وغادر باتريك المكان فورا دون أن يسأل عن المنزل ففي قرية صغيرة يمكنه أن يهتدي الى كوخ حقير , وترك السيارة في الموقف الخاص قرب الفندق , وأخذ يتمشى في الشارع العام واضعا يديه في جبيبي معطفه , وأجتاز المتجر ومنزل الطبيب وباحة الكنيسة وبيتا صغيرا وضعت عليه أشارة ( الشرطة) ولم يلمح زائرا للمنزل في هذا الجانب من الشارع , وخيب الجانب الآخر من الشارع آماله أيضا , فتنهد تنهيدة سخط وحزن , ولم يشأ العودة الى الفندق للأستقصاء من جديد , وبينما يقف على طرف الرصيف محاولا التفكير بخطوته التالية , سمع صوتا ينادي: " يا ألهي! هل هذا السيد مالوري؟". أستدار باتريك مضطربا : " أيميلي , أنني سعيد بالثور عليك أيتها الملعونة". فأكفهر وجه أيميلي: " هل تبحث عني؟". أطرق باتريك , صم سألها: " هل تسكنين القرية؟". " أجل , أنني أقيم مع صديقتي السيدة بيل حاليا , ولست أدري ماذا سأفعل بعد ذلك , ولم أتمكن حتى الآن من أستجماع أفكاري , والحقيقة أنني كنت في طريقي لمقابلة الآنسة سمانتا , فهل زرتها أنت أيضا؟". فأجابها باتريك وهو يهز كتفيه متعبا: " سمانتا ليست في المسكن , ظننتك تعرفين مكان وجودها". ذهلت أيميلي , وصاحت: " ليست في المسكن , ولكن, أين هي؟". " لو أنني كنت أعرف , لما حضرت الى هنا". ما كاد يتلفظ بكلماته القاسية ,حتى تنهد مضيفا: " أنها لوقاحة مني , فأنا أبحث عنها منذ الصباح مثل المجانين , وقد أتصا , فأتصلت بباربرا , فأتضح أنها لا تعرف شيئا , أو أنها قالت أن سمانتا في دافن". تعاظمت حيرة أيميلي فيما تطلعت الى باتريك قائلة: " آه ! أن ما تقوله يبعث القلق , أوليست لديك أي فكرة عن مكانها؟ هل أختفت فجأة بدون أن تقول شيئا؟". " الحقيقة أنني سألت خادما عجوزا يعمل في المنزل , فقال أنها أبلغتهم أنها عائدة الى لندن , وعليه أفترض الجميع أنها تقيم مع والدتها". علقت أيميلي بجفاء: " لست أرى شيئا أبعد عن الحقيقة من هذا القول". " وهذا ما رأيته أنا أيضا". " خصوصا بعد شجارهما يوم الجنازة.....". " ماذا ؟ هل تشاجرتا؟". وضعت أيميلي يدها على حلقها : " حسنا يا سيدي , أنني لا أود التحدث في مثل هذه الأمور". " كفاك تهربا يا أيميلي , فهذا أمر مهم للغاية , ماذا جرى؟". عضت أيميلي شفتيها قبل أن تجيب: " كنت أتحدث الى الآنسة سمانتا بعد ذهابك طبعا , وبينما تحدثنا عن مسكن دافن , أعربت الآنسة سمانتا عن رغبتها بأعادة تنظيم المسكن... وجعله منزلا لائقا مرة أخرى , فأكدت لها أن تلك كانت رغبة جدتها , وأذ ذاك أقتحمت علينا الآنسة هارييت خلوتنا , وتصرفت بوقاحة ... بوقاحة شديدة ... أتجاهي أنا في الواقع , وقد أنزعجت الآنسة سمانتا منها كثيرا, والحقيقة أنني طردت طردا من المنزل , وبعد خروجي الله وحده يعلم ماذا جرى , وأني آمل ألا تكون الآنسة هارييت قد أخبرت الآنسة سمانتا عن وصية والدها الأخيرة......". " أي وصية؟ وهل لها علاقة بعودة سمانتا الى أنكلترا؟". " أجل". فتأوه باتريك: " توقعت مثل هذا الأمر , هيا بنا يا أيميلي الى السيارة , فهذا ليس المكان المناسب لمثل هذا الحديث". وفي السيارة , أخبرت أيميلي باتريك القصة بأكملها , ولم تخف التفاصيل , عندئذ فهم باتريك كثيرا من الأمور كانت باربرا تقوم بها على عكس طبيعتها , وأمكنه أن يتصور موقف سمانتا التي , أن أطلعت على الواقع , ستعتبر نفسها ضحية للمكر والخيانة , وفي ظروف مثل الظروف التي عاشتها , كانت هذه القصة أشبه بالقشة التي قصمت ظهر الجمل , ولما أنتهت أيميلي من حديثها سألها باتريك: " وهل تتصورين أن باربرا أخبرت سمانتا بالحقيقة؟". " الحقيقة يا سيدي أنني أتصور ذلك معقولا جدا , خصوصا أذا تأملت تعابير وجهها آنذاك". وأسند باتريك ذقنه على يديه الموضوعتين فوق مقود السيارة , يا لسمانتا من فتاة مسكينة شقية , لعلها تفكر أن أحدا لا يكترث بها , وكم عقد الأمور حين عاملها بهذه الطريقة , ولن يسامح نفسه أو ينسى ذنبه في كلما حدث. وتنهدت أيميلي تنهيدة حارة: " أذن , فأنها ذهبت". " لا شك أنها شعرت برغبة في االفرار أن كانت قد أطلعت على الواقع , ولو كنت مكانها , لفعلت". " أعتقد ذلك , أنني قلقة عليها كثيرا لأنها لا تعرف أحدا في لندن , كما أنها ليست فتاة يسهل عليها الأعتماد على نفسها". " ولكن أين يمكن أن تكون قد ذهبت؟ أين؟". |
وحاولت أيميلي جاهدة أن تفكر , هل كانت سمانتا تعرف شخصا آخر هنا؟
ثم قالت فجأة : " أعتقد أنها عادت الى أيطاليا يا سيدي". فهتف باتريك ضارباراحة يده بقبضته الأخرى: " أيطاليا! طبعا يا أيميلي, كان يجب أن أفكر بأيطاليا حيث لها أصدقاء, ولا شك أنها عادت لتراهم". وهمست أيميلي متشككة: "ربما كان ذهابها مؤقتا ,ولكن ,أذا كان هذا صحيحا , فلماذا لم تعلم أحدا بذهابها؟". " هذا غريب , في أي حال , أنني أملك الآن مفتاحا , وسأتصل بالمطار فور عودتي الى المدينة , وسأعلمك بما يستجد, هل تملك صديقتك هاتفا؟". " السيدة بيل؟ كلا , ولكن سيصلنا أي خبر تتركه في فندق الكوينز هد". أبتسم باتريك لها: " حسنا يا أيميلي , أنني أشكرك , ولا تقلقي لأنني سأجدها". وأبتسمت له أيميلي بينما همست راضية: " كنت أفكر أن الآنسة أستحوذت على قلبك". فعبس باتريك: " هذا أفكار خاصة يا أيميلي , لا يجوز لك أن تنشريها". " أعلم يا سيدي , لكن الآنسة سمانتا أنزعجت كثيرا ,ولم أر شخصا آخر يستطيع مساعدتها وتغيير ظروفها سواك". فقال باتريك بنبرة جافة: " آمل ذلك يا أيميلي , وسأبذل جهدي". دخلت سمانتا منزل سوفيا دا سلفا الواقع في شارع الغانتي في مدينة رافنا , وكانت الدنيا تمطر في الخارج بغزارة , بينما أرتدت سمانتا معطفا أبيض وبدت عليه آثار الرطوبة الشديدة , وكانت قد أشترت المعطف يوم وصولها الى ميلانو , ومنذ عودتها قبل أسبوع , لم ينقطع المطر , وتميز الجو ببرودة غير مألوفة في هذا الفصل من السنة . منتديات ليلاس وأذا كان الطقس كئيبا , فلا شك أنه يعكس مشاعرها ... ولا يهمها الجو في أي حال , وكم أحست بالتعاسة والشقاء أن رافنا لم تكن تشبه بيروزيو حيث عرفت الجميع ,و وليست ألا مدينة غريبة مثل لندن لا تعرف فيها ألا ماتيلد العجوز وشقيقتها سوفيا , ومن الطبيعي أنها زارت بيروزيو لترى قبر والدها الذي بدا غريبا أن يكون قد مات قبل فترة قصيرة , وقعت خلالها أحداث من الكثرة بحيث أن الأيام التي عاشتها توازي عمرا كاملا. وكانت قد عادت الى الساحة لتوقف حافلة الركاب المتجهة الى رافنا عندما سمعت شخصا يحييها , وأستدارت لتجد بنيتو يقف وراءها ويسألها مشدوها: " سمانتا؟". وأستطاعت أن تفهم أستغرابه , لأنها بدت كمن أستحم بالمطر والريح وبدت في معطفها الرخيص وأنما الأنيق وحذائها ذي الكعب العالي فتاة غير الفتاة التي غادرت بيروزيو , فكلمته وهي تصطنع الأبتسام: " مرحبا يا بنيتو , ما أجمل أن ألتقيك ثانية". ولم يستطع بنيتو ألا أن ينظر اليها مذهولا , ثم نطق بالأيطالية: " ولكن ... ولكن...". وعادت تخاطبه بلغته في طلاقة: " لا تدهش , أنني لست شبحا , بل أنا حية وأقيم حاليا مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وسوفيا , شقيقة ماتيلد , تعرف شخصا يريد مربية لأبنه الصغير , لذلك أظن أنني سأحصل على وظيفة مربية عما قريب". بدا الذهول على بنيتو الذي صاح مشدوها: " ولكنك لا تستطيعين أن تفعلي ذلك , فأنت تعرفين شعوري نحوك يا سمانتا , والحقيقة أنني ظننتك قادمة لرؤيتي عندما لمحتك". تلوّن وجه سمانتا بألف لون ولون : " بنيتو ! بنيتو! أنني آسفة أذا كنت قد جعلتك تفكر هكذا , لكنني أتيت في الواقع لأزور قبر والدي....". " وماذا عن رحلتك الى أنكلترا؟ ألم تكن ناجحة؟". ردت سمانتا بأختصار: " كلا". " أذن , ماذا تنوين أن تفعلي؟". " أعتقد أنني أخبرتك". تأمل بنيتو كتفيه يائسا بغضب : " يا للسخرية , سمانتا , أرجوك...". " قبل أن أسافر يا بنيتو تحدثت الى والدتك , فأبلغتني أنها لن تقبل بي كنّة لها على الأطلاق , وقد أكتشفت أنا الآن أن ما كان بيننا لم يكن حبا حقيقيا". أحمر وجه بنيتو : " كيف يمكنك أن تعرفي هذا؟ هل ألتقيت رجلا آخر في أنكلترا؟". خفضت سمانتا رأسها: " أجل". " أذن , لماذا جئت الى هنا؟". منتديات ليلاس لم يستطع بنيتو بتفكيره الساذج أن يرى العالم ألا بالأبيض والأسود, عاجزا عن تمييز الظلال المنتشرة بينهما. " أنها قصة طويلة". أجابته سمانتا بقولها هذا بينما ألتفتت الى آخر الشارع وهي تتمنى مخلصة أن تحضر حافلة الركاب , ولم ترد أثارة أي جدال آخر مع بنيتو. " هل تنوين الأقتران بهذا الرجل؟". هزت سمانتا رأسها , وتحرك بنيتو بعصبية: " ولكن , لماذا؟". أطبقت سمانتا شفتيها , وأحست بالدموع تترقرق في عينيها , ألا أنها حبست دموعها غاضبة وأجابته: " لأنه لا يريدني , والآن , أرجوك أن تتركني لوحدي". وهزت كتفيها يائسة بينما مررت لسانها على شفتها العليا: " آه يا بنيتو! ماذا يمكنني أن أقول لك؟ كيف حالك". " أنني بخير , لقد رزقت سلفانا ولدا آخر". وسلفانا شقيقة بنيتو التي أنجبت ثلاثة صبيان حتى الآن. |
أفتر ثغر سمانتا عن أبتسامة متكلفة لأن حديثا من هذا النوع كان العالم كله بالنسبة اليها منذ شهرين ... وسألته: " وهل حزنت؟". " كلا , فماريو يريد أن ينجب عددا كبيرا من الأبناء الذين يقتدون به". وعادت سمانتا تنظر عبر الشارع , لو أن حافلة الركاب تأتي الآن! وأحس بنيتو بأنقباضها وكآبتها , فأدخل يديه في جيبي بنطاله متنهدا: " حسنا , سأذهب لأن والدتي تنتظرني". وتنهدت سمانتا: " حسنا يا بنيتو , لقد سعدت بلقائك من جديد". لم يكن ما قالته كافيا , لكنها لم تجد شيئا آخر تقوله. وأطري بنيتو , ثم جرى عبر الشارع وهو يلقي نظرة عليها بين والآخر , ولوّحت سمانتا له بيدها متمنية أن تحضر حافلة الركاب . ووصلت الحافلة. حدث كل هذا قبل أربعة أيام , واليوم ذهبت لمقابلة السينيورة ماركازي . ولم تعجب هذه المرأة الأيطالية البغيضة سمانتا تماما , ولا أبنها الصغير البدين والفاسد الأخلاق , ومن المؤكد أن فيتريو الصغير كان قزما , ومحاولاته العديدة لأثارة سمانتا أفلحت في أعطاء ثمارها المرجوة آخر الأمر , وأعترتها رغبة بالأندفاع من المنزل القائم في منطقة راقية من المدينة , وعدم العودة لرؤية هذين الشخصين المقرفين , لكنها أعجبت السينيورة ماركازي على ما يبدو ,ولما كان زوجها السينيور ماركازي مأخوذا بفكرة الحصول على مربية أنكليزية لأبنه , فأنها تمكنت من الحصول على الوظيفة. وطلبت سمانتا يوما كاملا لبحث الموضوع وذلك لأنها لم ترغب بالعمل عند أسرة ماركازي , وظهر جليا أن السينيورة ماركازي لم تعتبر أقتراح سمانتا أقتراحا مهذبا , ألا أنها أجبرت على قبوله أذ لم يكن أمامها خيار آخر , ولما دخلت سمانتا المنزل القائم في شارع الغانتي كانت هذه هي الفكرة المسيطرة عليها , وأسرعت ماتيلد لتحيتها بينما خلعت معطفها الواقي من المطر .... وقالت: " أخبريني , هل كانت المقابلة ناجحة؟". تنهدت سمانتا فيما سوّت شعرها بيدها وأجابت متعبة: " أعتقد ذلك , ولكن , آه يا ماتيلد ! لا أستطيع أن أفكر كيف سأعيش مع هذه الأسرة , وهذا كل ما في الأمر , لذلك طلبت مهلة للتفكير , ومن البديهي أن السينيورة لم تعجب بالفكرة". أطرقت ماتيلد وقد تفهمت ما عنته الفتاة: " طبعا يا عزيزتي ... ألا أنه من المحتمل أن تخيبي آمال سوفيا بعدم موافقتك الفورية لأنها تعتقد أنها فرصة ذهبية , فأسرة ماركازي أسرة غنية والجميع يكنون لها الأحترام والحب هنا". وأجتازت سمانتا الممر ذا الأرض الحجرية نحو المطبخ حيث تقضي النسوة الثلاث معظم وقتهن, ولم يكن المنزل واسعا , بل حوى غرفتين في كل من طبقتيه , وخلا من دورة للمياه ومن أمكانية الأختلاء والأنفراد بالنفس , وتأكدت لها ضرورة عثورها على مكان خاص بها وبسرعة. وتلقفت سمانتا فنجان القهوة الذي قدمته لها ماتيلد ممتنة , وقالت لها ماتيلد بمكر: " أذا لم تقبلي هذه الوظيفة يا صغيرتي , فأن أحتمال حصولك على وظيفة أخرى سيكون أصعب". وأبتسمت سمانتا لماتيلد بحب: " أعلم يا عزيزتي ماتيلد , وسأقبل الوظيفة طبعا , ألا أنني أشعر بأضطراب". أطرقت ماتيلد , التي كانت قد سمعت قصة سمانتا بكاملها لدى رجوع الأخيرة من لندن , دون أن تعلق على تصرفاتها مؤيدة أو معارضة , وسمانتا نفسها لم تكن تعرف أذا كانت على صواب أم ضلال , أو أذا كانت قد تصرفت بحماقة عندما تخلت عن حياة الرفاهية لتعيش حياة الفقر. ألا أنها نبذت هذه الأفكار , فلا يمكنها البقاء في أنكلترا والمجازفة بمقابلة باتريك ووالدتها , وزواجهما المحتمل , ولم تشأ أن تعرف شيئا آخر عنهما حتى تبقى أفكارها على حالها الآن. وأرتدت سمانتا معطفها بعد العشاء , وأنطلقت سيرا على الأقدام , كان المساء ألطف جوا بعد نهار عاصف مجنون , وأستمتعت بالنسيم العليل يلفح وجهها , ولكنها تمنت لو أن رافنا مدينة ساحلية حتى تستطيع السير بجانب البحر , فهي تحب البحر , ولم تره ألا قليلا مذ غادرت بيروزيو قبل ستة أسابيع , ستة أسابيع! ما أعظم الأحداث التي قد تقع في مثل هذه المدة! أستيقظت في صباح اليوم التالي لترى الشمس مشرقة للمرة الأولى منذ رجوعها , وفتحت نافذتها لتطل منها ألى الخارج وتحس بدفء الهواء , وتنهدت أذ شعرت بالأرتياح , فالشمس دائما تجعلها تشعر بالتحسن والأنتعاش. لقد أبلغت السينيورة ماركازي بأنها ستزورها عند الساعة الثالثة لتعلمها بقرارها , وهكذا أمكنها أن تتمتع بحريتها في هذا الصباح , وبعد أن تناولت قطعة من الخبز المدور والقهوة , أرتدت بنطالا وسترة صوفية دافئة , وذهبت لشراء بعض الحاجيات , وأعطتها سوفيا لائحة بما تريد شراءه , ولما أستمتعت سمانتا بمقارعة البائعين , أحست أنها بدأت تعود الى طبيعتها , وقالت في نفسها أن الزمن سيداوي كل الجراح , وعليها أن تتجاهل الفراغ المؤلم الذي تحس به في أعماقها , وحلّ الظهر قبل أن تعود الى شارع الغانتي , وعادت الى الشارع تمشي الهوينى وتهزهز السلة في ذراعها , ولم تلبث أن نقبضت أساريرها , أذ لمحت سيارة من طراز كونتينتال تقف أمام منزل سوفيا الصغير وقد بدت ضخمة للغاية في الشارع الضيق. |
ترى سيارة من هي؟ من المؤكد أن سوفيا وماتيلد لا تعرفان شخصا يملك سيارة بهذا الحجم , وألا , فأن السيارة تخص أسرة ماركازي , وأرتاحت قليلا وأن يكن أرتياحها ميؤوسا منه أذا كانت تخص السينيور ماركازي , والمهم أن أحدا لا يعرف أنها هنا , لا باتريك ,ولا باربرا , ولا السيد يولام , وتابعت سيرها في الشارع حتى دخلت البيت حيث أحست أعصابها مشدودة كأوتار الكمان , وأرتجفت دون أت تدري السبب , وأمرت نفسها بأن تهدأ وتستريح , وتكف عن هذيانها وأحلامها وأوهامها.
وأنطلقت الى المطبخ حيث كانت سوفيا تحرك الحساء فوق الموقد , ولما دخلت سمانتا بادرتها بالأبتسام , وسألتها: " هل أشتريت كل ما تحتاجينه؟". توقف قلب سمانتا على حين غفلة: " أعتقد ذلك , متى يصبح الغداء جاهزا؟". " في غضون ربع ساعة". " أين ماتيلد؟". " أنها في الغرفة الأخرى مع أحد الضيوف , أذهبي وأبلغيها أن الغداء أوشك أن ينضج ,وأسألي ضيفها أذا كان يرغب بتناول غدائه معنا". تركت سمانتا السلة على الطاولة وأنطلقت نحو الغرفة التي لا تستعمل ألا في المناسبات الخاصة , وقرعت الباب قرعا خفيفا , ثم دخلت. عندئذ شعرت وكأن قلبها توقف عن الخفقان , رأت باتريك يقف مديرا ظهره للمدفأة الخالية وهو يبتسم أبتسامته الجذابة ويرتدي بزة كحلية ومعطفا , وصاحت بصوت كادت تخنقه الفرحة: " باتريك!". فرد بهدوئه المعتاد وكأنه من الطبيعي أن يقف هناك : " مرحبا يا سمانتا". ونهضت ماتيلد عن الأريكة قائلة: " هذا.... الضيف الكريم ينتظرك منذ زمن بعيد يا سمانتا , هل أنت بخير يا حبيبتي؟ أنك تبدين شاحبة جدا". " أنني... أنني بخير". ثم أستجمعت أفكارها المشتتة , وحاولت أنتزاع الدهشة من نبرة صوتها: " ماذا تعمل هنا يا باتريك؟ هل أرسلتك باربرا الي؟". أجابها بحزم: " لم يرسلني أحد , بل حضرت بنفسي لأسترجعك". تشنجت كتفا سمانتا: " أشكرك على ما تكلفته من أجلي , لكنني لا أريد أن أعود". ورمق باتريك ماتيلد بنظرة جعلتها تحني كتفيها ثم تندفع الى الباب : " سأترككما لوحدكما , فأنا متأكدة أن لديكما الكثير لقوله". وأمسكت ذراع سمانتا ذراع ماتيلد أذ أحست فجأة بالخوف من هذا الغريب المحدّق فيها بعينين حادتين: " لا تذهبي يا ماتيلد , فكل ما سنقوله يمكنك أن تسمعيه". تحررت ماتيلد , وأندفعت نحو الباب تغلقه وراءها بينما تقول: " عزيزتي سمانتا , عليك مواجهة الأمر بنفسك , ولا أستطيع مساعدتك". ولما ذهبت ماتيلد , أتكأت سمانتا على الباب ليسهل فرارها أن دعت الحاجة , وأزدادت حمرتها أذ عجزت عن مجاراة باتريك وهو على ما فيه من أضطراب وهياج , أما هو , فخلع معطفه , ولم يكن قد تسنّى له الوقت ليبدل ملابسه هنا في أيطاليا حيث الجو أكثر حرارة بكثير من أنكلترا . منتديات ليلاس وحدّثته سمانتا بيأس: " لا أدري ماذا تتوقع مني أن أقول , الحقيقة أنني تخليت عن أنكلترا الى الأبد , ولن أعود اليها لأنني لا أحب ناسها ولا أعرف فيها أحدا بعد اليوم". عقب باتريك بجفاء: " بل تعرفين". فتنهدت سمانتا: " علمت أنك تلقيت عرضا بالسفر الى الولايات المتحدة لأنتاج مسرحيتك الأخيرة في فيلم سينمائي". " هذا صحيح , والمسرحية الآن بين يدي وكيل أعمالي في لندن , وأذا أقتضت الضرورة حضوري , يمكنني العودة بأقصى السرعة". خفضت سمانتا رأسها: " فهمت , أنني سعيدة من أجلك , ستصبح من المشاهير بعد الآن". فأبتسم باتريك أبتسامة صغيرة: " هل تعتقدين أن من المهم أن يصبح المرء شهيرا؟". " لست أدري , ذلك يعتمد على شخصيتك , باربرا ستحب هذا كثيرا". " فسألها باتريك ببرودة: " وما علاقة باربرا بالموضوع؟". " لا أعرف ذلك , لكن من المحتمل أن ترتّبا برنامجا معا". علّق باتريك بحدة: " كفي عن التحدث بالألغاز , فأنا وباربرا.... كنا أصدقاء.... لفترة , أما الآن , فكل ما بيننا أنتهى , وباربرا تعرف ذلك , لكنها لن تقر به". حينئذ ضمت سمانتا يديها الى بعضهما وأبتعدت عن الباب: " أذن , فأنني لا أفهم سبب قدومك الى هنا". " لماذا تظنين أنني حضرت الى هنا أيتها الحمقاء الصغيرة؟". ثم هز رأسه وقد أمسك ذراعيها: " هل تدرين ماذا فعلت بي يا سمانتا , وكنت أحسب أنني تخطيت العمر الذي أقع فيه في الهوى؟". " آه , لماذا لم تخبرني يا باتريك؟". " الحقيقة أنني حاولت أن أخبرك يوم الجنازة , لكنني أظن أني جعلت الأمر يبدو مزعجا على عادتي , وربما لا زلت حتى الآن تفكرين بمقصدي......". وأحمرت سمانتا خجلا من أفكارها , فهمس باتريك: " أرأيت؟ ماذا تظنينني , شيطانا مقنعا أم ماذا! هل تخيلت أنني سأعرض عليك أنشاء علاقة حب سرية؟". فهزت سمانتا رأسها بينما أعترفت: " لست أدري , ولكن , أخبرني بصراحة يا باتريك من فضلك". منتديات ليلاس وأغمضت عينيها برهة , لا شك أن ما رأته ليس سوى حلم , وهمست بلهجة طغا عليها الشوق والتحرق: " أنت تعلم أنني أوافق , ولكن , هل يمكننا ؟ فأنت مسافر الى الولايات المتحدة , ولا تنسى أن هناك باربرا.....". " أمامنا كثير من الأمور ينبغي مناقشتها , أولا , بأمكانا أعتبار الرحلة الى أميركا بمثابة بداية لشهر العسل , فهل تروق لك الفكرة؟". سدّدت سمانتا اليه نظرة أعجاب: " أتدري يا باتريك أنها فكرة رائعة؟". " حسنا , هذا يحل أزمة شهر العسل , وبعد ذلك يمكننا أن نعود الى أنكلترا حيث يمكننا أن نقيم في دافن أذا كانت هذه رغبتك.......". " أنني أوافق". فأبتسم باتريك. " عظيم , أما في ما يتعلق بباربرا , فدعينا نتجاهلها ولا نشغل نفسنا بأمورها , وأذا حدث أن ظهرت قصتك المنسية معها , ستكون هذه مشكلتها , ولا حاجة أن نبالغ في عدائنا لها". فعلقت سمانتا: " أنني مسرورة بقولك هذا لأنني لا أريد أن أسبّب لها المزيد من الأزعاج". " أذن , بقي علينا أن نقرر شيئا بخصوص كيلني , هل ترغبين بقضاء بعض أيام السنة هناك؟". ضحكت سمانتا وقد أحست بالطمأنينة للمرة الأولى منذ أسابيع : " وهل يتسع لنا الوقت ؟ آه يا باتريك الحبيب , أنه حلم يتحقق". ثم سألته: " ولكن , كيف عثرت عليّ؟". تنهد باتريك: "زرت دافن حيث لم أجدك , وألتقيت بأيميلي , فأخبرتني عن شجارك مع باربرا , ولما أدركنا أنك لن تقيمي في لندن , أقترحت أيميلي فكرة رجوعك الى أيطاليا , فأتصلت بالمطار فور عودتي الى المدينة , وأفادوني أنك سافرت قبل أسبوع الى ميلانو , فحجزت مقعدا في الطائرة القادمة الى ميلانو بعد أن رتّبت أموري". ثم سألها ضاحكا: " هل تشعرين بالضجر؟". ولما هزت رأسها نفيا , أستطرد: " وأستأجرت سيارة أتجهت بها الى بيروزيو حيث عرف الجميع أسمك دون أن يعرفوا مكان وجودك , وأخيرا ألتقيت شابا يدعى بنيتو أنجيلي....". " بنيتو!". " أجل , قال أحد الشبان أن بنيتو هو الوحيد الذي يحتمل أن يعرف أين تقيمين , وقد أكّد أنه ألتقاك قبل بضعة أيام حين أخبرته أنك تقيمين مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وها أنذ, فهل ما قلته يقنعك ويرضيك؟". " تماما , لكني ما زلت لا أصدق ما حدث لأنه رائع الى أقصى الحدود". " ولكن , هذا ما تريدينه ؟ أليس كذلك؟ ألديك شكوك؟". " ألديك أنت أي شكوك ؟ باتريك , الحقيقة أنه لم تكن عندي أي شكوك , وقد عرفت الواقع منذ الدقيقة الأولى في الطائرة". " هل تعرفين أين سنذهب الآن؟". تطلعت اليه سمانتا مرتبكة: " كلا". " الى فيللا عند شاطىء بحيرة كومو لمقابلة السينيورة مالوري...". " أهي والدتك؟". " أجل , لا بد أن تقابلك الآن , أليس كذلك؟ فأنت ستصبحين نّتها خلال أسبوع على الأكثر". " حسنا يا حبيبي , لا يهمني أين أذهب ما دمت معك". تمت |
يعطيك ألف ألف عاقية
منورة دائما المنتدى غاليتي:friends: http://www.comments.zingerbugimages....art_thanks.gif |
الساعة الآن 01:05 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية