منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   111 - سقوط الأقنعة - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t160157.html)

نيو فراولة 25-04-11 09:59 PM




وغادر باتريك المكان فورا دون أن يسأل عن المنزل ففي قرية صغيرة يمكنه أن يهتدي الى كوخ حقير , وترك السيارة في الموقف الخاص قرب الفندق , وأخذ يتمشى في الشارع العام واضعا يديه في جبيبي معطفه , وأجتاز المتجر ومنزل الطبيب وباحة الكنيسة وبيتا صغيرا وضعت عليه أشارة ( الشرطة) ولم يلمح زائرا للمنزل في هذا الجانب من الشارع , وخيب الجانب الآخر من الشارع آماله أيضا , فتنهد تنهيدة سخط وحزن , ولم يشأ العودة الى الفندق للأستقصاء من جديد , وبينما يقف على طرف الرصيف محاولا التفكير بخطوته التالية , سمع صوتا ينادي:
" يا ألهي! هل هذا السيد مالوري؟".
أستدار باتريك مضطربا :
" أيميلي , أنني سعيد بالثور عليك أيتها الملعونة".
فأكفهر وجه أيميلي:
" هل تبحث عني؟".
أطرق باتريك , صم سألها:
" هل تسكنين القرية؟".
" أجل , أنني أقيم مع صديقتي السيدة بيل حاليا , ولست أدري ماذا سأفعل بعد ذلك , ولم أتمكن حتى الآن من أستجماع أفكاري , والحقيقة أنني كنت في طريقي لمقابلة الآنسة سمانتا , فهل زرتها أنت أيضا؟".
فأجابها باتريك وهو يهز كتفيه متعبا:
" سمانتا ليست في المسكن , ظننتك تعرفين مكان وجودها".
ذهلت أيميلي , وصاحت:
" ليست في المسكن , ولكن, أين هي؟".
" لو أنني كنت أعرف , لما حضرت الى هنا".
ما كاد يتلفظ بكلماته القاسية ,حتى تنهد مضيفا:
" أنها لوقاحة مني , فأنا أبحث عنها منذ الصباح مثل المجانين , وقد أتصا , فأتصلت بباربرا , فأتضح أنها لا تعرف شيئا , أو أنها قالت أن سمانتا في دافن".
تعاظمت حيرة أيميلي فيما تطلعت الى باتريك قائلة:
" آه ! أن ما تقوله يبعث القلق , أوليست لديك أي فكرة عن مكانها؟ هل أختفت فجأة بدون أن تقول شيئا؟".
" الحقيقة أنني سألت خادما عجوزا يعمل في المنزل , فقال أنها أبلغتهم أنها عائدة الى لندن , وعليه أفترض الجميع أنها تقيم مع والدتها".
علقت أيميلي بجفاء:
" لست أرى شيئا أبعد عن الحقيقة من هذا القول".
" وهذا ما رأيته أنا أيضا".
" خصوصا بعد شجارهما يوم الجنازة.....".
" ماذا ؟ هل تشاجرتا؟".
وضعت أيميلي يدها على حلقها :
" حسنا يا سيدي , أنني لا أود التحدث في مثل هذه الأمور".
" كفاك تهربا يا أيميلي , فهذا أمر مهم للغاية , ماذا جرى؟".
عضت أيميلي شفتيها قبل أن تجيب:
" كنت أتحدث الى الآنسة سمانتا بعد ذهابك طبعا , وبينما تحدثنا عن مسكن دافن , أعربت الآنسة سمانتا عن رغبتها بأعادة تنظيم المسكن... وجعله منزلا لائقا مرة أخرى , فأكدت لها أن تلك كانت رغبة جدتها , وأذ ذاك أقتحمت علينا الآنسة هارييت خلوتنا , وتصرفت بوقاحة ... بوقاحة شديدة ... أتجاهي أنا في الواقع , وقد أنزعجت الآنسة سمانتا منها كثيرا, والحقيقة أنني طردت طردا من المنزل , وبعد خروجي الله وحده يعلم ماذا جرى , وأني آمل ألا تكون الآنسة هارييت قد أخبرت الآنسة سمانتا عن وصية والدها الأخيرة......".
" أي وصية؟ وهل لها علاقة بعودة سمانتا الى أنكلترا؟".
" أجل".
فتأوه باتريك:
" توقعت مثل هذا الأمر , هيا بنا يا أيميلي الى السيارة , فهذا ليس المكان المناسب لمثل هذا الحديث".
وفي السيارة , أخبرت أيميلي باتريك القصة بأكملها , ولم تخف التفاصيل , عندئذ فهم باتريك كثيرا من الأمور كانت باربرا تقوم بها على عكس طبيعتها , وأمكنه أن يتصور موقف سمانتا التي , أن أطلعت على الواقع , ستعتبر نفسها ضحية للمكر والخيانة , وفي ظروف مثل الظروف التي عاشتها , كانت هذه القصة أشبه بالقشة التي قصمت ظهر الجمل , ولما أنتهت أيميلي من حديثها سألها باتريك:
" وهل تتصورين أن باربرا أخبرت سمانتا بالحقيقة؟".
" الحقيقة يا سيدي أنني أتصور ذلك معقولا جدا , خصوصا أذا تأملت تعابير وجهها آنذاك".
وأسند باتريك ذقنه على يديه الموضوعتين فوق مقود السيارة , يا لسمانتا من فتاة مسكينة شقية , لعلها تفكر أن أحدا لا يكترث بها , وكم عقد الأمور حين عاملها بهذه الطريقة , ولن يسامح نفسه أو ينسى ذنبه في كلما حدث.
وتنهدت أيميلي تنهيدة حارة:
" أذن , فأنها ذهبت".
" لا شك أنها شعرت برغبة في االفرار أن كانت قد أطلعت على الواقع , ولو كنت مكانها , لفعلت".
" أعتقد ذلك , أنني قلقة عليها كثيرا لأنها لا تعرف أحدا في لندن , كما أنها ليست فتاة يسهل عليها الأعتماد على نفسها".
" ولكن أين يمكن أن تكون قد ذهبت؟ أين؟".

نيو فراولة 25-04-11 10:01 PM

وحاولت أيميلي جاهدة أن تفكر , هل كانت سمانتا تعرف شخصا آخر هنا؟
ثم قالت فجأة :
" أعتقد أنها عادت الى أيطاليا يا سيدي".
فهتف باتريك ضارباراحة يده بقبضته الأخرى:
" أيطاليا! طبعا يا أيميلي, كان يجب أن أفكر بأيطاليا حيث لها أصدقاء, ولا شك أنها عادت لتراهم".
وهمست أيميلي متشككة:
"ربما كان ذهابها مؤقتا ,ولكن ,أذا كان هذا صحيحا , فلماذا لم تعلم أحدا بذهابها؟".
" هذا غريب , في أي حال , أنني أملك الآن مفتاحا , وسأتصل بالمطار فور عودتي الى المدينة , وسأعلمك بما يستجد, هل تملك صديقتك هاتفا؟".
" السيدة بيل؟ كلا , ولكن سيصلنا أي خبر تتركه في فندق الكوينز هد".
أبتسم باتريك لها:
" حسنا يا أيميلي , أنني أشكرك , ولا تقلقي لأنني سأجدها".
وأبتسمت له أيميلي بينما همست راضية:
" كنت أفكر أن الآنسة أستحوذت على قلبك".
فعبس باتريك:
" هذا أفكار خاصة يا أيميلي , لا يجوز لك أن تنشريها".
" أعلم يا سيدي , لكن الآنسة سمانتا أنزعجت كثيرا ,ولم أر شخصا آخر يستطيع مساعدتها وتغيير ظروفها سواك".
فقال باتريك بنبرة جافة:
" آمل ذلك يا أيميلي , وسأبذل جهدي".
دخلت سمانتا منزل سوفيا دا سلفا الواقع في شارع الغانتي في مدينة رافنا , وكانت الدنيا تمطر في الخارج بغزارة , بينما أرتدت سمانتا معطفا أبيض وبدت عليه آثار الرطوبة الشديدة , وكانت قد أشترت المعطف يوم وصولها الى ميلانو , ومنذ عودتها قبل أسبوع , لم ينقطع المطر , وتميز الجو ببرودة غير مألوفة في هذا الفصل من السنة .
منتديات ليلاس
وأذا كان الطقس كئيبا , فلا شك أنه يعكس مشاعرها ... ولا يهمها الجو في أي حال , وكم أحست بالتعاسة والشقاء أن رافنا لم تكن تشبه بيروزيو حيث عرفت الجميع ,و وليست ألا مدينة غريبة مثل لندن لا تعرف فيها ألا ماتيلد العجوز وشقيقتها سوفيا , ومن الطبيعي أنها زارت بيروزيو لترى قبر والدها الذي بدا غريبا أن يكون قد مات قبل فترة قصيرة , وقعت خلالها أحداث من الكثرة بحيث أن الأيام التي عاشتها توازي عمرا كاملا. وكانت قد عادت الى الساحة لتوقف حافلة الركاب المتجهة الى رافنا عندما سمعت شخصا يحييها , وأستدارت لتجد بنيتو يقف وراءها ويسألها مشدوها:
" سمانتا؟".
وأستطاعت أن تفهم أستغرابه , لأنها بدت كمن أستحم بالمطر والريح وبدت في معطفها الرخيص وأنما الأنيق وحذائها ذي الكعب العالي فتاة غير الفتاة التي غادرت بيروزيو , فكلمته وهي تصطنع الأبتسام:
" مرحبا يا بنيتو , ما أجمل أن ألتقيك ثانية".
ولم يستطع بنيتو ألا أن ينظر اليها مذهولا , ثم نطق بالأيطالية:
" ولكن ... ولكن...".
وعادت تخاطبه بلغته في طلاقة:
" لا تدهش , أنني لست شبحا , بل أنا حية وأقيم حاليا مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وسوفيا , شقيقة ماتيلد , تعرف شخصا يريد مربية لأبنه الصغير , لذلك أظن أنني سأحصل على وظيفة مربية عما قريب".
بدا الذهول على بنيتو الذي صاح مشدوها:
" ولكنك لا تستطيعين أن تفعلي ذلك , فأنت تعرفين شعوري نحوك يا سمانتا , والحقيقة أنني ظننتك قادمة لرؤيتي عندما لمحتك".
تلوّن وجه سمانتا بألف لون ولون :
" بنيتو ! بنيتو! أنني آسفة أذا كنت قد جعلتك تفكر هكذا , لكنني أتيت في الواقع لأزور قبر والدي....".
" وماذا عن رحلتك الى أنكلترا؟ ألم تكن ناجحة؟".
ردت سمانتا بأختصار:
" كلا".
" أذن , ماذا تنوين أن تفعلي؟".
" أعتقد أنني أخبرتك".
تأمل بنيتو كتفيه يائسا بغضب :
" يا للسخرية , سمانتا , أرجوك...".
" قبل أن أسافر يا بنيتو تحدثت الى والدتك , فأبلغتني أنها لن تقبل بي كنّة لها على الأطلاق , وقد أكتشفت أنا الآن أن ما كان بيننا لم يكن حبا حقيقيا".
أحمر وجه بنيتو :
" كيف يمكنك أن تعرفي هذا؟ هل ألتقيت رجلا آخر في أنكلترا؟".
خفضت سمانتا رأسها:
" أجل".
" أذن , لماذا جئت الى هنا؟".
منتديات ليلاس
لم يستطع بنيتو بتفكيره الساذج أن يرى العالم ألا بالأبيض والأسود, عاجزا عن تمييز الظلال المنتشرة بينهما.
" أنها قصة طويلة".
أجابته سمانتا بقولها هذا بينما ألتفتت الى آخر الشارع وهي تتمنى مخلصة أن تحضر حافلة الركاب , ولم ترد أثارة أي جدال آخر مع بنيتو.
" هل تنوين الأقتران بهذا الرجل؟".
هزت سمانتا رأسها , وتحرك بنيتو بعصبية:
" ولكن , لماذا؟".
أطبقت سمانتا شفتيها , وأحست بالدموع تترقرق في عينيها , ألا أنها حبست دموعها غاضبة وأجابته:
" لأنه لا يريدني , والآن , أرجوك أن تتركني لوحدي".
وهزت كتفيها يائسة بينما مررت لسانها على شفتها العليا:
" آه يا بنيتو! ماذا يمكنني أن أقول لك؟ كيف حالك".
" أنني بخير , لقد رزقت سلفانا ولدا آخر".
وسلفانا شقيقة بنيتو التي أنجبت ثلاثة صبيان حتى الآن.

نيو فراولة 25-04-11 10:03 PM


أفتر ثغر سمانتا عن أبتسامة متكلفة لأن حديثا من هذا النوع كان العالم كله بالنسبة اليها منذ شهرين ... وسألته:
" وهل حزنت؟".
" كلا , فماريو يريد أن ينجب عددا كبيرا من الأبناء الذين يقتدون به".
وعادت سمانتا تنظر عبر الشارع , لو أن حافلة الركاب تأتي الآن!
وأحس بنيتو بأنقباضها وكآبتها , فأدخل يديه في جيبي بنطاله متنهدا:
" حسنا , سأذهب لأن والدتي تنتظرني".
وتنهدت سمانتا:
" حسنا يا بنيتو , لقد سعدت بلقائك من جديد".
لم يكن ما قالته كافيا , لكنها لم تجد شيئا آخر تقوله.
وأطري بنيتو , ثم جرى عبر الشارع وهو يلقي نظرة عليها بين والآخر , ولوّحت سمانتا له بيدها متمنية أن تحضر حافلة الركاب . ووصلت الحافلة.
حدث كل هذا قبل أربعة أيام , واليوم ذهبت لمقابلة السينيورة ماركازي . ولم تعجب هذه المرأة الأيطالية البغيضة سمانتا تماما , ولا أبنها الصغير البدين والفاسد الأخلاق , ومن المؤكد أن فيتريو الصغير كان قزما , ومحاولاته العديدة لأثارة سمانتا أفلحت في أعطاء ثمارها المرجوة آخر الأمر , وأعترتها رغبة بالأندفاع من المنزل القائم في منطقة راقية من المدينة , وعدم العودة لرؤية هذين الشخصين المقرفين , لكنها أعجبت السينيورة ماركازي على ما يبدو ,ولما كان زوجها السينيور ماركازي مأخوذا بفكرة الحصول على مربية أنكليزية لأبنه , فأنها تمكنت من الحصول على الوظيفة.
وطلبت سمانتا يوما كاملا لبحث الموضوع وذلك لأنها لم ترغب بالعمل عند أسرة ماركازي , وظهر جليا أن السينيورة ماركازي لم تعتبر أقتراح سمانتا أقتراحا مهذبا , ألا أنها أجبرت على قبوله أذ لم يكن أمامها خيار آخر , ولما دخلت سمانتا المنزل القائم في شارع الغانتي كانت هذه هي الفكرة المسيطرة عليها , وأسرعت ماتيلد لتحيتها بينما خلعت معطفها الواقي من المطر .... وقالت:
" أخبريني , هل كانت المقابلة ناجحة؟".
تنهدت سمانتا فيما سوّت شعرها بيدها وأجابت متعبة:
" أعتقد ذلك , ولكن , آه يا ماتيلد ! لا أستطيع أن أفكر كيف سأعيش مع هذه الأسرة , وهذا كل ما في الأمر , لذلك طلبت مهلة للتفكير , ومن البديهي أن السينيورة لم تعجب بالفكرة".
أطرقت ماتيلد وقد تفهمت ما عنته الفتاة:
" طبعا يا عزيزتي ... ألا أنه من المحتمل أن تخيبي آمال سوفيا بعدم موافقتك الفورية لأنها تعتقد أنها فرصة ذهبية , فأسرة ماركازي أسرة غنية والجميع يكنون لها الأحترام والحب هنا".
وأجتازت سمانتا الممر ذا الأرض الحجرية نحو المطبخ حيث تقضي النسوة الثلاث معظم وقتهن, ولم يكن المنزل واسعا , بل حوى غرفتين في كل من طبقتيه , وخلا من دورة للمياه ومن أمكانية الأختلاء والأنفراد بالنفس , وتأكدت لها ضرورة عثورها على مكان خاص بها وبسرعة.
وتلقفت سمانتا فنجان القهوة الذي قدمته لها ماتيلد ممتنة , وقالت لها ماتيلد بمكر:
" أذا لم تقبلي هذه الوظيفة يا صغيرتي , فأن أحتمال حصولك على وظيفة أخرى سيكون أصعب".
وأبتسمت سمانتا لماتيلد بحب:
" أعلم يا عزيزتي ماتيلد , وسأقبل الوظيفة طبعا , ألا أنني أشعر بأضطراب".
أطرقت ماتيلد , التي كانت قد سمعت قصة سمانتا بكاملها لدى رجوع الأخيرة من لندن , دون أن تعلق على تصرفاتها مؤيدة أو معارضة , وسمانتا نفسها لم تكن تعرف أذا كانت على صواب أم ضلال , أو أذا كانت قد تصرفت بحماقة عندما تخلت عن حياة الرفاهية لتعيش حياة الفقر.
ألا أنها نبذت هذه الأفكار , فلا يمكنها البقاء في أنكلترا والمجازفة بمقابلة باتريك ووالدتها , وزواجهما المحتمل , ولم تشأ أن تعرف شيئا آخر عنهما حتى تبقى أفكارها على حالها الآن.
وأرتدت سمانتا معطفها بعد العشاء , وأنطلقت سيرا على الأقدام , كان المساء ألطف جوا بعد نهار عاصف مجنون , وأستمتعت بالنسيم العليل يلفح وجهها , ولكنها تمنت لو أن رافنا مدينة ساحلية حتى تستطيع السير بجانب البحر , فهي تحب البحر , ولم تره ألا قليلا مذ غادرت بيروزيو قبل ستة أسابيع , ستة أسابيع! ما أعظم الأحداث التي قد تقع في مثل هذه المدة!
أستيقظت في صباح اليوم التالي لترى الشمس مشرقة للمرة الأولى منذ رجوعها , وفتحت نافذتها لتطل منها ألى الخارج وتحس بدفء الهواء , وتنهدت أذ شعرت بالأرتياح , فالشمس دائما تجعلها تشعر بالتحسن والأنتعاش.
لقد أبلغت السينيورة ماركازي بأنها ستزورها عند الساعة الثالثة لتعلمها بقرارها , وهكذا أمكنها أن تتمتع بحريتها في هذا الصباح , وبعد أن تناولت قطعة من الخبز المدور والقهوة , أرتدت بنطالا وسترة صوفية دافئة , وذهبت لشراء بعض الحاجيات , وأعطتها سوفيا لائحة بما تريد شراءه , ولما أستمتعت سمانتا بمقارعة البائعين , أحست أنها بدأت تعود الى طبيعتها , وقالت في نفسها أن الزمن سيداوي كل الجراح , وعليها أن تتجاهل الفراغ المؤلم الذي تحس به في أعماقها , وحلّ الظهر قبل أن تعود الى شارع الغانتي , وعادت الى الشارع تمشي الهوينى وتهزهز السلة في ذراعها , ولم تلبث أن نقبضت أساريرها , أذ لمحت سيارة من طراز كونتينتال تقف أمام منزل سوفيا الصغير وقد بدت ضخمة للغاية في الشارع الضيق.

نيو فراولة 25-04-11 10:05 PM

ترى سيارة من هي؟ من المؤكد أن سوفيا وماتيلد لا تعرفان شخصا يملك سيارة بهذا الحجم , وألا , فأن السيارة تخص أسرة ماركازي , وأرتاحت قليلا وأن يكن أرتياحها ميؤوسا منه أذا كانت تخص السينيور ماركازي , والمهم أن أحدا لا يعرف أنها هنا , لا باتريك ,ولا باربرا , ولا السيد يولام , وتابعت سيرها في الشارع حتى دخلت البيت حيث أحست أعصابها مشدودة كأوتار الكمان , وأرتجفت دون أت تدري السبب , وأمرت نفسها بأن تهدأ وتستريح , وتكف عن هذيانها وأحلامها وأوهامها.
وأنطلقت الى المطبخ حيث كانت سوفيا تحرك الحساء فوق الموقد , ولما دخلت سمانتا بادرتها بالأبتسام , وسألتها:
" هل أشتريت كل ما تحتاجينه؟".
توقف قلب سمانتا على حين غفلة:
" أعتقد ذلك , متى يصبح الغداء جاهزا؟".
" في غضون ربع ساعة".
" أين ماتيلد؟".
" أنها في الغرفة الأخرى مع أحد الضيوف , أذهبي وأبلغيها أن الغداء أوشك أن ينضج ,وأسألي ضيفها أذا كان يرغب بتناول غدائه معنا".
تركت سمانتا السلة على الطاولة وأنطلقت نحو الغرفة التي لا تستعمل ألا في المناسبات الخاصة , وقرعت الباب قرعا خفيفا , ثم دخلت.
عندئذ شعرت وكأن قلبها توقف عن الخفقان , رأت باتريك يقف مديرا ظهره للمدفأة الخالية وهو يبتسم أبتسامته الجذابة ويرتدي بزة كحلية ومعطفا , وصاحت بصوت كادت تخنقه الفرحة:
" باتريك!".
فرد بهدوئه المعتاد وكأنه من الطبيعي أن يقف هناك :
" مرحبا يا سمانتا".
ونهضت ماتيلد عن الأريكة قائلة:
" هذا....
الضيف الكريم ينتظرك منذ زمن بعيد يا سمانتا , هل أنت بخير يا حبيبتي؟ أنك تبدين شاحبة جدا".
" أنني... أنني بخير".
ثم أستجمعت أفكارها المشتتة , وحاولت أنتزاع الدهشة من نبرة صوتها:
" ماذا تعمل هنا يا باتريك؟ هل أرسلتك باربرا الي؟".
أجابها بحزم:
" لم يرسلني أحد , بل حضرت بنفسي لأسترجعك".
تشنجت كتفا سمانتا:
" أشكرك على ما تكلفته من أجلي , لكنني لا أريد أن أعود".
ورمق باتريك ماتيلد بنظرة جعلتها تحني كتفيها ثم تندفع الى الباب :
" سأترككما لوحدكما , فأنا متأكدة أن لديكما الكثير لقوله".
وأمسكت ذراع سمانتا ذراع ماتيلد أذ أحست فجأة بالخوف من هذا الغريب المحدّق فيها بعينين حادتين:
" لا تذهبي يا ماتيلد , فكل ما سنقوله يمكنك أن تسمعيه".
تحررت ماتيلد , وأندفعت نحو الباب تغلقه وراءها بينما تقول:
" عزيزتي سمانتا , عليك مواجهة الأمر بنفسك , ولا أستطيع مساعدتك".
ولما ذهبت ماتيلد , أتكأت سمانتا على الباب ليسهل فرارها أن دعت الحاجة , وأزدادت حمرتها أذ عجزت عن مجاراة باتريك وهو على ما فيه من أضطراب وهياج , أما هو , فخلع معطفه , ولم يكن قد تسنّى له الوقت ليبدل ملابسه هنا في أيطاليا حيث الجو أكثر حرارة بكثير من أنكلترا .
منتديات ليلاس
وحدّثته سمانتا بيأس:
" لا أدري ماذا تتوقع مني أن أقول , الحقيقة أنني تخليت عن أنكلترا الى الأبد , ولن أعود اليها لأنني لا أحب ناسها ولا أعرف فيها أحدا بعد اليوم".
عقب باتريك بجفاء:
" بل تعرفين".
فتنهدت سمانتا:
" علمت أنك تلقيت عرضا بالسفر الى الولايات المتحدة لأنتاج مسرحيتك الأخيرة في فيلم سينمائي".
" هذا صحيح , والمسرحية الآن بين يدي وكيل أعمالي في لندن , وأذا أقتضت الضرورة حضوري , يمكنني العودة بأقصى السرعة".
خفضت سمانتا رأسها:
" فهمت , أنني سعيدة من أجلك , ستصبح من المشاهير بعد الآن".
فأبتسم باتريك أبتسامة صغيرة:
" هل تعتقدين أن من المهم أن يصبح المرء شهيرا؟".
" لست أدري , ذلك يعتمد على شخصيتك , باربرا ستحب هذا كثيرا".
" فسألها باتريك ببرودة:
" وما علاقة باربرا بالموضوع؟".
" لا أعرف ذلك , لكن من المحتمل أن ترتّبا برنامجا معا".
علّق باتريك بحدة:
" كفي عن التحدث بالألغاز , فأنا وباربرا.... كنا أصدقاء.... لفترة , أما الآن , فكل ما بيننا أنتهى , وباربرا تعرف ذلك , لكنها لن تقر به".
حينئذ ضمت سمانتا يديها الى بعضهما وأبتعدت عن الباب:
" أذن , فأنني لا أفهم سبب قدومك الى هنا".
" لماذا تظنين أنني حضرت الى هنا أيتها الحمقاء الصغيرة؟".
ثم هز رأسه وقد أمسك ذراعيها:
" هل تدرين ماذا فعلت بي يا سمانتا , وكنت أحسب أنني تخطيت العمر الذي أقع فيه في الهوى؟".
" آه , لماذا لم تخبرني يا باتريك؟".
" الحقيقة أنني حاولت أن أخبرك يوم الجنازة , لكنني أظن أني جعلت الأمر يبدو مزعجا على عادتي , وربما لا زلت حتى الآن تفكرين بمقصدي......".
وأحمرت سمانتا خجلا من أفكارها , فهمس باتريك:
" أرأيت؟ ماذا تظنينني , شيطانا مقنعا أم ماذا! هل تخيلت أنني سأعرض عليك أنشاء علاقة حب سرية؟".
فهزت سمانتا رأسها بينما أعترفت:
" لست أدري , ولكن , أخبرني بصراحة يا باتريك من فضلك".
منتديات ليلاس
وأغمضت عينيها برهة , لا شك أن ما رأته ليس سوى حلم , وهمست بلهجة طغا عليها الشوق والتحرق:
" أنت تعلم أنني أوافق , ولكن , هل يمكننا ؟ فأنت مسافر الى الولايات المتحدة , ولا تنسى أن هناك باربرا.....".
" أمامنا كثير من الأمور ينبغي مناقشتها , أولا , بأمكانا أعتبار الرحلة الى أميركا بمثابة بداية لشهر العسل , فهل تروق لك الفكرة؟".
سدّدت سمانتا اليه نظرة أعجاب:
" أتدري يا باتريك أنها فكرة رائعة؟".
" حسنا , هذا يحل أزمة شهر العسل , وبعد ذلك يمكننا أن نعود الى أنكلترا حيث يمكننا أن نقيم في دافن أذا كانت هذه رغبتك.......".
" أنني أوافق".
فأبتسم باتريك.
" عظيم , أما في ما يتعلق بباربرا , فدعينا نتجاهلها ولا نشغل نفسنا بأمورها , وأذا حدث أن ظهرت قصتك المنسية معها , ستكون هذه مشكلتها , ولا حاجة أن نبالغ في عدائنا لها".
فعلقت سمانتا:
" أنني مسرورة بقولك هذا لأنني لا أريد أن أسبّب لها المزيد من الأزعاج".
" أذن , بقي علينا أن نقرر شيئا بخصوص كيلني , هل ترغبين بقضاء بعض أيام السنة هناك؟".
ضحكت سمانتا وقد أحست بالطمأنينة للمرة الأولى منذ أسابيع :
" وهل يتسع لنا الوقت ؟ آه يا باتريك الحبيب , أنه حلم يتحقق".
ثم سألته:
" ولكن , كيف عثرت عليّ؟".
تنهد باتريك:
"زرت دافن حيث لم أجدك , وألتقيت بأيميلي , فأخبرتني عن شجارك مع باربرا , ولما أدركنا أنك لن تقيمي في لندن , أقترحت أيميلي فكرة رجوعك الى أيطاليا , فأتصلت بالمطار فور عودتي الى المدينة , وأفادوني أنك سافرت قبل أسبوع الى ميلانو , فحجزت مقعدا في الطائرة القادمة الى ميلانو بعد أن رتّبت أموري".
ثم سألها ضاحكا:
" هل تشعرين بالضجر؟".
ولما هزت رأسها نفيا , أستطرد:
" وأستأجرت سيارة أتجهت بها الى بيروزيو حيث عرف الجميع أسمك دون أن
يعرفوا مكان وجودك , وأخيرا ألتقيت شابا يدعى بنيتو أنجيلي....".
" بنيتو!".
" أجل , قال أحد الشبان أن بنيتو هو الوحيد الذي يحتمل أن يعرف أين تقيمين , وقد أكّد أنه ألتقاك قبل بضعة أيام حين أخبرته أنك تقيمين مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وها أنذ, فهل ما قلته يقنعك ويرضيك؟".
" تماما , لكني ما زلت لا أصدق ما حدث لأنه رائع الى أقصى الحدود".
" ولكن , هذا ما تريدينه ؟ أليس كذلك؟ ألديك شكوك؟".
" ألديك أنت أي شكوك ؟ باتريك , الحقيقة أنه لم تكن عندي أي شكوك , وقد عرفت الواقع منذ الدقيقة الأولى في الطائرة".
" هل تعرفين أين سنذهب الآن؟".
تطلعت اليه سمانتا مرتبكة:
" كلا".
" الى فيللا عند شاطىء بحيرة كومو لمقابلة السينيورة مالوري...".
" أهي والدتك؟".
" أجل , لا بد أن تقابلك الآن , أليس كذلك؟ فأنت ستصبحين نّتها خلال أسبوع على الأكثر".
" حسنا يا حبيبي , لا يهمني أين أذهب ما دمت معك".




تمت

Rehana 29-04-11 06:59 AM

يعطيك ألف ألف عاقية
منورة دائما المنتدى غاليتي:friends:

http://www.comments.zingerbugimages....art_thanks.gif


الساعة الآن 01:05 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية