيكما فيما بعد"
و جر كرسيي و من خلفه يصيح صديقه :" عندما ألاقيك في المكتب سأضربك لأنك تفقدني هيبتي أمام معارفك "
ضحك محمد و هو يدفع بكرسيي ناحية باب المشفى التلقائي :" مزعجان أليس كذلك؟؟"
رفعت رأسي له و قلت بحدة :" نعم "
جفل من نظراتي و انشغل بالتسليم على أصدقائه الذي يمرون و يسخرون منه قائلين :" محمد ياه ! كل يوم مع مريض ! "
و آخر يقول :" ارحم نفسك عمودك الفقري سيتفتت "
يجب أن أغضب أليس كذلك؟؟ فمظهري لا يوحي إلا بمريضة يساعدها الدكتور محمد الذي يملك شعبية كبيرة ! بل أن الأطباء و الممرضات يقفون معه و يبادلونه الأحاديث المرحة و هو يتهرب من تقديمي له بصفة ( زوجته )
ثرت حقاً عندما سمعت أحدهم يقول :" سُعاد الممرضة تنتظرك على أحر من الجمر ... أنتما ثنائي رهيب بالفعل "
ثنائي رهيب!! من هي سعاد أيضاً؟؟
كانت كل حواسي متيقظة !!! و هو يدفع بكرسيي ناحية مكتبه .. فتح الباب و ابتسم :" ياه سعاد تنتظرينني؟ "
نهضت فتاة صغيرة العُمر خجولة النظرات و هي ترتدي لباس الممرضات ثم تقترب منه قائلة :" التقارير يجب أن تسلمها حالاً دكتور فؤاد يريدها "
دخل هو الغرفة تاركاً إياي هكذا !! و أسرع ليجلس على المكتب و ينثر الأوراق أمامه بينما تلك الفتاة من حوله تناوله هذه الورقة و هذه الورقة .. و فجأة رأيتهما يتجهان ناحية الحاسوب .. فتجلس الفتاة ملاصقة جداً لزوجي !
بالكاد و تقع في حضنه !!! أهذا عمل؟؟ يبدو أن من البديهي أن يحصل هذا خصوصاً بأنه عمل طارئ ! و لكن هل يستدعي كل هذا القرب ؟؟
و أخيراً أصدرت الطابعة الأوراق فأخذتها الفتاة و خرجت مسرعة ..و رأيته محمد يلملم الأوراق بسرعة و يخرج من المكتب من جديد .. فينظر لي قائلاً :" عزيزتي أعطيني دقائق لدي أمر طارئ .. هل يمكنك البقاء ريثما أعود؟"
قطبت حاجباي :" لا ! سآتي معك "
و لو كنت سأسبب لك الحرج ! سآتي معك !
و لو كنت مصدر شقاك و تعبك .. سآتي معك !
و لو كنت بشعة و كل تلك الممرضات تطرن من حولك ! سآتي معك !
رأى الاصرار في عيني فلم يعارضني و دفع بكرسيي .. رأيته يتركني قليلاً و هو يقترب من حشد الأطباء و هم أمام غرفة الملاحظة .. كانوا يتناقشون و راح محمد يتناقش معهم ..
لبرهة تأملته بينهم و كم كان وسيماً بل أكثرهم جاذبية ..وقت غير مناسب لملاحظة شيء كهذا أليس كذلك؟؟ لطالما حسسني محمد أنه مهمش و بلا قيمة في المشفى ! لكني أرى الجميع من حوله يتناقشون معه كأنه هو الخبير ..يتوسطهم و هو يخاطبهم بحدة .. كم بدا منفعلاً لأمر ما ..
فجأة خرج رجل طويل القامة من غرفة الملاحظة و زمجر بشكل مُرعب :" مُحمد! "
أيعني بذلك مُحمد زوجي؟؟
استدار محمد له بنظرات استفهام فصرخ الآخر :" لماذا تأخرت ؟؟ مجدداً تتأخر؟؟ مُجدداً ؟؟ "
و عض شفتيه :" للأسف أنت الوحيد التي يتقن استخدام جهاز الفحص اهذا.. هيا أدخل و افحص المريض بسرعة!"
زفر محمد و هو ينظر له :" لا أظن هذا يستدعي الصراخ يا دكتور فؤاد.. كما أني جئت مبكراً جداً .. تأكد من صحة ساعتك "
و اقترب لذلك الرجل قائلاً :" أنا فحصت هذا المريض مسبقا و أخبرتكم بضرورة اجراء العملية لكنكم أنتم من تماطلون في ذلك .. الآن يقع اللوم علي؟؟ بدل أن تضيع وقتك في الفحص يا دكتور فؤاد انقل المريض لغرفة العمليات لاجراء العملية"
صرخ الرجل :" قلت لك أدخل و افحص الرجل ! فوراً "
كم بدا مخيفاً ذلك الرجل و هو يزمجر و يتجرأ أن يهين زوجي أمام حشد الأطباء الذي صمتوا بخضوع! بعد أن كان زوجي يخاطبهم بثقة يتجرأ شخص مثل هذا أن يتطاول عليه أمامهم جميعاً ؟؟
كنت أتوقع أن يدخل محمد لاجراء الفحص لطبيعة شخصيته المسالمة لكنه فاجئني عندما هتف بحدة :" بدل أن تلقي أوامرك العشوائية فكر قليلاً "
ثم قال بنظرة احتقار :" أم أنك لا تبالي بأرواح الناس ؟ شيء طبيعي من شخص مثلك "
التهب وجه ذلك الطبيب و أخافني بالفعل بنظراته لكن محمد أمر الأطباء بنقل المريض لغرف العمليات ..
تحرك الأطباء كلهم لنقل المريض و ابتعدوا ناحية المصعد ... نظرت لمحمد و هو يتصفح الأوراق بيده و ذلك الرجل المخيف يرمقه بحدة عاضاً على شفتيه .. اقترب منه .. فرفع محمد أنظار حذرة ناحيته .. و كنت أراقبهما بوجل !! كم كان ذلك الشخص يحمل نظرات ناقمة على زوجي ..
جذبه من قميصه بعنف فكتمت شهقتي و أنا أراقبهما .. همس ذلك الشخص ببضع كلمات و مضى غاضباً ..
تأملت مُحمد و هو يراقبه متنهداً ثم انتبه لي و اقترب قائلاً :" هيا علياء! "
و جر كرسيي و هو يتنهد مستاءاً .. خاطبته :" مُحمد من هذا و لماذا يعاملك هكذا؟!! "
تنهد :" لا تكترثي به علياء! "
و ابتسم و هو يحني رأسه لي :" سنذهب الآن لقسم الأطراف الصناعية ! أأنت متحمسة؟ "
بادلته الابتسامة:" نعم"

وصلنا لهناك و بدأوا بفحص ساقي و التحدث مع محمد بشأن حالتي و حددوا موعداً لتجريب الساق الصناعية بعد اسبوعين .. طبعاً أنا اشترطت أن تكون الساق طبيعية شكلاً و مناسبة لجسدي تماماً .. و رغم التكلفة الباهضة أيدني محمد في ذلك .. هو أكثر شخص عانى بسبب منظر هذه الساق المبتورة و بالتأكيد سيريحه إذ بدوت طبيعية أكثر ..
و بعد تركيب الساق الصناعية بالتأكيد سأساعده في أمور كثيرة و أخفف عنه العبئ و أتخلص من هم هذا الكُرسي المتحرك ..
طبعاً أفكار كهذه أسعدتني كثيراً .. و الذي أسعدني أكثر ابتسامة مُحمد لي المُشجعة .. ثم سأل الطبيب :" هل ستسطيع علياء المشي؟؟ "
ابتسم الطبيب :" نعم .. لأن ساقها متشوهة فحسب ليس هناك عضلات تالفة .. و يمكنك أن ترى أنها تستطيع تحريك ساقها من منطقة الحوض و الفخذ .. و لم يبقى إلا الجزء السفلي من الساق .. طبعاً ستواجه صعوبة في المشي بادئ الأمر لكنها ستتعود "
هنا رأيت ملامح السعادة على وجهه :" أشكرك كثيراً .. إن حدث هذا فعلاً يا دكتور خالد لسوف أدعوك على عشاء فاخر "
ضحك الطبيب و هو يربت على كتف محمد :" تستحق كل خير يا دكتور مُحمد .. و سأفعل ما أستطيع فعله"
--



لو تعلمون كم فرحت لعلياء ! قد تتسائلون لماذا تأخرت بنقلها للمشفى لصنع ساق صناعية و سأجيب بأني كنت قلقاً بأن يكون رد الأطباء سلبياً بأن حالة علياء لا تتقبل الساق الصناعية .. و كنت أخشى على مشاعرها قبل شيء! و لكن مع اصرارها أخذتها للمشفى و كنت متشائماً .. إلا أن الدكتور خالد أحيا التفائل بداخلي من جديد .. و كدت أن أعانقه من فرحتي الكُبرى ! ..
و بينما كنت أساعد علياء على النزول من السرير و الجلوس على الكرسي المتحرك .. هَمس الدكتور بأذني :" محمد أريدك "
خرجت معه خارج الغرفة و أنا أراقب علياء التي تحكم خمارها .. ما إن التفتت لي .. ابتسمت لها ببهجة و خرجت .. هنا خاطبني الدكتور خالد هامساً :" هل هي المَدام؟ "
هززت رأسي :" نعم هي زوجتي "
قال :" هل هي حَامل؟ "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:51 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الثالث عشر

خاطبني الدكتور خالد هامساً :" هل هي المَدام؟ "
هززت رأسي :" نعم هي زوجتي "
قال :" هل هي حَامل؟ "
فكرت لبرهة ثم أشرت برأسي سلبياً:" لا أبداً .. "
فقال :" طيلة فترة العلاج لا يجب أن تحمل و بعد تركيب الساق الصناعية يجب أن تمكث فترة طويلة لتتماسك الساق الصناعية مع جسدها .. و الحمل سيطرأ تغييرات في جسدها .. و على هذا لا يجب أن تحمل لفترة طويلة "
هززت رأسي بتفهم :" بالفعل.. أشكرك .."







--
في الشقة أنظر لعلياء بابتسامة و هي تتحدث بالهاتف مع والدتها بسعادة عن موضوع الساق الصناعية .. ثم أقفلت الخط و هي مبتهجة فنهضت و جلست جوارها و أنا أمسح شعرها الخفيف:" أأنت سعيدة علياء؟؟"
نظرت لي بابتسامة و أسندت رأسها على كتفي :" كثيراً !! هذه أمنيتي !! مُحمد كم أحبك "
نظرت لها بخبث و قلت :" أخشى أن تحبين الطبيب بدلاً مني لأنه سيعالجك "
نظرت لي و هي تصطنع الغضب ثم دفعتني قائلة :" يا لثقل دمك "
ابتسمت ثم قلت مستدركاً :
" عزيزتي علياء! لقد أوصاني الطبيب بأن لا تحملي لفترة طويلة .. "
رمقتني لبرهة ثم قالت بتحفز :" ألا أحمل؟ و لماذا؟"
شتتني بنظراتها الحادة فقلت :" هذا ما قاله الطبيب .. لألا يؤثر الحمل على الساق الصناعية "
نظرت لي بحدة و قالت بشك :" لم أسمع الطبيب يقول شيئاً كهذا! "
تنهدت :" عندما خرجت معه خارج الغرفة قال ذلك"
قالت بنبرة احتقار :" متى حدث هذا أصلاً !! قل أنك لا تريد عيالاً مني "
نظرت لها بصدمة ثم قلت بحدة :" علياء ! و هل أنا أكذب !! هذا ما قاله الطبيب و لست أنا "
قالت بنفور :" و هل هناك طبيب يقول ألا تحمل لفترة طويلة و فترة العلاج لم يحددها إلا الآن ؟؟ .. قل أنك لا تريد عيالاً مني و كفاك لعباً فأنا أفهمك لا داعي لتجاملني !! "
نظرت لها بصدمة و هي تبعدني عنها بضيق ثم تتحرك بصعوبة لتنهض و تنتقل للكرسي المتحرك .. حركت العجلات و هي تتذمر قائلة :" كل يوم أكتشف أنك تجاملني و تمثل أمامي دور الزوج المحب و أنت في الحقيقة تكرهني "
تأملتها بحنق .. و نهضت مزمجراً بحدة :"علياء!!!!! "
تسمرت هي مصدومة من علو صوتي .. فصرخت بها بغضب :" اسمعيني جيداً !! لستِ طفلة لكي أكذب عليكِ .. و كفي عن هذه المعاملة لي .. إلى متى اللوم و العتاب ؟ إلى متى ستظلين كئيبة مملة ؟؟ "
رأيتها تصرخ بجنون:" ابتعد ! لا أريد رؤيتك !! ما جرى اليوم في المشفى يؤكد أن لك ألف عشيقة .. و أنا ؟؟ لكي ترضي أمك فقط تزوجتني "
عقدت حاجباي :" ألف عشيقة ؟؟ "
جرت كرسيها ناحية غرفة النوم و هي تجهش بالبكاء و أنا أرمقها بحيرة ..ألف عشيقة في المشفى؟ لا أظنني لاقيت حسناء اليوم؟؟ تنهدت و قررت أن أبقى في الصالة قليلاً ريثما تهدأ أعصابها ..
شغلت نفسي بقراءة الجرائد ..ثم رحت ألملم الأكواب للمغسلة .. و لأني رأيت أكوام الأواني المتسخة قررت حينها أن أغسلها جميعها ..
ظللت فوق النصف ساعة و أنا أنظف ما يجب تنظيفه قبل أن أدخل غرفة النوم ..غسلت يداي ثم رحت أنشفها و أدرت رأسي للباب حيث شعرت بحركة ..
هنا قفز قلبي من شدة رُعبي .. لهثت و أنا أنظر لوجه علياء ! كم بدت مُرعبة و مخيفة و هي ترمقني بعينين مفتوحتين و وجه ملتهب محمر مع التشوهات المريعة ..
مددت يدي لعنقي لا إرادياً و أنا ألهث ثم همست :"بسم الله الرحمن الرحيم ... علياء! أخفتني .. "
رمقتني بنظرة انكسار و تفجرت سيول دموعها و هي تختنق بعبرتها :" أخفتك؟؟ "
تنهدت و اقتربت منها :" أقصد ! الصالة مظلمة و الأضواء مخيفة كما تعلمين و كنت أحسبك نمتِ .. "
و عدت أتلمس رقبتي الحارة التي تنبض عروقها رعباً و خوفاً .. أشاحت بوجهها :" بل قلها ! وجهي مخيف "
و حركت العجلات مسرعة ناحية غرفة النوم .. تنهدت و لحقت بها و فتحت الباب لأراها ترتمي على السرير و تبكي بحرقة ..:" أكره نفسي ! أكره نفسي .. أكره نفسي "
اقتربت منها متنهداً و جلست على السرير من ناحيتي و قلت لائماً :" علياء!! لا تقلبي علي المواجع ! يفترض أن تكوني سعيدة .. "
حاولت اسعادها و أنا أبتسم :" ستعودين للمشي كما في السابق ! افرحي .. "
و قلت :" لا تدعي ابليس يسيطر على أفكارك .. لمَ كل هذا الحزن و الغضب منذ أن حادثتك بموضوع الحمل؟؟ "
رفعت أنظارها لي بحزن :" أبكي نفسي ! لم أستطع إسعادك و لو بالقليل !! "
ضحكت و انحنيت لها هامساً :" أنا أفرح إذ رأيت الضحكة على شفتيك و أحزن إذ رأيت الدموع في عينيك "
و مسحت دموعها ثم قبلتها :" لا تبكي "
رفعت أنظارها لي بحدة ثم قالت :" أنا أريد ابناً فهمت!! "
لم تعجبني هذه النبرة الآمرة لكني سايرتها :" فهمت ..كل شيء سيجري حسبما تريدين "
ألا تلاحظون و كأنني أعامل مريضة نفسياً أو طفلة مُدللة ..
عادت تهمس :" من هذه سُعاد؟؟؟ التي تجلس بمكتبك بكل راحة؟؟ "
رفعت حاجباي بدهشة :" هل أنتِ غاضبة ... بسبب سُعاد"
و أطلقت ضحكة فصاحت بغضب :" نعم ... قالوا أنكما ثنائي مميز .. و يبدو أنكما متعودان على بعضكما البعض "

تأملتها مدهوشاً ثم ضحكت :" علياء!! سُعاد ...علاقتي بها عملية لأقصى درجة .. كما أنها مخطوبة .. "
نظرت لي مُطولاً .. ثم زفرت بارتياح ..

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:51 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
استيقظت فجر اليوم التالي على صوت هاتف علياء الملقى في مكان ما .. فتحت عيناي بجهد و نظرت لعلياء التي تنام بعمق و هي تتكور على نفسها بثوب زهري اللون .. بثقل نهضت و اتجهت للهاتف .. كانت خالتي .. أجبتها و بعد التحيات سألتها عمّا تريد فقالت أنها ستأتي بعد قليل و لديها مفاجأة لنا..
تحمست كثيراً و اتجهت نحو علياء .. هززتها برقة هامساً :" علياء ! "
لم تجدي الرقة فاستخدمت الوسائل الغير مشروعة .. رحت أضرب رأسها بالوسادة بخفة :
" تباً ! علياء !!! "
فتحت عينيها هامسة :" محمد ما بك "
قلت و أنا أساعدها على النهوض :" أمك آتية و معها مفاجأة .. هيا استبدلي ملابسكِ بسرعة "
رمقتني باستفهام :" أمي ؟ مفاجأة ؟ ما القصة "
عقدت أزرار قميصي و أرمقها :" و ما أدراني ! هيا تجهزي للقاء أمكِ "
--











لا أدري لمَ كل هذا الحماس الذي انتابني و أنا أفتح باب الشقة أبحث عن خالتي .. لو تعلمون كم أنا مولع بالهدايا ! و المفاجآت .. و أتذكر أنني مكثت مع علياء نفتح هدايا زواجنا و كنت أكثر منها حماساً و فرحة ! رغم أن الهدايا أغلبها خاصة لعلياء لكني فرحت بها ! فقط لكونها هدية ..
تخيلت خالتي تحمل هدية كبيرة جدا جداً .. هُنا جاءت خالتي و هي تمشي ببطء .. و لا شيء بيدها .. و كانت خادمتها تعينها على المشي ..
عقدت حاجباي (( أين الهدية ؟))
رحبنا بها و أجلسناها في المطبخ حيث وضعنا لها طعام الفطور بأشهى ما تُريد .. فابتسمت و هي تتذوق البسكويت :
" ياه! محمد لمَ كل هذا النشاط "
قالت علياء :" لأجل الهدية "
نظرت أنا لعلياء بدهشة ! و هي تكتم ضحكتها ساخرة مني .. فصاحت الخالة :" ياه! ذكرتماني .. جلبت لكما مفاجأة ! ستفيدكما كثيراً كثيراً "
و أشارت لخادمتها :" جَلبت لكما ( لينا ) هي خادمة إثيوبية مسلمة لا أحتاجها في المنزل و خادمتي الأولى تكفيني و تزيد .. فجلبت لكما لينا و لم يمضِ على استقدامها شهرين "
رفعت أنظاري للخادمة فصاحت علياء بفرحة :" بالفعل ! نحن نحتاج الخادمة حقاً !! أشكرك أمي .. تعلمين؟؟ مُحمد سهر بالأمس على غسل الأواني "
قالت خالتي باشفاق :" يا للمسكين ! و أنت ماذا تصنعين ؟؟ "
تنهدت علياء :" أمي كما ترين أنا ؟؟"
خاطبتها خالتي بحدة :" بعد أن تتعالجين لن تبقى لكِ حِجة لرمي مسؤولياتك على زوجكِ .. فهنا خادمة و ستكونين أيضاً بصحة و عافية إن شاء الله "
نظرت أنا للخادمة و همست :" لكن يا خالة !! أنا لست معتاداً على وجود خادمة ! كما أن شقتنا صغيرة و ليس لدينا مكان لنومها "
هنا هبت علياء و هي تقول :" بلى لدينا المخزن "
قلت :" المخزن يحوي ملفاتي و كتبي و أشياء مهمة جداً "
قالت :" تستطيع افراغ جزء منه لفراش الخادمة "
تنهدت باستسلام :" كما تشائين "
و نهضت لأقبل رأس خالتي ممتناً و اتجهت لغرفة النوم لأتجهز للذهاب للعمل..
ستقولون !! أين رأيك يا دكتور مُحمد ؟ ألست أنت من تنفر من الخادمات و لا ترتاح بوجودهن؟؟ لماذا وافقت بهذه السهولة..
و سأقول .. إني ذقت مرارة غسل الملابس و جلي الأواني .. و هنا الوضع تغير لأغير رأيي ..و علياء حتى لو تعالجت .. لن ترفع قشر موزة من الأرض .. لأنها ببساطة هكذا! مُرفهة و مدللة و يجب أن أرفهها و أدللها ..
بينما كنت أمشط شعري شعرت بعلياء و هي تقترب بكرسيها مني .. نظرت لها و ابتسمت :" فرحتِ بالهدية "
ابتسمت هي ثم نهضت بثقل و اتكأت على التسريحة و هي تنظر لي من خلال المرآة :" نعم كثيراً ! لكم أشفقت بحالك و لا يهون علي زوجي و حبيبي أن يغسل الملابس و يكويها و يكنس الأرضية و يجلي الأواني "
نظرت لها و ابتسمت :" حقاً ؟؟ "
ثم نظرت لها بحدة :" أنا لم أقتنع بفكرة نومها في مخزني !! فكري في مكان آخر "
نظرت لي بغضب مفتعل ثم مدت أصابعها لتبعثر شعري بعدما سرحته ثم قالت :" قلت المخزن يعني المخزن "
" و هل سنتشاجر على شيء كهذا؟؟؟ "
" تذكر أنها خادمتي و أنا من أختار لها مكان نومها "
و رمقتني بتحدي ثم قبلتني هامسة :" هيا اذهب للعمل قبل أن يوبخك دكتور فؤاد "
حانت مني ابتسامة و أنا أراها تجلس على الكرسي و تحركه لتخرج من الغرفة تنادي الخادمة :" لينا ! لينا .."
نظرت للمرآة مبتسماً .. أني أشعر حقاً بأني أحب هذه المُدللة رغم دلالها الزائد!
فكرت .. علياء لا تخافي ستُعالجين من إعاقتك و تشوهك ! و سأفعل المستحيل ليحدث هذا ..
--













في المشفى مشيت مسرعاً و أنا أحمل كومة الملفات الضخمة .. فجأة تعرقلت بأعتاب لم أنتبه لها و تهاوت ملفاتي كلها و تبعثرت أوراقي .. تنهدت يبدو أنني لا أستطيع أن أواصل هكذا دون نظارة طبية .. انحنيت و رحت ألملم الملفات و الأوراق التي تبعثر تنظيمها ..
" مُحمد ؟؟؟! "
رفعت رأسي و ذهلت بحسناء و هي تقف أمامي تبتسم بدهشة و هي تنظر للأوراق ..نظرت للشاب الذي بجانبها!! أظنني أذكر هذا الوجه جيداً .. حسام زميلها في الوظيفة!! ؟
" حسناء ؟ كيف حالك؟؟ "
" بخير"
أصبت بالحرج حينما انحنيا لإلمام أوراقي و قالت حسناء :" ياه! يا محمد كل هذه الأوراق "
هنا فكرت و أنا أتأمل الشاب .. هل؟!! جاءا لاجراء فحص الزواج ؟؟
رفعت أنظاري للقسم الذي نحن فيه فكانت هناك غرفة لأخذ الدم ...
رأيت حسناء و هي تقدم لي الاوراق :" تفضل مُحمد .. "
نهضت أنا و أرتب الأوراق و خاطبت الشاب الذي يراقب حسناء و هو يرتب الأوراق معي :
" حُسام أليس كذلك؟ كيف حالك؟؟"
من دون أن ينظر لي :" بخير يا دكتور كيف حالك أنت "
" بخير.. "
و صمتنا هنيهة حتى سألتهما :" خير اللهم اجعله خير؟؟ "
ابتسمت حسناء :" لا شيء فقط جئنا لاجراء فحص "
سألتهما بعجالة و توتر :" فحص ماذا ؟؟؟"
" فحص طبي لوظيفة جديدة "
رفعت حاجباي :" لمَ ؟ استقلتما من وظيفتكما ؟؟"
قالت بتنهيدة :" نعم "
قلت بلوم :" لمَ ؟؟ "
هنا قال حسام بحدة :" قررنا ذلك بعدما يئسنا من ذلك المدير المتغطرس المغرور المقيت "
كان ذلك المدير صديقي و لذا من الطبيعي أن أدافع عنه :" أستاذ مروان طيب القلب لكنه يؤمن بمبدأ الالتزام بقوانين الوظيفة .. "
و نظرت لحسناء قائلاً :" لم يكن ينبغي أن تفرطي بمهنة كهذه"
قال الشاب بضجر :" تلك الوظيفة يمكننا تعويضها لم يكن الراتب هائلاً على كل حال "
ثم رفع حاجبيه لي :" ياه! يا دكتور يبدو أن لك مكانتك في المشفى و وزنك .. لمَ لا تدبر لنا وظيفة"
لكزته حسناء ثم نظرت لي بتوتر .. فقال باصرار :" حدثتني حسناء عنك طويلاً و عن الخدمات التي تقدمها للناس بسخاء و حدثتني أيضاً أنك طبيب مُهم في هذا المشفى بالتأكيد يمكنك أن تتوسط لنا "
نظرت لحسناء المُحرجة ..
طبعاً كان صعباً علي أن أعدهما بشيء فقلت بحرج :" بصراحة!؟ أود مساعدتكما حقاً ! و لكن هذا يعتمد على مؤهلاتكما الدراسية .. "
قال الشاب بمرح :" لا نريد أن نعمل أطباء .. وظائف بسيطة .. كموظفين استقبال أو ... حتى سكرتير بالنسبة لي "
نظرت لحسناء و هززت رأسي :" سأسأل المدير إذ كانت هناك وظائف شاغرة لكما "
ضحك الشاب ممتناً ثم مضى مع حسناء ناحية غرفة التحليل ..
شعرت بالقهر حقاً .. متى أصبح هذا الشخص أقرب لحسناء مني ؟؟
هل حسناء شعرت أنها خسرتني فلجأت له؟؟
يتحدث بصفة الجمع كأنه و هي زوجين أو مخطوبين .. و هي لا تعترض!
يبدو أنني الآن لا أعني لها شيئاً !
مُجرد طبيب مُستعد لمساعدتها متى شاءت !
زفرت و اتجهت لمكتبي .. و أنا أفكر ؟أظنني إذ أجريت أشعة لقلبي سأراه منقسم لقسمين ... علياء ! و حسناء! ..و كل واحدة تنافس الأخرى في مقدار حُبي لها ..
نظرت لغرفة مكتب المسئول حيث يقف فؤاد أمام المسئول عبدالله :" أختي تنتظرني في الخارج "
أخته؟؟ أيقصد ياسمين؟؟!!!!!!!
قال المسئول :" تستطيع أختك انتظارك نصف ساعة ريثما تكمل عملك المهم"
قال فؤاد باستسلام :" لا بأس و لكن .............."
تسّمرت و قد غاب ذهني عن بقية الكلمات ..مشيت مسرعاً أصطدم بالمارة و ألقيت ملفاتي بداخل مكتبي ثم انطلقت بأقصى سرعة لدي لخارج المشفى .. الأخت الأخرى؟؟؟؟ تنتظر فؤاد بالخارج؟؟؟!
انفتح باب المشفى التلقائي ... فرحت أبحث في المواقف عن سيارة فؤاد ..و هناك رأيتها بداخل السيارة متكورة على نفسها تخفي وجهها ..
وقفت متسمراً !! أهذه الفتاة هي ياسمين ؟؟ الفتاة المجهولة وراء قضبان سجن فؤاد ؟؟ من هي ياسمين ؟ و أي اجرامٍ يمارسه فؤاد عليها؟؟
لأول مرة أراها ! رغم زجاج النافذة إلا أن ملامحها الطفولية بدت واضحة جداً..
و يا لعجبي؟؟ إلى أين سيطحبها فؤاد في وقتٍ كهذا؟؟ إلى المُختبر؟؟
يفترض أن يخرج فؤاد بعد نصف ساعة أليس كذلك؟؟
الاقتراب من السيارة سيكون خَطراً جداً .. لكن ماذا بيدي أن أفعل؟؟
وقفت مطولاً أراقبها و هي ترفع وجهها المدور ثم تمط شفتيها الحمراوتين .. ملامحها طفولية بريئة ...إذ كان فؤاد سيصحبها للمختبر ؟ أستطيع أن أسبقهما إليه! لأعرف ماذا سيفعل بها..
من دون تفكير صعدت سيارتي .. خلعت ردائي الأبيض و انطلقت بالسيارة ناحية مختبر فؤاد !

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:52 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الرابع عشر


لعلكم تقولون؟ يا مُحمد مثلك مجنون ؟
و سأقول عليكم أن تسايرونني في جنوني فوجه ياسمين لا يستحق حتى أن يخدش بأذى فكيف سأسمح لذلك المقيت أن يفعل بها كما فعل بأخته وداد !!
سأقف بوجهه مهما كلف الأمر ..
وصلت للمختبر و ركنت السيارة خلف الفيلا .. و ترجلت أنظر حولي بارتباك .. ثم صعدت على حافة نافذة السيارة إلى سطحها ثم إلى الشرفة .. دخلت للفيلا بهدوء واثقاً بعدم وجود أحد ..
و اذ كان فؤاد سيأتي فأنه سيحتاج ساعة على الأقل للوصول إلى هنا فهو مكلف بانهاء عمله في المشفى .. دخلت المختبر و مكثت أراقب النوتات و الملاحظات التي تركها متناثرة على أوراق عديدة على الطاولة..
اعترتني رعشة و أنا أنظر للمحاليل و تذكرت زيارتي السابقة لهذا المَكان! جلست أمام الطاولة و اعتكفت على البيانات أقرأها بعمق .. و صعقت بالحقيقة التي رأيتها منقوشة بين مجموعة البيانات التي تبدو مبهمة ! لكنها كانت تحمل الحقيقة المفجعة !!
رحت ألهث !! كل هذه المحاليل تحمل صفات وداد الأساسية لتصب في جسد ياسمين !! لتصبح ياسمين هي وداد؟؟؟؟
تجمدت لهذه الفكرة الخطيرة و ازدردت ريقي.. اذاً فظنوني في محلها .. رحت أتصفح الأوراق بيدي بسرعة و توقفت عندما رأيت صورة وداد سابقاً .. امرأة تقارب الأربعين ذات عينين صغيرتين و وجه طويل هزيل .. أسفلها مباشرة صورة أختها الصُغرى .. ياسمين ..تلك الفتاة ذات الوجه المدور و العينين التي تحملان اللون العسلي المشرق ..
هل سيضحي فؤاد بياسمين ليستعيد وداد؟؟؟
رحت كالمجنون أقرأ البيانات في الأوراق المتناثرة و معظمها لا أفهم منها شيئاً .. و لكني انتشلت ورقة ذابلة كتب فيها بخط اليد ..نقاط بسيطة لمعلومات متناثرة .. كانت أشبه بخطوات عمل .. كتبت بطريقة معادلات فكانت أشبه بشفرات ..لنقل جينات وداد و خواصها الوراثية إلى جسد ياسمين ..
رفعت رأسي لأرى الأجسام المعدنية تعوم في محلول أصفر .. و هذه الأجسام الحافظة لكل بيانات مُخ وداد من ذكريات و نسبة الذكاء سوف تُغرس في رأس ياسمين لكي تستفيق ياسمين فجأة و ترى نفسها وداد ..
شكلاً و عقلاً ..!!!
هل جُن هذا الفؤاد؟؟ خلايا المخ العصبية الأصلية ستكون موجودة في مخ ياسمين و هكذا سيكون لديها تضارب بين بياناتها و بيانات أختها ؟؟
لا يمكن ستكون هناك احتمالية سبعون بالمئة لموتها .. قد لا تتأقلم بيانات وداد مع مُخ ياسمين ؟؟
و حتى إن نجحت التجربة !!
فأنه سيقتل ياسمين لاحياء وداد التي نسبة عودتها 30%
نظرت للساعة! يبدو أنهما لن يأتيا و قد أخطأت بتوقعي .. نهضت للمغادرة لكن استوقفني وجود هاتف محمول على الطاولة .. رفعته و فتحت قائمة الأسماء و بدا لي أنه هاتف فؤاد ..
رفعت حاجباي بدهشة و رحت أبحث عن اسم ياسمين و رقمها .. و حين وجدته ابتسمت .. الآن حقاً يمكنني الوصول لياسمين .. نسخت الرقم لهاتفي الخلوي .. و أسرعت للمغادرة ..
--













عدت للمنزل و جلست في المخزن و أنا أخرج الهاتف من جيبي .. وفكرت يفترض أن أنتظر ساعات حتى ينتهي المشوار و يعود فؤاد لعمله .. و بعدها سأتصل بياسمين .. فكرة جنونية داهمتني بعنف قبل أن أسمع باب الحمام ينفتح و تظهر الخادمة .. صُدمت ! نسيت أن المخزن تحول لغرفتها .. و مع صدمتي برؤيتها بدون حجاب تتستر بجسدها وراء باب الحمام .. نهضت مسرعاً متشتتاً لأخرج إلا أن علياء كانت تسد الباب و هي تطل تنظر للخادمة ثم تنظر لي بنظرات مرعبة ..










وقفت و أنا أشعر بالحرج من وجودي في هذه الغرفة .. رفعت وجهي لعلياء التي تسد الباب .. نظرت لي بحدة ثم رجعت بكرسيها لتفسح لي المجال للخروج .. خرجت و أغلقت الباب .. ثم نظرت لعلياء .. و كأنها فهمتني خطئاً .. لذلك قلت :
" نسيت تماماً أن المخزن لم يعد لي .. أرأيت أنا لا أعتاد على وجود الخادمات "
نظرت لها فكانت ملامحها قاسية جامدة .. قبل تهمس :" ياه! لم تدخل إلا في وقت وجود الخادمة في غرفتها و في وقت استحمامها ؟ يا لهذه الصدفة ؟؟ "
نظرت لها مقطباً حاجباي ثم قلت بحدة :" ماذا تقصدين ؟؟"
نظرت لي مرتبكة ثم قالت منكسة رأسها :" أعتذر .. "
دُهشت من هذا الاعتذار المبكر و الغريب و اتجهت معها للصالة لتناول الغداء ..نظرت لي هي و همست :" مُحمد عليك أن تعلم أنك لي وحدي .. "
تأملتها بقلق ثم نظرت لصحن الدجاج .. فأكملت :" و أغير عليك من أي أنثى مهما كانت .. مهما كانت "
نظرت لها فقالت :" و خصوصاً من الحسناوات "
انتبهت أنها ضغطت بصوتها على كلمة الحسناوات كأنها تقصد حسناء !! رباه!!
طبعاً أحببت أن أغير هذا الجو المضطرب و أنا أدعوها لتناول الغداء و أخبرها أن كل الفتيات غيورات على أسباب تافهة.. و أخبرتها مستدركاً أن موعد الأطراف الصناعية بعد غد و عليها التجهز ..
بالكاد أبدت فرحها قبل أن تخرج الخادمة بحرج .. نظرت أنا لعلياء و كم كانت تنظر لها بنظرات متوعدة .. نهضت و اتجهت لغرفتي لآخذ قيلولتي ..
استلقيت على السرير و سمعت حينها صراخ علياء :" ألا تخجلين ؟؟ لماذا لم تقفلين الباب ؟؟ "
استمر الشجار و الأصوات تعلو ما بين جذب و شد .. نظرت أنا لهاتفي و لم أتمالك حماسي لذلك اتصلت على رقم ياسمين ..سأتظاهر بأني مُخطئ في النمرة لألا ألفت انتباه فؤاد ..
جاءني الرد مُحبطاً .. الهاتف مُغلق ..
،،







--
ها قد مرت الأيام .. و حضرت جميع جلسات تركيب الساق الصناعية بصحبة شروق و محمد الذي نزع الضماد المشئوم و اشترى نظارة جديدة أخيراً
مع آخر جلسة من جلسات تركيب الساق الصناعية نهضت مدهوشة و أنا في غرفة من غرف المشفى .. أمشى لست مصدقة ! رفعت رأسي لمحمد الذي يضحك بسعادة و يهمس :" علياء ! ها قد عدتِ تمشين "
ضحكت شروق :" ياه!!!! "
مشيت ناحية محمد و أنا أضحك و أمسح دموعي لستُ مصدقة :" محمد ! محمد! أنا أمشي "
احتضنته بالرغم من وجود الأطباء .. لأنه هو من شجعني و ساعدني لتركيب هذه الساق و تحمل المعاناة معي .. و ها قد تحقق الحلم ! ها قد عُدت أمشي كما السابق .. دفنت رأسي بصدره و أنا أبكي بفرحة .. و رفعت رأسي له حيث ابتسم لي و همس :" الحمد لله ! "
كنت أعيش أحلى أيام حياتي .. و أنا أرى الفرحة مرسومة على ثغره ! تكفيني سعادته و لو شاء أن أظل مُقعدة للزمت الكُرسي المتحرك طيلة حياتي ..
في تلك اللحظة ظهر وجه أعرفه جيداً و هو يطل من الباب و يتأملني أنا و محمد .. كانت تلك الحسناء ! مُجدداً ؟؟؟ ما الذي جاء بها ...؟؟ كانت تبحث عن زوجي ! أنا أعرف أسرار هذه العيون الجميلة ..
قبضت بأصابعي على قميص محمد كما لو كنت أقول لها .. أنه لي ! لن تأخذينه.. و رأيت في عينيها ناراً ملتهبة و نظرة استهجان.. ثم افتعلت صوتاً ناعماً و قالت :" مُحمد "
هكذا تقول محمد من دون كُلفة ؟؟؟!!
هنا تركني محمد و استدار لها !!!!
هنا أبعد أنظاره عني و نظر لها !!
هنا أهملني و اهتم بها !!
رأيته يستدير لها و يقول بارتباك و خجل :" أهلاً حسناء أردتِ شيئاً ؟"
رمقته مبتسمة ثم قالت :" هل لي بمحادثتك "
رمقها لفترة ثم اتجه ناحيتها و انشغل بالحديث معها و نساني ..
---

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:52 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
كالماء البارد انصب علي حينما سمعت صوت حسناء يأتيني و أنا أعانق علياء .. استدرت لها و رأيت في عينيها شيئاً أجهله ثم خرجت من الغرفة و أنا أستأذن من علياء المشتاطة .. و شروق ترمقني بخبث..
نظرت لحسناء و نحن في الممر و خاطبتها :" هل تم توظيفك "
و نظرت للزي الذي ترتديه فابتسمت و قالت بامتنان :" بفضلك "
قلت :" أهناك أمر؟"
ارتبكت هي لفترة قبل أن تهمس :" هل لي أن أحادثك في مكتبك ؟؟"
تذكرت علياء الفرحة بي و بعلاجها .. لكني هززت رأسي :" لا بأس .. "
فتحت باب المكتب و يا للعجب ...! عادل و نوارة لأول مرة غير متواجدان .. جلست أنا على كرسيي فجلست هي قبالتي مبتسمة ..
قالت هي :" أعمل سكرتيرة "
خاطبتها :" أنت مرتاحة في العمل هنا ؟؟"
هزت رأسها :" كثيراً .. رغم أنني لست ثابتة حالياً .. لكن يكفيني أني بقربك "
اختلجت مشاعري فجأة و أنا أنظر لها متشتتاً .. ثم خفضت رأسي فنهضت هي من مكانها و دارت حول المكتب و وقفت بجانبي هامسة :" محمد ! أنظر إلي "
رفعت رأسي لها فرأيتها تبتسم و هي ترمقني بحُب و همست :" محمد ! إلى متى تعذب نفسك ؟؟ أنا هُنا أحبك بكل ما لدي .."
رمقتها بتشتت و همست :" حسناء أنا متزوج ! "
زفرت هي و انحنت لي بنظرة ثاقبة :" متزوج قهراً و جبراً و هذا ما يقوله و يتداوله الموظفون هنا .."
لم أدري ما أقول فنكست رأسي .. هنا هي نزلت بجسدها لمستواي و تأملتني لبرهة قبل أن تمسك بيدي بكلتا يديها و تهمس :" مُحمد .. "
سحبت يدي من بين أصابعها و قلت بحدة و أنا أرمقها :" حسناء ! قلت لك لن أتخلى عن زوجتي .. "
هنا احتشدت الدموع في محجريها قبل أن تهبط على وجهها الحسن و تهمس :" و ستتخلى عني؟ "
لم أعرف أأستخدم عقلي أم قلبي .. الذي انتفض مع رؤية هذه الدموع .. ها هي حسناء تعيد علي العرض المغري ؟؟ شريطة أن أرمي ببضاعتي القديمة ..
همست :" بالتأكيد لا "
شعرت بابليس يحوم بيننا ..أسمع ضحكته السمجة .. ألاحظ ضوءه الأحمر الشيطاني .. أشعر به ينفث علينا دخان وسوسته ..
فجأة صُدمت بحسناء و هي ترمي بجسدها بحضني ..
تسمرت أطرافي و أنا أراها تتعلق برقبتي و تبكي ..
شُلّ عقلي !
أهذه حسناء ؟؟
لا !
أهذا أنا ؟؟
طبعاً لا ..
تنفست بصعوبة أكاد أختنق مع رائحة عطرها المميزة و قد فتحت عيناي على أقصاهما ..بعد فترة لا يمكنني إحصائها لأستوعب الموقف الصاعق .. دفعتها بكل قسوة على الأرض .. و شعرت بنار تلهب أحشائي .. يا لطيبتي و سذاجتي ! يا لغبائي و غفلتي !!
أشحت بوجهي عنها و أنا أمسك برأسي بكلتا يداي.. شعرت بصداع مدويٍ و حروب ملتحمة بداخلي ..همست مستصعباً استخراج الحروف:" ماذا فعلتِ ؟؟ حسناء ؟؟ "
نهضت هي مجهشة بالبكاء :" مُحمد ! مُحمد .... أنا أحتاجك "
زجرت بها :" اخرسي ... "
و نظرت لها بحنق :" ماذا لو رآنا أحدهم ؟؟ "
و قلت بخيبة :" لماذا تغيرتِ يا حسناء ! أنا كنت أحبك لعفتك و كبريائك .. "
تأملتني و هي تمسح دموعها :" أنت من غيرتني بغبائك و تصرفاتك القاتلة "
و صرخت و هي تنهض :" تتزوج بمشوهة عوضاً عني و تقول أنك لا تريد التخلي عنها !! كيف لي أن أقتنع و أنا أعرف أنك تحبني "
عضضت على شفتي بحنق و نظرت لها هامساً :" حسناء أخرجي "
اقتربت ناحيتي :" مُحمد "
زمجرت و قد احمر وجهي و تصبب عرقي :" قلت أخرجي "
و نزعت النظارة الطبية ثم وضعت كفاي على وجهي بضيق .. شعرت بالشياطين تتراقص في الغرفة بمجون احتفالاً بذنب جديد نقترفه في خلوة مُحرمة ..
جاءني صوتها :" مُحمد ! ألم تكن تُحبني؟؟ كنت تعشقني و تركض لكي ترضيني .. "
و ابتسمت بتحقير :" كنت ملهوفاً للظفر بي.. كنت مجنوناً بي .. "
رفعت رأسي لها .. لم تكن حسناء الحسناء التي رأيتها تقف بقوة و صبر و أعجبت بتحفظها و التزامها .. لم تكن حسناء ذات الخمار الأسود التي أثارت جنوني و حركت مشاعري كيفما شاءت ..
اختلفت للأسف !! اختلفت .. ها هي بعد أن أدركت أني انتزعت حبها من أحشائي جاءت لتدسه من جديد و لكن بطرق مكشوفة لدي .. لست أنا من يُخدع بهذه الطرق الماجنة و الساقطة ..
وجه حسناء الحسناء أصبح مشوهاً الآن و لا داعي للمجاملة ... لذا نظرت لها بحدة و همست :" آنسة حسناء ! ليست هناك علاقة بيننا .. أعترف أني تقدمت لخطبتكِ و لكني الآن نادم على هذه الخطوة الخاطئة .. لم أكن أعرف حقيقتك "
نظرت لي بصدمة و أنا أشير للباب :" أخرجي لا أتشرف بمعرفتكِ "
ابتسمت و هي ترمقني بازدراء و تمرر ناظريها علي ثم تهمس بعجب :" ياه! هو طبع الحيونات .. و بالأخص القِردة .. تحاول جذب اهتمامك و حين تلبي رغبتها توليك ظهرها "
قلت :" و من طبع الكلاب أنها تعض اليد التي تمتد لها بالطعام و حين تجوع مجدداً تعود للشخص الذي عضته "
لحظة صمت قبل أن تكز هي على أسنانها و ترفع كفها هامسة :" حقير"
بُسرعة أمسكت بمعصمها قبل تهوي بكفها على وجهي و ضغطت عليه بحدة و أنا أنظر لها بصرامة :" أُخرجي من مكتبي "
سحبت يدها و قالت باشمئزاز :" لم أحبك يوماً ... شخص مثلك لا يثير اهتمامي!! هه فقط الحاجة المادية قادتني إليك .. هه طبيب غبي و ساذج ! كنز عظيم بالنسبة لي حتى لو كان متخلفاً و غبياً و بديناً و......."
و أطلقت ضحكة ساخرة ..ثم قالت :" لا تصدق أني أريدك !!! "
رمقتها مُطولاً مصدوماً بها فقالت :" يا لبراءة هذه النظرات ؟ رأيت ؟؟ أنت غبي جداً!! "
و قالت بحدة :" لكنك أهنتني !! و لم تعرف أنني حسناء ! لن أسكت عن هذا و تذكرني جيداً"
و خرجت مُسرعة ..
شعرت بصخب عارم يدوي رأسي ... حسناء ؟؟ ما الذي غيرها؟؟ سقط القناع ليكشف عن شخصية جديدة استغلالية مقيتة !! كُنت احسبها أحبتني؟؟! لكن كُنت مخطئاً !!
شعرت باضطراب ممزوج بشيء من الطمأنينة و الارتياح .. فها قد ساعدني القدر للتخلي كُلياً عن حسناء و التخلص من دائها المميت .. و بعد أن كنت أشعر أن علياء مشوهة و حسناء رائعة !! ها قد انقلبت الموازين و القيم ..أراني أقدس تشوه علياء .. و أنفر من جمال حسناء ..

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:52 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الخامس عشر

علي أن أدرك ... أن فتاة مثل حسناء طمّاعة و تبحث عن مصلحتها .. لم تقتنع بي حينما أبديت لها رغبتي بالزواج ... ربما رأت فيّ ذلك الشخص العادي ..
و غدت تبحث عن الأفضل ..لكنها حينما أدركت أن لا أحد يريدها سواي عادت لي .. ربما اعجاباً بوظيفتي ..!
هدأت براكين صدري مع زفرة عميقة أطلقتها ..و نهضت مُسرعاً عائداً لعلياء ..رأيتها في الغرفة تبكي! و هي تحتضن شروق .. تسمرت مُطولاً أمام نظرات شروق اللائمة لي ..
لم أكن أعرف حقاً ما يمكنني فعله .. فقد تأخرت عليها فيما يقارب النصف الساعة مع حسناء ! و لنضع تحت اسم حسناء خطين !
كان علي أن ألبي رغبتها حين قالت بصوت متحشرج و هي تشيح بوجهها :" أريد الذهاب لأمي "







--
في السيارة كنت مضطرباً قليلاً و أنا أنظر لعلياء المتكورة على نفسها تبكي ! عقدت حاجباي!! و نظرت لشروق الصامتة.. عدت أنظر لعلياء و قلت بحنان :" علياء؟ لمَ تبكين؟؟ "
أجهشت بالبكاء و هي تأن و كأنها تريدني أن أصمت .. هنا جاء صوت شروق الحاد :" علياء أخبريه لماذا تصمتين؟؟"
نظرت لعلياء التي تشيح بوجهها ثم قالت بحدة :" مَن هذه مُحمد! من هذه التي كنت تحادثها فوق النصف ساعة ؟؟ حسناء أليس كذلك؟؟ محبوبتك أليس كذلك ؟؟"
تجمدت و نظرت لشروق ثم أخذت نفساً عميقاً و أنا أقول :" لأكن صريحاً يا علياء؟؟ "
قالت بسرعة :" نعم كن صريحاً و كفاك مجاملات لي"
رمقتها بتشتت ثم همست :" في السابق كانت ثمة علاقة .. و لكن الآن هذه العلاقة منتهية .. ليست هناك حسناء في حياتي .. ليست هناك إلا علياء "
نظرت لها ! لم تكن تصدقني على أية حال .. و لذلك ابتسمت لها :" و هذا ما سأثبته لك في الأيام القادمة"
غضت بصرها و هي تمسح دموعها ..و قالت :" نعم ستعجبك الحسناء و لن تكترث بي !"
قلت باستسلام :" أنا آسف "
صمتنا لبرهة حتى قلت هامساً :" علياء! ها قد تحقق الحُلم و صِرت قادرة على المشي .. لا تنكدي علينا هذا اليوم .."
و نظرت لشروق قائلاً :" لسوف نحتفل بعشاء فاخر في منزل خالتي "
ضحكت شروق :" نعم .. أظن أن خالتي ستفرح كثيراً "
عُدت أنظر لعلياء :" هيا ابتسمي "
نظرت لي بعينين حمراوتين من آثار الدموع ثم أشاحت بوجهها..
--





كَان يوماً جميلاً بالفعل و نسيت حسناء و أطياف حسناء ! و مكثت أراقب عيون خالتي و أمي و هما فرحتان بعلياء و هي تمشي بصعوبة هنا و هناك .. كُنت أنا أيضاً أراقبها و هي في المَطبخ تصف الأطباق على الطاولة و شعرت أنها أطالت في وقفتها لذلك قلقت عليها و أجبرني قلقي أنا أُسرع ناحيتها .. وقفت بجوارها و أنا أهمس مبتسماً :" علياء اجلسي على الكرسي "
رشقتني بأنظار شرسة و عادت تصف الأطباق و تنسقها .. طبعاً شعرت بالحرج من وجود شروق التي نظرت لي باستنكار و ربما فكرت بأني ضعيف الشخصية مع زوجتي فلا تطيعني في أمر .. رأيت شروق تخرج من المطبخ لذلك عدت أنظر لعلياء و قلت :" دعينا نجلس سوية و ننسق الأطباق سوية أيضاً "
و قلت قلقاً :" حقاً لا أريد اتعابك "
رمقتني بحدة و عادت تنسق الصحون غير آبهة بي و عوضاً عن هذا تحركت للثلاجة لاخراج صحن الفواكه الكبير .. اتجهت ناحيتها و أمسكت بذراعها .. لكن فوجئت بها تصرخ :" آي "
ثم نظرت لي بحدة :" آلمتني ! ما هذا ! "
نظرت لذراعها و قلت بتشتت :" آسف ! لم أقصد .."
و قلت و أنا أمسح شعرها الذي يتدلى على وجهها فيخفي معالمه :" علياء ! ما بك "
ضغطت بأصابعه على باب الثلاجة قبل أن تهمس :" اخرس ! اخرس "
نظرت لها بضيق :" اخرس؟؟ هكذا تحادثيني ؟"
نظرت لي بحدة بعينين تفيض منهما الدموع قبل أن تهمس :" بلى هكذا أحادث خائن و كاذب مثلك ..لست أهلا للاحترام و لست أهلا للتقدير .. كم أحتقرك و أتندم على الزواج من خائن مثلك .. لست أموت في حبك كما السابق ! أنا أيضاً ضجرت منك و من تصرفاتك يا حقير "
التهبت عيناي و كززت على أسناني و أنا أشدد من قبضة يدي .. و لو كانت شروق قالت لي مثل هذا لسوف صفعتها و حطمت أضراسها و لكنها علياء ! المدللة !
رمقتني باشمئزاز و قالت :" اسمع ! "
رَفعت حاجباي بدهشة من هذه النبرة.. حيث أكملت :" سأبيت هذه الليلة هُنا "
و ابتسمت بألم :" أظنك هذا سيسعدك و يزيح عن كاهلك مهمة صعبة أنت موكل بها كُل ليلة أليس كذلك ؟؟"
رمقتها باستياء ثم هَمست :" علياء! حياتنا أصبحت ممتازة و أنت أول من يعرف هذا ! ماذا جرى لك ؟؟ أنسيتي كل تلك الأيام الجميلة؟؟ لماذا المَبيت اليوم هُنا "
و قلت مُحاولاً اسعادها :" خُصوصاً بأني سعيد بك اليوم مع عودتك للسابق .. ثقي بنفسك يا علياء! حَقاً لن أنظر لغيرك بعد اليوم"
أقفلت الثلاجة بعنف قبل أن تواجهني :" أنت تعترف أنك كنت تنظر لغيري ! يا لك من ...."
قاطعتها و أنا أنفض قميصي عن جسدي بضجر :" أوه يا علياء ! "
و اقتربت منها هامساً بابتسامة :" حسناً هاكِ عيني و افقئيها .. إذ كان هذا يرضيكِ "
أعرضت عني و هي تقترب من الطاولة بخطوات ثقيلة و هي تتناول السكين فقلت مصطنعاً الخوف :" علياء ! ستفقئين عيني ؟؟"
استدارت لي قائلة بصرامة :" بودي ! "
قلت :" و أهون عليكِ؟ "
بالكاد ابتسمت فابتسمت لها و قُلت برجاء :" ستبيتين اليوم معي أليس كذلك "
نظرت لي بصرامة :" لا ! "
--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:53 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
وقفت أراقب علياء و هي تستلقي على سريرها ثم تنظر لي بحدة :" قلتُ لك سأبيت هنا انصرف رجاءاً "
تأملتها مُطولاً ثم همست :" لا بأس ! و لكن "
استوت على السرير قائلة بنفور :" ماذا لديك بعد ؟؟"
اقتربت منها و وضعت حقيبتها بجانبها قائلاً :" جلبت لك حقيبتك إذ كنت تريدين شيئاً اتصلي بي .. "
و انحنيت لأنتشل العكاز من الأرض و أسنده على الحائط قائلاً :" و ها هو العكاز إذ كنت تحتاجينه "
نظرت لي بنظرات مُلتهبة :" لست أحتاجك و لا أحتاج العكاز و لا أحتاج شيئاً ! فقط ابتعد ! عُد إلى الشقة "
نظرت لها لُبرهة ثم قلت مُبتسماً :" سأبقى وحدي الليلة ! ألست أثير شفقتك؟ "
نظرت لي بضجر و رمت بجسدها على السرير .. فانحنيت و قبلت جبينها و انسحبت بهدوء .. وعَلمت أن علياء ليست قاسية لهذه الدرجة و لكنها الغيرة ! أنا أعذرها حقاً !
و لن أخذلها مُجدداً و سأثبت لها أن حُب حَسناء انتزعته نزعاً من قلبي ! يا ليتها تعلم علياء أنها الوحيدة التي تتسيد هذا القلب ..
--
وَصلت لشقتي و دخلت الغُرفة و انشغلت بتبديل ملابسي ..و انتشلت الحاسوب المحمول و خرجت به إلى الصالة .. جلست في الصالة على الأريكة و تناولت هاتفي .. نظرت للساعة ! كانت العاشرة .. هل أتصل بياسمين ؟؟ هل سترد يا تُرى ؟؟ هل سيكشفني فؤاد ؟؟
جاءني صوت بلغة ركيكة :" سَيد مُحمد ؟؟"
استدرت لها ... كانت الخادمة ! على وجهها ملامح استغراب و هي تقول :" أين مَدام علياء؟"
نظرت لما أرتديه و شعرت بالحَرج ! كيف نسيت وجود الخادمة للمرة الثانية .. رفعت رأسي قائلاً :" علياء في منزل والدتها .. يمكنك النوم "
اقتربت مني قائلة :" هل أصنع لك العشاء ؟"
" لا لا أبداً ! يمكنك النوم "
قالت بحرج :" سيدي أتمنى أن تشتري لي بطاقة كي أتمكن من الاتصال بأهلي "
هززت رأسي :" بالتأكيد .. في الغد إن شاء الله "
انصرفت فتنهدت بارتياح و تناولت الهاتف و أنا أُفكر ! هل أتصل ؟؟ و ماذا سأقول ؟؟ و هل ستخبرني بشيء !
عضضت على شفتاي و ضغطت الزر الأخضر ..
وضعت الهاتف على أذني و أنا أضرب بيدي على رُكبتي بتوتر .. و مع فترة طويلة من عدم ردها أيقنت أنها لن ترد لذلك أبعدت الهاتف بيأس قبل أن أسمع صوت ..
" آلو ! "
أسرعت بالرد :" آلو ! .. ! أ .. أ "
توترت كثيراً مع صمتٍ من الطَرف الآخر .. و تخيلت أن فؤاد يجلس معها فيكشف لُعبتي !













أعدت قول :" آلو .. مَرحباً ؟ ! "
بخفوت :" أهلاً .. مَن معي؟؟"
" آنسة ياسمين؟؟"
بتوتر :" نعم؟؟"
و باصرار :" من معي ؟؟ من؟؟"
تشجعت لقول :" أنا طبيب مخ و أعصاب ! لدي فضول حِيال ! حِيال "
و لم أكن أعرف من أين أبدأ و كانت هي تفضل الصمت ..
كان صوتها طفولياً سلساً شجعني لأكمل :" أحببت محادثتك عن أختك المتوفاة وِداد !"

صمت طَويل فقلت :" أفضل أن تكوني وحيدة لأتحدث معك من دون اثارة شكوك لأي شخص "
هنا قالت بحدة :" ماذا تُريد؟؟ "
همست :" أختك وِداد؟؟ و أخاك فؤاد ! بالتأكيد هُما سبب معاناتك الآن ! "
و قلت برجاء :" حدثيني عن كُل شيء "
قالت :" بصفتك من و كيف أطمئن لشخص مثلك ؟"
قلت :" بصفتي دكتور مُحمد ، شخص يسعى لمساعدتك ! "
و أخذت نفساً قبل أن أقول :" عَرفت مسبقاً أن فؤاد يريد بأي طريقة اجراء تجربة لاستعادة وداد "
همست بضيق :" هي تجاربه الجنونية و التي ستوصلنا إلى الهاوية كما حدث لدى وداد "
و قالت :" اسمع ! سأنتقل للجلوس في غرفتي كي أخبرك شيئاً ! علك تفلح في ايقاف فؤاد "
و قالت بحزن:" حقاً ! آمل أن أخرج من هذا الكابوس "
انتظرتها و أنا أشعر بالحماس يدب فيّ مجدداً .. بعد أن فقدت قيمتي و ثقتي بنفسي أمام حسناء و أمثالها !! ها أنا أشعر أني أستطيع فعل شيء ما لهذه الشابة!
لحظات و عاد صوتها قائلاً :" أنت معي؟؟ "
" نعم"
" أولاً ! اقسم أن نيتك مساعدتي و عدم التلاعب بي أو .."
قاطعتها لطمأنتها :" أقسم أني منذ زمن طويل أبحث في أمرك و أمر أختك كي أساعدكما ! ليس لدي هدف سوى المساعدة "
قالت بنبرة ألطف :" أشكرك قبل كُل شيء .. كنت بحاجة لمن يسمعني ! فاسمع قصتي منذ البِداية!
أصيبت أمي بمرض غريب نادر يجعلها تلتبس شخوصاً أخرى أو أرواحاً أخرى ! كان الجميع يقول أن جِنية ما لبستها و سيطرت عليها ! لأنها كانت تتحدث حسب شخصيات أخرى! و تنكر أنها تعرفنا ..و تنادي شخوصاً أخرى ..
عرضها أبي على المستشفيات النفسية و كان شديد القلق عليها لأنها كانت صغيرة إذ لم تتجاوز الثلاثين بعد ..و كُنا صِغاراً آنذاك..
لم يجد والدي أي علاج من الأطباء و بعضهم ممن كانوا يبتغون الأموال كانوا يماطلون في علاجها و لم تحدث أي نتيجة .."
قلت متحمساً :" كم كان عمركِ و عمر وداد في ذلك الحين؟؟"
قالت :" كُنت صغيرة جداً لم أدخل المدرسة بعد و كان فؤاد في الصف الرابع الابتدائي و كانت وِداد في الثانوية .. طبعاً هذه القصة لا أذكرها كانت وداد رحمها الله هي من ترويها لي "
و اختلج صوتها بنبرة حُزن لذكر وداد فقلت أنا لأطرد هذا :" أكملي ! أنا معك ! "
" آه نعم كانت أمي غير قادرة على الاعتناء بنا كما في السابق و لذا وداد هي من كانت بمثابة أمنا رغم صِغر سنها آنذاك ! حَتى توفي أبي إثر مرض الخبيث و صار على وداد العمل لجلب لقمة العيش و لذلك عملت في مشغل خياطة و كان مدخولها ضئيلاً ..
لكنها كانت تعتني بي و بفؤاد كثيراً و خصوصاً فؤاد كانت تدعمه و تشجعه ! و لكن مَرض نفسي لازمها مع بلوغها الخامسة و العشرين جعلها كثيرة الانزواء و التفكير بأمي .. و الخوف منها فمنعتنا من زيارتها لأسباب مجهولة .. و كنا أنا و فؤاد أيضاً نخشى أمي لتصرفاتها المخيفة و لذلك تركناها جميعاً و لم نعرف عنها شيئاً حتى ماتت بعد ثلاث سنوات في المصحة النفسية..

لكن بداية القصة بدأت مع بداية دراسة فؤاد في الجامعة حيث اختار أن يكون طبيباً و كان مهووساً بأشياء غريبة تتعلق بالمخ و مكنوناته ! و كان كثير السؤال عن حال أمي بالضبط عند وداد "
قلت :" ماكانت علاقته بوداد؟؟؟"
" ممتازة !! بل رائعة !! كان يحبها كثيراً !! كثيراً فوق ما تتصور .. لكنه انزوى أكثر في مرحلة الجامعة و قد كانت له أفكار يصعب علي شرحها لتعقدها ... و كُنت أنا مهمشة بالنسبة له و غير مهمة ! فقد كان يأتي لمحاورة وداد و الاطمئنان عليها لكونها تعاني من خوف من المستقبل و خوف علينا و خوف من الكثير و لذلك أصبح فؤاد طبيباً لدافع قوي لإرضاء وداد و إزالة مخاوفها ! "
همست :" إذاً ماذا جَرى؟؟"
قالت بتنهيدة :" الذي جرى أن حُب فؤاد لوداد كبر و كبر و كبر ! مع رؤيته لها تذبل و تفقد حيويتها لذلك منعها من العمل كي لا تجهد نفسها .. لكنها رفضت .. و اتفقا أن تقوم هي بالعمل يومين في الأسبوع لألا تجهد نفسها ..كان يحيطها بالرعاية و الاهتمام حتى بدأ يعالجها بنفسه في المنزل و يقوم بدس المخدر لها في الطعام ليتمكن من ايصال أجهزة معينة لمخها ..
حتى بدا لي الأمر مثيراً للشكوك و القلق ! ففؤاد زاد في هذه العلاجات المزعومة لها و بات منزلنا مشحوناً بالأجهزة للتجربة على وداد .. و اتضح أن فؤاد لم يتمكن من معالجة وداد ! كان يرى أن لديها جينات وراثية كأمي قابلة لمرض غريب نادر كالذي تعاني منه أمي ..
و لكن فؤاد لم يقدم الوقاية لوداد بل ساعد على اثارة هذا المَرض لفضوله و جنونه ليرى بنفسه عوارض هذا المرض بعيداً عن امكانية العلاج .. و كان يفرح برؤية وداد تهذي و كأنها شخص آخر ..كإنجاز عظيم بالنسبة له لرؤية ماضي أمي من جديد! لا أعرف ما هي أسبابه و لكنه كان في ذلك الوقت مخيفاً يفعل هذا لوداد مستغلاً قلة حيلتها و مرضها النفسي..
كان ذلك يرعبني و يجعلني أصرخ و أحاول منعه لكن جنونه أقوى من كل شيء و وداد كان أضعف من أن تعي ما حولها ! فالمرض الجديد سيطر عليها ..
و شعرت بها كأنها أمي .. و هي تعيش بيننا كشبح مخيف أتخفى كي لا ألاقيها و أفزع منها و أتهرب من مجالستها .. أما فؤاد كان كالمغيب مهووس بالتجربة و التجربة على وداد من خلال احداث اضطرابات في بيانات مخها عمداً كي يسجل نتائج ذلك ..
و لكن الصاعقة التي حدثت!! أن فؤاد تجرأ لجلب أطباء غريبين معه للمنزل ثم باشروا بجبر وداد على خلع خمارها .. و هي "
و صمتت لبرهة و هي تجهش بالبكاء ثم أكملت :" رأيتها تهرب منهم خائفة و فؤاد هو من سحبها عنوة و بقسوة و جردها من خمارها أمام الأطباء ثم حقنها بمخدر .. لم أكن أعرف ما ينوون فعله فقد زجر بي فؤاد لأغادر .. و بعد ذلك اكتشفت أنهم يجرون جراحة غريبة لوداد "
قلت مسرعاً :" دس أجسام معدنية تحفظ ذاكرتها و بيانات مخها كافة أليس كذلك "
قالت باستغراب :" نعم! ماذا يدريك أنت؟"
" أكملي"
" حدث ذلك .. و صارت وداد كالميتة ! و بعد فترة أدرك فؤاد خطئه و تندم على ذلك كثيراً .. و صار متأثراً لحالها ..و أحياناً أراه يبكي لحالها و يلوم نفسه و جنونه لأنه هو من أخذته شهوة العلم لاكتشاف شيء ما .. لاكتشاف مرض أمي .. لكنه من دون أن يشعر حطم مستقبل وداد التي لم تعد تذهب للعمل .. و بسبب ضغوطه النفسية صار يعاملها بقسوة و عنف و أنا أيضاً ..
راح فؤاد يسعى لانقاذ وداد بإعادة تنظيم بيانات مخها من جديد و لكنه فشل ! و لذلك قتلها ليتخلص من تأنيب الضمير .."
حبست أنفاسي مع آخر جُملة لها ..
قالت ذلك بحزن قبل أن تُكمل بحشرجة :" ظننت ذلك ! ظننت أنه قتلها لتأنيب ضميره و لكن فؤاد لديه مُخططات أخرى .. في ذلك اليوم ! رحت أصرخ و أبكي في المنزل بعد أن أخبرني هو أنها ماتت ! و هو قد خلصها من هذا الهم ..
وفاتها كانت طبيعية أمام الطبيب الشرعي ! و لا قطرة دم واحدة .. ما فعله فؤاد العبث في تنظيمات أوامر المخ التلقائية لدرجة فشله تماماً عن القيام بأي أمر و لذلك ماتت أمام الطبيب الشرعي بسبب مرض في المخ يبدو طبيعياً !
إلى ذلك الوقت كنت غارقة في الحزن و لم أكن أعرف أن فؤاد سيعود لي و ينظر لي بنظرات مريبة .. مردداً (( وداد ستعود!))
ظننته نادم على ما فعل و لكن اتضح أن له نوايا أخرى .. فقد صحبني للمختبر الخاص على أنها نزهة فقط ! و شرح لي عمله المعقد .. و في النهاية أخبرني أن وداد لن تعود إلا من خلالي أنا !! و علي التضحية لتعود هي !"
ألجمتني بما تقول فقلت :" مُستحيل ذلك .. كل القيم العلمية و الطبية تقول أن هذا مستحيل "
قالت :" لا أعلم عن الطب و العلم شيئاً ! لا أعلم إلا أني سألقى حتفي قريباً "
قُلت و قد شلتني الصدمة :" هذا لا يصدق! ! "
كُنت أفكر مصعوقاً !! كيف؟؟
بعد لحظات صدمة اعترتني بعد اكتشاف هذه الحقيقة !! صحت بانفعال :
أخبريني ما اسم الجهاز الذي يستخدمه و يجرب عليه ؟؟"
" آه لا أعلم ؟"
" هل الجهاز عندك في المنزل ؟؟"
" نعم في غُرفته و لديه أكثر في مختبره "
" حَسناً أين فؤاد؟؟"
" ممم .. في غرفته لمَ؟"
" سوف آتي لعندك غداً في وقت عمله "
باستنكار :" ماذا قُلت ؟؟ "
" أقصد "
صرخت :" إياك و الاقتراب من المنزل "
" اسمعيني ! سوف آتي لرؤية الجهاز و تعطيله .. و هذا ما سأفعله في الأجهزة الأخرى في المختبر"
" تعطيله؟ "
" نعم سوف أعطله بشكل يوحي بأن العطل من الجهاز نفسه و ليس بفعل فاعل ! سأفعل ذلك مؤقتاً ريثما نجد حلاً جذرياً "
بقلق :" ربّاه ! أخشى أن يكتشف فؤاد ذلك "
" لن يكتشف شيء ! سأكون عندك تمام الساعة الثامنة صباحاً ! "
" سأكون بانتظارك "
أقفلت الخط متنهداً ..
بعد تلك المكالمة المكثفة باستغاثات فتاة على حافة الهاوية .. أراني شُعلة من جنون ! أريد فِعل شيء! حتى لو كشفني فؤاد !! سأقف بوجهه سأمنعه !! سأقتله !! فقط لايقاف جنونه !!
لا تقولوا أن الأمر لا يخصني !
يخصني !! وِداد المتوفاة تخص كل قيمي العلمية و العملية ! ياسمين السجينة تخص كل قيمي الأخلاقية .. و فؤاد !! فؤاد خلاصة منافسة شرسة بيني و بينه ..
حسناً موعدنا في الغَد !!

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:53 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء السادس عشر

شَعرت أني قسوت عليه و أهنته !! فقد خرج من الغرفة كسير الخاطر .. و نام تلك الليلة وَحيداً ! .. فتحت باب الشقة حيث أوصلني السائق و دخلت لأتسمر على مَشهد لا يصدق !
رأيت الخادمة تنحني لايقاظ مُحمد النائم على الأريكة .. زجرتها بحدة :" لينا !! "
استدارت لي بروع و هَمست بتوتر :" أهلاً سيدتي "
هُنا استيقظ محمد و استوى جالساً على الأريكة و هو يحك شعره و ظل يراقبنا مستفهماً ففضلت ألا أثير أي شجار و قررت أن أأجل حسابي مع لينا فيما بعد .. اقتربت و جلست بجانب محمد و نظرت للينا بمعنى ( انصرفي )..
تأملتها و هي تنظر لي بِعناد ثم تنظر لزوجي قائلة :" سيدي! أريد الاتصال بأهلي "
قال محمد :" آه نعم ! سأحضرها بعد تناول الفطور "
أخيراً انصرفت .. فالتفت لي محمد بابتسامة و همس :" أهلاً علياء اشتقت لك ! أهكذا تفعلين بي؟؟ "
رمقته بتعالي و هَمست :" لتتعلم أن لك وَحدي يا ابن عفاف "
زفر و هَمس :" لك وحدك فقط .. صدّقيني "
نظرت له و قلت :" لماذا نُمت في الصّالة ؟ ؟ "
ابتسم :" لأن غُرفة النوم تذكرني بك ! لم أستطع النوم فيها و أنا أشعر ببعدك "
قطبت حاجباي و رمقته :" محمد ما بك اليوم تتحدث برومانسية؟؟ "
ضحك فقلت و أنا أنهض :" سأجهز لك طعام الفطور "
و مضيت و أنا أشعر بنظراته تلاحقني .. استدرت فابتسم :" هل أساعدك؟؟"
ابتسمت له :" لا ! لم أعد أحتاج "
رمقني بسعادة و همس :" أحبكِ "
نظرت له مطولاً ثم تشتت و أنا أتجه للمطبخ ! رُحت أجهز الفطور بفرحة بنفسي! أخيراً؟؟ أخيراً ؟؟ أخيرا أستطيع أن أكون زوجة رائعة تنفذ لزوجها ما يريد..
هُنا رأيت محمد و هو يمر من المطبخ و هو يرتدي كنزته الصوفية .. فبادرته الخادمة و هي تخاطبه بدلع و و غنج ! تباً لها ...
أراه يهز رأسه لها ثم يبتسم لها يمازحها :" هل اشتقتِ لوالدتكِ؟ حسناً سأنزل الآن لشراء البطاقة "
و مضى خارجاً و أنا أكز على أسناني غيظاً ! ما كُدت أسمع صوت انغلاق الباب حتى صرخت:" لينا!! تعالي! "
اقتربت مني و رفعت حاجبيها ! و بدا وجهها الأسمر يحمل ملامح تحدي و عناد فخاطبتها بحدة :" إياك و الحديث مع مُحمد ثانية و الاقتراب منه ! أنا فقط من تحادثينه !! "
ابتسمت هي بسُخرية و قالت بنبرة تهكمية:" أنتِ؟؟؟ "
و مضت ! ثُرت ... خَادمة تتعمد اثارة غضبي و تتعمد التقرب لزوجي أمامي ؟؟
هُنا دخل محمد فخرجت من المطبخ لأرى الخادمة تقف أمامه فقال مبتسماً :" اشتريتها يا لينا ! تعالي لنتصل "
تأملته و هو يجلس و هي تجلس جواره و خير منها أنها تركت مسافة بينها و بينه ..و بعد مُحاولات عدة للاتصال قال محمد و هو يرمي الهاتف على المنضدة :" لا أحد يجيب ! سنحاول في الغد "
قُهرت و أنا أرى وجهها يتلون بالحمرة و هي تنفجر بالبكاء و تظل تنعى أهلها بكلمات إثيوبية مجهولة ..و قُهرت أكثر و أنا أرى محمد يحاول تهدئتها بقوله :" لينا ما بك سنتصل في الغد ! أهلك بخير إن شاء الله ! "
و همس لها بابتسامة حنونة :" لا تبكي "
تأملته بعيون يتطاير منها الشرر خصوصاً عندما نهض فجأة صائحاً بذهول و هو ينظر للساعة :" تأخرت!!! "
اتجه مسرعاً لغرفتنا .. فلحقته بهدوء و أنا أراه يقف أمام المرآة يُسرح شعره .. ثم تناول نظارته الطبية باطارها الأزرق و ثبتها أمام عينه قبل أن يرتدي حذاؤه ثم يحمل حقيبته العملية ليتخطاني مسرعاً ..
ناديته :" مُحمد ! إلى أين؟"
نظر لي و ابتسم بارتباك ثم تقدم ناحيتي و قبل جبيني قبل أن يقول بعجالة :" لدي مهمة ضرورية جداً علياء!! صدقيني لن أطيل عليك ! "
و قال بتردد :" هل أبدو مُرتباً "
ابتسمت بسخرية و قلت :" بل تبدو رائعاً ! "
ابتسم و قرص خدي بسعادة :" أحبك ! وداعاً "
--





صعدت سيارتي و أنا أتناول هاتفي النّقال .. ها أنا مُقدم على مُهمة في غاية الخطورة و الأهمية ! اقتحام منزل فؤاد لاتلاف واحد من أهم أجهزته العظيمة ! نَعم أنها فكرة اجرامية لكنها ليست أكثر اجراماً من أفكار فؤاد !
اتصلت بصديقي عادل و خاطبته بعُجالة :
" أهلاً عادل ؟ "
بنعاس :" مَن؟"
قلت بعصبية :" أنا مُحمد ما بك ! "
قال بضجر :" يا ساتر !! ماذا تريد؟"
قلت :" لديك خمس دقائق لتتجهز .. انا آتٍ لك الآن "
" ماذا؟ و لكن ! للتو عُدت من نوبتي الليلية .. إلى أين ستأخذني؟ "
" لا يهم ! تجهز فقط "
صاح :" أجننت ؟ قلت لك للتو جئت من العمل أريد أخذ قسط راحة "
بصرامة خاطبته :" عادل! هو مشوار مهم و ضروري عليك التجهز في غضون دقائق "
و أقفلت الخط .. كنت مضطراً لاصطحاب عادل رغم كسله و تقاعسه .. إلا أنه أفضل شخص أعتمد عليك في تضبيط الأجهزة الطبية .. و أفضل شخص يحسن تركيبها و تفكيكها و معرفة محتوياتها .. و هذا ما أحتاجه لأن خبرتي في الأجهزة الطبية ضئيلة!
كنت أشعر باضطراب و حماس و حالة جنون تربك كل كياني .. أوقفت السيارة أمام منزل عادل و أنا أنظر للساعة ! أنها الثامنة إلا عشرين دقيقة .. ينبغي علينا الاسراع ...
ها هو عادل يخرج من منزله و هو يتثاءب .. يفتح باب السيارة الأمامي و ينظر لي بنظرة حقد .. ثم يجلس على المقعد و يقفل الباب بقوة .. خاطبته بسرعة :" عادل لدينا مُهمة في ........"
صرخ بي :" مُحمد أنت عديم الاحساس .. للتو جئت من نوبتي الليلة لم أنم سوى ساعة واحدة ! أي قلب تملك لتستغل حتى ساعات نومي القليلة .."
نظرت للساعة و عدت أنظر له بجدية :" عادل ! سنذهب لمنزل فؤاد؟"
لم يكن سهلاً علي أن أشرك عادل معي في هذه المغامرة !! حقيقةً ! صار علي التحذر من أقرب الأشخاص .. و لكن عادل صديق قديم من المستحيل أن يخذلني أو يغدر بي ..
فتح عادل عينيه بصدمة :" فؤاد؟؟ لماذا؟؟"
قلت :" سأخبرك في الطريق على ألا تخبر أحداً "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:54 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
أوقفنا السيارة أمام منزل فؤاد فصاح عادل :" لماذا لم تخبرني أن في كل هذه القصة فتاة ؟؟"
رمقته باستفهام :" لمَ ؟"
صرخ بانفعال :" طوال الطريق تتحدث عن فؤاد و أخته المتوفاة و لتوك تخبرني أن هناك فتاة في المنزل "
قطبت حاجباي بعدم فهم فقال و هو ينظر لملابسه :" لماذا لم تخبرني لأتأنق قليلاً "
و نظر لي بحدة :" كنت مُستغرباً من أنك ترتدي ملابس جديدة لكني عرفت السبب الآن .."
حركت السيارة لأركنها خلف الشجيرات لألا أثير الشبهة ثم نظرت لعادل المتحمس الذي قال :" مُحمد أتعني أننا سنقتحم منزل فؤاد؟؟ "
نظرت له و قُلت :" تقريباً ! هناك مُهمة علينا انجازها في ظرف ساعة .. "
هبطت معه من السيارة و اتجهنا للمنزل ..تلفتت حولي و قرعت الجرس و رفعت عيناي للنوافذ العلوية .. ثواني و جاء صوتها :" مَن؟"
قلت بسرعة :" دكتور مُحمد "
فتح الباب ببطء و ظهرت فتاة صغيرة الحجم و السن تتشح بخمار أبيض يحدد وجهها الدائري .. نظرت لنا بارتباك فقلت مسرعاً و أنا أشير لعادل :" دكتور عادل طبيب خبير بالأجهزة الطبية سيفيدنا كثيراً "
فتحت الباب و قالت بهمس :" الجهاز في غرفة الجلوس تلك .. نقله فؤاد البارحة "
و مضت مسرعة لغرفة من الغرف و أقفلت الباب .. قال عادل :" تبدو خائفة! "
قلت و أنا أغلق الباب :" هيا لنبدأ العمل "
اتجهنا نحو تلك الغرفة و تأملت ذلك الجهاز الصغير تقريباً لكنه بدا معقداً غريباً ..بالنسبة لي و لكنه كان مألوفاً بالنسبة لعادل الذي نظر لي قائلاً :
" ماذا يمكنني أن أفعل محمد"
قلت :" فقط تُعطله بطريقة تجعل فؤاد لا يشك بالأمر "
شمر هو عن ذراعيه :" تقصد أن أعطل الأجهزة الداخلية؟ لا بأس هذا لا يستغرق سوى عشر دقائق "
ابتسمت :" لا يصيبنك الغرور "
تأملته و هو يبدأ بتفكيك الجهاز بحرفية واضحة و وثقت أنه سيتم هذه المهمة على خير ما يرام .. فاتجهت بدوري للخارج أبحث عن غُرفة فؤاد ..صُرت حائراً أمام الغرف الكثيرة و المقفلة .. و لذلك ناديت ياسمين :" آنسة ! .. يا آنسة "
خرجت من غرفتها بارتباك :" ماذا تريدون بعد؟"
قلت :" أين هي غُرفة فؤاد "
عقدت حاجبيها البُنيين :" لماذا؟"
قُلت :" ربما كانت يخفي فيها شيئاً .. في كل الأحوال لن أطلب رؤية غرفته إلا لمصلحتك "
نظرت بارتباك و همست :" أملك نسخة احتياطية لمفتاح غرفة فؤاد و لكن لن أعطيك إياها ! في غرفته نقوده و أشياءه المهمة لن أسمح لشخص غريب بأن يدخلها "
صاح عادل من داخل غرفة الجلوس :" آنسة! أعذر قلقك و لكننا جئنا فقط لأجلك "
هنا رن هاتفها الذي تحمله بيدها فألقت نظرة على الشاشة و سرعان ما تبدلت ملامحها لتتحول لصدمة .. بادرها عادل بربكة :" ماذا هناك ؟ "
رفعت وجهها بخوف :" فؤاد "
تفحصتها بقلق و هي تجيب :" أهلاً فؤاد! نعم ؟؟ أها ! سأفعل .. أنت بالخارج الآن ؟ لا بأس "
أغلقت الهاتف و صاحت بخوف :" فؤاد في الخارج رباه! رباه! ماذا أفعل "
ارتبكت و قلت :" تقصدين أنه سيدخل الآن ؟؟"
صاحت و هي تلوح بيدها برعب :" نعم لديه مستلزمات المنزل .. رباه "
تحركت مشتتاً ثم نظرت لعادل و زمجرت به و قد احمر وجهي من فرط رُعبي :" عادل أترك كل شيء "
صرخ و هو يشير للخردة أمامه :" و الجهاز ؟؟؟ "
ركضت ياسمين ناحيتنا تحثنا على الخروج من غرفة الجلوس و قالت و هي تنتفض خوفا:" اختبئا في غرفتي و سأغلق هذه الغرفة "
في لحظة هرعنا لداخل غرفتها و نظرت أنا للباب !! لم أجد مفتاحاً و لذلك قلت لعادل :" فلنختبئ تحت السرير "
شعرت بدمي يتجمد بعروقي و شعرت بصدري يحترق من فرط هول اللحظة .. فؤاد!! آتٍ !!
تحت السرير قال عادل و شفتيه ترتجفان :" أكرهك محمد !! أي جنون قمنا به لندخل منزله !! أتعرف لو كشفنا أية تهمة ستوجه لنا؟؟ "
نظرت له فهمس :" تخيل ! رجلان يختبئان في غرفة نوم أخته !! أنك مجنون و أنا غبي لأطيعك في جنونك "
نظرت له و عرقي يتصبب و عدت أنظر للباب :" اصمت! "
همس :" الجهاز !! الجهاز أيها الأبله مفكك قطعة قطعة !! ماذا سيحدث لو أمر أخته بفتح باب غرفة الجلوس "
كان كل حديث عادل يهيج قلقي و خوفي و رعبي ! وثقت أن كل خطواتي الجنونية لدخول منزل فؤاد هي خطوات خاطئة همجية تقودني لحفرة عميقة..
لحظات و تهادى لمسمعنا صوت فؤاد الهادئ :" ياسمين! خذي هذا "
و بنرة شديدة الخضوع :" حاضر "
كُنت أفكر هل سيمكث فؤاد طويلاً هنا!! هذا يعني أننا سنكشف لا مَحالة !! فكرت في أن أتصل به من هاتفي و أخبره بأن حالات كثيرة تستدعي وجوده في المشفى ! لكني تراجعت!! هذا الاتصال سيثير حولي الشبهة أكثر!
هُنا فتح الباب فشهق عادل رُعباً ..
و لكني رأيت أقدام انثوية تنتعل حذاء أصفر من الصوف الناعم .. خطت بأقدامها بحذر و أغلقت الباب ثم همست بحيرة :" أين أنتما ؟؟ "
همسنا في وقت واحد :" تحت السرير "
كان وضعنا مُضحكاً إلا أن الخوف و الرعب كان هو السلطان في تلك اللحظات المصيرية ..
انحنت و ألقت علينا نظرة ثم قالت بارتباك :" جيد "
ثم قالت بهمس :" سأحاول صرفه بأي شكل من الأشكال ! على ألا تصدرا أي صوت "
غادرت فهمس عادل :" أقسم لو كشفني فؤاد لسوف ..."
قبضت على ملابسه و قلت بحدة :" أصمت !! لن يكشفنا إذ أغلقت فمك "
همس عادل بغيظ :" إلى متى سنختبئ كالفئران؟؟ هاه؟؟ "
ثم نظر لي بشراسة و قبض على رقبتي هامساً :" تباً لك و لأفكارك أيها البدين الخرف "
هُنا سمعنا صوت انغلاق الباب الخارجي للمنزل .. و فُتح باب الغرفة بقوة لتظهر ياسمين مجدداً و هي تنحني قائلة بتنهيدة :
" خرج"
زفرنا بارتياح و خرجنا بصعوبة من تحت السرير .. نهض عادل و هو يرتب هندامه ثم نظر لي :" سأكمل عملي الآن " و مضى خارجاً ..
نظرت لي ياسمين و قالت :" أخبرني أنه لن يتأخر ! "
هززت رأسي و خرجت لأدخل غرفة الجلوس .. خاطبت عادل :" عادل تحتاج مساعدة؟"
رفع رأسه لي و قال :" نعم تعال "
جلست أمامه و أنا أشمر عن ذراعي ثم مددت يدي داخل الجهاز فقال عادل بسرعة :" محمد احذر .. "
رفعت رأسي له مستفهماً فقال :" اخلع ساعتك .. الجهاز مزود بإشعاعات و شحنات كهربائية سوف تتفاعل مع كل جسم معدني "
خلعت ساعتي و أنا أخاطبه :" علينا الإسراع عادل! لازال لدينا مشوار آخر لمختبر فؤاد"


























--

فتحت عيناي بصدمة و كتمت شهقتني .. قبل أن يأتيني صوت شروق :" علياء ! ماذا جرى معك ، بشريني "
نظرت لجهاز فحص الحمل و الخط الأحمر الذي يشير لوجود حمل ! رفعت رأسي بسعادة .. و شروق تهتف :" علياء ! أخرجي من الحمام هيا "
حمدت ربي بعمق قبل أن أخرج من الحمام لأرى ملامح الاستفهام على وجه شروق ! عانقتها بقوة فضحكت هي :
" إذاً حامل؟ "
تراجعت و أنا أقول :" لستُ مصدقة ! الحمد لله .. الحمد لله ! "
شدت يدي و همست :" هيا تعالي و اجلسي .. اعتني بابن أخي يا علياء ! "
جلست و ضحكت بخفة ! لم أستطع التعبير عن هذا الشعور الرائع .. سوى أن أتمتم بكلمات الشُكر ..
رفعت رأسي و قلت :" شروق ! أنا حقاً سعيدة .. "
و رحت أبحث عن الهاتف لأتصل بمحمد فقالت شروق بحدة :" كلا لا تخبريه هكذا "
رفعت حاجباي :" إذاً كيف؟"
ضحكت شروق و غمزت :" تزيني .. رتبي الشقة ! اصنعي غداءاً فاخراً .. و فور عودته أخبريه بهذا "
ابتسمت و قلت :" لا لن أنتظر دقيقة ! سأتقاسم معه فرحتي .. لا أستطيع الاحتفاظ بالخبر أكثر "
رمقتني شروق بضجر :" ياه! يا علياء .. محمد يحب المفاجآت لا تفسدي المفاجأة باتصال سريع "
قلت بعناد :" بل سأخبره الآن "
حركت ابهامي على حبات الهاتف النقال لأختار رقم محمد المسمى بـ (معشوقي ) ..و وضعت الهاتف على أذني أرتقب ..
ثواني و جاءني صوته :" نعم ! "
قلت بحماس :" محمد ! محمد لدي خبر "
قال :" عزيزتي أنا مشغول كثيراً "
و سمعته يخاطب شخصاً ما :" عادل .. الجهاز الكبير لم ننته منه بعد "
و عاد يخاطبني :" علياء سأعود عما قريب "
قلت باصرار :" محمد أقول أن لدي خبر يساوي كنوز الدنيا "
همس :" علياء سأعود عما قريب يمكنك تأجيل كل شيء أنا مشغول حقاً "
قلت بغضب :" محمد! "
دُهشت به عندما أقفل الخط !!
شعرت بأنه وأد فرحتي بالحمل ! كيف يتجاهلني هكذا و أي عمل يشغله عني و وقت العمل انتهى؟؟؟ لماذا يشغل نفسه بالعمل حتى بات يهملني؟؟
عندما رأت شروق دموعي صاحت :" علياء ما بك ؟؟ "
قلت بغضب :" يتشاغل أخيك بأشياء تافهة و يتجاهلني ! "
و نهضت حانقة على كل شيء .. على كل شيء .. بينما وقفت شروق و أمسكتني قائلة :" علياء! لا تتصرفي كطفلة مجدداً ! قد يكون مشغول حقاً !"
و ابتسمت :" رُبما كان يجب أن تأخذي بنصيحتي حينما قلت لك أن تتزيني و تصنعي غداءاً لذيذاً ! "
نظرت لها بضجر فمدت هي يدها لتفك شعري قائلة :" هيا ! سأسرح لك شعرك "
و غمزت لي :" أبهريه هذه المرة! "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:54 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
أسرعت مع عادل للسيارة و صعدناها و نحن نلهث .. صاح بي :" حرك السيارة بسرعة قبل أن يرانا أحد "
قلت :" لا تقلق المكان هنا معزول "
و انطلقنا في الطرقات .. شعرت براحة كبيرة تعتريني ! كل أجهزة فؤاد مُعطلة .. حتى لو قام عادل بتعطيلها بشكل احترافي فإن فؤاد سيشعر أن الأمر ليس مجرد عُطل عادي .. سيشعر أن هناك من فعل ذلك !
لا بأس دعك يا فؤاد تحوم بأفكارك بعيداً عن ياسمين ... دعك تشعر بالخطر قليلاً لعل ذلك يوقف جنونك!
أوصلت عادل لمنزله و عدت لشقتي و كنت حينها أشعر بالإعياء و التعب ! فتحت الباب لتنطلق روائح شهية ! تقدمت قليلاً لأطل على المطبخ و تسمرت مُطولاً أمام أطباق متنوعة للغداء!
اتجهت لغرفة النوم أبحث عن علياء .. فتحت الباب هامساً :" علياء؟ "
أغلقت هي الخزانة و استدارت لي مبتسمة .. ذهلت! مع الفستان السماوي الطويل و شعرها المنسدل على كتفيها .. ابتسمت و اقتربت مني .. تركت حقيبتي العملية و أمسكت بيدها هامساً :" أهلاً غاليتي .. تحولتِ لحورية في ظرف ساعات؟؟"
اتسعت ابتسامتها و هي تتعلق برقبتي بدلال :" صنعت لك الغداء و عطرت لك الغرفة لتأخذ قيلولتك بعد ذلك "
رفعت حاجباي بدهشة :" كل هذا !! لماذا أرهقتِ نفسك؟؟ "
ابتسمت هي و همست :" إذاً ماذا ستقول إذ أخبرتك بالخبر الجديد "
قطبت حاجباي :" أي خبر "
قالت بعناد :" لن أخبرك إياه قبل أن تتناول معي الغَداء"

















--
تأملته و قد شمر عن ذراعيه و بدأ يأكل بشهية مفتوحة :" ياه! أقسمي يا علياء أنك من طهى كل هذا و لسوف أدور بك الدنيا و ما فيها "
نظرت له بخجل و قلت :" لا شروق ساعدتني و لكن معضم الأطباق من صنعي "
نظر لي بدهشة :" و كيف تعلمتِ ؟"
ابتسمت و أنا أحرك الملعقة في الشوربة :" من الانترنت! "
ابتسم و هو يحرك حاجبيه :" أحبك كثيراً "
قلت :" أها ! يقولون أن طريق الوصول لقلب الرجل معدته ! "
ضحك :" أنتِ مدمنة انترنت على ما يبدو ؟"
و قال مستدركاً :" ما هو الخبر الذي تخبئينه عني ؟"
ابتسمت و كنت في قمة فرحي حينما قلت :" أنا حَامل "
رمقني بصدمة و اختفت ابتسامته بشكل مريب جعل من ابتسامتي تبهت و أنا أتفحص ملامحه ..
ترك الملعقة و خفض نظراته بضيق هامساً :" حَامل؟؟"

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:54 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء السابع عشر

ما قبل الأخير




نظرت لها بصدمــة ! و هَمست :" حَــــامل؟؟ "
رأيتها تنظر لي باستغراب ! نظرت لها مُطولاً و رُحت أفكر !! توقيت الحمل خاطئ جداً ! علياء لا تزال تحت المراقبة الطبية لتماسك الساق مع جسدها فكيف يأتي الحمل هكذا يفسد كل شيء ..
وسط تلك الأفكار واجهتني أنظار حزينة من علياء لي هامسة :" محمد ألست فرحاً؟"
رَمقتها مُطولاً ثم قلت :" لم نحسب حساباً لهذا "
عقدت حاجبيها و قالت باستنكار :" ماذا يعني هذا محمد؟؟ ألستَ تريد وَلداً؟؟"
قلت بانفعال :" علياء كنت أعتمد عليك لكي تمنعني هذا الحمل بتناول الأعشاب التي جلبتها لكي مُسبقاً "
فتحت عينيها بصدمة ثم قالت :" أنت أخبرتني أنها عشبة تقوي ساقي ! هل كانت العشبة لتمنع الحمل؟؟؟ لماذا كذبت؟؟ أنت لا تريد ابناً مني؟؟"
قلت متنهداً :" علياء !! أنت لم تكملي علاجك علياء !! لا تزال ساقك .........."
قاطعتني و عينيها تفيض بالدموع :" محمد!! ألا ترى؟؟ حياتي معك مجرد مطبات !! أولها نفورك مني و من تشوهي و ثانيها حسناء التي تحبها و ثالثها رفضك لحملي "
زمجرت بها منتفضاً :" علياء! لماذا لا تفهمين ؟؟ الحمل سيفسد علاجك كله !! جلسات الأطراف الصناعية و الساق الصناعية و مشيك الآن كلها أشياء ستخسرينها مع استمرار حملك .."
نهضت هي بسرعة فنهضت أنا و أمسكتها بحدة و قلت :" علياء !! سوف تذهبين معي للمشفى الآن "
صرخت :" لا ! أنت تريدهم أن يجهضوني ! أنت تريد موت ابني ! "
رمقتها بغضب و قلت :" إما أن نذهب للمشفى سوية أو تذهبين لمنزل والدتك إلى حين ولادتك ! لستُ مسئولاً عن مخبولة مثلك "
لملمت مفاتيح السيارة و محفظتي و هممت بالخروج من الشقة إلا أن صرختها استوقفتني :" أنت تكرهني ! لسوف أفعل ما تشاء و لسوف أطلقك حراً لتعود لمحبوبتك حسناء !! لسوف أقتل هذا الطفل الذي في جسدي !! أهذا يرضيك ؟؟ تباً لك! و تباً لقلبي الذي عشقك "
جمدتني كلماتها و كنت سأستدير لها إلا أنني فضلت الخروج ريثما تهدأ براكينها !






--



دخلت المشفى متجهاً للمصعد .. وقفت أضغط الزر متنهداً ثم نظرت لساعتي :" ما هذا ؟؟ هل هو مُعطل ؟؟ "
جاءني صوت ساخر :" نعم يا دكتور "
أدرت رأسي له و كان حُسام ! لم أعرف أنه نقل ليصبح موظف استقبال .. و أي استقبالٌ هذا الذي يستقبلني به ! نظرة ساخرة و وجه مزعج .. خاطبني باستهزاء :" يا دكتور ينبغي أن تصعد على الدرج ! "
و ابتسم :" على هذا ستنقص عشرة كيلو جرامات ! "
رمقته مُقطباً حاجباي ! حين صاح :" يسرى ! حسناء! اجلبا الميزان لنعرف وزن الدكتور محمد "
استدرت بُسرعة ! لأرى حسناء تقف على باب غرفة من الغرف و هي تنظر لي بنظرة مجهولة قبل أن تقول الموظفة يسرى بمرح :" دكتور محمد؟؟ هل أجلب الميزان ؟؟ أم تفصح بنفسك على وزنك ؟؟"
أنظاري كانت معلقة بحسناء سرعان ما بددتها لأتوجه للسلم .. فصاح حُسام :" ياه يا دكتور ستهرب ! لا ألومك .. "
في هذه اللحظة اعترتني رغبة بلكم وجهه المزعج ! و فكرت ! منذ أن دخلت و هو يتربصني و يهزأ مني ! لا بل و يسأل عن أكثر شيء يثير حرجي ! وزني ! أمام حسناء ! لكن إذ كان هو نسى من الذي توسط لتوظيفه هُنا فسأذكره أنا بذلك ..
نظرت لحسناء ثم نظرت له و اقتربت قليلاً :" حُسام ؟ ركز في عملك لألا أتلقى اللوم على ترشيحي لتوظيفك ! اتسم بالجدية خصوصاً في العمل و لا تنسى الرُتب الوظيفية .. أنت موظف استقبال و سعاد ممرضة و هناء مساعدة طبيب و ماجد طبيب و أنا طبيب مختص .. "
و نظرت له بحدة :" أرأيت الفارق المهني بيننا ! عليك التعامل مع كل شخص هنا حسب مستواه المهني و الوظيفي "
و حوّلت أنظاري لحسناء التي تشيح بوجهها ثم مضيت صاعداً السُلم .. و حُسام يناديني بارتباك :" دكتور كنت أمزح معك صدقني "
صعدت على الدرجات و أنا أفكر في حسناء !! يبدو أنها اختارت أن تكون على الطرف ! لألا تصطدم بي ! ذلك يريحني من بعد لقائنا الأخير ..
أخيراً وصلت للطابق الخامس خائر القوى ألهث بشدة .. وقفت أمام مكتب الاستعلامات و وضعت حقيبتي العملية على الطاولة بارهاق .. و رحت أطلب من الموظفة نسخة أخرى لمفتاح مكتبي لأني أضعته ..
و ظللت أنتظرها حتى شعرت بيد تربت على كتفي .. رفعت رأسي ! كان فؤاد .. تلعثمت مع ابتسامته و رحبت به ..و فكرت هل شك بي بأني من أتلفت أجهزته ! تأملت عينيه الثعلبيتان و نفضت هذه الفكرة ! و لماذا أنا دون غيري ! لماذا لا يفكر بأي طبيب هنا ..
رمقني مُطولاً ثم قال :" محمد هل هذه تخصك ؟؟ "
رأيته يدخل يده في جيبه ثم يخرجها .. تتوسع حدقتا عيناي بذهول!!
تخرسني الصدمة!!
تميتني اللحظة الرهيبة !
و أنا أرى في يد فؤاد!! ساعتي ؟
ها أنا أستعيد الموقف مجدداً !! أستعيده!! يوم يطلب مني عادل أن أخلع الساعة فأتركها على المنضدة في غرفة الجلوس في منزل فؤاد!!
كنت مصعوقاً لم أعرف أية كذبة أكذب و كل شيء انكشف!!
رفعت أنظاري لفؤاد ! كان يرمقني بنظرات مجهولة مخيفة أرى فيها شيئاً مُرعباً !
ابتسم ابتسامة صفراء و هو ينظر للساعة و قال بنبرة مريبة :" عرفت أنها لك منذ أن رأيتها ! ساعتك مميزة جداً لازلت أتذكر كيف سألتك سعاد عن المحل التي اشتريتها منه لكي تشتريها هي لخطيبها "
كان يتكلم و أنا كالمغيب أشعر أن نيزك قادم من أبعد سماء قادم ليسقط على رأسي و يحولني لأشلاء ! تمنيت أن أنسف ! أن أحرق و ألا أرى فؤاد يكشف أوراقي بمهارة ..
رفع حاجبيه لي و همس :" لكن الغريب المكان الذي وجدت فيه الساعة! أتعرف أين وجدتها"

الصمت أطبق على فمي و بأصابع مُرتجفة مسحت جبيني ..و قلت لأتدارك المصيبة :" لا أظن أنها ساعتي ! أ ... مـ ... "
ابتسم ، ثم ضحك بشراسة و قال :" بلى ! "
و وضعها في جيب ردائي الأبيض قبل أن يهمس :" مُحمد !! اعرف مع من تلعب ! "
و مضى ...... !
تاركاً إياي مُسمراً من هول الصدمة!!
و ذهب فِكري لما فعله فؤاد بأخته يوم عرف الحقيقة!! ياه! لقد جنيت على تلك المسكينة! و جنيت على نفسي ! أرى في عيني فؤاد عالماً رهيباً ! نافذة على مصير بائس ! لطبيب مثلي فضولي لحد الجنون !!
نسيت ساعتي من فرط عجلتي و حماسي و غفلتي ! فكانت دليلاً يكشفني أمام فؤاد!
ماذا أفعل؟
فؤاد الذي كشفني! و اكتشف أن محمد هو وراء كل شيء ! وراء اتلاف الأجهزة الثمينة !! و هو الذي اقتحم منزله !! اكتشف أخيراً أنني من أسعى وراءه بعد أيام من الشكوك ! فها قد تأكد من شكوكه !
ماذا بيده أن يفعل؟
و ماذا بيدي أن أفعل؟؟
شعرت برأسي يدور و مضت الساعات و أنا أعمل ببرود أفكر بالفاجعة التي حلت علي و كيف لي أن أتعامل معها؟؟ قطع كل أفكاري صوت هاتفي المحمول ! كان المتصل شروق؟
رفعت الهاتف و سألتها عما تريد فقالت بصرامة :" محمد ! علياء في منزلنا حزينة تعال أنظر ماذا فعلت "
عَرفت السبب فاستأذنت من مسئولي و اتجهت للمنزل !!
لم أكن في مزاج للوم و العتاب ! و لم أكن مهيئاً لأسترضيها أمامهن ! كُنت أفكر بأني سآخذها لشقتنا بدون إطالة للموضوع! و يا لسذاجتي كنت أحسب الأمر هيناً!
كان بالي مشغولاً بفؤاد و أخته و كنت أراود هاتفي النظرات مُفكراً بالاتصال بها لكني أعود للتراجع فما جاءها الآن يكفيها! و يجب أن أنسى أمرها تماماً !
وصلت للمنزل و ترجلت من سيارتي مُسرعاً و دخلت المنزل و أنا أتنهد .. تلفت حولي و زفرت حينما رأيت علياء تبكي في حضن والدتها .. و بجانبها أمي تحاول تهدئتها .. نظرت لشروق التي تنظر لي بلوم ثم قالت :" ها قد جاء محمد!"
رفعت علياء رأسها بسرعة و أجهشت بالبكاء...
ضيقت حدقتاي مستاءاً و اقتربت لأرمي حقيبتي على الأريكة ثم قلت بجدية :" لماذا لا تتصرفين بتعقل مرة واحدة في حياتك"
نظرت ناحيتي بارتباك فاقتربت منها دون الاكتراث بخالتي و أمي .. كنت مشتت الفكر مشدود الأعصاب و وجه فؤاد يمر بذاكرتي باصرار .. نظرت لعلياء و زمجرت :" لماذا ! لماذا لا تفهمين ؟؟ "
نهضت أمي و أمسكتني :" محمد ما بك بني لماذا تصرخ ! "
نظرت لها و كززت على أسناني بغيظ :" لماذا أصرخ؟؟ لأنها غير واعية لحالتها الصحية و تظن لوهلة أنها عولجت تماماً ! و تنسى أن الساق لم تتماسك بعد مع جسدها بل أنظري لها لا تستطيع المشي دون العكاز ! "
صاحت خالتي :" و لماذا لم تخبرها بنفسك لكي تتجنب الحمل من نفسها "
زمجرت و قد تصبب عرقي على جبيني :" و كيف لي أن أخبرها و هي كالطفلة عارضتني منذ اللحظة الأولى و ظننت لسذاجتي أن الدواء التي تشربه في الصباح هو نفس الدواء التي جلبته لها و أوصيتها بشربه لكي يمنع الحمل "
نظرت علياء لي بارتباك و همست :" أيعني أني مُخيرة بين الحمل و الساق الصناعية ؟؟ "
نظرت لها بشزر و قلت بشراسة :" لتوك تستوعبين !! "
فاضت عينيها بالدموع :" محمد أرجوك لا تكن هكذا ساعدني !! "
رمقتها مُطولاً ثم همست :" الحل الوحيد هو الإجهاض "
صاحت علياء :" لا !! "
نظرت لها بحدة و مضيت خارجاً إلا علياء استوقفتني و وجهها محمر مملوء بالدموع :" محمد ما بك ؟؟ لماذا تقسو عليّ هكذا؟؟ مُحمد !!! "
عيونهن واجهتني باللوم على قسوتي و شدتي إلا أن صوت الجرس قطع كل شيء .. اتجهت لفتح الباب بوجهي المتجهم ! و ما إن فتحت الباب !! تغيرت ملامحي للصدمة !!!!!!!!!
كانت زوجة أبي نهلة !!
بوجهها المُشرق كالعادة و هي تقف بقصر قامتها الذي رُبما ميزها .. ابتسمت لي :" آه محمد منذ زمن لم أراك "
ضحكت و سلمت عليها و أنا أفكر في معنى هذه الزيارة!! نهلة لم يسبق لها أن تأتي هنا إلا مرات قليلة تعرضت فيها للإهانة و التجريح !!
رحبت بها لتدخل للداخل:" حياكِ الله خالتي اشتقنا لك كثيراً ! "
لم يخفى علي أنها كانت مرتبكة قبل أن تقترب من الصالة لتواجه أمي و خالتي و شروق اللاتي نهضن بذهول .. و عيون علياء تراقبني بحيرة ..
كنت أدعو حقاً ألا تتعرض خالتي لموقف حرج يعيد أيام العداوة المقيتة بينها و بين أمي .. و لكني تذكرت أن خالتي نهلة ممتازة في ابتلاع الإهانات و تدوير دفة الحديث لصالحها .. و ممتازة أيضاً برسم ابتسامة عذبة تنم عن قلب أبيض ..
مدت يدها المزينة بالخواتم تسلم عليهن بابتسامة عريضة قبل أن تستقر أمام شروق و تقول بدهشة :" ياه كبرتِ يا شروق و أصبحت أجمل "
قالت أمي بنفور و هي تجلس على الأريكة :" حسناً نهلة ما الذي جلبك هنا "
ابتسمت نهلة قبل أن تقول بحماس أدهش الجميع :" لدي موضوع وددت محادثتكم فيه "
و جلست و هي تخاطبني :" محمد عزيزي تعال لتبدي رأيك أنت الآخر "
جلست بجوارها فقالت و هي تنظر لأمي :" عزيزتي عفاف ما بيننا ابتلعته الأيام ! فزماننا ولى و جاء زمان أجيالنا ! أليس كذلك "
رمقتها أمي بحيرة ثم قالت بحدة :" بالنسبة لك و لكن بالنسبة لي فأيام الغدر و الخيانة لا تنسى أبداً "
و نظرت لنهلة بدهشة :" ياه يا نهلة! لطالما وصفك أبا محمد بالجميلة و الرائعة ! و لكني الآن لا أرى إلا وجهاً مجعداً وضحت عليه معالم المكر و الخداع .. "
رمقتها خالتي و ابتسمت لبرهة قبل أن تقول بلهجة المثقفين كما هي عادتها :" ربما أسميته أنت مكر و خداع و لكني لطالما أخبرتك أنني طلبت من أبا محمد أن يعيدك لعصمته لكنك أنت من يرفض! و أنا من طلبت منه أن يترك هذا المنزل لك و أنا .........."
قاطعتها أمي بزمجرة :" قولي ما تريدين هيا "
تنهدت نهلة قبل أن ترجع بجسدها قائلة :" أريد خِطبة شروق لابن أخي ياسين "

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:55 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
--
معالم الاستنكار وضحت على معالم الجميع فنظرت لي خالتي و قالت :" محمد أنت تعرفه! أليس كذلك"
ترددت قبل أن أهمس :" بلى ياسين مهندس عبقري طموح ... و أخلاقه عالية و .."
توقفت مع نظرات مرعبة من أمي .. و تهربت و أنا أنظر لنهلة :" خالتي هل أنهى دراسة الماجستير؟؟ "
قالت بانفعال :" نعم و افتتح مكتب هندسة و لذلك صار يبحث عن العروسة المناسبة"
اصطبغ وجه شروق بحمرة الخجل و هي تنكس رأسها فنظرت لها نهلة و همست :" و لم أرى أفضل و أجمل من شروق! اقترحت عليه الفكرة فرحب بها و دعاني لخطبتها له و شروق تعرفه أيضاً التقيا في الجامعة و أعطاها كُتبه ذات يوم لكنها رفضتها "
ارتبكت شروق و هي تبعثر نظراتها قبل أن ترتعد مع صرخة أمي :" من تظنين نفسك ؟؟ أنا أزوج ابنتي بابن أخيك ؟؟ أنتم عائلة تطمح كثيراً "
رمقتها خالتي نهلة و هي تنهض لتجنب نفسها خطر المهانة أكثر و قالت :" ياسين تعرفونه جيداً و هو حقاً يريد شروق! و فكرت بأننا بهذا الزواج ربما نتقارب و تعود المياه لمجاريها "
نظرت لها أمي باستنكار :" نتقارب؟؟ "
ابتسمت نهلة و هي تنتشل حقيبتها :" نعم نتقارب! فالزمن يمضي و لا أحب أن يكون أبنائي لا يعرفون أختهم شروق إلا بالاسم "
رمقتها أمي باشمئزاز فمشت نهلة ببطء متوجهة للباب الرئيسي ثم استدارت فجأة و هي تقول :" بالمناسبة يا شروق ! أباك يتحرق شوقاً ليزفك إلى زوجك "
نظرت لشروق التي ألجمتها الكلمات مع خروج نهلة .. ظلت ساهمة تفكر .. و بدأت أمي تُلقي بأحر الشتائم على نهلة و على ابن أخيها و على أبي أيضاً ! ..
نهضت مُسرعاً لأخرج من الفيلا أتأمل نهلة و هي تصعد سيارة برتقالية اللون .. رفعت حاجباي ثم اقتربت فاتضح لي بأن الجالس في مقعد السائق ! هو سراج أخي !!
ألجمتني الصدمة و الدهشة ! هل خرج من عيادة الادمان؟؟؟؟؟؟؟
هبط هو من السيارة فور رؤيته لي و كان قد تغير مائة و ثمانون درجة فقد ترك عنه هندام المراهقين المبعثر و الفوضوي و ترك عنه التسريحات و هالني بابتسامة نقية صافية و عينين براقتين لا يشوبهما شحوب الادمان ..
تعانقنا بقوة و عدت أنظر لوجهه بدهشة صائحاً :" سراج هل أنهيت علاجك ؟؟"
ابتسم :" نعم ! أنهيت علاجي و بدأت بالدراسة في الجامعة ! و أنت لم تكترث لأمري يا أخي الأكبر "
رمقته بسعادة و همست :" سراج أنت رائع! تخلصت من ذلك الداء أخيراً ؟؟"
و أشرت للسيارة و تسائلت :" لمن هذه "
نظر لي و حرك حاجبيه :" أعجبتك !! هذه اشتراها أبي حينما دخلت الجامعة و وعدته أنا برفع رأسه حينما أتخرج كلية ادارة الأعمال و أصبح رجل أعمال "
نظرت لها ضاحكاً و ضربت بطنه بقبضة يدي :" يا للظلم و لماذا لم يشتر لي أبي سيارة عندما تخرجت أنا من كلية الطب؟؟"
نظر لي بغرور مصطنع و هو يمز شفتيه :" الناس مقامات يا أخي ! أنت تخرجت من كلية الطب بالغش من زملاؤك و لكني سآخذ الشهادة بجدارة "
قلت باستنكار :" من ذا الذي يتكلم؟؟ ألست أنت من كنت تطلب مني أن أكتب لك النقاط المهمة في ورقة لتحملها معك للامتحان"
قال :" أرأيت!! أنت خبير غش و منكم نستفيد "
ضحكت ... حقاً شعرت بفرحة عامرة مع رؤيتي له متفائل بل أنجز انجازاً عظيماً بتقوية ارادته و التخلص من ذلك الداء و يبدو أن أبي قد قدّره أخيراً و أعطى له فرصة ليحقق شيئاً !
انتبهنا فجأة على بوق السيارة العالي و صوت خالتي نهلة يأتينا :" لماذا تثرثران هناك ..هيا سنتأخر على الصلاة "
ابتسمت و نظرت لسراج هامساً :" سراج أأخبرتها بالحقيقة؟؟"
نظر لي و حرك رأسه سلبياً :" لا ..عندما عدت رأيت أمي و أبي سعيدان بي يظنان أني درست في دورة حقاً و قالا لي أنها خطوة جيدة قبل دخول الجامعة .. و لذلك لم أشأ تحطيمهما بالحقيقة و قررت أن أكون كما هما يريدان "
ربتت على كتفه و قلت :" أنا فخور بك سراج .. فوق ما تتصور !!"
ابتسم بمكر و همس :" لكني سأتزوج بأجمل فتيات الأرض فقط لكي أغيظك و أجعلك تندم على سذاجتك "
نظرت لها و قلت :" أتعلم أنا لا أفخر بك فلازال عقلك متخلف "
جاءنا صوت نهلة :" هيا سراج أترك محمد ستراه في الغد في منزلنا "
ضحك سراج و ابتعد عني قائلاً :" مُحمد أراك قريباً في عُرس أختنا شروق "
رمقته بدهشة و ابتسمت و أنا أعود للمنزل .. أعجبتني كلمة " أختنا "
تمنيت أن نلتحم بعد عُمر طويل من القطيعة و العداوة !
دفعت باب المنزل الرئيسي حاملاً مهمة اقناع أمي بالعريس الجديد و الذي لا يُعوض أبداً و كنت واثق بأن محاولاتي ستبوء بالفشل !



،،

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:55 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
وقفت أراقب أمي و هي تتذمر حتى تحول تذمرها لبكاء و هي تذكر ما فعله أبي بها .. نهضت شروق مسرعة لتتجه لغرفتها و نهضت من بعدها علياء لتلحقها ..صرت أراقب أمي حتى جلست بجانبها قبل أن تخاطبها خالتي بهمس :
" عفاف !! ألا يجب أن تعيدي التفكير .. أنه مصير ابنتكِ"
التفتت أمي لأختها صائحة :" شروق ستتزوج لكن ليس من طرف نهلة "
خاطبتها أنا مؤكداً :" الفتى طيب و ممتاز و كنا أصدقاء طيلة فترة الدراسة الثانوية .. أنتِ تعرفينه يا أمي ! لماذا لا تأخذين برأي شروق ؟؟"
رمقتني و همست بحدة :" محمد إياك و التدخل !!! "
نظرت لها مقطباً حاجباي فقالت بسخرية :" كل شيء تقوله نهلة يعجبك و كل شيء أقوله أنا يزعجك"
فطنت أن بيد خالتي تغيير رأيها و لذلك انسحبت لأني أعرف جيداً أن أمي دائماً تظن أني أنحاز إلى خالتي ...
--










تأملت شروق و هي تجلس على سريرها متنهدة و فور رؤيتها لي حاولت التشاغل بالأدراج الخاصة بالمنضدة المجاورة ! و كأنها تريد إخفاء حقيقة قبولها هذه الزيجة !
تذكرت كيف كانت تعبر بشكل أو بآخر عن مللها من حياة الوِحدة و استغرابها من عدم تقدم أي أحد لخطبتها ! كانت تشك في جمالها كانت تشك في جاذبيتها و قد نست أن أبويها منفصلين و هذا أكثر أمر رُبما يجعل الخِطاب ينفرون منها !
أما الخطيب الجديد ( ياسين )!! جعل مني أرى في عيني شروق شيئاً تريد إخفاءه !
جَلست أمامها و نظرت لها بنظرة ذات معنى فنظرت لي رافعة حاجبيها ثم قالت و هي تشتت أنظارها :
" ما بك لمَ تنظرين لي هكذا !! "
قُلت :" موضوع ياسين هذا و الكتب لم أسمعه مُسبقاً ! "
تنهدت هي :" علياء لا ترسمي خيالات لا معنى لها فلا علاقة بيني و بين هذا الشخص أبداً "
قُلت :" أعرف و لو كانت هناك علاقة لأخبرتني بها !! فقط أريد أن أعرف رأيك به ! و هل ستوافقين على الخِطبة؟"
صمتت هي فملت برأسي و نظرت لها باندهاش :" شروق ! هل أنتِ خَجِلة ؟؟؟ "
توسعت عيناها ثم تناولت وسادة صغيرة لتصفعني بها بقوة صارخة :" علياء!! "
ثم عادت للهدوء قائلة :" لدي مجال واسع للتفكير .. و كما يبدو فإن الشاب ممتاز و لكنه عيبه الوحيد أنه قريب تلك الحرباء "
قالت الكلمة الأخيرة بضيق فقلت أنا :" تقصدين السيدة نهلة؟؟ "
تنهدت و هي تستند للخلف ترفع رأسها للسقف ثم تتناول من أدراج المنضدة طلاء أظافر صارت تتشاغل به حتى زفرت و هي تقول :" تعلمين ؟؟ أكرهها ! و أكره أبنائها و أكره زوجها "
قلت بسرعة :" شروق !!!!! ما بك ِ ؟ أنه أباكِ لا تنسي ذلك "
انتفضت و هي تضغط بأصابعها على زجاجة طلاء الأظافر قبل أن تهتف :" بربك ! هذا الذي يسمونه أبي ! ماذا قدم لي هاه؟؟ هل اهتم لأمري؟؟ أخبريني هل حضر حفل تخرجي؟ هل تذكر يوم ميلادي؟ هل أخذ رقم هاتفي الخلوي للتواصل معي؟؟ هل تحركت فيه الأبوة حينما يراني صدفة؟؟ متى آخر مرة حضنني و قبلني ؟؟؟"
نظرت لها بحيرة حينما رأيتها تمسح دموعها بقهر ثم تخفي وجهها بكفيها .. همست لها :" لكن محمد لا يقول هذا عن أبيه "
هتفت شروق بحدة :" لأن محمد بلا كرامة ! "
صُدمت ! فقالت مؤكدة :" أبي كان يسيء له أمام نهلة و أبنائها و لكن محمد هو من يبادر بالصلح ! و يسامح أبي بسهولة ! حتى شعر أبي أن محمد لا يستطيع التخلي عنه و على هذا تجاوز أبي حدوده و تدخل في موضوع زواجه "
و نظرت لي بتقطيبة جبين :" عليكِ أن تكرهي هذا الشخص الذي كان يرميك بأبشع الصفات أمام محمد كي يطلقك ! "
رمقتها فاغرة الفاه و أنا أتذكر فعلاً ذلك الشخص الذي اقتحم المنزل ليجبر محمد على طلاقي ! ذلك الأب الذي عادى ابنه و قاطعه لفترة طويلة لأنه تزوج ابنة خالته المسكينة ..
عُدت أرمق شروق مُطولاً ثم هَمست :" لكن ! الخطيب يا شروق رُبما يكون ممتازاً و لائقاً بك ! فلماذا تربطينه بأباكِ و زوجته؟"
تنهدت شروق :" كونه من طرفهما فأني أنفر تلقائياً منه .. لكني سأفكر "
و ابتسمت لي :"أنه فُرصة سأفكر طويلاً قبل أن أخسرها "
--
علاقتي مع علياء تشوشت منذ لحظة اصراري على الذهاب للمشفى .. و انشغلنا بموضوع خِطبة شروق ففضلت أنا تأجيل الموضوع قليلاً ! و ذلك أراح علياء العنيدة التي لن تتنازل عن هذا الطفل مهما يكن حتى لو عادت مُقعدة كما السابق !
هكذا مرت الأيام .. نتحاشى الحديث عن هذا الموضوع و الضوء مسلط على شروق التي لم تفشي بقرارها بعد و كلي ثقة أن أمي هي العارض الوحيد لعدم موافقتها فأمي تمارس ضغوطاً هائلة عليها .. فهي لا تنفك عن تعداد مساوئ نهلة و نواياها السيئة و يمضي الحديث و الغيبة عن نهلة و غرضها من هذه الخِطبة!
شروق ! أختي نشأت نشأة تختلف عني تماماً ..
فأنا نشأت طفلاً أرى أمي و أبي في المنزل يجمعهما الود و الحُب .. نشأ فيّ حُب لأبي كما هو لأمي .. و مع طلاقهما صرت لا أستغنى عن واحد منهما .. فعشت مع أمي و لكن زياراتي لا تنقطع لأبي ..
و لكن شروق ! نشأت على شكوك أمي لأبي .. و مشاجرات عنيفة بينهما ! و انقطاع دائم من أبي و سقوط الفاجعة على أمي و هي زواجه من نهلة !! ثم الطلاق ! عاشت شروق و هي ترى أمي تبكي بسبب أبي !
نشأت شروق دون أن تحظى بحنان أبي ! عكسي أنا الذي فرضت نفسي فرضاً على أبي و زوجته لأنهل من حبه و أبوته !
لذلك فشروق عاشت تكره أبي ! كُرهاً تولد من كره أمي له ! صارت تتجنب لقاءه! تتجنب رؤيته .. تمقته! و تمقت زوجته!
و تكره سراج الذي ما إن تراه حتى تهينه و تسخر منه ..
و مع انقطاع الخِطاب لها و انقطاع الأمل !
يظهر ياسين فجأة كشخص آتي ينقذها من حياة الملل التي تعيشها .. و لكن!! عيبه الوحيد أنه من طَرف نهلة !
هل كتب اللــه أن تعود المياه لمجاريها أخيراً ؟؟ عن طريق خِطبة؟؟
هل كتب الله أن تتعرف شروق على أخوتها و تقابلهم وجهاً لوجه أخيراً !..
هل كتب الله أن ينصلح الحال بينها و بين أبي ؟؟ و بينها و بين خالتي نهلة ؟؟
أخبرتني أمي بصرامة ألا أؤثر على رأي شروق !
و لكنها أختي ؟؟ و من حقي أن أنصحها !
ففي تلك الظهيرة جالستها في غرفتها و رغم ضجرها مني خاطبتها و أنا أراقبها و هي تواجه المرآة و تسرح شعرها :
" شروق أنظري إلي "
أدارت رأسها لي ثم قالت بضجر :" لست أريد نصائح أكثر كفى ! صدعتم رأسي فليذهب هذا العريس إلى الجحيم "
زفرت ثم قلت :" و لماذا يذهب للجحيم ألم يعجبكِ ؟ "
صمتت هي فقلت :" أنا أعرف أن الخلل الوحيد أنك تخافين ردة فعل أمي إزاء موافقتك "
نظرت لي و قالت :" ليس هذا فقط"
قلت :" أيضاً أنتِ لا تريدين التقرب لأبي و نهلة! "
تنهدت و رفعت أصابعها لتخللهما بشعرها المموج :" بربك و هل تتصور أنه سهل علي الموافقة على ابن أخيها! تصور فقط! "
خاطبتها بجدية :" سواء كان الأمر صعباً أو سهلاً ! فالرجل طيب و يناسبك و ممتاز جداً "
و نظرت لها بعمق هامساً :" و أنا أقول لك حرفياً ! لا تضيعيه!!"
استدارت و واجهتني بملامح حادة .. سرعان ما ارتخت لتهمس :" مُحمد ! تعرف مقدار كرهي لذلك المنزل لا أريد التقرب من أي شخص ينسب لهم .. "
تأملتها مُطولاً و قلت :" القرار قرارك لن أجبرك و لكن حقاً ستندمين! فهذا الذي تتهربين منه ما هو إلا أباك ! ثم أنكِ ستتزوجين ابن أخ زوجته .. لا علاقة مباشرة بينكما و لن تعيشي في منزل أبيك إذ تزوجتِ ياسين !! "
هَمست :" لازلت أحتاج وقت طويل للتفكير!! "
--
تذكرت هذا الحوار و أنا أقود سيارتي في الطريق المؤدي للمشفى ! الليل كان حالكاً يعلن ابتداء نوبتي في العمل.. كنت أقود السيارة بشرود أفكر في علياء و حملها و كيفية اقناعها بزيارة المشفى و أعود لأفكر بشروق و الخطبة و أختم تفكيري بسراج الذي صار شخصاً آخراً ..
وسط كل هذه الأفكار صُدمت بضربة قوية من خلف السيارة .. رفعت رأسي و كنت في طريق بري خالي من السيارات .. نظرت عبر المرآة فكانت هناك سيارة ضخمة تباشر بالرجوع رويداً رويداً قبل أن تعود لتصدم سيارتي بعنف فتزلزلها من قوة الضربة .. بل جعلتني أندفع بقوة للأمام..
فتحت عيناي بصدمة ..!!! ثم أمسكت برأسي و أنا أشعر بالدوار قبل أن ألاحظ السيارة و هي تقترب ناوية أن تصطدمني من الجانب .. بسرعة أمسكت بالمقود و حركت السيارة بجنون لأنحرف عن الطريق .. واجهتني الرمال الكثيفة و هي تحجب الرؤية قبل أن أكتشف أن سيارتي علقت بمنحدر ..
كنت أفكر بذهول في الذي حدث للتو .. أمسكت برأسي بأصابعي بألم .. عقلي لم يساعدني آنياً لتفسير شيء قبل أن أنتبه لشخص آتٍ لفتح الباب من جهتي .. دققت في ملامحه و هيئته إلا أن الصداع التي واتني كان أقوى بكثير من أن أركز بشيء .. و ربما كان الظلام حاجزاً لأتعرف على وجهه ! بل كنت مشدوهاً و أخذتني قوة الموقف و شدته لم أستطع استيعاب شيء إلى هذه اللحظة .. من هو هذا الشخص الذي يتعمد صدمي بسيارته ؟؟؟
غريزياً قبضت بأصابعي على القرآن الصغير التي أعلقه على مرآة السيارة .. و أنا أعض على شفتي أراقبه و هم يقترب.. لهثت بفزع و شعري التصق بجبيني من العرق المتصبب .. تمتمت بكلمات خائفة:
" رباه! .. رباه .. بسم الله الرحمن الرحيم .. ربي احمني .. ربي احمني .."
عيناي تتوسعان تدريجياً بخوف و أنا أراه يقترب ليفتح الباب بقوة ..

سماء ملبدة بغيوم رمادية تسبح في ليل قاتم تزف القمر المختال الذي يطل على شوارع فارغة و بيوت أقفلت نوافذها ..

زوجــة ممدة على الفراش تغمض عيناها بهدوء كما هو حال كل شخص طبيعي ..

و لكنه فقط كان يتعدى حدود الطبيعة إلى الجنون! ..
،،

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:55 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
الجزء الثامن عشر

و الأخير!

رفعت عينان مُرهقة لهذا الشخص الذي يقترب .. الصور مضبضبة أمامي و وجع رأسي لا يحتمل ..فُتح الباب بقوة فانكشف لي ذلك الوجه ..

توسعت عيناي مصعوقاً .. اهتزت حدقتاي بصدمة و أنا أتأمل هذا الشخص المألوف جداً جداً ..

هَمست متمتماً :" أ.... أنـت ؟؟ ....!!!!!!! "

تأملت عباءتها السوداء الفضفاضة ..

و رفعت عيناي لعينيها الخنجريتين ..

لهثت و قد تملكتني الصدمة و عدت أهمس بصوت مبحوح :" حَـسناء ...؟؟؟"

رمقتني بنظرة مجهولة و هي تتنفس بصعوبة .. في عينيها نظرة باردة مخيفة ...

هَمست :" حسناء كنت تريدين ؟؟ ..... قتلي ؟!!!!!!!! "

ازدردت ريقي و أنا أتأملها تشيح بوجهها و هي تكز على أسنانها بحنق ثم عادت تتأملني بنظرة عميقة :" و لمَ لا ؟ "

و قالت بسخرية :" تدربت السياقة فقط لفعل هذا "

تأملتها بصدمة و سرعان ما أمسكت برأسي مجدداً و أنا أعض شفتاي بوجع .. شعرت بالصور تتداخل و بأني سأفقد وعيي قريباً ..

عُدت أرفع رأسي لحسناء التي تشيح بوجهها عني .. فَكرت مُطولاً هل كانت تحبني و رغبتها للانتقام مني ما هي إلا نتاج لذلك الحُب؟؟

همست:" لماذا؟؟"

خاطبتني بهدوء و هي تفتح حقيبتها :" آسفة أنا مضطرة لــ... "

نظرت لها مُطولاً قبل أن أُصدم بها و هي تخرج حقنة طويلة من حقيبتها أمسكتها بكفيها الاثنين و هي ترفعها للأعلى .. تأملتها بصدمة قبل أن تغرسها بزندي بعنف..

بعينين مرهقتين أنظر للحقنة المغروسة بذراعي بصدمة ثم أعود أنظر لوجه الحسناء الذي يفلت تدريجياً من نظري .. الدُنيا بدأت تظلم من حولي و الأضواء تهرب من مدى بصري .. لا أطال إلا السواد !

--



فتحت عيناي بصدمة على السقف المزخرف و المروحة التي تدور بسكون .. ازدردت ريقي و أنا أحاول طرد هذا الكابوس المخيف قبل أن أنظر إلى الجانب الآخر من السرير فأراه فارغ .. تملكني الذعر على محمد لكني هدأت و أنا أتذكر أن لديه مناوبة ليلية .. طمئنت نفسي بقراءة السور و عدت أضع رأسي على الوسادة بهدوء ..

ابتسمت لبرهة و أنا أتلمس بطني .. سأكون أماً؟ لا أتخيل ذلك بتاتاً ..لكن مُحمد أطلعني على الواقع المُر .. علي الاختيار بين الحمل ! و الساق الصناعية .. و كلما تأخرت سيكون من الصعب جداً أن أنقذ ساقي الصناعية ...

لكن هل أضحي بابني لأجل ساقي؟؟

هه قال محمد أن الابن يعوض و لكن الساق لا تُعوض ! أحياناً أشك أنه يريد عيالاً مني بل أحياناً أشك أنه ينوي مواصلة الحياة معي ! صرت أخاف من هاجس الطلاق الذي ربما يباغتني محمد به و يذهب لحسناء! نعم ..

حسناء الحسناء محبوبته !

--

هاجمتني رائحة قوية جداً .. فتحت عيناي بصعوبة على يد انثوية بأظافر مطلية بعناية تمسك بزجاجة عِطر موجهة ناحية وجهي ..لم أستطيع استيعاب شيء قبل أن تضغط هي العطر من جديد لترشه في وجهي .. أشحت بوجهي بسرعة مغمضاً عيناي ثم همست :" كَفى .."

لحظات صمت قبل أن أفتح عيناي بارهاق و أنا أشعر بجسدي ثقيلاً بالكاد أستطيع تحريكه .. عدت أنظر لها ..بعينين ناعستين ..

وجهها الطويل و عينينها الخنجريتين .. نظراتها الغامضة و هي تنهض قائلة بهمس :" استيقظت أخيراً "

تأملتها مُطولاً و رحت أتأمل ما حولي .. غرفة واسعة يتضح أنها غرفة نوم فاخرة .. ثم اكتشفت أني مُقيد بكرسي صلب مسند على الجدار .. تأملت معصماي المربوطان ببعضهما البعض ..

فقالت هي :" آسفة "

رفعت رأسي لها باستفهام و استغراب و استنكار و قلت بانفعال :" حسناء ما كل هذا ؟؟"

لم أستطيع الاستيعاب .. ما هو غرضها و ماذا تريد من هذا الفعل و كيف نقلتني إلى هنا ؟؟

أسئلة كثيرة داهمتني و أنا أراها تقترب مني بابتسامة ثم ترفع يديها لي بنظارتي الطبية التي ألبستني إياها و هي تهمس :" هكذا أفضل؟؟"

قلت بعصبية :" أنتِ مجنونة! ! مجنونة ! ماذا فعلتِ ؟؟ ماذا تريدين مني ؟؟ كدتِ تقتلينني بالسيارة .. ما هو غرضك "

تأملتها و هي تراقبني ثم تهمس :" محمد أنا لست مجنونة .. بل أنا من سأعاقبك على جنونك "

نظرت لها مقطباً حاجباي بحدة .. ثم أغمضت عيناي و أنا أشعر بألم مدوي يغزو رأسي .. عضضت على شفتاي و أنا أعود لأنظر لها هامساً برجاء :

" حسناء أخبريني ماذا يجري ؟ هل أنا في حلم أم في حقيقة ؟ أي شيء يجري هنا و أين أنا و لماذا تقيدينني ؟"

تنهدت ثم دارت حول نفسها بحالمية و أنا أنظر لها باستغراب و استنكار قبل أن تعود لتنظر لي و هي تلوح بذارعيها و تقول :

" قل لي .. لماذا كلُ شيء يمكننا استعادته إلا الحب "

لازلت أنظر لها بنفس النظرات قبل أن تُكمل و هي تبتسم :" نعم ! الحب اذ فقدناه لا يمكننا استعادته .. و أنا فقدت حبك لي و لم أتمكن من استعادته بشتى طرقي المجنونة و الذكية و الغبية و المتهورة و الخبيثة .. كل الطرق لم تجدي معك .. "

نظرت لها مُطولاً قبل أن تبتسم بألم :" في اليوم الذي صارحت فيه نفسي بأني أحبك ! وجدت أنني تأخرت كثيراً لاكتشاف هذا الشيء ! وجدت أني أحببتك بعد أن فقدتك "

همست :" حسناء .."

قاطعتني و هي تمسح دموعها قبل أن تنزل .. قالت بصوت متحشرج :" حسناء امرأة مزعجة الآن بالنسبة لك .. حسناء بالنسبة لك امرأة لا تعرف ما تريد! .. حسناء امرأة خارج حدود قلبك .. و حراس قلبك يمنعونها من الدخول لأن هناك امرأة أخرى سكنته .."

أنكست رأسي و قلت :" ماذا تريدين الآن ؟؟"

تنفست و هي تجلس على الكرسي المقابل ثم تقول :" لا أريد إلا أن تسمعني "

ثم قالت هامسة :

" يمكنني القول أنني سقطت من عين أخي ! سقطت من عيون صديقاتي و أقربائي و سقطت من عين حسام الذي استخدمته أنا لاثارة غيرتك.. ..بمجرد أن عرفوا أنني أحبك و أسعى إليك احتقروني لأني أريد إفساد حياة زوجين ! "

اسم حسام أدهشني و صدمني و رحت أتأملها و هي تُكمل :" لا تعلم كم ندمت و ندمت و ندمت ! لأني أحببتك في وقت حرج للغاية ! و صرحت لك بحبي و أنت متزوج ! قلبي غدا كالطفل يبكي يريد حُبك و لم أكن أستطيع إسكاته لأن حبك شيء صعب المنال .."

و ضحكت و هي تمسح دموعها :" تَذكر ..؟ تذكر عندما كنت تتصرف بعفوية و براءة تعبر بعشوائية عن حبك لي .. أضحك عندما جئت منزلنا بحجة الأدوية و أضحك أكثر عندما أخبرتني أنك تريد أن تحضر معنا جلسات رضا .. أتذكرك كيف كنت تهتم لرضا فقط لأجلي .."

و رفعت عيناها لي بهمس :"كان حُبك لي طاهراُ بريئاً .. و كُنت شخصاً مثالياً رغم بعض سذاجتك إلا أنني رأيت نفسي أعشق غبائك و سذاجتك .."

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:56 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
نظرت لها و خفضت رأسي صامتاً فأكملت :" كنت أظنك ستلاحقني أبد الدهر ! و كنت أستمتع بلحظات غروري و لم أكن أعرف أن الغبي سيفهم بعد تجارب عديدة .. فقد تركت أنت حبي و هربت لتبحث عن حب آخر و كنت ألاحقك أريد حبك لي وحدي .. أريد نظراتك لي وحدي ... أريدك أن تهتم بي فقط ! لكن .... تِلك المشوهة السقيمة نالت عليك بذكاء و يبدو أن حُبها أقوى من حبي بكثير !! و أنا؟؟ أنا خسرتك .. للأبد"

أغمضت عيناي للصداع الذي يأتي كمطارق تمارس القرع على رأسي تكاد تهشمه ثم همست :" حَسناء! لم تجيبيني بعد ! لماذا أنا هنا و ماذا تريدين مني "

تأملتني مُطولاً ثم نظرت للساعة و هي تقول :" لأداوي كرامتي ! "

عقدت حاجباي باستفهام فقالت :" أهنتني ! و أنا لم أنسى ذلك أبداً !! و أتتني الفرصة على طبق من ذهب لأنتقم ! "

نظرت لها بصدمة و هي تنهض حاملة هاتفها المحمول :" الآن سيأتي "

همست :" من ؟"

نظرت لي و ابتسمت بمكر :" الدكتور فؤاد!! "

--

توسعت عيناي بانصعاق تام و أنا أتمتم :" فؤاد ؟؟"

ابتسمت و هي تشير للغرفة :" ألم تعرف أنك في منزل فؤاد ؟؟ ! الذي تسللت للدخول إليه !!! هه ربما لم تنتبه أني أصبحت سكرتيرة خاصة لفؤاد "

تأملتها بصدمة :" كُنت سكرتيرته ؟؟ ماذا يعني هذا ؟؟"

ابتسمت هي و هي تهز كتفيها :" يعني أنني أخبرته بكل القصة التي أخبرتني أنت بها !!"

نظرت لها مَصدوماً :" متى حدث هذا ؟؟"

توسعت ابتسامتها بخبث :" منذ أن قمت أن بطردي من مكتبك ! "

ازدردت ريقي و قلت و أنا ألهث و قد التهبت عيناي :" فؤاد سيأتي الآن ؟ "

ابتسمت و هي تعقد ذراعيها أمام صدرها :" ليحاسبك على غبائك و جنونك !! و لينتقم لي منك "

لم أكن أحتمل الصداع التي تضاعف في رأسي فور سماعي لكل هذا و كأنني أشعر أن نهايتي آنت أخيراً !

هل كنت أتصور أن حسناء ستتفق مع فؤاد ضدي ؟؟ هل فكرت لبرهة ؟ أن هذان يعرفان بعضهما البعض أصلاً ؟؟ هل خطر ببالي قبل أن أروي لحسناء قصة فؤاد و أختيه و الاستنتاجات التي توصلت لها .. هل فكرت قبل ذلك بأن حسناء ستكون عدو لي في يوم من الأيام !

هل فكرت عندما خرجت حسناء من مكتبي و هي تهدد بالانتقام ! هل فكرت أنها جادة في ذلك! هل فكرت أن حبها لي سيتحول لكره يجعلها حتى تخاطر لتقتلني !؟ و لا تكترث؟؟

إلى أين قادتني حالات الجنون؟؟ إلى الهاوية ؟؟ لمختبر فؤاد؟؟

ازدردت ريقي و أنا أنظر لحسناء التي تحوم هنا و هناك تنتظر فؤاد .. كززت على أسناني بحنق ! تباً لي ! تباً لي !و تباً لقلبٍ تهور لعشقك ! و تباً لقلبك الذي عشقني بعد أن كرهتك !

خفضت عيناي على معصماي المقيدان و أنا أفكر بطريقة تُخلصني من كل هذا !! عدت أغمض عيناي بوجع .. انتهى كل شيء ! انتهى كل شيء.. مصيري بيد فؤاد القادم ..

هُنا رن هاتفي الخلوي .. الذي وضعته في جيب بنطالي .. نظرت لحسناء التي اقتربت و قالت لي بدلال :" اسمح لي بالتطفل على هاتفك "

نظرت لها بقلق و هي تمد أصابعها داخل جيبي لإخراج الهاتف .. وقفت تنظر لشاشة الهاتف طويلاً قبل أن تنظر لي مبتسمة بمكر :" أنها زوجتك "

ازدردت ريقي و أنا أراها تجيب على الهاتف قائلة :" نَعم ؟؟

من تريدين ؟

من أنا؟؟؟

لن أقول لك من أنا ؟

مُحمد؟

أنه معي اطمئني عليه عزيزتي !

هل تريدين قول شيء أوصله له !؟

حسناً عزيزتي وداعاً !! "

نظرت لوجه حسناء و هو يتلون بألوان الخبث و المكر بنية مقصودة لتشويه علاقتي بعلياء !

رمقتها بكُره هامساً :" أشكركِ على ما فَعلتِه ! "

نظرت لي و قالت :" أنا بالخدمة "

عضضت على شفتي بحقد و أشحت وجهي بحدة نحو النافذة ..قبل أن يطرق مسامعي صوت أقدام تقترب و تقترب .. يفتح الباب ... و يظهر فؤاد !!!!!

--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:56 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
هو ذاته ... يفتح الباب ليقف بطوله الفارع و بنيته الحديدية .. وجهه الحنطي اللون بعينين ثعلبيتان عسليتان .. بِحدة ! رشقني بنظرة عَميقة ... ثم انفرجت إحدى زوايا فمه بتشفي ..

رَمقته مُطولاً ثم أشحت وجهي ناحية حسناء التي ابتسمت لي بخبث و هي تعقد ذراعيها أمام صدرها ..

خطوات فؤاد تقترب مني بريبة .. عُدت أرمقه مُتنفساً بصعوبة فوقف أمامي و هو ينظر لي بنظرات باردة ثلجية قَبل أن يهمس :" الدكتور مُحمد "

اتسعت ابتسامته الغريبة لتتحول لضحكة عالية أطلقها و هو يضع كفيه على رأسه .. راح يضحك بصوت عالٍ و هو ينظر لي بدهشة .. أخيراً عاد لهدوءه قبل ينحني لي و يواجهني بعينين عسليتين حادتين ..

هَمس :"لم أكن أتوقع أنك تستهدفني "

نظر لي باحتقار ثم عاد يهمس :" كُنت تُراقبني منذ لحظة رؤيتك لأختي في المشفى و أنا في كل مرة أشك فيك أعود لأنظر لوجهك البريء و ابتسامتك المغفلة و أقول بيني و بين نفسي محمد لا يفعلها "

رفعت عيناي له فقال :" لكن في كل مرة يزيد يقيني بأنك من تلاحقني يا ...."

صرخ :" يا منافق"

خاطبته بهمس و أنا أعض على شفتي :" لماذا قتلت وداد ؟؟"

تأملني لبرهة ثم تراجع و هو يدور حول نفسه و هو يمسح وجهه بكفه .... قبل أن يباغتني بلكمة موجعة ..

أغمضت عيناي بألم ثم عدت أنظر له و من فمي يسيل الدم .. رأيته ينظر لي لاهثاً ثم صرخ :" لا تذكر اسم أختي على لسانك يا قذر "

ازدردت ريقي و قميصي امتلئ بالعَرق .. نظرت لحسناء المرتبكة ثم عدت أنظر لفؤاد بحدة :" إذ كانت أختك فلماذا قتلتها ؟؟ و لماذا تحاول قتل الأخرى هذا إن لم تكن قد قتلتها .. لماذا لا تفهم ؟؟ لماذا تُريد ايذائهما لصالح فضولك و جنون تجاربك الدنيئة"

نظر لي و زمجر :" أولاً يمكنني قتلك الآن فقط لأنك دخلت بيني و بين أخواتي دون أن تدرك جيداً أن كل ما أفعله لصالحهما ... لم أكن أركض وراء تجارب .. كنت أريد تحقيق تلك الامنية "

و قرب وجهه ناحيتي و هو يهمس :" من له مآرب و نوايا دنيئة فقط أنت ... يا من دخلت بيتي من دون علمي يا نجس"

خاطبته بحدة منفعلاً :" دخلت لأنقذ أختك منك ! نعم أنا من أفسد أجهزتك لألا تفعل بها كما فعلت بأختها "

تأملني بنظرات كالسهام قبل أن يمد أصابعه لينتزع نظارتي .. تأمل النظارة و عاد ينظر لي بسخرية و احتقار :" أنت قصير النظر بالفعل .. لا ترى أبعد من أنفك .. مسماك الوظيفي لا يدل إلا على غبائك .. شخص مثلك درس الكتب الدراسية و حفظها حفظاً دون أن يفكر أن هناك سطور مخفية لو ركز قليلاً لسوف يرى أن هناك أشياء نستطيع أن نكتشفها حقاً "

نظرت له باستنكار :" عمّا تتحدث ؟؟"

حدق بي طويلاً قبل أن يهمس :" أتحدث عن إمكانية إعادة وِداد لقيد الحياة "

صحت :" أنت شخص مخبول ! على أية أسس و نظم حددت هذا !! هل فقدت عقلك ؟؟ الدين و المنطق يخالفان ذلك نهائياً .. "

ابتسم :" أنا بحثت طول هذه الفترة في هذا الأمر و هو إمكانية إحياء وداد في جسد ياسمين .. بما أنني أملك أجهزة تحفظ ذكريات وداد فإن بإمكاني أن أمسح ذاكرة ياسمين و دس ذكريات وداد في دماغها.. و بالنسبة لشكل الجسد طبيعي أن جسد ياسمين لا يمكن تغييره كُلياً ليصبح كجسد وداد و لكن أنا لدي الجينات الوارثية الخاصة بوداد التي يمكنني بها تغيير بعض المعالم الأساسية .. كلون البشرة و ملامح الوجه .. هي أشياء سأستطيع تغييرها في جسد ياسمين شيئاً فشيئاً بما أني أستطيع تغيير شريط الجينات الوراثية.. "

تنهد و هو ينظر لي :" المخ هو المتحكم بكل شيء ! و بما أنك طبيب مخ و أعصاب من المفترض أنك تفهم هذا الأمر "

تأملته بغير اقتناع :" هذا امر مستحيل الحدوث "

اتسعت ابتسامته بخبث :" أتريد أن ترى بأم عينك؟؟ "

فتحت عيناي بدهشة و هو يبتسم و ابتسامته هذه تخيفني بالفعل .. همست :" ماذا أرى ؟؟ "

اقتربت ناحيتي و هو يضع النظارة امام عيناي ثم همس :" ألا تريدني ان أطبق كل هذا أمامك "

نظرت له بريبة :" ياسمين هنا؟؟"

أطلق ضحكة ساخرة و عاد ينظر لي :" لا ! للأسف ياسمين هربت من المنزل بالأمس !! "

نظرت له بصدمة :" هربت ؟؟! "

قال مصطنعاً الأسف :" نعم هربت و أنا قلق عليها حقاً لا أدري إلى أين ذهبت ! و على هذا ستكون التجربة على ........"

و صمت و هو ينظر لي مبتسماً بخبِث ..ازدردت ريقي و خشيت أن يطبق تجربته الخطيرة علي أنا .. لكنه استدار ببطء ليواجه حسناء المرتعدة الخائفة .. همس :" أحببت أن أعيد وداد في جسد ممشوق جميل .. أحببت أن أعيدها في جسد هذه الحسناء "

---

صرخت حسناء بذعر و هي تضع كفيها على فمها ..فتحت عيناي بصدمة و أنا أنظر لفؤاد لاهثاً .. أراه يتقدم بخطوات مريبة لحسناء التي تتراجع بخوف و وجهها ظهرت عليه معالم الفزع و الروع..

كنت أشعر بقلبي هذا يقرع كطبل أفريقي مجنون .. أشعر بالحرارة ! أشعر بالرهبة ! أشعر ان شيئاً فضيعاً ! فضيعاً جداً ! سيحدث الآن ..

بعنف سحبها فؤاد من عباءتها فصرخت :" محمد !! محمد سيقتلني "

لم أتمالك نفسي فزمجرت به :" أتركها !!!! "

نظر لي بابتسامة خبيثة و هو يرفع حاجباه :" ألم تكن هذه الفتاة من تريد النيل منك؟؟؟ ليتك تعلم ما نواياها قبل أن تدافع عنها أيها المسكين المغفل "

عدت أصرخ به :" أياً كان ! أتركها ! إن كانت لديك تجارب تريد تجريبها ! فهاك أنا .. جرب كل التجارب التي تريد تجريبها ! و حتى لو كنت تريد تحويلي لوداد فلتفعل !! لكن أترك حسناء ! "

نظر لي لبرهة قبل أن ينفجر ضاحكاً :" تريد أن تتحول لوداد ؟؟ لا أريد أن تعود وداد للحياة لتجد نفسها رجلاً .."

ثم نظر لحسناء هامساً:" ما اريده أنثى شابة .. أريد أن تعيش وداد سعيدة بعد عمرها الطويل الذي لم تجد فيه يوماً هنيئاً ! كل أيامها كانت تعيش تعيسة ! لكن حان الوقت لتعيش عمرها الحقيقي"

حسناء التي تريد الفكاك منه كانت ترمقني بنظرة استجداء عميقة .. و لم يكن بيدي أية حيلة للأسف الشديد ..

هُنا و بعنف نزع منها خمارها الاسود بقوة قبل أن يتناثر شعر حريري فاحم .. كانت تصرخ بخوف و الكحل يسيل على وجهها الشديد البياض .. صاحت :" ماذا تريد أن تفعل "

ابتسم و هو يُخرج حقنة من جيبه :" نفس الحقنة التي حقنتِ بها حبيبكِ "

قبل أن تصرخ هي او تدافع أو تفعل شيء .. خارت كل قواها مع وغزة الحقنة .. كنت أنظر لها بصدمة و انا أفكر بالخطوة التالية التي سيخطوها فؤاد ! نظرت له مزمجراً و قد بح صوتي :" بربك أتركها و اعقل ! صدقني لن تعود وداد و أنا أراهن عن هذا ..لا تفسد حياتك بجريمة قتل جديدة .. "

نظر لي قبل أن يحني راسه و هو ينظر لحسناء المترامية على الأرضية .. همس :" في كل الأحوال حياتي بائسة ما بين تأنيب ضمير و ألم و وحدة .. هذه الأشهر القليلة على فقدان وداد كانت كالقرون تمضي علي! كل شيء في حياتي من سيء لأسوأ .. لن أستطيع العيش دون وداد ! و إن لم تعد أنا مستعد لقتل نفسي "

نظرت له مصعوقاً .. و هو ينحني ليحمل حسناء النحيلة..ثم يتوجه بها نحو السرير .. عضضت على شفتاي بحنق و أنا أحاول فك الحبال عن معصماي و لكن كل محاولات تبوء بالفشل ..

أرى فؤاد يفتح الادراج المجاورة ليستخرج مقصاً .. نظرت له مشدوهاً و هو يقص شعر حسناء بضحكة ماكرة .. صرخت به :" كفى ! كفى ! كانت تطيعك و جلبتني هنا لأجلك لماذا تفعل بها هذا"

نظر لي بابتسامة و هو يحمل شعرها المقصوص و جعل يعبث به قبل أن يرميه ناحيتي صارخاً :" أنت مغفل! كانت تريد الانتقام منك .. و لكن لا تقلق دورك سيأتي بعد قليل"

نظرت لوجه فؤاد المخيف و خفوت الأضواء يوحي بأن هذه الليلة ستكون مفجعة .. أنظر لحسناء النائمة بسكون غير عالمة بما سيجري لها بعد قليل .. نظرت لخصلات شعرها المتناثر قرب قدمي ..لهثت و أنا لفؤاد و يجلب معداته و قواويره و أدواته !! و جهاز جديد وضعه أمامي قبل ان يهمس :" أنا مستعد لشراء جهاز جديد مهما بلغت قيمته ! فقط لاعادة وداد "

ازدردت ريقي و أنا أراه يجلب صندوق زجاجي يحوي محلول أصفر به الاجسام المعدنية المشئومة ..تاملته بحقد و هو يضع الصندوق على المنضدة .. حينها .. أمسك هو بمشرط صغير ناوياً إجراء جراحته الشيطانية في حسناء .. عيناي فُتحتا بذهول! حقاً فقدت كل الآمال في أن تعيش حسناء و أعيش أنا !

و لكن الله بعث فيّ الأمل في أمر لم يكن بالحسبان أبداً ..

فجاة تراجع فؤاد ليدفع من وراءه المنضدة .. عيناي تراقبان الصندوق الزجاجي و هو يهوي من المنضدة إلى الأرض .. فؤاد تسمر و تصلب نهائياً ..و هو يرى الصندوق يتحطم كُلياً .. و تلك الأجسام تتناثر لتستقر على السجاد...

تجمدنا طويلاً و من ناحيتي لم أعرف الأمر الذي جرى قبل أن يصرخ فؤاد :" الأجهزة!! لامست الأرض"

هب كالمجنون يجمع تلك الجزيئات المعدنية بيده و صار يتلفت حوله يبحث عن شيء .. صرخ :" لسوف تفقد كل البيانات المخزنة اذ لم تعد إلى المحلول "

صار يدور في الغرفة و هو يحمل بكفيه الأجسام المعدنية ... يصرخ بهستيريا :" المحلول ، المحلول "

رأيته يخرج من الغرفة يركض ركضاً .. و كنت أراقبه بذهول ! و تمنيت أن لا يجد المحلول الذي يتحدث عنه إلا بعد فوات الأوان .. كنت أفكر هل من المعقول !!! أن تطير كل أوهام فؤاد في لحظة !! ابتسمت و أنا أنظر لحسناء و عدت أنظر للباب .. أتمنى أن تفسد تلك الأجسام و تريحنا !

صرت أسمع صراخه الذي يدوي المنزل كله ! و كأن أمنيتي استقبلتها السماء و استجابتها بكرم .. أسمعه يصرخ بجنون و أسمع تحطم الأشياء و أرفع رأسي هامساً بعمق :" أشكرك ربي ! أشكرك "

فتح الباب من جديد و وجهه غدا مختلفاً ! كان مختلفاً و قد رسمت على وجهه تعابير الفجيعة و الأسى .. صرخ بي :

" وداد ذهبت للأبد !! وداد ذهبت للأبد يا محمد ! لقد فسدت الأجسام !"

تهاوى على الأرض و هو يصرخ بدموع هزتني .. رفع ذراعيه بحزن عميق صارخاً :" وداد !!!!!!!!!!! "

نظرت له بأسى على حاله ! فِعلاً شعرت بمأساته و كيف كان يعيش على أمل عودتها بمجرد أنه كان يملك بيانات طارت من يديه في لحظة !

و كنت أنا و حسناء كمن كان على الخط الفاصل بين الحياة و الموت قبل أن تطير أحلام فؤاد هباءاً و يعود إلى واقع موت وداد !!

هل كان سيتقبل موت أخته ببساطة؟؟ ! و هو الذي عاش على أمل عودتها و رسم الآمال لعيشها من جديد ؟؟

كُنت أراقبه و هو يرتعش و ينتفض.. أين ذلك الرجل الجدي الذكي الرزين ؟؟ أفكار جنونية منه أحالته إلى شخص مجنون بشكل كلي !

--

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:57 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
بعد سنتين !



رُبما تتساءلون ما هو وضع دكتور محمد بعد سنتين كاملتين !!

و سأخبركم أين أنا الآن .. أنا الآن في منزل أمي .. بأصابعي أمسك بأيدي صغيرة ..

" هيا .. ممتاز ! هيا .. خِطوة خِطوة "

كنت أمسك بيديه الصغيرتين و أتأمله بشغف و هو يخطو خطواته الأولى .. يرفع وجهه الملائكي البريء ,, و بعينيه الواسعتين ينظر لي قبل أن يتقوس فمه للأسفل و تبرز شفته السفلى تنذر بالبكاء ..

نظرت له بدهشة و سرعان ما حملته و أنا أقول :" يا وَلدي إلى متى ستمشي قد كبرت و أقرانك كلهم سبقوك بأميال "

جلست على الأريكة و أنا أمسح بيدي على رأسه الصغير .. هنا جاءني صوته و هو يضحك كما العادة بسخرية :

" محمد ابنك كسول ! الا ترى أنه بدين مثلك"

نظرت لسراج أخي و هو يجلس بجوار شروق المنشغلة بالحاسوب .. صحت به بجدية :" سراج! كم مرة أخبرك ألا تركز على وزن ابني "

أطلق سراج ضحكة عالية قبل أن يقول :" أنصحك بأن تتبع معه نظام ريجيم لينحف "

شروق تحاول كتم ضحكتها و هي تنظر لولدي الذي يلعب بكرته الصغيرة بشغب طفولي .. استندت إلى الخلف و أنا أقول :

" حسناً يا سراج البغيض ! و كأنك لم تكن بديناً و أنت صغير .. أذكر أني لم أكن أقوى حتى على حملك "

صاح سراج بفوضوية :" أيها الكذاب !! صوري التذكارية كانت خير برهان بأني كنت نحيفاً .. "

خاطبته باستسلام :" كفى ! نعم أنا و ابني بدينان هل هذا يريحك .. يا لك من مزعج! "

أنظر لشروق التي تحدق بشاشة الحاسوب تبتسم تارة و تفتح عينيها بدهشة تارة أخرى ..كان واضح جداً أنها تخاطب خطيبها ( ياسين )! عبر برنامج محادثة..

نعم لتوها انخطبت من ستة أشهر فقط ! بعد فترة طويلة مع الاقناع لأمي التي كانت صعبة جداً جداً!

شروق أيضاً كانت صعبة! و كل الظروف كانت صعبة! و لكن ياسين كان مُصراً و مُلحاُ في طلبه حتى نال مطلبه!

ربما تتساءلون ! ما الذي جاء بسراج في منزل أمي! و سأقول لكم بأن نهلة كانت تهدف لشيء و حققته حقاً!!

لن أقول أن العلاقات كلها عادت كما السابق ! فلا تزال أمي تحمل الحقد على نهلة و هذا شيء طبيعي و أعذرها على ذلك ، لكن ما حدث بأنها تقبلت دخول سراج منزلنا ! و رغم أنها تتظاهر أنها تتذمر منه إلا أنها من داخلها أحبته.. و أحبت فوضويته!

رُبما تسألونني ! مُحمد ماذا جرى لفؤاد؟؟

سأخبركم! فؤاد يعيش الآن في مصحة نفسية !

لم يعد دكتور فؤاد الذي يستهدفني و أستهدفه ! بعد فقدانه لوداد أو بالأحرى لبياناتها كان لابد أن يزور المصحة النفسية .. هي حالات جنون راودته بعنف حتى حولته لشخص مهووس بخيال ما إن عاد للواقع لم يتحمله أبداً !

يَاسمين ، التي اتصلت بها بشكل تكراري لأعرف وضعها .. اتضح لي أن عادت لمنزلها و كم آلمني أن فقدت فؤاد بعدما فقدت وداد بل بعدما فقدت والدتها ! ها هي تعيش وحيدة بعدما رأت أهلها جميعاً يرحلون بشكل موجع و قاسي !

لم تتقبل مني المساعدة و لم أحب أن أتدخل أكثر ..



حسناء؟؟

حسناء أيضاً ليست هُنا ! دَعوني أتذكر كيف خرجنا من منزل فؤاد و كلانا لا يستطيع النظر لوجه الآخر ! ما حدث غريب و قاسي .. بالنسبة لي تسائلت : كيف تسعى حسناء للنيل مني بمساعدة فؤاد !! و بالنسبة لحسناء خُيل لي أنها تفكر في الجراحة الخطيرة التي كانت ستخوضها كطريق مظلم يقودها للموت الوشيك !

في ذلك الحين استيقظت حسناء لتنظر لفؤاد الذي يتصرف بغرابة و جنون و هو يضم تلك الأجسام المعدنية لصدره كأنه يضم رفات أخته كنت أنظر له بأسى و لم أحاول أن أمنعه من فعل ذلك ليقيني أنه جُن و انتهى الأمر ..

حسناء التي صارت تتلمس شعرها المقصوص ثم صارت كالمجنونة تتفحص جسدها و تعود لتمسك برأسها صارخة :" ماذا فعل بي؟؟"

نظرت للأرض بهمس :" لم يفعل شيئاً سوى ......"

كنت أنظر لخصلات شعرها المتناثرة قرب قدمي .. نظرت هي لي بشهقة و أسرعت لترفع الخمار على رأسه بتوتر ثم نظرت لفؤاد الذي لازال يهذي و هو ينظر للأجسام المعدنية :" وداد تسمعينني؟؟ وداد ؟؟ هل ذهبت ؟؟ لماذا؟؟ "

نظرت لي حسناء بنظرة استنكار و همست :" ماذا حدث ؟ هل جُن ؟"

هززت رأسي و أنا أتأمله :" على ما يبدو .. "

نهضت هي مُسرعة :" علينا الهَرب قَبل أن يزيد جنونه "

سَارعت هي بفك الحبال عن معصماي فرفعت عيناي لها بلوم :" لماذا؟؟ "

عضت شفتيها هامسة :" لقد آذيتك كثيراً و لن ترى وجهي بعد الآن "

--

حَسناء الآن متزوجــة و مُهاجرة مع زوجها للبحث عن فرص عمل أكثر .. زوجها .. بالطَبع ذلك الحُسام و لم أعد أغار و لم أعد أشتاق لعِشق حسناء تعلمون لماذا ؟؟

سأخبركم الآن ..

جاء صوتها بمرح :" المَكرونة ، المَكرونة ! من يُريد ؟؟! "

بمرح تأتي لتضع على المنضدة الأطباق التي تتصاعد من الأبخرة قبل أن يُصفر سراج بشغب :" ياه! ما هذه الابداعات يا علياء؟؟ "

ابتسمت علياء و هي تنظر لشروق :" شروق اتركي هذا الحاسوب و تناولي عشائك "

همهمت شروق :" حسناً.. حسناً ! شيف علياء "

نسقت أنا أمامي الصحون قائلا :" المكرونة فعلاً شهية سنلتهمها إذ لم تتركي الحاسوب .. ياسين لن يفيدك "

شهق سراج بفوضوية :" هل كانت تتحدث مع خطيبها؟؟؟؟؟ قد كذبت و قالت أن لديها مشروع مهم "

ثم نهض و سحب الحاسوب منها بعنف :" هاتي حاسوبي يا كذابة !! "

صاحت شروق :" سراج! صدقني أنا أعمل على المشروع أنظر أنظر للصفحات المفتوحة "

نظرت لهما ضاحكاً و عُدت أرمق علياء التي انحنت لتقبل ابننا بحنان :" حبيبي هل أنت جائع؟ دقائق "

استوقفتها مبتسماً :" أنا أيضاً جائع "

و غمزت لها فنظرت لي هامسة :" ستشبعك المكرونة "

و مضت ..

اكتشفت أن هناك قفزة نوعية تتعرض لها الفتاة لتتحول فجأة من فتاة مدللة لامرأة ناضجة .. و كانت هذه القفزة لدى علياء لحظة خروجها من غُرفة الولادة .. مع وجود الطفل ! تخلت علياء عن كل التصرفات الطفولية!

و لكني أحمد الله أني أطعتها في شيء واحد !

حينما طلبت مني أن أسكت عن موضوع الاجهاض و طلبت مني الدعاء فقط لتسري الأمور على خير ! كنت أنظر لها على أنها مجنونة لا تعي مصلحتها و كنت واثق من عودتها لسابق عهدها .. مُقعدة!

لكن جسدها كان أقوى و أسرع ليتمكن من تماسك الساق مع الجسد بشكل سريع لم يؤثر عليه الحمل ! حمدت ربي و أيقنت أنها رحمة إلهية و رغم انني لم اكن متحمساً لهذا الابن القادم ..

إلا أنه جاء أخيراً .. ها أنا أرى ابتسامته الرائعة! بربكم لم أعش أياماً أجمل من هذه الأيام و أنا أستيقظ كل صباح على صوته بكاءه ..

ابتسمت و أنا أمط خديه بمشاكسة و سَرحت لفترة .. و أنا أنظر له و هو يتمسك بأصابعه الصغيرة بقميصي و هو ينظر لنظارتي بفضول .. يمد أصابعه الصغيرة بمحاولة لنزعها .. أشحت بوجهي .. ثم عدت أنظر لها و هو يعاود المحاولة ..

فكرت .. يا وَلدي هل سأتمنى لك أن تصبح مجنوناً مثلي؟؟

سؤال لحّ علي كثيراً !

هل كانت الأجسام المعدنية قادرة فعلاً على اعادة وداد؟؟!

رُبمـا!

تمت –

16 – 2 – 2011 مـ

♫ معزوفة حنين ♫ 07-02-13 07:58 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 



تمت :5rfd3: ..
جاري اضافة ملفات التحميل في اول صفحة =) ..

قراءه ممتعــــــــــــــــــه للجميع ..



fadi azar 08-02-13 09:04 PM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
رائعة جدا اعجبت بها

sunsat 13-02-13 05:11 AM

رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
 
ربي يسلم ها الأنامل وما ننحرم من عطر تواجدك


الساعة الآن 10:33 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية