فسّرت كلمات تشارلز بأشياء كثيرة، وخصوصا الرسالة التي تسلمتها من أندريه بعد عودتها من باريس ، وفيها يعلمها بتهذيب انه لا يستطيع الزواج منها لأنه كان متزوجا ولا يستطيع الطلاق.
لف تشارلز ذراعه حولها وقال بحنان: " آسف يا عزيزتي ، إنما كان علي أن أخبرك ، فمن حقك أن تعرفي ". رفعت هارييت وجها حزينا وقالت: " ماذا أستطيع ان أفعل ؟ لم أعرف ن لم افهم ، ظننت ... ليتني كنت اعلم...". " أجل ولكن ما كان بإمكانك فعله؟". أرتجفت شفتاها وهمست: " لا أعلم ، لا اعلم". أضاف تشارلز: " يا للرجل المسكين ! اخذ أكثر من نصيبه من التعاسة". فقالت بزفرة حارة: " إنه يعتقد أنني اكرهه". " وهل تكرهينه حقا؟". هزت رأسها: " لقد حاولت ، ظننت أنني أكرهه لكن حين رايته....". " ادركت أنك لا تستطيعين ؟". أومأت قائلة : " انا أحبه يا تشارلز ، وأعتقد أنني احببته طيلة الوقت". " هل يحبك أيضا؟". حدّقت امامها وقالت : " لا أعرف ، في كل حال فات الأوان". " لماذا؟". منتديات ليلاس " أوه تشارلز ، لا يستطيع المرء أن يفتح ويقفل عواطفه وكأنها حنفية ماء ، لو عرفت ربما إختلف الأمر". " إذن هي غلطتي ، كان يجب أن أخبرك". " لا تتغابى". نظرت اليه من خلال دموعها وأكملت: " ليس من المفروض أن تعلم ، كان على اندريه ان يخبرني بنفسه ". طرقة على الباب أنهت المحادثة ، اطلت سوزان ونظرت بإهتمام عندما شاهدت هارييت تبكي. وهتفت: " ما الأمر ؟ هل انت غاضب من هارييت يا سيد هوكني؟". " كلا ، كلا ، كلا". تقدم تشارلز من الفتاة ليعطي هارييت الوقت الكافي لتهدأ وقال لها موضحا: " كنا نتكلم عن صديق لنا واجه حظا سيئا جدا في الآونة الأخيرة ، فحزنت خالتك". ذهبت هارييت الى المتجر صباح الإثنين بعدما تاكدت ان سوزان ستكون على ما يرام أثناء غيابها لساعات ، وهي تلهو بلعبة الرسوم المقطعة التي أعارها إياها تشارلز". رن الجرس الصغير عندما فتحت هارييت الباب ، وأتى تشارلز بنفسه ليستقبلها هاتفا: " هارييت ! لم أتوقع قدومك اليوم". أقفلت الباب وراءها وقالت: " اجل ، أعلم انك لم تتوقع قدومي ، لكن ساق سوزان المقطبة تمنعنا من القيام باي نشاط ، لذلك أفضل العمل على الجلوس في البيت ". فهم تشارلز قصدها لكنه لم يعلق ، كانت هارييت مسرورة ، فكفى ما دار بالأمس من مصارحة ، اما اليوم فتريد ان تمسك بحبل حياتها ، وتحاول أن تنسى الذي جرى ، إنها لا تستطيع العودة الى أندريه بعد الطريقة التي عاملته بها ، ومن المستحيل أن يعود هو اليها. إتصلت والدتها مساء الإثنين للإطمئنان عن سوزان وتكلمت معها ولم تحرص سوزان على عدم تكدير جدتها ، لأنها طفلة ويسمح لها بأكثر مما يسمح للبالغين. وحين إنتهت المكالمة بدت سوزان قلقة فنظرت اليها هارييت بفضول لكن الفتاة إكتفت بالتنهد وجلست في مكانها على الأريكة ن فسالتها خالتها وقد اصبحت على دراية أكبر بمزاجها الحساس: " ما الذي حدث؟". إتكأت الطفلة على الوسادة وأجابت بتجهم: " لا شيء". لكن هارييت لم تصدقها وسألتها: " هيا ، أخبريني ، ماذا قالت جدتك؟". فغصّت بريقها وردت: " لم تقل إلا القليل". ثم تهدّل كتفاها وأردفت: " هل بإمكاننا زيارة جدتي ؟ إنها قلقة جدا على ساقي". نظرت اليها خالتها متعجبة وقالت: " هل ترغبين بالذهاب الى غيلفورد؟". توردت الفتاة وقالت: " ليوم واحد فقط ، نستطيع إحتماله ؟ اقصد ، ألا ترغبين بمشاهدة والدتك؟". حاولت هارييت ان تكون صبورة وسألتها: " هل تشعرين بالضجر هنا ؟ أهذا ما يقلقك ؟ إن كان ما اقوله صحيحا فتكلمي يا حبيبتي ، إنني افهم أنك لا تتمتعين بالعطلة ولكن حتى تشفى ساقك لا نستطيع عمل شيء". هزت سوزان راسها قائلة: " لا أحس بالضجر ! إنني احب هذا المكان ، لكن جدتي قالت أنها إشترت لي هدية". بدأت هارييت تفهم سبب قلقها وسألت: " لماذا لم تقولي ذلك منذ البداية ؟". بدت سوزان مرتبكة وغمغمت اخيرا: " إنه كلب". ذهلت هارييت وكررت : " كلب ! من كان ليظن حصول هذا !". " ماذا تقصدين يا خالتي ؟". " جدتك لم تسمح أبدا للحيوانات بدخول البيت لكن من الواضح أنها كسرت القاعدة من أجلك". فهتفت سوزان بإنفعال: " إنه امسر سار ، أليس كذلك ؟ سأصطحبه في نزهات ، وجدتي تقول إنه بإمكاني أن أدربه بنفسي عندما اتعافى ، هل بإمكاني تربيته هنا؟". " كلا إذ لا يسمح بتربية الكلاب في الشقق ، وجدتك تعلم هذا". عبست سوزان قائلة: " يا ألهي ، لن تقبل جدتي أن تعتني بالكلب لمدة شهر". " كان عليها أن تأتي به في آخر الفصل". أجابت الصغيرة: " لكنها ظنت أن لدي متسعا من الوقت في العطلة لكي أدربه". نهضت هارييت وقالت: " والان ، ما العمل؟". تنهدت سوزان بكآبة وحزنت خالتها لحالها ، لم تكن غلطتها فالسيدة أنغرام تعمل ما يحلو لها. قالت لإبنة أختها: " من الأفضل أن تعودي الى بيت جدتك ، إنها على حق فأنت تستطيعين تدريب الكلب في اثناء العطلة". ردت سوزان بإرتياح: " هل حقيقة تعتقدين ذلك ؟ لا أريد ان أتركك". " لا تقولي هذا يا حبيبتي ، لقد نلت إجازتي والآن من الأفضل أن أعود الى العمل ، إذهبي انت وتمتعي بهديتك". |
لم يكن النهار الذي قضته عند اهلها في غيلفورد نهارا بسيطا ، أخذت هارييت ملف سوزان الطبي لتعطيه للطبيب هناك ، وكان عليها أن توضح كيفية تنظيف الجرح لوالدتها التي صعقت عندما رات المنظر وهتفت:
" يا للبنية المسكينة !". وعطفها المتزايد كاد يحمل سوزان على البكاء. أما الجرو فكان متعة للعين وأحست هارييت بالإرتياح في طريق عودتها بعدما تركت سوزان وهي تلاعب الكلب قرب المدفأة . لم تبق سوزان عند هارييت لوقت طويل حتى تعتاد عليها ، وبعد أيام عادت الى روتين حياتها ، إنما لم تستطع ان تنام جيدا ولا ان تأكل بشهية ، وفي أوقات يقظتها لم يساورها إلا فكر واحد هو أنها قضت على أملها الوحيد في إيجاد السعادة، ولو إستطاعت أن تعيش الأسابيع الماضية في فرنسا ثانية ، وهي تعلم أن ما قاله لها تشارلز ، لأختلف الأمر تماما. في بعض الأوقات كانت تفكر بالعودة الى روشلاك ، لم تطلب من الوكيل بيع البيت ، وتصورت دهشة أندريه لو علم أنها تعيش فيه مرة ثانية ، لكن عندما تتصور أنه من الممكن ان يعاملها كما عاملته هي ، كانت ترفض ان يحدث ذلك ، لا جدوى ، فهي لا تملك الشجاعة الكافية على العودة وعلى طلب ما كانت ترفض الحصول عليه. وفي أحد الأيام حصل شيء غير متوقع ، كانت تلبي طلبات أحد الزبائن ، عندما فتح الباب ودخل بول لاروش ، نظرت صوبه وإتسعت عيناها من الدهشة والخوف عندما رأته ، كان يرتدي بنطلون جينز وقميصا رثا ، لا يختلف عن أي شاب تراه على الطريق ، لكنه لا يشبه بالتأكيد الزبائن الذين يترددون على المتجر ، كان تشارلز يعلم أن هارييت مشغولة فأتى من الغرفة الخلفية ثم عبس عندما شاهد الصبي ، وقال له: " نعم؟". كانت هارييت تحاول التركيز على العمل بين يديها لكنها سمعت اللهجة الرادعة في صوت تشارلز فايقنت أنه سيتخلص من الشاب ، إستأذنت الزبون الذي كان يتامل شمعدانا أثريا ووقفت بين الرجلين ، نظر اليها تشارلز بصبر نافد فقالت له بسرعة: " هل تعرف إبن أندريه يا تشارلز؟". بدا تشارلز مندهشا فإستدارت هارييت نحو بول ولاحظت كم فقد الصبي من وزنه ومن غطرسته السابقة ، وربما المشهد الذي رآه بينها وبين والده قد غيّر مشاعره إتجاهها ، وخاطبته بعفوية: " هل تبحث عني؟". وتساءلت بخوف إن كان حصل شيء لأندريه ، فأجابها بول: " أجل". وإبتسم لتشارلز الذي كان يستعيد رشده ، ثم ركّز إهتمامه على هارييت وقال لها: " هل بإمكاني أن اتكلم اليك؟". فقال تشارلز: " بإمكانكما إستعمال مكتبي". لكن هارييت لاحظت إضطراب بول فقالت لتشارلز: " بل سنذهب لتناول بعض القهوة". وشدّت ذراع تشارلز وهي تمر به ليفهم ثم تبعت بول الى الخارج . كان النهار مشمسا فمشيا بإتجاه الحديقة العامة إقترحت هارييت أن يشتريا بعض الكعك والعصير ، إلتهم بول الكعكة كأنه يموت جوعا ، فأحست بالألم وهي تراقبه وسألته: " متى تناولت الطعام لآخر مرة؟". فإحمر وجه الشاب وأجاب: " يوم أمس". تنهدت وأعطته كعكتها التي أكلها بالطريقة نفسها ، جلسا على مقعد في الحديقة وأدارت هارييت نحوه نظرات متسائلة وقالت: " ماذا تفعل في لندن ؟". فتح بول علبة العصير قبل أن يجيب: " لقد هربت". فصاحت به: " ماذا ؟ ولماذا فعلت هذا؟". " هربت منذ عشرة ايام تقريبا وفي تلك الليلة التي وجدتك مع أبي!". حدّقت اليه بإنذهال وهمست: " أوه ، كلا ! ولكن يا بول...". " لا تغضبي ولا تلومي نفسك ، كان علي أن أصدق .... لكنني هربت....". شرب بعض العصير وكانت هارييت تفكر بما ستفعله فسالته: " هل يعلم والدك اين أنت؟". هزّ رأسه قائلا: " لا أظن". " إذن فهو مشغول عليك الى حد الجنون!". " أجل ". بدا بول جادا فإنفجرت تهتف بتذمر: " ألا تبالي؟". فردّ عليها بصدق: " وهل تبالين أنت؟". عندها إحمر وجهها وقالت: " إننا لا نتكلم عني". " بل نفعل ، لأنك هربت أيضا ، اليس كذلك؟". فحدقت اليه وسألته: " كيف عرفت أنني عدت الى لندن؟". " لأنني لم أجدك في البيت ، واين ستكونين إذن؟". تملكتها الحيرة فسألته ثانية: " وضّح لي من فضلك ، ماذا كنت تفعل في البيت؟". تنهد بول وقال: " حسنا ، قضيت الليلة في القصرعندما شاهدتكما معا لأنني عرفت أن والدي لن يبحث عني هناك وكان يلزمني وقت للتفكير ، في اليوم التالي ذهبت الى عمتي في سارلات ، لم تشك في أمري لكنني فهمت انني لا أستطيع البقاء طويلا ، فعدت الى روشلاك لأنني أردت مشاهدتك والتحدث اليك ، ولما لم أجدك هناك قررت السفر الى لندن". هزّت هارييت رأسها وكأنها لا تصدق وقالت: وهل لديك جواز سفر؟". فهز راسه نفيا: " إذن كيف كنت تعيش؟". " إستدنت بعض النقود من عمتي ، وبواسطة النقل المجاني وصلت الى ديجون في سيارة شحن ، ثم إختبأت في المركب الى هنا". كان يبدو فخورا بما فعل لكن هارييت إرتعبت وشحب وجهها مما جعل بول يسالها عن السبب فطمأنته قائلة: " إنني بخير ولكن كيف تتصور حالة أبيك الان؟". فاحنى كتفيه ولاحظت كم ضمرتا عن السابق ، أجابها: " لست أدري ، ربما هو لا يبالي". " أنت تعلم أن ما تقوله ليس الحقيقة ، فهو تبعك في تلك الليلة ليحاول ان يشرح لك الأمور...". وفهمت لماذا لم يعد أندريه اليها.... تنهد بول ثم سأل: " وأنت لماذا هربت؟". فقالت تنكر الحقيقة وهي تعلم أنها تنكرها: " انا ما هربت بل جئت بسوزان الى بيتي هنا". " لكن والدي يهتم بك أليس كذلك ؟ هل تبادلينه نفس الشعور؟". بدت خائرة القوى وقالت بصراحة: " أجل ابادله الشعور ذاته ، هل هذا ما أردت سماعه؟". قطب بول حاجبيه قائلا: " كنت ارغب دائما في المجيء الى لندن ، لكن والدي لم يسمح لي أبدا ، لقد إتخذتك عذرا". " فهمت". " اما الآن فأريد العودة الى البيت". أخفت إرتياحها وسألته: " كيف وجدتني يا بول؟". "وجدت إسم والدتك في دليل التلفون وإستعملت آخر نقودي لأتصل بك ، لكن إمرأة خرى ردت عليّ تدعى السيدة بيرنز ، أعطتني عنوانك هنا ، فجئتك كما ترين". تنهدت هارييت قائلة: " أوه ، بول !". " كانت مغامرة شيقة أليس كذلك؟". " كيف سأعيدك الى فرنسا وأنت لا تملك جواز سفر؟". نظر اليها بول متوسلا وقال: " ستجدين طريقة ، إنني واثق من ذلك". وتساءلت هارييت ، هل جاء الى لندن لمقابلتها أم لكسب عطفها ؟ لكنه أراد أن ياتي الى لندن وربما لم تعجبه ، في كل حال ، إنها مدينة لأندريه بإعادة إبنه الى البيت ، والشخص الوحيد الذي يمكنه إيجاد طريقة هو تشارلز. |
11- وإنقشع الضباب
تركت هارييت منزل تشارلز في وقت متأخر ، حيث أمضت أمسية طويلة مع بول بينما كان تشارلز يتصل ببعض الأصدقاء في وزارة الخارجية ويحاول تفسير الأمور للمراجع المختصة ، تقرر سفر بول صبيحة اليوم التالي على متن طائرة ثم يستقل سيارة تنتظره في المطار لتأخذه الى البيت ، طلب تشارلز من الشاب أن يقضي الليلة عنده ، الأمر الذي أراح هارييت ، وبالرغم من ذلك احست بالإرهاق عندما وصلت الى شقتها ، ثم رأت سيارة والدها متوقفة امام البناء ففكرت بإعياء ، ماذا الآن ، ماذا يفعل هنا في هذه الساعة المتأخرة؟ لم يكن في السيارة وادركت أن حارس البناية قد ادخله الى الشقة ، إستقلت المصعد وعندما وصلت الى الممر ، رأت في الظلام رجلا متكئا على الحائط ، كتمت صرخة خوف ، ولكن حتى في الظلام عرفت أنه أندريه ونظرت اليه بشغف ، فقال لها: " لقد تأخرت". كلماته الباردة اعادتها الى الواقع فإحمر وجهها ، ماذا يفعل هنا ؟ هل أتى باحثا عن بول ؟ وإن فعل لماذا يفترض انها تعلم شيئا عن الموضوع ؟ بحثت في حقيبتها عن المفتاح وفتحت الباب ودعت اندريه الى الدخول ، سبقته الى البهو لتضيء النور ، تبعها اليه ومن ثم الى غرفة الجلوس حيث نزعت سترتها ، كانت متضايقة لأن شعرها مبعثر وعلى كم قميصها الحريري بقعة دهان ، اما أندريه فكان يرتدي بزة رمادية في غاية النظافة ، ويبدو مرهقا منشغل البال ، قالت له بصوت أعلى قليلا من المعتاد: " أظنك تبحث عن بول".منتديات ليلاس ثم إرتعدت عندما إجتاز الغرفة بإتجاهها وهزها من كتفيها قائلا بوجوم: "بول ! هل رايت بول ؟". كانت عيناه تلمعان ببريق غريب واحست هي بحيرة شديدة فردت متلعثمة: " أنا... اجل لقد رأيته". " ولم تفكري في ان تعلميني بذلك؟". تركها بخشونة فجائية كادت تفقدها توازنها وأردف: " ولماذا تتصلين بي ما دام الأمر لا يهمك، اليس كذلك؟". نظرت اليه بخواء ومدت يدها لتمنعه من الأنصراف وقالت: " إنتظر يا أندريه ، لم يكن عندي وقت لأعلمك ، رأيته لأول مرة اليوم ! ". " ماذا؟". وإستدار ليحدق فيها غير مصدق كلامها فتملكها الإرتباك وأجابت بصدق: " هذا صحيح ، أقسم لك ، لقد أتى الى المتجر صباح اليوم". تنفس اندريه بصعوبة وقال وهو يمرر اصابعه المرتجفة في شعره: " لقد فتشت عنه في كل مكان ، يا الهص ، كيف اتى الى لندن؟". فاخبرته هارييت قائلة: " اتى الى ديجون ثم إختبأ على المركب". " يا ألهي ، واين هو الآن ؟". " إنه يقضي الليل عند تشارلز". " هوكني؟". " نعم". وحركت كتفيها متابعة: " لقد جئت لتوي من هناك ، هذا سبب تأخري". " وهل هو على ما يرام؟". " بول ؟ أجل إنه يرغب في العودة الى البيت ، وقد إهتم تشارلز بالترتيبات اللازمة لذلك". كان أندريه كأنه لا يصدق ما يسمع ، فأشارت هارييت نحو المقعد وهي تتساءل ، إذا لم يأت أندريه الى هنا بحثا عن بول ، إذن لماذا اتى؟ وغمغمت بلطف: " أرجوك ، تفضل بالجلوس ، ساحضر القهوة". هز راسه كأنه دائخ وقال وهو يتقدم خطوة منها: " يجب علي ان أعتذر....". لكن هارييت أسكتته قائلة: " لا حاجة...". " حسنا ، إعذريني إن كنت قد روعتك ، لكن هذا الأسبوع كان رهيبا ". لاحظت الألم في عينيه عندما تابع قائلا: " أولا بول ، ثم أنت ! أعجب كيف لم افقد عقلي بعد". فردت بصوت مرتجف: " اوه ، اندريه ، ماذا تفعل هنا؟". " يجب ان تفهمي أن الوقت متأخر وأنني متعب ، لكن كان علي أن أراك ، لقد إنتظرتك ساعتين تقريبا". فشدّت على خصلة من شعرها بشرود وسألته: " السيارة التي تقف في الخارج ، أهي سيارة والدي؟". " أجل ، ولكن لا تطلبي مني أن اشرح لك... ليس الآن ، دعيني فقط انظر اليك". إسودت عيناه ، وأحست بضعف في ركبتيها وهي تلفظ إسمه بإحتجاج إنما لا شيء إستطاع ردعها عن لمس وجهه المرهق ، قال وهو يتنفس بعمق: " لقد تركتني اكثر من مرة ، فماذا أستمر بالعودة؟". بللت هارييت شفتيها بلسانها وهمست: " قل لي أنت السبب". " لقد كتبت لتشارلز؟ ألم يخبرك ؟ لكنه لم يجب فإعتقدت أنك قد تزوجت فروضت نفسي على الفكرة ، الى أن ظهرت مجددا كملاك منتقم وحطمت راحتي النفسية الى الأبد". " أوه ، اندريه ، يجب ان تصفح عني....". " اسامحك ، لماذا؟". هز رأسه بمرارة وتابع: " لانك تركتني عندما كنت في أمس الحاجة اليك؟". إرتجفت هارييت وقالت: " لم أستطع إعلامك ". " لقد تسلمت رسالتي وكان بإستطاعتك إجابتي عبر صالة المزاد ". " أندريه ، كنت متزوجا ! وقلت ان لا مجال للطلاق". " اللعنة ! إنني اعلم ، اعلم... لكن كان عليك ان تفهميني ان الحالة لم تكن حسبما تظنين ، أعلم أنك تتصورين أنني اسأت معاملة زوجتي ، ربما أنت على حق لكنها لم تعلم". إستدار فجاة وتابع وهو يمسد عنقه بيده المتعبة: " كانت مريضة ... تعاني من مرض عقلي ، وقضت آخر إثنتي عشرة سنة من حياتها في مستشفى للأمراض العقلية !". " إنني اعلم ". فنظر اليها مستغربا وقال: " تعلمين ! ". قام تشارلز بالإستقصاءات اللازمة بعدما كتبت اليه". " إذن عرفت ! ". بدا على وجهه عذاب مرير فسارعت الى القول: " عرفت هذا منذ بضعة ايام فقط". |
تقدمت منه بشوق واضافت:
" أندريه ! أندريه ، تصورت أنك لا تهتم ! إنك لن تهتم ابدا". فغمغم وهو يمرر اصابعه في شعرها : " كنت فتاة صغيرة وجميلة ، فلم أسمح لنفسي ان أطلب اليك هدر شبابك في إنتظاري". " واي هدر هذا ، ليتك اعلمتني !". تنهد اندريه: " لم استطع ذلك ، إذ لو أخبرتك لصممت ربما على إنتظاري ، ولربما أضجرك الإنتظار ، وما كنت لأطيق ذلك". " أوه أندريه !". نظر الى فمها وسألها برقة: " هارييت... ألا تريدين أن تعرفي سبب وجود سيارة والدك في الخارج؟". " إذا اردت أن تخبرني ...". تحركت شفتاه بكسل: " ألا تريدين أن تعرفي أنني عدت لأصطحبك معي؟ وأنني قلت لوالديك أنني أنوي الزواج منك ؟". إتسعت حدقتاها وقالت وهي تركع قربه وترمقه بشغف: " عدت لتطلب مني هذا يا اندريه؟". فاجابها: " تلك الليلة ، في البيت ، قبل أن يقاطعنا بول ، لا تنكري أن حبك لي كان ظاهرا". إحمرت وجنتاها وإعترفت له بحبها. فتنهد لصبر نافد وقال: " ولكنك هربت". " كان علي أن أهرب... شعرت بالخجل ، لم أثق بك ولا بنفسي ". " أوه هارييت ، ليتك سمحت لي بأن اوضح الأشياء..".منتديات ليلاس فاجابت وهي تلمس خده باصابعها الدافئة: " تشارلز فسّر كل شيء بالنيابة عنك". " أشكر الله على وجود تشارلز ! ( ثم إبتسم لها بدفء وأردف) " : " لقد ذكرت شيئا عن القهوة". فنهضت وتبعها الى المطبخ ووقف ينظر اليها ، كان قد خلع سترته فحدقت اليه وهي تفكر انها لم تحس بقوة حبها له مثل الآن ، قال: " لم تتعجب والدتك عندما رأتني". " وماذا قالت؟". " سالتني لماذا أردت مقابلتك واعتقد أن اباك أدرك قصدي". " لكن لماذا ذهبت الى غيلفورد؟". " كان المتجر مقفلا والساعة تناهز الخامسة...". " أجل ، لقد أقفل تشارلز مبكرا من أجل بول". " تذكرت أن والديك يسكنان غيلفورد ، فأخذت القطار الى هناك ..". فاكملت عنه: " ووالدي أعارك سيارته لتأتي بها الى هنا؟". " عندما أكدت له نواياي الحسنة". " وماذا عن بول؟". تنهد أندريه ، فقالت: " إنه يعلم بعلاقتنا". " رآنا معا ، هذا ما تقصدين؟". فردت بإرتباك : " كلا... أنا... أنا أخبرته أنني احبك". "وماذا أجابك؟". " لم يستغرب الأمر". " أجل ، لم يستغرب، ففي تلك الليلة... حين قصدتك لأدعوك الى العشاء معنا ، قلت له وللويز عن شعوري نحوك". " أوه ، أندريه!". " لا أحسبه صدقني ، ربما لذلك أتى الى البيت ، في كل حال إختفى تلك الليلة ولم أره بعد ذلك". " قال لي بول انه أمضى تلك الليلة في القصر ، وفي اليوم التالي ذهب الى سارلات". " شقيقتي ، أجل ، سمعت بذلك ... هاريت ، أمضيت الأسبوع وأنا ابحث عنك ، اردت أن أتبعك في الحال لكن ضميري لم يسمح لي ، كان علي أن أجد بول اولا ، وفي الأخير لم أستطع الإنتظار أكثر ، وماذا وجدت؟ وجدت أنك عثرت على إبني !". فصححت له بلطف: " كلا ، هو الذي عثر علي". وأخبرته كيف وجد بول عنوانها. شرعت القهوة تغلي في الأبريق لكن هارييت لم تلاحظ ، قال اندريه: " أريدك أن تأتي معي الى فرنسا... معي ومع بول". " حسنا ، إذا كان هذا ما تريد". " حبيبتي ، أنت تعلمين ماذا أريد بل ماذا اردت دائما ، ولكن يجب أن أتكلم أولا عن آيرين...". " آيرين ؟ زوجتك؟". تنهد قائلا: " أجل ، لن أكذب عليك بالقول أنني لم أكن أحبها ، كنت أراها رائعة وكنت شابا في مقتبل العمر... لم تظهر عليها اعراض المرض إلا في وقت لاحق". فوضعت اصابعها على شفتيه وقالت: " لست مضطرا الى إخباري...". فأجابها أنه يريد ذلك ، وتابع: " اشياء كثيرة حدثت منذ تزوجنا ، لقد خسر آل روشفور الكثير اثناء الثورة ، كنا أغنياء ، والآن اصبحت مجرد مزارع". " أتظن أن الأمر يهمني؟". " أظن أنك تحبينني..". " أجل". " وأنا أحببتك وسأحبك حتى النهاية ، هل يكفي هذا؟". " وماذا اريد أكثر؟". " هناك شيء واحد يجب أن اضيفه ، إن الطبيب الذي عالج آيرين في ذلك الوقت قال أن الحمل زاد حالتها سوءا". " لا يهم هذا يا حبيبي". أجابها وعيناه تتقدان حبا: " الأمر مهم بالنسبة الي ، فلا أحتمل أن يصيبك مكروه ، والحمل شيء مشؤوم في حياتي ، لقد تعذبت آيرين كثيرا ، وأنت...". " لماذا تقول هذا يا أندريه؟ ألا تريد أن يكون لنا أطفال؟". " ربما". فأخفت وجهها في صدره وهمست بصوت أجش: " حاول أن تمنعني !". " لا أحسبني أستطيع ذلك !". فإبتسمت ورفعت اليه وجهها المشرق بالهناء والإخلاص ، فيما زينت شفتيها إبتسامة عذبة. تمت |
يعطيك العافية حبيبتي
مجهود حلو وتسلم اناملك الذهبية يلي عم بتمتعني بااحلى الروايات ويارب ماننحرم من تواجدك المميز بيناتنا موفقة دائما :8_4_134: |
الساعة الآن 03:01 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية