منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t161312.html)

نيو فراولة 14-05-11 10:29 PM

159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة

الملخص



يا للنار حين تستيقظ متأخرة في غابات القلب . لورا قاربت الثلاثين فنام قلبها هانئا بالثلوج التي أحاطت به , ولكن الحب كطائر الفينيق ينفض الرماد ويعيد كتابة الايام من جديد .
أطل الطبيب الهولندي رالف فأحست لورا بالجمر يتحرك معلنا مجيء النار.... وتململ الزهر في المستنقعات القديمة .ولكن رالف اخذته الريح صوب شقيقتها الصغرى جويس , فتحطم قلب لورا كأناء من زجاج , فارسها خطف عروسا أخرى ولم يكن أمامها سوى الهروب الى النسيان حيث تغرق نفسها في عملها كممرضة, تساعد الآخرين على تخفيف ألآمهم وهي الغارقة في ألآلام .
منتديات ليلاس
وفي يوم الزفاف تهجر جويس رالف , فتهرع الممرضة لمداواة جراحه وهو الاولى بالمعروف , وهكذا عاشت لورا قريبة من النار.
ومرت الأيام , لكن النار التي أحرقت الماضي وأدفأت الحاضر ....هل تنير ظلام المستقبل؟

نيو فراولة 14-05-11 10:32 PM

1- الزائر


سمعت لورا صوت محرك سيارة تتوقف قرب المنزل , فأستمرت بتقطيع الخبز وتحضير الزبدة لشاي الساعة الخامسة كما هي العادة عند الأنكليز , وهذه المرة لا يقتصر تناول الشاي عليها وعلى أبيها وشقيقتها جويس , بل هم ينتظرون زائرين , ولورا معها الوقت الكافي لأنجاز عملها بينما يستقبل والدها الضيفين وتتم شكليات التحية والترحيب.
بدأت بوضع قطع الخبز على طبق وهي مسرورة لرؤية جدها لأمها بعد غياب غير مألوف , أذ أعتاد المجيء من بلده هولندا الى أنكلترا مرتين في السنة على الأقل لكنه تخلف عن ذلك بعد تقاعده من مهنته الطبية وضعف صحته , ولحسن الحظ أن صديقا له كان آتيا الى أنكلترا وتبرع بأصطحابه بسيارته لأن العجوز لم يعد يقوى على القيادة.
أنهت لورا عملها ونزلت من المطبخ الى غرفة الجلوس , وهناك جلس جدها الدكتور فان دوبيت في أحدى الكنبات الواسعة وشبه المهترئة , هرعت اليه لورا وعانقته بحرارة قائلة بصوتها الناعم:
" كم أنا مسرورة برؤيتك يا جدي! لقد أحضرت لك الشاي فلا بد أنك تعب".
أبتسم العجوز قائلا:
" عزيزتي لورا , أراك لم تتبدلي أبدا وأنا سعيد لرؤيتك بأحس حال , تعالي لأعرفك بصديقي الدكتور رالف فان ميروم".
منتديات ليلاس
نظرت لورا الى صديق جدها الذي يتحدث الى جويس بأهتمام ملحوظ في الطرف الثاني من الغرفة , أقتربت منه بخطى غير واثقة وحيته بعبارات متلعثمة لأنها صعقت بالمشهد , فرالف هو الرجل الذي نسجت مخيلتها صورته كفارس الأحلام المنشود , وها هو الآن يقف أمامها بقامته الفارعة , وعضلاته المفتولة , بشعره الأسود يخالطه شيب خفيف يعكس نضجه وأعوامه الفائقة الثلاثين بوضوح , بعينيه السوداوين يظللهما حاجبان كثيفان يزيدان محياه جدية ووقارا , أنه الرجل الذي تحتاج اليه لا سيما أنها أصبحت في التاسعة والعشرين من العمر ولم تعد تهتم للشبان العاديين الباحثين عن علاقات عابرة.
بذلت لورا مجهودا كبيرا لتحافظ على هدوئها وتتبادل عبارات المجاملة المعهودة مع رالف , الذي بادلها الكلام بكل تهذيب ثم أنصرف الى أكمال محادثته الهامة مع جويس التي لم تتوان عن التدخل بسرعة لتعيد أهتمامه اليها , وأهتمام الرجل بجويس لم يفاجىء لورا كون الشقيقة الصغرى فاتنة الجمال بوجهها الملائكي وعينيها الزرقاوين بصفاء السماء وأبعوامها العشرين التي تجعلها هدف أي رجل ذواق للجمال.
عادت لورا الى المطبخ لتحضر الشاي وهي تستعيد صور الطفولة في ذاكرتها , فجويس كانت محور أهتمام العائلة منذ ولدت , فكانت الطفلة اللعوب المدللة والتي لا يرد لها طلب , وعندما كبرت صارت محط أنظار معارف العائلة والأصدقاء , كل هذا لم يولد في نفس لورا شعورا بالغيرة والحسد , فهي فتاة رزينة وتكن لأختها كل محبة , لكن الطبيعة لم تنصفها , فهي لا تتمتع بجمال جويس , ومظهرها عادي جدا بشعرها البنب الفاتح ,وملامحها الخالية من الجاذبية , اللهم ألا أذا سجل لها حسن عينيها العسليتين المحاطتين برموش طويلة , ومع ذلك هي تعلم أنهما خاسرتان سلفا أية مقارنة محتملة بزرقة عيني جويس.
كان من الطبيعي جدا أن يسعد ربّا العائلة لكون الله منّ عليهما بأبنة كجويس , ولورا طالما شاركت والديها الشعور عينيه , وهي حاولت , بعد موت الوالدة , أن تكون لجويس أما وشقيقة , ولكن جويس , منذ بلوغها الثانية عشرة , أفهمت لورا أنها ليست بحاجة لحمايتها أو لرفقتها , وبعث رحيل لورا الى لندن لتتخصص في التمريض أرتياحا في نفس الأختين معا , والآن غدت لقاءاتهما مقتصرة على أيام العطلة التي تجيء فيها لورا من لندن , وجل ما تفعله في المنزل أراحة جويس من عبء القيام بالوظائف المنزلية لتتمكن من الذهاب حيث ومتى تشاء مع أصدقائها الكثيرين.
عادت لورا بصينية الشاي الى غرفة الجلوس وفوجئت لتبرع الدكتور رالف بحملها , كما لاحظت أنزعاج جويس من أفلات الرجل من شركها , وهو أنزعاج في غير محله أذ أن الرجل يحاول أظهار اللطف واللياقة بدون أن يجول في خاطره أكثر من ذلك...
والدليل على ذلك الأبتسامة الفاترة التي قابل بها لورا.
منتديات ليلاس
جلس الجميع يحتسون الشاي ويتبادلون الأحاديث في مواضيع مختلفة , وهذا لم يمنع لورا من الملاحظة أن جويس أسرت الدكتور رالف بفتنتها , والفتاة خبيرة حقا بفن أدارة الرؤوس... ولم تستطع لورا كتم شعور الغيرة لعدم قدرتها على جذب الرجال كما تفعل شقيقتها الآن.
لم تشارك لورا كثيرا في الأحاديث بل أهتمت بصب الشاي وتقديم قطع الحلوى والخبز والزبدة , ثم جلست الى جانب والدها تنصت اليه بهدوء يناقش تفاصيل مقال نشره مؤخرا في أحدى الصحف الأنكليزية , ومن وقت الى آخر , رمت الطبيب الهولندي وشقيقتها الجالسين في زاوية على أنفراد والغارقين في حديث طويل وحميم على ما يبدو , بنظرات فضولية .... وتساءلت الى أي مدى وصل الأنسجام بين الزاءر الوسيم والشقيقة الطروب , والحق أنهما يشكلان ثنائيا رائعا , جويس , التي علت وجنتيها حمرة وردية من الأثارة نجحت حتى الآن في أيقاع الطبيب في حبائلها , أزاء هذا الأعجاب المتبادل , سلمت لورا بالأمر وأدركت أن لا أمل لها برالف, لا شك في أنه الرجل الذي يجسد أحلامها , لكنه لا يعقل أن يكترث لها , وبوجود جويس يصبح هذا الأحتمال ضئيلا الى حد الأستحالة.

نيو فراولة 14-05-11 10:33 PM

شرعت لورا بجمع الفناجين بخفة حتى لا تزعج المتحادثين وهي تتمنى لو أنها لم تر لهذا الرجل وجها , فها هو الآن يتدخل ليزعزع أركان حياتها الرتيبة والمقنعة في آن , ولكن يدخلها من باب جويس الفاتنة , عادت الممرضة البائسة الى ملاذها الوحيد , المطبخ , حيث أطعمت الهرة سوكي وبدأت تحضير طعام العشاء , مفترضة أن والدها سيدعو رالف الى مائدته.
وضعت الحساء , الذي أعدته في الصباح على نار خفيفة والحساء وجبة أساسية تلائم طقس نيسان البارد ليلا , ثم بدأت بأعداد فطائر محشوة بجبن شهي أشترته بعد الظهر عندما قامت بجولة تسوّق , وأخيرا أعدت سلطة خضار متنوعة من الخس والخيار والبندورة , كما رتبت وعاء الفاكهة ليختم بها العشاء المرتقب.
ألقت لورا نظرة أخيرة على غرفة الطعام ذات الأثاث المتواضع الذي أفقدته السنوات الكثير من رونقه , لكن حسها الجمالي جعلها تعرف كيف ترتب الغرفة بشكل تبدو معه دافئة على بساطة كبيرة , والنار الخفيفة التي أوقدتها في المدفأة لعبت الدور الرئيسي في ذلك , بعدما أطمأنت الى توافر أسباب الراحة للضيف المهم , صعدت الى غرفتها لترتب هندامها قبل تقديم العصير للجميع.
تقع غرفة لورا في الجهة الخلفية من المنزل , وهي غرفة مربعة يدخلها الهواء والشمس بسهولة , مفروشة بأثاث أبيض , جلست الفتاة على الكرسي تنظر في المرآة العريضة الموضوعة مع طاولة قرب السرير , وهي لا تنوي أبدا تصفيف شعرها أو تزيين وجهها , وجل ما فعلته أنها نظرت الى ملامحها بعين ناقدة , ليست لورا قبيحة ولكنها ليست جميلة أيضا , شعرها البني الحريري المنسدل الى وسط ظهرها تفسد حسنه الطريقة العادية التي تصففه بها , فهي ترفعه وتعقده عاليا لضرورات العمل في المستشفى , أما العينان فلا بأس بهما على الأطلاق وأن كانتا خاليتين من أي سحر أو جاذبية , الفم والأنف عاديان جدا كأنهما على الحياد لا يقدمان ولا يؤخران , وبالأجمال , وجهها المقبول وقامتها المتوسطة الطول وثيابها الخالية من أي قوة أيحائية , لا تجعل الجنس الآخر يلتفت اليها كثيرا....
كل هذا لا يمنع أنها فتاة ذكية وممرضة ماهرة مسؤولة عن أحد أجنحة مستشفى ( المحبة) الكبير في لندن , أضافة الى ذلك هي ممتازة في أدارة شؤون المنزل وفنون الطبخ , كما أنها تحسن الأعتناء بالأطفال ومحبوبة من جميع أصدقائها على قلتهم, ومن جهة أخرى لورا أنسانة حادة الطباع عندما تثور ثائرتها , وهو أمر لا يحصل غالبا ولكنه أذا حصل يجعلها عنيدة الى درجة لا توصف , توصلت لورا منذ زمن بعيد الى أتفاق مع نفسها على قبول الحياةكما هي حتى ولو جاءت مخيبة لآمالها وطموحاتها , فهي لم تتذمر يوما من حالتها وتظهر دوما الأقتناع والرضى.
وبصورة لاشعورية شرعت تكلم صورتها المنعكسة في المرآة:
" لحسن الحظ أنك تعودين الى المستشفى قبل أن تبدأ الأفكار البلهاء تدور في رأسك الصغير يا فتاتي! هناك بين الأوراق , بين تأوهات المرضى وقلق المنتظرين تنسين كل شيء....
هزت رأسها بحزن وكأنها تجيب نفسها ثم رتبت شعرها قليلا وعادت الى غرفة الجلوس , هناك بادرت جويس الى القول:
" الدكتور رالف قبل دعوتنا لقضاء الليل هنا ليتوجه في الغد الى لندن , وهكذا بأمكانه نقل لورا معه الى عملها".
قالت جويس ذلك واثقة من أن طلبها سيلبى لأنها لم تجابه بعكس رغباتها يوما , وبالفعل أومأ الطبيب بالموافقة أكراما لعينيها...
أتاحت الجلسة المسائية الى مائدة العشاء الفرصة للورا كي تراقب رالف بدقة , تصرفاته رقيقة ومهذبة تعبر عن قوة شخصية وسحر كبيرين , وهو محدث بارع من دون أن يحتكر الكلام , يتحاشى التحدث عن نفسه , يصغي بأنتباه الى كلام الآخرين , ويجيد أطلاق النكات الحلوة في الوقت المناسب , وبالرغم من ذلك لم يستطع الكف عن رمق جويس بنظرات الأعجاب , ومنحها الأبتسامات , الساحرة القادرة على جعل قلب أي فتاة يرتعد أثارة وأرتباكا.
أنتهى العشاء وبدأت مهمة لورا بجمع الصحون وتنظيف غرفة الطعام فأنبرى رالف فجأة مقترحا:
" أسمحي لي بتقديم يد العون".
لما همّت لورا بالأجابة تدخلت جويس بكل مكر متوجّهة اليها :
" أتعبناك كثيرا اليوم يا حبيبتي , دعيني أقوم بغسل الصحون هذه المرة ورالف سيساعدني ". نظرت اليه ضاحكة وأردفت:
" ما رأيك بذلك؟ أراهن أنك لا تقوم بهذه المهمة أبدا في البيت".
بادلها رالف الضحكة قائلا:
" في الحقيقة لا خبرة لي بمثل هذه الأمور , لكنني لن أجد فرصة أجمل من هذه لا تعلم ". أضاف متوجها الى لورا :
" بذلك نتيح لك فرصة التحدث الى جدك".
أرغمت لورا نفسها على الأبتسام زاعمة أنها لم تكن تنتظر سوى ذلك , وصعدت لتحضير غرفة الضيوف حيث سيقضي رالف ليلته.

نيو فراولة 14-05-11 10:34 PM

لم يكن المنزل كبيرا جدا , لكنه واسع نسبيا بممشاه الطويل في الطابق الثاني والمليء بالنوافذ , والغرفة التي سينام فيها الضيف صغيرة تشرف على مراع رحبة غيداء , وقفت لورا تتأملها مغمورة بضوء القمر الحالم , قبل أن تغلق الستائر وتنصرف الى ترتيب السرير , بعد ذلك أنتقلت الى غرفتها لتحزم حقائبها حتى لا يدهمها الوقت في الصباح , خاصة أن كثرة المشاغل لم تمكنها من الجلوس مع جدها ما يكفي , ومع ذلك فهي تستطيع المجيء آخر الأسبوع المقبل , أذ لديها عطلة بعد ظهر الجمعة وطوال السبت , كما أن البيت لا يبعد سوى ثلاثين ميلا عن لندن حيث المستشفى الذي تعمل فيه , وهكذا ستأتي لرؤية جدها من جديد وتلاقيها جويس بالسيارة الى محطة القطار في شلمزفورد القريبة , وألا طلبت من العجوز بانيس أيصالها بسيارته أو بالأحرى رفيقة حياته الوفية , مقابل قروش قليلة.
عادت الى الطابق الأرضي حيث جلس الكهل , والدها , والعجوز , جدها , يناقشان أمورا طبية مختلفة بغياب جويس ورالف , أحضرت الصوف وجلست تكمل حياكة كنزة بدأت العمل عليها في الصباح.
مرت ساعاتان كاملتان قبل أن يدخل رالف وجويس الى غرفة الجلوس , وأقتربت الأخيرة من لورا موضحة كأن شيئا ما يثقل ضميرها:
" أرجو المعذرة على الغياب الطويل , لكن سحر نور القمر ر يفوت , فأغتنمنا الفرصة وقمنا بنزهة صغيرة".
نظر اليها والدها بحنان وقال:
" لا ضرورة للأعتذار يا حبيبتي , فجدك وأنا غرقنا في أحاديثمتشعبة , في حين أن لورا كانت مشغولة بصوفها".
علقت لورا على ذلك ببرود:
" الصوف مسل فعلا ويساهم في تمضية الوقت بسرعة ".
ضحكت جويس وقالت:
" أخالك عانسا عندما تتكلمين بهذه الطريقة يا لورا , وأنت ما زلت تحتفظين ببعض الشباب".
ضحك الجميع بمشاركة لورا التي تعلم في قرارة نفسها أن شقيقتها سيئة النية في مزاحها المزعوم وأنها قصدت أهانتها ليس ألا , وقصدت كذلك توجيه هذه الأهانة أمام رالف لأعلامه بطرق لورت أبواب الثلاثين , وهو في أي حال لاحظ ذلك دونما حاجة الى معونة جويس , والموجع في الأمر أن جويس تعتبر أختها غير جديرة بأثارة أهتمام الرجال وهي تتمتع بذلك بتشف.
منتديات ليلاس
بعد تناول الجميع الفطور في الصباح أنطلق رالف بسيارته الفخمة وبصحبته لورا متوجهين الى لندن , غرقت الفتاة في مقعد السيارة الوثير علها تعوض شيئا من الراحة التي لم تعرفها بعد أن أمضت ليلة من الأرق , لكنها خشيت من أن يقود رالف سيارته بسرعة وهي لم تكن تتوقع أنه يهوى قيادة مثل هذه السيارات التي تشد عادة الشباب المتهورين , أخطأت لورا في خشيتها لأن رالف سائق ماهر , يقود بسرعة وحذر , فشعرت بالأرتياح ونسيت قلقها متمتعة بالرحلة الحلوة , وظلت صامتة كونها لاحظت عدم رغبته بالكلام , ولم يتبدد الصمت ألا في منتصف الطريق لما سألها رالف فجأة :
" قالت لي جويس أنها تركت عملها مؤخرا , أهي تنوي أن تصبح ممرضة مثلك؟".
لم تستطع جويس الأستقرار في وظيفة واحدة ,وهي أستطاعت دوما أيجاد الحجة المناسبة لتركها العمل : الجو لا يعجبها , المؤسسة لا تعمل كما يجب , المركز لا يرضي طموحاتي , الأجر ضئيل......
لكن لورا الوفية لا ترضى بفضح مساوىء شقيقتها فأكتفت بالقول:
" رقة جويس لا تسمح لها بخوض غمار مهنة التمريض القاسية , فهي لا تتحمل رؤية المرض والتعامل مع آلام الآخرين , والحقيقة أن فتاة في عمرها لا تستطيع أيجاد طريق المستقبل بسهولة , لكنني أعتقد أن شقيقتي ستلازم البيت...".
" لكنك لم تلازمي البيت".
" لم أفعل لأن مهنة التمريض كانت هدفي منذ الطفولة".
لم تخبره لورا بأنها أرادت أن تصبح طبيبة لولا أن معظم مال العائلة ذهب على تعليم جويس في أرقى المدارس , الأمر الذي حرمها دخول كلية الطب , وأستطاعت لورا بتصميمها التغلب على الخيبة , وها هي الآن سعيدة بما تفل , مقتنعة بصواب أختيارها , أنما ينقصها أمر واحد: رجل يبادبها الحب ويشاطرها رحلة الحياة , ورالف هو هذا الرجل وأن يكن لا يبادلها الشعور عينه , حتى لا تقول لا يكترث بوجودها البتة , وبينما هي غارقة في أفكارها أنتشلها من الشرود فجأة:
" لا بد أن جمال جويس الخارق يجذب الكثير من الأصدقاء".
" صحيح ولكنها لا تملك واحدا معينا".
فوجئت لورا بسؤاله:
" وأنت؟".
فأجابت بأقتضاب قبل أن تغير الموضوع:
" أنا كذلك, أتنوي البقاء طويلا في أنكلترا؟".
دخلت السيارة ضواحي لندن فخفف رالف من سرعته بعض الشيء , ثم تنهد كأنه يحسب الأيام وأجاب:
" سأبقى حوالي الأسبوع , علي الذهاب الى برمنغهام بعد بضعة أيام وبعدها الى أدنبرة , آمل أن أراك ثانية قبل العودة الى هولندا".
" ألن تصطحب جدي؟".
" بالطبع".

نيو فراولة 14-05-11 10:35 PM

عندها أقترحت لورا بكل حزم:
" هذا يعني أنك ستزورنا من جديد , خاصة أن والدي وجويس... سيسران كثيرا بذلك , أرجوك لا تنتظر دعوة رسمية لتزورنا".
" سأرى ما أذا كان بأمكاني تمضية الليل عندكم وأنا في طريقي الى برمنغهام , وربما أستطعت بذلك أن أقلك الى البيت لأن رحلتي توافق يوم الجمعة أو السبت على أبعد تقدير".
ترددت لورا قبل أن ترفض فقلبها يحثها على القبول في حين أن عقلها يدفعها الى الأحجام , قالت بكل ما تملك من موهبة تمثيلية:
" خسارة! لقد وعدت أحدى الممرضات بالحلول مكانها في نهاية الأسبوع ووعد الحر دين , شكرا على الدعوة اللطيفة".
عليها أن تتذكر , بعد تلفيق هذه الأكذوبة , أعلام بات أيمري مساعدتها في أدارة الجناح , بمنحها عطلة نهاية الأسبوع وخلق عذر ما كي تبقى في الوظيفة بدلا منها.
نظرت لورا الى ساعتها وأقترحت:
" ما زال الوقت باكرا , فهلا أنزلتني في سترانفورد بروداوي حيث أستقل الباص الى المستشفى".
" لا حاجة لذلك فأنا ذاهب الى مستشفى المحبة لأقابل الدكتور بيرنيت".
ولورا أيضا ستقابل الدكتور بيرنيت فهو رئيس قسم الجراحة في المستشفى وطبيب ماهر ومعروف.
" حسنا , وهل تعرف الطريق الى المستشفى؟".
برهن رالف على حسن ألمامه بالطرقات بولوجه طريقا مختصرة تتغلغل بين الأزقة متحاشيا المرور على الطريق الرئيسية حيث الأزدحام الخانق في السير:
" هل زرت جدك يوما في هولندا يا لورا؟".
"لا ولكنني أتمنى السفر الى هناك , أعتاد جدي المجيء الينا , فهو وأبي صديقان حميمان , عندما يجلسان للتحدث في المواضيع الطبية يغدو من الصعوبة بمكان أيقافهما.......".
سكتت لورا فجأة أذ شاهدا أزدحاما شديدا أمامهما وسمعا أصوات المكابح تضغط بشدة لتحاشى الأصطدام بشيء ما , ثم سمعا أنين كلب جريح لم يتمكنا من رؤيته ألا بعد أنعطاف السيارة أمامهما الى اليمين , فأمرت لورا:
" أوقف السيارة!".
حلت الفتاة حزام الأمان وفتحت الباب مسرعة لنجدة الحيوان المسكين , تبعها الدكتور رالف قائلا:
" مهلك يا لورا, سألقي نظرة عليه".
لكن الففتاة كانت أبعد ما تكون عن الهدوء والتمهل أذ صاحت:
" لا تتركه مرميا على الطريق! يقودون سياراتهم كالمجانين , غير آبهين بالعواقب..".
وصل رالف الى الكلب وتفحصه قليلا ثم حمله الى السيارة رغم أصوات المارة المحذرة من عضة تكون مكافأة له على أهتمامه , لكن المخلوق التعيس مصاب لدرجة تعجزه عن عض أحد فهو يكاد لا يتنفس , نزعت لورا المشلح عن كتفيها وفرشته على ركبتيها حيث وضع رالف الكلب الجريح.
قال الطبيب الشاب:
" دهسته سيارة وكسرت قائمتيه الخلفيتين , أتظنين أننا نساطيع معالجته في مستشفاكم؟".
رمقته لورا بنظرة أكبار وأجابت:
" المسؤولة عن قسم الطوارىء صديقتي وسنتدبر الأمر بطريقة ما". داعبت الحيوان المتألم بنعومة وأضافت:
" أتستطيع الأسراع فلا بد أن المسكين يشعر بآلام فظيعة , آه لو أعرف من صدمه".
تكلمت لورا بأنفعال وغضب جعلا رالف ينظر اليها بأندهاش , لكنه بقي صامتا وقاد بأقصى سرعة ممكنة حتى وصلا الى المستشفى وولجاه من مدخل قسم الطوارىء , بقيت لورا في السيارة بينما توجه رالف الى الداخل وعاد مصطحبا الممرضة المسؤولة سيلفيا ماثيوز التي بادرت الى القول:
" أهلا يا لورا , ما قصة الحالة المستعجلة التي أخبرني عنها الدكتور رالف؟". نظرت سيلفيا الى الكلب وأردفت:
" يبدو أن القضية مستعجلة , هل أستدعي أحد الأطباء أو تتولى الأمر بنفسك دكتور رالف؟".
" سأتدبر الأمر بنفسي ولكنني بحاجة لأحد كي يحقن الكلب بالبنج , فهل أنت حرة الآن؟".
" في الوقت الحاضر نعم , سنضع الكلب التعيس في غرفة شاغرة , ولكن حذار من أن يرانا أحد".
طمأن رالف مخاوف الممرضو ماثيوز قائلا:
" أنا مساعد لتحمل المسؤولية وتلقي لوم أدارة المستشفى ". نظر الى لورا متابعا:
" حاولي الخروج وأنت تحملين الكلب تخفيفا للوجع".
نفذت لورا أمره ودخل الثلاثة قسم الطوارىء الى الغرفة التي تدبرتها الممرضو ماثيوز , وتوجهت الأخيرة لأحضار المعدات اللازمة وعادت بعد قليل وبصحبتها طبيبي أختصاصي في البنج , توقف هذا الأخير لما ولج الغرفة محدقا في مريضه بتعجب وهز رأسه قائلا:
" آسف يا لورا, ولكنني لا أستطيع..... ". قم لمح رالف وأعتذر:
" آسف يا سيدي , ألست زميل الدكتور بيرنيت الهولندي ؟ أعلمتنا أدارة المستشفى بمجيئك".
نزع رالف معطفع معلقا :
" رائع , هلا حضرت المريض للعملية , وأرجو أن تحقنه بما يخدره طويلا حتى نستطيع معالجته بشكل جيد ".
أبتسم رالف بمودة وتابع:
" لم تعرفني بنفسك".
" جيريمي كلارك , أعمل مع الدكتور بيرنيت منذ ستة أشهر , سأحضر المخدر والحقنة"
حمل رالف الكلب ووضعه على الطاولة , فنهضت لورا وحضرت نفسها للمساعدة كما لو كان الأمر يتعلق بمريض عادي , لما نظر الطبيب الهولندي اليها أوضحت:
" أستطيع البقاء معكم حتى الحادية عشرة موعد بدء نوبتي ,وسيلفيا ستبقى خارج الغرفة لتتولى أبعاد أي متطفل ثرثار".
وافقت سيلفيا على ذلك مضيفة:
" ستكون القهوة جاهزة في مكتبي بعد الأنتهاء".
وخرجت ملوحة بيدها وناظرة الى لورا نظرة تواطؤ وتفهم.

نيو فراولة 14-05-11 10:37 PM

فوجىء الدكتور رالف كون الكلب مصابا بكسور طفيفة في قائمتيه فحسب , فسوى الأمر بسرعة ووضعهما في الجص قبل أن ينصرف للبحث عن جروح وكدمات أخرى , بعد دقائق طويلة من العمل الجاد رفع عينيه الى لورا والدكتور كلارك قائلا:
" لا شيء سوى الرضوض البسيطة , ماذا سنفعل بالكلب الآن؟".
هنا أقترح كلارك:
" ما رأيك بوضعه في مأوى خاص بالحيوانات؟".
وأنفجرت لورا غاضبة:
" لا! لا بد أن له مالكا يبحث عنه , سنبلغ الشرطة ونضع الأعلانات في الصحف حتى يطالب به أحد , وفي هذا الوقت سأبقيه في غرفتي..".
قاطعها رالف:
" أشك في أن يكون له مالك نظرا الى هزاله والى عدم وجود طوق حول عنقه , سأبقيه معي مؤقتا يا لورا".
أضاء الأرتياح وجه لورا وقالت:
" فكرة عظيمة , ولكن أين ستضعه وأنت دائم التنقل؟ فحالته لا تسمح بأبقائه في السيارة".
" لا تخافي سأضعه عند صديق يستضيفني هنا في لندن , وهو يحب الكلاب كثيرا وسيؤمن له الرعاية اللازمة حتى أتدبر أمره نهائيا".
لم تقتنع لورا بأقوال الطبيب فسألت:
" ما مصيره عندما يحين موعد عودتك الى هولندا؟".
أجاب رالف وهو يغسل يديه:
" سآخذه معي فيشكل رفيقا مسليا لكلب الصيد الهرم الذي أملكه".
تنهدت لورا مسرورة وعلقت :
" نعم الأمر! ماذا سنفعل به الآن؟".
" أحضري لي سلة أو علبة لأضعه فيها وأحمله الى السيارة ريثما أنهي عملي مع الدكتور بيرنيت ".
أستوضح كلارك:
" ألن تلقي محاضرة اليوم يا دكتور فان ميروم؟".
" بالطبع ولكنني لن أطيل عليكم الكلام حتى لا تستسلموا للنوم".
أرتدى رالف معطفه بينما لورا تضع في صندوق خشبي وجدته أوراقا وقطنا ليستلقي ( المريض) عليها , بعد تنفيذ المهمة تناول الجميع القهوة في مكتب سيلفيا ماثيوز حيث لم تمكث لورا سوى بضع دقائق وأنسحبت بعد أن شكر رالف وجيريمي والممرضة , وعمدت الى توديع رالف دون أن تتمنى رؤيته من جديد كما تفرض الشكليات لعلها في ذلك تدفع عنها شعورا يائسا ومشروعا تعلم أن نصيبه الفشل , ورغم ذلك لم تستطع ألا أن تنظر الى رالف قائلة برقة:
" شكرا على الرحلة الجميلة وعلى أهتمامك بالحيوان التعس".
رمقها الطبيب بنظرة ثاقبة وقال:
" لقد وجهت لي أمرا عسكريا صارما بالتوقف على ما أذكر , ولكنني أؤكد لك أنني كنت سأفعل الشيء نفسه بدون أن تتفوهي بكلمة!".
منحته لورا أفضل أبتسامة لديها جعلتها تبدو , ولو للحظة , جذابة وقالت بمكر:
"سأستعلم عن صحة الكلب بواسطة جويس...".
في هذه الحظة وصل ممرض وبيده حقيبة لورا فأخذتها وتوجهت الى عملها لتهتم بالحالات اليومية العادية , مصابون بكسور , حروق , رضوض... وما شاكل , غرقت لورا بتفحص كل حالة لترى أذا كانت أحداها تستدعي حجز سرير لأبقاء المريض قيد المعالجة , ولكنها وجدت جميع الحالات بسيطة لا تستوجب أكثر من المعالجة الموضعية يرسل المصاب بعدها الى بيته , وبالرغم من كثرة العمل وجدت فيه لورا متنفسا للقلق والمتاعب ... ولو الى حين.
مر الوقت بسرعة مذهلة ولما فرغت لورا من عملها توجهت الى القسم المخصص لسكنى الممرضات وهي تشعر بالوحدة القاتلة والفراغ المضجر.
فتحت باب غرفتها الصغيرة والمريحة والتساؤلات تدور في رأسها , أعترفت أنها تتصرف بحماقة وأن عليها حسم الأمر بسرعة , فمن المستبعد أن ترى لرالف وجها بعد اليوم ولذا عليها أن تبدأ بنسيانه منذ الآن وأختنق الحب في مهده حتى لا تصعب عليها الأمور وتغدو مشكلتها مستعصية.

نيو فراولة 14-05-11 10:38 PM

2- الحب المستحيل


ألتقت لورا برالف من جديد بينما كان يرافق الدكتور برنيت في جولته الأسبوعية التي يتفقد خلالها مرضاه , حياها بشيء من البرود ولم ينس أن يطمئنها الى تحسن حالة الكلب.
أبدت لورا سرورها لذلك بدون أن تخرج عن حدود الجدية اللازمة في ممرضة مسؤولة تقوم بأرشاد الطبيب الى المرضى وأعطائه لمحة عن حالة كل منهم , وزادها رصانة الثوب الأزرق والقبعة الصغيرة الموضوعة على رأسها بترتيب مخبئة شعرها المعقود داخلها.
سلمت الى بيرنيت قسيمة المريض الأول معلقة بصوتها الناعم والواضح:
" آرثر ترو, أدخل الى المستشفى في العاشرة من ليل أمس , مصاب بحروق في الوجه , أرتجاج في الدماغ , وكسر مزدوج في ساعده الأيمن".
تحدث بيرنيت كعادته الى نفسه قبل أن ينهي تفحص الملف ويقول بصوت عال:
" هل كل شيء يسير حسنا بالنسبة الى حالة المريض ترو يا جورج؟".
جورج وايت جراح شاب , يتمتع بقدر كبير من الجدية والتفاني في العمل , يمكن الأعتماد عليه في أشد الملمات ويكاد لا يهدأ لكثرة ما يعمل , لكن شخصيته تخلو مع الأسف من الجاذبية والأثارة , فهو بليد وممل ولا يملك ذرة من روح المرح , تجلى بطؤه في تلاوة التقرير مع أن الدكتور بيرنيت بدا على عجلة من أمره للبدء بمعاينة المريض , ولورا فطنت لذلك وبدأت بتحضير المريض بشيء من الصعوبة كونه ما يزال فاقد الوعي غير قادر على الحراك , وأستطاعت بعد جهد وبمساعدة ممرضة ممرضة متدرجة أعداد العدة ليلقي بيرنيت نظرة سريعة على الرجل , قبل أن ينتقل الجميع الى حافة سرير آخر.
من جديد أعطت لورا المعلومات للأطباء الثلاثة:
" ألفريد تريم , نزعت القطب البارحة بعد أبلاله من القرحة ".
نزعت لورا الأغطية ووقف الجميع يتأملون ما صنعته يدا الدكتور بيرنيت الماهرتان , وقال الجراح بشيء من الأعجاب بنفسه:
" أظن أن علينا أرساله الى بيته في وقت قريب".
في السرير التالي تمدد شاب بدا عليه التعب وأشتداد المرض , وبثقة المحترف ألنت لورا:
" جرح عميق سببته طعنة من آلة حادة في الصدر , غيرت الضمادات منذ ساعة تقريبا".
وقف بيرنيت بفكر عميقا ثم أقترح:
" سنلقي نظرة على هذا الجرح".
أقترب الأطباء الثلاثة من الجريح وعاينوه بدقة متبادلين الآراء الطبية , والتي كان دور جورج وايت فيها الموافقة على كل ما قاله بيرنيت ورالف , وأخيرا كانت الكلمة الفصل لبيرنيت:
" سندخله الى غرفة العمليات في الخامسة بعد الظهر".
وبالطبع , وافق الجميع أذ لا أحد يعارض قرارات رئيس قسم الجراحة في المستشفى , مع الأشارة الى أن الخامسة موعد غير مناسب جدا من الناحية الأدارية لأجراء العمليات , وسبب ذلك أن لورا تنهي دوامها في الخامسة وزميلاها بات لا تعود قبل السادسة , ولا أحد غيرهما يستطيع المساعدة في العمليات , وبالتالي أصبح لزاما عليها البقاء في الخدمة ساعة أضافية , كتمت لورا تنهيدة تعبة في اللحظة ذاتها التي ألتقت عيني رالف فان ميروم , فغمرها شعور بالذنب دون أن تدري سببه , ولما أبتسم لها رالف زاد أضطرابها وتجهم وجهها كأنه يعلم ما يدور في خلدها , وكأنها خانت مبادىء مهنتها السامية.
منتديات ليلاس
رالف رجل مقلق ومزعج دخل حياتها من حيث لا تدري وقلب مسارها رأسا على عقب , ومجنون من قال أنه من الأفضل أن نحب ونفشل من أن لا نعرف طعم الحب أبدا , فلورا كانت تعيش مقتنعة بواقعها , معترفة بعدم حصولها على السعادة , ولكنها في الوقت نفسه ناجية من الشقاء , والآن ها هي كمن أجتاحها أعصار يحملها الى حيث قد لا تنجح في حط الرحال بأمان.
السرير التالي كان فارغا بأنتظار نزيل جديد فأنتقل الجميع الى السرير الذي بعده , أزاحت الممرضة المساعدة الستائر عن رجل عجوز خضع لعملية جراحية في الأمعاء منذ يوميت وحالته لم تسجل أي تحسن , والدكتور برينيت ألمح الى أن العجوز تايلر لن يعيش طويلا , نظرت لورا الى الرجل الهرم بتعاطف ورجاء بأن يموت الرجل بهدوء وبدون أن يتعرض لكثير من الألم , لم يسع الدكتور برينيت سوى تبادل حديث قصير كاذب مع تايلر طمأنه فيه بأن حالته ستتحسن قريبا وأنه سيتعافى ويعود الى سابق عهده , وأشرك برينيت رالف في الحديث ليدعمه في أكاذيبه الضرورية لتهدئة روع المرض.
وأستمعت لورا بأعجاب الى كلام الطبيب الهولندي بأنكليزيته الممتازة ويحسن أنتقائه الكلمات المناسبة للحالة اليائسة التي يوجد فيها المريض , وهنا أدركت لورا أنها لأحبت رالف مهما كان ومهما فعل , وكونه طبيبا متمتعا بهذا الهدوء وهذه الرزانة ما هو ألا سبب فوق سبب يجعلها تغرق في حبه أعمق فأعمق.
أنهى الدكتور برينيت معاينة المرضى الثلاثة التاليين بسرعة , فهم شبان خضعوا لعمليات نزع الزائدة الدودية , وها هم الآن شبه متعافين على وشك العودة الى بيوتهم , وفي أنتظار ذلك يمضون أيامهم بلعب الورق ومعاكسة الممرضات , لكن الخبرة الطويلة في هذا الحقل علمت لورا كيفية التعامل مع هذه الأمور , فخير وسيلة لدفع أزعاج مثل هؤلاء الشبان هو مصادقتهم وبذلك يخجلون من القيام بأي عمل مسيء لهذه الصداقة , وبالفعل تمكنت من ترويض الشبان الثلاثة وجعلهم يطيعون أوامرها دون مناقشة.

نيو فراولة 14-05-11 10:40 PM

حيا الشبان الدكتور برينيت بحرارة مؤكدين بأنهم في أفضل حال , وأن الممرضة لورا ملاكهم الحارس , كما تمنوا عليه العمل على نزع القطب بسرعة ليعودوا الى بيوتهم , تولت لورا طمأنة الشبان وتطييب خواطرهم بنبرة الأم العطوف , كما أكدت لهم أن مغادرتهم المستشفى باتت قريبة جدا , بعد ذلك حان وقت معاينة السيد بلايك رجل نحبف جدا , في الأربعين من عمره , خضع لعملية بسيطة في ساقه , ومع ذلك فهو لا يكف عن التذمر وكأن نهاية العالم على الأبواب , وقف بيرينت وصحبه يستمعون الى شكاوى بلايك المتوالية كسيل مدرار : الطعام ردىء , معاملة الأطباء والممرضات قاسية وخص لورا بهجاء طويل عريض وبخاصة لأنها ترغمه على السير يوميا الى الحمام ليغتسل... ولو كانت النظرات سلاحا قاتلا لما صمدت لورا لحظة أمام الشرر المتطاير من عينيه وهو يتحدث عنها , وقاطعه بيرينت أخيرا قائلا أنه سيرسل قريبا الى بيته ليمضي فترة النقاهة هناك حيث لن يجد موضوعا للتذمر , وأنهى الطبيب كلامه بشيء من الحدة:
" لكنني لا أعتقد أنك ستجد في بيتك أو في غيره ألطف من الممرضة لورا ستانديش , أبتعد بيرينت غاضبا وهو يتمتم فسارعت لورا الى تهدئته مشيرة الى التحسن السريع في حالة المريض التالي .
بعد أنتهاء الجولة جلس الجميع في مكتب لورا يحتسون القهوة الساخنة , ومن جملة الحديث قول بيرينت:
" بالله عليك يا لورا كيف تستطيعين القيام بمهمتك وتحمل كل هذه المشاق؟ حبذا لو تجدين لك عريسا يريحك من هذه المصيبة! تزوجي قبل أن تفقدي الحماس اللازم".
شرب الطبيب جرعة من السائل الساخن وأضاف :
"سأرسل بلايك المزعج الى بيته في الغد فحالته لم تعد تستوجب أبقاءه هنا ليحتل سريرا ويسبب لك وجع الرأس بمضايقاته".
علقت لورا على ذلك بأرتياح:
" هذا كل ما أتمناه , فبلايك لا يطاق أبدا , ولحسن الحظ أمثاله قليلون كما تعلم يا سيدي الطبيب".
مرر بيرينت فنجانه لمزيد من القهوة وتنهد قائلا:
" ليتني لم أكن بسن أبيك ومتزوجا لأحملك وأطير بك من هذا السجن اللعين".
ضحك الجميع لأنهم على يقين بأن لورا هي آخر من يترك المستشفى , وهذا اليقين لطالما كان مدار ثرثرة الممرضات , وقد بلغ لورا أن رئيسة قسم الممرضات قالت عنها مرة أنها باقية في المستشفى حتى اليوم الأخير من حياتها , وبالطبع لم يكن في ذلك شيء من المديح بل تهكم وسخرية , وكأن لورا عاجزة عن خوض الحياة كسائر الفتيات مسخرة نفسها لخدمة المرضى ومساعدة المعذبين.
تأهب الكل للرحيل وتوجه رالف فان ميروم الى الباب متمتما بسرعة بعض عبارات الشكر , بعد رحيلهم جلست لورا خلف مكتبها لا عمل لديها تقوم به حتى جاءت بات لتحضر وأياها برنامج العمليات الجراحية المقررة للغد.
تمكنت لورا من تناسي الطبيب الهولندي في الأيام التي تلت زيارته للمستشفى وذلك بفضل عملها الكثيف , ومخالطتها الكثير من الناس , وهي تملك في المستشفى أصدقاء عديدين , وزملاءها يحبونها ويقدرونها ويستسيغون صحبتها , لذلك أفلتت من الشعور بالوحدة وتجنبت تذكر الخيبة , لكن أتصال جويس الهاتفي أفسد الأنر لما أخبرتها أن الدكتور فان ميروم سيمضي نهاية الأسبوع عندهم وأنه سيصطحبها الى العشاء , وأبلغتها كذلك أنها سترتدي الفستان الأزرق للمناسبة والأحمر لليوم التالي أذ سيمضيان النهار معا خارج المنزل , وختمت جويس كلامها بالسؤال:
" أتعتقدين أنه غني يا لورا؟".
" لا أعلم , ألم يقل شيئا عن الكلب؟".
" بلى , قال أنه سيحضر كلبا معه لأن قائمتيه مكسورتان , سأتدبر الأمر وأجد من يأخذ الحيوان ويريحنا من أزعاجه".
لم تتصور لورا أن يحنث رالف بوعده ويتخلى عن تنفيذ شيء تعهد به , لقد وعدها برعاية الكلب , فهل يرضخ لرغبة جويس بالتخلص منه؟
زل لسان لورا عندما قالت:
" أنه كلب صغير جدا وغير مؤذ:
سألت جويس بعد صمت قصير:
" كيف تعرفين ذلك؟".
أجابت لورا:
" صدمته سيارة أثناء حضورنا الى لندن فأخذناه و......".
لم تكن هذه التفاصيل تهم جويس فقاطعت شقيقتها:
" هل رأيت رالف؟".
" قام بجولة تفقدية مع الدكتور بيرنيت في أوائل الأسبوع لكننا لم نتبادل كلاما يذكر ".
قالت لورا ذلك وهي تعلم أن جويس لا تغار منها أو تخاف من أحتمال أن تسلبها رالف , فلا يعقل أن يلتفت رجل بوسامة الهولندي الى فتاة دقت أبواب الثلاثين , لأن سن الثلاثين بنظر جويس هي نهاية القدرة على الأغراء.
عادت لورا الى منزل ذويها في نهاية الأسبوع التالي دون أن ترى رالف في بحر الأسبوع , والخبر الوحيد الذي أتاها منه رسالة صغيرة تركها على مكتبها ويقول فيها أنه قفل الى هولندا مصطحبا الكلب معه بعد أن أضحى في صحة جيدة بالرغم من تضايقه من الجص , أنهى رالف رسالته بعبارات التحية والأخلاص , فطوتها لورا مصممة من جديد على عدم التفكير به.

نيو فراولة 15-05-11 07:54 PM

شتان ما بين القول والفعل , فهي لم تكد تصل الى البيت حتى وجدت أن رالف صار محور أحاديث جويس , وكيف أمضيا يومين رائعين , وأنه سيعود في أسرع وقت ممكن ليراها, وأكدت الشقيقة الصغرى بثقة:
" أوقعته بحبائلي , صحيح أنه متقدم في السن بعض الشيء , لكنه رجل مميز , وجدي يقول أن شهرته في هولندا واسعة وأنه يقتني عيادة ضخمة في هيلفرسوم وهي منطقة تنتشر فيها قصور أغنياء هولندا ".
تابعت جويس وأحلام السعادة تدغدغ مخيلتها:
" لا بد أنه ثري , لم أعد أجرؤ على طرح الأسئلة فهلا أستعلمت لي المزيد عن رالف من جدي".
هزت لورا رأسها رافضة لأن جدها لا يحب الثرثرة والكلام على شؤون الآخرين.
" لم كل هذا التشوق للأطلاع على تفاصيل حياة الدكتور فان ميروم يا جويس؟".
أبتسمت جويس بخبث وأجابت:
" لأنني لا أمانع أن أصبح زوجة لطبيب ما دام يملك أكداسا من المال والنجاح , وبذلك أحظى بحياة هنيئة لا تعب فيها ولا عناء القيام بأعمال المنزل كما تفعل زوجة الدكتور وول في قريتنا الحقيرة".
لم تنسق لورا وراء مزاعم شقيقتها , فجويس تغرم بواحد جديد كل أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير , قد تكون مشاعرها نحو رالف فان ميروم حقيقية , دون أن يحول ذلك بينها وبين الوقوع في شباك فارس ثان أذا أعجبها أو أذا أمتلك ميزات تفوق تلك التي يملكها رالف.
علقت لورا على كلام أختها بواقعية وهي تعني كل ما تقول بحرارة:
" الحظ لا يبتسم للمرء دائما ولعله أبتسم لك الآن فأعرفي كيفية أستغلال الفرصة".
بغنج ومرح قالت جويس:
" ما رأيك بالمراهنة على ذلك ؟ ماتت زوجة رالف منذ عدة سنوات ومن يومها ما يزال وحيدا , أصبح في الثامنة والثلاثين بدون أن يدري أنه بحاجة لأمرأة الى أن رآني ووقع في فخ جمالي مدركا هول الفراغ الذي عاش فيه".
كانت لورا جالسة على الحافة العريضة للنافذة المفتوحة , فشعرت بالبرد لأن الطقس في نيسان لا يزال غير دافىء تماما أقفلت النافذة وهي ترتجف من البرد مضافا الى أسباب أخرى.
" أما يزال والدي وجدي يلعبان الشطرنج؟".
أجابت جويس:
" ومن أين لي أن أعلم ؟ أذهبي وأنظري بنفسك".
سرت بورا بعودتها الى العمل مع أنها تحب البقاء في البيت , فالتنقل بين الأسرة طوال النهار ينسيها متاعبها الشخصية , وهذا الأسبوع مخصص لقبول المرضى الجدد مما يعني أن العمل كان كثيفا للغاية واليوم يمضي بسرعة البرق , كيف لا وهي لا تكاد تنتهي من تفقد الأسرة , حتى تتأكد من أرسال المرضى الى غرفة العمليات في المواعيد المحددة , وتؤمن لهم العناية اللازمة بعد عودتهم , والى ذلك تضاف مضايقة العاملين معها , من تأخر جماعة المختبر في أرسال نتائج التحاليل الطبية , الى نظريات المساعدة الأجتماعية التي تنتدبها الحكومة للعمل في المستشفى , وأخيرا وليس آخرا عصبية الدكتور بيرنيت التي تزيد في أيام قبول الحالات الجديدة , وكأن ذلك لا يكفي لورا , فلما تهرب الى مكتبها لتنهي بعض الأأعمال وتزيد أرتال الورق عن طاولتها , تحضر الممرضات طالبات تغيير أيام العطل أو تبديل وقت الخدمة.... بذلت لورا مجهودا كبيرا لترضي الجميع فهي تفهم زميلاتها الصغيرات كونها مرت بالفترة ذاتها وتعلم أن التوفيق بين متطلبات المهنة والحياة الخاصة أمر في غاية الصعوبة , وتوصلت أخيرا الى تسوية الأمر على حسابها أ قررت أن تتخلى عن عطلتها الأسبوعية والبقاء في المستشفى لتلبية حاجات المرضى , في أي حال يظل هذا أرحم من الذهاب الى البيت والأستماع الى جويس تمتدح رالف وتعدد مآثره ... تمنت لورا أن تنتهي القضية بشكل ما , وهذا الشكل يبدو واضحا بعض الشيء لأن جويس متى قررت الحصول على مبتغاها توصلت الى ذلك بشتى الوسائل.
منتديات ليلاس
من المؤسف أن الوالد قرر أخيرا أبقاء جويس في البيت وعدم أرغامها على أيجاد وظيفة , وأحضر مدبرة منزل لتساعدها في الأعمال اليومية لأنها , أي جويس , غير قادرة على القيام بكل الأعباء المنزلية , وهذا يعني أن جويس صارت حرة من الآن فصاعدا من أي واجب ,وبأستطاعتها تمضية وقتها في التخطيط لتشديد الطوق حول عنق الدكتور رالف فان ميروم حارمة شقيقتها الكبرى من رؤية أي بارقة أمل تلوح في أفق حبها المعذب.
ذهبت لورا الى بيتها في الأسبوع الذي تلا لتمضي يومي السبت والأحد , وصلت الى محطة القطار ولم تجد والدها أو جويس بأنتظارها ليصطحباها بالسيارة كما وعدا , أنتظرت قليلا ثم أتصلت بالمنزل هاتفيا , فأجابتها السيدة ويتاكر مدبرة المنزل الجديدة , بدا للورا أن المرأة لطيفة ومهذبة لكنها صماء بعض الشيء , فأضطرت الى تكرار السؤال عن جويس وأبيها مرات ومرات حتى أستوعبت المرأة أخيرا وأجابت أن لا أحد غيرها في المنزل , أمضت لورا وقتا طويلا لأفهام السيدة ويتاكر بأنها ستكلف بانيس أحضارها الى البيت في حال سأل عنها والدها.

نيو فراولة 15-05-11 07:56 PM

لم تستطع الفتاة أيجاد يانيس بسرعة ولما فعلت أمضى العجوز نصف ساعة للوصول الى المحطة , وعندما وصلت أخيرا الى البيت كانت منهوكة القوى بشكل وجدت معه صعوبةبحمل حقيبتها الصغيرة , ودفع الباب.
في الداخل ظلمة وبرد في الرواق كالعادة , ونور ودفء في غرفة الجلوس المليئة بالنوافذ العريضة سامحة لخيوط شمس الربيع بالتسلل الى الداخل فتضفي بهجة وضياء على جو الدار.
من الواضح أن لا أحد في المنزل ينتظرها , دخلت الى المطبخ بتجد رسالى صغيرة على الطاولة تقول: الحساء حاضر في الوعاء , لا بد أن الرسالة موجهة اليها من السيدة ويتاكر.
صعدت لورا الى غرفتها وبدلت ملابسها , فأرتدت تنورة قديمة وقميصا صوفيا , ثم عادت الى الطابق الأرضي.
بلغت الساعة الواحدة ظهرا بدون أن يظهر أحد وخاصة أنه وقت الغداء , لا بد أن والدها وجدّها ذهبا في رحلة لها علاقة بالطب ونسيا أمر مجيئها , لكن المحيّر أن جويس عالمة بقدومها , فأين هي؟ فتشت في غرفة الجلوس عن رسالة موضحة فلم تعثر على شيء , أخيرا جلست الى المائدة في المطبخ تتناول حساءها وهي تفكر في كيفية قضاء بعد الظهر وحيدة , ولكنها أخطأت أذ ما كادت تنهي الغداء حتى سمعت صرير الباب وصوت جويس يلعلع عاليا , كما سمعت صوت والدها وضحكته , بعد لحظات فتح باب المطبخ وولجته جويس يرافقها رالف فان ميروم.
لم تنهض لورا من كرسيها لهول المفاجأة , فجويس لم تذكر شيئا عن حضور الطبيب الشاب , فلما رأته أنعقد لسان ها من الدهشة ولم تعثر على الكلمات المناسبة , أما جويس فضربت كفا بكف قائلة:
"عزيزتي لورا! غاب عن بالي تماما أنك آتية اليوم! أراد والدي وجدي الذهاب الى أحدى المكتبات العتيقة حين وصل رالف فجأة فتبرع بأخذهما , ثم أصطحبني من هناك لتناول الغداء في.... ". توقفت جويس فجأة عن الكلام حين رأت طبق شقيقتها الفارغ وتابعت ضاحكة:
" يا لك من مسكينة نسيت أنك آتية فقلت للسيدة ويتاكر ألا تتعب نفسها بتحضير الغداء".
رأت لورا الطبيب يقطب حاجبيه متعجبا كيف تنسى أخت أمر مجيء أختها وتترك البيت بدون تحضير الغداء؟ فأستدركت قائلة:
" أنها غلطتي فأنا لم أتصل كالعادة أذ قررت الحضور في اللحظة الأخيرة , لا بأس فقد أوصلني باتيس من المحطة وأكتفيت بالحساء لعدم شعوري بالجوع ". أستدارت لورا صوب الطبيب وسألت:
" كيف الحال يا رالف؟ ماذا عن الكلب الصغير؟".
أجابها:
" تماثل الى الشفاء بسرعة , تركته في البيت في هولندا حيث ترعاه مدبرة المنزل التي تعلقت به كثيرا وتعتني به أحسن عناية ". توقف قليلا قبل أن يضيف:
" لو علمت أنك آتية لأصطحبتك معي".
يا لقدرته على أظهار اللياقة والتهذيب ! في الوقت الذي يبدو فيه مشدودا بكليته الى جويس , يكاد لا يستطيع رفع نظره عنها , وهذا ليس بالأمر العجيب , فجويس تبدو غاية في الجمال بفستانها وحذائها اللماع الغالي الذي أستطاعت بدهائها أقناع والدها بدفع ثمنه , وأن على مضض.... أدركت لورا عندها أن الثياب التي ترتديها لا تضيف ذرة جمال الى مظهرها بالمقارنة مع ما ترتديه شقيقتها , أنه أهمال من قبلها يزيد من عدم ألتفات الجنس الآخر ناحيتها...أم أن عدم الألتفات هو سبب الأهمال؟ والمهم في الأمر أن النتيجة في الأفتراضين واحدة...
نهضت لورا أخيرا عن الطاولة قائلة:
" سأذهب الآن لألقي التحية على والدي وجدي , على فكرة , أين السيدة ويتاكر؟".
أجابت جويس ببراءة الأطفال:
" منحتها بقية النهار عطلة لأنني ظننتك غير آتية كما سبق وقلت , مرة أخرى آسفة لغباوتي ".
صمت لسان لورا وفكرها يقول أن جويس على حق تماما في ما قالته عن الغباوة , لكن التقيد بقواعد الأخوة ووجود غريب بينهما منعاها من التصريح بالحقيقة.
تابعت جويس:
" والدي وجدي مدعوان الى العشاء عند الدكتور وول فهو وحيد الليلة كون زوجته ستغيب لتشارك في أجتماع يتعلق بنشاطاتها الأجتماعية , لذا أتفقت ورالف على الذهاب الليلة الى المطعم الرائع في محلة غريت والتام".
تولى رالف متابعة كلام جويس:
" وسنسر كثيرا أذا قبلت مرافقتنا".
رالف رجل لطيف حقا , قد يكون لديه الكثير من النواقص لكن الأفتقار الى اللطف ليس واحدا منها حتما , أسرعت لورا الى رفض الدعوة مظهرة أسفا شديدا لعدم قدرتها على الذهاب.
" أشكرك على الدعوة الكريمة وآسف لعدم تمكني من تلبيتها , الحقيقة أن العمل في المستشفى أرهقني وأمامي أشياء كثيرة أقوم بها في الغد, لذلك قررت تمضية الأمسية في البيت للراحة ولألتقاط أنفاسي".
أظهرت جويس تعاطفا مزعوما مع أختها أذ قالت:
" مسكينة لورا , ولكن ما دامت هذه مشيئتك ........".
كادت لورا تصرح بحقيقة مشيئتها فأحجمت لما رأت عيني الطبيب الهولندي الداكنتين تنظران اليها بفضول , أبتسمت وقالت بحماس:
" أؤكد لكما أنه لا أجمل من المكوث في المنزل وتمضية سهرة هادئة يستجمع فيها المرء أفكاره ويراجع حساباته".
على هذا خرجت لورا من المطبخ حتى تتحاشى المزيد من هذا الحديث المحرج.

نيو فراولة 15-05-11 07:57 PM

شدد الوالد على لورا كي ترافقه الى منزل الكتور وول , لكنها لم ترض , فلو فعلت لأزعجت الرجال الثلاثة وأرغمتهم على التحول عن أحاديثهم الطبية لتسليتها , وهكذا كرت رغبتها بالبقاء في البيت قبل أن يخرج والدها وجدها أولا, وبعدها جويس ورالف.
جويس بدت في أبهة حلة ودخلت الى المطبخ لتحضر عشاء خفيفا مكونا من سلطة خضار وبيض مقلي بدموعها أكثر من الزيت , هدأت لورا قليلا بعد العشاء وجلست ليس لها سوى السكوت التام ينادم وحدتها.
ولتمضي الوقت غسلت شعرها الطويل وتركته حرا ينسدل حتى أسفل ظهرها , بعد ذلك أعدت بعض القهوة , فشربتها ببطء وتسلت ببعض السندويشات الخفيفة فيما غرقت بقراءة الجريدة المحلية.
كان الكهل والعجوز أول العائدين وبدا أن العشاء لم يعجبهما , أذ هجما بنهم على قهوة لورا وسندويشاتها , وبعد حوالي الساعة عاد الثنائي الشاب , جويس جميلة كما لم تكن من قبل , ورالف مستسلم لهذا الجمال وأن يكن يبذل مجهودا كبيرا لئلا يبدو كذلك , والواقع أن معظم جهده ضاع سدى لأن بعض المشاعر لا يمكن أن تخفى على أحد.
أحضرت لورا مزيدا من القهوة فتولى رالف بلطفه المعهود حمل الطبق متمنيا أن تكون أمضت أمسية حلوة ,وسائلا أياها ما أذا كانت حرة لتنضم في الغد الى مشاريعه وجويس.
قرأت لورا توسلا في عيني جويس حتى يأتي الجواب بالنفي وهكذا كان , فأختلقت عذرا وقالت أنها مضطرة للقيام بزيارة لبعض الأصدقاء بعد الظهر , أظهر الطبيب أسفا صادقا ولم يحاول تكرار الدعوة لأنه قلبيا يفضل الأختلاء بجويس على كون شقيقتها معهما حتى يطيب له جو الغرام.
بعد قليل ذهب كل الى غرفته ولم تفاجأ لورا لما دخلت عليها جويس باسمة:
" شكرا للسماء لأنك نظرت اليّ قبل الأجابة , تصوري لو أنك قبلت دعوته! هو بالطبع لا يرغب بذهابك معنا يا لورا ولكنه طلب منك ذلك لياقة فقط , سنمضي نهارنا في كمبريدج حيث أمضى رالف سنوات الدراسة الجامعية ".
جلست جويس على طرف السرير وهتفت والفرحة تغمرها:
" أليس ما يحصل رائعا يا لورا؟ حدسي ينبئني بأنه سيطلب يدي في وقت قريب".
أكملت لورا جدل شعرها أمام المرآة متظاهرة بعدم الأكتراث كثيرا بأقوال شقيقتها , والحقيقة أن قلبها كاد يتوقف لما سمعت هذه الكلمات التي طالما خشيت سماعها يوما ,وها هي الآن تنزل عليها نزول الصاعقة وتهدم ما بقي لها من آمال , حبذا لو يكون حدس جويس خاطئا مع أن معظم الدلائل تشير الى صدقه.
أنهت جدل شعرها بيدين مرتجفتين وسألت بحذر:
" كيف تعرفين أنه ينوي الزواج؟".
ضحكت جويس وأجابت بفظاظة:
" لا تكوني سخيفة , أنا واثقة من قولي".
تمكنت لورا من الأبتسام سائلة:
" وماذا سيكون جوابك لو سأل؟".
" أكون بلهاء لو رفضت الزواج من رالف! أنه رجل جذاب ومغرم بي حتى أذنيه , كما أنه واسع الثراء على ما يبدو خاصة أنه يرتدي أفخر الملابس ويقود أفخم سيارة... أتريدينني أن أرفض بتوافر كل هذه المغريات؟".
رمت لورا نظرة خاطفة نحو المرآة , فرأت أن ملامح وجهها ما زالت هادئة لا تفضح ثورة داخلها وغضبها الجامح ويأسها الذي لا بد وسيلة للخروج من حلقته المفرغة.
" أتحبينه يا جويس؟".
نهضت الشقيقة الصغرى وخطت نحو الباب:
" يا عزيزتي لورا , أنا مستعدة لأن أحب أيا كان بشرط أن يؤمن لي الحصول على كل ما أريد ". أضافت جويس قبل أن تقفل الباب وراءها:
" لنقل أنه يعجبني".
نهضت لورا باكرا بعد أن أمضت ليلة قلقة لم يغمض فيها جفناها ألا لماما , وهاجس الخروج من البيت قبل أستيقاط أحد زادها سهادا , أرتدت بنطلونا وقميصا رقيقا ونزلت الدرج عارية القدمين حتى لا توقظ أحدا , شربت بسرعة فنجانا من الشاي وأكلت قطعة من الخبز كستها بطبقة ناعمة من العسل , ثم أرتدت حذاء مريحا ووضعت على كتفيها قميصا صوفيا تحسبا قبل أن تخرج الى شمس أيار ( مايو) الدافئة.
كان الطقس رائعا والطبيعة الخضراء تغرق فرحة نور الشمس , توجهت لورا الى القرية ومنها توغلت في زقاق ضيق يفضي الى قرية مجاورة , كان هذا الزقاق مكان لورا المفضل للسير كونه محاطا بأشجار تعشعش فيها العصافير الغريدة الصادحة بسمفونية عذبة من الألحان , وهل أحلى من شقائق النعمان والياسمين كرفيق للصباح؟ وهل أبدع من الخزامى والبنفسج رفيق درب صباحية؟ لوح رائعة تسحر الألباب وتطوي الهموم حاملة الناظر اليها في عالم آخر ملؤه الروعة والجمال , ومبرزة ما منح الخالق للأنسان من نعمة الطبيعة.

نيو فراولة 15-05-11 07:58 PM

تغلغلت لورا في المسلك المتعرج كالثعبان حتى شارفت على الوصول الى القرية , أصوات جرس ساعة القرية تترامى اليها من بعيد ولاحت لها الأكواخ القائمة على طرف القرية.
أول من شاهدها كان راعي القرية مدير المدرسة الخيرية , فحياها بحرارة مستغربا:
" لورا! أي ريح طيبة حملتك ألينا؟".
" خسارة كبيرة أن يهدر المرء صباحا بهذا الجمال في السرير , وأنا أحب النهوض باكرا والسير بين أحضان الطبيعة".
" الطبيعة ملاذ هادىء مليء بالأمان لمن يريد الأختلاء بنفسه ".
لاحظ الرجل الكهل شحوب القلق والتعاسة في عينيها , فتابع:
" تعالي لنتناول الفطور معا , وزوجتي مارتا ستسر كثيرا بوجود ضيف في منزلنا المضجر بعد ذهاب غي لتحصيل دروسه في كمبريدج".
سارا معا في شوارع القرية حتى بلغا الطرف الآخر منها حيث منزل السيد لامب المبني من حجر أبيض , بناء رائع واسع صمم أصلا لسلف السيد لامب الذي كانت له عائلة من زوجة وستة أولاد , أما الآن فلا حاجة لكل الغرف بوجود السيد لامب وزوجته مارتا وأبنهما الوحيد غي الذي سيغيب في كمبردج حتى ينهي تخصصه في الهندسة.
دخل الكهل ولورا المطبخ ووجدا مارتا تقلي البيض فوق طبقة من لحم العجل الشهي , جلس الثلاثة يتمتعون بوجبة لذيذة فيها كل طيبة القرية ونقاوتها , وأستطابت لورا الحليب الطارزج والخضار النضرة المقطوفة من حديقة المنزل .
منتديات ليلاس
بعد ذلك أنسحب السيد لامب على دراجيته الهوائية ليقوم ببعض الزيارات وليقف على حاجات أبناء رعيته , تاركا لورا تساعد زوجته في غسل الصحون وتقشير البطاطا تحضيرا للغداء.
عادت الى المنزل فوجدت جدها ووالدها مع أحاديثهما التي لا تنضب , وافتهما لورا بعد قليل بالقهوة فشكراها بسرور وتابعا المناقشة.
صعدت لورا الى غرفتها وبدلت ملابسها بعد أن حررت شعرها المعقود , ثم نزلت الى المطبخ لتكمل ما بدأته .
لم تعرف لورا عن شقيقتها والحبيب شيئا ألا على مائدة الغداء عندما أخبرها والدها أنهما غادرا منذ الصباح ولن يعودا قبل الخامسة , ولكنه لا يعرف وجهة الرحلة.
هز الرجل رأسه وقال :
" من الظاهر أنهما على أبواب علاقة جدية مع أن جويس تصغره بكثير , لكنني لن أعرض أذا كانت أبنتي تريد هذا الرجل وهو من جهته مأخوذ بها على ما يبدو , نظر الوالد الى لورا وسأل ألم تلاحظي أنه واقع في غرامها؟".
قالت لورا نعم بصوت جليدي وذكّرت والدها بأنها عائدة الى لندن بقطار الساعة الثالثة , وعلى الفور عرض الرجل أصطحابها الى المحطة مضيفا:
" بذلك نقوم بنزهة أنا وجدك ونروح عن نفسينا قليلا , لكنه ما لبث أن تذكر أمرا مقلقا فأستفهم , ولكن من سيحضر لنا شاي الساعة الخامسة ومن بعده العشاء يا عزيزتي؟".
" الشاي جاهز في المطبخ وما عليك ألا تسخينه قليلا , كما حضّرت عشاء باردا موضوعا في طبق على الثلاجة , وسأحضر لكما شيئا أضافيا بعد قليل".
بعد أن أطمأنت الى أنتظام أمور المنزل حزمت لورا حقيبتها وأخذت تبحث عن والدها حتى لا ينسى أنه سيوصلها الى المحطة في شلمزفورد.
جلست في مقعد السيارة الخلفي لأن جدها لا يطيق الجلوس في الخلف حيث لا يستطيع الرؤية جيدا , ولورا فرحة ضمنا بذلك لأن جلوسه قرب والدها يلهيه عن طرح الأسئلة عليها :
"هل أنت سعيدة بعملك في المستشفى؟ ماذا تخططين للمستقبل؟ أتحبين أحدا؟ما رأيك برالف فان ميروم؟".
والسؤال الأخير هو الأكثر أحراجا بالطبع وتخلصت لورا منه بقولها أنها لا تحكم على شخص لا تعرفه تمام المعرفة.
لكن الذكاء لا ينقص جدها الذي علق على ردها:
" لا ضرورة لأن نعرف الشخص جيدا حتى نستلطفه , فالمحبة ليست بحاجة لحسابات ومنطق , أما أن تنبع فورا من القلب أو لا".
" لا بأس به يا جدي ". غيّرت لورا وجهة الحديث بعد الرد المقتضب :
" هل ستكون هنا عندما أعود يا جدي , فأنا لا أعلم تماما متى سأحضر؟".
" سأبقى عندكم , رالف يروح ويجيء كثيرا وأمر عودتي الى هولندا مؤمن ما دام الرجل يهوى الرحلات السندبادية".
" هذا يتيح لي رؤيتك قريبا بأذن الله".
نظرت لورا الى ساعتها لما وصلت بهم السيارة الى المحطة , فأسرعت لأن القطار يمر بعد خمس دقائق , قبّلت والدها وجدها وحملت حقيبتها متجهة الى شباك التذاكر.
منتديات ليلاس
خلال الرحلة لم يغب رالف عن بالها ولم تكتم شعورا بالحسد أتجاه جويس التي تحظى دائما بمبتغاها دون جهد يذكر , وأدركت أنها ستتلقى عما قريب خبرا ينبئها بزواجهما , خبر كالقدر لن تستطيع دفعه عن حياتها.
نظرت من النافذة الى لندن المكتظة بالأبنية الرمادية الحزينة متمنية لو أن بساطا سحريا يحملها بعيدا , الى حيث لا تسمع شيئا عن رالف فان ميروم , ولكن , أليس في زواجه من شقيقتها أنتهاء لمعاناتها؟ أليس آخر الدواء الكي ؟ لماذا تعذب نفسها ما دامت لن تحصل على الرجل؟ فليتزوج من جويس لتبدأ بنسيان الحب الذي ربطها به وتبدأ بتقبل فكرة وجوده كصهر... فكرة مخيفة.

نيو فراولة 15-05-11 07:59 PM

3- الداء .... والدواء


أنضمت لورا الى مجموعة من زميلاتها الممرضات في غرفة آن ماثيوز في المستشفى تحتسي فنجانا من الشاي , وتشترك بالأحاديث الدائرة ما أستطاعت.
آن , التي تتولى أدارة قسم الجراحة النسائية , ناوبت يومي السبت والأحد أضافة الى الكثيرات من الممرضات , وهي لا تقل أنهماكا وأنشغالا عن لورا , فقد وقع حادث قطار كبير وتدفق الجرحى المصابون أصابات مختلفة تراوحت بين الرضوض البسيطة والحالات الخطرة التي أستوجبت وضع البعض في غرف العناية الفائقة.
وبدا التعب أكثر ما بدا على وجه أودري كراو المسؤولة عن قسم الطوارىء , والمعروفة بخبرتها الطويلة في هذا المضمار والتي تجعلها المثال الأعلى لأي ممرضة تتدرج على يديها .
قالت أودري والأرهاق ينضح من صوتها:
" أمن العدل أن تأتينا كل هذه المصائب صباح الأحد ؟ اليوم الوحيد الذي أستطيع فيه أخذ قسط من الراحة لأتناول فنجانا من القهوة بدون أزعاج , وها قد أنهال علينا سيل الجرحى من حادث القطار يعلوهم غبار الطريق كالعائدين من الجبهة , لكن معظمهم كان لحسن الحظ مصابا بجروح سطحية وكدمات بسيطة , ولم نضطر الى ـرسال أكثر من أربعة اليك يا لورا وخمسة الى آن , كما أن هناك رجلين وأمرأة يحتاجون الى جراحات خطرة".
نظرت أحدى الموجودات الى لورا سائلة:
" ما أتى بك باكرا اليوم يا لورا فنحن لم نكد نتوقع حضورك قبل الليل ؟ أنت تتواجدين دائما فور حصول طارىء كأبطال القصص الخيالية".
ترددت لورا قبل الأجابة:
" لم يكن لديّ شيء أفعله في البيت ووالدي لم يكن يستطيع أيصالي الى المحطة ألا في موعد القطار المبكر , يبدو أن مجيئي كان مفيدا في كل الهرج والمرج الذي حصل".
دخلت ممرضة أخرى الغرفة وقالت للورا:
" مكالمة هاتفية لك يا لورا , صديقك يحاول أزالة كل أسباب الخلاف الأخيرة , أليس كذلك؟".
شاركت لورا قهقهات الجميع وهي تتوجه للأجابة على المكالمة , في حين أن الخوف الأبيض تسلل الى أعماقها... لا بد أن جويس تريد أخبارها بأن رالف فان ميروم عرض عليها الزواج , وبالفعل لم تكد ترفع السماعة حتى سمعت صوت شقيقتها يزف اليها الخبر السعيد , لم تفاجأ لورا أنما عجزت عن التعليق وكأن دماغها تعطل عن العمل , أزاء ذلك صرخت جويس في أذنها:
" لورا ؟ أما زلت معي؟ لماذا لا تقولين شيئا؟".
أعادها ذلك الى الوتقع فأجابت بصوت شبه هادىء:
" أنه نبأ سعيد يا عزيزتي , وأتمنى لكما كل خير وهناء , أيعلم والدي بالأمر؟".
" نعم , وجدّي كذلك , ولكنك تعلمين كيف يحاول الكبار تغليف الأمور بطابع واقعي مشكك".
" لا أهمية لذلك ما دمتما متوافقين ومصممين على خوض غمار الحياة معا".
" أقمنا أحتفالا صغيرا بالمناسبة .... آه أنه أمر رائع يا لورا , رالف بجانبي ويود التحدث اليك".
تنفست لورا عميقا طالبة من السماء مساعدتها على تجاوز أمتحان التكلم اليه , مع العلم أن المحادثة الهاتفية أرحم من مقابلته وجها لوجه , ومن الآن حتى يحين موعد هذه المقابلة الحتمية مع الصهر العتيد تكون الجروح بردت , وبدأت بالأندمال, وعلى الرغم من ذلك وجدت لورا صعوبة بالغة في فك عقدة لسانها عندما سمعت صوته يهمس في أذنها:
" لورا؟".
" أهلا".
" ألن تهنئيني؟".
" وكيف لا؟ أتمنى لك السعادة من كل قلبي".
" أنا مسرور لسماع هذه الكلمات اللطيفة ممّن سأصبح صهرها , خسارة أنك غير موجودة معنا للأحتفال ولكنك ستتدبرين الأمر لتكوني معنا في الأسبوع المقبل".
أختارت لورا العبارات بدقة قبل التفوه بأي كلمة حتى لا تبدو كثيرة الحماس أو فاترة الهمة , فقالت بواقعية:
" سأبذل جهدي للحضور , أعتذر لأنني أضطررت الى ترككما باكرا اليوم لكنني ملتزمة بموعد....".
" صحيح".
قال رالف ذلك كأنه يريد وضع حد لهذه المكالمة التي تهدر وقته سدى , وقت يستطيع تمضيته مع حبيبته جويس , وترسّخ ذلك عندما أبعد السماعة عن شفتيه قائلا:
" حسنا , أنا قادم". ثم عاد الى مخاطبة لورا:
" هناك من ينتظرني يا لورا , الى لقاء قريب بأذن الله".
أقفلت الخط وتوجهت مباشرة الى غرفتها دون المرور بمكتب آن , مع علمها أن أحدى زميلاتها ستأتي للبحث عنها عاجلا أم آجلا , في الغرفة , أمضت دقائق طويلة تحت الماء تبرد ثورتها وتغرق حزنها , ولما طرقت أحداهن الباب تسأل عنها , أجابت أن المخابرة أستغرقت وقتا طويلا فلم تعد اليهن في غرفة آن , سألت الواقفة في الخارج:
" أهناك ما يقلق؟".
أجابت لورا بنبرة أرادتها فرحة:
" لا ! فأعلان خطوبة جويس أمر رائع , سأخبركن بالتفاصيل لاحقا".
في الصباح التالي أطلعت لورا الجميع على الخبر السعيد بأقتضاب تام وهن يتناولن طعام الفطور في قاعة الطعام الكبيرة , وسمعت الضجة والهمهمات التي تلت أكتشاف أحدى الممرضات الشابات أن الخطيب ما هو ألا الطبيب اهولندي الوسيم الذي يتي للقاء الدكتور بيرنيت.

نيو فراولة 16-05-11 10:43 PM

أنا ما رح أكمل الرواية ألا حتى شوف ردودكم

نيو فراولة 18-05-11 10:01 AM

أنهت لورا طعامها بسرعة وخرجت من القاعة على تمنيات زميلاتها بأن تكون العقبى لها قريبا.
شغلت الممرضة المتفانية طوال النهار بأربعة مرضى يحتاجون جميعهم الى عمليات خطيرة , وما أدرى الناس بالجهد الكبير الذي تبذله الممرضة لتحضير المريض جسديا ونفسيا لأدخاله الى غرفة العمليات , وبعد ذلك يبدأ التحضير لأستقباله من جديد وتأمين برنامج المراقبة الذي يسيء مجيء الطبيب مجري العملية للفحص وأعلان النتائج , أضف الى ذلك هجوم زوجات المرضى الآتيات من منازلهن , المسلوخات عن أولادهن , ينتظرن رحمة الرب فيما رأس العائلة مستسلم لمبضغ الطبيب يقص ما يمكن أن يكون خلاص العائلة أو شقاءها.
وهذه المرة كان عليها مواجهة أسوأ ما في الأمر , فقد توفي أحد المرضى فور خروجه من غرفة العمليات متأثرا بهبوط مفاجىء في ضغط الدم لم يستطع الأطباء المهرة تداركه , وأضطرت لورا الى البقاء مع الأرملة المفجوعة حتى جاء بعض الأقارب وأصطحبوها الى البيت.
بعد هذا النهار الطويل المرهق صعدت الى ملاذها الوحيد.... غرفتها , وبالكاد أستطاعت أخذ حمام سريع وأرتشاف بعض الشاي الذي أحضرته آن ,حتى غطّت في نوم عميق.
منتديات ليلاس
مرّت بقية الأسبوع بسلام أذ تحسنت حالة المرضى الثلاثة الآخرين بشكل مشجع , كما ذهب الشبان , الذين خضعوا لعمليات نزع الزائدة الدودية , الى بيوتهم بعد أن قدموا الى لورا باقة كبيرة من الورد , والمفاجىء أن السيد بلايك الدائم التذمر عاد يوما الى المستشفى ليقدم للورا شكره وأمتننانه على العناية التي خصّته بها, لم تصدّق لورا عينيها عندما رأته ووقفت تحدق فيه لا تدري ما تقول معجبة بالمجهود الذي بذله ليرغم نفسه على القيام بهذه الزيارة , بعد ذلك أصطحبته الى قاعة المرضى ليلقي التحية على أثنين من زملائه السابقين.
تلقت لورا مكالمة من جويس في وسط الأسبوع تبلغها فيها أن رالف آت ليمضي السبت والأحد عندهم , وأفهمتها بما لا يقبل الجدل ـن وجودها سيفسد الجو عليها وعلى رالف ويعيقهما في مشاريعهما , أذ سيضطر الخطيب تهذيبا الى دعوتها للخروج معهما , ولورا لا تريد بالطبع أفساد سعادة أختها , فقررت التخلي عن يومي العطلة والبقاء في المستشفى , لهذا أتصلت بشقيقتها في أواخر الأسبوع وأختلقت عذرا لتبرر عدم ذهابها الى البيت...... وجويس لم تكت تنتظر أحسن من ذلك.
" ما سبب عدم مجيئك؟".
" طلبت مني أحدى الممرضات العاملات في قسم المعالجة الفيزيائية الحلول مكانها لأنها ذاهبة لحضور حفلة زفاف صديقة لها".
" قد يكون غيابك يا لورا أفضل لنا , فأنا لا أرى رالف كثيرا كما تعلمين وأود أن يكون متفرغا لي عندما يأتي , وعلى فكرة , هو آت في الأسبوع المقبل أيضا , وأنت ستكونين مرتبطة بدوام العمل على ما أعتقد".
ولأرضاء جويس جاء كلام لورا موافقا:
" تماما , فأنا لن أحضر ألا بعد أسبوعين كوني بحاجة لجلب بعض الملابس الصيفية من خزانتي ".
قررت لورا بذل ما في وسعها من الآن وصاعدا حتى ترتب عطلها بشكل لا يتعارض مع لقاءات رالف وجويس , وتمنت لو أنهما يتزوجان بسرعة ويستقران في هولندا ليعود بأستطاعتها الذهاب الى بيتها بحرية , فأذا ظل هاجس وجود رالف في منزلها يلاحقها , لن تتمكن من التوجه الى هناك ومواجهته لئلا تنهار معترفة بحبها ومفسدة سعادة شقيقتها الصغرى.
تنهدت وأعادت تركيزها على الملفات والأوراق المتجمعة على طاولتها , والتي تشكل ملاذها الوحيد للفرار من التفكير برالف .
لمّا حل يوم السبت بدأت لورا تفكر بوسيلة لتمضية الوقت , فالبقاء في لندن الكئيبة ليس واردا , ولم تجد بعد غربلة الأحتمالات المتوافرة أفضل من الذهاب لمشاهدة معرض للصور الفوتوغرافية , ثم الى السوق للتبضّع , وفي المساء دعاها جورج وايت الى مشاهدة فيلم سينمائي أكتشفت أنه ممل أكثر من جورج نفسه , فقد كان فيلما يعالج موضوعا نفسيا عميقا بسوداوية مرعبة , وزادها أرهاقا للأعصاب أصرار جورج على التعليق الهامس على مشهد وعناد في تحليل كل لقطة , وبعد أن جاء الفرج وأنتهى الفيلم أصطحبها جورج الى عشاء عادي جدا توجه بمحاضرة مطّاطة عن آخر أكتشاف في مجال المضادات الحيوية .... ولكن يمكن القول أن الشاب أنتشلها من وحدتها المطبقة على الأقل , ولا ريب أن جورج سيكون زوجا مثاليا لمن تحظى به , لكنه يخلو من روح المرح ونعمة المبادرة , فمجالسته روتين ممل ورتابة قاتلة , ولربما كان رالف فان ميروم يخلو أيضا من روح المرح , فلورا لم تتعرف اليه كفاية حتى تحكم عليه , وأن يكن من الأكيد أن جورج ما كان توقف في وسط الطريق ليلتقط كلبا جريحا ويغامر بأدخاله الى مستشفى محترم كمستشفى المحبة ليعتني به , فجل ما كان فعله جورج هو أخذ الكلب الى طبيب بيطري ونفض يديه من القضية.

نيو فراولة 18-05-11 10:02 AM

أنسابت أيام الأسبوع بتؤدة كبيرة وعندما قررت لورا أخيرا الأتصال بالمنزل أجابها جدّها , وبعد تبادل كلمات التحية أبلغها العجوز أنه باق أسبوعا أو أكثر وأنه يرجو رؤيتها قريبا لكثرة أشتياقه.
طمأنته لورا الى حضورها دون أن تفصح له أن الزيارة ستقتصر على بضع ساعات من يوم الجمعة حتى لا تغامر بلقاء رالف , كما لم تعطه جوابا نهائيا على دعوته أياها لزيارة هولندا عندما تأخذ عطلتها السنوية , وذلك لأن للأمر محاذيره , فرالف يقطن بالقرب من منزل جدها مما يوسع بيكار أحتمال لقياه هناك مع عروسه العتيدة جويس.... وهذا ما ليس بوسعها تحمّله ! ربما كانت الأيام دواء ناجعا يهدىء من حدّة مشاعرها فتستطيع تلبية الزيارة , أستقلت لورا القطار باكرا يوم الجمعة بدون الأتصال بالمنزل أو بالعجوز يانيس الذي قد يخبر والدها أو شقيقتها , الأمر الذي يفسد مخططاتها , عندما بلغت شلمزفورد تمكنت من العثور على العجوز الذي أقلّها بسيارته بدون أن يسأل عن سبب التغيير في موعد مجيئها كون حديثه أنصب على زفاف سيحضره في اليوم التالي.
دخلت لورا حديقة المنزل والرذاذ يتسااقط مكللا بحبيباته هامات الورود ورؤوس الأعشاب , نظرت الفتاة الى ساعتها التي أشارت الى العاشرة والنصف ما يعني أن لديها الوقت الكافي لتوضيب حقيبتها وأنتقاء الملابس التي تريد , في الداخل , أخذت تبحث عن والدها فلم تجد له أثرا , وكذلك لم تكن السيدة ويتاكر في المطبخ , صعدت لورا الى الطابق الثاني وسمعت جهاز الراديو في غرفة جويس يبث موسيقى ناعمة , فحثت الخطى وفتحت الباب ثم جمدت في مكانها , وقفت جويس في وسط الغرفة وحولها ملابسها مبعثرة على السرير , على الكراسي , وعلى الأرض , وقربها الحقيبة الكبيرة , التي أهداها أيّاها والدها في ذكرى ميلادها الأخيرة , مفتوحة وشبه مليئة بالثياب.
أستدارت الشقيقة الصغرى لما سمعت الباب يفتح وفمها فاغر لهول المفاجأة , فقالت بصوت مرتجف:
" اليوم الجمعة , وأنت لا تأتين عادة قبل السبت.......".
" صحيح ولكن وقتي لم يسمح لي ألا بالقدوم اليوم , أين الجميع يا جويس؟".
أجابت جويس بنبرة تحد:
" أقترحت على العجوزين الذهاب للتنزه في تلك الحدائق الجميلة , فهي تفتح أبوابها هذه الأيام كما تعلمين , أما السيدة ويتاكر فذهبت لحضور حفل زواج.
جالت ألف فكرة وفكرة في رأس لورا , هل جويس راحلة؟ هل تشاجرت مع رالف؟ هل هي ذاهبة اليه؟
" أراحلة أنت يا جويس؟".
أجابت الفتاة وهي تضع فستانا في الحقيبة:
" نعم أنا راحلة , وبما أند تدسين أنفك في شؤوني الخاصة هلاّ تفضلت وساعدتني في حزم حقيبتي؟".
أزاحت لورا بعض الثياب وجلست على السرير:
" ما الأمر يا جويس؟ ألا ترغبين في عرس قروي؟ لماذا لم تقولي أنك تريدين غير ذلك , فالوالد لن يعارض بالرغم من أنه يحب أعراس الضيعة , لماذا تذهبين مع رالف للزواج بعيدا عنا؟ لماذا لم تفصحي عن رغبتك الحقيقية؟".
ضحكت جويس عاليا قائلة:
" يا لغباوتك يا لورا, أنت لم تفهمي شيئا! لم أقل أنني راحلة مع رالف , هو شاب متاز ومستعد لتلبية كل طلباتي وتنفيذ كل أوامري , وأتصور نفسي أعيش معه بحبوحة في منزل ضخم , محاطة بالخدم , وبأولاد كثيرين ... فرالف يحب الأولاد كثيرا ".
وضعت جويس ثوبا أخيرا وأقفلت الحقيبة , ثم أضافت:
" أنا مسافرة الى أميركا مع شاب ألتقيته منذ حوالي الأسبوعين , نظرة واحدة مني كانت كافية لأيقاعه في شركي , وهو شاب غني جدا ويحب الحياة الصاخبة والمرح , أظن أن هذا كاف لتبرير قراري.
أصغت لورا لهذا الكلام المذهل وهي تكاد لا تصدق ما سمعته أذناها , أهو حلم أم حقيقة؟ أيعقل أن تتخلى جويس عن رالف بهذه البساطة؟ تكلمت لورا بصوت مرتعد كأنه آت من خلف الواقع وما وراء الحقيقية :
" قلت أنك تحبين رالف المسكين الذي يظن أنك ستصبحين زوجته , وهو آت هذا المساء.....".
" أعتقد أنه من حقي تقرير مصيري وأختيار طريقة الحياة المناسبة! ولا شأن لأحد في ذلك وخاصة أنت! لا تنسي أن رالف سيصبح قريبا في الأربعين , الأمر الذي قد يثير مشاكل بيني وبينه , وبدخول لاري حياتي تلاشت المقاييس , فهو فاحش الثراء من جهة وشاب يضج بالحيوية من جهة أخرى ".
أضافت جويس وهي ترتدي معطفها :
" تركت رسالة لرالف بأمكانك تسليمه أيّاها وشرح القضية , كما أرجوك أن تخبري والدي".
وبنبرة بركانية مفاجئة قالت لورا:
" لن أفعل شيئل!".
" كما تشائين , دعيهما يكتشفان الحقيقة بنفسيهما".
" ألا تفكرين برد فعل والدك وبشعور رالف عندما تقدمين على هكذا خطوة؟".
أجابت جويس بلا مبالاة:
" والدي يوافق على كل ما أفعله وهو بالتالي سيرضى بالواقع عاجلا أم آجلا , أما رالف فبوسعه الحصول على فتاة أخرى بأشارة من أصبعه , فلماذا القلق بشأنه؟ ".

نيو فراولة 18-05-11 10:03 AM

ألتقطت جويس حقيبتها وطبعت قبلة على وجنة لورا قائلة:
" ها قد أتى التاكسي , ألن تقولي شيئا؟".
كتمت لورا رغبة بالأنفجار باكية وقالت :
" أتمنى لك السعادة بالرغم من البؤس الذي سبّبته لرالف, حاولي الأتصال بنا بأسرع ما يمكن فأبي لن يطمئن قبل سماع صوتك ولكن بالنسبة الى رالف...".
قاطعتها جويس:
" ماذا عن رالف؟ هو ليس طفلا ويستطيع الأعتناء بنفسه , الى اللقاء يا لورا".
رحلت جويس تاركة شقيقتها تقف حائرة وسط الغرفة الغرقة في الفوضى , بدأت لورا بترتيب الثياب واضعة كل شيء في مكانه , وعقلها يعمل على هضم الموقف وأيجاد المخرج اللائق لأخبار رالف بالأمر ,وبعد أنتهاء عملها جلست على السرير تتابع التفكير.
ما هي الطريقة الفضلى لمفاتحة الرجل بالأمر؟ من الأجدى أن تكون موضوعية معه ولا تظهر ذرّة من مشاعرها الدفينة لئلا يحس بأنها تحاول أستغلال الوضع , وفجأة تذكرت أن رالف يأتي عادة في المساء مما يتيح لها رؤية والدها وأخباره بالحدث , وهو يتولى رالف.
وشرعت لورا تحدث نفسها بصوت عال:
" يستطيع والدي التكفل بالأمر وأطلاعه على مضمون الرسالة , لا شك أن هذا أفضل الحلول وأسلسها , وبعدها سيعود رالف الى بيته".
جويس أدارت ظهرها لأحلام رالف دون أن تكلف نفسها عناء ألتفاتة أخيرة , ثم أين خاتم الخطوبة الذي أهداها أياه؟ خاتم نفيس أمضت جويس وقتا طويلا تصفه لها على الهاتف وتتغنى بذهبه وقطعة الماس الكبيرة التي تكلل وسطه , والتي جعلت رالف بشرائه يخالف تقليدا عائليا درج عليه آل فان ميروم منذ زمن بعيد , وهو أكتفاء نسائهم بخاتم من الياقوت مر على أصابعهن رمزل لأستمرار العائلة وتجدّدها.
ومن جديد قالت لورا:
" أرجو أن لا يتأخر أبي في العودة حتى ينقذني من هذه الورطة ".
لم تكد تنهي جملتها حتى سمعت صرير الباب فتنفست الصعداء , وتناولت رسالة جويس متوجّهة الى الطابق السفلي , ولما وصلت الى آخر السلم وقفت مصعوقة لأن القادم لم يكن والدها بل رالف بلحمه ودمه.
أبتسم الرجل قائلا:
" مرحبا يا لورا! لم أتوقع رؤيتك هنا اليوم , وسرعان ما لاحظ الرجل القلق والتوتر على وجه الفتاة فأختفت الأبتسامة وسأل عابسا , ما الأمر يا لورا؟ هل جويس بخير".
من الصعب , بل من المضحك المبكي أن لورا تستطيع في المستشفى التعامل مع أصعب الحالات ومواجهة أقسى المصائب , وها هي تقف أمام هذا الرجل لا تدري كيف ومن أين تلج الموضوع......تابعت التحديق به لاعنة كل لحظة تمر والقدر الذي رماها بمأزق محرج كهذا ,لو كان الأمر يتعلق بأي رجل آخر لما وجدت كل هذه الصعوبة في النطق , لكن رالف يختلف , فهي تحبه حبا صامتا معذبا وتود مساعدته بكل جوارحها دون أن تعلم ما السبيل الى ذلك.
خلع رالف معطفه ورماه على كرسي مسندا ظهره الى الباب, واضعا يديه على خصره وقائلا بهدوء ملفت:
" ألن تقولي ما الأمر؟".
بلعت الفتاة ريقها وأجابت بأرتباك:
" طلبت مني جويس تسليمك هذه".
منتديات ليلاس
رأت لورا القلق في عينيه وهو يقترب منها ليأخذ الرسالة , لكنه ظهر مسيطرا على أنفعالاته , وأستطاع كذلك ضبط مشاعره عندما فتح المغلّف وقرأ مضمون الرسالة قبل أن يفرغ منها ويعيدها الى المغلف بكل ترتيب.
أستوضح الرجل ببرود:
" أكنت على علم بذلك؟".
" لا ,فقد وصلت قبل ساعة تقريبا وفوجئت بجويس تحزم حقيبتها على أهبة الرحيل".
" ووالدك؟".
" تخلصت جويس منه ومن جدي بأن أقترحت عليهما الذهاب للتنزه في أحدى الحدائق العامة... ولا أنكر أنني تمنيت وصولهما قبلك لئلا أجد نفسي حيث أنا الآن".
أخفت أبتسامة رالف شيئا من التهكم ممزوجا بالمرارة أذ قال:
" مسكينة الشقيقة الكبرى بورا ! فهي تنوء تحت عبء زف الخبر العظيم...... وهي لم تحسن القيام بالمهمة".
" كنت أنوي مفاتحة والدي بالأمر وهو بدوره يخبرك به , فالكلام بين رجل وآخر في مواضيع كهذه يظل سهل..".
تحوّلت أبتسامة الرجل فجأة الى ضحكة مجنونة:
" أنت على خطأ , فأنا أفضل حديث المرأة المليء بالحنان والتعاطف".
خافت لورا من الغيظ المختبىء وراء ذاك الوجه الهادىء وتلك القسمات الجدّية , وسألته بتردد:
" ألا تنوي اللحاق بها قبل أن...".
تولى رالف أكمال السؤال:
" قبل أن يتزوجا , أليس كذلك؟ يا لك من فتاة غبية يا لورا! أتتصورين أنني سأجري وراءها لأعيدها اليّ ؟ أو لأجرها من شعرها كما كان يفعل رجال العصر الحجري !".
ضحك رالف ثم صمت فجأة ناظرا الى البعيد وقال متمتما:
" ربما كانت على حق , فأنا أكبرها بكثير".
وجفت لورا وقالت بشبه صراخ:
" لا يعقل أن تقول جويس هذا؟ وهو في أي حال غير صحيح , فأنت لست عجوزا وما زلت في الثامنة والثلاثين!".
" بالنسبة لك ربما , لكن لا تنسي أن جويس في العشرين".
شحبت لورا لملاحظته الأخيرة وتمكنت من التعليق :
" لا أظن أن السن تلعب دورا في هذه المسائل".
" ومن أين لك أن تعلمي؟".

نيو فراولة 18-05-11 10:05 AM

أصابتها كلماته في صميم كرامتها فكأنه يقصد أن لا خبرة لها في مسائل الحب والقلب لأنها لا تعرفها , أو لا تستأهلها....
" أنها المرة الثانية تكون فيها فظا بكلامك , ولكن لا بأس فأنا أفهم وضعك ومدى غضبك , لا بد أنك تشعر الآن برغبة في الأطاحة برأس أحد ما , وبالطبع لن أسمح بأن أكون هذا الأحد".
عادت السخرية الى نبرته أذ قال:
" وهل بوسعك منعي من الأطاحة برأسك؟".
" عليك أن تجتاز هذا المخاض العسير يا رالف فالحياة محكومة بالأستمرار , قد يكون قولي تقليدي , ولكن هناك الكثير من الفتيات الجميلات في هذا العالم...".
عندما تكلم رالف كان في صوته حزن عميق أثار في نفس لورا أضطرابا:
" يا فتاتي الطيّبة لا حاجة لأن أحظى بفتاة جميلة! أي واحدة بعد جويس تناسبني لأنني فقدت كنزا لا مثيل له ".
ضحك بخيبة مضيفا:
" وبما أن الأمر كذلك لربما تزوجت منك".
وبدون أن تدري ما تقول سألته لورا:
" ولم لا تفعل؟".
كيف السبيل لأسترجاع هذه الكلمات التي لم تكن لورا لتحلم بقولها يوما ؟ ولكن السيف سبق العزل , وما قيل قد قيل , رفعت الفتاة عينيها لتلتقي نظراته الداكنة وملامحه الخالية من أي أنفعال أة دهشة.
" الحق معك يا لورا , لم لا أتزوجك؟ عليّ أن آخذ العبرة ما حصل ولا أقرب من فتاة تصغرني بكثير كجويس حتى لا تنتهي علاقتنا بالطريقة نفسها , أما أنت فتناسبينني تماما من حيث العمر لأنك ناهزت الثلاثين أن لم أكن مخطئا".
لم تفهم لورا سبب قساوته المتعمّدة , لربما أراد أن يروي غليله بطريقة ما ولم يجد أمامه سواها ضحية وكبش محرقة , ظلت الفتاة صامتة في حين أكمل رالف:
" كلانا تخطّى سن الأيمان بالحب وحماقات المراهقة , وأنا شفيت الآن تماما من هذا الوهم بعد أن هجرتني جويس , لكن فكرة قضاء بقية حياتي عازبا لم تعد تستهويني بعدما كنت قاب قوسين أو أدنى من دخول القفص الذهبي ".
أقترب منها وأردف بلطافة:
" الزواج بيننا سيكون زواج صديقين , أنا لا أريد حبا وهياما بل أمرأة تشاطرني عمري وتنتشلني من وحدتي , أمرأة تدير المنزل وتستقبل الضيوف والأصحاب , هذا جلّ ما أطلبه منك , أتقبلين بهذا العرض أم تبقين بأنتظار فتى الأحلام الآتي على فرس ليخطفك ويذهب بك الى البعيد؟".
" كن على ثقة أنني لم أعده بأنتظاره أبد , وما عليك سوى النظر اليّ جيدا لتعلم ذلك , فأنا أدق أبواب الثلاثين ولم أكن يوما تلك الفتاة الساحرة التي تجعل من فتى أحلامها , لو صادفته , يلتفت اليها لحظة".
أومأ رالف برأسه موافقا ومضيفا نقطة جيدية الى هذا الحوار الهادىء اللامألوف الخارج عن قواعد المنطق والعقل.
" أفهم من كلامك أنك مستعدة للزواج مني؟".
" نعم".
مرّر رالف نظراته عليها طولا وعرضا سائلا:
" لا أفهم مدى تصميمك".
تمنت لورا لو تستطيع البوح بالحقيقة وتقول أنه فتى الأحلام الذي تحدّث عنه , لكنها أكتفت بالقول:
" لا شك في أنك تذكر كلام الدكتور بيرنيت عندما أجتمعنا في مكتبه , والحق يقال أن فكرة تمضية بقية حياتي في المستشفى ترعبني , لقد أمضيت عشر سنوات حتى الآن في التمريض , وهي مهنة أحبها كثيرا , لكن حياة الممرضة صعبة وقاسية لا تتيح لها القيام بالأشياء التي تحبها".
" أشياء مثل ماذا؟".
علمت لورا أن رالف يحاول أن يعيرها شيئا من أهتمامه في حين أن فكره منصب على الخبر المفجع الذي زفّته اليه , وبالرغم من ذلك تابعت الكلام لتضفي على الجو المشحون أكبر قدر ممكن من الواقعية , وبالفعل نجحت لورا في كبح جماح غضبه ومنعه من الأنفجار غيظا وأرتكاب أي عمل أحمق , وأزاء ذلك قالت في نفسها أن الأطفال محظوظون لأنهم قادرون على التعبير عمّا يجول في خواطرهم بحرّية , بينما هي ورالف يكتفيان بهذه المحادثة السخيفة مصطدمين بحواجز التعامل وسلاسل التقاليد الأجتماعية.
تمتمت لورا:
" أحب مثلا مطالعة كل الكتب التي تعجبني ".
وأضافت لما رأته يبتسم:
" أهوى الأعتناء بالحديقة والأزهار ,معاشرة أناس كثيرين ولقاء المجرّبين الذين يزيدونني غنى ومعرفة , لا كالذين ألقاهم يوميا في المستشفى ويمضون وقتهم بالتحدث عن الأمراض والويلات.....".
ظنّت لورا أنه لا يصغي اليها ولا يأبه بكلامها , لكنها غيّرت رأيها لما رأت نظراته المهتمة وظنّت لوهل أنه نسي جويس.
" أيكفيك أن تؤمن حياتنا الزوجية هذه الأشياء البسيطة؟ ألن تطالبي بالسفر مثلا أو حضور المسرحيات أو الذهاب الى حفلات؟ أتقنعين بحياتي الهادئة؟".
" أكنت مستعدا لتغيير أسلوب حياتك من أجل جويس؟".
تحجّر وجهه عندما سمع أسمها وأجاب:
" بالطبع كنت سأغير وجهة حياتي من أجل من أحب , كنت على أستعداد لفعل أي شيء يرضيها".
كانت جويس ستحظى بسعادة كبيرة أين منها ربع ما تحلم به لورا التي قالت:
" لن أزعجك أبدا ولن أكون متطلبة , أعترف أنني لا أرضي طموحك يا رالف لكن وجودي قربك يظل أفضل من الوحدة والأنعزال ".
وأستدركت أذ رأت التردد في عينيه:
" لا تخجل من القول أنك لم تقصد كلمة واحدة مما قلت , فالأنسان يتفوّه بأشياء بلهاء عندما يكون غاضبا".
قاطعها الرجل بقسوة:
" عنيت كل كلمة قلتها يا لورا وأن كنت أجهل الحافز الذي يدفعني الى الزواج منك , وهذا ما يجب أن يحملك على التفكير مليا قبل الأقدام على أي خطوة , عليك أن تفهمي أنني أبحث فيك عن مضيفة لأصدقائي , مدبرة لمنزلي , ضحية لساعات غضبي .... وبالمقابل لن تحظي بالكثير من رجل كسير القلب محطم الآمال , من رجل أعتاد العيش وحيدا وفشل بأنارة حياته عندما خذلته حبيبته وأدارت له ظهرها , أحذرك يا لورا من أنك ستعانين الكثير وستكرهينني وتلعنين الساعة التي قبلت فيها بهذا الزواج ".
توقف رالف منتظرا منها تعليقا:
" قد يكون كلامك صحيحا".
لم يفهم رالف الكثير من قول لورا فتابع:
" لماذا لا تعطين أدارة المستشفى شهر أنذار بترك العمل , فهذا يتيح لك التفكير مليا بقرارك".
شعرت لورا أن الوقت حان لوضع حد لهذا الحوار المجنون , فقالت:
" حسنا , ما رأيك بفنجان من الشاي فأنت لا بد متعب بعد رحلة طويلة؟".
قهقه رالف عاليا وأجاب:
" لا لست تعب , ولكنني أرحب بالشاي فهو الدواء الشافي لكل داء".

نيو فراولة 18-05-11 10:06 AM

4- عناق وحيرة


عادت لورا الى المستشفى ليل السبت متأخرة ولم تجد أيا من صديقاتها , فالجميع أوى الى فراشه في مثل هذه الساعة , أما هي فلم تنوي أبدا النوم وجلست على كرسيها الهزاز تراقب الظلام من نافذة غرفتها , الظلام ولا شيء غيره يرى من خلال النافذة , والمنظر في النهار ليس أجمل بكثير , أذ لا تشكل مداخن البيوت العتيقة والسقوف شبه المتداعية تلك اللوحة الرائعة , ولورا , في أي حال , لا تنظر الى شيء معيّن بل هي غارقة في التفكير بالأحداث التي تلاحقت عليها في اليومين الأخيرين , لقد بقيت في البيت يوما أضافيا بعد رحيل جويس حتى تشارك في تحمّل المشكلة ولا تتهم بالجبن والتهرب من المسؤولية , في الليلة ذاتها حضّرت العشاء للرجال الثلاثة , وبقي جها معها في المطبخ في حين جلس والدها ورالف في المكتبة يتحادثان , ولم يكف العجوز عن التحدث اليها بشتّى المواضيع ألا الموضوع الذي يشغل عقلها , لذا كانت هي البادئة في السؤال:
" ما رأيك يا جدي؟ ألا تعتقد أن جويس حطّمت قلب رالف؟".
أستوى العجوز في كرسيه العتيق وهو يربت على ظهر الهر سوكي الرابض على ركبتيه وقال:
" لا غرابة في أن يكون الرجل محطم القلب لكن الغمامة ستنقشع قريبا عندما تتفتح بصيرته".
عقبت لورا على ذلك وهي تحرك الحساء:
" أتعني بالغمامة أن رالف لا يحب جويس حبا حقيقيا؟".
" لنقل أنه كان وما يزال يعتقد أنه يحبها , وأي رجل آخر يقع في الفخ نفسه نظرا لفتنة جويس وسحرها , لكن الحياة الزوجية لا تبنى على فتنة الزوجة وسحر جمالها لأن العقل ما يلبث أن يسود الساحة ويطرد الأوهام والعواطف الجياشة".
" ومتى يعود رالف الى رشدة برأيك؟".
" لم السؤال يا عزيزتي ما دام الجواب بحوزتك؟".
" ماذا تعني؟".
" ألم تلاحظي الفارق بين حبّك لرالف وتعلق جويس به ؟ وجدت شقيقتك فيه رجلا وسيما ثريا , ناضجا , يستطيع تلبية كل رغباتها , وهي بالرغم من كل هذه المغريات لم تكن واثقة من صدق مشاعرها نحوه".
" حبي لرالف ! ماذا تقول يا جدي؟".
" لا تقلقي يا فتاتي , فلا أحد غير جدّك يجيد قراءة الأفكار وفضح أسرار القلب".
" كيف عرفت أنني أحبه؟".
" أنسيت أننا كنا دائما صديقين حميمين, وأنا أعرفك يا لورا أكثر مما تعرفين نفسك , وبناء عليه يغدو سؤالك في غير محله بعض الشيء".
أنهت الفتاة تقطيع الخبز ونظرت الى جدها قائلة:
" سأبوح لك بشيء مجنون .......رالف قد طلب الزواج مني , حدث ذلك بعد رحيل جويس مباشرة , في وقت كان الجرح ساخنا , فقال لي أنه مستعد للزواج من أي فتاة يصادفها ,وسألته لم لا أكون هذه الفتاة؟ وافق وتحدّث قليلا عن شروطه , فحاولت أن أعيده الى صوابه , لكنه أصر على موقفه وأقترح عليّ أن أنذر أدارة المستشفى بتركي العمل... لقد أفهمني بما لا يقبل الجدل أنه لم يعد يؤمن بالحب ويحتاج فقط لأمرأة بجانبه تدير المنزل وترعاه".
" أرى أن موقفه طبيعي جدا بعد الذي حدث , وأنت ستقبلين عرضة , أليس كذلك يا لورا؟".
لم يخطىء العجوز الهولندي في تكهنه , فلوا وافقت ضمنيا فور تلقيها العرض لأنها لا تحلم بفرصة أخرى مماثلة في حياتها , وفي وقت متأخر من الليل نفسه أتصلت جويس هاتفيا , وكالعادة أستطاعت أن تنتزع العفو من والدها ورضاه عن فعلتها , وطمأنته الى أنها سعيدة جدا مع لاري , وأنها ستقنعه بالمجيء لزيارة العائلة قبل سفرهما الى أنكلترا , كما أكدت أن ثراءه اللامحدود سيخوّلها المجيء الى أنكلترا ساعة تشاء , ومن الملفت أن جويس لم تشر في حديثها الى رالف ولو بكلمة واحدة , فأضطرت لورا الى جذبه بحيلة الى المطبخ وتأخيره هناك حتى تنتهي المكالمة ,والطبيب الهولندي أنساق وراء دهائها مختارا , وتبرّع بمساعدتها في غسل الصحون حتى لا تخونه أعصابه وينتشل السماعة من يد والد عروسه الضائعة ليسمعها بعضا مما يجيش في صدره , عندما أنهى رالف تنفيذ عقوبة غسل الصحون قال وهو ينشف يديه وبصوته الهادىء الذي بدأت لورا تكره بروده:
" شكرا يا لورا على أزاحتي من الطريق في هذا الوقت الحرج , أتمنى أن تجيدي التصرف في المستقبل كما فعلت اليوم".
منتديات ليلاس
تساءلت لورا عن سبب وثوقه من أنها ستقبل به زوجا وكأن الأمر صار مفروغا منه , ولكنها لم تتمكن من تعنيفه فأكتفت بالقول:
" أظن أنك كنت ستنسحب تلقائيا دون تدخلي لتخفّف عن والدي وطأة التحدث الى جويس بوجودك".
" يا لك من فتاة طيبة تحاول أعادة التوازن الى رجل ثائر ! أنا أكره الشفقة يا لورا , فلا ضرورة للتمثيل لكي تظهري كل هذا التعاطف المسرحي معي!".
قالت لورا في نفسها ما كان يجدر قوله عاليا : لقد ركب المغرور هذا رأسه ! لا بأس فتصفية الحساب ستؤجل الى ما بعد الزواج.
أنتهت السهرة بعد ذلك وأوت الى سريرها وقرار تصفية الحساب متين لا تراجع عنه.

نيو فراولة 18-05-11 10:07 AM

يوم الأثنين توجهت لورا الى مكتب المسؤولة عن الشؤون الأدارية للمرضات وقدّمت الأنذار بترك العمل , فبدا الذهول على وجه المسؤولة وكأن ما يحصل أمامها حلم مزعج , ذلك لأن لورا تعتبر من الممرضات الثابتات المستقرات في المستشفى واللواتي يعتمد عليهن في أي خطوة تطويرية تتم فيه.
تمكنت الآنسة مور من تجاوز المفاجأة وسألت بشيء من الخجل :
" من هو صاحب الحظ السعيد يا عزيزتي؟".
" الدكتور فان ميروم يا آنسة مور".
حارت لورا في تفسير نظرة الآنسة مور , فهي تراوحت بين الذهول المطبق والتهكم الموجع.
" هذا يعني أنك ستستقرين في هولندا , أليس كذلك؟ أتمنى لك أذن كل السعادة ,وأعتبري أستقالتك مقبولة من اليوم آنسة ستانديش".
بدت نبرة مور عندما تكلمت غير واثقة من نيل لورا السعادة في زواجها , وهي لربما كانت على حق , لكن لورا مصممة على أنشاب أظافرها في هذه الفرصة وعصرها عصرا حتى تصل الى مبتغاها , فأن فشلت الآن لن تنجح أبدا .... لم يكن من المجدي أبقاء أمر تركها المستشفى والزواج طيّ الكتمان , لأن الآذان الفضولية ستكتشف الأمر بطريقة أو بأخرى , فقررت لورا أخبار آن أن يسري الخبر سرا سريان النار في الهشيم , وما كادت آن تعلم بالأمر حتى أنتشر انبأ في أرجاء المستشفى مفاجئا كل من سمعه , كون الجميع يعلم أن رالف كان ينوي الزواج من جويس شقيقة لورا , لكن رصيد الممرضة في وسطها وحب الجميع لها جعلا الفضوليين يلجمون ألسنتهم ويحجمون عن طرح الأسئلة اللجوجة المحرجة , وهذا لم يمنع بالطبع توجيه الأسئلة الأخرى البريئة : أين ومتى سيتم الزواج ؟ أين سيكون المقر الزوجي؟ ماذا سترتدي العروس يوم العرس؟ وأضطرت لورا للأجابة على هذه الأسئلة وغيرها لأختراع الأجوبة كونها لا تملك أي فكرة حول الموضوع , لا بل هي لا تعلم ما أذا كان رالف ما يزال مصمما على الزواج م أنه غيّر رأيه , حضر رالف في آخر الأسبوع الى المستشفى ليراها , لكنه أختار وقتا غير ملائم للقيام بالزيارة , فلورا كانت مشغولة بأقناع أحد المرضى الهائجين بعدم نزع المصل من يده , والرجل قد فعل ذلك ثلاث مرات في أقل من ساعة , وما زاد الطين بلّة وجود لورا وحيدة معه أذ أن كل زميلاتها ذهبن لتناول العشاء , وهذا ما منعها من ترك المريض الهائج لتتصل بجورج وايت فيأتي ويفعل اللازم ,أي حقنه بالمزيد من المهدئات مع العلم أن المهمة شاقة للغاية.
خرجت لورا لمّا سمعت وقع خطى رجل فقالت دون أن تلتفت:
" الحمد لله على مجيئك يا جورج لتساعدني على هذا الرجل".
لاحظت الممرضة أن اليد التي أمتدت لم تكن يد جورج نظرا لنوعية القماش الفاخر الذي يغلّفها , أستدارت لورا نحو رالف وقالت بغباء:
" أهذا أنت؟".
" البطل يصل دائم في الوقت المناسب لينقذ حبيبته من براثن الشر ".
أبتسم الرجل متابعا :
" سأمسكه بينما تذهبين لأحضار ما يازم".
قبل أن تفعل قدّمت لورا شرحا مقتضبا عن حالة المريض:
" أنه مصاب بجرح كبير في الرأس مع أرتجاج في الدماغ , ويحتاج الى من يراقبه طول الوقت , لذلك أنا بأنتظار فريق الليل لأبقي أحدا قربه".
أتجهت لورا بسرعة نحو مكتبها حيث حضّرت حقنة مهدئة وعادت الى سرير المريض , أما رالف فظل ممسكا بيده بقوة ولم يتركها ألا عندما بدأ مفعول الحقنة يظهر على عيني الرجل الذي ما لبث أن غطّ في نوم عميق , أستوضح الطبيب الهولندي:
" أين سائر الممرضات؟".
" لا بد أن يعدن من العشاء بين دقيقة وأخرى".
علّق الرجل على ذلك بنعومة ولكن كلامه جعل لورا تحمر غيظا :
" ليس من الحكمة أرسال جميع الممرضات لتناول العشاء والبقاء وحيدة بوجود حالة كهذه".
" لدي ممرضتان حديثتا العهد بالمهنة , فلم أشأ أرسال واحدة وأبقاء الأخرى معي , حتى لا أضطر الى ترك واحدة بمفردها عندما أذهب لكتابة التقرير اليومي وتذهب الثانية بدورها الى العشاء".
" حسنا فعلت يا لورا , هل قد حضرت ممرضتاك فأذهبي لكتابة التقرير , وما رأيك ببقائي هنا لمراقبة المريض الثائر بينما تهتم الفتاتان بالباقين؟".
نظرت اليه لورا متعجبة:
" أجاد في ما تقول؟ شكرا على لطفك فالفتاتان لم تعتادا بعد على هذه الأجواء ووجودك يسهّل مهمتهما , لن أغيب أكثر من عشر دقائق".
وبالفعل عادت لورا في الوقت المحدد وسلّمت الجناح لممرضة نوبة الليل , تساعدها فتاة وممرض كلّف الجلوس الى جانب المصاب بأرتجاج في الدماغ , وقبل أن تخرج بصحبة رالف وجهت لورا التحيات الى كل مريض بمفرده , وعلى السلم ظلّ الرجل صامتا الى أن سألها فجأة:
" ما رأيك بتناول العشاء؟".
" ولم لا؟ أبا ق هنا؟".
" نعم , سأبقى في لندن لأضطراري الى حضور أجتماع هام يعقد غدا , جئت بالطائرة خصيصا من أجله".

نيو فراولة 18-05-11 10:09 AM

دققت لورا في وجهه لتجد أنفعالا شاردا أو أحساسا هاربا وسألت:
" هل من جديد عن جويس؟".
خيّب رد فعله آمالها فوجهه ظل جامدا كالصخر وصوته لم يفدها أكثر , أذ أجاب:
" وكيف لي أن أعلم شيئا عنها؟ ثم ما الفائدة من ذلك؟".
" ظننت أن.... أنها قد تتصل لتحاول شرح.....".
لم يدعها رالف تكمل جملتها:
" لقد شرحت كل شيء في رسالتها فلا حاجة لأن تتصل بي خصوصا أنها صارت أمرأة متزوجة".
نظر رالف اليها بمكر وزاد :
" ألا أذا كنت تخشين أكتشافها لخطئها وعودتها أليّ نادمة ...... لا يا عزيزتي , أطردي هذه الأوهام من رأسك".
وصلا الى الرواق المؤدي الى سكن الممرضات فتوقفت وقالت:
" سأذهب الى غرفتي الآن".
" سأكون بأنتظارك على المدخل الرئيسي فأرجو ألا يستغرق غيابك أكثر من عشر دقائق".
أبتسمت لورا وهي تتخيّل تعليق جويس على كلام كهذا , أما هي فلا تحتاج في الحقيقة الى أكثر من دقائق لتعتني بمظهرها العادي , وهكذا أستحمت بسرعة , ثم زيّنت وجهها ببساطة كبيرة وسرّحت شعرها بالطريقة عينها , وأخيرا أرتدت فستانا رماديا لماعا يشكل الخروج الوحيد من كلاسيكيتها في التأنق , كما أضاف معطف من اللون عينه وضعته على كتفيها ومشلح وردي لفّته حول عنقها شيئا من الرونق والبهجة الى مظهرها , وتوجهت أخيرا نحو المدخل وعيناها تراقبان بزهو حقيبة يدها وحذاءها اللذين أشترتهما بسعر مرتفع منذ بضعة أسابيع في غمرة ما أعتبرته فورة تبذير , على البوابة الرئيسية وجدت رالف متكئا الى حائط يتحادث والدكتور بيرنيت , توجّه الرجلان اليها لما شاهداها ووقف الثلاثة يتحدثون لبضع دقائق قبل أنسحاب بيرنيت.
" أسجل لك نقطة أيجابية يا لورا , وهي دقة مواعيدك , لنستقل سيارة أجرة".
عبرا الشارع الى الطريق العام حيث وفّقا فورا بسيارة , صعدا اليها وقال رالف للسائق:
" الى مطعم البارون في شارع غوتر من فضلك".
ولما رأى الرجل أبتسامة لورا سألها:
" أتعرفين المطعم؟".
شعرت لورا أن في صوته ضجرا عميقا فودّت لو أنها لم تحضر الى هذه السهرة".
" لا ولكنني أعرف الطاهي لأنه كان نزيل المستشفى منذ مدة قصيرة".
لم تجد الفتاة ما تقوله غير ذلك ورالف لم يساعدها بدوره على أيجاد موضوع للتحادث , ولحسن الحظ لم تكن الرحلة طويلة فما هي ألا دقائق حتى بلغا مقصدهما , سرّت لورا لما رأت المطعم يغص بالناس مما يلطّف الجو ويضفي على جلستهما شيئا من مرح المحيطين بهما , وجلست الفتاة الى الطاولة وفكرها مشغول بالبحث عن مواضيع تثير أهتمام جليسها حتى لا يشعر بالسأم , تنوّعت طلباتهما بين السمك وشرائح العجل المشوية أضافة الى مقبلات متنوعة , ولما أبتعد الخادم حاملا ورقة الطلب في يده , أستوى رالف على كرسيه وقال بواقعية:
" لنناقش بعض المسائل بروح عملية".
منتديات ليلاس
رمقته لورا بنظرة خائفة , وهي تتساءل ما أذا كانا سيمضيان حياتهما الزوجية بالروحية العملية الجافة , فالعمر دون مسحة عاطفة وغلاف شعور , أيام تنساب بلا معنى ولا نكهة , ولكن لا بأس , فلعل عامل الوقت ينسيه جويس ويولّد في نفسه أتجاه لورا الحرارة التي كان يلفح بها الأولى عندما يكلمها أو ينظر اليها , حبّذا لو يعود بريق الحب الى عينيه المحفورتين في وجهه كقطعتي فحم أسود ...
وافقت الفتاة على أقتراحه وهي ترتشف بعضا من عصير التفاح الطازج الذي أنعشها وساعدها على مواجهة ما يريد رالف بحثه , لكن الرجل لم يحرك ساكنا وظل يراقبها كأنه ينتظر منها أن تبدأ الحديث , ولورا بدورها بقيت صامتة تصب أهتمامها على الكوب الذي أصبح نصفه فارغا , أخيرا نطق الرجل:
" تبدين جميلة الليلة بتخلّيك عن الملابس السخيفة التي ترتدينها في البيت".
سرّت لورا بهذا الأطراء رغم كون شقّه الثاني لاذعا وعقّبت بحدة :
" وماذا تريدني أن أرتدي عندما أقوم بكل الأعباء المنزلية؟".
" لن تكوني بحاجة للقيام بأي عمل في المستقبل لأن مدبرة المنزل ممتازة وستريحك من التنظيف والطهو ".
وأستدرك رالف:
" لا أعني بالطبع أن طهوك سيء فقد أتحفتني بعدة أكلات شهية".
ضحكت لورا معلقة وهي تشير الى شريحة اللحم أمامها:
" شكرا على المديح وأن كنت بعيدة عن مستوى الطاهي الذي أتاني بهذا الطبق اللذيذ ".
ومرة جديدة أرادت لورا أمتحانه فتابعت:
" جويس طاهية سيئة للغاية".
تحوّلت قطعتا الفحم الى جليد أسود وقال صاحبهما:
" لا أرى الفائدة من هذا الحديث , أفلا كففت عن ذكر جويس بمناسبة وبدون مناسبة".
" فليكن ما تريد رغم أنني لا أؤمن بقدرتك على نسيانها بالبساطة التي تزعم ".
أزاء صمته أضافت:
" ما هو تعليقك على قولي؟".
لم ينبس رالف ببنت شفة بل أكتفى بالسؤال بعد صمت طويل :
" هل قدّمت أستقالتك من العمل؟".
" نعم , سأترك المستشفى بعد ثلاثة أسابيع ويوم واحد".

نيو فراولة 18-05-11 10:10 AM

" هذا يعني أن الزواج سيتم في أوائل تموز ( يوليو) , موعد مناسب تماما يتيح لنا تمضية عطلة قصيرة قبل العودة الى هولندا".
" ألا ترى أنك تنفرد بقراراتك بعض الشيء؟".
" أفهم من ذلك أن وقتك لم يسمح بأتخاذ القرار النهائي".
"تماما , أتساءل كيف تستطيع أعتبار المسألة منتهية بهذه السرعة , علينا وضع النقاط على الحروف حتى نبني حياة مشتركة ناجحة , وأول ما يجب توافره هو الصراحة المطلقة المطلقة بيننا بأعتبارنا صديقين".
" أنت على حق يا لورا فالصراحة عنصر أساسي في الحياة الزوجية , كما أود أن ألفتك أنه على واحدنا الحرص على عدم التدخل في شرون الآخر ".
لمح رالف الذهول في عينيها وأردف:
" هذا يعني أننا سنعيش معا براحة ورفاهية مع الحفاظ على خصوصيات وحميميات كل منا بعيدة عن منال الآخر".
أثار قوله الرعب في نفس لورا وشعرت برغبة كبيرة في ترك المطعم والرحيل عنه بعيدا , لكنها لا تستطيع أن تهرب من حبّها لهذا الرجل المتغطرس المتكبر الجالس أمامها والذي يملي عليها مستقبلا تستبعد أن يجلب معه حب رالف , ولكنها تأمل أن يحمل لها حياة هادئة وشيئا من العاطفة تتولد في نفس حبيبها نحوها , وفي أي حال هي لا تملك شيئا بديلا أذا رفضت الزواج من رالف , فساعتها ستقع في الفراغ القاتل.
وافقت الفتاة على كلام الطبيب مازحة:
" فكرة سديدة ,والآن ماذا عن حفل الزفاف؟".
" سأصحبك من البيت بسيارتي , ونذهب لنتزوج في أحدى المناطق الريفية".
" أنا لا أحب الضجة وأحبذ هذه الفكرة أيضا , أين تقطن في هولندا؟".
" منزلي يقع في منطقة ريفية بين مدينتي هيلفر سوم وبارن , وهو محاط بالغابات الواسعة وقريب من عدة قرى صغيرة , وموقعه هذا أستراتيجي جدا بالنسبة لعملي فيتيح لي الحصول على زبائن من المدينتين ومعاينة المرضى في مستشفى كل منهما كما أنني أستقبل بعض المرضى في منزلي , ويعاونني شريكي الطبيب الشاب يان فان نيهوف".
ومرة أخيرة حضر الخادم بطبقين فأنتظرت لورا ذهابه حتى سألت:
" أليس لك عائلة؟".
" لي أخت متزوجة تعيش في دن هاغ , وشقيقان طبيبان , أحدهما يعمل في كندا والثاني فتح عيادة في ليدن , أما والدتي فمتوفاة , ووالدي تقاعد من العمل الطبي مقصرا نشاطه على ألقاء بعض المحاضرات في الجامعة والأعتناء بحديقة منزله الواقع في لوتين قرب هيلفرسوم".
علقت لورا وهي تكاد لا تصدق ما سمعته:
" الجميع في العائلة أطباء؟".
" جميع الذكور , كما أن شقيقتي منزوجة من طبيب جراح في العظم".
لما رأت لورا الأبتسامة النيّرة على وجهه تشجعت وسألت:
" أتعلم العائلة بأمر زواجك؟".
" هم يعلمون بأن الزواج مجرد أحتمال مطروح".
تنهدت الفتاة بأرتياح:
" أذن هم ليسوا على علم بأنني بديلة جويس".
هز رالف برأسه موافقا ثم غيّر الموضوع وأنهمك بأختيار نوع من الحلوى لأختتام العشاء , ولما أحضر الطبقان الأخيران ألتهم رالف ما أمامه بنهم في حين لم تجد لورا لذة تذكر بسلطة الفاكهة المنوّعة , بل صبّت أهتمامها على الحديث عن الطقس الجميل والمشاريع الصيفية , عن الكلب الذي أنقذاه على الطريق , وتطرّقت الى مواضيع أخرى مختلفة لا يقل واحدها سخافة عن الآخر , وفي هذا الوقت كان رالف يجيب على أسئلتها بقدر كبير من التهذيب وبذرّة من الأهتمام , أذ أن فكره مشغول بوضوح بأشياء مغايرة تماما لأحاديث رفيقته , نهض الأثنان أخيرا وتوجّها الى المستشفى دون أن تكف لورا عن توجيه عبارات الشكر والود التقليدية لرالف ..... وعندما ترجلا قرب المدخل الرئيسي خرجت الفتاة عن تحفظها وقالت:
" لا...... لن ننجح , فأنا مملة جدا وأحس بأنك تكره كل لحظة تمضيها بصحبتي! فلنوقف هذه المهزلة قبل فوات الأوان!".
قبض الرجل على ذراعها بشدة حتى كادت تصرخ من الألم , وقال:
" آسف يا لورا أذا ظهرت منزعجا , لكنني في الحقيقة لم أكن كذلك , جلّ ما في الأمر أنني فشلت في مجاراتك وفي بدء علاقة جديدة بطريقة مناسبة , عليك مساعدتي بالتصرف تصرفا طبيعيا بعيدا عن التكلف , وأعترف أنك نجحت حتى الآن بالقيام بهذه المهمة بسبب هدوئك وتواضعك , أرجوك أن تصبري عليّ قليلا لأشفى من رواسب صدمتي ......".
أبتسم الرجل بعصبية وأضاف:
" أنا أنسان فاشل , أليس كذلك؟ أحس كأنني أفقت لتوي من حلم رائع وفتحت عيني على الواقع , وأنا بالتالي محتاج الى كثير من الوقت لتتوضح صورة هذا الواقع أمامي من جديد ".
خفّف الرجل من شدة قبضته وتابع:
" لا أظن يا لورا أنه بأمكاني البوح بما قلته لأحد غيرك".
أنحنى رالف فجأة وعانقها بحنان وهي تنظر اليه باسمة لا تدري ما تقول أو تفعل , أتبكي أم تضحك؟ أتفرح أم تحزن ؟ موقف غريب ومحيّر لم تعرف له مثيلا في حياتها , وبعد ذلك فجر رالف قنبلة جديدة أذ قال:
كنت مخطئا عندما قلت أنك فتاة غير جذّابة".

نيو فراولة 18-05-11 10:13 AM

لم تجد لورا الكلمات المناسبة للتعليق فتمنت له ليلة طيبة وأنسحبت الى غرفتها , حيث جلست أمام تحدق في وجهها , ولما تأهبت للذهاب الى النوم قالت في نفسها : لا بد أن الضوء كان خافتا عندما أبدى ملاحظته الأخيرة , في اليوم التالي فوجئت لورا برالف يصل الى مكتبها بينما هي غارقة في خضم من الأوراق , وعاجلها بسؤال شكلي ما دام قد حصل على الجواب بطريقة ما:
" هل أنت حرّة بعد الخامسة؟".
" نعم , لماذا؟".
" بأمكاننا الذهاب الى قريتك لأتمام بعض معاملات الزواج لدى السلطات المحلية أذا وجدت نفسك مرتاحة".
لم يخن صوتها الهادىء الأثارة في داخلها عندما قالت:
" فكرة جيدة ,لكنني قد أتأخر الى ما بعد الخامسة بقليل".
منتديات ليلاس
مكث الرجل عندها بضع دقائق ثم ذهب وتركها مع أوراقها وتكهناتها , وأخذت تفكر بالعرس البسيط الذي يريده رالف , وبالعطلة القصيرة التي سيمضيانها قبل السفر الى المنزل الزوجي في هولندا , أتستطيع لورا أعتبار هذه العطلة شهر عسل أم أن الزواج المعقود ( بالتراضي) لا يعترف بهذه التفاهات الرومنطيقية , لم يطرد األأفكار السوداء من رأسها سوى تفكيرها بما سترتديه في يوم العرس , وساهم هذا الأمر بعودة النشاط اليها وأستطاعت أنهاء التقرير اليومي وتسليمه لبديلتها آن , أرتدت لورا ملابس البارحة نفسها , وهو أمر لا تفعله جويس, وبذلت كل ما في وسعها حتى لا تتأخر كثيرا , ومع ذلك كانت عقارب الساعة تشير الى السادسة لما فتحت باب الغرفة لتنزل الى المدخل , وبينما هي تقفز السلالم تذكرت أن رالف ليس لديه سيارة , وأنهما سيضطران الى ركوب القطار المزدحم في مثل هذه الساعة أزدحاما خانقا , ولكنها مخطئة أذ عندما وصلت الى بوابة المستشفى رأت رالف متكئا على مقدم سيارة قديمة من طراز موريس تخص جورج وايت , بادرت الفتاة الى القول:
" مرحبا , قل لي بحق السماء كيف أستطعت أقناع جورج بأعارتك سيارته , فهو لا..".
قاطعا رالف:
" لكل قاعدة أستثناؤها , لقد أقسم لي أنها تمشي كالغزال , والمهم أن توصلنا , أما أذا تعطلت فسيكون ذلك درسا قاسيا لأنني لم أحضر سيارتي".
" لماذا لم تحضرها؟".
أجاب رالف والسيارة تتغلغل في زحمة شوارع لندن:
" لم يكن لدي المتسع من الوقت وأردت رؤيتك بسرعة يا لورا , لذا جئت بالطائرة".
لم تجد لورا تعليقا سوى أيماءة برأسها وظلت ساكتة حتى خرجا من المدينة وبلغا ضواحيها وهناك أستوضحت:
" ما سبب رغبتك برؤيتي؟".
" أردت التأكد من نهائية قرارك فأنا من جهتي عاقد العزم على المضي بالخطة حتى النهاية".
زاد رالف من سرعة السيارة القديمة والتي فوجىء بقوتها ومتانتها , ولورا جالسة بقربه تحلل كلماته معتبرة أنه يبذل وسعه لينسى جويس والخيبة التي هزّته أثر رحيلها , ثم أمعنت النظر في وجهه متسائلة عن صحة عزمه على تنفيذ الأتفاق الذي يريد عقده معها , هل من المعقول أن يمضي رجل حياته مع أمرأة بدون أن يلوّن علاقتهما بالعاطفة , أم أن رالف سيلين ويمنحها بعضا من حنانه؟ المهم ألا تظل ذكرى جويس هاجسا ملازما لهما تقضّ مضجعهما وتفسد حياتهما , قطعت لورا تساؤلاتها قائلة:
" أسلك المنعطف التالي الى اليمين فالطريق من هنا أقصر".
شرع رالف يتحدث عن أشياء متنوعة وغير مهمة , لكن لورا سرّت بها أذ أكتشفت من خلالها أنهما يملكان آراء ومواقف مشتركة من كثير من الأمور , وشيئا فشيئا شعرت بالأنسجام التام معه وزوال أي حاجز أو تحفظ بينهما , ولما وصلا الى البيت كانت لورا في قمة أرتياحها الى الرجل الذي سيشاطرها حياتها , مرت الأمسية بشكل مرض , أذ وافق الوالد بسهولة على الزواج في حين أن العجوز تصرّف كأن الثنائي مصمم على الزواج من زمان أو كأن لا وجود لعلاقة سابقة بين رالف وجويس , ثم جلس الأربعة يتحادثون لنصف ساعة وبعدها أنسحب الثنائي الشاب لمقابلة مختار القرية, أستقبلهما الرجل الفضولي الللجوج وأغرقهما بأسئلة لا تنتهي , حتى أنه قال لرالف:
" أعتقدت خطأ أن صغيرتنا جويس هي التي كانت ستصبح عروسا لك , لقد أرتني يوما خاتما ثمينا رفضت أن تقول لي من قدّمه لها ,والآن عرفت أنه ذلك الشاب الأميركي الثري , من المؤسف أنهما لم يتمكنا من عقد قرانهما هنا في القرية , ويبقى المهم أن يسعدا في حياتهما ويبنيا عشا زوجيا متينا , نظر ارجل الى لورا مستوضحا , هل وصلتكم أخبار جديدة عن شقيقتك؟".
تولى رالف الأجابة بأيجاز معيدا ذاكرة المختار الى أمر زواجه , ثم سأله:
" أتعتقد أن العاشرة صباحا وقت مناسب للزواج , أم أنه موعد مبكر؟".
أجاب المختار:
" بالطبع لا , خاصة أنكما تريدان زواجا بسيطا هادئا , لا شك أن أهل القرية يتمنون حضور الزفاف نظرا لشعبية اورا ومحبة الجميع لها".
أبتسم الرجل بخبث قائلا:
" ترى ماذا سترتدين للمناسبة يا عزيزتي؟ وما أزال أذكر ملابسك الجميلة عندما أقام والدك حفلا لذكرى ميلادك من ثلاثين سنة بقليل".
لم تتمالك لورا من الأرتجاف لهذه الملاحظة القاسية التي أراد فيها الرجل تسجيل نقطة أو تنبيه رالف الى عمر عروسه , ومع ذلك قالت بكل ثقة:
" لم يتح لي الوقت للتفكير بما سأرتدي يا سيد كارتر , أعذرنا لأضطرارنا الى الأنصراف أذ لدي عمل في الغد , فهل أتفقنا أذا على الساعة العاشرة؟".\
عاد رالف ولورا الى البيت , كما ذهبا , سيرا على الأقدام , وفي الطريق قال الرجل:
" أعتقد أن أهل القرية سيفرحون لو أقمنا عرسا بهيا وسارت خلفك عشر وصيفات يحملن الطرحة البيضاء الطويلة".
لم تعلق لورا على هذا الكلام بل أستسلمت لنظراته تتفحصها جيدا ليخرج بنتيجة جديدة:
" أنت تبدين أصغر من عمرك الحقيقي يا لورا".
شكرته الفتاة متظاهرة بالغباء ومعتبرة كلامه مديحا , مصممة على الأنتقام منه في المستقبل والرد على كل ملاحظة جارحة يبديها بحقها , مرت بقية الأمسية بسلام أذ أستطاع رالف الأنسجام في أحاديث والد لورا وجدّها المحنك , بدون أن يبدي ما يكشف الألم الذي يعتصر قلبه , ولم تلاحظ لورا عليه شيئا ألا عندما ذكر العجوز عمدا أسم جويس فتوتّر الطبيب الشاب قليلا وفي عينيه ما يشبه الحنين , ومع ذلك أستمتعت لورا برحلة العودة , ولو أظهر رالف المزيد من الأهتمام بحفل الزفاف وبأحاديثها عامة لأستمتعت أكثر , في المستشفى أوصلها الى جناح سكنى الممرضات متمنيا لها ليلة هادئة وواعدا بلقاء قريب ومضيفا قبل أن ينسحب:
" أنا مدين لك بخاتم أرجو ألا أنسى أحضاره في المرة المقبلة ".
تعجبت لورا لهذه الطريقة الغريبة لأتمام خطوبة , وكأن الأمر بسيط للغاية يتعلق بشراء علبة سجائر.
أوت الممرضة الى فراشها وهي تقول في نفسها أنها ما كانت تقبل بالزواج من رجل محطم ومجرد من الشعور كرالف , لولا أنها واثقة من صلاحها زوجة له وقدرتها على أن تنسيه جويس المشاكسة رغم غيابها.




" أتفقنا".

نيو فراولة 18-05-11 10:14 AM

5- زوجان أم صديقان؟


مرّت الأسابيع الأخيرة للورا الممرضة بسرعة البرق , لا سيما أنها أمضت أوقات فراغها في الأسواق منفقة قسما كبيرا مما أدخرته خلال سنوات عملها على شراء الثياب , وأختارت ثيابا مميزة تضيف لمحة جذّابة الى تكاوينها العادية غير الموحية , وبالنسبة الى ما سترتديه يوم الزفاف أنتقت فستانا يتراوح لونه بين الأبيض والرمادي , وقبعة بيضاء مخططة بالأحمر تتناسب تماما مع خاتم الياقوت الذي أهداها أياه رالف والذي سبق لجويس أن رفضته لأنه غير عصري , ولورا لا تملك بالطبع قدرة جويس , وهي في أي حال أعجبت بياقوتاته الحمراء الثلاث المحاطة بترصيعات من الماس والمصبوبة في أطار من الذهب , كما أعتبرت أن كونه مناسبا لحجم أصبعها بسير خير وفألا حسنا , وأنفقت ما بقي لديها من المال على مزيد من الملابس والأحذية الصيفية والشتوية وعلى ملابس النوم الفاخرة , وبعد أن فرغ جيبها من السيولة تنبهت الى أن فساتين السهرة التي لديها لم تعد تناسب الموضة الجديدة , ولكنها أملت بألا يكون رالف من النوع الذي يحب الخروج الى السهرات وألا لأفتضح أمرها , وبينما هي تفكر في حل لهذه المشكلة جاءها الفرج غير المتوقع , أذ وصلها شيك بمبلغ محترم من والدها , وهكذا صرفت المال على شراء فستانين طويلين , الأول زهري اللون يصحبه مشلح من لونه والثاني اللون بلون عينيها محاط بالدانتيلة على كمّيه القصيرين وقبّته المفتوحة حتى أعلى الصدر , عندما رضيت لورا وأكتفت دعت زميلاتها لرؤية حصيلة المشتريات , وسّرت كثيرا لمّا فاجأنها بهدية حلوة هي عبارة عن حقيبة كبيرة لوضع الثياب الزوجية , وضبّت الفتاة ملابسها الجديدة في هذه الحقيبة وودّعت معارفها قبل أن تغادر المستشفى نهائيا في اليوم التالي.
عملت لورا على أرسال أغراضها وثيابها الى البيت بأنتظار أن يمر بها رالف في طريقه من هولندا , ولمّا حان الوقت كان الطبيب الهولندي بأنتظارها على المدخل وهي خارجة اليه محاطة بجمهرة من صديقاتها الحميمات , وهذه المرّة لم يأت الرجل بسيارته الصغيرة السريعة بل بسيارة فخمة رمادية من طراز رولز رويس , أوقفها في باحة المستشفى , شعرت لورا بالتردد أزاء هذا المشهد ووقفت في مكانها حائرة , عندها تقدّم منها رالف وأنشغل الجميع بالكلام وتبادل المزاح , فزال التوتر عن لورا تاركا محلّه للفرح والأثارة , وأخيرا ودّعت صديقاتها ودخلت السيارة لتقول:
" ما أروع أن يستقبل المرء بسيارته كهذه! ".
" رأيت أن هذه أنسب من الصغيرة".
" ألا تشعر بالأرتباك وأنت تقودها؟".
أجاب رالف ضاحكا:
" ولماذا أشعر بالأرتباك وقد أعتدت عليها!".
" أتعني أن السيارة ملك لك؟".
" بالطبع , وما المفاجىء في الأمر؟".
ترددت قبل أن تجيب وهي تحدق فيه:
" لا أقصد التطفل ولا التدخل في ما لا يعنيني , ولكنني أتساءل عما أذا كنت ناجحا الى هذا الحد؟".
" أولا أن الأمر يعنيك , ثانيا أن سؤالك وسيلة أحتيالية لتعرفي ما أذا كنت قادرا ماديا على شراء رولز رويس , وأطمئنك بأنني قادر على ذلك".
قطبت لورا حاجبيهاوعلّقت بحدة:
" سؤالي ليس وسيلة أحتيالية كما تزعم , بل أنا أحاول عدم التدخل في ما لا تريد أطلاعي عليه لسبب أو لآخر".
أدارت الفتاة وجهها وأخذت تنظر من النافذة شاعرة بعدم الأرتياح وبشيء من الغرابة لوجودها مع هذا الرجل الغامض , وأستطاع رالف تبديد بعض من هذا الشعور بقوله بكل ما أوتي من نعومة:
" أنا مخطىء لأنني لم أعرفك على نفسي جيدا , ربما لم يسمح لنا الوقت الضيق بذلك , وأعدك بالتعويض عن هذا النقص خلال العطلة , هناك رسالة من والدي بجانبك , أفتحيها وأقرأيها ".
نفّذت لورا طلبه وتناولت الرسالة الموضوعة في مغلف كبير , والقصيرة المعبّرة في آن واحد , وبدا من خلال الكتابة أن والد رالف رجل طيّب للغاية , فهو رحّب بها بحرارة بين أفراد العائلة , وتمنى أن يلتقيها قريبا ويصبحا صديقين , كما قال حرفيا : وأنا واثق من أن منزلتك في قلبي ستكون بمنزلة ولدي رالف.
لم تستطع لورا من خلال الرسالة أن تكتشف ما أذا كان والد رالف يعلم بأمر جويس أم لا , فهو لم يشر أليها من قريب أو من بعيد , طوت الرسالة وأعادتها الى المغلف خائفة من ألا يرضي مظهرها العادي والد رالف الذي يتوقع لأبنه بالطبع عروسا خارقة الجمال , نفذ صوت رالف الى أعماق أفكارها :
" والدي يعلم بأمر جويس , لقد أخبرته بكل شيء عنها ووصفتها بدقّة , وهو بالطبع سيفاجأ ....".
لم تسمع لورا بقية الكلمات أذ أحمر وجهها ثم تحوّل الشحوب , وشعرت بأنها ستنفجر باكية , وسرعان ما تدحرجت العبرات على وجنتيها , فلم تجرؤ على مسحها لئلا يلاحظ رالف ما يحصل , لكن صمتها التام أثتر فضوله فما لبث أن ألتفت اليها وتنهد قبل أن يوقف السيارة الى جانب الطريق الريفية.

نيو فراولة 18-05-11 10:15 AM

حدّق رالف طويلا في وجنتيها المبللتين وقال:
" ما الأمر ؟ هل قلت شيئا أثار غيظك؟".
أرتفع صدرها وهبط حتى أستطاعت ألتقاط أنفاسها والقول بصوت متهدّج:
" أنا على ما يرام , كم ستكون مفاجأة والدك كبيرة , المسكين ينتظر عروسا شقراء جميلة , وجلّ ما سيرى أمامه فتاة قبيحة قاربت الثلاثين , لماذا تعمّدت أهانتي فأنا أعرف أنني قبيحة..... ".
طوّق رالف كتفيها بذراعه القوية وشدّها أليه بحنان :
" با لي من غبي أخرق! لقد أسأت التعبير يا عزيزتي فوالدي لن يفاجأ بك لأنني أخبرته عنك , صحيح أنني لم أصفك ولم أذكر عمرك , لكن هذا غير مهم".
" لو كنت أمرأة لفهمت أنه مهم للغاية ".
أستوت في مقعدها ومسحت دموعها باسمة , ثم أضافت:
" لا أعلم لماذا تصرفت بهذا الغباء".
" كل الفتيات يتوترن وهن على عتبة الزواج , فلا داعي للقلق ".
وافقت لورا على ملاحظة رالف:
" لا شك أن تصرفي ناجم عن ذلك فأنا لا أكون عادة بلهاء الى هذا الحد , أعدك بألا أعيد الكرة ثانية".
" هذا يعني أنك ستكونين زوجة أستثنائية , زوجتي الأولى تانيا أرتبكت كثيرا في حفل الزفاف الكبير الذي أقيم بناء على ألحاح والدتها المخيفة".
" أيضايقك التحدث عن زوجتك الأولى؟".
" كنت في الرابعة والعشرين وكانت في الثامنة عشرة لما تزوجنا , وقد قضت منذ أحد عشر عاما بداء السرطان في الدم".
" آسفة يا رالف , فهذا الأمر فظيع ومخيف , من الأفضل ألا تكمل الحديث.. ".
أدار رالف محرك السيارة وتوغلا أكثر فأكثر في منطقة أسيكس الريفية , وبعد السير زهاء ربع ساعة تمتم الرجل :
" أنها قصة قديمة وذكرها لم يعد بفتح جروحي , قبل وفاتها ببضعة أشهر أكتشفت أنني لم أحسن الأختيار , فتانيا تكره عمل الطبيب , تكره المستشفيات وغيابي الطويل عنها , تخاف رنين الهاتف عندما يوقظني في الليل لألبي نداء محتاج...... كانت أمرأة رقيقة لا تتحمل حياة الطبيب القاسية".
صمت الرجل لحظات طويلة ثم أكمل بهدوء:
" غمرت السعادة بيتنا في الأشهر الستة الأولى للزواج , وبعد ذلك بدأت أشك في أنها مريضة بدون أن أظهر لها شيئا , فأتخذت شريكا يخفف عني أعباء العمل لأستطيع البقاء بجانبها قدر المستطاع , وصرت آخذها الى المسارح , الى المطاعم , الى المراقص , كما ذهبنا عدة مرات الى الشاطىء في جنوب فرنسا.... بأختصار حاولت أن أوفّر لها كل ما في الحياة من أطايب , لأقتناعي بأن القدر القاسي لن يمنحها الوقت الكافي لتحقق سعادتها , وبعد أن ماتت أنفصل عني شريكي وبقيت أسير الوحدة في البيت والعمل عدّة سنوات , أشغل نفسي بالأنغماس في مهنتي وفي ممارسة التعليم في كلية الطب , ولم أجد شريكا جديدا ألا في العام الماضي , والحقيقة أن يان فان نيهوف شاب ممتاز وطبيب ماهر , على فكرة , من واجبي أن أنبهك الى أن مشاغلي كثيرة يا لورا".
" لا تقلق بشأني لأنني سأجد ما يشغلني , فعليّ مثلا تعلّم اللغة الهولندية , كما هناك كلبنا الصغير الذي يحتاج لمن يصطحبه في نزهات , ألم تطلق عليه أسما ما؟".
" سميته لاكي , وهو متوافق تماما مع الكلب الآخر ماكس , بأمكانك أخذ الأثنين في نزهات طويلة على الطرقات الريفية الرائعة المحيطة بالمنزل ".
نظر رالف اليها وسأل:
" أتجيدين ركوب الخيل؟".
" لم أمتط جوادا منذ زمن طويل ولكن أعتقد بأنني أستطيع تدبر الأمر مع جواد هادىء".
ضحك رالف معلقا:
" سنرى أذن ما بوسعنا عمله بهذا الصدد".
" ألست بحاجة لمن يساعدك في العيادة؟".
" لدي ممرضة وسكرتيرة , فأذا غابت أحداهما تكونين خير بديل , فلنترك هذه المسألة للمستقبل ".
شعرت لورا , على رغم نبرته الودودة , أن هناك ترددا في كلامه , وكأنه يريد أبعادها قدر المستطاع عن مجال عمله , فأخذت قرارا بعدم نسيان هذه الرغبة , وتنفيذا لهذا القرار أمضت بقية الرحلة في التحدث في مواضيع مختلفة متحاشية خوض أمور ذات حساسية , حتى وصلا أخيرا الى البيت.
منتديات ليلاس
في المطبخ , بينما كانت منهمكة بتحضير العشاء , أنتابت لورا وساوس جعلتها لا تصدق أنها ستتزوج في الغد , وزاد هواجسها قوة عدم الأكتراث الذي بدر من والدها وجدّها أزاء هذه المسألة , صحيح أنهما أستقبلاها بحرارة لكنهما لم يبدوا متحمسسين للعرس , ولا شك في أنهما مسروران كون الحفل سيتم بدون ضجة كبيرة تجنبا لأي أحرتج بعد الذي حصل بين رالف وجويس , أضافة الى أن الحفلات الكبيرة ترهق الرجلين أذ تضطرهما الى أستقبال العديد من الضيوف والقيام بالواجبات المضنية.

زهرة منسية 20-05-11 01:13 PM

يسلموا حبيبتى نيو فراوله الروايه حلوه كتير بس انتى وقفتى لما احدثها ابتدت تحلو يا ريت ما تتأخرى علينا موفقه فى تنزلها

نيو فراولة 20-05-11 04:12 PM

أما رالف فأنصرف أولا الى توضيب أغراضه وأغراض عروسه في غرفة كل منهما , وبعدها خاض مع الرجلين نقاشا طبيا شائكا , والمؤسف أن السيدة ويتاكر , كانت في بيتها تعتني بأولادها المصابين بداء الجدري , وبالتالي لم يبق للورا سوى الهر سوكي يؤنس وحدتها أثناء أعداد الطعام , وهكذا أخذت تناقش الحيوان المسكين , الذي ينتظر عشاءه بفارغ الصب , بأمر زواجها , ثم وعدته بأنها ستضاعف حصّته من الحليب لأنها ستتركه قريبا وتترك الأعتناء يه لوالدها.
في هذه اللحظة دخل رالف مقترحا:
" والدك يود الأحتفال بالمناسبة السعيدة , فهلا أنضممت الينا , أم تريدين أن أساعدك بشيء ثبل ذلك؟".
" لا , فالعشاء أصبح جاهزا , سآتي معك".
أنضمت لورا الى الرجال الثلاثة وجارتهم في مزاحهم , وبعد قليل أنسحبت الى المطبخ من جديد لتضع اللمسات الأخيرة على عملها , وفي تلك الليلة أحست لورا بأنها فقدت وعيها وأنها لا تعرف كيف تستقبل الغد , في العاشرة أعتذرت من الرجال وصعدت الى غرفتها حيث غسلت شعرها , حضّرت ثياب العرس , قلّمت أظافرها بعناية كبيرة , وأوت الى الفراش , وسرعان ما تسلل النوم الى عينيها مغرقا أياها في غفوة منعشة لم يقطعها سوى رنين الساعة في السابعة صباحا من اليوم التالي.
أنتهى كل شيء في غضون خمس ساعات , ووجدت لورا نفسها من جديد في غرفتها تعد العدّة لترحل مع رالف , وخلافا لمخاوفها تمت مراسم الزواج وسط جو بهيج أذ حضر معظم أهل القرية وأنتشروا على طول الطريق يحيّون العروس ويرشقونها بالزهور والتمنيات المخلصة.
الوحيد الذي بدا قليل الأكتراث فاتر الحماس لما يجري هو رالف ,وقالت العروس في نفسها أنه كان عليه التظاهر قليلا بالفرح لئلا يثير شكوك الحاضرين ويدير ألسنتهم في أقاويل خبيثة.
المهم أن العملية تمت بسلام وبقدر معقول من البهجة , مما طمأن قلب لورا الخائفة من مستقبل مجهول.
خلعت العروس ملابس العرس ووضعتها في الحقيبة , لتستبدلها بملابس صيفية نيّرة , وبعد ذلك زيّنت وجهها وسرّحت شعرها , وقبل أن تخرج من الغرفة وقفت تتأمل باقة الورود العطرة التي أهداها أياها رالف بدون أي عاطفة , بل أتماما لتقليد كما قال , ومع ذلك قررت لورا أخذ الباقة , فحملت حقيبتها ونزلت لتبلغ اللرجال الثلاثة أنها مستعدة للأنطلاق , جلس الثلاثة في المكتبة يتحادثون وكأنهم في أي يوم عادي , لا يبدو عليهم ما يدل على خروجهم من حفل زفاف , ولاحظت لورا أن رالف بدّل ملابسه وأرتدى بدلة كحلية أنيقة , كما نظرت الى المحبس الذي قدّمته له وتحسست لاشعوريا محبسها الموضوع الى جانب خاتم الياقوت.
ألتفت رالف ناحيتها ونهض قائلا:
" ها هي العروس جاهزة , سأذهب لأحضر السيارة بينما تودّعين والدك وجدك".
نهبت سيارة العروسين الفخمة الأرض نهبا في ذلك اليوم المشمس , وأمضت لورا الأميال الأولى صامتة , ولم تتكلم ألا بعد أن أحست أن الصمت ثقل.
" أتعتقد أن بأستطاعة جدّي البقاء مع والدي أسبوعا آخر؟".
أجاب رالف , الذي لم يسلك طريق شلمزفورد بل طريقا أخرى الى لندن:
" ولم لا ؟ أنا متأكد من أنه سيجد عذرا جديدا ليمكث هنا أكثر عندما نعود لأصطحابه الى هولندا بعد أسبوع ".
وأضاف الرجل مفاجئا عروسه :
بدوت جميلة اليوم في العرس ,وفستانك هذا رائع يا عزيزتي".
أكتفت العروس بتمتمة كلمات شكر لأن أطراء رالف فاجأها تماما , ولتهرب من الأحراج أستوضحت:
" الى أين نحن ذاهبان؟".
" ألم أقل لك الى أين ؟ يبدو أنني مصاب بفقدان الذاكرة هذه الأيام! سنسلك طريق كادنام بأتجاه قصر كورف فقد حجزت غرفتين هناك , هل زرت هذا القصر يوما؟".
" مرتين ولكنني لم أمكث فيه الليل , أنه مكان رائع".
" أخشى ألا يكون القصر هادئا في مثل هذا الوقت من السنة ولكننا سنخرج في النهار الى حيث تقودنا الصدفة , وفي أي حال بأمكاننا الذهاب الى مكان آخر أذا لم ترق لك الفكر , فكل شيء قابل للنقاش".
" الفكرة رائعة خصوصا أنني أحب النزهات العفوية غير المبرمجة , فهكذا يتاح لي فرح الأكتشاف".
كانت بقية الرحلة ممتعة الى حد كبير ولورا أمضت القسم الكبير منها تحاول أستيعاب حقيقة زواجها من فارس أحلامها , أما رالف فبدا كأنه يخرج مع صديقة لا زوجة مضيفا على الجو مسحة من البساطة , ولم تدرك لورا حقيقة الزواج ألا عندما وصلا الى قصر كورف الحجري القديم , المزروع وسط المروج كلوحة في أساطير الأطفال وكلمة مسكوبة في أخيلة الشعراء , ولم تصدق العروس أذنيها عندما توجه اليها موظف الأستقبال بالسيدة فان ميروم , وعندما أبلغه رالف أن السيدة ترغب بالصعود الى غرفتها فورا , تبعت لورا الحمال الى الغرفة ووجدت أن زوجها حجز غرفتين متلاصقتين في الجهة الخلفية للقصر , يفصل بنهما باب صغير , وأعجبت كثيرا بفخامة الأثاث المحافظ على أجواء القرون الغابرة بدون أهمال وسائل الراحة العصرية , بدأت تفك حقيبتها وتعليق ثيابها في الخزانة ورالف لم يظهر بعد, ثم أغتسلت وخرجت الى الشرفة تتأمل المشهد الطبيعي الفتّان , وفي هذه اللحظة أنضم اليها زوجها , كانت الشرفة الأطار المناسب لتناجي الحبيبين , لكن أين رالف من الرومنطيقية في هذه اللحظات؟ فهو قصّر كلامه على سؤالها ما أذا كانت جائعة , وأنه يفضل تناول العشاء باكرا والذهاب بعده في نزهة الى المدينة الصغيرة المجاورة , قال قبل أن ينسحب الى غرفته:
" سأعود بعد ربع ساعة".

نيو فراولة 20-05-11 04:13 PM

نزعت لورا ثوب الحمام وأرتدت فستانا جديدا لترضي نفسها قبل أي أحد آخر , فما الفائدة من شراء الثياب أذا بقيت سجينة الخزانة؟ وأخذت تتأمل الثوب في المرآة الكبيرة , وجدنه جميلا جدا بحريره الخالص المائل الى اللون العسلي , كل هذا لم ينتزع أي تعليق من رالف الذي أكتفى بالأشادة بسرعتها في أرتداء الثياب على خلاف معظم النساء , وتوجّها الى قاعة الطعام حيث جلسا الى مائدة صغيرة قرب النافذة تطل على ساحة القصر , ووجدت لورا هذه الساحة متعة للعين لما فيها من جمال في فن العمارة , كما وجدت فيها موضوعا لفتح حديث مع رالف حول مختلف فنون البناء القديم , نظرت لورا خلال العشاء حولها فرأت الصالة تغص بالزبائن , وقالت في نفسها أن أحدا من الحاضرين لا يرى فيها ورالف عروسين , وبالفعل كان تصرفهما تصرف زوجين قديمين جاءا ليمضيا عطلة مريحة بعيدا عن ضوضاء الحياة اليومية ,وكادت لورا تعلّق على هذا الواقع لكنها أرجأت الأمر حتى يصبحا وحيدين تجنبا لأغاظة رالف , وفجأة صرّح رالف بما يدور في خلدها:
" لا بد أننا النموذج الأسوأ لعروسين لم يمض على زواجهما سوى ساعات قليلة ".
أبتسم بحنان مضيفا:
" لربما كان من الأفضل ذهابنا الى أحد الفنادق الضخمة حيث تقام الحفلات الراقصة ليليا , فهذا يساعد على وضعنا في جو حميم".
" لا أظن أنك مصيب , فالجو الهادىء هنا يسهم في جعلنا نتعرف الى بعض , والذهاب الى الحفلات الصاخبة أو المطاعم المكتظّة لا يقرّب النفوس من بعضها".
وافق رالف بأشارة من رأسه ثم سأل:
" ألم تندمي على هذا الزواج؟".
" لا ولكنني لم أتمكن من تقييمه بعد وأن كنت أعتقد أن لا سبب جوهريا يجعلني أشعر بالندم , كما أني أخذت مهلة شهر للتفكير مليا بخطوتي بعيدا عن أي أنفعال".
" أقر بأنك لست أنفعالية مع العلم أنك تسرّعت قليلا عندما وافقت على عرضي".
علت الحمرة وجنتي لورا وبالرغم من ذلك تمكّنت من صب القهوة في فنجانه بيد ثابتة.
" ألم تتسرع بدورك عندما قدّمت العرض؟ وفي أي حال قد يكون من المجدي الأقدام على بعض الأفعال أنفعاليا , فأن أصرّ المرء على رؤية كل شيء بوضوح لن يتمكن من أخذ قرار واحد طيلة حياته".
وضعت السكر في فنجانه وزادت :
" هناك الكثير من الأسئلة وأود طرحها في الأيام المقبلة فأرجو ألا تمتنع عن الأجابة عليها".
" لا مانع عندي بشرط ألا تبدأي بها الليلة , فالجو جميل يغري بالسير في الطبيعة , ولا أنوي السماح لأي شيء بأفساده".
قام الزوجان بنزهة طويلة حول المدينة حيث تفرّجا على واجهات المحلات التجارية , كما توقفا طويلا عند مبنى المكتبة القديمة وقرأ ما نقش على اللوحات الحجرية المثبتة على جدرانها , ولما عادا الى الفندق تناولا الشاي ثم صعد كل منهما الى غرفته.
منتديات ليلاس
قررت لورا عدم التفكير بما سيحصل لها مع رالف بل الأقتناع بما نالته حتى الآن وأن يكن شاذا عن كل قواعد الزواج على أمل أن يحمل المستقبل أفضل من ذلك أذا نجحت في كسب حب زوجها وأهتمامه , وما كادت العروس تستلقي على فراشها حتى غاصت في نوم عميق عوّض عن تعب النهار الطويل.
أفاقت لورا في الصباح التالي وتناولت طعام الفطور مع عريسها في غرفته , ثم توجّها لقضاء اليوم في المدينة المجاورة سالزبوري حيث يستطيع الزائر التعرف الى بعض القصور القديمة , وعند الظهر تناولا طعام الغداء في مطعم جميل أسمه روزاند كراون وبعدها عادا الى قصر كورف , مرورا بكوخ على الطريق النائية تناولا فيه الشاي مع مالكته العجوز التي حوّلته الى مطعم متواضع , والى جانب الشاي قدمت لهما كعكا ومربى المشمش من صنع يديها , وفي الكوخ أجرت لورا في فكرها جردة حساب للنهار المنصرم فأرتاحت الى صحبة رالف ,وخاصة أنهما لم يخوضا في أحاديث تمت بصلة الى حياتهما الزوجية , وأكتفى الرجل بأعطائها رؤوس أقلام عن نمط العيش في هولندا , ووجدت أنه مشابه كثيرا للحياة الأنكليزية الأمر الذي أشاع في نفسها الأرتياح , وتمنت لورا لو أنه حدّثها المزيد عن نفسه وعن عائلته , لكنه سيجد الوقت الكافي لذلك في الفندق.
ودّع العروسان العجوز النشيطة المرحة , وتوجها الى السيارة وهناك جلس رالف تاركا مقعد السائق للورا التي عارضت بشدة:
" مستحيل أن أقود رولز رويس فقد نتعرّض لحادث وتتحطم السيارة".
" ولماذا التشاؤم يا لورا ؟ قوديها كأي سيارة ولن يحدث شيء , كما أنني بجانبك وبأمكاني تدارك أي خطر".
أذعنت لورا لمشيئته وقادت السيارة بعصبية أول الأمر, وما لبثت أن أعتادت عليها وأخذت تتصرف بكل ثقة متمتعة بقيادتها , وعندما بلغا الطريق العام أستلم رالف القيادة درءا لأي خطر , ووعد لورا بمنحها سيارة خاصة في هولندا.
فرأت العروس أنه من اللائق الرفض من حيث المبدأ :
" أنت تملك سيارتين".
" من الأفضل أن تكون لك سيارة خاصة وصغيرة بالطبع , فهذا أسهل عليك من قيادة السيارات القوية".

نيو فراولة 20-05-11 04:14 PM

مرّت الأيام على الوتيرة نفسها : خروج في النهار الى الطبيعة السخيّة والى أنحاء المدينة الجميلة , أما لورا فكانت في كل هذا تشعر أن هناك حاجزا رقيقا يفصل بينها وبين زوجها , مع الشعور المتبادل بالأرتياح والتوافق في الآراء والأذواق , وأذا أضيف هذا العنصر الأيجابي الى أنشغال رالف في عمله , عندما يعودان الى بلاده كانت حياتها مقبولة ومستقبلها مرضيا , فهي لا تطلب أكثر من الأمان في كنف رجل كريم الأخلاق يحترم المرأة , قبل تركهما قصر كورف بيوم واحد زار العروسان البحيرة الزرقاء بناء على نصيحة عدد من نزلاء الفندق , وللوصول الى المكان سلكا دربا ضيقة تتعرج صعودا في التلال الخضراء حيث تتناثر من حين الى آخر بيوت ريفية صغيرة , وأضطر رالف الى القيادة بتمهل نظرا لضيق الطريق وكثرة المنعطفات الخطرة فيها , ومن بعيد لمحا أخيرا سورا حديديا عليه لافتة تشير الى أسم المكان , فأوقفا السيارة في الخارج ودخلا المنتزه.
أنعقد لسان لورا من الدهشة لجمال المكان , أذ تاها بين أشجار متنوعة تحيط بها شجيرات كثيرة وزهور مختلفة , وبعد هذا الحاجز الأخضر أمتدت البحيرة الصغيرة بمياهها الرقراقة البرّاقة الفيروزية اللون , وقفت العروس تتأمل جمال الطبيعة التي منحها الله للأنسان بدون مقابل متعة للعين ومثار بهجة للنفس , فليس أنسب من مكان كهذا لأراحة أنسان متعب والترفيه عن نفس مثقلة بالهموم.
" أيعقل يا رالف أن تكون هناك مياه بهذه الزرقة الساحرة؟".
" أنها رائعة فعلا ".
أمسك رالف بيدها وأقترح:
" هيّا نتوغل أكثر".
تمشى الزوجان حول البحيرة ينظران الى مياهها تعكس صفحتها صورتهما , وكأنهما يحاولان عبثا معرفة سر سحرها ولا تنجح عيونهما بالنفاذ الى اللغز العميق , وبعد ساعة من السير وجدا مقعدا خشبيا قريبا من المياه فجلسا ليرتاحا قليلا , وما زاد الجو حلاوة قلّة الزائرين ألا العصافير التي ملأت بشدوها الدنيا فرحا ونفسي الزوجين حبورا وخفّة.
تنهدت لورا وصاحت عاليا:
" أذا شئت الفرار يوما سألجأ الى هذا المكان".
نظر رالف اليها مستغربا:
"لماذا تقولين ذلك؟".
" لا سبب لهذا القول , أنه مجرد أحساس شاعري , فأنا لم ولن أهرب من وجه أي مشكلة مهما صعبت ".
أفتر ثغرها عن أبتسامة حلوة وتابعت:
" سنذهب غدا الى هولندا وأنا ما زلت أجهل الكثير عن منزلك".
" من الأصح أن تقولي , منزلنا".
أحست لورا بالحرارة تغلّف نبرته وحزن قلبها لذلك , لقد أعتقدت في الأيام الأخيرة أنها صارت تعرفه جيدا , وأذا بها تكتشف أنها فشلت في النفاذ الى أعماق نفسه لمعرفة حقيقتها , وأصبحت واثقة من أنه ما زال يحب جويس وعليها بالتالي القبول مؤقتا بالواقع ومماشاته في لعبته والدور الذي رسمه لها , دور باهت يخلو من الأثارة لا من الأهمية , وهي مصممة على أعادة شعلة الحياة اليه.
بعد يومين جلست لورا في السيارة قرب رالف بصحبتهما جدّها الغارق في المقعد الخلفي , وتوجه ثلاثتهم الى الساحل الأنكليزي ليستقلا باخرة تنقلهم والسيارة الى هولندا.
والنتيجة التي خرجت منها العروس من تجربة الأسبوع كانت مرضية الى حد كبير , ولذلك طمأنت جدّها عندما أستوضحا عن سعادتها بدون أن تنسى أن للمستقبل محاذيره .... ولورا مستعدة لمواجهة هذه المحاذير في حينه.

نيو فراولة 20-05-11 04:15 PM

6- صورته موشومة في القلب


أنقلب الطقس فجأة قبل أن تصل السيارة بالمسافرين الثلاثة الى هاريتش حيث سيستقلون الباخرة الى هولندا , فقد أكفهرّت السماء وتلبدت بالغيوم الرمادية المتراكضة حاملة معها مطرا غزيرا مصحوبا بعواصف رعدية , وأشتدت الريح وهبّت العواصف القوية التي كادت تقتلع السيارة وركابها , ولورا , التي تكره هذا الطقس القاتم خافت كثيرا وشحبت أكثر فأكثر مع كل ومضة برق وقصفة رعد , وهي ألتصقت بزوجها في السيارة وعندما صعدا مع العجوز الى متن الباخرة بعد تحميل السيارة وتغطيتها لحمايتها من مياه المطر المختلطة بالأمواج الغاضبة.
منتديات ليلاس
لم يبق أحد من الركان القلائل في مقصورته بل تجمعوا كلهم في صالون المركب يأكلون ويشربون , أما العجوز فما كاد ينتهي من وجبته الخفيفة حتى أعلن عن رغبته بالذهاب الى مقصورته للأستراحة , في حين أن رالف شرع يقنع لورا بالصعود الى متن الباخرة للتفرّج على البحر , وساهم في قبول لورا بالفكرة توقف المطر عن الهطول وهدوء العاصفة النسبي تاركة مكانها لريح شديدة تصفر بقوة ,وقف العروسان على متن الباخرة المبلل يتصارعان مع الهزات العنيفة لئلا يسقطا , وقالت لورا الناظرة برعب الى صعود وهبوط المياه تحتها:
" ستكون رحلة صعبة".
قابل رالف رعبها بمرح:
" نعم , خاصة أن الريح ستشتد أكثر".
قهقه الرجل عاليا وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا مثيرا ثم أكمل :
" ألقي نظرة وراءك يا لورا , فأنت لن تشاهدي أنكلترا قبل وقت طويل".
لم تأبه لملاحظته لأنها غير مكترثة برؤية أنكلترا ولو الى الأبد , قالت ووجهها يزداد شحوبا:
" أعتقد أنني بدأت أصاب بدوار البحر ".
رمقها زوجها بنظرة المحترف وقال:
" يا ألهي! هذا يبدو جايا على وجهك".
وأنصرف الى معالجتها بما تيسّر وأن يكن فشل في منعها من التقيؤ , بعد ذلك حملها بصعوبة الى مقصورتها ووضعها على السرير رغم معارضتها الشديدة , ثم نزع حذاءيها ووضع عليها غطاء بعد أن مسح وجهها بمنشفة مرطبة , كما دق الجرس للمضيفة وأختفى, حضرت المضيفة وقالت للورا بلهجتها القروية:
"طلب مني زوجك أن أحضر لك هذا الفنجان من الشاي يا سيدة فان ميروم".
" شكرا".
ربت لورا الشاي الساخن بصعوبة وهي تستعد للتقيؤ من جديد , لكن شيئا لم يحصل أذ سرعان ما أقفلت عيناها وغفت . لم تفق العروس ألا قبيل وصول المركب الى الشاطىء الهولندي وأحست بتحسن كبير على رغم أن المرعب لم يكف عن الرقص ورأسها لم يوقف دورانه ,وساهم الفنجان الثاني والخبز في لملمة قواها , وبذلت مجهودا كبيرا لتبدو بحالة جيدة أمام زوجها , ولكنها فشلت في ذلك أذ قارنت بين مظهره الأنيق وحالتها المزرية لما جاء ليتفقدها , وقالت في نفسها : غريب أمر هذا الرجل الذي لم يتأثر بالرحلة المضنية بل على العكس يبدو وكأنه أمضى وقتا ممتعا على شاطىء تحت شمس دافئة.
لقد أمضى رالف معظم الليل ساهرا وزار خلال هذا الوقت مقصورة لورا أكثر من خمس مرات , ففوجئت العروس بهذا الأهتمام لأنها لم تحظ بمثيله طيلة حياتها , فوالداها وجّها كل عنايتهما الى جويس وحضناها برعاية خاصة لم تذق لورا طعمها , والأخيرة أعتادت هذا الواقع الى درجة أنها فوجئت بتصرف رالف , حيّته بغنج معتذرة عن الأزعاج الذي صدر عنها ورافقته الى متن المركب حيث ينتظر جدها ,والعجوز كان في أحسن حالاته بعدما نام نوما عميقا لم يعكره شيء , وبدت لورا أمام الرجلين المليئين عافية نموذجا عن الوهن والشحوب , وبرغم ذلك لم يذكر أي من الرجلين شيئا عن حالتها بل أنصرفا الى مناقشة مسألة أختيار الطريق البرّي الأنسب للتوجه الى المنزل بعد رسو المركب , تجمّع المسافرون في صالون الباخرة يهتمون بأستلام سياراتهم المشحونة , أما رالف فلم يأبه للأمر بل وقف يتأمل البحر وذراعه تطوّق كتفي لورا منشغلا بالتحدث الى جدها , ولم يتحرك نحو السيارة ألا عند نزول أول الركاب الى رصيف الميناء , كانت الرولز رويس آخر السيارات المفرغة من المركب , وصعد ركابها الثلاثة , بعد مرورهم بسلطات الأمن العام , كل الى مقعده متجهين نحو هيلفرسوم.
" ستكون رحلة مملة يا لورا ولكن الطريق واسعة ومختصرة , سنوصل جدك أولا فهو يقطن بالقرب من منزلنا".
رمقها بنظرة سريعة وأضاف:
" سنتوقف لنتناول بعض القهوة عند بلوغنا ووتردام فأنت ولا شك تحسين بفراغ في المعدة".
وافقت لورا على ملاحظته باسمة :
" أنا أتضور جوعا ولكنني قادرة على الصمود أذا كان جدي على عجلة من أمره".
" لا ضير من التوقف قليلا يا عزيزتي فالمسافة الى المنزل تبلغ حوالي الستين ميلا , ومحطتنا في روتردام لن تستغرق سوى دقائق".

نيو فراولة 20-05-11 04:16 PM

بعد قليل أوقف رالف السيارة قرب مطعم صغير يقع الى جانب الطريق , وترجل الثلاثة لتناول القهوة الساخنة مع الحليب الطازج , ولورا لم تكتف بفنجان واحد بل شربت أثنين مع قطع من الكعك الشهي , ولما عادوا الى السيارة كانت تشعر بتحسن كبير وبدء زوال آثار الرحلة البحرية عنها , والدليل على ذلك أنها أستطاعت فهم شروحات جدها المسهبة عن المناطق التي مروا فيها تباعا , قد يكون رالفعلى حق في حكمه على الطريق المضجرة لكن المناطق المحيطة لها خضراء واسعة تنتشر فيها المدن والقرى ,ومنها مدينة أوترشت الكبيرة التي أنعطف بعدها رالف بالسيارة في طريق فرعية بأتجاه بارن , وهناك وجدت لورا الريف أجمل والغابات أكثر كثافة تتخللها فسحات واسعة بنيت فيها قصور وفيلات فخمة , وخلال هذا الوقت لم تضع لورا لحظة سدى بل سجلت عيناها كل المعالم وتمتعت بكل منظر جميل ,وعندما نبّهها جدّها الى قرب مرورهم بجانب القصر الملكي توسّلت الى رالف حتى يتمهل قليلا , نفّذ رالف مطلبها ضاحكا وموضحا أن منزلهما مجاور للقصر الذي ستسأم من رؤيته في المستقبل , شعرت لورا بشيء من الأثارة والرهبة ولما علمت أنها أوشكت أن تصل الى منزل الزوجية , وهي لم تجرؤ على السؤال عن شكل المنزل , وأخذت المخاوف تنتابها : هل يكون المنزل قبيحا ؟ هل يكون واقعا في منطقة موحشة؟ هل تتفق مع مدبرة المنزل التي يبدو أن رالف متعلق بها ؟ ماذا عن أصدقائه وأفراد عائلته ؟ أسئلة محيّرة زادتها قلقا عن عالم تدخله من باب واسع وتجهل ما يقبع وراء هذا الباب.......
وضع رالف حدا لتساؤلاتها بصوته العريض:
" ها هو القصر الملكي".
تمهّل السائق اللبق قليلا ليتيح لزوجته رؤية القصر ثم ضغط من جديد على دواسة البنزين وأنطلقت السيارة الجبارة تبتلع الأميال بشراهة , وعند بلوغه المفترق أنعطف الى اليسار في شارع محاط بالأشجار الباسقة خلفها بيوت أنيقة , أمام كل منها حديقة جميلة وموقف للسيارات , وفي منتصف الشارع عاد الى الأنعطاف يمينا في طريق خاصة وولج بوابة بيضاء لفيلا كبيرة عليها لافتة تقول : منزل الدكتور فان دورن دوبيت.
وعلى الفور تقدمت من السيارة أمرأة عجوز حيّاها رالف وجدها بحرارة , ثم أوضح رالف للورا :
" هذه مارجا مدبرة منزل جدك , أمرأة حديدية تدير المنزل بعقلية الآمر الناهي بمباركة من جدك , لقد دعتنا الى الدخول لكنني أعتذرت , فأنتظري هنا ريثما أنزل أغراض الدكتور فان دويبت".
ودّعت لورا جدها واعدة برؤيته في القريب العاجل وأنتظرت أنتهاء رالف من أدخال الحقائب وتوديع الطبيب العجوز.
" لقد نصحت جدك بالذهاب فورا الى السرير لأن الرحلة أرهقته وهو محتاج الآن الى أخذ قسط من الراحة".
سألت لورا بقلق:
" أهو مريض؟".
" لا , ولكنك تعلمين أنه تعرّض لأزمات قلبية في السابق , وعلى من تخطى السبعين الأهتمام بنفسه كثيرا ".
أبتسم رالف وتابع:
" لا أحب أن يتعرض مرضاي لأي خطر في ذلك أقلاق لضميري المهني".
" أتعني أنك طبيب لطبيب؟".
" ولم لا؟".
عادت السيارة الى الطريق العام المحفوف بالأشجار الخضراء الظليلة , ووراءها أحراج كثّة شبه عذراء , أعجبت لورا كثيرا بهذه المنطقة وسألت:
" أين أصبحنا الآن؟".
" بين بارن وهيلفرسوم".
خفف رالف من سرعة السيارة ودخل بوابة واسعة عموداها من حجر القرميد , فجفلت لورا وأستوضحت:
" هل وصلنا؟".
" لا داعي لكل هذا القلق وكأنك تلميذ كسول في أمتحان آخر السنة!".
دخلت السيارة الى حديقة كبيرة مليئة بالشجيرات والورود ووراء منعطف صغير ظهر المنزل.
جحظت عينا لورا من الدهشة وصاحت:
" يا ألهي!".
ضغط رالف على المكابح بقوة وقال:
" ما الأمر ؟ ألا يعجبك المنزل؟".
" ماذا تقول؟ أنه رائع......... لم تستطع مخيلتي تصور شكل المنزل وأنت لم تلمح لي عنه... .... أن جماله رهيب فعلا".
" لا تبالغي يا لورا فالبناء قديم وبحاجة الى ترميم من جهته الخلفية , صحيح أنه واسع قليلا ولكنه لم يسبب الرهبة والخوف لأحد قبلك".
أتبع رالف قوله بضحكة هازئة ففسرت لورا:
" أن فكرة العيش في هذا القصر ترعبني , فأنا غير معتادة على هذا الترف , لماذا لم تخبرني؟".
أجاب رالف ببراءة:
" لم تخطر لي هذه الفكرة".
شعرت لورا أنه تعمد عدم أخبارها بشيء عن جمال بيته على خلاف ما كان يخطط لجويس , فلا ريب أنه كان ينوي وصف كل زاوية وكل حجر من عشّهما الزوجي لولا أن جويس أدارت له ظهرها ومشت.
" أيعود البناء الى القرن الثامن عشر؟".
" تقديرك جيد جدا يا عزيزتي , تم بناء المنزل في النصف الأول من القرن الثامن عشر , ففي ذلك الزمان درجت العادة على بناء بيوت فخمة في المناطق الريفية القريبة نسبيا من العاصمة أمستردام , وبيتنا لا يشذ عن هذه القاعدة".

نيو فراولة 20-05-11 04:18 PM

أوقف رالف السيارة في الباحة العريضة أمام الباب العظيم , وبينما همّ بالنزول ألقت لورا نظرة جديدة على المنزل , وتوقفت عيناها طويلا عند الدرج الحجري والشرفة الواسعة التي تغطي ساحة الطابق الأرضي الواسعة , نوافذ الواجهة تعكس بزجاجها البراق أشعة الشمس , أما النوافذ في الجهة الخلفية فكانت منتشرة كيفما أتفق , وهذا الجزء بحاجة الى أعادة تخطيط كما قال رالف , وأجمل ما في البيت العشب الأخضر وأحواض الزهور التي تحوطه من جهاته كافة.
سرّت العروش كثيرا برؤية الزهور وقالت:
" لا بد أن لديك أكثر من بستاني هنا".
فوجىء رالف بملاحظتها وتردد قبل أن يقول:
" أعتقد أنهم ثلاثة".
" ألا تعرف العدد بالضبط؟".
" أخجل من نفسي أحيانا لجهلي ما يدور في البيت , فكثرة أسفاري ومشاغلي تجعلني كالزئبق الرجراج لا يقر لي قرار , لذلك أترك هذه المسائل لهانز".
" من هو هانز؟".
جاءها الجواب عندما فتح الباب وأطل رجل في الستين من عمره , قصير وبدين , أبيض الشعر وأزرق العينين , تقدم الرجل وأنحنى محييا رالف ومتبادلا معه بعض العبارات المرحة , وبعد ذلك ألتفت رالف الى لورا موضحا:
" ها هو هانز الذي تسألين عنه , لقد خدم والديّ منذ أن تزوجا , وهو الآن يكمل مهمته معي , وأنا واثق من أنه سيكون مساعد لك في أدارة شؤون المنزل , كما تجدر الأشارة الى أجادته الأنكليزية".
تنفست لورا الصعداء عندما سمعت ذلك ومدّت يدها مصافحة:
" تشرّفت بلقائك يا هانز".
صافحها الرجل بحرارة مبتسما أبتسامة أبوية مطمئنة , وأضاف رالف مفسرا ما قد يجول في خاطر عروسه:
" وأذا تساءلت لماذا لم ينصرف هانز الى خدمة والدي في منزله أعلمك أن أبنه يتولى هذا المنصب".
في هذا الوقت أدخلها رالف الى المنزل تاركا هانز يجلب الحقائب ويقفل الباب , وجدت لورا نفسها في قاعة مربّعة فيها أبوا الى جانبيها , وسلم يفضي الى الطابق العلوي , وفي طرفها الآخر باب يؤدي الى الجهة الخلفية للمنزل , وتأملت سيدة المنزل الجديدة أناقة القاعة ذات اجدران المبنية من الخشب الغليظ المطلي بالأبيض , وذات الشمعدانات الذهبية التي تبعث نورا بهيا , كما وضعت طاولة متوسطة الحجم يحيط بها كرسيان واسعان , وفوقها ساعة حائط كبيرة في أطار من الخشب النفيس , لم يتح رالف للورا تفحص هذه الكونوز الصغيرة طويلا أذ فتح أحد الأبواب وأدخلها الى غرفة سقفها مرتفع فيها نافذتان تغطيهما ستائر مخملية ناعمة , ومفروشة بسجادة عجمية مزركشة يتناسب لونها مع المقعد الموزعة في زواياها ومع القشرة الفضية التي تغطي خشب الجدران , وتلك الذهبية التي تغلف الطاولة الموضوعة قرب الجدار المواجه بدوره لمدفأة كبيرة رخامية , كما في الغرفة طاولات أخرى صغيرة وخزانة حائط مصنوعة من خشب مشغول على يد فنّان ماهر.
منتديات ليلاس
وقفت لورا في وسط الغرفة مشدوهة وعقلها يعمل على أستيعاب فكرة صيرورة هذا المكان منزلها , فنظرت الى رالف والقلق في عينيها , وأذا بزوجها الذي يقرأ أفكارها بقول:
" أتمنى أن تحبي هذا المكان كما أحبه , سنتناول القهوة الآن وبعض الطعام في غرفة الجلوس المجاورة , فهذه الغرفة مخصصة لأستقبال لضيوف".
قادها الرجل عبر باب قرب المدفأة الى غرفة أصغر مفروشة بأثاث مريح يوحي بالدفء , ومطلة على أحواض العشب الأخضر , وفي وسط الغرفة وضعت طاولة مغطاة بشرشف أبيض وحولها كرسيان.
أستقبل العروسان في هذه الغرفة الكلب لاكي الذي خرج من سلته بعد أن فك له الجص وأندملت جروحه , وما لبث أن تبعه كلب عجوز هو ماكس الذي تحدث عنه رالف , ربّت الرجل على رأس الكلب الهرم قائلا:
" ماكس يحب الخبز الأسمر كثيرا, والكلبان يعيشان في وفاق تام".
عندها بانت أمرأة في أواخر العقد الخامس من عمرها , قصيرة ونحيلة , دخلت الغرفة وفي يدها طبق عليه أبريق قهوة وفنجانان , تمتمت المرأة شيئا بالهولندية فأجابها رالف ضاحكا , ثم قال لزوجته:
" هذه هانا زوجة هاتز , أنها تعمل هنا وخاصة في المطبخ , وأظن أنه عليك تعلّم الهولندية سريعا لتتفاهمي معها بسبب جهلها التام للأنكليزية ".
أستعملت لورا لغة الأبتسام لتحية المرأة فالنطق بأي كلمة لن يجدي نفعا , وردّت الهولندية التحية قبل أن تعود الى مخاطبة رالف الذي تولّى مهمة الترجمة:
" هانا واثقة من أنك ستكونين زوجة رائعة وربّة منزل قديرة , وهي مسرورة للعمل تحت أمرأتك ومستعدة لتعريفك على بقية أرجاء المنزل حالما تشائين".
سرّت لورا بأخلاق هذه المرأة الحميدة وتوجهت اليها شاكرة عبر المترجم رالف :
" قل لها أنني أعتز بصداقتها وبوجودها في هذا البيت , وأنني أقدر كرم أخلاقها ومحاولتها جعلي أحس نفسي في بيتي , فأنا ما زلت أشعر بشيء من الغربة ووجودها سيخفف من وطأة هذا الشعور".
" لا تنسي أنك زوجتي".

نيو فراولة 20-05-11 04:19 PM

جاء تعليق رالف جافا فخشيت لورا أن تكون تسببت له بأهانة بذكرها كلمة غربة , وتساءلت عما يدور في خلد زوجها , أيمكن أن يكون ما زال يفكر بجويس وبالفراشة الرائعة التي أفلتت من شبكته ؟ ولا شعوريا أخذت العروس تداعب رأس ماكس الذي يعلوه شعر كثيف أشعرها بالدفء والراحة ولم تجرؤ على النظر الى زوجها , وأوجست خيفة من اللحظات الكثيرة الصعبة التي عليها مواجهتها بحزم وشجاعة في حياتها مع من تزوّجها لغايات عملية بحتة....
غادرت هانا فطلب رالف من لورا أن تصب القهوة , ففعلت وواجهته بوجه هادىء عاقدة العزم على عدم الأرتباك أمامه مرة أخرى , لم تغب الثرثرة عن جلسة الزوجين الى مائدة الغداء الذي أنهياه باكرا , أذ أعلن رالف:
" أسمحي لي بالأنسحاب الآن فلدي أعمال كثيرة أنجزهاوأخشى ألا أنتهي منها قبل المساء , لذلك سأوعز الى هانا بتعريفك على البيت , كما بأستطاعتك الطلب الى هانز أن يحضر لك الشاي متى ترغبين , وأظن أن الوقت سيمر بسرعة وأنت ترتبين الثياب في الخزائن , أما بالنسبة الى العشاء فأنا أتناول طعامي عدة في السابعة والنصف ألا أذا كان هذا الموعد لا يناسبك".
حارت لورا في فهم مقصده كونه بدا يخاطب موظفة لديه لا زوجة , وحاولت أن تعذره لعدم أعتياده على الحياة الزوجية بعد فترة طويلة من الوحدة , وبنبرة حسّاسة قالت:
" لا أظن أن ثمة حاجة لتغيير أي شيء , وفي أي حال لن أقدم على خطوة بهذه الأهمية قبل الحصول على مشورتك ومشورة هانا ".
أبتسمت وزادت:
" من المؤسف أنك مضطر الى الغوص في أدغال العمل مباشرة , وأن كنت أستبعد معارضتك ذلك , أراك في المساء أذن".
رمقها رالف بنظرة ماكرة تنم عن علمه بتذمرها من رحيله , وأكتفى بالقول:
" سأرسل هانز اليك".
وحسنا فعل , أذ برهن هانز عن ذكاء وحسن تصرف , فقد أعد للورا برنامجا يملأ فترة بعض الظهر كلها , أذ عليها التوجه أولا الى غرفتها لتضع الملابس في الخزانة , ثم تأخذ ساعة أو أكثر لتنال قسطا من الراحة , وبعد ذلك تحضر هانا في حوالي الثالثة لتصحبها في جولة تفقدية في أنحاء المنزل , مع الأشارة الى أستعداد هانز للعب دور المتوجم في هذه الجولة حتى يجيب على أي أستيضاح يحتمل من ربة المنزل , أبتسمت لورا للرجل بعد فراغه من شرح برنامجه وقالت:
" لك الشكر يا هانز , سأتوجه الآن الى غرفتي بأنتظار حضور هانا في الثالثة.
تبعت لورا هانا على السلم المغطى بسجاد سميك , وبعده في رواق طويل حتى باب غرفتها , غرفة واسعة ومطلة على الحديقة وبوابة المنزل الرئيسية , وفي وسطها سرير واسع مغطى بشراشف زهرية بلون الستائر , كما أنتصب الى يمين السرير خزانة عالية من خشب الأبنوس الفاخر , أما الى يساره فوضعت طاولة التزيين أمام مرآة واسعة ,وبقربها مقعد وثير قماشه من الحرير الخالص , وأخيرا وليس آخرا وضعت طاولة على كل من جانبي السرير , وعلى كل منهما تحفة صينية تبيّن للورا أنهما مصباحان كهربائيين , جمدت المرأة في مكانها كسائح مأخوذ بجمال ما ترى عيناه وعلّقت:
" يا ألهي! لم أر لهذه الغرفة مثيلا في حياتي".
فماذا يطلب المرء أكثر من هذا الديكور الرائع الكامل ليرتاح وينعم بالرفاهية ؟ ولا شك أن مصمم ديكور هذه الغرفة ذوّاقة من الطراز الأول نظرا لحسن أختياره ألوان الستائر , ورق الجدران والسجادة , فكل شيء متناسق متناغم يشكل سمفونية ألوان عذبة تسبح فيها المخيلة وتعبّ من منهلها العين العطشى الى الشكل الخلاب , وبالطبع لم تفهم هانا شيئا مما قالته سيدتها فتمتمت كلمات بالهولندية وفتحت باب الحمام الخاص بالغرفة , ظنّت لورا أول الأمر أن باب مغارة علي بابا قد فتح لأن الباب مشقوق في الجدار بدقة تجعل أمر رؤيته صعبا , وفي الداخل رأت طغيان اللون الزهري في حمام مجهّز تجهيزا عصريا وفخما , وعلى الرفوف أصطفت مختلف أدوات التجميل وأنواع الصابون والعطور التي لا يمكن لأمرأة أن تحلم بها , وعادت صورة جويس الى رأس لورا التي قالت في نفسها أن رالف حضّر كل هذا لشقيقتها وبدلا من أن يشاهد هانز وهانا عروس سيدهما الساحرة , أستقبلا أمرأة عادية تصلح زوجة لأي رجل عادي يسكن معها في منزل متواضع يليق بتواضع مظهرها , هذا مع العلم أنها لم تلاحظ على الهولندي أو زوجته حتى الآن ما يشير الى ذلك , فلم تغب البسمة مثلا عن هانا طيلة وجودها في الغرفة , الأمر الذي يدل على أعجاب وتقدير فعليين للسيدة فان ميروم , أو على موهبة خارقة في التمثيل والتظاهر بعكس ما يضمره القلب , أستسلمت لورا للمياه الساخنة بعد أنصراف هانا ومكثت وقتا طويلا تتمتع بالتسهيلات التي لم تحصل عليها يوما في منزل ذويها , وبعد الحمام قاومت رغبة في النوم وجلست أمام المرآة تتبرج , مطلقة هذه المرة العنان لضفائرها في الأنسدال بحرية حتى أسفل ظهرها , ثم أرتدت أحد الفساتين الجديدة وعقدت حول عنقها منديلا حريريا أبيض , وما كادت تنتهي من الأعتناؤ بنفسها حتى سمعت طرقا خفيفا على الباب تبعه دخول هانا على رؤوس أصابعها , ثم تكلم هانز في الخارج:
" جئنا لنرى أستعداد الزيارة لزيارة بقية أرجاء المنزل".

نيو فراولة 20-05-11 04:20 PM

مشت السيدة فان ميروم الى جانب الزوجين الهولنديين , وهي تشعر بأستغراب كونهما يقومان بمهمة تخص الزوج أصلا , وقد يكون تخلّى عنها لبديليه لأن لورا بدورها بديلة لجويس , وتخيلتها متأبطة ذراع رالف تنتقل من غرفة الى أخرى لتتفقد أثاثها , ومستعملة دلالها وغنجها لتقنعه بتغيير هذا المقعد ونزع تلك اللوحة ........ولكن لماذا تسمح لورا لصورة شقيقتها بأن تصبح هاجسا يفسد حياتها ويلاحقها أينما ذهبت ومهما فعلت؟ لماذا تقضي بذلك على قبس أمل بالسعادة مع رجل قلبها وحلم عمرها؟
تعرّفت لورا أولا الى غرف الطابق الأرضي : قاعة أستقبال الضيوف , غرفة الجلوس , غرفة الطعام الواسعة بطاولتها الكبيرة وكراسيها الكثيرة , وأوضح هانز بفخر أن المائدة تتسع لعشرين شخصا وأن تقاليد الطعام ما زالت متبعة حرفيا منذ مئة وخمسين سنة ونيف , بعد ذلك دخل الثلاثة مكتبة الطبيب حيث مكتبة ورفوف المجلات الضخمة تضم في طياتها العلم والمعرفة الطبية الواسعة , وفي المكتبة مدفأة صغيرة وبعض المقاعد الجلدية , ومن المكتبة بلغوا صالونا مستديرا يستعمل كثيرا كما يبدو من المجلات الموضوعة على الطاولة في وسطه الى جانب مزهرية مليئة بالورود الحمراء.
أوضح هانز وجهة أستعمال هذه الغرفة:
" هذا الصالون يستعمل للأستراحة , ووالدة الدكتور رالف, رحمها اللو , كانت تمضي معظم أوقات فراغها هنا".
أنها مشكلة جديدة بالنسبة للورا , فهل يرغب رالف بأن تستعمل غرفة والدته المفضلة أم يفضل بقاءها بعيدة عنها؟ أقترح الهولندي وهو في طريقه الى الطابق العلوي:
" فلنترك المطبخ لنهاية الجولة".
المحطة التالية كانت غرفة رالف البسيطة , التي يغلب عليها الون البني , وشعرت لورا في هذه اللحظة أنها متطفلة تتدخل بما لا يعنيها , لذلك أختصرت زيارتها سريعا , ثم زارت أربع غرف نوم , أحداها واسعة كغرفتها , وجميعها مفروشة بذوق رفيع , وبعد أن أنتهوا من هذه الجهة أنتقلوا الى الجهة الخلفية حيث الصميم عشوائي قليلا , أذ أنتشرت الغرف الكثيرة بفوضى يمينا وشمالا حتى نسيت لورا عددها , ونظرا لوفرة الغرف سألت:
" كيف تستطيعان القيام بكل الأعباء؟".
فهمت هانا ملاحظة لورا وهزّت رأسها بينما أجاب هانز:
" هذه الغرف تبقى مقفلة فلا تستعمل ألا في المناسبات الخاصة عندما تجتمع العائلة كلها , كما أننا لا نعدم وسيلة عند تكاثر العمل فنستأجر مثلا خدّاما أضافيين للمساعدة".
لا ريب في أن رالف يملك أموالا طائلة ليعيش في قصر كهذا , ومن الطبيعي أن يطلعها على هذه التفاصيل عندما يهدأ باله وتزول آثار صدمته , فهي بالنتيجة زوجته ولها الحق بمعرفة كل شيء , لكن المقلق أنها بدأت ترى مشاكل جديدة لم تحسب لها حسابا تتجمع في أفق حياتها الزوجية.
عرّفها هانز وزوجته الى جناح مخصص للأطفال وفيه ثلاث غرف نوم وأخرى للمربية , وهذه الأخيرة ما هي ألا مربية رالف العجوز التي لا عمل لها بأنتظار مجيء أطفال جدد الى المنزل , وهي غائبة الآن في زيارة الى أسكوتلندا , فهمت لورا من خلال أبتسامة الهولنديين أن وجودها أيذان بقرب تأمين نزلاء لغرف الأطفال الشاغرة , والمنزل يحتاج لنفحة حياة لا يشغلها ألا الأطفال بحركتهم وضجيجهم , أحمرت لورا خجلا لهذه الفكرة وخوفا من ألا تكون الأم التي طالما أنتظرها آل فان ميروم.
في الطابق الأخير مزيد من غرف النوم وغرفة جلوس مريحة ,وأوضح هانز أن الخادمتين آني وألسا تنامان في هذا الطابق , كما قال:
" هناك عدة مخازن للمؤن والأغراض هنا , أذا لم تكوني تعبة بأستطاعتنا الأنتقال لرؤية الغرفة الزجاجية في الطابق الأرضي".
غرفة فسيحة مقفلة بألواح من الزجاج تسمح لأشعة الشمس بأختراقها من الجهات الثلاث , وضعت فيها أنواع مختلفة من الشتل والزهور , وتوسطتها طاولة وكراسي بيضاء تضيف بلونها بهجة الى بهجة , وفي خارجها مساحات من الأخضر عشبا والألوان الزاهية زهورا وشجيرات , وأحست لورا بالأنزعاج لأن رالف لم يكلف نفسه مشقة التلميح الى هذا الأطار الرائع الذي لم يكن ليتوانى عن وصفه بالتفصيل لجويس , والذي يكره فكرة حصول لورا عليه وهي لا تستأهله.
أكمل الدليل هانز شرحه:
" هناك حوض للسباحة في تلك الجهة , وكذلك مرآب للسيارات , وفي طرف الحديقة منزل صيفي صغير للذي ينشد الراحة والأنفراد , هل أعجبك المكان يا سيدتي؟".
أجابت العروس بحماس:
" لا أرى الكلمات المناسبة للتعبير عن الأعجاب!".
" أقترح تأجيل زيارة المطبخ , فما رأيك بالجلوس خارجا قرب ساقية الماء لأحضر لك الشاي الأنكليزي؟".
قبلت لورا بالفكرة وجلست تحتسي الشاي لما أتى هانز بزائر شاب , متوسط القامة أشقر الشعر أزرق العينين.
أنحنى الزائر أحتراما في حين قدّمه هانز :
" الدكتور فان نيهوف شريك الدكتور رالف , سأحضر فنجانا آخر للضيف".
وقفت لورا وصافحت الشاب قائلة:
" لي الشرف بالتعرف الى من حدّثني عنه رالف خيرا , ولكني لم أتوقع مقابلتك بهذه السرعة".
" كنت في طريقي من أمستردام الى البيت يا سيدتي فخطر لي المرور لألقي التحية عليكما , وأذا بي أجد رالف قد خرج الى العمل , ولا أعلم ماذا طرأ حتى أضطره الى معاودة العمل اليوم".
" لا أظن أن طارئا حصل , فهو قال أن لديه الكثير من المشاغل للأنجاز , ولكن شكرا على الزيارة فهذا يتيح لي تقاسم الشاي مع جليس صديق لزوجي".

نيو فراولة 20-05-11 04:21 PM

جلس الضيف قرب لورا في حين أتى هانز بفنجان آخر , فصبت لورا الشاي وقدمت له بعضا من الكعك الذي صنعته هانا , ووجدت لورا أخيرا في يان فان نيهوف مشروع صداقة وشخصا تستطيع التحدث اليه بدون أن تعلم ما الذي جذبها نحو هذا الشاب الذي يصغرها بعام أو عامين.
سألته بمرح:
" في جعبتي الكثير من الأسئلة أود ان أطرحها عليك : أين تسكن؟ هل تعمل في العيادة مع رالف؟ هل تعمل معه في المستشفى؟ هل أنت متزوج.......".
قاطعها الشاب بضحكة حلوة ونظر اليها ببعض الأستغراب لجهلها كل شيء عنه , بأعتبار أن من واجب رالف الأجابة عن هذه الأسئلة المتعلقة بشريكه الدائم والذي يدخل في صلب حياته وبالتالي في صلب حياة زوجته , ومع ذلك أجاب:
" أقطن في بارن وأشارك رالف عيادته مع الأشارة الى أن أغلبية الزبائن تقصده لأنه واسع الشهرة لا مغمور مثلي , وأعترف أنني محظوظ لأنه أختارني شريكا , فالعمل مع رالف يكسبني خبرة ومعرفة , وهذه الفرصة لا تتاح لأي كان ويتمناها كل طبيب جديد طري العود ".
أضاف الشاب بأحترام:
" رالف طبيب لامع وأنسان طيب , أما بالنسبة لسؤالك الأخير فأنا غير متزوج , مع أنني أرغب بذلك.....".
توقف يان فجأة عن الكلام وكأنه شعر بالخجل فقالت لورا بلطف:
ربما أخبرتني بقصتك عندما تتوثق صداقتنا أكثر".
" عندما أطلعك على الأمر ستكونين الوحيدة التي تعرف بالقصة , فحتى رالف يجهلها لأنني لا أريد أزعاجه بمشاكلي".
" أنا بئر عميقة وبمقدورك أطلاعي على السر بأطمئنان , والآن صب المزيد من الشاي وقل لي كيف العثور على من يعلمني لغتكم".
أقترح الشاب بتردد:
" لا بد أن رالف يعرف أحدا صالحا لهذه المهمة أنا مسرور جدا لأن رالف قرر أخيرا الحصول على شريكة لحياته , أنه رجل رائع وأسمح لنفسي بالقول أنك تناسبينه تماما".
" شكرا لك يا يان , وعلى فكرة لماذا لا تدعوني لورا؟ فالألقاب تشعرني أنني عجوز دردبيس".
ضحك الأثنان طويلا في اللحظة التي خرج فيها اليهما رالف فلم تره لورا ألا وقد أصبح قربها.
" ’ه , رالف! جئت في الوقت المناسب لتناول الشاي معي ومع يان الذي مر لرؤيتك وقبل بالبقاء لتسليتي".
رمقها الرجل بنظرة لم تستطع ألتقاط معانيها وقال:
" لا ضرورة لأحضار فنجان جديد فقد تناولت القهوة في المستشفى قبل مجيئي ".
تناول رالف كعكة وجلس متوجها الى يان :
" ما أخبارك يا صديقي؟".
كان نبرته ودودة لكن القساوة لم تغب من عينيه مخفية ما يقلقه , فشرعت لورا تفتش عيثا عن مصدر القلق وأكتفت لأقناع نفسها بالقول أنها حساسة أكثر من اللازم وتختلق أمورا لا وجود لها.
بقي رالف يتحدث الى يان عن أخبار العطلة عشر دقائق أقترح عليه بعدها الأنسحاب الى المكتبة لمناقشة حالة أحد المرضى , فأعتذر من لورا قائلا:
" لن أتأخر عليك يا عزيزتي".
عبارة عادية مرضية تتوقعها كل زوجة في مثل هذا الموقف , فلماذا القلق والخوف وأختلاق الوساوس ؟ نظرت لورا الى الرجلين يبتعدان وهي تفكر بيان الودود اللطيف , لكن هذا أقل ما يمكن أظهاره أتجاه زوجة شريكه ومعلمه لو صحّ التعبير , وعلى هذه الأفكار أقفلت عينيها تتمتع بمداعبة أشعة الشمس وغفت , أفاقت لورا بعد ساعة لترى أن لا أثر لطبق الشاي أو للكلبين , فقالت أن رالف لم يرد أزعادها وعاد الى المنزل , ولكنها لم تره عندما دخلت فراحت تبحث عن هانز الذي أبلغها لما وجدته أن الطبيب ما يزال في المكتبة وأن الدكتور يان غادر منذ نصف ساعة.
" لم لا تدخلين اليه يا سيدتي؟".
" لا أريد أزعاده في عمله يا هانز".
منتديات ليلاس
جواب فاجأ الهولندي لأن رجلا متزوجا حديثا لا يجب أن يزعجه دخول عروسه عليه في أي وقت من الأوقات , توجهت لورا الى غرفتها لتشغل نفسها في الساعة المتبقية لحلول موعد العشاء , فبدلت ثيابها وصففت شعرها المتروك حرا بتسريحة آسرة جديدة , وتعمدت التباطؤ في عملها حتى مر الوقت ونزلت الى الطابق السفلي فلم تجد أحدا في قاعة الضيوف , وغرقت في أحد مقاعد غرفة الجلوس قرب النافذة تتصفح مجلة هولندية لم تفهم منها سوى الصور , وأرتعدت فرائصها الى درجة أنها أوقعت المجلة عندما سمعت صوت رالف الهادىء:
" أخيرا وجدتك".
" لم أدر أين أذهب....".
" أذهبي حيث تشائين يا لورا , أنا أبقى عادة للعمل في المكتبة قبل العشاء وبعده , وأبقى أحيانا ساهرا حتى وقت متأخر فعليك الأعتياد على ملء وقتك بطريقة مفيدة , أرى أنك غيرت تسريحة شعرك ".

نيو فراولة 20-05-11 04:23 PM

تجاهلت لورا الملاحظة الأخيرة وأكدت بحبور:
" لا تقلق بشأني وأنصرف الى عملك بحرية , على فكرة , في أي ساعة نتناول طعام الفطور؟".
" في السابعة والنصف , ولكن لا تزعجي نفسك بالنهوض باكرا , فبأمكاننا الأيعاز الى الخادمة بأحضار الطعام الى غرفتك كما تستطيعبن تناول الطعام هنا في الوقت الذي يناسبك , شعرت المرأة أنها تعامل كضيف ثقيل غير مرغوب فيه مع حفاظ المضيف على حد أدنى من اللياقة , فقالت بفظاظة:
" موعد الفطور يناسبني تماما فلا تحاول أبعادي لأنني لن أزعجك بالثرثرة في الصباح".
دهش رالف لشراستها وأوضح ضاحكا:
" أعتذر لما بدر مني من غير قصد , فالأمر يعود الى عدم أعتيادي على الحياة الزوجية بعد سنوات الوحدة".
" أفهم تماما ماذا تعني وخاصة أنني لا أختلف عنك كثيرا من هذه الناحية , لقد أتفقنا سابقا على عدم تدخل واحدنا في شؤون الآخر وعاداته , فلا أرى موجبا لنقض هذا الأتفاق الآن , لذلك ما عليك عند تطفلي , سوى أعلامي بهفوتي لأزيح من الطريق".
أقترب رالف منها مخاطبا بعذوبة:
" أنت أمرأة ناضجة ومتفهمة يا عزيزتي , أمنحيني بعض الوقت لأستطيع التكيّف مع النمط الجديد , وأعدك بأن أصارحك بما يضايقني بشرط أن تفعلي الشيء نفسه , والآن هلا تناولنا العشاء ".
شدها من مقعدها ولف خصرها بذراعه بقوة جعلتل دقات قلبها تسرع , وسأل:
" ما رأيك بالمنزل؟".
حين أوت الى فراشها راجعت لورا في ذهنها مجريات الأمسية الأولى راضية عن نجاحها المقبول , فقد تناولا عشاء لذيذا تحدث رالف خلاله عن عمله في المستشفى دون أن يأتي على ذكر عمله في العيادة , وبعد ذلك أتصل بوالده وأتفق وأياه على توجهه وعروسه لزيارته في مساء اليوم التالي , وأخيرا عانقها متمنيا لها ليلة هانئة وأتجه الى المكتبة ليهتم بعمله.
وهكذا أقتنعت لورا بحصيلة اليوم المنصرم وأغمضت عينيها على صورة رالف مطبوعة في فكرها وقلبها.

نيو فراولة 20-05-11 04:24 PM

7- نفحة من الأمل


كان رالف جالسا الى المائدة وغارقا في جريدته لما نزلت لورا في الصباح لتتناول فطورها , ووجود الجريدة يعني أنعدام الكلام في هذه الجلسة الصباحية , لذا حيّته وجلست أزاءه تتصفح الجرائد الأنكليزية الموضوعة الى جانبها كأشارة لوجوب ألتزام الصمت وعدم رغبة الرجل بالتحدث , صبت لورا بعض القهوة فيما رالف يأخذ أستراحة قصيرة ليطمئن الى تمضيتها ليلة هادئة قبل غرقه في قراءة بريده اليومي , وشكت لورا في سماعه الشكر الذي وجهته له فكأن واجبه أنحصر في السؤال دونما حاجة الى الأصغاء لردها , ولم يتكلم الرجل ألا عندما أكمل شرب قهوته ونهض , فأبلغها:
" سأعود في حوالي السادسة مساء , أتمنى لك نهارا ممتعا".
أنتظرت لورا خروجه حتى سألت نفسها بصوت مرتفع:
" وماذا سأفعل طوال هذا النهار الممتع؟".
منتديات ليلاس
ثم تذكرت أنه طلب منها الصبر فأذعنت لعدم أكتراثه على أمل أن تنتهي هذه المعاناة قريبا , وللحقيقة لم يكن نهارا فارغا , فتفقدت المطبخ الواسع المجهز تجهيزا عصريا كاملا , وأعجبت بالغرفتين الملحقتين به : الأولى لغسل الصحون والثانية لغسل الثياب , كما تعرفت الى الخادمتين ألسا وآني , وهما صبيتان طويلتا القامة تضجان صحة وعافية , وحيّت الخادمتان سيدتهما بعرض جريء لأسنانهما البيضاء كونها اللغة الوحيدة التي يستطيعان التفاهم بواسطتها مع السيدة الأنكليزية , ثم قابلت لورا البستاني العجوز الذي لوّحت وجهه أشعة الشمس وجعدته السنون الطويلة , بعد ذلك جلست في الغرفة الزجاجية تحتسي القهوة وتقرأ كتابا عن فن الطبخ وأدارة البيت , علما أن لا فائدة لذلك بوجود جهاز الخدم الكبير في المنزل.
وأخذت المرأة تفكر في كمية المال الذي ينفق في هذه الدار وأجرت مقارنة بين المبلغ التقديري الذي توصلت اليه وما كان ينفق في منزل ذويها , ونتيجة المقارنة أتت المقارنة مذهلة , بعد غداء موحش مارست لورا ساعة من السباحة في مياه الحوض الدافئة , ثم أنسحبت الى غرفتها وأرتدت ثيابها لتناول الشاي بأنتظار وصول رالف , وقد أختارت لورا للقاء والد زوجها في العشية , ثيابا أنيقة وحذاء جلديا ثمينا لم تكن تحلم بأن تضعه في قدميها الضغيرتين من قبل , لكن كل هذا الأعتناء لم يؤثر في رالف الذي وصل في الوقت المحدد وأكتفى بالقول:
" مرحبا , سأصعد لأبدل ملابسي وأعود بسرعة".
وما هي ألا دقائق حتى عاد مرتديا بدلة رمادية جميلة تتناسب مع ربطة عنق حريرية رائعة , وأقترح رالف الأنطلاق على الفور دون أن يلتفت الى لورا أو الى ثيابها , صعد الزوجان في السيارة الصغيرة لأن الرولز رويس مخصصة للمناسبات المهمة , وعبرا هيلفرسوم بأتجاه لوتين حيث يقطن والد رالف ,وبقي الرجل صامتا الى أن قال أخيرا قبل وصولهما بقليل:
" يبدو أن لا شيء لديك تقولينه".
" لدي أشياء كثيرة أقولها بشرط أن أجد مستمعا , ففي البيت مثلا خيّل لي أنك لا ترغب بسماع صوتي , ولو أردت العكس لأبلغتني ذلك".
" يا عزيزتي لا ضرورة لطلب أذن خاص حتى تتكلمي ! فأنت حرة في قول ما تشائين عندما يحلو لك".
" لماذا تتراجع عن مواقفك ؟ لقد أفهمتني سابقا أنك لست مستعدا لتغيير نمط حياتك وعاداتك".
حدقت لورا في المناظر الجميلة في الخارج وأضافت دون الألتفات اليه :
" أنا لا أقصد جرحك بل أحاول توضيح موقفي".
جاءت نبرته هذه المرة ناعمة:
" وضوحك تام الى درجة أنك تجيدين لعب دور الزوجة بمثالية وأتقان".
سرى كلامه في جسدها سريان السم الزعاف فلجمت لسانها حتى لا يتطور الأمر وصمتت طويلا , حتى قالت أخيرا:
" المنطقة جميلة جدا".
" فعلا".
كانت السيارة تسير بمحاذاة بحيرة واسعة ترسو على ضفافها قوارب ويخوت مختلفة الأحجام , والى الجانب الآخر من الطريق أنتشرت فيلات وقصور فخمة أمامها حدائق رحبة , محاطة بأسوار عالية وأخرى طبيعية من الأشجار الباسقة , قاد رالف السيارة عبر أحدى بوابت هذه الفيلات وأوقفها أمام مدخل بناء جميل , يعلوه سطح قرميدي أحمر وتتسلق جدرانه نباتات اللبلاب, قالت لورا وهي تهم بالخروج:
" بيت رائع!".
لم تدع المرأة زوجها يصل الى باب السيارة ليفتحه فسبقته الى سلم المنزل , غير أنه لحق بها وأمسك بذراعها كي يبدوا زوجين منسجمين للناظر من بعيد , وهذا الناظر لم يكن سوى أبن هانز العامل في خدمة والد رالف , خيل للورا وهي تنظر الى الرجل أنها ترى صورة لهانز في أيم شبابه , فالشبه بينهما كبير وحتى في الأبتسامة وطريقة الأنحناءة , ألا أن أنكليزية هانز أفضل من تلك اللهجة الطريفة التي تكلم بها ولده:
" أنه لفخر أن تصبحي عضوا من عائلة فان ميروم يا سيدتي".

نيو فراولة 20-05-11 04:25 PM

وقادهما الشاب في رواق معتم وبارد الى غرفة في مؤخرة المنزل , تطل على حديقة واسعة وتسمح واجهاتها الزجاجية لآخر خيوط الشمس بالدخول وألقاء تحية دافئة , نهض شاغل الغرفة الوحيد لدى دخول الزوجين , ورأت لورا رجلا فعل الشيب في رأسه فعله , طويل القامة عريض الصدر كرالف , داكن العينين ...... مع أختلاف أساسي عن أبنه : أبتسامته العريضة.
قال فان ميروم الأب:
" وأخيرا رالف ولورا ".
وضع يديه على كتفيها وقبل وجنتها ثم قال :
" أنا سعيد يا أبنتي بأستقبالك في عائلتي ".
أبعدها عنه قليلا وتفحصها بهدوء وتدقيق مضيفا:
" ها أنني أحظى بأبنة جديدة بعد طول أنتظار , وفرحي عظيم لأنني كوفئت على أنتظاري , حسنا فعل رالف بأضطحابك لزيارتي قبل أن يعرّفك بأفراد العائلة الآخرين".
أمسك الطبيب المتقاعد بيدها وقادها الى أحدى الكنبات الواسعة قائلا:
" العشاء لن يقدم قبل نصف ساعة , فأحضر لنا عصير الفواكه يا رالف بينما تحدثني لورا عن نفسها".
أمضت لورا أمسية باهرة النجاح في كنف والد رالف الطيب , وتساءلت لماذا لا يظهر زوجها من محبة وود شيئا مما أظهره والده. وهي تعلم أن نفسية فان ميروم الأبن لا تناقض في جوهرها نفسية فان ميرو الأب , خصوصا أنه أنسجم الى حد ما خلال السهرة وبادلها الضحك والمزاح , بيد أنه عاد الى نصب السد بينهما عندما أستقلا السيارة عائدين الى المنزل , فتجنب أن يطيل التعليق على مجريات السهرة رغم محاولاتها اليائسة لأستدراجه الىالكلام , عله يلين شيئا فشيئا ويتوصل الى مفاتحتها بما في قلبه , وبعد أن فرغت جعبة لورا بقيت ساكتة حتى وصلا الى المنزل فتمنت له ليلة هادئة وصعدت الى غرفتها , وكان على الزوجين القيام بزيارة ثانية لوالد رالف ليتناولا العشاء الى مائدته بحضور سائر أفراد العائلة , ونظرا لأهمية المناسبة قررت لورا أرتداء أفضل أثوابها خصوصا أن الساهرين قد يتسلون ببعض رقصات الفالس وما شابه .... لكنها أفاقت في اليوم التالي على شعور بالأرهاق الجسدي , يزيده أحساس بأن أفراد عائلة زوجها لن ينظروا اليها بعين ارضى والأستحسان , فخشيت حلول موعد السهرة كأنها ساعة الموت , وما كادت المرأة تجلس الى الطاولة لتشارك زوجها فطوره حتى بادر الى أعلامها بأضطراره الى الغياب ليومين لحضور مؤتمر طبي بعقد في مدينة منريشت
وقال رالف مخففا :
" أظن أنه سبق وأبلغتك بأحتمال تغيبي عن المنزل بين الحين والآخر , وأنا واثق من أنك لن تضجري بوجود هانز الذي يستطيع مرافقتك الى أسواق دن هاغ أو أمستردام لشراء بعض الحاجيات ".
أضاف وكأنه تذكر أمرا هاما:
" ألديك ما يكفي من المال؟".
" نعم , شكرا".
الشيء الوحيد الذي لا ينقصها في هذا المنزل هو السيولة النقدية , فرالف رجل معطاء لا يبخل عليها أبدا , وهي تجد بين يديها مبالغ لم تكن تحلم بلمسها في السابق , الى درجة تجعلها لا تعلم ماذا تفعل بها كلها , لكن لورا تتخلى عن أموال الأرض جميعها مقابل لفتة من رالف أو لحظة أهتمام منه , فالغصة ما تزال في قلبها كونه لم يفكر بشراء هدية زواج لها , في حين أنها أشترت زرين من ذهب لقمصانه الحريرية الفاخرة ولم تقدمهما له أثر أدراكها مدى أهماله لمشاعرها , بعد أن جالت هذه الأفكار في رأسها قالت:
" لا حاجة لأزعاج هانز , فبأستطاعتي ركوب الباص الى هيلفرسوم ثم الى بارن لأتعرف الى المدينتين جيدا".
ظهر الأستغراب في عيني رالف لمّا علّق:
" لم يخطر لي يوما أستعمال الباص , فمن أين جاءتك هذه الفكرة؟ هانز سيحرسك في غيابي , الى اللقاء".
خرج الرجل والكلبان يقفزان حول قدميه مودعين , فنظرت لورا اليه حائرة لا تجد سبيلا الى أدراك كنهه.
أستطاعت الزوجة الوحيدة ملء يوميها بشكل معقول , فكتبت بعض الرسائل لزميلاتها السابقات , أستكشفت بارن وهيلفرسوم , أشترت بعض الحاجيات من أسواقهما , أمضت ساعات طويلة في الحديقة تشغل نفسها بأعمال التطريز والحياكة , كما أصطحبت الكلبين في نزهات طويلة , وصرفت وقتا في مراقبة هانا وهي تعد الطعام.....

نيو فراولة 20-05-11 04:27 PM

لكن هذا البرنامج على كثافته لم يفلح في أنتشالها من الوحدة أو منعها عن التفكير برالف ولو للحظة , فصورته لا تفارق خيالها , والأسئلة الكثيرة ملآت بصيرتها : أين هو الآن ؟ ماذا يفعل؟ مع من يعمل ؟ أنه لغريب حقا أن تغرم أمرأة برجل ولا تعلم عنه ألا النزر اليسير , عاد الطبيب الهولندي في ساعة متأخرة من مساء اليوم الثاني لذهابه , وكانت لورا في هذا الوقت في فراشها تستمع الى دقات ساعة الحائط تعلن حلول منتصف الليل , وما أن سمعت صوت محرك السيارة حتى تركت سريرها وفتحت النافذة لتشاهد زوجها , لكن الظلام الدامس الذي لف الدنيا لم يتح لها الرؤية بوضوح فأقفلت النافذة وهي ترتدف بردا , ثم عادت الى مضجعها , وفكرت بالنزول اليه لعلّه جائع أو عطشان , غير أنها سرعان ما أستبعدت الفكرة , وفي أي حال , فأن مجرد عودته الى المنزل أمر مطمئن ومفرح بالنسبة للحبيبة المتيمة , وفي الصباح عندما تستفيق بأمكانها أستيضاحه عن مسألة تعلمها اللغة الهولندية , وغفت لورا على حلم جميل رأت فيه نفسها تتكلم الهولندية بطلاقة أدهشت رالف... أثارت لورا المسألة في اليوم التالي وفوجئت برد رالف الأيجابي:
" من الضرور جدا تعلمك اللغة , وأنا أعرف الرجل المناسب للمهمة , سأتصل به اليوم وأتفق معه على التفاصيل , المهم أن تحددي الوقت الذي يناسبك لأخذ الدروس حتى أكون واضحا مع الرجل".
" العاشرة صباحا , رغبتي في الألمام بالهولندية كبيرة جدا , لذا سألت شريكك يان عن أستاذ فأجاب أنك تستطيع تدبر الأمر بسهولة".
" لماذا سألت يان؟".
بدا الأنزعاج واضحا في صوت رالف دون أن يظهر أي شيء على قسمات وجهه الساكنة.
" لم أشأ شغلك بهذه القضية يا رالف لكثرة أعمالك".
ترك رالف قول لورا يمر بلا تعليق فجمع أوراقه ورسائله قائلا:
" أذا سأتفق مع رودي دوفال على مجيئه يوميا في العاشرة , عدا السبت والأحد".
" أستطيع الذهاب اليه بالباص أذا كان يقطن في بارن أو في هيلفرسوم".
أنهى الرجل النقاش بحزم:
" أفضل أن يأتي هو الى منزلي , سأعود في موعد الشاي".
بدأت لورا بتعلم الهولندية على يد رودي دوفال , رجل في وقار الخمسين , ذو شاربين عريضين ولحية صغيرة , يعرف ماذا يريد ومصمم على جعل تلميذاته تحسن الهولندية ولو كان هذا آخر عمل يحققه في حياته , تمتعت التلميذة بالدرس الأول ونوت أخبار رالف بأخطائها الغبية حتى تنتزع الضحكة من شفتيه , بيد أن الرجل أكتفى بالأطمئنان الى بدء الدروس ودقة الأستاذ في مواعيده غير مكترث بالأستعلام عن تقدم زوجته ومدى أستيعابها , وهكذا عندما دعيا الى منزل والده بمناسبة الحفل العائلي , أستطاعت لورا أن تفاجئهما بعبارا هولندية بليغة تعلمتها خصيصا للمناسبة , وهذه الدعوة لم تحمل فقط رضى لورا عن هولنديتها بل رضاها عن تصرف رالف , لأنه طلب منها أرتداء فستان العرس للمناسبة , ولما نزلت كان في غرفة الجلوس ينتظرها ببدلته الأنيقة منفرج الأسارير.
منتديات ليلاس
" طلبت منك أرتداء هذا الثوب لأن لونه يناسب هذه , أبقي بدون حراك قليلا".
أقترب منها وفي عينيه بريق لم تلحظه لورا من قبل وأحست أن رجلا آخر ينظر اليها , وضع رالف حول عنقها عقدا وأتبعه بسوار في معصمها فغمرتها الدهشة ونظرت في المرآة الكبيرة المعلقة في الحائط وقالت بصوت مرتفع:
" هذا رائع......".
كفت المرأة عن الكلام بمجرد أن رأت للعقد والسوار تكملة : قرطان ذهبيان في وسط كل منهما حبيبات من الياقوت والماس.
" هذه المرة عليك وضعهما بنفسك لأن الأذنين حساستان ولا أجرؤ على مس نعومتهما بخشونتي".
أخذت لورا تتأمل طقم المصوغات الكامل والأمل يزهر في أعماقها . هل بدأ رالف يتغير ؟ هل نجح رهانها على الوقت عاملا ينسيه جويس ويولد في نفسه عاطفة أتجاهها؟ وكفأس مجرمة قطعت براعم الأمل جاء كلامه الواقعي:
"لا فضل لي بأهدائك هذا , فالتقليد يملي أن زوجة الأبن الأكبر ترث هذه المجوهرات العائلية".
علقت لورا والحسرة تخنقها:
" فهمت , يجب أن أضعها الليلة".
" تماما , أمستعدة للأنطلاق؟".
بالرغم من الحادثة المخيبة أمضت لورا سهرة حلوة , فوالد رالف يحبها كثيرا معوضا بذلك عن حنان مفقود , ومارغريت , شقيقة زوجها , تعاملها بلطف وبقدر كبير من الصداقة , وهي أمرأة في عقدها الثالث , جميلة بعينيها السوداوين وقامتها الفارغة المليئة , وبشعرها الأسود الطويل المضفي على مظهرها لمحى غجرية ساحرة , وزوج مارغريت رجل أنيق ووسيم , عامل لورا بما تقتضيه أصول التهذيب واللياقة ما أراح لورا الى وجوده , أما لورانت الشقيق الأصغر فلم يخف أعجابه ومحبته لزوجة رالف منذ المرة الأولى , وهكذا تصادق وأياها بسرعة وملأ وقتها بنكاته ومرحه , وبالنتجة وجدت المرأة الأنكليزية التائهة في هذا المجتمع الغريب أن أمر التأقلم في جو عائلة فان ميروم ليس عسيرا جدا .... ويبقى الأهم: تأقلمها مع رالف ..... أو العكس.

نيو فراولة 20-05-11 04:28 PM

بعد العشاء الراقص الذي حضره أيضا الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم , أقيم أستقبال كبير وقفت فيه لورا الى جانب زوجها يتلقيان تهاني الأقارب والأصدقاء في جو بهيج تنوعت فيه التمنيات بلهناء وبحياة طويلة مديدة مكللة بالرفاه والبنين ..... وبذلت لورا جهدها لتستطيع الصمود والظهور بمظهر الزوجة السعيدة أمام الجميع , خصوصا أن العائلة , ما عدا الوالد ربما , تظن أن رالف تزوج بعد حب لا بعد صفقة أملاها عليه الأنفعال وثورة النفس , والمسكينة لا تعلم أن لا حاجة البتة للتظاهر بأي شيء , فهيامها برالف يقطر من كل نظرة اليه , ويقفز من كل لفتة نحوه , فسر الجميع بكون كبير أبناء العائلة تزوج بعد طول وحدة من أمرأة يحبها وتعشقه , فقضيته كانت شغل العائلة الشاغل ويبدو أنها حلت الآن على ما يبدو على يد لورا , وساعدت تصرفات رالف الدقيقة على توليد هذا الأنطباع لدى الساهرين , فهو قد قال المناسب وفعل اللازم موزعا أبتسامات السعادة على الجمع وعلى زوجته , مع الأشارة الى أن حبوره لن يخدع لورا بسبب الفتور القابع في عينيه الداكنتين , ولما وصلا الى البيت قال رالف بسرور أن جميع أفراد العائلة والمعارف والأصدقاء أحبوها وأعجبوا بها , فشكرته متمنية في نفسها أنتقال عدوى الحب والأعجاب اليه , لأنها تضرب عرض الحائط أعجاب الآخرين ما دام زوجها تمثالا من الشمع الأصم لا يمنحها مقدار ذرة من الأحساس , أو يتنازل عن خفقة قلب , وصعدت المرأة الى غرفتها ومصوغاتها البديعة تلمع تحت أنوار الثريا , وهناك في سريرها غفت على وسادة مبللة بدموع المرارة , ما الفائدة من طلب المستحيل والسعي الى القمر؟ فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة والسنوات أمامها طويلة حتى تكسب ود زوجها وحبيبها فلتترك أستباق الأمور وأستعجال النتائج حتى لا ينعكس الأمل خيبة وينهار صرح حبها العظيم , والعامل المساعد في جعل لورا تصبر على المعاناة هو تأقلمها السريع في الحياة اليومية , فهي متوافقة تماما مع هانا ,وهانز خادمها المطيع لا يرفض لها طلبا , كما أنها بدأت تتعرف الى محيطها جغرافيا وأجتماعيا مما يخفف من وطأة الغربة ويزيد من أنصهارها في بوتقة المجتمع الهولندي , وليس خافيا مقدار أهمية ألمامها بلغة البلاد بجهود رودي دوفال وأجتهادها الشخصي , فهي الآن مثلا تستطيع الأجابة بسهولة على أي مكالمة هاتفية لرالف , وتستطيع أستقبال زوجات أصدقائه اللواتي يزرنها للتعارف , وجميع معارف زوجها أحبوها نظرا لتواضعها وبساطتها في التعامل مع الناس , فوجدوها أنسانة حسنة الطباع سهلة المعاشرة.
وفي أحدى الأمسيات تبين أن رالف يؤيد هذا الواقع , أذ قال:
" أهنئك يا لورا على نجاحك السريع في لعب دور الزوجة وربة المنزل , لقد تفوقت علي في هذا المجال".
" أفراد عائلتك وأصدقاؤك أحسن منك معاملة ولا أدري كيف أشكرهم على لطفهم , وكذلك رودي المعلم الممتاز ويان الصديق الوفي ".
توقف رالف بعدما كان متوجها الى المكتبة وسأل:
" يان؟".
" نعم , فهو يمر بي من وقت الى آخر".
رفع حاجبيه مستغربا:
" يبدو أنك معجبة جدا بيان".
" يان شاب طيب ومرح".
لم ينبس رالف ببنت شفة وعاد الى مكتبه مقفلا االباب بهدوء على عالمه الخاص... بعد يومين وصل رالف باكرا فيما لورا جالسة في الحديقة تراجع دروس اللغة , رفعت عينيها لترى صاحب الخيال الآتي ففوجئت ونهضت عن العشب قائلة:
" كم أنا مسرورة لوصولك المبكر".
" أريد أن أريك شيئا أذا كنت حرة".
" وكيف لا أكون حرة وقد سئمت الخوض في مجاهل لغتكم العويصة".
قادها رالف خلف المنزل الى حيث المرآب المفتوحة أبوابه الثلاثة ,والى جانب سيارتي رالف وقفت سيارة فيات جديدة بلونها الأزرق البراق تحاول منافسة فخامة السيارتين الأخريين , أشار الرجل بيده الى السيارة الصغيرة معلنا:
" سيارتك".
" أنا ممتنة على هذه الهدية الخارقة".
" لنقل أنها ضرورة أكثر مما هي هدية".
صب رالف بكلامه ماء باردا خبى أثارة الزوجة المسكينة التي , لو كان الأمر في يدها , لتناولت السيارة ورمتها في وجهه , وعوض أظهار غضبها قالت بفرح:
" كم سأتمتع بالتنزه وحدي..".
" لماذا لا تجربين قيادتها الآن؟".
أجابت لورا وهي تتفحص السيارة:
" علي أن أعتاد أولا على وجهة السير المعاكسة لتلك المتبعة في أنكلترا , فأنتم تقودون الى يسار الطريق ونحن الى يمينه".
وافق رالف وفي عينيه بريق عابث:
" حسنا , قوديها أذن الى البوابة وأرجعي".
فتح لها الباب فأنصاعت لدعوته خصيصا أنه أحتل المقعد الآخر الى جانبها , وأدارت المحرك وكرجت العجلات على مهل حتى بلغا البوابة فشجع رالف زوجته على المضي قدما:
" هيت بنا نذهب الى هيلفرسوم , أمّني طريقك وخذي الخط الآخر".

نيو فراولة 20-05-11 04:29 PM

عجزت لورا عن الرفض لأن أباءها في الميزان والتردد يعد دليلا على الجبن والتهرب من الملمات , لذا أكملت طريقها والحنق يخنقها.
" عافاك الله يا فتاتي! ولكن خففي من قبضتك الخانقة على المقود فهذا يصعب عليك الأنعطاف يمينا ويسارا".
على هذا التعليق عقبت لورا بصرامة:
" أنا أجيد القيادة فلا حاجة لأغراقي بالنصائح والتعليمات".
سارا بضع دقائق برهنت خلالها لورا على دراية في قيادة السيارة , الأمر الذي أنتزع أعجاب زوجها وخفف من عنجهيته.
" تتصرفين بشكل حسن , علينا التوقف عند والدي لتدعمي رأيه بأنك أمرأة فريدة من نوعك ".
ما الفائدة من تقدير الوالد أذا كان أبنه لا يشاطره موقفه , ضغطت لورا على دواسة البنزين كأن هذه الفكرة أشعلتها غيظا ,فقال رالف بشيء من الخوف:
" لا شك في أن والدي يرغب برؤيتك سليمة من أي خدش وغير ناقصة!".
لأرضائه قادت لورا بحذر مضخم متعمدة التباطؤ غير الضروري أحيانا , عله بذلك يكف عن رشقها بلاذع الكلام , بلغا منزل الوالد فأستقبلهما بحرارة خص لورا منها بالقسم الأكبر , وبدا غير مهتم بأجادتها القيادة فهو يحبها ويقدرها لشخصها , الأمر الذي أثار غيظ رالف الساعي الى من يعينه في أيذائها , وآخر ما أتحفها به عند عودتهما الى المنزل كان:
" قدت جيدا قياسا الى أنها المرة الأولى , ولكن حذار من الخروج بالسيارة منفردة قبل أن أسمح لك بذلك".
" أتريدني أن أنتظر وجودك النادر في البيت لأستعمال السيارة , هذا أذا كنت تملك وقتا تمضيه خارج المكتبة".
حدق فيها طويلا وسأل بصوت حريري:
" أتعنين أنك ضحية الأهمال؟".
" لم أقل ذلك , بل أنا أعرض الحقيقة التي سبق ونبهتني اليها , ألم تصرح لي أن مشاغلك كثيرة؟".
دار الحوار بينهما وهما واقفان قرب باب المنزل فأحست لورا بتفوقه عليها نظرا للفارق الكبير في القامة , وحتى لا تخدش حبا أرادته صافيا أستدركت:
" لا تهتم لأقوالي فأنا لست مخولة فرض أي تغيير عليك في أسلوب حياتك".
أثلجت أبتسامته السخية صدرها ورأت في تعابيره ما يقترب من المستحيل , ما يدنو من الأعجاب , فخانتها قواها وأطرقت لتفلت من نظراته الآسرة وقالت:
" آسفة لوقاحتي".
طوقت ذراعه خصرها وقال:
" أنت مجرد مريض يعاني داء مزمنا ومن الطبيعي أن يكافأ على صبره ".
سبق أطلاق سراحها عناق مفاجىء :
" سأعود اليك في موعد العشاء , أذ علي زيارة أحد المرضى".
لم يتمكن رالف من الوفاء بوعده فأتصل مبلغا زوجته أنهم طلبوه الى المستشفى لمعالجة حالى طارئة , وأنه سيتأخر بالتالي ..... فلملمت لورا خيبتها وتناولت طعامها وحيدة , ثم أوت الى فراشها وفكرها مشغول بالعناق الخاطف الذي جاء مفعما بنكهة جديدة خاصة وتحوي الكثير من الأمل.
لم يطابق حساب الحقل حساب البيدر , وبارقة الأمل التي لاحت في البعيد غارت بعد أن حياها رالف في الصباح ببرود ظاهر وأبلغها أنه مسافر لثلاث أيام الى بروكسل عاصمة بلجيكا لألقاء محاضرات في بعض جامعاتها , ولتوديعها طبع قبلة جليدية على وجنتها كمن يقبل عجوزا شمطاء , وأتبع ذلك بنصيحة أبوية:
" لا تقودي السيارة وحدك".
" ولم لا؟".
وبنبرة الطاغية أجاب:
" لأنك ستنفذين رغبتي".
خرج مقفلا الباب وراءه حتى لا يسمح لها بأي رد , أمضت لورا اليومين الأولين بهدوء الحياة اليومية وصرفت ما عليها من أعمال بسيطة , لكن فكرة أرغامها على عدم قيادة السيارة بدأت تزعجها كثيرا , وتناهى في داخلها شعور برفض هذا الأمر الواقع , فهي أمرأة ناضجة ولا يحق لأحد حجز حريتها بهذا الشكل القسري , كما أنها ليست مراهقة متهورة طائشة قد تسبب الحوادث بقيادتها الرعناء وفي اليوم الثالث أدركت أن رالف لم يأمرها بالأمتناع عن قيادة السيارة ألا لشدة ظلمه , فتوجهت بعد اغداء الى المرآب وخرجت بالفيات الى الطريق العام من دون أن تحدد لنزهتها وجهة , سلكت طريق هيلفرسوم حيث بأمكانها القيام بالتسوق نظرا لتوافر المال في جيبها ولحاجتها الى ملابس جديدة.. لا لأنها لا تملك ثيابا بل للتنويع والتسلية , ضغطت قدم لورا أكثر فأكثر على دواسة البنزين وقادت بثقة المجربين وخبرة المحنكين , وحين وصلت الى مفترق وشاهدت لافتة تشير الى الطريق المفضي الى أمستردام , راقت لها الفكرة وسلكته وضميرها شبه مرتاح الى عدم قيامها بعمل خاطىء , من غرائب الصدف أن رالف عاد قبل موعده بيوم واحد وتوجه الى عيادته فورا من دون أن يتسنى له أبلاغ زوجته بمجيئه المبكر , وفيما هو واقف قرب النافذة ينظر الى الفراغ بأنتظار المريض الأول لمح سيارة الفيات الزرقاء تمر بسرعة وبداخلها لورا التي عرفها فورا من لون شعرها , فخرج من غرفته مسرعا ومفاجئا سكرتيرته بهذه الفورة المصحوبة بما تيسر من كلمات نابية في اللغة الهولندية , ولما سألته عن سبب خروجه المفاجىء أختلق لها حالة طارئة لا تتحمل الأنتظار.
" ماذا علي أن أفعل بالمرضى يا سيدي الطبيب؟".
" تدبري الأمر بطريقة ما , أتصلي بهم وعيني مواعيد جديدة يا ويلما , أذا لم أعد أقفلي العيادة وأذهبي الى البيت".

نيو فراولة 20-05-11 04:30 PM

لم يرض كلام الطبيب فضول سكرتيرته الثلاثينية التي رافقته منذ سنوات أكسبتها خبرة كبيرة في طبعه , فسألت:
" الى أين أنت ذاهب؟".
أجاب وهو يقفل الباب:
" ليتني أعلم!".
في هذا الوقت كانت لورا على الطريق الواسع بين هيلفرسوم وأمستردام حيث السير الكثيف والسيارات المسرعة , فأحست بشيء من الندم لتسرعها وأخذت الخط الأيمن المخصص للسير الأكثر بطئا فيما تتجاوزها السيارات والشاحنات الضخمة بسرعة جنونية , وهي بذلك أحسنت صنيعا خصوصا بأبقائها مسافة محترمة بين سيارتها وما أمامها , فجأة لمحت سيارة الى يسارها تتزحلق وتصطدم بالحافلة الفاصلة بين الأتجاهين قبل أن تنقلب على سطحها وتستقر الى يمين الطريق , وعلى الفور خففت من سرعتها وأضاءت الأشارة ثم توقفت قرب السيارة المقلوبة , وفوجئت لورا بأن أحدا من المارين لم يكلف نفسه حذو حذوها , فدنت من السيارة ورأت راكبها الوحيد عالقا في كرسيه بسبب حزام الأمان , ولحسن الحظ أنه لم يفقد وعيه , تمتم الرجل كلمات هولندية لم تفهم منها شيئا فخاطبته بلغته:
" أنا أنكليزية ولا أحسن لغتكم".
منتديات ليلاس
تنفست الصعداء لما قال لها بأنكليزية ضعيفة:
" ساقاي عالقتان........".
ولورا بالطبع لا تستطيع تخليصه وحدها فتلفتت حولها لترى عدة سيارات قد توقفت وترجل منها شبان ورجال لنجدة المصاب , فقالت لهم مع علمها أنهم قد لا يفهمون شيئا:
" خذوا حذركم وأنتم تقلبون السيارة لئلا تتضاعف أصابته".
ثم توجهت الى السائق المسكين مشجعة:
" تمسك بالمقعد جيدا ولا تخف , ستشعر بأرتجاج بسيط ولكنهم سينقذونك".
عانى الرجل كثيرا قبل أن يتمكنوا من أعادة أيقاف السيارة على عجلاتها , ولما فتحوا الباب لسحب السائق المصاب وجدوه مغمى عليه , نظرت لورا بعيني الممرضة الى الوجه الشاحب المتصبب عرقا باردا , فطلبت من المتجمهرين سكينا قصت بها ساق البنطلون فيما تولى أحد المتطوعين قص الساق الأخرى , وأنهمكت المرأة بعملها لدرجة أنها لم تر سيارة الرولز رويس تتوقف على بعد بضعة أمتار منها , دنا منها رالف هامسا في أذنها:
" حسابك مؤجل الآن , أمسكي ساقه المحطمة جيدا لأرى ما بوسعي فعله".
نظرة واحدة الى وجهه الأبيض كانت كافية للورا لكي تنفذ الأمر بحذافيره , فتح رالف حقيبته وبدأ يعمل موجها تعليمات سريعة للرجال المتحلقين حوله وأخرى للورا متناسيا أنها أمرأته كأنه يجري عملية جراحية في المستشف , سرعان ما حضرت سيارة أسعاف وأخرى لرجال الشرطة الذين بدأوا بالأستماع الى الشهود بعد نقل المصاب , وبدا أن الشرطيين يعرفون رالف الذي تولى ترجمة أفادة زوجته لهم.
وبعد أنتهاء المعمعة أمسك الطبيب الغاضب بذراع زوجته , قائلا بتهديد:
"أستطيع....".
تراجعت لورا عن مواصلة الكلام بمجرد رؤيتها الشرر يتطاير من عينيه وصعدت الى سيارته صاغرة , في الطريق بقي الرجل صامتا ولم تحاول لورا بدء أي حديث لأنه أخافها بهدوئه الذي ينذر بعاصفة هوجاء , وعندما بلغا المنزل قال وهو يتوجه الى المكتبة:
" أسمحي لي بدقيقة من وقتك الثمين".
عندها قررت المرأة مواجهة المشكلة مباشرة:
" عدت قبل الموعد بيوم......".
تجاهل رالف كلامها مقاطعا:
" طلبت منك عدم القيادة في غيابي ".
سحب كرسيا وتابع:
" أجلسي".
" أفضل البقاء واقفة , وأحب تذكيرك بأنك لم تطلب مني بل أمرتني بكل ما أوتيت من وقاحة".
" أقدم أصدق أعتذار للسيدة لورا , أهذا ما دفعك لمخالفة مشيئتي؟".
" نعم , فأنا لست سائقة فاشلة ولا فتاة حمقاء".
" صحيح! أنت لست فتاة , ولكنك حمقاء! عندما رأيتك تمرين بجانب العيادة......".
لم يكمل رالف ما بدأه بل أستدرك :
" فلننس تلك اللحظة , أظن أنك تدركين ما هية شعوري عندما رأيت سيارتك فارغة على حافة الطريق".
كانت كلمة ( حمقاء) ما تزال تطن في أذن لورا فصاحت في وجهه:
" لا ! لا أستطيع أدراك شعورك لأنك لا تملك أي شعور أتجاهي! هل أستطيع الآن الأنسحاب الى غرفتي لأنني مصابة بصداع تزيده محاضرتك سوءا؟".
أقترب رالف منها سائلا:
" ألم تصابي بأي أذى؟".
أدارت ظهرها وأجابت:
"كنت أتمنى ذلك!".
خرجت من المكتبة مغلقة الباب بعنف وهي تكتم رغبة بالبكاء , وصدت الى غرفتها حيث أرتمت على سريرها تجهش مطلقة لعبراتها العنان.
بعد قليل حضرت الخادمة ألسا مع طبق يحمل أبريقا من الشاي الساخن فرفضته وأبلغتها أنها لن تنزل الى العشاء , وهو قرار ندمت عليه لأنها ما لبثت أن شعرت بجوع شديد وأضطرت للأكتفاء ببعض قطع البسكويت وجدتها على الطاولة , أتبعتها بكوب ماء من الأبريق الذي لا يفارق غرفتها , وتحسرت لورا على ما فاتها من أطايب أعدتها للعشاء مع هانا بسبب تصرفات زوجها.
أمضت المرأة وقتا طويلا تحت مياه الحمام المنعشة وكذلك في تقليم أظافرها وترتيب ثيابها , ومع هذا كله وجدت عقارب الساعة لم تتجاوز التاسعة , فتمددت عل سريرها بأنتظار أن تسمع رالف يدخل الى غرفته , ودام أنتظارها ثلاث ساعات حتى صعد الرجل الى غرفته مع دقات الساعة.
وأخيرا تعاون الجوع والأرهاق على لورا فأغرقاها في نوم عميق أين منه نوم أهل الكهف....

نيو فراولة 20-05-11 04:32 PM

في الصباح التالي , بينما كانت ترتدي ملابسها , خطر لها أن تعتذر بالرغم من أنها لا ترى سببا وجيها لذلك سوى وجوب أقدام أحدهما على الخطوة الأولى , لكن لورا سرعان ما تخلت عن خطتها لما جلست قبالته ورأت عينيه القاسيتين وجموده التام , فظلت صامتة لا تجرؤ على الأتيانبحركة الى أن نهض أخيرا مبلغا أنه سيعود عند الظهر , أمضت المرأة وقتها بين توضيب غرفة نومها والأصغاء بشرود لشروحات رودي دوفال حول الفعل الماضي وتعقيداته , ثم جلست في الحديقة تلاعب كلبيها , وهناك وافاها يان الذي حضر ليترك رسالة لرالف تفيد بالتوجه لزيارة أحد المرضى , فقرر مجالسة لورا لبعض الوقت حول فنجانين من القهوةالساخنة التي أعدتها هانا , ومن الحديقة أنتقلا الى حافة حوض السباحة مع مزيد من القهوة بالرغم من أقتراب حلول موعد الغداء, وبعد التحادث في أمور مختلفة قال يان بأرتباك:
" أود أستشارتك في شيء لكنني أخشى أزعاجك..".
أزاء أمارات الدية والقلق على وجهه قالت:
" أنا صديقتك يا يان والصديق عند الضيق".
" حسنا سأتكلم, لقد أسكنني رالف في شقة يملكها في بارن وهي تناسبني تماما , كما وعدني بمنحي بيتا أوسع في المدينة نفسها , حين أنوي الزواج , وأنا أقدّر لفتته الكريمة كثيرا ,لكن خطيبتي روزا ترفض ذلك وتطالبني بشراء مسكن من مالي الخاص , وهي تأبى الزواج قبل ذلك معتبرة أن رالف لن يعطي دون منّة , وأنني سأظل مدينا له طوال حياتي....... هذا الكلام فارغ بالطبع غير أنني عاج عن أقناعها بأن رالف بعيد عن هذه العقلية وأننا صديقان نعطي بعضنا دون حساب , فلو كن مكان رالف للفعلت أتجاهه الشيء نفسه , فأرجو منك أن تتحدثي الى روزا لأفهامها الحقيقة وأقناع رالف ببيعي البيت بالتقسيط مع أن أمواله تغنيه عن أخذ الثمن , فقد يكون في ذلك حل وسط للمشكلة , وبصراحة لا أجرؤ على التحدث اليه بنفسي لأنه غارق بأعماله وزواجه ".
ضحكت لورا للكلمة الأخيرة وأكدت:
" سأبذل قصارى جهدي للمساعدة يا يان , أين تقطن خطيبتك الرافضة؟".
" في أوتريشت , حبذا لو قبلت بمرافقتي اليها في الغد فأصيب عصفورين بحجر واحد , أقناعها وصحبتك الحلوة".
" فكرة رائعة , المشكلة تكمن في أقناع روزا ولا أعتقد أن رالف سيمانع من جهته ببيع البيت كما أقترحت , شغل الأثنان بالحوار ولم ينتبها لوصول رالف ألا بعد أندفاع الكلبين نحوه , ألتفتا نحوه بشيء من الدهشة وزاد يان الأمر سوءا عندما نهض بسرعة وأنسحب ليعود الى عمله كما قال , رافقه رالف الى الباب بتهذيبه المعهود ولم يظهر عليه شيء الى درجة أنه لم يذكر أسمة مرة واحدة خلال الغداء , بل حاول أن يبدو مرحا أكثر من العادة وكأن علاقته بزوجته عظيمة لا تشوبها شائبة , ولما تركها عائدا الى عيادته وجدت لورا نفسها غائصة أعمق في رمال غموضه المتحركة وعاجزة عن فهم هذه الأحجية التي أسمها رالف.
فتحت لورا عينيها في اليوم التالي على طقس حار وهواء ساخن وأنباء رالف بتأخره حتى المساء , فهي لا تطلب أفضل من ذلك لتتمكن من موافاة يان الى بارن في العاشرة , ولهذه الغاية أستقلت الباص ووصلت الى مكان اللقاء , ومن هناك أنطلقا في سيارته نحو أوتريشت والحديث متمحور حول روزا وطباعها , كونت لورا أنطباعها جيدا عن خطيبة يان , فروزا فتاة جميلة بشعرها الأشقر وعينيها الخضراوين , وميزتها الأساسية تلك النبرة الواثقة والأرادة الحديدية التي تعرف ماذا تريد وكيفية الوصول الى المبتغى ,جلست وأياها في أحد المقاهي بعد أن تركهما يان واعدا بالرجوع ظهرا.
وأرتاحت لورا لكون الفتاة تتكلم الأنكليزية بطلاقة مما يتيح لهما التفاهم أكثر , وشعرت المرأة يتقديمها النصح والأرشاد للفتاة الهولندية أنها عجوز مجربة تحمل في ذهنها حكمة الدهر كله , وهو شعور لا يمكن أن يروق للمرأة , والغريب في الأمر محاولة لورا أغناء ( تلميذتها ) بالمعلومات عن طبائع الأزواج وطريقة أرضائهم وهي لم تعرف بعد الى ذلك سبيلا , لكن طريقة عرضها للأمر جاءت واقعية بشكل خفف من تصلب روزا التي أبدت أستعدادا للتنازل عن شروطها من أجل أن يتوج حبها ليان بالزواج.
هكذا ساهمت لورا في تغليب وجهة نظر يان الذي لم يخف فرحه وهو ينزل لورا قرب منزلها بعد أن عانقها عناقا أخويا , قالت لورا:
" ما عليك الآن سوى مفاتحة رالف بموضوع شراء البيت".
" ألن تتولي هذه المهمة عني؟".
" لا , خصوصا أنه عليك التأكد من قبول روزا النهائي وعدم تفكيرها بالعدول , فلو فعلت لا فائدة من التحدث الى زوجي".
هم بأن يعانقها من جديد لما فتح الباب وخرج رالف اليهما , لم تلم لورا من أين أتتها دفعة شجاعة فحيته بثقة:
" مرحبا يا رالف , ذهبت مع يان الى أوتريشت للتسوق هناك , وها قد أعادني في طريقه".
أبتسم رالف بمكر دون أن ينبس ببنت شفة فأضافت لورا:
" لكن رحلتي لم تجد نفعا لأنني لم أعثر على ما أريد ".
نظرت الى يان وتابعت :
" شكرا لك ولا تطل الغيبة".
وهنا تدخل رالف:
" لا تنسى الأجتماع في المستشفى في التاسعة ليلا".
صعد الطبيب الى سيارته بسرعة كمن يفر من جلاده مؤكدا:
" سأكون هناك".
دخل الزوجان المنزل حيث بادر رالف الى السؤال:
" هل أمضيت نهارا ممتعا؟".
" نعم , شكرا".
" كنت تتوقعين عودتي في العشية , أليس كذلك؟".
" هذا ما قلته لي".
" أرجو ألا تكون عودتي المبكرة قد أفسدت برنامجك ويان".
عقدت الدهشة لسان الزوجة فنطقت بعد جهد:
" برنامجي ويان؟ عما تتكلم؟".
" لا أتكلم بالطبع عن التسوق في أوتريشت فهذه كذبة جلية".
" لا أنكر ذلك , ولكن لماذا الغضب والتشكيك؟".
أضاء وجهه أبتسامة قصيرة حين أجاب:
" ستفاجئين لو أخبرتك , وأنا كذلك مصاب بالمفاجأة ".
أقترب منها وأردف :
" هل فات الأوان لنعيد ترميم صداقة أردنا أواصرها متينة وعروتها وثقى؟ أعترف أنني مخطىء , فقد عاملتك بطريقة سيئة تجعل من أي أمرأة أخرى تدير ظهرها لي وترحل , لكنك عضضت على الجرح وأكملت دورك كزوجة كاملة تدير بيتها بشكل رائع , وأنتزعت ببراعة أعجاب عائلتي وأصدقائي , كما أنك تفاهمت جيدا مع خدام المنزل وبذلت مجهودا جبارا لتعلم لغتي ".
توقف قليلا ليسأل :
" أنادمة أنت على الزواج مني؟".
أرادت لورا الأعتراف بالخيبة الصغيرة التي تشعر بها لا لزواجها منه بل لفشلها في كسب حبه , غير أنها عدلت عن ذلك وأجابت:
" لست نادمة على شيء يا رالف , ولا أرى سببا يحول بينا وبين الصداقة التي أتفقنا عليها , وأنا أدرك مدى عمق الأزمة العاطفية التي أجتزتها والتي تجعلك سيء المزاج أحيانا ".
أكملت بنعومة :
" لم لا نكرر المحاولة؟ أتعلم أنني ظننتك هاجما لقتلي عندما خرجت من المنزل".
ألتمعت عيناه وعلق:
" ترى لماذا تولد في نفسك هذا الأعتقاد؟ هلمي لنشرب الشاي في الحديقة".
" أنا أتضور جوعا وأستطيع ألتهام كل قالب الحلوى الذي أعدته هانا".
حمدت لورا ربها على مرور العاصفة بسلام وشعرت أن أملها بالسعادة لم ينطفىء كليا , ورأت قبسا يلوح في ديجور حياتها.

نيو فراولة 20-05-11 04:34 PM

8- وأنتهى الحلم

مرّ أسبوع أعتبرته لورا ناجحا الى حد ما , أذ لم يحصل ما يعكر صفو علاقتها العادية برالف , فحياتهما أشبه بالتعامل بين صديقين أو شريكي عمل , وهو أمر أفضل من الخصام وأقل من الوئام , والحقيقة أن رالف بذل عدة محاولات للأنتصار على تقوقعه وقبولها كجزء من حياته , فقد أصطحبها مرة لزيارة شقيقته , كما عرفها على العيادة وعلى سكرتيرته ويلما وأخذها في جولة على المستشفى , وفصّل لها كذلك برنامج المحاضرات التي سيلقيها في مختلف الكليات الطبية في البلاد وخارجها , هذا كله لم يمح تحفظه وحرصه على عدم أظهار الكثير من الأندفاع , الأمر الذي جعل لورا تعامله بالمثل , فقد أكتفت بالموافقة على أقتراحاته بفتور وكأنها تنفذ واجبا ليس ألا , ممضية أوقاتها الأخرى بشراء الثياب وأدوات التجميل المتنوعة , أما دروسها في اللغة فتابعتها بجدية كبيرة وأحرزت تقدما ملموسا حاز على رضى أستاذها رودي دوفال , ولم يتبدل شيء في ما خص السهرات المنزلية , فرالف يمضي الساعات في المكتبة متفاديا قدر الأمكان وجوده مع زوجته على أنفراد , ولورا رضيه بهذا الواقع على مضض مدفوعة بالصبر فلربما المعاناة تنتهي يوما , لم يطرأ ما يغير مسار حياة لورا الرتيب ألا في منتصف الأسبوع التالي , فقد جاء هانز معلنا بلغة هولندية وببطء ووضوح أن سيدة ترغب برؤيتها , تركت لورا القماشة التي تطرزها متسائلة من يمكن أن تكون الزائرة , لربما كانت روزا خطيبة يان , أو البارونة آيل العجوز الرائعة التي تعرف آل فان ميروم منذ أن كان رالف طفلا , والتي تأتي لزيارة لورا أحيانا لتطرح بعض الأسئلة الفضولية اللجوجة , رتبت لورا ثيابها ووقفت لتستقبل الزائرة التي لم تكن روزا ولا البارونة فان ديل آيل.
دخلت جويس الى غرفة الجلوس وجمالها مشرق كما لم يشرق من قبل , بدت كالعادة فائقة الأناقة تزينها حلى مختلفة , ولا شعوريا أخذت لورا تقيم مقارنة بين ما ترتديه أختها وفستانها الأزرق الأنيق , وما تضعه الأولى من مجوهرات وما تضعه هي , وكأن مجال المنافسة على نيل رالف ما يزال مفتوحا , مشت الشقيقة الكبرى نحو الصغرى مرحبة:
" هزيزتي جويس ! يا لها من مفاجأة حلوة! لم أكن أعلم أنك...".
" كنت ولاري في أنكلترا في زيار قصيرة للوالد , ففكرنا بالمجيء الى هولندا لأراك أولا وليصرف لاري بعض أعماله هنا ".
قبلت جويس شقيفتها وجلست في كرسي تتطلع حولها , ثم أضافت :
" يبدو أنك وفّقت أخيرا يا لورا , أذ لم أكن أتصور أن رالف يملك قصرا كهذا , لقد سبق وأخبرني عنه لكنني لم أحمل كلامه على محمل الجد , لا بد أن لديه مالا وفيرا ليقتني بناء بهذه الفخامة".
غيرت لورا وجهة الحديث مستوضحة:
" أخبريني عن حياتك ولاري , هل أحببت بيتك في أميركا وتأقلمت في مجتمعهم ؟ فأنت نادرا ما تكتبين".
" وقتي لا يسمح لي بذلك فعلي التوفيق بين أدارة المنازل الثلاثة التي يملكها لاري , فهو ثري جدا كما تعلمين ,ولكن ماذا عن رالف ؟ أيؤمن لك كل ما تحتاجين ويغرقك بالملابس والحلى؟".
لم تجب لورا على السؤال بسبب دخول رالف في اللحظة نفسها , فهو يجيء دائما قبل موعده عندما يجري في المنزل شيء غير مألوف , ووجود جويس من أهم اللامألوفات , وأستبعدت لورا فكرة مرت في خاطرها : علم زوجها بمجيء جويس.
وقف رالف على مدخل الغرفة يحدق في الضيفة التي منحته أسخى وأجمل أبتسامة لم تلق تجاوبا , فظل جامدا كالصخر وأقترب منها قائلا:
" جويس.....".
هبت جويس من مقعدها وأندفعت نحوه , ثم طوّقت عنقه بذراعيها وأشاحت لورا نظراتها حتى لا ترى القبلة التي لا تمت الى صفة الأخوية والبراءة بصلة , وأنسحبت الشقيقة الكبرى قائلة:
" سأحضر المزيد من الشاي".
منتديات ليلاس
كتمت لورا رغبة بالبكاء في طريقها الى المطبخ لأن رالف بالرغم من هدوئه , بهر بشقيقتها ولم يكترث لها حتى أنه لم يلاحظ وجودها البتة , وقبل أن تصل الى المطبخ ألتقت بهانز الذي أخذ منها أبريق الشاي ولم يترك لها سوى خيار الرجوع الى غرفة الجلوس , هناك كان رالف وجويس يتبادلان ضحكة طويلة لم يضحكها رالف منذ زواجه , ولما شاهد زوجته قال بخفة:
" لاري وجويس يدعواننا الليلة لتناول العشاء في فندقهما , فهل تناسبك الساعة الثامنة؟".
وافقت لورا على المشروع متظاهرة بالسرور وأنهمكت بصب الشاي تاركة قيادة المحادثة لجويس التي أحتكرتها بدون أن تهتم لأشراكها فيها , وأن يكن رالف بذل جهده لجذب زوجته الى الحديث , وأخذت جويس تتذمر بغنج ودلال من مشاغل لاري المتراكمة , ومن أضطراره الى صرف معظم وقته في مدينة هاغ وتركها أسيرة الوحدة في الفندق , فسأل رالف:
" لماذا لا ترافقينه؟".
" هذا آخر شيء أفكر فيه , فأنا أمقت أجتماعات رجال الأعمال وأحاديثهم القاتمة ".

نيو فراولة 20-05-11 04:36 PM

وضعت جويس كل ما تملك من أغراء وتابعت:
" أتستطيع التخلص من أعمالك ليوم أو يومين لتنزهني في أرجاء البلاد يا رالف؟".
" لا تنسي أنني رجل يكد طوال النهار يا عزيزتي".
نظرت جويس الى ساعتها وعلقت بسخرية:
" رجل يكد طوال النهار ويعود الى بيته في الثالثة والنصف!".

أستقرت نظرات رالف للحظة على زوجته , وقال:
" عدت باكرا لسبب خاص ومهم , على فكرة , لماذا يؤجل لاري أعماله بتقوما بجولة سياحية؟ ".
ألتفت الرجل من جديد الى لورا الملبسة وجهها قناعا من السرور الزائف قابلا للسقوط في أي لحظة ,ثم أقترح:
" لورا تملك سيارة وتستطيع أصطحابك أينما شئت".
تجهم وجه جويس لهذا الأقتراح ثم أستطاعت الأبتسام وقالت بوقاحة أمعنت في أثارة غضب لورا:
" لا , فأنا أريد الأنفراد بك أذ لدي أشياء جمة أقولها".
نهض رالف ليعيد فنجانه الفارغ الى الطبق الموضوع قرب لورا وذكّر جويس:
" بأستطاعتنا التحدث هذا المساء , أما الآن فأعتذر لأضطراري للخروج أذ علي معاينة أحد المرضى في منزله , الى اللقاء في المساء ".
تردد رالف قليلا وألتفت الى زوجته باحثا عن الأنفعال في وجهها ولما خاب ظنه أضاف :
" عندما يأتي يان فلينتظرني في المكتبة لأنني لن أغيب طويلا".
وقبل أن يصل رالف الى الباب صاحت جويس متوسلة :
" رالف, لا تخذلني! أتوق الى تمضية يوم واحد ليتا لك شرح........".
لم يجد كلامها نفعا ولم يهز سحرها صلابة رالف الذي أكتفى بهز رأسه رافضا قبل أن يخرج من الغرفة والضحكة تملأ ثغره , لم يكد الرجل يقفل الباب حتى أنفجرت جويس:
" حسنا , قد تكونين أستطعت النيل منه مؤقتا ولكنني واثقة من أفلاته يوما لأنه ما زال يحبني فأنت أمرأة باهتة قبيحة لا يعقل أن تعجب رجلا وسيما مثله.... لا أستطيع أن أفهم سبب هذا الزواج ! حاولت كثيرا ولم أفلح ! لا شك أن الصدمة جعلته يقبل على الزواج من أي أنثى يصادفها في طريقه ".
رأت جويس الحمرة الفاضحة تعلو وجنتي شقيقتها فأردفت:
" هذا ما حصل , أليس كذلك ؟ لا ضرورة للأجابة لأنني أقرأ الحقيقة على وجهك , وأنت رأيت بذلك فرصة العمر لأن الشباب كان يفلت من يديك ولا أحد يحفل بك , لا ألومك على ما فعلت يا لورا بل ألوم نفسي على الخطوة الحمقاء التي قمت بها ".
نظرت حولها بعين فاحصة وتابعت:
" لم أكن أتصور أنه بهذا الثراء , لقد وصف لي البيت وقال أن أثاثه قديم , غير أنه نسي أو تناسى أن يضيف الى هذه الصفة كلمة أثري , كما أنه طبيب وأستاذ معروف , ولا بد أن يمنحه القصر الملكي لقب فارس يوما ما تقديرا لخدماته".
" العادات هنا تختلف عنها في أنكلترا".
أدركت لورا أن ملاحظتها ذهبت هباء كون جويس غير مصغية سوى لأفكارها , فقد تربعت على كرسيها واضعة ذقنها على يدها لتفكر بخطط , خطط مجنونة ومستحيلة وفي الوقت نفسه ممكنة , لأن جويس ما أعتادت الفشل بل بلغت أهدافها دوما ,وفجأة ألتمعت عيناها وأرتسمت على شفتيها أبتسامة عريضة كأنها وجدت الحل:
" الطلاق سهل هذه الأيام يا عزيزتي لورا , بأستطاعتك الأحتفاظ برالف لشهر أو أثنين على الأكثر بينما أنهي طلاقي من لاري , وبعدها ترحلين بعيدا فيطلقك رالف بدوره وأعود أنا اليه لأعيش معه في هذه الجنة".
أثارت هذه الأقوال في نفس لورا رعبا وغضبا جارفا فقالت بتصميم:
" لا بد أنك فقدت رشدك , فكل الذي خرج من فمك هذيان بهذيان لأنك حاصلة على زواج سعيد".
رفعت جويس كتفيها علامة عدم الأكتراث قائلة:
" لا بأس بلاري مرحليا , غير أن رالف مختلف , وأظن أنني لم أفقد رشدي كما تدّعين , ألم تري الحرارة التي قبّلني بها زوجك أمام ناظريك؟ لا عجب في ذلك وهو ما يزال عالقا في هواي ".
وبنبرة هازئة واصلت :
" تعلمين أن رالف لن يلتفت اليك أذا قررت العودة اليه".
أحست لورا بصخرة جبارة تضغط على صدرها وكأنها كابوس محموم تختلط الحقيقة فيه بالوهم , فهي لم تر القبلة بل رأت مشروعها وهربت من البقية , ومع ذلك هي واثقة من صحة أقوال جويس في ما خص تجاوب رالف مع عناقها.
وبردة الى الواقع قالت لورا بنبرة راكدة:
" ألا تظنين أن محادثتنا أضحت سخيفة بعض الشيء؟".
" لم تكوني يوما أكثر من فتاة بلهاء تتظاهر بأن كل شيء يسير على ما يرام لتقنع نفسها بسعادة زائفة , سترين أنني عنيت كل كلمة قلتها وأن رالف سيصطحبني غدا في نزهة لأن قلبه يطلب ذلك".
" لا شيء في العالم يجعل رالف يهمل عمله , حتى وأن كان هذا الشيء جويس".

نيو فراولة 20-05-11 04:38 PM

تناولت جويس أحدى التحف القديمة وقلبتها بين يديها بأعجاب , فتولت لورا شرح مصدر القطعة وثمنها , وأثر ذلك قالت في نفسها أنها صارت تعشق كل زاوية من هذا المنزل , وأنها بالتالي لن تتخلى عن ذرة مما حظيت به ولن تتراجع عن الأحتفاظ برالف قيد أنملة دون معركة طاحنة .... أما أذا ثبت لها أن رالف ما يزال يحب جويس فعلا , فالأمر يختلف , وعندها سترضى بالطلاق من أجل سعاد الرجل الذي تحب ومن أجل سعادة شقيقتها , فلورا لا تتوانى عن فعل ما يسعد حبيبها ولو كان ذلك يؤدي الى شقائها والى ابعاد عمن خفق له قلبها منذ النظرة الأولى , أنسحبت لورا من الغرفة لتعطي بعض التعليمات لهانز وتعلمه أنهما سيتناولان العشاء خارج المنزل , وفي الرواق أخذت تتأمل وجهها في المرآة , فرأت في ملامحها أيذانا ببدء أنهيار عالم الأحلام الحلو الذي بنته حولها , كأنه مشهد معلق بين الواقع واللاواقع , لا ترى له بعدا زمنيا , لا تعرف له بداية أو نهاية... أين هي الآن والى أين تذهب؟ أيصمد رالف بوجه أغراء جويس أم يرمي لورا في سلة المهملات ويقتفي خطى قلبه؟ أسئلة. .... أسئلة , تتخبط فيها لورا وتفشل في العثور على سبيل للخروج من الشرنقة الخانقة.
عادت جويس الى فندقها بسيارة تاكسي بعد أن ودّعت شقيقتها بمرح مذهل جعل لورا تتساءل ما أذا كان كلامها المجنون قد أمحي .
صعدت السيدة فان ميروم الى غرفتها تلتهم اللحظات الآتية وتمزق الوقت بالتلهي في الفستان الذي ستختاره للسهرة , فأنتقت ثوبا رماديا طويلا مزينا بحبيبات وأزرار من اللؤلؤ , وكلمسة أخيرة وضعت الحلى التي أهداها أياها رالف , ثم نزلت الى الطابق السفلي حيث أنصرفت الى القراءة لتمضي الساعة الباقية لحلول موعد الذهاب , ولكن من أين لها أن تقرأ ورأسها مزروع بالأفكار المشوشة ونفسها تعيش في حالة بلبلة وتمزق , ووجدت أنها تعاني صداعا حادا سببته هذه التساؤلات المقلقة التي لا تعرف لها جوابا شافيا , ومع ذلك رأت نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما : أما أن تنسج على المنوال عينه وترضى بواقعها , مدبرة منزل لرالف , تستقبل أصدقاءه , تؤمن له جو عمل ملائما , تنتظر عودته من رحلاته..... بأختصار تنفذ ما ألتزمت به قبل الزواج , وأما أن تصرح له بالحب الذي يختلج في قلبها , أعتراف مستحيل كونه لا يساهم في حل المعضلة , فرالف رجل أنوف وأبي مما يجعله رافضا لأغراءات جويس مخكما عقله على نزوات قلبه , فأذا أقدمت لورا على خوض غمار الخيار الثاني تجعل الرجل ينفر منها وتكون النتيجة شقاء الثلاثة معا.
من الأفضل أذن السكوت والتفرج على تطور العلاقة بين رالف وجويس , فأذا كانت جدية حقا تنحت لورا جانبا بهدوء , هذا , مع عدم أغفال رأي لاري الذي تجهله تماما وتجهل موقفه , لكنه لا بد أنه رجل ناضج ويستطيع الصمود أمام فاجعة فراق جويس , في هذه اللحظة دخل رالف بدون أن يحدث ضجة وقال :
" آسف لتأخري , فستانك رائع يا عزيزتي ومتوافق تماما مع لون الياقوت".
لم تحتج لورا الى أرتداء مشلح لأن الطقس كان دافئا , وطوال الطريق شهدت الرولز رويس حوارا تائها بين الزوجين وكأن أفكارهما تسبح في عالم آخر.
وصلا الى الفندق ذي المنظر البهي بنوافيره الغزيرة , ببنائه الضخم وحدائقة الفسيحة , وشعرت لورا بالأسف كون زيارتها الأولى لهذا المكان البديع تتم في جو مكهرب ومشحون , ولطالما حدّثها رالف عن جمال هذا الفندق عندما كانا صديقين أبان عطلة شهر العسل , وهذه الصداقة أصبحت اليوم من مخلفات الماضي بعد وصول جويس وكأنها القدر المؤجل لتخطف رالف من جديد , أخطأ جدها عندما أعتبر علاقة رالف بجويس مجرد وهم ونزوة , فلورا واثقة الآن أن هناك رابطا أعمق بين الأثنين , ترجلت لورا من السيارة الجبارة ومشت تجر ذيلها تبها بأناقتها المفرطة والتي جعلت رواد الفندق يرمقونها بنظرات الأعجاب , وسارت الى جانب رالف نحو المطعم حيث ينتظرهما لاري وجويس....
تمددت لورا في سريرها بعد ساعات تراجع في فكرها مجريات السهرة في الفندق لحظة بلحظة , لاري شاب رياضي ومرح يحب الحياة , وصرف وقتا طويلا في التحدث عن ثروته وبيوته التي يملكها وكذلك اليخت الفخم الذي يقتنيه في الولاية الأميركية فلوريدا , والدليل على صدق أقواله خاتم كبير من الماس كلل أصبعه , ونظاراتاه ذات الأطار الذهبي الخالص , أظهرت لورا الأهتمام اللائق بالأحاديث الدائرة وكذلك فعل رالف الذي حافظ على أتزانه ورصانته بجهد واضح , فجويس بدت باهرة الجمال بثوبها الأزرق كحورية الأساطير يعجز الرجل عن أشاحة عينيه وتأملها ألا أذا كان مصنوعا من حجر , ورالف ليس أستثناء على القاعدة , فزوجته لمحته مرات ومرات يحدق في شقيقتها , تناول الأربعة عشاء عامرا وحافلا بالأطايب على أنواعها , وخلاله لم يكف لاري عن الكلام المفرط عن ثروته الضخمة مما ولد في نفس لورا شعورا بأن زوجها أغنى من ذلك المدّعي , مع العلم أن هذا العامل لا أهمية له لأن رالف يبقى هو هو ولو كان لا يملك فلسا واحدا , وقد ثبت ذلك لقلبها أثناء السهرة التي ظهر فيها كالعادة محدثا لبقا ومصغيا أمينا موزعا مشاركته على الجميع , عدلت لورا وضع وسادتها للمرة العاشرة علها تجد الراحة , وأستمرت تفكر في ما يحصل نحوا من ساعة قبل أن تغمض عينيها على أحلام مزعجة بطلاها رالف وجويس.

نيو فراولة 20-05-11 04:39 PM

في الصباح التالي عاد ذهنها الى صفائه , فالأوهام السخيفة لن تجدي نفعا في حل المشكلة , وهكذا حيّت زوجها بحرارة , جلست الى المائدة بعد أن أعطت الكلبين بعض قطع البسكويت , وشربت القهوة الساخنة فيما هي تقرأ رسالة وصلت من والدها , ورالف بدوره منهمك بالأطلاع على رسائله , بعد ذلك بدأ الرجل الكلام كأنه راغب بمحادثة , فقال:
" كانت أمسية ناجحة , أليس كذلك؟ ويبدو أن الزواج زاد جويس جمالا".
تركت لورا رسالة والدها ورفعت عينيها الى زوجها الزائد أعجابا بجويس , والذي ألمح ضمنا الى أن الزواج لم يفعل للورا الشيء نفسه ,وبكل بساطة وافقت المرأة :
" جويس أمرأة سحرة , وأنا سعيدة جدا لنجاح زواجها".
لم تزد لورا على ذلك فالخوض في هذا الحديث , كمن يسير في حقل ألغام , يجب أن يكون حذرا لا يعرف الزلات.
" فهمت من شقيقتك أنها غير راضية تماما عن حياتها مع لاري , فهو يسافر كثيرا ويتركها وحيدة يومين أو ثلاثة كل أسبوع تقريبا.....".
لم تفلح لورا في ردع الكلمات التي خرجت من فمها مقاطعة:
" وأنت كذلك".
ووجدت المرأة صعوبة في النظر الى وجهه كمن يقابل عيني جلاده , بيد أنه لم يظهر مدهوشا بل على العكس بدأت ترتسم على شفتيه أبتسامة حلوة.
" لا أظن أنك عقدت مقارنة عادلة يا لورا ".
جمع رالف أوراقه ونهض متابعا:
" سأكون في عيادتي معظم النهار , فهل أجدك هنا ظهرا؟".
أجابت بنبرة أرادتها عادية لا تنم عن الفرح:
" نعم".
" في أسوأ الأحوال أكون هنا في الخامسة".
" لا تنسى أن جدي والبارون والبارونة فان ديل أيل مدعوون الى مائدتنا الليلة".
" أحسنت صنعا بتذكيري لأن ذلك غاب عن بالي تماما "
وقبل أن يبلغ الباب ألتفت سائلا:
" هل أنت سعيدة يا لورا؟".
سؤال غريب وغير متوقع جعلها تتلعثم وتجيب:
" سعيدة؟ نعم فعلى الأقل أنا..... نعم أنا سعيدة يا رالف".
أدركت لورا أن ردها جاء ضعيفا دون مستوى الفرصة السانحة للبوح بما يشغل القلب , فسرعة البديهة خانتها وجعلت الفرصة تفلت من يدها , أما رالف فلاحظ ذلك ولم يقتنع بأجابتها البتة , ووقف يرمقها بنظرات ثابتة قبل أن يقول:
" لورا......".
وما لبث أن عدل عن الكلام وغادر الغرفة تاركا زوجته تعض أصابعها ندما على حماقتها , وتراجع في ذهنها عشرات الأجوبة التي تضع النقاط على حروف سؤاله , أمضت لورا بعض الوقت مع هانا في المطبخ لأختيار وجبة الغداء , ثم خرجت الى الحديقة وقطفت تفاحا وأجاصا لأختتام الغداء بالفاكهة اللذيذة بنت الأرض الخيرة , وبعد ذلك توجهت الى بارن لشراء الحاجيات المنزلية وتختلط بعامة الناس الأمر الذي يحسن لغتها , ثم عادت بعد فراغها من أعمال الشراء , وفي البيت تساءلت ما أذا كان يجدر بها الأتصال بجويس أم لا , والأخيرة قد لا تكون في الفندق أذ قالت في الأمس أن أحتمال خروجها مع لاري كبير, فجأة رن جرس الهاتف فأجاب هانز ومرر السماعة لسيدته معلنا أن الأتصال من الدكتور رالف , بدا الرجل قلقا ومرتبكا فتردد كثيرا في الكلام :
" حدث طارىء سيمنعني من المجيء قبل حلول المساء , هذا أذا حالفني الحظ".
" ماذا حدث يا رالف ؟ الى أين أنت ذاهب؟".
" الوقت ليس وقت كلام".
منتديات ليلاس
على هذا أقفل رالف الخط وبقيت لورا ممسكة بالسماعة حائرة لا تفهم ماذا يحصل , وتمتمت بخيبة :
" كان بوسعه أن يقول الى اللقاء , فهذا لا يكلفه كثيرا ". كان عليها أن تسأله من أين أتصل فهذا يوضح لها قليلا ما يشغله , وتنبهت الى أنها سمعت أصواتا وجلبة من خلال السماعة تختلف عن خبرتها بضجيج المستشفيات , فقد بدا كأنه يتحدث اليها من فندق.... وخطر لها قبل أن تخرج للبحث عن رالف أن تتصل بالفندق , ولما فعلت أبلغها عامل الهاتف أن لا أحد يجيب في غرفة جويس ,وسألها عن هويتها فأجابت:
" أنا شقيقتها , السيدة فان ميروم , كنت أنتظر مجيئها الى بيتي منذ وقت طويل , وأنا قلقة عليها".
" بما أنك شقيقتها أستطيع أن أخبرك , لقد غادرت السيدة جويس الدريدج الفندق منذ عشر دقائق".
" وحدها؟".
" لا داعي للقلق يا سيدتي فقد رأيتها بصحبة الدكتور فان ميروم ".
هذا ما توقعته لورا التي تمكنت من القول قبل أقفال الخط :
" لقد طمأنت قلبي فهما بالطبع في طريقهما الى هنا".

نيو فراولة 20-05-11 04:41 PM

صعدت لورا الى الطابق العلوي تقيسه طولا وعرضا متنقلة بين الغرف كالمجنونة , وأستطاعت بعد جهد جبار السيطرة على مخاوفها المتعاظمة , فخرجت الى الحديقة حيث أخذت تداعب كلبيها بأنتظار أن يطل يان الذي لم يأت لزيارتها منذ عدة أيام ,وسبب غيابه شعوره وشعور لورا بأنزعاج رالف من تواجده , بالرغم من جهل هذا الأنزعاج , وكالغيث المنعش أطل هانز معلنا وصول يان فهبّت لورا لأستقباله على باب الحديقة:
" أهلا وسهلا بك يا يان , لماذا هذا الغياب المديد؟".
صافحها الشاب وأساريرها المشرقة لا تخدع الناظر وتخبىء الحزن القابع في عينيها, ثم قال:
" أتيت لرؤية رالف فقد أبلغتني سكرتيرته أنه ألغى جميع المواعيد وأحال بعض مرضاه علي , فظننت أنه آثر البقاء معك على العمل ".
" رالف ليس هنا ولكنه أتصل منذ قليل وقال أنه سيتأخر".
علق يان مقهقها:
" قد يكون خرج مع رفيقة جديدة ! ".
ثم أستدرك :
" أعتذر لنكاتي السمجة فأنا أحتاج لزوجك مثلك تعلمني التهذيب ".
أمسك يان بيدها معلنا :
" لقد وافقت روزا على شروطي وموعد الزواج أصبح قريبا".
" يا له من خبر سار! كم أنا سعيدة من أجلكما يا يان! روزا فتاة طيبة وكلي ثقة من أن شراكتكما ستعرف نجاحا منقطع النظير! قل لي , هل حددتما موعدا للزواج؟".
" في أقرب وقت ممكن".
دخلا الى غرفة الجلوس حيث أحضر هانز القهوة , فصبت لورا فنجانا ليان الذي تناوله شاكرا , وقال:
" لا أقصد التطفل أذا أستوضحتك عن تضايق رالف من ذهابنا الى أوتريشت , فأنا أخشى أن أكون قد أوقعتك في الأحراج , ولا شك في أن الأمور توضحت عندما أخبرته بدافع الزيارة".
" أولا , لم أخبره بشيء لأنك طلبت مني ألا أفعل , ثانيا , رالف لا يأبه لهذه المواضيع , فأنهماكه بعمله يصرفه عنها".
رمقها جليسها بنظرة خاطفة وقال:
" أنت على حق , من واجبي دعوتكما الى العشاء معي ومع روزا , سوى أنني أزمع التحدث الى رالف في شأن البيت قبل ذلك ".
وضع فنجانه ونهض مودعا:
" أنا مضطر الى الأنسحاب الآن لأن مرضاي في أنتظاري , سأتصل برالف لاحقا".
رافقته لورا الى الباب ورافقته يبتعد بسيارته قائلة في نفسها أنه صديق وفيّ ومخلص , ولكن المشكلة فيه أخلاصه لها ولرالف , فتغدو مصارحته بما يجري صعبة وطلب مشورته غير ذي نفع , وهي في كل حال فرحت بزيارته لأنها فتحت لها أبواب أعلام رالف بملابسات زيارة أوتريشت , ولكن ما الفائدة من ذلك الآن وعلاقة رالف وجويس تجددت على نار قوية ؟ أطلقت لورا تنهيدة عميقة وأصطحبت كلبيها الى نزهة في الغابة , مرت ساعات النهار ولا خبر من رالف , فزاد توتر لورا وخوفها , وكرهت السكون المطبق المخيم على البيت والمناقض للثورة المتأججة في داخلها , الضجيج في رأسها يتركز على سؤال وحد : ماذا يفعل رالف وجويس في هذه اللحظات؟
توجهت المرأة المسكينة الى غرفتها , وستائر الظلام قد بدأت تنسدل, لترتدي ملابس السهرة أستعدادا لأستقبال الضيوف على العشاء , وأبلغت بعدها هانا أنهم قد يضطرون ألى تناول الطعام بغياب الطبيب , وفي تمام الساعة الثامنة وصل المدعوون الثلاثة فأستقبلتهم معتذرة عن غياب رالف الناتج عن حالة طارئة أستجدت , ولم يصل رب المنزل الغائب الا والضيوف قد بدأوا بتناول الحلوى خاتمة العشاء , وأكتفى , بعد أن حيا الضيوف بتهذيب , بتناول بعض الحلوى لأنه ليس جائعا أطلاقا كما قال , أنتقل الجميع من المائدة الى غرفة الجلوس وخاضوا في أحاديث مجاملة مختلفة , في حين أن فكر لورا شارد عما يدور حولها بالرغم من أن البارونة فان ديل آيل أنهمكت بشرح أحدى وصفات الطعام الهولندية , لكن العجوز المجربة ما لبثت أن فاجأت لورا بقولها:
" أقرأ في عينيك قلقا عميقا يا أبنتي بالرغم من جهودك لأخفائه , وأرجو أن تتوثق أواصر صداقتنا يوما لتفتحي لي قلبك".
وما هي ألا دقائق حتى أنسحب الضيوف الثلاثة وبقيت لورا مع رالف وحيدة تستعد للمواجهة , وسرعان ما أكتشفت أن هوة تفصل بين تعطشها الى الكلام وهدوء زوجها الذي سألها وكأن شيئا لم يحدث:
" كيف أمضيت نهارك يا لورا؟".
" الفراغ بعينه".
" ألم يأت يان اليوم؟".
" نعم , لقد نسيت....".
" يا لذاكرتك الضعيفة! أظن أنك تدركين مدى أنزعاجي من وجودك مع يان مع أنني لم أشر الى ذلك قبل الآن!".
" لم أعد أفهم شيئا!".
" تتظاهرين بالبلاهة أيضا ! يان شاب وسيم ومعجب بك , وأنت فقدت عقلك وتتصرفين معه متناسية أنك أمرأة متزوجة!".
أرادت لورا أن توضح له حقيقة العلاقة بيان وتخبره عن روزا خطيبته , لكن أعصابها خانتها فأكتفت بالصياح:
" وأنت؟ ماذا كنت تفعل طوال النهار مع جويس؟ أتظنني أترك المياه تجري من تحتي؟ لقد أتصلت بالفندق وعلمت أنكما خرجتما معا!".
أدارت لورا ظهرها وهرعت الى غرفتها وعيناها مغرورقتان بالدموع , لقد أقسمت أنها لا تريد رالف بعد اليوم وستبدأ بتنفيذ قرارها منذ الصباح الباكر , وما سهل عليها ذلك أنها لم تغف ألا وخيوط الفجر قد تسللت الى سريرها فأفاقت بعد رحيل رالف.
وهناك في غرفة الجلوس وجدت رسالة قصيرة بخط يده يقول فيها: عزيزتي لورا , سأغيب عنك بضعة أيام على أن أوضح كل شيء بعد عودتي.
قرأت الرسالة مرات ومرات محاولة أن تستشف منها ما يريح فكرها ويخمد بركان قلقها , غير أن سطور هذه الرسالة لم تحمل شيئا مطمئنا , فهو لم يحدد وجهة رحلته أو سبب غيابه.
وقامت لورا الى الهاتف وسيلتها الوحيدة لكشف خيوط ما يحدث , فأجابها الموظف في الفندق أن السيدة جويس لم تعد منذ غادرت في الأمس وبيدها حقيبة صغيرة , مما يعني أنها سترجع لأخذ بقية أغراضها , لقد نجحت جويس مرة جديدة بنيل مبتغاها ولم يبق أمام لورا سوى خيار واحد : الرحيل , وصعدت الى غرفتها باكية حيث بدأت بحزم حقائبها حريصة على عدم أخذ شيء مما أشترته بأموال رالف , وبعد الأنتهاء جلست تخط له رسالة وداعية قصيرة تمنت له فيها السعادة وتركت عنوان محامي والدها ليتصل به أذا لزم الأمر , وأكتفت بما قل ودل لأنها كتبت بالدمع أكثر مما فعلت بالحبر ,والأختصار في طوي هذا الفصل المؤلم من حياتها يخفف من وطأة العذاب.

نيو فراولة 20-05-11 04:43 PM

9- أنشودة الحب


تأكدت لورا من أن هانز وهانا والخادمتين الأخريين مشغولون كل في عمله, وتفحصت محتويات حقيبة يدها قبل أن تحمل أغراضها وتنزل السلم بهدوء , في الطابق الأرضي وضعت الرسالة في المكتبة وتركت أخرى لهانز تبلغه فيها أنها أخذت السيارة وتذكره بوجوب أطعام الكلبين , ثم توجهت لتوديع الحيوانين الصغيرين قبل أن تصعد الى الفيات البراقة دوما بفضل أعتناء هانز , أدارت المحرك وسلكت طريق أمستردام بدون أن تلقي نظرة أخيرة الى ما تمنت أن يصبح عشا لهنائها.
وصلت الى المطار حيث تركت السيارة وأبتاعت تذكرة سفر على أول طائرة متجهة الى لندن , ولم يدم أنتظارها أكثر من ساعة نظرا لكثافة حركة الطيران في مطار أمستردام.
منتديات ليلاس
في الطائرة غرقت في مقعدها وبين يديها كدسة من المجلات تقرأ ما فيها ولا تفهم , وتنظر الى صورها ولا ترى شيئا , فأمامها تتراقص خيارت الأمس القريب واليوم المجنون والغد الكجهول , فألى أين تذهب بعد أن تحط الطائرة في مطار لندن؟ وظل هذا السؤال يتأرجح في رأسها بعد هبوط الطائرة الى أن ولجت قاعة الوصول , فهناك رأت جويس واقفة بكامل أناقتها تحمل حقيبة سفر كبيرة , وجاء هذا المشهد تتويجا للكابوس الذي تسبح فيه لورا , ففركت عينيها كأنها ترى أمامها سرابا لا حقيقة , وهرعت جويس نحوها سائلة:
" لورا! ماذا تفعلين هنا ؟ هل جئت للبحث عني ؟ هل أزدادت حالة لاري سوءا؟".
" عما تتكلمين؟".
" ألم يخبرك رالف أنه أصيب بجلطة دموية عندما كان يقود سيارته , ولحسن الحظ صادف مرور رالف فأنقذه ونقله الى المستشفى , ثم جاء وأصطحبني من الفندق اليه بأستطاعتك الأحتفاظ برالف هذا , رجل حاد الطباع ومصاب بجنون العظمة , فلم يكف طوال الوقت عن أطلاق أوامره ... تصوري أنه عنفني لمجرد مجيئي الى لندن ولم يفهم أنني مضطرة لأستلام فستان كنت قد أوصيت عليه لدى أحدى أهم دور الأزياء ! ثم ما الفائدة من وجودي في المستشفى المقيت حيث مناظر الأدوية والحقن والأثواب البيضاء البشعة ؟ لقد قلت لرالف أنني أكره رؤية المرضى والتعاسة فحدجني بنظرات ......".
توقفت عن الكلام ثم أضافت:
" لقد أكد لي رالف أن لاري سيشفى من وعكته".
سألت لورا بأندهاش:
" هل أمضى رالف كل نهاره مع لاري في المستشفى؟".
" نعم ظل هناك حتى زال الخطر , ألم يخبرك بما حصل؟".
" لم يتح له ذلك لأننا أستقبلنا بعض الضيوف في العشية , ولأنه غادر في الصباح قبل أن أفيق".
" لقد أخطأت بالنسبة الى رالف , فقد أخبرني أحد الأطباء في المستشفى أنه من النوع المتفاني في عمله والمؤمن برسالة الطب السامية , يا لهذه السخافة ! وذكر لي أن زوجك يعالج رجلا مسنا مجانا , لا بل هو يمده بالمال ليعيش , هذا النوع من الرجال يا عزيزتي لا يعجبني , فأنا واثقة من أنه ينساك أحيانا ويبقيك حبيسة المنزل , أظن أنني سأبقى مع لاري غهو , بعد البحث والتدقيق , أفضل من رالف".
" هوذا رقم رحلتك يظهر على اللوحة الألكترونية , أتمنى للاري الشفاء العاجل".
أسرعت جويس نحو قاعة المسافرين تاركة شقيقتها تقف حائرة في وسط زحمة الركاب لا تدري ما تفعل , فهي قد أرتكبت بتركها المنزل عملا أحمق وقطعت شعرة معاوية مع زوجها , والآن لن يهرع رالف بالطبع لأعادتها اليه لأنه لا يحبها ولا يحب جويس , بل سيعود الى متابعة حياته الهادئة ومزاولة أعماله اليومية براحة.
أستقلت لورا الباص الذي نقلها الى محطة واترلو للسك الحديدية في وسط لندن , وهناك ركبت في القطار المتوجه الى واريهام ومنه الى حيث أقلتها سيارة أجرة الى قصر كورف , الفندق الذي أمضت فيه العطلة مع رالف , حظيت بغرفة شاغرة بسهولة لأن موسم العطلة شارف على الأنتهاء , فصعدت اليها لترتب ثيابها والعودة فورا الى قاعة الطعام لتسد جوعا أخذ منها كل مأخذ , وبعد العشاء أوت الى سريرها لتريح جسمها المرهق بعد هذه الرحلة الطويلة.

نيو فراولة 20-05-11 04:46 PM

فتحت عينيها وقرص الشمس شرع يطل على الدنيا بخفر , وخطر لها أن تصل برالف الذي قد يكون سعيدا برحيلها عنه وتحرره من نير الزواج , كانت حمقاء حقا عندما تركت البيت مع أن أي أمرأة أخرى تفعل الشيء نفسه لو وجدت في موقفها , لماذا لم يطلعها رالف على ما جرى للاري بدلا من توجيه تهم الخيانة اليها جزافا؟ كيق تصوّر أنها تفكر يوما بغيره , وخاصة يان أعز أصدقائه ؟ والغريب أن الصد تتدخل أحيانا لتعقد المشاكل , فتأخر لورا في النوم وذهاب رالف المبكر جعلا أي أيضاح متبادل للألتباس غير ممكن , وهكذا قد يذهب زواج لورا ضحية سوء الطالع.. وأخذت تتقلب في فراشها والقنوط يملأ قلبها ثم هبت لتهرب من وساوسها وأستسلمت لمياه الحمام المنعشة مثل ندى الربيع , وفي حبيبات المياه الماسية المنفرطة على جسمها تراءت لها نتف من السعادة المهدورة التي لاحت عندما أظهر رالف أتجاهها شيئا من الأعجاب ..... حبذا لو ترى جويس رالف وتخبره أن شقيقتها وصلت الى لندن , ولكن جويس قد ترى في أبتعاد لورا فرصة مناسبة للعودة الى رالف في حال وفاة المسكين لاري , صحيح أن الصغرى تذمرت من رالف الطاغية عندما ألتقتا في مطار لندن ولكن لا شيء يمنع من بناء الجسور من جديد وأرساء العلاقة العاطفية السابقة على أسس صحيحة, نزلت لورا الى مقصف الفندق وتناولت طعام الفطور , ثم ذهبت في نزهة الى المدينة المجاورة وعادت ظهرا لتجد أن الطاولة المحجوزة لها هي الطاولة نفسها التي تشاطرتها ورالف , ومن قام بهذا الحجز هو مدير الفندق الذي تعرف اليها وأرغمها بذلك على أختلاق عذر يبرر غياب زوجها بأنه مسافر في رحلة عمل..
أمضت المرأة الحزينة فترة بعد الظهر بزيارة القسم الأثري من قصر كورف وشعرت بالراحة والأمان في جنيناته الواسعة , فالأبهة والعظمة تنسيان المرء همومه وتوغلاته في عالم بهيج يرده الى الأزمنة الغابرة على أجنحة الأحلام والتخيلات .... وفعلا , هدأت أعصاب لورا وجلست في صالون الفندق تتناول الشاي وتفكر بالمستقبل , وقالت أنها تستطيع بما لديها من مال المكوث بضعة أسابيع في الفندق والعودة بعد ذلك الى منزل والدها بأنتظار ما سيبدر من رالف , بعد العشاء تعرفت الى بعض النزلاء اللطفاء فأمضوا معا وقتا ممتعا , ولما دعوها الى مرافقتهم في نزهة على الجسر القريب أعتذرت زاعمة أن لديها رسائل تكتبها , وهي بالفعل تنوي توجيه رسالة الى محامي والدها , ولكن بعد منح رالف أربعة أو خمسة أيام للتحرك , غير أن لا مانع من العمل على تحضير مسودة هذه الرسالة الآن , وصرفت لورا وقتا طويلا في تنقيح مضمون ما كتبته حتى يأتي واضحا معبرا عن موقفها من الطلاق في حال طلبه رالف.
في اليوم التالي أستأجرت دراجة هوائية وقصدت البحيرة الزرقاء , وكان ذلك أحسن تمرين صباحي خاصة وأن الطرقات خالية من أي سيارة , وسرعان ما خفق قلب لورا لما لمحت البحيرة السحرية الحالمة وجوقة العصافير حولها ترنم أنشودة الفرح والصفاء , وبحرية تامة توجهت الى المقعد حيث جلست ورالف , ومن هناك أشبعت نفسها من روعة المشهد وحلاوة الجو الذي يلفه سلام وطمأنينة أحوج ما تكون لورا اليهما في هذه اللحظات التعيسة في حياتها ... وتذكرت الآمال والأماني التي بنتها هناك على هذا المقعد الخشبي والتي تهاوت كقلعة من ورق.....
ولم تشعر لورا بالوقت يمر , وتسلل الجوع اليها في غفلة , فذهبت الى المقهى الصغير الكائن في المنتزه لتناول ما يسد رمقها بأنتظار بلوغها الفندق وألتهام عشاء يجدد نشاطها , ونسجت على المنوال نفسه أربعة أيام , تأمل على مقعد البحيرة الزرقاء وأشتياق لرالف وحتى الى هانا وهانز وكل الأشياء التي عرفتها في هولندا ..... وفي اليوم الخامس , قررت توجيه الرسالة الى المحامي لأن الأمر بم يعد يتحمل الأنتظار , لأنها أعتدت نوعا ما على حياة الوحدة من جديد وتعلمت كيف تحبس دموعها كلما فكرت برالف , كان أتخاذ القرار في الصباح الباكر على أن ينفذ في المساء عند عودتها من المنتزه الذي صار ملاذا لها وبيتا لأحلامها المرفرفة عبى جنبات البحيرة والمتمايلة مع أوراق الأشجار الآخذة بالأصفرار.

نيو فراولة 20-05-11 04:49 PM

عقدت منديلا حول شعرها وأرتدت ملابس مريحة , وعلى الدراجة الهوائية توجهت الى البحيرة , أوقفت الدراجة وشرعت تشق طريقها نحو مقعدها المفضل حيث جلست ساعات وساعات تصغي الى صوت الصمت يقطعه حفيف الأوراق تهزها رياح آخر الصيف , وفجأة سمعت وقع خطى على الممر فلم تفتح عينيها ألا بعد لحظات لتجد رالف منتصبا أمامها.
حدقت لورا فيه وقلبها يكاد يقفز من صدرها , ولم تقو على الكلام أو حتى على التنفس , جلس الرجل الى جانبها صامتا وأمسك بيدها برفق ونعومة لم تعهدهما فيه من قبل , كذلك لاحظت أن التعب والقلق رسما على وجهه خطوطا واضحة , ولما أبتسم بعذوبة زالت الخطوط عن محياه وقال:
" يا حبيبتي.....".
وما لبث أن أحكم قبضته على أصابعها فآلمها حتى كادت تصرخ ولكنه سبقها :
" لقد هجرتني أذن! ".
وتناول أصبعها ليعيد اليه عنوة محبس الزواج ويطبع على يدها قبلة قوية , ثم أضاف :
" أنت مدينة لي يأيضاح".
حرر يدها وعانقها بحنان منتشلا أياها بلحظة من عالم اليأس الى عالم الأمل , وغرقا دقائق طويلة في عناق حميم , قالت بعده:
" لقد حصل سوء تفاهم توضح بعضه عندما ألتقيت جويس في المطار وأخبرتني بما حصل للاري ".
ضربت صدره العريض بقبضتها الناعمة وتمتمت :
" لماذا لم تطلعني على ما جرى؟".
" أقلت أنك شاهدتها في المطار ؟ ولكن , لماذا لم تذكر لي جويس ذلك؟".
" كيف علمت أذن أنني هنا؟".
" أتصلت بالمنزل فأبلغني هانز أنك رحلت منذ ساعات تاركة رسالة تتعلق بأطعام الكلبين , مما أقلقه , لذا ألغيت محاضرتي وعدت أدراجي الى البيت لأفاجأ برسالتك العظيمة , وبدأت أبحث عنك كالمجنون , أتصلت بوالدك وقصدت جدك , كما سألت جويس التي لت أنها لا تعرف شيئا , الى أن أتصل أحدهم من المطار يسأل عن مصير سيارتك المتوقفة هناك فعلمت فورا وجهة رحيلك , ألا تذكرين ما قلت عندما كنا جالسين هنا , أذا شئت الفرار يوما سألجأ الى هذا المكان".
وجهت لورا نظراتها الى عينيه وسألت:
" ظننتك مغرما بجويس فقررت التخلي عنك لأفساح المجال أمامكما.....".
ضحك رالف مقاطعا:
" أتعنين أن جويس أوهمتك بكل هذه التفاهات ؟ يا لها من حمقاء ! ألم تلاحظي أنني فقدت أي أهتمام بها منذ أن زارتنا في المنزل المرة الأولى , فأنا وقعت في شباك حبك منذ مدة ولكنني جبنت الأعتراف بذلك لك أو لنفسي , وتوضحت لي مشاعري أكثر عندما رأيتك من نافذة عيادتي تتجهين بالسيارة نحو أمستردام ...... ولما رأيت سيارتك فارغة على قارعة الطريق كدت أصاب بنوبة قلبية".
" كل هذا لا يعني أن تصرفك معي كان محمودا وكذلك موقفك من يان المسكين , لقد ذهبت معه الى أوتريشت لأقنع خطيبته بالزواج والسكن في منزلك , أما أنت فبدأت تختلق قصصا لا وجود لها ألا في خيالك المريض!".
كتم رالف قهقهة جديدة ورمقها بنظرات جائعة فأرتبكت لورا وصاحت:
" لا تنظر اليّ بهذه الطريقة فأنا أعلم أنني أمرأة قبيحة!".
" لا أنت أجمل فتاة على وجه الأرض , والله لو صحت شكوكي لأطحت رأسك ورأس يان!".
أحست لورا أنها بالفعل تحولت الى أجمل فتاة على وجه الأرض بضربة عصا من الساحر الحب.
" لم يخطر لي أبدا أنك تحفل بي يا رالف , فأنا لا أتمتع بالحسن ولا أجيد فن التحدث......".
وضع يده على فمها , فأسكتها وقال:
" يا لعنادك ! قلت لتوي أنك جميلة , وأقول الآن أنني أستسيغ الأصغاء الى أية كلمة تخرج من فمك".
ضمها الى صدره وأغرقها بعناق عبر عن مشاعره ولوعة أشتياقه , فقالت لورا بأرتباك:
" أكاد لا أصدق ما يجري! أفي حلم أنا أم في حقيقة؟ هناك أشياء كثيرة ما تزال غامضة ".
وبعد صمت أضافت :
" أظن أن فنجانا من الشاي مفيد جدا الآن".
" أنت شاحبة وهزيلة جدا يا حبيبتي , وكل ذلك حصل بسببي , سأحضر لك الليلة شاي العالم كله , ونعود في الغد الى المنزل".
" بأستطاعتنا النوم في الفندق".
" أعلم ذلك فقد مررت به وأبلغت المدير أننا سنعود اليه يوما مع الأطفال".
" الأطفال؟".
أجاب رالف بسعادة:
" نعم , فالمسألة مسألة وقت ليس ألا ".
أختلطت الأمور على لورا فهمست:
" رالف , أنت حبيبي!".
" أعد بألا أسبب لك حزنا وألما بعد الآن يا حلوتي".
" أظن أنني سأبدأ بالبكاء.....".
لم تخطىء لورا أذ أنحدرت الدموع على وجنتيها فأنهمك رالف بمسحها بأصابع كالجمر أحراقا:
" حسنا يا لورا , سأمنحك عشر دقائق للبكاء قبل الشاب".
ضحكت المرأة وسألت:
" هل أبدو قبيحة جدا بمنديلي وثيابي البلهاء".
" أعليّ أن أردد أنك أجمل فتاة على وجه البسيطة؟".
فأجابت من خلف عبرات السعادة:
" نعم يا حبيبي".

منتديات ليلاس


تمت

زهرة منسية 21-05-11 01:16 AM

:55:يسلموا نيو فراوله الروايه حلوه كتير:55:

Rehana 21-05-11 10:25 PM

يعطيك ألف عافية حبيبتي امل على مجهودك المميز
ممانحرم من عطاءك
http://images.paraorkut.com/img/pics...mment-8308.gif


فجر الكون 24-05-11 06:33 PM



يـعطيـك الع ـــــــــافـ يـــــــــــه ,,,
ابــــــــــــــــدااع..}

ربي اسالك الجنة 26-05-11 02:53 AM

يسلمووووووووووووووووووووووو حبيبتي على الرواية الرائعه ودمتي بود

ندى ندى 30-05-11 03:49 AM

كتير كتير حلوه

نـخوة 31-05-11 11:27 PM

ميرسي بوكو عالرواية الحلوة
الف شكر لإلك :dancingmonkeyff8:
:55::55:

تمارااا 02-06-11 02:20 AM

هالرواية احبها
تسلمي ياقمر

ام سلمي 03-06-11 07:22 PM

السلام عليكم ورحمة الله
مشكورة حبيبتي على هذه الرواية الجميلة
سلام وفي امان الله

الجبل الاخضر 07-06-11 04:37 AM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو:55: برافو:55: تسلمين على الختيار الرائع وممتاز :toot:شكرالك :peace:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

hoob 12-06-11 12:18 AM

حلوووووووووووووووووووووووووووووووووووة

سومه كاتمة الاسرار 12-06-11 04:08 PM

الروايه جميله جدا واختيارك موفق استمتعت بقرائتها تسلمى
:8_4_134:

قماري طيبة 15-06-11 09:57 PM

رووووووووووووووووووووووووعة
يسلمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوا

نجلاء عبد الوهاب 21-07-11 02:05 AM

:55:حلوة كتير:55:

نجلاء عبد الوهاب 21-07-11 02:07 AM

:55:حلوة كتير:55:
:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041:
:f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63::f63:
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1:
:iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::iU804754:
:ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam:

فتاة 86 10-08-11 04:19 PM

يعطيكي العافية حبيبتي
وشكراً على المحهود

تمارااا 10-08-11 07:43 PM

رااااااااااااائعة

فداني الكون0 10-08-11 10:54 PM

يسلمو الروايه روعه
يعطيج العافيه

NANACUTTY 13-08-11 11:08 AM

KTRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRRR 7ELWEEE AWAL MARRA BO2RAHA MERCIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII IIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIIII

نونا المجنونه 24-08-11 11:20 PM

:55::55::55::55:

ابتسامة يأس 25-08-11 04:47 AM

تسلم الايادي ويعطيك العافية

alex rose 26-08-11 11:05 AM

رووعة فعلا الرواية فى منتهى الجمال تسلم الايادى

حلاتي في غلاتي 05-02-15 02:57 AM

رد: 159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:55:رووووووووعه يسلموا الايادي:55:

ساقية 18-02-15 08:43 AM

رد: 159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة
شكرا لك

فرحــــــــــة 10-07-16 06:50 PM

رد: 159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى
نيو فراولة
اعترف بانك تبهرينى باختياراتك
متنوعة مشوقة مثيرة
هى تلك القصص التى تختارينها
لك منى كل الشكر والتقدير
على هذا العطاء الزاخر
دمتى بكل الخير
فيض ودى

paattee 17-07-16 05:51 PM

رد: 159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55:شكرالك

سعدودة 29-07-16 07:11 AM

رد: 159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رررررررررررررروعة

سماري كول 22-09-22 08:58 PM

رد: 159- فصول النار - بيتي نيلز - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموا على الرواية الحلوة


الساعة الآن 06:59 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية