منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   139 - بيني وبينك خفايا - ليليان بيك - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t168947.html)

نيو فراولة 16-10-11 09:16 AM

لم تره ثانية لبضعة أيام , كانت تعلم أنه ما زال في البيت أذ سمعته مرارا يحدث السيدة ماسترز ويداعب فليك في المطبخ , تساءلت عما أذا كان يتعمد الأبتعاد عن طريقها , لكنها رفضت أن تتفاءل حتى بهذه الفكرة , فهو كان في الواقع غير مكترث بها ويشعر بالتالي أنها لا تستأهل منه أضاعة وقته في الأهتمام بها.
وذات صباح , أخذت فليك الى المطبخ ثم صعدت الى غرفة كليفورد , سمعت أصواتا في الداخل , وفيما هي تهم بطرق الباب تناهى اليها صوت موراي يقول:
" بحق السماء يا رجل , تودد اليها أحيانا وأسمعها كلمات حب! هذه الفتاة ستصبح زوجتك , ولا يمكنك الأستمرار في معاملتها كمستخدمة حين ترسلها الى بيتها فور أنتهاء العمل , هناك حقيقة يجب أن تعرفها , هي أن عواطفها ما تزال نائمة كعواطفك , ولذا لا تتوقع منها أية ( مساعدة) على حد قولك , وأذا كنت تريد هذا النوع من ( المساعدة) فتزوج أمرأة أرملة".
تراجعت عن الدرج فلم تسمع جواب كليفورد , لكنها سمعت موراي يرد بصوت مرتفع:
" ماذا؟ تقول أنها باردة؟ كم أتمنى أن أثبت لك عكس ذلك , حاول أن تعانقها بمحبة لتمتحن تجاوبها وتجاوبك أنت أيضا".
بدا الأمر كما لو كان كليفورد يطلب نصيحة أخيه , ويتلقى أمثولة لم يتوقعها , وعاد صوت موراي يرتفع بقسوة:
" أذا كنت تعتقد ذلك يا أخي.... يا ألهي, أذا كنت تشك في أنه لا يحق لك الزواج في أية أمرأة , وبخاصة من هذه الفتاة الجذابة.........".
فرّت هاربة على الدرج ومنه الى المطبخ ... داعبت فليك ثم حملته وألصقته بخدها الملتهب , وقالت تفسر مجيئها للسيدة ماسترز:
" السيد ديننغ مشغول بالتحدث الى أخيه".
أنفتح باب في الطابق العلوي فقالت المرأة:
" ها هما قد أنتهيا , يمكنك الآن أن تصعدي يا عزيزتي".
أرتقت الدرج في بطء وهي ترجو أن يكون موراي قد دخل غرفته , لكنه كان يقف على الدرج ينتظرها ,وسألها من دون أن يبتسم لها مرحبا :
" متى وصلت؟".
تحاشت النظر الى عينيه وهي تجيب:
" منذ بعض الوقت , هل أدخل عليه؟".
" ولماذا تسألينني ؟ أنا لست قيما عليه".
مرارة صوته جعلتها تنظر اليه فرأت الغضب في عينيه.
دخلت على كليفورد , فسارع الى جذبها اليه ومعانقتها فما شعرت بأي تجاوب , لكنه بدا راضيا عن نفسه , وقال مشيرا الى المقعد المجاور للسرير:
" أجلسي يا عزيزتي , أنني أشعر بتحسن كبير هذا الصباح , وسأنهض عما قليل".
كان ما يزال يمسك يدها بأحدى يديه فتركتها حيث هي وقالت:
" يسرني هذا يا كليفورد , هل ترغب في بعض الأملاء قبل أن تنهض؟".
فرد مبتسما:
" أجل , سأفعل , فذهني اليوم صاف بسبب تأثيرك علي".
أبتسمت في وهن وشعرت بشيء من الغثيان ,ودت لو تجيبه , أنه تأثير أخيك عليك وليس تأثيري..... أخوك الذي عزز ثقتك الذاتية فزودك بشجاعة زائفة وأرشدك كيف يجب أن تعاملني .... لكن الشجاعة هذه لن تدوم طويلا , فلن يمضي يوم أو يومان حتى يكون نسي النصيحة , ويعود الى موراي يطلب النجدة مجددا ليعطيه حفنة أخرى من الأقدام أو درسا جديدا في معاملة النساء!
أكبت على العمل حتى العصر , وسألها كليفورد قبيل ذهابها:
" هل أنت مشغولة هذا المساء؟".
" لا , سأذهب فقط في نزهتي المعتادة".
فأم***ا من ذراعها وقال وعيناه تتوسلان اليها :
" هل تعدلين عن النزهة لتقضي معي السهرة يا عزيزتي؟".
لو كان موراي الذي يتكلم لطلب أن يرافقها في نزهتها وليس أن يبقيا داخل البيت.... أحست ضيقا لم تدر له سببا , وأجابت:
" سآتي بكل تأكيد , وسيسرني ذلك".
حين عادت مساء كان موراي في غرفة الأستقبال أيضا , ونهض لدى دخولها, ولما أخذت مكانها الى جوار كليفورد , أسند موراي مرفقيه على رف الموقد ورمقهما في سخرية , أحاطها كليفورد بذراعه كما لو كان يحاول أثبات شيء لشخص ما , فأقتربت منه طائعة , فيما أتسعت أبتسامة موراي , وغمغم:
" يجب أن أنسحب من الطريق لئلا يقال أنني تطفلت على خطيبين متحابين".
ثم سأل أدريان بحدة:
" أين فليك؟".
" مع السيدة ماسترز , لماذا تريده؟".
" سآخذه لنتمشى".
لم يكن سؤالا بل تصريحا غير قابل للرفض , وخرج يهتف للكلب .
أضطرت أدريان لأن تجلس قرب خطيبها بلا حراك , وهي تصغي الى عواء كلبها الذي جن فرحا بمشروع التنزه مع شخص غريب تقريبا , ومع ذلك بدا وكأنه يدفع بها الى المرتبة الثانية في قلب فليك ... حتى بالنسبة للكلب , ما عادت تحتل المرتبة الأولى....
ضيقها من هذا الرجل الذي بدا عاكفا على تمزيق حياتها , تعاظم في نفسها الى حد عدم الأحتمال , حين يعود , ستطلب منه بعبارات صريحة أن يتركها وخطيبها يعيشان حياتهما كما يحلو لهما ومن دون أي تدخل منه.
لكنها لم تره تلك الليلة , أذ دخل ولا شك من الباب الخلفي وصعد الى غرفته رأسا بعد أن ترك الكلب مع السيدة ماسترز.

نيو فراولة 16-10-11 09:18 AM

لم تر موراي في اليوم التالي , في الكوخ , وفي أثناء العمل , كانت تتوقف بين الفينة والفينة ترهف أذنيها , فتتخيل أنها تسمع وقع قدميه ألا أنه لم يأت.... في الصباح جاءتها السيدة ماسترز بالقهوة وفي العصر بالشاي وبدأت تتوق الى مرآه , ولا تشترط حتى أن تسمع صوته أو كفه.....عنفت نفسها على رعونتها هذه , فهي مخطوبة الى كليفورد وليس اليه.
وفي المساء راحت تتنزه , وأخذت تؤرجح مقود فليك بين أصابعها وهي تمر بالأزهار البرية المتفتحة في شجيرات السياج , تنفست عبير الصيف العابق حولها , فأنساقت خلف حلم لذيذ على أيقاع زقزقة الطيور. وحين عبرت المنعطف رأت رجلا ينتظر في نهاية الدرب , تسمرت في مكانها وخيل اليها أن المشهد جزء من الحلم , أذ ما قدرت أن تصدق حقيقة وجوده هناك.
ألتقط الكلب رائحته فركض صوبه مبعثرا التراب والحصى أذ كانت مخالبه تنزلق الى خلف وجسمه يندفع الى الأمام لشدة لهفته.
أنحنى موراي يداعبه ويغمغم:
" يا لك من كرة نارية يا فليك".
ثم أستوى واقفا وقال لها في منتهى البساطة:
" مرحبا".
أخذ المقود من أصابعها , فسألته وهي تقنع سرورها بأنزعاج مفتعل:
" كيف عرفت بأنني سأجيء؟".
" أحسست مجيئك في عظامي , كما تقول أمك".
أبتسم وبدا سعيدا , كذلك بدت العلاقات بينهما متوازنة , قال:
" سنذهب الى الحديقة العامة بدلا من الحقول , وأعتقد أن المقهى لم يقفل أبوابه بعد , أليس كذلك؟".
" أجل , ففي هذا الوقت من السنة يظل مفتوحا حتى حلول الظلام لكن.....".
بدأت تعترض لتثبت له أنه لا يستطيع فرض أرادته عليها:
" أنني أذهب دائما الى الحقول , فلماذا أغير الليلة هذه العادة؟ لنفترض أنني لا أريد الذهاب الى الحديقة؟".
لكنه تجاوز أعتراضاتها الواهية بغروره المعهود وقال:
" سنذهب بغض النظر عن رغبتك .... هيا بنا".
أمسك يدها , وعبثا حاولت تخليص أصابعها من قبضته , سألته:
" لماذا تريد الخروج معي؟".
" أنا في أجازة , وشعرت بحاجة الى رفقة أمرأة ,حتى لو كانت فقط زوجة أخي المقبلة.... أريد على كل حال , أن أتعرف اليها أكثر".
جلسا في المقهى الى طاولة هادئة , وربض فليك تحتها فيما كانا يشربان الشاي , وعلقت أدريان قائلة:
" أذا كنت تنفر من أخيك الى الحد الذي تقول , فلماذا تقضي أجازتك معه؟".
فضحك وأجاب:
" هذا لعمري سؤال ذكي! ولكنني لا أقضيها معه عادة , بل أسافر الى الخارج أو أرتاد الشواطىء المنعزلة في شمال أنجلترا , أو في غرب أسكتلندا , هذه المرة جئت هنا لأتعرف الى المرأة التي أعلن أخي فجأة أنه سيتزوجها".
" أتقصد أنك جئت لتعاينني كما يعاينون الماشية؟".
" أنا لست جراحا بيطريا ولا أنت حيوان بالمعنى الحقيقي للكلمة! فلنقل بطريقة أنسب , أنني أردت أن أمتحنك".
" وهل نجحت في الأمتحان؟".
فأبتسم في غموض وأجاب:
" أنا لا أبوح أبدا بنتائج فحصي , فذلك ينافي آداب المهنة , وأي طبيب بيطري يعطيك نفس الجواب".
غطى يدها بيده عبر الطاولة وتابع:
" لكنني أستطيع القول أنني كنت مصمما – في حال عدم أستحساني لأختيار أخي- علي مصارحته بهذه الحقيقة بكل وضوح و وعلى العودة سريعا الى حيث كنت , أما سبب بقائي لغاية الآن أن يعطيك فكرة معينة حول ملاحظاتي وأستنتاجاتي الخاصة بك".
" بكلمات أخرى , أنت تودني؟".
نظر اليها مليا , وأجاب:
" لولا معرفتي بطبيعتك لحسبتك تسعين الى الأطراء".
أزاح يده عن يدها وتابع:
" لنقل أنني لا أنفر منك".
توردت وجنتاها كدرا من عبارته الجافة ,ورمقها هو بأبتسامة كسولة , أدار رأسه , وحدق عبر نافذة المقهى الى الحديقة في الخارج , وبدت أفكاره تنساق بعيدا وحين تكلم ثانية , قال في جدية:
" قد تتساءلين عن الحب الأخوي المفقود بيني وبين كليفورد".
لم ينتظر جوابها , وتابع يفسر:
" كان في السابعة من عمره عندما ولدت أنا , وطوال ذلك الوقت كان قرة عيون والديه , ولما جئت الدنيا , تحولت عواطف أبويّ, كما الحال مع سائر الآباء والأمهات , وأصبحت أنا مصدر فخرهما وبهجتهما".
توقف قليلا فسألته بصوت لطيف:منتديات ليلاس
" وهنا شعر كليفورد بالغيرة , أليس كذلك".
فقطب وغامت عيناه بالألم وهو يجيب:
" نعم , غار مني وصار يكرهني على مر السنين , كان يلفق عني قصصا وأفعالا كاذبة فأعاقب عليها زورا وبهتانا , كنت وقتها صغيرا فلم أدرك أنه كان يفعل ذلك ليستعيد أهتمام أبويه به , فكرهته لأجل ذلك , ثم بدأ يتمارض , وكلما أشتد قلق والدي عليه كلما تمارض أكثر.... هل يشعرك حديثي بالملل؟".
هزت رأسها نفيا ورجته أن يستمر , فقال:
" كان يشكو لهما آلاما وهمية في كل جسمه , ويبدو أنه قرر في النهاية تركيز تلك الأوجاع في صدره حيث يوجد قلبه , عرضوه على رتل من الأخصائيين , وكان كليفورد يستمتع بكل دقيقة من تلك الفحوصات! ما كان ليصدق تأكيد الأطباء بأنه سليم القلب , في الأخير أقنع نفسه بأنه مريض بالقلب وأقنع والدي معه , فنسيا أمري في غمرة قلقهما عليه , وهكذا ربح هو ( المعركة)".
نظر في عينيها وسأل:
" هل تصدقين الآن حين أقول أن قلبه سليم كقلبي وقلبك ؟ وأن القصة بكاملها هي من نسج خياله , وأنه ما ينفك يستغل هذا التمارض ليحظى بالأهتمام و( الحب)؟".
رأى في عينها شكا , فقال في مرارة :
" يبدو أنك ما أقتنعت بعد .. أنه التاريخ يعيد نفسه".
" لا فائدة يا موراي , لك أن تقول ما تشاء ,ألا أنك لن تجعلني أغير رأيي".
" لن أغير لك رأيك ؟ أنظري.... فأنا ما أنتهيت منك بعد".

نيو فراولة 16-10-11 09:19 AM

سألها بعد قليل أن كانت تريد فنجانا من الشاي فهزت رأسها , وأستفسرت:
" أين تعيش يا موراي؟".
" في شقة قريبة من مكان عملي , أنها تبعد مسافة ساعتين أو ثلاث بالقطار , يجب أن تأتي يوما لتريها".
خفق قلبها للدعوة مع أنه وجهها اليها بلا أهتمام , وتجرأت على سؤال آخر :
" هل لك ....أصدقاء كثر؟".
" أصدقائي قليلون , لماذا تسألين؟ هل عدت الى المناورة لتكتشفي أذا كان بعضهم نساء؟".
هزت رأسها بعنف , فأبتسم غير مصدق نفيها وقال:
" حان وقت العودة , هيا بنا يا فليك".
فتمطى الكلب ونهض يسير نحو الباب ثم مضى يتهادى أمامهما طوال الطريق , كان الفضاء مظلما حين وصلا الى مفرق الدرب , فأخذ يتسكع حولهما منتظرا!
أراح موراي ذراعيه على كتفيها وقربها منه , تصلبت وتمنت لو تستطيع رؤية التعابير على وجهه , أنما ما كان هناك ضوء ولا حتى شعاع قمر ينير المكان , قال في هدوء وبلا عاطفة:
" سأعاعانقك يا أدريان كما لم يعانقك أخي من قبل , فأرخي أصابعك وضعي ذراعيك حول عنقي".
ترددت بادىء الأمر , ثم أحست نفسها تستجيب لد بدفء لم تتوقعه .
ولما ألقت رأسها في أسترخاء على كتفه قال بلهجة أنتصار واضح:
" كنت عارفا بأن الأمر سيكون هكذا!".
كلماته هذه وزهوه الغريب بنجاحه , تسربا الى ذهنها المشوش ومعهما الحقيقة! فتهاوى أبتهاجها عند قدميها ومات ميتة أليمة , وتذكرت ما قاله لكليفورد في الغرفة المقفلة:
" كم أتمنى أن أثبت لك أنها ليست باردة".
شعرت بأختناق , وقالت والدموع تبح صوتها:
" أذن كنت تقوم بتجربة لتثبت لنفسك , ومن ثم لأخيك بأنك كنت مصيبا! لقد عرفت الآن أنني لست مخلوقة باردة ومجردة من العواطف والأحساس , هيا , أذهب الى أخيك وقل له أنك كنت على صواب ".
فسأل بشراسة:
" لقد سمعت حديثنا أذن؟".
" أجل , سمعت من دون تعمد ..... لكنك تعمدت الخروج معي الليلة كي تمتحن تجاوبي وكما نصحت أخاك بأن يفعل! الآن , وقد أمتحنته وأخذت قياسه , بوسعك أن تعود اليه منتصرا وتتبجج أمامه بأنك نجحت في ما عجز هو عن فعله طوال الوقت..... لقد أكملت بحثك وأثمرت تجربتك!".
فصرخ بها:
" هل لك أن تصمتي؟".
ثم حاول تقريبها منه فأرتدت الى الوراء وهتفت بمرارة:
" هل كنت ناويا على تعليمي الحب كي أقدم لخطيبي( المساعدة) التي قلت أنه في حاجة اليها؟".
وضع يده على فمها ليسكتها بيد أنها لوت رأسها كلبوة ثائرة وتابعت :
" أو ربما كنت تحاول أيقاعي في حبك لتسيطر عليه أنتصارا آخر حيث تحرمه بضربة واحدة من خطيبته , وتنتقم منه لكل تلك السنوات التعيسة التي تزعم أنها عذبتك في حداثتك؟".
كانت تبكي بحرقة , لأنها أدركت الآن أن قلبها قد تحطم , فهي تحب هذا الرجل كما لا يمكنها أبدا أن تحب أخاه الذي ستتزوجه .... وهمست أخيرا بصوت مرتجف:
" لقد فعلت أسوأ شيء في حياتك لكنك لم تنتظر , بل خسرت هذه المعركة بالذات ,لأنني ما زلت مصممة على زواجي من كليفورد , أنه يحتاجني وأنا واثقة من ذلك , ولذا لا يسعني أن أخذله".
أستدارت لتذهب , فهتف أسمها وحاول أيقافها لكنها أزاحت يده بعيدا وركضت على الدرب الى بيتها, والكلب يعدو خلفها.

نيو فراولة 16-10-11 09:20 AM

5- مع التيار


أحست رهبة لقائه في الصباح التالي , أنما لم تقدر أن تتحاشى رؤيته بسبب الوضع الجديد الذي كان ينتظرها , فحين دخلت المطبخ , قالت لها السيدة ماسترز:
" صحة السيد ديننغ ليست على ما يرام يا عزيزتي".
ماذا حدث الآن؟ تساءلت وهي تصعد الدرج.... هل أعتلق قلبه حقيقة هذه المرة؟
طرقت باب كليفورد وفتحته فوجدت موراي في الغرفة , كان يقبض على رسغ كليفورد ألا أنه أرخى يد أخيه عندما رآها , كان موراي يحمل في يده الأخرى ميزان حرارة ويهزه ليهبط الزئبق , وكانت عيناه باردتين حين ألتقتا عينيها للحظة خاطفة , وقال:
"أصر خطيبك على أن أقيس حرارته , أنه لا يكاد يعطس حتى يمد يده الى الميزان".
فغمغم كليفورد وهو يريح رأسه على الوسائد:
" وماذا يقول الميزان هذه المرة؟".
فأجاب موراي ببساطة:
" حرارتك مرتفعة قليلا بسبب الرشح الذي ألتقطته على الأرجح من السيدة ماسترز".
فتأوه كليفورد وسأل وهو يلصق خده بالوسادة:
"ألا يمكنك أن تعطيني شيئا لتخفيض الحرارة؟".
وأستفسرت أدريان من موراي قائلة:
" أأنت متأكد من أن الأمر مجرد رشح؟ كيف تعرف ذلك ما دمت لست طبيبا؟ قد تكون الحرارة بداية مرض أسوأ".
فرمقها بأحتقار وأجاب:
" يا ألهي! كم أكره أن أكون طبيبك عندما تنجبين أطفالا يصابون بأمراض الطفولة , وأضطر الى معالجتك مع أطفالك لأنك ستكونين في حالة عصبية سيئة".
تجاهلته وأستدارت الى خطيبها تقول:
" هل تريدني أن أستدعي الطبيب يا كليفورد؟ أخبرني رقم هاتفه....".
فقاطعها موراي والكلمات تخرج من بين أسنانه:
" لا , لن تستدعي طبيبا , أنه يشكو مجرد رشح , فكفي عن القلق بحق السماء! حبيبك لن يموت بين ذراعيك من رشح عادي".
تجاهلته للمرة الثانية وسألت خطيبها:
" هل آتي لك بشيء يا كليفورد , أتحب أن تشرب شيئا ساخنا؟".
فأخذ بيدها وقال:
" شكرا لكل هذا العطف يا عزيزتي".
أنحنت لتمسح العرق عن جبينه , فأبعدها قائلا:
" لا , لا أريدك أن تلتقطي العدوى".
فقال صوت خلفها بأزدراء:
" بالطبع لا يريد ذلك, لأنك أذا مرضت فلن يجد من يخدمه ويدلله بهذا الهوس , وأذ ذاك ستحل به مصيبة أكبر".
أستدارت بعنف وقالت وعيناها تتوهجان غضبا:
" هل لك أن تلتزم شؤونك الخاصة؟".
أستدارت صوب الدرج شامخة الرأس , فأمسك بكتفيها وجعلها تواجهه ثم طقطق بسبابته وأبهامه وقال:
" بعد الذي جرى ليلة أمس , ما علي ألا أن أفعل هكذا حتى تأتي بلا تردد ولا أحجام".
هتفت:
" أوه , دعني وشأني!".
وركضت تهبط الدرج.
رجعت بعد الظهر وجلست في غرفة الأستقبال تراجع النص الذي طبعته في اليوم السابق , كان موراي في غرفته وكليفورد نائما.
رن الهاتف فهرعت ترد عليه خشية أن يوقظ رنينه كليفورد , كان المتحدث أمرأة , وسألت:
" هل يمكنني التحدث الى البروفسور ديننغ , من فضلك؟".
فتنفست أدريان في عمق وقالت:
" أتقصدين السيد كليفورد ديننغ أم.......".
" بل أقصد البروفسور دينينغ , الدكتور موراي ديننغ , أعتقد أنه موجود على هذا العنوان".
كادت السماعة تسقط من يدها , لكنها تمالكت صوتها , وسألت بلهجة السكرتيرة الدقيقة:
" من المتكلم من فضلك؟".
" أعلميه أن غريتل ستيل تطلبه ,هلا فعلت ذلك؟".
صعدت الدرج بخطى ثقيلة وطرقت باب غرفة موراي , ففتحه وقال:
" نعم؟".
فسألته:منتديات ليلاس
" بروفيسور دينننغ؟".
" أجل , أنا هو".
" هناك من يريدك على الهاتف , سيدة أسمها غريتل ستيل".
شكرها وقد شعت عيناه , وهبط الدرج قبل أن تجد وقتا للتنفس.
وسمعته يقول وهي تنزل السلم بدورها:
" هذا موراي..... غريتل يا عزيزتي , كم يسرني أن أسمع صوتك! متى رجعت؟".
مرت به أدريان في هدوء ودخلت غرفة الأستقبال لتبعد صوته عنها , أذن هذه هي صديقته الخفية , المرأة التي كان يتجنب ذكرها , كانت غائبة والآن عادت من السفر , صوتها دل على أنها دمثة وشابة , وما كان هناك أدنى شك في أن موراي يعزها كثيرا , أستندت أدريان الى ظهر المقعد وأغمضت عينيها ,كانت تبكي في داخلها وتذرف دموع اليأس.

نيو فراولة 16-10-11 09:22 AM

أذن هو رجل أكاديمي عالي المستوى من خارج عالمها , يعيش حياة مختلفة تماما عن حياتها , ويخالط أصدقاء على المستوى الفكري ذاته , كم هو يضحك الآن من خطيبة أخيه الجاهلة , العديمة الثقافة!
وسمعته يقول لصديقته:
" متى أراك؟ هل لنا أن نلتقي في منتصف الطريق؟ أحجزي الليلة غرفة في مكان ما فلعلني..........".
أقفل الخط أخيرا , ودخل غرفة الأستقبال فألقى بنفسه على المقعد المقابل , وسألها بتحد:
" ما بك صامتة؟ ألن تبدأ الأسئلة بالأنهمار؟".
فقالت بنبرة أتهامية:
" لقد أخبرتني أنك أستاذ محاضر , تقوم بأبحاث........".
" هذا صحيح في الجوهر فأنا أحاضر ..... لاحظي الفرق بين التعبيرين , كذلك أعمل في البحوث".
" لكنك بروفيسور , منذ متى حصلت على الدكتوراة؟".
" على ماذا؟".
" على الدكتوراة في الفلسفة؟".
" أوه , آسف لبلادتي .... حصلت عليها منذ بضع سنوات".
" وهل الآنسة ستيل ..... صديقتك المفضلة؟".
" لديك فضول رهيب حول النساء في حياتي ولا أدري لماذا .... لكن أعلمي أنها السيدة ستيل , بل هي أرملة البروفسور الراحل ديفيد ستيل الذي لقي مصرعه قبل سنة في حادث طيران مأساوي".
توقف لحظة ثم أضاف:
" كان ديفيد أعز الأصدقاء الي".
" آسفة".
" لقد عادت لتوها من السفر , وكانت قد أخذت أجازة لمدة سنة , قضت معظمها في جامعة أوسترالية حيث قامت ببعض الأبحاث , أختها تعيش هناك ولذا سكنت معها على أمل أن يساعدها ذلك على نسيان خسارتها الفادحة لزوجها".
" هل هي ... زميلة لك؟".
" أجل , أنها تعمل تحت أشرافي وفي القسم نفسه , ولذا سأراها كثيرا من اليوم فصاعدا , هل أنتهيت؟ أذا طرحت أسئلة أخرى حولها سيتبادر الي أنك تغارين منها".
توردت حتى منابت شعرها وتشاغلت بالنظر الى الأوراق المطبوعة فأنحنى صوبها وسأل:
" هل تغارين منها يا أدريان؟".
فأجابت بصوت هادىء أثار أستغرابها:
" أنسيت أنني مخطوبة؟".
حدق الى يدها اليمنى وقال:
" ألم يشتر لك الخاتم بعد؟ ألا يريد تحذير سائر الرجال من عدم قطف هذه الزهرة التي تخصه وحده , لشدة سروره وزهوه بموافقتك على الزواج منه؟".
فسألته وهي تنظر الى الأوراق على حضنها:
" لو كنت ألبس الخاتم , هل كان ذلك ليردعك ليلة أمس؟".
فأجاب في وضوح تام:
" كلا , لا شيء كان ليردعني ليلة أمس".
ناداها كليفورد في تلك اللحظة , فغادرت الغرفة وصعدت الدرج بسرعة.
كان يجلس على فراشه وطلب منها كوب ماء , ناولته أياه فجرعه بنهم , كذلك بدا متوردا من الحمى , فسألته مبتسمة وهي تحاول أخفاء القلق في صوتها:
" كيف حالك الآن؟".
" ما زالت متعبة, أين موراي؟".
أستغربت مجددا أعتماده على أخيه الأصغر وأجابت:
" في غرفة الأستقبال, هل أطلب منه أن يصعد؟".
أومأ برأسه فنادت موراي الذي أرتقى الدرج بخفة , وبدا غير مبال بأخيه كعادته , أستوضحها الأمر فقالت:
" حرارته مرتفعة , هل تنصح بأستدعاء الطبيب؟".
دخل غرفة أخيه دون أن يجيبها , وجس جبين كليفورد ثم وضع أصابعه على رسغه كما لو كان يجس نبضه , راقبته أدريان في أستغراب , فأبتسم لها وقال:
" ها هي دروس الأسعاف الأولى , تفيدنا من جديد".
وسأله كليفورد بصوت أبح:
" هل أنا بخير؟".
" أنت على أحسن ما يرام بالنسبة الى الرشح الذي تشكو منه".
تركها وذهب الى غرفته وما لبثت أن سمعته يناديها وحين ذهبت اليه ناولها قرصي دواؤ وقال:
" أنني أحتفظ بكمية من هذه الأقراص للطواريء , دعيه يتناولها مع الماء أيتها الممرضة".
نفذت طلبه بلا معارضة, وقد بدا لها طبيعيا بحكم الظروف أن تتلقى الأوامر منه , أما كليفورد فأبتلع الحبتين بسرور طفولي كما لو أنهما تحتويان مادة سحرية كفيلة بشفائه , بقيت معه حتى موعد الشاي , وكان قد تحسن وأنتعش قليلا , ووعدته بأن تعود مساء لتطمئن عليه.


الساعة الآن 09:46 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية