منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   139 - بيني وبينك خفايا - ليليان بيك - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t168947.html)

نيو فراولة 14-10-11 09:26 PM

139 - بيني وبينك خفايا - ليليان بيك - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
139- بيني وبينك خفايا- ليليان بيك - روايات عبير القديمة

الملخص



عندما كان كل شيء هادئاً في حياة أدريان كبركة مسائية بلا أعماق , والحياة تسير على وتيرة واحدة , كان من الطبيعي ان يحصل المقدّر دون مقدمات, ان يسقط الحجر في الماء الساكن وان يظهر الحب على الافق مليئا بالتوقعات والدهشة .
هذا ماكانت تخشاه أدريان الفتاة الانكليزية العاقلة الخجول,مع انها في اعماقها تتمناه بكل جوارحها. عندما ظهر موراي في حياتها أخذت مشاعرها تتفتح بسرعة أدهشتها حتى حدود الصدمة, وانحسر اهتمامها شيئا فشيئا بأخيه كليفورد ديننغ كاتب القصص المتردد, الاناني , الذي لا يجرؤ على الخروج عن المألوف ويعجز عن مغامرة الحب الصعبة. ولكن شخصية موراي الساخرة , الواثقة من نفسها تتحرك كالزئبق في عالمها الثابت,والفوارق تعلو بينهما كالجدران كلما مر عليهما يوم آخر ...ولكن ذات يوم ...

نيو فراولة 14-10-11 09:30 PM

1- أبتسم لها


كانت أمسية حارة تتهادى فيها الغيوم على صفحة الشمس فتجعلها ترسل أشعتها المتقطعة على شعر الرجل الجالس عبر نافذة المقهى.
كان الرجل يحرك الشاي في فنجانه بلا توقف , مع أن السكر ذاب فيه من زمان! بدا وكأنه يعالج في ذهنه مشكلة مستعصية ما ينفك حلها يتهرب منه.
وما كان ليلحظ الفتاة الجالسة في المقهى نفسه لولا وجود كلبها , كان صغير الحجم ذا شعر سلكي , وقد نهض وراح يتمطى برما , ثم وقف يلهث بأنتظار الفتاة التي كان يستلقي عند قدميها.
رفع منخريه فأختلجا ,وسار وأنفه الى البلاط ,حتى وصل مكان الرجل , فطفق يشمشم حذاءه وهو يهز النصف السفلي من جسمه القصير المتوثب , ويخبط ذيله في جنون من جهة الى أخرى ,ثم يحشر أنفه في كف الرجل التي هبطت في تلك اللحظة لتربت على رأسه.
راقبتهما أدريان وقد جمدها مشهد كلبها يطرح نفسه على شخص غريب كليا , لم تقدر أن تفهم تصرفه .... كما لو أنه وجد صديقا.
منتديات ليلاس
نادته في ضيق:
" فليك! تعال هنا!".
لكن الكلب لفرط أبتهاجه بصديقه الجديد لم يمتثل لأمرها , سارت عبر الأرض الخشبية وأنحنت لتقبض على طوقه , ألا أنه هرب منها وأنطرح تحت طاولة الرجل , غاصت وراءه , لكن جبينها أرتطم بحافة الطاولة في عنف , فأحست بالدوار ووقعت عند ساقي الرجل الذي مد لها يديه ليسندها.
ولما تشبثت بالطاولة أختل توازنها وأنسكب الشاي عليها , لكن الرجل تغاضى عن ذلك , وخلص الفتاة في لطف من وقعتها المحرجة , رفعت يدها الى جبينها وفركته بأسى , وأحست في عينيها حريقا من الألم .
نظر اليها بلهفة وسأل بصوت لطيف:
" هل أنت بخير ؟ كانت بالفعل خبطة قوية".
وباللطف ذاته , أزاح يدها وتفحص الكدمة , وقال:
" أنها أخف مما ظننت , لكنها تؤلمك , أليس كذلك؟".
أومأت , ثم قالت وهي تتأمل بركة الشاي الممتدة على سطح الطاولة :
" آسفة لحرمانك من الشاي ولكوني السبب في أنسكابه هكذا".
تذكرت كلبها ونظرت الى الأرض , كان يلعق قطرات الشاي المتساقطة على البلاط بفرح , فضحكا معا , وقالت للرجل تشرح تصرف الكلب:
" أنه مغرم بالسكر وليس بالشاي بحد ذاته , سأعوضك بفنجان آخر على حسابي".
" كلا , أنا سأفعل ذلك عنك ,تفضلي".
سحب الكرسي المقابل وألح عليها بالجلوس وهو يضيف:
" سآتي بفنجانين آخرين".
قفز الكلب الى الكرسي المجاور واضعا مخالبه على حافة الطاولة وشرع يلعق الشاي المسكوب بلسانه الطويل , ضحك الرجل ثانية ,لكن أدريان أنزلت الكلب الى الأرض وأهابت به قائلة:
" كفي يا فليك , وكن مهذبا!".
عاد الرجل بالشاي ولحقت به المسؤولة عن المقهى , أبتسمت لأدريان في عطف وهي تجفف سطح الطاولة وقالت:
" لقد رأيت ما حصل , فهل تشعرين بتحسن؟".
فأومأت أدريان شاكرة.
قدم لها الرجل السكر وقال مازحا:
" أتعلمين أنك أول أمرأة تطرح نفسها على قدمي ؟ يجب أن أسجل هذه الحادثة في مفكرتي".
أبتسمت أدريان وأحمرت قليلا لشعورها بالحرج من تصرفه الودي هذا.... نظر الى جبينها وقال:
" قد لا تزول آثار الكدماتسريعا , ومن حسن الحظ أن اللطمة لم تسبب ضررا أفدح".
ثم نظر اليها متأملا شعرها الأشقر وحاجبيها المقوسين وخديها المكسوين بمزيج من التورد والشحوب , شعرت به يتفحصها , أذ كانت تركز بصرها عمدا على تحريك الشاي في فنجانها , ولما أنتشلت الملعقة , تراقص السائل كالدوامة , ولف معه أوراق الشاي العائمة , ثم أمتصها في منتصف الدائرة قبل أن تهبط متمهلة الى القعر , أفكارها كانت أيضا في دوامة , فثمة شيء يحيرها في سمات هذا الرجل , أنها واثقة من أنها ألتقته في مكان ما من قبل , مع أنها لم تره في حياتها.
" ما أسم كلبك؟".
منتديات ليلاس
أقتحم سؤاله أفكارها , في عينيه صفاء وهدوء يدلان على قوة خفية , على شخصية تشع ثقة وتفهما , يحاول على ما يبدو أن يوحي بهما للآخرين , لا ريب أنه يمتلك قدرا كبيرا من العزيمة الخلقية ومن القدرة على مواجهة كل المواقف المستجدة , فهما بلغت صعوبتها.
كان ينظر الى حيث يضطجع الكلب قريرا , كصرة بيضاء مرقطة بالسواد , مغمضا عينيه ودافنا أنفه بين مخالبه.
" أسمه فليك".
" وما أسمك أنت؟".
فأضطرت عندها للنظر اليه ولمواجهت أبتسامته التي أوحت بأنه ما طرح السؤال ألا ليرغمها على رفع وجهها اليه , حيث راح يدقق فيه بنظرة جعلتها تتضرج أحمرارا .... لأول مرة تلتقي رجلا غريبا بهذه الطريقة , ولا تعرف بالتالي كيف يجب أن تتصرف ,هل يقتضي الموقف أن تطلعه على أسمها؟ لا مجال للتساؤل ولا مفر من ذلك , أنها ببساطة لا تعرف كيف ترفض ولا تملك ذلك الأسلوب الذكي المطواع الذي تنتهجه فتيات أخريات أمام سؤال كهذا ... فقالت :
" أسمي أدريان.... أدريان غارون".

زهرة منسية 14-10-11 10:17 PM

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13186233681.gif
نيو فراولة مشكورة كتير كتر كتتتتتتتتتتتتتييييييييييير الله لا يحرمنى منك أنا سعيدة لدرجة غير معقولة لأنك نزلت الرواية دى
الله يسعدك ويحقق لك حل أمالك وأمنياتك

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13186233682.gif

نيو فراولة 15-10-11 05:46 PM

كف للحظة عن تحريك الملعقة وهو يستوعب الأسم , ثم عاد الى حركته الدائرية حتى خالت الملعقة ستخرق قعر الفنجان لا محالة ... وتاقت الى أن تسأله اسمه أسوة بالفتيات الجريئات , ألا أن طبيعتها الخجولة منعتها من ذلك , وعبثا ناضلت لأخراج الكلمات , لكنه لم يسمح للصمت بأن يطول , فسأل:
" لماذا أخترت له أسم فليك؟".
السؤال المفاجىء أفقدها توازنها الذهني للحظة عابرة , أذ أقتلعها من جذور خجلها , وأجبرها مجددا على ملاقاة بصره الذي لا يتعب من السباحة في زرقة عينيها , لكنها سرعان ما أجابت:
" سميناه فليك بسبب الطريقة التي ينفض بها ذيله , وأمي كانت صاحبة الأقتراح".
عادت تخفض بصرها , وتساءلت لماذا يصر على جعلها تنظر اليه , وعما كان يبحث حين يغوص عميق في عينيها؟
" هل تعيشين مع أمك؟".
ترددت قليلا ثم أجابت للمرة الثانية بصدق:
" أجل , أنها أرملة".
كانت تأمل أن تسكته بأجوبتها المقتضبة , وبدأت تتمنى لو أن الحادثة كانت مجرد حلم مزعج , ولو أنها ما كانت تجالس هذا الغريب وتحدثه عن نفسها , على الرغم من وساومته وصوته الهادىء الرزين , همزت ظهر كلبها بقدمها المتوترة لتدفعه الى الحركة , لقد أظهر من قبل مللا وضيقا , فأين ذهب الآن كل ذلك الملل؟
أبتسم لها فلم تبادله بالمثل , بدا وكأنه يتعمد أثارة أعصابها ويتلذذ بذلك , نهضت وأزاحت كرسيها بصوت مسموع فأستيقظ الكلب ورفع نفسه في تثاقل , ثم أتجه اى رفيقها بدل أن يلحقها هي.
داعبه الرجل وشعث شعره قائلا:
" فليك , هذا هو أسمك , أليس كذلك؟".
وفكرت أدريان في نفسها , لماذا يقبل عليه الكلب دون أقل رادع , وكأنه صديق قديم؟
وقالت للرجل بجمود:
" أشكرك على الشاي وأكرر أعتذاري عن كل ما حدث....".
كلما بكرت في مغادرة المقهى كلما كان أفضل , ستقول له وداعا ولن تراه أبدا بعد اليوم .... لكنها عجزت عن أفهام الكلب وجوب أنهاء المعرفة عند هذا الحد , وزاد الطين بلة أن الرجل كان يشجع فليك على البقاء ليزيدها حرجا.
" فليك!".
نادت الكلب بصوت حاد , فألتفت اليها بسرعة , وأخذ يراقب خروجها بعينين يقظتين , وأحست بالأستياء حين رأت الرجل يستعد لمغادرة المقهى برفقتهما , وهكذا خرج ثلاثتهم في صف واحد , والكلب في الوسط , الى نور الشمس الذي ربح معركته مع الغيوم ,وراح ينشر الدفء بلا توقف , قال الرجل مؤانسا:
" يوم رائع !"
لكن أدريان أمتنعت عن الجواب , ألم يشعر أنها كانت تحاول التخلص منه؟ يا لسماكة جلده ! كان يسير الى جانبها وفليك يقفز الى يده ليأخذ منه العصا التي ألتقطها من تحت شجرة.
وسألها وهو يستثير الرد بأبعاد العصا عن متناوله :
" هل بيتك بعيد من هنا؟".
" قليلا".
" أتسمحين لي بمرافقتك؟".
رمقته بغضب ووردت أن ترفض طلبه لكن العبارة ذابت في حلقها .... شيء ما أهاب بها أن تتصرف بلياقة , ليس خجلها بحد ذاته , بل شيء في شخصيته أخافها قليلا ... ربما هو نوع من السلطة الفطرية التي تفرض نفسها على الآخرين وتحظى بالأحترام , كذلك هي مدينة له برد الجميل , بعدما أعتدت على حريته الشخصية وسببت له المتاعب بفعلتها الطائشة تلك.
" لا مانع لدي أذا كنت تريد مرافقتي".
خرجت الكلمات مقتضبة , لكن نبرتها أوضحت عكس ذلك , وألتقط سمعه الحساس رنة التشجيع التي أنزلقت تلقائيا , وجعلت أدريان تؤنب نفسها.
ويبدو أنه لمس أيضا ترحيبها , أذ رمقها بنظرة دافئة فيها أشارة بسيطة مألوفة جعلتها تتورد ثم .... تقطب.
ولما خرجا من بوابة المنتزه ومضيا يتمشيان على الرصيف وقد أصبح السوق التجاري خلفهما , سألها بدون تمهيد:
" هل تعملين لكسب عيشك؟".
أجفلها السؤال لأنه طرحه بصورة فجائية , وبسبب وقاحته في الأستعلام , ولذا أجابت فقط بكلمة ( نعم ) عل ذلك الأختصار يثنيه عن متابعة الموضوع , بيد أنه ألحقه بسؤال آخر:
" أتعملين في البلدة؟".
" نعم".
ثم أضافت لتأكدها من أستفسار ثالث محموم :
" أعمل سكرتيرة لأحد الكتاب".
فألتفت اليها بنظرة تعبر عن أهتمام شديد وقال:
" حقا؟ هل هو مشهور ومن المفروض أن أكون سمعت به؟ هل لي أن أعرف أسمه؟".
لقد توقعت هذه الأسئلة ,فهي ما أن تذكر طبيعة عملها لأي كان حتى يسارع دائما الى القول:
" أهو كاتب معروف؟".
كما لو كان ذلك يضفي عليهم شيئا من وهج المجد , حتى بمجرد تحدثهم الى سكرتيرته وليس الى الرجل نفسه!
" أسمه كليفورد ديننغ".
" أوه".
بدت عليه الخيبة مثلما كانت تبدو على الآخرين حال سماعهم هذا الأسم المجهول .... وتابع:
" لا أعرف عنه شيئا..... ماذا يكتب , هل يؤلف روايات؟".
" أنه يكتب لعدة مؤسسات أدبية".
لكن الرجل تابع يقول بألحاح:
" أذن هو ليس روائيا؟".
قررت أن تخبره بعض الحقيقة , كما تخبر السائلين الآخرين:
" أجل , أنه مؤلف روايات".

نيو فراولة 15-10-11 05:54 PM

أوحت لهجتها بأنه لن يحصل منها على معلومات أكثر في هذا الموضوع , لا , لن تخبر هذا الرجل الغريب ما كان محرما عليها أن تقوله حتى لأصدقاء الكاتب المقريعها بين , وهو أن رب عملها مؤلف مشهور بالفعل ,وأن أسمعه المستعار ديمون دين , وأنه يكتب روايات بوليسية , معظمها يطبع بنسخ تجارية , وريعها يؤمن له دخلا ثابتا وعيشا مريحا.....
قبل أن يتحول كليفورد ديننغ الى الكتابة البوليسية , كان قد كافح سنوات عديدة لينتج ما سماه ( روايات حقيقية) , جديرة بالتقدير الأدبي المرموق , لقد فشل في ذلك الأنتاج , لكنه أستغل سنوات الكفاح تلك , فأوجد حوله مجموعة من الأصدقاء والمعارف , كان بعضهم مشهورا في عالم الأدب , ومن أجل الحفاظ على سمعته كأديب عبقري , وبالرغم من جهوده المهدورة , جعل سكرتيرته تقسم بأن لا تفشي سر نوعية الكتابة البوليسية التي يمتهنها , ولكن الرجل الغريب الى جانبها , يرفض أقفال الموضوع لسبب ما, وهكذا أستمر يسأل:
" هل يكتب روايات رمزية معقدة , أم أنها سهلة الفهم على مخلوق عادي مثلي , هل تفهمينها أنت؟".
" أجل , أنا أفهمها".
متى سيكف عن تحرياته ؟ ألا أنه تابع:
" الآن بدأت الأمور تتضح .... أذا كانت كتبه لا تستعصي عليك أنت , فلن تصعب علي أيضا , هل هي روايات رومانسية ؟ تاريخية؟ سياسية؟ أم علمية خيالية؟".
لم ترد.
" ما هي؟".
كرر السؤال بألحاح مما أثار أعصابها فأجابت بنزق:
" لا يمكنني البوح بنوعيتها".
وسرعان ما ندمت وتمنت لو بقيت صامتة , فعبارتها أوحت بوجود مكيدة أو أسرار , وهذا الرجل النبيه شم الرائحة فورا !
" أذن هناك بعض الغموض حولها؟".
توقفت عند درب ضيق يتفرع من الطريق العام , وسبقها الكلب اليه راكضا كالبرق لمعرفته به .... وقالت للرجل:
" بيتي بات قريبا ,فوداعا يا سيد....".
لم يزودها بالأسم المطلوب ووضع يده على ذراعها .... تصلبت عضلاتها وتمنت لو أن فليك بقي قريبا ,وقال الرجل , وكأنما لا حدود لوقاحته:
" أرجو أن تسمحي لي بالقول يا آنسة غارون أنني أرغب كثيرا في رؤيتك مرة ثانية , فأبتعدت عنه قليلا وقالت متلعثمة:
" أوه..... لكنني لا أعتقد".
فقاطعها ليمنعها من الأستمرار:
" هل لنا أن نلتقي لنتنزه , أو لتناول الشاي في الحديقة العامة؟".
تنفسا عميقا وبدأت تهز رأسها وتقول:
" لا, أشكرك و....".
" هل نلتقي الليلة؟".
وعادت تلمح في الأبتسامة تلك الأشارة المألوفة , ومضى هو كأنما يفسر ألحاحه:
" وصلت هنا اليوم , وأنا غريب في المنطقة , لذا سيسرني أن أجد من يرافقني في تنزهاتي".
فودت لو تقول , عبثا تحاول يا من لا أعرف أسمك لأنني مخطوبة وسأتزوج رب عملي في المستقبل القريب , لقد طلب يدي قبل ثلاثة أسابيع , وأتفقنا على أن نبقي خطوبتنا سرا في الوقت الحاضر , حتى أمي لم أطلعها على الخبر".
أنه أطول منها بكثير ,ولما تطلعت اليه , لحظت شعره الكث الأسود يتبعثر على جبهته , ورأت بياض يده وحساسية أصابعه الطويلة حين مررها في خصلاته المتمردة وأعادها الى مكانها , حدق فيها بعينيه البنيتين المتسائلتين وعادت أبتسامته الحربائية هذه المرة , لتعبر عن تحول موقفه الأليف الى توسل خفي وحار تقريبا.
منتديات ليلاس
لكن على الرغم من سرورها وغرورها برسائل الأعجاب المنطلقة من عينيه , فقد صعب عليها الأقتناع بأنه أستطاع في هذا الوقت القصير أن يعجب بها الى حد جعله يرغب في رؤيتها ثانية , فهي لم تلق هذا الأهتمام من أي رجل من قبل , ولا حتى من خطيبها نفسه.
نظرت الى الرجل ثانية , وبرغم تعبير وجهه الغامض , أدركت أنه كان واعيا حيرتها وشاعرا بالتجاذب الذي كانت تصارعه في أعماقها , ليس هناك أي شك في أن هذا الغريب رجل جذاب الى درجة الخطر!

نيو فراولة 15-10-11 05:56 PM

ضحك أخيرا فأختلت نبضات قلبها .... قال:
" أتعلمين يا آنسة غارون .... لو أن خواطرك في الدقائق القليلة الماضية أمكن تسجيلها على رسم تخطيطي , لأظهرت قفزات عجيبة بين درجات الصعود والهبوط , وأخالها الآن قد تسطحت في خط مستقيم وتوصلت الى قرار معين , فهل الجواب نعم؟".
عاد فليك عندئذ يركض , وطرح نفسه على ساقي أدريان , فأختل توازنها قليلا , سارع الرجل الى أسنادها وقال محذرا الكلب:
" على مهلك يا فليك , يكفيك ما أحدثت اليوم من ضرر لسيدتك ولا حاجة للمزيد".
وأستجاب فليك بتحويل أهتمامه الى الغريب حيث طفق يشمشم قدميه في أنفعال فطري , وسألها الرجل:
" ما هو جوابك , يا آنسة غارون , نعم أم لا؟".
" أنا.......".
" أذن هو نعم , أنني أعتبر التردد قبولا ,ولا سيما لدى النساء , حين لا يعطين جوابا قاطعا بالرفض , سنلتقي الليلة هنا أذن , ولنقل في السابعة السابعة والنصف".
أنحنى وأبعد الكلب عنه بلطف وداعب شعره , ثم أستوى في وقفته ولوح لها بيده مبتسما وسار مبتعدا!
حالما دخلت الردهة , تناهى اليها صوت أمها آتيا من الطابق العلوي :
" هل عدت يا أدريان؟".
لحظت التشدد البسيط على مقطع أسمها الأخير , ولمسة الأستعطاف التي كانت تضايقها كلما خاطبتها أمها بأسمها , وتابعت تقول من فوق:
" أصبت بصداع رهيب فأسدلت الستائر وها أنا أستلقي على الفراش , هل لك أن تتدبري الأمور يا عزيزتي وتهيئي الشاي؟ كان بودي أن أساعدك لكنني......".
كانت أدريان معتادة على صداعات أمها التي طالما بررتها بقولها :
" أنني شديدة الحساسية أتجاه الأنفعالات يا عزيزتي........".
وكانت تستسلم لتلك النوبات في معظم الأوقات وبملء أرادتها تقريبا ,وكأن أصابتها بهذا النوع من الصداع يعطيها أمتيازا معينا , كذلك كان الصداع عذرا يعفيها من معظم أعمال البيت فتضطر أبنتها للأضطلاع بهذه المسؤولية عنها.
أكدت لها أدريان بصوت مرتفع أنها ستتدبر الأمور بمفردها , وتنهدت متضايقة من مهمة تحضير الشاي بدل أن تقوم أمها بهذا الواجب لمرة واحدة على الأقل , وتتيح لها الأستمتاع بترف الأسترخاء .... تسلل فليك الى غرفة نومها فصرخت فيه لورنا غارون مؤنبة :
" أبعديه عني!".
وحين وصل الكلب الى الردهة , تزحلق وتلوى على أرضيته الخشبية الملمعة .
وفيما عكفت على طهو شيء لها ولأمها سرحت تفكر في الرجل الغريب الغامض , أحست بوجهه يعذبها , وتملكتها قناعة عنيدة بأنها رأته مرة من قبل , لكن كيف يعقل ذلك وقد أخبرها بنفسه أنه غريب عن المنطقة وجاءها اليوم فقط؟ هزت كتفيها محاولة أبعاده عن ذهنها , أنها لا تنوي مطلقا أن تلتقيه الليلة كما طلب , فأخلاقها تأبى عليها الخروج مع رجل ألتقته بطريقة عرضية ولا تعرف حتى أسمه .... ولو لم ينعقد لسانها ويشل ذهنها الى ذلك الحد لصارحته بموقفها هذا.
كانت على وشك الأنتهاء حين قالت أمها من فوق أنها لا تقدر أن تأكل شيئا , وتذمرت من رائحة الطعام الكريهة التي كانت تزيد صداعها ...
فتنهدت أدريان مرة أخرى , أنما أضطرت الى الأعتراف بأن الحق عليها , فلولا أنشغال أفكارها بذلك الغريب المزعج لتذكرت أن تسأل أمها مسبقا عما تود أن تأكله.
تناولت طعامها وودت لو تستطيع نسيان الرجل .... غسلت الأواني ونظفت المطبخ, ثم مضت تراقب عقربي الساعة وهما يقتربان من الموعد الذي ضربه للقائهما , تخيلته ينتظر في نهاية الدرب ,وربما يتقدم قليلا ليتأكد من قدومها , أحست أسى رهيبا لكونها أضطرت الى خذلانه.
تقدم عقربا الساعة , فعنفت نفسها على سوء تصرفها , من الخطأ أن تخيب أمل أي شخ , حتى لو كان غريبا عنها تماما , لا سيما أنه أبدى رغبة كبيرة في رفقتها.... وبدأت تشعر بالحزن عليه.......
ها قد مضت ساعة على الموعد المضروب ولا شك أنه عاد أدراجه خائبا.... أحست كمن يتلقى فجأة ضربة قاتلة فتهاوت على المقعد.... لقد ضيّعت فرصتها الوحيدة ولن تراه ثانية في حياتها!

نيو فراولة 15-10-11 06:00 PM

2- ها نحن نلتقي


في صباح اليوم التالي , وقبل أن تتوجه أدريان الى عملها , دخلت على أمها لتطمئن عليها , كانت ما تزال في سريرها وقد فرغت من تناول الفطور الذي حملته اليها أبنتها باكرا.
وجدتها جالسة على فراشها , مغمضة العينين , تشبك يديها على الغطاء وهي تصغي الى موسيقى هادئة تنبعث من راديو ترانزستور الى جانبها , كانت شقراء الشعر ذات بشرة شاحبة باهتة , أنما تبدو فتية رغم سنواتها الأربع والخمسين , كان وجهها مكرسا لحب الذات ,قالت وهي تتنهد:
" سأنهض بعد قليل .... لقد دعوت بعضا من أعضاء لجنة المهرجان لشرب القهوة , وليتني ما فعلت .... هل....؟".
" تقصدين الصحون؟ نعم , جلبتها ورتبت غرفة الأستقبال وحضرت الفناجين والحليب , وعيّرت القهوة في الأبريق فلم يبق عليك ألا أن تشعلي النار تحته".
فمدت يدها ولمست يد أبنتها قائلة:
" ماذا كنت سأفعل بدونك؟".
فهزت الفتاة كتفيها وأجابت مبتسمة:
" لا موجب لقلقك , سأبقى دائما هنا , أليس كذلك؟".
هذه هي الحقيقة , قالت في نفسها وهي تقطع المسافة القصيرة بين بيتها ومنزل كليفورد ديننغ ... وحتى عندما تزوجه وتسكن معه ستظل قريبة من امها لتكون قادرة على مسادتها في كل ما تحتاجه.
هتفت لكلبها الذي كانت تأخذه معها يوميا بناء على ألحاح أمها ورفضها العناية به في غيابها , لأنه في نظرها أكثر أزعاجا من طفل.
ولما مرّت حيث أقترح الغريب أن يلتقيا , أشاحت بوجهها عن المكان كما لو أن جريمة رهيبة قد أرتكبت فيه.... ضميرها ما أنفك يعذبها , ويصرخ مؤنبا كأب غاضب , لأنها خذلت الرجل ليلة أمس.
كان فليك قد سبقها بمراحل لمعرفته الجيدة بالطريق , كليفورد من جهته , لم يعترض مرة على وجود الكلب مع أن لا مكان للحيوانات في حياته , لكنه تحمله لغاية الآن لئلا يخسرها كسكرتيرة جيدة , وبما أنها أصبحت الآن خطيبته , لم تعد لديه حجج كثيرة ليمنع دخول الكلب الى المنزل , وهكذا أستمرت تصطحب فليك تبعا للأتفاق السابق.
كان منزل كليفورد كبيرا وأقدم من بيت أمها , أنما أفضل منه حالا , النوافذ الخلفية تطل على حدائق منسقة , فيها ورود ومقاعد خشبية وممرات ديدة , وفي وسط هذه الغابة المصغرة يقوم كوخ صغير كانت أدريان تستعمله كمكتب , فكليفورد ما كان يطيق ضجيج الآلة الكاتبة ولذا أختار لها هذا المكان لتطقطق فيه بعيدا عن سمعه الحساس.
منتديات ليلاس
وكان فليك دائما معها , في الصيف ترك الباب مفتوحا ليدخل ويخرج على هواه , وفي الشتاء يخدش بمخالبه الباب المقفل , فتترك الطباعة لتفتحه له.
كليفورد لم يأت أبدا الى الكوخ , وكانا يعملان في غرفته حيث يملي عليها أفكاره , وتنتظر هي في صبر حتى ينسق عباراته وينطقها وينقحها أذا أقتضى الأمر , لم تكن لديها ساعات عمل معينة , فأحيانا يطلب اليها ألا تأتي قبل الظهر وأن تشتغل عصرا ومساء ,والآن وقد أصبحت خطيبته , صارت تراه أكثر , وسؤاله لها :
" هل تتزوجينني يا أدريان؟".
لم يحدث أي فارق في علاقتهما , سوى أنه صار يتذكر بين الحين والحين أن يحيطها بذراعه حين تصل صباحا أو تودعه مساء.
لما فتحت الباب الأمامي العتيق وصعدت الدرج , وجدته في سريره , لكن ذلك كان أمرا طبيعيا بالنسبة لها , فهو لا يغادر فراشه الا قبيل الظهر , وكثيرا ما برر كسله بأن أفكاره تتخلى وتتدفق عندما يكون في منتهى الأسترخاء , ولا يتم له ذلك ألا في سريره , قال كذلك أن قلبه ليس سليما كقلوب الناس , وعليه بالتالي أن يريح جسمه قدر المستطاع ويدلل نفسه قليلا من باب الأحتياط.
لحق بها فليك وقفز في أرجاء الغرفة وهو يحمل خف كليفورد بين أسنانه ويهزه حتى نهرته سيدته فأعاده الى مكانه , ثم تزحلق على جلود الخراف المطروحة على الأرض الخشبية الملمعة , وقذف سلة المهملات عاليا وراح ينهمك بتقطيع الأوراق التي تبعثرت على الجلود.
كانت أدريان ما تزال تحس بالخجل من خطيبها , فترددت في معانقته ألا أن الكلب ضايقه الى حد جعله ينسى قضية العناق هذه.... قال لها ساخطا:
" أخرجيه من هنا!".
فدفعته أدريان بالقوة خارج الغرفة ووقفت على العتبة ترقبه وهو يتلصص من بين قضبان الدرابزين ويشمشم أبواب الغرف المقفلة , ثم يتوقف عند باب معين ويبقى قبالته لبرهة من الوقت
.

نيو فراولة 15-10-11 08:11 PM

سمعت كليفورد يناديها بعصبية فأغلقت الباب وتركت فليك وشأنه , كانت موقنة من أنه سيجد طريقه الى المطبخ حيث تستقبله السيدة ماسترز مدبرة المنزل , وتهتم بأمره.
تناولت دفترها من أحد الدواليب وتهيأت لتلقي أملاءات كليفورد , ثم أخذت تتفحصه وهو مستغرق في تجميع أفكاره.... أنه في الثالثة والأربعين , أصغر سنا من أمها بأحدى عشرة سنا , ووجهه مثل وجه لورنا , قليل الخطوط , أنما من حيث اللون كان يتميز بأحمرار حول الخدين , شعره البني الفاتح يشوبع بعض الشيب , وعنقه بدأ يمتلىء أنسجاما مع سائر جسمه المتزايد الوزن بسبب نهمه الى الطعم , عل الرغم من حالة قلبه , وفي لحظة صدق مؤسف , أقرت أدريان بأن كبر السن بدأ يظهر عليه , لكنها كانت أصغر منه بثمانية عشر عاما, وستزوده في السنوات الآتية بكل ما يحتاجه من قوة معنوية وجسمية.
قهوة الصباح قطعت عليهما الأملاء , حين أتت بها السيدة ماسترز , وهي أمرأة طويلة نحيلة ذات طبيعة دافئة يسترها مظهرها الضامر الهزيل , تبادلت مع أدريان بضع عبارات مرحة ثم تركتهما.
أحتسيا قهوتهما في صمت ولم تجرؤ أدريان على الكلام لعلمها أن كليفورد كان غارقا في التفكير يصوغ في ذهنه المقاطع التالية , أو يهيء فصلا بكامله , وأعترفت لنفسها وهي تبتسم فيحزن , بأنه دربها جيدا كسكرتيرة , ومن المفروض أن تكون زوجة مثالية له , لا تتكلم ألا عند الأقتضاء , ولا تقطع عليه أبدا فيض أفكاره , لكن هذه الرؤيا لم تقلقها كثيرا لأن التأليف كان بهجة حياته , والمرأة لا تحرم وجها من فعل شيء غال على قلبه.
عملا حتى موعد الغداء ولما أستعدت للخروج , أقتربت منه بأنتظار أن يعانقها , بيد أنه ربت على كتفها بشرود , فكتمت خيبتها وهي تحاول أقناع نفسها بأنها لا يجب أن تكون أنانية حين يكون منشغل الخاطر بعمله , بل يجب أن تتعلم ألا تمزج الناحية العملية في حياتهما بالناحية العاطفية.
بعد الغداء عادت الى العمل حاملة معها النصوص التي أملاها عليها كليفورد وأتجهت رأسا الى الكوخ القائم في آخر الحديقة , فتحت الباب بالمفتاح وهجم فليك الى الداخل يشمشم الزوايا المألوفة ثم ركض خارجا ليقفز بين الأشجار.
أكبت على الطباعة لفترة وغرقت في علها , سمعت فليك يعوي بأنفعال فحسبته وجد قطة ضالة على شجرة , ثم فتح الباب وسمعت صوتا يقول:
" كيف حال الكدمة؟".
فأستدارت بعنف وكادت عيناها تخرجان من وجهها لشدة أندهاشها.... كان الرجل الغريب يقف على العتبة , وبكل ذلك الطول الذي جعله يحني رأسه لئلا يلامس سقف الباب , كان يقف مبتسما , مسترخيا , ومتلذذا بدهشتها وأرتباكها ,لم تقدر أن تنطق بأي شيء , وراح قلبها يدق بضجيج عشرة طبول دفعة واحدة.
تجول الزائر في الكوخ ثم لمس التورم على جبينها وهي تبتعد عنه بسرعة:
" أزرقت الكدمة كما توقعت وصارت بلون عينيك".
هجم فليك عليه وهو يجعر ويقضم شريط حذائه فقال له الغريب:
" أهلا أيها الكلب , ها نحن نلتقي مرة أخرى".
حمله من على الأرض وأستقر فليك بين ذراعيه لاهثا فتابع يخاطبه:
" قضينا اليوم صباحا ممتعا , أليس كذلك يا صديقي؟".
فهمست أدريان متلعثمة:
" ماذا.... ماذا تقصد؟".
" آه, سيدتك , لم تفقد قدرتها على النطق كما خيل الي".
ثم أنزل الكلب وأجابها مفسرا:
" هذا الصباح كان يخدش على باب غرفتي لكونه أشتم رائحتي , فدعوته الى الدخول".
" أنت تقيم في البيت؟".
أومأ برأسه فتابعت:
" لهذا السبب أذن تقرب اليك بالأمس في تودد , لأن رائحة البيت على حذائك".
" أستنتاج بوليسي رائع وعلى مستوى أنتاج خطيبك.... يجب أن يضعه في أحدى رواياته".
" وماذا تعرف عن كتب كليفورد؟".
" أعرف عنها أكثر بكثير مما تتصورين , فأنا شقيقه".

نيو فراولة 15-10-11 08:14 PM

أبتسم لدهشتها وتابع:
" الخبر صعقك كما توقعت , ألم يذكر أسمي لك أبدا؟ لا, أستبعد أن يكون فعل , فهو لا يحبني كثيرا وما أحبني في حياته".
" أذن لهذا السبب........".
" أذن ماذا؟".
" خيل الي أمس أنني أعرفك , كنت أكيدة من أنني رأيتك في مكان ما , وأكيدة من عكس ذلك في نفس الوقت".
" يا آلهي , لا تقولي أنني أشبه أخي الحبيب , فلن أحتمل شبها كهذا!".
" لكنك حققت معي أمس في شأن كتبه , فلماذا فعلت ما دمت..........".
شهقت قليلا وأكملت:
" آه , كنت تمتحنني! أردت أن تمتحن قدرتي على كتمان السر؟".
أبتسم موافقا , وتابعت:
" ثم رتبت موعدا للقاء ثان , مع أنك كنت تعرف طوال الوقت أنني مخطوبة!".
" لكنك لم ترفضي طلبي باللقاء , أليس كذلك؟".
" أنا..... أنا.... لم أقل بأنني سألاقيك".
" كذلك لم تقولي لا , كما يفترض في الفتاة المخطوبة أن تفعل! لماذا لم تكوني صريحة وصادقة ؟ هبي أنني كنت رجلا غريبا بالفعل وألححت عليك أكثر , فماذا كنت ستفعلين؟ لا بد أنك تحبين أخي فعلا!".
" أذن كنت تمتحنني في هذا الموضوع أيضا؟".
فأجاب مفسرا:
" حالما سمعت بخطوبة أخي , دفعني الفضول الى معرفة هذه الفتاة التي ترضى بأن تربط مصيرها بمصيره , كنت واثقا من أنها لم ترض به بدافع الحب , فلم يبق أذن ألا الدافع المادي , هكذا أستنتجت أخيرا , وكنت مصيبا , أليس كذلك؟".
" كلا , كنت مخطئا في أستنتاجك!".
" أستميحك عذرا أن قلت أنني لا أصدقك , ألا أذا كنت قبلت به من باب الشفقة".
" بالطبع لا ! لقد وافت لأنه ........من أجل........".
توقفت أذ عجزت عن تمرير الكلمات المطلوبة من بين شفتيها , فقال ناظرا بحدة:
" لا تقولي أنك تحبينه؟".
" لا تدع تحاملك الأخوي يعميك عن مزاياه الجيدة".
" وهل يمتلك شيئا منها؟ هذا خبر جديد بالنسبة الى معرفتي الطويلة به".
فتركت بصرها يتلكأ قليلا على وجهه وقالت:
" أنت أصغر منه سنا".
" هذا تصريح لا يمكنني الطعن فيه , فأنا أصغره فعلا بسبع سنوات".
" أذن , عمرك ستة وثلاثون عاما".
فهتف مخاطبا الكلب الرابض عند قدميه:
" حمدا لله يا فليك على شطارتها في الحساب!".
فأستدارت أدريان الى عملها نافذة الصبر ولكن قبل أن تواصل الطباعة , كان لديها شيء تريد معرفته فقالت بشيء من السذاجة:
" يؤسفني أنني خذلتك ليلة أمس , فهل أنتظرت طويلا؟".
فألقى برأسه الى خلف مقهقها وقال:
" لم أنتظر أطلاقا لأني لم أذهب الى الموعد , وما نويت أن أذهب , هل أنتظرتني أنت طويلا؟".
فعبست بشدة وأجابت:
" بالطبع لم أذهب".
لعنت نفسها على غبائها , وأدارت له ظهرها متعمدة علّه ينصرف عنها , فهي لا تشعر بأي ميل الى شقيق خطيبها هذا!
لكنه قال:منتديات ليلاس
" طلبت الي السيدة ماسترز أخبارك بأن تفضلي الى البيت لتناول الشاي".
" أنني أتناوله هنا عادة , في أثناء العمل".
" حقا؟ لكن الوقت حان لنفعل ذلك في غرفة الأستقبال تبعا للأصول".
فسارت معه مرغمة بين الممرات الملتوية وعبر الأشجار ومساكب الورود , وكان فليك يحوم حوله طوال الوقت ويقفز على ساقيه وقدميه , وبدا الرجل مسرورا بمداعباته , وقال لها مبتسما:
"كلبك يحب صحبتي على الأقل وعلى الرغم من نفورك منها".

نيو فراولة 15-10-11 08:17 PM

أستقبلهما كليفورد جالسا على الأريكة وواضعا ساقا فوق ساق , نظر اليهما بما يشبه الشك وقال بصوت عبر عن مزاجه الحساس:
" تأخرتما في الوصول , يبدو أنكما تعرفان بعضكما".
فأجاب أخوه:
" كم أنت حاذق يا أخي , لكن من الطبيعي أن يتوقع المرء هذا الحذق من رجل بوليسي الذهن مثلك".
وقاد أدريان الى مقعد وثير بتهذيب مفتعل , ثم تابع:
" ألتقينا عصر أمس في الحديقة العامة".
ثم جلس وطفق يراقب الفتاة وهي تسكب الشاي تاركا أخاه ينتظر مزيدا من الأيضاح , وفيما هي تناوله فنجانه , نظر اليها وقال مخاطبا شقيقه:
" أذا أردت الصدق , فقد ألتقطتها هناك".
فتضرج محياها وأنسكب الشاي على صحنه , بيد أنها لم تعتذر لشدة غضبها منه.
فقال كليفورد:
" ماذا تقصد بحق الجحيم؟".
فأعترضت أدريان بصوت مرتفع محاولة تبرئة نفسها:
"هذا ليس صحيحال يا كليفورد , كان الحق على الكلب الذي.....".
فقال الغريب:
" آسف يا عزيزتي أدريان , كانت تلك الحقيقة بعينها".
أغاظها أن يخاطبها بأسمها الأول بهذه السهولة , لكنه أستدار الى أخيه وقال مبتسما:
" كان الأمر بسيطا للغاية , ولا أذكر أنني ألتقطت أمرأة في حياتي بمثل تلك السهولة".
وراح يراقب الفتاة الثائرة بتشف خبيث , ثم حول نظراته الحاقدة الى أخيه , وكأنهما يعودان الى أيام الحداثة ويتصارعان بالكلمات وتابع يقول ممعنا في خبثه:
" وأزيدك علما بأن خطيبتك وافقت على لقائي ليلة أمس لنذهب....... في نزهة".
بدت الحيرة على كليفورد , وسأله:
" أكنت تعرف أنها خطيبتي؟".
" نعم , فهي أخبرتني أسمها , وهذا شيء آخر فعلته بملء أرادتها , ألا أنها لم تسألني أسمي وما زلت أستغرب ذلك".
أبتسم لها ليوقعها في شرك , وسألها:
" ألا تهتمين بمعرفة أسم الرجل قبل أن توافقي على الخروج معه؟ هل كل صداقاتك قصيرة العمر والى حد يشعرك بأن معرفة الأسم لا تستحق الأهتمام؟".
أستمر يواجه ثورتها مبتسما وقال لأخيه:
" يبدو أن خطيبتك تتمنى لو تخنقني".
ثم قال لها :
" ليس من الحكمة أن تسيئي معاملة سلفك العتيد لئلا توجدي جوا عدائيا في محيط العائلة".
وأبتسم هذه المرة لأخيه وخاطبه قائلا:
" على ذكر القرابات العائلية , هل لك أن تقوم بالتشريفات فتعرفني الى خطيبتك رسميا؟".
فقال كليفورد بشيء من التردد وبكثير من الأرتباك :
" أدريان , أقدم لك موراي أخي الأصغر ,موراي , هذه خطيبتي , أدريان.... يا له من تعريف سخيف!".
ثم نهض وأكمل:
" أنني لا أصدق أي كلمة قلتها يا موراي , فأدريان , من دون سائر الفتيات , لا يمكن أن ترضى أن تلتقط هكذا , أليس كذلك يا عزيزتي؟".
طرح عليها السؤال متوسلا , فسارت اليه ووضعت يدها على ذراعه قائلة:
" تعرف جيدا أنني لا أقدم على ذلك يا كليفورد".
فربت على يدها وخرج , وهمت هي باللحاق به حين قال موراي بأبتسامة ساخرة:
ط البطل يخرج بعد موقف عاطفي حار , والبطلة تلحق به متلهفة الى المزيد , يا له من مشهد مسرحي صبياني يقوم به ممثلون هواة ..... متى ستدب الحياة في البطلين؟".
أستيقظ فليك من غفوته حين أتجهت سيدته الى الباب وهم باللحاق بها , لكنه أستدار حين ناداه موراي قائلا:
" فليك , هل تخرج معي في نزهة؟".
فطار الكلب فرحا حين سمع كلمة نزهة , سألها موراي:
" هل لديك طوق لفليك؟".
" نعم , أنه معلق في البهو , لماذا تريده؟".
" لأنه يريد التنزه معي وأنا أريد أصطحابه ".
" يجب أن تطلب الأذن مني , فهو كلبي ".
" لكن هذه رغبته , ألا ترين ذلك؟".
كان فليك يدور كالمجنون حول ساقي موراي وقدميه , فأنحنى ليداعبه ثم نظر اليها قائلا:
" فليك صديقي الوحيد في الوقت الحاضر".
ثم أضاف وكأنما تذكر أعتراضها:
" هل تأذنين لي بأصطحابه؟".
فأجابت بأقتضاب :
" لا مانع أذا كنت تريد ذلك".

نيو فراولة 15-10-11 08:19 PM

ولدى خروجهما من الباب , أحست بما يشبه الغيرة فدمعت عيناها ... لم تصدق أن كلبها أستطاع بهذه السرعة والحرارة أن يتحول من حبه وأخلاصه لها الى حب هذا الرجل الذي باتت تنفر منه كثيرا.
كانت مكبة على الطباعة حين عاد موراي , أنفتح باب الكوخ وأندفع فليك الى الداخل , ليرتمي قرب المكتب متعبا لاهثا.
أما موراي , فدخل من دون أن يعتذر عن أزعاجها , وأسند ظهره الى أحدى الخزائن الحديدية وقال وهو يكتف ذراعيه:
" ها هو كلبك يعود اليك سالما , أنه لم يفتقدك , وقد تسلى كثيرا بلعبة العصي , أنا أقذفها بعيدا وهو يجري ويعيدها بأسنانه , هل تمارسين معه هذه اللعبة في نزهاتك معه؟".
" بالطبع أفعل ذلك".
أبتسم بغرور وقال:
" أذن هناك قاسم مشترك بيننا , هواية قذف العصي , أنا خطوة صغيرة أنما أيجابية في تأسيس علاقة أفضل ما بيننا , فعما قريب سنصبح عضوين في عائلة واحدة".
فقالت بأستياء:
"لا حاجة لأن تذكرني بهذه الحقيقة في أستمرار".
ضحك عاليا وأجب:
" لا شك أننا سنعقد صحبة ممتازة من خلال هذه القربى".
قرأ بضع عبارات من الكتاب الذي تطبعه وقال معلقا:
ط يا له من مضمون شرير وسخيف! لا عجب أن يخجل الى هذا الحد مما يكتبه ويصر على كتمانه! أحسبك تعرفين ممن ستتزوجين؟ مسكين كليفورد! ذهنه دائما أقل مستوى من ذهن العصفور الدوري , وقد أجرح بكلامي هذا أحساس العصافير!".
فسارعت الى القول مدافعة عن خطيبها:
" أنه يؤمن دخلا جيدا من كتبه".
" صحيح , ولا ريب أن هذا يسرك , أذ لن تمضي بضعة أشهر حتى تصبحي شريكته في الثروة".
فقالت بنزق:
" تبدو وكأنك تغار منه".
فأطلق ضحكة قصيرة لينكر زعمها وأجاب:
" وممّ أغار؟ من فتاته أم من ثروته؟".
"من ثروته كما تدعوها , فلا شك أن كفاءتك الأنتاجية أقل مستوى من كفاءته".
فسخر قائلا:
" كلمات ضخمة بالنسبة الى سكرتيرة مساعدة , غريرة وجاهلة , فأنت لا تعلمين شيئا عن مؤهلاتي ولا عن حسابي المصرفي أو عني شخصيا , لا تعلمين حتى نوع عملي".
فأنطلق جوابها على الرغم منها:
" لكنني أعلم أنك تكره أخاك وتكرهني لأنني سأتزوجه".
" أخطأت وفي وصف شعوري بالكراهية , أنني أشعر أزاءه باللامبالاة وأزاء كل فتاة يصل بها الغباء الى حد القبول به زوجا".
خيم عليهما صمت مؤلم .... فأخذت تحدق في الكلمات المطبوعة وبدت لها بلا معنى.
وأنحنى وقبض على ذقنها ,ورمقها بعاطفة غريبة وهو يقول:
"لماذا تدفعينني الى قول أشياء تجرحك؟ أجل ,أنني أجرحك وأستطيع رؤية الألم في عينيك.... لم أتعرف اليك ألا من وقت قصير , ولكنني لسبب ما , وبرغم براءتك وصغر سنك , أجدني راغبا في أيذائك , ما عرفت أمرأة من قبل أحدثت فيّ هذا التأثير المثير للقسوة , بل العكس هو الصحيح ...الرغبة في مداواة الجراح لا التسبب فيها".
فردت بمرارة:
" سبق وأن قلت لك , أنك تعتبرني أمتدادا لأخيك , وبالتالي أنت لا تهاجمني شخصيا بل تهاجمه هو من خلالي , لا تنسى أنني سأصبح جزءا منه في المستقبل القريب".
أرخى ذقنها فجأة , وعاد الى تجريحها قائلا:
" تحسبين نفسك طبيبة نفسانية , أليس كذلك ؟ من الأفضل أن أنصرف قبل أن تحسبي هذه الغرفة عيادة وتطلبي مني التمدد على أريكة الأستجواب!".
تركها عائدا الى البيت , وهم فليك بأن يلحقه لكنها أمرته بأن يبقى مكانه.

نيو فراولة 15-10-11 08:20 PM

3- عينان تتفتحان


في الصباح التالي دخلت غرفة كليفورد لبدء العمل , فخالته ما يزال نائما ألا أنه نهض جالسا في وهن حين أحس بها تقف قرب السرير , لم يكن حلق ذقنه بعد , وبدا وجهه شاحبا قليلا , لكن صوته كان طبيعيا لمّا تكلم , ورأت أدريان بقايا فطوره على الصينية القريبة.
" أشعر اليوم بشيء من التوعك يا عزيزتي , وعلي أن أراعي صحتي كما تعلمين".
أمسك بيدها وقرّبها منه ثم ربت على خدها بيده الأخرى , فوجئت وأنتابها بعض القلق من هذا التصرف الغريب , وتابع هو يقول:
" هل تدركين أن حياتنا بعد الزواج سنختلف قليلا عن حياة الأزواج الآخرين بسبب أضطراب قلبي , وأضطراري الى وجوب الأحتراس؟ هل تدركين ذلك؟".
كرر السؤال , فيما بدت عيناه كعيني طفل وهما تنتظران تطمينها وتطالبانها بأعطاء الجواب المناسب . فأعطته أياه قائلة:
" بالطبع أدرك ذلك يا كليفورد".
فأومأ برأسه راضيا , ثم أشار الى أحد الجوارير وقال:
" ستجدين فيه فصلا جديدا كتبته بنفسي بعد ذهابك الى البيت مساء أمس , حيث تواردت علي الأفكار فسارعت الى تدوينها".
قالت معاتبة:
" لو أنك خابرتني لما ترددت في المجيء يا كليفورد".
فضغط على يدها وأجاب:
" خطر لي ذلك يا عزيزتي , لكن قلبي لم يطاوعني على أستغلال طيبتك الى هذا الحد".
وجدت الأوراق المطلوبة , وقال وهي تستعد للخروج:
" عندما تنتهين من طباعة هذا الفصل , أذهبي الى البيت , خذي أجازة بعد الظهر وعودي مساء , فلعلني أكون تحسنت عندئذ لأملي عليك أشياء جديدة".
ظهر موراي في الردهة , وسألها حين وصلت أسفل السلم:
" تبدين كئيبة , هل تشكين من شيء؟".
" أنا بخير , لكن كليفورد ليس على ما يرام".
فقال على الفور:
" مم يشكو؟".
" من قلبه , ألا تعرف أن لديه ضعفا في القلب؟".
" وهل أخبرك ذلك؟".
فأومأت وأحست بالغضب أتجاه هذا الرجل القاسي وكأنه ليس من البشر ,وقالت:
" لماذا لا تصدق أنه مريض؟ كيف تسمح لتحاملك عليه أن يعميك عن الحقيقة , ولماذا كل هذه القسوة على أخيك حتى في حالة المرض؟".
فأجاب ساخرا:
"تتكلمين كخطيبة نموذجية , ملؤها اللهفة والخوف على حبيبها , فيا فتاتي العزيزة , دعيني أطمئنك كزوجة عتيدة , بأنه ليس مريضا ولا يشكو أضطرابا في القلب , أنه يتوهم ذلك وهذا الوهم يخدم أهدافه".
أغضبها أرتيابه , فقالت حانقة:
" أصعد لتراه بنفسك , فلعلك تتأكد هندئذ من سوء حالته".
" سأفعل ذلك".
صعد الدرج قبل أن تقول شيئا آخر , وأستدار فسألها من فوق:
" هل عزف عن تناول الطعام؟".
" لا , لقد تناول فطوره ,ورأيت الصينية فارغة".
" كنت مصيبا في ظني , فعندما يفقد أخي العزيز العزيز شهيته للطعام أتأكد ساعتها من صحة مرضه".
في المساء بدا كليفورد أحسن قليلا ولكنه قال:
" لا أشعر برغبة في الكتابة يا أدريان ,ربما في الصباح أعود الى طبيعتي بأذن الله".
كان فليك ينتظرها في الردهة فقالت له وهي تربط المقود بطوقه:
" هيا بنا نخرج في نزهة أخرى".
" هل لي بمرافقتكما؟".
سألها موراي وكان واقفا عند باب الصالون.
فقطبت أدريان وتردد ت , لكنه لم ينتظر جوابها بل تبعها الى الخارج وسأل:
" الى أين؟".
" أذهب عادة الى الحقول".
" أذن هيا الى الحقول".
منتديات ليلاس
أخذ مقود الكلب من يدها فأمتعضت من تصرفه ألا أنها لم تقل شيئا.... لماذا تعجز عن الأعتراض , كأية فتاة أخرى؟
كان الدري يمتد متوازيا مع السياج ,وأخذ يضيق لدى مروره بجانب القمح المزروع بكثرة , تركها تسير أمامه ,ومشيا صامتين لبعض الوقت فيما سبقهما فليك بمراحل ثم أختفى عم بصرهما.
ولما أتسع الدرب ثانية ,سارا جنبا الى جنب , فتطلعت اليه فأبتسم لها , وسألت بشيء من الخجل:
" ماذا تعمل يا موراي؟".
فضحك وأجاب:
" أستغربت تأخرك في هذا السؤال لغاية الآن , حاولي أن تحزري".
" حسنا , عندما ألتقيتك أول مرة حسبتك صحفيا أو حتى رجل تحر".
ضحك ثانية فقالت تبرر تحليلها:
" أنك تطرح أسئلة كثيرة".
" أبتعدت كثيرا عن الهدف , أنا أعمل في أبحاث جامعية معينة ".
فسألت بأهتمام بالغ:
" حقا , وما هو موضوع البحث؟".
تردد لبضع ثوان قبل أن يجيبها مبتسما:
" دعيني أشرحه لك في كلمات بسيطة مع أحترامي بالطبع لذكائك , المشروع المذكور , يبجث في التأثيرات الغذائية على أجزاء معينة من جسم الأنسان".
أنتظرت مزيدا من الشرح فخاب أملها , وعادت تسأل لتستحثه على أشباع فضولها:
" هل تحاضر في الجامعة؟".
تردد ثانية لكنها لم تلحظ , وقال:
" نعم , أنا أستاذ محاضر بشكل ما".
أقتنعت بهذا ألا أنها طرحت سؤالا مختلفا:
" أنت.....لست متزوجا ؟".
" كلا".
ضحك للمرة الثالثة وأضاف:
" هل أنت مهتمة بي لأنك ستصبحين زوجة أخي , وتشعرين بالتالي بمسؤولية معينة أتجاه مصالحي , أم أنك تريدين فقط أن تعرفي لأسباب خاصة بك؟".
حيّرها السؤال لكنها وفقت بين الشقين وقالت:
" هذا وذاك معا".

نيو فراولة 15-10-11 08:24 PM

وصلا قنطرة وعرة عند السياج , كان فليك قد مر تحتها حشرا , فصعدها موراي وساعد أدريان على عبورها , ثم أحاط خصرها بيديه وأنزلها في الجهة المقابلة , وعلق بعدما أفلتها:
" خفيفةكالريشة".
ولما عبست , أضاف مبتسما:
" يا لهذا الخجل عند جيل متهم بالأنطلاق والأنفلات! وعلى ذكر الأجيال , كم عمرك يا أدريان؟".
فأجابت بلا تحفظ:
" خمسة وعشرون عاما".
" وأخي في الثالثة والأربعين , مما يجعله أكبر منك بثماني عشرة سنة , أحسبك تدركين هذا الفرق الكبير؟".
أومأت برأسها فسأل:
" ألا تحسبين له حسابا؟".
فأجابت بحدة وتحد:
" ولم القلق؟ فعندما نحب شخصا...".
" هل تحبينه يا أدريان؟".
فراوغت قائلة:
" لو كنت لا أحبه لما وافقت على الزواج".
" أشك في هذا".
رمقها بنظرة متفحصة مشفقة , فأحستها تخترق أعماق ذهنها وتكشف له أتجاه أفكارها , ووجدت نفسها تتمنى لو أنه لم يكن ثاقب البصيرة وعارفا بالخفايا الى هذا الحد , فمن الظلم أن يلم بكل هذه الأشياء عنها من تلقاء نفسه , لكنها ما أستطاعت أن تعرف بالتحديد مدى ألمامه هذا.
أشعرتها غرفة كليفورد بوجود جو دائم من المرض كما لو كانت غرفة في مستشفى , والأسوأ من ذلك أنه بدا معتزا جدا بهذا الجو , فتصرفاته وعاداته , كانت مصوبة فعلا بأتجاه شيخوخة مبكرة.
قضت الصباح تدون أملاءات كليفورد الذي كان عاد الى طبيعته وبدا ذهنه أكثر أشراقا حين راحت الكلمات والخواطر تتدفق منه كالسيل , خرجت من غرفته ظهرا , لتجد موراي يخرج بدوره من غرفته , رمقها بنظرة أستفزازية , فأدركت أن العلاقات بينهما عادت ال سابق عهدها , وأن النزهة بالأمس , والهدنة , وكل عبارات التفهم والتعاطف التي تبادلاها , أصبحت في خبر كان.
قال بنبرة متحدية:
" مرحبا , هل..... أرهقكما العمل".
قطبت لتلجم لسانه , لكنه تابع مبتسما:
" لم يسعني كرجل , ألا أن أشرد بتخيلاتي وأتساءل.... وبخاصة أنك مخطوبة".
فردت حانقة:
"كنا نشتغل , وأعني نشتغل".
فرفع يده مهدئا وقال:
" لا تغضبي , أنني واثق من ذلك لمعرفتي الجيدة بشقيقي , المسكين لا حيلة له في الأمر , والحق على تركيبته الأساسية , أنما لو كنت في مكانه , ومعي فتاة تعمل طوال هذا الوقت......".
ظلت بقية عبارته معلقة في الهواء , فنزلت الدرج ركضا ووقف يراقبها حتى أختفت.
بعد الظهر أنصرفت الى طباعة النصوص الجديدة , وكانت في منتصف عملها لما زارها موراي , بدأ فليك يرحب بصديقه الجديد عبر حركاته المعهودة , فقرفص موراي وطفق يلاعبه بتلك الخشونة اللامؤذية التي أعتادها الكلب وأحبها , وطوال الوقت جلست أدريان متوترة الأعصاب تنتظر , ويداها مشبوكتان في حضنها.... كلما دخل هذا الرجل , كانت شخصيته تملأ الكوخ .... نهض ونفض يديه مما علق بهما من شعر الكلب , وقال ناظرا الى ظهرها المتصلب:
" ما زلت أتلقى الترحيب المعتاد من زوجة أخي المقبلة".
" ليتك تكف عن تسميتي هكذا!".
فجلس على حافة المكتب , وقال وهو يضع يديه في جيوبه:
"لماذا؟ هل عدلت عن الزواج منه؟ لن لومك أن كنت فعلت ".
فردت عليه غاضبة:
" كلا , لا شيء سيجعلني أغير رأيي , لكنني أتضايق من هذه التسمية لأنها تذكرني بعلاقتي معك في المستقبل".
فضحك وقال:
" بديهتك في تحسن مستمر , وجودي هنا يشحذ ذهنك على الأقل , لذا يجب أن نبقى على أتصال بعد ذهابي لئلا يصدأ عقلك من جديد".
كلمة ذهاب أخترقتها كرصاصة فسألت:
" هل تفكر بالرحيل؟".
" ليس الآن , أنما لماذا تسألين , أتريديني أن أرحل؟".
فأحمر وجهها وتمتمت :
" لا ... أقصد.... أنك بالكاد وصلت فكيف تعود بهذه السرعة".
نظر اليها متأملا وقال:
" أن كان يهمك أن تعرفي , فأنا سأقضي هنا معظم أجازتي الطويلة".

نيو فراولة 15-10-11 08:26 PM

لم تجبه أذ خشيت أن يفتضح أمرها , فألتقط يدها اليمنى وقال:
" لماذا لم يلبسك أخي خاتما؟".
" لأنه يريد كتمان خطوبتنا في الوقت الحاضر".
" لماذا؟ هل يخجله أن تكوني خطيبته؟".
" بالطبع لا! أنه يتحاشى الضجة الأعلامية التي ستنتج عن أعلان الخطوبة , أذ يخشى أن تؤثر على صحته , كذلك يخشى أن يكتشف الصحفيون أسمه المستعار".
فأفلت يدها بعنف وهتف:
" يا للسخف! لم أسمع في حياتي أعذارا واهية كهذه! هناك طريقة واحدة تجعله يبتاع لك خاتما , سأهدده بأنه أن لم يفعل ذلك , فسأشتري لك واحدا بنفسي!".
توجه الى الباب قبل أن تجيب وقال من خلف ظهره:
" طلبوا مني أن أعلمك بأن الشاي ينتظرك في غرفة الأستقبال".
لما دخلت شعرت بتوتر الجو , وبدت على الأخوين آثار جدال جاد ,كان موراي يجلس على كرسي منخفض الى جوار أحد المقاعد الوثيرة , ولدى دخولها , ربت على المقعد وقال:
" تعالي وأجلسي هنا يا أدريان".
وجه اليها الدعوة بلهجة آمرة فأغضبها ذلك ألا أنها أمثلت لأمره .
راقب كليفورد أخاه وهو يناولها الشاي ويقدم لها قطعة حلوى رفضتها منه , ثم قال :
"هل تريدين أن أبتاع لك خاتم خطوبة يا أدريان؟".
فأدركت عندئذ أنهما كانا يتجادلان حول هذا الأمر.
وقال موراي مخاطبا أخاه:
" لا تسألها بحق السماء بل قل لها أنك ستبتاع خاتما فهي بالطبع تريد ذلك".
ثم أمسك يدها اليمنى وأضاف:
" أنظر الى هذه اليد كم هي خالية من الزينة! هذه الفتاة تخصط يا رجل , وحري بك أن تعلن خطوبتكما على الملأ".
لكن كليفورد عاد يقول وكأن أخاه لم يتكلم:
" أتريدين خاتما يا أدريان؟".
منتديات ليلاس
فسحبت يدها بعنف من بين أصابع موراي التي كانت بدأت تضغط عليها بشكل خفيف جدا , ألتقت عيونهما فأرتبكت وأشاحت بوجهها , كان كليفورد يرقبهما في شك وخشية ولم يخف هذا على موراي , فبدا أنه يتقصد اللعب بمخاوف أخيه.... لقد عادا الى خناقات الماضي الصبيانية وخصوماته , لكن المعركة صارت اليوم أكثر تجريحا , والطعنات أعمق , كان واضحا أن موراي يستفز غيرة أخيه لأسباب خاصة به.
شعرت بالتوتر المتزايد , وكرهت موراي لأمعانه في أيلام كليفورد ذي الشخصية الأضعف بكثير من شخصية أخيه , ولا يسعه بالتالي أن يواجه أستفزازاته بالفعالية المطلوبة , ولذا قررت أن تنجده وتعطيه الجواب الذي يريد , فقالت:
" أذا لبست خاتما , سنضطر الى أعلان خطوبتنا في الجرائد فيعلم بها الجميع , وأنت ستتضرر من أنتشار الخبر , وقد أخبرتني ذلك بنفسك يا كليفورد".
أوحت نبرتها بأن الموضوع بات منتهيا بالنسبة اليها , بيد أن موراي رفض أنهاءه ,وقال مخاطبا أخاه:
"أذا أشتريت لها خاتما من دون أن تعلن الخطوبة , فلن يعلم أحد بأنك الخطيب , وهكذا تتحاشى شيوع الخبر الرهيب الذي يخيفك الى هذا الحد".
فأجابته أدريان بحدة:
" سيتسرب الخبر بالرغم من ذلك , فأنا سأضطر الى أعلام أمي , وهي في الواقع أكبر ثرثارة في العالم".
وهنا هتف موراي في دهشة:
" أما أخبرت أمك بعد؟ كنت أحسب أن أم العروس هي دائما أول من يعلم!".
يجب أن تضع حدا لهذا النقاش , فالأمر لا يخصه بل يخصها وكليفورد وحدهما , نهضت واقفة وقالت:
" عليّ أن أعود الى العمل".
فوقف موراي أيضا , وأحاط كتفيها بذراعيه مشددا قبضته عليهما ليمنعها من المقاومة , ونظر الى أخيه متحديا.
فأحمر كليفورد , وزحف اللون على عنقه وغطى وجهه حتى حدود شعره . زم شفتيه كما لو كان ولدا صغيرا يرى أمه تقدم لعبته المفضلة الى طفل زائر , ثم نهض بتصميم غريب عن طبيعته اللينة , وسار الى حيث يقفان , فشبك ذراعه بذراع خطيبته وسحبها بعيدا عن أخيه.
فأبتسم موراي كرجل حقق هدفه برضا تام.
أما كليفورد, فرافق خطيبته الى الباب ووعدها بقوله:
" سأبتاع لك الخاتم قريبا".
كان تصريحا أيجابيا , ومع ذلك , لم يقاوم أضافة السؤال:
" أهذا ما ترغبين فيه؟".
فنظرت الى موراي متحدية ثم أجابت :
" نعم , سيسرني لبس الخاتم".

نيو فراولة 15-10-11 08:28 PM

لم تجبه أذ خشيت أن يفتضح أمرها , فألتقط يدها اليمنى وقال:
" لماذا لم يلبسك أخي خاتما؟".
" لأنه يريد كتمان خطوبتنا في الوقت الحاضر".
" لماذا؟ هل يخجله أن تكوني خطيبته؟".
" بالطبع لا! أنه يتحاشى الضجة الأعلامية التي ستنتج عن أعلان الخطوبة , أذ يخشى أن تؤثر على صحته , كذلك يخشى أن يكتشف الصحفيون أسمه المستعار".
فأفلت يدها بعنف وهتف:
" يا للسخف! لم أسمع في حياتي أعذارا واهية كهذه! هناك طريقة واحدة تجعله يبتاع لك خاتما , سأهدده بأنه أن لم يفعل ذلك , فسأشتري لك واحدا بنفسي!".
توجه الى الباب قبل أن تجيب وقال من خلف ظهره:
" طلبوا مني أن أعلمك بأن الشاي ينتظرك في غرفة الأستقبال".
لما دخلت شعرت بتوتر الجو , وبدت على الأخوين آثار جدال جاد ,كان موراي يجلس على كرسي منخفض الى جوار أحد المقاعد الوثيرة , ولدى دخولها , ربت على المقعد وقال:
" تعالي وأجلسي هنا يا أدريان".
وجه اليها الدعوة بلهجة آمرة فأغضبها ذلك ألا أنها أمثلت لأمره .
راقب كليفورد أخاه وهو يناولها الشاي ويقدم لها قطعة حلوى رفضتها منه , ثم قال :
"هل تريدين أن أبتاع لك خاتم خطوبة يا أدريان؟".
فأدركت عندئذ أنهما كانا يتجادلان حول هذا الأمر.
وقال موراي مخاطبا أخاه:
" لا تسألها بحق السماء بل قل لها أنك ستبتاع خاتما فهي بالطبع تريد ذلك".
ثم أمسك يدها اليمنى وأضاف:
" أنظر الى هذه اليد كم هي خالية من الزينة! هذه الفتاة تخصط يا رجل , وحري بك أن تعلن خطوبتكما على الملأ".
لكن كليفورد عاد يقول وكأن أخاه لم يتكلم:
" أتريدين خاتما يا أدريان؟".
فسحبت يدها بعنف من بين أصابع موراي التي كانت بدأت تضغط عليها بشكل خفيف جدا , ألتقت عيونهما فأرتبكت وأشاحت بوجهها , كان كليفورد يرقبهما في شك وخشية ولم يخف هذا على موراي , فبدا أنه يتقصد اللعب بمخاوف أخيه.... لقد عادا الى خناقات الماضي الصبيانية وخصوماته , لكن المعركة صارت اليوم أكثر تجريحا , والطعنات أعمق , كان واضحا أن موراي يستفز غيرة أخيه لأسباب خاصة به.
شعرت بالتوتر المتزايد , وكرهت موراي لأمعانه في أيلام كليفورد ذي الشخصية الأضعف بكثير من شخصية أخيه , ولا يسعه بالتالي أن يواجه أستفزازاته بالفعالية المطلوبة , ولذا قررت أن تنجده وتعطيه الجواب الذي يريد , فقالت:
" أذا لبست خاتما , سنضطر الى أعلان خطوبتنا في الجرائد فيعلم بها الجميع , وأنت ستتضرر من أنتشار الخبر , وقد أخبرتني ذلك بنفسك يا كليفورد".
أوحت نبرتها بأن الموضوع بات منتهيا بالنسبة اليها , بيد أن موراي رفض أنهاءه ,وقال مخاطبا أخاه:
"أذا أشتريت لها خاتما من دون أن تعلن الخطوبة , فلن يعلم أحد بأنك الخطيب , وهكذا تتحاشى شيوع الخبر الرهيب الذي يخيفك الى هذا الحد".
فأجابته أدريان بحدة:
" سيتسرب الخبر بالرغم من ذلك , فأنا سأضطر الى أعلام أمي , وهي في الواقع أكبر ثرثارة في العالم".
وهنا هتف موراي في دهشة:
" أما أخبرت أمك بعد؟ كنت أحسب أن أم العروس هي دائما أول من يعلم!".
يجب أن تضع حدا لهذا النقاش , فالأمر لا يخصه بل يخصها وكليفورد وحدهما , نهضت واقفة وقالت:
" عليّ أن أعود الى العمل".
فوقف موراي أيضا , وأحاط كتفيها بذراعيه مشددا قبضته عليهما ليمنعها من المقاومة , ونظر الى أخيه متحديا.
فأحمر كليفورد , وزحف اللون على عنقه وغطى وجهه حتى حدود شعره . زم شفتيه كما لو كان ولدا صغيرا يرى أمه تقدم لعبته المفضلة الى طفل زائر , ثم نهض بتصميم غريب عن طبيعته اللينة , وسار الى حيث يقفان , فشبك ذراعه بذراع خطيبته وسحبها بعيدا عن أخيه.
فأبتسم موراي كرجل حقق هدفه برضا تام.
أما كليفورد, فرافق خطيبته الى الباب ووعدها بقوله:
" سأبتاع لك الخاتم قريبا".
كان تصريحا أيجابيا , ومع ذلك , لم يقاوم أضافة السؤال:
" أهذا ما ترغبين فيه؟".
فنظرت الى موراي متحدية ثم أجابت :
" نعم , سيسرني لبس الخاتم".

نيو فراولة 15-10-11 08:29 PM

عد مرور بضعة أيام ,كانت أدريان تطبع في الكوخ , عندما ظهر موراي حاملا فنجاني قهوة , وقال وهو يضع أحدهما على المكتب:
" واحد لك , وواحد لي".
تناول قطعة الحلوى من على صحنه ورماها الى فليك الذي تلقفها في فمه المفتوح ثم ألتهمها بأمتنان قرير , وقال:
" آسف لأزعاج السكرتيرة المثالية , لكن الضجر كاد يقتلني".
" لا يمكنك البقاء طويلا , فأنا مشغولة".
" وكالعادة , ترحبين بي كثيرا".
وفكرت في نفسها , لو أستطاعت أن تشرح له مدى ترحيبها الحقيقي به لملأت عباراتها كتابا! أحتسى قهوته حتى آخر نقطة , ووضع الفنجان على الصحن ثم نهض واقفا ففأضطرت أدريان الى أخفاء خيبتها , وقال:
" جئت فقط لأطرح عليك سؤالا .... هل ستخرجين في نزهتك المعتادة هذا المساء؟".
" أذا كان الطقس جيدا , لماذا تسأل؟".
فهز كتفيه وأجاب:
" خطر لي أن أرافقك , أذ ليس لدي شيء أفعله , لا أطيق رفقة أخي المملة وحيث لا هم له ألا التحدث عن كتبه المألوفة".
" وللمرة الثانية تجدني أفضل من لا شيء؟".
لم يجبها , فتابعت:
" أذا شئت مرافقتي فلا مانع لدي ".
" هذا لطف كبير منك , هل أمر عليك في البيت؟".
أضطرت الى أخفاء سرورها , وقالت:
" الأمر يعود اليك , لنقل حوالي الساعة السابعة؟".
فأخرج مفكرته وقلمه برشاقة , وقال وهو يسجل:
" السابعة مساء , موعد مع زوجة أخي العتيدة والكلب".
أعاد المفكرة الى جيبه وخرج بادي السرور من نفسه.
منتديات ليلاس
كانت أدريان في أنتظاره لما وصل , وعلى ذراعها كنزة صوفية أحتياطا لبرودة الجو , ما كانت لتعترف بأنفعالها ألا أنه كان يغرغر في داخلها كنافورة ماء , ولا سبيل الى أنكاره , كانت أعلمت أمها بقدوم موراي وقالت أنه شقيق مخدومها وقد جاء ليقضي العطلة عند أخيه , وهنا ذكرت نفسها بأن لا تشير اليه بأسم كليفورد.
كانت لورنا تضطجع على الأريكة كعادتها , وقد أكثرت قليلا من أستعمال المساحيق وأضافت الى عطرها رشة خفيفة , فتساءلت أدريان عن سبب هذا الأهتمام.
رآها موراي تتطلع الى قدومه من خلال النافذة , وحين فتحت له الباب قال ليستفزها:
" يسرني أن أراك ترحبين بي في حرارة هذه المرة , هل كنت تحصين الساعات لحين وصولي؟ أين أمك؟".
فأجابه صوت لورنا آتيا من غرفة الأستقبال:
" يا لهذا الشاب اللطيف الذي يطلب التعرف اليّ!".
فرفع موراي حاجبيه وقال:
" أتسمحين لي بالدخول؟".
ودخل من دون أن ينتظر الجواب , فأستغربت أدريان لهفته لملاقاة أمها , فهو ليس خطيبها ولا يجب أن يتصرف على هذا الأساس.

نيو فراولة 15-10-11 08:31 PM

قال وهو يقف في غرفة الأستقبال ينظر الى لورنا مبتسما , وعيناه تتفحصانها وتحلالان وتستنتجان:
" مساء الخير يا سيدة غارون".
ثقته الذاتية هذه أدهشت أدريان , وبدا كما لو كان معتادا على دعوة نفسه الى صالونات الناس وكأن ذلك من حقه.
وقالت أمها:
" عرفيني الى هذا الشاب الساحر يا أدريان".
فقالت في جمود:
" أمي , أقدم لك موراي, وهذه أمي يا موراي".
" السيد موراي؟".
أستوضحت لورنا برفع حاجبيها المزججين , وهي تمد اليه يدها البضة فيصافحها بقبضة قصيرة , ثم ألتفت الى أدريان بنظرة تحذير , فسارعت الى التصحيح مرتبكة:
" كلا , أقصد السيد موراي ديننغ".
وساندها هو بقوله:
" طلبت من أدريان أن تناديني موراي من باب المودة , فأنا لست مخدومها بل شقيقه فقط".
فطرقت أهدابها وقالت:
" أذن , هل تسمح لي أيضا بأن أخاطبك بأسمك الأول؟".
" ولم لا؟".
"أسمي لورنا يا موراي".
أنزلت قدميها الى الأرض في رشاقة مدروسة , وقالت وهي تعبث بالوسادة الى جانبها:
" أنت أول شاب تدعوه الى بيتنا ,ولا أدري لماذا يصعب عليها أجتذاب الشبان".
فأحمر وجه الفتاة وقالت:
" أمي , موراي ليس.........".
فقال موراي بسرعة وهو يتفحص أدريان في تفصيل دقيق:
" أستغرب كلامك هذا , فأبنتك تملك كل ما يطلب الرجل وجوده في شريكة الحياة , ولا ريب أن رجلا محظوظا سيأتي يوما , ويخطفها منك ".
" أتعتقد ذلك؟ أوه..... أرجو أن تكون مخطئا , أذ ماذا علي أن أفعل بدونها؟".
وأضافت لورنا قائلة:
" ناوليني وسادة ثانية يا حبيبتي لأريح رأسي عليها .... هناك نوبة صداع على الطريق , أستشعر أقترابها في عظامي".
فسارعت أدريان الى تلبية الطلب بأهتمام , وراحت تبحث عن وسادة مناسبة , وهنا نهض موراي , ورفع قدمي لورنا بعناية فائقة حتى عادت الى أستلقائها الأفقي السابق , وسألها باسما:
" هل أنت مرتاحة الآن؟".
فأجابت بصوت كهديل الحمام:
" ما أروع أن يتسابق شخصان الى خدمتي!".
ضحك موراي فخالته أدريان يسخر لكنها لم تجد في وجهه ما يدل على التهكم , وفي موقف كهذا مليء بالتظاهر والأنفعال , توقعت أن تسيطر عليه روح السخرية , لكنه كان أكسير السحر والتفهم , وكم أدهشها التبدل في تصرفه.
سمعت فليك يعوي وراء الباب الخلفي , لا ريب أنه كف عن اللعب في الحديقة لدى سماعه صوت موراي , فتحت له الباب فدخل المطبخ ثم عبر البهو ركضا وطرح نفسه على قدمي الضيف , رحب به موراي في حرارة وقال له:
" حان الوقت لننطلق يا فليك".
ثم قال للورنا:
" أبنتك ستأخذني في نزهة , أنا غريب عن المنطقة نسبيا , ولذا ستعرفني الى أماكن أرتيادها المفضلة".
فأجابت الأم:
" أبنتي تخرج دائما بمفردها , هي وحدانية بطبعها , وحتى في طفولتها كانت تفضل رفقة نفسها على رفقة الآخرين".
فقال موراي متظاهرا بالأنزعاج:
" ما أقل ذوقي! ربما أنا أتطفل على حبها للعزلة , وهي لشدة تهذيبها لم تصارحني بعدم رغبتها في رفقتي".
" بل أنني أرغب فيها حتما".
أجابته في سرعة وحدة , ولم تدرك خطأها ألا حين رأت أبتسامته الساخرة! أنتابها ضيق وخجل لوقوعها في شرك الأحراج الذي تقصد أيقاعها فيه , قالت لورنا بصوت متهدج وهما يخرجان:
" لا تتأخر عن زيارتي ثانية يا موراي!".
فوعدها الشاب بأن يفعل.

نيو فراولة 15-10-11 08:32 PM

سارا في صمت على الطريق , وأنتظرت قليلا ثم سألت:
" هل أخبرت كليفورد أنك ستأتي معي؟".
" أخبرته فعارض مجيئي , فأجبته أنه أذا كان يتضايق من ذلك , فعليه أن يرافقك بنفسه , هل أخذك مرة الى أي مكان؟".
فردت بشكل غير مباشر:
" خطوبتنا ما تمت ألا مؤخرا".
" وما دخل الخطوبة الطويلة أو القصيرة في هذا؟ دعينا نواجه الواقع العصري حيث صار الناس المخطوبون ينعمون بحرية أكبر , أنا وأنت , لسنا خطيبين , ومع ذلك هذه ثاني مرة نخرج معا".
" لكنه أخبرني أنه لا يقوى على السير الطويل بسبب أعتلال قلبه ".
فرد حانقا:
" قلبه ليس معتلا! متى ستصدقين ذلك بحق السماء؟".
ران عليهما صمت طويل .... وبلغا القنطرة وتخطياها , بدون أن يساعدها هذه المرة , ثم سارا جنبا الى جنب حتى وصلا فسحة مكشوفة , فقال بلهجة حازمة جعلت قلبها يقفز توجسا:
" لنجلس قليلا , أريد التحدث معك".
جلس على العشب مبتسما وربت على مكان مجاور فجلست بدورها , تلامست كتفاهما وأزعجها هذا التلامس لسبب ما , لكنه بدا غافلا عن ذلك , وطفق ينتف العشب شاردا , أحاطت ساقيها بذراعيها وأخذت تؤرجحهما قليلا كطفلة , فيما ربض فليك قربهما.
منتديات ليلاس
كانت الشمس تهبط نحو الأفق وهي تتسلل من زرقة سماء فيروزية الى سرير ذهبي محمر , كان الغروب مشعا بالألوان وأخذت أدريان تحدق مسحورة , وقال فجأة , فحطم بسؤاله سرحانها الحالم:
" ألا تقدر أمك أن تجد عملا؟".
فعاد ذهنها الى الأرض بقوة , كتفاحة تسقط قبل الأوان من على شجرة , أجابت مندهشة:
" أمي .... تشتغل؟".
فقال في حزم كما لم كان طبيبا يشخص مرضا:
" لقد وصلت الى الأستنتاج بأن الملل هو علتها الوحيدة ولن ينقذها منه سوى العمل".
ثم تناول حفنة عشب , وتفحصها كما لو كانت تحت مجهر , وسأل:
" لما مات والدك , كيف واجهت واقع الوفاة؟".
عجبت لعمق أهتمامه , وأجابت:
" أصيبت وقتها بأنهيار أذ توفي فجأة بالسكتة القلبية , كان في ستيناته .... أكب منها بكثير كما سبق وأخبرتك , كان راغبا في التقاعد قبل موته بسنوات لكنها عارضته كي لا يخف المدخول , وهكذا أستمر يعمل ليرضيها وتركته يشقى من دون أن تحرك ساكنا , كانت تعتمد عليه في كل شيء.
فرفع موراي حاجبيه ولم يعلق ,وقال بعد صمت قصير:
" في أثناء الحديث , أطرت أمك الحسنات المتأتية عن وجود رجل قوي في البيت , ولدى وفاة والدك , أضطررت أنت بحكم الظروف أن تأخذي مكانه , لذا صرت الآن تمثلين العنصر( القوي) في حياتها , ومن الطبيعي أن تنفر من فكرة تركك أياها في أي وقت من الأوقات".
فأجابت أدريان تشرح وجهة نظرها وهي تحاول أقناع نفسها بصواب كلامها:
" لكنني لن أضطر لتركها عندما أتزوج كليفورد , حيث أن سكني قريبا منها سيتيح لي أن أساعدها يوميا".
أرتكز على مرفقه وقال محدقا فيها:
" يا ألهي! أهذا هو الدور الذي رسمته لنفسك ..... دور الوصيفة والخادمة والرفيقة المساعدة ,من دون أجر؟ هل أنت مستعدة لقضاء بقية حياتك خاضعة مستسلمة ومشطورة الى نصفين , تقسمين حبك وولاءك بين زوج متمارض وأم متمارضة على غراره؟".
فهزت كتفيها بعدم الأكتراث , وأجابت وهي تأمل أن ينخدع بتظاهرها البارع:
" أنني أتقبل هذه الحياة , وسأدخلها مفتوحة العينين , فأنا راضية بها تماما".
" أنك على مر السنين , ومن دون أن تشعري , تطبعت طلبات أمك المتواصلة والنزقة, فهان عليك أن تتقبلي طباع خطيبك المماثلة , بلا تبصر أو تفكير.... أن شكاسة أخير وخوفه على صحته ورغبته المستمرة في أن يخدمه الآخرون , ولا ترين فيها شيئا خارجا عن المألوف لأن أمك تتصرف أيضا هكذا , وبالتالي تقبلينه بلا أعتراض كشريك لحياتك في المستقبل , ولا تهابين ما سيعنيه هذا الزواج , ألا وهو تكريس حياتك لخدمته".
وأضاف بصوت شرس:
" أنت لم تقبلي به زوجا بسبب الحب بل بدافع العادة".

نيو فراولة 15-10-11 08:34 PM

تململت وساورها خوف من الصورة التي كان يرسمها..... كانت واقعية ودقيقة التفاصيل الى حد كبير , بل كانت لقطة فوتوغرافية أكثر منها لوحة أبتدعها خيال فنان.
وأستفسر بلطف وعمق كما لو كان جراحا يجري عملية :
" أترغبين في أنجاب الأطفال؟".
" بالطبع أريد أطفالا".
" أذن , حظك سيء , فقد أقسم كليفورد مرة ألا ينجب , وبرر ذلك بأنه لا يطيق ضجيج الصغار , ألم يخبرك....؟ أن بعض الرجال يخلون تماما من الغريزة الأبوي , كما تعلمين".
فعادت تحيط ساقيها بذراعيها , وألصقت ذقنها بكبتها , كانت متوترة وقلقة , تحاول جاهدة أن تهرب مما كان يقول.
كلماته كانت تعذبها كدبور يطن في غرفة مقفلة مهددا باللسع , وأدركت الآن سبب خوفها الغريزي حين قال أنه يبغي التحدث معها , وسألته:
" أمن الضروري أن تستمر في الحديث؟".
فأجاب لطف:
" أريدك أن تواجهي الحقيقة يا أدريان , أخي رجل ضعيف , وهو ما أبتغى الزواج منك ألا لأنك شابة نشيطة , سيتمكن من مراقبتك وأنت تقومين بالأشياء التي لم يسمح لنفسه أبدا بأن يقوم بها , أي أنه سيعيش من خلالك , هو من الناحية الذهنية متفوق , ويسبق عمره بعشر سنوات..... هل تصغين الى ما أقول يا أدريان؟".
لم تجبه أذ خشيت ألا يخرج صوتها من حلقها المختنق.
وتابع موراي ملحا:
" أذا رزقت طفلا في يوم , فقد يستطيع كليفورد أن يشاركك أنجابه لكنه لن يكون أبا له يشاركك رعايته وتربيته".
أستلقى على ظهره مسندا رأسه على يديه , ثم أغمض عينيه ومضى الى القول:
" على كل , بأمكاني أن أؤكد لك شيئا هو أنكما ستنامان في غرفتين منفصلتين وليس فقط في سريرين منفصلين , زواجكما لن يكون حقيقيا ".
" هل لك أن تصمت؟".
هتفت بعدما عجزت عن كبح غضبها , وتابعت:
" لماذا تتحدث الي هكذا ؟ لتنال ثأرا جديدا من أخيك؟ لتؤلمني وتجرحني كما قلت لي قبل أيام؟ أم لتشقيني حتى قبل أن أتزوجه؟".
فأجاب بصراحة:
"بل لأن توقع الشر خير من وقوعه , يا حلوتي".
أستدار رأسها بسرعة الرصاصة , وحدقت في جسمه المسترخي.... كلمة ( حلوتي) , وطريقة حديثه الشخصية جدا , وقربه منها , أثارتها كلها الى حد كبير.... فقالت بما يشبه الصراخ:
" لا تسمني هكذا!".
فأستلقى على جنبه وقال ناظرا اليها بتكال:
" ولم لا؟ هل هذه الكلمة تثيرك؟ تزعجك , تحرك فيك مشاعر معينة هي في الواقع طبيعية تماما لكنها تصدمك بسبب تأثيرها عليك؟ مشاعر لم يحركها أخي أبدا لكونه يجهل أحتياجات النساء؟ مشاعر تصيبك بالخيبة لأنها متى أستيقظت فيك قد يصعب عليك ضبطها ولا تعرفين الى أي منحدر ستؤدي بك؟".
فسألته وكأنها تتعلق بقشة:
" كيف تتحدث بهذه السلطة في موضوع لا تعلم عنه شيئا؟ أنت لست رجلا متزوجا".
صمت قليلا وبدا أنه يحاول أيجاد الرد المناسب , قطف عشبة وطفق يمزقها نتفا صغيرة , وأجاب:
" طالما رأيت عواقب زيجات كهذه في مجرى عملي , حيث كنت شاهدا على العديد من الأضطرابات النفسية والجسيمة التي يوجدها عذاب الحرمان في النساء وفي الرجال كذلك".
أخذ يدها اليمنى في يده فلم تحاول سحبها , وتابع يقول:
" أصغي الي يا أدريان , الزواج لا يعني المشاركة في الأمور المادية فقط بل يعني أن تهبي نفسك كليا للرجل الذي تحبين , أنه عملية حميمة ....".
فسحبت يدها من يده وغطت أذنيها بكفيها وهتفت:
" كفى! أتحسب أنني لا أعرف ذلك؟".
أرتدت كنزتها بعصبية ونهضت تسير بعيدا عنه , فتبعها فليك الذي كان يحوم حولها ملولا , وبعد قليل لحق موراي بهما , شعرت بذراعه تحيط كتفيها , ومع أن لمسته جعلتها ترتج بشراسة , ألا أنه لم يتزحزح , وقال:
" آسف لأضطراري الى أيلامك مجددا يا أدريان , أنما لم يسعني السكوت على ما قلته لئلا تقدمي على الزواج كالعمياء ومن دون أن تطلعي على الحقيقة".
" لا أعتقد أنها الحقيقة, بل أنك تكره كليفورد الى حد يجعلك تحاول أقصى جهدك لأن تسمم أفكاري أتجاهه".
فصمت لوقت طويل حتى أضطرت للنظر اليه , كان يقطب في تفكير عميق , وأخيرا قال:
" يؤسفني ان تتهميني زورا, فليس صحيحا انني ابغي الايقاع بينكما.ليتني أستطيع أقناعك بأنني أتكلم بموضوعية تامة".
صمتا طوال الطريق , وحين أقتربا من بيتها , سأل:
" هل أثر عليك حديثنا؟ هل جعلك تغيرين رأيك؟".
فأجابته في عزم:
" هذا ما تريدني أن أفعله كي تستطيع التبجج على كليفورد , وتسجل أنتصارا آخر! جوابي هو ( لا) , وأنا مصممة على موقفي أكثر من أي وقت مضى".
وبرغم عتمة الغسق رأت عينيه تقسوان , وأجابها بفم متقلص:
" لا تختلفين أبدا عن بنات جنسك ! دائما تعطفن على المساكين مهما كان ذلك العطف طائشا ,الحق عليّ لأنني لم أتذكر هذا".
أشاح عنها وسار مبتعدا , والغضب يواكب خطواته.

نيو فراولة 16-10-11 09:15 AM

4- الحقيقة في لحظة منيرة


لم يكن كليفورد قد تناول فطوره عندما وصلت أدريان الى عملها في الصباح التالي , وكان ما يزال في الفراش كعادته , وبادرها بالقول:
" السيدة ماسترز مصابة برشح يا عزيزتي , لم أدعها تقترب مني لئلا أعرض صحتي الضعيفة الى العدوى.
فأجابت على الفور:
" سآتي لك بالفطور , أنما أخبرني ماذا تريد أن تأكل".
فعدّد لها أصناف الطعام التي يتناولها كل صباح وأضاف:
" أبحثي جيدا في المطبخ تجدي كل شيء , لكن أياك أن تقتربي من السيدة ماسترز ".
خالته يخشى عليها من العدوى فأثر فيها أهتمامه , لكنه سرعان ما خيب ظنها حين أردف:
" لا أريدك أن تنقلي الي جراثيم الرشح".
كان كليفورد يدقق كثيرا في نوعية طعامه وطريقة تحضيره.... كانت تعليماته طويلة ومفصلة الى حد كادت أدريان تتناول دفتر الأختزال!
دخل موراي المطبخ وهي تطهو الطعام , فهتف مستغربا:
" ما الذي تفعلينه؟ لا تقولي أنك بدأت تزاولين واجباتك الزوجية من الآن؟".
فغمغمت بأختصار لتسكته:
" السيدة ماسترز تشكو من الرشح".
" أعلم ذلك فقد رأيتها, لكن حالتها ليست بذلك السوء".
" قال كليفورد أنه لا يريدها قربه خوفا من العدوى".
فكتف ذراعيه وقال مسندا كتفه الى الباب:
" وهكذا هرعت الخادمة المطيعة والخطيبة المخلصة الى تلبية أوامر سيدها العظيم لأعطائه ما يريد".
ثم أبتسم وأضاف:
" لا تسيئي فهم قصدي".
فتجاهلت أستفزازه وقالت:
" يجب أن يجد شخصا يطعمه".
" ألا يقدر........ أن يطعم نفسه ؟ ألا يقوى على مغادرة ذلك السرير الذي يلتصق به كألتصاق الطفل بصدر أمه , ويقوم بعمل حقيقي مرة في حياته؟ ".
تجاوبت بعنف هذه المرة , فأبتسم متهكما وهتف للكلب الذي نهض فورا وذهب اليه:
" فليك! خلصني , أحمني يا ولدي! أنها تثور غضبا , وعلى وشك أن تهاجمني أنتقاما لكبريائها الجريحة!".
ثم أنحنى ةهمس في أذن الكلب:
"ليتها تفعل كي أعتقلها ولا أدعها تفلت أبدا".
مد يده ليأخذ الصينية عنها , فعارضته بادىء الأمر ثم تركته يحملها وتبعته الى الطابق العلوي.
تذمر كليفورد من وضعية الوسائد , وطلب اليها مرارا أن ترفع هذه وتنزل تلك حتى أستطاع الجلوس في راحة , ثم طلبها بأخلاء المنضدة الى جوار السرير وتقريبها منه ليضع عليها الصينية.
أرتكز موراي الى خزانة الثياب وراح يراقب المشهد بأبتسامة ساخرة , وعاد كليفورد يطلب اليها أن تقفل النافذة لمنع مجرى الهواء وقال مفسرا:
" لا يجب أن أبرد لئلا أصاب بأذى غير قابل للعلاج".
نظر الى أخيه متحديا فأكتفى موراي بلأبتسام... وأخيرا أستتب كليفورد وصار مستعدا لتناول
منتديات ليلاس
الطعام , فسألته أدريان:
" هل أتركك الآن؟".
" أذا سمحت يا عزيزتي , فخلال الطعام يحلو لي التفكير على أنفراد ".
"يا أله الكائنات!".
سمعت موراي يغمغم مشمئزا وهو يلحقها خارجا , ثم أردف:
" أنه صورة طبق الأصل عن أمك , مع أحترامي لها".
تبعها على الدرج وقال:
" لا بد أن رفقته تشعرك وكأنك في بيتك تماما! لقد أصبت حين قلت لك أنك متكيفة مع الوضع تماما".
في المساء ذهبت في نزهتها المعتادة مع كلبها , وقبل خروجها أستوقفتها لورنا قائلة:
" أخبرتني جوان سيمذرز هذا الصباح أن هناك أشاعة قوية عن وجود رجل مريب في القرية , وقد شوهد وهو يتسكع قرب المدرسة وفي الحقول".
فأجابت أدريان تطمئنا:
" ما دام فليك معي فلا تخافي يا أمي".
" أوه.... لست قلقة عليك أنت حيث بأستطاعتك حماية نفسك , بل أنني خائفة على نفسي لوجودي هنا بمفردي , لا تتأخري كثيرا يا أدريان , أرجوك".
أبتسمت الفتاة لنفسها وهي تعبر الدرب.... ما كان يجب أن تفترض أن أمها قلقة عليها , ففي حياة لورنا غارون , ليس هناك سوى لورنا ومصالح لورنا في الدرجة الأولى , هذا درس تعلمته أدريان منذ الطفولة , وكما قال موراي , لقد تكيف تفكيرها مع هذا الواقع والى حد جعلها تتقبل بلا معارضة أن تحتل المكانة الثانية في حياة كليفورد أيضا.
فكرت في موراي وهي تتمشى في الحقول , كم ترغب وتتمنى لو كان الآن معها , يحدثها , يضحكها أو يزعجها لا فرق , بل هي ترحب حتى بأستفزازته , لكنها ذكرت نفسها في حزم بأنه ليس لها , فعالمه ,مهما كان نوعه , يختلف عن عالمها كأختلاف جو القمر عن جو الأرض , أنه حين يرحل , ولا بد أن يرحل قريبا , سيأخذ مرحه وقوته وحيويته .... وسرت فيها همسة , أخبرتها كرقرقة جدول , أنه سيأخذ معه جزءا منها أيضا , لكنها أزاحت هذا الخاطر جانبا , كطفل يشيح عن طعام لا يريده.

نيو فراولة 16-10-11 09:16 AM

لم تره ثانية لبضعة أيام , كانت تعلم أنه ما زال في البيت أذ سمعته مرارا يحدث السيدة ماسترز ويداعب فليك في المطبخ , تساءلت عما أذا كان يتعمد الأبتعاد عن طريقها , لكنها رفضت أن تتفاءل حتى بهذه الفكرة , فهو كان في الواقع غير مكترث بها ويشعر بالتالي أنها لا تستأهل منه أضاعة وقته في الأهتمام بها.
وذات صباح , أخذت فليك الى المطبخ ثم صعدت الى غرفة كليفورد , سمعت أصواتا في الداخل , وفيما هي تهم بطرق الباب تناهى اليها صوت موراي يقول:
" بحق السماء يا رجل , تودد اليها أحيانا وأسمعها كلمات حب! هذه الفتاة ستصبح زوجتك , ولا يمكنك الأستمرار في معاملتها كمستخدمة حين ترسلها الى بيتها فور أنتهاء العمل , هناك حقيقة يجب أن تعرفها , هي أن عواطفها ما تزال نائمة كعواطفك , ولذا لا تتوقع منها أية ( مساعدة) على حد قولك , وأذا كنت تريد هذا النوع من ( المساعدة) فتزوج أمرأة أرملة".
تراجعت عن الدرج فلم تسمع جواب كليفورد , لكنها سمعت موراي يرد بصوت مرتفع:
" ماذا؟ تقول أنها باردة؟ كم أتمنى أن أثبت لك عكس ذلك , حاول أن تعانقها بمحبة لتمتحن تجاوبها وتجاوبك أنت أيضا".
بدا الأمر كما لو كان كليفورد يطلب نصيحة أخيه , ويتلقى أمثولة لم يتوقعها , وعاد صوت موراي يرتفع بقسوة:
" أذا كنت تعتقد ذلك يا أخي.... يا ألهي, أذا كنت تشك في أنه لا يحق لك الزواج في أية أمرأة , وبخاصة من هذه الفتاة الجذابة.........".
فرّت هاربة على الدرج ومنه الى المطبخ ... داعبت فليك ثم حملته وألصقته بخدها الملتهب , وقالت تفسر مجيئها للسيدة ماسترز:
" السيد ديننغ مشغول بالتحدث الى أخيه".
أنفتح باب في الطابق العلوي فقالت المرأة:
" ها هما قد أنتهيا , يمكنك الآن أن تصعدي يا عزيزتي".
أرتقت الدرج في بطء وهي ترجو أن يكون موراي قد دخل غرفته , لكنه كان يقف على الدرج ينتظرها ,وسألها من دون أن يبتسم لها مرحبا :
" متى وصلت؟".
تحاشت النظر الى عينيه وهي تجيب:
" منذ بعض الوقت , هل أدخل عليه؟".
" ولماذا تسألينني ؟ أنا لست قيما عليه".
مرارة صوته جعلتها تنظر اليه فرأت الغضب في عينيه.
دخلت على كليفورد , فسارع الى جذبها اليه ومعانقتها فما شعرت بأي تجاوب , لكنه بدا راضيا عن نفسه , وقال مشيرا الى المقعد المجاور للسرير:
" أجلسي يا عزيزتي , أنني أشعر بتحسن كبير هذا الصباح , وسأنهض عما قليل".
كان ما يزال يمسك يدها بأحدى يديه فتركتها حيث هي وقالت:
" يسرني هذا يا كليفورد , هل ترغب في بعض الأملاء قبل أن تنهض؟".
فرد مبتسما:
" أجل , سأفعل , فذهني اليوم صاف بسبب تأثيرك علي".
أبتسمت في وهن وشعرت بشيء من الغثيان ,ودت لو تجيبه , أنه تأثير أخيك عليك وليس تأثيري..... أخوك الذي عزز ثقتك الذاتية فزودك بشجاعة زائفة وأرشدك كيف يجب أن تعاملني .... لكن الشجاعة هذه لن تدوم طويلا , فلن يمضي يوم أو يومان حتى يكون نسي النصيحة , ويعود الى موراي يطلب النجدة مجددا ليعطيه حفنة أخرى من الأقدام أو درسا جديدا في معاملة النساء!
أكبت على العمل حتى العصر , وسألها كليفورد قبيل ذهابها:
" هل أنت مشغولة هذا المساء؟".
" لا , سأذهب فقط في نزهتي المعتادة".
فأم***ا من ذراعها وقال وعيناه تتوسلان اليها :
" هل تعدلين عن النزهة لتقضي معي السهرة يا عزيزتي؟".
لو كان موراي الذي يتكلم لطلب أن يرافقها في نزهتها وليس أن يبقيا داخل البيت.... أحست ضيقا لم تدر له سببا , وأجابت:
" سآتي بكل تأكيد , وسيسرني ذلك".
حين عادت مساء كان موراي في غرفة الأستقبال أيضا , ونهض لدى دخولها, ولما أخذت مكانها الى جوار كليفورد , أسند موراي مرفقيه على رف الموقد ورمقهما في سخرية , أحاطها كليفورد بذراعه كما لو كان يحاول أثبات شيء لشخص ما , فأقتربت منه طائعة , فيما أتسعت أبتسامة موراي , وغمغم:
" يجب أن أنسحب من الطريق لئلا يقال أنني تطفلت على خطيبين متحابين".
ثم سأل أدريان بحدة:
" أين فليك؟".
" مع السيدة ماسترز , لماذا تريده؟".
" سآخذه لنتمشى".
لم يكن سؤالا بل تصريحا غير قابل للرفض , وخرج يهتف للكلب .
أضطرت أدريان لأن تجلس قرب خطيبها بلا حراك , وهي تصغي الى عواء كلبها الذي جن فرحا بمشروع التنزه مع شخص غريب تقريبا , ومع ذلك بدا وكأنه يدفع بها الى المرتبة الثانية في قلب فليك ... حتى بالنسبة للكلب , ما عادت تحتل المرتبة الأولى....
ضيقها من هذا الرجل الذي بدا عاكفا على تمزيق حياتها , تعاظم في نفسها الى حد عدم الأحتمال , حين يعود , ستطلب منه بعبارات صريحة أن يتركها وخطيبها يعيشان حياتهما كما يحلو لهما ومن دون أي تدخل منه.
لكنها لم تره تلك الليلة , أذ دخل ولا شك من الباب الخلفي وصعد الى غرفته رأسا بعد أن ترك الكلب مع السيدة ماسترز.

نيو فراولة 16-10-11 09:18 AM

لم تر موراي في اليوم التالي , في الكوخ , وفي أثناء العمل , كانت تتوقف بين الفينة والفينة ترهف أذنيها , فتتخيل أنها تسمع وقع قدميه ألا أنه لم يأت.... في الصباح جاءتها السيدة ماسترز بالقهوة وفي العصر بالشاي وبدأت تتوق الى مرآه , ولا تشترط حتى أن تسمع صوته أو كفه.....عنفت نفسها على رعونتها هذه , فهي مخطوبة الى كليفورد وليس اليه.
وفي المساء راحت تتنزه , وأخذت تؤرجح مقود فليك بين أصابعها وهي تمر بالأزهار البرية المتفتحة في شجيرات السياج , تنفست عبير الصيف العابق حولها , فأنساقت خلف حلم لذيذ على أيقاع زقزقة الطيور. وحين عبرت المنعطف رأت رجلا ينتظر في نهاية الدرب , تسمرت في مكانها وخيل اليها أن المشهد جزء من الحلم , أذ ما قدرت أن تصدق حقيقة وجوده هناك.
ألتقط الكلب رائحته فركض صوبه مبعثرا التراب والحصى أذ كانت مخالبه تنزلق الى خلف وجسمه يندفع الى الأمام لشدة لهفته.
أنحنى موراي يداعبه ويغمغم:
" يا لك من كرة نارية يا فليك".
ثم أستوى واقفا وقال لها في منتهى البساطة:
" مرحبا".
أخذ المقود من أصابعها , فسألته وهي تقنع سرورها بأنزعاج مفتعل:
" كيف عرفت بأنني سأجيء؟".
" أحسست مجيئك في عظامي , كما تقول أمك".
أبتسم وبدا سعيدا , كذلك بدت العلاقات بينهما متوازنة , قال:
" سنذهب الى الحديقة العامة بدلا من الحقول , وأعتقد أن المقهى لم يقفل أبوابه بعد , أليس كذلك؟".
" أجل , ففي هذا الوقت من السنة يظل مفتوحا حتى حلول الظلام لكن.....".
بدأت تعترض لتثبت له أنه لا يستطيع فرض أرادته عليها:
" أنني أذهب دائما الى الحقول , فلماذا أغير الليلة هذه العادة؟ لنفترض أنني لا أريد الذهاب الى الحديقة؟".
لكنه تجاوز أعتراضاتها الواهية بغروره المعهود وقال:
" سنذهب بغض النظر عن رغبتك .... هيا بنا".
أمسك يدها , وعبثا حاولت تخليص أصابعها من قبضته , سألته:
" لماذا تريد الخروج معي؟".
" أنا في أجازة , وشعرت بحاجة الى رفقة أمرأة ,حتى لو كانت فقط زوجة أخي المقبلة.... أريد على كل حال , أن أتعرف اليها أكثر".
جلسا في المقهى الى طاولة هادئة , وربض فليك تحتها فيما كانا يشربان الشاي , وعلقت أدريان قائلة:
" أذا كنت تنفر من أخيك الى الحد الذي تقول , فلماذا تقضي أجازتك معه؟".
فضحك وأجاب:
" هذا لعمري سؤال ذكي! ولكنني لا أقضيها معه عادة , بل أسافر الى الخارج أو أرتاد الشواطىء المنعزلة في شمال أنجلترا , أو في غرب أسكتلندا , هذه المرة جئت هنا لأتعرف الى المرأة التي أعلن أخي فجأة أنه سيتزوجها".
" أتقصد أنك جئت لتعاينني كما يعاينون الماشية؟".
" أنا لست جراحا بيطريا ولا أنت حيوان بالمعنى الحقيقي للكلمة! فلنقل بطريقة أنسب , أنني أردت أن أمتحنك".
" وهل نجحت في الأمتحان؟".
فأبتسم في غموض وأجاب:
" أنا لا أبوح أبدا بنتائج فحصي , فذلك ينافي آداب المهنة , وأي طبيب بيطري يعطيك نفس الجواب".
غطى يدها بيده عبر الطاولة وتابع:
" لكنني أستطيع القول أنني كنت مصمما – في حال عدم أستحساني لأختيار أخي- علي مصارحته بهذه الحقيقة بكل وضوح و وعلى العودة سريعا الى حيث كنت , أما سبب بقائي لغاية الآن أن يعطيك فكرة معينة حول ملاحظاتي وأستنتاجاتي الخاصة بك".
" بكلمات أخرى , أنت تودني؟".
نظر اليها مليا , وأجاب:
" لولا معرفتي بطبيعتك لحسبتك تسعين الى الأطراء".
أزاح يده عن يدها وتابع:
" لنقل أنني لا أنفر منك".
توردت وجنتاها كدرا من عبارته الجافة ,ورمقها هو بأبتسامة كسولة , أدار رأسه , وحدق عبر نافذة المقهى الى الحديقة في الخارج , وبدت أفكاره تنساق بعيدا وحين تكلم ثانية , قال في جدية:
" قد تتساءلين عن الحب الأخوي المفقود بيني وبين كليفورد".
لم ينتظر جوابها , وتابع يفسر:
" كان في السابعة من عمره عندما ولدت أنا , وطوال ذلك الوقت كان قرة عيون والديه , ولما جئت الدنيا , تحولت عواطف أبويّ, كما الحال مع سائر الآباء والأمهات , وأصبحت أنا مصدر فخرهما وبهجتهما".
توقف قليلا فسألته بصوت لطيف:منتديات ليلاس
" وهنا شعر كليفورد بالغيرة , أليس كذلك".
فقطب وغامت عيناه بالألم وهو يجيب:
" نعم , غار مني وصار يكرهني على مر السنين , كان يلفق عني قصصا وأفعالا كاذبة فأعاقب عليها زورا وبهتانا , كنت وقتها صغيرا فلم أدرك أنه كان يفعل ذلك ليستعيد أهتمام أبويه به , فكرهته لأجل ذلك , ثم بدأ يتمارض , وكلما أشتد قلق والدي عليه كلما تمارض أكثر.... هل يشعرك حديثي بالملل؟".
هزت رأسها نفيا ورجته أن يستمر , فقال:
" كان يشكو لهما آلاما وهمية في كل جسمه , ويبدو أنه قرر في النهاية تركيز تلك الأوجاع في صدره حيث يوجد قلبه , عرضوه على رتل من الأخصائيين , وكان كليفورد يستمتع بكل دقيقة من تلك الفحوصات! ما كان ليصدق تأكيد الأطباء بأنه سليم القلب , في الأخير أقنع نفسه بأنه مريض بالقلب وأقنع والدي معه , فنسيا أمري في غمرة قلقهما عليه , وهكذا ربح هو ( المعركة)".
نظر في عينيها وسأل:
" هل تصدقين الآن حين أقول أن قلبه سليم كقلبي وقلبك ؟ وأن القصة بكاملها هي من نسج خياله , وأنه ما ينفك يستغل هذا التمارض ليحظى بالأهتمام و( الحب)؟".
رأى في عينها شكا , فقال في مرارة :
" يبدو أنك ما أقتنعت بعد .. أنه التاريخ يعيد نفسه".
" لا فائدة يا موراي , لك أن تقول ما تشاء ,ألا أنك لن تجعلني أغير رأيي".
" لن أغير لك رأيك ؟ أنظري.... فأنا ما أنتهيت منك بعد".

نيو فراولة 16-10-11 09:19 AM

سألها بعد قليل أن كانت تريد فنجانا من الشاي فهزت رأسها , وأستفسرت:
" أين تعيش يا موراي؟".
" في شقة قريبة من مكان عملي , أنها تبعد مسافة ساعتين أو ثلاث بالقطار , يجب أن تأتي يوما لتريها".
خفق قلبها للدعوة مع أنه وجهها اليها بلا أهتمام , وتجرأت على سؤال آخر :
" هل لك ....أصدقاء كثر؟".
" أصدقائي قليلون , لماذا تسألين؟ هل عدت الى المناورة لتكتشفي أذا كان بعضهم نساء؟".
هزت رأسها بعنف , فأبتسم غير مصدق نفيها وقال:
" حان وقت العودة , هيا بنا يا فليك".
فتمطى الكلب ونهض يسير نحو الباب ثم مضى يتهادى أمامهما طوال الطريق , كان الفضاء مظلما حين وصلا الى مفرق الدرب , فأخذ يتسكع حولهما منتظرا!
أراح موراي ذراعيه على كتفيها وقربها منه , تصلبت وتمنت لو تستطيع رؤية التعابير على وجهه , أنما ما كان هناك ضوء ولا حتى شعاع قمر ينير المكان , قال في هدوء وبلا عاطفة:
" سأعاعانقك يا أدريان كما لم يعانقك أخي من قبل , فأرخي أصابعك وضعي ذراعيك حول عنقي".
ترددت بادىء الأمر , ثم أحست نفسها تستجيب لد بدفء لم تتوقعه .
ولما ألقت رأسها في أسترخاء على كتفه قال بلهجة أنتصار واضح:
" كنت عارفا بأن الأمر سيكون هكذا!".
كلماته هذه وزهوه الغريب بنجاحه , تسربا الى ذهنها المشوش ومعهما الحقيقة! فتهاوى أبتهاجها عند قدميها ومات ميتة أليمة , وتذكرت ما قاله لكليفورد في الغرفة المقفلة:
" كم أتمنى أن أثبت لك أنها ليست باردة".
شعرت بأختناق , وقالت والدموع تبح صوتها:
" أذن كنت تقوم بتجربة لتثبت لنفسك , ومن ثم لأخيك بأنك كنت مصيبا! لقد عرفت الآن أنني لست مخلوقة باردة ومجردة من العواطف والأحساس , هيا , أذهب الى أخيك وقل له أنك كنت على صواب ".
فسأل بشراسة:
" لقد سمعت حديثنا أذن؟".
" أجل , سمعت من دون تعمد ..... لكنك تعمدت الخروج معي الليلة كي تمتحن تجاوبي وكما نصحت أخاك بأن يفعل! الآن , وقد أمتحنته وأخذت قياسه , بوسعك أن تعود اليه منتصرا وتتبجج أمامه بأنك نجحت في ما عجز هو عن فعله طوال الوقت..... لقد أكملت بحثك وأثمرت تجربتك!".
فصرخ بها:
" هل لك أن تصمتي؟".
ثم حاول تقريبها منه فأرتدت الى الوراء وهتفت بمرارة:
" هل كنت ناويا على تعليمي الحب كي أقدم لخطيبي( المساعدة) التي قلت أنه في حاجة اليها؟".
وضع يده على فمها ليسكتها بيد أنها لوت رأسها كلبوة ثائرة وتابعت :
" أو ربما كنت تحاول أيقاعي في حبك لتسيطر عليه أنتصارا آخر حيث تحرمه بضربة واحدة من خطيبته , وتنتقم منه لكل تلك السنوات التعيسة التي تزعم أنها عذبتك في حداثتك؟".
كانت تبكي بحرقة , لأنها أدركت الآن أن قلبها قد تحطم , فهي تحب هذا الرجل كما لا يمكنها أبدا أن تحب أخاه الذي ستتزوجه .... وهمست أخيرا بصوت مرتجف:
" لقد فعلت أسوأ شيء في حياتك لكنك لم تنتظر , بل خسرت هذه المعركة بالذات ,لأنني ما زلت مصممة على زواجي من كليفورد , أنه يحتاجني وأنا واثقة من ذلك , ولذا لا يسعني أن أخذله".
أستدارت لتذهب , فهتف أسمها وحاول أيقافها لكنها أزاحت يده بعيدا وركضت على الدرب الى بيتها, والكلب يعدو خلفها.

نيو فراولة 16-10-11 09:20 AM

5- مع التيار


أحست رهبة لقائه في الصباح التالي , أنما لم تقدر أن تتحاشى رؤيته بسبب الوضع الجديد الذي كان ينتظرها , فحين دخلت المطبخ , قالت لها السيدة ماسترز:
" صحة السيد ديننغ ليست على ما يرام يا عزيزتي".
ماذا حدث الآن؟ تساءلت وهي تصعد الدرج.... هل أعتلق قلبه حقيقة هذه المرة؟
طرقت باب كليفورد وفتحته فوجدت موراي في الغرفة , كان يقبض على رسغ كليفورد ألا أنه أرخى يد أخيه عندما رآها , كان موراي يحمل في يده الأخرى ميزان حرارة ويهزه ليهبط الزئبق , وكانت عيناه باردتين حين ألتقتا عينيها للحظة خاطفة , وقال:
"أصر خطيبك على أن أقيس حرارته , أنه لا يكاد يعطس حتى يمد يده الى الميزان".
فغمغم كليفورد وهو يريح رأسه على الوسائد:
" وماذا يقول الميزان هذه المرة؟".
فأجاب موراي ببساطة:
" حرارتك مرتفعة قليلا بسبب الرشح الذي ألتقطته على الأرجح من السيدة ماسترز".
فتأوه كليفورد وسأل وهو يلصق خده بالوسادة:
"ألا يمكنك أن تعطيني شيئا لتخفيض الحرارة؟".
وأستفسرت أدريان من موراي قائلة:
" أأنت متأكد من أن الأمر مجرد رشح؟ كيف تعرف ذلك ما دمت لست طبيبا؟ قد تكون الحرارة بداية مرض أسوأ".
فرمقها بأحتقار وأجاب:
" يا ألهي! كم أكره أن أكون طبيبك عندما تنجبين أطفالا يصابون بأمراض الطفولة , وأضطر الى معالجتك مع أطفالك لأنك ستكونين في حالة عصبية سيئة".
تجاهلته وأستدارت الى خطيبها تقول:
" هل تريدني أن أستدعي الطبيب يا كليفورد؟ أخبرني رقم هاتفه....".
فقاطعها موراي والكلمات تخرج من بين أسنانه:
" لا , لن تستدعي طبيبا , أنه يشكو مجرد رشح , فكفي عن القلق بحق السماء! حبيبك لن يموت بين ذراعيك من رشح عادي".
تجاهلته للمرة الثانية وسألت خطيبها:
" هل آتي لك بشيء يا كليفورد , أتحب أن تشرب شيئا ساخنا؟".
فأخذ بيدها وقال:
" شكرا لكل هذا العطف يا عزيزتي".
أنحنت لتمسح العرق عن جبينه , فأبعدها قائلا:
" لا , لا أريدك أن تلتقطي العدوى".
فقال صوت خلفها بأزدراء:
" بالطبع لا يريد ذلك, لأنك أذا مرضت فلن يجد من يخدمه ويدلله بهذا الهوس , وأذ ذاك ستحل به مصيبة أكبر".
أستدارت بعنف وقالت وعيناها تتوهجان غضبا:
" هل لك أن تلتزم شؤونك الخاصة؟".
أستدارت صوب الدرج شامخة الرأس , فأمسك بكتفيها وجعلها تواجهه ثم طقطق بسبابته وأبهامه وقال:
" بعد الذي جرى ليلة أمس , ما علي ألا أن أفعل هكذا حتى تأتي بلا تردد ولا أحجام".
هتفت:
" أوه , دعني وشأني!".
وركضت تهبط الدرج.
رجعت بعد الظهر وجلست في غرفة الأستقبال تراجع النص الذي طبعته في اليوم السابق , كان موراي في غرفته وكليفورد نائما.
رن الهاتف فهرعت ترد عليه خشية أن يوقظ رنينه كليفورد , كان المتحدث أمرأة , وسألت:
" هل يمكنني التحدث الى البروفسور ديننغ , من فضلك؟".
فتنفست أدريان في عمق وقالت:
" أتقصدين السيد كليفورد ديننغ أم.......".
" بل أقصد البروفسور دينينغ , الدكتور موراي ديننغ , أعتقد أنه موجود على هذا العنوان".
كادت السماعة تسقط من يدها , لكنها تمالكت صوتها , وسألت بلهجة السكرتيرة الدقيقة:
" من المتكلم من فضلك؟".
" أعلميه أن غريتل ستيل تطلبه ,هلا فعلت ذلك؟".
صعدت الدرج بخطى ثقيلة وطرقت باب غرفة موراي , ففتحه وقال:
" نعم؟".
فسألته:منتديات ليلاس
" بروفيسور دينننغ؟".
" أجل , أنا هو".
" هناك من يريدك على الهاتف , سيدة أسمها غريتل ستيل".
شكرها وقد شعت عيناه , وهبط الدرج قبل أن تجد وقتا للتنفس.
وسمعته يقول وهي تنزل السلم بدورها:
" هذا موراي..... غريتل يا عزيزتي , كم يسرني أن أسمع صوتك! متى رجعت؟".
مرت به أدريان في هدوء ودخلت غرفة الأستقبال لتبعد صوته عنها , أذن هذه هي صديقته الخفية , المرأة التي كان يتجنب ذكرها , كانت غائبة والآن عادت من السفر , صوتها دل على أنها دمثة وشابة , وما كان هناك أدنى شك في أن موراي يعزها كثيرا , أستندت أدريان الى ظهر المقعد وأغمضت عينيها ,كانت تبكي في داخلها وتذرف دموع اليأس.

نيو فراولة 16-10-11 09:22 AM

أذن هو رجل أكاديمي عالي المستوى من خارج عالمها , يعيش حياة مختلفة تماما عن حياتها , ويخالط أصدقاء على المستوى الفكري ذاته , كم هو يضحك الآن من خطيبة أخيه الجاهلة , العديمة الثقافة!
وسمعته يقول لصديقته:
" متى أراك؟ هل لنا أن نلتقي في منتصف الطريق؟ أحجزي الليلة غرفة في مكان ما فلعلني..........".
أقفل الخط أخيرا , ودخل غرفة الأستقبال فألقى بنفسه على المقعد المقابل , وسألها بتحد:
" ما بك صامتة؟ ألن تبدأ الأسئلة بالأنهمار؟".
فقالت بنبرة أتهامية:
" لقد أخبرتني أنك أستاذ محاضر , تقوم بأبحاث........".
" هذا صحيح في الجوهر فأنا أحاضر ..... لاحظي الفرق بين التعبيرين , كذلك أعمل في البحوث".
" لكنك بروفيسور , منذ متى حصلت على الدكتوراة؟".
" على ماذا؟".
" على الدكتوراة في الفلسفة؟".
" أوه , آسف لبلادتي .... حصلت عليها منذ بضع سنوات".
" وهل الآنسة ستيل ..... صديقتك المفضلة؟".
" لديك فضول رهيب حول النساء في حياتي ولا أدري لماذا .... لكن أعلمي أنها السيدة ستيل , بل هي أرملة البروفسور الراحل ديفيد ستيل الذي لقي مصرعه قبل سنة في حادث طيران مأساوي".
توقف لحظة ثم أضاف:
" كان ديفيد أعز الأصدقاء الي".
" آسفة".
" لقد عادت لتوها من السفر , وكانت قد أخذت أجازة لمدة سنة , قضت معظمها في جامعة أوسترالية حيث قامت ببعض الأبحاث , أختها تعيش هناك ولذا سكنت معها على أمل أن يساعدها ذلك على نسيان خسارتها الفادحة لزوجها".
" هل هي ... زميلة لك؟".
" أجل , أنها تعمل تحت أشرافي وفي القسم نفسه , ولذا سأراها كثيرا من اليوم فصاعدا , هل أنتهيت؟ أذا طرحت أسئلة أخرى حولها سيتبادر الي أنك تغارين منها".
توردت حتى منابت شعرها وتشاغلت بالنظر الى الأوراق المطبوعة فأنحنى صوبها وسأل:
" هل تغارين منها يا أدريان؟".
فأجابت بصوت هادىء أثار أستغرابها:
" أنسيت أنني مخطوبة؟".
حدق الى يدها اليمنى وقال:
" ألم يشتر لك الخاتم بعد؟ ألا يريد تحذير سائر الرجال من عدم قطف هذه الزهرة التي تخصه وحده , لشدة سروره وزهوه بموافقتك على الزواج منه؟".
فسألته وهي تنظر الى الأوراق على حضنها:
" لو كنت ألبس الخاتم , هل كان ذلك ليردعك ليلة أمس؟".
فأجاب في وضوح تام:
" كلا , لا شيء كان ليردعني ليلة أمس".
ناداها كليفورد في تلك اللحظة , فغادرت الغرفة وصعدت الدرج بسرعة.
كان يجلس على فراشه وطلب منها كوب ماء , ناولته أياه فجرعه بنهم , كذلك بدا متوردا من الحمى , فسألته مبتسمة وهي تحاول أخفاء القلق في صوتها:
" كيف حالك الآن؟".
" ما زالت متعبة, أين موراي؟".
أستغربت مجددا أعتماده على أخيه الأصغر وأجابت:
" في غرفة الأستقبال, هل أطلب منه أن يصعد؟".
أومأ برأسه فنادت موراي الذي أرتقى الدرج بخفة , وبدا غير مبال بأخيه كعادته , أستوضحها الأمر فقالت:
" حرارته مرتفعة , هل تنصح بأستدعاء الطبيب؟".
دخل غرفة أخيه دون أن يجيبها , وجس جبين كليفورد ثم وضع أصابعه على رسغه كما لو كان يجس نبضه , راقبته أدريان في أستغراب , فأبتسم لها وقال:
" ها هي دروس الأسعاف الأولى , تفيدنا من جديد".
وسأله كليفورد بصوت أبح:
" هل أنا بخير؟".
" أنت على أحسن ما يرام بالنسبة الى الرشح الذي تشكو منه".
تركها وذهب الى غرفته وما لبثت أن سمعته يناديها وحين ذهبت اليه ناولها قرصي دواؤ وقال:
" أنني أحتفظ بكمية من هذه الأقراص للطواريء , دعيه يتناولها مع الماء أيتها الممرضة".
نفذت طلبه بلا معارضة, وقد بدا لها طبيعيا بحكم الظروف أن تتلقى الأوامر منه , أما كليفورد فأبتلع الحبتين بسرور طفولي كما لو أنهما تحتويان مادة سحرية كفيلة بشفائه , بقيت معه حتى موعد الشاي , وكان قد تحسن وأنتعش قليلا , ووعدته بأن تعود مساء لتطمئن عليه.

نيو فراولة 16-10-11 10:44 AM

اخبرت أمها أن مخدومها مريض وأنها مضطرة للعودة لأتمام عملها , فتقبلت أمها الأمر لأعتيادها على مواعيد عملها غير المنتظمة , وقالت تلح عليها:
" لا تتأخري في الرجوع كما فعلت الليلة السابقة , فلا أحب البقاء طويلا لوحدي".
تذكرت أدريان سبب تأخرها بمزيج من الألم والسرور , وأكدت لأمها أنها ستعود باكرا هذه المرة.
وجدت كليفورد في أنتظارها , وأثبتت لها الصينية الفارغة انه تعشى جيدا , ناولها بضع صفحات كان كتبها بعد ذهابها وقال:
" أنها قليلة وكتبتها بخط مزعج , لكن حبذا لو تكرمت بطبعها هذا المساء".
أخذتها الى الكوخ بصحبة فليك الذي سرعان ما ربض في مكانه المعهود عند قدميها , كانت العتمة بدأت تتجمع فأضاءت النور وعملت بعض الوقت , ثم لما أشتد الظلام في الخارج وراحت الهوام تحوم على زجاج النافذة في محاولات اشلة لأختراقه , رفعت رأسها فجأة , أذ سمعت صوتا خارج الغرفة , فقفز قلبها لظنها ان موراي اتى.
أنجذب بصرها الى النافذة فرأت وجها يحدق فيها.
منتديات ليلاس
فتحت فمها لتصرخ فما وجدت صوتها , عندها هب فليك يجعر ويكشف عن أنيابه وعواؤه يملأ الكوخ , فأستدارت حدقتا الوجه البشع اليه ترقبانه وهو يحاول القفز الى النافذة , ثم أبتعد الرجل وأختفى , فيما تجمدت أدريان رعبا أذ حسبته سيدخل الكوخ.
ركض فليك الى الباب وقفز عليه مرارا وعواؤه العالي كفيل بتخويف قبيلة من اللصوص , ألا أن الرجل لم يدخل , وبعد عشر دقائق من الخوف الرهيب تجرات أدريان على فتح الباب وهمست للكلب:
" تعال يا فليك .... يجب ان نعود الى البيت.... أبق معي يا صديقي".
فهم الكلب مرماها , فركض معها بين الأشجار وظل الى جانبها حتى وصلا البيت , اندفعت تفتح باب المطبخ وواجهتها ظلمة الداخل أذ كانت السيدة ماسترز قد صعدت الى غرفتها , وأخذت تتحسس طريقها , وأندفعت أخيرا الى غرفة الأستقبال , كان موراي هناك ووقف لدى دخولها فكادت تسقط بين ذراعيه.
كان لونها مخطوفا من الذعر وجسمها يرتعد وأسنانها تصطك فلا تقوى على الكلام .
" يا ألهي! ماذا حدث؟".
سألها موراي فلم تستطع جوابا , فيما أخذ الكلب المنفعل يدور على نفسه كاشفا عن أنيابه.
ألتصقت بموراي فعاد يستفسر ملهوفا:
" ماذا حدث يا أدريان , أخبريني".
فقالت متلعثمة:
" لا بدأ ..... أنه الرجل ال.... الذي حذرتني أمي..... منه والذي ش.....وهد يتسكع في القرية".
فأجلسها على المقعد في رفق وقال:
" سأخرج لأتقصى الأمر".
فتمسكت به وهتفت:
" لا , لا تفعل ! فقد يكون في الخارج وقد يؤذيك".
فأقتلع يده من يدها المتقلصة وقال باسما:
" لا تقلقي علي فأنا قادر على حماية نفسي".
خيل لأدريان أنه غاب لزمن طويل قبل أن يعود ويقول:
" لم أر له أثرا لكن السياج مكسور , لا بد أنه جاء عبر الحقول وصعد عليه الى الحديقة , من الأفضل أن نخابر البوليس".
فتوسلت قائلة:
" موراي , لا تخبر كليفورد , فقد يقلقه ذلك".
" لن أخبره حتى في الحلم , فهو لن يقلق فحسب بل سيطير صوابه ذعرا..... ليس عليك أنت و لا تخدعي نفسك .... بل على كتبه الثمينة التي يحتفظ بها في الكوخ".
وبعدما خابر المخفر عاد يطمئنها:
" قالوا أنهم سيعممون أنذارا في المنطقة الى كل رجال البوليس , وطلبوا أن نعلمهم أذا ما ظهر الرجل مرة أخرى".
ثم أبتسم لها وسأل:
" أهدأت الآن قليلا؟".
أومأت برأسها وأجابت:
"أعتذر لكوني طرحت نفسي عليك.... كنت خائفة جدا ولا أشعر بما أفعل".
فعلق بجفاف:
" أدركت أنك ما فعلت ذلك بدافع الحب".
ثم أردف مقطبا:
" من الأفضل لك ألا تعملي في الكوخ ليلا حتى يمسكوا بذلك المتسلل ..... لو ما كان فليك هناك.....".
وأنحنى يداعب الكلب هامسا له:
" اعتن بسيدتك جيدا يا صديقي".
ثم قال للفتاة:
" أفضل لو تتخلين عن نزهاتك المسائية في الوقت الحاضر يا أدريان , حيث لا أمان بوجود شخص مريب كهذا".
" وأنا أفضل أن لا أخبر أمي كيلا تقلق..... ليس علي بل على تركها بمفردها".
فجلس موراي وقال مفكرا:
" غريب جدا أن يتشابها الى هذا الحد ...... خطيبك وأمك , هل يقدمان دائما مصالحهما على مصالح الغير؟".
تمهلت في أعطاء الجواب ثم قالت في وجوم:
" نعم ".

نيو فراولة 16-10-11 10:47 AM

جلس على ذراع المقعد وأطبق أصابعه على رسغها فعرفت أنه أستطاع جس نبضها المتسارع ........ سألها:
" هل أعطيك شيئا يهدئك؟".
فودت لو تخبره أن لا شيء يهدىء أعصابها ما دام هو قريبا منها الى هذا الحد.
" ماذا ستعطيني ؟ حليبا ساخنا؟".
" بل حبة دواء مهدئة".
" لا شكرا , سأتحسن قريبا".
ثم أغمضت عينيها وقالت:
" يجب أن أعود الى الكوخ لآتي بالأوراق".
" سأذهب معك ثم أوصلك الى البيت".
شعرت بالأمتنان لتفهمه فضغطت على يده , ولما أنتبهت لغلطتها سحبتها ونهضت واقفة , قالت بشيء من الذعر:
" سأمضي الآن الى الكوخ".
تبعها عبر الحديقة وفليك يقفز أمامهما ,أرتجفت قليلا فأحاط كتفيها بذراعه وسأل:
" بردانة؟".
" تركت كنزتي على المقعد في غمرة خوفي".
ساعدها على أرتدائها , وأنصرف الى ملاعبة الكلب حتى وضبت الأوراق المطبوعة وأقفلت باب الكوخ خلفها.
وفي الردهة , قالت:
" يجب أن ألقي على كليفورد تحية المساء ,أبق هنا يا فليك".
فقال موراي:
" لا بأس , سأرعى كلبك بينما تودعين حبيبك".
فحز في نفسها أن يعود الى سخريته وكأن أنسجامهما السابق لم يكن .
وسألها كليفورد:
" هل أنهيت طباعة النص؟".
" ليس.........تماما , لكنني سأكمل الطباعة في الصباح".
فقال حين ناولته الأوراق:
" أشكرك على عملك حتى هذا الوقت المتأخر".
وأضاف شاردا وهو يتفحص الكلمات:
" أرجو ألا تكوني تعبت كثيرا".
لم يكن يفكر فيها أطلاقا لذا لم تجد ضرورة للجواب ,وسألته:
" هل تشعر بتحسن يا كليفورد؟".
تطلع اليها فورا وقد جذب أهتمامه هذا الموضوع المحبب الى قلبه , وأجاب في حذر وكأنه يرفض الشفاء بهذه السرعة :
" أشعر بتحسن قليل".
فردت باسمة :
" ستتعافى غدا على الأرجح".
" أشك في ذلك يا عزيزتي فالرشح لا يزول بسهولة ,وعلي أن أحترس كما تعلمين ,فأنا ما شعرت بالعافية الكاملة أبدا".
فقالت لترضيه:
" أعرف ذلك يا كليفورد وكنت أحاول فقط أنعاش معنوياتك".
" شكرا يا عزيزتي , لكنني تأكدت منذ زمن بعيد بأنني لن أكون أبدا كسائر الرجال من الناحية الجسمية".
ثم أخذ يدها وأردف:
" أنت تدركين هذا يا أدريان , أليس كذلك؟".
أومأت وأبتسمت له بأقتضاب , هل يحاول أفهامها أن حياتهما الزوجية ستكون ( مختلفة) , وأنها يجب ألا تأمل في أكثر من أن تظل زوجة بالأسم ؟ أنه يتكلم كما لو أنها لم تدرك هذه الحقيقة بعد , قالت لنفسها في سخرية غريبة عنها , وسرعان ما أخافتها ..... هل يعني هذا أنها باتت ترفض في أعماقها فكرة الزواج منه , هل أ عناق موراي لها جعلها تفهم أكثر , وبالتالي لن تكتفي بذلك الزواج الخالي من الحب , فتتوق سريعا الى الحب الحقيقي الذي سيحرم عليها الى الأبد؟
أوصلها موراي حتى باب بيتها ورفض دعوتها للدخول , وقفا ينظران الى بعضهما في الظلام , لم يكن يحاول لمسها , وكان حديثه موضوعيا كحديث رجل غريب , وقال:
" سأسافر غدا".
فخفق قلبها وسألته وهي تخشى جوابه:
" هل سيطول غيابك؟".
" سأمكث يومين حيث ألتقي غريتل , فقد مضت سنة منذ رأيتها لآخر مرة".
قالت في نفسها , لو لم يكن يحب غريتل لما أنتظر طوال هذا الوقت وبكل هذا الصبر ..... وعاد موراي يقول:
" لا تقلقي على كليفورد , فهو موسوس على صحته , ويعاني فقط من وفرة في الخيال , أنه يحبك لأنك تدعمين أوهامه وتأخذينها على محمل الجد".
كان هناك ضوء يأتي من النافذة , فأستطاعت أن ترى نظرته التي فضحت المرح المفتعل في صوته , كان فيه حزن مستسلم جعلها ترغب في ألقاء رأسها على كتفه حتى يزول ذلك الحزن.
قالت بصوت ثابت:
" أرجو لك رحلة ممتعة , ولا شك أن غريتل ستسعد برؤيتك بعد طول الغياب".
" ستكون سعادة مشتركة ., تصبحين على خير يا أدريان".
" وداعا يا موراي".

نيو فراولة 16-10-11 10:49 AM

6- سهرة!

لم يرجع موراي بعد يومين كما قال , بل مر اسبوع من دون أن يرسل خبرا , أستمرت الحياة كالعادة بالنسبة الى أدريان ,في الصباح تلقى الأملاء وبعد الظهر تطبع النصوص.
وسألت كليفورد ذات يوم:
" هل سعود أخوك الى هنا؟".
فهز كتفيه وأجاب:
" ما دامت غريتل قد رجعت فأرجح عدم مجيئه".
" هل...... سيتزوجان بعضهما؟".
هز كتفيه مجددا فبدا واضحا أن شؤون أخيه لا تهمه , وأجاب:
" لا شيء سيمنعهما الآن من الزواج , فمنذ سنوات طويلة , وقبل أن تلتقي ديفيد وتتزوجه , كان موراي يحبها لكنها أختارت الرجل الآخر".
" ألهذا السبب لم يفكر في الزواج؟".
أجابها بأقتضاب ليعود الى عمله في سرعة:
" لم يخطر لي أبدا أن أسأله , أين كنا؟ دعيني أفكر قليلا".
أنقضت عشرة أيام ففقدت أدريان كل أمل برجوعه.
وذات عصر قال كليفورد:
" أعتقد أن الوقت حان لأدعو بعض الأصدقاء الى أمسية أدبية , أننا نقيم هذه السهرات بالتناوب وقد جاء الآن دوري ولا يجب أن أخذلهم, لذا حالما أتعافى تماما من الرشح , سأحضر قائمة بالعناوين وأملي عليك رسالة دعوة لتطبعيها , سأدعو أثني عشر شخصا على الأقل وجميعهم أدباء ,هل حضرت أمسية من هذا النوع منذ أبتدأت العمل معي؟".
أجابت بالنفي , فقال:
" يجب أن تحضري هذه يا عزيزتي وستتمتعين بها حتما , أنك تعرفين بالطبع أن أسمي المستعار يجب أن يبقى سرا بينننا , أذ لا يليق بي كشف الأمر أمام أناس مثفين ومميزين كهؤلاء".
" بالطبع أعرف ذلك يا كليفورد , كذلك خطوبتنا , سأبقيها سرا بيننا ".
أكدت له أنها تتفهم تماما وذكرته بأنها وافقته على لبس الخاتم لتجنبه كل هذه العواقب التي يخافها.... أفرحه تعقلها وأثلج قلبه فأحاطها بذراعه , ولما حاولت معانقته بدورها , أجفل قليلا وأرخى ذراعيه , فبدا مغلوبا على أمره وحائرا في موقفه.
منتديات ليلاس
كان الصيف في عزه , والأشجار العالية بالكوخ مكتظى بالأوراق اليانعة , كانت أدريان تطبع وقد تركت الباب مفتوحا , فيما العصافير تزقزق وتتنازع على الأغصان ,والحشرات تئز هنا وهناك.
سمعت صوتا خارج الكوخ , فأجتاحها الذعر أذ حسبته الرجل البشع قد ليقتلها , جلست متصلبة العضلات والخوف يمرها , ثم أندفع فليك كالمجنون الى الشخص الواقف على التبة , وتعثر بساقيه القصيرتين لشدة فرحه برؤية صديقه الغريب يعود اليه مبتسما.
حلت البهجة مكان الخوف في عيني أدريان وهتفت:
" موراي! لقد رجعت!".
وأضافت بسرعة:
" لكن وصولك المفاجىء أخافني كثيرا ! ظننت أن.......".
فأكما عبارتها عنها:
" أن ذلك الرجل المرعب قد عاد ثانية ؟ لا تفسدي فرحة الموقف , فلو كان هو لما تطلعت اليه بتلك البهجة التي أستقبلتني بها , أيتها الصبية".

نيو فراولة 16-10-11 10:51 AM

لكنها أصرت على محاولة التفسير :
"كل ما في الأمر أنني فوجئت بعودتك , وقد قال كليفورد:
" وماذا قل كليفورد؟".
فأشاحت عنه ودت:
" قال شيئا عنك وعن غريتل ...... كدت اتوقع حصول زواجكم".
سار حول المكتب ليواجهها وسأل :
حقا؟ وكيف كنت ستتجاوبين لو أنني تزوجتها؟".
فأرغمت نفسها على الأبتسام بأشراق , وقالت:
" كنت تمنيت لكما كل السعادة".
" لم أتزوجها.... أقصد لغاية الآن , ولذا يمكنك الأحتفاظ بنهايتك الطيبة لبعض الوقت".
كانت منتشية بفرحة لقياه ولم تكترث لأحتمال أستفزازها أياه .
حدد اليها النظر وقال بشيء من الأستغراب:
" لقد أكتسبت بعض الوقاحة في غيابي وهي تناسبك , ماذا كان يحدث؟ هل حررك أخي؟".
غام وجهها لكنها أستطاعت أن تبتسم وهي تجيب:
" لا , أنما لدي عدة رسائل للطبع , أو بالأحرى دعوات الى أمسية أدبية سيقيمها كليفورد:
" فوضع يده على رأسه وتأوه قائلا:
"أوه , لا تقولي هذا ! كان يجب أن أتأخر في عودتي".
فراجعت قائمة الأسماء وأبتسمت مرة أخرى :
" أسمك ليس في القائمة , أنت لست مدعوا".
فأنحنى صوبها وسأل مهددا:
"لست مدعوا؟".
" أجل , لكن كليفورد دعاني انا".
" أذن , سأبتعد عن الطريق".
في الليلة السابقة ( للتجمع الفكري) كما كان يحلو لكليفورد أن يسميه , أخبرت أدريان أمها بأمر الحفلة وقالت:
" سأتأخر في العودة الى البيت فلا تسهري في أنتظاري , فقد تمتد لوقت طويل".
" ما يمنع ذهابي معك ؟ أنا لا أذهب الى أي مكان!".
أستشفت لورنا تردد أبنتها , فأعتقدته نتيجة مزدوجة لتباكيها ولقدرتها على الأقناع , فشددت الضغط بقولها:
" أخشى قضاء السهرة بمفردي يا حبيبتي , ولا سيما أن ذلك الرجل الشرير ما يزال يتسكع في القرية , فليت البوليس يقبض عليه سريعا.......ثم أنك لا تعرفين ماذا ستجدين لدى عودتك , حيث أكون تعرضت لأسوأ الأشياء!".
وفكرت أدريان في أسى , يا لخيالها الجامح الذي يضاهي أحيانا خيال كليفورد!
لكنها وجدت في الأمر فرصة ممتازة لتعريف الأثنين الى بعضهما حيث سيكون اللقاء عفويا لا يرمز الى معنى معين.
وعادت أمها تلح:
" أسرعي يا حبيبتي وأسألي سيدك اللطيف ديننغ".
" حسنا , سأفعل".
جلست لورنا مذهولة بطواعية أبنتها الفجائية وهنأت نفسها على أسلوبها الحاذق في أقناعها.
حاول فليك اللحاق بأدريان حين أندفعت خارجة , وعوى غاضبا لما أقفلت الباب عليه.
ألتقاها موراي على عتبة البيت وسألها:
" ما بك؟".
" أنها أمي".
فأستفسر فورا:
" هل هي مريضة؟".
" لا والحمد لله! تريد فقط أن تدعى الى الحفلة".
فضحك بصوت عال وقال:
" أنها جريئة حقا , فقلة من الناس تجد الجرأة على دعوة نفسها الى حفلة كهذه تضم مفكرين مميزين , مغرورين ,ومزيفين الى هذا الحد!".
وسألته مرتبكة:
" هل تحسب أن كليفورد سيعارض ؟ أنه لم يتعرف اليها بعد".
" أذن حان الوقت لأن يفعل".
" لكنها لا تعرف أنني مخطوبة اليه".
" أذن حان الوقت أيضا لأن يخبرها , أنني لا أفهم سبب رغبته في كتمان الخطوبة".
أعتذرت اليه وذهبت تبحث عن كليفورد الذي أظهر بعض التردد لدى سماعه طلبها ألا أنه لم يعارض , بل بدا عليه الخوف أكثر من الأمتعاض , فحز في نفس أدريان أن لا يرحب بفرصة لقاء أمها.
وهكذا عادت الى البيت تحمل لأمها الخبر السار وأبتهجت به لورنا كبنت صغيرة.
ظهر كليفورد على العتبة حائرا متبكا وكأنه يتمنى لو يدفن وجهه ,لكن عينيه كانتا مسمرتين على حماته العتيدة , كما لو كانتا يد طفل وليد تتمسك بأصبع أمه , لم يكن مندهشا فحسب , بل كمن يعاني صدمة حادة.
سارع موراي الى تعريفهما الى بعضهما البعض , وبدا واضحا أن لورنا أنسحرت بالأخ الأكبر كأنسحارها بالأصغر ..... قالت:
" كم يسرني أن ألتقيك أخيرا يا سيد دينينغ , فطالما حدثتني أبنتي عنك".
نظر الى أدريان يسألها بعينيه ملهوفا , فهزت رأسها بحركة خفيفة بالكاد لحظها الآخران , مما أشعره بأرتياح كبير لكون حماته العتيدة ما تزال تجهل الدور المكتوب عليها أن تلعبه في قصة حياته.

نيو فراولة 16-10-11 10:52 AM

أجرى التعريفات المطلوبة ,ولاحظت أدريان أنه كان يقدمها الى المدعوين على أنها سكرتيرته , كذلك لاحظت أن بعضهم بادلها الأبتسام مصحوبا بشمخة أنف متعالية , يخص بها المعلوقات الأدنى منه ذكاء وتفكيرا.
أما أمها التي مارست سحرها المدروس وأستعانت بأسلوبها المتكلف الخاص , فسرعان ما أستطاعت أن ترسخ نفسها كعضو في ذلك المجتمع.........كانت تجلس الى جانب كليفورد , وتشق طريقها بذكاء في الحوار الدائر بينه وبين رجل آخر , مما جعل أدريان تتعجب من قدرة أمها على التكيف بمهارة مع جماعة كهذه , بالرغم من الحياة المغلقة الخاوية التي تعيشها في بيتها.
أمتدت ذراع موراي وأجلستها على الأريكة , ثم قال هامسا:
" لا حاجة لأن تبدي كأرنب مذعور , فهم ليسوا بأفضل منك يا حلوتي , أنهم يتوهمون ذلك ليس ألا ".
ألقى ذراعه على كتفها , فنظر اليه كليفورد مؤنبا لكنه أبقاها حيث هي , وتابع:
" لاحظي كيف يتجمعون في حلقات صغيرة ضيقة , تتيح لك أن تصنفيهم تقريبا , فبعضهم هو ما يسمى بتعبير لطيف , ( مؤلفون غير منشورين ) ينتظرون نتاجهم لكل من يوافق على شرائه , بعد ذلك هناك درجات متفاوتة من النجاح الى أن نصل الذين يتربعون على القمة وقد بلغوها بشيء من المقدرة وبكثير من الحظ".
فهمست في أذنه وهي تشعر بنظرات خطيبها مسلطة عليها:
" وأين يقع كليفورد في هذا التسلسل الهرمي؟".
فضحك وقال:منتديات ليلاس
" أذا أردت رأيي كشقيق وليس كناقد أدبي , فهو قريب من القاع من حيث المقدرة , ولكن على القمة من حيث النجاح , أختاري ما تشائين من الموقعين".
أنفتح الباب على مصراعيه فتألقت عيون كل الرجال , كانت الفتاة التي دخلت صغيرة في السنوات أنما تبدو في ضعف عمرها من حيث الخبرة , كان شكلها الخارجي ساحرا , ترتدي سترة وبنطالا مزينين بخيوط فضية , ويلتصقان بقوامها الفاتن.
" كليفورد يا عزيزي! كم يبهجني أن أراك ثانية".
تقدمت منه مفتوحة الذراعين وربتت على كتفيه ,ثم طوحت بصرها في أرجاء الغرفة وكان جميع الرجال قد وقفوا..... تأملتهم واحدا واحدا , وبدأت الأنشوطة تقترب حين قالت:
" أين أخوك الرائع الذي حدثتنا عنه؟".
سر كليفورد لخلاصه من دائرة النور فأشار الى حيث موراي الذي راح يرمق الفتاة بأعجاب تخالطه سخرية خفيفة وهي تتقدم منه.
سقطت الأنشوطة وأعتقلت عنق موراي , نهض ليصافح يدها الممدودة , فسارع شخص وأحتل مكانه الى جانب أدريان.
" ما أروع أن ألتقيك يا سيد ديننغ".
فأنحنى متأدبا وأجاب:
" وأنا كنت سأفقد فرصة نادرة لو ما تعرفت اليك".
ضحكت الفتاة بصوت جذاب أذ حسبته جادا في كلامه , جلس على مقعد وثير , وبدا مأخوذا بالفتاة التي كانت قد جلست على كرسي منخفض عند قدميه.
حدقت في عينيه وقالت بصوت مرتفع سمعته أدريان:
" أنا لست واحدة من هؤلاء الكتاب الشطار , أنا فنانة".
" وما هو أسمك؟".
" ديزيريه تشارترز وأسمك موراي تبعا لمعلومات كليفورد".
نظرت في عينيه من بين أهدابها الطويلة وسألته:
" هل تكتب مثل أخيك؟".
" أكتب رسائل فقط".
فرنت ضحكتها وعادت تستفسر:
" ماذا تشتغل ؟ هل أنت متفوق في عملك؟".
فأجابها متصنعا التواضع :
" أبذل أفضل ما لدي , أنني أعمل في الأبحاث".
تقلصت أدريان من الغيرة فأشاحت عنهما , وأذا بها تواجه رجلا قرّب محياه منها وقال:
" مرحبا , أنا أوغسطوس تشارلز , فمن أنت؟".
أبتعدت قليلا فأمكنها أن تتحقق من بشاعة وجهه , كانت عيناه منتفختين , ووجنتاه في حاجة الى حلاقة ,وشعره شائبا وطويلا بالنسبة الى عمره , أبتعدت في جلستها فأقترب منها مجددا , نظرا الى موراي متوسلة فرأته يعبس , أنما لم يحرك ساكنا لنجدتها.
أستدارت الى أوغسطوس وقالت:
" أنا أدريان غارون".
" هل تكتبين؟".
" لا , أنا أطبع".
أرتج بالطبع أذ حسبها تمزح , وقال في ألحاح:
" لنتكلم في جدية , ماذا تفعلين؟".
" أطبع كتب السيد ديننغ , فأنا سكرتيرته".
حسبت أن أهتمامه بها سيتضاءل ألا أنه تزايد , وعلق بنظرة ماكرة :
" هذا الصنف أحبه! السكرتيرة العصفورة , ذات المواهب المتعددة ".
أقترب منها فتراجعت , ونظرت الى موراي تطلب منه النجدة , كان ينظر اليها , أنما لم يكن عازما على أنقاذها , بل بدا مستمتعا بمراقبة محاولاتها الفاشلة للهرب من جارها الثقيل.
دخل شخص بأكواب شراب , فهجم أوغسطوس على الصينية حين أقترب حاملها منه وتناول كوبين , أعطي واحدا لأدريان وشرب الثاني في جرعتين.
أما صديقة موراي الجديدة , فكانت تلتصق به كما العسل بالملعقة...... قالت شيئا جعله يضحك , فشعرت أدريان بحسد فاتك من براعة الفتاة في أجتذابه , ووجدت نفسها مضطرة لتحمل رفيقها فترة أخرى.

نيو فراولة 16-10-11 10:54 AM

بدأ تصرفه يتغير وتحولت أبتسامته الى ضحكة خبيثة ملتوية , وقال بصوت عال أستطاع جميع الحاضرين سماعه:
" هناك عقاب واحد للسكرتيرة العصفورة , وهو هذا.........".
أدار وجهها قليلا وطبع قبلة أستراتيجية على خدها , ولما رفع يده ليدير وجهها الى الناحية الأخرى , أزاحت رأسها بعنف , فأرتطمت يده بكوبها وسال العصير على فستانها.
تمتم أوغسطوس معتذرا , وهتف كليفورد أسمها بنبرة مؤنبة وكأن الذنب ذنبها , وتأوهت أمها قائلة:
"أوه , ماذا فعلت يا حبيبتي!".
أما موراي فحاول النهوض ليساعدها ألا أن صديقته الجديدة سدت عليه الطريق.
أحمر وجهها غضبا وخجلا وهرعت تركض الى المطبخ فيما لاحقها المدعوون بضحكهم الراثي لورطتها.
سارعت السيدة ماسترز الى مساعدتها بكل عطف فنظفت ثوبها بقطعة قماش غمستها بالماء والصابون وبعد قليل زالت آثار العصير أنما بقي القماش رطبا فقالت مدبرة المنزل:
" لا تخشي يا عزيزتي , فالهواء الدافىء سيجففه قريبا".
فشكرتها أدريان وفتحت باب المطبخ لتجد موراي قبالتها , سأل:
" هل يمكنني أن أساعدك؟".
" لقد تأخرت كثيرا في السؤال!".
قالت هذا بقسوة ودون أن تأبه لأيلامه , فقال:
" ما قصدت ألا أن أعرض.........".
فقاطعته بصوت حاد:
" كيف أستطعت ترك صديقتك ؟ كيف تطيق أنسلاخك عنها؟".
فرد بالحدة نفسها:
" لا تصبي جام غضبك علي أيتها الشابة , فلم تكن لي علاقة في ما حصل , أنت التي جررت النار على نفسك حين سمحت لرجل حقير معروف بنذله بأن يغازلك..........".
" أنا لم أسمح له بمغازلتي وأنت تعلم ذلك جيدا ! ثم ماذا عن تلك الفتاة التي أنشبت مخالبها فيك كفريسة ولم تحاول أيقافها عند حدها؟".
" لكنني لست رجلا مخطوبا يا حلوتي , وفي وسعي أن أشجع النساء بقدر ما أشاء , سواء رضيت أنت أم أبيت".
كان كلامه جارحا وعرف أنه يؤلمها لأنها لا تقدر أن تخفي عذابها , ومع ذلك مضى يقول:
" سأوصلها الى بيتها بسيارتي , لماذا ترتجف شفتاك وتتجمع الدموع في عينيك؟ أعتقد أنك تغارين منها , أذن دعيني أمسح هذه الدموع كجائزة تلرضية".
وفيما هو يفعل ذلك أنفتح باب غرفة الأستقبال فدفعته عنها لكنها لم تستطع التهرب من نظرة كليفورد المؤنبة ولا من نبرته المعاتبة حين هتف:
" أدريان!".
فقال موراي متشدقا:
" لا بأس يا أخي , لا تضع اللوم عليها فأنا الذي كنت أهمس لها مواسيا ,وحري بك أن تفتح عينيك على تصرفات زملائك المشبوهة , ويجدر بك أيضا أن تعلم هؤلاء الضيوف بأن هذه الفتاة لك , أجل , أعلن خطوبتك لتضع الرجال عند حدودهم بما فيهم أنا ".
وقف كليفورد ينظر اليه ضعيفا متهدلا لا يقوى على أي أعتراض , ثم أستدار وعاد الى غرفة الأستقبال.

نيو فراولة 16-10-11 10:55 AM

فغمغم موراي وهو يدفعها عنه:
" يا ألهي! أنه نصف رجل! كان يجب أن يلكم وجهي , لكنه وقف هناك بلا حراك , هل رأيت أي نوع من الرجال هو , هذا الذي ستتزوجينه؟".
في نهاية السهرة , قاد الفتاة الى الباب , حيث لوح لأدريان بيد لامبالية , وهتف لأمها تحية المساء ثم خرج , سمعت محرك سيارته في الخارج فلاحقته بأفكارها في الظلام.
وفيما كانت لورنا تأتي بمعطفها , لحقها كليفورد الى الردهة وقال:
" غدا سنبتاع الخاتم يا عزيزتي".
" لكن........... هل أنت متأكد يا كليفورد؟".
" بالطبع أنا متأكد , سأفعل بأقتراح موراي وأقدم لك خاتما".
أحاطها بذراعيه للحظة ثم أفلتها , فقالت في نفسها : موراي على حق , فكليفورد يحتاج الى شخص يساعده , وليتني أعرف كيف.
سارت وأمها الى البيت , وفليك ينط أمامهما , كانت لورنا ما تزال تحت تأثير الحدث الرائع الذي أتاح لها السهر مع هؤلاء الناس المميزين , فقالت:
"حفلة رائعة يا أدريان , أتعلمين يا حبيبتي , أن ذلك الرجل البديع , أوغسطوس تشارلز , قد وافق على أفتتاح مهرجاننا ؟ أنه أيضا كاتب شهير! ".
ثم غيرت الموضوع قائلة:
" لا أدري كيف سمحت لتلك المرأة الكريهة بأن تسلبك ذلك الشاب بتلك الطريقة".
كانتا قد بلغتا البيت ودخلتاه , فقطبت أدريان وسألت وهي تحس بردة مفاجئة:
" أي شاب تقصدين؟".
" أقصد موراي يا عزيزتي".
" لكنك لا تفهمين الحقيقة يا أمي! أنه ليس صديقي الخاص".
وعت لورنا بعض الحقيقة فسألت منذهلة:
" أذن , من هو يا حبيبتي؟".
فردت أدريان في أعياء:
" تعالي نجلس يا أمي , لم أقصد أن أخبرك لأن كليفورد أوصاني بالكتمان , أنما ............".
فرعقت بصوت حاد:منتديات ليلاس
" كليفورد هو صديقك المفضل؟ كيف يعقل هذا؟ أنه مخدومك!".
" أنا مخطوبة اليه يا أمي , فقد طلب يدي قبل بضعة أسابيع ووافقت على الزواج منه , لكنه لم يشأ أن يخبر أحدا في الوقت الحاضر".
" أنه يكبرك كثيرا يا حبيبتي ما دام يصغرني أنا ببضع سنوات".
" يصغرك بثلاثة أعوام فهو في الثالثة والأربعين".
خيم صمت حائر طويل ثم تمتمت لورنا بأنذهال:
" كليفورد ! سيكون صهري!".
هزت رأسها رافضة , فقالت أدريان وقد أوشكت على البكاء:
" أمي , أليس من المفروض أن تهنئيني؟".
" آسفة يا حبيبتي , بالطبع أنا سعيدة من أجلك , أنما لا يسعني الأعتياد على فكرة زواجك ...... ماذا سيحدث لي عندئذ؟".
فردت أدريان متناسية مشاكلها الخاصة:
" سأكون بقربك يا أمي وأزورك كل يوم".
لكن لورنا كانت تحدق الى الجدار وتتمتم:
" سأعيش وحيدة ...... ما فكرت يوما أنك ستتزوجين وتتركينني!".

نيو فراولة 16-10-11 06:02 PM

7- الحب من طرف واحد


أصطحبها كليفورد الى أغلى صائغ في البلدة وأبتاع لها الخاتم , كان الفص عبارة عن عنقود من الماس مصمم بشكل نجمة متألقة , وكان ثمنه باهظا.
عندما ألبسا أياه, كانا يجلسان على الأريكة , ولما رآها تنظر اليه في توقع , قال كما لو أنه يرجوها أن تتفهم:
" أدريان , تدركين على الأرجح أنه يستحيل عللي صياغة مشاعري نحوك في كلمات , كما لا يمكنني ترجمتها عمليا , ومع ذلك فأنا مولع بك , وأحتاجك أكثر مما تصورين , أنني أقدر كل ما فعلته من أجلي , فأنت أدخلت البهجة الى حياتي قبل أن نتزوج".
توقف ليأخذ نفسا عميقا ثم أنهى خطابه بقوله:
" أن مجرد وجودك هنا , كاف لأسعادي".
كلامه أحدث فيها تأثيرا عميقا , فوضع يدها على كتفه , وسألت لتخفف أرتباكه:
" هل نشرب نخب خطوبتنا؟".
أومأ موافقا فنهضت لتذهب الى المطبخ , وعندما دخل موراي وراح ينظر اليهما بالتناوب وقد شعر بتوتر الجو , رفعت يدها اليمنى تريه الخاتم بأبتسامة متحدية ونظرة قاسية متألقة:
فنظر الى الخاتم ثم اليها وقال ووجهه خال من التعبير:
" وأخيرا أرتبط أخي بعهد! لا بد أن ذلك الشيء البسيط قد كلّفه ثروة صغيرة".
أحتارت أمام لهجته وتعبير وجهه , فهو الذي كان يحثّ أخاه على أبتياع الخاتم منذ أسابيع ...... وقالت بصوت مضعضع :
" أننا نحتفل بالمناسبة , فهل لك أن تشاركنا يا موراي؟".
فرد في برود:
" لا حاجة لمشاركتي فهذه ليست خطوبتي".
ثم خرج صافقا الباب.
أطلّ يوم المهرجان غائما وعاصفا , ولكن ما أن أقترب موعد الأفتتاح حتى أشرقت الشمس وتبددت الغيوم , قبل الظهر أكملت أدريان طباعة بعض النصوص وذهبت لترى كليفورد قبل عودتها الى البيت ظهرا فوجدت موراي معه.
قال لأخيه بنبرة حازمة:
" هذا العصر سأستعير خطيبتك يا كليفورد , فأنا سأذهب الى القرية لحضور المهرجان وأريد شخصا يرافقني , هل لديك أعتراض؟".
فقالت أدريان:
" لكنني.....".
فقاطعها موراي:
" ما دمت عازمة على حضور المهرجان , فستذهبين معي".
بلغا مكان المهرجان وكانت الموسيقى المسجلة تنبعث من مكبرات الصوت , فهتف موراي للكلب وربط المقود في طوقه ,وحين لمحت أدريان أمها في كشك الحلوى , جرّت موراي خلفها الى الكشك فرحبت بهما لورنا , وطفق يستعرض قوالب الحلوى ثم قال:
" أنها تسيل اللعاب , بأي صنف من هذه المعروضات المغرية تنصحينني؟".
فأشارت لورنا الى قالب ( كاتو بالكريما) , فسألها سعره ودفع الثمن , فلفته في عناية وناولته أياه , فأنحنى بأحترام وأعاده اليها قائلا:
" تفضلي , أنه هدية مني الى حماة أخي العتيدة".
برقت عيناها وقالت:
" أتعني ذلك حقا ؟ لكنه باهظ السعر".
تهرّب من تشكراتها ونظر حوله قائلا:
" أين أوغسطوس تشارلز ؟ آه.......... أنه هناك".
كان أوغسطوس يصعد درجات المنبر بشيء من التعثر , وبوجه متورد وعينين زائغتين قليلا , ثم قدمه عريف المهرجان كروائي شهير رفيع المستوى , وبالرغم من هذا التعريف المضخم للواقع فقد أستقبله الجمهور بتصفيق حاد , وأنبرى يلقي خطابه الأفتاحي بكلمات متعثرة ومبهجة تقريبا ككلمات الكتب التي يؤلفها , لكن جميع المستمعين كانوا في مزاج صاف مرح , وهكذا أستطاع أن يحملهم على الضحك والحزن والتفكير بالتناوب , ثم أنهى خطابه بنكتى ضحكوا لها من جديد , بعد ذلك ساعدوه على هبوط الدرج فسار بين الجموع التي أدارت له ظهرها وقد نسيت أمره كليا في غمرة أندفاعها لشراء مبتغاها من المعروضات قبل أن تنفد.
وقال موراي:
" لم يكن خطابه كارثة كما توقعته أن يكون".
فأجابت أدريان ضاحكة:
" تبدو خائب الرجاء".
" أجل , أردته أن يفشل لأعود وأروي لأخي أن أحد أصدقائه الأدباء المبجلين قد جعل من نفسه مهزلة أمام مئات الناس".
توقفت أمام كشك المجوهرات وألتقطت قلادة ذات أحجار كريمة منقوشة , فوضعتها على صدرها وسألته:
" هل تعجبك؟".
فتأمل المشهد وقال:
" نعم , أنها تناسب شخصية الفتاة التي تحملها , هل تريدينها؟".
مد يده الى جيبه فأرجعت القلادة فورا وأشاحت عنها قائلة:
" لا تهتم للأمر".
فألتقطها ودفع ثمنها , وقال وهو يقدمها اليها باسما:
" أنها لك.........
دعيني ألبسك أياها".
شكرته وغطت القلادة بيديها كما لو أنها أغلى شيء في العالم بالنسبة اليها , وقالت:
" سأعتز بها ما حييت".
قرأ الأخلاص في عينيها , فقال في جدية:
" أنت صادقة فيما تقولين".

نيو فراولة 16-10-11 06:05 PM

كان أوغسطوس يسير بلا هدف مع الناس عندما لمح أدريان فتقدم منها متعثرا ومن دون أن يلحظ وجود موراي , أحاط كتفها بذراعه وحيّاها ببسمة ماكرة وهو يقول:
" ما توقعت رؤية السكرتيرة العصفورة".
فجعر فيه موراي:
" أبعد يديك عنها!".
أجفل أوغسطوس ثم كست وجهه أبتسامة مذنبة , كقهوة تنسكب على غطاء نظيف , وقال بصوت أجش:
" الفارس الشهم نفسه!".
ثم رفع يدها اليمنى وقال معلقا على وجود الخاتم:
" أذن هو جعلك أمرأة شريفة في النهاية , أهنئك يا صديقي , وأعتذر عن تطفلي".
ومضى متعثرا في مشيته.
فقال موراي متضايقا:
" حان الوقت لنعود , أين أمك؟".
وجداها في الشكش وأستأذناها في الأنصراف , شكرته مجددا على قالب الحلوى , وأبدت أعجابها بقلادة أدريان ثم لوّحت لهما مودعة.
أوصل موراي الفتاة حتى نهاية الدرب حيث شكرها على رفقتها وقال أنه سيراها في وقت ما , وسار مبتعدا , حدقت الى ظهره المختفي فأحست نفسها تذوي , نظرت الى الخاتم ثم الى القلادة , فعرفت أي من الأثنين هو الأغلى على قلبها!
صباح الأثنين لم يبدأ كما يجب , فقد أستيقظت لورنا تشكو صداعا حادا وعمدت الى التأوه طوال فترة الأفطار , وكذلك بدا فليك عصبيا , وأدريان شعرت بدورها بشيء من التوعك , كانت تدرك سبب ( علّتها) وتدرك أيضا أن لا علاج للحب من طرف واحد.
عندما وصلت بيت كليفورد , كان موراي يتحدث على الهاتف وسمعته يقول:
" يجب أن أراك قريبا يا غريتل , هل يمكنك المجيء هنا لقضاء بضعة أيام؟ كليفورد لديه بعض الغرف الخالية وسنهيء لك سريرا في أحداها , ستأتين ؟ عظيم! سأتصل بك ثانية لنتفق على الترتيبات النهائية ".
كان ما يزال يتكلم حين صعدت أدريان الى فوق بعدما تركت الكلب في المطبخ , حياها كليفورد بضغطة على يدها , وقال أن لديه كدسة من النصوص جاهزة للطباعة , وأردف:
"سهرت حتى منتصف الليل مكبا على الكتابة".
بدأ النهار سيئا بالنسبة الى أدريان , كانت بعد الظهر في غرفة الأستقبال وكليفورد يملي عليها نصوصا جديدة عندما فتح الكلب الباب بأنفه وركض اليها حاملا في فمه شيئا أحمر ناعما.
حدق اليه كليفورد وهتف:
" أنه يحمل خفي! خذيه منه فورا وأخرجي هذا الوحش من هنا! تعلمين أنني لا أطيق الكلاب! كيف حصل عليه؟لا بد أنه أقتحم غرفة نومي ..... أنا لن أسمح له بالتجول داخل البيت! سأطلب من السيدة ماسترز أن تربطه".
فأجتاحت أدريان ثورة غضب على الكلب , لا تتناسب أطلاقا مع حجم الجريمة , أعترفت في قرارة ذهنها أنها غضبت في الواقع على كليفورد لأنه أعلن كرهه للكلب فأثبت بالتالي أن موراي كان مصيبا مرة أخرى , وبما أنها لا تستطيع صبّ غضبها على خطيبها , صبّته على الحيوان.
وهكذا , ولأول مرة في حياة فليك , صفعته بقوة , توقف حيث هو يحدق اليها بذيل متهدل ورأس ذليل , لكن أسنانه ظلت تطبق على الخف .
فزعقت به آمرة :
" ضعه على الأرض ! أنت كلب شرير!".
وتأوه كليفورد متوجعا:
" ألا تقدرين أن تفعلي شيئا بحق السماء؟ أليست لديك سلطة أقوى على هذا الحيوان؟".
فغاصت خلف الخف , وسرعان ما أدركت غلطتها , أذ حسبها فليك نسيت زعلها منه وكانت تلاعبه , تراجع الى الوراء ليجعلها تلحق به , فأرتطم بساقي كليفورد الذي قفز وكأنه أصيب برصاصة , ثم رفع ساقيه وجلس متربعا على المقعد وراح ينفض سرواله بقرف.
منتديات ليلاس
مدت الفتاة يدها وأستطاعت أن تقبض على الخف , جذبته نحوها , لكن الكلب جذبه نحوه بقوة أكبر , ثم بدأ يهز الخف ويقضمه بأنيابه حتى أضطرت لسحب يدها أذ خافت أن يمزقه الكلب نتفا , فركض به فرحا الى خارج الغرفة , ومضى ينزلج على أرضية البهو المصقولة ثم أنعطف الى المطبخ وهرب من بابه الى الحديقة.
تركت أدريان الدفتر والقلم ولحقت به الى حيث كان يقفز يمنة ويسرة ويزوغ منها كلما أقتربت منه لتم*** ,ثم أستدار ومر بها راكضا , فمدت ذراعها وجسمها ملتو بعض الشيء , وحاولت القبض على طوقه , زاغ منها ثانية , لكن عنف حركتها اليائسة طوحتها معه , وبدلا من أن تنطرح عليه أنطرحت على فراغ وسقطت.

نيو فراولة 16-10-11 06:06 PM

أحست ألما لافحا في أسفل سلسلتها الفقارية ولما حاولت تقويم جسمها الملتوي هاجمها الوجع فذعرت وصرخت , كان فليك قد أرخى الخف وربض يراقبها , وكأنه شعر بوجود خلل ما , شرع يعوي ولم يتوقف الا حين ظهر كليفورد في باب المطبخ ونادى بعصبية:
" ما بك يا أدريان؟".
" أنني عاجزة عن الحركة!".
" عاجزة عن الحركة؟".
لم يبد أنه صدقها , ثم رفع صوته مناديا , وبدون أن يتحرك:
" موراي ! موراي , أدريان مصابة بضرر".
فسمعت موراي يصرخ بأنه آت فأحست أمتنانا جارفا لقوته وأمكانية الأعتماد عليه , وصل مكانها بلمح البصر وأنحنى عليها يسأل بلطف:
" أتحسين ألا؟".
أومأت والدموع تنفر من عينيها:
" الألم في ظهري , يبدو أنه تأذى بشكل رهيب , لا أقوى على الحركة ".
" لا بأس , سأساعدك , الآن سأحملك ,ضعي ذراعيك حول عنقي , سأحاول أن أبقيك في وضع مسطح قدر المستطاع , أذا شعرت بألم فأخبريني".
آلمتها كل حركة لكنها لم تخبره , بل وضعت خدها على كتفه وغمغمت مغمضة العينين:
" آسفة على كل هذا الأزعاج , آسفة يا موراي".
لم يقل شيئا وحملها الى البيت حيث سأل كليفورد:
" أين أضعها؟ في غرفتك؟".
فرد أخوه مرتعبا:
" بالطبع لا! خذها الى غرفة السيدة ماسترز".
فقال موراي غاضبا:
" سآخذها الى غرفتي".
وفيما هو يصعد بها الدرج خاطب أخاه المتسمر في الردهة:
" ما دهاك يا رجل؟ أنك ستتزوجها قريبا وتدخلها غرفتك , حيث سيكون لها مطلق الحق في دخولها ساعة تشاء".
مددها على سريره بلطف فائق ونزع حذاءها , كانت شاحبة والألم يبرحها الى حد المرض , وقالت مجددا:
" أنه ظهري , وكل حركة تعذبني ........ ماذا يسعني أن أفعل يا موراي؟".
أرتفع صوتها يناشده المساعدة , كما فعل كليفورد , فوقف ينظر اليها مفكرا , وبدا أنه يبحث عن حل للمشكلة , ثم عاد الى الواقع بعدما وجد الحل وأستقر على رأي معين , قال:
" أدريان , أتسمحين لي بفحص ظهرك؟ أريد أن أتحقق من سبب الضرر , لدي فكرة عن السبب أنما أريد التأكد".
فتطلعت اليه منذهلة وهمست:
" وما جدوى الفحص ؟ أنك لن تعرف....".
فقاطعها بلطف:
" أنا طبيب يا أدريان".
وفي غمرة ألمها حاولت أن تستوعب عبارته فتابع هو :
" أنا لست أستاذ علوم كما تظنين ولست دكتورا في الفلسفة بل أنا دكتور في الطب , وأذا كنت لا تصدقين فأسألي أخي".
فتوردت لمجرد ظنه بأنها تشك في مصداقيته , وقالت:
" بالطبع أنا أصدقك , لكن كلامك صدمني".
" والآن ؟ أتسمحين لي بفحصك ؟ أن كنت تريدين وجود شخص آخر معنا , سأستدعي لك أمك , أو كليفورد".
أجفلت لا أراديا لدى ذكر خطيبها وأجابت:
" أنني أثق بك تماما يا موراي ولا يسعني ألا أن أثق بك".
أومأ يؤكد تصديقه وسأل بلهجة مهنية صرفة:
" أخبريني ماذا حدث بالضبط".
روت له ما حصل فشكرها وطلب منها أن تستلقي على جنبها لكن الألم أعجزها عن ذلك فأضطر لمساعدتها.
فحصها بلطف ومهارة ثم قلبها على ظهرها ثانية , وسأل:
" هل آلمتك؟".
" التحرك آلمني وليس أنت , الوجع يمتد في ساقي , ومجرد رفع قدمي يؤلمني , كم سيطول هذا يا موراي؟".
" من الصعب أن أحدّد المدة , قد تمضي أيام وأسابيع حتى يزول الألم نهائيا , فكما ظننت , هناك تمزق في الرباط النسيجي في أسفل عمودك الفقري".
جلس الى جانبها وتناول يدها ليجس نبضها , قال:
" أود أن أحذرك يا أدريان من أن الوضع سيكون مؤلما جدا في البداية , وأن الوقت هو العلاج الوحيد والأكثر فعالية للشفاء , أقدر فقط أن أ‘طيك حبوبا مسكنة للألم .
أتودين أن أستدعي لك طبيبك الخاص؟".
بدأت تهز رأسها لكن حتى تلك الحركة آلمتها , قالت:
" لا شكرا , أنني أثق بتشخيصك وعلاجك".

نيو فراولة 16-10-11 06:12 PM

بدا غير مصغ تماما لكلامها , وقال:
" على كل حال سأعلمه هاتفيا , فلا يجوز من حيث المبدأ المهني أن أتدخل في علاجك قبل أعلامه".
فأعطته أسم طبيبها ورقم هاتفه , وسألها باسما:
" سأتركك لبضع دقائق كي أخابره , فهل تعدينني بألا تحاولي النهوض في غيابي؟".
" لن أستطيع ذلك حتى لو حاولت".
فتخلى عن تصرفه المهني وهمس لها:
" وجدتك أخيرا حيث أريدك أن تكوني".
أبتسمت له دامعة فخرج.
هبط الدرج مناديا أخاه , وبدا أنهما يتجادلان , ثم سمعت خطوات مترددة تصعد السلم , ودخل كليفورد , نظر اليها مرتبكا , وقال:
" ما مدى الضرر الذي لحق بك؟ ألا تستطيعين الجلوس في السرير؟".
فردت محتدة:
" بالطبع لا أستطيع!".
بدا خجلا من نفسه , فلان قلبها وقالت:
" أعذرني يا كليفورد , فظهري يؤلمني الى حد كبير".
" لكن ماذا عن عملي؟".
أذهلتها قسوته , فبدأت تهز رأسها ألا أن الألم جعلها تتوقف , قالت:
" لست أدري يا كليفورد , لا يمكنني فعل الكثير وأنا في هذه الحالة , أليس كذلك؟".
نظر اليها منجرحا فأعتذرت بقولها :
" ما عليك ألا أن تكتب النصوص بخطك , وحالما أتحسن سأكبّ على الطباعة حتى أنجز المطلوب".
سار الى النافذة وأولاها ظهره كما فعل أخوه , فقالت في نفسها: ( يبدو أنني أقترفت جريمة نكراء , فكلاهما يلومني وينسى أنني أنا التي أتألم".
وقال كليفورد محدّثا زجاج النافذة:
" الحق على ذلك الكلب الذي لا تعرفين كيف تؤدبينه بل تدللينه وتغرقينه بالحب وتعاملينه كما لو كان من البشر..".
لم تصدق أذنيها.... هل هو يغار من كلبها؟ وتابع كليفورد ملحا:
" عندما نتزوج , عليه أن....".
لم يكمل عبارته لأن موراي عاد عندئئذ , فخرج كليفورد كجندي متلهف الى تسليم موقع الحراسة الى جندي آخر , نظر اليها موراي وسأل في حدة:
" تبدين مضطربة ........ ماذا كان يقول؟".
" كان.......يتحدث عن فليك لدى دخولك , وأعتقد أنه كان ينوي أعلامي بوجوب .....قتله .......بعد زواجنا".
فرد موراي بلا أكتراث:
" هذا تحصيل حاصل كما أفهمتك مرارا وتكرارا حتى قرفت من الترديد".
أبتسمت ووضعت خدها على الوسادة الرطبة ثم قالت:
" أعتذر لكوني أغرقت وسادتك بدموعي".
فرد مبتسما:
" لن أموت بسبب وسادة مبللة! لقد تحملت أشياء أسوأ بكثير في خلال مهنتي".
" أكرر أعتذاري عن أزعاجك وأقلاق راحتك".
فهز كتفيه وأجاب:
" في سنواتي الأولى كطبيب كنت أستدعى ليلا ونهارا فأعتدت على عدم الراحة".
فتشجعت وسألت:
" هل كانت لك عيادة خاصة؟".
" لمدة سنتين كنت شريكا في عيادة للطب العام , ثم رغبت في التخصص , وبما أنني كنت عازبا , فقد درست بجد للحصول على الدكتوراة , لم يكن الأمر سهلا ألا أنني نجحت".
" والآن.......؟".
" أخصائي في أمراض القلب , ورئيس قسم العلاج السريري للقلب في الجامعة , وأشترك في أبحاث علمية حول أمراض القلب ,وبالأخص في ما يتعلق بتأثيرات الغذاء على ذلك العضو المهم جدا في جسم الأنسان ".
أحست نفسها ضئيلة أمامه , وقالت:
" أذن هذا سبب محاولاتك المستمرة لتطميني الى صحة كليفورد؟".
" والآن أؤكد لك مجددا ألا تقلقي على صحة قلبه بتاتا , فبناء على طلبه , أجريت له ثلاثة فحوصات شاملة , وأخبرته في كل مرة أنه لا يشكو شيئا".
" ومع ذلك لم يصدقك؟".
" كلا , هل لأنني أخوه أو لأن عدم تصديقه لي يناسبه أكثر , لست أدري , لكنني أشك في الشق الأخير".
" ولم لا يطلب رأي طبيب آخر؟".
فضحك وأجاب :منتديات ليلاس
" سؤال وجيه , أنما أعتقد أنه في هذه الحال سيضطر الى تصديق ذلك الطبيب ....سآتي لك بحبة مهدئة".
عاد بعد دقائق وساعدها على تناولها وقال:
" الآن ستنامين وتتوقفين عن الكلام".
" موراي , لماذا لم تقل أنك طبيب؟".
فأخذ يدها في كفه وأجاب:
" يا فتاتي الحلوة , أنا في أجازة , ومن صالحي البقاء مجهول المهنة , لأن الناس متى علموا بوجود طبيب في وسطهم , يسارعون الى أغراقه بشكواهم الى حد شعوره بالغثيان".
" الحبة بدأت تعطي مفعولها لكنني أريد الأستمرار في الكلام".
" ما عهدتك ثرثارة هكذا , يجب أن تعتادي على الأنفتاح , وها أنت بفعل حبة واحدة أصبحت فتاة أخرى , وأذا أخذت حبتين في ظرف أنسب فقد تجدين الجرأة على الأعتراف بالحب!".
ضحكت وردّت:
" على ذكر الحب , هل ستتزوج غريتل؟".
" هذا سؤال وقح ولست مضطرا للأجابة على كل أسئلتك , أنت ما تزوجت أخي بعد ولذا لا يحق لك أستجوابي بهذه الخصوصية".
ألصقت خدها بالوسادة وأغمضت عينيها , أنها لا تبتغي أبدا أن تكون زوجة أخيه بل تبتغي أكثر من ذلك بكثير .......بدأت الحبة تجرفها الى عالم النوم والأحلام ...فرأت نفسها في مكان مظلم , وكان هناك رجل يناديها بلهفة ,لا بد أنه كليفورد أذ لا أحد سواه يمكن أن يحتاجها هكذا حتى في المنام... ثم تراجع ذلك المجهول في الظلام وأختفى , حاولت اللحاق به لتكتشف هويته ألا أن ساقيها رفضتا التحرك , بعد ذلك أستسلمت لنوم عميق خال من الأحلام.

نيو فراولة 17-10-11 09:27 PM

8- الأميرة النائمة


أستيقظت في الصباح التالي وتساءلت أين هي ثم عادت اليها ذكرى الحادثة , أقنعت نفسها في تفاؤل بأنها أحسن , وحاولت تحريك ساقيها فأستطاعت ذلك ألا أنها أحست ألما رهيبا في ظهرها.
أذن لم يتغير شيء وما تزال شبه مقعدة كما كانت يوم أمس , حدقت الى السقف قانطة ودخل موراي يفيض بالحيوية و
فرمقته بأمتعاض , سألها عن حالها بأبتسامة مستفزة , فما كلفت نفسها بجواب وتابع يسأل:
" هل خف الألم؟ حاولي تحريك ساقيك لنرى".
أمتثلت لأمره وقلصت جبينها من الوجع.
" ألا تحسين بأي تحسن؟".
" تحسن بسيط".
" لا يمكنك توقع المعجزات , فهذه أمور تستغرق وقتا , لا تبدين منفعلة كما كنت ليلة أمس".
ودخلت السيدة ماسترز تقول:
" سآتي لك بأفطارك يا آنسة غارون , فهل أغسل وجهك ويديك قبلا؟".
فردت مرتعبة:
" سأنظفهما بنفسي فأنا لست مقعدة!".
فضحك موراي وقال:
" لا تنفعلي ودعينا نجرب أذا كنت تستطيعين الجلوس , ركزي الوسائد يا سيدة ماسترز لأرفعها".
أنهضها حتى أصبحت جالسة وسأل:
" هل أستطعت تحمل الألم؟".
" تقريبا".
دخل كليفورد وبقي واقفا خلف أخيه حتى مدت له يدها لتشجعه على التقدم , فتناولها بتردده المعهود وربت على خدها مبتسما ثم قال لموراي:
" ما دامت قادرة على الجلوس فهل يمكنها تدوين النصوص؟".
فأنفجر موراي هاتفا:
" بحق السماء يا كليفورد , هل أنت عديم الأحساس ؟ ألا يمكنك ولو لمرة واحدة ,أن تقدم مصالح خطيبتك على عملك؟".
خرج من الغرفة خائبا وما لبث أخوه أن لحق به.
أنتهت من أفطارها فأزاحت السيدة ماسترز الوسائد وعادت الى الأستلقاء , تناهى الى سمعها طرق على الباب الخارجي وعواء مجنون فعرفت أن أمها وصلت , سمعت الكلب يقفز السلم , فتقلصت مسبقا في أنتظار هجومه عليها , ألا أنها سمعت موراي يستقبله على الدرج قائلا:
" مرحبا يا صديقي..... لا , لن تدخل الى هناك بل الى غرفتي".
وبرغم حبها لفليك ودت لو تشكر موراي من أعماق قلبها , كذلك سمعت أمها تتحدث الى صهرها العتيد في الطابق الأول وكلماتها تنهمر بلا توقف , فتخيلته قد تضايق من ثرثرتها لكن صوته وهو يجاوبها كان مرتاحا تماما.
وقالت لورنا وهي تطل برأسها من الباب:
" أتسمحين لي بالدخول يا حبيبتي؟ أنك تبدين مرتاحة والحمد لله, ألست محظوظة بهذه الأجازة القصيرة؟ فيما أمك المسكينة تتحمل واجبات البيت لوحدها!".
" آسفة يا أمي , لكنني حتى لو أستطعت النهوض , فلن أساعدك كثيرا...".
" ما قصدت ذلك أبدا , لا يجب أن تشعري بالذنب فالأمر خارج عن أرادتك , لكن مسؤولية الكلب كبيرة".
فقالت أدريان في وهن:
" ربما تتكفل السيدة ماسترز به , وقد يسمح له كليفورد بالنوم في المطبخ....".
" بل يجب أن ينام معي في البيت لأن أنفرادي يرعبني! بالكاد أستطعت النوم ليلة أمس".
" أذن ماذا بوسعي أن أفعل؟ لقد قال موراي أن شفائي قد يستغرق عدة أيام".
فضمت لورنا يديها كطفلة منفعلة وأجابت:
" لا عليك يا حبيبتي , سأتدبر الأمور جيدا , أتعلمين علام أتفقنا أنا وعزيزك كليفورد ؟ سأساعده في عمله!".
ولما نظرت اليها أبنتها مرتعبة أضافت بصوت منكسر:
" أنا لست عاجزة يا حبيبتي , ففي أمكاني طباعة أملائه على الآلة الكاتبة بأصبعين , وأنت تعلمين ذلك , لقد أتفقت وأياه على هذا , فلا حاجة لأن تقلقي على توقف عمل خطيبك , سأبدأ هذا الصباح , وقد تلقف هذه الفرصة بلهفة وفرح".
" لكنه لا يطيق ضجيج الآلة الكاتبة , ولهذا جعلني أطبع في الكوخ!".
" لا تقلقي , فهو قال أنه سيتحمل أي شيء , وحتى أنا , في سبيل أنجاز عمله".
رنت ضكتها في الغرفة وأنحنت تقبل جبين أبنتها قائلة:
" يجب أن أذهب اليه فهو متشوق لبدء العمل".

نيو فراولة 17-10-11 09:28 PM

مر النهار وقد تخللته عدة زيارات من السيدة ماسترز وزيارة من موراي , أما كليفورد ولورنا فما رأت لهما أثرا , تناهت الى سمعها طقطقة الآلة الكاتبة المتواصلة , ومع أنها كانت بطيئة ومجهدة , ألا أنها أزعجت أدريان أذ أستمرت تذكرها بوجوب وجودها هناك وليس هنا على السرير , تستلقي بلا عمل , أرقت تلك الليلة أيضا , أنما راعت ألا توقظ موراي وفضلت البقاء وحيدة مع هواجسها وحنقها على الظروف التي منعتها من الحراك.
منتديات ليلاس
كانت لورنا قد عادت للعمل ثانية مع كليفورد , وقبل ذهابها الى البيت ظهرا صعدت لتطمئن على أبنتها التي لاحظت أن عينيها كانتا أكثر تألقا , وحركاتها أكثر حيوية ومعنى , وهي ما رأت أمها هكذا منذ سنوات..... لقد وجدت أخيرا عملا مفيدا وهدفا لحياتها , وهذا ما يسميه موراي ( علاجا نفسيا) في أصطلاح الطب.
جاءها كليفورد في أحدى زياراته النادرة , وأكد لها أيضا أن الأمور على خير ما يرام .....كلاهما , هو وأمها , يبدو حريصا على أفهامها بطريقة ساذجة وملتوية , أنه بالأمكان الأستغناء عن خدماتها , وليس العكس كما هي تظن.
كان عاطفيا أكثر بقليل من المعتاد , أذ جلس على المقعد المحاذي للسرير وأحاطها بذراعيه , فبدا لها كما لو أنه يتدرب من الآن على عاطفة أعمق من شأنها أن تعزز حياتهما الزوجية.
بعد خروجه , أخذت تتساءل عن التبدل الذي طرأ على موقفه أتجاهها... كم سيدوم؟
هل تحدث اليه موراي مجددا , حيث لقمه أرشادات جديدة حول كيفية أظهار حبه لخطيبته؟
جخل موراي لحظتئذ وسألها:
" تبدين مرتبكة , ما الحكاي ؟".
" كليفورد كان هنا".
" أتقصدين القول أنه كان يتودد اليك؟".
ما كان بحاجة الى ردها الأيجابي أذ أستطاع رؤيته في وجهها.. قالت:
" بصراحة , حسبت أنك قد تحدثت اليه مجددا".
فضحك بأستغراب شديد وقال:
" أتعنين أنني كنت أزوده بنصائح في فن المغازلة والتودد؟".
هزت كتفيها وأجابت:
" ربما , أذ في كل مرة تفاتحته بهذا الموضوع يصبح..... أكثر بقليل ......كحبيب".
ضحك ثانية وقال:
" وهكذا أستعنت بذكائك على ملاحظة هذه الحقيقة؟ ثم أما خيب أمالك , أن يضطر رجل في سنه الى طلب المساعدة من أخيه الأصغر منه ؟ أنني لأتساءل , هل سيتوجب علي البقاء قريبا منكما , في مطلع زواجكما , كي أزوده بالأرشادات تباعا؟".
أسكتتها حقيقة كلامه النصفية , فرفع أحد حاجبيه وتابع متسائلا:
" بأية صفة تحسبينني أنصحه ؟ كطبيب أم كرجل خبير في الحب ؟
لاحظ بأهتمام نظرة الألم التي كست وجهها ,ثم قالت في حدة:
" كطبيب بالطبع".
" أذن تظنين أنني عشت حياة خالية من الشوائب ؟ كيف لك أن تعرفي ذلك؟".
عبست وأشاحت عنه , أنها لا تمتلك بالطبع المعلومات الكفيلة بأيالها الى أي أستنتاجات صحيحة حول ماضيه , بل تعرف فقط , أنها تتأثر بقربه وقوته وشخصيته الطاغية , وتتوق الى حنانه الذي لن تجد له مثيلا في صدر خطيبها في يوم من الأيام.
تلك الليلة عاد اليها الأرق , وكلما تحركت كان الألم يلسع أسفل ظهرها.... كان موراي طلب منها أن تناديه أذا حصل هذا , لكنها ما أستطاعت أن تحمل نفسها على أزعاجه , وفجأة سمعت حركة على الدرج ثم رأت الباب يفتح في بطء فخفق قلبها .
نظر موراي الى عينيها الواسعتين المحدقتين وقال:
" هذا ما حسبته... ..... أن أجدك تصارعين السهاد دون أن تفوهي بكلمة".
تطلعت اليه تتساءل , ففي قتام الغرفة ونصف وجهه في الظلام , بدا غاضبا ومحيرا , هل كان حلما ما رأت تلك الليلة أم أنه كان بالفعل يهتف أسمها ملهوفا؟ الآن وهي تراه يقف بطوله الفارع وعينيه المظللتين وأغرائه ,يبدو لها قادرا على أي شيء.
زارها صباحا وهو يرتدي بدلة رسمية وسألها:
" أما زلت تريدين العودة الى بيتك؟".
فأجابت خجلة:
" نعم , أرجوك".
" ومن سيعتني بك هناك ما دامت أمك تعمل هنا وستبقين بمفردك ؟".
" أمي سوف تهيء لي وجبات الطعام وهذا كل ما أريد...... وأنت وعدت بأخذ فليك في نزهاته".
" آسف , اليوم سأذهب الى البلدة فلدي أجتماع عمل مع زميل لي , لن أتأخر في العودة , وعلى كل حال سيكون الوقت متأخرا بالنسبة الى أنتقالك , وبما أنني الرجل القوي الوحيد في هذا البيت على ما يبدو , فما عليك سوى الأنتظار حتى يسمح لي وقتي بأرجاعك".
خرج مسرعا فهتفت أسمه لترجعه ولتؤخر ذهابه ولو لبضع دقائق وسألته:
" وماذا عن فليك؟".
" السيدة ماسترز وعدت أن تعتني به وهو الآن معها فلا تقلقي , أترين شيئا آخر؟".
هزت رأسها نفيا , فسار الى السرير وقال:
" لا تبتئسي هكذا فأنا لن أهجرك , سأخرج ليوم واحد ولن أخرج من حياتك , بعد....... وجهك يقول أنك سوف تفتقدينني وحتى لو كان هذا صحيحا فلن أهنى نفسي لأنني أعرف أنك ستفتقدين مساعدتي ليس ألا".
هذه المرة خرج وأبتعد فلم تناده لترجعه , لقد رحل مصطحبا معه قوته وحيويته فأحست بجسمها يضعف ويذوي وبأشراقها ينحسر كما الدم من شريان حيوي.

نيو فراولة 17-10-11 09:29 PM

آوى الجميع الى الفراش ونامت أدريان نوما متقطعا أيقظها منه صوت مفتاح يدور في الباب الخارجي , ونظرت الى ساعتها فأذا بها الثانية بعد منتصف اليل .... أين كان موراي؟ هل كان ( زميله)أمرأة ؟ لا يمكنها أن تسأله لأنه لا يحق لها أن تتطفل , عادت الى النوم وأستيقظت في الصباح منتعشة.
دخل الغرفة نشيطا وبعد الأفطار مباشرة , بدا مرتفع المعنويات وقال يستفزها:
" هيا , أسأليني أين كنت مساء أمس......... ألعبي دور زوجة الأخ المستبدة وأشرعي في أستجوابي".
فأشاحت برأسها بعيدا وأجابت:
" لست مهتمة مثقال ذرة بما فعلته ليلة أمس".
جلس على المقعد وتابع قائلا:
" حسن , أن كنت لا تريدين سؤالي , سأتطوع بأعطائك المعلومات المطلوبة , التقيت ديزيه تشارترز في البلدة وبمحض الصدفة".
أدارت أدريان رأسها بسرعة الرصاصة , فقال:
" توقعت أن يثير فيك هذا الخبر رد فعل عنيفا ...... أقترحت ديزيريه .... أن نسهر معا ..... فتعشينا ورقصنا".
فعادت تشيح رأسها لتخفي الغيرة في عينيها , لكنها ما قدرت أن تخفي التورد الفاضح الذي زحف الى وجنتيها , سألته بصوت جامد:
" وهل أستمتعت بالسهرة !".
فأنحنى الى الأمام وأطبق بأصابعه على ذقنها ثم أدار وجهها لينظر في عينيها وأجاب:
" أجل , أستمتعت بالسهرة كثيرا".
رأى التعبير الضائع والحزين الذي فضح أحساسها بالقصور الكلي , فأبتسم راضيا عن نفسه ونهض يقول:
" صحيح , أنت تريدين العودة الى بيتك , هل أخبرت أمك ؟ لا؟ وخطيبك؟ أيضا لا؟ أذن أنت تحملينني كل المسؤوليات؟".
أستطاعت فقط أن تتمتم معتذرة وما قدرت أن تخبره بأنها أمضت النهار بطوله تفكر فيه وعيناها على عقارب الساعة لذا نسيت كل شيء آخر , ثم قالت متباهية :
" نهضت اليوم لبعض الوقت حيث تمشيت في الغرفة بمساعدة العصا".
" أراهن أنك تألمت في أثناء المشي".
" أجل لكنني تحملت الوجع أذ لا يمكنني الأستلقاء على السرير الى ما لا نهاية".
" هيا أرتدي ثيابك , سآخذك الى بيتك بسيارتي".
" وفليك؟ ألن يأتي معنا؟".
" أنه كلب عنيف الحركات ومن الأفضل أن تؤجلي أجتماعك به لحين تستقبلينه جالسة على مقعد وألا سوف تعودين الى نقطة البداية وتستلقين على ظهرك من جديد , سأنقلك أولا ثم ثم أعود لأحمله اليك".
فجلست على السرير وقالت:
" هل لك أن تخبر أمي وكليفورد بأمر ذهابي؟".
" حاضر , سأقوم بمهمة ساعي البريد".
فأبتسمت معتذرة :
" آسفة يا موراي لعجزي عن آداء المهمة بنفسي".
كانت تنتظره بكامل ثيابها عندما رجع , وبدون أن ينطق بكلمة لف جسمها بذراعيه ولما أعترضت على ذلك , قال:
" نزولك السلم سيضر بك وسوف يستغرقك ساعة من الوقت , هيا , لا تخجلي , تمسكي بي وخذي راحتك".
لفت ذراعيها حول عنقه فأبتسم بمكر وقال:
" لا أدري ما هو شعورك لكن حملك يشعرني بالمتعة".
وصل بها السيارة ووضعها على المقعد الخلفي في وضع نصف أستلقائي , ثم طوى بساطا ووضعه كوسادة تحت رأسها , فأعترضت بأن المسافة قصيرة جدا لكنه حذرها قائلا:
" أن أقل هزة قد تبطل كل ما أحدثته أيام الراحة من مفعول".
فتح باب البيت وعاد ليحملها من السيارة , فقالت بضيق أنها تفضل أن تمشي , فماذا سيفكر الجيران؟
فأجاب:
" سيفكرون أنني أحملك فوق العتبة وسيصيبون في هذا التفكير".
فقالت وهي تبتسم له:
"لكن ليس من عادة الأطباء أن يحملوا مرضاهم فوق العتبة ألا أذا كانت لديهم نوايا شريرة".
" كفي عن أثارتي أيتها الشابة , فهذا التصرف ليس من طبعك أضافة الى جهلك بخطورته , تذكري أيضا أنك لست مريضتي وأنا لست طبيبك ,ولذا قد تكون نواياي شريرة بالقدر الذي يروق لي".
أنزلها برفق على مقعد في غرفة الأستقبال فأستلقت الى الوراء وتنهدت وهي تنظر حولها الى الأثاث المألوف الذي أشتاقت اليه وقالت:
" ما أحلى العودة الى البيت".
فعلق موراي وهو يجلس على ذراع المقعد:
" هذا تصريح غريب يصدر عن فتاة مخطوبة , فأنت ستتركين بيتك نهائيا حين تتزوجين أخي".

نيو فراولة 17-10-11 09:31 PM

فسارعت الى تغيير الموضوع بقولها:
" أشعر كما لو كنت مريضة , لكنني لم أكن مريضة , أليس كذلك ؟".
" شعورك ناتج على الأرجح عن الألم الذي كابدته , لا تحسبي أنني لا أعرف مدى العذاب الذي خضته , فما أصاب ظهرك قد يسبب أوجاعا جسيمة مبرحة , ونفسية أيضا بالنسبة الى شخص نشيط مثلك, والآن , أذا أرشدتني الى المطبخ , سأصنع لك فنجان شاي".
فسألته بأستغراب حقيقي:
" وهل تعرف كيف تصنع الشاي؟".
" هذه أهانة! بالطبع أعرف ذلك , فالأطباء العاملون مثلي في مجال البحوث الطبية , لا تتراكض الممرضات الى خدمتهن كما يفعلن مع الأطباء الآخرين....... أنني لسوء الحظ , لا أحتك بهن ألا نادرا ...... والآن أين هو المطبخ؟".
دلته عليه وطفقت تصغي الى قرقعة الأواني وصفير الأبريق عند غليان الماء كما لو كانت تلك أروع الأصوات في الدنيا!
وقال لما رجع حاملا الشاي:
" وجدت صينية أيضا وبعض البسكويت".
وفيما هما يشربان الشاي علّق قائلا:
" منذ مدة ما بدوت متألقة هكذا".
أنزل الفنجان عن فمه وقال:
" هناك جو من الرضى والقناعة يحيط بك , أفلا تشعرين بغياب شيء .......ز أو بالأحرى , بغياب شخص ما؟".
فبدت عليها الحيرة وأجابت :" لا " في صيغة سؤال , فأجابها وعيناه تبرقان ليفهمها أنه تعمد أيقاعها في مصيدة:
" خطيبك , ألا تفتقدين وجوده؟".
فتمتمت بعصبية لأنه خدعها وحملها على أعتراف ضمني بأن وجوده كان كافيا بحد ذاته ليجعلها تنسى كليفورد.
" بالطبع أفتقده, لكنه ما زارنا أبدا في البيت".
فتصنع الشعور بالفضيحة وهتف:
" أما زار بيت خطيبته أبدا؟".
" كيف كان له أن يزورنا , حين كانت أمي نفسها تجهل أمر الخطوبة ولم تدر بها ألا مؤخرا؟ لقد أصر كليفورد منذ البداية على أن نكتم هذا السر , لكنني أضطررت لأخبار أمي في النهاية لأنها حسبت ...... أنك أنت خطيبي".
فضحك وسألها:
" كيف كان رد فعلها حين زففت اليها نبأ الخطوبة؟".
" أنتابتها الصدمة لأنني فعلت شيئا حسبت أنني لن أفعله أبدا........ أقدامي على الخطوبة , ثم أعتراها الحزن حين فكرت بعزلتها بعد زواجي".
أطلق صفيرا خفيفا وقال:
" بكلمات أخرى , لعبت أمك دور الشهيدة".
أومأت برأسها ثم همست:
" كنت أفكر يا موراي بأن أسأل كليفورد أذا كان يوافق على أن تسكن أمي معنا بعد زواجنا".
فوقف وسأل:منتديات ليلاس
" أجادة أنت في ما تقولين؟".
ولما أومأت برأسها هتف غاضبا:
" أتعنين أنك كنت سترضين بحمل عبئهما معا؟ أن خضوعك وتقبلك الأعمى لنصيبك البائس في الحياة يثيران فيّ الجنون!".
سمعا سيارة تتوقف في الخارج فسار موراي الى النافذة وهتف:
"يا للمصيبة , الملك جاء بنفسه!".
أستدار اليها وأردف:
" أنه كليفورد أتي يوصل أمك , هذه زيارة رفيعة المستوى , فأين الأبواق , أين السجادة الحمراء؟".
دخلت لورنا متوثبة وقالت وهي ترفع يديها في أبتهاج:
" أهلا موراي , ما تصورت أن أجدك هنا".
قفز فليك في حضن أدريان وراح يهز ذيله ويشمشم قدمي كليفورد الذي تراجع في قرف ثم حرك قدميه بأتجته الكلب كما لو كان سيشرع في لبطه.
فهتف موراي أسم الكلب بصوت كأزيز الرصاصة فركض فليك ليحتمي به , ثم قذف أخاه بنظرة باترة كفيلة بشق جلده كمبضغ جراح , ألا أنه شخص اليه بنظرة صفراوية شاحبة وكأنه لا يعلم سبب غضب أخيه.
لم تلحظ أدريان هذه اللعبة الجانبية بين الأخوين , فسرورها بالعودة الى محيط بيتها كان يخدر حواسها , ورضاؤها العميق كان يعميها عن التنبه الى التجاذبات الحربية المستبدة بالآخرين.

نيو فراولة 17-10-11 09:33 PM

" كليفورد؟".
غمغمت وهي تدعوه اليها مبتسمة , ثم رفعت ذراعيها عاليا ولما أنحنى قليلا , لفتهما حول عنقه , كانت أول مرة تعبر له فيها عن عواطفها بهذه الأيجابية , وشددت عناقها لتجعله يجاريها بشيء من الدفء كي تثبت لموراي مدى خطأه.
لكن محاولتها حصدت فشلا بائسا , فسقطت ذراعاها بعيدا , وحين أستقام كليفورد في وقفته كان الأرتباك يورد وجهه كمراهق, نظرت أدريان الى موراي متحدية فوجدته يراقبهما لكن وجهه كان خاليا من التعبير فأستمدت عزاء من ذلك ,فهو على الأقل لم يضحك ساخرا منها.
وبالرغم من ذلك صممت على أن لا تبادره أبدا , وأذا لم يتقرب منها من تلقاء نفسه فعليها أن تتعلم ضبط عواطفها بحزم وشدة.
أخذت لورنا تظهر قلقها على أبنتها بنشاط مفتعل فأتت لها بكرسي منخفض لترفع قدميها عليه ثم أعادت ترتيب الوسائد خلف ظهرها , مما أدهش أدريان كثيرا وجعلها تستسلم لأهتمامات أمها , لا ريب أن لورنا تبدو الآن مختلفة تماما عن السابق , فقد غيرت أسلوبها كما الممثلات وصارت تضطلع بدور البطلة بطريقة حماسية قوية الأندفاع ليس بالأمكان تجاهلها.
وتصديقا لهذه الخواطر , ضمت لورنا يديها قبالة ذقنها بحركة مسرحية وسألت بمرح:
" والآن , ماذا تشربان؟ مرطبات؟ قهوة؟".
هز كليفورد رأسه فتابعت السؤال:
" بسكويت لذيذ؟ كعك صنعته بنفسي؟".
أومأ كليفورد مشرق الوجه , ففكرت أدريان بأسى : ( لقد تعلمت أمي بسرعة نقاط الضعف لدى كليفورد...... نظرت الى موراي فرأته يبتسم ........فقالت لها:
" لقد أنتهينا لتونا , أنا وموراي ,من شراب الشاي الذي هيأه بنفسه ".
" هذا لطف كبير منه , لكنني واثقة من أنكما لن تمانعا في شرب قهوتي اللذيذة".
قطبت أدريان مستغربة , متى كانت أمها تصنع قهوة لذيذة ؟ لكن القهوة التي قدمتها لورنا بالكاد كانت قابلة للشرب , والبسكويت الشهي كأنه من معمل حلويات , والكعك البيتي كان قاسيا قليلا........ يبدو أن كليفورد ألتهم حصته بأستحسان ظاهر ,ولمعت عيناه بشيء من العاطفة وهو يلوك أطايب حماته المستقبلية.
أما موراي فقد أعتذر عن تناول الحلوى وجاء يجلس الى جانب أدريان ويهمس لها:
" سيكون من السهل أرضاء كليفورد عندما تتزوجينه , فليس لديه الا شهية واحدة والطعام كفيل بأشباعها , أجل , لن يحتاج الى أفراط في الحب بل الى أفراط في الأكل ! زوديه دائما بأشياء يلتهمها فيصبح من أسعد الرجال........ وتصبحين أنت من أكثر النساء حرمانا على وجه الأرض!".
ثم نهض مبتعدا عنها قبل أن تستجمع شتات ذهنها وتجد جوابا ساحقا لكلامه.
أستأذن موراي في الأنصراف فيما بدا كليفورد غير راغب في التحرك ,وقبل أنصرافه قال لأدريان:
" أنك تحتاجين الى وقت لتعودي الى حالتك الطبيعية , ولذا عليك أن تستعملي العصا لفترة".
فأحتجت لورنا قائلة:
" وهل تعتقد أنني سأسمح لها بالسير هنا وهناك؟ أنها سوف تصعد فورا الى فراشها وأنا أصر على هذا".
" ولكنني أستطيع السير بمساعدة العصا يا أمي".
ثم ألتفتت الى موراي تتوسل قائلة:
" أنني أقدر بالطبع أن أبدأ المحاولة كي أعود الى عافيتي بدل أن أستلقي على الفراش طوال النهار؟".
" بالطبع , أنما ضمن الحدود التي يفرضها الألم , فحالما يشتد عليك كفي فورا عن التحرك , وهكذا يتحسن ظهرك يوما بعد يوم".
فعادت لورنا تعارض:
" أوه ,لكنها لن تذهب الى العمل".

نيو فراولة 17-10-11 09:34 PM


أنطلق التصريح من فمها كما لو كان هواء يهرب من بالون ودونما أرادة منها على الأطلاق , ففضح أفكارها وخوفها من أحتمال أن تخسر العمل الذي أصبحت تحرص عليه ,كذلك فضح شعورها التملكي نحو مخدومها المؤقت , ليس كرجل بل ككاتب روائي شهير , وأجابها موراي في هدوء:
" حين تتعافى كليا , لا أرى ما يمنع عودتها الى العمل".
فتدفق الكلام من لورنا:
" أوه , بالطبع , عندما تصبح مستعدة , لكن ذلك سيستغرق وقتا أليس كذلك؟ كان يجب أن تأخذ رأي الطبيب , ألا توافقني يا كليفورد؟ لم يفت الوقت على أستدعائه.........".
نظرت أدريان الى موراي ثم الى كليفورد الذي كان ينظر الى أخيه ...... ماذا سيقول خطيبها؟ أنه يدرك رغبة موراي في كتمان هوية مهنته مثلما يرغب هو تماما في كتمان أسمه المستعار , فهل يعقل أن يفضح الآن سر موراي؟
وسارعت تقطع الصمت بقولها:
"أنا لا أحتاج الى طبيب , أنه سيقول فقط أن ظهري يتحسن وسيوصيني بالأحتراس في المستقبل , أنني أتحسن بالفعل يا أمي , أنظري بنفسك".
نهضت من المقعد ووقفت بجهد وهي تخفي بأبتسامتها الألم الذي كان ما يزال يهاجم ساقيها كلما أستوت واقفة.
أدرك موراي مدى شجاعتها فرمقها بحنان ممزوج بالأعجاب , وقال لها:
" عظيم! لن يمضي الآن وقت طويل حتى تسرحي مع فليك من جديد بين الحقول".
نطق الكلمات بهدف معين وراح يراقب رد فعل لورنا بأهتمام ..... رآها تتورد وتتوتر ثم تكتفي بالقول:
" نعم , لكنها ليست مستعدة تماما لذلك".
وعند الباب سأل موراي أدريان:
" هل ستبقين هنا م ستصعدين الى غرفتك؟".
فأجابت وهي تحدق في تحد الى أمها:
" سأبقى هنا".
" أذن حين أعود مساء لأنزه الكلب , سوف أحملك الى الطابق العلوي , ألا أذا رغب خطيبك في الحصول على هذه المتعة".
فسعل كليفورد ثم تنحنح وقال:
" لو كانت لدي القوة الكافية لفعلت ذلك حتما".
وتابع يقول للورنا وليس لأخيه:
" لكنك تعلمين أنني لست في كامل عافيتي".
وربت على صدره حيث يقع قلبه تبعا لتقديره , فواسته لورنا قائلة:
" أنت تحمل هم قلبك وأنا أحمل هم صداعي , أننا نشكل في الحقيقة زوجا مرهفا , أليس كذلك ؟ لكن لا تعتقدي يا أدريان أننا تقاعسنا عن العمل بل أنجزنا الكثير منه معا , ألم نفعل يا كليفورد؟".
وافقها المؤلف مبتسما فقال لها موراي بجفاف:
" بعد أن تتزوج أبنتك , يخيل الي يا لورنا أنك ستكونين حماة مثالية ولن يقدر صهرك أن يستغني عنك".
فتتها سخريته فتألقت سرورا.
منتديات ليلاس
جاء موراي في موعده وقبل أن يخرج مع فليك حمل أدريان الى الطابق العلوي , لم يضعها فورا على السرير بل تأمل محياها المشع بفرح لم تستطع أخفاءه كلما كان قريبا منها ,توقعت منه أن يتكلم لكنه لم يفعل, فقالت لتكسر الصمت:
"يبدو أنك لا تفعل شيئا هذه الأيام سوى حملي من مكان الى آخر".
فأبتسم لعينيها وأجاب:
" أنت حمل ثقيل يطوق عنقي , ماذا ستفعلين أذا عصاك النوم وما وجدتني قربك لأناولك حبوبا .........".
" سأضطر آنذاك لتحمل السهاد".
فأنزلها برفق الى الفراش وقال:
" أنت عنيدة كما قلت سابقا , وهذا في مصلحتك , لأن العناد مزية سوف تحتاجينها بوفرة لتتحملي حياتك الزوجية مع أخي".
جلس الى جانبها وتناول يدها اليمنى وراح يشد خاتم الخطوبة وكأنه ينوي نزعه ثم قال:
" الخطوبات قابلة للفسخ يا أدريان , أفعلي ذلك الآن وقبل فوات الوقت".
أبعدت يدها وثبتت الخاتم حول أصبعها وأجابته محتدة:
" أشكر لك نصيحتك المتحاملة أنما أعتذر عن قبولها فكليفورد يحتاجني".
صفق الباب بحدة وهو يخرج من الغرفة.

نيو فراولة 18-10-11 06:10 PM

9- ملجأ في العاصفة



على الرغم من تكهن لورنا المتشائم فقد تحسن ظهر أدريان , أنما مضى أسبوعان قبل أن تتمكن من التمشي في أرجاء البيت , وكانت ما تزال تستعين بالعصا لدى صعود الدرج وهبوطه , كانت تأخذ فليك في نزهات قصيرة على الدرب وتبتهج بتحررها من سجن البيت , لكنها ما كانت تحس رغبة في العودة الى العمل مما أثلج قلب لورنا.
وقررت ذات صباح أن تفاجىء كليفورد , فأخذت فليك وسارت الى بيته , سبقها الكلب الى الباب ففتحه موراي وأنحنى يداعبه ولما رفع رأسه ورآها سألها:
" ماذا تفعلين هنا؟".
فأجابت:
"جئت أثبت صلاحيتي الصحية للعودة الى العمل".
" بشرط ألا تجهدي نفسك , لكن كيف ستطلعين أمك على الخبر؟ فعودتك ستحرمها سلواها الجديدة وتسقطها من جديد في لجج مشكلاتها النفسية , أنك قد لا تجدين وقتا في الأسابيع المقبلة ألا لمداواتها ولمساعدتها على أجتياز أزمتها هذه".
فقالت بلهفة:
" ولكن لا بد من أعلامها أن عاجلا أو آجلا فهي تعمل فقط كبديل , ولا يمكنني التنازل عن وظيفتي من أجل مراعاة مصلحتها النفسية , أتريدني أن أفعل ذلك؟".
غادرت الغرفة وراحت تصعد الدرج ووخزات الألم ترافق خطاها ,فيما أمسك موراي الكلب ووقف يراقب صعودها ..... وحين فتحت باب غرفة كليفورد , أستقبلتها أمها بأبتسامة مفتعلة ودعاها خطيبها الى الدخول بأيماءة مجاملة , كان ما يزال في سريره كالعادة , فتساءلت منزعجة عما أذا كان سيتمسك بهذا الكسل بعد زواجهما.
كانت لورنا تحتل المقعد الوحيد في الغرفة وتضع الآلة الكاتبة على حضنها فيما ترفع أصبعيها في أنتظار العبارة التالية من الأملاء ........جلست أدريان على حافة السرير ملقية يدها على الغطاء , فغطاها كليفورد بيده لبضع ثوان.
قال كليفورد:
" يسرني أن أراك تستريدين عافيتك , هل صرت قادرة على العمل يا عزيزتي؟".
أجابت بتصميم وبشيء من التحدي:
" أجل".
قالت لورنا , ربما لتثبت حقها في الوظيفة التي تسلمتها بالنيابة عن أبنتها التي جاءت الآن تهدد بأسترجاعها:
" أنه ينتظرني دائما كلما أبطأت قليلا في الطباعة .....لقد قمت بعملي بشكل جيد , أليس كذلك يا كليفورد؟".
كانت كطفلة تتوق الى المديح.....وعادت تقول لأبنتها هذه المرة:
" كليفورد يمتدح جهودي , ولذا أنا مستعدة يا أدريان لمتابعة العمل ما دام هو يريد ذلك .... أقصد أذا كنت لا تشعرين فعلا بقدرتك عليه......".
فنظرت أدريان الى خطيبها بأهتمام.......ليس من عادته أن يكيل المديح بأي صيغة أو شكل , لكن تعبير وجهه يثبت أنه كان صادقا في أطنابه ... أن هذا الأنسجام مع حماته العتيدة يثلج قلبها ويعزز أملها بأن يوافق على سكن أمها معهما حين تعرض عليه الفكرة.
في الصباح التالي غادرت البيت الى مقر العمل وفليك يركض في أعقابها فيما وقفت لورنا تحدق اليها عبر النافذة بكدر واضح....... لقد عزفت عن أي كلام وقالت فقط أن هناك صداعا سينتابها.
لم تلمح موراي طوال النهار وحين دخلت المطبخ ظهرا لتأخذ فليك , أخبرتها السيدة ماسترز أن الدكتور ديننغ كان مشغولا بأنجاز عمله كي يتفرغ لأستضافة صديقته الآتية لزيارتهم.
فسألتها أدريان:
" أتعنين سيدة أسمها غريتل ستيل؟".
" نعم , الدكتورة ستيل".
أذن غريتل طبيبة مثله وزميلة .......وصديقة.
كانت في السرير حين جاء موراي ليأخذ الكلب , وعندما أرجعه سمعته يسأل أمها عنها وسمعت لورنا تجيب:
" أنها مجهدة ,أذ ما كان يجب أن تعود الى العمل بهذه السرعة , لقد حذرتها مرارا لمنها لم تقتنع".
فتناهت اليها ضحكة موراي , ثم قوله:
" يا لها من فتاة صغيرة عنيدة! لقد أكتشفت عنادها بنفسي".
غاب صوتهما لفترة فعرفت أنهما دخلا الصالون , ثم سمعت أمها تقول:
" هل تود أن تراها؟".
فحبست أدريان أنفاسها وسمعته يجيب:
"سأراها طالما أنني هنا ....لا عليك , أنا أعرف مكان غرفتها ".
دخل باسما وقال:
" أذن عملت وأجهدت نفسك".
" كلا , أنني أستريح من باب الأحتياط فحسب".
" هذه كذبة مكشوفة , وأنا كنت مصيبا حين أفهمتك أن شفاءك سيستغرق وقتا أطول ".
نظر الى وجهها الشاحب وجس نبضها ثم رفع أحد حاجبيه وقال في غموض:
" تظاهرك لا ينطلي علي , أنت متعبة".
فغيرت الحديث وقالت بعفوية مصطنععة:
" أذن صديقتك السيدة آتية لزيارة قصيرة".
فضحك ثم أبتسم بخبث وقال:
" أوه , غريتل , أنها سيدة وهي أيضا صديقتي , أذن يمكن تسميتها بصديقتي السيدة".

نيو فراولة 18-10-11 06:12 PM

خيم الصمت وهي تنتظر مزيدا من الأفادة , لكنه لم يرد , بل قال أخيرا وهو يسير الى النافذة:
" حدثتني أمك بشيء من التفصيل عن عودة الصداع اليها , فخيل الي أن أحدا قد أخبرها بأنني طبيب ".
فأجابت تنفي التهمة في حرارة:
" ثق أنها لم تعلم ذلك مني أنا".
" حسن , حسن , أنني أصدقك".
" وأنا واثقة من أن كليفورد أيضا لم يخبرها , لأنه أذا فعل فقد تعمد أنت الى فضح سره كي تنتقم منه , أليس كذلك؟".
فعاد الى حيث السرير وقال:
" أتحسبين أنني وكليفورد ما نزال صغيرين لا هم لنا ألا العراك التافه وتبادل الشتائم ؟ لقد كبرنا قليلا في هذه المدة , وعلى الأقل , أنا كبرت".
فردت منفعلة:
" هذه طريقة مبطنة للقول أن كليفورد لم يكبر!".
أجاب مبتسما:
"أجل , هذا ما عنيته".
لم تره بعد ذلك لعدة أيام فحسبته منهمكا في أنجاز عمله قبل وصول غريتل..... تساءلت عن موعد مجيء الضيفة ولم تشأ أن تسأل كليفورد , أذ رجحت أنه لن يعرف الجواب لسباحته الدائمة والعميقة في غيرمه الروائية.
وبمهارة فائقة أستطاعت لورنا أن تولد في أبنتها شعورا بالذنب , حتى بدأت الفتاة تعتقد أنها حرمت أمها بالفعل من ( حقها) في العمل لدى كليفورد , وبالتالي صارت تجهد نفسها في أرضاء لورنا أكثر من أي وقت مضى , كما لو كانت تكفر عن ذنبها وتعتذر عنه , وذلك بالرغم من لسعات الألم التي كانت تنتابها بين الحين والحين وتتطلب من لورنا عناية فائقة بأبنتها وليس العكس.
كانت أدريان قد أبلغت موراي , بواسطة السيدة ماسترز , أنها ستنزه الكلب بنفسها من ذلك اليوم فصاعدا , ويبدو أن الرسالة جرحت شعوره أذ أنقطع عن زيارتها في البيت.
وفي أمسية حارة من أغسطس( آب) كانت تسير على الدرب في أتجاه الطريق العام والكلب يتلكأ كالعادة مشمشما الأرض على مسافة منها , كانت أغصان الأشجار على جانبي الدرب تتشابك كقوس فوق رأسها , وبن الحين والحين يتردد قصف رعد بعيد مع أن أشعة الشمس كانت تتسلل بتفاؤل من بين الفجوات التي تجدها أمامها.
وفي أحدى هذه اللحظات المشمسة , رأت أدريان شكلا مألوفا يقف عند نهاية الدرب فأشتعل قلبها لمرآه , وقد بدا أنه ينتظرها أذ قال لما بلغت مكانه:
" رغبت في التمشي ففكرت في ملاقاتك ....هل زرت الحقول من بعد الحادثة؟ لم تفعلي؟ أذن سنذهب معا , وأذا أجهدك السير سوف أحملك كالعادة!".
أجابته بكبرياء:
" لن أجهد".
فما وسعه ألا أن يضحك .....بلغا الدرب الموصلة الى الحقول لكن فليك تابع سيره على الطريق العام لأعتياده على ذلك في خلال الأسايع الفائتة , فصفر له موراي وأذا به يعود هاجما بلسان متدل وذيل يهتز فرحا لمشروع القفز في الحقول بعد حرمانه منه طويلا.
أبتسمت له وعيناها تتوهجان كدفقة نور ثم سألته بعد قليل:
" لم أرك مؤخرا , فهل كنت مشغولا؟".
" أذن أنت أفتقدتني وقد تساءلت عن ذلك.........نعم , كنت مشغولا ".
شعرت بأن صمته وأحجامه عن الشرح يضعانها بحزم في جهة الحاجز الأخرى .
رمقته بطرف عينها وسألت:
" هل ستعمل أيضا في أثناء وجود غريتل؟".
" لا أظن فهي ستأتي في أجازة , لكن ما غايتك من هذه الأسئلة ؟ أي أعتراف تريدين سحبه مني؟".
قصف الرعد فجأة فيما كانت الغيوم قد تلبدت فوق رأسيهما من دون أن يلحظاها , تلفت موراي حوله وقال:
" من الأفضل أن نبحث عن ملجأ , أذ يبدو أن هناك عاصفة هوجاء تستعد للأنفلات , فلنمض سريعا قبل أن تغرقنا الأمطار".
منتديات ليلاس
صفّر لفليك الذي عاد خائفا وتعيسا تحت قرقعات الرعد.
صعدا الى قطعة أرض مرتفعة فرأيا عبر الحقل بناء قد يصلح كملجأ , أذ كانت له أربعة جدران وسقف وهذا يكفيهما في الوقت الحاضر.
وبدأ المطر يتساقط بقطرات كبيرة فحثها موراي قائلا:
" هيا , أنك بلا معطف وقد تغرقك المياه أن لم نحتم بالملجأ في سرعة ".
بلغاه , وكان بلا باب فأندفعا مع الكلب الى داخله مع تدفق الأمطار , كان المكان فسيحا يتسع للآلآت الزراعية الأربع المخزونة فيه , وكان القش مبعثرا على أرضيته القاسية ولا مكان للجلوس.
أشتد أنهمار المطر وأقتربت العاصفة , فأحاط خصرها بذراعه وسألها :
" أيخيفك الرعد؟".
فهزت رأسها نفيا وقد توردت بفعل الرقة الفائقة في صوته , راح فليك يشمشم الآلآت ويحف مخالبه عليها , وفجأة لمع البرق بوهج شديد فأجفلت أدريان لا أراديا , وحين أحاطها بذراعه الأخرى تطلعت الى محياه فأبتسم لها محاولا بث ثقته فيها.

نيو فراولة 18-10-11 06:14 PM

وببادرة متهورة مررت ذراعيها تحت سترته وأحاطت بهما خصره , لم تكن تعي تماما ما تفعل وكانت تشعر فقط أن الظرف يثير فيها أندفاعا غريبا عن طبيعتها , وأن هناك رغبة غير مألوفة تتحكم فيها وتجعلها تقترب منه قدر أستطاعتها.
وقفا متشابكين في عناق يائس تقريبا , فيما التوتر يمتد بينهما الى حدود غير محتملة .عيناه الجديتان غاصتا في عمق عينيها الملهوفتين المتساؤلتين , فنسيا العاصفة ونسيا كليفورد والخطوبة وكل شيء سوى أنهما رجل وأمرأة متوحدان ووحيدان على جزيرة ظمأى وسط تدفق المطر.
ووصلتها همسته كهبة نسيم من أعالي الشجر :
" ماذا تريدين مني يا أدريان؟".
فهزت رأسها لأنها لم تفهم حتى ما تريده هي , وخبأت وجهها في كتفه وهي تسمع ضربات قلبه تحت أذنها.
ناداها وهزها بلطف وكرر السؤال بهمس رقيق وملحاح , فرفعت رأسها وحاولت الكلام لكن النطق خانها.
قصف الرعد فما سمعته , أنما سمعت موراي يقول وهو يقربها منه أكثر :
" لا تهربي مني يا حلوتي".
كيف تقاومه وهي لا تشعر ألا برغبة العطاء ثم العطاء بلا مقابل؟ ضربات قلبها تملأ أذنيها وقلبها أصبح مركز كينونتها وفي وسط العناصر البدائية الثائرة في الخارج تجد في نفسها أستجابة لهتاف الحب ولعواطفه الفطرية الثائرة في داخلها.
ثم أدركت من خلال غيوم العاصفة التي تلبد ذهنها أن هذه هي لحظة أتخاذ القرار , لحظة الفراق , كما لو كانت هناك خلية تنقسم ما بين حياتها القديمة والجديدة, كان عليها هي أن تقول لا أو تقول نعم.
وعاد يهمس لها ملحا:
" هل ستكونين لي يا حلوتي؟ أخبريني....الآن وبسرعة".
سمعت لهاث كلبها المنتظم وهو يضطجع نائما في الزاوية , وبدا لها القرار المصيري كصفاء الأرض قبل المطر ....فكل ما تربت عليه , وكل قناعاتها الخاصة وكل قواها المنطقية , صوتت لحظتها ضد كلمة ( نعم) و لا و لن تدعه يمتلكها هكذا وبدون كلمة حب واحدة.
لقد سألها ( ماذا تريدين؟) توردت خجلا من مدلول السؤال , كانت ستكون ملكه لو أذعنت , وكان سيأخذها من أخيه الى الأبد , وهو ما أبتغى ألا هذا من خلال همساه وتقرباته!
أدرك موراي جوابها قبل أن تعطيه , فتقلص جسمه وتوحش فمه قبل أن يبتعد عنها , فهمست تتوسل:
" كليفورد يحتاجني ولا يسني أن أتخلى عنه ...زيجب أن تفهم هذا ".
ثم أشتدت نبرات صوتها وهي تتهمه قائلة:
" أعرف لماذا أغريتني , لأنك حقود وتكرهه الى درجة لم تكن لتتورع فيها عن تجريده من كل شيء حتى عن أخذي منه كي لا أنسى ما حييت.... ومهما يكن قد يحصل بيني وبين كليفورد بعد الزواج ... أنك كنت أول رجل يمتلكني .... يا لهذا الأنتصار الذي كنت ستفرح به , يا له من أنتصار دنيء تعيس!".
أنحنى رأسها حتى لامس ركبتيها , فوقف يعلو عليها كما المارد وزمجر قائلا:
" وهكذا أنتصر.....زللمرة الثانية أنتصر كليفورد..... لقد عرف كيف يختار فتاته أليس كذلك؟ الفتاة المخلصة , المطيعة التي تضحي وتعتز بتضحياتها!".
كلماته وقعت عليها كحصى تقذفها يد شرسة بكل قواها... أخذ ينظر اليها من فوق بأزدراء وأحتقار , وقلب الطاولة عليها بقوله:
" أنني لأتساءل , ماذا كنت تحاولين أن تفعلي ؟ أن تتخذي لك حبيبا قبل أن تلبسي خاتم الزواج؟".
" كف عن أهانتي وعن التلميح بأنني رخيصة......".
لم تجبه على سؤاله لأنه ما كان بحاجة فعلية الى جواب , وبدلا من ذلك أتهمته في عنف لم تستطع ضبطه:
" منذ عرفتك وأنت تسعى الى ايقاظي , بقسوة وتعمد , أنا أعرف لماذا! بما انك تعرف كره أخيك لأمور كهذه فقد فعلت ذلك لتضمن ضمانا تاما , شعوري بالحرمان بعد زواجي منه , وهكذا رحت تبين لي الأشياء التي سأفتقدها".
" يا لفطنتك وذكائك! بالطبع سعيت الى ايقاظك- على حد تعبيرك –فبأي طريقة أخرى كنت سأتمكن من أنتشالك من براءتك وسذاجتك الفطرية وجهلك المحزن لمتطلبات الزواج الحقيقي؟".
وتابع يقول بوحشية :
" ولم ألتق في حياتي فتاة أكثر منك لهنفة وأستعدادا لأن توقظ".
أبتسم أحتقارا للغضب الذي أثارته كلماته فيها , وأكمل ساخرا:
"وهل تعتقدين أنك سوف تستغني عن الحب وأنك لن تكوني بحاجة اليه؟ صدقيني يا حلوتي , أنك تمتلكين من العواطف الكامنة ما تعجز الكثيرات عن أمتلاكه وهذا ما تحققت منه بنفسي........ والآن , أخبريني , ماذا ستفعلين بتلك العواطف عندما تتزوجين أخي ؟ دعيني أخبرك أنا , سوف تدفنينها تحت الأرض , ستخبئينها في مخزن ذهنك حتى يأتي يوم تنفجر فيه كقنبلة موقوتة مدمرة , فتنسف عالمك الصغير المتماسك حتى يصبح كدسة من الركام المشوه , لكن قبل أن يحصل ذلك – أتكلم فقط كطبيب- سأريك لمحة مسبقة عما سيكون عليه مستقبلك , سأعطيك خلاصة لما سيحدث بعد مرور سنة أو أقل على حياتك مع أخي".
وقف في فتحة الزريبة فسد بقامته ما بقي من ضوء النهار , وأردف قائلا:
" لا تتوقعي أن أحضر زفافك , سأبذل قصارى جهدي ألا أقترب منك لمدة طويلة من الزمن ".
أولاها ظهره وأخذ يتطلع الى المطر , فقالت بصوت رفيع وغير مألوف:
" لا يمكنك أن تخرج تحت المطر".
ثم أردفت وهي تنشج متوسلة :
" لا يمكنك أن تتركني هنا لوحدي".
" حقا؟".
رفع ياقة سترته ودس يديه في جيوبه ثم خرج الى المطر المتدفق.

نيو فراولة 21-10-11 04:45 PM

10- نزيف الظلال


في الصباح التالي , وفي طريقها الى العمل ,حدثت نفسها بأنها لن تضطر لرؤية موراي لأنه سيتعمد الأبتعاد عنها , لكنها حين غادرت غرفة كليفورد بعد أن أملى عليها صفحات جديدة , ضبطها موراي على الدرج , وناولها مقود فليك بدون أن ينطق بكلمة ........شكرته بشفتين متيبستين , فأحتواها بنظرة باردة مهيتة وقال بصوت فاتر:
" هل وصلت البيت بخير؟".
" نعم , شكرا".
فأومأ برأسه وعاد الى غرفته مغلقا باباب بقوة , فتابعت هبوط الدرج فيما أخذت زخارف السجادة تمتزج وتتماوج تحت دعساتها على كل درجة........ دخلت الكوخ وجلست أمام الآلة الكاتبة تحدق الى مفاتيحها وشفتاها ترتجفان , لا يجب أن تسمح لدموعها بالأنهمار , فأمها سترى آثار البكاء على وجهها , ولن تطيق ما سيلحق ذلك من أستجواب.
وصلت غريتل ستيل في اليوم التالي وسمعت أدريان صوتها قبل أن تراها , كان خافتا لطيفا وضحكتها دافئة كشخصيتها ....... هكذا فكرت أدريان والغيرة تسحقها ........... وفي وقت لاحق ألتقتا صدفة في الردهة فعرفهما موراي الى بعضهما.
كانت غريتل بنية الشعر وجذابة , ذات عينين صريحتين ودودتين , وتصرفات تفيض بسحر عفوي , لقد أحبها موراي في باكورة شبابها , وأكيد أنه ما يزال يحبها لكونه لم يتزوج .... أما الآن وقد عادت حريتها اليها , فمن المؤكد أنهما سيكلالان حبهما يوما بالزواج.
نظرت غريتل الى أدريان متساءلة , وللحظة ألتقت عيناها بعيني موراي فأعطاها الرد بصمت كما لو أنهما تبادلا سؤالا وجوابا لفظيين ......... فقالت أدريان في نفسها " ( أنهما متناغمان , ويفسران أفكار بعضهما كما يفعل المحبون).
وقالت غريتل:
" ها أنا ألتقي أخيرا خطيبة كليفورد , متى موعد الزفاف؟".
ثم ألتفتت الى موراي باسمة وسألته:
" أتظن أننا سندعى اليه؟".
فسارعت أدريان تغطي الصمت المحرج بقولها :
" ليس قريبا يا دكتورة ستيل ......بل بعد بضعة أشهر على الأرجح ".
" ألا تعرفين الموعد؟ كنت أحسب أن الخطيبات لا يحصين الأيام فقط بل الساعات أيضا , هكذا فعلت أنا".
فغمغم موراي بجفاف وهو يقودها بعيدا:
" لم تتعرفي الى كليفورد , أن لقاءه متعة ...... حين يقرر النهوض من الفراش".
فضحكت غريتل وقالتلأدريان من فوق كتفها:
" أرجوك , ناديني غريتل يا عزيزتي وأنا سأناديك أدريان ".
فأبتسمت لها الفتاة شاكرة .
وذات صباح ألتقت بموراي على الدرج بمفرده , تطلعت اليه وعيناهاتناشدانه أن يكلمها كما كان يفعل سابقا , وأن ينظر اليها بدفء وليس بذلك الخواء وكأنه لا يعرفها ..... بادلها تحديقها بنظرة بعيدة منعزلة وعيناه الباردتان كالموت تصدانها من عمق العداء البادي فيهما ....... أرتجفت شفتيها حتى أضطرت للضغط عليها بظاهر يدها لتوقف أرتجافها.
منتديات ليلاس
وقبيل موعد أنصرافها في آخر النهار , قال لها كليفورد وهو يريها بطاقة دعوة:
" أنها من صديقي القديم أوغسطوس تشارلز يدعونا فيها الى أمسيته الأدبية , وكما سترين أنه يوجه دعوة خاصة الى ( سكرتيرته الصغيرة الحلوة) , يبدو أنك أحدثت لديه أنطباعا جيدا".
ففكرت أدريان في أسى : ( هذه عبارة بسيطة بالنسبة الى حقيقة الأنطباع الذي أخذه عني ذلك الرجل).
وتابع خطيبها يقول:
" هناك مقطع في الرسالة لا أفهمه تماما , فهو يدعو ( صديقك أيضا) , فمن يقصد يا ترى ما دام لا يعلم شيئا عن خطوبتنا؟".
شعرت بحرج وشرحت له بقولها أن أوغسطوس كان ألتقاها في مهرجان القرية , ولكونه رآها مع موراي فلا بد أنه أفترض أن موراي خطيبها.
فعبس كليفورد وسألها:
" وهل أفهمه موراي خطأه؟".
فأجابت في أرتباك:
" ليس تماما , أعتقد أن موراي لم يشأ أن يأتمن أوغسطوس على السر , فخطوبتنا لم تعلن رسميا كما تعلم , ولم تعرف وقتها أذا كنت ترغب في أعلانها....... أنها لغاية الآن لا أعرف موقفك".
فأخذ يدها في يده وأجاب:
" أدريان , هل تريديننا أن نعلنها؟ أذا كانت هذه رغبتك يا عزيزتي ........ وأنت على كل حال تلبسين خاتمي".
أومأت برأسها , لا يسعها أن تفعل أي شيء آخر , ومتى شاع الخبر سيرتفع بينها وبين موراي جدار أعلى من الأول ....... أليس هذا ما تبتغيه هي؟ حجر صلب فوق حجر , وسوف يرتفع الجدار حتى يأتي يوم ستعجز فيه عن رؤية موراي تماما....... وحين تعزز الخطوبة بأعلان رسمي فقد تتمكن مع الوقت من نسيانه كليا.

نيو فراولة 21-10-11 04:46 PM

وصلا الحفلة متأخرين , وكانت غرفة الأستقبال المزخرفة التصميم تغص بالمدعوين , ولدى دخول أدريان وكليفورد رفع الضيوف أنظارهم وكأنهم سروا لرؤية شيء جديد , فالملل كان قد خيم كالغبار على وجوه بعض الحاضرين القدامى الذين أدمنوا هذه التجمعات على مر السنين.
سرحت بصرها تبحث بعصبية عن مضيفهما فرأته يتحدث مع أحد الضيوف , أحد الجالسين على الأريكة أفسح لهما مكانا من المفروض أن ينحشرا فيه , فأستطاعا الأنحشار بشكل ما , وبدل أن يضع كليفورد ذراعه حولها ليسهل الأمور فقد شبك يديه ووضعهما بين ركبتيه , معطيا الأنطباع بأنه كان يقلص جسمه قدر المستطاع......
وفكرت أدريان : ( أنه يبدو سخيفا بعض الشيء) , وأستغربت عدم أخلاصها الفجائي له.
ودخل موراي وخلفه غريتل وسرعان ما وجدت عيناه الحادتان مكانهما , لاحظ جلسة أخيه المحشورة وفسرها على ما يبدو كرغبة من كليفورد في األأبتعاد عن أدريان بقدر المستطاع , فأبتسم ساخرا مما جعل أدريان تتورد غضبا.
نهض أحد الضيوف من مقعده الوثير ودعا غريتل بشهامة الى الجلوس عليه فقبلت بأبتسامة مهذبة وجلس موراي فورا على ذراع المقعد .
ثم فتح الباب وران سكوت مترقب أقتحمته ديزيريه تشارلز بدخولها , كان لباسها صاعقا أثار شهيقا عند النساء وصفير أعجاب من جانب الرجال........ كان القماش أسود اللون يلتمع بتخريجات أضيفت اليه في براعة ,وكان الرداء من قطعتين , الجزء الأعلى بلا كمين والثاني تنورة طويلة ضيقة , ويفصل بينهما خصرها المكشوف.
جرفت عيناها البنيتان وجوه المجتمعين وأستوعبتا أعجاب الرجال وعدائية الزوجات الغيورات , ثم ألتقطتا وجه موراي فأخذتا تنهشانه كعصفور ينقد قطعة خبز.
فأنحنى على غريتل وهمس لها شيئا جعلها تضحك وتجيبه بهمسة مماثلة , ثم ألقى ذراعه على كتفيها , وأبتسم بترقب ماكر وهو يراقب ديزيريه تقدم نحوه وجسمها يتمايل بأغراء لتحظى بأعجابه.
لم تقدر أدريان أن تسمع كلمات التعريف, لكن أستنادا الى العبوس الذي قطب حاجبي ديزيه للحظة عابرة , خمنت أن موراي قد عرف غريتل على أنها خطيبته.
لكن ديزيريه لم تبد من النوع الذي يذوي أمام المنافسة بل من النوع الذي يزدهر من خلالها....... فعلى الرغم من أن ذراع موراي قربت غريتل اليه بقدر ما سمح له المقعد , ألا أن ذلك لم يفت في عضد ديزيريه التي تكورت على الأرض عند قدميه لتجيد التحديق اليه بتملق مدروس.
وراقبت أدريان المشهد والغيرة تنهشها ....... أمرأتان رهن أشارته وكلتاهما ترنوان اليه بحب ووله , فحتى غريتل كانت تتأمل وجهه بشغف متفان , فيما بدا موراي متنعما بأعجابهما وعلى فمه أبتسامة معتدّة.
وللحظات قصيرة سمح لبصره أن يستقر على أدريان شامتا , ولما تأكد من مدى غيرتها , أشاح عنها وعاد يركز نظره على المرأتين اللتين كانتا تقدمان له الولاء في صمت.
فأقتلعت أدريان نظرها منهم وأدارته بأهتمام ضار الى اللوحات على الجدران , وفكرت بحسد أن موراي يستمتع حتما بذلك وألا لما كان من البشر......
ثم حجب أوغسطوس عنها رؤية اللوحات التي كانت تدرسها بعين ناقد فني......
وأنحنى صوب أدريان يقول لها بصوت حميم:
" هل تعجبك السهرة يا فتاتي ؟ آسف , لقد نسيت أسمك , لكن لا عليك , فأنت بالنسبة الي دائما( السكرتيرة العصفورة".
أهداها غمزة ذات معنى وأبتسم لكليفورد وعاد يسألها:
" هل أعجبتك لوحاتي؟".
ثم قبض على كتفها وسحبها من الأريكة دافعا أياها بأتجاه الجدار وهو يقول:
"تأمليها عن قرب يا عزيزتي وأعطيني رأيك فيها".
فنظرت الى كليفورد مستنجدة لكن توسلها ذهب سدى , أذ كان يعبس لها متهما , كما لو كانت هي المخطئة , وأستمر أوغسطوس يدفعها من كتفها الى الأمام ولكن أحد الضيوف ناداه فترك أدريان وشأنها.
لم تجد شيئا أفضل تفعله فوقفت أمام أحدى اللوحات تحدق اليها وهي لا تفهم لها رأسا على عقب , أحست بشخص يقف الى جانبها ويلمس يدها فقفزت لظنها أنه أوغسطوس , لكنه كان موراي وكان هو أيضا يتفحص الألوان الفوضوية المحاطة بأطار مزخرف مذهب , لكن ذهنه كان شاردا ........ وغمغم قائلا:
" أبقي الى جانب كليفورد كي لا يفرط في الأكل والشراب".
فغضبت من لهجته الآمرة وأجابت:
" وهل أنا مسؤولة عن كل شيء يفعله؟".
فأستدار ينظر اليها بعينين باردتين متهمتين وقال:
" وكيف لا تكونين مسؤولة وأنت ستصبحين زوجته؟ أعتقد أنه سبب كاف لتهتمي بأمره".
" لكنه لا يصغي الي".

نيو فراولة 21-10-11 04:48 PM

فضاقت عيناه وهو يجيب:
" هذه بداية سيئة لأي زواج , في أي حال , أنا أشك في دقة كلامك وأميل الى الأعتقاد بأنك تتهربين من المسؤولية".
" لا أفهم لماذا أنت قلق الى هذا الحد!".
فأبتسم متهكما وأجابها:
" ما بك تتلوين كطعم حي ؟ لا تخافي, أخبريه أن الأفراط يضر قلبه فيمتثل فورا".
" أخبره ذلك بنفسك , فأنت الطبيب".
أبتعد عنها بعدما رمقها بنظرة مزدرية جعلتها تتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعها , ولاحقته ببصرها وهو يعود الى مكانه قرب غريتل.
ثم شعرت بذراع تلتف حول عنقها وتكاد تخنقها...... وقال لها أوغسطوس بصوت متعثر وقريب من أذنها:
" هل تشاجرت مع صديقك الشاب؟".
فتساءلت عما أذا سمع الحوار اللاسع بينها وبين موراي , أنما أتضح أنه كان يرمي الى شيء آخر أذ أردف يقول مشيرا اليه:
" أقصد أنه يجلس هنا محاطا بالأناث وأنت هنا محاطة بي".
ضحك لنكتته وتابع يقول:
"لكن الخاتم ما يزال حول أصبعك وهذا يعني فقط أنكما تخاصمتما , وكان سيجعل من سكرتيرتي العصفورة أمرأة شريفة".
فدفعها الغضب الى أن تقول بلا تفكير :
ط أنا لست مخطوبة اليه!".
فأبعد عينيه الزائغتين مسافة أصبعين وقال:
" حقا؟ أذن من هو الرجل المحظوظ؟".
فنظرت تلقائيا الى كليفورد وهكذا كشفت اللعبة لأوغسطوس الذي فسر نظرتها بذكاء , فهتف:
" أتقصدينه هو ؟ كليفورد ديننغ؟".
أنفجر ضاحكا فجذب أنتباه كل الحاضرين.
وسرعان ما تألقت عيونهم وكأنها تسأل , هل هذا هو ( الشيء ) الذي كنا ننتظر حدوثه ليعتقنا من الملل ومن رتابة هذه الأمسيات الأدبية المتشابهة في كل أجتماع؟
أعلن أوغسطوس:
" أصغوا اليّ جميعا".
وكان كل واحد منهم قد أرهف أذنيه قبل أن يتكلم ,وتابع يقول:
" هناك شخصان ماكران في وسطنا , هناك خطوبة سرية ......ز فزميلنا القديم المبجل , كليفورد ديننغ , قد أصبح لديه أمرأة!".
كانت كلماته تختلط ببعضها البعض , وكان يرفع ذراع أدريان عاليا كحكم يرفع يد ملاكم بطل , وأنهى أعلانه بقوله:
" سوف يتزوج سكرتيرته العصفورة الصغيرة , صديقنا كليفورد قد خطب!".
لاقى أعلانه تصفيقا حارا مصحوبا بتهان مثقفة..."
برافو أيها الصديق القديم".
........ " تهانينا أيها الزميل العزيز.....".
فتورد وجه كليفورد بلون قرمزي لشدة حرجه , وبدا أنه ينكمش تحت وابل التمنيات الطيبة , ثم وقف بحيرة وعصبية وقال:
" كنت........ كنت على وشك.....".
كان واضحا أنه يجد صعوبة في تجميع أفكاره , وبدا ككلب مزرعة يحاول السيطرة على خراف غبية لا تطيعه ..... وتابع:
"كنت سأعلن خطوبتي رسميا هذا المساء ولكن يبدو أن صديقي العزيز والغالي أوغسطوس قد سبقني الى هذا الأمتياز".
منتديات ليلاس
أبتسم في وهن , فأسترقت أدريان النظر الى موراي وسرعان ما أشاحت عنه أذ كان يبتسم بقسوة وهو يمسك بيد غريتل وكأن حياته محصورة فيها , أما ديزيريه , فقد لاحظت أدريان قبل أن تزيح بصرها أنها تضع يدها على ركبة موراي.
وتابع كليفورد يقول وهو يحدق حوله مرتعبا كما لو أنه رهينة لدى عصابة من المجرمين:
" أن مضيفنا المبجل قد تكرم وناب عني في أعلانها".
ثم أرتمى جالسا على الأريكة وأخذ يجفف جبينه وكأنه ألقى خطابا طويلا.........لكن ورطته لم تنته عند هذا الحد , أذ أن ذراع أوغسطوس القابضة على ظهر أدريان دفعتها بخشونة صوب خطيبها , وقال صاحب الذراع لكليفورد:
" عانقها! أنني أطالب بعناق يمهر هذا الرباط! هيا , أنهض ودعنا نرى مهارتك".
لكن طبيعة كليفورد المنكمشة عجزت عن تلبية طلب الجمهور الذي راح ينتظر لاهثا كقطيع من الكلاب الجائعة.
عندها قرر أوغسطوس أن لا يخيب رجاء الحضور , فدفع أدريان وأجلسها لصق خطيبها وقال:
" عانقيه أنت يا فتاتي".
ألا أنها جلست جامدة كالدمية ومرعوبة مما سيأتي ".
فأرتفع صوت موراي يهيب بأخيه متهمكا:
" هيا يا أخي , أثبت لهم معدنك , أرهم أنك رجل!".
شعر كليفورد بسخرية أخيه اللاسعة وبتحديه له فقبض على أدريان وعانقها.

نيو فراولة 21-10-11 04:49 PM

تململت أدريان ثم سكتت وتحملت العناق بقرف متزايد وما أستطاعت بحال أن تتجاوب معه ..... علت ضحكات الحاضرين وهتافاتهم الحماسية فخيل اليها أنهم يسخرون منهما.......لم تتحمل ذلك فأخذت تفلت نفسها من بين ذراعيه حتى أرخاها , وكان وجهه متوردا بفعل الأجهاد وعيناه تنظران الى موراي بأنتصار!
فتهدلت وهي تحس الحياة تتسرب منها , فهتف بعض الحضور:
" لقد جمدتها أيها الصديق! يا لك من ثعلب!".
ثم خمدت الضحكات وعاد المدعوون الى الثرثرة ........ أدار أحدهم أسطوانة موسيقية وأخلى شخص آخر الأرض من السجاد , وهتف أوغسطوس:
" هذا أحتفال بالخطوبة , فهيا الى الرقص!".
أمتدت السهرة الى ما بعد منتصف الليل بقليل ثم أنتهت فجأة , سبقهما موراي وغريتل في الخروج دون أن يلقي عليها نظرة واحدة , وكأنه قد نسي وجودهما.
كان الجو معتدلا لكن أدريان أرتجفت ففردت معطفها على كتفيها , جلست على المقعد الأمامي الى جوار خطيبها في السيارة , وأغمضت عينيها ........ الحفلة فشلت فشلا ذريعا وأعلان خطوبتهما كان مهزلة! كان كليفورد منعزلا عنها مع أفكاره فلم تكلمه.
ثم أحست السيارة تبطىء ففتحت عينيها وسألت:
" ماذا حدث؟ أننا لم نصل البيت حتما؟".
فغمغم خطيبها مجيبا:
"هناك شخص يلوح لنا بالوقوف , يبدو أنه في مشكلة".
فحدقت أدريان في الظلام عبر زجاج السيارة وألتقط مصباحهما الأماميان شكل رجل يقف في عرض الطريق وهو يفرد ذراعيه وساقيه ليرغمهما على التوقف.
" لا تتوقف ! أنه ذلك الرجل! هيا يا كليفورد , تابع القيادة فورا!".
لكنه أوقف السيارة وسألها في هدوء:
" أي رجل؟ يا عزيزتي . من الواضح أنه شخص يعاني مشكلة ".
ثم أنزل زجاج نافذته وخاطبه قائلا:
" ما الأمر؟".
فهتفت أدريان بصوت أبح:
" تابع القيادة يا كليفورد........ أنه ذلك الرجل ....... الرجل الذي تلصص علي من نافذة الكوخ".
رأته يقطب حائرا فتذكرت أنه لم يعلم بالحادثة , فقالت والكلمات تكاد تخنقها:
" الرجل الذي كان يتسكع لأشهر في القرية... أنه قد يقتلنا يا كليفورد!".
" لا تكوني هستيرية يا عزيزتي".
تقدم الرجل صوب أدريان وكان يحمل في يده شيئا , ولما رفعه تبين لهما أنه قالب قرميد , ثم راح يرجرج قبضة الباب وصرخ في أدريان:
ط أفتحي هذا الباب!".
بدا القلق على كليفورد وقال مغمغما:
" أنه مجنون!".
فردت شاهقة:
" هذا ما قلته لك يا كليفورد.ززز لماذا لم تصغ اليّ؟"؟
" أفتحي الباب وألا حطمت الزجاج".
فصرخت:
" لا! أمض بسرعة يا كليفورد!".
لكن خطيبها كان كالمشلول.
ثم تحطم الزجاج بضربة واحدة , وغطت قطعه المتناثرة جسم أدريان ..... أمتدت يد الرجل عبر الفتحة وقبضت على رسغها , فسقط المعطف من حول كتفيها وأنجذبت ذراعها عبر الزجاج المكسور بعنف شديد جعلها تصرخ , ولما حاولت جذب ذراعها منه أنغرزت حفافي الزجاج في لحمها بعمق فأحست ألما رهيبا يمزق ذراعها وصرخت مجددا , كانت مغطاة بالدم , لكن الرجل لم يكتف بهذا , فقد ممر يده الى داخل السيارة وفتح الباب ثم أخذ يجذبها الى الطريق , فصرخت :
" كليفورد! ساعدني! ساعدني!".
بيد أنه لم يتحرك وسمعته يمس:
"لا أقدر يا عزيزتي ....... أنه قلبي وأخشى أن يقتلني".
أخرجها الرجل وألقاها على حافة الطريق المعشوشبة ثم أحنى رأسه فوقها , فرأت في ضوء السيارة كم كان وجهه شريرا!
وفجأة سمعت زعقة فرامل ثم صرخة وسلسلة من الضربات أنهالت على ظهر الرجل ورأت يدا تشد شعره ثم أرتفع صوت غريب يأمره قائلا:
" أطلق سراح الفتاة".
فتراجعت قبضة الرجل وجر نفسه حتى وقف ثم وجه ضربة هوجاء الى وجه منقذها وأنطلق يركض على الطريق وبعيدا عن القرية.
ساعدها الرجل الثاني على النهوض وقال بسرعة :
" أنت بحاجة الى طبيب يا آنسة فذراعك في حال سيئة".
ثم ساعدها على صعود السيارة ودار حولها الى ناحية كليفورد وقال له:
" يؤسفني أن أسألك يا سيدي , ألم تقدر أن ترى حاجة تلك الفتاة الى المساعدة؟".
فهمس كليفورد مجيبا:
" أعرف , أعرف , لكنني مريض بالقلب فلم أستطع فعل شيء".
بدت الحيرة على وجه الرجل وفرك مؤخرة عنقه , ثم أنفجر وهو يحاول جهده أن لا يكون وقحا:
" حتى لو كنت مريضا يا سيدي , كان من الجائز أن يقتلها!".
فهز كليفورد رأسه عاجزا وكانت عيناه شاخصتين وشفتاه ترتجفان , أما أدريان فقد أبيض وجهها من هول الصدمة , وحاولت بعجز أن توقف النزف من جرحها بمنديلها ,وتساءلت عما أذا كان كليفورد قادرا على متابعة القيادة الى البيت.
وحثه الرجل قائلا:
" خذها الى المستشفى يا سيدي ثم خابر البوليس فذلك الرجل مجرم خطير".
فأبيض وجه كليفورد الى أقصى حد وهتف:
" البوليس ؟ لا , لا بوليس ولا مستشفى , سآخذها الى بيتي فأخي طبيب وسيهتم بأمرها".
ثم أدار محرك السيارة فوعت أدريان أنهما لم يشكر الرجل على مساعدته... غمغمت شكرها في بضع كلمات وشعرت كم كانت ضيئلة بالنسبة الى عونه الكبير , فحاولت مرة ثانية لكنه منعها من ذلك وقال قبل أن يصعد الى سيارته ويمضي:
" ما فعلت شيئا يستحق الشكر يا آنسة , لكن يجب أن تعالجي جرحك بسرعة".



نيو فراولة 21-10-11 04:51 PM

ألتزم كليفورد الصمت وألتحف بأفكاره الخاصة فأغمضت عينيها , وجاهدت لتمنع نفسها من تذكر تفاصيل الحادثة , ألا أن الرعب كان يلاحقها , وفي الأخير , ولتطرد خوفها , سألت خطيبها:
" لماذا لا تأخذني الى المستشفى؟ أنني أفضل الذهاب لئلا أزعج موراي".
" لا , لا يا عزيزتي , أذا أخذتك الى المستشفى سأضطر للدخول معك حيث لن أتحمل الضغط , تعبئة أوراق الدخول والأسئلة والأنتظار..... يجب أن تتذكري حالتي الصحية ".
فتغلبت على ضيقها وقالت في تعب:
" أذن كان يكنك على الأقل أن تخابر البوليس كي تحمي أناسا آخرين , وهذا أضعبف الأيمان".
" البوليس؟ كيف يمكنني ذلك؟ فكري في الدعاية حيث سينكشف أسمي المستعار لا محالة ....... لن أسمح لذلك بأن يحدث ؟؟؟؟؟؟ فكري بالعواقب.....".
أية عواقب؟ ودت لو تسأله ..... هبوط سمعته في أعين أصدقائه وزملائه ؟ حتى لو حدث هذا فهل سيكون مهما الى هذا الحد؟ صدمتها أنانيته ومذهبه المؤمن بذاتيته المطلقة فأخلدت الى الصمت منذهلة.
دخل بالسيارة الى المرآب وتمتم قائلا:
" موراي عاد الى البيت والحمد لله".
ثم ساعدها على الهبوط ودخول البيت.
كانت غريتل في البهو وحالما وقع بصرها على أدريان صرخت تنادي موراي الذي أحس بالألحاح في نبرتها فهبط الدرج في لحظات , ثم شحب لونه وهتف:
" يا ألهي! ماذا حدث؟".
تهاوى كليفورد على مقعد قريب وأخفى رأسه بين يديه فأدركت أدريان أنه لن يرجى منه نفع , وهكذا روت الحادثة لموراي بنفسها وبكلمات متعثرة.
فألقى نظرة على ذراعها ثم رفع حاجبيه الى غريتل.
فأومأت غريتل وسألته:
" مستشفى؟".
لكنه أجابها:
" ليس هناك وقت , نزفت كثيرا لغاية الآن .......سأقوم بالمهمة".
ثم نظر بشيء كالقرف الى أخيه المتهاوي وقال لها:
" سأترك أمر العناية به لك أنت , أعتقد أنه يعاني فقط من الصدمة وأنت تعرفين كيفية علاجها".
منتديات ليلاس
فأومأت غريتل برأسها وقادت كليفورد الى غرفة الأستقبال .
وقال موراي للفتاة بأختصار:
" الى الطابق العلوي يا أدريان".
حاولت أن تصعد الدرج لكنه غرفها بذراعه وحملها الى فوق , فغمغمت وهي تبعد رأسها الى خلف:
" ثوبي مغمس بالدم وقد يلطخ ثيابك".
فلم يجبها وأدخلها غرفته ووضعها على السرير ثم قال:
" من الأفضل أن تنزعي فستانك".
نظرت اليه وعيناها تتسعان وتتوهجان في وجها الشاحب , فقال:
" يا ألهي! هذا ليس وقت الخجل يا فتاة! أنزعي فستانك!".
فعلت ذلك بصعوبة وأجفلت ألما حين حف القماش على جرحها فساعدها على رفعه من حول رأسها وقذفه خارج الباب , ثم قادها الى الحمام حيث طهر الجرح برقة فائقة.
عادا الى الغرفة فجلست على السرير زائغة وراحت تراقبه وهو يفتح حقيبته الطبية , فسألته بصعوبة بسبب شفتيها المتقلصتين بفعل الأرهاق والصدمة:
" هل تحملها معك الى كل مكان؟".
" أجل , فلكوني طبيبا لا يمكنني الأستغناء عنها تحسبا للطوارىء".

نيو فراولة 21-10-11 04:52 PM

وحين شرع يقطب الجرح حذّرها قائلا:
" هذا سوف يؤلمك يا أدريان , فهل يمكنك تحمل الألم؟".
فأومأت وصرت على أسنانها ,لكن هذا الألم الذي توج أحداث الليلة الموجعة فاق قدرتها على الأحتمال , فصرخت وبحثت عن شيء تتمسك به فما وجدت ألا سترته , لكنها خشيت أن يمتعض من ذلك فسحبت يدها ...... فقال لها بخشونة:
" تمسكي بها , أنك لن تضايقينني , لقد أظهرت شجاعة كبيرة".
شجعتها لهجته اللطيفة فتمسكت بسترته ثانية وعضت شفتها , ثم أسندت رأسها على ذراعها الأخرى.
أعاد أغراضه الى الحقيبة وقال:

" أخبريني عن الدور الذي لعبه كليفورد في أنقاذك".
فهزت رأسها وهي تأمل أن تبعده عن الحقيقة وقالت في خور:
" ما كانت هناك حاجة لمساعدته..... جاء رجل آخر.... كان يقود سيارة".
ألا أنه بدا مصمما على سحب الحقيقة منها , فسألها:
" هل تراك تخبريني بطريقة ملتوية أن أخي لم يفعل شيئا بل جلس هناك يراقبك وأنت تتعرضين لأعتداء أو ربما للقتل؟ ما بك تسكتين؟".
فهمست:
" أنه قلبه........ قال أنه قد يتسبب في موته أذا هو حاول صد الرجل".
فنطق شتيمة رهيبة أجفلتها , وقال من بين أسنانه:
" وهل تقصدين القول أنك ما زلت عازمة على الزواج من رجل جبان الى هذا الحد؟".
لم ترد , فهدر قائلا:
" أذن أنت تستحقين كل ما سيحل بك! كل بلية من البلايا التي ستحيق بك بسبب عنادك!".
تجمعت دموعها وأنسكبت على خديها فمدت ذراعيها وهمست:
" موراي , أرجوك يا موراي........".
لكنه لم يتحرك.
نهضت وسارت صوبه تنتحب وتتعثر ......... ومن دون أن تستطيع السيطرة الكاملة على تصرفاتها , دست ذراعيها تحت سترته وأحاطت بهما خصره كما فعلت في تلك الليلة العاصفة , ثم ألصقت خدها بكتفه وكأنها تحاول أنتزاع بعض الحنان من قلبه , ونقل شيء من قوته الى جسمها المرتجف , وأخذت تردد أسمه المرة تلو المرة وهي تبكي.
وقف جامدا لبضع دقائق متحملا ألتصاقها به , ثم وكأنه ما عاد قادرا على التحمل ....... فك يديها المشبوكتين خلف ظهره ووضعهما على السرير بمزيج من الرقة المهنية والخشونة.
كان يرتجف هو الآخر , أنما ليس بدافع عاطفي بل بدافع غضب لاهب أستبد به وجعله يقول:
" لن أسمح لك بأستغلالي بعد اليوم! أن كنت تريدين العطف والراحة والحب فخذيهما منه وليس مني".
تشابكت نظراتهما وتلاحمت , عيناه غاضبتان وعيناها تتعذبان ........ وفي بادرة أستنجاد أخير ويائس فتحت كفيها تتوسل اليه ولما بقي جامدا كالصخر تهاوت على وسادته وسط عاصفة من الدموع.
هدها البكاء والألم والشقاء , وأحتبس النحيب مرارا في حلقها حتى كاد يخنقها , فكان جوابه الوحيد أبتعاده عنها , ثم خرج وتركها وحيدة كما لو أن أستعراضها العاطفي كان يدفعه الى الجنون.

زهرة منسية 23-10-11 12:31 AM

أمانه فراولة لا تتأخرى علينا بأنتظار التكمله عى نار

ندى ندى 25-10-11 06:36 PM

رووووووووووووووووووووعه

نيو فراولة 25-10-11 08:52 PM

11- نهاية بلا بداية


كادت وحشة الهجران تجننها , فأخذت تهمس أسمه بين نشيج وآخر وتغرق وسادته بدموعها ....... وفكرت بينها وبين نفسها , أنه ما كان بحاجة لأن ( يمتلكها ) في تلك الليلة العاصفة , فهي له مدى الحياة...... أجل , فالآن أدركت أنها نضجت , وأنخا تخطّت كليفورد الى حد لا يمكنها فيه أن تفكر بالزواج منه ولا حتى بالخيال.
منتديات ليلاس
وسواء أرادها موراي أم رفضها فهي له الى الأبد , وأي رجل آخر لن يأخذ أبدا مكانته في نفسها وقلبها , والغريب أن هذا الأدراك بدا مسكّنا لثورتها , فخمد بكاؤها وتوقف نشيجها وأستلقت على السرير بأرتخاء .
وعندما عاد موراي كانت ما تزال مستلقية على السرير , ويبدو أنه حسبها نائمة أذ سار الى الباب في هدوء لئلا يوقظها , ألا أنها تحركت وجلست في السرير.
غمغمت وهي تزيح شعرها عن وجهها:
" آسفة , فقد بللت لك وسادتك".
" لا عليك , سأتحملها كما تحملت من قبل وسائد مغمسة بأشياء أسوأ بكثير من الدموع".
كان يقصد بعث الراحة في نفسها ألا أن عبارته زادتها تعاسة أذ ألمحت الى عالم خاص به لا تعرف عنه شيئا.
رحبت بالظلام في خىل عودتهما الى بيتها بسيارته , أدارت رأسها بعيدا عنه وأسندت خدها على جلد المقعد , ثم أرتفعت نصيحته الحاسمة في الظلام:
" عليك أن تلزمي الفراش يوما أو يومين أذ يبدو أن الحادثة سحقتك لأكثر من سبب ......ربما تعلمت الآن درسا وأدركت أن أخي رجل عديم الضمير".
أرتجفت شفتاها لعنفه وظهر الأرتجاف في صوتها وهي تجيب:
" ما كان الأمر هكذا ..... أنك لم تكن لتفهم ملابسات الحادثة ......ذلك الرجل كان مجنونا .......... ظننت ........بالفعل ....... أنني سأموت".
فغطى يدها للحظة بيده وأجاب بصوت أجش:
" حسن , أنني أفهم أكثر بكثير مما تظنين".
فأستدار رأسها كالسهم وسألته في حرارة:
" موراي............ أذن لماذا......".
وكانت ستسأله أذن لماذا تعاملني هكذا؟ ولكن كيف تطرح سؤالا من هذا النوع وهي ترى جانب وجهه المتصلب وكأنه منحوت من الصخر؟ لقد أذلّها الليلة بما فيه الكفاية ولن تعطيه فرصة أخرى لأذلالها أكثر.
ظل صامتا بالرغم من أنها لم تكمل سؤالها ثم قال بعد برهة:
" هل يمكنك أن تواجهي أمك بمفردك؟".
أمها! لقد نسيت وجوب التفسير والتذمرات التي تنتظرها على عتبة البيت , والصدمة التي ستنتاب أمها حين تراها على هذا الشكل , لكنها أجابته بقولها:
"نعم , أشكرك".
حدثت الصدمة التي توقعتها .... والتأوهات ! ثم أنهمرت عليها الأسئلة وكان عليها أن تبذل أقصى جهدها لحماية كليفورد من الأنتقاد الأكيد في حال ذكر الحقيقة.
لكن موراي روى الحقيقة كاملة , وروى بأدق التفاصيل كيف أن أخاه لم يرفع أصبعا لأنقاذ أدريان وكيف ترك رجلا غريبا ينقذها بالنيابة عنه , وأنها لولا ذلك الرجل......
وهنا هتفت لورنا:
" أوه , يا لكليفورد المسكين ! أنه طبعا لم يقدر أن يفعل شيئا بسبب حالته الصحية , أخبره أنني أتفهم وضعه تماما وأسامحه من أعماق قلبي".
كان تصرف أمها المخزي يروعها فنظرت الى موراي مستنجدة ألا أنه كان يجلس على حافة المقعد ويسند رأسه على يديه, كما لو أنه فقد الأمل في بث أحساس بالمسؤولية في هذه المرأة الأنانية التي ستصبح فردا من أفراد عائلته من خلال زواج أبنتها القريب.
وتابعت لورنا في أسترخاء:
" لا شك أن كليفورد قد أبلغ البوليس وسوف ننام بأمان حين يقبضون على الرجل".
فأجابتها أدريان في هدوء:
" كلا يا أمي , أنه لم يبلغ البوليس".
فشحب وجه لورنا وقالت:
" أوه؟ أذن علي أن أفعل ذلك بنفسي لأنني سأظل فريسة للرعب حتى يقبضوا على ذلك الرجل... ذلك الرجل المجنون".
هرعت الى حيث الهاتف في الردهة ونهضت أدريان لتمنعها لكن موراي أشار بيده قائلا:
"دعيها , فلا بد من أخبار البوليس".
أصغيا الى رواية لورنا المشوهة لحادثة الأعتداء على الطريق الريفية المظلمة ثم سمعاها تقول في أستغراب:
" أوه , هل فعل ذلك؟ عظيم! قد يمكنكم الآن أن تجدوا هذا الرجل الرهيب وتعيدوا الينا الأمن والأطمئنان , نعم ,غدا........ سأخبرها... تصبح على خير".
دخلت الغرفة منفعلة وقالت:
" لقد تبلغوا الحادثة من الرجل الذي أنقذك , لكنهم سرّوا بمخابرتي لأنهم ما كانوا يعرفون هوية الشخص المعتدى عليه .......عزيزتي أدريان, سوف يأتون غدا لأخذ أفادتك , ستكونين هنا , أليس كذلك يا حبيبتي؟ لن تقدري على العمل ما دامت ذراعك تؤلمك ولذا سأذهب غدا الى بيت كليفورد لأساعده في عمله".

نيو فراولة 25-10-11 08:54 PM

كانت لورنا مبتهجة لذلك وما حاولت أخفاء فرحها.
تلوّت أدريان حرجا من أستمرار أمها في هذا التصرف المزري أمام موراي , فقالت لها:
"علي أن أنجز بعض الطباعة يا أمي ويجب أن أذهب بنفسي".
فقال موراي محذرا:
"أدريان , لقد أوصيتك ألتزام الفراش يوما أو أثنين".
فأجابته وتصميمها يشجعها على مواجهة نظرته الفولاذية :
" سأنجز تلك الطباعة ولو قتلتني!".
فضم شفتيه وقال بصوت كالفحيح:
" لعمري أنك أعند شيطانة صغيرة عرفتها في حياتي..........".
فقالت في كبرياء:
" أشكرك على أهتمامك , لكن سواء كان هناك ألم أو لم يكن فأنا مصممة على التنفيذ".
" يا ألهي! أليس هناك شيء يجعلك تحيدين عن الطريق متى بدأت السير عليها؟ هل لديك مناعة ضد كل محاولات الأقناع مهما كانت منطقية ومتزنة وصحيحة الأساس؟".
فتدخلت لورنا تقترح في ذكاء:
"لماذا لا تنجزين طباعتك يا عزيزتي , بينما أتلقىّ أنا الأملاء من كليفورد؟ سوف أستعمل الآلة الكاتبة المتنقلة وأضعها على حضني كما فعلت سابقا".
فكفت أدريان عن المقاومة وأجابت:
" لا بأس , أذا كنت مضطرة لذلك".
فأنتبه موراي للتعب في صوتها وقال لها في هدوء:
" والآن , الى الفراش مع شراب ساخن يا أدريان".
فخرجت لورنا وهي تغمغم بأنفعال:
" سأعد لك الحمام , أوه يا عزيزتي , كل ذلك الدم..........".
وافق كليفورد برضا على أن تعود لورنا مساعدة له , وهكذا , وفي اليوم التالي , أستردت مكانها في غرفته فيما كانت أدريان تنجز طباعتها في الكوخ".
جلست لفترة تحدق عبر النافذة وفليك يربض عند قدميها , لم تنم جيدا ليلة أمس , فقد أرغمت نفسها على البقاء مستيقظة , وساعدها ألم ذراعها على ذلك , كي لا تعيش تفاصيل الأعتداء من جديد من خلال أحلامها , وفيما كانت تستلقي في الظلام , أخذت تفكر في الطريقة الأنسب لأبلاغ كليفورد قرارها بفسخ الخطوبة ,وهي لن تعود عن ذلك القرار!
لكنها فكرت أن أعادة الخاتم اليه ستعني أيضا وجوب أستقالتها من عملها الذي يعيلها وأمها.
أذن ليس أمامها الا أن تظل تعمل لديه كخطيبة الى أن تجد حلا للمشكلة......
سمع فليك خطوات تقترب , فجعر بصوت منخفض وقام الى الباب .........هل جاء موراي ؟ لا بد أنه هو ولا أحد سواه......... خفق قلبها لكنها لاحظت أن فليك ما رحب بالقادم مبتهجا , وسرعان ما رأت شخصا غريبا يقف على الباب.
سألها بتهذيب أن كانت تسمح له بالدخول ودخل الكوخ بلا دعوة , ثم ظهرت السيدة ماسترز عند منتصف الدرب وبدت متضايقة لكنها أستدارت وقفلت راجعة وكأنها قامت بالذي قدرت عليه.
أبرز القادم بطاقة وقال:
" أنا أعمل في الصحيفة المحلية , أسمي باكر من جريدة مورننغ ريفيو , وحضرتك....... الآنسة غارون , أدريان غارون؟".
كان قد جلس على المقعد وأخرج دفتره , فأجابته أدريان قائلة:
" نعم , أنا هي , لكنني آسفة جدا أذ لا أرغب في أعطاء أفادة صحفية ".
فلاحظها أرتباكها وأشتمّ قصة وراءه , فقال:
"لا أبغي منك أفادة , وسأكتفي ببعض التفاصيل يا آنسة غارون".
كان يحاول سحب المعلومات بدبلوماسية بارعة وأكد لها تصرفه بأنه لن يتركها ألا بعد حصوله على مبتغاه وتابع يقول:
" هذا الرجل الذي هاجمك كان يرعب أهل القرية منذ فترة طويلة ,ولذا سيرحبون بأن يقرأوا بعض الأخبار عنه كي يتسلوا بها مع وجباتهم الصباحية".
صم ضحك عاليا , وربما ليبعث فيها الأطمئنان , ولما رأى ذراعها المضمّدة سألها:
" هل هو الذي فعل ذلك؟".
وهكذا روت له الحادثة بكلمات مختصرة وأردفت:
" ولحسن حظي , جاء رجل في سيارة وأنقذني منه".
فتوقف الصحفي عن تدوين ملاحظاته وسألها بعفوية مقصودة :
" لم تكوني وحدك في السيارة ؟ كان معك رجل؟ شخص أسمه...... ديننغ , كليفورد ديننغ؟".
فأجابت وقد أوقعها في المصيدة:
" نعم , أنه خطيبي.........".
وأقفلت فمها ........
" ثم؟ قاوم المعتدي بالطبع؟".
رطبت شفتها وقالت:
" أنه ........لم تكن هناك حاجة , فكما أخبرتك , وصل الغريب آنذاك ........ قلب خطيبي ......... أنه ليس كما يجب, وهكذا.........".
فهمت".

نيو فراولة 25-10-11 08:56 PM

ضاقت عيناه وراح يفكر فأدركت أدريان أنه قد عثر على الحقيقة الصاعقة , وأنه جعلها عن طريق الأحتيال , تخبره أن خطيبها لم يحرك ساكنا لأنقاذها ........بل أنها زادت الطين بلّة بمحاولتها الدفاع عن تقصير كليفورد.....وكانت تقرأ أفكار الصحفي – ( قلبه , يل للكذبة ........ أراهن أن الخوف هو الذي أرعب قلبه ........يا لها من قصة مثيرة!).
نهض واقفا ودس الدفتر في جيبه...... شكرها ورفع بصره للحظة الى رفوف الكتب فوق رأسها وقال:
"آه , أنها قصص لديمون , كتابة جيدة , وأنا من المعجبين به".
لكن بصره المدرب على ألتقاط التفاصيل أنتقل بسرعة الى الآلة الكاتبة , وما أن قرأ بضع كلمات حتى أشتم حقيقة أهم وأضخم , فأخرج دفتره مجددا وقال وهو يراجع ملاحظاته:
" هل تقصدين القول أن كليفورد ديننغ هو ديمون دين؟".
فقالت تتوسل:
" أرجوك ...... أنه يحرص على كتمان هذا السر , لا يجب أن تنشره , عدني بأنك لن تفعل......".
فلوّح بالدفتر أمامها وقال:
" أنها الصحافة يا آنسة غارون , حرية الصحافة ....... والحقيقة لا بد أن تظهر يوما كما تعلمين , وسواء ذكرتها أنا في قصتي أم أغفلتها فسوف تظهر بطريقة أخرى".
رفع يده محييا أياها وعيناه تتوهجان ........ كانت في جيبه قصة مثيرة ستنشر حتما على صفحة كاملة بالأضافة الى أسمه في أعلاها , وقد تساعده أيضا على نيل ترقية ........ تركها وراح يعدو بين الأشجار وخرج من الباب الجانبي لشدة لهفته لتقديم القصة الى الجريدة.
تابعت الطباعة بحركات آلية , فيجب أن تنهيها أولا ثم تنصرف الى التفكير.....هل تطلع كليفورد على زيارة الصحفي كيلا يتفاجأ بالخبر صباحا لدى أطلاعه على الجريدة , أو تنتظر ما سيحدث على أمل أن يكون الشاب قد أشفق عليها وكتم سر الأسم المستعار ؟ ومع أنها فضلت الخيار الثاني ألا أنها أحست في أعماقها بأنها يجب أن تخبره فضلا عن أن السيدة ماسترز عرفت بقدوم الرجل لأنها هي التي أدخلته الى البيت.
أكملت الطباعة , ووجدت السيدة ماسترز في المطبخ فشرحت لها القصة بقولها:
" حاولت جهدي أن أصرفه يا عزيزتي لكنه أصر على الدخول , أخبرته أن السيد ديننغ مشغول ولا يستطيع مقابلته , فسألني أذا كانت لديه سكرتيرة , فقلت له نعم لكنها منهمكة بالطباعة عند آخر البستان , فما كان منه ألا أن قصد الكوخ قبل أن أستطيع أيقافه".
" لكنه يعرف أسمي يا سيدة ماسترز".
" أخذه من البوليس يا عزيزتي , لقد أخبرني أنهم في الجريدة يخابرون المخفر كل يوم بحثا عما يستجد من أمور , وكذلك يتصلون بالمستشفى ومركز الأطفائية , هؤلاء الصحفيون يدسون أنوفهم في كل شيء!".
أخبرت كليفورد فأهتو غضبا ووضع الحق على أنفلات لسانها وكأنها أطلعت الصحفي على السر طوعا , ورفض أن يصدق بأن الشاب أكتشف الحقيقة بنفسه عن طريق الأحتيال والذكاء.
عادت أدريان الى البيت وهي ممتنة لخلاصها من أتهاماته النكدة ,وسعيدة لوجود أمها هناك كي تهدء ثائرته.
أحدثت القصة أنفجارا أذهل أهل القرية , وأطل عليهم العنوان التالي يزعق: ( المؤلف الشهير يتفرج فيما خطيبته تتعرض لأعتداء , ثم المضمون , ديمون دين ,مؤلف الروايات البوليسية الجريئة ومبتدع الأبطال البواسل , جلس يراقب من بعيد تعرض سكرتيرته – خطيبته لأعتداء , وترك رجلا غريبا يقاوم المهاجم ويرغمه على الفرار ...... أمر يدعو الى السخرية , قد تقولون , ألا أنه الحقيقة ....... أن كليفورد ديننغ الذي يعيش في عظمة الدعاية الأعلامية , : ( هذا سر , قالت سكرتيرته , وأعطني وعدا بأن لا تنشره) , لكنني ما أعطيتها وعودا من هذا النوع.........
وهكذا مضى الصحفي يرعد ويبرق حتى نهاية القصة.

نيو فراولة 25-10-11 08:57 PM

رن الهاتف فتساءلت , هل تراه كليفورد؟ وركضت أدريان تجيب فأذا هو موراي يسألها بصوته المتعب:
" هل هدفت يا ترى أن يصاب خطيبك بالنوبة القلبية التي كان مقتنعا بأنه سيصاب بها يوما؟ هل كان عليك أن تروي القصة المألوفة بكاملها وتفضحي السر بهذه الحماسة ؟ هل تعرفين أنك حطمت صورته الأدبية نهائيا وأنه سيتنكد بسبب ذلك طوال حياتكما الزوجية؟ أستمعي الى هذا العنوان : ( كاتب بوليسي شهير يستريح ويدع مجرما يعتدي على الفتاة التي يحبها".
" موراي , يجب أن تصدقني! أنا ما أخبرت الرجل ذلك.... أنه صحفي ومدرب على أنتزاع الأسرار بالحيلة , أنك تعلم هذا جيدا".
" حسن , لكن حتى لو صدقتك فالآخرون لن يصدقوك , لقد أضطرتت لتحمل تقريعات أخي العزيز منذ أن فتح الجريدة الملعونة في الصباح".
فقالت بعصبية:
" يجب أن أذهب اليه فورا لأشرح ما حدث , يؤسفني أنك أضطرتت لتحمل كل ذلك.....".
" من المفروض أن تأسفي!".
ولما شرعت تعترض أسكتها قائلا:
" حسن , لم تقصدي أن تفعلي ذلك , أنما أعلمي أن كليفورد لن يصدقك , وأحمد الله أنني وغريتل سنغادر هذا البيت المجنون قريبا ".
وخبط السماعة ثائرا....
منتديات ليلاس
رفض كليفورد أن يراها فصعقت أدريان لأنها لم تتوقع رفضه , حاولت السيدة ماسترز أن تقنعه بطرقها الخاصة ولكن بلا نتيجة , أنه يرفض رؤية الآنسة غارون بأي حال من الأحوال! وقالت لها المرأة تواسيها:
" آسفة جدا يا عزيزتي , لأنني المذنبة الحقيقية , أذ ما كان يجب أن أسمح لذلك الصحفي بالدخول".
فطمأنتها أدريان بقولها:
" لا أنا ولا أنت أستطعنا التغلب عليه لأنه تسلم زمام الأمور".
وصل موراي ورآها تقف كالبائسة أمام غرفة كليفورد وأنسحبت مدبرة المنزل في هدوء , ولما أخبرته أدريان القصة , ضحك عاليا وقال:
" أذن هو حرم عليك الدخول , تصوري هذا العنوان في الجريدة , : ( المؤلف الشهير يحرد ويرفض رؤية حبيبته!) ماذا سيفعل بعد زواجكما أذا أثرت أستياءه؟ هل سيحرم عليك دخول البيت ,هناك لعمري حياة سعيدة في أنتظارك!".
ثم دلف الى غرفته وصفق الباب وراءه.
وراحت تفكر واجمة , ( أخوان أثنان , وكلاهما يسعى الى طردي من حياته( تهدلت بيأس على الدرج ولم تجد أمامها ألا أن تعود الى بيتها وتخبر أمها , فلربما أستطاعت لورنا – بطريقتها الأقناعية المثيرة للجنون – أن تنجح في تأمين مقابلة لها مع ( المؤلف الشهير).
أبتهجت لورنا بآداء هذه الوساطة وقالت:
"سأتملقه حتى يوافق على رؤيتك يا حبيبتي , سوف أخبره أنك محطمة القلب , هل أقول له هذا؟".
وهرولت خارجة قبل أن تأخذ الجواب , فقالت أدريان في نفسها ( هذه بداية النهاية) , لم تعد هناك مشكلة حول فسخ الخطوبة أذ لا يسعها أن تتابع العمل مع رجل يتصرف بهذه الطفولية ....... وبشكل أو آخر عليها أن تجد عملا جديدا ولو أضطرت لشراء دراجة تقلّها الى البلدة يوميا.
لكن فكرت كيف ستعيد اليه الخاتم دون أن تراه شخصيا .؟ الحل الوحيد هو أن تفتح باب غرفته بلا أستئذان ............بدا النهار بلا نهاية , ولم يقطع رتابته سوى مجيء أمها ظهرا حيث تناولت وجبة سريعة وركضت عائدة الى عملها , أنما لم تنس أن تخبر أبنتها نتيجة الوساطة:
" ما يزال يرفض رؤيتك يا عزيزتي , أنه غاضب منك جدا ويقول أنك تحتاجين الى من يعلمك درسا".

نيو فراولة 25-10-11 08:58 PM

ولولا تعاستها الشديدة لضكت أدريانم كما يفعل موراي .......ز يا للعجب! هي وحدها التي تضررت , هي التي كانت الضحية في أعتداء وحشي , ومع ذلك يتصرف كليفورد وكأنها هي المذنبة ....
في الصباح التالي هرعت الى بيت كليفورد قبل أمها , وهناك تركت الكلب مع السيدة ماسترز ثم صعدت الدرج ركضا الى غرفة كليفورد . وقبل أن تخونها شجاعتها أدارت مقبض الباب وذهلت حين وجدت الباب مقفلا.
ونادى كليفورد بنبرة نزقة:
" من هناك؟".
صمتت لأنه أذا عرف بأنها هي فلن يسمح لها بالدخول , نظرت الى باب غرفة موراي الموصد وتساءلت ...... هل سيساعدها أذا أخبرته سبب مجيئها لرؤية كليفورد وطلبت منه المساعدة ؟ سارت بهدوء على السجادة الناعمة ونقرت بابه...... لا جواب....... حاولت مرة أخرى وأيضا لا جواب....
نادته بصوت منخفض فسمعتها السيدة ماسترز ووقفت عند كعب الدرج تقول:
" الدكتور ديننغ ليس هنا يا آنسة غارون , لقد رحل الليلة الماضية".
فذهلت أدريان ...... رحل من دون أن يودعها؟
" و ....... أين غريتل؟".
" السيدة ستيل , ذهبت معه يا عزيزتي , لم يبق ألا السيد كليفورد ".
أذن رحل ولن تراه مرة أخرى , وكيف لها ذلك متى تركت كليفورد كخطيبة وكسكرتيرة ؟
دخلت المطبخ لتأخذ فليك , وقالت تسأل مدبرة المنزل:
" سيدة ماسترز , هل ترك الدكتور ديننغ عنوانه".
" نعم , سأعطيك عنوانه".
جففت المرأة يديها وسحبت ورقة من خلف علب السكر والطحين وأضافت تقول:
" وهنا أيضا رقم هاتفه, لم لا تخابرينه ؟ أنه لن ينزعج يا عزيزتي ما دام الأمر مهما الى هذا الحد".
وجدت أدريان قصاصة ورق في جيبها وقالت:
" سأكتبه عندي لتحتفظي بورقتك".
ما عليها ألا أن ترفع السماعة وتدير القرص , فيكون معها بصوته يحدثها...... ولكن أي عذر ستعطيه وعما سيتحدثان ؟ عن خطوبتها المفسوخة ؟ هل سيشمت بها ويذكّرها بتحذيره ؟ هل سيسر بذلك أم أنه لن يهتم قيد شعرة.
تنهدت أذ أدركت أنها لن تحمل نفسها أبدا على مخابرته , وهكذا لن تعرف أبدا رد فعله......... لقد رحل دون أن قول لها وداعا.

نيو فراولة 25-10-11 09:00 PM

12- الجرح يلتئم

صارت أدريان تتردد على طبيبها لمعالجة ذراعها , كان كليفورد ما يزال يرفض رؤيتها فكفت هي عن المحاولة , أما لورنا فكانت سعيدة بعملها معه ,فيما أضطلعت أدريان بكامل مسؤوليات البيت .
وفكرت في أسى , ربما هذا هو الحل ....... أمها تتحمل مسؤولية الأعالة بينما تبقى هي في البيت وضجرها يزداد يوما بعد يوم , كما كان الحال مع أمها...... أن تبديل الأدوار هذا يبعث على السخرية , فهي تقدر أن تتصور ما سيحل بها أذا أستمرت في هذه الحياة الرهيبة القابلة للأهتراء , ودخلت مرحلة الشيخوخة البعيدة برفقة هذا الضجر الباعث على الجنون ......... نظرت الى خاتم كليفورد حول أصبعها فأحست وهجه يسخر منها.... أقتلعته بسرعة ثم وجدت مغلفا وضعت فيه الخاتم وصمغته وعنونته الى كليفورد .... ستدع أمها تحمله أليه , وبأعادة الخاتم سوف تنتهي الخطوبة ولن تضطر لرؤية كليفورد ثانية.
ولما عادت لورنا الى البيت ظهرا , لم تنزعج أطلاقا من قرار أبنتها وقالت لها ببساطة:
" نعم , سأوصل له الخاتم , كنت أقول دائما أنه كبير جدا بالنسبة اليك , أن موراي يناسبك أكثر".
فهزت أدريان رأسها وأجابت:
" موراي سيتزوج غريتل يا أمي ....كان يحبها منذ سنوات بعيدة ".
فردّت لورنا :
" لكن هذا لا يعني أنه يحبها الآن".
قطبت أدريان والأمل يشتعل فيها للحظة كعود كبريت , ثم خبا الضوء وغيّمت الحقيقة عينيها , وقالت:
" لكنه لم يكلمني قبل ذهابه ولا حتى قال وداعا ....لذا.....".
غاب صوتها فقالت لورنا لترضيها:
" أوه , سيعود...... أشعر ذلك في عظامي".
وبتلك النبوءة الخرافية أنما المشجعة , تركت لورنا البيت وهي تحمل المغلف.
بعد ساعات عادت لورنا وكانت تتألق فرحا..... رفعت يدها اليمنى , وحول بنصرها كان الخاتم الذي قدمه كليفورد الى أدريان , وهتفت لورنا :
" هنئيني يا حبيبتي فأنا سأتزوج...... كليفورد!".
فزعقت أدريان:
" هذا غير معقول يا أمي!".
فبدت لورنا منجرحة الشعور وقالت:
" لكنني سأتزوجه يا حبيبتي , فأنا لا أكبره ألا بثلاث سنوات فقط".
فهتفت أبنتها:
" هل تقصدين أن كليفورد عرض عليك الزواج بالفعل؟".
فجلست لورنا وقالت وهي تتأمل يدها بأعجاب:
" لم يعرضه بكلمات مباشرة".
برودة أمها وصراحتها المتناهية ضيّقت أنفاسها , فأحست كما لو أنها سبّاحة على وشك الغطس ! أنها لا تصدق أن كليفورد قد نقل عواطفه من الأأبنة الى أمها بهذه السهولة والطواعية والأنسجام!
أبتسمت لها لورنا بصراحة طفولية وقالت:
" أنا أقترحت عليه فكرة الزواج .......قلت له أننا سنكون زوجين مثاليين وأنني سوف أوفر له العناية التي يحتاجها , وأننا نتطابق تماما في أمزجتنا وطباعنا".
فكرت أدريان , وقد أذهلها دهاء أمها ....... هل أنخدعت بسذاجتها طوال الوقت؟
وتابعت لورنا تقول وهي لا تكف عن النظر بأعجاب الى الخاتم المتوهج.
" أقتنع في الأخير بأن زواجنا سيكون ترتيبا ممتازا !".
وقالت لورنا كما لو أنها قرأت أفكارها:
" بعد زواجنا سأعيش معه بالطبع , فيما تعيشين يا حبيبتي هنا , أنك لن تتضايقي من بقائك بمفردك , أليس كذلك؟ فليك سيكون معك على كل حال".
نظرت اليها أدريان في تمعّن ..... هل هناك وميض ماكر في عينيها ونوع من النصر المتهلل لأنقلاب الوضع ؟ أذا كانت الومضة هناك فأنها لم تدم أكثر من جزء لحظة.
" كليفورد حمّلني رسالة اليك ....... يقول أنه متأكد من أنك ستتفهمين الوضع ويرغب في رؤيتك , أعتقد أنه يبغي الأعتذار لكونه سيصبح قريبا زوج أمك".
بعد أنتهائها من الغداء في اليوم التالي , وكانت قد تغلبت على صدمة خطوبة أمها , أخذت فليك في نزهة..... شعرت بحاجتها الى هدوء الحقول الخضراء وحريتها ,والى فسحة تتيح لها التنفس والتفكير الصافي في نهج الأحداث الجديد ,ولتقرر الأتجاه الأفضل لمستقبلها.
منتديات ليلاس
لقد صممت أدريان على أن تخابر موراي فور وصولها الى البيت....... وستقول له: ( لقد فسخت خطوبتي الى كليفورد وأمي سوف تتزوجه بدلا مني , وقد حسبت أنك تحب أن تعلم ), ثم ستقفل الخط.....
طرحت معطفها على أحد المقاعد , وقبل أن تفقد تصميمها أدارت قرص الهاتف , وأنتظرت بقلب خافق رد الطرف الآخر ..... تواصل الرنين بلا توقف حتى أنتبهت الى أن الوقت كان عصرا , وأن موراي لن يكون في شقته بل في مكان عمله , ومع ذلك تجاهلت صوت العقل الذي أهاب بها أن تقفل الخط فأنتظرت صابرة حدوث المعجزة , وفي الوقت نفسه عنفت نفسها على غبائها.

نيو فراولة 25-10-11 09:02 PM

لكن المعجزة حدثت ورد شخص في الطرف الآخر ...... وقال صوت أنثوي:
" هنا منزل البروفسور ديننغ , هل يمكنني أن أساعدك؟".
كان صوت غريتل , وكانت تتنفس بصعوبة كما لو أنها كانت تركض , ما توقعت أدريان أن تجدها هنا ولذا أجابت متلعثمة:
" لا , شكرا , الموضوع ليس,............مهما".
لكن غريتل ألحّت بقولها:
"من يتكلم؟ البروفسور خارج المنزل , أنا الدكتورة ستيل , هل تودين أن تبلغيه رسالة؟".
لم تجد أدريان مناصا من أعطائها أسمها , فهي أن تكتمته وأقفلت الخط فلن يهدأ موراي - كطبيب – حتى يكتشف هوية المتكلم , فقد تكون حالى طارئة..... فقالت:
" أدريان غارون تتكلم , أنما الأمر ليس مهما يا دكتورة ستيل وشكرا على أي حال".
أقفلت الخط وهي تحس بالخيبة تثقل مفاصلها كما لو أنها محزومة بالحصى , جرت جسمها الى مقعد وأنطرحت عليه واضعة رأسها بين يديها ..... أذن غريتل في شقته ...... كان يجب أن تتوقع هذا فهي ستتزوجه , أليس كذلك؟
وأعلنت لورنا أنها سوف تعود الى كليفورد فور تناولها الشاي , وأردفت تحثّها :
"تعالي معي يا حبيبتي , فهو يريد رؤيتك ويتوق الى أن يسمعك تقولين أنك قد سامحته وأنك سعيدة بخطوبتنا".
لم تهمها رؤية كليفورد لا حاضرا ولا مستقبلا , فأجابت:
" لا , شكرا يا أمي , أخبريه أنني أتفهم الوضع وأنني سعيدة من أجلكما ".
راحت تحدق في الغروب وتتساءل عن شيء تفعله لتقتل الوقت , ثم رن الهاتف ممزقا الصمت ومتلاعبا بأعصابها , أذ ساورتها فكرة مجنونة بأنه قد يكون موراي يجيبها على مخابرتها.
ثم أقنعت نفسها بأن المخابرة من أمها لتحثها مجددا على مصالحة كليفورد , ولذا رفعت السماعة وذكرت أسمها.
وجاءها صوت موراي البارد يقول بلا مقدمات :
" فهمت من غريتل أنك خابرتني بعد الظهر".
كان المتكلم شخصا غريبا وليس موراي , فلا يعقل أن يكلمها هكذا ........ أربكتها نبراته الجليدية فقالت بعصبية:
" أخبرت الدكتورة ستيل أن الأمر ليس مهما ولذا ما كان هناك داع لأن تزعج نفسك".
فأجابها بعصبية مماثلة:
" لقد أزعجت نفسي وأنتهى الأمر , والآن , وبما أنني كنت كريم النفس الى هذا الحد , فيمكنك على الأقل أن تذكري لي سبب مخابرتك السابقة".
فتساقطت دموعها غصبا عنها وقالت بصوت مخنوق:
" أردت فقط أن أقول أنني ما عدت مخطوبة الى كليفورد وأن أمي ستتزوجه بدلا مني ........ حسبت أنك تود معرفة ذلك".
أقفلت الخط وأطلقت العنان لدموعها ......... لقد تاقت الى سماع صوته , أما الآن وقد سمعت كلماته الباردة , فقد ندمت بمرارة على أندفاعها الى الأتصال به.
رن الهاتف مرة أخرى , فغطّت أذنيها وصعدت الدرج ركضا ثم أنطرحت على السرير , لن تجيب ولو أستمر يطلبها حتى منتصف الليل , لكن الرنين تواصل وتواصل وأوشك أن يفقدها عقلها ......سوف تنزل وترفع السماعة وتصغي ومتى سمعت أسم المتكلم وتأكدت أنه موراي فلن تقول شيئا ثم تترك الخط مفتوحا.
رفعت السماعة الى أذنيها وأصغت:
" أدريان , أدريان هلاّ أجبتني ؟ أدريان , هل أنت هناك؟ أذا رفضت أن تردي أو أذا أقفلت الخط فقسما بالله سوف أخابر البوليس وأطلب منهم الذهاب الى بيتك ليروا ماذا جرى لك ...... والآن , هل تسمعين؟".
فهمست :
" نعم".
" عظيم , أريدك الآن أن تجيبي على الأسئلة التالية : أولا , هل صحيح أنك فسخت خطوبتك الى أخي؟".
فردت بصوت هامس أنه صحيح.
" ثانيا , هل صحيح ما سمعته منك بأن أمك سوف تتزوجه؟".
فهمست ثانية بالأيجاب:
" جاء دور السؤال الأخير , وبعد أن تعطيني الجواب يمكنك أن تقفلي الخط أذا شئت ....... هل تتزوجينني يا أدريان؟".
فتحت فمها لتتكلم لكن النطق خانها .
" أدريان!".
كان بدأ يفقد صبره وعليها أن تقول شيئا , أي شيء:
" لكن ......لكن لماذا؟".
فقال صارخا تقريبا:
" لماذا؟ لماذا يطلب أي رجل من أمرأة أن تتزوجه ؟ لأنه يحبها , لأنه يريدها أكثر من أي أمرأة أخرى في العالم , والآن , هل لك أن تجيبي على السؤال؟".
" ولكن يا موراي.........".

نيو فراولة 25-10-11 09:04 PM

بدت بلهاء حتى في نظر نفسها , ومع ذلك لم يسعها الآ أن تتكلم في غباء ...... وجاءها صوته عميقا أجش :
" بحق الرحمة أجيبي ...... أسمعي .....هل تحبينني ؟".
" بالطبع".
أجابت بوضوح وبلا أدنى تردد , فقال يقلدها وقد كاد يفقد صبره :
" بالطبع! أذن لماذا ترفضين الأجابة على سؤالي؟".
" بالطبع أنا راضية بالزواج منك يا موراي , فأنا ما رغبت أبدا في الزواج من رجل سواك".
فقال لاهثا كرجل في نهاية سباق:
" حسن , لقد أعطيتني الجواب الذي أريد , أما الباقي فلا بد من تأجيله في الوقت الحاضر".
توقف قليلا فبدأت تخاف من الصمت ومن المسافة التي كانت تفصل بينهما , كما لو أنهما في جهتين مضادتين من العالم ....... تمنت لو تكون قربه , تنظر الى وجهه وتحاول أن تحزر أفكاره... وهتفت:
" موراي!".
فأجابها فورا وكأنه أحس خوفها:
" لا عليك يا حبيبتي أنا ما أزال هنا ...... كنت أفكر في بعض الحلول....... هل لك أن تأتي اليّ؟ لو كان لدي وقت لذهبت وجئت بك بالسيارة أنما لسوء الحظ سأكون غدا مشغولا لغاية الظهر , ولكنني سأرتب أموري بحيث أكون حرا بعد الظهر".
" غدا يا موراي ؟ لكن كيف يمكنني.....".
" أجل , غدا يا أدريان , هل تسمعين ؟ أخرجي من حياتك السجينة معهما يا حلوتي ودعيهما يتكفلان بنفسيهما ويجدان طريقهما معا , لقد سهلت عليهما الأمور لمدة طويلة , وعلى أي حال , علينا الآن أن نهتم في الدرجة الأولى ببعضنا البعض ......لن أدعك تعيشي هناك كخادمة مجانية للحظة أخرى".
ثم أعلمها بموعد القطار وأردف:
" أستقلي التاكسي الى البلدة , سأدفع كل التكاليف , ثم خذي القطار , الرحلة تستغرق ثلاث ساعات تقريبا ,وسألاقيك هنا في المحطة , أدريان ....... أوه , يا ألهي! من الظلم أن أتكلم بواسطة الهاتف الى الفتاة التي خطبتها لتوي! أدريان عديني بأن تأتي غدا".
فهمست :
" أعدك بذلك ....... موراي , ماذا أصنع بفليك؟".
" فليك؟ هاتيه معك بالطبع , أنه جزء من العائلة , لا تنسي أنه عرّفنا الى بعضنا".
جلست أدريان في القطار المسافر الى موراي ......كانت مغمضة العينين تميل مع تحرك القاطرة اللطيف وفليك ينام عند قدميها , وبالرغم من وجود بعض الركاب معها ألا أنها بالكاد أحست بهم , فمنذ سألها موراي أن تتزوجه , ما عادت تعيش في عالم الآخرين.
لقد تغلبت بسهولة على أعتراضات أمها العاصفة والدامعة , لدى عودتها من بيت كليفورد في الليلة السابقة , وقد أنتحبت قائلة:
" لا يمكنك أن تتركيني هكذا...... ماذا سأفعل بدونك؟".
فقالت أدريان في نفسها , الأسطوانة المألوفة ذاتها ...... لكنها ما شعرت بذرة ندم , فلن يمض وقت طويل تنتقل لورنا من بيتها لتحكم في بيت كليفورد وفي حياته ,ورحيلها هي قد يجعلهما يبكران في الزواج , وفي ذلك فائدة لكليهما .
وهكذا أجابتها بحزم:
" بل سأذهب يا أمي".

نيو فراولة 25-10-11 09:05 PM

فأضطرت لورنا أن تتقبل الأمر , وحين روضت نفسها أخيرا على الفكرة , بدلت نغمتها وبدأت تتحمس لفكرة زواج أدريان ,وقد قالت لها متباهية:
" بالطبع أن موراي موهوب مثل كليفورد ولكن.......".
فردت أبنتها في هدوء:
" أمي , حان الوقت لأن تعرفي أن موراي دكتور".
" كلا يا عزيزتي , أنه ليس دكتورا حقيقيا و با دكتور في الفلسفة كما أخبرتني".
" هو دكتور في الطب ,وهكذا ترين أنه طبيب ( حقيقي) على حد تعبيرك".
صعقت لورنا , فضغطت على رقبتها وقالت بصوت أجش:
" أذن سوف تتزوجين طبيبا ؟".
ثم طوقت عنق أدريان بذراعيها وهتفت:
" يا للحظ والروعة! بالطبع يجب أن تذهبي اليه غدا! كم هو مفيد ومفرح وجود طبيب في العائلة!".
ولما ودعتها أمام التاكسي قالت لها:
" أعلميني مسبقا بموعد الزفاف كي أبتاع فستانا يليق بالمناسبة".
فوعدتها بأن تفعل.
بدت لها الرحلة بلا نهاية فلم تلحظ تبدل المناظر الريفية ولا أنتبهت للتلال البعيدة أو المصانع المزدهرة لدى مرورهم في المدن الكبيرة , ولا رأت عمران المناطق السكنية على كل قطعة أرض متوفرة للبناء.
خفت سرعة القطار بالتدريج الى أن دخل المحطة الكبيرة ذات القناطر العالية حيث تتردد الأصوات والحركة في أصداء متواصلة.
منتديات ليلاس
هدّأت أدريان من أنفعال فليك الذي بدأ يحوم قلقا حين أحس بتغيير الجو من خلال أيقاع العجلات المتباطىء , وتوقف الفرامل أخيرا , لقد أنتهت الرحلة , وفتح أحد الركاب باب القاطرة فبقيت فيها لوحدها مع الكلب ..... وحين رفعت ذراعيها لتنزل حقائبها عن الرف أخذ فليك يعوي وكأنه يقول: ( أسرعي فقد ذهب الجميع عدانا).
" أدريان؟".
كان موراي واقفا عند الباب وفليك يقفز مجنونا .......... داعبه موراي قليلا ثم قال له:
" لقد تبعت عواءك يا صديقي فشكرا على أرشادك ".
فأستدارت أدريان وألتقت عيونهما ...... ولم يحدث شيء ... أحست برودة في داخلها وحيرة غريبة لم تحسها قبلا..... ماذا فعلت؟ لقد هربت من البيت , أجل هربت, لتلاقي رجلا , رجلا غريبا مألوفا , لكنه غريب تماما.
عبس موراي ثم حمل حقيبتيها , كل واحدة في يد , وقادها خارج القاطرة وهو يسألها في جمود:
" أيمكنك الأنتباه الى فليك؟".
" نعم ,شكرا".
سارا جنبا الى جنب على رصيف المحطة , ثم قال محاولا فتح الحديث :
" آسف لأن المسافة بعيدة ,ولكنك نزلت في آخر الرصيف".
" هل أتيت بسيارتك؟".
" نعم , لكنني أوقفتها على طريق جانبي".
لمس ترددها بالرغم من كلماتها ,وقرر على ما يبدو ألا يلح عليها .وقال:
ط حسن , سنذهب مباشرة ال بيتنا".
" بيتنا؟".
أنه بيته وليس بيتها....... وضع حقيبتيها في صندوق السيارة وقادها خارج البلدة , فأغمضت أدريان عينيها وعادت تعيش اللقاء في أحلامها- طيرانها على الرصيف والى ذراعيه , عناقهما الدافىء , عواء الكلب , الضحك في عيون المارة وهما يحدقان الى بعضهما ولا يستطيعان فكاكا....
ولكنه عرض عليها الزواج ليلة أمس على العاتف ....... أنها لم تسمع ذلك في الحلم؟ لماذا فعل ذلك؟ من باب الشفقة؟
أسترقت النظر الى جانب وجهه فرأته يقطب ثانية..... وقال لها:
" هل ندمت على شيء؟".
فنظرت اليه في حدة وردت:
" كلا".
" أذن ما بك ؟ أما زلت تحنّين الى أخي؟".
فأحست دموعها تتجمع وقالت:
" أوه , دعنا نكمل الطريق الى شقتك".

نيو فراولة 25-10-11 09:08 PM

كانت شقته فسيحة ومؤثثة بذوق , كانت تشمل غرفة أستقبال واسعة مريحة وغرفتي نوم ومطبخا كالذي تحلم به كل ربة بيت...
" تعالي وأجلسي يا أدريان , سآتيك بكوب شراب".
" لا أريد شرابا , شكرا".
فأجاب في هدوء:
" بل ستشربين يا أدريان ولو أضطررت لسكبه في حلقك ".
كان في صوته تحذير ما قدرت أن تتجاهله , وقالت حين تناولت الكوب منه:
" لكنني جائعة:
" لدي بعض البسكويت".
أفرغ رزمة منه على صحن وأخذت قطعة.
أرتمى موراي على المقعد المقابل وقال:
" هل أتعبتك الرحلة؟".
" ليس كثيرا".
وسألت بشفتين متقلصتين:
" أين غريتل؟".
" في عملها".
" لكنها كانت هنا عندما خابرت وكنت أنت خارج البيت".
فتأملها مفكرا وغمغم قائلا:
" أذن هذا ما يعذبك .....صدقي أو لا تصدقي , أن غريتل جاءت وقتها لتأتيني بأوراق مهمة كنت قد نسيتها في البيت , كانت تصعد الدرج حين سمعت رنين الهاتف فعادت تركض اليه قبل أن يقفل المتكلم , أنت , الخط".
فتذكرت أدريان كيف سمعت لهاث غريتل وكأنها كانت تركض ...... نهض موراي من مقعده وسار اليها ...... أخذ يدها فخفق قلبها بين ضلوعها ....لكنه كان ينظر الى الجرح الذي قطبه.....وقال باسما:
" أردت فقط أن أتأمل تطريزي , لقد ألتأم الجرح تماما".
أنزل ذراعها لكنه ظل محتفظا بيدها...... فرطبت شفتيها وهمست :
" موراي , لماذا عرضت عليّ الزواج؟ ألأنك أشفقت عليّ؟".
ندمت على سؤالها حالما نطقته , فقد قذف يدها بعيدا وسقط قلبها معها .... وسألها بدوره:
" ولماذا وافقت أنت على الزواج مني؟ ألأني أفضل من لا شيء؟".
" موراي , كيف تقول ذلك وأنا.......".
فرفع يده فاتحا كفه وكأنه يدعو كفها لملاقاتها....هل تراه يسهل الأمور عليها؟ حدقت في يده ولم تلمسها , وبدلا من ذلك , فعلت ما أوحته لها غريزتها وما فعلته مرتين من قبل , لية العاصفة وليلة ضمّد لها جرحها......مررت ذراعيها تحت سترته وتعلقت به وهي تلصق وجهها بكتفه وتخفي دموعها التي تهدد بأغراق عينيها..... شعرت بقوته وصلابته , ووقف هو جامدا لحظة , كما فعل قبلا ........ثم مد يده وأعتقل يديها المشبوكتين خلف ظهره ورفع رأسها وألصق جبينه بخدها وراح يهمس أسمها كما لو أن كل الكلمات والأسماء الأخرى قد أمحت من الوجود.
بعد ذلك أبعدها قليلا وحدق في عينيها البراقتين , ثم هزها بلطف وقال:
"وتركتني أتساءل أيتها الجنية الصغيرة! ما الذي جعلك تتصرفين كغريبة؟".
" وأنت تصرفت كذلك , كنت باردا الى حد جعلني أتساءل عما أذا كان حديثك الهاتفي مجرد حلم!".
فأخرج من جيبه ورقة مطوية وقال:
" أنظري الى هذه وقولي بعد ذلك أنك ترينها في الحلم! أنها ترخيص بالزواج! سنشتري الخاتم بعد الظهر وغدا نتزوج".
فذهلت وقالت:
" لكن أمي تود حضورالزفاف , وأذا تزوجنا غدا فلن تجد وقتا........".
أجلسها على الأريكة وأحاطها بذراعه كما لو أنه لا يطيق بعادها لحظة..... قال وعلى وجهه أبتسامة عريضة:
" دعينا نتمرن على شجاراتنا الزوجية , وفليك سيكون الحكم".
فأبتسمت له وعيناها تتألقان ........ تنهدت ثم همست وهي تضمه اليها:
" لا يا دكتور , سأفعل كل ما تقوله يا دكتور".
فرفع محياها وغمغم في أذنها:
" أستعدادك هذا هو أثارة خطرة يا حلوتي في ضوء الظروف الراهنة , لكنني سأتسلح بكامل أرادتي وأكبح جماح عواطفي لأربع وعشرين ساعة أخرى".
فنظرت في عينيه وقالت:
" موراي؟ أنك ما أخبرتني مرة أنك تحبني , لقد جعلتني أصرح لك بحبي لكن.....".
فأسكتها بهمسة حميمة ولما عادا ثانية الى الأرض , قال:
" أتريدين أن تعرفي متى وكيف بدأت أحبك؟".
" نعم , أرجوك".
" حسن , منذ ذلك اليوم في مقهى المنتزه .... كنت , كما تعلمين , أشرب الشاي في سلام وأفكر في عملي , عندما رأيت شابة جذابة ذات قوام متناسق تدخل المقهى مع كلبها وتجلس الى طاولة في أقصى المقهى , أستحوذت هذه الشابة على أعجابي , ورحت أبحث عن طريقة تمكنني من التحدث اليها , وعندها ,قام كلبها الشاطر بمهمة التعريف!".
وسألته:
" حين أخبرتك أسمي , هل عرفت من أكون؟".
" بالطبع عرفت , وأدركت أذ ذاك أنني وصلت متأخرا لأنك مخطوبة الى أخي..... فكليفورد كتب يعلمني بخطوبتكما , فقررت أن أقضي معه يوما أو يومين من أجازتي لأفحص خطيبته الجديدة , فأنا ما أستطعت أن أفهم كيف يمكن لفتاة عاقل حتى أن تحلم بالزواج من أخي! كنت مقتنعا بأنها تسعى الى ماله , أنه ميسور الحال , وهكذا قررت أن ألقي عليها نظرة سريعة ثم أكمل أجازتي في الخارج تاركا أياها لمصيرها الذي تستحقه".
" لكنك لم تسافر".

نيو فراولة 25-10-11 09:09 PM

" كلا , لأنني حين رأيت الفتاة المذكورة , لم أقدر أن أقف مكتوف اليدين , يا أعز الناس الي , لقد كنت بريئة وصريحة وصادقة الى حد جعلني أقرر حمايتك من مغبة غبائك , وبأي ثمن , وأعترف بأن تصرفاتي لم تخل من الأنانية , أذ أنني وقعت في حبك بدوري".
فتلوت بين ذراعيه وقالت:
" أذن لهذا السبب كنت تقضي الساعات في محاولة أقناعي بفسخ الخطوبة؟".
فشد ذراعيه حولها وقال:
" كفي عن التلوي يا حلوتي , أنك تشتتتين ذهني!".
ثم أجاب سؤالها:
" لم أفعل ذلك بدافع الحب فقط , ولأنني أعرف طبيعة أخي وخصائصه ظاهرا وباطنا فقد أستطعت التكهن بأن عواقب زواجك منه ستكون- – في عرف الطب- كارثة! وبغض النظر عن رغبتي الخاصة في أن تكوني لي , كان من واجبي كطبيب أن أحذرك , ولكن التحدث معك في ذلك الموضوع كان كمحاولة أقناع النهر بأن يغير مجراه , وهكذا كدت ألقي سلاحي".
ثم وضع خده على شعرها وقال:
" أتذكرين لما تركتك لألتقي غريتل ؟ كانت معنوياتي في أسفل درجاتها أذ كنت مقتنعا بأنني خسرت وأن كليفورد هو المنتصر الأخير".
رفعت يدها ومررتها على شعره فقبض عليها وألصقها بخدها وقال:
" أتذكرين كيف تأخرت كثيرا عن موعد رجوعي؟".
" نعم , وقد ظننت ليلتها أنني لن أراك أبدا".
" ما كنت بعيدة عن الحقيقة أذ كدت لا أعود أبدا".
" ولماذا؟".
" لأنني لم أحتمل أن أرى الفتاة التي أحب تضيع حياتها في سبيل رجل لا يحبها بل يحتاجها فقط لأسباب أنانية محضة, عندها قررت ألا أتخلى عنك من دون أن أناضل لأستردادك , وحتى لو لم أستطع أن أحملك على حبي , فيمكنني على الأقل القيام بمحاولة أخرى لأمنعك من تحطيم حياتك أذا تزوجته".
ثم تخلى عن جديته وقال:
" لكن حين أكتشفت كم أنت عنيدة , وأنني ما أستطعت أحداث شق واحد في درعك....".
" لكنك فعلت ذلك في الأخير".
"متى ؟ بعد حفلة أوغسطوس؟".
" نعم , كانت تلك القشة الأخيرة ولكن عملية الأقناع كانت تدريجية , ففيما كنت تظن طوال الوقت بأنك ما حققت أي أنتصار , كنت في الواقع تقنعني بالتدريج وتضعف مقاومتي , على أي حال , كان حبي لك يزداد في كل مرة , وهكذا كان لا بد من أن تنتصر في النهاية!".
فقال في رقة:
" تلك الليلة , بعد أن قطبت جرحك , هل كنت تحاولين أخباري .........بطريقتك الخاصة أنك تحبينني؟".
" نعم لكنك رفضتني".
"لو تعلمين يا حبيبتي كم كنت وقتها قريبا من التخلي عن تصميمي ومن أخذك بين ذراعي ....... أن رؤيتي لك تبكين , وعجزي عن التخفيف عنك بعد كل الذي عانيته تلك الليلة , كان جحيما صرفا بالنسبة الي".
فسألته وفي صوتها بقايا عذاب :
" لكن لماذا , يا موراي , لم تصارحني بحبك؟".
" لأنني كنت مقتنعا يا حبيبتي بأنك لن تصدقيني أذا صارحتك بحبي....... كنت واثقا من أنك ستتهمينني مجددا بأنني أقول ذلك لأغيظ أخي ولأسرقك منه".
" لكنني كنت مقتنعة بأنك تحب غريتل".
" أحببتها منذ وقت طويل جدا الى حد النسيان تقريبا , لا أعتقد أنها سوف تتزوج ثانية , وحتى أذا فعلت , فلن تتزوج شخصا مثلي".
" ولكن في حفلة أوغسطوس .....".
فقاطعها:
" لقد تعاونت معي وقتها على لجم ديزيريه ونجحت غريتل تماما , والآن , دعينا نبحث أمورا أهم من هذه , لقد حجزت لك غرفة لليلة واحدة في فندق قريب , وهذا المساء ننقل حقائبك اليه , أما الآن , فسنخرج لتناول الطعام ثم نبتاع الخاتم , وفي أقل من أربع وعشرين ساعة سوف يصبح بيتي بيتك وتصبحين زوجتي , حيث سأضطر الى أنجاز عمل مهم جدا".
فهمست وهي تحدق اليه:
" حاضر يا دكتور , أوامرك نافذة يا دكتور ".
فوجه كلامه الى الكلب الذي كان يراقبهما طوال الوقت بلا حراك:
" فليك , ها هي تعود الى العفرتة , أعتقد أنها تحاول أثارتي بالرغم من تحذيري لها".
ثم أخذ وجهها بين يديه , وسألها ناظرا في عينيها المشعتين:
" هل تستفزينني؟".
منتديات ليلاس
أبتسمت فأكتفى بذلك الجواب , وقال وفي صوته نبرة خطر:
" حذار يا فتاتي , أنك تلعبين بالنار , هل تعين ذلك؟".
أومأت برأسها فقال:
" الآن ستحترق أصابعك يا حبيبتي".
وبلباقة متناهية نهض فليك متثائبا في كسل ثم زحف الى المطبخ وتكوّر قريرا في الزاوية.


تمت

ندى ندى 25-10-11 10:05 PM

روووووووووووووووووووووووعه

عطني روحي سيدي 25-10-11 11:09 PM

روايه رائعه جدا أبدعتي غلاي ..

زهرة منسية 25-10-11 11:32 PM

تسلمى على كل جهودك فريال

Rehana 27-10-11 09:22 AM

حبيبتي ,, يعطيك العافية
على مجهودك المميز

http://c.universalscraps.com/files/f.../merci_143.gif

ame09 27-10-11 12:12 PM

:55: شكررررررررررررررررررررررررا

hoob 13-11-11 09:04 PM

روووووووووووووووعه جميله خالص

جودي سامي 08-10-16 10:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hoob (المشاركة 2927855)
روووووووووووووووعه جميله خالص

الروايه غير ظاهره

فرحــــــــــة 17-10-16 01:33 AM

رد: 139 - بيني وبينك خفايا - ليليان بيك - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى
نيو فراولة
قصة مثيرة راااااائعة
كم استمتعت بها وبجمالها
لك منى كل الشكر والتقدير
على روعة اختيارك
دمتى بكل الخير
فيض ودى

نجلاء عبد الوهاب 11-11-22 07:00 PM

رد: 139 - بيني وبينك خفايا - ليليان بيك - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_1 34::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_ 4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134: :8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134:


الساعة الآن 02:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية