منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   111 - سقوط الأقنعة - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t160157.html)

نيو فراولة 22-04-11 02:36 PM

111 - سقوط الأقنعة - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
111- - سقوط الأقنعة - آن ميثر - روايات عبير القديمة


الملخص


قد تنقلب الحياة رأسا على عقب في غمضة عين, أو تكشف أسرارها في لحظة عابرة......هذا ماحدث لسمانثا الجميلةاليافعة ,وكان عليها ان تتخلى عن أحلامها على شواطئ بيروزيو القرية الأيطاليةالحالمة حيث ترعررت....
منتديات ليلاس
وفجأة وجدت نفسها في لندن حيث كانت حياة الأضواء تنتظرها بكل قسوتها وتكاد تطيح بها كالأعصار...الاقنعة تحيط بها من كل جانب والحب يبدو مستحيلا .
هل تستسلم للأغراء في هذا العالم الشائك وتبقى , أم أنها تنفلت منه في آخرلحظة لتلبي دعوة الى المجهول؟

نيو فراولة 22-04-11 02:37 PM

1- نداء ألى سمانثا


تلقت سامنتا رسالة من أنكلترا بعد شهر واحد من وفاة والدها المباغتة, وكانت لا تزال في حالة صدمة وذهول منذ سماعها بنأ حادث السيارة الذي أودى بحياة والدها على طريق الأوتوستراد السريعة من ميلانو الى بولونيا , وقد نجم الحادث عن أنفجار مفاجىء في أحدى العجلتين الأماميتين لسيارته القديمة الفخمة , الأمر الذي جعلها تنزلق بشكل خطر وتتجاوز الحاجز الفاصل بين قسمي الأوتوستراد قبل أن تصطدم بحافلة ركاب سياحية أنطلقت بالأتجاه المعاكس , وذعر المسافرون , ألا أنهم لم يصابوا بأذى , في حين قتل جون كنغزلي.
وتملك الشقاء سمانتا , فقد شاركت والدها حياته طويلا , في هذه القرية الأيطالية الصغيرة بيروزيو التي يعتمد سكانها في معيشتهم على صيد السمك , كما كانت علاقتهما حميمة , وحميمة جدا بحيث جعلتها وفاته تحس أنها لن تذوق طعم الأمان والسعادة ثانية , وهكذا , لم تمكن ماتيلد العجوز التي عملت مدبرة لمنزل منذ وعت سامنثا الدنيا , على سد الفراغ الكبير في حياتها.
كان جون , كما نادته دائما , في زيارة لميلانو بقصد أفتتاح معرض منحوتاته الأول بعد أغفال موهبته سنوات عدة , وعندما زارهما أحد المتحمسين للفن , أعجب بمنجزات جون وساعده على أقامة معرضه في ميلانو حيث كان قد أمضى أسبوعين وهو يوافي سامنثا بأخبار نجاحه والعروض التي أنهالت عليه , ووقع له الحادث في طريق عودته الى البيت , وطالما تأملت سمانثا بمرارة سخرية القدر , الذي أودى بحياة جون ما أن بدأت أحلامه تتحقق وأتعابه تثمر.
وأجريت مراسم الدفن في بيروزيو , فيما تجمّع كل سكان القرية في الكنيسة الصغيرة حيث أدى الكاهن صلاة الجناز , وضاقت سمانثا ذرعا بمودة أهل القرية وتعاطفهم, وتمنت لو أنها بقيت وحيدة مع حزنها وذكرياتها.
كانت أوضاع والدها المالية في حالة مزرية , فالفيللا مستأجرة , وقد حسب الجميع أن المعرض بداية نجاحه , مع أنه لم تظهر أية دلائل بعد على أيفائه تعبه عبر السنوات الطوال , أما مرتبه المفروض له بعد تقاعده من الخدمة العسكرية , فقد مات معه , ولم يبق لسمانثا بعد دفع تكاليف الدفن ألا القليل , ورضيت حاليا بالبقاء في الفيللا مع علمها أنها مسكن مؤقت , وتوجب عليها أن تتحرك بسرعة , أما أن تحصل على وظيفة , وأما أن تقبل عرض الزواج المقدم لها , لكنها كانت دائما تتجنب التفكير بالمصير وفي أي حال , كم وظيفة هي مؤهلة لأدائها؟ صحيح أنها تحسن أستعمال الآلة الكاتبة الى حد ما , وأن بمقدورها أدارة منزل صغير وطهي بعض أنواع الطعام , لكنها لم تعتبر هذه الكفاءات مقنعة في عالم حديث يخل له أن كل فتاة فيه تزوّد نفسها بمعارف واسعة حتى تؤهل نفسها لتتبوأ مركزا ما .
والآن , وصلها هذا الخطاب من أنكلترا , البلد الذي لا تقر فعلا بأنه مسقط رأسها , فهي عاشت في أيطاليا منذ كانت في الرابعة من عمرها , وتتكلم الأيطالية بطلاقة أهل البلد , وهذا هو الوطن الوحيد الذي عرفته حقا , علما بأن والدها أصرّ أن يتحدثا بالأنكليزية كلما أنفردا ببعضهما .
وكان جون قد أخبرها أن أمها توفيت فيما كانت هي طفلة صغيرة , وأن ليس لها أي أقارب آخرين , وعليه , هجر أنكلترا , وقصد أيطاليا حيث يتوافر له الوقت والألهام لأدء عمله.
لم يكن بحوزتهما مال كثير , ألا أن اليسير منه كفاهما بسبب رخص المعيشة في هذه القرية التي تعتمد على صيد السمك , المتوافر في الأسواق , وماتيلدا تصنع كل ما يحتاجه البيت من الخبز , أما هما , فينتجان الخضار في الحديقة الصغيرة الواقعة على أعلى التلة وهكذا , كانت سمانثا قانعة على الدوام.
قلبت سمانثا الرسالة الموضوعة في غلاف ثمين بين أصابعا قبل أن تفتحها , ولم تعرف أي شيء آخر عن الخطاب الذي حيرتها كثيرا معرفة مضمونه , أنه لا بد مرسل من أحد أصدقاء والدها في أنكلترا , لم يعرف بوفاته ألا مؤخرا.
كتب الجواب على ورق مخصص للرسائل يحمل عنوانا خط بأحرف ذهبية صغيرة : مسكن دافن , ولتشاير , وعبست سمانثا فيما تطلعت الى نهاية الرسالة لتقرأ أمضاء مختصرا بسيطا: لوسيا دافنبورت , وهزت سمانثا كتفيها بطريقة مألوفة فيما قرأت الخطاب من بدايته:

نيو فراولة 22-04-11 02:40 PM

" عزيزتي سمانثا:
حين بلغني نبأ وفاة صهري المفجعة , وضعت الترتيبات اللازمة لعودتك الى أنكلترا , فمن الواجب أن تعودي الينا نحن , نحن أسرتك , ونحن الذين نريدك , فأنا جدتك , وأنوي أطلاعك على الحقيقة التي ترفض بربارا كأي أم أخرى , أعلامك بها.
تأكدي أن أمك ما زالت تنبض بالحياة والحيوية وذلك على عكس ما يمكن أن يكون قد صوره لك والدك , وأنني أتصور أنك تجهلين هذه الحقيقة , ألا أني سأوافيك بمزيد من اتفاصيل عندما نلتقي , ويسرني كثيرا , يا عزيزتي , أن تعودي للأقامة معي , أنا السيدة العجوز , في مسكن دافن , فوضعي الحالي ممل وكئيب , لكنني آمل أن تحيط بي صية مثلك , على أن أسعى لتوفير المتعة والسلوى لك بالرغم من ذلك ".
تأملت سامنثا الرسالة بدهشة , وأنتاب الوهن رجليها , فأرتمت فوق ذراع أحد المقاعد القريبة , متراخية وقد تنازعها الأندهاش والشك , هل يمكن أن يكون ما قرأته صحيحا ؟ أم هل طلع أحدهم بهذه الفكرة البغيضة قصد المزاح ؟ ثم قلبت الصفحة بأصابع مرتجفة , ومضت تقرأ :
" حين أتصل بي محاميا والدك , بناء على تعليماته في حال أصابته بمكروه , سارعت بأرسال تعليماتي لترتيب سفرك الى لندن , حيث سأكون هناك شخصيا لملاقاتك أذا تفضلت وأعلمتني بتاريخ وموعد وصولك , أرجو ألا تكثري التفكير فيما قلته لك الى أن نلتقي , فمن المستحيل أن تفهمي شيئا أذا لم توضح لك الأمور وتشرح الحقائق , وثقي بأننا سنرحب بك هنا .
المخلصة لك : لوسيا دافنبورت".
منتديات ليلاس
لم تتمكن سمانثا من كبت صيحة التعجب التي أنبعثت من حلقها ووضعت الرسالة في مظروفها بعناية , فيما حدقت في الفراغ على غير هدى, فسألت نفسها ثانية أذا كان هذا صحيحا , هل صحيح أنها عاشت كذبة طوال هذه السنوات ؟ وهل ما زالت أمها حقا على قيد الحياة . وأذا كان هذا صحيحا , فلماذا لم تصل بها أبدا؟ وحتى أذا لم ذلك صحيحا , من يفكر بهذا الضرب من الخداع؟ لكنها قررت في نهاية المطاف أنها الحقيقة ولا بد.
ومدت يدها الى علبة السكائر المنقوشة التي صنعها والدها , فأخرجت منها لفافة تبغ , وأشعلتها , ثم أخذت تفكر بحالة الأضطراب التي سيطرت على عقلها , لقد أمتلأت حياتها الفارغة من جديد على نحو مفاجىء أمتلأت بغرباء يدّعون القربى , جدة , وأم , هل يمكن أن يكون لها أخوة وأخوات أيضا؟ وتزاحم مئة سؤال وسؤال في رأسها , لكنها لم تستطع أن تجد لها جوابا مقنعا , والطريقة الوحيدة لحل اللغز هي زيارتها لندن حسبما أقترحت جدتها.
لقد أرهبتها فكرة أبعادها , وحتى أقتلاعا , عن كل ما ومن أحبته طوال هذه السنين , فهل يمكنها أن تترك ماتيلدا؟ صحيح أن لماتيلدا شقيقة تعيش في رافنا على مقربة من بيروزيو , ولكن , هل يجوز أن تتوقع مغادرتها بهذه الطريقة؟ وماذا لو لم تحب أقاربها الجدد الغرباء وهم لم يهتموا بها حتى الآن ؟ ولماذا أبقى جون الأمر سرا خفيا؟ تصورت أنهما لا يخفيان أسرارا عن بعضهما , فيما كتم والدها سرا قد يغيّر مجرى حياتها كليا!
منتديات ليلاس
أصابتها الرجفة بالرغم من حرارة الجو , ثم سارت على الأرضية اللامعة المصقولة نحو الباب الذي ينفتح على الشرفة المطلة على رمال الشاطىء البيضاء .... حيث تتكسر أمواج البحر الأدرياتيكي الرقيقة المزبدة على الدوام , كان المنظر أخاذا , فحبست أمامه أنفاسها , لن تترك كل هذا الجمال , وتقصد مدينة أنكليزية باردة تلبد الغيوم في سمائها , وتحتجب فيها الشمس عن الظهور , فلا يستطيع الناس أن يخرجوا دون أرتداء معاطفهم الواقية من المطر! لقد رسم جون صورة قاتمة لموطن ولادتها , ولكن , بعد كتمان جون كل هذه الأسرار عنها , تساءلت أذا كانت لندن على هذا القدر من البشاعة الذي صوره لها , فلو كان في تلك المدينة شيء يكرهه , شيء جعله يهاجر الى أيطاليا ليبتعد عنها , أفلا يمكن أنه رأى الأمور بمنظار مختلف عن منظارها ؟ وشعرت أن ليس بأستطاعتها أطلاع أحد على معلوماتها في هذه الحظات , فقد كان الخبر صاعقا , ومن الصعب شرحه حتى لماتيلد.
وأطفأت سيكارتها , ثم عادت أدراجها لتعبر الممر المغطى بالآجر والمؤدي الى حجرة نومها حيث خلعت عنها بنطالها الجينز القديم وتنورتها الصوفية , وأرتدت بزة أستحمام خاطتها بنفسها , ثم نظمت شعرها على شكل ذيل الفرس.

نيو فراولة 22-04-11 02:42 PM

وغادرت الفيللا بأتجاه الشاطىء متجاوزة الشرفة ثم التلة المنحدرة , وعدت نحو البحر الدافىء , حيث ألقت بنفسها .... فغمرتها مياهه قليلا قبل أن تطفو على السطح وتسبح بثبات فوق الأمواج , كانت تسبح كل يوم , وكان بوسعها أن تتناسى مضاعفات الرسالة الخطيرة بعض الوقت وهي في الماء , ولكن , لا بد أن تعود سريعا وتخبر ماتيلد بالأمر , وتطلب مشورتها , أما الآن , فلا يخطر لها على بال سوى دفء الشمس والسعادة التي توفرها لها المياه , ولم تنتبه الى أنها أبعدت عنها , وللمرة الأولى , شبح الكآبة التي سيطرت عليها منذ وفاة والدها.
ولما تطلعت الى الشاطىء خلفها , أدركت أنها وهي السبّاحة القوية , قطعت مسافة أكبر بكثير مما ظننت , وأستدارت , فرأت صياد ممتلىء الجسم يراقبها , فلوحت له بيدها أذ عرفته , وسرعان ما بلغت الأماكن الضحلة , فخاضت في مياهها الى أن بلغت الشاطىء.
وقف بنتيتو يراقب تقدم سمانثا بعينين دافئتين يملأهما الشوق , لله ما أجمل هذه الفتاة الأنكليزية الشقراء بشعرها الحريري الكثيف المنسدل رطبا فوق كتفيها , وتفرّست سمانثا بكتفيه مبتسمة , وتوازت عيونهما بسبب طول قامتها , وسألها بنيتو باللغة الأيطالية:
" أنك أفضل , أليس كذلك؟".
خفضت سمانثا رأسها , ومع أنه لا يحتمل أن يترك بنيتو قريته , فقد عكفت سمانثا على تعليمه الأنكليزية , التي خاطبته بها الآن :
" أجل , أشكرك يا بنيتو ".
فكشر مرتبكا , وتابع حديثه بلغته:
" ستذهب أتعابك سدى , فأنا لن أتعلم".
أرخت عقدة شعرها , وأرتمت فوق الرمال متمددة بأسترخاء فيما أجابته بالأيطالية:
" أنك لن تتعلم أذا لم تحاول , ما أروع المياه!".
وجثم بنتيو بجانبها , وعلّق بقوله:
" أنك تسبحين بعيدا لوحدك".
فتنهدت وقد بدا أنها عوقبت على نحو ملائم :
" أعلم ذلك".
أحتار بنتيو لأن سمانثا لم تضع وقتها في الأحاديث الفارغة منذ وفاة والدها , أما اليوم , فقد أختلف الوضع , وهنا خاطبته وكأنها قرأت أفكاره:
" الحقيقة أنني مذهولة بعض الشيء , فقد تلقيت هذا الصباح رسالة من أنكلترا".
تجهمت قسمات بنتيو وقال:
" أنكلترا! هل تعرفين أحدا في أنكلترا؟".
أجابت سمانثا وهي تنقلب على وجهها :
" يبدو أنني أعرف".
" أحدا يعرف والديك؟".
" أجل.... وكلمة ( يعرف ) ليست معبرة بشكل كاف".
وهزت رأسها , أما هو , فتمدد بقربها :
" أذن أخبريني من هو مرسل الخطاب".
فأبتعدت عنه بغضب , ثم جلست:
" أنني لا أمزح , فالرسالة من جدّتي , هل فهمت الآن؟".
تخلّى بنتيتو عن تكاسله ودعابته :
" جدتك! لكن والدك قال أن لا أقارب لك".
" أعلم ذلك , لكن يبدو أن لي أقارب , هذا أذا لم يكن أحدهم يهزأ مني ويسخر بمشاعري , والأهم من ذلك أن لي أمّا!".
فصاح بنتيو:
" يا الله!".
" هذا هو شعوري بالضبط , فأنت ترى أنني أواجه مشكلة".
" وما هي؟".
" جدتي تريدني أن أذهب الى أنكلترا".
أرتسم الغضب على ملامح بنتيو :
" كلا , أنك لن تذهبي".
تنهدت سمانثا:
" هذا ما لم أقرره بعد".
مال بنتيو نحوها:
" هراء ! وماذا عنا؟ أنك تعرفين حقيقة مشاعري أتجاهك , وقد ظننت .... آملت .... أنه سرعان ما....".
أطرقت سمانثا قبل أن ترد:
" أنني أعلم".
لم يعد يساورها الشك بصحة مشاعر بنتيو نحوها , لقد كبرا معا دون أن يفترقا معظم الوقت , فعلّمها السباحة والصيد وأدارة المركب , تماما مثل أي شاب في القرية , ولم يعترض جون , علما بأنه لم يكن شديد الأهتمام ببنتيو أحيانا , ولم يستطع أن يرى ماذا كان يحدث بالقرب منه , ودخل في روع سمانثا أن صداقتهما متينة وحميمة بحيث لا تسمح بنشوء قصة حب وغرام , لكن أقتران أبناء الجيران وبناتهم ببعضهم أمر طبيعي في أيطاليا , وعليه , لم يخف بنيتو أمر مشاعره.
وأنتظر أهل بنيتو يوم العرس , وتناقل أهل القرية أخبار كوخ شغر حديثا يلائم العروسين , خصوصا وأن أيجار الفيللا التي يقطنها جون كنغزلي مرتفع بالنسبة لهما , كما رغب بنتيو بالبقاء وسط أهله الذين أعجبت صحبتهم سمانثا , وفتنت بأولاد أشقائه وشقيقاته , لكن الزواج كان خطوة كبيرة , ولن ينقضي وقت طويل قبل أن ترى نفسها وسط أسرتها وقد أضاعت كل فرصة بمغادرة اقرية ثانية , هل هذا ما تريده فعلا؟ لقد طرحت هذا السؤال على نفسها مرارا وتكرارا , وطلعت بجواب واحد غير مقنع.

نيو فراولة 22-04-11 02:45 PM

ما أختيارها الآخر بعد أن توفي جون وزادت المشكلة تعقيدا ؟ لقد فتحت هذه الرسالة أمامها أبوابا جديدة , ومع أن فكرة الرحيل أرهبتها , فأنها أيقنت أن هذه فرصتها الأخيرة للتعرف على العالم , ولكن كيف يمكنها أن تشرح هذا الأمر لبنتيو ؟ وهل يسعه أن يفهمها ؟ كان بنتيو عازما على الأقامة في بيروزيو , أنه يحيا حياة هانئة ويفخر بأسرته , وربما أفتخرت , هي أيضا , بأسرتها.
دأب بنتيو على أعتبار زواجهما أمرا طبيعيا , ولذلك أضطرب عندما جوبه بموقفها الجديد.
" لماذا لم يحضروا لرؤيتك مرة؟ ولماذا أعلمك والدك بأن أمك ميتة ؟".
فصارحته متنهدة:
" الحقيقة أنني لا أعرف , لعله أعتبرهم غير موجودين بالنسبة له , ألا أن محاميي والدي أتصلا بجدتي , ولا بد أنه قرر أن أعرف الحقيقة أذا أصيب بمكروه , ومن البديهي أنه لم يتوقع حدوث مثل هذا الأمر بسرعة , فهو لم يكن , في أي حال , متقدما في السن عند وفاته.
" ولكن , ماذا عني؟ لا شك أن والدك عرف بعلاقتنا؟".
منتديات ليلاس
فأطلقت سمانثا تنهيدة طويلة :
" كان يعرف ولا يعرف , فأنا يا بنيتو لا أتصو أن أبي توقّع أن نتعدى علاقتنا أطار الصداقة".
أبتعد نيتو عنها :
" وهل سمحت له بأن يتصور ذلك؟".
فأجابته سمانثا وهي تقف بدورها :
" كلا بالطبع , لقد أخبرته أننا معجبان ببعضنا....".
بسط بنيتو يديه يائسا عاجزا :
" معجبان؟ أنني أحبك".
أطبقت سمانثا شفتيها قبل أن تعترف:
" أعلم , أنني أعلم".
فزمجر ساخكا:
" لكنك ستسمحين لأسرتك الجديدة بأن تبعدك عني".
وأصمت سمانثا أذنيها بيديها :
" لا! لست أدري بعد".
وطغت الشراسة على بنيتو :
" لن أسمح لك بأن تفعلي ذلك".
أدارت سمانثا ظهرها , وركضت تتسلق التلة بأتجاه الفيللا , فركض وراءها , وأمسك بها بسهولة لأنه لم يكن قد سبح فلم يكن متعبا , ثم خاطبها بلهجة مختلفة:
" هذا هو موطنك , يا حبيبتي".
تأملته سامنتا بحنو , فيما همست:
" أنه الموطن الوحيد الذي عرفته".
" أنني أقدر على فهمك".
" ولكن , حاول أن تفهمني يا بنتيو , كيف يمكن أن يكون شعورك أذا علمت فجأة أن أمك لا زالت على قيد الحياة بعد أن تكون قد حسبتها ميتة منذ سنوات؟ لقد بلغت الحادية والعشرين من عمري , ولم أعرف بعد ماذا يعني أن تكون لي أم , ومن الطبيعي أن يغالبني الفضول لأراها , على الأقل لأعرف أي نوع من النساء هي حتى تمكنت من هجر أبنتها بهذا الشكل.... فهي لم ترني منذ سبع عشرة سنة على الأقل".
ما أن خطرت لها هذه الفكرة حتى أحست بغصّة في حلقها , ثم تطلعت الى بنتيو الواقف بجانبها فوجدت فيه الحبيب , وتعجبت لماذا تسمح للرسالة بأن تتدخل بينهما, لو أنها لم تصل! عندئذ كان من السهل أن تتزوج بنيتو وتنجب له الأولاد , ولن يواجها التعقيدات في حياتهما , لأنهما سيعيشان كما عاش والداه من قبله في بيروزيو .
همست وهي تتأبط ذراعه:
" لا تسرع يا حبيبي ".
فتأملها برقة :
" حسنا , سأعطيك مزيدا من الوقت".
منتديات ليلاس
وصعدا الممر الصخري الى أن أصبح بوسعهما مشاهدة الفيلا الرابضة بوداعة تحت أشعة الشمس , لكنهما بغتا أذ شاهدا سيارة ليموزين تقف عند مدخل الفيللا.
ألتفتت سمانتا الى بنيتو وقد رفعت حاجبيها الأسودين , فأجابها بهزة من رأسه.
وسألته:
" هل تدخل وتشرب ا
قهوة؟".
أبتسم بنيتو أبتسامة خفيفة:
" لعل ذلك أفضل عملأعمله , فلا بد أن تكتشف من هم زوارك".
ولما تخطّيا عتبة الباب , وجدا ماتيلد , وهي سيدة متقدمة في السن , تقف في الممر وقد عقدت شعرها على شكل كعكة عند مؤخرة عنقها , فنظرت الى سمانتا والأرتياح باد في محياها , وخاطبتها بالأيطالية وهي تشير الى باب البهو:
" عندك زوار من ميلانو".
عبست سمانتا لأن مظاهر الحلم أخذت تطغى على يومها أبتداء من الرسالة الزلزال , وأنتهاء بالزائرين الغريبيين , لقد بدأ عالمها المحدود يتسع على نحو مخيف.
وقف بنيتو في القاعة ينتظر عودة سمانتا التي دخلت لكي تلبس ثوبا لائقا , وعادت بعد بضع دقائق وقد نشفت شعرها حتى كاد يجف , ولفته بمنديل من القطن الأصفر صنعته بيدها , لم تكن تملك مالا كافيا للأنفاق على ملابسها , وأكتشفت أن شراء القماش من السوق وخياطته بيدها يوفر لها بعض المال لشراء الحاجيات الضرورية , وهنا سألت بنيتو:
" هل أبدوا لائقة؟".
خفض رأسه مطرقا لأنها تبدو جميلة في عينيه كيفما كانت , فنظرة واحدة اليها تكفي لكي يندفع الدم في عروقه وينبض قلبه بعنف , قريبا! آه , وقريبا جدا ! ينبغي أن تقترن به , فهو لا يستطيع الأنتظار مدة أطول , لقد أرادها بكل جوارحه , أنها تبدو ببشرتها الشقراء وشعرها الفتان مختلفة عن بنات قومه ذوات الشعر الأسود , وقد تأخر قرانهما كثيرا , فلو كانا متزوجين عندما وصلت الرسالة هذا الصباح , ولما أمكنها أن تتحدث اليه بنفس الطريقة ولكانت عندئذ زوجته , وأما لطفله البكر , ربما.

نيو فراولة 22-04-11 02:47 PM

وتجاوزا عتبة ردهة الأستقبال ليجدا رجلين جالسين على مقعدين متقابلين يدخنان ويشربان القهوة المرّة التي غلتها لهما ماتيلد , وكان الزائرين الجالسان يكبران الشابين الداخلين سنا , أذ كان أصغرهما يناهز الخمسين من العمر , ولما دخلت سمانتا , وقفا بأحترام , ثم تقدم أكبرهما سنا محييا , وسألها بلغة أنكليزية تغلب عليها اللكنة الأيطالية:
" هل أنت الآنسة كنغزلي؟".
" أجل , أنا هي".
صافحت الزائرين الوقورين وقد خالتهما شريكين لوالدها , خصوصا وأنهما قدما من ميلانو , ولعلهما قدما لأمر يتعلق بالمعرض , ثم أستأنف الرجل حديثه مبتسما:
" أسمي آرتورو سيوني , وهذا شقيقي جيوفاني , أننا محاميا والدك".
وهنا تردد قليلا:
" هل تتكلمين الأيطالية يا آنسة كنغزلي؟".
أبتسمت سمانتا وخفضت رأسها :
" أستطيع التحدث بلغتك أذا كان هذا أسهل".
فتحول الرجل الى الأيطالية :
" حسنا , تسلّمنا جوابا من جدتك , ونأمل أن تكوني قد تلقيت خطابا مشابها......هل هذا صحيح؟".
أطرقت سمانتا:
" هذا ما حدث بالضبط , ولكن , علي الأقرار بأنني لم أكن أعلم أن لي أقارب , فأبي لم يخبرني شيئا عن هذا الأمر".
" أعلم هذا , أما الآن , فقد طلبت الينا جدتك ترتيب سفرك الى أنكلترا , فهل أوضحت لك ذلك في رسالتها؟".
" أجل , ألا أنني لم أتغلب على صدمتي الأولية بعد".
فعلّق الرجل الأصغر سنا متكلما للمرة الأولى:
" هذا مفهوم , ولقد نصحت والدتك دوما بأن يطلعك على الحقيقة أحتياطا لمثل هذا الحادث المؤسف , لكنني أحسبه وجد صعوبة في أعلامك بالحقيقة التي عشت طويلا دون أن تعرفيها , ولعله خاف بعض الشيء".
" خاف؟".
" أجل , كنت أنت المبرر الوحيد لأستمراره في الحياة , ولو عرفت أن لك أما في أنكلترا , لكنت أصررت على العودة الى وطنك ومقابلة والدنك , ولعله خشي أن تفضلي طريقتها في العيش والحياة على طريقته".
" آه! كيف يعه أن يفكر بهذه الطريقة؟ كان يعرف أنني مفتونة بالعيش هنا وأنني لم أكن لأتركه وحده".
وأحست سمانتا بأضطراب شديد , , فتوسل اليها الزائر بأن تهدىء روعها:
" أرجوك ألا تزعجي نفسك , فقد مات والدك سعيدا لأنه لم يخبرك بالواقع , وأستطاع أن يكيّف حياتك وفقا لمفهومه , ولا أظنه كان يطمح الى أكثر من ذلك".
" هذا واضح".
لم تثق سمانتا بما قاله , وتكلم آرتورو سبوتي بلهجة تنزع الى الجدية :
" والآن , دعينا نتناول التفاصيل , أن جدتك تريد أن تسافري من ميلانو الى لندن في أقرب وقت ممكن , وبالأمكان تصفية أعمالك هنا بسهولة طبعا , أما الفيللا , فكبيرة , ولا يمكنك أستئجارها بمفردك , وينبغي أن تكوني قد قررت بعض الأمور المتعلقة بمستقبلك".

فهمست سمانتا بشيء من الحياء وقد أحتلت أحد المقاعد فيما أمتقع لونها:
" ليس هذا صحيحا بالضرورة".
وتملكها فجأة شعور بضخامة الأمور التي يتوجب عليها أداؤها وأنتابها الوهن , فتأملها آرتورو بقلق وصاح:
" أعذريني , فلا بد أنها كانت صدمة عنيفة لك , ولقد حاولت بحماقتي المعهودة أن أستعجل قرارك لأن جدتك أوحت لنا في رسالتها بضرورة الأسراع في العمل , مما دفعنا الى وضع تصوّرها في حيّز التنفيذ".
وتشنجت سمانتا وهي تفكر بالفجوة التي قامت بين والديها , وتوصلت بنتيجة معرفتها لحساسية جون ورهافة حسه الى التكهن بأن والدتها قد آذته أشد الأذى حتى حزم أمتعته وهجر بلاده , وقالت آخر الأمر :
" أجل , لقد فهمت , و.... ولعله أفترض بأنني سأذهب الى أنكلترا عند وفاته مع أنه لم يرجع بنفسه".
فعلّق جيوفاني:
" الزمان كفيل بتغيير أمور كثيرة , أما الظروف , فتتغير هي أيضا , وبصورة أكبر , كان والدك يعرف أن ما يشكل قاسما مشتركا بينكما لن يدوم الى الأبد , وينبغي بالتالي أن تعرفي الحقيقة وتقرري بنفسك الطريق الذي تختارين , ماذا يمكنك أن تفعلي؟ هل تفكرين بوظيفة معينة؟".
فأوضح بنيتو بحدة:
" أننا مخطوبان , أليست الخطوبة بحد ذاتها وظيفة؟ أم أنك تعتبر مستقبلها غير مضمون بين يدي؟ ولماذا يؤمن لها شخص غريب ما أستطيع توفيره أنا ؟ وبعد...".
تنهدت سمانتا وهي تخاطب بنيتو:
" بنيتو! لسنا مخطوبين , كلا , لم نخطب بعد , أرجوك! أنني بحاجة للتفكير".
فهز آرتورو كتفيه :
" أذا شئت البقاء في هذه البلاد يا آنسة , فسنعلم جدتك بالأمر , فلا حاجة بك للأتصال بها أو الكتابة اليها أذا لم تكن لديك الرغبة وقرارك الآن في يديك أذ يسمح لك سنك بأختيار الطريق الأنسب".
مررت سمانتا لسانها على شفتها العليا قائلة:
" أشعر بالفضول طبعا , فهل تدريان سبب أنفصال والدايّ؟".
رد جيوفاني :
" أنهما مطلقان , هذا كل ما نعرفه , لقد أئتمننا والدك على سره , ثم أننا لا نعلم القصة بكاملها , لذلك من واجبك أن تكتشفيها بنفسك".
" حسنا فهمت".
أنهت سمانتا شرابها , ووضعت الكوب على المنضدة لتتأمل بنيتو المكفهر الغاضب.

نيو فراولة 22-04-11 02:48 PM

ثم حنت رأسها قليلا , ولوت أصابعها قائلة:
" لقد حان وقت الغداء , فهلا تفضلتما أيها السيدان بتناول الغداء معنا؟".
فأبتسم لها جيوفاني:
" هذا لطف كبير منك يا آنستي , أننا ممتنان لدعوتك".
طمأنتهما سمانتا:
" سأعطيكما جوابي المنتظر بعد الغداء".
كانت ماتيلد تعمل في المطبخ عندما خرجت سمانتا للبحث عنها , وقد تركت بنيتو مع ضيفيها , وجلست على اللوح الذي عملت ماتيلد عليه , وأخذت تشرح لها بتأن كل ما حدث , فلم تقاطعها السيدة العجوز , وعرفت سمانتا أنها ستفتقدها كثيرا أن هي قررت السفر.
وبينما غسلت ماتيلد الخضار وأعدت السلطة , تأملت سمانتا بحيرة , ثم سألتها:
" هل ستذهبين الى أنكلترا؟".
حملت كلماتها معنى القرار , فبدا الأستغراب على وجه سمانتا:
" هل تظنين أن عليّ الذهاب؟".
أكتفت ماتيلد بهز كتفيها:
" لست أدري يا سمانتا , لكنني أعلم أمرا واحدا , وهو أنه أذا لم تذهبي , فأنك ستتساءلين طوال عمرك عما أذا كان يجب أن تذهبي أم لا, ما هو مبرر وجودك هنا ؟ الزواج من بنيتو الشاب؟ من يدري ماذا يحل بكما بعد خمس سنوات من الزواج ؟ لعلك لن تقتنعي بحياتك كما كنت تحلمين , ولن يكون لك مهرب ساعتئذ لأن عقيدتنا لا تسمح بالطلاق , تأكدي من حقيقة مشاعرك قبل ألتزامك بهذا الرباط".
" آه يا ماتيلد! أنك تصورين لي أمرا مخيفا".
" أليست أقوالي صحيحة؟ ألا تعتبرين الرتابة , وأنت في ميعة الشباب والعالم لا يتسع لأحلامك أمرا مخيفا وموحشا؟ هل ترضين فعلا بأنجاب عدد من الأطفال ورعايتهم ؟ بنيتو أفضل شاب في القرية , لكن بنيتو أيطالي , أما أنت , فلا , وأرجو أن تذكري ذلك دوما , فأنت لا زلت أنكليزية بالرغم من كل ما فعلته في الماضي وبالرغم من طلاقتك في تكلّم الأيطالية , أنني آسفة أذا كنت كمن يقلل من شأن ما عملته , غير أنك تعرفين أنني على صواب , لقد قرر عقلك قراره النهائي , أما قلبك , فلا يزال مترددا ومتقلبا , تريدين الحصول على أفضل ما في الحضارتين والعالمين , كما ترغبين بأختبار الزواج لفترة , غير أن الزواج ليس مؤقتا أو لغرض الأختبار , أنما الزواج أئتمان الحبيب على ذاتك مدى العمر , وأرجو أن تحفظي ذلك جيدا على الدوام , أنّى ذهبت وأيا من الرجال تزوجت".
منتديات ليلاس
وجّهت سمانتا ألتفاتة حنو نحو ماتيلد:
" أنك مصيبة يا ماتيلد كعادتك , ولكن , ماذا عنك؟ ماذا ستفعلين؟".
علت وجه ماتيلد أبتسامة هادئة:
"لقد تقدمت كثيرا في السن حتى أصبحت لا أكترث بأمكان الأستغناء عن عملي , وشقيقتي المقيمة في رافنا ستسعد بصحبتي , لا تخشي شيئا علي لأنني لن أجوع مع شقيقتي الميسورة الحال , أهتمي بنفسك فقط , أذهبي وأحصلي على ما تشائين دون أن ترضي بما هو دون مستواك قيمة , وعاملي الجميع على أنهم أنداد , فهكذا لن تخطئي كثيرا".
وافقتها سمانتا على رأيها مبتسمة :
" حسنا , سأخبر الأخوين سبوتي بالأمر , وأنني أشكرك على نصيحتك , ولا شك أنني سأفتقدك كثيرا".
" أذا حدث أن عدت , فزورينا في منزل شقيقتي في رافنا , لا تضطربي بل كوني صادقة وقوية لكي يتحقق لك النجاح في حياتك , فقوة الأرادة ووضوح الهدف يحلان معظم المشاكل في الحياة , لا تتصرفي كالأولاد , فأنت شابة , أنما تصرفي كما يليق بفتاة من عمرك , وحافظي على أستقلالك في التفكير ".
كان بنيتو يجلس مكتئبا على الشرفة عندما خرجت سمانتا اليه لتبلغه أن اغداء جاهز , فألقى عليها نظرة حزينة جعلتها تحس بالذنب لأنها سببت له هذا الأنقباض , ثم سألها مهتما:
" أنك ستسافرين أليس كذلك ؟".
هزت سمانتا كتفيها :
" علي أن أذهب يا بنيتو ".
" لا أفهمك يا سمانتا علما بأنني كنت أعتبر نفسي قادرا على فهمك , غير أنني أكتشفت خطأي".
فبسطت سمانتا يديها بيأس :
" هل تريدني أن أتزوجك , ثم أقضي بقية عمري أتساءل أذا كنت فعلت ما هو صالح لي؟".
" بالطبع , كلا , أن الشك لم يساورنا قبل وصول الرسالة صباح اليوم".
" لم يكن هناك أختيار آخر , وأرجو أن تفهمني يا بنيتو , فأنا لم أترك هذه البلاد منذ كنت في الرابعة من عمري".
" وأنا عشت هنا طوال حياتي".
" لكنك أيطالي".
" وستصبحين أنت أيطالية مثلي عندما نتزوج".
" أسميا فقط يا بنيتو , فأنا أنكليزية".
" لم أكن أعرف أن هذا يزعجك من قبل".
" آه , يا بنيتو! حاول أن تفهمني , أنني أفكر بك كثيرا , وأذا تسنى لي السفر سيصبح بأمكاني رؤية الأشياء بمنظار صحيح , فأذا كنت أحبك سأرجع اليك , وأنت تعلم ذلك , أما أذا كنت تحبني , فعليك أن تعلم أن الحب لا يموت بمجرد أبتعاد الحبيبين عن بعضهما".
منتديات ليلاس
علا التجهم سيماء بنيتو بعد أن عرف أنها محقة في أقوالها , ألا أنه ظل على خوفه من تأثير البعاد عليهما , خصوصا وأنه لم يكن يثق بحبها له كما يثق بحبه هو... مع أنه لاحظ رغبتها الصادقة في عدم أيذائه , ثم خاطبها ببرودة:
" أذا كنت مصممة على السفر , فليس بوسعي أن أمنعك من تحقيق هدفك".
فأجابته بحزن:
" بل بأمكانك ذلك , فأنت قادر على أن تأمرني بالبقاء هنا , وحينئذ لن يكون بوسعي الأعتراض على مشيئتك".
فهز بنيتو رأسه متنهدا:
" صدقت لكنني لن أجعلك تقفين هذا الموقف الحرج , فأنت أمرأة حرة يا سمانتا , ولكن , أرجوك عودي الي".
فأحمرت سمانتا خجلا وحياء:
" عندما تنظر ألي نظرتك هذه يا بنيتو , أتمنى لو أنني لم أر الرسالة قط".
ردّ عليها متأوها:
" وأنا كذلك , أما الآن , فينبغي أن تعطي جوابك للأخوين سبوني".
أجابت سمانتا:
" أجل , وسوف أعلم عما قريب لماذا تصرفت أمي على هذا النحو , وأنني آمل ألا تكون قاسية ومخيفة كما يخيّل الي".

نيو فراولة 22-04-11 02:50 PM

2- حب في الطائرة


أجتاز باتريك مالوري مدرج مطار ميلانو المعبّد تعبيدا متقنا, وجثمت أمامه الطائرة البراقة التي ستقله الى لندن , والحياة الصاخبة التي أبتعد عنها للأستمتاع بفترة هدوء قصيرة , ولطالما شعر بالأسى وقت مغادرته أطاليا بعد قضاء مدة فيها , فهنا موطن أمه التي قضى في صحبتها أربعة أسابيع في فيلتهما الواقعة على ضفاف بحيرة كومو حيث أستحم في أشعة الشمس وتمتع بأسترخاء تام , أما حياته في لندن , فمحمومة بالعمل ومرهقة للأعصاب أحيانا , وقد كانت أجازته متعة فعلية , ولم يحس قط أنه كان في حال أحسن من حاله الآن وقد أسمرّ جلده وأستعاد نشاطه وأستعد لأستئناف عمله وتحمل مسؤولياته في لندن.
كان باتريك في أواسط العقد الرابع من عمره , جذابا طويل القامة نحيلها , وكان شعره فاحم السواد , في حين كان يعزو سمرة بشرته الى كون أمه أيطالية , أما عيناه فكانتا تشعان ببريق غامض عندما يرتسم التهكم على تعابير وجهه , ولم تبلغ قسماته مستوى الوسامة , ألا أنه يتمتع بسحر غريب له جاذبية آسرة , وقد فطن الى الأثر الذي يتركه على أفراد الجنس اللطيف , كما كان بوسعه الأفادة من قدرته هذه بشكل يتلاءم مع أغراضه , ولم يعش ستة وثلاثين عاما دون أن يعرف العديد من النساء , لكنه وجدهن جميعا من نفس الطينة وعلى نفس النمط.
ومرر يده بسرعة فوق شعره القصير , ثم أرتقى السلم الموصل الى مدخل الطائرة مبتسما أبتسامته الدافئة , فأخجل مضيفته الشابة , ونادته الى مقعده حيث ألقى حقيبة أوراقه بجانبه , ثم مدد رجليه بأرتياح. ولما أضحى في طريق عودته فعلا , أنتقل بأفكاره الى لندن والى مشاريعه الملحّة , فهناك على سبيل المثال المسرحية الجديدة , التي قد تحتاج بعض فصولها الى أعادة كتابة.
كان جو الطائرة الحار سيبرد بعد أقلاعها , فمد باتريك يدا كسولة لفك زر قميصه الأعلى المغطى بربطة عنقه المعقودة بدقة بالغة , وهكذا لم تعد الرحلة تتطلب منه مزيدا من الجهد , بل بات بأمكانه أن يغرق في مقعده ويتمتع بالتحليق.
وتحول بأفكاره الى المرأة التي شغلت معظم أهتمامه أثناء عطلته , أنها تنتظره في لندن , وتساءل عما أذا كان الوقت قد حان ليفكر جديا بمسألة الأستقرار العائلي , فحياة العزوبية جميلة , ألا أن فكرة الأستقرار في أسرة ينشئها راقت له , وقد أعربت أمه , التي تريده أن يتزوج وينجب الأطفال , عن الرأي نفسه عندما تناقشا في أمور حياته , فهي يريده أن يعتبر بشقيقته المتزوجة منذ ما يزيد على ثمانية عشر عاما , وبأولادها الستة , صحيح أن جيني تكبره بعشر سنوات , لكن يجدر به أن ينحى بأفكاره هذا المنحى على ما يظن.
وألقى نظرة خاطفة على مباني المطار عبر نافذة الطائرة وقد أوشكت على الأقلاع , وسره عدم أصرار والدته على أصطحابه الى المطار لوداعه , فهو يكره الوداع الطويل لا سيما في الأماكن العامة.
وأسترعى أنتباهه شاب وفتاة واقفان عند البوابة الموصلة الى طائرته , وبدا الشاب مغتاظا , كما خيل الى باتريك أن الشاب أخفق في محاولته معانقة الفتاة ولما حقق هدفه أخيرا , أفلتت الفتاة منه وأندفعت على المدرج صوب الطائرة , والواضح أن الشاب كان يشيع الفتاة الى المطار حيث أنقلب وداعهما عاطفيا ولم يعد بوسعهما السيطرة على مشاعرهما.
وجد باتريك في المشهد بعض السلوى , فالفتاة أنكليزية على ما يبدو , ألا أن المرء لا يستطيع الحكم على هذه المظاهر في أيامنا الحاضرة , فربما نشأت الفتاة أثناء أجازة ونمت بسرعة تحت أشعة الشمس الحارة , أو ربما كانت أيطالية تغادر موطنها للمرة الأولى لسبب أو لآخر , وأعتبر باتريك , بسخريته المألوفة , مشاعرهما حارة للغاية , منذ متى كان الشاب يزخر بهذه المشاعر الفياضة؟ فهو , شخصيا , لا يذكر أن مثل هذا التفجر قد أنتابه مرة , ولعله كان محظوظا , أو أحد الأشخاص الذين لا تستحوذ الأحاسيس على مجمل مشاعرهم , وفي أي حال , لم تخدعه أي أمرأة , أشعل سيكارة وقد أغتبط لأنه تجاوز المرحلة التي تخدعه فيها الأزهار المبطنة بالأشواك , فأذا هو أراد الزواج.... ال ( أذا ) مشروطة الى حد بعيد ... فأنه سيتزوج لضرورات معيشية , لا لدوافع عاطفية.
ومشت الصبية بعد دقائق معدودة في الممر الممتد بين المقاعد بصحبة المضيفة , التي أجلستها على مقعد بجوار باتريك , وتطلع اليها الأخير بأهتمام ليكتشف أنها تبدو عن قرب جذابة للغاية , وأعجبه أنسدال شعرها فوق كتفيها.
ولم تنتبه سمانتا بادىء الأمر الى تفحصه لها بسبب أنهماكها في مشاعرها المتضاربة , ولاحظ أهدابها السوداء الطويلة المجعدة , وبشرتها القشدية المسمرّة عند طرف أنفها , ولم يحاك ثوبها آخر الصرعات , أما حذاؤها فكان بلا كعبين ولا يثير الأعجاب , لكنه رأى أنها ستلفت الأنظار أن هي أرتدت الملابس الملائمة , وفجأة فطنت سمانتا الى وجوده بقربها , فرمقته بنظرة خاطفة , وألتقت عينا باتريك بعينيها لحظة , فلم تزعجه تعابير وجهها الشديد الحمرة , ولفّت سير حقيبة يدها حول أصابعها.

نيو فراولة 22-04-11 02:54 PM

ودبّت الحياة في محركات الطائرة بعد دقائق , وكتبت أمام الركاب ملاحظة ضوئية تذكرهم بضرورة الأقلاع عن التدخين مؤقتا وشد أحزمة الأمان حولهم.
وربط باتريك حزامه بسهولة توحي بطول مراسه , أما الفتاة فتعاملت مع حزامها بأرتباك , ولم يتمالك باتريك نفسه من سحب الحزام من بين أصابعها المتراخية وشدّه حولها بأحكام , فهمست مبتسمة وقد برزت أسنانها البيضاء.
منتديات ليلاس
أكتفى باتريك بمبادلتها الأبتسام , فيما أطفأ سيكارته , وشرعت الطائرة تتحرك ببطء وثبات الى أن أسرعت في سيرها فوق المدرج.
وتمسكت بذراع مقعدها , بينما وجد باتريك نفسه يراقبها ثانية , فأتضح له خوفها , الأمر الذي ملأه أشفاقا عليها علما بنه عادة لا يهتم بالمسافرين المضطربين , ثم خاطبها بأرتياح:
" أسترخي , لقد بدأنا نسبح في الجو , هل هذه أول مرة تطيرين فيها؟".
أطرقت , ثم أجابته:
" أجل , على ما أذكر , لكن يبدو أنني جبانة".
هز باتريك كتفيه العريضتين :
" أعتقد أن جميع الناس يجبنون أحيانا , وعملية أقلاع الطائرات مخيفة للذين لم يألفوها".
ثم ألتفت الى الأعلى وقال :
" ها أننا أنتهينا , بأمكانك الآن حلّ حزام الأمان".
" الحمد لله".
وأرخت الحزام , ثم أسترخت في مقعدها.
وحل باتريك حزامه , فيما قدم لسمانتا علبة السكائر الرقيقة المصنوعة من البلاتين والتي حفرت عليها حروف أسمه الأولى:
" هل تدخنين؟".
أخرجت سيكارة قائلة:
" أشكرك".
ثم أنحنت الى الأمام لتشعل طرف سيكارتها بواسطة ولاعته , وتراجعت الى الوراء بعد ذلك لتتأمله عن كثب.
وأشعل باتريك سيكارة لنفسه , وأخذ يتساءل بشيء من المرح عن سبب أنشغاله بهذه الفتاة الى هذا الحد , فهو نادرا ما يحدث المسافرين معه في الطائرة خوفا من أن تتحول أحاديثهم الى مجادلات عقيمة , والى ذلك , فللناس عامة مقاصد خفية من التحدث الى رجل شهير مثله , وقد أزداد حذره من الملاحظات الهامشية التي توجّه اليه , وغالبا ما كان يقرأ أو يدرس بعض جوانب من عمله أثناء طيرانه.
غير أن الفتاة لم تكن من هذا الصنف من الناس أذ لا يبدو أنها عرفته , أو أرتبطت بعالم المسرح والفنانين , وقد أكدت ملابسها القديمة الطراز هذا الرأي , وأخذ مجّة من سيكارته , ثم تفحصها بعينين ضيقتين وسألها:
"ما أسمك؟".
فردّت على الفور:
" سمانتا كنغزلي , وما أسمك أنت؟".
" آه!".
تردد باتريك خشية أن يفضح أمره , فأن كانت الفتاة لم تعرفه بعد , فأن أسمه سيدلّها عليه , لكنه قال مرغما:
" باتريك مالوري".
لا ريب أنه صدم أذ كان يتوقع ردة فعل معينة من الفتاة , فمن الواضح أن أسمه لم يعن لها شيئا , وهنا تنهّد ممتنا , لأنه أن كان لا يزوّر هويته , فهو يرتاح الى لقاء شخص لا يعلم عنه شيئا , ثم عاد يسأل الفتاة:
" هل تقصدين لندن؟".
" أجل , ولكن كنقطة أنطلاق الى مقاطعة ولتشاير , هل تبعد هذه المنطقة كثيرا عن لندن؟".
خفض باتريك رأسه وقد برز المرح على ملامحه:
" نوعا ما , لقد حسبتك أنكليزية , ومع ذلك فأنت لا تعرفين الكثير عن أنكلترا , ألا توافقين؟".
" أنني أنكليزية , وقد ولدت هناك على الأقل , لكن عشت في أيطاليا منذ كنت في الرابعة من عمري".
تجهم محيا باتريك:
" آه , فهمت , أنك لم تزوري أنكلترا منذ ذلك الوقت؟".
" كلا , أبدا , فوالدي لم يرغب في ذلك".
وصمتت سمانتا برهة , فأحس باتريك أنها تضمر أكثر مما تقول , فغالبه الفضول ولم يمنع نفسه من السؤال:
" أليس والدك مسافرا معك؟".
" كلا , فوالدي متوفّ , لقد قتل قبل شهر من اليوم".
" أنني آسف".
منتديات ليلاس
وتأمل سيكارته لحظة , يبدو أن أسم كنغزلي يعني له شيئا , وبعد أن أخبرته أن والدها قد قتل , تذكر أين سمع هذا الأسم , فسأل ببطء:
" جون كنغزلي , هو والدك , أليس كذلك؟".
طرفت عينا سمانتا وهي تجيب:
"أجل , لماذا.... هل كنت تعرفه؟".
" ليس بالضبط , لقد ألتقيته في معرضه في ميلانو , وكان معرضا رائعا , وعليه , لا ريب أن لقاءنا تمّ قبل.......".
قاطعته سمانتا بتنهيدة:
" صحيح , أنني لا أزال أشعر ببعض الضياع و.... هل أعجبتك المنحوتات؟".
سحل باتريك سيكارته , ورد:
" كثيرا , وهكذا , فقد يتمت الآن؟".
ترددت سمانتا:
" ليس بالضبط".
وتوقفت بأرتباك , أما باتريك , فوجّه اليها نظرة متفحصة , وأتضح لديه أنها لا ترغب في التحدث عن مستقبلها القريب , فغيّر الموضوع وأنتقل بالحديث الى شؤون عامة مثل الكتب والفن والموسيقى , ولم يزعجه حديثها الخجل نوعا ما , بل أنه فرح بالعثور على فتاة لم تصقلها الحياة والتجارب كما يبدو , وفجأة سألته:
" أخبرني ماذا تعمل".
أشعل باتريك سيكارة أخرى , وفكر أنه يدخن كثيرا اليوم , ومكنته فترة الصمت القصيرة من التفكير قبل أن يجيب بأقتضاب :
" أنني أعمل كاتبا".
" وماذا تكتب؟".
هز باتريك كتفيه , ولم يرغب في التورط بحديث يتعلق بعمله , ولشد ما أرتاح أذ دنت منهما المضيفة لتسألهما عما أذا رغبا ببعض الشراب.

نيو فراولة 22-04-11 02:56 PM

فوجئت سمانتا بالترتيبات الجديدة عليها , وكان وقت الغداء قد حان , فتمنّت على المضيفة قائلة:
" أرجو أن تحضري لي بعضا من عصير البندورة".
غير أن المضيفة لم تكترث ألا لباتريك ماوري الذي عرفت هويته جيدا , وأدركت مدى تأثيره في دنيا المسرح , والى ذلك , فأن مزاياه الجسدية كانت بحد ذاتها عاملا يجذب اليه أي أمرأة , وأكرهت المضيفة على الأبتعاد عنهما بعد أن أسمعها طلبه , وهنا سألته سمانتا وهي تلتفت اليه بتمعّن وقد عضّت شفتيها:
" لماذا تصرّفت المضيفة بهذه الطريقة الغريبة؟".
أبتسم باتريك قليلا فيما أجاب بتندّر:
" بطريقة غريبة؟".
فخجلت سمانتا :
" أجل , ولا ريب أنك تفهم قصدي , فهي... حسنا....".
فتأملها باتريك عبر سحابة من دخان سيكارته:
" عندما تزداد خبرتك في الحياة , فأنك لن تطرحي مثل هذه الأسئلة على أحد".
هزّت سمانتا كتفيها:
" ألن أفعل؟".
قدّم الغداء بعد قليل , وكان وجبة شهية مع أنه طهي قبل أقلاع الطائرة , وألقت سمانتا نظرة على عالم السحاب القطني الممتد تحت الطائرة , وتعجبت لأستفظاع الناس الطيران , فلم يكن هناك شيء على الأطلاق يمكن رؤيته , ولم يختلف السفر في الطائرة عن ركوب السيارة في موطنها أو بلدتها.
بلدتها! عليها أن تتخلى عن التفكير بأن أيطاليا هي موطنها وأن بيروزيو هي قريتها , فسيصبح موطنها عما قريب في مسكن دافن في مقاطعة ولتشاير الأنكليزية , ولا مجال للرجوع عن هذا القرار.
فأن هي عادت الى أيطاليا , فسترجع لتتزوج بنيتو , ألا أنها أكتشفت أنه كلما زادت المسافة بينهما , كلما تضاءلت الروابط التي تجمعهما.
وأنتهزت فرصة فراغها من غدائها لزيارة دورة المياه المخصصة للسيدات , فغسلت يديها , وسرّحت شعرها , ولمحت الخوف في العينين اللتين أنعكستا أمامها على صفحة المرآة , فوبّخت نفسها , لماذا تخاف؟ فهي لا يمكن أن تخجل من أي شيء فعلته , بل الحقيقة أن المرأة التي ستلتقيها هي التي يجب أن تخجل.
وشدت كتفيها , فيما قفلت راجعة الى مقعدها لتجد باتريك مالوري منهمكا في قراءة بعض الأوراق التي أخرجها من حقيبته , ولم يتكرم عليها بنظرة واحدة بينما جلست بجانبه ثانية , وعادت أفكار سمانتا الى مشكلة الساعات القليلة القادمة , وشعرت أن أضطرابها يتزايد شيئا فشيئا , وأن فرجها سيتم عندما تغيب شمس اليوم.
وأنتقل بصرها مجددا الى رفيقها وكأنها مشدودة اليه , والى ملامحه الجذابة , وتحرره وسلوكه اللبق ودقة عمله ,وتوقعت أن يكون قد عرف العالم على حقيقته وأدرك جوهر الحياة ومعناها , وبدا لها شابا , فكرت أنه يناهز الثلاثين من العمر , وتسات عما أذا كان أنكليزيا , وذلك لأن أسمه أكّد أنه أنكليزي , في حين برزت ملامح أجنبية على بشرته السمراء وعينيه العسليتين , عيناه كعيني الهر , بل أن سمانتا رأت فيهما شبها بعيني النمر الذي شاهدته في سيرك جوّال , وفكرت فيما أذا كان خطرا مثله , أن من السهل التحدث اليه , ولذلك يمكنها أن تفهم أفتخار أي أمرأة وأنشراحها بما يعيرها من الأهتمام ,وقد عامل سمانتا وكأنها طالبة ثانوية أكبر سنا من رفاقها , الأمر الذي جعلها تتساءل عما أذا كانت تتصرف بهذه الطريقة , فمن المزعج أن يشعرك مثل هذا الرجل أنك غير لبق في حين كنت تعتبر نفسك شخصا بالغا وناضجا , وليس من السهل مقارنة أي من رجال القرية بباتريك مالوري.
وهو الى كل ذلك كاتب , وحاولت أن تستفسر عما يكتبه , لكنه لم يشأ التحدث عن الأمر , أما المضيفة , فمن الواضح أنها تعرفه , كما أنه شخصا توقّع أن تتعرف سمانتا عليه من خلال أسمه , وأنصرفت عن هذه الخواطر للتفكير ببنيتو الذي أصرّ على مرافقتها الى المطار وتوديعها هناك , لقد تصرف بالطريقة التي كانت تتوقعها , فبعد أن رضي وسلّم مبدئيا بالواقع , أرتم العبوس والأستياء على محياه ثانية , وأعتقدت سمانتا أن أهله هم الذين يتحملون الملامة أذ لم يتقبلوا فكرة سفرها الى أنكلترا, حتى أن والدته كشفت عن قلة ذوقها وأحساسها , وصاحت في وجه سمانتا:
" أن بنيتو يحتاج زوجة لا أمرأة تتقاذفها الأهواء كما تتقاذف الريح القصبة , فتندفع كالسهم الى أنكلترا لمجرد توهّمها أن لها هناك أقارب لم ترهم منذ سبع عشرة سنة , لذا لا تلومي بنيتو أذا تزوج بأخرى أثناء غيابك , فكثيرات من فتيات القرية على أتم الأستعداد لأنتهاز الفرصة ".
وسمعت سمانتا كلاما كثيرا من هذا القبيل , فغادرت القرية وهي تعرف أنها لن تزورها ثانية على الأرجح , وهذه الحقيقة مسؤولة بشكل رئيسي عن الخوف الذي أنتابها , فهي قطعت كل صلاتها بالماضي , وهناك عروسان شابان من بلدة رافنا يشغلان الفيللا الآن , أما ماتيلد , فقد أنتقلت الى رافنا لتعيش مع شقيقتها , وسمانتا تشعر في هذه الأثناء بأنتقالها السريع من مرحلة الى مرحلة , خصوصا وأنها لم تبق على صلات بمستقبلها في أيطاليا , ومن يدري!

زهرة منسية 22-04-11 06:37 PM

حبيبتى مبين من الملخص انها حلــــــــــــــــــــــــــوه وكمان كفايه انها من اختيارك ذوقك دايمن رائـــــــــــــــــع انا فى انتظار انك تكمليها علشان اقرها موفقه حبيبتى ويسلموا ايديكى

نيو فراولة 22-04-11 10:16 PM

وقطع باتريك عليها أفكارها أذ قدّم لها سيكارة أخرى:
" أرى أنك غرقت في تفكير عميق".
أبتسمت سمانتا أبتسامة ملؤها الحنين كما ظن باتريك:
" أجل , ولكن , هل أنتهيت من عملك؟".
هز باتريك كتفيه وأجاب بصورة ملتبسة:
" لا أخالني سأنتهي منه أبدا".
تنهدت سمانتا بعد أن أستوعبت كلامه وسألته:
"كم سيمضي من الوقت قبل.... أن نحط في لندن؟".
تطلع باتريك الى ساعته:
" ربع ساعة تقريبا , هل سيستقبلك أحد في المطار؟".
" أجل , ستكون جدتي في أستقبالي ".
" حسنا , وهل ستتوجهين فورا الى ولتشاير؟".
أمالت سمانتا رأسها بحركة سريعة:
" لست أدري , فجدتي مقيمة حاليا في فندق سافوي , ولست أعرف بالضبط ماذا تنوي أن تفعل".
" صحيح؟".
منتديات ليلاس
ترك قولها أنطباعا حسنا في نفس باتريك الذي لم يتصور أن هذه الشابة الرثّة الملابس من الناس الذين يقيمون في فندق سافوي , لكن المظاهر تخدع المرء أحيانا.
" آمل أن تعجبك لندن".
" وهل تحبها أنت؟".
رفع باتريك حاجبيه متكاسلا:
" أنها مكان صالح للعمل , ألا أنني أفضل مكانا أكثر هدوءا عندما يسمح لي وقتي بذلك".
فعبست سمانتا:
" آه , أنني آمل أن أحبها".
" وهل هذا مهم حقا؟".
فشبكت سمانتا أصابعها بخوف , وأزدادت حيرة باتريك , ألا أنه تغلّب على فضوله , فهو يهتم بالناس بصفته كاتبا , وقد وجد في سمانتا موضوعا مغريا أوحى له بالكثير , ورأى أنه من المحزن أن تغيّر الحياة , التي تأمل سمانتا أن تستمتع بها , قبول هذه الفتاة الطبيعي للعالم وأقبالها عليه.
حطت الطائرة عند الواحدة والنصف بتوقيت لندن , ورفعت سمانتا معطف البوبلين الذي ألقته بجانبها , ثم قصدت باب الطائرة مرتجفة , ولحق باتريك وقد سرّه التعبير الذي علا وجهها عندما لفحها الهواء الرطب المندفع من خارج الطائرة , وكان يوما خريفيا باردا , فشدّت سمانتا معطفها حولها وهي ترتعش , وأبتسم باتريك لها , فأحست أنها صغيرة أمامه هو الذي يبلغ طوله مئة وثمانين سنتيمترا ويتمتع بكتفين عريضتين وجسم يضيق تدريجيا حتى الوركين , ثم خاطبها متندرا:
" الطقس دافىء نسبيا اليوم , ولكن , أنتظري حتى تختبري الشتاء الأنكليزي".
رفعت ناظريها اليه , فرأت فيه آخر حلقة تصلها بالأشياء المألوفة في عالمها , وهمست بعذوبة:
" كان والدي يقول دائما أن مناخ أنكلترا شديد البرودة".
وتنبه باتريك الى شيء يختلج داخله دون أن يستطيع تحديده , ألا أنه شعر على حين غفلة أنه أصبح مسؤولا عن الفتاة , فمع أنها ليست صغيرة ولا تلتصق بالآخرين طلبا لحمايتهم , غير أنها تحلّت بروح رقيقة ولطيفة خشي أن تضيعها بسرعة في ضوضاء هذه المدينة المزدحمة.
ثم هبطا السلم معا , وأجتازا المسافة التي تفصلهما عن مباني المطار حيث فرّقتهما المعاملات ارسمية , وأنشغلت سمانتا بالأجراءات الغريبة عليها بحيث لم تفطن أنها لم تعد ترى باتريك مالوري , وأخذ قلبها ينبض بعنف فور تنبّهها للأمر أذ روّعها ما حدث ,ولتفتت حولها بحثا عن باتريك , بينما لمست يد كتفها , فأستدارت لتجده واقفا وراءها , مررت لسانها على شفتيها فيما تنهدت بأرتياح:
" حسبتك ... حسبتك ذهبت".
فحانت من باتريك ألتفاتة جدية نحوها :
" و........!".
ضغطت سمانتا أسنانها على شفتها السفلى , وقد تبينت الحماقة في لهفتها وعلّقت مرتبكة:
" لا... لا شيء".
وضغط على ذراعها بينما طلب اليها بلطف:
" هيا نخرج".
وأنتقل باتريك بسمانتا عبر قاعة الأستقبال الى البهو العام حيث وقف رجل أرتدى بزة خاصة بسائقي السيارات يراقبها بطريقة غريبة, فسأل باتريك الفتاة:
" هل تظنين أن له علاقة بجدتك؟".
هزت سمانتا رأسها:
" لست أدري , هل أتوجه اليه بالسؤال؟".
" كلا , أنظري الى شعره الأبيض , سأسأله بنفسي".
وعاد باتريك بعد بضع دقائق بصحبة السائق ليخبر رفيقته:
" أن سيارتك تنتظرك , هل كل شيء على ما يرام؟".
وتطلعت سمانتا اليه:
" أجل , أشكرك شكرا جزيلا".
وتصنعت سمانتا أبتسامة خفيفة قبل أن تستدير وتلحق بالسائق عبر البهو الواسع , ثم خرجا الى الشارع الممتد بمحاذاته حيث وقفت سيارة رولز رويس ضخمة بأنتظار سمانتا , فساعدها بارنز , ساعدها الأيمن... على حد ما قاله عندما عرّفها بنفسه... على دخول السيارة والجلوس في المقعد الخلفي.
ومضى السائق ليضع حقيبتها في صندوق السيارة بينما جلست سمانتا وهي تشعر بشيء من العزلة , وكم تمنت لو طلبت اليه أن تجلس في مقدم السيارة , ألا أنها عزفت عن رغبتها لما ظهر من أضباط بارنز.
وأصيبت بخيبة أمل لعدم أستقبال جدتها لها , فقد كانت بحاجة الى الأحساس بأنها شخص مرغوب فيه , أما الآن , فما عليها ألا أن ترضى بمقعد منعزل في مؤخر السيارة الضخمة , وببارنز رفيقا.

نيو فراولة 22-04-11 10:17 PM

ووقفت أمام سيارة ارولز سيارة جاغوار زرقاء تنتظر ركابها , وبينما ترقبت سمانتا أنطلاق سيارتها , لمحت باتريك مالوري يخرج من القاعة وبجانبه سيدة شقراء نحيلة وقصيرة القامة.
كانت المرأة ترتدي معطفا رائعا من جلد النمر وكانت أجمل أمرأة وقع عليها نظرها , فشعرها قصير جعد وقدها صغير متناسق الأجزاء , أنفطر قلبها ألما , وتمنت لو أن بارنز أقلع بعد دخولها مباشرة , ومع أنها توقعت مثل هذا الأمر ألا أنها أحست بألم مميت وقد رأته يحدث أمام ناظريها فعلا , فمن الطبيعي أن تنتظر حدوث ذلك لأن باتريك رجل مجتمع خبر العالم , ولا بد أن تكون حياته ملأى بالنساء.
عندئذ أرتقة بارنز مقعد السائق , وشغّل السيارة , وأتكأت سمانتا على مسند المقعد الخلفي المغطّى بالجلد الفاخر وهي تتنهد , ولم ترغب أن يراها باتريك مالوري الذي ربما نسي كل ما يتعلق بها الآن.
وخفض بارنز الحاجز الزجاجي ليسألها:
" هل كانت رحلتك ممتعة يا آنستي؟".
أنهضت سمانتا نفسها لتجيب:
" أجل , أشكرك".
وركز بارنز على قيادة السيارة من جديد , أما سمانتا , فلم تجد ما تحدثه به , ولعله أعتبرها حمقاء , لكنها كانت اليوم قد أنهكت عقليا وجسديا وتحتاج بعض الوقت
كي تجمع أفكارها , وأنطلقت السيارة بهما مسرعة , فيما خيم عليهما الصمت , وأنطبعت في ذهن سمانتا صورة مشوشة لسماء رمادية ملبدة بالغيوم , ومبان شاهقة مكسوة بالرخام في بعض الأماكن , وخيل اليها أن مئات السيارات تطوي الأرض في الأتجاه الذي يسيران به , ونجحت في أدراك عنصر السرعة , عاشت صخبا وأزدحاما وأندفاعا لم تخبره من قبل , ومع أنها كانت في أنكلترا , فأنها لم تشعر بالغربة لأن أنكلترا , قبل كل شيء هي موطنها , وهي أنكليزية بالرغم من أنها تتكلم الأيطالية , وتتصرف كالأيطاليين , ولما دخلت السيارة الى باحة فندق سافوي , تجسدت مخاوفها الكامنة , وبالكاد أجبرت نفسها على الترجل من السيارة , بعد أن فتح لها الباب.
وتبعها السائق ال داخل الفندق حيث تكلم الى موظف الأستعلامات:
" هلا تفضّلت وساعدت الآنسة كنغزلي على الوصول الى جناج الليدي ( السيدة) دافنبورت؟".
وأبتسم برقة , فطرفت عينا سمانتا , اللايدي دافنبورت , أن جدتها هي الليدي دافنبورت , وأضطربت معدتها لأن هذا كان مخبفا أكثر مما توقعت .
وحمل أحد خدم الفندق حقيبتها ,ورجاها أن تلحق به الى المصعد , وتابع الحاضرون تقدّم سمانتا بعيون متفحصة ومستغربة جعلت الفتاة تنزعج من تنبيهها الى العيوب والنقائص في معطفها وحذائها الخالي من الكعب.
وتوقف المصعد عند الطابق الثاني , وأقتيدت الفتاة عبر الممر الى جناح جدتها , ووقف الصبي بجانبها ينتظر الى أن فتحت الخادمة الباب , فترك سمانتا في عهدتها , وخالج سمانتا شعور بأنها أشبه بحزمة تتناقلها الأيدي , وتيقنت أن جدتها تبعث الرعب فيمن حولها , على أنها تصورت أنها بلغت هدفها , عندما تناولت الخادمة معطفها بلطف لتضعه في الداخل:
" تفضلي بالجلوس , ستوافيك اللايدي دافنبورت حالا".
" أشكرك".
أمتثلت سمانتا لتعليمات الخادمة , وجلست على أريكة واطئة , وغادرت الخادمة الحجرة لتعلم جدة الفتاة بأن حفيدتها قد وصلت , ونظرت سمانتا حولها بشغف لترى ردهة واسعة زيّنت تزيينا أنيقا بسجادة سميكة لاءمت كل الفجوات القائمة في الجدار والمخصصة لوضع الأرائك والكتب , وكان أثاث الغرفة فخما وغالي الثمن , ومميز جوها بدفء مريح بالمقارنة مع الهواء البارد خارج الفندق.
وفتح أحد الأبواب بعد لحظة ,ووقفت سمانتا مرتجفة أذ لمحت عجوزا تدخل الغرفة وقد أستندت بثقل على عكازها , كانت ضعيفة صغيرة الجسم بارزة القسمات غزا الشيب شعرها , وأرتدت ملابس عصرية حريرية بلون الزهر , وتألقت عيناها الشديدتا الزرقة قليلا .
أنتصبت سمانتا أمامها وهي تتساءل ماذا يجب أن تفعل أو أن تقول, وأبتسمت اللايدي دافنبورت لها , فبان اللطف والدفء على وجهها , وتخلصت سمانتا من بعض خوفها عندما سمعتها تقول برقة:
" سمانتا , يا عزيزتي , هل أنت هنا؟".
ردت سمانتا ببطء:
" جدّتي ! أن هذه اللفظة غريبة على مسامعي , فأنا لم أعرف أن لي أقارب أبدا".
وأنحنت سمانتا لتطبع قبلة على وجنة جدتها , وزال التوتر الذي أنتابها فطوّقت السيدة العجوز بذراعيها فيما أحست أن عينيها أغرورقتا بالدموع , وعلّقت اللايدي دافنبورت وقد برق الدمع في عينيها هي أيضا.
" هذا أفضل , ألا نجلس يا عزيزتي؟ فرجلاي لم تعودا كما كانتا".
وجلستا جنبا الى جنب على الأريكة, وأخذت السيدة دافنبورت تتأمل حفيدتها , ثم قالت أخيرا:
" أنك تشبهين جون أكثر مما تشبهين بربارا , آه يا سمانتا! لا تعلمين كم أشتهيت رؤيتك".
" ولكن , لماذا.......؟".
وتوقفت سمانتا فيما أجابت جدتها بلطف:
" سأخبرك بعد قليل يا عزيزتي , لكن دعينا نتناول الشاي أولا , ثم نبدأ بالحديث".
وأحضرت الخادمة عربة الشاي , فأسكتت قرقعة فناجين الخزف الصيني والملاعق الفضية السيدتين فيما بدا أنهما تتأملان بعضهما أذ لم يكن بأمكانهما تعويض ما فاتهما من الزمن.

نيو فراولة 22-04-11 10:19 PM

ولما فرغتا من تناول الشاي , قدّمت السيدة دافنبورت لسمانتا سيكارة أخرجتها من علبة صنعت من العقيق اليماني , وأتكأت السيدة دافنبورت على المسند المغطى بالدمسق الحريري بعد أن أشعلت السيكارة لحفيدتها , ثم سألتها:
" هل تشعرين بالأنتعاش الآن؟".
ردّت سمانتا مبتسمة:
" أجل , شكرا لك".
" أنني أعتذر لعدم أستقبالي لك في المطار بسبب بعض الأضطرابات في جسمي الهرم , ونصيحة طبيبي على أخذ قسط من الراحة كل يوم بعد الغداء , هل عثر بارنز عليك بسرعة؟".
أبتسمت سمانتا وهي تتذكر باتريك مالوري , ثم أجابت بهدوء:
" أجل".
" خيرا فعل".
وعضت اللايدي دافنبورت على شفتها , وأتضح لسمانتا أن جدتها وجدت صعوبة في أستهلاك الحديث معها , وأخيرا أقتنعت الفتاة أن جدتها ليست غولا بل سيدة لطيفة , ولكن , أين أمها؟ وهنا خاطبتها اللايدي دافنبورت متمهلة:
" أحسبني سأباشر حديثي بأطلاعك على أخبار أبنتي".
" تقصدين أمي؟".
تنهدت اللايدي دافنبورت:
" أجل , أمك باربرا , أنها أبنتي الوحيدة , وقد ولدت بعد أن كنا أنا وهارولد على أقتناع تام أننا لن نرزق أطفالا , وأن ذكرت هذه الحقيقة أمامك , فلأوضح لك سبب فساد باربرا وسوء أخلاقها , ولعلنا أنا وهارولد نتحمل المسؤولية , فقد نمت باربرا وكبرت وهي تتصور أن لها الحق في أمتلاك كل شيء تراه , ولما ألتقت والدك , أرادت أن تمتلكه أيضا , وهي لم تتجاوز الثامنة عشرة عندئذ.
وأقترنا بعد شهرين من لقائهما وذلك بعد الحرب مباشرة كما تعلمين , أذ عملت باربرا , وهي نجمة صاعدة آنذاك , في فرقة مسرحية لندنية ترفّه عن الجنود , وقد شاركت في جولات الفرقة الترفيهية , أما والدك , فكان ملتحقا بالبحرية , وقد بدا وسيما في بزته الرسمية , وأذكر أن كثيرا من الشبان تزوجوا في ذلك الوقت , ولم يخامر بربارا الشك في حبّها لجون , وعاد والدك الى البحرية طبعا , فلم يتسنى لهما أن يلتقيا كثيرا لمدة طويلة , وكنت قد بلغت السنة من العمر عندئذ".
ثم صمتت اللايدي دافنبورت لتحرّك خاتما في أصبعها قائلة:
" وتملّك السخط باربرا عندما أكتشفت أنها حامل , فأضطرت الى التخلي عن عملها , والألتحاق بعملها في ولتشاير , وبعد أن وضعت , لمتعد تطيق الأنتظار , فعادت الى لندن مجددا".
وتجهم محيا السيدة العجوز:
" آسفة يا عزيزتي أن أقول لك أنك شكّلت عائقا".
وأحست سمانتا أن الدموع تملأ عينيها , ألا أنها كبتتها , وقالت وقد تمنت معرفة المزيد , كما راودها الخوف على المصير المحتوم في آن واحد:
" أرجوك , تابعي حديثك".
" عندما سرّح جون , وجد أنك تقيمين معي في مسكن دافن حيث تتولى مربّية الأهتمام بك ورعاية شؤونك بسبب وجود باربرا في لندن , ولم يزعجني ذلك في شيء لأنك كنت طفلة مرحة أرى العالم كله من خلالها , لكن جون للأسف لم يوافقني على رأيي , بل أعتبر أن تربيتك من مهمّات بربارا , وهذا أعتبار بديهي خصوصا أذا عملنا أن جون عمل قبل الحرب أستاذا في أحدى مدارس لندن حيث أطلع على الآثار السلبية لتربية الأولاد الذين أنفصل ذووهم عن بعضهم , وعلى أي حال , فأنه أبعدك عني وأستأجر لنفسه شقة في لندن , وبدا لبعض الوقت أن باربرا حافظت على علاقتها بجونوهو الشاب البهي الطلعة البارع والقوي , وأكتفت باربرا طوال تلك الفترة بآداء أدوار صغيرة , فيما أعتنيت بك وبجون بقية الوقت , وتيقنت أن كل شيء يسير على ما يرام بعد عودة جون وظهور علائم السعادة على باربرا...".
ثم تنهدت:
" آسفة يا عزيزتي , لكن , يجب أن أصارحك , لقد أتضح لجون أن زوجته أقامت علاقة سرية مع أحد منتجي الأفلام السينمائية رغن أنه كان متزوجا , وذلك لأنه وعد باربرا بأدوار مختلفة في أفلامه".
صدمت سمانتا وتملكها الخوف , هل هذه أمها التي أسرعت الى لقائها؟
" ورفض جون بعد ذلك أن يتحدث الى باربرا , ومضى ليبيع كل ما وصلت اليه يداه , وسحب كل مدخراته من المصرف , ثم أختفى وقد أصطحبك معه وأنت لا زلت في الرابعة من العمر , وأتصل بنا محامياه بعد فترة من ميلانو ليخبرانا أنه يعيش في أيطاليا , وأنه لا يرغب في أن نحصل على عنوانه ولم يكن بأستطاعتي أن أفعل ألا القليل دون مساعدة باربرا التي لا يظهر عليها الأهتمام , وبدأت والدتك تحصل على أدوار أطول وأفضل , ومع مرور السنوات أصبحت نجمة معروفة , وهي الآن تختار دورها لأنها ممثلة بارعة بغض النظر عن كل ذنوبها وعيوبها".
وصاحت سمانتا:
" لا يمكنني أن أصدق ذلك , كيف يمكنها أن تفعل كل هذه الأمور؟".
" أن باربرا أمرأة فردية النزعة مستقلة بتفكيرها جموحة صمّمت على بلوغ أقصى مراتب النجاح , وقد تم لها ما أرادت , والى ذلك , فأنها تحب الرجال الى أقصى الحدود , وهناك كثير من الرجال الذين يحيطون بها , وهي تشبه الأطفال في أمور كثيرة , كما أنها لا تريد أن تكبر , وتصر على البقاء طفلة الى الأبد".
" ولكن , لا شك أنها متقدمة في السن بعض الشيء , فأنا في الثانية والعشرين من عمري".
" جل , فهي ستبلغ الأربعين عندما تحتفل بعيد ميلادها القادم , لكنني أتحدى أي شخص بأن يعرف عمرها الصحيح".

نيو فراولة 22-04-11 10:20 PM

فهتفت سمانتا مستغربة :
" ألا تزالين مقيمة على حبها؟".
" أجل أنني أحبها , فهي ستظل أبنتي الوحيدة على الدوام , وقد توفّي زوجي عندما كانت في السابعة من عمرها , والحقيقة أنني ألوم نفسي كلما فكرت بالأخطاء التي أرتكبتها في حياتها , وذلك لأنني تساهلت معها كثيرا ,ولم أحرمها شيئا".
حركت سمانتا رأسها:
" و.... هل تمّ طلاقهما؟".
"
أجل , لقد واجه محامي جون المحكمة بدلائل كثيرة أخرستني وشلّت دفاعي , وأنتهى كل شيء بينهما قبل أن تصبح معروفة , ولا يدري أحد اليوم أي شيء عن قصتها هذه".
وسكتت سمانتا لحظة , ثم قالت:
" الأرجح أنني لم أسمع بها أبدا , فما هو أسمها المسرحي , بربارا دافنبورت أم باربرا كنغزلي؟".
" لا هذا ولا ذاك , أسمها الكامل هو باربرا هارييت دافنبورت , أما أسمها المسرحي أو الفني فهو باربرا هارييت".
" ما زلت لا أعرف شيئا عنها".
" لا بأس عليك , فأنك عشت في عزلة , أليس كذلك؟ وأراهن أن جون لم يكن ليخاطر ويسمح لك برؤيتها كثيرا".
منتديات ليلاس
وتملكت الرعشة سمانتا بالرغم عنها , أذ ملأتها سيرة أمها أشمئزاز وقرفا , وأدركت أنه من الطبيعي أن تستطيع جدتها رؤية الأشياء بمنظار باربرا , أما هي , فتعتبر تصرف والدتها مشينا ولا أخلاقيا , ويبدو أن باربرا لا تعير أهتماما لأحد , ثم سألت:
" وهكذا , فأنها لم تتزوج مرة ثانية؟".
هزت اللايدي دافنبورت رأسها:
" كلا , فهي لم تشعر برغبة الأرتباط برجل واحد كليا , ألا أنني أظنها بدأت تغير رأيها قليلا الآن , فهناك الآن رجل... حسنا! هذا خبر يحتمل الأنتظار".
وأكفهر وجه اللايدي دافنبورت , ثم أستقامت في جلستها لتمسك بأحدى يدي سمانتا قائلة:
" هناك أمر آخر يجب أن تعرفيه يا عزيزتي".
أعترت الخشية سمانتا , فماذا بقي حتى تسمع ؟ وسألت بحذر:
" ماذا هناك؟".
" أن باربرا ممثلة شهيرة جدا اليوم كما أخبرتك".
" أجل".
" ولذا يجب أن تظهر أمام جمهورها كممثلة شابة وأمرأة جذابة".
علا العبوس قسمات سمانتا لأنها لم تفهم قصد جدتها من هذا الحديث:
" تابعي حديثك , هل رفضت الأعتراف بأنني أبنتها؟".
أبتسمت السيدة العجوز متعبة وتنهدت:
" أن حذرك وأضطرابك المفاجئين يحزناني , وأنني أؤكد لك أن باربرا تريد الأعتراف بك أبنة لها".
بلعت سمانتا ريقها وأستطردت:
" أذن , ما المشكلة؟".
" أنك في الحادئة والعشرين من عمرك يا عزيزتي , وهذه هي المشكلة , سيكتشف الجميع , أن هي أطلعتهم على عمرك الحقيقي , بأنها أكبر بكثير مما أدّعت".
" يا ألهي!".
" حاولي أن تفهميني يا سمانتا العزيزة , لم يتصور أحد أن عمرها يزيد على الثانية أو الثالثة والثلاثين".
" أذن , ما هو أقتراحك , أو بالأحرى , أقتراح باربرا؟".
" أنها ترجو أن توافقي على الأدعاء بأنك ما زلت في سن المراهقة......".
" أنا مراهقة!".
" أجل , فما رأيك لو قلنا أنك في السادسة أو السابعة عشرة من عمرك؟".
أكفهّرت ملامح سمانتا , وظهر الغضب على سيمائها :
" لن يحصل هذا أبدا , كيف يمكنك أن تطلبي مني هذا بعد أن أساءت الي طوال هذه السنين ؟ كلا , أنني أرفض".
منتديات ليلاس
أطلقت اللايدي دافنبورت تنهيدة متعبة , ثم قالت بوهن:
" أخبرتها بأنك لن تقبلي".
" حسنا! ولماذا أقبل؟ فأنا لست مدينة لها بشيء! بأي شيء على الأطلاق".
" أشاطرك الرأي يا عزيزتي , ألا أنها وضعت هذه الشروط حتى تسمح لي بك هنا , وأنت لم تسمعي كل شيء بعد , فأنت ستقيمين معي في دافن , ولن تزوري المدينة ألا نادرا , ولا حاجة بك أن تكوني مراهقة ألا في هذه المناسبات , وبأمكانك أن تعيشي على حقيقتك في دافن , فالقرية هادئة , ولا شيء يدفع أحدا لأكتشاف هويتك الحقيقية أذا لم تكن هذه مشيئتك".
وأمسكت يد سمانتا ثانية:
" هل أطلب منك الكثير لنفسي؟ أنا التي أقترحت حضورك لأنني طالما تمنيت أن أعرفك , فأنا سيدة عجوز أعيش بمفردي , وأنه من دواعي غبطتي أن ترافقيني يا سمانتا , وهل لك في أيطاليا عزيز يصعب عليك مفارقته؟".
أجفلت سمانتا من كلماتها , أذ كان يخيّل اليها أنها لم تترك شيئا مهما يدعوها الى أيطاليا , ولم تتوقع حدوث مثل هذا الأمر , كانت على ثقة أن أهلها سيحبّونها , وكان همّها الوحيد خوفها من ألاّ تحبهم , والآن , بعد أن عرفت الطرق السيئة والملتوية التي عاملتها بها أمها طوال هذه السنين , أدهشها هذا العرض المفاجىء.

نيو فراولة 22-04-11 10:21 PM

تأمت سمانتا جدتها بحنو , ورأت فيها سيدة محبة ورقيقة أيا تكن أخطاؤها وخطاياها , وأقتنعت سمانتا أن حبها لجدتها سيتعاظم , فلدى كل منهما أشياء كثيرة تقولها للأخرى , كانت تشعر بصلة حميمة تربطهما , وتمنت لبرهة لو لم تكن لها أم تعقّد الأمور , لأمكنها أذن أن تقيم مع جدتها سعيدة ومن دون مشاكل , وهنا طرحت عليها سؤالا :
" وماذا لو أصرت باربرا على رفضها ؟ لماذا لا يمكنني أن أعيش معك في دافن وننسى مشاريع بابرا وخططها؟".
" لقد أوصى زوجي هارولد بمسكن دافن لباربرا , ولم يترك لي ألا ما أعيش به على نحو مريح , وأمك تملك معظم التركة ,وبمقدورها أن تجعلني أحيا في شقاء مقيم أن أنا عصيت رغباتها , وباربرا كما أسفلت وقلت أمرأة أنانية فردية النزعة , وأذا غضبت , فأنها ترتكب حماقات لا يتصورها العقل , ولا أجدني راغبة أن أثيرها وأعاديها وأنا في هذه السن المتقدمة".
" ما هذا الذي تقولينه ؟ أنه مروع".
" حسنا , لقد شرحت لك الوضع على حقيقته".
" ولكن , أذا لم ترد الأعتراف ببنوتّتي وأنا في الواحدة والعشرين , فلماذا تريد أن تعترف بأنني أبنتها في أي حال؟ من المؤكد أن بوسعي أن أكون قريبة أو صديقة أو أي شيء من هذا القبيل.......".
هزت اللايدي دافنبورت كتفيها:
"هذه مشكلة باربرا لا مشكلتي , لكنني أعرف شيئا واحدا , وهو أن باربرا تريدك مراهقة , فهل توافقين أم لا؟".
أنتصبت سمانتا واقفة وقد أقرفها الوضع , فالمشكلة في الحقيقة بسيطة للغاية , أما أن ترضى بمشاريع باربرا , وأما أن تحزم أمتعتها . أذا جاز التعبير , وترجع الى حيث أتت.
وأدركت أنه لو كانت معرفتها بأنكلترا أوسع , لما أختارت ألا الحل الثاني , ألا أن أيطاليا كانت أكثر ترحيبا في حالتها الحاضرة.
وتبقى هناك مشكلة عملها , فهي مقتنعة أكثر من ذي قبل أن زواجها ببنيتو ليس هو الحل المنشوج , صحيح أنها أعجبت بمزاياه لكن ربما يعود ذلك الى نشأتهما معا والى أتصالهما المباشر.
ولا يمكن أن تنسى عقدة جدتها , أذ مهما حاولت التخلص من الشعور بأن جدتها تحتاج اليها , اللايدي دافنبورت أمرأة طاعنة في السن , أليس من الأفضل لها أن توافق على مشاريع باربرا ؟ وعندما لا يعود بالأمكان أيذاء اللايدي دافنبورت تنفجر في وجهها وتعاملها بما تستحق.
هل يحق لها أن تترك قريبتيها الوحيدتين الآن مع أنهما عاملتاها بقسوة بالغة في الماضي؟ أنهما بحاجة أليها الآن , ولو أنهما عبرتا عن حاجتهما تلك بصورة مخادعة , وهي لا تذكر أن أحدا أعرب عن حاجته اليها منذ توفي والدها.
وأستدارت نحو جدتها التي جلست تراقبها وهي تأمل خيرا , ثم خاطبتها السيدة العجوز بهدوء:
" أنك لا زلت شابة , ألا يمكنك تكريس بضعة أشهر , أو بضع سنوات على الأكثر , من أجلي؟".
وأخيرا علقت سمانتا:
" أشعر أنني وسيلة للمتاجرة والدعاية , ولكن ,أذا وافقت , أتظنين أنه بأمكاني الظهور بمظهر أبنة ستة عشرة سنة؟".
أجابتها اللايدي دافنبورت مبتسمة:
" بكل سهولة , فأنت تبدين الآن أكبر من ذلك , ولكن حياتك يا سمانتا خلت من الأضطرابات , وتميزت بالهدوء , ولا تلوح على وجهك أي من دلائل الأرهاق والأجهاد الظاهرة في وجوه الشباب اليوم , والمراهقون في عصرنا ليسوا سوى شلة من الأولاد المزعجين والمضطربين , ولعلك ستستمتعين بمراهقتك الثانية , وأعدك بألا تكون حياتك مملة ورتيبة".
وتساءلت سمانتا ما عسى أن يقول عنها والدها لو عرف , على أية حال , أنه المسؤول بالدرجة الأولى عن عودتها الى أمها , وتأكدت أنه لم يكن ليقبل بأي من هذه المشاريع لأنه كان يبغض الخداع ويكرهه , غير أن عقلها شكك في هذا الرأي , ألم يمارس والدها نفسه ضربا من الخداع عندما جعلها توقن أن أمها متوفاة وهي لا تزال تنبض بالحياة والحيوية؟ وفي نهاية المطاف , أعلنت:
" سأوافق الآن على الأقل , على أنني ألتزم بأي تصرف ألا بعد أن أجرّب هذا القناع؟".
" كم أنا سعيدة بك وممتنّة لعطفك يا عزيزتي".
وبرق الدمع في عيني السيدة الهرمة , وسرّ سمانتا أنها وفرت السعادة لشخص واحد على الأقل , وقالت اللايدي دافنبورت:
" أما الآن , فبأمكاننا أن نتناول التفاصيل".
بان الأرتباك على سمانتا:
" أي تفاصيل؟".
" يؤسفني أبلاغك أن باربرا عقدت زواجا سريا منذ سبع عشرة سنة أي حين كانت في السابعة عشرة من عمرها , وكنت أنت حصيلة زواجها , على أن وجودك بقي سرا حتى تكبري بعيدا عن الأضواء والضوضاء المحيطة بأبناء المشاهير.
وعبست سمانتا وهي تحدق في جدتها بأنشداه:
" صبرا , كيف أستطاعت أن تقول ذلك وهي لا تعرف أنني سأوافق؟".
لم تخف اللايدي دافنبورت عدم أرتياحها:
" لا أكتمك القول يا عزيزتي سمانتا أنها كانت تعول على قبول لمشاريعها , فلا أحد يرفض لها طلبا على الأطلاق".
أمالت سمانتا رأسها يمنة ويسرة وقالت:
" يا ألهي , فأنا أذن لست سوى لعبة تعمل بها باربرا هذه ما تشاء".
" أرجوك ألا تقولي ذلك يا سمانتا , دعينا نكمل , وأؤكد لك أنك لن تندمي على شيء".
لم تقتنع سمانتا , غير أنها لم تستطع التفوه بكلمة أعتراض واحدة وشعرت بأشمئزاز شديد من المخطط بأكمله , ولا بدّ أن يكون هناك سبب , فباربرا , مما سمعته عنها حتى الآن , لا تفعل شيئا دون سبب وجيه , وهنا سألت جدتها:
" متى نذهب الى دافن؟".
أجابتها اللايدي دافنبورت وهي تتأملها:
" ليس قبل أسبوع أو نحوه على ما أظن , فباربرا تريد أن تقدمك الى أصدقائها , ولذلك رتّبت بعض الحفلات ومآدب العشاء , وعندما نذهب الى دافن لا يعود ثمة مبرر لقلقك وأضطرابك لأنك لن تعودي الى لندن قبل مدة طويلة".
" فهمت!".
عضت سمانتا شفتها , مآدب عشاء , حفلات! وتعود أبنة ست عشرة سنة مرة أخرى!

نيو فراولة 22-04-11 10:22 PM


3- يوم لا ينسى


أستيقظت سمانتا في صباح اليوم التالي لتجد نفسها في السرير الكبير بين ملاءات ناعمة ولحاف حريري , وظلت تفكر لحظة أين هي , الى أن أسترجعت ذكرياتها.... كانت في أنكلترا , وفي اندن بالتحديد حيث تقيم مع جدتها , وهي تتوقع أن تلتقي بأمها اليوم للمرة الأولى , وبعد سبع عشرة سنة.
وهنا أنقلبت على وجهها لتدفن رأسها في الوسادة , فعقلها لم يستسغ اللعبة اليوم كما أستساغها بالأمس , حين قضت السهرة بكاملها مع جدتها التي أبلغتها أن باربرا مرتبطة بموعد مهم , ولذلك لن تتمكن من الحضور وألقاء التحية على أبنتها ألا غدا , أي اليوم , وأعتبرت سمانتا المهتاجة والفضولية هذا القول كافيا لأظهار أمها على حقيقتها.... ألم تعرها والدتها أي أهتمام على الأطلاق؟
وأعلنت السيدة دافنبورت أنهما ستذهبان اليوم لأبتياع الملابس , فمن الواجب أن تبرز سمانتا في ملابس لائقة , كما ينبغي أن يغسل شعرها ويجفف , وروعت سمانتا فكرة زيارة دار فخمة لتزيين الشعر , وهي التي لم يسبق أن رأت محتويات مثل هذا المكان , فسألت عن السبب الذي يمنعها من تصفيف شعرها بنفسها كما كانت تفعل دائما , وما كان من اللايدي دافنبورت ألا أن أبتسمت :
" يجب أن تدركي الآن يا عزيزتي أنك شابة غنية نسبيا , لا تصففين شعرك بنفسك وأنما تزورين مزيّن الشعر بأنتظام لن تكوني مشعثة الشعر ومغضنة الملابس يوما من الأيام".
منتديات ليلاس
وظلت سمانتا على أصرارها بأن لا مبرر لهذه المصاريف , غير أنها أمتنعت عن الأدلاء بأي تعليق آخر.
وغادرت فراشها وهي تنظر الى ساعتها التي أشارت الى الثامنة والنصف , ولو أنها ظلت في بلدتها , لكانت قد نهضت الآن وبدأت بتناول فطورها : ( بلدتها) , علت ثغرها أبتسامة وهي تتساءل : هل يمكن أن تألف أعتبار لندن بلدتها؟
ولما قرعت الخادمة الباب , ودخلت بصينية الأفطار , كانت سمانتا قد فرغت لتوها من الأستحمام وأرتداء ملابسها , فصاحت الخادمة:
" آه! أرى أنك نهضت يا آنستي!".
أضطربت سمانتا:
" أجل , وما الغريب في الأمر؟".
أبتسمت الخادمة:
" لا شيء , فليباركك الله , ظننتك متعبة بعد رحلتك الطويلة نهار أمس".
" أنني بخير , هذا فطور كبير".
" كلا , أنه يقتصر على بعض اللحم والبيض المقلي والخبز المحمص".
ردت سمانتا على أبتسامة الخادمة بأبتسامة مشابهة:
" الحقيقة أنني أعتدت على تناول بعض الخبز المدور والزبدة , لقد آ.... أخبروني كثيرا عن هذه الوجبة الأنكليزية".
وبلعت ريقها لأنها كادت تقول أن أباها أخبرها , ولما لم تلاحظ الخادمة أي تغيّر في ملامح سمانتا , أجابتها ببساطة:
" حسنا , كلي ما أستطعت , لقد طلبت مني اللايدي دافنبورت أن أخبرك بأنها ستنهض وتستعد لبدء رحلتك الشرائية عند الساعة العاشرة".
" أشكرك".
وخرجت اللايدي دافنبورت من غرفتها عند الساعة العاشرة تماما وقد بانت ملامح الأناقة والفخامة على قدّها الصغير , فحسدتها سمانتا على ثقتها بنفسها وهدوئها , ولما سارت بجانبها , ألفت نفسها فارعة الطول ضخمة الجثة تعوزها اللباقة , فطلبت اليها اللايدي دافنبورت وقد تأملتها بدقة:
" لا تترهلي في مشيتك يا عزيزتي , صحيح أنك طويلة القامة , لكن يجب أن تفخري بهذه الميزة".
أجابتها سمانتا بطاعة وهي تبتسم:
" أجل يا جدتي , لا شك أنك قاسية عندما تثارين , أليس كذلك؟".
منتديات ليلاس
فقهقهت اللايدي دافنبورت:
" هذا يعتمد على مرافقي , والآن , هل يمكننا أن ننطلق؟ فبارنز ينتظرنا".
وقفت سيارة الرولز تنتظرهما في باحة الفندق , وساعدت سمانتا جدتها بالصعود اليها , ثم جلست بقربها , وأغلق بارنز الباب , ثم دار حول السيارة قبل أن يدخل هو أيضا , ولما أنطلقت السيارة , شعرت سمانتا ببعض الحماسة ونظرت بفرح وترقّب من نافذة السيارة وهي لا تطيق أن يضيع عليها مشهد واحد.
وأجتازوا قسما من لندن , عندئذ أمرت اللايدي دافنبورت بارنز بأن يدور حول سيرك بيكاديلي لتتمكن سمانتا من مشاهدة تمثال العاطفة , وقالت لحفيدتها:
" عليك أن تزوري هذه الأماكن وتشاهديها بدقة ذات يوم , هل تعرفين الكثير عن لندن؟".
ردت سمانتا:
" لدي بعض المعلومات عن برج لندن وقصر بكنغهام , والحقيقة أن والدي أخبرني عنها الكثير , وكان يحب المتاحف ومعارض الفنون, وقد أصطحبني مرة الى روما حيث زرنا الكولوسيوم في الفاتيكان".
فأبتسمت لها جدتها:
" هل أعجبت بهذا المكان , الذي يعتبر مخزنا للفنون في العالم؟".
" أجل , لكنني أرغب بأكتشاف لندن على حقيقتها , وهناك أمور كثيرة أرغب القيام بها".
" حسنا , لديك متسع من الوقت".
" أعرف ذلك , ولذا فأنا ممتنة لك , ولكم تقت أن أرى هذه البلاد , لكن الظروف كانت تصوّر لي هذه الأمور بصورة مختلفة".

نيو فراولة 22-04-11 10:24 PM

وأكتشفت سمانتا أهمية أمتلاك المال عندما دخلت متجرا ترتاده اللايدي دافنبورت في شارع بوند , فلقد بدا المتجر عاديا الى حد بعيد, ألا أن عالما آخر رحبا أنكشف لها في الداخل.
ومع أنه يحمل أسما تجاريا بسيطا ( أيلان) ألا أنه من أغلى وأفخم متاجر الألبسة في لندن , وما أن تخطت سمانتا عتبة بابه , حتى غرقت قدماها في سجادة ذات لون بنفسجي فاه وبهرها اللون الليلكي الهادىء في قطع الأثاث والمعلقات , وأدخلتهما أيلان بنفسها الى بهو فسيح , وهي سيدة فرنسية متقدمة في السن كاد ألتهاب المفاصل يشل يديها.
وطلب من سمانتا أن تخلع ملابسها الخارجية , ثم قيس طولها , ووزنت , ولشد ما أحرجت سمانتا وأنزعجت لأنها لم تتعود خلع ملابسها أمام أحد على الأطلاق , وتمنت لو تنتهي العملية بسرعة , وأطرت أيلاين تناسق جسم الفتاة:
" أن لحفيدتك يا لايدي دافنبورت جسما رائعا , فهي مديدة القامة ونحيلة , غير أنها مستديرة الجسم لا تنتأ عظامها بشكل زوايا .
فسرت اللايدي دافنبورت , وأجابت مبتسمة :
" هذا بالضبط ما خطر لي , وأظن أن كثيرا من الملابس تناسبها , أليس كذلك؟".
" طبعا , ومجموعة أزيائنا الجديدة تناسبها كثيرا لأنها معدّة للشابات , ألم تقولي أنها تبلغ السادسة عشرة من عمرها؟".
" بلى , بالضبط".
لم يبد الأنزعاج على اللايدي دافنبورت , في حين علت حمرة شديدة وجه سمانتا.
وقضت السيدتان في المتجر أكثر من ساعتين , ولما أخرجتا , أحست سمانتا أنها لن تستعيد طهرها ثانية بعد أن أستبدلت ملابسها القطنية الداخلية بأخرى من النايلون الصافي.
وأرتدت عند خروجها بزة كوكتيل برتقالية اللون تألفت من تنورة دقيقة الثنيات وبلوزة قصيرة الياقة تركت حلقها عاريا , أما ملابسها , فتركت في البهو وهي لا تصلح ألا للرمي في صناديق القمامة على ما يبدو.
وكان الفرق في مظهرها مذهلا الى حد أدهشها عندما تأملت نفسها , وبعد أن جلست سمانتا في مؤخر السيارة بجانب جدتها , التي تلقت مساعدة كبيرة لتتمكن من الصعود , قالت اللايدي دافنبورت:
" أما الآن , فعلينا الأهتمام بشعرك".
فأستفسرت سمانتا وهي تمرر يدها على شعرها الذي حاكى الحرير نعومة:
" وماذا تنوين أن تفعلي بشعري؟".
أبتسمت اللايدي دافنبورت :
" تغيير بسيط يا عزيزتي , فلا تضطربي لأن المرتهقات يطلن شعورهن في هذه الأيام , وشعرك خشن عند أطرافه , لكن رافاييل سيجعله أكثر عصرية بحيث يزركش أطرافه ويعطيه لونا غنيا يلفت الأنتباه الى هاتين العينين الجميلتين".
علت الحمرة وجه سمانتا من جديد لأنها لم تسمع مثل هذه المجاملات من قبل.
لم يكن محل رافاييل لتزيين الشعر بعيدا عن متجر الألبسة , وقد تركت اللايدي دافنبورت سمانتا هناك بعد أن دخلت بنفسها وطلبت أن يعتني رافاييل شخصا بحفيدتها , مؤكدة أنه يعرف ما تحتاجه بالضبط , وفيما خضعت سمانتا لعملية غسل شعرها وتجفيفه وتصفيفه تلقّت أظافرها طبقة من طلاء الأظافر , كما دهن جلدها بكريمات مختلفة لفحصه , وأخيرا تولت مساعدة رافاييل الماهرة تزيينها , ولما عادت اللايدي دافنبورت لأصطحاب حفيدتها , صفقت فرحا وهي تصيح:
" بديع يا عزيزتي , أنك تبدين غاية في الحسن".
لم تقتنع سمانتا بقول جدتها , بل أعتبرت نفسها أشبه بحقل تجارب , ألا أنها أضطرت للتجاوب مع جدتها لأن الأخيرة كانت تستمد سعادة من عملها هذا.
عادت السيدتان الى الفندق لتناول الغداء , ولفتت سمانتا أنظار رواد المطعم , فألتفتت اللايدي دافنبورت مبتسمة بشيء من التعب:
" لعله من الخير أن يعتبرك الناس أبنة ستة عشرة سنة , ولا أخال باربرا توقعت أن تكوني على هذا القدر من الجمال , أما من حيث مظهرك , فأنك تشبهين باربرا , ألا أنك أطول منها قامة , وعيناك تشبهان عيني جون".
ركزت سمانتا نظرها على سمك السلمون المشوي الموضوع في طبقها وسألت جدتها:
" متى ألتقي أمي؟".
تأملت اللايدي دافنبورت ساعتها:
" أذكر أن باربرا أكدت بأنها ستصل بعد ظهر اليوم , وأنها نادرا ما تنهض قبل وقت الغداء عندما لا تكون مرتبطة بمواعيد عمل ,وهي لا تعمل الآن , بل تستريح بين مسرحيتين أنتهت أولاهما منذ أمد قريب بعد أن عرضت ستة أشهر على مسرح برودواي , وستستمر أجازتها شهرا كاملا قبل أن تشارك في تمارين مسرحية جديدة يفترض أن يبدأ عرضها بعد ستة أسابيع في الطرف الغربي من المدينة.
أطرقت سمانتا وقالت:
" فهمت , ولكن , متى تتوقع أن تبدأ بعرضي أمام الجمهور؟".
" أرجوك يا عزيزتي , ألا تنظري الى الأمر هكذا , أما عن تعارفك على أصدقاء أمك , فلست أدري شيئا , وربما تم مساء الليلة , رغم أنني أشك في ذلك لعلمي بأنها تقيم حفلة كوكتيل ليلة غد قبل العشاء , ولعلك حينئذ تبدأين بأيفاء جزء من دينك".
" لماذا تقيمين وحدك وليس في شقتها عندما تحضرين الى لندن؟".
" الحقيقة يا عزيزتي أن نمط عيش باربرا لا يناسبني , صحيح أنها تنهض من فراشها صباحا , ألا أنها تتأخر في الأيواء اليه ليلا , ونادرا ما تدخل سريرها قبل صياح الديك".
وتساءلت سمانتا , وهي المعتادة على النوم والنهوض باكرا , أذا كان مطلوبا منها مجاراة مواعيد أمها.

نيو فراولة 23-04-11 04:10 PM

وبعد فراغهما من الغداء , صعدنا الى جناح اللايدي دافنبوبرت حيث كانت خادمتها أيميلي قد فضّت كل الملابس التي وصلت من متجر أيلان , لقد عملت أيميلي مع اللايدي دافنبورت منذ ما يزيد على عشرين عاما , وحاولت سمانتا أن تفهم ردة فعل الخادمة على هذا الخداع المتعمد , فالخادمة لا بد أن تعرف سمانتا منذ كانت طفلة , وتعلم بالتالي عمرها الحقيقي , ألا أن أيميلي أحتفظت برأيها لنفسها.
ذهبت اللايدي دافنبورت الى غرفتها لتستريح قرابة ساعة , بينما تركت سمانتا بمفردها , فأشعلت سيكارة , وجلست على الأريكة تقرأ بعض المجلات التي أعطتها أياها أيميلي, وأكتنفها الأضطراب لأنها لم تعرف أن كانت ترغب في حضور أمها أم لا , فقد أشمأزت منها قليلا , ولم تشأ أن يزداد سخطها عليها عند لقائهما , ولذلك آملت أن تكون باربرا قد لانت مع تقدمها في السن , ألا أن ما سمعته من جدتها يؤكد أن أمنيتها لم تكن لتتحقق , وفتح الباب وراء سمانتا , فأستدارت وهي تتوقع أن تشاهد أيميلي , ولكنها عوض عن ذلك لمحت سيدة حسناء ذات شعر أشقر قصير وعينين زرقاوين ترتدي بزة من المخمل القرمزي اللون تلتصق بجسمها وبدت غاية في الغرابة وهي تتكىء على الباب.
منتديات ليلاس
وأدركت سمانتا أن هذه أمها لا محالة , فأنتصبت واقفة بصورة آلية , وبعد أن عرفت سمانتا باربرا معرفة أفضل , فهمت أن والدتها رتبت دخولها عليها بهذه الطريقة , كانت تعرف كم ستبدو جميلة وهي تقف بجانب الباب , لذلك عزمت أن تراها أبنتها في هذه الصورة للمرة الأولى , كان يطوق عنقها عقد برّاق , فيما تلألأت حبات الماس في القرط المعلق من أذنيها , وتكلمت متمهلة:
" أذن , فأنت سمانتا!".
أرتجفت سمانتا , فالموعد قد تم ,وقد أخرسها اللقاء ! تمكنت من النطق بأرتعاش:
" أجل , وأنت.... هل أنت أمي؟".
" أن ذلك واضح".
وأستقامت قامة باربرا التي عبرت الغرفة بعدم أكتراث , وقالت:
" من المؤكد أن أمي صنعت بك العجائب , فأنت تبدين غاية... في الجاذبية".
وأحست سمانتا بالحياة تدب في جسمها من جديد أذ عاودها الأستياء الذي عرفته من قبل , بعد سماعها ملاحظة أمها الساخرة.
ووقفت باربرا على بعد خطوات منها قائلة:
" لا شك أنك تعذرينني أذا لم أقبّلك , أليس كذلك؟ فأنا لست معتادة على تقبيل النساء , كما أننا لم نتعامل طويلا مع بعضنا بحيث تنشأ بيننا صداقة ومودة , ولا يمكن أن يكون شعورنا أتجاه بعضنا مثل أي أم وأبنة أخريين أتجاه بعضهما , وأنني واثقة أن جون مسؤول عن كل الأفكار التي تكوّنت لديك عني".
فعقبت سمانتا ببرودة:
" لقد أخبرني بأنك ميتة".
أبتسمت باربرا أذ لم يزعجها قول أبنتها البتة.
" هل قال ذلك حقا؟ من المؤكد أنه لم يحسب حسابا للأمر , أليس كذلك؟ ألم يخش حدوث الشيء نفسه؟".
فأجابتها سمانتا بحدة:
" لم يكن هناك مثل هذا الخوف أبدا".
أبتسمت باربرا ثانية أبتسامة عريضة:
" صحيح! وأنك لسيدة مجربة تستطيع أصدار الأحكام بسهولة , أليس كذلك؟".
" لا أفهم قصدك , لكنني أعتقد أنك تصرفت بطريقة مشينة".
تلفظت سمانتا بهذه الكلمات قبل أن تستطيع منع نفسها ...
" هل تعتقدين ذلك فعلا , ألم يفتنك أي رجل تتصورين أنه بعيد عن متناول يدك؟".
" كلا".
فقالت باربرا بنبرة طغى عليها الملل:
" طبعا , فمن الصعب أن تجدي رجلا لائقا في قرية تقع آخر العالم ".
ردت سمانتا غاضبة:
" لقد عشنا في قرية جميلة , وكنا سعداء مع بعضنا , ولم أشعر بحاجة الى أي رجل آخر".
" عظيم!".
وأدارت باربرا ظهرها , فتنبهت سمانتا الى ميزة في أمها كانت مألوفة لديها , وبدا من الغريب ألا تكونا قد تقابلتا من قبل , ومع ذلك... فأن فيها ميزة ... وهنا تكلمت باربرا:
" أظن أن والدتي قد شرحت لك الوضع , فهل توافقين؟".
أجابتها سمانتا:
" ذلك واضح , وألا لما كنت هنا , أليس كذلك؟ ألم يكن من المفروض أن أعود من حيث أتيت أن رفضت طلبك؟".
فأطلقت باربرا ضحكة عذبة:
" لا تكرهيني الى هذا الحد يا عزيزتي , فأنا أمك , ولا أريد أن يتصور أحد أننا لا نحب بعضنا".
فتناولت سمانتا سيكارة من العلبة الموضوعة على الطاولة وأشعلتها بتردد , سألتها باربرا وهي تتأملها:
" هل تدخنين كثيرا؟".
" لماذا؟".
" حسنا يا عزيزتي , لن يكون بأمكانك الأكثار من التدخين في العلن".
منتديات ليلاس
تجهمت قسمات سمانتا , وأجابت بفظاظة:
" أنني لا أدخن كثيرا على أية حال , وأفكر جديا بالأنقطاع عن التدخين".
" لا ينبغي لي التدخل في نمط حياتك الآن يا عزيزتي , ولكن فكري بالمال الذي عليك حتى الآن , من الواضح أن والدتي أصطحبتك لشراء بعض الملابس , أليس كذلك؟ فهذه البزّة تبدو من صنع أيلاين".
أطبقت سمانتا شفتيها بتمرد , فلا ريب أن أمها مصيبة , واللايدي دافنبورت تستحق بعض التقدير , لولاها لما وافقت سمانتا على هذا المشروع من البداية.

نيو فراولة 23-04-11 04:12 PM

قالت وهي تحدق في أمها غاضبة:
" هو كذلك".
وأبتسمت باربرا:
" ظننت هذا , والآن , أستريحي يا عزيزتي , فأنا لم أرتكب جريمة كما تعرفين , والأرجح أن جون عرف في وحدته سعادة أعظم مما لو كان معي , فنحن لم نتفق تماما كما لا يمتزج الزيت بالماء".
وتأملت سمانتا في قسوة باربرا التي تعودت الصراحة المطلقة , وأذا كانت باربرا تقتنع بقسوتها , فأنها تمارس فن خداع النفس أيضا , ولعلها فعلت ذلك طوال الوقت , أم لعلها فقدت ضميرها؟ بدا ذلك أقرب الى الواقع وجلست باربرا على كرسي واطيء , ثم خلعت قفازيها قائلة:
" أريد أن تناديني باربرا , وأنا متأكدة أنك ستجدين هذا ملائما لذوقك , فمن الصعوبة بمكان أن تناديني أمي بعد كل هذا الذي حدث , أليس كلك؟".
ردّت سمانتا عليها بشيء من الأحتقار:
" الحقيقة أن ما تقولينه صحيح".
" حسنا , ولكن , ماذا كنت تنادين جون؟".
" جون".
أفتر ثغر باربرا عن أبتسامة :
" يا للمتعة , لا بد أنك من الأولاد القليلين الذين ينادون والديهم بأسمائهم الأولى".
أخذت سمانتا مجّة طويلة من سيكارتها , وأتجهت نحو النافذة , أما باربرا , فتفرست فيها بعينين ضيقتين , خالفت توقعاتها أذ كانت أجمل بكثير مما توقعت , وأضاف طول قامتها ميزة الى مزاياها الكثيرة.
ألا أن باربرا كانت مقتنعة بأن معظم الرجال يفضلون أمرأة صغيرة القد دقيقة الجسم أنيقة المظهر مثلها , أذ لا يمكن لسمانتا أن تكون لعوبا ومرحة .
غير أن شعرها كان مزيجا فتانا من بريق الفضة ولمعان الذهب , وتمنت باربرا لو أن شعرها هي يحتفظ بمظهره هذا من دون اللجوء الى عمليات الصباغ العديدة للتخلص من بعض الشيب.
أما سمانتا , فتساءلت من ناحيتها عن أمكان أستمرارها في تحمّل هذا الشجار المتواصل , ولم تستطع أن تتفهم ألا بصورة جزئية سبب يأس باربرا وحزنها , أذ بدت شابة رغم أنها قاربت الأربعين , ولو رجعت والدتها بمقدمها كما كانت تتوقع , لسرت بتنفيذ مشروعها ... ألا أنها بعد أن عرفت ماضيها , الذي دفع والدها ليقيم في المنفى طوعا , أختلف شعورها كليا , والآن , وبعد أن واجهت هذه المرأة الباردة التي تحسب كل خطوة تخطوها , والتي تعجز عن الأحساس بحنو!ّ الأم , بدا لها العالم مليئا بالعدوان والكراهية , وأدركت أن أحلام طفولتها أنفجرت أمام عينيها في أقل من أربع وعشرين ساعة , تماما كما تتفرقع البالونات وتختفي , وها هي تشعر أنها قد تقدمت في السن وأزدادت نضجا وحذرا.
ولشد ما أرتاحت عندما خرجت السيدة العجوز من غرفتها بعد بضع دقائق , وتوقفت الجدة فجأة بجانب أبنتها وهي تهتف:
" باربرا! أرى أنك حضرت أبكر مما توقعت".
" أجل , لم يكن بوسعي أن أنتظر مدة أطول حتى ألتقي بأبنتي الجذابة".
فأدارت سمانتا ظهرها لأمها.
وعضت اللايدي دافنبورت على شفتها , فيما تفحصتهما معا.
لم يكن الجو المتوتر مرضيا , وخمنت ما قيل حتى تبدو سمانتا حذرة ومكتئبة هكذا , ثم خاطبت أبنتها:
" حسنا , ألا تظنين أن أبنتك جميلة فعلا؟".
" هذا صحيح , والحقيقة أنها فاجأتني من عدة نواح".
وأعلنت سمانتا فجأة :
" أعتقد... أعتقد أنني سأستحم , عسى ألا يزعجك ذلك يا جدتي؟".
أخفت اللايدي دافنبورت أضطرابها فيما ردت قائلة:
" بالطبع كلا يا عزيزتي , أمضي الى عملك".
وأندفعت سمانتا خارجة من الغرفة دون أن تلقي نظرة واحدة وراءها , وتطلعت اللايدي دافنبورت الى أبنتها بعد أن أغلق الباب وراء حفيدتها :
" ماذا قلت حتى أزعجت الفتاة؟".
أطلقت باربرا ضحكتها الرقيقة:
لم نلتق ألا منذ دقائق يا أمي , فماذا يمكن أن أكون قلت لها؟".
فأجابتها السيدة العجوز وهي تلقي نفسها بثقل على الكرسي:
" أستطيع القول من معرفتي بك أن بضع دقائق عندك تساوي الحياة بكاملها".
فعلقت باربرا ببرودة:
" أنك تبالغين كعادتك , والآن , أصدقيني القول , هل أستغرقك أقناعها وقتا طويلا؟".
فعبست اللايدي دافنبورت:
" أجل , لقد تعبت كثيرا في أقناعها , أنها فتاة جذابة , هل ترغبين أنت بالتظاهر أنك فتاة مرة أخرى , وتضيعين على نفسك حياتك وشبابك؟".
أعترفت باربرا ببطء:
" كلا".
وتناولت سيكارة أخرى:
"ألا أنه لا مناص من ذلك الآن".
فأبدت أمها ملاحظة ملؤها المرارة:
" طالما لم يلحق الأذى بباربرا هارييت".
فأبتسمت باربرا لأمها ثانية:
" تعلمين يا حبيبتي أنه لو لحق الأذى بي , فأنه سيلحق بك أيضا في المدى البعيد , والحقيقة أنني فخورة بنفسي , بهذه الطريقة أقتل عصفورين بحجر واحد".
فسألتها أمها بحنق:
" هل ينبغي أن تخاطبيني بالأمثال ؟ على أنني آمل أن تكوني مخطئة , فأنا أخشى كثيرا أذا شاع الخبر.....".
ألقت باربرا بنفسها فوق أحد المقاعد:
" أطمئني فكل شيء سيكون على ما يرام , وأنك سترين".

نيو فراولة 23-04-11 04:13 PM

كانت باربرا قد ذهبت عندما عادت سمانتا الى البهو , فخالجها شعور بالأرتياح لأنها تطمئن الى جدتها, في حين تملؤها باربرا غيظا وشيكا , غير أنه توجب على اللايدي دافنبورت أن تطلعها على بعض المعلومات :
" ستقيم باربرا حفلة كوكتيل غدا مساء , ونحن لن نراها الليلة لأنها مرتبطة... بموعد...".
فسألت سمانتا بجفاء:
" مع ذلك الرجل الذي تورطت معه في علاقة حب؟".
" يمكنك أن تقولي ذلك يا عزيزتي شريطة ألا تكوني قاسية , فنحن سنسهر معا , ولذلك قررت الحصول على بطاقات لحضور مسرحية , ثم نمضي بقية السهرة في المدينة , ألا يروق لك ذلك؟".
تغيرت ملامح سمانتا وصاحت:
" آه , بلى , هذا رائع , أي مسرحية سنحضر؟".
وقر رأيهما أخيرا على مسرحية كانت تعرض منذ شهرين , وتمكنتا من حجز مقعدين أمامين بواسطة نفوذ اللايدي دافنبورت.
منتديات ليلاس
وأرتدت سمانتا أحد أثوابها الجديدة , وهو طويل مصمم على شكل قفطان يسبغ عليها مظهرا من مظاهر القرون الوسطى , وأعارتها اللايدي دافنبورت وشاحا من الفرو تغطي به ذراعيها , ثم أبتسمت لها بحنو قائلة:
" أنك تبدين رائعة يا عزيزتي , آه يا سمانتا! سنقضي وقتا ممتعا معا".
أحمرت وجنتا سمانتا بحياء وعقبت برقة:
" أفعل هذا كله من أجلك , ومن المؤكد أن لأيامنا قيمة كبيرة أذ رسم لقائي بك هدفا جديدا لحياتي".
ووجدت سمانتا نفسها أثناء عرض المسرحية تتذكر باتريك مالوري الذي ألتقته بالأمس , فقد حدثت أمور كثيرة جعلتها تنساه , ألا أنها أسترجعت لطفه أتجاهها .... وتساءلت أذا كان من الممكن أن تلتقيه ثانية , غير أنها أستبعدت حدوث مثل هذا الأمر , لأنها لن تطيل المكوث أذا سارت الأمور حسب ما تريد جدتها , وستنتقل معها الى دافن عما قريب.

ضغطت سمانتا على ذراع جدتها وهمست بلطف:
" كل هذه الأمور جديدة بالنسبة الي , ولا زلت حتى الآن أشعر بصعوبة قبولي لكل ما حدث".
فربتت اللايدي دافنبورت على يدها موافقة:
" علينا أن نعوض كثيرا من الوقت الذي ضاع منا , فهلا تمتعت حقا بما حولك؟".
ردت سمانتا بصدق قبل أن تركز أهتمامها على الممثلين المتحركين فوق خشبة المسرح , وتطرد باتريك مالوري من رأسها:
" الى أقصى الحدود".
وأنهت السيدتان أمسيتهما بتناول العشاء ي مطعم صغير منعزل , ثم قفلتا عائدتين الى الفندق عند منتصف اليل , وبدا الأرهاق على الجدة فأسعفتها سمانتا حتى بلغتا جناحهما حيث قالت اللايدي دافنبورت بتعب:
" أتصور أنني سآخذ قسطا من الراحة في الصباح , فأذا أردت الخروج يا سمانتا قبل أن أنهض , فأفعلي ذلك شريطة ألا تضيعي".
" طبعا يا جدتي , لقد كانت السهرة رائعة , وأنني أشكرك جزيل الشكر".
وآوت سمانتا الى فراشها , ألا أنها لم تنم , بل أصابها الأرق ساعات طويلة أذ أثارت السهرة أفكارها بحيث حرمتها الرقاد , ولم يغمض لها جفن قبل الرابعة صباحا , ولما جلبت أيميلي فطورها عند الساعة التاسعة , أحست وكأنها لم تنم أبدا , فقد أختلط تقييمها للأحداث التي مرت عليها , وغلبها التفكير والخوف من حفلة باربرا وممن سيحضرونها.
وبعد الفطور أستفسرت من أيميلي عن صحة جدتها , ثم أرتدت بزة قصيرة من جلد الغنم وغادرت الفندق ,ولفحها في الشارع هواء بارد فيما هبّت الرياح بقوة , بينما الشمس تحاول أختراق السحاب , وسعدت سمانتا بحريتها , فيما زررت معطفها . وأنطلقت سيرا على الأقدام بأتجاه ساحة ترافلغار.
كان المكان مثيرا , وأمكنها وهي راحلة أن ترى عددا أكبر من المشاهد مما هي في السيارة, ثم وقفت لتراقب النافورات , وتبتسم لتماثيل الأسود قبل أن تستأنف سيرها نحو قنطرة ( الأدميرالية).
أمتدت الرقعة المكسوة بالأعشاب والأشجار أمامها , فيما لاحظت متنزها عن يسارها , فقررت أجتيازه بأتجاه قصر بكنغهام الملكي , ومع أن الوقت كان مبكرا , فأن سمانتا لاحظت زحمة السير , وذكرها هدوء المنتزه بالسكينة التي عرفتها في بيروزيو.
منتديات ليلاس
وسمعت صوتا يناديها وهي في طريقها لتستقل المصعد في الفندق , فحولت وجهها نحو مصدر الصوت , وكان صوت رجل , وهي لا تعرف رجالا في أنكلترا على ما تعلم.
تقدم منها رجل متوسط القامة ممتلىء البنية تقريبا , وكان الشيب قد غزا بعضا من شعره الأشقر , وأفترضت سمانتا أنه يناهز الأربعين , فخاطبته بأرتباك:
" أجل , هل يسعني مساعدتك؟".
" ألست أنت أبنة باربرا هارييت؟".
" صحيح , ولكن , من أنت ؟ ولماذا تكلمني؟".
أبتسم الرجل , وتحولت ملامحه الصلبة رقيقة ولطيفة بعض الشيء:
" أسمي مارتن برايور , وأنا.... أنا أحد أصدقاء والدتك".
" صحيح؟ ولكن , كيف عرفت أنني أبنتها؟".
أجابها الرجل وهو يلاحظ بعينين ثاقبتين دهشة سمانتا:
" أنك تشبهينها كثيرا , هل ترغبين في تناول كأس من الشاي؟".

نيو فراولة 23-04-11 04:18 PM

وعاد الرجل يبتسم بفتور لسمانتا المضطربة , ثم قال:
" حسنا , ولكن , ما رأيك أن نشرب القهوة معا في الردهة الكبيرة سيّما وأن الساعة قاربت الثانية عشرة ظهرا؟ فأنا على يقين أن بأستطاعتي أجراء الترتيبات اللازمة".
فعقبت سمانتا ببرودة:
" أنا واثقة من قدرتك , على أنني لست بحاجة الى أي مرطبات الآن , فشكرا لك... وأرجو أن تعذرني".
" أنتظري لحظة , لقد أنتظرت ما يزيد على نصف ساعة حتى أراك".
فعبست سمانتا:
" صحيح؟ وهل أتصلت بجدتي لتعلمها بوجودك هنا؟".
" الحقيقة , كلا , فحين وصلت طلبت التحدث اليك , وعلمت أنك غادرت الفندق , فقررت أنتظارك".
رمته سمانتا بنظرة متشككة:
" من المؤكد أنك تستطيع أن تقول لي أي شيء هنا في هذه الردهة ".
" حسنا , حسنا , دعينا نجلس".
ولما جلسا , قال لها:
" أحسب أن من واجبي أن أخبرك بأنني مراسل صحفي".
تقلصت عضلات سمانتا وهي تصيح:
" هذا من واجبك فعلا".
" لا تغضبي مني يا عزيزتي , فأنا لا أريد منك ألا حديثا تتناولين فيه المدة التي قضيتها في أيطاليا , ومدى معرفتك بوالدتك..".
وأنتصبت سمانتا واقفة وقد تملكها الغضب , ثم خاطبته بجفاء:
" لا أنوي التحدث عن شؤوني الخاصة معك أو مع أي شخص آخر , والآن , أرجو أن تعذرني فلدي كثير من الأعمال".
وأبتعدت سمانتا بينما بقي مارتن برايور يراقبها من مقعده , أذن , هذه أبنة باربرا البالغة من العمر سبع عشرة سنة , أم هل قالت باربرا أنها في السادسة عشرة؟ على أي حال , أنها مراهقة رابطة الجأش ,وقف مبتسما ثم أتجه نحو الباب حيث حيّاه الخادم.
ووصلت سمانتا الى جناح جدتها , وعندما فتحت الباب , وجدت اللايدي دافنبورت جالسة الى المكتب تخط رسالة , فهتفت سمانتا:
" جدتي! هل تعرفين رجلا يدعى مارتن برايور؟".
أستدارت اللايدي دافنبورت نحوها وقد بان الأضطراب على وجهها:
" أجل , أعرفه يا أبنتي , لماذا تسألين عنه؟".
" لأنه كمن لي في الردهة المقابلة لمكتب الأستعلامات وبدأ يوجه اليّ أسئلة عني وعن باربرا".
فأبتسمت اللايدي دافنبورت بتعب:
" لا شك أن مارتن برايور معتدا بنفسه لأنه من أشد الرجال نفوذا في شارع الصحافة , وهو يكتب عمود الأشعات والفضائح عن المشاهير في جريدة الأمباسادور , وركنه محة لكل من يرغب أن يشهّر أسمه بين العامة , والجميع يقرأونه دون أستثناء".
وعادت تركز على المكتب بحيث لا يمكن لسمانتا أن ترى وجها , ثم أضافت:
" وركنه يسلط الأضواء على أكبر فضيحة في عالم السينما أو المسرح".
" فهمت , أظنه أحد الذين يستطيعون كشف فضيحة باربرا بالقول أن أبنتها المراهقة تبلغ الحادية والعشرين من العمر".
فحانت ألتفاتة *****ة من اللايدي دافنبورت نحو حفيدتها:
" هذا صحيح , لكنك أحسنت صنعا عندما ألتقيته , وأرجو ألا تقولي شيئا ألا بعد تلقينك أياه مسبقا , فبالأمكان تشويه تصريحات تدلين بها الى الصحافة , ويساء أستغلالها ضد قائلها".
" صحيح يا جدتي , لقد فهمت , ولكن , ألم تتناولي الغداء حتى الآن؟".
" كلا , سنتناوله هنا , فهلا طلبت يا عزيزتي من أيميلي أن تحضره".
أطرقت سمانتا بينما أبتسمت اللايدي دافنبورت وسألتها:
" هل أنت متلهفة لحفلة الليلة؟".
" ليس بالضبط لأنها تخيفني".

" هراء ,تذكري أن الناس يريدون مقابلتك مهما كان شعورك وذلك لأبنك أبنة باربرا هارييت".
وتصنعت سمانتا الأبتسام وهي ترد على جدتها:
"أعلم ذلك , وهذا ما يزعجني , ولكن , في أي حال , سينتهي الأمر سريعا".
وأتخذت الترتيبات حتى يوصل بارنز الى شقة أمها قرابة الخامسة والنصف مساء , لأن باربرا رغبت أن تصل أبنتها قبل الحفلة التي تبدأ عند السادسة حتى تريها شقتها وتعطيها بعض التعليمات , وأحست سمانتا أنها أشبه بخادمة أستؤجرت الليلة لأداء دور أبنة باربرا , ولذلك عليها أن تلقّن الدور سلفا.
وأظهر بارنز أسترخاء معها فتحادثا بمودة وهما في الطريق الى شقة باربرا الكائنة في شارع بلغرايف , مما خفف من توتر سمانتا.
وتركها بارنز في مدخل البناية بعد أن أوصاها بأستعمال المصعد الى الطابق الثالث حتى تبلغ الشقة رقم ثلاثة وثلاثين , ثم أضاف:
" ستكون الآنسة هارييت في أنتظارك , وأتمنى لك حظا سعيدا".
ردّت عليه سمانتا مبتسمة:
" أشكرك , وأنني بحاجة لدعمك".
وأجتازت الممر المفروش بالسجاد ببطء فيما نظرت الى الأرقام الملونة المدونة على الأبواب , واحد وثلاثون , أثنان وثلاثون , ثلاثة وثلاثون , لقد وصلت!
وقرعت الباب قرعا خفيفا قبل أن تكتشف وجود الجرس , فضغطت الزر وفتحت لها خادمة ترتدي بزّة رسمية , حيّتها سمانتا بأرتباك وهي تأسف لهذه البداية المزعجة :
" أنني آسفة , أليست هذه شقة الآنسة هارييت؟".
أجابت الخادمة بأعتداد وثقة:
" صحيح , لا ريب أنك الآنسة كنغزلي".
" أجل , وأن والدتي بأنتظاري كما أظن".
" أعلم ذلك , تفضلي بالدخول".

نيو فراولة 23-04-11 04:19 PM

خطت سمانتا على سجادة فاحمة السواد أخذت تتأملها بأندهاش قبل أن تضطر لتحويل عينيها عنها أذ دعتها الخادمة الى دخول الغرفة , وكانت الحجرة مثل أعلان مصور لقطعالأثاث الحديثة.
منتديات ليلاس
وأحست سمانتا كأنها وقفت صدفة عند واجهة معرض لقطع الأثاث أذ خلت الحجرة من الحضور الأنساني , ولمحت في الطرف المقابل للنافذة الضخمة بابا ينفتح على الشرفة , فأنشدت بأتجاهه بعد أن ذهبت الخادمة لأعلام والدتها بوصولها , وفتحت الباب , فخرجت منه الى شرفة واسعة تطل على ساحة بلغرايف , وأخذت تتنشق الهواء المنعش الى أن أجفلها صوت أمها:
" هل تستمتعين بالمناظر؟".
أستدارت سمانتا لترى باربرا واقفة في الباب وقد أرتدت ثوبا أسود من الحرير السميك خصص لحفلات الكوكتيل وألتصق بكل مفصل من جسمها الصغير , وتأملت سمانتا أمها التي بدت آية في الحسن , كيف يمكنها أن تكون شريرة الى هذا الحد ؟ وأجابتها أخيرا:
" أجل , أحسب أنني أول الواصلين".
" أجل , تعالي الآن الى غرفة نومي حيث تخلعين معطفك وتقوم كلايد على تسريح شعرك لأن الهواء قد عبث به قليلا".
" كلايد؟ هل هي المرأة التي فتحت لي الباب؟".
" أجل , هل أزعجتك بشيء؟".
" قليلا".
أبتسمت باربرا وأجابتها:
" عندما تتعرفين الى كلايد , تكتشفين فيها أمرأة ممتازة".
كانت غرفة باربرا واحة تريح النظر بالمقارنة مع صحراء ردهة الأستقبال , فالسجادة قرنفلية اللون , والستائر المقضبة وردية , أما غطاء السرير , فله لون القشدة والورد , وشعرت سمانتا أن هذه الغرفة لا تشبه معرضا للأثاث كالردهة.
سرحت كلايد شعر سمانتا , فيما رشت عليه سائلا يثبت الشعر , أما باربرا , فأطرت أختيارها لملابسها :
" أرى أنك أخترت أنسب الملابس لحفلة من هذا النوع".
ولما خرجت كلايد , قالت باربرا لأبنتها:
"سنبقى هنا في غرفتي حتى نخرج معا بحيث يظن الجميع أننا كنا نتبادل الأسرار النسائية".
وبينما تحادثت سمانتا وباربرا في غرفة الأخيرة , عملت كلايد على ترتيب أطباق الكوكتيل , ووضع الصواني , وعندما قرع الجرس معلنا قدوم الضيوف الأوائل , كان كل شيء قد رتّب , وكان أول الواصلين تشارلز باريت , وكيل أعمال باربرا , وزوجته الشابة أنابيل , وتحدثت أنابيل برقة وجاذبية الى سمانتا فحدثتها عن حياتها المنعزلة في أيطاليا وعن مدى أستمتاعها بلندن.

وكان على سمانتا أن تدّعي أنها نشأت في أيطاليا على يد مربية متقدمة في السن , وتلقت دروسها في أحد الأديرة , وهذا بحد ذاته صحيح , كما توجب عليها أن تقول أنها دخلت المجتمع بناء على أقتراحها هي وبعد أقناعها لوالدتها التي أصرت على ضرورة أكمال تعليمها وعودتها الى لندن .
حضر الحفلة عدد من الأزواج والزوجات المرتبطين بالمسرح , وبعد أن تعرفت سمانتا على بعضهم , لم تعد تتذكر الأسماء , ووصل شابان في الثامنة عشرة من عمرهما بعد نصف ساعة من بداية الحفلة , فأحضرتهما باربرا الى أبنتها فورا قائلة:
" سمانتا , أريد أن أعرّفك بأثنين من أصدقائي , كين مايدسون وآندرو فرايزر".
منتديات ليلاس
أبتسمت سمانتا للشابين وصافحتهما , ثم وصل شخص آخر , فأعتذرت باربرا وذهبت لتحيي الزائر الجديد.
كان آندرو فرايزر أكثر جاذبية من صديقه, وقد أنفرد بسمانتا أذ أنشغل كين ماديسون بالتحدث الى وكيل أعمال باربرا , جلس آندرو مع سمانتا على أريكة واطئة وقال:
" أما الآن , فحدثيني عن نفسك".
" الحقيقة أن حياتي خالية من الأحداث المثيرة , فحدثني أنت عن نفسك , ماذا تعمل؟".
أسند آندرو رأسه على ظهر الأريكة الجلدي:
" الحقيقة أنني وكين نقوم بعمل مشترك , ولو لم تعيشي طوال هذه المدة في أيطاليا , لسارعت الى القول بأنك كنت ستسمعين بنا , فنحن نطلق أسم كينأندروز على فرقتنا , هل فهمت؟".
" أجل , هذا عظيم , هل تغنيان معا؟".
قهقه آندرو:
" أجل , بصحبة القيثارة , وهذه هي البدعة الرائجة في هذه البلاد الآن , أم لعلك لم تسمعي بها؟".
" آه , بلى! فأنا أعلم أن هناك عددا كبيرا من الشبان في .... فرق غنائية , أليس هذا صحيحا؟".
" بلى , فنحن ثنائي يعمل معنا طبال يدعى ريكي لاندور , غير أنه بطيء....".
" بطيء".
" أنه... ليس.... ليس سريع البديهة ".
أستمتعت سمانتا بحديث رفيقها الشاب فسألته:
" ألا يطيل أعضاء هذه الفرق شعورهم ؟ صحيح أن شعرك ... طويل نوعا ما , ألا أنه ليس بطول شعور بعض المغنين الذين رأيت صورهم في المجلات , والصحف منذ حضرت الى أنكلترا".
فردّ بشيء من الغم:
" الحقيقة أن أمي لا تطيق أن ترى شعري طويلا".
وتحدثا برهة عن مواضيع مختلفة , وكررت سمانتا قصتها فيما راقبت والدتها من طرف عينيها , فبدت لها محبوبة وشعبية , الأمر الذي دفعها للتساؤل عما أذا كان هؤلاء الناس يحبونها لذاتها , أم لأنها ممثلة شهيرة وذات نفوذ واسع.

نيو فراولة 23-04-11 04:20 PM

وترددت باربرا على أبنتها بين الحين والآخر , فشبهت سمانتا سلوكها بالسلوك المفروض على الوضي الأمين , وأرضاها عثور سمانتا على شخص يسليها بحيث لم تعد بحاجة الى أنتباه والدتها المستمر.
وأمتلأت الغرفة بالمحتفلين , فتساءلت سمانتا أذا كانت أمها ستعرّفها على الرجل الذي قالت جدتها أنه أصبح جزءا مهما من حياة باربرا , وقدمت باربرا العديد من الرجال العزبين الى سمانتا , غير أنها ساوت بينهم في الأهمية.
وقرع جرس الباب مجددا , فأتجهت باربرا نحوه لتفتحه , وتطلعت سمانتا بتكاسل وهي تتوقع أن ترى زوجين حضرا الى الحفلة وقد تأخرا كثيرا , وأمكنها أن تسمع حديث والدتها الحيوي , ورأت الزائر يقف ويخلع معطفه وقد أدار ظهره لأمها , تغيرت هيئة باربرا كليا , وأزدادت حيويتها ورقتها , وأنكشف وجه الرجل , فأمتقع وجه سمانتا , وتجهم محيا آندرو اذي كان يسدد اليها نظرة ويحادثها عن آخر الصرعات في عالم الرقص.
وسألها بقلق:
" هل هناك ما يزعجك ؟ أن وجهك شاحب".
هزت سمانتا رأسها :
" أذا كان يهمك أن تعرفي الزائر الجديد , علي أن أعلمك أنه خالي".
أجبرت سمانتا نفسها على الأحتفاظ بهدوئها:
" هل هو خالك حقا؟ من..... من هو؟".
" يا ألهي , من الواضح أنك فقدت كل أتصال بأنكلترا , أنه باتريك مالوري الكاتب المسرحي الشهير , وهو الذي يكتب المسرحية الجديدة التي ستقوم أمك فيها بدور البطولة".
" أذن , فهو يكتب مسرحيات !".
وبلعت سمانتا ريقها بصعوبة , فيما قال آندرو:
" هل ترغبين في لقائه ؟ يخيل اليّ أن باربرا ستحضره الى هنا , فهما قريبان جدا من بعضهما".
وتنبهت سمانتا الى حماقتها , ألا أن لسانها أنعقد في هذه الأثناء , وأنشدت عيناها الى باتريك بصورة آلية وقد أبتسم أبتسامته الهادئة فيما يتحدث بسهولة وهدوء الى أمها وعدد قليل من الضيوف الذين تحلقوا حولهما , وخيل لسمانتا أنه رائع ببزته الرمادية الداكنة , وشعره الأسود المسرّح بدقة لا تضاهى , وبشرته السمراء التي تلفت الأنظار.
هل يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي تريد أمخا أن تتزوجه؟ كلا, بالطبع , لكنها وثقت أنه هو , من المؤكد أن باربرا تتصرف على هذا النحو أتجاه أي شخص آخر , ولم يخرج سلوكها عن أطار الشخصية التي رسمتها لها أبنتها , أنها الآن جذابة وفنانة بأنوثتها البالغة , وقد زالت عنها البرودة , تحولت الى أمرأة شابة مغرية تسعى بكل جهدها الى أسر رجل وسيم وأستعباده.
ثم بدأت سمانتا تقيّم موقفها الشخصي على ضوء هذه الخواطر , فمن المفروض أنها أبنة ستة عشر عاما , وستقدم الى باتريك على أنها أبنة باربرا المراهقة , وعاودها أنقباضها وتكتّمها السابقان ,لو أن باربرا قبلت بها كمل هي!
ولكن , لماذا تهتم بمسألة عمرها . فلم يكن عمرها , لن يتكرم عليها أحد بأكثر من نظرة طالما بقيت باربرا بجوارها , وباربرا مصممة على البقاء بجوارها , وهي لا تشك في ذلك لأن صفات التملك والسيطرة بارزة في كل ملمح من ملامح والدتها وهي تمسك ذراع باتريك مالوري بوقاحة .
ورشفت بعض عصير الأناناس فيما حاولت تكييف نفسها ثانية مع آندرو الذي أستأنف حديثه , صحيح أنها ظلت في حالة ذهول , ألا أن الصدمة الأولى قد ولّت , وسألت آندرو وهي عاجزة عن تحمل المشكلة بمفردها:
" أخبرني , كم هو عمر خالك ؟ أخاله لا يزال عازبا".
" أجل , أنه ما زال عازبا , وهو يناهز السابعة والثلاثين من العمر على ما أظن , ولكن , لماذا تريدين أن تعرفي؟".
وقهقه , ثم أضاف:
" هل تجدينه جذابا؟ أن معظم النساء يشاطرنك شعورك , ولكن , ربما لا زلت صغيرة , ولعلك لم تبلغي هذه المرحلة من العمر".
تصنّعت سمانتا الأبتسام وهي تجيبه:
" لا أوافقك على رأيك لأنني أعتبره جذابا للغاية".
أزدادت تكشيرة آندرو أتساعا:
" وماذا عني؟ هل تعتقدين أن بأمكانك تحمّلي طول السهرة , في الخارج وبمفردك طبعا؟".
" أظن ذلك , ولكن , هل أعتبر كلامك دعوة؟".
" بكل تأكيد , وما عليك ألا تحديد اليوم".
ثم ضحكا , وخطر لسمانتا خاطر جعلها تعرف لماذا لم تدهشها والدتها خلال لقائهما الأول , أنها هي المرأة التي أستقبلت باتريك مالوري يوم وصولهما من مطار ميلانو!
وآلمتها فكرة ذهاب أمها الى المطار لأستقبال باتريك مالوري , وهي على الأرجح تعلم أنهما سيصلان معا ومع ذلك لم تبذل أي جهد لتحديد مكان أبنتها , لله ما أقسى قلبها!
وبلعت سمانتا ريقها بصعوبة مرة أخرى , عليها أن تحافظ على هدوئها مهما بلغ الثمن.
ولم تدهش لكون باتريك مالوري أحد المشاهير , فهذه الحقيقة توضح سبب تملّق المضيفة له , ولكن أفظع ما في الأمر هو معرفة باربرا الجيدة به, ولا شك أنه السبب في عدم مشاهدة سمانتا لأمها ألا قليلا منذ وصولها الى لندن , ولا بد أن يكونا قد أمضيا الساعات الطوال مع بعضهما.

أموووله 24-04-11 01:28 AM

الروايه رائعه ارجوا ان تكمليها....

نيو فراولة 24-04-11 11:28 AM

وكادت سمانتا تقفز عندما سمعت صوت أمها يرن في أذنيها:
" أود أن أعرّفك يا حبيبتي بصديق عزيز جدا".
أنتصبت سمانتا واقفة فتصورت أنها طغت على باربرا وقدها الصغير , لكنها لم تشعر بالنقص لأن باتريك مالوري كان أطول منها بكثير , فحدقت فيه بتمعن , وعكست عيناه أستغرابا وأنشداها لحظة قبل أن تتناول باربرا طرف الحديث:
" عزيزي باتريك , هذه هي سمانتا , سمانتا الصغيرة كما أدعوها , لكنها ليست صغيرة أبدا كما ترى".
زادت كلمات باربرا أبنتها حمرة وأرتباكا , أما باتريك مالوري , فأسترد هدوءه وأجاب:
" أنها آية في الحسن يا باربرا , وأرى أنك دفنت درّتط طوال هذه السنين".
لم تتوقع باربرا صدور مثل هذا التعليق عن باتريك , ألا أنها أستطردت:
" كم كانت بهجت عظيمة بأسترجاعها".
" أنا واثق من ذلك".
أطبقت سمانتا أصابعها على كوب العصير لأن سخريته كانت واضحة . وتيقنت أن باربرا تحس بها أيضا , غير أن الأخيرة لم تظهر أنزعاجها حين أضافت:
" هل يعتني آندرو بك جيدا يا حبيبتي؟".
فأبتسم آندرو:
" بكل تأكيد".
منتديات ليلاس
أبتسم باتريك مالوري لأبن شقيقته أبتسامة دافئة أقنعت سمانتا أنهما صديقان حميمان ,ولما تمكنت سمانتا من النطق آخر الأمر , قالت لأمها:
" أنني أستمتع بصحبة آندرو , لقد سمعت يا سيد مالوري أنك كاتب مسرحيات".
بلّل باتريك شفتيه بلسانه قبل أن يرد:
" أجل , وأنت , ماذا ... ماذا تعملين؟".
عقبت باربرا بجذل:
" لا شيء طبعا , ولا يجب يا عزيزي أن تبالغ في مزاحك مع سمانتا لأنها ستقيم مع والدتي في دافن , أليس ذلك ممتعا؟".
هز باتريك كتفيه العريضتين قائلا:
" أذا كانت سمانتا أبنتك يا باربرا , فأنني أتصورها تفضل حياة المرح والأضواء على حياة الخمول والركود في الريف".
أطبقت باربرا شفتيها , وأحست سمانتا أن صبر أمها بدأ ينفذ بينما أوضحت:
" لا تنسى يا عزيزي أن سمانتا لا تزال مراهقة".
هنا , رد آندرو عليها بقوله:
" لم يعد المراهقون من عداد الأولاد هذه الأيام , فأنا في الثامنة عشرة من عمري كنت أتمتع بحق الأقتراع".
أستدقت شفتا باربرا وهي تجيب بترو مصطنع:
" أرى أنكما تقرران مستقبل سمانتا بدلا عنها , والأفضل أن نسألها أين تريد أن تقيم".
ألقى باتريك نظرة بأتجاه سمانتا.
" فعلا , ما رأيك يا سامنتا؟ هل تروق لك الحياة الهادئة الرتيبة؟".
ترددت سمانتا برهة وقد فطنت الى نظرة باربرا الشرسة المصوبة نحوها :
" أنا.... الحقيقة.... لم أزر دافن أبدا... منذ سنوات عديدة على الأقل".
ثم أسرعت لتضيف:
" وجدتي تقول أن لديها خيولا أتدرّب على ركوبها .... وهناك الريف أستكشفه...".
ألتمعت السخرية في عيني باتريك:
" ولكن , هل ستعجبك الحياة هناك؟".
فصلحت باربرا وقد خانها صبرها:
" طبعا ستعجبها , هيا يا باتريك , فأنني أريد أن أقدّمك الى أناس كثيرين....".
منتديات ليلاس
سمح باتريك لباربرا بأبعاده عن أبنتها , غير أن مانتا رأت أفكاره تنعكس في نظرته المرتبكة , لو لم تلتق به في الطائرة , كم كانت الأمور ستكون أقل تعقيدا , من المؤكد أن باربرا لن تسر أذا علمت بالأمر , فكيف يسعها أن تفسر لباتريك سبب أستقبالها له في المطار , وهو القادم مع أبنتها في طائرة واحدة , دون أن تكلف نفسها عناء التحدث الى فلذة كبدها ؟
وهناك قضية مقتل والد سمانتا مؤخرا , فكيف يوّفق باتريك بين هذه الحقيقة وبين أدعاء باربرا أن زوجها توفي منذ زمن بعيد؟
ويتحدثون عن خيوط العنكبوت ! هنا مأزق أدهى وأخطر.
لم يستطع آندرو أن يفهم سبب أنفعال سمانتا , كانت تحدق في كوبها دون أنقطاع , ولم تعره كبير أهتمام , لكنها قالت في نهاية المطاف :
" أرجو المعذرة , فهذه وقاحة مني , أرجوك أن تتابع حديثك".
وتحدثا بعض الوقت قبل أن يخرجا الى الشرفة , حيث لم يجرؤ أحد على الذهاب رغم أن أبواب الردهة كانت مفتوحة , ألا أن سمانتا وجدت الهواء البارد منعشا بالنسبة الى حرارة الغرفة وجوّها الخانق , وظلت تتساءل كيف يمكنها أن تخبر باربرا بأنها تحدثت الى باتريك مالوري قبل اليوم , لقد تصرف كلاهما وكأنهما غريبان عن بعضهما , وهذه غلطة باتريك بقدر ما هي غلطتها , فقد كان بأمكانه القول أنهما ألتقيا في الطائرة , ولكن , لماذا لم يفعل؟
وأتكأ آندرو على درابزين الشرفة , ثم قال:
" الجو حسن الليلة , فماذا تنوين أن تفعلي بعد أنتهاء الحفلة؟".
ردت سمانتا بصراحة:
" لم أفكر حتى الآن , هل لديك أي أقتراح؟".

نيو فراولة 24-04-11 11:30 AM

بدت لها فكرة الأبتعاد عن كل هؤلاء الناس فكرة حسنة .
" لا عمل لدينا أنا وكين الليلة , فما رأيك أن نقضي السهرة معا؟".
أوضحت سمانتا بتمهّل :
" عليّ أن أطلب أذنا من والدتي أولا , كما ينبغي أن أستشير جدتي".
فعبس آندرو:
" ألا تعتبرين صحبتي أكثر أمتاعا من صحة جدتك ؟وجدت الحل , فأنا أعرف ناديا للرقص يقدم موسيقى حديثة , هل تجيدين الرقص؟".
رددت سمانتا ضاحكة:
" كلا , ولكنني سأتعلّم , وأخالك ستكون معلما ناجحا".
عندئذ سألها بصوت متمهل:
" وماذا سيعلّمك؟".
أستدارت سمانتا لترى مالوري يستند الى أطار الباب الواسع وهو ينظر اليها نظرة متهكمة , فرمت آندرو بنظرة وهي تقول:
" سنخرج الليلة ... سويا , وسيعلمني آندرو كل الرقصات الجديدة ".
أنتصبت قامة باتريك وهو يسألها:
" هل سيفعل؟ ظننتك سترحبين بتناول العشاء معي ومع والدتك , فلا بد أن نعرف بعضنا بشكل أفضل, ألا تعتقدين ذلك؟".
أحست سمانتا بالدم الحار يتصاعد الى خديها , ولم ترغب بأن تقضي الأمسية معه لأن الأخطار المحيطة بها ستكون أكثر مما تطيق , كما أنها لم تكن ترغب في أن تقدم له أعترافاتها ,ولشد ما أرتاحت أذ قال أندرو قبل أن تتمكن من الرد.
" ماذا ؟ هل تريدها أن تقضي الأمسية وهي تؤدي دور الدخيل ؟ لن يحصل ذلك يا باتريك فهي ستخرج معي , وفي أي حال , ألا تجد شيئا أكثر أثارة تسلّي به نفسك؟".
أضطرب باتريك , وأبتسم أبتسامة غاضبة بعض الشيء :
" هل قاطعت حديثكم ؟ فأنتم جميعا تبدون كأنكم تتآمرون؟".
نظر آندرو الى خاله بأضطراب , فقال باتريك:
" الحقيقة أنني أقترحت على سمانتا تناول العشاء معنا الليلة , ألا أن آندرو عرض أفكارا أخرى".
لم تستطع باربرا أخفاء أنزعاجها , بل صاحت:
" أنني أشاطره رأيه لأن من الواجب أن تقيم سمانتا صداقاتها الخاصة , وهي كبيرة الى حد لا يسمح لها بالحضور معنا".
أبدى باتريك ملاحظة ساخرة:
" لعلها تستمتع بصحبتنا , ومن يسمعك يا باربرا تطردين أبنتك وتنفينها الى دافن فور وصولها الى لندن , ويرى أنك لا تسمحين لها بمشاركتنا العشاء يحسب أنك لم ترغبي في وجودها أصلا".
فأحمرت باربرا خجلا وأرتباكا , وأدار آندرو وجهه ليخفي أستمتاعه بالشجار , فباتريك هو الرجل الوحيد بين الكثيرين ممن عرفتهم باربرا يستطيع أن يعاملها على هذا النحو , وقد عانت للمرة الأولى تجربة تسليط الأضواء على شخص آخر يقف الى جانبها.
أنتهت حفلة الكوكتيل بعد السابعة قليلا , ولما كان باتريك مالوري قد غادر الغرفة قبل نصف ساعة , سرّت سمانتا بذلك لأنها أستطاعت أن ترافق آندرو الى السهرة كما أقترح , وعندما أبلغت أمها بذهابها , أفهمتها عينا باربرا الغائرتان أنها في حالة حزن وغضب , وتأكدت سمانتا أنها لو بقيت مع والدتها لوحدها , لصبت عليها جام غضبها الذي كانت تحاول أخفاءه ولم ير الغضب في عيني باربرا أحد سواها.
أصطحب آندرو سمانتا الى ناد في تشلسي تملؤه موسيقى صاخبة , فرقة من قارعي الطبول تعزف لحنا تلو الآخر , فيما أعضاء النادي الشباب ينتقلون من رقصة الى أخرى بشكل جنوني , ورأت سمانتا في ذلك شيئا جديدا مذهلا , ولم تصدق أن عليها النهوض للمشاركة في هذا النمط من الرقص.
ولما تعرّف الموجودون الى آندرو , ألقوا قيثارة بين يديه ,وطلبوا اليه أن يغني , فدهشت سمانتا , ألا أن دهشتها سرعان ما تددت لتنقلب حماسة وفرحا حين بدأ يغني الأغاني الشغبية التي شهّرها هو وكين مايدسون , ولما عادا الى طاولتهما , أمسكت بيده بقوة وهتفت:
" كنت عظيما ورائعا".
فتمتم آندرو قائلا:
" هيا نرقص , ولنرقص معا هذه المرة , هل أنت موافقة؟".
" أجل".
ورقصا معا بفرح , ووجدت نفسها تفكر كما تفكر أبنة ست عشرة سنة .
وسرّها تحوّلها السريع من حال الى حال , فقد رغبت منذ ساعات قليلة وبصحبة باتريك مالوري أن تكون أحدى النساء اللواتي يعجب بهن مثل أمها , في حين تحولت الآن مع آندرو الى مراهقة.

نيو فراولة 24-04-11 11:33 AM

وعندما تذكرت باتريك مالوري , تبخّرت قناعتها التي أحست بها حديثا , ولم تقدر أن تتخلص من تأثيره المغناطيسي عليها بالرغم من كل محاولاتها , صحيح أن آندرو لطيف ومرح وخبير بالفتيات , على ما يبدو , ألا أن باتريك كان شيئا آخر , فهو مجرّب أيضا , وتوحي تعابيره الحزينة أحيانا بأن تحاربه لم تكن مرضية دائما , وقد شعرت سمانتا بأنوثتها الفعلية في حضوره.
" بماذا تفكرين ؟".
أجابت متنهدة :
" لا شيء , أن باتريك مالوري رجل جذاب للغاية , أليس كذلك؟".
سدد اليها آندرو نظرة أستغراب:
" يا ألهي! أنه يكبرك كثيرا من حيث السن".
" أعرف , أعرف , لقد حاولت أن أكون موضوعية في تقييمي".
فتساءل آندرو متشككا:
" هل حاولت حقا؟".
" هل أنت الأبن الوحيد للأبويك؟".
هتف متعجبا :
" أنا ! كلا , فأن لي شقيقين وثلاث شقيقات ".
" هل أنت أكبرهم سنا؟".
" أجل , أن جدتنا لأمي أيطالية".
" هذا يفسر سبب سمرة خالك".
" صحيح , فهو يشبه أمه في حين تشبه أمي والدها المنحدر من أصل أيرلندي , أنه لميراث معقد , أليس كذلك؟".
قهقهت سمانتا , لقد قضت سهرة ممتعة رغم ما شابها من تعقيدات , على أنها كانت متعبة الى حد بعيد عندما وصلت الى الفندق , ولشد ما دهشت أذ وجدت جدتها لا تزال ساهرة بأنتظارها.
وسألتها الجدة:
" هل قضيت وقتا ممتعا يا عزيزتي ؟ أنك تبدين مشرقة ,ولا بد أنك أستمتعت بسهرتك".
هتفت سمانتا مؤكدة:
" لقد فعلت , لكنها كانت سهرة متعبة".
وبدا الفضول على وجه سمانتا وهي تسأل:
" ولكن , لماذا ما زلت ساهرة ؟ أو لست متعبة؟".
عضت اللايدي دافنبورت على شفتها:
" أريد أن أحدثك في أمر مهم , لقد ..... لقد حضرت باربرا الى هنا هذا المساء وهي في حالة غضب شديد".
منتديات ليلاس
توقفت سمانتا عن عملها لتسأل:
" لماذا حضرت؟".
" يبدو أنها كانت غاضبة لأن حبيبها ..... الحالي ... قد خيّب آمالها , هل تعرفينه؟".
" ألتقيته هذا المساء , ألم تخبرك بذلك؟".
" الحقيقة أنها فعلت , فهل قلت شيئا يثير غضبها يا عزيزتي ؟ لقد كانت في حالة هستيريا , وقالت أنك جعلتها تبدو مغفلة".
أتسعت عينا سمانتا:
" يا للسماء! أنها هي التي جعلت نفسها تبدو مغفلة , أليس لها شيء من الكبرياء؟".
أجابتها اللايدي دافنبورت :
" أن عثورها على رجل لا ينقاد لها بسهولة تجربة جديدة عليها , ويبدو أن باتريك مالوري يلعب لعبته ببرودة بالغة".
فتمتمت سمانتا وهي تشعر بأرتياح عارم بالرغم من كلمات جدتها القلقة:
" هذا صحيح".
" حسنا يا سمانتا , على أية حال , أحرصي في تصرفاتك أمام أمك لأنني لا أريد أن يلحق بك أي أذى , باربرا شرسة للغاية عندما تغضب".
صاحت الحفيدة الشابة:
" لكنني لا أرى أنني أرتكبت غلطة , قضيت السهرة مع آندرو فرايزر أبن شقيقة باتريك مالوري , فما الخطأ في ذلك؟".
" لا شيء , لقد فهمت أن حفلة الكوكتيل هي السبب وراء كل هذا الأضطراب , ويبدو أن أمك تعتقد أنك كنت تسخرين منها , فهل فعلت؟".
تنهدت سمانتا:
" كلا , يا جدتي! لو رأيت كيف حاولت أن تمتلك هذا الرجل".
وأن أختار باتريك قضاء سهرته في مكان آخر , فالذنب في ذلك ذنبها , لقد حاولت السيطرة عليه وأستعباده , ولا أظن أن بمقدور أي أمرأة أن تتسلط على باتريك مالوري".
" هذا واضح , حسنا يا سمانتأ".

منتديات ليلاس

وترددت سمانتا برهة , هل تخبر جدتها بلقائها مع باتريك مالوري في الطائرة ؟ لم تستطع أن تجد الكلمات المناسبة للتحدث عن هذا الأمر , فهي متعبة للغاية هذه الليلة , أرهقها ما أحاط بها من مكر وخداع وكراهية , وأخيرا , سألت جدتها بهدوء:
" هل يزعجك أن آوي الى فراشي الآن؟".
أبتسمت اللايدي دافنبورت لها وهي تربت على رأسها:
" كلا يا عزيزتي , وأنني آسفة على أفساد سهرتك بهذا الحوار".
فقالت سمانتا برقة وهي تنحني لتقبيل وجنة جدتها:
" لم تفعلي ذلك , والآن , تصبحين على خير يا حبيبتي , لا تضطربي , فأنا أتصور أنني كبرت كثيرا منذ لقائنا الأول ,وأنني لعلى ثقة أن كل شيء سيكون على ما يرام".

نيو فراولة 24-04-11 11:35 AM

4 - الجميع يريدونها...


غادرت اللايدي دافنبورت الفندق باكرا في صباح اليوم التالي , بعد أن أبلغت سمانتا أنها ذاهبة الى محاميها تاركة لحفيدتها الحرية في ترتيب شؤونها الخاصة , وشعرت سمانتا أن باربرا لا بد أن تحضر قبل الظهر وتطلب منها تفسيرا لما حدث , فقررت الخروج وتأجيل الشجار شبه المحتم بينهما .
وبينما تهم بالخروج , رنّ جرس الهاتف.
ونادت أيميلي طالبة اليها الرد على المخابرة , بينما رفعت السماعة قائلة:
" جناح اللايدي دافنبورت , هل يمكنني مساعدتك؟".
" بالفعل يمكنك".
خفق قلب سمانتا , كان الصوت صوت باتريك مالوري فسألته مضطربة:
" آه , صباح الخير يا سيد مالوري , هل تريد محادثة أمي ؟ أنها ليست هنا".
قاطعها باتريك:
" كلا , أنني أريد أن أحدثك أنت , ألم تتوقعي ذلك؟".
الحقيقة أنها أنتظرت حدوث ذلك ليلة الأمس , أما اليوم , فأنها كادت تنسى الأمر لعجلتها في التهرب من والدتها , وأجابته متنهدة:
" توقعت ذلك , وأعتقد أنك تريد تفسيرا , الحقيقة أنني لا أعرف من أين أبدا".
" كلا , أتصور أن من الصعب التطرق الى الحديث الآن , أسمعي , لا أرغب في مناقشة الأسرار الشخصية على الهاتف , بل أريد رؤيتك ".
أرتمت سمانتا على كرسي واطىء هاتفة:
"آه , هل تريد ذلك ؟".
" أجل , والآن فورا ما هو برنامجك اليوم؟".
" حسنا.... قال آندرو أنه سيتصل بي , ولست أدري برنامج جدتي التي قصدت محاميها هذا الصباح".
" حسنا , هذا يعني أنك حرة حاليا".
" أعتقد ذلك , هل تريد أن تحضر الى هنا؟".
وسمعت سمانتا ضحكة باتريك العذبة:
" آه , كلا , فأنا أتصور أن باربرا ستزوركما في أي وقت , ولا أرغب أن تقطع محادثتنا بسبب قدوم أمك العزيزة".
" حسنا , ماذا تريدني أن أفعل؟".
وشعرت سمانتا بالأضطراب أذ لم تتأكد أن من واجبها مقابلة باتريك مالوري في أي حال , ولكن , كيف يمكنها أن ترفض؟ وأستأنفت حديثها متمهلة:
" أصدقك القول بأنني لا أعرف أذا كان من واجبي مناقشتك في أي أمر من الأمور دون موافقة أمي.....".
رد عليها تريك بصوت بارد تغلب عليه لهجة الأمر:
" أذا لم تحدثيني الآن , فستكون لي مع والدتك بضع كلمات حاسمة".
وأيقنت سمانتا أنه سينفذ تهديده , وكانت أعصابها مشدودة لأنها وجدت موقفها غاية في الحرج , ولم تزدها معالجة باتريك للأمر حبا له , وأعتراها غضب جارف بينما قالت:
" حسنا , وماذا تقترح أن أفعل يا سيد مالوري وأنت كما يبدو تمسك بكل الأوراق؟".
" هذا أفضل , أطمئني يا سمانتا , فأنا لن ألتهمك حتى ولو كنت طبقا شهيا , وأنني أريدك أن تحضري الى منزلي".
ذهلت سمانتا ورددت:
" منزلك ؟ وهل تملك منزلا في لندن؟".
أجابها بجفاء:
" هذا واضح, وعنوانه 24 هاي تاور رود وهو متفرع عن شارع غرايت بورتلاند , فهل أنت قادرة على التوجه اليه؟".
عضت سمانتا على شفتها حتى سال منها الدم , وأجابت بجفاء:
" أفترض أن أي سائق تاكسي يعرف أين يقع هذا العنوان".
فقهقه باتريك :
" آه كم تغيرت يا سمانتا , فلأسبوع خلا لم تكوني على دراية بطريقة طلب التاكسي".
ردت عليه بحدة:
" الناس لا تبقى على حال".
وبدا أنه ينتظر ردها , ولما لم تفعل , أستأنف كلامه:
" حسنا أنتظر قدومك بعد قليل".
فقالت بهدوء:
" أجل يا سيد مالوري".
وأقفلا الخط , ولم تلبث أن أنطلقت الى هدفها بعد أن طلب لها البواب سيارة أجرة وبدت هادئة بالرغم من أضطراب معدتها , فأن هي سمحت للذعر بأن يتملكها , لآخفقت في مسعاها , وعليها أدارة لقائهما بطريقة توافق عليها باربرا , صحيح أنها لا تريد أرضاء أمها , ألا أن جدتها تستحق هذه الألتفاتة , كما يجب أن يفهم باتريك مالوري أنه ليس من السهل أرهابها.
صرفت سائق التاكسي بعد أن دفعت له أجرته , ثم تسلقت ثلاث درجات حجرية الى منزل رقم 34 ذي الباب الواسع , والمطرقة النحاسية , ورفعت القارعة , ثم أفلتتها لتنتظر أن يفتح لها الباب وقد أدخلت يديها في جيبي معطفها بعصبية.
كان يوما لطيفا ومعتدلا , ألا أن سمانتا , التي لم تألف تغير الطقس المفاجىء , شعرت بلذعة برد , وفجأة فتح الباب ووقفت أمامها سيدة متقدمة في السن ترتدي بزة سوداء ومئزرا ذا مربعات , وتأكدت سمانتا أن السيدة ليست ألا مدبرة منزل باتريك , فقالت لها:
" أنني... أنني قادمة لمقابلة السيد مالوري , وأنه بأنتظاري".
فأبتسمت المرأة لها بدفء:
" آ , أجل , لا بد أنك الآنسة كنغزلي , تفضلي بالدخول , سأاوصلك الى مكتب السيد مالوري الذي ينتظرك".
كان نظام التدفئة المركزية في المنزل يهيء جوا أفضل بكثير من الهواء البارد في الخارج , فتحررت سمانتا من
معطفها جزئيا وهي تنظر الى ما حولها بشغف.

نيو فراولة 24-04-11 11:39 AM

" تفضلي من هنا يا أنستي".
وهي تلحق بالسيدة عبر الباب ثم الممر العابر تحت السلم , وقرعت السيدة على الباب , ثم فتحته عندما سمعت صوتا منخفضا يقول:
" تفضل".
وأدخلت السيدة العجوز سمانتا الى الغرفة قائلة:
" الآنسة كنغزلي يا سيدي".
ثم ذهبت مدبرة المنزل وأغلقت الباب وراءها.
أحست سمانتا أنها أحد المشاغبين الواقفين أمام القاضي , ألا أنها أنتصبت واقفة وتقدمت الى داخل الغرفة بأدب.
كانت الحجرة جذابة للغاية , فبعد أن صعقت سمانتا الحداثة المصطنعة في منزل أمها , توقعت أن ترى شيئا مشابها في منزل باتريك , ولكن كم كانت مخطئة.
منتديات ليلاس
كانت جدران الغرفة مغطاة بألواح الخشب أيضا كالقاعة , ألا أن خزائن الكتب أحتلت معظم مساحتها , فرأت فيها مكتبة أكثر منها مكتبا , وكانت الغرفة دافئة ومريحة تبعث الطمأنينة في النفس , ولولا الآلة الكاتبة القائمة على المكتب لما أحس الأنسان بأنه يعيش في القرن العشرين , أذ لا يوجد جهاز هاتف في الغرفة , وتصورت سمانتا أن باتريك يغرق في عمله الى حد أبعاد كل شيء آخر عن تفكيره ,وخيل اليها أن أستقلاله في التفكير يتضح في كل شيء , كما أتضح في دعوته لها بالحضور الى منزله فورا.
ونهض باتريك من خلف مكتبه بقامته المديدة وكتفيه العريضتين ليحييها , فبدت كل محتويات الغرفة صغيرة أمامه , وكان أسمر بحيث أفترضت سمانتا أنه قضى عطلته في أيطاليا وهو يستحم تحت أشعة الشمس , ووجدت فيه جاذبية بالغة بحيث وجدت نفسها تحمر خجلا دون سبب واضح مما وضعها في موقف حرج , وخاطبها باتريك متأملا حسنها:
" مرحبا , كيف حالك اليوم؟".
عبثت سمانتا بأزرار معطفها:
" أنني عل ما يرام , أشكرك".
فنصحها مبتسما:
" أخلعي معطفك لأن الجو هنا دافىء كما تشعرين , ولن أخيفك بحيث أجبرك على الفرار".
أطلقت سمانتا تنهيدة حارة بينما خلعت معطفها وقدمته الى باتريك ليعلقه على أحد المقاعد , فقال:
" هذا أفضل , تفضّلي بالجلوس , هل ترغبين بسيكارة ؟ أن السيدة تشسترتون ستحضر لنا القهوة عما قريب".
" شكرا لك".
منتديات ليلاس
وتناولت سمانتا سيكارة قبل أن تفكر بما تفعل ثم تطلعت اليه لترى أذا كان يتوقع أية ردة فعل منها , فأبتسم لها أبتسامته الهادئة فيما تنهدت سمانتا وأخذت مجّة طويلة من سيكارتها.
وجلس باتريك هذه المرة على كرسي مقابل لكرسيها بحيث ركز عينيه عليها بشكل دائم , ولاحظت أن له أطول أهداب رأتها في رجل , وحين كان يغطي عينيه بأهدابه , كانت على يقين أنه يتأملها دون معرفتها , وأزعجها وجوده الى حد لم تود أن تقر به , وبدأت معدتها تنقبض تعبيرا عن الخوف الذي شعرت به , لقد بدأت تحبه كثيرا وكثيرا جدا بحيث أصبحت كلمة ( حب) خالية من المعنى عندما تستعمل لوصف شعورها أتجاه رجل مثل باتريك , وتيقنت أن المرأة لا يمكن ألا أن تحب أو تكره رجلا مثله , وقد كانت باربرا في الليلة الماضية دليلا ساطعا على صحة هذا الرأي , لقد كرهته لما أظهره نحوها من عدم أكتراث ولا مبالاة , وفي هذا الصباح شعرت سمانتا أنها تكرهه , خصوصا عندما تلقت منه مخابرة هاتفية أجبرها فيها على عمل ما لا تريد.
أما الآن , فتبدل شعورها أتجاهه بعد أن ركز عليها أهتمامه , وأدركت أن بمقدوره أن يفتن جميع االنساء , وأنها على الأرجح لن تستطيع مقاومته أكثر من غيرها , وأزعجها هذا الشعور كثيرا أذ عرفت أنه أنما أغراها بدعوته أياها الى منزله , وأن حظ أمها في أثارته أكبر بكثير من حظها هي.
وخيل لها أنه يهزأ بها ويداعبها , فتحركت بأضطراب قائلة:
" ألا يمكننا أن ننتهي من هذه القصة؟ أنا واثقة أنك تتوق الى أزعاجي ومضايقتي".
فسألها ساخرا :
" ولماذا تتصورين ذلك؟ عزيزتي سمانتا , لقد كنا أصدقاء ونحن في الطائرة , أو هكذا ظننت , وكيف كان يتسنى لي أن أعرف أنك أبنة المرأة التي........".
وصمت فيما أستحثته أن يستطرد:
" أستمر في حديثك , المرأة التي.....".
أبتسم باتريك مجيبا:
" سنتحدث عن هذا الأمر فيما بعد , ولكن , أود أن أعرف لماذا تشيع باربرا أنك كنت تعيشين في أيطاليا بصحبة مربية , بينما الحقيقة هي أنك عشت مع والدك؟ وهناك أمر آخر , أذا كان جون كنغزلي هو والدك , فلماذا تقول باربرا أنه توفي منذ سنوات؟".
مررت سمانتا لسانها فوق شفتيها الجافتين:
" حقيقة الأمر هي أن والدي طلق والدتي , وباربرا لا تريد أي دعاية مضادة تنشأ عن هذا , تصور ماذا يحدث لو أكتشف أمر طلاقها وأنا أعيش مع والدي كل هذه السنوات...".
أطلق باتريك سحابة دخان كثيفة من سيكارته ببطء وأجاب:
" أجل , أذن , هذا هو سبب الخداع".
" أفترض ذلك".

نيو فراولة 24-04-11 11:40 AM

فتجهم وجه باتريك:
" ولكن هذا يترك سؤالا يتعلق بأمر آخر قلته ".
" فكرت سمانتا محاولة أسترجاع ما جرى بينهما , وسألته بحياء:
" أي أمر؟".
" لقد قلت على ما أذكر أنك لم تزوري أنكلترا منذ كنت في الرابعة من عمرك , كما أضفت أن والدك فضّل ألا تفعلي ذلك , وبأمكاني أن أفهم سبب تفضيل والدك لبلد غريب على وطنه الأصلي بعد تجربته المؤلمة هنا , ولكن ما يحيرني هو , هل رأيت باربرا كثيرا خلال السنوات الماضية؟ من المؤكد أن هذا لم يتكرر كثيرا نتيجة مشاغلها العديدة".
أجابت سمانتا وهي تتمنى ألا تضطر للكذب عليه:
" كلا , ليس كثيرا".
فأبتسم متهكما:
" أما باربرا , فتعاملك وكأنك الأبنة الضالة منذ زمن بعيد , يا ألهي , يا لها من ممثلة بارعة! ولا عجب أن هي لم ترغب في الأعتراف بالحقيقة , وأنني أتصور أن مارتن برايور سيجعل فضيحة من قصتها".
أتسعت عيننا سمانتا:
" مارتن برايور , هل تعرفه؟".
ولاحظ باتريك بجفاء:
" الجميع يعرفون مارتن برايور , من أجل خطاياهم على الأقل".
" فهمت , لقد أتصل بي ذات يوم وأخذ يسألني عن حياتي في أيطاليا".
" هل فعل ؟ ربما كان ما فعله من قبيل الفضول".
فسألته متنهدة:
" أنه مر لا يهمنا الآن , أليس كذلك ؟ فأنت الآن تعرف الحقيقة , وسرعان ما سيعرف الجميع".
عندئذ أرتسم العبوس على ملامح باتريك :
" صحيح ومن سيخبرهم؟".
أحمرت سمانتا خجلا:
" الحقيقة أنني ظننت..".
ورفع باتريك حاجبيه الأسودين:
" هل فكرت؟ أذن , فأن تفكيرك خاطىء لأنني لا أزمع أن أفضح باربرا أمام العالم , ولماذا أفعل؟ فهذا ليس أمرا يهمني في أي حال , أن هي قررت أبقاء أمر زواجها سرا , فأنا لا أكترث للأمر".
حدقت فيه سمانتا وقد شعرت بالأرتياح يغمرها:
" ولكن.... ظننت عندما دعوتني الى هنا صباح اليوم.....".
" أنني سأتسلى بأزعاجك وعذابك , أعلم ما تقصدين , حسنا , لم يكن هذا مقصدي , فأنا كاتب يا سمانتا والناس يهمونني ويثيرون فيّ الفضول , كما أنني رغبت في معرفة السبب الكامن وراء هذه الحيلة التي لم تفاجئني , فأنا أجد شخصية باربرا هارييت شفافة وواضحة مهما ظنّت عكس ذلك , وفي أي حال , فأنني أذكر أنها أستقبلتني في المطار في نفس اليوم والساعة التي وصلت فيها أنت , وهذا شيء آخر يكشف حقيقتها".
وسألته فجأة:
" قل لي , لماذا لم تعترف بأنك ألتقيتني من قبل في الليلة الماضية؟".
ضحك باتريك ضحكة رقيقة :
" يا ألهي , لو أنني فعلت , لتحولت حياتك جحيما على الأرض , خصوصا في هذه الظروف , ويخيل الي أن باربرا ليست مسرورة منك بعد ما لقيت من أهتمام كبير في الليلة الماضية , أذ يفترض في بنات السادسة عشرة أن يبتعدن عن واجهة الأحداث , وأظن أنك في السادسة عشرة فعلا , أم ترى هذه مغالطة أخرى؟".
ترددت سمانتا أذ سهل عليها الأعتراف بعمرها الحقيقي , بعد أن تأكدت أنه لن يخبر أحدا , ألا أن هذا الأعتراف سيزيد من عمر باربرا بشكل كبير , ومع أنها لم تعن لسمانتا شيئا كأم , ألا أن الأبنة لم ترغب بخيانة والدتها على هذا النحو الواضح أيا تكن مشاعرها , وقالت بتمهل:
" أنها ليست مغالطة".
وهنا قرعت السيدة تشسترتون الباب , ودخلت حاملة القهوة والكعك على صينية وضعتها فوق مكتب باتريك , ولما غادرت الحجرة , قال باتريك :
" هلا تفضلت بصبّ القهوة , أم أفعل أنا؟".
فأنتصبت سمانتا واقفة وقد سرها التحول عن الموضوع قليلا , فيما قالت وهي تشغل نفسها بأمور القهوة:
" سأفعل ذلك".
وبعد أن صبت له فنجانه , ملأت فنجانها وأضافت اليه بعض السكر والقشدة, ثم جلست وقد تملكها بعض الأضطراب , وخاطبها باتريك مبتسما أبتسامته الهادئة:
" بعد أن أنتهينا من صب القهوة , دعينا نتحدث عن شيء آخر".
" مثل ماذا؟".
" حسنا , دعيني أفكر ,هل أعجبتك أنكلترا؟ وهل وفر لك آندرو بعض المتعة والسلوى مساء الأمس؟".
" آه بالطبع".
وبرزت الحماسة على وجه سمانتا بينما أستطردت :
" لقد غنّى أيضا , أنه رائع , أليس كذلك؟".
رد باتريك:
" أنه يبدو كذلك أذا كنت تحبين هذا النمط من النشاطات".
" أعتقد أنك تفضل برامج ترفيهية على مستوى أكثر تعقيدا وتقدما".
فألتمع السرور في محيا باتريك:
" حسنا.... أنني أكبر سنا من آندرو كما تعلمين , هل شاهدت عرض باليه؟".
" كلا , لقد ذهبت برفقة جدتي منذ بضعة أيام لحضور مسرحية".
" ينبغي أن تحضري عرض باليه".
فوافقته وقد أضافت بشيء من الذاجة:
" أجل , أنني أحب ذلك , كما أحب حضور أحدى مسرحياتك".

نيو فراولة 24-04-11 11:41 AM

فبدا السرور بشكل واضح على وجه باتريك:
" هل تحبين فعلا؟ حسنا , أتصور أن أحدى مسرحياتي لن تعرض قبل كانون الأول ( يناير) المسرحية الجديدة ستفتتح في الطرف الغربي من لندن في مسرح غروسفنيور , وستقوم أمك بدور البطولة , وأحسب أنك ستحضرين العرض في ليلته الأولى , هذا أذا لم تكوني قد مت من الركود والملل في دافن".
" آه ! أتعرض أحدى مسرحياتك في لندن الآن؟".
" الحقيقة كلا , فالمسرحية الأخيرة توقفت عن العرض قبل ستة أسابيع , وهي الآن تجول المناطق والأقاليم المختلفة".
وخابت آمال سمانتا لأنها كانت تتطلع الى مشاهدة مسرحية من تأليفه , أما هو فعلق بجفاء:
" عليك بضبط فضولك , أخبريني شيئا عن حياتك في أيطاليا , فأنا أرغب أن أعرف ماذا فعلت هناك".
فتطلعت اليه وقد راودها شيء من الشك:
" هل ترغب فعلا؟ الحقيقة أنها كانت حياة بسيطة , فقد عشنا في أحدى الفيلات وكان والدي يعمل فيما كنت أمضي وقتي أساعده في كتابة رسائله أو أعاون ماتيلد في عمل البيت , ولا أتوقع أن يكون هناك شيء يثير أهتمامك".
فهمس متكاسلا:
"لا أوافقك على ما قلته , فوالدتي تعيش في أيطاليا في فيلا بالقرب من بحيرة كرمر , وقد أمضيت الشهر الماضي كله معها , ألم تشتاقي الى المناخ؟".
" أعتقد ذلك رغم أنني منذ وصولي كنت مشغولة.... بأمور أخرى".
فعلق ببعض السخرية , على حد ما ظنت:
" يمكنني أن أصدق ما قلته , ولكن , متى تذهبين الى دافن؟".
" لست أدري , أظن خلال أسبوع , فجدتي لا تطيق صخب لندن وضجيجها , وهي تفضل هدوء دافت".
" حسنا من المؤكد أن بأمكانك الأقامة هنا مع أمك بعض الوقت , أذ أن شقتها واسعة كثيرا".
" لا أعتقد أن باربرا.... أقصد.........".
منتديات ليلاس
وصمتت سمانتا وقد أحست بعجزها , فيما تولى هو الكلام عنها:
" ربما لا توافق , ولكن يجب أن نتأكد أنك تستمتعين بما تبقى لك من وقت في اندن , أليس كذلك؟".
فذهلت سمانتا , وسألته:
" من تقصد ب ( نحن)؟".
" أقصد أنا وباربرا".
تركت سمانتا الحرية لقلبها بأن يخفق بجنون , أذ كان يصعب أن تتصور أنها تقضي السهرة مع باتريك مالوري , من المؤكد أنه ليس جادا , وحتى لو كان فباربرا لن تسمح بحدوث هذا , وهنا سألها متهكما:
" ألا يعجبك أن تخرجي معي؟".
وتيقنت أنه أدرك رغبتها بمرافقته , فقالت:
" حسنا , أعتقد ذلك , على أنني لا أتصور أن أمي ستوافق".
" حتى ولو دعوتها أيضا؟".
خفت ضربات قلب سمانتا , أذ لم ترق لها الفكرة أبدا , فمجرد التفكير بمشاركتها لأمها وباتريك مالوري سهرتهما , يجعلها ترى نفسها في دور الدخيل والمتطفل الدائم , فهما يكبرانها سنا , كما أن تصرفها كأبنة ست عشرة سنة سيكون أسوأ مما لو كانت قد أعترفت بعمرها الحقيقي , فستكره على شرب الليموناضة أو الكوكاكولا , ولن يمكنها أن تدخن! وهنا علق باتريك :
" بأمكاني أن أتصور أن الفكرة لا تروق لك".
وفطنت أنه تفحص ملامحها المعبرة وقرأ أفكارها , وهمست بهدوء:
" لا أتصور أن أيا منكما سيسر بتطفلي عليكما ,والى ذلك , فأن آندرو وعد أن يتصل بي اليوم".
" أعلم ذلك , فلقد أتصل بي قبل وصولك وبرزت عليه معالم الأعجاب للمرة الأولى , لكنني أنصحك بألا تأخذي أقواله على محمل الجد , فهو معروف بقلة أخلاصه".
ووقفت سمانتا لتضع فنجان قهوتها على الطاولة , قالت وقد أختنق صوتها:
" أشكرك على القهوة يا سيد مالوري , وكذلك تفهّمك , لكن , يجب أن أذهب".
فأبتسم لها , ووقف بجانبها , وكان قريبا منها بحيث أستطاعت أستنشاق رائحة رجولته الممتزجة برائحة معجون الحلاقة الذي يستعمله والتبغ الجيد الذي يدخنه , وأربكها قربه منها , فأحست الخفقان المجنون في قلبها ثانية , لماذا يؤثر عليها بهذه الطريقة؟ وقال لها بحنو:
" لا تذهبي وأنت غاضبة مني يا سمانتا".
فأجابته بأضطراب :
" لا أستطيع أن أفهمك , وأحسبك تسخر مني".
أفتر ثغره عن أبتسامة أشد جاذبية من أي أبتسامة رأتها أذ خلت من المكر والسخرية , وعبرت عن الدفء والحنان والتفهم ,ألا أنها أبتعدت عنه بسرعة.
" علي .... علي أن أذهب , فوداعا يا سيد مالوري".
فصحح قولها برقة:
" الى اللقاء".
منتديات ليلاس
وأنطلق بسرعة ليفتح لها الباب , فتقدمته الى القاعة.
قاد باتريك مالوري سيارته الى موقف منعزل هادىء في منطقة تشلسي حيث يقيم أبن شقيقته آندرو مع كين مايدسون في شقة مشتركة , وكان الموقف صغيرا , فأضطر الى المناورة بسيارته حتى يدور حول الدرابزين المركزي الذي تقوم وسطه شجرة حور ظليلة.
وكانت الشقق المنفتحة على الموقف المنزل ثمينة بالرغم من صغرها.

نيو فراولة 24-04-11 02:54 PM

وقد شغل معظمها أفراد من أهل المسرح أو أحد الرسامين وأوقف باتريك السيارة , ثم ترجل منها فلفح الهواء البارد وجهه الأسمر , وأبتعد عن السيارة عابرا الساحة , وتسلق السلم الخارجي المفضي الى شقة آندرو , كان يملك مفتاحا لشقة آندرو , ففتح الباب الذي يؤدي الى ردهة الأستقبال دون رسميات , وكانت الردهة خالية أذ لم تتجاوز الساعة العاشرة صباحا.
ووضع المفتاح في جيبه. ثم أغلق الباب وعبر الردهة بأتجاه باب غرفة النوم وفتحه , نظر الى الداخل حيث تدثر آندرو بكدسة من البطانيات , ويبدو أنه لم يسمع أي حركة , فأبتسم باتريك , وأتجه الى سرير آندرو , ثم أنحنى فوق الشاب قائلا بصوت عال:
" صباح الخير يا آندرو".
وسمع صيحة مكبوتة تحت الأغطية وبرز منها رأس آندرو صائحا :
" يا ألهي! هل تريد أن تصيبني بنوبة قلبية لمجرد حضورك هنا عند منتصف الليل؟".
فأنتصبت قامة باتريك:
" أود أن أعلمك أن الساعة الآن هي العاشرة صباحا , وأن الوقت قد حان لتبدأ نشاطك , فالصباح جميل ومنعش".
فتذمر آندرو وهو يجلس في السرير:
" ومتى كنت تعرف حال الطقس في مثل هذه الساعة من الصباح؟".
أجابه باتريك بسرعة:
" منذ اليوم , هيا , فأنا أريد بعض القهوة ولا أريد أن أصنعها بنفسي".
" أذن , لماذا لا توقظ كين ؟ من المؤكد أنه سيسر بصحبتك أكثر مني في هذا الوقت".
فتذمر باتريك بينما يحل أزرار معطفه:
" ما هذا الأستقبال الصاخب المزعج؟ متى أويت الى فراشك في الليلة الماضية؟".
صحح آندرو قول خاله متنهدا:
" هذا الصباح , أويت الى الفراش عند الرابعة , وحضرنا حفلة....".
" آه , في أي حال , هيا , فأنني جاد في طلب القهوة".
نهض آندرو من سريره وقد علت وجهه تعابير الأذعان ,ولما لم يكن يرتدي سوى بنطال البيجاما , فأنه مد يده ليتناول ثوبا فضفاضا سميكا كان ملقى عند طرف السرير.
وعاد باتريك أدراجه الى ردهة الأستقبال , وأنطلق من هناك الى المطبخ الصغير , فملأ أبريق القهوة الكهربائي , ولما عاد الى البهو كان آندرو قد وصل اليها وبدأ يبحث عن السكائر.
فقدّم باتريك له علبته , ثم أرتمى على أحد المقاعد , وسأله آندرو فيما أخذ مجة طويلة من سيكارته:
" وما الذي يزعجك في هذا الوقت المبكر من الصباح؟".
" ليس هناك ما يزعجني , اريد أن أتحدث الى سمانتا كنغزلي".
نظر اليه آندرو مستغربا , ومرر يده على شعره الأشعث قائلا:
" سمانتا ! لم أرها منذ الليلة التي أقامت باربرا فيها حفلة الكوكتيل , أي منذ أربعة أيام تقريبا".
" أعلم هذا".
" أذن , ماذا تقصد بقولك؟".
" هل حاولت رؤيتها؟".
" طبعا, هل أنت تمزح ؟ أنها فتاة لطيفة أعجبتني كثيرا".
" حسبت ذلك , ولكنني أعني هل رأيتها منذ ذلك الوقت؟".
وأزداد عبوس باتريك وتجهمه فيما أجابه آندرو:
" كلا , أما أنت , فلا شك أنك رأيت باربرا , أليس كذلك؟".
تأمل باتريك طرف سيكارته المشتعل وهو يقول:
" الحقيقة أنني رأيتها , لكنني لم أخرج معها أذا كنت تقصد ذلك".
برزت الحيرة على وجه آندرو أذ لم يستطع أن يفهم سبب أهتمام باتريك بفتاة لا يزيد عمرها على ستة عشر عاما , صحيح أنها أبنة باربرا هارييت , ألا أن آندرو أقتنع مؤخرا أن باتريك لم يعد يكترث بباربرا , ولم يحاول مقابلتها قبل أجازته , كما أن مطاردتها له أصبحت أمرا مضحكا في أوساطهما , ومعروف أن باتريك لا يحب أن يطارد , بل يرغب أن يقوم بعملية المطاردة بنفسه , لذلك تخفق معظم النساء معه , ولما رأى باتريك القلق على وجه الشاب , أبتسم له فجأة :
" حسنا يا آندرو , لا تضطرب , لن أقع في هوى مراهقة أذا كان هذا ما تخافه , على أنني مهتم بسمانتا بالرغم من ذلك".
وسمع آندرو عندئذ صوت أبريق القهوة الكهربائي , فذهب الى المطبخ لأحضار القهوة , ولما عاد بالصينية , بادره باتريك بالقول:
" ألتقيت سمانتا في الطائرة ونحن في طريقنا الى لندن".
فأتسعت عينا آندرو:
" من ميلانو؟".
" أجل".
" ألا أن أيا منكما لم يعترف بهذه الحقيقة في الحفلة , عندما أفكر بالأمر أذكر أن لونها أمتقع عند وصولك , وحينذاك تساءلت عن السبب".
هز باتريك كتفيه:
" كانت هناك أسباب لتفضيلنا الظهور بمظهر الغرباء , لا أزمع أن أتناولها هنا".
" ولمن , لماذا؟".
وهز آندرو رأسه فيما ناول باتريك كوبا كبيرا من السائل الحار , وقطب باتريك جبينه أذ أجاب:
" أنه شأن خاص بنا كما قلت , صدقني أن ليس هناك ثمة لغز خطير , وسبب حضوري اليك هو رغبتي في أن تؤدي لي معروفا".

نيو فراولة 24-04-11 02:55 PM

ظهر الحذر على آندرو فيما جلس متمهلا على أحد المقاعد المنخفضة .
" أنك تفاجئني , فقد ظننت أنك زرتني بدافع من محبتك".
فنظر اليه باتريك ضاحكا وسأله:
" ماذا حدث عندما حاولت أن ترى سمانتا ثانية؟".
"حسنا , أتصلت بها هاتفيا , وأجابتني أمها قائلة أن سمانتا تشعر ببعض التوعك للتغيير المفاجىء في المناخ وقد أصيبت بحمى".
" متى كان ذلك؟".
" في اليوم الذي تلا الحفلة طبعا".
غرق باتريك في التفكير , ثم طرح سؤالا آخر:
" وهل أتصلت بها منذ ذلك الوقت؟".
" أجل , البارحة , فقد أردت أن ترافقيني الى حفلة الأمس , ألا أن اللايدي دافنبورت ردت عليّ وأخبرتني أنهما مشغولتان بالأعداد للذهاب الى مسكن دافن خلال يوم أو يومين , وأن سمانتا مرتبطة بمواعيد مما لا يسمح لها برؤيتي".
منتديات ليلاس
فأنتصب باتريك واقفا لأنه عندما ألتقى باربرا البارحة صدفة في أحد المطاعم التي يرتادانها بدت شديدة العاطفة والحب لسمانتا , وأعتذرت عن عدم تمكنها من لقائه لأن وجود سمانتا أجبرها أن تكون أما طوال الوقت , على أنها تجاهلت كليا حقيقة أن باتريك لم يسع أبدا الى لقائهما , ومع أنه لم ينزعج من خداع باربرا لنفسها , فأنه أنزعج من الدور المسند الى سمانتا في هذه اللعبة.
كان يريد أن يرى سمانتا بنفسه ويطرح عليها بعض الأسئلة , غير أنه لم يكن يعرف طريقة تمكنه من تحقيق حلمه دون حضور باربرا أو محاولتها منع مثل هذا اللقاء , لقد تصرف بغباء حين كشف حقيقة مشاعره في ليلة الحفلة , فلو تصرف مثل عاشق مطيع , لما حدث شيء من كل ذلك , لكنه فوجىء مفاجأة تامة حين رأى الفتاة التي شدّ اليها بصورة غريبة في الطائرة , وأضطرب كيانه , وأعتبر أن قضا السهرة مع باربرا لعنة تحل عليه ,وفي أي حال , كان عليه أن يأخذ وقته في التفكير , خصوصا بعد أن أبلغ في ليلة الحفلة أن عمر الفتاة لا يزيد على ست عشرة سنة.
وبدا له أن ليست أمامه أي فرصة للتراجع , لذلك يأمل أن يكون بمقدور آندرو الأتصال بسمانتا , فمن الواضح أن أمها تزمع أبعاد أبنتها عنهم , وأن هي أرسلتها الى دافن سيستحيل على أي منهم الأتصال بها , لأن دافن قرية بعيدة , والى ذلك , فأي حجة يتذرع لطلبه مقابلة سمانتا ؟ عندئذ أدار باتريك ظهره لأبن شقيقته وخاطبه:
" أسمعني , أتصلت بي أمك هذا الصباح لتقول أنهم يقيمون حفلة شواء الليلة".
" أعلم ذلك لأنني ألتقيت بوالدي في المدينة ليلة الأمس.ولكن , لماذا؟".
" هل ستحضر الحفلة؟".
هز آندرو كتفه:
" لم أكن أنوي ذلك , ألا أنني أعتقد أن لديك سببا وجيها لتطلب ألي أن أذهب".
" أنني أتساءل أذا كانت باربرا توافق على حضور هذه الحفلة , فأن هي فعلت , سأدعوها هي وسمانتا موضحا أنك ستذهب برفقة سمانتا".
" وهل تعتقد أن باربرا ستوافق على الأمر؟".
هز باتريك كتفيه:
" أتصور أن بوسعي التأثير على باربرا....".
" هذا ليس خبرا جديدا ".
" وأذا دعوتها للذهاب , فأنني أشك أنها سترفض".
" بكل تأكيد".
" وأذا دعوت سمانتا للذهاب , فأن خطتي ربما تنجح".
هتف آندرو:
" لا أفهم شيئا , على أنني أفهم أنك تريد رؤية سمانتا".
" أجل".
" ولكن , لماذا؟".
هز باتريك كتفيه العريضتين.
" هل تحبها حقا؟".
" كلا , أنه شعور طبيعي , فهي فتاة لطيفة ولا أريد أيذاءها , وأنا لسا وحشا كما تعلم , ومن يدري؟ ربما تحولت علاقتنا الى شيء جدي".
فأجابه باتريك عابسا:
" أنني أشك في ذلك , و... وربما أوحيت بشيء آخر لسمانتا".
" لكنك ... أقصد أنها لا تتجاوز السادسة عشرة...".
وعلت وجه باتريك تعابير مبهمة:
" هل هي كذلك؟ سوف نرى , في أي حال , هل يمكنني الأعتماد عليك؟".
" بالطبع لكن , كان بأمكانك أن تتصل بي هاتفيا وتطلعني على كل ذلك في وقت أكثر ملاءمة".
منتديات ليلاس
أبتسم باتريك وهو يعقب:
" أحب أن أرتّب أعمالي باكرا في الصباح ,والآن , سأذهب ويصبح بأمكانك العودة الى رقادك ,وسأتصل بك لاحقا لأطلاعك على الترتيبات النهائية".
فقال آندرو بجفاء:
" أرجو أن تفعل ذلك".
وأنهى باتريك قهوته , ثم غادر المنزل.
وعاد باتريك الى منزله فدخل المبنى فيما أطلت السيدة تشسترتون من المطبخ لتبادره قائلة:
" هناك زائرة تنتظرك يا سيد مالوري".
وفكر باتريك للحظة أذا كان من الممكن أن تزوره سمانتا , ألا أن آماله خابت.
" الآنسة هارييت تنتظرك منذ نصف ساعة تقريبا".
" حسنا يا سيدة تشسترتون , سوف أراها".
وتناولت مدبرة المنزل معطفه فيما قالت:
" الحقيقة يا سيدي أنني أدخلتها الى غرفة الجلوس الصباحيو".
" عظيك".
وأصلح باتريك ربطة عنقه قبل أن ينطلق نحو باب الردهة.

نيو فراولة 25-04-11 11:27 AM

ولما دخل القاعة وجد باربرا تتأمل صفحة أحدى المجلات بعصبية ورمته بنظرة متعجلة عند دخوله , بينما أنتصبت متسائلة:
" حبيبي , لقد أنتظرتك طويلا , فأين كنت؟".
وعبرت الغرفة بأتجاهه , فيما أجابها وهو يسير ببطء نحو النافذة:
" كنت في زيارة لآندرو , وأنني آسف أذ جعلتك تنتظريني كل هذا الوقت , كان من الأفضل أن تتصلي بي لتتأكدي من وجودي هنا".
فأجابته باربرا ولم تظهر عليها علامات التأثر من برودته الظاهرة:
" أعلم ذلك يا حبيبي , ألا أنني رغبت في مشاهدتك , ومن الطبيعي أن لا أتصورك تخرج من البيت قبل العاشرة , أذ ليس من عادتك أن تفعل ذلك".
أبتسم أبتسامته اللطيفة وقال:
" سامحي أقتضابي وتسرعي , فأنا مشغول بالمسرحية الجديدة يا باربرا, ولا أجدني أختلي بنفسي كثيرا".
أمتلأت باربرا ندما على الفور , وهتفت بحنان:
" آه , أرجو المعذرة لوقاحتي في زيارتك دون دعوة".
فرد باتريك بعذوبة:
" هراء , أنني لا أعمل هذا الصباح , ولكن , هل ترغبين الآن ببعض القهوة؟".
" الحقيقة أنني رفضت القهوة التي قدمتها لي الشيدة تشسترتون , على أنني أرغب ببعضها الآن".
أتجه باتريك صوب الباب حيث أصدر تعليماته الى مدبرة المنزل , ثم عاد الى باربرا وناولها سيكارة , وسألها بدون مقدمات:
" أخبريني , لماذا منعت سمانتا من الخروج مع آندرو؟".
منتديات ليلاس
فوجئت باربرا , ألا أنها أستجمعت أفكارها فيما أشعلت طرف سيكارتها بولاعته , وقالت متمهلة:
"سنا ! الحقيقة أنني لم أمنعها من الخروج مع آندرو ..".
" ألم تفعلي؟ أفمني أنك قلت له بأن سمانتا مرضت بعد قدومها الى أنكلترا , على أنك لم تذكري شيئا من ذلك عندما تحدثنا عنها ليلة الأمس".
" كلا ... حسنا .... الحقية أن الأمر لم يتعدّ زكاما بسيطا , وقد قلقت عليها كثيرا , وهذا كل ما في الأمر".
" أذن , فأنت لا تعترضين على أن تكون صديقة آندرو , أليس كذلك؟".
عضت باربرا على شفتيها:
" كلا.... ولماذا أعترض؟".
أفتر ثغر باتريك عن أبتسامة فاترة مليئة بالسخرية:
" لماذا تفعلين ؟ السبب في طرحي لكل هذه الأسئلة هو أن شقيقتي أتصلت بي لتعلمني أنها تقيم وزوجها حفلة شواء الليلة , وقد وجّها الينا الدعوة , أنا وأنت وآندرو طبعا وأظن أن سمانتا ترغب في أن تكون رفيقة آندرو".
بدت الحيرة على باربرا , وآلمها الأختيار بين رغبتها الطبيعية في مرافقة باتريك , وتوجيه الدعوة الى أبنتها , كان واضحا أن فكرة ذهاب سمانتا معهاما لا تعجبها وتصوّر باتريك أنه يعرف السبب , ألا أنها قالت ببطء:
" أظن.... أظن أن عليّ محادثة سمانتا في الأمر , فلربما كانت لديها خططها الخاصة , ومعروف أنها ستغادر مع أمي الى دافن صباح غد".
أخذ باتريك مجة سريعة من سيكارته , وأنتابته الحيرة أيضا أذ لم يفهم سبب رغبته في حماية سمانتا , فمنذ ألتقاها في الطائرة وهو يشعر بمسؤوليته عنها ,كماأن معرفته الطويلة بباربرا تؤكد له أن قبولها لسمانتا على أنها أبنتها محفوف بالشكوك , ولا بد أن هناك سببا , ولن يرتاح قبل أن يعرف ذلك السبب , هل يمكن أن تكون لجون كنغزلي أي علاقة بالأمر؟
منتديات ليلاس
وأدرك أنها تريد أبعاد سمانتا عنه لسبب شخصي فمن غير المعقول أن تغار باربرا من أحد,حتى من سمانتا الفتاة الجميلة , أنها أمرأة غنية وبأمكانها أرجاع سمانتا الى أيطاليا , أو أرسالها الى أي مكان آخر بحيث لا تتدخل في مجرى حياتها الشخصية , وكلما فكر بالأمر , كلما أزداد أهتماما وقلقا.
ومعروف أن باربرا حادة الطبع , ولا يمكن التكهن بتصرفاتها عندما تغضب , لذلك , أذا ضايقت سمانتا والدتها بشكل من الأشكال , فقد تحصل مضاعفات خطيرة , عندئذ قال ببرودة:
" أتصلي بها هاتفيا , او هل أتصل أنا؟".
وقفت باربرا مرة أخرى بعد أن كانت قد جلست على أريكة منخفضة , ألا أن كلماته دفعتها سريعا الى الهاتف , وقالت:
" سأتصل بها أنا , ولكنني أتوقع أن تكون في الخارج , لأنها سترافق والدتي لشراء بعض الملابس".
ورفعت باربرا السماعة دون أن تنظر اليه ثانية , وتوجه باتريك الى الهاتف فيما أدارت القرص , كان عازما ألا يسمح لها بالأدعاء بأن سمانتا غائبة حتى ولو كانت في المنزل.

نيو فراولة 25-04-11 11:28 AM

وحدث أن ردت سمانتا على الهاتف بنفسها , ولما سمعت صوت أمها قالت:
" هذه سمانتا , هل تريدين التحدث الى جدتي؟".
بللت باربرا شفتيها بلسانها وقالت:
" كلا , فأنا عند باتريك الآن يا سمانتا , وقد طلب ألي أن أسألك أذا كنت ترغبين في حضور حفلة الشواء الليلة في منزل شقيقته , أنها تقيم عند شاطىء البحر , وآندرو يرغب في أن تكوني رفيقته".
شهقت سمانتا , ومع أن وجود والدتها مع باتريك مالوري خفف من سعادتها بالدعوة , أدركت أنها ستذهب الى أي مكان يوجد فيه باتريك, وقالت بلهجة رسمية:
" أشكرك , يسرني أن أقبل الدعوة".
" أذن , فأنت لم تقرري أي شيء مع جدتك؟".
فكرت سمانتا لحظة , ثم أجابت:
" آه , كلا , قالت جدتي أنها ستنام باكرا حتى لا تتعبها الرحلة غدا ".
" فهمت , حسنا , سأنقل جوابك الى السيد مالوري".
وبعد أن ردت سمانتا السماعة الى مكانها , قال باتريك بجفاء:
" أظنها ترغب في الحضور".
" أجل , شكرا لك على دعوتنا".
وعادت باربرا الى مجلسها على الأريكة لتسأل باتريك:
" ما رأيك بأبنتي؟".
لم يكن السؤال بسيطا كما يظهر , ألا أن باتريك لم يتردد في الأجابة وذلك لأن تردده سيثير شكوك باربرا:
" أعتقد أنها فتاة جذابة , لكنها ليست في مستوى جمالك يا باربرا , فصغر جسمك يجذب الكثيرين اليك , ويجعل وجود شبيه لك أمرا مستحيلا, وأحسبها تشبه والدتها".
" أجل , أنها كذلك , فجون كان طويلا وممتلىء الجسم أيضا".
" أجل".
رمته باربرا بنظرة حادة وسريعة , غير أن باتريك بدا مسترخيا ومرتاحا فعادت تنظر الى فنجان قهوتها بينما أستأنفحديثه بشغف:
" أخبريني عن زوجك , ماذا كان يعمل؟".
وضعت باربرا فنجام قهوتها على الصينية ثم أجابت:
" الحقيقة أنه كان أستاذا في أحدى المدارس اللندنية".
" فهمت".
ومد باتريك رجليه , وأسترخى في مجلسه على
أحد المقاعد المنخفضة فيما رجته باربرا:
" دعنا نتحدث عن أنفسنا".
حانت من باتريك ألتفاتة نحوها , فرأى فيها أمرأة شديدة الحسن , جذابة .... وتساءل لماذا لم تعد تؤثر عليه كالسابق , كان يعرف منذ البداية أنها أمرأة أنانية تسعى وراء الملذات , ألا أن حياته هو لم تخل من العيوب والأخطاء حتى ينشد الكمال في الآخرين , وكان من الممتع أن يصطحب باربرا لأنها نديمة ورفيقة ممتازة .... أما الآن , والآن فقط , فأنه كلما أقترب منها رأى وجه سمانتا مبتسما أمام عينيه , ووجد نفسه يتمنى لو كانت سمانتا هي التي تغازله , لا لأنها أعربت عن مثل هذه الرغبة , بل لأنها تفضل آندرو عليه , وهنا وقفت باربرا وهي تتطلع اليه بفضول , قم حملت حقيبتها قائلة:
" متى ننطلق؟".
" دعيني أفكر , هل يناسبك أن ننطلق عند السادسة؟ فالطريق طويل الى ساندويش".
فألتفتت اليه بقسوة :
" أجل , هذا رائع , ولعلنا نجد وقتا أكثر ملاءمة في هذه العشية".
وتكلف باتريك الأبتسام بينما فتح لها الباب لتخرج وهمس بعذوبة:
" ربما".

نيو فراولة 25-04-11 11:30 AM

5- سهرة على شاطىء النار


تملك الذعر سمانتا , وتضاربت مشاعرها بين شوق للسهرة وخوف منها لأنها ليست على وفاق مع باربرا , وقضاء سهرة في صحبة بعضهما محنة شاقة , لم تمض مع والدتا سوى ساعات قليلة منذ حفلة الكوكتيل المشؤومة , وأفتتح معرض أزهار تقيمه جمعية نسائية في جنوبي لندن , وتوجب على سمانتا حضور الحفلة الى جانب أمها , كما دعيت الى مأدبة غداء أحيتها جمعية مدراء المسارح , وزارا معا مستشفى في ضاحية لندنية.
ولم ترافقهما اللايدي دافنبورت طبعا , مما جعل الوقت الذي قضته المرأتان معا محرجا ومملا , وخصوصا أن باربرا أخذت تبغض أبينها بصورة مضحكة , ومع أن سمانتا لم تهتم بهذا كثيرا , ألا أنها وجدت نفسها تبذل جهدا كبيرا لأصلاح ذات البين , ألا أن جهودها.... ضاعت سدى , وأدركت كلايد , التي ترافق باربرا في جميع تنقلاتها , حقيقة الوضع.
منتديات ليلاس
وطمأنت اللايدي دافنبورت حفيدتها بكل طريقة ممكنة , ووجدت سمانتا عزاءها في التفكير بأنها ستنتقل قريبا الى دافن , كانت تسهر دائما مع جدتها ,في حين كانت والدتها تذهب لقضاء سهراتها في الخارج , وكثيرا ما تساءلت سمانتا عمن يرافق أمها في سهراتها الكثيرة...
ولكن , لا يزال عليها أن ترافق باربرا في سهرة أخرى حيث يقتضيها الظرف أن تراقب أمها وباتريك مالوري يتصرفان تصرف العشاق.صحيح أن باتريك ذهل وأغتاظ في حفلة الكوكتيل , ألا أن شيئا من ذلك لم يكن ليؤثر على أهتمامه المطلق بباربرا الآن.
وأرتدت سمانتا بنطالا لاءمته سترة صوفية حمراء طويلة , رغم أنها لا تستسيغ الون الأحمر كثيرا , غير أن رغبة جامحة في التغيير أعترتها الليلة , خصوصا وأنها تطق البقاء فترة أطول في لندن , وقررت أن تجعل سهرتها الأخيرة ليلة جديرة بالذكر.
وعندما دخلت سمانتا الى غرفة جدتها لتودعها , بدت السيدة العجوز متعبة وممتقعة اللون وقد أستلقت في فراشها , وخاطبت الجدة حفيدتها :
" أنك تبدين صغيرة السن حقا يا عزيزتي , ومن المؤكد أن لا مجال أمام باربرا للتذمر الليلة".
فأبتسمت سمانتا أبتسامة عذبة:
" آمل ذلك , آه يا جدتي! ماذا يمكنني أن أفعل بدونك؟ أنك تجعلين الأمور طبيعية وسهلة".
أجابتها اللايدي دافنبورت بثقة:
" لا شك أنك ستنجحين لأن الذكاء والفتنة لا ينقصانك , وجميع الذين حادثوك , وأتيحت لي فرصة مقابلتهم , يؤكدون أنك مرحة , مما يعني أنك لم تواجهي الصعوبات".
عندئذ قهقهت سمانتا :
" أحسب أن عليك حذف باربرا من القائمة , في أي حال يا حبيبتي , يجب أن أذهب الآن , لأن الساعة تجاوزت السادسة".
" حسنا يا عزيزتي , أتمنى لك سهرة موفقة , وأرجو ألا تسمحي لأبنتي أن تستضعفك".
أنحنت سمانتا وقبلت وجنة جدتها , ثم أنسحبت من الحجرة بهدوء قائلة:
" سأفعل ذلك".
منتديات ليلاس
وأرتدت معطفها , ثم أخذت تتأمل وجهها في المرآة , حينئذ فتح الباب, فأستدارت مدهوشة لتلتقي وجها لوجه بباتريك مالوري وكانت الريح قد عبثت بشعره , فشعّثته , أما عيناه, فراقبتا سمانتا بمرح وتكاسل , أحست أن قلبها توقف برهة قبل أن يستأنف خفقاته المحموم فيما حيّاها باتريك:
" مرحبا , هل أنت مستعدة؟".
ضغطت سمانتا يدها على معدتها:
" أجل , هل حضرت بمفردك؟".
" آندرو ينتظرنا في السيارة , وبقي علينا أن نصطحب باربرا".
" حسنا , هل ننطلق؟".
" طبعا , فأنا هنا لهذا الغرض".
وأكتسى وجهها بحمرة الخجل أذ سخر منها ثانية , عندئذ دنا باتريك منها كثيرا حتى أصبح على بعد سنتيمترات قليلة منها , وأدركت خطره المضاعف في هذه الشقة وفي هذا الجو الحالم عندما قال لها:
" هل حسبت أنني كنت أتسلى بعذابك؟".
فأسرعت بالأبتعاد عنه فيما رفعت شعرها عن وجهها قائلة:
" لا يهمني ما تفعل يا سيد مالوري".
تفرس باتريك بها لحظة , ثم هز كتفيه هاتفا:
" فلننطلق".
وطغت البرودة على صوته ثانية , أما سمانتا , التي تتكيّف مع كل فارق في مشاعره , فعادت باردة أيضا , لماذا صدّته بهذه الطريقة مع أنه لم يكن وقحا؟ لم تكن كلماته أكثر من مزاح رقيق ينم عن الدفء والحنان.
ولما أنطلقا ليعبرا الممر , كلمته همسا:
" أنني آسفة على وقاحتي".
فرمقها بنظرة متفحصة ولم يقل شيئا:
وتوقف المصعد في الطابق الأرضي , وأفلتت سمانتا يدها من يد باتريك لتنطلق الى خارج الفندق , حيث أنتظرتهما سيارة فخمة , تلفتت حولها لتسأل باتريك:
" هل هذه سيارتك؟".
" أجل , هل أعجبتك؟".
" أنها بديعة للغاية , أين أجلس؟".
عندئذ بلغا السيارة , فترجل آندرو من المقعد الأمامي المجاور للسائق , بينما سألها باتريك مبتسما:
" أين تحبين أن تجلسي؟ بجانبي؟".
" أفعل أن شئت".
وبرزت فتنة سمانتا , فأضطرب باتريك , وتلعثم , ثم قال آخر الأمر:
" الأفضل أن تجلسي في المقعد الخلفي مع آندرو , فباربرا تتوقع أن تجلس بقربي".
هزت سمانتا كتفيها موافقة, ألا أنها سددت الى باتريك نظرة غريبة قبل أن تجلس.

نيو فراولة 25-04-11 11:31 AM

ولما وصلوا الى ساحة بلغرايف , صعد باتريك لأصطحاب باربرا تاركا آندرو وسمانتا وحيدين في مؤخرة السيارة , طوّقها آندرو بذراعه:
" وضع مريح".
فأبتسمت سمانتا ببعض التعب:
" هو كذلك , هل يطول غيابهما؟".
" بناء على معرفتي بباربرا , يتعذر علي أن أجيبك , فمن المحتمل ألا تكون باربرا قد أستعدت للخروج بعد".
لكن باتريك قال أننا سننطلق عند الساعة , وها أن الساعة قد تجاوزت السادسة".
ضحك آندرو:
" أنه لمن الممتع أن يلتقي المرء بحسناء لا تتقن وسيلة تجعل بها الرجال ينتظرونها".
" ولكن , لماذا؟".
" دعيني أفكر ...... أن الرجل الذي ينتظر أمرأة يفقد أعصابه أذ يزيده غيابها شوقا اليها".
فصرخت سمانتا بسخط:
" أنك تهزأ بي".
" ليس بالضبط يا حبيبتي , على أنني أعتقد أن باتريك سيستعجل باربرا الليلة , فهو لا يبدو كلفا بها كما في السابق , لقد قضى أجازته في أيطاليا لكي يحدد علاقته بوالدتك التي لم تخف حقيقة مشاعرها نحوه , خصوصا وأنه لا يستعجل أتخاذ قرار يتعلق بأمر مثل أمر الزواج".
وضحك ثانية:
" في أي حال , أن باتريك لم يلزم جانب العفة خلال هذه السنوات الطويلة من عزوبيته , فقد عرف عنه طيشه في شبابه , ولا يفترض فيه الآن أن يبذل جهدا كبيرا بعد نجاحه ككاتب مسرحي , ومعروف أنه ثري حتى قبل أن يشتهر , وأقتصر أصدقاؤه في تلك الفترة على ... أبناء الطبقة العليا , هل تفهمين قصدي؟".
" كلا".
فحدق فيها آندرو ضاحكا:
" هل تقصدين أ لا تعرفين حسبت أن باربرا أخبرتك أن والده كان أميرا , أولست تعرفين شيئا عن كيلني؟".
" وما هي كيلني؟".
" الحقيقة أن باتريك يملك أرضا واسعة في أيرلندا , وبالتحديد في مقاطعة غالواي , ولا شك أنك سمعت بغالواي".
وذهلت سمانتا , وأجابته:
" ربما , ولكن , بصورة غامضة".
" لم أكن أدري ذلك , ولعل باتريك سيقتلني أذا عرف أنني أخبرتك لأنه يكره كل أنواع العجرفة وحب الظهور والتعالي".
" وهل يزور أيرلندا كثيرا؟".
" الحقيقة أن أملاكه في عهدة مدير يدعى مايكل أوهارا , أنه أسم أيرلندي عريق ولا شك , ومايكل يرعى شؤون خالي كلها , أما هو فيمضي معظم وقته في لندن , رغم أنه يحب أن يعيش في كيلني لأنها مكان جميل تنمو فيه الأعشاب الخضراء وتكثر التلال المنحدرة ,ويملأ خرير المياه وهديرها مسامعك عندما تأوين الى الفراش".
" أنك لشاعر".
" كيلني تستحق مني شاعريتي لأنها فردوس الشعراء , ولا ريب أن أمك ستزورها , ومن الواجب أن ترافقيها".
فتطلعت اليه سمانتا فجأة :
" هذا غير محتمل , ولكن, لماذا لم تتصل بي بالهاتف ؟".
" الحقيقة أنني أتصلت , مرتين".
وظهر الأرتباك على وجه سمانتا:
" لا أفهم شيئا , فخبر أتصالاتك لم يصلني".
" لم تلك ! أن أمك وجدتك أخبرتاني بالتوالي أنك غير موجودة , فظننت أنك تحاولين التخلص مني".
" أتخلص منك؟".
" أجل , الحقيقة أنني توصلت الى هذا الأستنتاج بعد أن أبلغنني بطرق كثيرة أنك لا ترغبين في رؤيتي".
" ليس ما تقوله صحيحا , فالحقيقة أنني تألمت عندما وعدتني أن تتصل بي هاتفيا , ولم تفعل... أو هكذا خيّل الي , فهنا أماكن كثيرة رغبت في زيارتها وهذا لن يحدث الآن لأننا سنذهب غدا الى دافن , والله وحده يعلم كم سيطول غيابنا".
" أنني أكرر أعتذاري في أي حال يا حبيبتي , والحقيقة أنني أتصلت بك , ولكن , ربما لم ترق فكرة خروجك معي لأهلك".
" من الواضح أن هذه هي الحقيقة , ولكن , لماذا؟".
هز آندرو كتفيه , ثم فتح باب السيارة , وأحتلت باربرا المقعد المجاور لمقعد السائق برشاقة وهي تحدثهما:
" مرحبا أيها الشابان, هنيئا لكما على هذه العتمة , هل أحسنتما التصرف؟".
وبينما تفوهت باربرا بهذه الكلمات , صعد باتريك السيارة من الجانب الآخر , فأحست سمانتا بالنار في وجهها , وتأكدت أن والدتها قالت ما قالته بقصد أفهام باتريك أن سمانتا وآندرو مراهقان يلهوان , أما باتريك , فلم يلتفت اليهما قبل أن يدير مفاتيح السيارة , غير أن ذلك لم يخفف من أنزعاج سمانتا , وما أن خرجت السيارة من لندن , حتى أخذت تنهب الأرض نهبا بأتجاه ساندوبش , وأنشغلت باربرا في حديث متواصل أجاب باتريك على بعضه بتقطع أحيانا , أذ بدا أنه يركز على االقيادة تحت جنح الظلمة المتعاظمة فوق الطرقات , وقاد باتريك السيارة بهدوء ومهارة كما توقعت سمانتا , وأحست أنها كادت تغفو لأن الرحلة كانت مريحة للغاية , ولكن , قبل أن تلقي رأسها على كتف آندرو , دخلت السيارة بوابة من الحديد تقود الى منزل شقيقة باتريك.

نيو فراولة 25-04-11 11:33 AM

وكانت الساعة قد قاربت الثامنة عندما توقفت الأوستن مارتن أمام المنزل الكبير القديم , وكان مشيدا فوق مساحة واسعة من صخور الشاطىء , وتنفتح باحته على مسبح عائلي خاص أقيمت على ضفته حفلة الليلة , وأصطفت على جانبي الطريق الخاص بضع سيارات , ولم يكد باتريك يوقف سيارته , حتى ترجلت سمانتا منها فرحة , وفور وصولهم , أندفع عدد من الأولاد نحوهم ورموا بأنفسهم مذهولين على باتريك , فأخرج لهم قطع السكاكر والشوكولا من جيوب معطفه , كما رفع الطفلة الأصغر بينهم فوق كتفيه.
منتديات ليلاس
ووقفت باربرا تراقبه بشيء من الأشمئزاز , في حين تقدمت سمانتا منهم بشغف لأنها طالما أحبت الصغار , الذين لم تنعم برؤيتهم عند وصولها الى أنكلترا , أما آندرو فكشر أمامهم قائلا:
" هذان الشريران الصغيران هما دبي ودونالد , أنهما توأم , أما باتريك , فيحمل جنيفر وهذه فران. أي تصغير فرانسيسكا طبعا , التوأم في الثامنة من عمرهما , في حين تبلغ فران العاشرة , ولم تتعد جنيفر الخامسة , ويبقى عليك مقابلة ستيفن البالغ من العمر أربع عشرة سنة , لكنه الآن في مدرسة داخلية , وعليه , لا بد أن تؤجلي متعة لقائه المشكوك فيها".
ضحكت سمانتا وقد حسدت آندرو على كثرة أشقائه وشقيقاته , آه , لو كانت أسرتها أسرة طبيعية سعيدة , ولو كان لها مثل هؤلاء الأخوة المحبين.
وتقدم باتريك منها حاملا جنيفر على كتفيه , ثم قال:
" ما رأيك بهؤلاء الرعاع؟".
هتفت سمانتا بدفء:
" أنهم آية في الجمال والروعة , وأني أغبطهم على أنفتاحهم وتحررهم , ما أجمل أن تكون للمرء مثل هذه الأسرة!".
أبتسم لها باتريك برقة:
" أنتظري حتى تتزوجي , عندئذ أسّسي أسرتك الخاصة بحيث تنعمين بهذه المتعة فعلا".
رفعت سمانتا بصرها اليه ومررت لسانها بخفة على شفتها العليا, وهمست بعذوبة:
" صحيح , وأنني أنوي أن أنجب حشدا من الأولاد".
فهمس في أذنها:
" أنا متأكد من ذلك".
وأستدارت بعيدا وقد عجزت في السيطرة على مشاعرها , وأمتلأ أنفها برائحة البحر وعشبه , فغمرها الحنين الى أيطاليا , ولكن لم يعد لها في أيطاليا منزل ولا أب يشعرانها بالأمان , وهذا ما تفتقده الآن , وتأمّل التوأم باربرا ببعض الشك , أذ أتيحت لهما فرصة مقابلتها من قبل دون أن تترك فيهما أنطباعا حسنا , وحسبا أنها تكثر من أستعمال العطر , كما أعتبرا أن من الحماقة والسخف أن ترتدي بزة ضيقة من الحرير السميك الأخضر لحضور حفلة على الشاطىء.
منتديات ليلاس
وألتصقت فران بسمانتا فيما ساروا نحو البيت , وسألت فران سمانتا وهي تتأملها بفضول:
" هل أنت صديقة آندرو؟".
أجابت سمانتا مبتسمة:
" ليس بالضبط , فأنا أبنة الآنسة هارييت".
بدت الدهشة على فران:
" باربرا هارييت؟ هل تقصدين باربرا صديقة خالي باتريك؟".
" أجل , لماذا تسألين؟".
" حسنا , الحقيقة أنني لم أعرف أنها متزوجة".
" أنها ليست كذلك الآن لأن زوجها قد توفي , بل يجب أن أقول أن والدي متوف".
" آه! أذن لماذا تدعو نفسها الآنسة هارييت ؟ من المؤكد أنها السيدة....".
" هذا صحيح , الحقيقة أنها يجب أن تكون السيدة كنغزلي , غير أن أهل المسرح يستعملون عادة أسماءهم المعروفة".
فقطبت فران جبينها:
" أنك لا تشبهينها البتة".
" كلا , لن أشبهها أبدا , أليس كذلك؟ أنني أصغر منها سنا وأقل منها شأنا".
" ماذا يعني هذا؟".
أبتسمت سمانتا لأنها لم تألف تفسير المعاني لأحد , بل العكس كان صحيحا , وحانت منها ألتفاتة الى آندرو السائر وراءها , فقال لها:
" لقد سمعت , أحقا تعرفين الجواب؟".
رفعت سمانتا حاجبيها غاضبة , وأستدارت نحوه , وضغطت على معدته ضاحكة , فتظاهر آندرو أنه أصيب بجرج بالغ , فركض نحوه التوأم ,وقد أعجبتهما اللعبة , وغدا المشهد صاخبا , فنظرت باربرا الى باتريك بكبرياء وأكدت فجأة :
" لا شك أنك أصبت , فسمانتا تمتع نفسها , أن الأولاد دائما يستمتعون بالحياة , أليس كذلك؟".
أنزل باتريك جنيفر الى الأرض مدّعيا أنها ثقيلة , ثم نظر الى رفيقته ,وسألها متهكما:
" هل أفهم من قولك أن الكبار لا يمتعون أنفسهم؟".
فأجابته باربرا:
" أنك تسيء فهمي عمدا".
وتكلفت الأحتشام وهي تتسلق السلم وتدخل البيت وكان السيد والسيدة فرايزر زوجين في العقد الخامس من عمرهما , متزوجين منذ نحو عشرين سنة , وكانت جينا , شقيقة باتريك , سيدة نحيلة القوام مديدة القامة تشبه سمانتا في بنيتها , وقد تسرب الشيب الى بعض شعرها , أما زوجها جايلز , فكان رجلا عريض المنكبين أشقر الشعر والبشرة له كرش صغير وقد أستقبل سمانتا ووالدتها أستقبالا دافئا.
أما الضيوف الآخرون , فكانوا أثنين من الجيران مع زوجتيهما الى جانب محام وزوجته , وعقيد متقاعد وأبنته العازبة , أضافة الى بعض الشبان المراهقين من أصدقاء آندرو وفرانسيسكا.

نيو فراولة 25-04-11 11:35 AM

وأرتدى الجميع , بأستثناء باربرا , ملابس عادية تتألف من البناطيل والسترات الصوفية السميكة أتقاء لنسيم البحر البارد , وحزنت سمانتا على باربرا التي أرتدت بزة فرو قصيرة قبل أن تهبط الى الرمال , لأن طبيعتها أبت عليها ألا أن تظهر بمظهر يبهر الجميع حيثما ذهبت وحيثما حلت , ولما كان أرتداء البنطال لا يناسب رجليها القصيرتين , فضّلت أن تكون ملابسها نسائية بالدرجة الأولى.
وتطلعت سمانتا بدهشة الى أنواع الأطعمة المختلفة , ولم تتغلب على أنشداهها ألا عندما أدار الأولاد آلة التسجيل ونهضت لتراقص آندرو , وشكلت الأرض الرملية حلبة مثالية للرقص وسرعان ما وجدت نفسها تتغلب على مشاعرها أذ رأت الجميع يرقصون أيضا , أما الكبار , فجلسوا على مقاعد واطئة صفّت على شكل دائرة حول النار , وتولى خادم يرتدي معطفا أبيض تقديم الشراب , وأصم هدير البحر الآذان , فيما أنتشى الجميع من رائحة الأعشاب , وتمنت سمانتا لو كان الجو أكثر دفئا حتى تتمكن من السباحة , ووصل مزيد من الضيوف بينهم كين مايدسون وشلة من الفتيات , وسرعان ما أصبحت سمانتا وآندرو وسط حشد صاخب , أما الكبار من المحتفلين , فجلسوا يتسامرون ويدخنون.
ولما أفلتت سمانتا من دائرة الضجيج , وجدت نفسها بجاني جينا فرايزر , شقيقة باتريك , التي أبتسمت لها بلطف وسألتها:
" هل تعتبريننا جميعا مجانين؟ أن معظم زواري يتعجبون كيف يمكنني أن أتحمل كل هؤلاء الأولاد النشيطين اليقيظين , لكن عزائي الوحيد هو أنني أستطيع أن أعرف دوما أذا كان أحدهم مريضا , فالمرضى يختلفون عادة عن غيرهم , كين , هل تعرفين كين؟".
" أجل , أليس هو شريك آندرو؟".
" صحيح , أن كين وأصدقاءه غالبا ما يزورونا , وتتسع مائدة أسرتنا لأثنتي عشر شخصا أو أكثر كل ليلة , والكثيرون يجدون حياتنا صاخبة لا تطاق".
علقت سمانتا مبتسمة:
" أنني أغبطك على هذه الأسرة الرائعة , فأنا لم أعرف أبدا معنى أن يكون لي أشقاء وشقيقات".
" هذا مؤكد , أخبريني , هل تحب والدتك الأولاد؟".
أرتبكت سمانتا , فأمتلأت جينا ندامة , وأعتذرت:
" أنني آسفة يا عزيزتي , كان يجب ألا أتفوه بهذه الكلمات , ألا أنني أتسرع دوما , ربما تجنبت والدتك الأتصال بالأولاد عندما تزورنا , ولعل مخيلتي صورت لي ذلك , ولكن , أذا كان الأمر كذلك , فأنني آمل ألا تتزوج باتريك لأنه يحب الأولاد حتى العبادة , ويتمنى , على ما أظن , أن يكون له عدد منهم, والدتي تتذمر عادة من بقائه عازبا".
صم ضحكت وتابعت كلامها:
" مسكين باتريك , أنه رجل لطيف للغاية , وأننا نضطر الى السماح للأولاد بمزيد من الحرية في حضوره لأنهم يحبونه كثيرا".
وهمس صوت مبحوح في أذن سمانتا:
" يحبونه كثيرا؟".
عرفت سمانتا الصوت فورا , وأبتسمت جينا بحب:
" وكأنك لا تعرف! هل تستمتع بالسهرة؟".
قال بمرح:
" أظن ذلك, من هذه الفتة التي تراقص كين الليلة وترتدي معطفا من جلد النمر؟".
" آه , لعلك تقصد أنجيلا!".
وقهقهت جينا , بينما تطلعت سمانتا حولها لترى الفتاة التي تكلم عنها باتريك , وسألها:
" هل أتضحت لك الصورة؟".
" أجل , لقد أتضحت الصورة , ماذا تعمل هذه الفتاة يا سيدة فرايزر؟".
" سيدة , بحق السماء , ناديني جينا يا عزيزتي , الجميع يفعلون ذلك , أما بالنسبة الى أنجيلا , فأتصور أنها راقصة في أحد نوادي المدينة الليلية ".
وهمس باتريك وهو يراقب تقدمها بأتجاه الشاطىء على أنغام الموسيقى الصادحة:
" أنها لرائعة".
فحدقت فيه سمانتا متسائلة :
" أتحسبها كذلك؟".
وأنتقلت جينا لتحادث ضيفا آخر من ضيوفها , وأختلى باتريك بسمانتا خارج دائرة النار , ألا أنها حررت نفسها من ذراعه , وأتجهت نحو البحر ولما لحق بها , أتهمته بقولها:
" أرى أنك كنت تحاول أغرائي".
فسألها متملصا من أتهامها:
" ولماذا أحاول؟".
أدخلت سمانتا يديها في جيبي بنطالها وردت عليه:
" حسنا , ليس من المحتمل أن تقع في هوى فتاة مثلي... أو ... أن ترافقها".
وقلدها باتريك في أدخال يديه في جيوب بنطاله بعد أن تخلى عن معطفه وأبقى على سترته الصوفية:
" لماذا؟".
حولت سمانتا نظرها عنه وقد أنزعجت وأضطربت , ثم صاحت:
" أصمت ,لا أريد أن أسمع أي شيء آخر".
ورغم أنهما خرجا من دائرة الحشد المجتمع حول النار , كان بالأمكان رؤيتهما في ضوء القمر الشاحب ,ووقف باتريك عند طرف الشاطىء يحدق فيها وتساءل بعذوبة:
" حسنا , وماذا تحبين أن تسمعي؟".
هزت سمانتا كتفيها:
" لا شيء , كل شيء".
" يجب أن يكون هناك جواب واحد , ما عساني أن أرد على قولك هذا؟".
ضربت سمانتا الرمال بقدمها صائحة:
" لا شيء , سنذهب غدا الى دافن".
" أعلم ذلك , أخبرتني باربرا بالأمر".

نيو فراولة 25-04-11 11:36 AM

فتمتمت سمانتا بصوت خائب:
" كان لا بد من ذلك".
" يا ألهي! لقد أزعجتك , أليس كذلك؟ أنني أكرر أعتذاري".
قصاحت سمانتا بتعب:
" لا تعذّبني , أنني لست طفلة".
" وهذا أعرفه أيضا , أنك في الحادية والعشرين من عمرك".
فحانت منها ألتفاتة مذعورة :
" كيف عرفت ذلك؟".
هز باتريك كتفيه العريضتين :
" أنه أمر بسيط للغاية , زرت دائرة سمرست".
" وأين هذه الدائرة؟".
" في لندن طبعا , ولعلك لا تعرفين شيئا عنها , أنها تضم مصلحة تسجيل الولادات".
" فهمت".
وأستطرد باتريك متمهلا:
" أرى أنك كذبت علي , وأخبرتني أنك في السادسة عشرة من عمرك".
" صحيح ,ولكن , كيف يمكنني أن أقول عكس ذلك وباربرا , آه , ما الفائدة؟".
" من السهل علي أن أتصور أن باربرا لا تريد الأعتراف بأن لها أبنة في عمرك".
" أجل , هل أخبرتها بأنك تعرف الحقيقة؟".
" كلا , بالطبع ,ولماذا أخبرها؟".
" أذن , لماذا تخبرني أنا؟".
وأبتعدت سمانتا وهي تتساءل عن رأي باريك الحقيقي فيها , أما هو , فتأملها مستغربا كبته لنزواته , وسرعته في دعوتها الى الرجوع الى الجمهور أذ قال:
ط من الخير أن نعود".
فهزت سمانتا كتفيها :
" هل أنت غاضب؟".
" كلا , ولماذا أغضب؟".
" أنك تبدو كذلك".
هز باتريك كتفيه فيما أستدارت سمانتا متنهدة وعادت أدراجها نحو النار , وآلمها أنها لم تتأكد من حقيقة مشاعرها , وأنها لم تفهم موقف باتريك , ولما بلغت شلة الراقصين الشبان , ووجدت أن باتريك أبتعد عنها , تطلعت حولها , وخابت آمالها أذ رأته يقف بجانب كرسي باربرا يتحدث اليها , فيما ضحكت هي له بحيوية , عما كانا يتحدثان؟ هل أخبرها بما فعله؟ لو فعل, فأن سمانتا تتمنى لو تموت.
ووقف آندرو بجانبها يتأملها بأضطراب:
" هل سرت مع خالي العزيز؟".
علت الحمرة محيا سمانتا لشعورها بالذنب , وأجابت:
" أجل , لماذا تسأل؟".
" آه , لا شيء".
وهز آندرو رأسه حائرا , فليس من عادة باتريك أن يتصرف بمثل هذه الطريقة مع فتاة تكاد تكون بعمر أبنته.
قال متنهدا:
" هيا نرقص, فقد أشتقت الى رقصك".
فأبتسمت سمانتا:
" هل هذا صحيح؟ أنني سعيدة بأن يشتاق الي أحد".
وقام عدد آخر من الخدم بتقديم العشاء , وجلست سمانتا مع فتاة أخرى على أريكة , فيما وقف آندرو بقربها يتحدث اليها ويلبي رغباتها , ولم تتناول ألا القليل من الطعام أذ فقدت شهيتها ووجدت صعوبة في أن تأكل شيئا , آه لو بقي باتريك جذابا وبعيدا في آن واحد.

أموووله 25-04-11 02:03 PM

را ئع ننتظر التكمله

نيو فراولة 25-04-11 06:58 PM

6- أين تنتهي اللعبة؟


رقص باتريك مع باربرا على الشاطىء الرملي , ووجد أن عينيه تتحولان بأستمرار الى سمانتا التي أنضمت الى شلة كين مايدسون , وسرعان ما تقبلوها لأنها كانت مثلهم في شبابها وحيويتها , وبدا أنها تستمتع بوقتها.
وتطلع باتريك بعيدا , أنها صغيرة أيا يكن عمرها الحقيقي , والحياة لم تجربها أو تصقلها بعد , ما الذي يجعله يعذب نفسه بالتفكير فيها؟ وأحس أن القدر قد رتب لقاءهما في الطائرة حين كانت سمانتا معلقة بين السماء والأرض , عندئذ كانت قد رمت حياتها اقديمة وراءها , وأستعدت للقاء حياة جديدة تنتظرها , وكان باتريك هو الوسيط وحلقة الوصل بين جزئي وجودها , لذلك يشعر بمسؤوليته عنها , لماذا أنشغل بها وهي التي لم تطلب مشاعدته أو مشورته؟ أما لقاءاتهمت , فأتسمت بالحدة , وماذا وجد فيها حتى شغلت أفكاره طوال الوقت ؟ صحيح أن ليس بالأمكان أنكار جاذبيتها ,ولكن , أذا قورنت الملامح , فأننا نجد باربرا أجمل من أبنتها , وأدق بنيانا منها , وهي علاوة على ذلك لا تهرم أو تشيخ.
منتديات ليلاس
أن الحل الوحيد هو لعنة بالنسبة اليه , أذ من السخف أن يفكر , وهو باتريك مالوري ... الذي يدين كل أنواع المشاعر ما عدا نهمه للنساء , بهذه الطريقة , لم يرد أن يكون شريكا في لعبة الحب التي تقيّد الأنسان وتتطلب منه الكثير , فالمرأة جزء مهم من حياته , تماما مثل الكتابة , ألا أن أقترانه بأمرأة لهدف غير هدف الحصول على ربة لمنزله ومضيفة لضيوفه فكرة لم تخطر له من قبل , يجب أن يعترف بأن شعوره يتعدى كونه مجرد تقدير أو أعجاب بسمانتا .
وأدرك فجأة أن باربرا تتحدث اليه , فتطلع اليها وبدت رائعة الليلة حقا , وقرر أن يستمتع بصحبتها لأن شيئا في علاقتهما لم يتبدل في الواقع , لقد قبل باربرا كما هي , وأقتنع بأنها لن تزعجه , ومع أنها مغرورة وأنانية ومهووسة أحيانا , ألا أنه يعتبرها المرشحة الأكثر حظا في حال أتخاذه قرارا بالزواج.
ألا أن سمانتا غيّرت كل ذلك بالتأكيد , عليه أن يقترن بباربرا ويقبل سمانتا على أنها أبنة زوجته , رغم أن مشاعره نحوها لم تكن مشاعر أبوية على الأطلاق... وهنا سألت باربرا:
" أنها الحادية عشرة والنصف الآن , متى تتوقع أن نذهب؟".
تحول باتريك بأفكاره الى مواضيع أقل خطورة:
" عندما تنتهي الحفلة الراقصة".
وتكاسلت عيناه السوداوان بينما أضاف:
" هل أتعبك السهر والرقص؟".
أكتفت باربرا بطقطقة شفتيها:
" لعلني أشعر بعض الملل".
" معي أنا؟".
وضغطت باربرا على عنقه وهي تجيب:
" أني لا أشعر بالملل معط أبدا يا حبيبي".
منتديات ليلاس
وأعترى باتريك ذعر وأشمئزاز شديدان , هذه ليست الوجهة الصحيحة التي ينبغي أن تسير فيها الأمور, وتمنى مخلصا لو تنتهي علاقته بباربرا عند هذا الحد , فقد كفاه ما عانى حتى الآن , ولا بد أن يجد من الليلة فصاعدا , سببا للأبتعاد عنها , وربما سمحت له ألتزاماته بمغادرة لندن مدة أسبوع أو عشرة أيام في الأكثر , يجب أن يزور كيلني , أن المكان رائع في هذا الفصل من السنة حيث يكثر صيد السمك والطيور.
ولن يجد غير أيرلندا السكينة والسلام اللذين ينشدهما للتخلص من أضطراب أفكاره , فضلا عن أن جرثومة مسرحية جديدة بدأت تعشعش في رأسه , وستتاح له الفرصةهناك لتدوين أفكاره على الورق , بعيدا عن باربرا وسمانتا حيث يستطيع أن يرى الأشياء ثانية كما هي.
وما كادت الموسيقى تنتهي , حتى تقدم جايلز منهما بخطوات عريضة وقد أرتسم العبوس على ملامحه , وحانت منه ألتفاتة غريبة الى باربرا أذ قال:
" هل تسمحين يا آنسة هارييت , أنني أود أن أتحدث الى باتريك على أنفراد".
هزت باربرا كتفيها وأستدارت مبتعدة , فيما أنتحى جايلز بباتريك , وسأله الأخير بقلق:
" ماذا جرى يا جايلز؟ هل يتعلق الأمر بالأولاد؟".
هز جايلز رأسه مغتاظا:
" كلا , كلا , لا شيء من ذلك يا باتريك , أسمعني , لقد تلقينا مخابرة هاتفية من لندن من سيدة تدعى أيميلي , أظن أنها تعمل لحساب الآنسة هارييت".
" هذا صحيح ... أنها خادمتها , أستأنف حديثك".
" من الواضح أن اللايدي دافنبورت أصيبت بنوبة قلبية الليلة...".
" ماذا؟".
" هذا ما أخشاه , و... أيميلي تعتقد أنه من الأفضل أن تبلغ الخبر الى الآنسة هارييت بنفسك".
" أذن , لا بد أنها ماتت".
ضغط باتريك بيده على قلبه , ثم أحنى كتفيه هاتفا:
" آه , يا ألهي! أتصور أن من واجبنا أن نعود الى لندن بأقصى السرعة , أليس كذلك؟".
" أجل , فالطبيب أعلمني برغبة السيدة العجوز في رؤية سمانتا , وهي أبنة الآنسة هارييت على ما أظن , أليس كذلك؟".
" أجل , سمانتا!".

نيو فراولة 25-04-11 07:00 PM

ومد باتريك بصره الى الأمام وقد أكفهر وجهه , ثم بدأ يستجمع أفكاره:
"أسمع , سوف أخبر باربرا ,ثم ننطلق , وبعد ذهابنا توضح الأمر للضيوف , كما سأخبر سمانتا بالطبع لأنه من البديهي أن تحضر معنا , وقل لآندرو أن من الخير أن يبقى هنا , لأنني لا أظنه يرغب بالعودة معنا والأوضاع على ما هي الآن".
" كلا , كلا , سوف أتحدث الى آندرو , كما سأشرح الوضع لجينا , حاول أن تسرع قدر ما أستطعت , أتمنى لك حظا سعيدا يا باتريك".
وأخذ باتريك يبحث عن باربرا التي وقفت بجانب آلة التسجيل تعبث بالأشرطة وقد فكر لحظة كيف ستتلقى الخبر الذي سينقله اليها ... منذ قليل كان يفكر أنه يعاني بعض الصعوبات , غير أن هذا الحدث خلق ألوفا مؤلفة من التعقيدات الجديدة , وسمانتا , ماذا عن سمانتا الآن ؟ كان من المفترض أن تعيش مع جدتها , وأن تذهبا صباحا الى دافن , ماذا سيحل بها الآن؟
أنقبضت معدته , لقد أصبحت سمانتا شيئا مهما بالنسبة اليه, بل الشيء الأهم في حياته , وهي لا تحس ولا تدري.
وأتجه ببطء صوب باربرا التي أستدارت فور سماعها وقع أقدامه قائلة:
" حسنا ,هل أنتهى مؤتمركما؟ ولماذا أنت كئيب؟ ماذا هناك ؟ لا بد أن أعترف بأنني وجدت غرابة في تصرف جايلز".
قادها باتريك الى أحد المقاعد اخشبية الطويلة بجانب طاولة العشاء الخالية الآن:
" لدي شيء مهم أخبرك به يا حبيبتي , فأجلسي لأنني أريد أن أنتهي من الأمر بسرعة".
تراقصت عينا باربرا فرحا:
" شيء تخبرني به ؟ لماذا يا باتريك؟ يا للمتعة!".
ضاقت عينا باتريك , ولما جلست وضع أحدى قدميه على المقعد , وأنحنى فوقها فيما راقبته باربرا بشغف وعيناها تتلألأن كنجمتين ساطعتين , لقد تيقنت أن الأمر مهم , وتضرعت الى الله أن يكون ما طالما تمنت سماعه , وما أن تلفظ بكلماته , حتى دهشت بل ذعرت , وبان عل وجهها للحظة تقدمها الكبير في السن , وأحست أنها ستنهار على الأرض
بسبب الصدمة وخيبة الأمل , ثم سألت ببلادة :
" هل ماتت؟".
" كلا , ألا أنني فهمت أن الطبيب لا يعتقد أنها ستبقى حية الى الصباح".
وتقلصت عضلات وجه باربرا:
" آه , آه, باتريك , لماذا يجب أن يحدث ما حدث؟".
وأنفجرت باكية , وأخذت تنتحب بصوت عال.
" علينا أن نذهب الآن , ويجب أبلاغ سمانتا واالعودة الى المدينة بأقصى السرعة".
تأملته باربرا بغرابة , ثم أنتصبت واقفة وسألته برقة:
" ماذا يمكنني أن أفعل بدونك يا ساعدي الأيمن؟".
فرد بهدوء:
" أحسبني لا أنفع في معالجة النساء النائحات , وأنني أعزيك من كل قلبي".
وعادت باربرا الى البكاء ثانية , ولكن بهدوء هذه المرة.
" لنفترض أنها ماتت , ماذا أفعل؟ سأشعر بأقصى حالات العزلة والوحدة ,ولن أستطيع أن أعيش في وحدتي".
فعلّق باتريك بوقاحة:
" لكنك لا تعيشين مع أمك".
" صحيح , ألا أنها دائما تهّب الى نجدتي عندما أحتاج اليها".
تقزز باتريك وهو يفكر , ما أعظم أنانيتك أيتها المرأة ! هل تفكر باربرا بأحد سوى نفسها , ثم أستأنف حديثه:
" وهناك سمانتا , أنها تعيش وحيدة أيضا".
فحدقت برابارا فيه مستفهمة:
" سمانتا مستقلة بتفكيرها مثل والدها , وهي لا تحتاجني".
فسألها باتريك بأبهام:
" ألا تحتاجك؟ لكنها تحتاج أن يكون بجانبها شخص واحد على الأقل".
أغمضت باربرا عينيها نصف أغماضة ,وسألته:
" هل لديك أية أقتراحات؟".
تكلّف باتريك أبتسامة صغيرة:
" ولماذا تكون لدي أقتراحات؟ على أية حال , من الخير أن تعلمها الآن".
وأتجها الى حيث كانت شلة المراهقين ترقص على الرمال , وتطلعت سمانتا, التي تنتبه دائما الى وجود باتريك , لتواجههما في هذه اللحظة ,وفطن باتريك الى مشاعره مجددا , كانت رائعة في وقفتها هناك بقامتها المديدة وقدها الممشوق ونظرتها الغريبة , أصابه ألم شديد يفري الكبد, عندئذ أدرك أنه يحبها , وهنا نادتها باربرا بسرعة:
" سمانتا , أننا ذاهبون".
كانت رحلة العودة الى لندن أطول رحلة عرفتها سمانتا , وقد تجمدت يأسا وقلقا , ومع أنها لم تذرف دمعة واحدة عندما تلقت خبر أصابة جدتها بنوبة قلبية , ألا أنها أدركت أن دموعها ستسيل فيما بعد, وشعرت بذهول وعدم تصديق , أذ روعها أحتمال أن تكون السيدة العجوز المحبوبة , التي رحبت بها في أنكلترا , وأفهمتها أنها بحاجة اليها , تواجه سكرات الموت , ألا يحتمل أن يكون وصولها قد عجّل في حدوث الكارثة؟ هل يمكن أن يكون أرهاق جدتها في الأسبوع الماضي مسؤولا عن تخاذل قلبها , وأكتفت سمانتا بأن تكون هذه الأفكار رفيقة دربها , ولم تكن بحاجة الى سماع والدتها وهي تندب حظها وتبكي جدتها بين الحين والآخر وأيقنت أن باربرا تتظاهر بالحزن لتستدر عطف باتريك , ولم يتكلم باتريك منذ أنطلاقهم في رحلة العودة الا قليلا , وغرق في أفكاره الخاصة , فتساءلت سمانتا عما يدور في خلده خصوصا وأنه يعرف اللايدي دافنبورت , ويعرف جسامة الكارثة.
ووصلوا الى المدينة أخيرا , فساعد باربرا على الترجل , أما سمانتا , فسبقته الى الخروج , وأندفعت بسرعة الى داخل المبنى.

نيو فراولة 25-04-11 07:02 PM

أنتظر طبيب اللايدي دافنبورت وصول الثلاثة , وكان رجلا نشيطا صغير الجسم , في أواخر العقد السادس من عمره , طويل الشاربين , وبدا شديد الأضطراب بينما يذرع الشقة بعصبية , أكتفت سمانتا بنظرة واحدة الى محياه حتى تتأكد من صحة مخاوفها , فتجمدت في مكانها , بينما أغلق باتريك الباب ونظروا جميعا الى الطبيب الذي تحدث بنبرة حزينة:
" يؤسفني أن أبلغكم وفاة اللايدي دافنبورت قبل نصف ساعة".
منتديات ليلاس
وأسرعت باربرا بأتجاه غرفة نوم والدتها , حيث خرّت على ركبتيها بجانب السرير تنتحب بحدة , وخرجت أيميلي من الغرفة بعد لحظات, وأغلقت الباب خلفها بعدم أكتراث , بدا على وجهها الشحوب وكأنها كانت هي أيضا تبكي , لكنها كانت الآن هادئة ورابطة الجأش , وفرك الطبيب ذقنه متأسفا , ثم حوّل نظره الى باتريك , وقال ببطء:
" لم يكن بوسعي أن أفعل الكثير لها , لقد بدأ قلبها يضعف منذ سنوات عديدة , وحين أبلغتني قبل أسبوعين بحضورها الى لندن , نصحتها ألا ترهق نفسها , لقد كانت سيدة عجوزا , ولم يطل الأمر كثيرا....".
وتحول الطبيب ببصره الى أيميلي:
" هلا تفضلت بأبلاغ الآنسة هارييت بأنني سأحضر صباحا لأعداد شهادة الوفاة , والتدقيق في التفاصيل ؟ فليس هنا شيء آخر يمكن فعله الليلة".
وتقدمت منه أيميلي قائلة:
" أجل يا سيدي , شكرا لك على كل ما فعلته".
وأبتسم الطبيب بشيء من الحزن:
" أشكرك , لقد كنت في شجاعتك وقوتك أشبه بالأبطال".
ولما غادر الطبيب , أستدار باتريك وهو غارق في التفكير نحو سمانتا التي ظلت متسمرة في مكانها منذ دخلت الشقة , وكأنها غرست في الأرض , وبدا عليها الذهول , ولما خاطبها باتريك , تطلعت اليه بعينين خضراوين حزينتين , فأقترب منها وهو يتمتم دون أن يكترث لوجود أيميلي خلفهما:
" سمانتا! سمانتا , أرجوك".
فقالت سمانتا وهي تهز رأسها :
" لقد توفيت , آه يا باتريك , لماذا يموت كل الذين أحبهم؟".
رد باتريك عليها بقسوة:
" كفي عن هذا الهراء , فجدتك سيدة عجوز , وعجوز جدا , ولا شك أنك سمعت ما قاله الطبيب , وكان من المحتمل أن يحدث ذلك في أي وقت من الأوقات , ومن البديهي أن يكون فرحها بوصولك قد أثر عليها , ألا أنها حققت أمنيتها برؤيتك وأحضارك الى هنا , وهذا كاف بحد ذاته".
وألتمعت عيناه حنوا:
" عليك أن تصدّقي ذلك يا سمانتا لأنه الحقيقة".
فأطلقت سمانتا تنهيدة حارة:
" أنا واثقة من أنك على صواب , ولكن , هذا ليس عدلا , الحقيقة أن الفرصة لم تتح لها , لقد كنا على أهبة التوجه الى دافن... غدا... بل اليوم ! والآن , أنتهى كل شيء".
" ما الذي أنتهى؟".
" هذه القصة بكاملها, هذا القناع , لن أبقى هنا بعد الآن , ومع باربرا ".
وألتمعت الصلابة في عيني باتريك:
" آه! لكنك ستبقين يا سمانتا لأنك تنتمين الى هذه الأسرة , ولن يمكنك الهروب".
" الهروب ؟ ممن؟ أن باربرا لا تريدني هنا".
فعلق باتريك بجفاء:
" لن أصدق هذا الكلام , فأنا أتصور أن ليس أمامها أي خيار وأن غادرت الآن... كلا , أظن أنه من الواجب أن تبقي".
" وماذاأذا لم أرغب في ذلك؟".
" لا شك أن باربرا ستجد طريقة لأجبارك , لا تخشي شيئا".
عندئذ خرجت باربرا من غرفة والدتها وقد جففت دموعها وأمتقع لونها بشكل مؤثر , وهتفت:
" آه يا باتريك! أرجو المعذرة , لقد نسيت نفسي كليا , وأنت يا سمانتا! أيتها الحبيبة! هل يمكننا أن نتحمل المأساة معا؟".
منتديات ليلاس
لم تتحمل سمانتا ذلك , بل شعرت برغبة في التقيؤ , ونقلت نظرها بينهما ,ثم أطلقت صرخة مكتومة , وأندفعت عبر الردهة بأتجاه غرفتها , هزت باربرا كتفيها , وتطلعت الى باتريك وكأنها مرتبكة , وتنهدت صارخة:
" ما أشقاني! أن الفتاة ساخطة , وأن الأمور ستتعقد".
" ولماذا تتعقد؟".
" أشعر أن سمانتا ليست طفلة سهلة الأنقياد".
" طفلة ؟ أنها ليست طفلة".
ضاقت عينا باربرا فيما خاطبته بأستفزاز:
" أنها لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها".
تجاهل باتريك معرفته بالسر فلا الزمان ولا المكان يسمحان بأثارة هذا الموضوع , وقال:
" عليّ أن أذهب, وسأرجع صباحا لأرى أذا كان بأمكاني مساعدتك في شيء , وفي أي حال , فأن الطبيب وعد بأن يرجع في الصباح ليرتب الأمور ويدقق التفاصيل ,وأظن أن الصحف ستنشر القصة عندئذ".
نظرت اليه باربرا متألمة:
" أحتمال أكيد , حسنا يا باتريك , أنني أشكرك كثيرا".
ثم أستأنفت حديثها بشيء من البرودة:
" يبدو أنني أذكرك بالواقع في كل مرة ألتقيك هذه الأيام".
فأبتسم باتريك لها متندرا:
" أنك تفعلين , أذن! لا بد أن يكوني طموحي أعظم من ذلك".
" والآن , تصبحين على خير يا باربرا".

نيو فراولة 25-04-11 07:05 PM

ولما أغلق الباب خلفه , أشعلت باربرا سيكارة بأصابع مرتجفة , وأعتراها غضب عارم , غضب مكبوت , لقد أظهرت كثيرا من اللين مع باتريك , ألا أنه لم يفطن لذلك , فلماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ وذرعت الردهة ذهابا وأيابا بغضب.
كان من واجبها أن تفعل أشياء كثيرة , والحقيقة أن مشهد باتريك وهو يقف بجانب سمانتا ناظرا اليها بعينين قلقتين تنمّان عن الرقة , قوّض مشاريعها , وسمانتا! أنه لأمر محزن , لقد ظنها أبنة ست عشرة سنة , ولو كانت كذلك , لكان هو بمثابة والدها , ألا يملك ذرة من الكبرياء؟
هل تقف مكتوفة اليدين تتفرج على الرجل الذي أخلصت له يتصرف تصرفا أحمق مع أبنتها؟ كلا , أنها لن تسمح بحدوث مثل هذا الأمر لا بد من فعل شيء ما , ماذا يمكنها أن تفعل؟
كان لا بد من دفن اللايدي دافنبورت في دافن لأنها أعربت عن رغبتها في أن ترقد في مقبرة العائلة هناك , وهكذا رأت سمانتا بيت المستقبل في أوضاع تختلف كثيرا عن تلك التي توقعتها , وأصابها الدوار منذ ليلة وفاة جدتها المشؤومة , وعاودها نفس الشعور عند غياب والدها , ومع أنها لم تعرف جدتها مدة طويلة , فأن علاقتهما كانت حميمة , والآن , لم تعد تشعر بالأمان الذي أنتزع منها فجأة ,ألا في حضور باتريك.
وأتسم سلوك باربرا أتجاه أبنتها بالبرودة والتحفظ , ولم تظهر الحنان والأنفتاح ألا أمام الصحفيين الذين حضروا لمقابلة السيدتين وأخذ الصور اللتذكارية لهما , وروعت الشهرة سمانتا التي طالما أعتبرت حادث الوفاة في أسرتها أمرا عائليا بحتا , كما أنها أشمأزت من أرتداء باربرا ثياب الحداد السوداء التي زادت شقرتها بروزا , وتأديتها دور الأبنة المهجورة المتعلقة بمسانتا طلبا للمساندة , وتكاثرت زيارات مارتن برايور , المعلّق المعروف , وكان على سمانتا أن تبتعد عن دائرة الضوء قدر المستطاع , فيما حاول برايور جهده أن يدخلها في كل مقال يكتبه أذ أذهلته رباطة جأشها التي لا تظهر في أولاد بعمرها , وتساءلت سمانتا , وقد فطنت الى الأمر , متى سيزور برايور دائرة تسجيل الولادات كما فعل باتريك , ثم يرجع ليواجه باربرا بالحقائق المجرّدة؟ وخشيت أن تفكر بما يحدث لو علمت باربرا أن باتريك يعرف الحقيقة.
وصلت سمانتا الى مسكن دافن في سيارة الرولز رويس بصحبة بارنز قبل الدفن بيوك كامل , اما باربرا , فكانت قد سبقتها الى المكان للقيام بالترتيبات اللازمة , ولذلك لم يكن بأمكانها أن ترى أبنتها كثيرا.
وبعد تناولها العشاء بمفردها , آوت الى سرير عريض كاد يتسع لعشرة أشخاص معها , ووجدت سمانتا صعوبة مضاعفة في الخلود الى النوم لأن الفراش الوثير المحشو بالريش وفر لها دفئا شديدا لم تألفه, وأستيقظت مع خيوط الفجر الأولى قبل صياح الديك , وأزاحت الستائر حتى تسمح للضوء الناعم بالتسرب من الخارج , ثم تأملت مشهدا طبيعيا وادعا أعاد الهدوء الى أفكارها المضطربة , وأمكن لسمانتا أن تلمح بين المروج الخضراء روضة أزهار أحيطت بسياج عال , كما شاهدت بركة صغيرة , فتساءلت أذا كانت أسماك الذهب الصغيرة تستطيع ة , وقضت هذا الصباح مزهوة بأستطلاع الأراضي المحيطة بالمنزل , فوجدت أصطبلات للخيول كما قالت جدتها , وأفرحها جوادان لامساها بأنفيهما طلبا للسكر , وقدم لها سائس الخيل العجوز بعض السكر لتطعمهما , وكان هناك بغل صغير بني اللون لحق بسمانتا , وتأكدت من محبتها له , ولما أخبرها صاحب الأصطبلات أنه لم يطلق عليه أسما بعد , أمضت بضع دقائق تختار له أسما بقصد السلوى.
كانت مراسم الدفن ستتم عند الساعة الحادية عشرة , ولما عادت سمانتا لتناول فطورها , وجدت باربرا ترشف بعض القهوة المرة وهي تدخن,ولشد ما سرت حين حان الوقت للأستعداد , وأيقظ أرتداء ملابس الحداد فيها العزم على ألا تبكي علنا.
حضر باتريك من لندن بعد العاشرة بقليل , ولا شك أنه نهض أبكر بكثير من عادته , وبدا متأنقا في بزته الصباحية القاتمة وربطة عنقه السوداء , وكاد قلب سمانتا يضيع من صدرها أذ رأته , لقد أضحى حبيبا بالنسبة اليها , وحبيبا جدا , وأحست أنها وحيدة في العالم مرة أخرى , خصوصا وأنه لم يكن بمقدورها الأعتماد على باربرا , التي أوضحت لها بجلاء في الأيام القليلة الماضية , أن دوافعها لأدخالها دائرة الضوء معها بدأت تتلاشى بسرعة , وأنها كلما أسرعت في العودة الى حيث جاءت, كلما فرحت بها وأحبتها , وكلمها باتريك بعطف:
" مرحبا , هل أنت بخير؟".
فحدقت فيه وقد ضاقت نفسها , ثم همست:
" أنني... أنني بخير الآن".
" أين أمك؟".
" أحسب أنها في قاعة الجلوس مع متعهّدي الطعام الذين يعدون الغداء....".

نيو فراولة 25-04-11 07:07 PM

أطرق باتريك , ثم سألها:
" وماذا ستفعلين بعد ذلك؟".
حنت سمانتا رأسها لتخفي أرتباكها:
" لست أدري".
ودنا باتريك منها ثانية وهمس في أذنها:
" ألا تدرين؟ ألا تريدين أن تعودي معي الى لندن؟".
رفعت بصرها اليه , وقد بان الذهول في عينيها , عندئذ خرجت باربرا من قاعة الجلوس الى البهو وقد أرتدت ملابسها السوداء , وأبتعدت سمانتا عن باتريك فورا , فلم يتح لها مجال الرد على أسئلته , أما باربرا فدنت منه هاتفة:
" حبيي , ها أنت قد حضرت , وأحسبني قد سمعت صوت السيارة منذ دقائق".
" صحيح يا باربرا , كنت أتحدث الى سمانتا ... هل كل شيء على ما يرام؟".
ثم سارا معا يتحدثان , فيما حاولت سمانتا أستجماع أفكارها , ماذا قصد باتريك بجملته الأخيرة ؟ وماذا عنى؟
منتديات ليلاس
وتملكتها حيرة مطلقة لأن لقاءها الأخير بباتريك أكد لها أمرا واحدا , هو أنشداده اليها , لكنها لم تستطع أن تقرر أذا كان ذلك الأنشداد مؤقتا أو دائما , ولعله يستمتع بمداعبة الزهرة المنسية في الحديقة , لكنه عند أتخاذ القرار , لا بد أن يختار الزهرة الأنضر , والتي أشتد عليها الأقبال , ويهمل أبنة صديقته القديمة الجاهلة والساذجة , والأعجاب لا يمكن أن يسمى حبا , أذن , لماذا دعاها لمرافقته الى لندن؟
وأصابتها الرجفة لأن ما خطر لها لا يمكن تجاهله , هل قصد أن تغادر دافن معه؟ وأنطوت على نفسها برهة فيما أغمضت عينيها , وطرح عليها عقلها أسئلة كثيرة , أليس من الممتع أن يتمنى الحصول عليها بهذه الطريقة , لأشباع رغباته ولأختيار نشوة التملك ولو لفترة قصيرة ؟ أوليس الحصول على كسرة خبز أفضل من عدم الحصول على شيء ؟ أيام معدودة في الفردوس.
" أرجو المعذرة , ألست أنت الآنسة كنغزلي؟".
فتحت سمانتا عينيها وقد أحمرت خجلا وأحست بحماقتها , وكأن أفكارها قد كتبت على صفحة وجهها بحيث يقرأها الجميع , ووقف أمامها رجل متقدم في السن يرتدي بزة صباحية فاتحة , وكان رأسه أعلى من مستوى ذقنها بقليل , فأجابته بأرتباك:
" أجل , أنني سمانتا كنغزلي".
" ظننت ذلك , أنني آسف أذ قطعت عليك تفكيرك وأحلامك".
تعاظمت حمرة سمانتا وخجلها كثيرا وقالت:
" أرجوك.......".
فأبتسم الرجل لها:
" لا .... لا تعتذري يا عزيزتي ... علي أن أقدم لك نفسي , أسمي يولام , جوزيف يولام محامي جدتك ومستشارها القانوني".
فبادرته سمانتا الأبتسام فيما تضاءلت حمرتها:
" آه , أجل , كيف حالك يا سيدي ؟ هل تبحث عن والدتي؟".
" ليس بالضرورة , لقد تمنيت أن أتحدث معك حتى تتسنى لي معرفتك على نحو أفضل , ولا يزال أمامنا متسع من الوقت حتى نتجه الى الكنيسة , لقد حضرت جدتك الى مكتبي بينما كنت في اندن وأخبرتني الكثير عنك".
خفضت سمانتا رأسها:
" كم تمنيت لو أنني عرفتها مدة أطول".
" حسنا , أنا متأكد أنها تمنّت ذلك أيضا يا عزيزتي".
ودخلا غرفة الجلوس الصباحية معا حيث غطيت قطع الأثاث بشراشف بيضاء كما في معظم الغرف , غير أن سمانتا رفعت الشراشف عن مقعدين , ثم دعت ضيفها الى الجلوس , ولما أرتاحا , سألها السيد يولام:
" أخبريني , هل لديك أي خطط بشأن مستقبلك؟".
منتديات ليلاس
تنهدت سمانتا:
" الحقيقة , كلا , فأنا...حسنا... أنني لا أريد التعدّي على حياة والدتي الخاصة , فهي سيدة كثيرة... المشاغل".
" باربرا كانت دائما.... كثيرة المشاغل".
وتردد السيد يولام قبل أن ينطق بكلماته الأخيرة , ثم أضاف:
" علمت أنها ستبدأ بعرض مسرحية في شهر كانون الأول ( يناير) المقبل".
" أجل , وأنني أعتقد أن السيد مالوري , باتريك مالوري , هو الذي كتب المسرحية الجديدة".
" باتريك مالوري! ألتقيت هذا الرجل من قبل , هل هو هنا اليوم؟".
" أجل , والحقيقة أنه يجلس مع أمي الآن".
وسعل السيد يولام بشكل مرتبك:
" هل يحتمل أن تتزوج والدتك ثانية؟".
بلعت سمانتا ريقها بصعوبة:
" تفضل أن تتزوج بالسيد مالوري طبعا؟".
" حسنا , أذكر أن جدتك تصورت الأمر معقولا".
هزت سمانتا كتفيها النحيلتين:
" أجل , لكي لا أستطيع الجزم بأي شيء , لأن باربرا لم تحدثني عنه".
" وأذا تزوجا , هل ترغبين في الأقامة معهما؟".
" آه ! كلا!".

نيو فراولة 25-04-11 07:10 PM

ظهرت الحدة على سمانتا , هل تقيم مع باتريك ووالدتها! وهي تعرف أنهما زوج وزجة ! أن ذلك مؤلم وخطر ! وأطرق السيد يولام وربت على ركبتها:
" هذا ممتع , لا تقلقي يا عزيزتي , فأنني واثق أن لا داع لخوفك".
" خوفي؟".
رد عليها السيد يولام ببساطة:
" أنه ضرب من المبالغة".
ثم نظر الى ساعته:
" أحسب أن علينا الأنضمام الى الآخرين لأن الموعد أقترب".
وحضر الى جانب باربرا وباتريك وسمانتا والسيد يولام عدد من أصدقاء اللايدي دافنبورت القدامى الذين سكنوا في الحي نفسه , ورافقت أيميلي , خادمة اللايدي دافنبورت ومرافقتها , السيد يولام وباتريك في سيارة الأخير , في حين أحضرت سيارات عديدة لنقل باقي الحاضرين .
لم تسمح لنفسها بالبكاء علنا , بينما لم تنقطع باربرا عن البكاء تقريبا , وغالبا ما وجدت باتريك بجانبها , فكان لها غزاء ومواساة , وبعد تأدية مراسم الدفن القصيرة , ووري رفات اللايدي دافنبورت في مدافن العائلة.
ولما كان وكيل أعمال باربرا , تشارلز باريت , قد حضر من لندن , فقد أرجعها في سيارته الى المنزل , لذلك قبلت سمانتا دعوة باتريك لها بأستعمال سيارته في طريق العودة , وراقبها باتريك وهي تستقل السيارة بعينين دافئتين ملؤهما الحنو , ألا أن سمانتا أجبرت نفسها على عدم لمس أو طلب مساعدته وحمايته , ولم تتطلع اليه بعد ذلك , بل أجبرت نفسها على التحديق خارج النافذة , ولما أدار باتريك السيارة وعاد بها صوب البيت قال:
" تعلمين أنك في مأمن معي".
قلبت سمانتا قفازيها الموضوعين في حضنها هاتفة:
" في مأمن؟ أنني لا أفهم قصدك".
" ألا تفهمين؟ حسنا يا عزيزتي , أنك تتصرفين معي وكأنني وغد ينوي أنتهاكك".
" لا تكن فظا في كلامك".
" هذه ليست فظاظة , بل الحقيقة , ماذا ظننت أنني قصدت من محادثتنا القصيرة في البهو؟".
" أنني لا... لا أستطيع أن أفهم شيئا ".
فعلّق بفظاظة:
" أذا صحّ حكمي على تعابير وجهك , أستطيع القول أنك توقعت أمورا كثيرة , يا ألهي ! قولي لي يا سمانتا , ماذا تعتبرينني؟".
أطبقت سمانتا شفتيها لحظة , ثم قالت :
" لا... لا أظن أن رأيي مهم , لكنني أود أن أعرف, ماذا قصدت من دعوتك لي بأصطحابك الى لندن؟".
قبض باتريك على مقود السيارة بأصابع متشنجة:
" هل تسألينني ذلك؟".
" ولماذا لا أسألك؟ كيف يمكنني أن أعرف ماذا يدور في رأسك؟".
وبدا باتريك مغتاظا الى أقصى الحدود , فيما أحست سمانتا برعشة , وأوقف السيارة أمام باب المنزل الأمامي , ثم تطلع اليها بعينين يتطاير منهما الشرر , وقال ببرودة:
" تفضلي بالخروج".
أطاعت سمانتا أمره , وألقت عليه نظرة أخرى فيما ظل قابعا في مقعده , وسارت بأتجاه الباب برجلين مرتجفتين , ماذا فعلت الآن؟ وأين ستنتهي اللعبة؟

نيو فراولة 25-04-11 07:12 PM

7- الشجار الأخير


بعد الغداء , طلب السيد يولام من باربرا وسمانتا وأيميلي مرافقته الى المكتبة , ولما كانت سمانتا لا تعرف أن وصية الميت تقرأ بعد دفنه عادة , أستفسرت عن سبب دعوتها , والحقيقة أنها لم تستطع أن تفهم السر الذي سيطلعها عليه السيد يولام ,والذي لم يستطع البوح به في محادثتهما الصباحية , وكلمها الآن بصورة جدية:
" أنك أنت وأمك وأيميلي المستفيدون الثلاثة من وصية جدتك , ألم تحضري قراءة وصية قبل اليوم؟".
فهزت سمانتا رأسها سلبا , وأضاف السيد يولام:
" هيا بنا أذن , حتى لا نضيع مزيدا من الوقت".
أتسمت مقدمة الوصية بالقصر والوضوح , وورد أسم أيميلي أولا , فأوصي لها بمبلغ ألف جنيه علاوة على دخل سنوي مقداره خمسمئة جنيه الى حين وفاتها , حتى تصبح مستقلة كما جاء في وصية اللايدي دافنبورت حرفيا , ولشد ما أبتهجت أيميلي وأخذت تنقب في حقيبة يدها عن منديل تمسح به دموع التأثر , في حين أبتسمت لها سامنتا , أما باربرا , فلم تعط أي دليل على شعورها بأستثناء نظرة أستعلاء سدّدتها الى أيميلي.
منتديات ليلاس
وكم كانت دهشة باربارا عظيمة أذ جاء أسمها ثانية على قائمة الورثة , فأنحنت الى الأمام وضاقت عيناها , وتساءلت سمانتا عن رأي السيد يولام , في فضول أمها المتزايد , : " الى أبنتي باربرا , التي أورثتها الكثير , أوصي بميراث مقداره عشرة آلاف جنيه وظف معظمها في شراء الأسهم.....".
وأطلقت سمانتا صيحة مخنوقة , فيما أستطرد السيد يولام يقرأ :
" ... ولها جواهر الأسرة التي تدرّ عليها مبالغ ضخمة أن هي أحتاجت أن تبيع أيا منها , وأستثني من تلك الجواهر فقط لآلىء والدتي أذ ينبغي أن تقدم الى سمانتا في يوم عرسها ".
نهضت باربرا من مقعدها , وحدقت في المحامي بذهول فيما صاحت في وجهه ساخطة:
" هل هذا كل شيء؟".
تفرس السيد يولام بالوصية ثم قال:
" أعتقد ذلك , أجل يا آنسة هارييت , هذا كل شيء يتعلق بك".
فصاحت بأستياء وضعف:
" ولكن هذا مضحك, ولا يمكن أن يكون صحيحا , فماذا عن دافن... الأملاك.... هذا المنزل؟".
أجابها السيد يولام وهو ينظر اليها بقسوة:
" أذا كلفت نفسك عناء الأنتظار بضع لحظات , تابعت قراءة الوصية , هل يمكنني أستئناف عملي؟".
خفضت باربرا رأسها بعنف , وتراجعت الى الوراء ثم أشعلت سيكارة بأصابع مرتجفة , وأنتظرت قراءة البند التالي.
أما سمانتا , فأرتجفت , ماذا يعني كل هذا؟ وهل يمكن بعد ما قالته لها جدتها أن لا تكون باربرا ممسكة بكل أطراف اللعبة؟
ورمق السيد يولام باربرا بنظرة أستهجان أخرى قبل أن يستأنف قراءة الوثيقة:
" وأخيرا , أوصي الى حفيدتي سمانتا بقية أملاكي بما فيها مسكن دافن وكل الأراضي المحيطة به".
عندئذ شهقت سمانتا , لا شك أنها تحلم ! وتابع السيد يولام قراءته:
" لقد أوصيت بالبيت لسمانتا علاوة على دخل يساعدها على صيانته , لأن ليس لها منزل تسكنه بعد وفاة والدها , وأذا حدث أن تزوجت باربرا ثانية , فأنني واثقة أنها تفضل لأبنتها أن تكون مستقلة عنها".
وهتفت باربرا بحنق وقد أنتصبت واقفة:
" لا شك أنها جنت, لا يمكن أن أقبل بذلك , فهي لم تعرف أن سمانتا قادمة ألا في الأسابيع القليلة الماضية".
منتديات ليلاس
رد السيد يولام على أدعاءاتها:
" أنني أوافقك في جزء من أقوالك على الأقل , صحيح أنها تعرف أن سمانتا ستحضر الى هنا , لكنها عندما عرفت , حضرت الي أثناء وجودها في لندن ولم تغير الوصية لصالح الآنسة كنغزلي ألا قبل وفاتها ببضعة أيام".
سحلت باربرا سيكارتها بقسوة , لقد خاضت معركة خاسرة مع نفسها , في حين عجزت سمانتا المذهولة عن المشاركة في الحديث وحانت ألتفاتة من السيد يولام بأتجاه سمانتا , فيما تجاهل باربرا وأنفعالاتها لحظة , ثم أخرج مظروفا من حقيبة أوراقه قائلا:
" أن لك في عهدتي رسالة يا عزيزتي , طلبت ألي جدتك أعطاءك أياها بعد وفاتها , وأغلب الظن أن فيها التفسير لما حدث".
وتذمرت باربرا بوقاحة وصوت عال :
" ماذا؟ هل تحتاج الى تعليل وتفسير ؟ من الذي يحتاج الى تفسير لكل ما حدث؟ أنني أعتبر كل ما حدث أغرب ضروب الخداع والمكر".
وكلمها السيد يولام برقة:
" أنني لا أحمل لك رسالة لسوء الحظ , والى ذلك يا آنسة هارييت , أرجو ألا يزعجك قولي أنك تسلمت ما يكفي من الميراث , وكثيرا ما أخبرتني والدتك عن كرهك لكل ما يتعلق بدافن".
فأجابته باربرا وهي تفكر أنها تخلت عن سلوك السيدات وتصرفهن اللائق :
" لا يزعجني قولك أبدا , لكنني أعتبر ما حدث مروعا , فليس من العدل أن تقتحم هذه المخلوقة حياتنا وتغتصب...".
وأشارت بيدها الى سمانتا , عندئذ تكلمت أيميلي للمرة الأولى:
" هذه المخلوقة , كما تصفينها بوقاحة , ليست سوى أبنتك".

نيو فراولة 25-04-11 07:14 PM

فصاحت باربرا في وجه أيميلي وهي تصب عليها جام غضبها:
" أصمتي أيتها العجوز المحبة للخصام , يا من حاولت الألتفاف حول والدتي بكلماتك المثيرة , لا تحسبي أنني غافلة عما فعلت...".
أنتصب السيد يولام واقفا وقد رفع يده:
" كفى! أنك تنسين نفسك يا آنسة هارييت , وكلماتك تشير الى فضيحة وأتهامات أرجو أن تحذري منها , فلو شاءت الآنسة أيميلي أن.......".
أزداد زجه باربرا قبحا:
" أصمتوا جميعا , أنني أريد مقاومة هذا الوضع , ولا تظنوا أنني سأتوقف عند هذا الحد".
فأخبرها السيد يولام وقد غضب هو الآخر:
" أذا فعلت ذلك , فستثيرين حولك عاصفة كبيرة من الضجيج ,وستجعلك الصحافة هدفا لأشاعاتها , خصوصا وأن القضية تتركز حول أعتراض أم على وصية لأن أبنتها هي المستفيدة الأولى منها".
أرتجفت باربرا وقد شل الغضب تفكيرها , وصاحت:
" أنكم جميعا تضايقونني".
كبت السيد يولام ثورته وخاطبها:
" أرجوك , أصمتي , أما أنت يا سمانتا , فهاك رسالتك يا عزيزتي".
" أشكرك".
نجحت سمانتا في نطق هذه الكلمة وأخذ الرسالة من السيد يولام , ألا أنها فتحت الرسالة بأصابع مرتجفة , بينما راقبتها أمها وكأنها تنوي أن تنتزعها من يدها وتطلع على محتواها , وجاء في الخطاب ما يلي:
" عزيزتي سمانتا :
علي أولا أن أطلب المعذرة منك للأكاذيب التي لفّقتها لك عند وصولك الى أنكلترا , فلقد كان من الضروري أن تبقي هنا بناء على شروط باربرا , ولم أجد وسيلة أخرى لأقناعك سوى أن أضع مستقبلي بين يديك .
لقد أثبت أنك أبنة والدك في هذه الناحية , وأنني أحببتك من أجل ذلك , لكنني أقدم لك الآن منزلا لم تتوقعي أن تملكيه آملة أن يعوض لك عن بعض المعاملة السيئة التي لقيتها من أسرتي .
لا تسمحي لباربرا أن تخيفك , وأنني واثقة أنها ستحاول ذلك عندما تطلع على وصيتي , لأنها وأن لم ترغب يوما في السكن في دافن , فأنها تعرف قيمته الشرائية.
والآن , أنت تمسكين بالأوراق , فدافن لك , ولا يمكن لأحد أنتزاعها منك , وأنك الآن وريثة شرعية ولا حاجة بك للأدخار بعد الآن . وبوسعم زيارة أيطاليا العزيزة عليك متى شئت , والعودة الى منزلك الخاص في هذه البلاد.
وربما ألتقيت ذات يوم رجلا يشاركك حياتك , عندئذ لعلك تحبين أن تقيمي بعض السنة في دافن , وأنه من دوافع سعادتي أن أتصور أصوات الأولاد تملأ جنبات المنزل القديم , وجميع الغرف تفتح بدل أن تكون متاحف مقفلة".
قلبت سمانتا الصفحة بينما ذرعت باربارا الغرفة وقالت:
" حسنا! ماذا تخبرك ؟ لا شك عندي أن كلامها عاطفي يثير الأحاسيس".
تطلعت سمانتا اليها وقد تملكت بعض المناعة ضدها وضد أنتقاداتها اللاذعة , وقالت:
" أنه عاطفي فعلا , ألا أنه لا يثير اللعاب , أنه رائع وسأحتفظ به الى آخر عمري".
ألتقطت باربرا حقيبة يدها , وتوجهت الى السيد يولام :
" يخيل أليّ أن بأمكاني الذهاب الآن".
" لا أرى مانعا من ذلك".
والحقيقة أن السيد يولام تمنى لو تذهب , سارت باربرا نحو الباب , ثم ألتفتت محو الثلاثة بغضب وحقد :
" أنكم بأجمعكم تضايقوننني".
ونهضت سمانتا وأتجهت نحو أيميلي مطيبة خاطرها:
" لا تكترثي لما قالته والدتي يا أيميلي , فأنها كانت في حالة أرهاق وأهتياج وخيبة أمل".
ردت أميلي مبتسمة :
" لا عليك يا آنسة سمانتا , وأنني آسفة عليك أنت".
" لا تخافي علي , فأنني أحسن تدبير أموري".
" حسنا يا آنستي , سوف أراك أذن".
ولما ذهبت أميلي , وبدأ السيد يولام يجمع أوراقه , عادت سمانتا الى التفكير بأن كلمات والدتها لم تفاجئها قدر ما فاجأتها وصية جدتها , فتصرفات باربرا لم تعد تدهشها ,رغم أن الغضب والحقد عندما يظهران على وجهها يخيفانها أحيانا وأحست سمانتا أن عينيها أغرورقتا بالدموع , ألا أنها كبتت دموعها , وراقبها السيد يولام قبل أن يقول:
"تذكري أني قلت لك أن لا داع لخوفك وقلقك".
أبتسمت سمانتا للرجل الكهل:
" هل يعني ذلك أن بأمكاني البقاء هنا أذا أحببت؟".
" بالطبع , فهذا المنزل منزلك , والأراضي أراضيك بكاملها , وليس بأمكان أحد أنتزاعها منك , ولا مبرر أضطرابك , لأن أمك لا تجرؤ على المخاطرة بالأعتراض على الوصية".
" أنني أعتقد أنها أمرأة فاشلة ويائسة".
عض السيد يولام شفتيه:
" وكذلك أنا , أنها تعاني من يأس وأرهاق كليين , أما الآن , فأظن أن علي العودة الى المدينة".
" حسنا , أيزعجك أن أبقى هنا بعض الوقت؟ فأن لدي كثيرا من الأمور يجب أن أفكر بها".
" طبعا , سوف أتصل بك خلال الأسبوع القادم لأشرح لك بعض التفاصيل".

نيو فراولة 25-04-11 07:21 PM

وحين خرج السيد يولام أعادت سمانتا قراءة الرسالة من جديد , محاولة أن تفهم المسؤولية الجديدة التي ألقيت على كاهلها , ألا أنها لم تستطع أن تفهم , وهي التي لم تعرف يوما معنى أن تملك نقودا تفيض عن حاجتها .... وتساءلت عما سيقوله باتريك , هل أدرك أنها لم ترد أن تكون وقحة معه , بل حاولت ببساطتها أن تفهم لغزه؟
وتمنت لو يبقى لتناول العشاء , لقد تأكدت أن باربرا ستدعوه للبقاء , ولعلها عندئذ تجد فرصة للتحدث اليه بمفردها , وتساءلت عن موعد رجوع باربرا الى لندن , هل ترغب في الأقامة هنا بضعة أيام؟ أما بالنسبة اليها هي , فقد قررت البقاء هنا مدة من الزمن , ليتسنى لها الأسترخاء , الأمر الذي لم يتوافر لها منذ وصولها الى لندن.
ولما خرجت من المكتبة وجدت المكان شبه مهجور ألا من الكولونيل ونش فسألته بدهشة:
" أين ذهب الجميع؟".
أنتصب الكولونيل ونش واقفا , وكلمها بصوته الهادر:
"الحقيقة يا عزيزتي أن جميع الخدم عادوا الى واجباتهم , أما أمك , فقد صعدت الى الطابق العلوي على ما أظن , في حين غادر السيد مالوري الى لندن منذ حوالي ربع ساعة , أما المحامي .... يولام... فقد ذهب معه".
منتديات ليلاس
أحست سمانتا أن الأرض مادت تحت قدميها , وردت بحماقة:
" السيد مالوري ذهب؟".
" أجل يا آنستي , والحقيقة أنه أنطلق بعد أن تحدث قليلا مع والدتك التي عجزت عن أقناعه بالبقاء".
أطلقت سمانتا تنهيدة حارة:
" يا ألهي!".
وحانت ألتفاتة رقيقة من الكولونيل أتجاهها:
" هل هناك شيء يضايقك ؟ أتوقع أن تكوني قد أرهقت نفسك اليوم".
فصعدت الى غرفتها , ولم تدر ماذا ستفعل , فالمساء لم يقترب بعد , ولما لم تكن تعرف نوايا والدتها , عجزت عن التفكير بما تعمل , لماذا لم تغادر باربرا مع باتريك ؟ من المؤكد أنها كانت ترغب بمرافقته أذا كان يقصد المدينة.
وأشعلت سيكارة ثم جلست في مقعد النافذة , لا بد أن تتصل بباتريك الليلة , ولكن , أن فعلت , ماذا تقول ؟ وشعرت بعجزها عن تبرئة نفسها أذ لم تر أو تحس بأنفعالاته المرتسمة على محياه , وربما كانت على خطأ أيضا , فمن المحتمل أن يكون قد غضب منها لسبب آخر.
وسمعت طرقا خفيفا على الباب , ثم دخلت أيميلي , وأبتسمت للفتاة قائلة:
" لماذا تجلسين هنا يا آنسة وتضيعين وقتك بالأكتئاب؟".
تنهدت سمانتا :
" آه يا أميلي , يخيل ألي أن كل شيء قد أنتهى".
" لكنني واثقة من قدرتك على قهر الصعاب".
" أنني أشاطرك الرأي , والأمر لا يتعدى كونه ضياعا وعدم دراية بما سأفعله , ماذا كنت تفعلين ؟ ها أنذا محاطة بممتلكاتي , ولست أعرف من أين أبدأ بتنظيم حياتي التي طالما نظّمها لي الآخرون من والدي الى جدتي , وأخشى ما أخشاه أن أعيش هذه الفترة من حياتي دون هدف".
فأبتسمت لها أيميلي:
" ستنقضي هذه الفترة , وهذا أمر طبيعي للغاية , فلا تحاولي أستعجال الأمور لأن أمامك متسعا كبيرا من الوقت , وأرغب أن أعلمك بأن هناك بعض الحديث داخل المطبخ عما تنوين فعله بالمنزل وبالخدم , وكما تعلمين, توقع الجميع أن ينتقل الميراث الى الآنسة باربرا في حال وفاة اللايدي دافنبورت , ولما كان الجميع يعرفون أنها لا تحب هذا المكان , فقد توقعوا أن يتلقوا أمرا بالأنصراف , أما الآن , فهم ليسوا واثقين.....".
هتفت سمانتا فورا:
" عليهم أن يبقوا طبعا , أرجو أن تطمئنيهم حول هذا الموضوع , ولا داعي لخوفهم لأنني لن أبيع دافن".
خاطبتها أيميلي بأرتياح:
" الحقيقة أنني سعدت عندما سمعتك تقولين ذلك يا آنستي , وأعلم أن هذا ما طمحت اليه جدتك , كانت على يقين من أنك ستحبينه كما أحبته".
" آه , أنني أحبه , لكن هناك أشياء كثيرة ينبغي القيام بها , ولا شك أنني سأشغل نفسي لسنوات عديدة بالأمور التي أريد أن أعملها هنا".
فعلقت أيميلي بمكر:
" ولماذا تريدين أن تشغلي نفسك لسنوات عديدة؟ فمن المؤكد أنك ستتزوجين عما قريب وتنجبين أولادا , أو تحسبين أنني لا أعرف أن عمرك يزيد على ست عشرة سنة؟ ألم أكن أنا في دافن عندما أحضرك الى المكان وأنت طفلة؟".
" هل كنت حقا هنا يا أيميلي؟".
" أجل , وأذكر أن اللايدي دافنبورت أقامت ضجة عظيمة حولك , ولشد ما أنزعجت عندما حضر السيد جون وأخذك بعيدا".
فتنهدت سامنتا بحرقة:
" كان هذا منذ زمن بعيد".
" أجل , ألا أنك أمرأة ناضجة الآن , وبأمكانك أن تفعلي ما تشائين".
" هل هذا صحيح؟".

نيو فراولة 25-04-11 09:47 PM

أجبر الصوت البارد الساخط المنبعث من فتحة الباب المرأتين على الأستدارة , لتجدا باربرا واقفة هناك , كم مضى عليها وهي واقفة في الباب , كم سمعت من حديثهما؟ وقال لأيميلي:
"توقعت أن أراك هنا تملأين رأس الفتاة بأحلامك المجنونة , لقد قلت لك أنك عجوز حمقاء تتدخلين في كل شيء , ومن الواجب أن تخرجي من هذا البيت , وحالا , ولا شك أنك شجعت والدتي على أرتكاب حماقتها , وأستدرار عطفها على هذه الفتاة التي أجبرنا على أسترجاعها وتبنّيها , كنت أعرف أنك المسؤولة عن كل ما حدث لأنك تكرهينني....".
تجمد وجه أيميلي غضبا وحزنا , ألا أنها تمكنت من القول بهدوء:
" لم أكرهك يوما يا باربرا , ألا أنك كنت تغارين مني كما تغارين من أي شخص تفترضين أنه قد يخطف الأضواء المسلطة عليك , وأعرف أنك لم تريدي الأعتراف بأبنتك ,ولكن , لماذا؟ هل كان ذلك لأنك أم غير طبيعية , أم لأنك خشيت أن تكبر أبنتك وتصبح جذابة فتخطف الأبصار المشدودة اليك؟".
" أصمتي!".
" لن أصمت , فأنا قد صمت طويلا حتى الآن , ولو علمت والدتك , رحمها الله , ببعض ما فعلته , لأنزعجت وهي في قبرها".
عندئذ عبرت باربرا الغرفة وصفعت أيميلي بوقاحة على وجهها , الأمر الذي أستدعى تدخل سمانتا , فصاحت:
" أيميلي, أيميلي....".
" لا تضطربي يا آنستي , فأنا ذاهبة , لكنني سأرجع وأراك ثانية عندما تقل مشاغلك وأهتماماتك , لا تستسلمي يا عزيزتي , فكل شيء سيكون على ما يرام".
وأستحث سمانتا الخادمة بالخروج من غرفتها وقد خافت من أن تصفعها أمها ثانية , ثم عادت لمقابلة باربرا التي قالت:
" حسنا! وماذا تظنين أنك ستفعلين الآن؟".
هزت سامنتا كتفيها:
" لست أدري بعد ,فأنني أحتاج بعض الوقت للتفكير ... لأستجماع أفكاري".
" وتتوقعي أن تفعلي هذا هنا؟".
" طبعا, فهذا قراري قبل كل شيء".
" يبدو أنك أنت التي تصوغين كل القرارات , أليس كذلك؟".
" لا أفهمك يا باربرا".
عقبت باربرا بحقد واضح فيما جلست على المقعد الطويل:
" لا أظنك تفعلين".
فخاطبتها سمانتا وقد حاولت المحافظة على هدوئها :
" هلا تفضلت بالخروج؟".
"لماذا؟ أنك أبنتي قبل كل شيء".
فأجابتها سمانتا بغضب:
" أنني أبنتك بالأسم فقط".
" حقا! أرى أننا نزداد حقدا".
ولمست سمانتا شفتيها الجافتين بلسانها:
" أرجوك , لا تسبّبي شجارا بيننا".
" ولماذا لا؟ فأنا أرغب بهذا الشجار , وأعتقد أنني عشت شجارا طول هذه المدة".
" لا أفهم قصدك".
" باتريك مالوري , أنك تتصرفين وكأنك تجهلين كل شيء".
أحمرت سمانتا خجلا وقد عجزت عن ضبط أنفعالاتها , فيما أطرقت باربرا مغتاظة:
" أرأيت؟ لا أكاد أذكر أسمه حتى تحمرين خجلا , يا للسخرية! بحق السماء , قولي لي ماذا تظنين أنك تعنين له؟".
فسألتها سمانتا بأضطراب:
" أذا كنت لا تعتقدين أنني أعني له شيئا , فلماذا تقولين أنك عشت شجارا معه طوال الوقت؟".
" سؤال حسن , الحقيقة يا عزيزتي , أيتها الأفعى المعششة في صدري , أنه عندما غادر صديقنا المشترك هذا المنزل, أعلن بوضوح أنه لا يريد الأبقاء على علاقة له بأية واحدة منا".
صعقت سمانتا وصاحت:
" ماذا؟".
" أخبرني أنه يعرف عمرك الحقيقي , وقد أعلن أنه ينبغي جلدي لأنني خدعت الجميع , وأفسدت عليك سعادتك , والآن , ماذا تظنين أنه قصد بملاحظته هذه؟".
كادت سمانتا تبكي:
" لا يمكنني أن أفهم شيئا".
" وكذلك أنا , لكنك قلت له شيئا أزعجه , وقد أخبرني أن شركة أميركية لأنتاج الأفلام عرضت عليه حقوق شراء نشر مسرحيته الأخيرة , وأنهم طلبوا اليه السفر الى كاليفورنيا فورا أذا كان راغبا في ذلك , وأكدت لي ملامحه عندما غادر المنزل أنه راغب في ذلك من كل قلبه , وعليه , أحسب أن كلا منا قد خسر شيئا , أليس كذلك؟".
ذهلت سمانتا , وهتفت:
" لا.... لا يمكنني أن أصدق هذا".
" حقا؟ أذن صحت شكوكي , ولا يمكنني أن أفهم كيف يسمح رجل من مستوى باتريك نفسه أن يتورط معك ولو مؤقتا".
أرتمت سمانتا على مقعد النافذة , ما قيمة خططها لنجديد وترميم دافن ؟ ألم تفكر أنها ستفعل ذلك ليس من أجلها هي فقط , بل من أجل باتريك أيضا؟ عندئذ أستأنفت باربرا حديثها متندرة:
" حسبت أن ذلك سيخرجك من عالمك الوهمي , لكن , ليس هذا كل ما في الأمر".
" وماذا يمكن أن يكون هناك أيضا؟".
طرحت سمانتا هذا السؤال دون أن تكترث بنفسها , فمن المؤكد أن باربرا لن تستطيع أن تؤذيها أكثر من ذلك , أذا كانت علاقتها بباتريك قد أنتهت , لا يهمها شيء".

نيو فراولة 25-04-11 09:51 PM

"ماذا قالت لك والدتي في رسالتها التعليلية؟".
" هذا شأن خاص بي".
" أراهن أنها لم تطلعك على السبب الحقيقي لأحضارك الى لندن".
ردد ت سمانتا بأنشداه:
" السبب الحقيقي لأحضاري الى لندن! عندما علمت جدتي بوفاة والدي , أسرعت الى وضع الترتيبات لحضوري الى أنكلترا".
أبتسمت باربرا أبتسامة قاسية , ثم ضحكت بوقاحة:
" الحقيقة أنني أنا فعلت ذلك , ولكن , يا لك من فتاة بريئة يا سمانتا العزيزة!".
ووقفت باربرا ثم تقدمت من النافذة:
" الحقيقة أن جدتك العزيزة أحضرتك اليها لأنه لم يكن أمامها أي خيار آخر".
منتديات ليلاس
تقلصت عضلات سمانتا , وصرخت:
" كفي عن التحدث بالألغاز , ماذا تقصدين بقولك أنه لم يكن أمامها خيار آخر؟".
أدارت باربرا ظهرها الى النافذة وقالت:
" الحقيقة أن والدك وضع في وصيته شرطا يطلب فيه أعلامك بوجودي عند وفاته ,وبوجوب أحضارك الى أنكلترا على أن أعترف بأنك أبنتي".
أحست سمانتا بالدوار :
" ماذا تقولين؟".
" أجل يا حبيبتي , لقد حسبت أنك لم تعرفي هذا السر".
" ولكن , كيف كان يمكنه أن يفعل ذلك وهو لا يملك أي ضمانات بأنك ستقبلين؟".
ألتفتت اليها باربرا موبخة:
" ألم يكن عنده ضمانات ؟ الحقيقة أنه كان يملك أفضل ضمانة ممكنة في مثل ظروفي".
فصاحت سمانتا وهي تكاد تنفجر باكية:
" تابعي حديثك , ما هي الضمانة؟".
" لقد كتب والدك رسالة يصف فيها ظروف زواجنا وطلاقنا , مشيرا الى التواريخ والأسماء وكل شيء آخر , ولا شك أنك منذ وصولك الى هنا أدركت الأهمية التي تعلق على الصحافة في أوساط المسرح هذه الفضيحة اللاأخلاقية ... كانت كفيلة بأختفائي وأنتهاء دوري , ولقد كان يعرف ذلك , وكانت الرسالة ستسلم الى الأشخاص الملائمين في حال رفضي الأعتراف بك".
منتديات ليلاس
أغمضت سمانتا عينيها يائسة , أذ لم يكن هناك أهين وأذل قدر ما أهينت وذلّت , ثم أستأنفت باربرا حديثها :
" ولسوء حظك , نسي جون أمرا بسيطا هو سنك , فهو لم يذكر شيئا عنك , ولذلك أستفدت من الأمر وحمدت القدر على هذه الهبة البسيطة, والآن ما رأيك بجتك العزيزة؟".
أحست سمانتا أن دموعها أوشكت أن تسيل على خديها , فهمست :
" لن يتغيّر شعوري أبدا , وأنا لا أهتم بأقوالك لمعرفتي أن جدتي كانت تحبني".
" لا تنسي أنها تصرفت بناء على تعليماتي , فلو رفضت البقاء في أنكلترا , لكانت القصة تنشر , لذلك كان من الواجب أن تبقي , وقد طلبت اليها أن تستعمل كل وسيلة ممكنة لمنعك من مغادرة البلاد , والواضح أنها أفلحت في مسعاها".
عندئذ همست سمانتا بوهن:
" أظن أنك أبغض شخص ألتقيته في حياتي , فأنت لا تشعرين بالرضى ألا عندما يخر الجميع أمامك ويقبلون قدميك , أليس كذلك؟ كيف أمكنك أن تخبريني بكل هذه التفاصيل؟ كيف أمكنك ذل
ك؟".
تجهم محيا باربرا:
" لأنك لم تسببي لي الآ الأزعاج منذ ساعة وجودك".
مسحت سمانتا دموعها وسألتها:
" وماذا عنك؟".
أبتسمت باربرا أبتسامة متكلفة:
" أنا؟ لدي عملي ... ومنزلي في لندن وأصدقائي... وحتى باتريك سيعود من كاليفورنيا آخر الأمر , وهو سينسى كل شيء لأن الرجال غالبا ما يفعلون , وربما تزوجته وأصبح زوج أمك".
رفعت سمانتا ناظريها الى والدتها:
" وماذا لو قررت أن أنشر قصتي في الصحافة؟".
هزت باربرا رأسها واثقة:
" لن تفعلي يا عزيزتي , فالقسوة ليست من طبعك , ولذلك لن تنجحي".
وغلبت سمانتا على أمرها , أنها لن تفضح باربرا , أما الأخيرة فأتجهت نحو الباب مستأنفة حديثها:
"أظن أنني سأرتدي ملابسي وأعود الى المدينة لأنني فعلت كل ما جئت لأفعله".
راقبتها سمانتا تغلق الباب قبل أن تطرح نفسها على السرير وتستسلم للبكاء , وصحيح أنها شعرت بالشقاء من قبل , ألا أن هذا كان الظلم والعذاب بعينه, فقد تحطمت كل آمالها وأحلامها , حتى أن حبها البريء لجدتها لوث بكلمات باربرا القذرة وأتهاماتها الشنيعة , ولم يعد هذا المنزل يعني لها السعادة لأنه محاولة أخرى لأبعادها عن طريق باربرا وأسكاتها الى الأبد.
وجلست بعد برهة لتجفيف وجهها , لأن الدموع ميّرة الضعفاء ولن تكون سمانتا ضعيفة بعد الآن , لم يكن أمامها مجال لتعمل أي شيء الليلة , ولكن غدا.... غدا سترحل بعيدا...
وأرتفعت معنوياتها بعد أن أتخذت هذا القرار , كان بحوزتها بعض المال أعطته أياها جدتها لأستعمالها الشخصي , وهو كاف لأيصالها الى أي مكان تقرر السفر اليه , وعندما تصل الى هدفها , ستجد عملا , وستنسى أنها عرفت والدتها وجدتها .... وحتى باتريك مالوري , ولكن, أين تذهب؟ لم تعرف ألا القليل عن أنكلترا , ولم يكن لها أصدقاء هنا , أما في أيطاليا , فبنيتو ينتظرها , ثم تذكرت ماتيلد , التي قالت أنها تستطيع الأتصال بها وقت الحاجة في منزل شقيقتها في رافنا , أنها تتكلم الأيطالية , مثل أهل البلد ,ولا شيء يحول بينها وبين العودة الى أيطاليا.

نيو فراولة 25-04-11 09:55 PM

8- البحث عن سمانتا


مرّ أسبوع كامل تقريبا قبل أن يندفع بارتريك بسيارته الأوستن مارتن عبر الطريق المؤدية الى مسكن دافن , ودهش لأنه لم يلمح تغييرا في المنزل , لأنه توقع أن تكون سمانتا قد بدأت بتنظيف الغرف وأزاحة الستائر وطرد شبح الكآبة , وعلى عكس توقعاته بدا المنزل موحشا , والدخان المتصاعد من المدخنة ينبعث من ناحية المطبخ فقط.
لقد أتسع وقته كثيرا في الأيام القليلة الماضية للتفكير , وأنه يعرف الآن ماذا يريد , ولا بد أن يتحدث الى سمانتا في الموضوع أيّا تكن مشاعرها , لأنه عازم أن يعرف وللمرة الأخيرة موقعه في قلبها.
وكثيرا ما قال في نفسه أنها صغيرة جدا بالنسبة اليه , لا من حيث سنها فحسب , وأنما من حيث وعيها وتجربتها , ألا أن مشاعره لم تكن جارفة في يوم من الأيام مثلما هي اليوم , ولم يغمض له جفن لشدة قلقه على سمانتا .
وكان قد غادر دافن غاضبا بسبب محادثته مع سمانتا وأتهامها له في صدق دعوته من جهة , وبسبب الشجار الذي نشب بينه وبين باربرا من جهة أخرى , ولم يقصد أن يطلع باربرا على درايته بعمر سمانتا الحقيقي ألا أن السخط تملكه عندما شرعت باربرا بالتعبير عن غيظها من أعطاء التركة لسمانتا , ثم تبادلا بعض الكلمات القاسية قبل أن يغادر , لعلمه أنه لن يتمكن من رؤية سمانتا بمفردها أذا بقيت أمها هناك , وكم تمنى أن يزورها خلال الأسبوع المنقضي , لكنه كان دائما يؤجل قدومه بغية توفير الوقتلسمانتا حتى تتعافى من صدمة وفاة جدتها , أما اليوم فقد قرر أن لا مجال أمامه للأنتظار , وأنطلق بعد الفطور مباشرة.
وعندما رأى المنزل شبه مهجور الآن , أنبأته حاسته السادسة أن الأمور ليست على ما يرام , وأحس بوخز نتيجة الشك والقلق.
وترجل من السيارة , ووقف ويداه في جيبي معطفه رافعا نظره الى المنزل.
ثم قرع الجرس فكان صدى رنينه حزينا في الداخل , ولم يطل أنتظاره حتى فتح له الباب خادم عجوز هاتفا:
" آه ! سيد مالوري! هل لي أن أساعدك؟".
عبس باتريك مجيبا :
" أود أن أرى الآنسة سمانتا ".
بانت الحيرة في عيني الرجل العجوز :
" الآنسة سمانتا! أنها ليست هنا.....".
أطبق باتريك راحتيه داخل جيبي معطفه , وصاح:
" ماذا تعني أنها ليست هنا؟".
" أعني ما قلته يا سيدي , فالآنسة سمانتا غادرت دافن في اليوم التالي للجنازة , وظننتك تعرف ذلك".
وأعترى باتريك قلق وخوف شديدان :
" كلا , وكيف يمكنني أن أعرف؟".
هز الخادم كتفيه:
" الحقيقة يا سيدي أن الآنسة سمانتا قالت أنها ذاهبة الى لندن , وعليه , ظننت أنها ستقيم عند والدتها , وبناء على معرفتك الوثيقة بالآنسة باربرا , توقعت أن تكون على دراية بالأمر....".
وتأرجح باتريك في وقفته:
" فهمت , ألم تسمعوا شيئا منذ غابت؟".
" كلا يا سيدي , أرجو معذرتك , تفضل بالدخول يا سيدي".
تردد باتريك قبل أن يقول:
"كلا , لا أعتقد أنني سأدخل لأن لا شيء لي هنا الآن".
وتملكه الذعر , فباربرا وسمانتا لا يمكن أن تتعايشا في مثل هذه الظروف , غير أن هذا الرجل المسكين لا يتسنى له معرفة ذلك , وأخيرا كلمه:
" حسنا , أنني أشكرك".
وأبتسم الخادم بينما هبط باتريك السلم متمهلا قبل أن يحتل مقعد القيادة في سيارته ويندفع بها الى الشارع , وتبللت أفكاره وأحتارت أمام هذا التحول الخطر في مجرى الأحداث , وشعر أن ثمة خطأ لماذا عادت سمانتا الى لندن؟ وأين هي الآن؟
وأجتاز القرية الصغيرة الوادعة التي يتألف مركزها التجاري من مخزن متصل بمكتب البريد , الى جانب فندق صغير أسمه ( كوينز هد) وكنيسة .
ودخل باتريك الفندق طلبا للشراب قبل أن يكمل سيره الى لندن , ولم يطل أقامته في الفندق المليء بزبائن من أهل القرية , وعاد الى مقود سيارته منزعجا لعدم قدرته أن يفعل شيئا , أين يمكنه أن يجد سمانتا ؟هل يسعه أن يسأل باربرا عن مكانها ؟ صحيح أن الفكرة لم ترق له , ألا أنها كانت الفكرة الوحيدة التي خطرت له , ودخل منزله , فنادى على السيدة تشسترتون التي هرعت اليه من المطبخ وقد أرتسمت الدهشة على محياها وصاحت:
" أرى أنك عدت يا سيدي! لقد توقعت أن تتأخر".
فأجاب باتريك ببعض النكد:
" وأنا أيضا , أخبريني , هل أتصل أحد بي أثناء غيابي؟".
" كلا يا سيدي , هل توقعت أتصالا؟".
هز باتريك كتفيه , وتنهد بينما رد على سؤالها:
" كلا , في الحقيقة , حسنا , أشكرك يا سيدة تشسترتون".
" هل تناولت شيئا يا سيدي؟".
" كلا , ولكن , لا تضطربي لأنني لست جائعا".
صاحت السيدة تشسترتون مستهجنة :
" هراء , سوف أعد لك شطيرة وأحضرها الى مكتبك".
" لكنني سأبقى في ردهة الأستقبال لأنني أريد أجراء مخابرة هاتفية".

نيو فراولة 25-04-11 09:57 PM

وأشعل سيكارة أخذ منها مجة طويلة قبل أن يرفع السماعة ويطلب شقة باربرا , وخيل اليه أن رنين جرس الهاتف لم يتوقف في الطرف الآخر من الخط ألا بعد أجيال , مع أن صوت كلايد سمع بعد لحظات في الواقع:
" شقة الآنسة هارييت , من يتكلم؟".
سحل باتريك سيجارته بينما أجاب بأقتضاب:
" مالوري , هل باربرا موجودة؟".
وطرأ تغير ملحوظ على نبرة كلايد :
" آه , السيد مالوري , الحقيقة أن الآنسة نهضت حالا من الفراش , وأظنها ستحدثك".
فشكرها باتريك بعصبية , وما هي ألا لحظات حتى سمع صوت باربرا الناعم يردد بدفء:
" كم أنت رائع يا حبيبي , هل نسيت جدالنا العابر ؟ آمل ذلك , أنني..... الحقيقة أن الذنب في ذلك كله ذنبي.....".
رد باتريك عليها بجفاء وقسوة:
" أشاطرك الرأي , باربرا , هل تقيم سمانتا معك؟".
" سمانتا!".
ولم يكن باتريك أن يتنبأ من لهجتها أن سؤالها قد صفعها , فقال:
" لا بأس عليك , يمكني أن أؤكد من نبرة صوتك أنها ليست مقيمة معك".
" ولكن , لماذا تقيم سمانتا معي؟ أن دافن ملكها الآن , ولا حاجة بها للأقامة في شقة قديمة مهترئة في المدينة".
" صحيح , حسنا , أنني أشكرك يا باربرا".
وسألته باربرا عندئذ بنبرة أقسى:
" هل هذا هو سبب أتصالك؟".
" أظن ذلك , وفي أي حال , أنني أشكرك وأعتذر لأزعاجك".
" آه باتريك.......".
لكن باتريك أقفل الخط في وجهها , وكان واضحا أن باربرا لا تعرف أين هي سمانتا , ونشأ وضع مقلق ومثير , أذا لم تكن سمانتا عند باربرا , فأين يمكن أن تكون؟ أنها لا تعرف شيئا عن سكان لندن , وأزعجته فكرة محاولة سمانتا العمل في هذه المدينة المزدحمة والمخيفة أحيانا, خصوصا وأنها فتاة بريئة لم تصقلها الحياة أو تجربها بعد , ولكن , لماذا قصدت لندن؟ ولماذا لم تبق في دافن ؟ وهل يمكن أن يكون قد حدث أمر لم يعلم به؟ وما هو؟
منتديات ليلاس
أخذ يذرع الغرفة بأضطراب محاولا العثور على حل , وأحضرت السيدة تشسترتون بعض الدجاج البارد له , لكنه بالداد ذاق لقمة منه لتوتر أعصابه وأنهماكه في التفكير , وكان من المحتمل أن تعرف باربرا أكثر مما قالت , فمع كل البراءة التي تجلت في نبرة صوتها ,فأنها ليست شخصا يعول عليه , وأعاده هذا التفكير الى سبب فرار سمانتا , ولا شك أن باربرا بقيت في دافن بعد أنطلاقه والسيد يولام في رحلة العودة , فهل يمكن أن تكون قد أطلعت سمانتا على أمر جعلها تتردد ألف مرة قبل أن تقبل نصيبها من الميراث؟ ولشد ما أغتاظت باربرا عندما أوصت اللايدي دافنبورت بالتركة لسمانتا , وحين تغضب باربرا , فأنها لا تفكر من تؤذي وكيف.
وأشعل سيكارة أخرى , ثم تطلع من النافذة بكآبة ,وبدا أنه لا يستطيع أن يفعل شيءا , ولم يجد أحدا سوى باربرا يتجه اليه بالسؤال.
عندئذ تذكر أيميلي التي أجبها لقوتها ولكونها شخصا يعتمد عليه , وتراءى له أن أيميلي أحبت سمانتا . في حين لم تقتنع بباربرا التي عرفتها منذ أيام شبابها , ولم تخدع بما أحاطها من عظمة ووقار , ومن الجائز أن تعرف أيميلي شيئا عن تحركات سمانتا , لو أنه يستطيع الأتصال بها ... وصدم ثانية بحقيقة أنه لا يعرف كيف يعثر على أيميلي , تماما كما لا يعرف كيف يعثر على سمانتا , ولكن أيميلي قضت شطرا كبيرا من حياتها في دافن , ولا بد أن يكون أحد القرويين يعرف مكان أقامتها , هذا هو الحل... دافن ... وأيميلي.
وعاد الى قرية دافن عند الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه , وتوقف أمام فندق الكوينز هد , فهذا هو المكان الوحيد في قرية صغيرة مثل هذه يجد فيه المعلومات الضرورية , ولا شك أن مسكن دافن وأيميلي التي تعمل فيه هما موضع أهتمام القرويين , فالناس يتمنون دائما أن يعرفوا عن أبناء الطبقات النبيلة الذين يعيشون حياة منعزلة عنهم , كانت قاعة الفندق مزدحمة لأن كثيرا من الزوار وفدوا الى القرية وزادوا من عدد روار البار , وسأل بائع المرطبات أذا كان يعرف أيميلي لوسون , فرمقه عامل البار بنظرة غريبة بينما سأله:
" وماذا تريد من الآنسة لوسون؟ أنك من المدينة , أليس كذلك؟ هل أنت قريبها؟".
هز باتريك كتفيه وأجابه:
" لست قريبها , وأنما أريد التحدث اليها في أمر شخصي , فهل نعلم أين أجدها؟".
" أعتادت الآنسة لوسون على زيارة السيدة بيل في منزلها الصغير , والأرجح أن السيدة بيل تعرف أين توجد".
" أشكرك".

نيو فراولة 25-04-11 09:59 PM




وغادر باتريك المكان فورا دون أن يسأل عن المنزل ففي قرية صغيرة يمكنه أن يهتدي الى كوخ حقير , وترك السيارة في الموقف الخاص قرب الفندق , وأخذ يتمشى في الشارع العام واضعا يديه في جبيبي معطفه , وأجتاز المتجر ومنزل الطبيب وباحة الكنيسة وبيتا صغيرا وضعت عليه أشارة ( الشرطة) ولم يلمح زائرا للمنزل في هذا الجانب من الشارع , وخيب الجانب الآخر من الشارع آماله أيضا , فتنهد تنهيدة سخط وحزن , ولم يشأ العودة الى الفندق للأستقصاء من جديد , وبينما يقف على طرف الرصيف محاولا التفكير بخطوته التالية , سمع صوتا ينادي:
" يا ألهي! هل هذا السيد مالوري؟".
أستدار باتريك مضطربا :
" أيميلي , أنني سعيد بالثور عليك أيتها الملعونة".
فأكفهر وجه أيميلي:
" هل تبحث عني؟".
أطرق باتريك , صم سألها:
" هل تسكنين القرية؟".
" أجل , أنني أقيم مع صديقتي السيدة بيل حاليا , ولست أدري ماذا سأفعل بعد ذلك , ولم أتمكن حتى الآن من أستجماع أفكاري , والحقيقة أنني كنت في طريقي لمقابلة الآنسة سمانتا , فهل زرتها أنت أيضا؟".
فأجابها باتريك وهو يهز كتفيه متعبا:
" سمانتا ليست في المسكن , ظننتك تعرفين مكان وجودها".
ذهلت أيميلي , وصاحت:
" ليست في المسكن , ولكن, أين هي؟".
" لو أنني كنت أعرف , لما حضرت الى هنا".
ما كاد يتلفظ بكلماته القاسية ,حتى تنهد مضيفا:
" أنها لوقاحة مني , فأنا أبحث عنها منذ الصباح مثل المجانين , وقد أتصا , فأتصلت بباربرا , فأتضح أنها لا تعرف شيئا , أو أنها قالت أن سمانتا في دافن".
تعاظمت حيرة أيميلي فيما تطلعت الى باتريك قائلة:
" آه ! أن ما تقوله يبعث القلق , أوليست لديك أي فكرة عن مكانها؟ هل أختفت فجأة بدون أن تقول شيئا؟".
" الحقيقة أنني سألت خادما عجوزا يعمل في المنزل , فقال أنها أبلغتهم أنها عائدة الى لندن , وعليه أفترض الجميع أنها تقيم مع والدتها".
علقت أيميلي بجفاء:
" لست أرى شيئا أبعد عن الحقيقة من هذا القول".
" وهذا ما رأيته أنا أيضا".
" خصوصا بعد شجارهما يوم الجنازة.....".
" ماذا ؟ هل تشاجرتا؟".
وضعت أيميلي يدها على حلقها :
" حسنا يا سيدي , أنني لا أود التحدث في مثل هذه الأمور".
" كفاك تهربا يا أيميلي , فهذا أمر مهم للغاية , ماذا جرى؟".
عضت أيميلي شفتيها قبل أن تجيب:
" كنت أتحدث الى الآنسة سمانتا بعد ذهابك طبعا , وبينما تحدثنا عن مسكن دافن , أعربت الآنسة سمانتا عن رغبتها بأعادة تنظيم المسكن... وجعله منزلا لائقا مرة أخرى , فأكدت لها أن تلك كانت رغبة جدتها , وأذ ذاك أقتحمت علينا الآنسة هارييت خلوتنا , وتصرفت بوقاحة ... بوقاحة شديدة ... أتجاهي أنا في الواقع , وقد أنزعجت الآنسة سمانتا منها كثيرا, والحقيقة أنني طردت طردا من المنزل , وبعد خروجي الله وحده يعلم ماذا جرى , وأني آمل ألا تكون الآنسة هارييت قد أخبرت الآنسة سمانتا عن وصية والدها الأخيرة......".
" أي وصية؟ وهل لها علاقة بعودة سمانتا الى أنكلترا؟".
" أجل".
فتأوه باتريك:
" توقعت مثل هذا الأمر , هيا بنا يا أيميلي الى السيارة , فهذا ليس المكان المناسب لمثل هذا الحديث".
وفي السيارة , أخبرت أيميلي باتريك القصة بأكملها , ولم تخف التفاصيل , عندئذ فهم باتريك كثيرا من الأمور كانت باربرا تقوم بها على عكس طبيعتها , وأمكنه أن يتصور موقف سمانتا التي , أن أطلعت على الواقع , ستعتبر نفسها ضحية للمكر والخيانة , وفي ظروف مثل الظروف التي عاشتها , كانت هذه القصة أشبه بالقشة التي قصمت ظهر الجمل , ولما أنتهت أيميلي من حديثها سألها باتريك:
" وهل تتصورين أن باربرا أخبرت سمانتا بالحقيقة؟".
" الحقيقة يا سيدي أنني أتصور ذلك معقولا جدا , خصوصا أذا تأملت تعابير وجهها آنذاك".
وأسند باتريك ذقنه على يديه الموضوعتين فوق مقود السيارة , يا لسمانتا من فتاة مسكينة شقية , لعلها تفكر أن أحدا لا يكترث بها , وكم عقد الأمور حين عاملها بهذه الطريقة , ولن يسامح نفسه أو ينسى ذنبه في كلما حدث.
وتنهدت أيميلي تنهيدة حارة:
" أذن , فأنها ذهبت".
" لا شك أنها شعرت برغبة في االفرار أن كانت قد أطلعت على الواقع , ولو كنت مكانها , لفعلت".
" أعتقد ذلك , أنني قلقة عليها كثيرا لأنها لا تعرف أحدا في لندن , كما أنها ليست فتاة يسهل عليها الأعتماد على نفسها".
" ولكن أين يمكن أن تكون قد ذهبت؟ أين؟".

نيو فراولة 25-04-11 10:01 PM

وحاولت أيميلي جاهدة أن تفكر , هل كانت سمانتا تعرف شخصا آخر هنا؟
ثم قالت فجأة :
" أعتقد أنها عادت الى أيطاليا يا سيدي".
فهتف باتريك ضارباراحة يده بقبضته الأخرى:
" أيطاليا! طبعا يا أيميلي, كان يجب أن أفكر بأيطاليا حيث لها أصدقاء, ولا شك أنها عادت لتراهم".
وهمست أيميلي متشككة:
"ربما كان ذهابها مؤقتا ,ولكن ,أذا كان هذا صحيحا , فلماذا لم تعلم أحدا بذهابها؟".
" هذا غريب , في أي حال , أنني أملك الآن مفتاحا , وسأتصل بالمطار فور عودتي الى المدينة , وسأعلمك بما يستجد, هل تملك صديقتك هاتفا؟".
" السيدة بيل؟ كلا , ولكن سيصلنا أي خبر تتركه في فندق الكوينز هد".
أبتسم باتريك لها:
" حسنا يا أيميلي , أنني أشكرك , ولا تقلقي لأنني سأجدها".
وأبتسمت له أيميلي بينما همست راضية:
" كنت أفكر أن الآنسة أستحوذت على قلبك".
فعبس باتريك:
" هذا أفكار خاصة يا أيميلي , لا يجوز لك أن تنشريها".
" أعلم يا سيدي , لكن الآنسة سمانتا أنزعجت كثيرا ,ولم أر شخصا آخر يستطيع مساعدتها وتغيير ظروفها سواك".
فقال باتريك بنبرة جافة:
" آمل ذلك يا أيميلي , وسأبذل جهدي".
دخلت سمانتا منزل سوفيا دا سلفا الواقع في شارع الغانتي في مدينة رافنا , وكانت الدنيا تمطر في الخارج بغزارة , بينما أرتدت سمانتا معطفا أبيض وبدت عليه آثار الرطوبة الشديدة , وكانت قد أشترت المعطف يوم وصولها الى ميلانو , ومنذ عودتها قبل أسبوع , لم ينقطع المطر , وتميز الجو ببرودة غير مألوفة في هذا الفصل من السنة .
منتديات ليلاس
وأذا كان الطقس كئيبا , فلا شك أنه يعكس مشاعرها ... ولا يهمها الجو في أي حال , وكم أحست بالتعاسة والشقاء أن رافنا لم تكن تشبه بيروزيو حيث عرفت الجميع ,و وليست ألا مدينة غريبة مثل لندن لا تعرف فيها ألا ماتيلد العجوز وشقيقتها سوفيا , ومن الطبيعي أنها زارت بيروزيو لترى قبر والدها الذي بدا غريبا أن يكون قد مات قبل فترة قصيرة , وقعت خلالها أحداث من الكثرة بحيث أن الأيام التي عاشتها توازي عمرا كاملا. وكانت قد عادت الى الساحة لتوقف حافلة الركاب المتجهة الى رافنا عندما سمعت شخصا يحييها , وأستدارت لتجد بنيتو يقف وراءها ويسألها مشدوها:
" سمانتا؟".
وأستطاعت أن تفهم أستغرابه , لأنها بدت كمن أستحم بالمطر والريح وبدت في معطفها الرخيص وأنما الأنيق وحذائها ذي الكعب العالي فتاة غير الفتاة التي غادرت بيروزيو , فكلمته وهي تصطنع الأبتسام:
" مرحبا يا بنيتو , ما أجمل أن ألتقيك ثانية".
ولم يستطع بنيتو ألا أن ينظر اليها مذهولا , ثم نطق بالأيطالية:
" ولكن ... ولكن...".
وعادت تخاطبه بلغته في طلاقة:
" لا تدهش , أنني لست شبحا , بل أنا حية وأقيم حاليا مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وسوفيا , شقيقة ماتيلد , تعرف شخصا يريد مربية لأبنه الصغير , لذلك أظن أنني سأحصل على وظيفة مربية عما قريب".
بدا الذهول على بنيتو الذي صاح مشدوها:
" ولكنك لا تستطيعين أن تفعلي ذلك , فأنت تعرفين شعوري نحوك يا سمانتا , والحقيقة أنني ظننتك قادمة لرؤيتي عندما لمحتك".
تلوّن وجه سمانتا بألف لون ولون :
" بنيتو ! بنيتو! أنني آسفة أذا كنت قد جعلتك تفكر هكذا , لكنني أتيت في الواقع لأزور قبر والدي....".
" وماذا عن رحلتك الى أنكلترا؟ ألم تكن ناجحة؟".
ردت سمانتا بأختصار:
" كلا".
" أذن , ماذا تنوين أن تفعلي؟".
" أعتقد أنني أخبرتك".
تأمل بنيتو كتفيه يائسا بغضب :
" يا للسخرية , سمانتا , أرجوك...".
" قبل أن أسافر يا بنيتو تحدثت الى والدتك , فأبلغتني أنها لن تقبل بي كنّة لها على الأطلاق , وقد أكتشفت أنا الآن أن ما كان بيننا لم يكن حبا حقيقيا".
أحمر وجه بنيتو :
" كيف يمكنك أن تعرفي هذا؟ هل ألتقيت رجلا آخر في أنكلترا؟".
خفضت سمانتا رأسها:
" أجل".
" أذن , لماذا جئت الى هنا؟".
منتديات ليلاس
لم يستطع بنيتو بتفكيره الساذج أن يرى العالم ألا بالأبيض والأسود, عاجزا عن تمييز الظلال المنتشرة بينهما.
" أنها قصة طويلة".
أجابته سمانتا بقولها هذا بينما ألتفتت الى آخر الشارع وهي تتمنى مخلصة أن تحضر حافلة الركاب , ولم ترد أثارة أي جدال آخر مع بنيتو.
" هل تنوين الأقتران بهذا الرجل؟".
هزت سمانتا رأسها , وتحرك بنيتو بعصبية:
" ولكن , لماذا؟".
أطبقت سمانتا شفتيها , وأحست بالدموع تترقرق في عينيها , ألا أنها حبست دموعها غاضبة وأجابته:
" لأنه لا يريدني , والآن , أرجوك أن تتركني لوحدي".
وهزت كتفيها يائسة بينما مررت لسانها على شفتها العليا:
" آه يا بنيتو! ماذا يمكنني أن أقول لك؟ كيف حالك".
" أنني بخير , لقد رزقت سلفانا ولدا آخر".
وسلفانا شقيقة بنيتو التي أنجبت ثلاثة صبيان حتى الآن.

نيو فراولة 25-04-11 10:03 PM


أفتر ثغر سمانتا عن أبتسامة متكلفة لأن حديثا من هذا النوع كان العالم كله بالنسبة اليها منذ شهرين ... وسألته:
" وهل حزنت؟".
" كلا , فماريو يريد أن ينجب عددا كبيرا من الأبناء الذين يقتدون به".
وعادت سمانتا تنظر عبر الشارع , لو أن حافلة الركاب تأتي الآن!
وأحس بنيتو بأنقباضها وكآبتها , فأدخل يديه في جيبي بنطاله متنهدا:
" حسنا , سأذهب لأن والدتي تنتظرني".
وتنهدت سمانتا:
" حسنا يا بنيتو , لقد سعدت بلقائك من جديد".
لم يكن ما قالته كافيا , لكنها لم تجد شيئا آخر تقوله.
وأطري بنيتو , ثم جرى عبر الشارع وهو يلقي نظرة عليها بين والآخر , ولوّحت سمانتا له بيدها متمنية أن تحضر حافلة الركاب . ووصلت الحافلة.
حدث كل هذا قبل أربعة أيام , واليوم ذهبت لمقابلة السينيورة ماركازي . ولم تعجب هذه المرأة الأيطالية البغيضة سمانتا تماما , ولا أبنها الصغير البدين والفاسد الأخلاق , ومن المؤكد أن فيتريو الصغير كان قزما , ومحاولاته العديدة لأثارة سمانتا أفلحت في أعطاء ثمارها المرجوة آخر الأمر , وأعترتها رغبة بالأندفاع من المنزل القائم في منطقة راقية من المدينة , وعدم العودة لرؤية هذين الشخصين المقرفين , لكنها أعجبت السينيورة ماركازي على ما يبدو ,ولما كان زوجها السينيور ماركازي مأخوذا بفكرة الحصول على مربية أنكليزية لأبنه , فأنها تمكنت من الحصول على الوظيفة.
وطلبت سمانتا يوما كاملا لبحث الموضوع وذلك لأنها لم ترغب بالعمل عند أسرة ماركازي , وظهر جليا أن السينيورة ماركازي لم تعتبر أقتراح سمانتا أقتراحا مهذبا , ألا أنها أجبرت على قبوله أذ لم يكن أمامها خيار آخر , ولما دخلت سمانتا المنزل القائم في شارع الغانتي كانت هذه هي الفكرة المسيطرة عليها , وأسرعت ماتيلد لتحيتها بينما خلعت معطفها الواقي من المطر .... وقالت:
" أخبريني , هل كانت المقابلة ناجحة؟".
تنهدت سمانتا فيما سوّت شعرها بيدها وأجابت متعبة:
" أعتقد ذلك , ولكن , آه يا ماتيلد ! لا أستطيع أن أفكر كيف سأعيش مع هذه الأسرة , وهذا كل ما في الأمر , لذلك طلبت مهلة للتفكير , ومن البديهي أن السينيورة لم تعجب بالفكرة".
أطرقت ماتيلد وقد تفهمت ما عنته الفتاة:
" طبعا يا عزيزتي ... ألا أنه من المحتمل أن تخيبي آمال سوفيا بعدم موافقتك الفورية لأنها تعتقد أنها فرصة ذهبية , فأسرة ماركازي أسرة غنية والجميع يكنون لها الأحترام والحب هنا".
وأجتازت سمانتا الممر ذا الأرض الحجرية نحو المطبخ حيث تقضي النسوة الثلاث معظم وقتهن, ولم يكن المنزل واسعا , بل حوى غرفتين في كل من طبقتيه , وخلا من دورة للمياه ومن أمكانية الأختلاء والأنفراد بالنفس , وتأكدت لها ضرورة عثورها على مكان خاص بها وبسرعة.
وتلقفت سمانتا فنجان القهوة الذي قدمته لها ماتيلد ممتنة , وقالت لها ماتيلد بمكر:
" أذا لم تقبلي هذه الوظيفة يا صغيرتي , فأن أحتمال حصولك على وظيفة أخرى سيكون أصعب".
وأبتسمت سمانتا لماتيلد بحب:
" أعلم يا عزيزتي ماتيلد , وسأقبل الوظيفة طبعا , ألا أنني أشعر بأضطراب".
أطرقت ماتيلد , التي كانت قد سمعت قصة سمانتا بكاملها لدى رجوع الأخيرة من لندن , دون أن تعلق على تصرفاتها مؤيدة أو معارضة , وسمانتا نفسها لم تكن تعرف أذا كانت على صواب أم ضلال , أو أذا كانت قد تصرفت بحماقة عندما تخلت عن حياة الرفاهية لتعيش حياة الفقر.
ألا أنها نبذت هذه الأفكار , فلا يمكنها البقاء في أنكلترا والمجازفة بمقابلة باتريك ووالدتها , وزواجهما المحتمل , ولم تشأ أن تعرف شيئا آخر عنهما حتى تبقى أفكارها على حالها الآن.
وأرتدت سمانتا معطفها بعد العشاء , وأنطلقت سيرا على الأقدام , كان المساء ألطف جوا بعد نهار عاصف مجنون , وأستمتعت بالنسيم العليل يلفح وجهها , ولكنها تمنت لو أن رافنا مدينة ساحلية حتى تستطيع السير بجانب البحر , فهي تحب البحر , ولم تره ألا قليلا مذ غادرت بيروزيو قبل ستة أسابيع , ستة أسابيع! ما أعظم الأحداث التي قد تقع في مثل هذه المدة!
أستيقظت في صباح اليوم التالي لترى الشمس مشرقة للمرة الأولى منذ رجوعها , وفتحت نافذتها لتطل منها ألى الخارج وتحس بدفء الهواء , وتنهدت أذ شعرت بالأرتياح , فالشمس دائما تجعلها تشعر بالتحسن والأنتعاش.
لقد أبلغت السينيورة ماركازي بأنها ستزورها عند الساعة الثالثة لتعلمها بقرارها , وهكذا أمكنها أن تتمتع بحريتها في هذا الصباح , وبعد أن تناولت قطعة من الخبز المدور والقهوة , أرتدت بنطالا وسترة صوفية دافئة , وذهبت لشراء بعض الحاجيات , وأعطتها سوفيا لائحة بما تريد شراءه , ولما أستمتعت سمانتا بمقارعة البائعين , أحست أنها بدأت تعود الى طبيعتها , وقالت في نفسها أن الزمن سيداوي كل الجراح , وعليها أن تتجاهل الفراغ المؤلم الذي تحس به في أعماقها , وحلّ الظهر قبل أن تعود الى شارع الغانتي , وعادت الى الشارع تمشي الهوينى وتهزهز السلة في ذراعها , ولم تلبث أن نقبضت أساريرها , أذ لمحت سيارة من طراز كونتينتال تقف أمام منزل سوفيا الصغير وقد بدت ضخمة للغاية في الشارع الضيق.

نيو فراولة 25-04-11 10:05 PM

ترى سيارة من هي؟ من المؤكد أن سوفيا وماتيلد لا تعرفان شخصا يملك سيارة بهذا الحجم , وألا , فأن السيارة تخص أسرة ماركازي , وأرتاحت قليلا وأن يكن أرتياحها ميؤوسا منه أذا كانت تخص السينيور ماركازي , والمهم أن أحدا لا يعرف أنها هنا , لا باتريك ,ولا باربرا , ولا السيد يولام , وتابعت سيرها في الشارع حتى دخلت البيت حيث أحست أعصابها مشدودة كأوتار الكمان , وأرتجفت دون أت تدري السبب , وأمرت نفسها بأن تهدأ وتستريح , وتكف عن هذيانها وأحلامها وأوهامها.
وأنطلقت الى المطبخ حيث كانت سوفيا تحرك الحساء فوق الموقد , ولما دخلت سمانتا بادرتها بالأبتسام , وسألتها:
" هل أشتريت كل ما تحتاجينه؟".
توقف قلب سمانتا على حين غفلة:
" أعتقد ذلك , متى يصبح الغداء جاهزا؟".
" في غضون ربع ساعة".
" أين ماتيلد؟".
" أنها في الغرفة الأخرى مع أحد الضيوف , أذهبي وأبلغيها أن الغداء أوشك أن ينضج ,وأسألي ضيفها أذا كان يرغب بتناول غدائه معنا".
تركت سمانتا السلة على الطاولة وأنطلقت نحو الغرفة التي لا تستعمل ألا في المناسبات الخاصة , وقرعت الباب قرعا خفيفا , ثم دخلت.
عندئذ شعرت وكأن قلبها توقف عن الخفقان , رأت باتريك يقف مديرا ظهره للمدفأة الخالية وهو يبتسم أبتسامته الجذابة ويرتدي بزة كحلية ومعطفا , وصاحت بصوت كادت تخنقه الفرحة:
" باتريك!".
فرد بهدوئه المعتاد وكأنه من الطبيعي أن يقف هناك :
" مرحبا يا سمانتا".
ونهضت ماتيلد عن الأريكة قائلة:
" هذا....
الضيف الكريم ينتظرك منذ زمن بعيد يا سمانتا , هل أنت بخير يا حبيبتي؟ أنك تبدين شاحبة جدا".
" أنني... أنني بخير".
ثم أستجمعت أفكارها المشتتة , وحاولت أنتزاع الدهشة من نبرة صوتها:
" ماذا تعمل هنا يا باتريك؟ هل أرسلتك باربرا الي؟".
أجابها بحزم:
" لم يرسلني أحد , بل حضرت بنفسي لأسترجعك".
تشنجت كتفا سمانتا:
" أشكرك على ما تكلفته من أجلي , لكنني لا أريد أن أعود".
ورمق باتريك ماتيلد بنظرة جعلتها تحني كتفيها ثم تندفع الى الباب :
" سأترككما لوحدكما , فأنا متأكدة أن لديكما الكثير لقوله".
وأمسكت ذراع سمانتا ذراع ماتيلد أذ أحست فجأة بالخوف من هذا الغريب المحدّق فيها بعينين حادتين:
" لا تذهبي يا ماتيلد , فكل ما سنقوله يمكنك أن تسمعيه".
تحررت ماتيلد , وأندفعت نحو الباب تغلقه وراءها بينما تقول:
" عزيزتي سمانتا , عليك مواجهة الأمر بنفسك , ولا أستطيع مساعدتك".
ولما ذهبت ماتيلد , أتكأت سمانتا على الباب ليسهل فرارها أن دعت الحاجة , وأزدادت حمرتها أذ عجزت عن مجاراة باتريك وهو على ما فيه من أضطراب وهياج , أما هو , فخلع معطفه , ولم يكن قد تسنّى له الوقت ليبدل ملابسه هنا في أيطاليا حيث الجو أكثر حرارة بكثير من أنكلترا .
منتديات ليلاس
وحدّثته سمانتا بيأس:
" لا أدري ماذا تتوقع مني أن أقول , الحقيقة أنني تخليت عن أنكلترا الى الأبد , ولن أعود اليها لأنني لا أحب ناسها ولا أعرف فيها أحدا بعد اليوم".
عقب باتريك بجفاء:
" بل تعرفين".
فتنهدت سمانتا:
" علمت أنك تلقيت عرضا بالسفر الى الولايات المتحدة لأنتاج مسرحيتك الأخيرة في فيلم سينمائي".
" هذا صحيح , والمسرحية الآن بين يدي وكيل أعمالي في لندن , وأذا أقتضت الضرورة حضوري , يمكنني العودة بأقصى السرعة".
خفضت سمانتا رأسها:
" فهمت , أنني سعيدة من أجلك , ستصبح من المشاهير بعد الآن".
فأبتسم باتريك أبتسامة صغيرة:
" هل تعتقدين أن من المهم أن يصبح المرء شهيرا؟".
" لست أدري , ذلك يعتمد على شخصيتك , باربرا ستحب هذا كثيرا".
" فسألها باتريك ببرودة:
" وما علاقة باربرا بالموضوع؟".
" لا أعرف ذلك , لكن من المحتمل أن ترتّبا برنامجا معا".
علّق باتريك بحدة:
" كفي عن التحدث بالألغاز , فأنا وباربرا.... كنا أصدقاء.... لفترة , أما الآن , فكل ما بيننا أنتهى , وباربرا تعرف ذلك , لكنها لن تقر به".
حينئذ ضمت سمانتا يديها الى بعضهما وأبتعدت عن الباب:
" أذن , فأنني لا أفهم سبب قدومك الى هنا".
" لماذا تظنين أنني حضرت الى هنا أيتها الحمقاء الصغيرة؟".
ثم هز رأسه وقد أمسك ذراعيها:
" هل تدرين ماذا فعلت بي يا سمانتا , وكنت أحسب أنني تخطيت العمر الذي أقع فيه في الهوى؟".
" آه , لماذا لم تخبرني يا باتريك؟".
" الحقيقة أنني حاولت أن أخبرك يوم الجنازة , لكنني أظن أني جعلت الأمر يبدو مزعجا على عادتي , وربما لا زلت حتى الآن تفكرين بمقصدي......".
وأحمرت سمانتا خجلا من أفكارها , فهمس باتريك:
" أرأيت؟ ماذا تظنينني , شيطانا مقنعا أم ماذا! هل تخيلت أنني سأعرض عليك أنشاء علاقة حب سرية؟".
فهزت سمانتا رأسها بينما أعترفت:
" لست أدري , ولكن , أخبرني بصراحة يا باتريك من فضلك".
منتديات ليلاس
وأغمضت عينيها برهة , لا شك أن ما رأته ليس سوى حلم , وهمست بلهجة طغا عليها الشوق والتحرق:
" أنت تعلم أنني أوافق , ولكن , هل يمكننا ؟ فأنت مسافر الى الولايات المتحدة , ولا تنسى أن هناك باربرا.....".
" أمامنا كثير من الأمور ينبغي مناقشتها , أولا , بأمكانا أعتبار الرحلة الى أميركا بمثابة بداية لشهر العسل , فهل تروق لك الفكرة؟".
سدّدت سمانتا اليه نظرة أعجاب:
" أتدري يا باتريك أنها فكرة رائعة؟".
" حسنا , هذا يحل أزمة شهر العسل , وبعد ذلك يمكننا أن نعود الى أنكلترا حيث يمكننا أن نقيم في دافن أذا كانت هذه رغبتك.......".
" أنني أوافق".
فأبتسم باتريك.
" عظيم , أما في ما يتعلق بباربرا , فدعينا نتجاهلها ولا نشغل نفسنا بأمورها , وأذا حدث أن ظهرت قصتك المنسية معها , ستكون هذه مشكلتها , ولا حاجة أن نبالغ في عدائنا لها".
فعلقت سمانتا:
" أنني مسرورة بقولك هذا لأنني لا أريد أن أسبّب لها المزيد من الأزعاج".
" أذن , بقي علينا أن نقرر شيئا بخصوص كيلني , هل ترغبين بقضاء بعض أيام السنة هناك؟".
ضحكت سمانتا وقد أحست بالطمأنينة للمرة الأولى منذ أسابيع :
" وهل يتسع لنا الوقت ؟ آه يا باتريك الحبيب , أنه حلم يتحقق".
ثم سألته:
" ولكن , كيف عثرت عليّ؟".
تنهد باتريك:
"زرت دافن حيث لم أجدك , وألتقيت بأيميلي , فأخبرتني عن شجارك مع باربرا , ولما أدركنا أنك لن تقيمي في لندن , أقترحت أيميلي فكرة رجوعك الى أيطاليا , فأتصلت بالمطار فور عودتي الى المدينة , وأفادوني أنك سافرت قبل أسبوع الى ميلانو , فحجزت مقعدا في الطائرة القادمة الى ميلانو بعد أن رتّبت أموري".
ثم سألها ضاحكا:
" هل تشعرين بالضجر؟".
ولما هزت رأسها نفيا , أستطرد:
" وأستأجرت سيارة أتجهت بها الى بيروزيو حيث عرف الجميع أسمك دون أن
يعرفوا مكان وجودك , وأخيرا ألتقيت شابا يدعى بنيتو أنجيلي....".
" بنيتو!".
" أجل , قال أحد الشبان أن بنيتو هو الوحيد الذي يحتمل أن يعرف أين تقيمين , وقد أكّد أنه ألتقاك قبل بضعة أيام حين أخبرته أنك تقيمين مع ماتيلد وشقيقتها في رافنا , وها أنذ, فهل ما قلته يقنعك ويرضيك؟".
" تماما , لكني ما زلت لا أصدق ما حدث لأنه رائع الى أقصى الحدود".
" ولكن , هذا ما تريدينه ؟ أليس كذلك؟ ألديك شكوك؟".
" ألديك أنت أي شكوك ؟ باتريك , الحقيقة أنه لم تكن عندي أي شكوك , وقد عرفت الواقع منذ الدقيقة الأولى في الطائرة".
" هل تعرفين أين سنذهب الآن؟".
تطلعت اليه سمانتا مرتبكة:
" كلا".
" الى فيللا عند شاطىء بحيرة كومو لمقابلة السينيورة مالوري...".
" أهي والدتك؟".
" أجل , لا بد أن تقابلك الآن , أليس كذلك؟ فأنت ستصبحين نّتها خلال أسبوع على الأكثر".
" حسنا يا حبيبي , لا يهمني أين أذهب ما دمت معك".




تمت

Rehana 29-04-11 06:59 AM

يعطيك ألف ألف عاقية
منورة دائما المنتدى غاليتي:friends:

http://www.comments.zingerbugimages....art_thanks.gif

ربي اسالك الجنة 30-04-11 08:44 AM

:55::toot::55::toot:
يسلموووووووووووووووووووو حبيبتي اشكرك على عاالرواية الرائعه والله يعطيكي العافية ودمتي 0:welcome3::361:

الجبل الاخضر 01-05-11 07:39 AM

:55:برافو:55: برافو:55: برافو:55::flowers2: تسلمين :friends:وشكرالك:7_5_129: وننظر الجديدك:flowers2: ونشكرك على المجهود المبذوال:friends:

اربيلا 02-05-11 01:21 AM




بسسسسسسسسسسسلمو

ششششششششششششششششششششششششكرا

sara00 04-05-11 03:59 PM

الـــــــــــــــــــــــف الـــــــــــــــــــــــف
شكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا
:55::toot::toot::55:

نجلاء عبد الوهاب 06-05-11 09:27 PM

رواية رائعة كتيير:55:

hoob 07-05-11 11:05 PM

جميله جدا شكرا على المجهود الرايع

ندى ندى 06-12-11 04:43 AM

جمييييييييييييييييييييله جدا

زهرة منسية 08-12-11 12:46 PM

مشكورة كتير نيو فراولة رواية من أروع ما يكون

سمرااء نوبية 25-08-21 02:30 AM

رد: 111 - سقوط الأقنعة - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميللللة جدااااااااااااااااااا

Moubel 27-08-21 10:40 AM

رد: 111 - سقوط الأقنعة - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميلة جدا شكرا لك


الساعة الآن 01:12 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية