لم تره ثانية لبضعة أيام , كانت تعلم أنه ما زال في البيت أذ سمعته مرارا يحدث السيدة ماسترز ويداعب فليك في المطبخ , تساءلت عما أذا كان يتعمد الأبتعاد عن طريقها , لكنها رفضت أن تتفاءل حتى بهذه الفكرة , فهو كان في الواقع غير مكترث بها ويشعر بالتالي أنها لا تستأهل منه أضاعة وقته في الأهتمام بها.
وذات صباح , أخذت فليك الى المطبخ ثم صعدت الى غرفة كليفورد , سمعت أصواتا في الداخل , وفيما هي تهم بطرق الباب تناهى اليها صوت موراي يقول: " بحق السماء يا رجل , تودد اليها أحيانا وأسمعها كلمات حب! هذه الفتاة ستصبح زوجتك , ولا يمكنك الأستمرار في معاملتها كمستخدمة حين ترسلها الى بيتها فور أنتهاء العمل , هناك حقيقة يجب أن تعرفها , هي أن عواطفها ما تزال نائمة كعواطفك , ولذا لا تتوقع منها أية ( مساعدة) على حد قولك , وأذا كنت تريد هذا النوع من ( المساعدة) فتزوج أمرأة أرملة". تراجعت عن الدرج فلم تسمع جواب كليفورد , لكنها سمعت موراي يرد بصوت مرتفع: " ماذا؟ تقول أنها باردة؟ كم أتمنى أن أثبت لك عكس ذلك , حاول أن تعانقها بمحبة لتمتحن تجاوبها وتجاوبك أنت أيضا". بدا الأمر كما لو كان كليفورد يطلب نصيحة أخيه , ويتلقى أمثولة لم يتوقعها , وعاد صوت موراي يرتفع بقسوة: " أذا كنت تعتقد ذلك يا أخي.... يا ألهي, أذا كنت تشك في أنه لا يحق لك الزواج في أية أمرأة , وبخاصة من هذه الفتاة الجذابة.........". فرّت هاربة على الدرج ومنه الى المطبخ ... داعبت فليك ثم حملته وألصقته بخدها الملتهب , وقالت تفسر مجيئها للسيدة ماسترز: " السيد ديننغ مشغول بالتحدث الى أخيه". أنفتح باب في الطابق العلوي فقالت المرأة: " ها هما قد أنتهيا , يمكنك الآن أن تصعدي يا عزيزتي". أرتقت الدرج في بطء وهي ترجو أن يكون موراي قد دخل غرفته , لكنه كان يقف على الدرج ينتظرها ,وسألها من دون أن يبتسم لها مرحبا : " متى وصلت؟". تحاشت النظر الى عينيه وهي تجيب: " منذ بعض الوقت , هل أدخل عليه؟". " ولماذا تسألينني ؟ أنا لست قيما عليه". مرارة صوته جعلتها تنظر اليه فرأت الغضب في عينيه. دخلت على كليفورد , فسارع الى جذبها اليه ومعانقتها فما شعرت بأي تجاوب , لكنه بدا راضيا عن نفسه , وقال مشيرا الى المقعد المجاور للسرير: " أجلسي يا عزيزتي , أنني أشعر بتحسن كبير هذا الصباح , وسأنهض عما قليل". كان ما يزال يمسك يدها بأحدى يديه فتركتها حيث هي وقالت: " يسرني هذا يا كليفورد , هل ترغب في بعض الأملاء قبل أن تنهض؟". فرد مبتسما: " أجل , سأفعل , فذهني اليوم صاف بسبب تأثيرك علي". أبتسمت في وهن وشعرت بشيء من الغثيان ,ودت لو تجيبه , أنه تأثير أخيك عليك وليس تأثيري..... أخوك الذي عزز ثقتك الذاتية فزودك بشجاعة زائفة وأرشدك كيف يجب أن تعاملني .... لكن الشجاعة هذه لن تدوم طويلا , فلن يمضي يوم أو يومان حتى يكون نسي النصيحة , ويعود الى موراي يطلب النجدة مجددا ليعطيه حفنة أخرى من الأقدام أو درسا جديدا في معاملة النساء! أكبت على العمل حتى العصر , وسألها كليفورد قبيل ذهابها: " هل أنت مشغولة هذا المساء؟". " لا , سأذهب فقط في نزهتي المعتادة". فأم***ا من ذراعها وقال وعيناه تتوسلان اليها : " هل تعدلين عن النزهة لتقضي معي السهرة يا عزيزتي؟". لو كان موراي الذي يتكلم لطلب أن يرافقها في نزهتها وليس أن يبقيا داخل البيت.... أحست ضيقا لم تدر له سببا , وأجابت: " سآتي بكل تأكيد , وسيسرني ذلك". حين عادت مساء كان موراي في غرفة الأستقبال أيضا , ونهض لدى دخولها, ولما أخذت مكانها الى جوار كليفورد , أسند موراي مرفقيه على رف الموقد ورمقهما في سخرية , أحاطها كليفورد بذراعه كما لو كان يحاول أثبات شيء لشخص ما , فأقتربت منه طائعة , فيما أتسعت أبتسامة موراي , وغمغم: " يجب أن أنسحب من الطريق لئلا يقال أنني تطفلت على خطيبين متحابين". ثم سأل أدريان بحدة: " أين فليك؟". " مع السيدة ماسترز , لماذا تريده؟". " سآخذه لنتمشى". لم يكن سؤالا بل تصريحا غير قابل للرفض , وخرج يهتف للكلب . أضطرت أدريان لأن تجلس قرب خطيبها بلا حراك , وهي تصغي الى عواء كلبها الذي جن فرحا بمشروع التنزه مع شخص غريب تقريبا , ومع ذلك بدا وكأنه يدفع بها الى المرتبة الثانية في قلب فليك ... حتى بالنسبة للكلب , ما عادت تحتل المرتبة الأولى.... ضيقها من هذا الرجل الذي بدا عاكفا على تمزيق حياتها , تعاظم في نفسها الى حد عدم الأحتمال , حين يعود , ستطلب منه بعبارات صريحة أن يتركها وخطيبها يعيشان حياتهما كما يحلو لهما ومن دون أي تدخل منه. لكنها لم تره تلك الليلة , أذ دخل ولا شك من الباب الخلفي وصعد الى غرفته رأسا بعد أن ترك الكلب مع السيدة ماسترز. |
لم تر موراي في اليوم التالي , في الكوخ , وفي أثناء العمل , كانت تتوقف بين الفينة والفينة ترهف أذنيها , فتتخيل أنها تسمع وقع قدميه ألا أنه لم يأت.... في الصباح جاءتها السيدة ماسترز بالقهوة وفي العصر بالشاي وبدأت تتوق الى مرآه , ولا تشترط حتى أن تسمع صوته أو كفه.....عنفت نفسها على رعونتها هذه , فهي مخطوبة الى كليفورد وليس اليه.
وفي المساء راحت تتنزه , وأخذت تؤرجح مقود فليك بين أصابعها وهي تمر بالأزهار البرية المتفتحة في شجيرات السياج , تنفست عبير الصيف العابق حولها , فأنساقت خلف حلم لذيذ على أيقاع زقزقة الطيور. وحين عبرت المنعطف رأت رجلا ينتظر في نهاية الدرب , تسمرت في مكانها وخيل اليها أن المشهد جزء من الحلم , أذ ما قدرت أن تصدق حقيقة وجوده هناك. ألتقط الكلب رائحته فركض صوبه مبعثرا التراب والحصى أذ كانت مخالبه تنزلق الى خلف وجسمه يندفع الى الأمام لشدة لهفته. أنحنى موراي يداعبه ويغمغم: " يا لك من كرة نارية يا فليك". ثم أستوى واقفا وقال لها في منتهى البساطة: " مرحبا". أخذ المقود من أصابعها , فسألته وهي تقنع سرورها بأنزعاج مفتعل: " كيف عرفت بأنني سأجيء؟". " أحسست مجيئك في عظامي , كما تقول أمك". أبتسم وبدا سعيدا , كذلك بدت العلاقات بينهما متوازنة , قال: " سنذهب الى الحديقة العامة بدلا من الحقول , وأعتقد أن المقهى لم يقفل أبوابه بعد , أليس كذلك؟". " أجل , ففي هذا الوقت من السنة يظل مفتوحا حتى حلول الظلام لكن.....". بدأت تعترض لتثبت له أنه لا يستطيع فرض أرادته عليها: " أنني أذهب دائما الى الحقول , فلماذا أغير الليلة هذه العادة؟ لنفترض أنني لا أريد الذهاب الى الحديقة؟". لكنه تجاوز أعتراضاتها الواهية بغروره المعهود وقال: " سنذهب بغض النظر عن رغبتك .... هيا بنا". أمسك يدها , وعبثا حاولت تخليص أصابعها من قبضته , سألته: " لماذا تريد الخروج معي؟". " أنا في أجازة , وشعرت بحاجة الى رفقة أمرأة ,حتى لو كانت فقط زوجة أخي المقبلة.... أريد على كل حال , أن أتعرف اليها أكثر". جلسا في المقهى الى طاولة هادئة , وربض فليك تحتها فيما كانا يشربان الشاي , وعلقت أدريان قائلة: " أذا كنت تنفر من أخيك الى الحد الذي تقول , فلماذا تقضي أجازتك معه؟". فضحك وأجاب: " هذا لعمري سؤال ذكي! ولكنني لا أقضيها معه عادة , بل أسافر الى الخارج أو أرتاد الشواطىء المنعزلة في شمال أنجلترا , أو في غرب أسكتلندا , هذه المرة جئت هنا لأتعرف الى المرأة التي أعلن أخي فجأة أنه سيتزوجها". " أتقصد أنك جئت لتعاينني كما يعاينون الماشية؟". " أنا لست جراحا بيطريا ولا أنت حيوان بالمعنى الحقيقي للكلمة! فلنقل بطريقة أنسب , أنني أردت أن أمتحنك". " وهل نجحت في الأمتحان؟". فأبتسم في غموض وأجاب: " أنا لا أبوح أبدا بنتائج فحصي , فذلك ينافي آداب المهنة , وأي طبيب بيطري يعطيك نفس الجواب". غطى يدها بيده عبر الطاولة وتابع: " لكنني أستطيع القول أنني كنت مصمما – في حال عدم أستحساني لأختيار أخي- علي مصارحته بهذه الحقيقة بكل وضوح و وعلى العودة سريعا الى حيث كنت , أما سبب بقائي لغاية الآن أن يعطيك فكرة معينة حول ملاحظاتي وأستنتاجاتي الخاصة بك". " بكلمات أخرى , أنت تودني؟". نظر اليها مليا , وأجاب: " لولا معرفتي بطبيعتك لحسبتك تسعين الى الأطراء". أزاح يده عن يدها وتابع: " لنقل أنني لا أنفر منك". توردت وجنتاها كدرا من عبارته الجافة ,ورمقها هو بأبتسامة كسولة , أدار رأسه , وحدق عبر نافذة المقهى الى الحديقة في الخارج , وبدت أفكاره تنساق بعيدا وحين تكلم ثانية , قال في جدية: " قد تتساءلين عن الحب الأخوي المفقود بيني وبين كليفورد". لم ينتظر جوابها , وتابع يفسر: " كان في السابعة من عمره عندما ولدت أنا , وطوال ذلك الوقت كان قرة عيون والديه , ولما جئت الدنيا , تحولت عواطف أبويّ, كما الحال مع سائر الآباء والأمهات , وأصبحت أنا مصدر فخرهما وبهجتهما". توقف قليلا فسألته بصوت لطيف:منتديات ليلاس " وهنا شعر كليفورد بالغيرة , أليس كذلك". فقطب وغامت عيناه بالألم وهو يجيب: " نعم , غار مني وصار يكرهني على مر السنين , كان يلفق عني قصصا وأفعالا كاذبة فأعاقب عليها زورا وبهتانا , كنت وقتها صغيرا فلم أدرك أنه كان يفعل ذلك ليستعيد أهتمام أبويه به , فكرهته لأجل ذلك , ثم بدأ يتمارض , وكلما أشتد قلق والدي عليه كلما تمارض أكثر.... هل يشعرك حديثي بالملل؟". هزت رأسها نفيا ورجته أن يستمر , فقال: " كان يشكو لهما آلاما وهمية في كل جسمه , ويبدو أنه قرر في النهاية تركيز تلك الأوجاع في صدره حيث يوجد قلبه , عرضوه على رتل من الأخصائيين , وكان كليفورد يستمتع بكل دقيقة من تلك الفحوصات! ما كان ليصدق تأكيد الأطباء بأنه سليم القلب , في الأخير أقنع نفسه بأنه مريض بالقلب وأقنع والدي معه , فنسيا أمري في غمرة قلقهما عليه , وهكذا ربح هو ( المعركة)". نظر في عينيها وسأل: " هل تصدقين الآن حين أقول أن قلبه سليم كقلبي وقلبك ؟ وأن القصة بكاملها هي من نسج خياله , وأنه ما ينفك يستغل هذا التمارض ليحظى بالأهتمام و( الحب)؟". رأى في عينها شكا , فقال في مرارة : " يبدو أنك ما أقتنعت بعد .. أنه التاريخ يعيد نفسه". " لا فائدة يا موراي , لك أن تقول ما تشاء ,ألا أنك لن تجعلني أغير رأيي". " لن أغير لك رأيك ؟ أنظري.... فأنا ما أنتهيت منك بعد". |
سألها بعد قليل أن كانت تريد فنجانا من الشاي فهزت رأسها , وأستفسرت:
" أين تعيش يا موراي؟". " في شقة قريبة من مكان عملي , أنها تبعد مسافة ساعتين أو ثلاث بالقطار , يجب أن تأتي يوما لتريها". خفق قلبها للدعوة مع أنه وجهها اليها بلا أهتمام , وتجرأت على سؤال آخر : " هل لك ....أصدقاء كثر؟". " أصدقائي قليلون , لماذا تسألين؟ هل عدت الى المناورة لتكتشفي أذا كان بعضهم نساء؟". هزت رأسها بعنف , فأبتسم غير مصدق نفيها وقال: " حان وقت العودة , هيا بنا يا فليك". فتمطى الكلب ونهض يسير نحو الباب ثم مضى يتهادى أمامهما طوال الطريق , كان الفضاء مظلما حين وصلا الى مفرق الدرب , فأخذ يتسكع حولهما منتظرا! أراح موراي ذراعيه على كتفيها وقربها منه , تصلبت وتمنت لو تستطيع رؤية التعابير على وجهه , أنما ما كان هناك ضوء ولا حتى شعاع قمر ينير المكان , قال في هدوء وبلا عاطفة: " سأعاعانقك يا أدريان كما لم يعانقك أخي من قبل , فأرخي أصابعك وضعي ذراعيك حول عنقي". ترددت بادىء الأمر , ثم أحست نفسها تستجيب لد بدفء لم تتوقعه . ولما ألقت رأسها في أسترخاء على كتفه قال بلهجة أنتصار واضح: " كنت عارفا بأن الأمر سيكون هكذا!". كلماته هذه وزهوه الغريب بنجاحه , تسربا الى ذهنها المشوش ومعهما الحقيقة! فتهاوى أبتهاجها عند قدميها ومات ميتة أليمة , وتذكرت ما قاله لكليفورد في الغرفة المقفلة: " كم أتمنى أن أثبت لك أنها ليست باردة". شعرت بأختناق , وقالت والدموع تبح صوتها: " أذن كنت تقوم بتجربة لتثبت لنفسك , ومن ثم لأخيك بأنك كنت مصيبا! لقد عرفت الآن أنني لست مخلوقة باردة ومجردة من العواطف والأحساس , هيا , أذهب الى أخيك وقل له أنك كنت على صواب ". فسأل بشراسة: " لقد سمعت حديثنا أذن؟". " أجل , سمعت من دون تعمد ..... لكنك تعمدت الخروج معي الليلة كي تمتحن تجاوبي وكما نصحت أخاك بأن يفعل! الآن , وقد أمتحنته وأخذت قياسه , بوسعك أن تعود اليه منتصرا وتتبجج أمامه بأنك نجحت في ما عجز هو عن فعله طوال الوقت..... لقد أكملت بحثك وأثمرت تجربتك!". فصرخ بها: " هل لك أن تصمتي؟". ثم حاول تقريبها منه فأرتدت الى الوراء وهتفت بمرارة: " هل كنت ناويا على تعليمي الحب كي أقدم لخطيبي( المساعدة) التي قلت أنه في حاجة اليها؟". وضع يده على فمها ليسكتها بيد أنها لوت رأسها كلبوة ثائرة وتابعت : " أو ربما كنت تحاول أيقاعي في حبك لتسيطر عليه أنتصارا آخر حيث تحرمه بضربة واحدة من خطيبته , وتنتقم منه لكل تلك السنوات التعيسة التي تزعم أنها عذبتك في حداثتك؟". كانت تبكي بحرقة , لأنها أدركت الآن أن قلبها قد تحطم , فهي تحب هذا الرجل كما لا يمكنها أبدا أن تحب أخاه الذي ستتزوجه .... وهمست أخيرا بصوت مرتجف: " لقد فعلت أسوأ شيء في حياتك لكنك لم تنتظر , بل خسرت هذه المعركة بالذات ,لأنني ما زلت مصممة على زواجي من كليفورد , أنه يحتاجني وأنا واثقة من ذلك , ولذا لا يسعني أن أخذله". أستدارت لتذهب , فهتف أسمها وحاول أيقافها لكنها أزاحت يده بعيدا وركضت على الدرب الى بيتها, والكلب يعدو خلفها. |
5- مع التيار
أحست رهبة لقائه في الصباح التالي , أنما لم تقدر أن تتحاشى رؤيته بسبب الوضع الجديد الذي كان ينتظرها , فحين دخلت المطبخ , قالت لها السيدة ماسترز: " صحة السيد ديننغ ليست على ما يرام يا عزيزتي". ماذا حدث الآن؟ تساءلت وهي تصعد الدرج.... هل أعتلق قلبه حقيقة هذه المرة؟ طرقت باب كليفورد وفتحته فوجدت موراي في الغرفة , كان يقبض على رسغ كليفورد ألا أنه أرخى يد أخيه عندما رآها , كان موراي يحمل في يده الأخرى ميزان حرارة ويهزه ليهبط الزئبق , وكانت عيناه باردتين حين ألتقتا عينيها للحظة خاطفة , وقال: "أصر خطيبك على أن أقيس حرارته , أنه لا يكاد يعطس حتى يمد يده الى الميزان". فغمغم كليفورد وهو يريح رأسه على الوسائد: " وماذا يقول الميزان هذه المرة؟". فأجاب موراي ببساطة: " حرارتك مرتفعة قليلا بسبب الرشح الذي ألتقطته على الأرجح من السيدة ماسترز". فتأوه كليفورد وسأل وهو يلصق خده بالوسادة: "ألا يمكنك أن تعطيني شيئا لتخفيض الحرارة؟". وأستفسرت أدريان من موراي قائلة: " أأنت متأكد من أن الأمر مجرد رشح؟ كيف تعرف ذلك ما دمت لست طبيبا؟ قد تكون الحرارة بداية مرض أسوأ". فرمقها بأحتقار وأجاب: " يا ألهي! كم أكره أن أكون طبيبك عندما تنجبين أطفالا يصابون بأمراض الطفولة , وأضطر الى معالجتك مع أطفالك لأنك ستكونين في حالة عصبية سيئة". تجاهلته وأستدارت الى خطيبها تقول: " هل تريدني أن أستدعي الطبيب يا كليفورد؟ أخبرني رقم هاتفه....". فقاطعها موراي والكلمات تخرج من بين أسنانه: " لا , لن تستدعي طبيبا , أنه يشكو مجرد رشح , فكفي عن القلق بحق السماء! حبيبك لن يموت بين ذراعيك من رشح عادي". تجاهلته للمرة الثانية وسألت خطيبها: " هل آتي لك بشيء يا كليفورد , أتحب أن تشرب شيئا ساخنا؟". فأخذ بيدها وقال: " شكرا لكل هذا العطف يا عزيزتي". أنحنت لتمسح العرق عن جبينه , فأبعدها قائلا: " لا , لا أريدك أن تلتقطي العدوى". فقال صوت خلفها بأزدراء: " بالطبع لا يريد ذلك, لأنك أذا مرضت فلن يجد من يخدمه ويدلله بهذا الهوس , وأذ ذاك ستحل به مصيبة أكبر". أستدارت بعنف وقالت وعيناها تتوهجان غضبا: " هل لك أن تلتزم شؤونك الخاصة؟". أستدارت صوب الدرج شامخة الرأس , فأمسك بكتفيها وجعلها تواجهه ثم طقطق بسبابته وأبهامه وقال: " بعد الذي جرى ليلة أمس , ما علي ألا أن أفعل هكذا حتى تأتي بلا تردد ولا أحجام". هتفت: " أوه , دعني وشأني!". وركضت تهبط الدرج. رجعت بعد الظهر وجلست في غرفة الأستقبال تراجع النص الذي طبعته في اليوم السابق , كان موراي في غرفته وكليفورد نائما. رن الهاتف فهرعت ترد عليه خشية أن يوقظ رنينه كليفورد , كان المتحدث أمرأة , وسألت: " هل يمكنني التحدث الى البروفسور ديننغ , من فضلك؟". فتنفست أدريان في عمق وقالت: " أتقصدين السيد كليفورد ديننغ أم.......". " بل أقصد البروفسور دينينغ , الدكتور موراي ديننغ , أعتقد أنه موجود على هذا العنوان". كادت السماعة تسقط من يدها , لكنها تمالكت صوتها , وسألت بلهجة السكرتيرة الدقيقة: " من المتكلم من فضلك؟". " أعلميه أن غريتل ستيل تطلبه ,هلا فعلت ذلك؟". صعدت الدرج بخطى ثقيلة وطرقت باب غرفة موراي , ففتحه وقال: " نعم؟". فسألته:منتديات ليلاس " بروفيسور دينننغ؟". " أجل , أنا هو". " هناك من يريدك على الهاتف , سيدة أسمها غريتل ستيل". شكرها وقد شعت عيناه , وهبط الدرج قبل أن تجد وقتا للتنفس. وسمعته يقول وهي تنزل السلم بدورها: " هذا موراي..... غريتل يا عزيزتي , كم يسرني أن أسمع صوتك! متى رجعت؟". مرت به أدريان في هدوء ودخلت غرفة الأستقبال لتبعد صوته عنها , أذن هذه هي صديقته الخفية , المرأة التي كان يتجنب ذكرها , كانت غائبة والآن عادت من السفر , صوتها دل على أنها دمثة وشابة , وما كان هناك أدنى شك في أن موراي يعزها كثيرا , أستندت أدريان الى ظهر المقعد وأغمضت عينيها ,كانت تبكي في داخلها وتذرف دموع اليأس. |
أذن هو رجل أكاديمي عالي المستوى من خارج عالمها , يعيش حياة مختلفة تماما عن حياتها , ويخالط أصدقاء على المستوى الفكري ذاته , كم هو يضحك الآن من خطيبة أخيه الجاهلة , العديمة الثقافة!
وسمعته يقول لصديقته: " متى أراك؟ هل لنا أن نلتقي في منتصف الطريق؟ أحجزي الليلة غرفة في مكان ما فلعلني..........". أقفل الخط أخيرا , ودخل غرفة الأستقبال فألقى بنفسه على المقعد المقابل , وسألها بتحد: " ما بك صامتة؟ ألن تبدأ الأسئلة بالأنهمار؟". فقالت بنبرة أتهامية: " لقد أخبرتني أنك أستاذ محاضر , تقوم بأبحاث........". " هذا صحيح في الجوهر فأنا أحاضر ..... لاحظي الفرق بين التعبيرين , كذلك أعمل في البحوث". " لكنك بروفيسور , منذ متى حصلت على الدكتوراة؟". " على ماذا؟". " على الدكتوراة في الفلسفة؟". " أوه , آسف لبلادتي .... حصلت عليها منذ بضع سنوات". " وهل الآنسة ستيل ..... صديقتك المفضلة؟". " لديك فضول رهيب حول النساء في حياتي ولا أدري لماذا .... لكن أعلمي أنها السيدة ستيل , بل هي أرملة البروفسور الراحل ديفيد ستيل الذي لقي مصرعه قبل سنة في حادث طيران مأساوي". توقف لحظة ثم أضاف: " كان ديفيد أعز الأصدقاء الي". " آسفة". " لقد عادت لتوها من السفر , وكانت قد أخذت أجازة لمدة سنة , قضت معظمها في جامعة أوسترالية حيث قامت ببعض الأبحاث , أختها تعيش هناك ولذا سكنت معها على أمل أن يساعدها ذلك على نسيان خسارتها الفادحة لزوجها". " هل هي ... زميلة لك؟". " أجل , أنها تعمل تحت أشرافي وفي القسم نفسه , ولذا سأراها كثيرا من اليوم فصاعدا , هل أنتهيت؟ أذا طرحت أسئلة أخرى حولها سيتبادر الي أنك تغارين منها". توردت حتى منابت شعرها وتشاغلت بالنظر الى الأوراق المطبوعة فأنحنى صوبها وسأل: " هل تغارين منها يا أدريان؟". فأجابت بصوت هادىء أثار أستغرابها: " أنسيت أنني مخطوبة؟". حدق الى يدها اليمنى وقال: " ألم يشتر لك الخاتم بعد؟ ألا يريد تحذير سائر الرجال من عدم قطف هذه الزهرة التي تخصه وحده , لشدة سروره وزهوه بموافقتك على الزواج منه؟". فسألته وهي تنظر الى الأوراق على حضنها: " لو كنت ألبس الخاتم , هل كان ذلك ليردعك ليلة أمس؟". فأجاب في وضوح تام: " كلا , لا شيء كان ليردعني ليلة أمس". ناداها كليفورد في تلك اللحظة , فغادرت الغرفة وصعدت الدرج بسرعة. كان يجلس على فراشه وطلب منها كوب ماء , ناولته أياه فجرعه بنهم , كذلك بدا متوردا من الحمى , فسألته مبتسمة وهي تحاول أخفاء القلق في صوتها: " كيف حالك الآن؟". " ما زالت متعبة, أين موراي؟". أستغربت مجددا أعتماده على أخيه الأصغر وأجابت: " في غرفة الأستقبال, هل أطلب منه أن يصعد؟". أومأ برأسه فنادت موراي الذي أرتقى الدرج بخفة , وبدا غير مبال بأخيه كعادته , أستوضحها الأمر فقالت: " حرارته مرتفعة , هل تنصح بأستدعاء الطبيب؟". دخل غرفة أخيه دون أن يجيبها , وجس جبين كليفورد ثم وضع أصابعه على رسغه كما لو كان يجس نبضه , راقبته أدريان في أستغراب , فأبتسم لها وقال: " ها هي دروس الأسعاف الأولى , تفيدنا من جديد". وسأله كليفورد بصوت أبح: " هل أنا بخير؟". " أنت على أحسن ما يرام بالنسبة الى الرشح الذي تشكو منه". تركها وذهب الى غرفته وما لبثت أن سمعته يناديها وحين ذهبت اليه ناولها قرصي دواؤ وقال: " أنني أحتفظ بكمية من هذه الأقراص للطواريء , دعيه يتناولها مع الماء أيتها الممرضة". نفذت طلبه بلا معارضة, وقد بدا لها طبيعيا بحكم الظروف أن تتلقى الأوامر منه , أما كليفورد فأبتلع الحبتين بسرور طفولي كما لو أنهما تحتويان مادة سحرية كفيلة بشفائه , بقيت معه حتى موعد الشاي , وكان قد تحسن وأنتعش قليلا , ووعدته بأن تعود مساء لتطمئن عليه. |
الساعة الآن 09:46 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية