منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات أونلاين و مقالات الكتاب (https://www.liilas.com/vb3/f743/)
-   -   [قصة مكتملة] د. نبيل فاروق ..... الثورة .. كامــــلة (https://www.liilas.com/vb3/t156493.html)

عهد Amsdsei 18-02-11 08:38 AM

د. نبيل فاروق ..... الثورة .. كامــــلة
 
السلام عليكم

د. نبيل فاروق.... رؤى وآراء

http://up.liilas.com/uploads/liilas_13027923021.gif

تحميل قصة الدكتور نبيل فاروق رمضان

الثورة

على هيئة PDF كاملــــــــــــــــــــــــة

هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

http://up.liilas.com/uploads/liilas_13027923021.gif

**************************************
الفصل الأول

الثورة ... خالد

********************


الثورة.. خالد






"حاول ألا تتأخرّ يا خالد"..


هتفت أمه بالعبارة، وهو يقف عند مدخل المنزل، فالتقط نفساً عميقاً، وبذل جهداً أكثر عمقاً، للسيطرة على أعصابه، ودفع فيضاً من الهدوء إلى صوته، وهو يقول:

- إن شاء الله يا أمي.

كانت تقول شيئاً آخر، ولكنه دفع جسده عبر الباب، وأغلقه خلفه في سرعة، حتى لا يستمع إلى سيل النصائح التقليدي..

لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت التاسعة والنصف مساءً بعدُ، وسنوات عمره تجاوزت العشرين بشهرين وبضعة أيام، وما زالت أمه تتعامل معه باعتباره صغيرها، الذي يرتجف قلبها عليه كلما تأخرّ في العودة إلى المنزل..

المشكلة الرئيسية في حياته هي أنه ابن وحيد..

وبالنسبة إليها هو رجلها الوحيد؛ فقد تُوفّي والده رحمه الله، وهو بعدُ في التاسعة من عمره، وكافحت هي طويلاً، كأم وحيدة، كي تجعل منه ما هو عليه الآن.

إنه طالب نابِهٌ، في واحدة مِن كليات القمة، كما يطلقون عليها، ويقضي معظم أوقاته في استذكار دروسه، ولكن أوقات فراغه هي مشكلته الكبرى.

لسنوات طفولته كلها لم تكن أن تسمح له بالاختلاط بأطفال الشارع، أو باللعب معهم، مما جعله شاباً منزلياً، كما أطلقوا عليه في شارعه، ولكنه لم يكد يبدأ حياته الجامعية حتى تغيّرت هذه الصورة تماماً.

في الجامعة حياته اجتماعية، لم يعتدها من قبل قط..

وربما لهذا انغمس فيها أكثر مما ينبغي..

كانت ارتباطاته بصداقاته قوية، أكثر من اللازم..

كان يعطي..
ويعطي..
ويعطي..
ولا ينتظر أبداً أن يأخذ..
ولقد اعتاد أصدقاؤه هذا..
اعتادوا أن خالد للعطاء..
فقط للعطاء..

كان أكثر ذكاءً، على نحو ملموس، وأكثر رصانة أيضا، يتحدّث في العديد من الأمور السياسية والاجتماعية، وأحياناً الدينية، ولكن المشكلة الحقيقية أن أحداً منهم لم يكن يُشاركه حديثه على المستوى المطلوب..

لا أحد..
باستثناء علياء..
وحدها كانت تتابع أحاديثه في اهتمام بالغ، وتحاوره في بعض آرائه، أو تحاول الاستفسار منه عن البعض الآخر..
ولقد لاحظت المجموعة كلها اهتمامها الواضح به..
وربما قبل أن ينتبه هو نفسه إلى هذا..
لاحظوه.. واحترموه..

ومع مرور الوقت نضج جانب آخر من جوانب خالد..

الجانب العاطفي..

رويداً رويداً أيضا بدأ هذا الأمر يتخذ سمة شبه رسمية..

حتى عندما يلتقي الجميع، في كافيه بعينه، كانوا يتركون المقعد المجاور لخالد خالياً، حتى تصل علياء، أو العكس بالعكس..

هم اعتادوا هذا...
وهو اعتاد هذا..
وهي اعتادت هذا..
و..

"مرحباً يا بطل"..

قطع حديث أحمد حبل أفكاره، فابتسم له خالد، وقال في هدوئه المعتاد:

- مرحباً.. أأنت أوّل مَن وصل؟!

هزّ أحمد كتفيه، وقال:

- علاء وتامر في الطريق.

سأله في اهتمام:

- وماذا عن فتحي؟!

عاد أحمد يهز كتفيه، وكأنها عادة تلازمه، وهو يجيب:

- والده عاد اليوم من الكويت، وستجتمع الأسرة كلها على العشاء.

ابتسم خالد، قائلاً:

- عظيم.

وفي بساطة، ارتكن على مقدّمة سيارة أحمد، وهو يسأله:

- لماذا لا نجلس حتى يصلوا؟!

هزّ أحمد كتفيه، وقال:

- إنها ليلة شتاء دافئة، أحبّ أن أتمتع فيها بالهواء النقي.

ثم التفت إليه، يسأله في اهتمام:

- هل دخلت الموقع اليوم؟!

سأله بنفس البساطة:

- أي موقع؟!

تزايد حماس أحمد على نحو عجيب، وهو يجيب:

- موقع فيس بوك.. إنهم يتحدّثون عن شاب لقي مصرعه على يد أفراد من الشرطة..

سرت ارتجافة سريعة في جسد خالد، وهو يتساءل:

- حقا؟!

بدا أحمد شديد التوتر، وهو يقول:

- كان يجلس في مقهى للإنترنت، وحدثت مشادة بينه وبينهم، تطوّرت إلى اعتداء بالضرب، تصاعد بسرعة، حتى لقي مصرعه.

شعر خالد بامتعاض، جعله يقول في اشمئزاز:

- ولماذا تتطوّر الأمور إلى هذا الحد؟! ماذا كانت الاتهامات الموجّهة إليه؟!

عاد أحمد يهز كتفيه، قائلاً:

- لا شيء.

اتسعت عينا خالد، وهو يرددّ، في لهجة أقرب إلى الذهول:

- ماذا تعني بلا شيء؟!

مطّ أحمد شفتيه، وأشار بيده في الهواء، قائلاً:

- فقط اعترض على طلب هويته.

هتف خالد مستنكراً:

- فقط؟!

أومأ أحمد برأسه، مجيباً:

- فقط.

ظهر تامر وعلاء في هذه اللحظة، فتهللّت أسارير أحمد، وكأنما نسي ما كانا يتحدّثان فيه منذ لحظات، ولوّح لهما، هاتفاً:

- نحن هنا.

تصافح الأربعة، وبدا أحمد مرحاً، بما لا يتناسب مع الموقف، وشاركه علاء وتامر مرحه، واتجه الثلاثة نحو المكان، الذي اعتادوا الجلوس فيه، دون أن ينتبه الثلاثة إلى حالة الوجوم العجيب، التي انتابت خالد..

كان يبدو كالمصدوم، غير مصدّق لما سمعه منذ قليل..

شاب اعترض على طلب إبراز هويته، دون ذنب جناه، فاعتدى عليه أفراد من الشرطة، حتى لقي مصرعه!!!

أي منطق في هذا؟!
أي عقل يقبله؟!
ثم ماذا لو كان هو هذا الشاب؟!
ماذا لو حاول أن يمارس حقه كمواطن، في ألا يعترضه أحد، أو يضيق عليه الخناق، دون ذنب جناه؟!
أيصبح الموت عقابه حينذاك؟!
وعقاب على ماذا؟!
على أنه يطالب بحقه..
وحريته..
وكرامته..
مستحيل!!

"أين أنت؟!".

انتزعه تامر من أفكاره بعبارته المرحة، قبل أن يميل نحوه، مستطرداً:

- لا أسكت الله سبحانه وتعالى لك حساً... إنك لم تنطق حرفاً واحداً، منذ أن جلسنا.

أشار إليه علاء، متسائلاً، بالمرح نفسه:

- حقاً.. أين مناقشاتك الفلسفية، التي ترهق عقولنا دوماً.

رفع خالد عينه إليه، وسأله فجأة:

- ترى ما حقوقنا في وطننا؟!

بدت الدهشة على وجوه ثلاثتهم، وتساءل أحمد في حيرة:

– ما مناسبة هذا السؤال؟!

حمل صوت خالد حدة، لم يعتدها منه رفاقه، وهو يواصل تساؤله:

- هل قرأ أحدكم الدستور؟!

تضاعفت دهشتهم، قبل أن يطلق علاء ضحكة مرتبكة، قائلاً:

- إننا نقرأ مقرراتنا الدراسية بالكاد.

مال خالد نحوهم، وبدا صوته أكثر حدة، وهو يقول:

- كيف يمكن أن تطالب بحقوقك إذن، وليست لديك أية فكرة عنها؟!

هتف به تامر في استنكار:

- ماذا أصابك الليلة؟!

صاح فيه خالد في حدة:

- بل ماذا أصابكم أنتم؟!

قالها، وهبّ من مقعده، واندفع خارجاً، تاركاً ثلاثتهم في حَيرة من أمرهم، فمن المؤكّد أن أحداً منهم لم يُدرك أنه في تلك اللحظة بالذات، انقلبت حياة خالد رأساً على عقب..

وبقوة.


يُتبَع،،،،

صدر من هذه القصة حتى الآن :



alaagalal 19-02-11 01:11 AM

ميرسىىىىىىىىى لك يا عهد وانا فى انتظار البقية بس ليا استفسار هى قصة حقيقية

عهد Amsdsei 20-02-11 07:46 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alaagalal (المشاركة 2640556)
ميرسىىىىىىىىى لك يا عهد وانا فى انتظار البقية بس ليا استفسار هى قصة حقيقية

السلام عليكم

ألف شكر لك أختي

و الله مش عارفة

بس باين كده إن الأمور هتتوضح بشكل أكبر

في الفترة الجاية

بإعتقادي إنها حقيقية

شكرا على مرورك و خليك متابعة

يارب بس الدكتور نبيل لا ييغيب عننا كثيييير

سلاااااام

عهد Amsdsei 24-02-11 10:57 AM

السلام عليكم

الدكتور نبيل فاروق رؤى و آراء

الثورة - علياء

http://www.mediafire.com/imgbnc.php/...cd637b736g.jpg

التهبت كل خلية مِن أعصاب علياء، كما لم تلتهب مِن قبل، وهي تعاود الاتصال بهاتف خالد المحمول مرّة تلو الأخرى، دون أية استجابة..

لم تكن تدري ماذا أصابه؟!

منذ أسبوع كامل، اختفى مِن المشهد تماماً..

لم يأتِ إلى الكلية، على الرغم مِن الدورات العملية، والمحاضرات شديدة الأهمية..

ولم يظهر في ذلك الكافيه، الذي اعتادت المجموعة التواجد فيه، في أيام الإجازات..

ولم يجب على هاتفه، ولو مرّة واحدة..

في البداية، خشيت علياء أن يكون مريضاً، ولكن سامي أكّد لها أنه قد اتصل بمنزله، فأخبرته أمه أنه بخير، ولكنه ينام لأوقات طويلة..

كانت بدورها شديدة القلق على وحيدها، حتى إنها سألت سامي أكثر مِن مرة، عما إذا كان هناك ما أصابه، أو مَن أساء إليه، فأكّد لها سامي أن هذا لم يحدث، ورجاها أن تطلب من خالد الاتصال به، فور استيقاظه..

ولكن خالد لم يفعل..

وتضاعف قلق علياء..

وعبر أحمد، وعلاء، وفتحي، وتامر، تكّررت محاولة الاتصال بـخالد، ولم تنجح محاولة واحدة منها..

ولم يعاود خالد الاتصال بأحدهم.. أبداً..

وجُن جنون علياء بحق..

فـ"علياء" فتاة رقيقة، تقيم في أسرة هادئة، ومنزل جميل، من منازل الطبقة فوق المتوسّطة..

كانت الابنة الصغرى، في أسرة من أربعة أفراد.. أمها وأبيها، وشقيقتها الكبرى، التي تكبرها بثلاثة أعوام..

وطوال حياتها، كانت علياء، كما تربّت، اجتماعية، بسيطة، منفتحة.. وملتزمة.. كانت دوماً مثالاً للفتاة العصرية، وبكل المقاييس..

وعلى الرغم من انفتاحها التلقائي على الحياة الجامعية، لم يتفتّح قلبها، أو حتى حاول هذا، مع أي زميل..

حتى التقت خالد..

فجأة، وجدت نفسها أمام شاب من طراز جديد..

طراز مختلف..

كان رصيناً، هادئاً، وقوراً، على عكس أقرانه..

وكانت لديه ثقافة واسعة..

ثقافة مبهرة، من وجهة نظرها..

ثقافة، ربما كانت السبب الرئيسي لذلك الشعور العجيب، الذي تسللّ إلى قلبها البكر، لأوّل مرة في حياتها..

في البداية، وجدت نفسها شديدة الاهتمام بالاستماع إليه.. مبهورة بكل كلمة تسمعها منه، مشدوهة بفلسفته البسيطة، التي يطرحها في هدوء، دون حدة أو تشنّج.. شغوفة بسماع كلماته وتفسيراته لآرائه، وهدوئه في التعامل مع معارضيه، أو حتى الساخرين منه..

ثم طرأ تحوّل جديد عليها..

أصبحت سعادتها كلها في رؤيته..

فقط رؤيته..

كانت تنتظره في الكلية بشغف، ويتراقص قلبها كلما رأته قادماً، مع تلك الابتسامة التي تشعّ بالبساطة والطيبة والنقاء، على شفتيه، والتي لا تفارقهما أبداً تقريباً..

ومع اختلاجات قلبها، وحديثها مع شقيقتها الكبرى فيحاء، اعترفت بالحقيقة..

اعترفت بأنها تُحبّه..

ومِن أعمق أعماق شفاف قلبها..

ولأنها مِثله، بسيطة رقيقة، لم تُحاول إخفاء مشاعرها هذه أبداً..

لم تحاول أن تخفيها عنه..

أو عن المجموعة كلها..

ومن ناحيته، ارتبك في البداية، مع مشاعرها الواضحة، التي التقت بتلك التغيرات في مشاعره أيضا، ثم لم يلبث بفلسفته أن وجد أنه لا مبرر للارتباك، أو القلق..

وبدون أن يتحدّثا، أو يفصح أي منهما عن مشاعره للآخر.. التقيا..

وفهمت المجموعة كلها هذا..

وتقبّلته...

وذات يوم، قالت نهى -إحدى أبرز الناشطات في المجموعة- إنها لا تتخيّل أن يصلح أحدهما سوى للآخر..

وارتاحت الأمور، عند هذه النقطة، وسارت معها الحياة..

ولكن فجأة، حدث ما حدث..

واختفى خالد..

وفي تلك الليلة، سالت دموع علياء غزيرة، على وسادتها الحريرية، بعدما يئست من الاتصال بـخالد، دون إجابة..

ومن وسط دموعها، سمعت طرقات هادئة على باب حجرتها، أعقبها صوت شقيقتها فيحاء، وهي تسأل، في صوت يحمل نبرة قلق واضحة:

- علياء.. هل يمكنني الدخول؟!

نهضت في سرعة، تمسح دموعها، وهي تقول:
- بالتأكيد..

فتحت فيحاء باب الحجرة، وتطلّعت إليها في قلق، وغمغمت، وهي تغلق الباب خلفها:
- سمعتك تنتحبين.

أومأت علياء برأسها إيجاباً، ومسحت ما تبقّى مِن دموعها، وهي تغمغم:
- هل كان صوتي مرتفعاً، إلى هذا الحد؟!

ابتسمت فيحاء ابتسامة مشفقة حنونة، وهي تربّت عليها، مغمغمة:
- لم يكن كذلك.

استقرّت على طرف فراشها، وسألتها:
- أهو خالد؟!

أومأت علياء برأسها إيجاباً مرّة أخرى، وقالت:
- إنه لا يجيب على هاتفه أبداً.. حاولت الاتصال به أكثر من مائة مرة، ولم يعاود الاتصال مرة واحدة.

تردّدت فيحاء لحظة، ثم مالت عليها، تقول:
- لعله لا يريد الاستمرار.

أجابتها علياء، في سرعة متنكرة:
- ليس هذا أسلوب خالد.

ثم اعتدلت بحركة مفاجئة؛ لتكمل بشيء من الحماس، يحمل رنة حزن:
- خالد إنسان بسيط للغاية، لا يتعامل أبداً بهذه الأساليب غير المباشرة، ولو أنه لا يريد الاستمرار معي، لأخبرني بهذا، ولشرح لي أسبابه ومبررّاته.

تنهدت فيحاء، وتردّدت لحظات أخرى، ثم قالت في حنان:
- اسمعي يا علياء.. ربما أكبرك بسنوات قليلة، ولكن خبرتي بالحياة تفوقك إلى حد كبير، ولقد اعتدت مِن الشباب عدم القدرة على المواجهة، وهي سمة صارت للمجتمع كله تقريباً، فإذا ما شعر أحدهم بالرغبة في الابتعاد، فإنه لا يجرؤ على الإفصاح بهذا، وإنما يفعل ما فعله خالد... يختفي، ولا يجيب على اتصالاته.

هتفت علياء في حدة:
- ليس خالد.

مطّت فيحاء شفتيها، وتمتمت:
- مِن الواضح أنك شديدة الثقة به.

هتفت:
- أكثر مما تتصوّرين.

ربتت عليها شقيقتها مرة أخرى، وهزّت رأسها، متمتمة:
- أتعشّم أن يكون كما ترينه.

قالت علياء في حزم:
- سترين.

مع آخر حروف كلماتها، ارتفع رنين هاتفها المحمول، على نحو أفزعهما معاً، قبل أن تهتف علياء، بكل لهفة الدنيا، وهي تختطف هاتفها:
- إنه خالد.

تراجعت فيحاء في دهشة، في حين ضغطت علياء زر الهاتف، قائلة، بكل ما تراكم في أعماقها، مِن لهفة، ولوعة، وحُب، وقلق:
- خالد.. أين أنت؟!

أجابها صوته، حاملاً دفقة من الحزن، وهو يقول:
- اسمه خالد يا علياء.

لم تفهم ما قاله، فصمتت لحظة، أكمل هو خلالها:
- ذلك الشاب، الذي قتلته الشرطة، اسمه خالد.

انخفض صوتها، وهي تقول في قلق:
- ماذا بك يا خالد؟!

واصل، وكأنه لم يسمعها:
- كان يمكن أن يكون أنا.. أو فتحي.. أو أحمد.. أو علاء.. أو نهى.. كان من الممكن أن يكون....

صمت فجأة، واستغرق صوته لحظات، قبل أن يضيف، في مرارة مالها مثيل:
- أنت.

حدّقت فيحاء في ذلك الانطباع الملتاع، على وجه شقيقتها، ثم انسحبت من الحجرة في هدوء، مدركة أنه لم يعد يحقّ لها البقاء، وأغلقت الباب خلفها في حرص، وعلياء تقول، بصوت حَمِل اعتصار قلبها:
- ماذا أصابك يا خالد؟! أين كنت طوال الأيام الماضية؟!

مرة أخرى، لم يبد أنه قد سمعها، وهو يقول:
- لا بد وأن نفعل شيئاً.. أي شيء.. لا يمكن أن تستمر الحياة على هذا المنوال.. لا يمكن.

سألته مرة أخرى، في صوت أقرب إلى البكاء:
- أين كنت يا خالد؟!

أجابها، في صوت يوحى بأنه يحدّث نفسه:
- كنت أدرس.

سألته في حيرة:
- تدرس ماذا؟!

مضت لحظات من الصمت، قبل أن يُجيب في صوت عميق:
- الدستور.

وتضاعفت حيرتها..

ألف مرّة.

يُتبع

alaagalal 25-02-11 07:06 PM

ميرسىىىىىى ياريت متتاخريش بجد شوقتينى فى سماع بقية القصة

عهد Amsdsei 26-02-11 08:00 AM

السلام عليكم

كيف حالك أختي؟؟؟؟

إذا كان علي كنت نزلتها النهاردة

بس الدكتور هو اللي بينزلها كل فين وفين

أعمل أنا إيه

بس إن شاء الله أول ما تنزل هانزلها هنا على طووووووووووووول

سلااااااااااااام


alaagalal 28-02-11 12:46 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ازيك عهد
انا فى انتظار الدكتور نبيل وفى انتظارك ايضا
وياريت مكونش تقلت عليكى وتعبتك..... هو الدكتور لى موقع مخصوص بينزلها عليه ولو فى ممكن تقولهولى :8_4_134:

عهد Amsdsei 28-02-11 08:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alaagalal (المشاركة 2652046)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ازيك عهد
انا فى انتظار الدكتور نبيل وفى انتظارك ايضا
وياريت مكونش تقلت عليكى وتعبتك..... هو الدكتور لى موقع مخصوص بينزلها عليه ولو فى ممكن تقولهولى :8_4_134:

السلام عليكم

لا تعب ولا حاجة

أنا ردّيت عليك بالخاص

و تابعي الدكتور في الفصول القادمة

سلاااااااااام

فاتنة الضحى 28-02-11 09:34 PM

http://img3.imageshack.us/img3/6326/...almatyadek.gif [IMG]]

مين هناك 02-03-11 12:51 AM

أول الغيث قطرة

أخير بدأ الدكتور نبيل فاروق فى الكتابة عن قصة عن أحداث الثورة

ألف شكر لاخت (عهد amsdsei) على القصة وفي انتظار باقي الفصول

عهد Amsdsei 02-03-11 08:40 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مين هناك (المشاركة 2655645)
أول الغيث قطرة

أخير بدأ الدكتور نبيل فاروق فى الكتابة عن قصة عن أحداث الثورة

ألف شكر لاخت (عهد amsdsei) على القصة وفي انتظار باقي الفصول

السلام عليكم

هذا شعورنا كلنا ... أخييييييييييراً

بس المهم إن نبيل فاروق رجع يكتب من ثاني

ياريت ينزل الأعداد الخاصة بسرعة

نحن معتمدين عليكم في مصر

سلام

katia.q 02-03-11 04:14 PM

ألف شكر علي انزالك للقصة وباين عليها انها رائعة أخري من روائع نبيل فاروق
بس يارب مفيش حد يموت عشان انا مش بستحمل
وربنا يخليكي لنا يا عهد وفي انتظارك
http://photos.azyya.com/store/up2/090123075707g43R.gif



عهد Amsdsei 02-03-11 05:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2656367)
ألف شكر علي انزالك للقصة وباين عليها انها رائعة أخري من روائع نبيل فاروق

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2656367)
بس يارب مفيش حد يموت عشان انا مش بستحمل
وربنا يخليكي لنا يا عهد وفي انتظارك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2656367)



السلام عليكم

العفو يا أختي الدكتور نبيل فاروق هو الذي يستأهل كل الشكر

لكني لا أوعدك إنه مافيش حد يموت

يعني الثورة في مصر كان لها ضحاياها

خاصة وإن بعضهم قال إن الدكتور نبيل استوحى هذه القصة

من واقع حقيقي

وللأسف الشخصية التي يمثلها خالد .....

فهمتيني أكيد

طبعاً هذا كله كلام قد لا يكون للصحة فيه نصيب

و لهذا تابعي معنا كلنا

و لنرى إبداع الدكتور نبيل سوف يصل لنا إلى أين

إلى اللقاء

فاتنة الضحى 03-03-11 05:19 PM

يعطيك العافية أختي
والله كتير انا بحب د. نبيل فارق
ومشكور ة علي القصة بنتظار الفصول الاخري
و اتسلم ايدك يا عسل
انا بعثتلك بطاقة شكر بس واضح أقوي انها ما وصلتش

عهد Amsdsei 04-03-11 12:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاتنة الضحى (المشاركة 2658466)
يعطيك العافية أختي

والله كتير انا بحب د. نبيل فارق
ومشكور ة علي القصة بنتظار الفصول الاخري
و اتسلم ايدك يا عسل

انا بعثتلك بطاقة شكر بس واضح أقوي انها ما وصلتش

السلام عليكم

الله يعافيك أختي كيف الحال ؟؟؟؟

و العفو منك ما حبيت أزعجك في الاول بس استغربت

ههههههههههههههههههههههههههههههههه

معلش .... بس ما وصلت لي أي رسالة منك

جائز إنك ارسلت لإسم آخر

أعتبريها وصلت وشكرا لك

استمتعي مع الدكتور نبيل فاروق

سلااااااااااام

عهد Amsdsei 08-03-11 08:08 AM

السلام عليكم

الفصل الثالث

الثورة.. فتحي

في همة ملحوظة غادر فتحي محطة مترو الأنفاق، وتحرّك في اتجاه ذلك الكافيه الذي اعتادت المجموعة اللقاء فيه..

لقد أخبره علاء أن خالد قد عاد للظهور، وهو قلق عليه للغاية بالفعل؛ فقد منعته ظروف عائلية من رؤيته في تلك الليلة التي غادر فيها المجموعة محتداً، ثم اختفى بعدها، ولم يعد يجيب أحداً..

كان فتحي في الواقع أقرب المجموعة إلى خالد؛ فقد جمعتهما صداقة خاصة منذ تعارفا للمرة الأولى، على الرغم من وجود اختلافات عديدة بينهما..

فعلى عكس خالد، نشأ فتحي بين أبوين متوسطي الحال، حنوني القلب، ربّياه مع شقيقته الوحيدة على أفضل ما يكون، وعلّماه الاعتماد على النفس منذ طفولته، فنشأ قوياً، معتدّاً بنفسه، واثق الخطى، يعرف طريقه في الحياة جيداً..

وعلى الرغم من رصانته واتّزانه، كان فتحي شديد الرقة في مشاعره، طيب القلب دون إفراط، وشديد الحماس لكل ما يؤمن به..

وعندما لاح الكافيه، عند ناصية الشارع، أسرع فتحي الخطى، حتى بلغ مدخله، ووقع بصره على المجموعة، التي تنصت كلها في انتباه لصديقه خالد، الذي كان يتحدث على نحو عجيب، يجمع بين الحماس والمرارة، فاتجه نحوهم فتحي، وألقى عليهم التحية، قبل أن يجذب مقعداً، متسائلاً:

- فيم تتناقشون؟!

أجابه علاء في شيء من الملل:
- في الدستور.

ارتفع حاجبا فتحي في دهشة طبيعية، وهو يغمغم:
- الدستور؟!

التفت إليه خالد، متسائلاً في دهشة:
- لا تقل إنك لم تقرأه بعد.

تردّد فتحي لحظة، ثم أجاب:
- الواقع أنني لم أحاول قراءته كله أبداً.. فقط طالعت تلك النصوص التي دارت حولها الخلافات في التعديل الأخير.

قال خالد في أسف:
- خطأ.

هتفت علياء في سرعة:
- أنا قرأته.

سألها سامي في دهشة:
- ومتى هذا؟!

أشارت إلى خالد، مجيبة في حماس:
- عندما طلب مني خالد أن أفعل هذا؟!

سألها تامر في اهتمام:
- ومن أين حصلت على نسخة منه؟!

أخرجت نهى من حقيبتها نسخة من الدستور، في قطع صغير، ولوّحت بها، قائلة:
- كانوا يوزّعونه مجاناً، من خلال مشروع القراءة للجميع.

مال فتحي على خالد، يسأله في حيرة:
- ما الذي أثار حماسك إلى هذا الحد لقراءة الدستور؟!

ارتفع حاجبا خالد في دهشة مستنكرة، وهو يقول:
- ألا تتابع ما يحدث؟! ألم تشهد تلك التظاهرات في الإسكندرية، التي تندد بما فعلته الشرطة مع ذلك الشاب؟!

أجابه فتحي، ولم تنخفض حيرته بعد:
- بلى.. وهناك صفحات على الإنترنت اجتمعت على شجب ما حدث، وتطالب بالقصاص.

رفع سامي سبّابته، قائلاً:
- أنا انضممت إليها.

قالت نهى في حماس:
- وأنا أيضا.

تصاعدت أصواتهم، لتبين أنهم جميعاً انضموا لتلك الصفحات، فيما عدا خالد، الذي احتقن وجهه، وهو يقول في حياء آسف:
- لم أعلم حتى بوجودها.

لمست علياء كفّه بطرف سبابتها، وهي تقول متعاطفة:
- ربما لأنك كنت منشغلاً بدراسة الدستور.

نظر إليها نظرة خاوية، وإن ارتاح كفه لملمس سبابتها، وهو يقول:
- وكيف أجد تلك الصفحات؟!

أخبروه في حماس كيف يفعل، ثم هزّ علاء كتفيه، قائلاً:
- هل تظنون أن صفحات إنترنت يمكن أن تفعل شيئاً؟!

هزّ أحمد كتفيه كعادته، وقال:
- من يدري؟!

تواصل حديثهم لبعض الوقت، حول احتمالية أن يستمع النظام لصفحات إنترنت، وهو نظام شاخ منذ زمن طويل، وما زال يحتفظ بعقلية وأساليب ستينيات القرن العشرين، مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم هتف خالد فجأة، وهو يرفع نسخة الدستور عالياً:
- لو أننا قرأنا هذا جيداً، وعرفنا حقوقنا في هذا البلد، فسيستمعون إلينا حتماً.

انفرط حماسه فجأة، فهبّ واقفاً، وصاح بجميع زبائن الكافيه:
- الدستور.. اقرؤوا الدستور؛ حتى لا يفعل بكم أحد ما فعلوه في شاب الإسكندرية.

التفت إليه جميع الزبائن في وجوم، دون أي تعليق، وتفرّس بعضهم في ملامحه بدهشة، في حين أشاح الآخرون بوجوههم، واندفع نحوه ناجي -صاحب الكافيه- وهو يقول مذعوراً:
- أستاذ خالد.. أرجوك.. هذا ليس مكاناً للحديث في السياسة.

سأله خالد في حدّة:
- وهل هناك أماكن خاصة للحديث في السياسة.

امتقع وجه ناجي، وهو يقول في ضراعة:
- أستاذ خالد...أرجوك.

همّ خالد بمحاورته، ولكن فتحي أمسك يده، وقال في رصانة:
- اجلس يا خالد.

التفت إليه خالد بنظرة محتدّة مستنكرة، فاشتركت معه علياء، قائلة بصوت خافت:
- اجلس يا خالد.. أرجوك.

نقل خالد بصره بينهما، ولاحظ ذلك التوتر على وجوه الآخرين، وامتقاع وجه ناجي، فغمغم:
- فليكن.

عاد إلى مقعده، فتنفّس ناجي الصعداء، وتلفّت حوله في قلق؛ ليرى رد فعل حديث خالد على وجوه باقي الزبائن، ولكن الجميع انصرفوا إلى أحاديثهم الخاصة، في حين ربّت خالد على نسخة الدستور، قائلاً:
- الدستور يقول: إن كل شخص من حقه التعبير عن رأيه بكل الوسائل المشروعة.

غمغم تامر، بابتسامة شاحبة:
- هذا في الدستور فقط.

سأله خالد محتداً:
- ماذا تعني بهذا؟!

أجابه سامي، محاولاً تهدئته:
- يعني أن الدستور يقول هذا نظريا، ولكن في ظل قانون الطوارئ، الذي نحيا فيه منذ مولدنا، ليس هذا صحيحاً على أرض الواقع.

هتف خالد في حدة:
- ولكن الدستور يقول..

لمست علياء كفه بسبّابتها مرة أخرى، وهي تقول في لوعة، مقاطعة إياه:
- ماذا أصابك يا خالد؟!

بتر عبارته، وتراجع دفعة واحدة، وهو يغمغم:
- كنت أعمى فأبصرت.

قالت بلوعتها:
- كنت أقصد لماذا صرت عصبياً محتداً هكذا؟! عهدي بك دوماً رصينا هادئاً.

التفت إليها بنظرة، حملت قدراً هائلاً من الحيرة..
نظرة تجيب بأنه حتى هو نفسه لا يدري..
حادثة شاب الإسكندرية غيّرت داخله الكثير..
والكثير جداً...
هو يعترف بهذا، ولا يدري له سبباً واضحاً..

"ما رأيكم في أن نشاهد غدا جميعاً فيلم أحمد حلمي الجديد؟!"
قالها سامي، في محاولة لتهدئة الأحوال، فهتفت نهى في حماس:
- عظيم... أردت مشاهدته منذ قرأت ما كتبوه عن القصة.

هزّ أحمد كتفيه، وقال:
- وأنا أيضا.. ما رأيكم في اقتراح سامي؟!

بينما يتجادلون في الأمر، انفصل أحد الزبائن عن مائدته، واتجه نحو ناجي، وسأله:
- من هذا الولد، الذي كان يتحدّث عن الدستور؟!

اللهجة التي ألقى بها سؤاله كانت صارمة قاسية، تشفّ عن موقع ما، في أحد الأجهزة الأمنية، مما جعل قلب ناجي ينتفض بين ضلوعه، وهو يغمغم:
- أي ولد؟!

لم يجبه ذلك الزبون، وإنما رمقه بنظرة قاسية متوعدة، جعلته ينكمش في مكانه، وهو يجيب في خفوت:
- اسمه خالد.

سأله في صرامة أكثر وقسوة أشد:
- وهل يجتمع مع تنظيمه هنا كل يوم؟!

اتسعت عينا ناجي، وهو يقول في هلع:
- تنظيم؟! إنهم مجرد مجموعة من الشباب يجتمعون هنا بين حين وآخر، وهي المرة الأولى تقريباً التي أسمعهم يتحدثون فيها عن السياسة.

بدا الرجل أشد قسوة وصرامة، وهو يقول بلهجة آمرة فظة:
- أريد أسماءهم.. جميعاً.

وامتقع وجه ناجي بشدة، وأدرك أن الأمر قد خرج عن السيطرة..
تماما.

يُتبع

عهد Amsdsei 09-03-11 06:22 PM

السلام عليكم

الفصل الرابع

د. نبيل فاروق

الثورة.. علاء

على الرغم من اعتياده التظاهر بالاستهتار واللامبالاة؛ لإخفاء تلك الصراعات شديدة التعقيد في أعماقه، لم يستطع علاء إزاحة حديث خالد عن ذهنه لحظة واحدة، وهو في طريق عودته إلى حيث يقيم..

كان على عكس رفاقه، لا يتمتع بأي استقرار في حياته الأسرية، حيث انفصل والده عن والدته وهو بعدُ صغير، ولم يكن بوسع أيهما إيجاد سكن مناسب لطفليهما، مما جعله مجبراً على العيش مع جدته لأمه، ليلعب دور مسئول التمريض، منذ سنوات تفتّح شبابه الأولى..

تلك الظروف خلقت داخله صراعاً دائماً، بين طيبته الفطرية، ونقمته على ما وضعه القدر فيه، ولكن تلك الكبرياء في تكوينه، منعته الإفصاح عن هذا، ودفعته لمجاراة رفاقه، دون أن يشعر أحدهم بما يعانيه..

وبحكم عيشه في منطقة شبه شعبية، كان أحد الشباب الذين يدركون جيداً أنه لا مكان لهم على أرض الوطن..

في كل مرة يعود فيها إلى المنزل متأخراً، كان أحد أكمنة الشرطة يستوقفه، وتبدأ تلك الممارسات السخيفة، التي جعلته يبغض السير ليلاً، إلا تحت أسوأ الظروف..

نظرات قاسية، وكلمات جارحة، واستجوابات، وانتظار طويل، حتى يرضى عنه الباشا، وهو اللقب الذي انتزعته حركة يوليو من أصحابه، لتنعم به على كل من هبّ ودبّ، وحمل رائحة سلطة في منصبه..

لم يدرِ أبداً لماذا يتعامل معه ضابط الكمين بهذا الأسلوب المهين، لمجّرد أنه يسير عائداً إلى منزله، دون أن تكون هناك قرارات حظر تجوال سارية..

لم يدرِ أبداً..
ولم يفهم أبداً..

هذا ما جعله ينتبه بشدة إلى كلمات خالد، على الرغم من أن جلسته كانت توحي -كما هي عادته- باللامبالاة...

لماذا لا يعرف الشعب بالفعل حقوقه الدستورية؟!
لماذا لا يتم تدريس الدستور في مدارس مصر؟!
بل والسؤال الأكثر أهمية هو: لماذا لا يحترمه أي مسئول في مصر؟!

وجد نفسه، عن غير وعي، يردّد:
- نعم.. ينبغي أن ندرس جميعاً الدستور.

مرقت إلى جواره سيارة مسرعة في هذه اللحظة، فانتفض جسده كله، واندفع جانباً، محاذياً للرصيف..

في تلك اللحظة بالذات لمح ذلك الكمين..

كان على بُعد أمتار قليلة من منزله، يسدّ الطريق أمامه مباشرة، ويستوقف تلك السيارة المسرعة، وأمين الشرطة يطلب من قائدها أوراقه، في حين يقف الباشا صامتاً، يتابع الموقف في تحفّز، لم يكن له ما يبرره..

وتردّد علاء لحظات، وبدأ قلبه يدق مجدداً، وهو يزن الأمر في رأسه..
هل يعبر ذلك الكمين الآن، أم ينتظر انصراف تلك السيارة؟!

هداه تفكيره إلى أن العبور في وجودها أكثر أماناً؛ إذ سينشغل الجميع بها، على نحو يوحي بأهمية راكبها، مما سيصرف الأنظار عن شاب يسير على قدميه..

من هنا حثّ الخطى، حتى يتجاوز الكمين في سرعة، ومع اقترابه منه سمع قائد السيارة يقول لأمين الشرطة، في تعالٍ واضح:
- أنا مواطن أمريكي، أحمل رخصة قيادة أمريكية، وهذا جواز سفري.

لاحظ ارتباك أمين الشرطة، الذي رفع جواز السفر بيد مرتجفة، ليريه للضابط، الذي انعقد حاجباه في ضيق، ولكنه أومأ برأسه إيجابا، فأعاد أمين الشرطة الجواز الأمريكي لصاحبه، ورفع يده بالتحية العسكرية، وعادت السيارة تنطلق، متجاوزة الكمين؛ لتمضي إلى سبيلها..

وحثّ علاء الخطى أكثر..

وأكثر..
و...
"أنت.. هناك"..

هتف الباشا في صرامة قاسية، فتجمّدت ساقا علاء دفعة واحدة، حتى إنه كاد يسقط على وجهه، وارتجفت كل ذرة من كيانه، وانتقلت ارتجافتها إلى صوته، وهو يلتفت إلى الضابط، متسائلاً:
- أنا؟!

اتجه نحوه الضابط في شراسة، لم يكن لها ما يبررّها، إلا عجزه عن مواجهة سائق السيارة المسرعة، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، وصاح فيه:
- لماذا تُسرع هكذا؟!

أشار علاء بسبّابة مرتجفة إلى منزله القريب، وهو يقول:
- منزلي هنا، وقد تأخّرت في العودة، وجدتي وحيدة، و...

قاطعه الضابط، وكأنه لم يسمع حرفاً مما قاله، وبنفس الشراسة غير المبرّرة:
- بطاقتك.

كان من الصعب أن يلتقط علاء بطاقته من حافظته، مع ارتجافة أصابعه، ألا أنه فعلها، وناول الباشا بطاقته، التي لم يُلقِ عليها نظرة واحدة، وهو يناولها لأمين الشرطة، قائلاً في غلظة:
- قم بالكشف عن هذه.

قال علاء متوتراً:
- منزلي هنا.

تجاهله الضابط، وهو يبتعد عنه، قائلاً في خشونة:
- انتظر هنا.

عاد يكرر في تخاذل بائس:
- منزلي هنا.

في هذه المرة، لم يبد أن الباشا سمع حرفاً مما قاله، وهو يعود إلى وقفته المتحفزة، وكأن مهمته الرئيسية هي ترويع المارة، في حين حمل أمين الشرطة البطاقة إلى سيارة شرطة قريبة، وأمسك جهاز الاتصال اللاسلكي؛ ليملي رقمها لمكان ما، أو وجهة ما، ثم تركها على سطح السيارة، وانصرف عائداً إلى الكمين..

ومضت عقارب الساعة في بطء، لم يعهده علاء مع الزمن أبداً...

الباشا بدا وكأنه قد نسي أمره تماماً، وانشغل في إيقاف السيارات والمارة، وكأن هذه هي لذّته الوحيدة، ولاحظ علاء، في وقفته المتوترة، أن الضابط كان يؤدي هذا بعنصرية واضحة، فالسيارات شديدة الفخامة، كان يلقي نظرة على راكبيها، ثم يشير إليهم بمواصلة الطريق، وكأنما يخشى أن يستوقفهم، فيكون بعضهم من ذوي السلطة، ويعرّضه لما ينقص من هيبته وكرامته..

أما السيارات البسيطة، فكانت تعاني جحيماً في ذلك الكمين..

ولقد علا صوت اللاسلكي مرة..
ومرة..
ومرات..

وفي كل مرة كان قلب علاء يرتجف، متصوّراً أنها نتيجة فحص هويته، ولكن أمين الشرطة كان يتجاهل الردّ..
والضابط كذلك..

وبعد مضي ما يزيد على الساعة، بدت له أشبه بدهر كامل، وبعد أن كادت أعصابه تنهار تماماً، دونما ذنب جناه، لمح أحد أمناء الشرطة الآخرين يلتقط بطاقته، من سطح السيارة، ويتلفّت حوله، ثم يتجه مباشرة..

وتحفّزت كل خلية في جسد علاء، وتصوّر ألف تصوّر، إلا ما حدث بالفعل..
لقد دنا منه أمين الشرطة الثاني، وناوله بطاقته سراً، ثم همس في أذنه، في تعاطف واضح:
- خذها وانصرف يا ولدي، قبل أن ينتبه الباشا إليك.. هيا.. أسرِع.

واندفع علاء يبتعد، وهو يتصوّر في كل لحظة، أن الضابط سيصرخ فيه مرة ثانية، وسيستعيده لينكّل به، جزاء انصرافه دون إذن..

وحتى عندما بلغ منزله، استغرق الأمر منه ما يزيد على الدقيقة، قبل أن تنجح أصابعه المرتجفة، وأعصابه شبه المنهارة، في دسّ المفتاح في ثقب الباب..

وعندما كادت دقات قلبه تبلغ ذروتها، كان قد نجح في عبور الباب، وأغلقه خلفه في قوة، ولأوّل مرة في حياته أغلقه من الداخل بالمفتاح، ثم ارتكن بظهره عليه، يرهف سمعه في شدة متوترة، خشية أن يكون ذلك الباشا قد أرسل خلفه من يُحضره..

ولكن كان من الواضح أن الباشا قد نسي أمره تماماً، مع انشغاله بتكدير آخرين؛ للتسرية على نفسه في ذلك الكمين الذي يمتدّ حتى الفجر..

ومع تلك الحالة، التي يمر بها، استغرق الأمر ربع ساعة كاملة، قبل أن تهدأ أنفاس علاء، ويحلّ غضبه محلّ خوفه وتوتره..

ولماذا يحدث هذا؟!
لماذا؟!
لماذا في بلد يُفترض أنه آمن، يكون مصدر الخوف الوحيد، لشاب في عمره، هو الشرطة؟!

أليس من المفترض أن هذه الشرطة في خدمته؟!
أليس من الطبيعي أن يكون -كمواطن مصري شريف- آمناً مطمئناً في وطنه، وأن يحميه أمن وطنه؟!
أليس هذا حقه؟!

ذلك السؤال الأخير استفزّ مشاعره، وذكّره بحديث خالد، فنهض إلى جهاز الكمبيوتر البسيط الذي يملكه، وبحث في صفحات الإنترنت عن الدستور المصري، خاصة أنه لا يمتلك نسخة مطبوعة منه..

وعندما أشرقت شمس اليوم التالي، كان علاء يواصل مطالعته للدستور ومواده، وقد تفجّرت في أعماقه ثورة..
ثورة حقيقية.

يُتبع

عهد Amsdsei 11-03-11 08:08 AM

السلام عليكم

الفصل الخامس

الثورة.. نهى

- "هذا ما يقوله الدستور.."

هتفت نهى بالعبارة في حماس، على نحو أدهش أمها، وجعلها تسألها في حيرة:
- وما شأن الدستور بما كنا نتحدّث عنه؟!

أجابتها بنفس الحماس:
- الدستور هو كل شيء في الحياة.. هو الذي يحدد حقوقنا، وواجباتنا، وحدود حرينا، و..

قاطعتها أمها في غضب:
- مهلاً! هل تتصوّرين أن هذا الاستعراض الكلامي سيعفيك من إخباري أين كنتِ حتى هذه الساعة؟!

هدأت نهى دفعة واحدة، وهي تقول:
- كنت مع المجموعة في الكافيه، كما تعلمين.

قالت أمها في صرامة:
- وطلبتُ منكِ العودة قبل الحادية عشرة، والساعة الآن تقترب من الحادية عشرة والنصف.

هزّت نهى كتفيها قائلة:
- الطريق مزدحمة، هذا كل ما في الأمر.

انعقد حاجبا والدتها، وهي تتطلّع إليها لحظات في غضب، ثم لم تلبث أن مالت نحوها، وقالت في حزم، وبصوت منخفض:
- نهى، لسنا في كندا الآن.. الحياة هنا تختلف، ونظرة الناس إلى فتاة مثلك لها منظور آخر تماماً.

انعقد حاجبا نهى بدورها، وضمّت شفتيها في غضب صامت مستنكر..

كانت مشكلتها الرئيسية هي أنها ترّبت في مناخ يختلف تماماً، عندما هاجر والداها إلى كندا منذ عدة سنوات، وألحقاها وشقيقتها بمدارس كندية ذات سمات انفتاحية، وفكر أكثر تطوّرًا، صنع منها مزيجاً من التحرّر والالتزام، وخلق منها شخصية قوية، ذات فكر واضح، ونظرة مستقبلية، وطموح يتجاوز كل الحواجز..

وعندما بدأت تغوص في مرحلة المراهقة؛ اختطف الموت والدها فجأة، وأصابها بصدمة مباغتة، شاركتها فيها أمها التي اتخذت قرارً بالعودة إلى الوطن، واستكمال تربية ابنتيْها هناك..

وعادت نهى إلى مصر بأفكار مصرية، وأسلوب حياة كندي، ومشاعر هي مزيج من هذا وذاك..
ولأنها ذات جمال واضح؛ اصطدمت في البداية ببعض التجاوزات، والأسوار التي توضع حول مثيلاتها في عالمنا الشرقي، ولكن شخصيتها القوية جعلتها تقاوم هذا في حزم، وتصر أكثر على المضيّ قدماً في حياتها بالأفكار التي تؤمن بها، والأساليب التي ترى أنها الأفضل..

وإلى حد كبير نجحت في هذا..
وإلى حد كبير تكيّفت مع الحياة في مصر، وعشقت ترابها، ربما أكثر ممن وُلدوا وتربَوْا فيها، وباتت تحلم بتطوّرها ورفعتها..
ولقد كان لانضمامها لمجموعة خالد وأصدقائه مفعول السحر في تطوير تعاملاتها، وأساليبها الاجتماعية..

وعندما أثار خالد موضوع الدستور هذا؛ لقي الأمر قبولاً مدهشاً في أعماقها، لأنه يتعلق بالحريات والحقوق التي تطالب بها دوماً..

وبسرعة حصلت على نسخة من الدستور، وبدأت في قرأتها، ووضع خطوط حمراء تحت كل ما يهمها من مواده..
والواقع أن هذا قد أدهشها بشدة؛ فمواد الدستور -على الرغم من تعديلاته المخزية الأخيرة- تمنح المواطنين الكثير من الحقوق، ولكن تلك الحقوق تُهدَر بشكل يومي، وعلى نحو يبدو منهجياً، وكأن لا أحد يبالي بالدستور ومواده، حتى نظام الحكم ذاته..

والأدهى أن المواطن أيضًا يجهل دستور بلاده..
وكان هذا يعنى أن المجتمع بأسره يحتاج إلى الكثير من التغيير..
والكثير جداً..

" هل فهمتِ ما قلتُه؟!.."..

انتزعتها أمها من أفكارها بعبارتها الصارمة، فقالت نهى في حماس:
- لست أبالى بنظرةالمجتمع.

أجابتها والدتها في حدة:
- ولكن المجتمع نفسه يبالي.

نظرت إليها نهى في دهشة، فالتقطت أمها نفساً طويلاً في محاولة لتهدئة أعصابها الثائرة، قبل أن تحيط كتف ابنتها بذراعها، وتقودها إلى الأريكة المجاورة وهي تقول:
- مشكلة المجتمع المصري -يا نهى- هي أنه لا يتبنى نظرة اجتماعية واحدة، ولا حتى فكرًا واحدًا، فكل فئة منه لها نظرة قد تختلف مع فكر الفئات الأخرى، وكل مدينة لها فكر خاص، يتفق مع فكر بعض المدن ويختلف مع أخرى.. في الصعيد مثلاً قد يرون العيب كل العيب في أمر يراه أبناء الإسكندرية طبيعياً عادياً، والأقاليم قد تنظر إلى فتاة بسيطة الملبس باعتبارها سافرة مارقة.. حتى هنا في القاهرة؛ لكل حي من الأحياء فكره ومنظوره.

قالت نهى في عناد:
- هذا أدعى لأن أتمسك بفكري الخاص، ورؤيتي الخاصة لكل الأمور، إذ إنني سأختلف حتماً مع فئة ما، ولن يمكننى نيل رضاء كل الفئات، مهما حاولت.

تنهّدت أمها في يأس، قائلة:
- عنيدة! مثل والدك رحمه الله.

أشارت نهى إلى رأسها قائلة:
- ولكن من خلال فكر وليس عناداً صبيانياً.

زفرت أمها يأساً مرة أخرى، وغمغمت:
- لا فائدة من النقاش معك كالمعتاد.

ونهضت منصرفة عنها، ولكنها لم تكد تبلغ مدخل ذلك الممر المؤدى إلى حجرات النوم حتى التفتت إليها، قائلة في صرامة:
- ولكن العودة بعد الحادية عشرة ما زالت ممنوعة!

ابتسمت نهى، وهى تقول:
- سأذكر هذا جيداً.

اتجهت إلى حجرتها في خفة، وهرعت إلى الميزان؛ لتعلم كم فقدت من الوزن، خلال يوم واحد، ومطت شفتيها في عدم رضى عندما لم يخبرها الميزان بفقدان أية جرامات، وغمغمت في سخط:
- ماذا ينبغى ان أفعل إذن؟!.. أضرب عن الطعام؟!

استبدلت ملابسها في سرعة، واندّست في فراشها مع نسخة الدستور، وراحت تطالعها في شغف، حتى غلبها النوم، فتركت النسخة تسقط أرضاً، وغابت في سبات عميق..

لم تدرِ لماذا انتشر الضباب على هذا النحو؟!..
ولماذا تسير في شوارع خالية، بملابس النوم؟!..
كل ما شعرت به، هو أنها وحيدة، وخائفة.. وضائعة..

الشوارع كانت خالية تماماً، ومصابيح الضوء محاطة بذلك الضباب الذي جعلها تبدو باهتة، غير كافية لإضاءة الطرقات..
ولقد راحت تبحث عن منزلها وسط الضباب، دون أن تعثر له على أثر..
كانت وكأنها تدور في دوائر مغلقة، والضباب يزداد كثافة، ومعالم الطريق تختفي، والحصى تؤلم قدميها العاريتين، و..

انطلق رنين هاتفها المحمول بغتة، فانتزعها من ذلك الكابوس في عنف، وجعلها تلهث على نحو غير طبيعى، وهى تختطفه، هاتفة:
- علياء..! خيراً؟

بدا صوت علياء مندهشاً من توتر العبارة، وامتزاجها بذلك اللهاث العجيب، فسألتها في قلق:
- أأنت بخير يا نهى؟!

أجابتها، وهى تعتدل في فراشها:
- أعتقد هذا.. أظنه كابوساً فحسب.

قالت علياء في قلق:
- ولكنك لم تحضرى محاضرة الدكتور عبد الله، فخشيت أن..

قاطعتها نهى هاتفة:
- محاضرة من؟!.. كم الساعة الآن؟!..

ألقت السؤال، وهي تلتفت هَلِعَة إلى المنبه المجاور لها ثم تهتف مذعورة، قبل أن تأتيها علياء بالجواب:
- يا إلهى!.. العاشرة؟!

أنهت المحادثة دون إخبار علياء أو استئذانها، وقفزت ترتدى ثيابها، وتسرع إلى الكلية..

كانت الحادية عشرة والنصف عندما وصلت إلى هناك، ولاحظت -فور تجاوزها البوّابة- أن مجموعتها كلها تقف في الساحة والحزن يبدو على الوجوه، فأسرعت إليهم متسائلة:
- ماذا حدث؟!.. ما سر كل هذا الحزن؟!..

أجابها سامي في حزن امتزج بالضيق:
- رفضوا تعيين الدكتورعبد الله رئيساً للقسم.

اتسعت عيناها في دهشة وهي تقول:
- ولماذا؟!..المفترض أنه دوره لهذا!!

أجابها خالد في غضب وهو يشيح بوجهه:
- أمن الدولة!

سألته في دهشة:
- وما صلة أمن الدولة بهذا؟! إنه منصب فني، وليس سياسياً ولا أمنياً؟!

بدا تامر عصبياً وهو يقول:
- الدكتور عبد الله لا تنطبق عليه الشروط.

قالت في حدة:
- الشروط؟ إنه أفضل طبيب في القسم كله، وأكثرهم خبرة، و..

قاطعها أحمد في توتر:
- تامر لا يقصد الشروط.. تامر يقصد أنه ليس عضواً في الحزب الوطني، وليس موالياً للنظام ولا الأمن.. إنه رجل صاحب فكر مستقل، ولهذا رفضوا تعيينه.

بدت عليها دهشة عارمة، وغمغمت:
- أين حقوقه الدستورية إذن؟!

ومن بعيد تابعهم رئيس الحرس الجامعي في اهتمام، ثم رفع هاتفه المحمول، وقال عبره في حزم:
- حازم باشا.. من الواضح أنك كنت على حق.. هؤلاء الأولاد جزء من تنظيم خطير.. خطير جداً.

وعبر الهاتف أيضًا راح يتلقى التعليمات..
وبدقة.

* * *

يُتبع

عهد Amsdsei 14-03-11 08:24 AM

السلام عليكم

الفصل السادس

الثورة.. تامر

على الرغم من احتدام الجدل في الكلية حول تدّخل أمن الدولة في تعيين الدكتور عبد الله رئيساً للقسم، لم يحاول تامر التعبير عن رأيه لفترة طويلة..

كان يكتفي بالاستماع إلى وجهات النظر، وإدارتها كلها في عقله..

وكان -كالمعتاد- يطرح على نفسه ألف سؤال وسؤال..
لماذا يتدّخل أمن الدولة في أمر فني كهذا؟!
لماذا؟!

ولماذا تعتبر أية جهة أمنية نفسها وصياً على أمور لا شأن لها بالأمن؟!
هل استفحل الأمر إلى هذا الحدّ؟!

هل حوّل النظام مصر إلى دولة بوليسية، من القمة إلى القاع؟!

كانت هناك أمور عديدة تستفزّه، منذ وضع قدميه في الحياة الجامعية، أوّلها الحرس الجامعي، الذي يقف عند أبواب كل كلية، موحياً بأنها سجن للطلاب، ومعتقل للتعليم والفكر والرأي..

لم يكن يجد أية صلة، بأي منطق كان، بين الجامعة وأجهزة الأمن..
جامعات الدنيا كلها لها أمن خاص، يتبع الجامعة، ولا يتبع الشرطة..
أمن مثلها... مستقل..

ولأنه، ومنذ طفولته، يمتلك طبيعة ثائرة متمردة، فقد كان يرفض هذا بشدة، ولكن طفولته نفسها شهدت لحظات من القمع، جعلته يدرس مواقفه جيداً، ويفصح عنها بشيء من الحذر؛ لتفادي رد الفعل..

ولكن ارتباطه بالدكتور عبد الله كان قوياً بالفعل..

فالدكتور عبد الله أستاذ بكل ما تحمله الكلمة من معان؛ فهو واسع العلم والاطّلاع، هادئ النفس، جمّ الصبر، يجيد الاستماع إلى طلابه وأسئلتهم واستفساراتهم، في سعة صدر، وسماحة خلق، ويجيد أكثر إجابة تساؤلاتهم، بأسلوب سلس هادئ بسيط..

ومن وجهة نظر تامر كان يستحق رئاسة القسم عن جدارة...
ولكن المشكلة أنه لا يمتلك مقومات العصر..
والعلم ليس أحد تلك المقومات... مع الأسف...

فرئاسة القسم، في العالم المتحضّر كله، ترتبط بالتفوق العلمي، وكفاءة الأستاذ، وموهبته الإدارية..

أما في مصر فالأمر يختلف تماماً..

المقومات الرئيسية فيها، هي أن ينتمي الشخص إلى الحزب الوطني، وألا ينتمي إلى أية جماعة إسلامية، والأهم أن يوافق جهاز أمن الدولة على تعيينه..

أسلوب أمني بوليسي سخيف، ربما هو سر ابتعادنا الشديد عن العلم، وعن ركب التطوّر والحضارة...

قاده هذا، على نحو طبيعي، إلى التفكير فيما يدعو إليه خالد، في الآونة الأخيرة.. إلى دراسة الدستور..

فالمفترض أن يحوي الدستور كل الحقوق والواجبات، و.....

توقف تفكيره دفعة واحدة، مبتعداً عن الدستور، ومتجهاً نحو ما أسمته الدولة، طوال ثلاثة عقود كاملة، بقانون الطوارئ... ذلك القانون، الذي ينتزع من كل مواطن في مصر، كافة حقوقه الدستورية، بحجة الحفاظ على الأمن!!

نفس اللعبة، التي استخدمتها الدول الديكتاتورية عبر التاريخ...
الأمن مقابل الحرية..

كل النظم الديكتاتورية القمعية، في التاريخ كله، استخدمت هذه اللعبة..
وخسرت في النهاية...
إيران، روسيا، رومانيا، وغيرها...

كلها حاولت خداع شعوبها، وإيهامها بأنها تقتطع حريتها؛ لتمنحها الأمن، فلا حازت شعوبها حريتها، ولا نعمت بالأمن والأمان..

كلها حاولت..
وكلها سقطت..

"لا بد وأن نفعل شيئاً"..

انتزعته عبارة خالد من أفكاره، فالتفت إليه على نحو أشبه بالذعر، وهو يسأله في توتر:
- بشأن ماذا؟!

أجابه في حماس:
- بشأن منع تعيين الدكتور عبد الله.

أطلّت الحيرة من وجه تامر وصوته، وهو يسأل:
- وما الذي يمكن أن نفعله؟!

أجابه خالد بنفس الحماس:
- نعترض.

سأله تامر في حذر:
- باعتبارنا ماذا؟!

قال خالد في شيء من الحدة:
- باعتبارنا طلابه، ومن حقنا أن.....

قاطعه تامر في توتر:
- ومن حقنا ماذا؟!

صمت خالد وتطلّع إليه في حيرة، فأكمل تامر بنفس التوتر:
- حقنا الوحيد هو أن نطالب باستمراره في تدريس المادة لنا.

هزّ خالد رأسه في ضيق، قائلاً:
- لم يمنعوه من التدريس.

قال تامر في سرعة:
- وهذا لا يمنحنا أي حق آخر.

بدا الإحباط على وجه خالد، وهو يغمغم:
- ولكننا إن لم نفعل شيئاً، فلن يتغيّر أي شيء.

تردّد تامر لحظة، قبل أن يقول في حذر:
- المهم أن نعرف ما الذي ينبغي أن نفعله.

رفع إليه خالد عينين يائستين، وتطلع إليه بهما لحظة، ثم استدار منصرفاً، دون أن يضيف حرفاً واحداً..

والعجيب أن تامر لم يحاول استيقافه..

كل ما فعله هو أن تابعه ببصره في صمت، حتى غاب عن نظره تماماً، وكأنه يبرّر الأمر لنفسه:
- وما الذي ينبغي أن نفعله؟!

لم يكد ينطقها، حتى شعر بيد ثقيلة توضع على كتفه، فانتفض جسده في عنف، وهو يلتفت محدقاً في وجه صاحبها...

كان أحد أمناء الشرطة المعروفين، من طاقم الحرس الجامعي، مما جعل تامر يقول في عصبية شديدة، امتزجت بشيء من الخوف:
- ماذا تريد؟!

أشار أمين الشرطة بإبهامه خلفه، وهو يقول:
- الباشا يريدك في مكتبه.

ردّد تامر، في توتر متعاظم:
- الباشا؟!

أجابه أمين الشرطة في صرامة، وكأنما أغضبه ألا يطيع الأمر مباشرة:
- الباشا قائد الحرس.

شعر تامر بقلبه ينتفض بين ضلوعه، وهو يحدّق في وجه أمين الشرطة، بنظرة خوف من أي انفعال، على الرغم من تلك العاصفة، التي هبت على عقله..
لماذا يريده قائد الحرس الجامعي؟!

ماذا فعل؟!
ومتى؟!

"إنه مجرّد لقاء تعارف يا تامر"..

هكذا أجاب قائد الحرس الجامعي، وهو يستقبله في مكتبه، بابتسامة لا تمنحك أي شعور بالارتياح، فارتجف صوت تامر، على الرغم منه، وهو يسأله:
- ولماذا أنا؟!

اتسعت تلك الابتسامة غير المريحة، على شفتي قائد الحرس، وهو يقول، في بطء متعمّد:
- ولمَ لا؟! هل تحمل ضغينة خاصة تجاه الحرس الجامعي؟!

أجابه، في سرعة متوترة:
- لست أحمل أية ضغائن تجاه أية جهة.

رمقه قائد الحرس بنظرة طويلة، أشبه ما تكون بابتسامته الخاوية من المودّة، قبل أن يميل نحوه، ويسأله، في خبث واضح:
- فيم تتحاور أنت ومجموعتك إذن؟!

ارتدّ تامر في دهشة مصدومة، وحدّق في الرجل في دهشة بالغة، أشعرت هذا الأخير بابتسامة الظفر، فاتسعت ابتسامته أكثر، وهو يتراجع في مقعده الكبير، مكملا:
- يغضبكم عدم تعيين الدكتور عبد الله.. أليس كذلك؟!

غمغم تامر، بنفس الدهشة المصدومة:
- كيف عرفت؟!

أطلق قائد الحرس ضحكة ساخرة شديدة القصر، ولوّح بكفه، قائلاً:
- هذا أول درس ينبغي أن تتعلّمه.

وعاد يميل نحوه، مضيفاً في صرامة:
- أننا نعلم كل شيء.

اتسعت عينا تامر، وهو يحدّق فيه أكثر..

كيف علموا؟!
كيف؟!

لقد تحدّث مع رفاقه وحدهم..
لم ينضم إليهم أي شخص آخر غريب..
كانوا وحدهم.. تماماً..

وقبل أن يواصل الغرق في تساؤلاته، عاد قائد الحرس يبتسم، ويميل نحوه، وهو يكمل في زهو واضح:
- ثم إن أحد أفراد مجموعتك يعمل معنا.

واتسعت عينا تامر، حتى بلغ اتساعهما ذروته هذه المرة..
فقد كانت المفاجأة عنيفة..

إلى أقصى حد.

* * *

يُتبع

تلوستوى 15-03-11 06:11 PM

شكرا على الروايه الرائعة

عهد Amsdsei 15-03-11 06:27 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تلوستوى (المشاركة 2672513)
شكرا على الروايه الرائعة

السلام عليكم

العفو أخي ..

تابع معنا و مع الدكتور نبيل الفصول القادمة

imamnajm 16-03-11 01:07 PM

شكرا
 
نبيل فاروق متألق كالعادة

عهد Amsdsei 16-03-11 05:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة imamnajm (المشاركة 2673495)
نبيل فاروق متألق كالعادة


السلام عليكم

بالتأكيد أخي

هو هذا الكاتب الذي أحببناه دائماّ

استمت معه في الفصول القادمة

عهد Amsdsei 17-03-11 10:58 AM

السلام عليكم

الثورة.. سامي

في شوارع وسط المدينة سار سامي شاردا..
حديث خالد عن الدستور، وتدخّل الأمن في تعيين الدكتور عبد الله، أيقظا في أعماقه لمحة، حاول التغاضي عنها طويلا..
بل هما لمحتان، لو شئنا الدقة..
الغضب..
والحرية..

من منظوره الخاص، كان يرى أننا نحيا جميعا في حالة غضب مستمرة..
غضب من النظام..
والأمن..
والاقتصاد..
والقهر..

غضب، صار مع مرور الوقت، يحكم كلا منا، حتى لو تظاهر بغير هذا..
ربما اعتاد دوما إخفاء ذلك الغضب في أعماقه..

غضب من ظروف اجتماعية جعلته مسئولا عن أسرته، على الرغم من وجود والده على قيد الحياة..
غضب من مجتمع لم يعد يبالي إلا بالأقوياء..
غضب من عنصرية متعصبة، راحت تنتشر من حوله في بطء..
غضب.. غضب.. غضب..

ولكن ذلك الغضب، الممتزج بالرغبة في الحرية، التي تعربد في أعماقه، ولّد داخله طاقة هائلة، تدفعه دوما إلى القيام بشيء ما..
شيء جديد..
مبتكر..
خلّاق..

لبعض الوقت مارس هواية الرسم، وحاول أن يبلغ بها مبلغا متميّزا، ثم أدرك أنه لن يبلغه، في وجود منافسين يفوقونه موهبة، فانتقل إلى مجال الكتابة، وحاول أن يرسم بقلمه، كما كان يرغب في أن يفعل بريشته..
ومرة أخرى لم يحقّق ما يصبو إليه..

ولكن هذا لم يوقفه، وإنما عاد يحاول، في إصرار مثير للإعجاب، في مجالات أخرى وأخرى، ليس بحثا عن موهبة خفية في أعماق نفسه، بل بحثا عن نفسه بذاتها..

وفي هذه المرة، ومع حديث خالد عن الدستور، والحقوق، والحرية، بدأ يجد ذاته..
وأدرك ضرورة أن يقرأ دستور بلاده؛ ليعرف حقوقه وواجباته..

مشكلته الوحيدة، كانت في أنه -على عكس الكثيرين من بني جيله- لا يشعر بأية متعة، في القراءة على شاشات الكمبيوتر..
كان يريد دستورا مطبوعا..

دستور يمكنه أن يحمله في جيبه، ويقرأه في أية لحظة، وأي مكان..
وبالسؤال، أخبره البعض أنه يمكن أن يجد غايته في مكتبة صغيرة، في ميدان الأوبرا، في وسط العاصمة..
وها هو ذا..

انتبه من شروده عندما بلغ تلك المكتبة، وشدّ قامته في اعتداد وهو يدلف إليها، ويسأل البائع عن نسخة من الدستور، بتعديلاته الأخيرة..

أدهشته ابتسامة البائع الحائرة، وهو يقول:
- الدستور؟! قليلون هم من في عمرك، ويأتون لطلبه..

أجابه سامي في رصانة، تحمل رنة صارمة:
- إنه دستور بلادنا.. أليس كذلك؟!

أومأ البائع برأسه إيجابا، وغمغم:
- ولكن ندرة هي من تأتي لطلبه.

صمت لحظة، ثم استدرك في سرعة:
- من الشباب.

سأله سامي في قلق، وهو يتحسّس جيبه:
- أهو مرتفع الثمن؟!

هزّ البائع كتفيه، وهو يسحب من أحد الأرفف كتابا من القطع الصغير، ويناوله إياه:
- بل هو زهيد الثمن للغاية.

أمسك سامي الدستور بيده، وسرى منها إلى جسده شعور عجيب، جعله يسأله، في حماس مفاجئ:
- ألديك نسخ أخرى؟!

وبنفس الحيرة المندهشة، غمغم البائع:
- أتريد المزيد؟!

غادر سامي المكتبة منتشيا، وهو يحمل كيسا من البلاستيك الشفاف، بداخله عدة نسخ من الدستور المصري المعدّل..
لقد حصل على نسخة لكل فرد من المجموعة، حتى خالد ونهى، مع ثقته في أنهما يمتلكان نسخ مطبوعة..

شيء ما في داخله، جعله يرغب في أن يحملوا جميعا النسخة نفسها، بنفس الغلاف، ونفس القطع.. حتى يبدوا كمجموعة مترابطة على الأقل..

ابتسم للفكرة، وهو يواصل طريقه نحو أقرب محطة لمترو الأنفاق، دون أن ينتبه إلى ذلك البدين الفظّ، الذي كان يتبعه كظله، والذي التقط هاتفه المحمول، وطلب رقما سريا، ثم قال في شيء من الغلظة:
- صفوت باشا.. الولد ابتاع عدة نسخ، من كتاب واحد..

سأله ضابط أمن الدولة في اهتمام صارم:
- أي كتاب هذا؟!

حثّ البدين خطاه، حتى اقترب من سامي، وألقى نظرة عبر الكيس الشفاف على الكتب، ثم تراجع عدة خطوات، ليجيب ضابطه:
- الدستور المصري يا باشا.

انعقد حاجبا الباشا في شدة، وهو يردّد في انفعال، وكأنه وقع على صيد ثمين:
- الدستور؟! كنت واثقا من أنهم يدبّرون شيئا.

ثم عاد يقول، في انفعال صارم، عبر الهاتف:
- لازم هذا الولد كظله يا رجب.. أريد معرفة كل شيء عنه، من عنوان سكنه، وحتى مقاس ملابسه الداخلية.. هل تفهم؟!

أجابه البدين بنفس غلظته، التي بدا وكأنها جزء من تكوينه:
- أمرك يا باشا.

واصل تعقّبه المتصل، حتى بلغ سامي مترو الأنفاق، فهبط خلفه، واستقل معه القطار نفسه..
وفي نفس اللحظة التي انطلق فيها القطار، كان صفوت في مكتب رئيسه، يقول في انفعال:
- المعلومات التي تلقيتها على التوّ، تؤكّد ما ذهبت إليه منذ البداية يا باشا.. إنه تنظيم مناهض للحكم.

قلّب رئيسه الملف الذي أمامه، وهو يقول:
- ولكن الملف شبه خالٍ يا صفوت.. هؤلاء الأولاد لم تكن لهم أية علاقة بالسياسة، في أية فترة من فترات حياتهم، والتحريات تقول: إنهم ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين، وليسوا منضمين إلى أية أحزاب.

قال صفوت بنفس الانفعال:
- ربما كانت لهم صلة بالنظام الإيراني.

ابتسم رئيسه ابتسامة باهتة، وهو يقول في خفوت:
- إنه مجرد تخمين.

ارتفع انفعال صفوت، وهو يقول:
- راجع الملف جيدا يا باشا.. لقد فر أحدهم من كمين، بعد أن بدؤوا في الكشف عن هويته.

سأله رئيسه في هدوء:
- أكان مدانا بأية تهمة؟!

تجاهل صفوت السؤال، متظاهرا بأنه لم يسمعه، ومواصلا في انفعال:
- آخر وقف في كافيه عام يدعو الزبائن لقراءة الدستور، ومعرفة حقوقهم.

بدا الاهتمام على رئيسه، وهو يغمغم في قلق:
- حقا؟!

تابع صفوت، وقد انضم حماسه إلى انفعاله:
- في الجامعة، اجتمعوا لمناقشة عدم تعيين الدكتور عبد الله لرياسة القسم.

تزايد اهتمام رئيسه، وارتكن بذقنه على سبّابته وإبهامه، وبدأ يعيد قراءة الملف، فاعتدل صفوت، وتألقت عيناه في ظفر، وهو يقول:
- الأخطر لم يرد في الملف بعد.

رفع رئيسه عينيه، يسأل في اهتمام:
- وما هو؟!

مال صفوت نحوه، وضخّ في صوته مقدارا من الحسم، وهو يقول:
- أحدهم ابتاع عدة نسخ من الدستور المصري، منذ أقل من نصف الساعة.

ارتفع حاجبا رئيسه، وهو يهتف في خفوت:
- الدستور؟!

ثم تهاوى حاجباه لينعقدا في شدة، وهو ينهض من خلف مكتبه، فنهض صفوت واقفا بدوره، وتابعه ببصره، وهو يدور في الحجرة، في توتر ملحوظ، أيقن معه بأنه قد فاز باهتمامه، قبل أن يتوقف رئيسه، ويلتفت إليه، قائلا:
- من الواضح أنه أمر خطير بالفعل يا صفوت.

ابتسم صفوت، قائلا:
- هذا ما كنت أقوله يا باشا.

شد رئيسه قامته، وعقد كفيه خلف ظهره، وهو يقول في صرامة:
- راقب منازلهم، وتابعهم أينما ذهبوا يا صفوت، وأريد تسجيلات لكل ما يقال عبر هواتفهم، وأريد تقريرا يوميا على مكتبي.

تألّقت عينا صفوت، وهو يقول:
- أمرك يا باشا.

وفي أعماقه، انطلقت ضحكة ظافرة، راحت تحلم معه بترقية كبيرة..
بحق.

يُتبع

عهد Amsdsei 19-03-11 07:57 AM

السلام عليكم

الثورة.. أحمد

في تكاسل -كالمعتاد- فَتَح (أحمد) عينيه في الصباح، وتثاءب في بطء، قبل أن يفرك عينيه، ويمدّ يده ليلتقط نسخة الدستور، التي أهداه إياها (سامي).

وعلى الرغم من تكاسله الصباحي هذا، لم يكن يمكنك أن تصف (أحمد)؛ إلا بأنه شاب شديد الحيوية، جمّ النشاط، لا يمكنك أن تُحصي كمّ هواياته أو اهتماماته؛ خاصة أنه كتوم بطبعه، يصعب أن تقرأ من ملامحه ما يدور بخلَده.

كان الوحيد بين رفاقه، الذي قلما تحدَّث عن حياته المنزلية؛ فهو يرى أن أموره الشخصية حِكْر له وحده، لا يجوز للآخرين مجَّرد الاطلاع عليها.

لم يكن متفوقاً في حياته الدراسية؛ ربما لأن الأسلوب الذي تُدرّس به مواده الدراسية، لم يكن يرقى إلى مستوى طموحاته الأدبية أو العلمية.

ولكنه -وبكل المقاييس- شاب ملتزم، يمكنك الاعتماد عليه، وكتمان أسرارك في خزانة صمته.

ولقد راقت له هدية (سامي) للغاية؛ وخاصة بعد كل ما حدث، وما يتابعه عبر شبكة الإنترنت، عن أخبار التحقيقات في قضية الشرطة في (الإسكندرية)، والتظاهرات هناك؛ للمطالبة بمعاقبة قاتليه أشد العقاب، وما أعقب هذا من تصريحات الداخلية، التي حاولت أن تنسب إليه شتى التهم، وكأن هذا يبيح لهم قتله، بهذه الوسيلة الوحشية، اللا آدمية، والمسعورة.

لم يفهم أبداً ما الذي يحاول الأمن الوصول إليه بالضبط، بحمايته الهستيرية هذه، لرجال تجردّوا من إنسانيتهم، وتمادوا في جبروتهم، إلى حد قتل شاب أعزل، أمام عشرات الشهود، دون ذرة من الرحمة أو الشفقة.

أي دور يلعبه الأمن بالضبط؟ خدمة الشعب وحمايته، أم عبودية النظام، وبلوغ أحطّ الأساليب، في سبيل هذا؟!

مطالعته للدستور تؤكّد أن الشرطة في خدمة الشعب، وليس النظام الحاكم..
وهذا أمر، ينبغي أن يكون طبيعياً ومنطقياً؛ فالنظام زائل، والشعب باقٍ..
هو يدرك هذا..
ورفاقه يدركون هذا..
والدنيا كلها تدرك هذا..

ولكن العجيب أنه، لا النظام ولا أمنه يُدركون هذا..
كلاهما راهَن على أمر يخالف كل منطق وعقل..
كلاهما راهن على أن دوام الحال ليس من المحال..
ويا له من رهان خاسر!

بلغ هذه النقطة؛ فنفض عنه التكاسل دفعة واحدة، ونهض من الفراش، وهو يحمل نسخة الدستور التي لم تفارقه، وهو يمارس طقوسه الصباحية المعتادة، وحتى خرج إلى الشرفة ليكمل مطالعتها في الهواء النقي، كما يعشق..
وهناك، لمح ذلك الرجل..

كان يجلس على مقعد صغير إلى جوار ذلك الكشك، المواجه لمنزله، على الجانب الآخر من الشارع، ويتطلّع إليه مباشرة، في اهتمام واضح..

لم تكن المرة الأولى، التي يلمحه فيها، في الموضع نفسه، وبالنظرة نفسها؛ فمنذ عدة أيام، يتّخذ نفس المجلس، من الصباح إلى قرب غروب الشمس، دون أن يرفع عينيه عن الشرفة لحظة واحدة.. لمحه (أحمد)، وإن تظاهر بعكس هذا، وراح يقرأ الدستور بضع لحظات، ويراجع بعض مواده، الخاصة بالحريات، ثم لم يلبث أن عاد إلى الداخل، وأغلق الشرفة..

أو أنه -في الواقع- تظاهر بهذا..

فمن خلال فرجة ضيقة، راح يراقب ذلك الرجل؛ ليتأكّد من أنه على حق؛ فالرجل بالفعل لم يرفع عينيه عن الشرفة أبداً..

وعلى الرغم منه، شعر (أحمد) بمزيج من الخوف والقلق، يتسلّل إلى أعماقه..
ذلك الرجل تنقصه لافتة مضيئة، تشفّ عن هويته الواضحة؛ فهو نسخة طِبْق الأصل من المخبرين، كما تصوّرهم أفلام السينما..

ضخم، أسمر، غليظ الملامح، له شارب ضخم، يبدو من ضخامته أنه يحاول أن يخفي به ضعفاً آخر، ينغّص لياليه..

ولقد أثار هذا خوف وقلق (أحمد) أكثر..
فلماذا يراقبه مخبر من الشرطة؟
لأي سبب..

راح يراجع تصرفاته، خلال الشهر الماضي كله؛ فلم يجد فيها ما يمكن أن يكون سبباً لهذا..
أي سبب!!

واصل مراقبة الرجل لنصف ساعة كاملة، قبل أن يعود إلى حجرته، ويلتقط هاتفه المحمول؛ ليقول عبره هامساً، وكأنه يخشى أن يسمعه الرجل:
- (خالد).. هناك أمر مقلق.

سأله (خالد) في اهتمام:
- أي أمر؟!

أجابه بنفس الهمس المتوتر:
- هناك مخبر يراقب منزلنا، منذ ما يزيد عن الأسبوع.

لم يتلقّ جواباً لبضع لحظات؛ حتى إنه هتف في صوت عصبي خفيض:
- (خالد).

أجابه (خالد) في رصانة، حملت رنة قلق:
- أنا هنا يا (أحمد)، ولكنني أتساءل: لماذا يراقب هذا المخبر منزلكم؟!

قال ( أحمد ) في توتر:
- ولماذا أسألك، لو أنني أعلم؟!

صمت (خالد) لحظات أخرى، ثم قال في حزم:
- ليس هذا من حقه، ما دمتَ لم ترتكب شيئاً.

انقلب توتر (أحمد) إلى لهجة عصبية، وهو يقول:
- لسنا هنا في حوار حول الحقوق والواجبات.. إنه هنا، وأريد أن أعرف ما الذي ينبغي أن أفعله في هذا الشأن..

أجابه (خالد) على الفور:
- واجهه.

ارتدّ (أحمد) في دهشة، وهو يقول مستنكراً:
- أواجهه؟!

أجابه (خالد) في حماس:
- نعم.. واجهه، وسلْه لماذا يراقب منزلكم.. لا تخشَه؛ لأن هؤلاء يكتسبون قوتهم من ضعفنا، وجبروتهم من خوفنا.. إنهم أشبه بخفافيش الكهوف، يعملون فقط في الظلام؛ فلو أضأت الضوء، فروا واختفوا.

هزَّ (أحمد) رأسه في عصبية، وهو يقول:
- لست مستعداً لسماع محاضرتك الفلسفية هذه الآن.. أخبرني بأسلوب منطقي؛ للتعامل مع الموقف.

سأله (خالد) في حدة:
- ولماذا تسألني أنا، ما دمت ترفض فلسفتي؟!
هتف (أحمد) في تلقائية عصبية:
- لأنك زعيمنا.
بدَت دهشة (خالد) واضحة في صوته، وهو يقول:
- أنا؟!

هتف به (أحمد)، وهو يحاول خفض صوته بقدر المستطاع، على الرغم من انفعاله:
- ألست من بدأ كل هذا؟ ألست من أثار لدينا فكرة الدستور والحقوق؟ ألست من طلب منا دراسته وفهمه؟
لم يسمع (صفوت) باقي العبارة، وهو يراجع تسجيل المحادثة، وبرقت عيناه، على نحو أشبه بعيني الصياد، عندما تقع طريدته في الفخ، وغمغم في ظفر:
- آه.. هو الزعيم إذن!

أضاف المعلومة -التي بدت له شديدة الخطورة- إلى ذلك التقرير، الذي أعدّه لتقديمه إلى رئيسه، وحمل الملف في ثقة وزهو، واتجه إلى مكتب هذا الأخير، وطرق الباب طرقة واحدة، ثم دخل مباشرة..

كان رئيسه منهمكاً في حديث تليفوني هام؛ فأشار إليه بالجلوس، وهو يقول عبر الهاتف:
- لا تقلق أبداً يا سيادة النائب.. مظاهرات (الإسكندرية) و(القاهرة) محدودة، وجاري السيطرة عليها.. لا.. لا تشغل جنابك بهذا..

البلد في قبضتنا تماماً، وسيادة الوزير لديه خطة مضمونة، للقبض عليها بقبضة من حديد.. اطمئن.

أنهى المحادثة، وأطلق زفرة متوترة، ومسح عرقاً وهمياً عن جبهته، وهو يقول:
- هذا الولد، الذي قتلوه في (الإسكندرية)، أصبح صداعاً كبيراً في رءوسنا جميعاً.. الناس تتعامل كما لو أننا قتلنا (عنترة بن شداد)..

غمغم (صفوت):
- هوجة عيال يا باشا، سنرصد أسماء القائمين عليها، ونعمل على اعتقالهم جميعاً.

لوّح رئيسه بكفه، قائلاً:
- الأمر ليس بهذه البساطة يا (صفوت).. هناك ناشطون عديدون، انضموا إلى تلك المظاهرات، وأسماء لامعة، يصعب المساس بها.

عقد (صفوت) حاجبيه، وهو يقول في صرامة:
- لا يوجد من لا يمكن المساس به.

أومأ رئيسه رأسه، وهزَّ كتفيه، ولوّح بيده في وقت واحد، على نحو لا يحمل أي معنى بعينه، وجلس خلف مكتبه، وهو يقول، ولم يفارقه توتره بعد:
- ماذا لديك؟!

وضع (صفوت) الملف على مكتبه، وربَت عليه في اتّعاظ، وهو يقول:
- اكتملت الصورة يا باشا.

أمسك رئيسه الملف، وهو يسأله:
- هل توصّلت إلى جديد؟!

أجابه (صفوت) في زهو:
- رصدنا كل تحركات تنظيم (الدستور) الجديد يا باشا، واليوم عرفنا من هو زعيم.

وأشار إلى اسم (خالد) على الملف، مضيفاً:
- هذا.

ألقى رئيسه نظرة مطوّلة على الأسماء، ثم رفع عينيه إليه، والتقط نفساً عميقاً، لم ينجح في إخفاء أو تخفيف توتره، وهو يقول في حزم:
- نفّذ يا (صفوت)..

وعادت عينا (صفوت) تلتمعان..
لقد بدأ التنفيذ..
أخيراً.

يتبع


عهد Amsdsei 20-03-11 06:16 PM

السلام عليكم

الثورة.. صفوت

ارتسمت ابتسامة باهتة عجيبة على وجه نيفين زوجة صفوت، وهي تشاهد هذا الأخير يختبر مسدسه، ثم يدسه في حزامه، في حركة استعراضية مبتذلة.. ابتسامة تجمع بين السخرية والاشمئزاز والمرارة..

والمدهش هنا أن نيفين قد تزوّجت صفوت بملء إرادتها، عندما تقدّم لطلب يدها منذ ثلاث سنوات..

صحيح أنها لم تكن تعرفه -شخصياً- معرفة جيّدة، ولكن أحاديث شقيقته عنه، وانبهارها بقوته وسطوته، جعلاها تتصوّر أنه الشخص المناسب للزواج، وتأمين الأمن والحماية لها..

ربما لأن نيفين تعاني، منذ حداثتها، من ضعف شخصية والدها، الذي سيطرت عليه أمها تماماً، منذ وعت عيناها الدنيا، حتى إنها باتت تحلم برجل قوي، يسيطر هو عليها، بشخصيته وحبه وحنانه، ولأن شقيقة صفوت زاملتها في الكلية، وأطالت في الحديث عنه، لم يكن من الصعب قبول الزواج منه، فور تقدّمه، خاصة وأنه كان يمتلك شقة صغيرة، مجاورة لسكنها، في نفس الحي..

ولقد تمت الزيجة في سرعة؛ لأن والدها أكّد أنه لن يقبل خروج ابنته مع خطيبها، قبل عقد قرانهما..

في البداية، كان صفوت شخصاً عادياً، ارتاحت معه، وتصوّرت أن أحلامها قد تحققّت.. حتى كان ذلك اليوم، الذي قرّر فيه أن يبهرها، ويريها مدى سطوته وسلطاته..

كانا يبتاعان بعض الفاكهة من بائع معروف، في حي المعادي، حيث يسكنان، وكان البائع منشغلاً بإنهاء معاملة مع زبون سابق، وبدا لها الأمر عادياً، وانتظرت حتى ينهي البائع معاملته، ثم يلتفت إليهما..
ولكن صفوت لم يقبل بهذا..

لقد فوجئت به يسبّ البائع، ويعامله بقسوة غير مفهومة، حتى إن الزبون ترك الفاكهة وانصرف، وعندما اعترض البائع على أسلوب صفوت وسبابه، جنّ جنون هذا الأخير، وتحوّل إلى وحش شرس، فأخرج مسدسه، وراح يضرب أقفاص الفاكهة، ويبعثرها أرضاً، ونيفين تصرخ..
وتصرخ..
وتصرخ..

ثم لم يكتفِ صفوت بهذا، أو يبالي حتى بصراخها، وإنما أصّر على اصطحاب البائع إلى قسم الشرطة، صائحاً في من تجمهروا أنه ضابط في أمن الدولة، وكأن هذا يمنحه حق سب المواطنين والاعتداء على حريتهم..

يومها عاد معها إلى المنزل منتشياً، بعد أن تم احتجاز البائع في القسم، وعلت شفتيه ابتسامة ظافرة، جعلتها تشعر بالاشمئزاز والغثيان، حتى إنهما ما إن وصلا إلى المنزل، حتى هرعت إلى الحمام، تفرغ ما في جوفها عن آخره..

ومنذ ذلك اليوم، الذي اعتبره هو قمة انتصاره، لم تعد هي تطيق النظر إلى وجهه..

حتى عندما كان يمارس معها حقوقه الزوجية، كانت تقاوم في صعوبةٍ ذلك الشعور بالاشمئزاز، الذي يملأ نفسها، ولم تجد أمامها سوى أن تتخلى ذهنياً عن جسدها، وتطلق فكرها في اتجاه آخر..
أي اتجاه آخر..

ومنذ ذلك اليوم أيضا بدأت -سراً- في الانتظام على أقراص موانع الحمل..
لم يكن من الممكن أن تتصوّر نفسها أمّا لطفل من صلب هذا الوحش..
كان هذا وحده يصيبها بالغثيان..

وكان من الطبيعي، مع فتورها، ورحلة الابتعاد بعقلها عن جسدها، أن ينتبه هو إلى هذا..
والعجيب أنه لم يحاول التساؤل لحظة واحدة عن الأسباب..
لم يحاول أن يفهم..
فقط غضب..
وبشدة..

ورويداً رويداً، تباعدت لحظات لقاءاتهما الزوجية، حتى كادت تنعدم، في الأشهر القليلة الماضية.
ولقد جعله هذا أكثر عنفاً وشراسة، وأكثر إصراراً على إثبات قوته وسطوته وجبروته، دون أن يدري أن هذا يبعدها عنه أكثر وأكثر..

ولقد لاحظت، في الأيام الأخيرة، أنه منشغل بمن أسماهم "عيال الدستور"، ولقد سخرت من المصطلح، وتساءلت عما يشغله بشأنهم، ما داموا "عيال" كما يُطلق عليهم..

"أنت لا تفهمين شيئاً"..
قالها وهو يلتقط سترته في عصبية، فجلست على مقعد قريب، تسأله، ورنّة السخرية لا تفارق صوتها:
- حقاً لست أفهم لماذا ينشغل أمن الدولة بشباب يعتبرهم مجرّد عيال!

انعقد حاجباه، وهو يقول في عصبية:
– هؤلاء العيال يرتّبون لأمر خطير.

سألته بنفس اللهجة:
- أي أمر خطير يمكن أن يقوم به عيال؟!

بدا نافد الصبر، وهو يقول:
- نظرتك سطحية؛ لأنك تجهلين طبيعة عملنا.. إننا لا نلعب، بل نحمي الوطن من أعدائه.

اتسعت ابتسامتها الساخرة، وهي تقول:
- أحمد سبع الليل أبو سريع!

التفت إليها في دهشة عصبية متسائلا، فاعتدلت تفسّر وابتسامتها الساخرة تملأ شفتيها:
- إنه اسم أحمد زكي في فيلم البريء.. كان يتصوّر طوال الوقت أنه يحارب أعداء الوطن، حتى فوجئ بصديق عمره بين المعتقلين، فأدرك فجأة أنه يحارب الوطن نفسه.

قال في حدة:
- أي تفسير سخيف هذا؟! هل ستقارنين عملنا الخطير بفيلم سينمائي سخيف؟

اعتدلت أكثر تسأله:
- ما مفهوم الوطن لديك يا صفوت؟!

رفع عينيه إليها، في دهشة غاضبة مستنكرة، لم تمنعها من أن تتابع في اهتمام:
- الوطن ليس النظام الحاكم.. إنه الشعب، الذي يفترض أن تخرج منه أية أنظمة حاكمة، وعندما تقبض على الشعب لحماية النظام، فأنت لا تحمي الوطن، بل تحارب الوطن.

قال في حدة غاضبة:
- يمكنني أن أعتقلك لهذا الرأي المتطرّف.

اتسعت ابتسامتها الساخرة، ورفعت إليه يدها، وعقدت معصميها، وهي تقول:
- هيا افعل.. لن أقاوم؛ فربما يُدخلني هذا التاريخ.

رمقها بنظرة غاضبة، وقال وهو يتجه نحو الباب:
- لن أضيع وقتي في هذه التفاهات..

تراجعت في مقعدها مبتسمة، وكأنما يروق لها أن استفزته على هذا النحو، وسألته قبل أن يفتح الباب:
- كم عربة أمن مركزي، ستخرج لإلقاء القبض على هؤلاء "العيال"؟

رمقها بنظرة ناقمة، دون أن يجيب، فتابعت في سخرية مستفزة:
- إنها الثالثة صباحاً، وأنتم ستنقضّون عليهم مع الفجر تقريباً.. ألا يجعلكم هذا نسخة مكرّرة من زائر الفجر، الذي نسبوه إلى عصور سابقة، وصموها بالديكتاتورية؟!

عاد يرمقها بتلك النظرة الناقمة، قبل أن يندفع خارجاً بلا جواب؛ حتى لا تلقي المزيد من التساؤلات، التي تستفز كل ذرة من كيانه..
ولكن الغضب كان يعربد في أعماقه بشدة..
لقد استخدم معها من قبل حتى أن يتزوّجها، كل ما تعلّمه في أمن الدولة..

طلب من شقيقته أن تكثر من الحديث عنه، وتبدي انبهاراً زائفاً بشخصيته ومدى سطوته، ثم استخدم كل هذا عندما تقدّم لطلب يدها، وفي شهور زواجهما الأولى حتى كانت واقعة بائع المعادي..

يومها وجدها فرصة ممتازة؛ ليستعرض أمامها سلطاته، وافتعل ذلك الشجار العنيف، و..
وتغيّر كل شيء..
لقد نفرت منه، بدلاً من أن تقدِم عليه..

شعر بهذا منذ أول لقاء زوجي بينهما، ولكنه لم يفهمه جيداً، إلا بعد عدة مرات متتالية..
ولم يناقشها في الأمر أبداً..
لم ترضِ كرامته، أو قل غطرسته، بمناقشة أمر كهذا..

وعدم قدرته على مناقشتها في وضوح أورثه غضباً لا ينتهي، وأوضح له مدى ضعف شخصيته، الذي يختفي خلف قناع القوة والسلطة والجبروت، الذي حازه بحكم موقعه ورتبته..

وربما كان هذا الشعور الدفين بضعف الشخصية، هو الذي جعله شهيراً، في أوساط أمن الدولة، بالشراسة والعنف..

انتزع نفسه من أفكاره، وهو يدلف إلى سيارة أمن الدولة، ويسأل الجندي المرافق له:
- كم سيارة أمن مركزي معنا؟!

أشار الجندي بسبّابته ووسطاه، مجيباً:
- اثنتان.

التقط صفوت نفساً عميقاً، وهو يقول:
- عظيم.

وأصدر الأمر بانطلاق السيارات، وبدء عملية، أطلق عليها اسماً، لم يدرك -لضعف ثقافته- ما فيه من مفارقة..
"عملية الدستور".

يتبع

عهد Amsdsei 24-03-11 08:20 AM

السلام عليكـــــــــم

الثورة.. الدكتور عبد الله

التقط الدكتور عبد الله نفساً عميقاً، من هواء الفجر الرطب، وهو يخرج من البناية التي يقطن بها، في ذلك الحي الشعبي، المجاور لحي المهندسين الراقي..

كان هذا هو الحي الذي وُلِد ونشأ فيه، والذي رفض أن يغادره، بعد أن أصبح أستاذاً في كلية الطب، واسماً شهيراً، في مضمار العلاج النفسي..

والدكتور عبد الله رجل بسيط المشاعر، هادئ النفس، شديد التواضع والالتزام، وتربطه علاقات موّدة وصداقة بكل سكان الحي تقريباً، مع اختلاف طبقاتهم، خاصة أنه تجمعهم دوماً صلاة الفجر، التي يحرص على أدائها في المسجد القريب، منذ حداثته..

وفي ذلك الفجر كان يشعر بشيء من الانقباض، لم يدر له سبباً؛ فهو لم يبالِ كثيراً بعدم قبول الأمن لتعيينه رئيساً للقسم؛ لأن المناصب لم تكن يوماً أحد أهم اهتماماته، ولم يكن مستعداً لدخول لعبة الحزب، ليجد له مكاناً على القمة..

كان يؤمن فقط بالكفاءة.. والكفاءة وحدها..

وكثيراً ما نصحه بعض زملائه، من أعضاء هيئة التدريس، بالانضمام إلى الحزب الوطني الحاكم؛ حتى يضمن مكاناً مرموقاً، ولكنه رفض الفكرة من أساسها، وقرّر أن يظلّ مستقلاً، ورزقه على الله سبحانه وتعالى، كما يقول الناس في الأحياء الشعبية..

لقد كان ذلك الانقباض حتماً لسبب آخر..

سبب لم يدركه في عقله الواعي، وربما يكمن في عقله الباطن، كما تقول دراسته..

ولأنه لم يدرك ذلك السبب الخفي، فقد حاول طرح شعوره هذا جانباً، وهو يبتسم في وجه الحاج فؤاد الميكانيكي، الذي اعتاد مرافقته يومياً إلى المسجد، والذي استقبله بمرحه المعتاد، هاتفاً:
- صباح الورد يا أستاذ الأساتذة.

أجابه في موّدة:
- صباح الخير يا حاج فؤاد..أراك مرحاً كالمعتاد.

بهتت ابتسامة الحاج فؤاد، وهو يقول:
- وماذا لدينا سوى هذا يا دكتور؟! الحياة خلت من المرح فأحاول دفع بعضه إليها حتى لا أموت همّاً.

سأله الدكتور عبد الله ، وهما يتجهان نحو المسجد:
-أما زالت مشكلتك مع الضرائب قائمة؟!

أومأ الحاج فؤاد برأسه إيجاباً، وقال:
- وستظل قائمة، فالضرائب تتعامل معنا كما لو أنها جهاز جباية، لا يبالي باحتياجاتنا وبحقائق الحياة.. تصوّر أنهم يرفضون خصم مصروفات العلاج من الوعاء الضريبي، حتى لو كانت تفوق أرباحك، وحتى لو كانت مؤيدة بفواتير من مستشفيات حكومية.

مطّ الدكتور عبد الله شفتيه، وقال:
- مع الأسف.

تابع الحاج فؤاد، وقد بدأ الغضب يتسلّل إلى صوته:
- وتلك الضريبة العقارية الجديدة.. أي عقل شيطاني أبدعها.. هل يُعقل أن تؤخذ ضريبة عن شقة تقيم بها، ولا تربح منها قرشاً واحداً؟! أهذا عدل؟!

حاول الدكتور عبد الله أن يجيبه، ولكن الرجل كان منفعلاً، فواصل بانفعاله:
- لي قريبة تسكن في شارع شهاب في المهندسين، اشترى زوجها شقتهما، عندما كان حي المهندسين هذا منطقة زراعات، ودفع فيها أربعة آلاف وخمسمائة جنيه، ثم توفي، ودارت الأيام، وأصبح الشارع من أرقى شوارع الحي، ولكن الزوجة المقيمة في الشقة لا تملك سوى معاش زوجها، الذي يقلّ عن الألف جنيه، تنفق ما يقرب من نصفها على العلاج، والشقة تساوي بوضعها الحالي، مليون جنيه تقريباً، وهذا يعني أن تطالبها الضرائب بما يفوق ما تبقى لها من دخل، كضريبة عقارية، افترضت أنها تؤجر مسكنها بقيمة وهمية.. أهذا عدل؟!

غمغم الدكتور عبد الله:
- كلا بالتأكّيد.

واصل الحاج فؤاد، وانفعاله يتصاعد:
- ثم ماذا سيفعلون بها عندما تعجز عن السداد؟! هل سيقدّمونها إلى المحاكمة والسجن؟! وكيف يدفع المرء ضريبة عن مسكن يقيم فيه؟! ماذا لو قررّوا اعتبار أن كل من يملك سيارة يؤجرها، ويطالبون بضريبة عليها أيضا؟!

لم يجبه الدكتور عبد الله، أو لم يستمع إليه تقريباً، بعد أن تركّز اهتمامه على عربة أمن مركزي، تتحّرك لتسد الطريق المؤدي للمسجد..
وشعر بأن انقباضته كان لها ما يبررّها..

شعر بهذا، قبل حتى أن توضع يد ثقيلة على كتفه، ويسمع صوتاً غليظاً من خلفه يقول:
- دكتور عبد الله.

التفت مع الحاج فؤاد، ليرتطم بصرهما بعدد من الناس، يرتدون ثياباً مدنية، لم يدر أحدهما كيف وصلوا خلفهما مباشرة، دون أن يشعرا بهما..
وفي عصبية قال الحاج فؤاد:
- من أنتم؟!

لم يكن الدكتور عبد الله ينتظر الجواب، عندما قال صاحب الصوت الغليظ، في لهجة تهديدية ردعية واضحة:
- أمن الدولة.

امتقع وجه الحاج فؤاد، وتراجع خطوتين إلى الخلف، في حين غمغم الدكتور عبد الله، في هدوء، لا يدري كيف جاء إلى صوته:
- كنت أنتظركم في الواقع.

ابتسم صاحب الصوت الغليظ ابتسامة ذئب، وهو يقول:
- هذا سيسهّل الأمور كثيراً.

اندفع الحاج فؤاد يقول في حدة:
- بأية تهمة..

قاطعه الدكتور عبد الله بإشارة حازمة من يده، في حين التفت إليه الغليظ بنظرة قاسية متوعدة، جعلت الدكتور عبد الله يقول:
- اذهب إلى المسجد يا حاج.. واصل طريقك.. أرجوك.

انعقد حاجبا الحاج فؤاد، وهو ينتفض، قائلا:
- وهل أتركك وحدك؟!

قال صاحب الصوت الغليظ في صرامة:
- أتحب أن تنضمّ إليه.

هتف الدكتور عبد الله:
- أرجوك يا حاج.. واصل طريقك.

ثم أدار عينيه إلى الغليظ، متابعاً في استسلام:
- سأذهب معهم.

نقل الحاج فؤاد بصره، بين الرجال والدكتور عبد الله، الذي ربّت على كتفه، وحاول أن يرسم ابتسامة باهتة على شفتيه، وهو يشير إلى المسجد، ثم يتجه مع الغليظ نحو سيارة رباعية الدفع، تنتظر عند بداية الطريق..

وبسرعة، انطلقت السيارة، ليس لتغادر المكان، بل لتقف أمام منزل الدكتور عبد الله، ويهبط منها الرجال، مع ركّاب سيارة أخرى مشابهة، ويصعدون إلى شقته..

وفي ذهول غاضب خائف، تابع الحاج فؤاد ما يحدث، وغمغم:
- هذا غير قانوني..غير قانوني بالتأكيد.

لم يدر وهو ينطقها، أنه في هذه اللحظة بالذات، كانت والدة نهى تستيقظ مذعورة، على صوت طرقات قوية على الباب، في تلك الساعة، وسرعان ما انضمت لها نهى وشقيقتها، وهي تهرع إلى الباب في خوف، متسائلة:
- من بالباب؟!

أتاها صوت صفوت صارماً، يقول:
- أمن الدولة..

ارتجفت كل خلية من جسدها، وهي تسأل مذعورة:
- أمن الدولة؟! وماذا يريد منا أمن الدولة؟!

قال صفوت في حدة:
- هل تنوين فتح الباب بإرادتك، أم نقتحم المكان؟!

أسرعت تفتح الباب مرتجفة، ولم تكد تفعل، حتى فوجئت بجيش من الرجال يندفعون إلى الداخل، وينتشرون في الشقة، على نحو جعل شقيق نهى يهتف مستنكراً:
- ماذا يحدث هنا؟!

تجاهله صفوت تماماً، وهو يلتفت إلى نهى، قائلاً في صرامة:
- أنت نهى؟!

ضمّت نهى معطفها المنزلي على صدرها، وهي تقول في توتر شديد:
- نعم..أنا نهى، وما تفعلونه غير قانوني وغير دستوري، و...

قاطعها في صرامة، وقد التمعت عيناه:
- غير دستوري؟! يبدو أنك لم تقرئي جيداً التعديلات الدستورية الأخيرة، أيتها المناضلة.

نقلت أمها بصرها بينهما في ارتياع، وهي تغمغم مرتجفة:
- مناضلة؟! هل تقصد نهى بقولك هذا؟!

التفت إليها بنفس العينين المتألقتين، وهو يقول، في تشف واضح:
- ابنتك عضو نشط في تنظيم سري جديد.

هتفت نهى، في دهشة مستنكرة:
- تنظيم ماذا؟! أي تلفيق هذا؟!

خرج أحد الرجال من حجرتها، في هذه اللحظة، وهو يحمل نسخة الدستور، التي أهداها لها سامي، وهو يقول بلهجة ظافرة:
- عثرت على الدليل يا باشا.

اتسعت عيون الأم وولديها دهشة، وهتفت نهى مستنكرة:
- أي دليل؟! إنه الدستور المصري.

تألّقت عينا صفوت أكثر، وهو يقول:
- نفس النسخة، التي ضبطت كميات منها، عند سامي مسئول التثقيف في التنظيم.

فغرت نهى فاها دهشة، وبدا شقيقها مصدوماً، في حين غمغمت أمها، وهي تكاد تفقد وعيها:
- تنظيم ومسئول تثقيف؟! الدليل الذي تتحدّث عنه هو الدستور المصري، وليس الدستور الإسرائيلي، وحيازته، وفقاً لمعلوماتي المحدودة، ليست جريمة.

ابتسم صفوت في سخرية، وتألّقت عيناه أكثر وأكثر، وهو واثق من أن قضية هذا التنظيم الجديد ستصنع مانشيتات صحفية قوية..

وستصنع بالتأكّيد ما يحلم به..

الترقية.

يتبع

عهد Amsdsei 25-03-11 10:35 AM

السلام عليكم

الثورة.. التنظيم

دفعت يد قوية قاسية (خالد)، وهو معصوب العينين، مقيّد المعصمين خلف ظهره، داخل حجرة ما، احتشد فيها عدد من البشر، ارتطم بهم مع سقوطه..
لم يكن قد استوعب بعد ما حدث..

لقد اقتحم رجال أمن الدولة منزله، مع نسمات الفجر الأولى، وأصابوا أمه بفزع شديد، وهم ينتشرون في المكان، ويفتشونه على نحو مسعور، دمروا خلاله العديد من الأشياء القيّمة، واستولوا على البعض الآخر، قبل أن يخرج أحدهم من حجرته ظافراً، وهو يحمل نسختين من الدستور..

النسخة التي كان يدرسها منذ البداية، وتلك التي أهداها إياها (سامي)..
كانوا يتعاملون بغلظة وصلف وشراسة؛ حتى إنه ما زال يذكر صرخات أمه الملتاعة، وسباب الضابط لها، وهم يحملونه حملاً إلى سيارة ضخمة، عصبوا داخلها عينيه، وقيّدوا معصميه خلف ظهره، ومنعوه أن ينطق بحرف واحد..

وها هو ذا..
لا يدرى حتى أين هو؛ ولكنه يسمع تأوّهات من حوله، تشفّ عن آلام آخرين، ويسمع صوت ألم وضربات عنيفة، يأتيه من بعيد..

وكالمصدوم، اعتدل في صعوبة، وحاول -عبثاً- أن ينهض؛ ولكن يداً غليظة ضغطت كتفه، لتجبّره على الجلوس.. فجلس..
وفي عقله، انطلقت صرخة.. بل صرخات..

ماذا يحدث؟!
ما الذي يفعلونه؟!
وبأي حق؟!

لقد قضى وقتاً طويلاً في دراسة الدستور، وانتهى إلى أنه -حتى بعد تعديلاته الأخيرة المخزية- يمنحه الكثير من الحقوق..
على الأقل، لا يسمح بذلك الذي حدث.

لقد شاهد منذ حداثته عدة أفلام سينمائية، تتحدّث عن عصور الظلم والاستبداد، وتصوّر وهو يشاهدها، أن زمن تلك العصور قد ولّى وانتهى..
ثم أتاه زوّار الفجر، الذين طالما أدينوا، في عصور سابقة..

نفس المشاهد، التي كان يحفظها عن ظهر قلب، في أفلام "في بيتنا رجل"، و"زائر الفجر" و"الكرنك"، وغيرها، شاهدها تحدث أمامه وله، وكأن أحداً لا يتعلّم أو يعي أي درس..
فعلوها في زمن (ناصر) وسقطوا..
وفي زمن (السادات) وانتهوا..
ويكررّونها في زمن (مبارك)..
ما الذي يتغيّر إذن؟!
الأسماء؟!

كان يسمع أنفاساً من حوله، وتلك العُصابة السوداء تُعمي عينيه، وقيود معصميه تؤلمه، والجلوس على الأرض يرهقه؛ ولكن تلك الأصوات من حوله كانت توحي بأن بعضهم يدخل الحجرة، وينتزع منها شخصاً أو أشخاصاً، يغيبون طويلاً، ثم يعودون وهم يتأوّهون، ويتألمون أو يبكون..

كان موقفاً لم يتصوّر نفسه فيه أبداً، ولا حتى في أبشع كوابيسه..
في البداية، حاول أن يرهف سمعه، لتحديد أو معرفة من حوله؛ خاصة وأن حديث الزبانية في سيارة الشرطة الضخمة، كان يؤكّد أنه ليس الأوّل، وأن معظم رفاقه قد سبقوه، إلى المأساة نفسها..
وربما كلهم..
والسؤال هو لماذا؟
لماذا؟
لماذا؟

أرهقه التساؤل، وأرهقه إرهاف سمعه، وأرهقته تلك الانفعالات المحيطة به، وبدأت عيناه تتراخيان، والأصوات من حوله تمتزج، و..

وفجأة، انتزعته يدان غليظتان من مكانه في قسوة، ودفعتاه أمامهما في عنف؛ حتى إنه كاد يسقط على وجهه أكثر من مرة، قبل أن يعبرا به باب حجرة ما، ويجبرانه على الجلوس في وضع القرفصاء داخلها، وهو يسمع صوت (صفوت)، يقول في صرامة قاسية:
- الأخير؟

سمع صوتاً غليظاً يجيبه:
- الأخير يا باشا.

مضت لحظات من صمت مخيف، قبل أن يقول (صفوت)، في لهجة جمعت بين الشراسة والسخرية:
- أنت الزعيم إذن؟

لم يكن (خالد) يرى ملامح (صفوت) الصارمة، ولا نظراته الوحشية، ولا ذلك الوضع الذي اتخذه، وهو يضع قدميه فوق سطح مكتبه، وراح يداعب مسدسه في زهو حيوان مفترس، اعتاد العبث بفريسته قبل التهامها؛ ولكنه أجاب في دهشة متوترة:
- زعيم؟! زعيم ماذا؟

أجابه (صفوت) في شراسة:
- زعيم التنظيم.

تساءل (خالد)، وقد استحالت دهشته إلى ذهول، واستحال توتره رعباً:
- أي تنظيم؟!

هَوَت صفعة قوية على وجهه، وأخرى على قفاه، من رجلين يحيطان به، وأعقب الصفعتين صوت (صفوت) الغاضب، وهو يصرخ فيه:
- إنني أكره من يحاول إهانة ذكائي.

سيل خيط رفيع من الدم، من ركن شفتي (خالد)، وهو يقول:
- لست أدري حقاً أي تنظيم!

اعتدل (صفوت) بحركة حادة، وقال في شراسة:
- تنظيم الدستور.. هل ستنكر أنك زعيمه؟

هوَت صفعة أخرى على وجهه، كادت ترجّ كيانه، وهو يهتف:
- أي دستور؟!

نهض (صفوت) من خلف مكتبه في حدة؛ وكأنما يُغضبه أن يُلقي (خالد) أي سؤال، واتجه نحوه في تحفز؛ قائلاً بنفس الشراسة:
- الإنكار لن يفيد أيها الزعيم.. لقد عثرنا على الدليل في حجرتك، وفي معظم صفحاته خطوط وتعليقات بخطك.

سأله (خالد) في حذر قلق:
- عن أي دليل تتحّدث؟!

تلقى ركلة من قدم (صفوت) هذه المرة، أسقطته أرضاً، وهذا الأخير يصرخ:
- الدستور يا ابن ال*****.

كانت الركلة مؤلمة للغاية، وزلزلت كيان (خالد) بحق، وأطلقت قنبلة من الدم في فمه، وعلى الرغم من هذا؛ فقد هتف:
- لا تأتِ على ذكر أمي.

ركله (صفوت) مرة أخرى، في شراسة أكبر، وهو يصرخ:
- ذكرها.. إنني سآتي بها شخصياً إلى هنا، وسأجعل منها ***** لرجالي، لو لم تعترف.
حاول (خالد) أن يقاوم ذلك الدوار المؤلم، الذي يشعر به، وبصق بعض الدم، الذي تكوّن في فمه، والرجلان يجبرانه على الجلوس مرة أخرى، و(صفوت) يواصل صراخه الشرس:
-أريد اعترافاً تفصيلياً.

سأله (خالد) في صعوبة:
- بماذا؟!

مال (صفوت) نحوه، وقال في شراسة أكبر:
- بأنكم كنتم تصنعون تنظيماً، يستهدف قلب نظام الحكم.

على الرغم من العصابة والألم، اتسعت عينا (خالد) عن آخرهما، وهو يهتف:
- قلب نظام الحكم؟! نحن؟!

تراجع (صفوت)، وهو يقول في صرامة:
- كنتم تظنون أنفسكم أذكياء؛ ولكننا أكثر ذكاء منكم.. لقد راجعنا كل ما وضعت تحته خطاً، وكل ملاحظاتك، وأدركنا هدف التنظيم.

قال (خالد) في صعوبة:
- إنه دستور بلادنا، وكل مواطن ينبغي له قراءته على الأقل.

ابتسم (صفوت) في سخرية شرسة، وهو يعاود الجلوس خلف مكتبه، قائلاً:
- ولكن أحداً لا يفعل، وخاصة شباب (السيس) مثلكم.. ولو فعلوا فهم يقرؤونه على شبكة الإنترنت، وليس ككتاب مطبوع.

غمغم (خالد)، بعد أن بصق كمية أخرى من الدم:
- لقد كانت هناك نسخ مجانية منه، توزَّع من خلال مشروع القراءة للجميع، الذي ترعاه زوجة الرئيس.

قال (صفوت) في صرامة قاسية:
- اسمها (الهانم).

توَّقف (خالد) لحظة، ثم واصل في حذر:
- وكان هناك مشروع فرعي، يُعرف باسم مشروع المليون كتاب، و..

قاطعه (صفوت) في شراسة:
- قلت: اسمها (الهانم).

صمت (خالد) مرة أخرى، وشعر بآلام مبرحة في كرامته، جعلته يزدرد لعابه؛ على الرغم مما اختلط به من دم، قبل أن يقول في حذر:
- لا يوجد في القانون اتهام بدراسة الدستور، وإلا فلماذا أصدروه، لو أنهم لا يريدون منا حتى أن نقرأه.

انعقد حاجبا (صفوت) في غضب وحشي، احتاج منه الصمت لبضع دقائق، وهو يحدج (خالد) بنظرة نارية، قبل أن يعتدل، ويسأله في شراسة:
- كم يمكنك أن تحتمل أيها المتحذلق؟

لم يفهم (خالد) السؤال، فغمغم في حذر:
- أحتمل ماذا؟

أجابه (صفوت) في حدة:
- كم عدد الفولتات، التي يمكن أن يحتملها جسدك، قبل أن تعترف؟

لم يجب (خالد) هذه المرة، فقد انتزعه الرجلان من حوله انتزاعاً، واندفعا به خارج الحجرة، وكأنهما قد تلقّيا أمراً مباشراً..
وهنا.. هنا فقط، بدأ الجحيم..
الحقيقي.

يتبع

عهد Amsdsei 29-03-11 10:36 AM

السلام عليكم

الثورة.. قرار

"أي عبث هذا؟!".
هتف حازم ضابط أمن الدولة بالعبارة، في غضب واضح، وهو يقتحم مكتب صفوت، الذي اعتدل في حركة حادة، وهتف به في غضب مماثل:
- كيف تقتحم مكتبي هكذا؟!

واصل حازم، وكأنه لم يسمعه:
- ما الذي تفعله بهؤلاء الأولاد؟!

انعقد حاجبا صفوت، وهو يقول في شراسة:
- يرفضون الاعتراف.

هتف به حازم غاضباً:
- بماذا؟!

أجابه في شراسة أكبر:
- بأنهم تنظيم يستهدف قلب نظام الحكم.

تطلّع حازم إلى وجهه لحظة، قبل أن يقول في صرامة، ما زالت تحمل رنة الغضب:
- تنظيم الدستور؟!

لوّح صفوت بذراعه كلها، وهو يقول في حدة:
- ألا تدرك خطورة هذا؟!

هتف به حازم:
- خطورة ماذا؟! الدستور، أم من يطالعونه؟! أفق يا صفوت.. إنك تتحّدث عن الدستور المصري، وليس عن منشور سري لتنظيم ما.

قال صفوت بنفس حدته الشرسة:
- سل نفسك، لماذا يدرسونه؟!

صاح به حازم:
- بل سل نفسك أنت، لماذا لا يفعلون؟!

حدّق فيه صفوت في توتر، وبدأ شيء ما يهتز في أعماقه، وهو يقول، في لهجة أوضحت هذا:
- ليس من المعتاد أن يدرس الشباب الدستور.

أجابه حازم في صرامة أكثر:
- وهذا لا يجعلهم تنظيماً مناهضاً للحكم.

بدأت اهتزازات ذلك الشيء تتزايد في أعماق صفوت؛ ولكنه قاومها باستنفار كل طاقة العناد في أعماقه، وهو يقول في حدة:
- نشأت باشا يعلم كل ما يحدث، وهو الذي أصدر أوامره بذلك، إنني لم أعتقلهم دون موافقة رسمية.

سأله حازم في سرعة:
- وهل أصدر أمراً رسمياً بهذا؟! ألديك ورقة واحدة تحمل توقيعه؟!

بلغت اهتزازات ذلك الشيء ذروتها، في أعماق صفوت؛ حتى إن صوته قد انخفض، وهو يغمغم:
- لقد أصدر أمراً شفهياً.

ارتسمت ابتسامة شبه ساخرة، على شفتي حازم، وهو يقول:
- إذن فهو يستطيع التنصّل من كل هذا، وإلقاء التبعة كلها عليك، إذا ما تعقدّت الأمور.

امتقع وجه صفوت، وقاوم في استماتة؛ حتى لا تبلغ اهتزازات أعماقه سطح ملامحه، وغمغم في توتر:
- إنهم يرفضون الاعتراف على أية حال.

سأله حازم في صرامة غاضبة:
- لماذا تواصل تعذيبهم إذن؟! ألا تدرك ما فعلته بهم؟!

أجابه صفوت في سرعة:
- الصحيح.

امتقع وجه صفوت أكثر، فمال حازم نحوه، وأضاف بكل الحزم:
- أفرج عنهم، وأعدهم إلى بيوتهم.

- "تفرج عنهم؟!"
هكذا هتف نشأت باشا مستنكراً، عندما نقل إليه صفوت حواره مع حازم، فانكمش صفوت في مقعده، وهو يقول:
- إنهم يرفضون الاعتراف..

قاطعه نشأت في غضب:
- هذا يعني أنك لم تتعامل معهم بالوسيلة المناسبة.

هتف صفوت مدافعاً عن نفسه:
- لقد استخدمت كل الوسائل يا باشا.. من الضرب المبرح، وحتى الصعق بالكهرباء، مروراً بحمامات المياه المثلجة، والتعليق من الأرجل، و....

عاد نشأت يقاطعه، وهو يتراجع في مقعده:
- ولم يعترف أحدهم!

هزّ رأسه نفياً في بطء، ثم أضاف في صوت خافت:
- أسرهم كلها تقدّمت بعدد من الشكاوى للنائب العام، وجمعيات حقوق الإنسان، وحتى لرئاسة الجمهورية.

زمجر نشأت، وهو يقول:
- لا أحد يستطيع أن يمسنا بسوء.. إننا نحمي النظام.

صمت صفوت دون تعليق، وإن حملت عيناه كل الرعب، الذي يعربد في أعماقه، فتراجع رئيسه، وداعب ذقنه بسبّابته وإبهامه، وهو يعيد دراسة الموقف كله.

الأمر يتصاعد بالفعل، من أجل عيال كما يسميهم.
وكما يقولون في الأمثال الشعبية: "العيار الذي لا يصيب، يصنع الضوضاء".
ولقد علّمه عمله ألا يقف أبداً في العاصفة.

ثم إنه لن يستطيع تبرير موقفه أمام أية جهات تحقيق..
من يستطيع أن يقول: إنهم ألقوا القبض على هؤلاء الأولاد؛ لأنهم يمتلكون نسخاً من الدستور.
لن يستطيع هذا أبداً.

ولكن المفترض أن أحداً لن يوّجه إليه أية اتهامات؛ فهو لم يصدر أية أوامر رسمية، لا باعتقالهم، ولا حتى بخروج عربات الأمن المركزي مع الحملة.

صفوت هو الذي أصدر كل الأوامر.
هو ألقى إليه الأمر شفاهةً، وهو تولّى بحماسته الزائدة، توريط نفسه، في كل التوقيعات والأوامر الرسمية.

وهذا يعني أنه يستطيع الإطاحة به، إذا ما تعقدت الأمور، باعتباره المسئول الوحيد عن كل هذا.
المشكلة أن صفوت هو أقرب ضباط أمن الدولة إليه، وأكثر من يعرف عن تجاوزاته وسلطوياته العنيفة.
وهذا يجعله مكمن خطر كبير.

- "أفرج عنهم يا صفوت".

نطقها في حزم، حمل كل توتره، فرفع صفوت عينيه إليه في لهفة، مرددّاً:
- أفرج عنهم يا باشا؟!

أشار نشات بيده، قائلاً:
- اصنع لكل منهم ملفاً، تحت بند الاشتباه في الممارسات الإرهابية، واحصل على كل المعلومات عنهم، ثم أفرج عنهم، وضعهم لأسبوعين تحت المراقبة.

تمتم صفوت في توتر:
- ممارسات إرهابية؟!

مال نشأت إلى الأمام، وقال وكأنه يلقنه درساً:
- تعديلات قانون الطوارئ الجديدة، قصرت استخدامه على حالات الإرهاب والمخدرات، ولسنا الجهة المنوط بها التعامل مع المخدرات، فماذا يتبقى لنا؟!

غمغم صفوت:
- الإرهاب؟!

اعتدل نشأت في حركة حادة، وضرب بيده على سطح مكتبه، هاتفاً بلا مبرّر:
- بالضبط.

تردّد صفوت لحظات، ثم سأله في حذر وخفوت:
- هل تصدر الأمر بهذا؟!

هزّ نشأت كتفيه، والتمعت في عينيه نظرة عجيبة، وهو يقول:
- وما شأني أنا؟! أنت أصدرت أمر اعتقالهم، فأصدر أمر الإفراج عنهم.

شحب وجه صفوت، وهو يغمغم:
- آه.. بالتأكيد.

ظلّت عبارة رئيسه الأخيرة تلتهم عقله، حتى بعد أن عاد إلى حجرته، واستقر خلف مكتبه.
لقد كان حازم على حق. نشأت باشا يتنصّل من الأمر كله بالفعل. ولقد أخبره صراحة أنه المسئول عنه.

اختنق بالفكرة، وجذب نسخة الدستور الخاصة بخالد، وراح يقلّب صفحاتها في توتر.
وفي تلك اللحظة فقط، أدرك أنه لم يقرأ هذا الدستور أبداً، ولم يعرف شيئاً عن بنوده، لا قبل تعديلها، ولا حتى بعد التعديل.

حاول أن يُطالع بعض مواد الدستور، أو حتى بعض النقاط، التي وضع تحتها خالد خطاً، أو كتب عنها ملحوظة ما؛ ولكن ذهنه كان مشتتاً إلى حد كبير، فعجز عن التركيز تماماً، مما جعله يدسّ النسخة في جيب سترته؛ لعله يستطيع مطالعتها فيما بعد، في ظروف أخرى.

وفي صعوبة، أمسك قلمه، وتردّد بضع لحظات، وهو يضع أمر الإفراج أمامه، وعقله يتساءل: أيهما الأفضل، أن يفرج عن هؤلاء الشباب الآن، أم يواصل تعذيبهم، حتى يحصل على اعترافات، تغيّر وجه الموقف؟!

أيهما الأفضل؟!
أيهما؟!

يتبع


تفاحة فواحة 29-03-11 04:27 PM

مشكوره اختي وبنتظار الفصول الاخرى للكاتب الرائع

عهد Amsdsei 29-03-11 06:29 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تفاحة فواحة (المشاركة 2691928)
مشكوره اختي وبنتظار الفصول الاخرى للكاتب الرائع


السلام عليكم

العفو أختــــــــــــــي

و يارب تستمتعي معانـــــــــــا بأحدى روائعه

عهد Amsdsei 29-03-11 07:29 PM

السلام عليكم

الثورة.. لقاء

صمت ثقيل ذلك الذي خيّم على مائدة المجموعة في ذلك الكافيه..
كان قد مضى ما يزيد قليلاً على الشهر، منذ تم الإفراج عنهم، وتوعّدهم بإعادة إلقاء القبض عليهم، لو عاودوا ما فعلوه..

ولم يدرِ أحدهم ما يفترض أن يفعله أي مواطن، يرغب في معرفة حقوقه وواجباته، في الوطن الذي ينتمي إليه..
درسوا الدستور..

ولكن يبدو أن نظم الأمن ترى أن دراسة الدستور جريمة، لا بد وأن يعاقب مرتكبها أشد العقاب، حتى لا يعود إليها مرة أخرى..

وكل منهم لن يستطيع نسيان ذلك العقاب، ما بقي له من العمر..

صحيح أنهم، بعد انقطاع طويل، قرّروا اللقاء مرة أخرى؛ لعل هذا يغسل عنهم بعض الأحزان والمرارة والألم.. ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث..

لقد التقوا، بعد صراع طويل مع أسرهم، التي كانت ترتجف من مجرد تجاوزهم لأبواب منازلهم، بعد فترة الرعب القاسية التي عاشوها، والتي لم تلتئم جروحها بعد، ولكن اللقاء لم يكن كالسابق أبداً..
ولا حتى يشبهه..

كل منهم صافح الآخرين في فتور، وهو يتحاشى النظر إلى وجوههم، وكأنما يحمل كل واحد عارا في أعماقه، يخشى أن تكشف عنه عيونه..

ولنصف ساعة أو يزيد، جلسوا حول المائدة صامتين، لا يجرؤ أحدهم على النظر إلى الآخر، حتى أن ناجي، صاحب المقهى، شعر بالإشفاق عليهم، وهم الذين كانت مائدتهم تملأ المكان صخباً، ويتردّد فيه صدى ضحكاتهم..

حتى علياء، اتخذت مقعداً بعيداً عن خالد، وكأنما تخشى مجرّد الاقتراب منه..
ولكن داخل خالد، كان هناك بركان يغلي..

بركان جعله يقطع حبل الصمت الثقيل، وهو يقول في حزم مباغت:
- سامي..استبدل مقعدك مع علياء.

لم يكن الحزم والصرامة من سماته، لذا فقد شعر الجميع بالدهشة، ولكن سامي أطاعه على الفور، في حين تردّدت علياء لحظة، ثم انتقلت إلى جواره، وشيء ما في أعماقها يرتجف، ولكنها ما إن استقرت على مقعدها، حتى أحاط خالد كفّها براحته، وكأنه يعلن أن مشاعره نحوها ما زالت كما هي، وتطلّع إلى الجميع مباشرة، في جرأة عجيبة، تتنافى مع شخصيته الهادئة التي اعتادها، وقال في حزم:
- أين توقفنا آخر مرة؟!

نظروا إليه جميعاً في دهشة، وغمغم فتحي في قلق:
- ماذا تعني؟!

بدا صوت خالد جريئاً قوياً، وهو يقول:
- أظننا كنا نتحدّث عن ضرورة دراسة دستور بلادنا.

امتقع وجه علياء، وبدا التوتر على الآخرين، وتساءلت نهى في خفوت، وهي تتلّفت حولها في حذر:
- هل سنعاود التحدّث في هذا الأمر؟!

انعقد حاجباه، وهو يقول في حزم:
- وهل سيمنعنا أمن مسعور من معرفة حقوقنا؟!

اعتدل علاء، وهو يقول:
- حقّ التعبير مكفول للجميع.

أضاف أحمد في حماس محدود:
- في حدود القانون.

تدخّل تامر، قائلاً:
- هنا تكمن اللعبة.. يمنحونك حق التعبير، ثم يسنّون، من خلال مجالس نيابية مشبوهة، ما يعوقك عن هذا من قوانين تعسّفية.

شد فتحي قامته، وهو يشاركهم حماسهم، قائلاً:
- وهذه نقطة تحتاج إلى تعديل.

أضاف سامي:
- نقاط عديدة تحتاج إلى تعديل.

ضحكت علياء ضحكة قصيرة، وقالت في حماس، ولّدته داخلها يد خالد الدافئة، التي تحيط بكفّها:
- أتظنونهم يلقون القبض علينا مرة أخرى، لو طلبنا إجراء هذه التعديلات؟!

هزّت نهى كتفيها، وقالت في مرح:
- وماذا في هذا؟! لقد صرنا خبراء فيما يفعلونه؟!

انطلقت ضحكاتهم مرة أخرى في المكان، على نحو أثار دهشة ناجي، فأرهف سمعه نحوهم، وخالد يقول في حماس:
- المجموعات التي تكّونت على فيس بوك، حول جريمة قتل خالد سعيد، بلغت ما يقارب نصف المليون.

قالت علياء في حماس:
- إنهم يدعون لمظاهرة سلمية، يوم الخامس والعشرين من يناير القادم؛ احتجاجاً على معاملة الأمن للمواطنين، وعلى تجاوزات النظام في حقنا.

قال فتحي في اهتمام:
- الخامس والعشرين من يناير هو عيد الشرطة.

أجابه سامي في حماس:
- وهذا هو المقصود.

أكمل تامر:
- إنه اعتراض على تكريم الشرطة التي تنكّل بنا.

هتف علاء:
- فكرة رائعة.

وأضاف أحمد في حزم:
- سننضم جميعاً للتظاهرة.. أليس كذلك؟!

هتفت نهى، في حماس كبير:
- بالتأكّيد.

ظهر ناجي بينهم فجأة، وهو يقول في صوت خافت، ولهجة مذعورة متضرّعة:
- أستاذ خالد.. أرجوك.. أرجوكم يا شباب.. لا داعي لمثل هذه الأحاديث هنا.

التفتوا إليه جميعاً، في نظرة مستهجنة، وسأله فتحي:
- هل تشعر بالخوف يا أستاذ ناجي؟!

ارتجف صوت ناجي، وهو يقول:
- بالتأكّيد.. إنه أكل عيشي.. وأنتم لا تعرفون هؤلاء القوم جيداً.. إنهم يستطيعون إغلاق المكان، بألف حجة وحجة.. ولديهم دوماً قوانين تسمح بهذا.

مال سامي نحوه، وقال في لهجة متحدية:
- وما قولك، لو أخبرناك أننا لم نعد نبالي بهم؟!

أجابه في عصبية:
- هذا شأنكم؛ فكل منكم ما زال يتقاضى مصروفاً من أهله، أما أنا فهذا رزقي.

كان يبدو بائساً، حتى إنهم تبادلوا نظرة صامتة مشفقة، قبل أن تغمغم علياء:
- لا أحد، سوى الله سبحانه وتعالى، يستطيع انتزاع رزقك يا أستاذ ناجي.

التفت إليها بنظرة بائسة، دون أن ينطق بحرف واحد، فتبادل الجميع نظرة أخرى صامتة، ثم مال خالد، قائلاً في صوت خافت:
- ما رأيك لو تحدثنا بصوت خافت؟!

ارتجف صوت ناجي، وهو يهمس، ويتلّفت حوله في خوف:
- لهم آذان تسمع دبيب النمل.

نهض علاء، قائلاً:
- سنغادر إذن.

لم يعترض ناجي هذه المرة، وإنما واصل التلفّت حوله في توتر شديد، فنهضوا جميعاً، وسددوا ثمن ما تناولوه، ثم غادروا المكان..

وعند سيارة كبيرة أمامه توقفوا، وقال خالد:
- يبدو أنه علينا أن نبحث عن مكان آخر.

أجابته نهى:
- لست أظن هذا يصنع فارقاً.

هزّ أحمد كتفيه، وقال:
- سيخافون مثلما خاف ناجي.

بدا علاء غاضباً، وهو يقول:
- إنه نظام قمعي عفن.

نقل سامي بصره بينهم، ثم قال في تردّد:
- عندما كنا هناك، أخبروني أمراً أخشى الإفصاح عنه.

اندفعت نهى تقول:
- أنه لديهم جاسوس بيننا.

هتف فتحي:
- لقد أخبروني بهذا أيضا.

تردّد تامر، قبل أن يقول في خفوت:
- لقد أخبرني قائد حرس الجامعة بهذا، عندما أراد...

بتر عبارته دفعة واحدة، فسأله خالد في حزم:
- عندما أراد تجنيدك.. أليس كذلك؟!

أومأ تامر برأسه إيجاباً في صمت، فاعتدل خالد، وقال في حزم:
- أسلوب استعماري بغيض.. إنه يحاول زرع بذرة شك في أعماقك، تجاه كل واحد منا.

قالت علياء في تفكير:
- ويريده أن ينقل إليه دوماً الحقيقة كاملة، خشية أن يكون هناك آخر بيننا، ينقلها إليه.

أجابها تامر في سرعة:
- ولكنني لم أشك لحظة في أنه كاذب.

ابتسم سامي في ثقة، وقال:
- لم يتوقعوا أننا مترابطون إلى هذا الحد، وأن كلا منا يثق في الآخرين ثقة مطلقة.

غمغم فتحي:
- أمور كثيرة لم يتوقعوها.

تمتم علاء في مقت:
- الثورة.

التقط أحمد نفساً عميقاً، وأجاب في حزم:
- يوم عيد الشرطة.

ولم ينطق أحدهم بعدها حرفاً واحداً..

قط.

يتبع

عهد Amsdsei 29-03-11 07:51 PM

السلام عليكم

أعتــــــــــقد أن القــــصة الآن بدأت تدخل بالواقع بشكل واضح جدا

تابعوا معانا الدكتور نبيل فاروق ........... و كيف سوف يصوغ حكاية تناقلتها الملايين

و البدايـــــــــــــــة كانت في 25 يناير

قاسم حيدر 31-03-11 02:58 PM

هذا العمل العظيم ليست قصه روايه بهى اول تدوين للثورة ويبقى مصر دائما البلد صاحب المعجزات والانجازات بلد لايمكن ان يخلو يوم من ثمات البطولة ورجوله وشجاعه وكذلك لايمكن ان يخلو من مبدعين وكتاب هى بحق ام الدنيا

عهد Amsdsei 31-03-11 04:18 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قاسم حيدر (المشاركة 2695256)
هذا العمل العظيم ليست قصه روايه بهى اول تدوين للثورة ويبقى مصر دائما البلد صاحب المعجزات والانجازات بلد لايمكن ان يخلو يوم من ثمات البطولة ورجوله وشجاعه وكذلك لايمكن ان يخلو من مبدعين وكتاب هى بحق ام الدنيا



السلام عليكم

كلامكـ صحيح أخـــــــــي

بالفعل مصـــــر أم الدنيــــا

و لا يستطيع أحد أن ينكر أن مصـــــــــر تمتلكـ أبطال يحتدى بهم

و أن شعبهــــــا المناضل خرج منه أبطال نعرفهم

و منها خرج أدباء و كتّاب مبدعون مثل الدكتور نبيل و غيره كثيرون

شكراً لكـ أخــــــــــــي ....... و تابع معنـــــــــــــا


عهد Amsdsei 31-03-11 05:48 PM

السلام عليكم

الثورة.. فيس بوك

اندفعت والدة خالد نحو الهاتف، الذي ارتفع رنينه، وهي تهتف بابنها:
- أنا سأجيب.

لم يتحرّك خالد من أمام الكمبيوتر، وهي تلتقط السماعة، لتسمع صوت والدة سامي تقول:
- كل عام وأنتِ بخير.

علت شفتاها ابتسامة فرحة، وهي تقول:
- وأنتِ بخير.. كيف حالك؟!

لم تكن بينهما أية معرفة قديمة، ولكن المحنة التي خاضتاها معاً، ومع أسر باقي المجموعة، إبان اعتقالهم، جمعت بين معظمهم بروابط جديدة، لم يتصوّروا أنها ما زالت موجودة في المجتمع..
روابط أعادت إلى حياتهم التزاور والألفة وتبادل التهنئة والسؤال في المناسبات، وعلى نحو دوري..

ولقد بدت والدة سامي شديدة الارتياح، وهي تقول:
- عام جديد سعيد.. أتعشّم أن يحمل لنا الكثير من الخير.

أجابتها والدة خالد في أمل:
- يا رب.

ثم خفضت صوتها، واختلست نظرة إلى ابنها، هامسة:
- كيف الحال عندك؟! خالد لم يعد يفارق المنزل كثيراً.. إنه يقضي معظم وقته أمام الكمبيوتر.

أجابتها والدة سامي:
- هداه الله سبحانه وتعالى.. سامي أيضا كذلك.. وأم نهى تقول إنها تقضي معظم وقتها في التطلّع إلى الشاشة، وصوت أصابعها وهي تنقر مفاتيح لوحة الحروف لا يتوقف تقريباً.

حمل صوت والدة خالد حماسها، على الرغم من انخفاضه، وهي تقول:
- أم علياء تقول الشيء نفسه، وكذلك أم فتحي.. ربما عاد الأولاد إلى صوابهم، وقررّوا الانصراف عن السياسة ومشكلاتها.

غمغمت والدة سامي:
- كم أتعشم هذا.

ثم عادت تسألها في اهتمام:
- أين قضيت ليلة رأس السنة؟!

ضحكت والدة خالد، وعاد صوتها يرتفع، وهي تجيب:
- في المنزل.. "بطانية بارتي" كما نسميها.

بلغت الكلمات مسامع خالد، ولكنه لم يبالِ بها كثيرا، مع انشغاله بصفحات فيس بوك، التي تنظم تظاهرات الخامس والعشرين من يناير..
كان شديد الاهتمام بالأمر، يمتلئ ثقة في أنه سيصنع علامة فارقة في تاريخ هذا البلد..

على الأقل من الناحية الإعلامية العالمية؛ لأن الإعلام المصري، الذي ما زال يحيا بفكر الستينيات العقيم، سيتجاهل هذا تماماً، إن لم يسع لتسفيهه والتقليص من حجمه..
والرمز هنا شديد الوضوح والتعبير..

سيخرج الشباب للشرطة في عيدها، يعلن رفضه لأساليبها القمعية، وفي مظاهرة سلمية تماماً..
مظاهرها لا تمنحهم تبريراً واحداً لاتخاذ أية إجراءات تعسفية ضدهم..

وهنا تكمن روعة الأمر.. تظاهرة سلمية، شاملة، عالمية المشهد، واضحة الهدف، حضارية الأسلوب والمنهج..
شيء لم يعتده الأمن في مصر.. أبداً..

في نفس اللحظات التي دار فيها هذا في خلده، كان صفوت يعقد حاجبيه في غضب، وهو يهتف بزوجته نيفين، التي جلست في اهتمام شديد، تعمل على اللاب توب الخاص بها:
- ماذا تفعلين بالضبط؟!

أجابته، دون حتى أن تلتفت إليه:
- فيس بوك.

بدا أكثر غضباً، وهو يتجه نحوها، قائلاً:
- ألن تتوقفي أبداً عن هذا العبث الطفولي؟!

قالت، مواصلة إصرارها على عدم الالتفات إليه:
- هذا العبث وسيلة تواصل اجتماعية معروفة، وتعد أغلى مواقع شبكة الإنترنت، وأكثرها قيمة.

أغلق شاشة الجهاز في حدة، وهو يقول في غضب شديد:
- وماذا عن التواصل الاجتماعي مع زوجك؟!

كظمت غيظها، وضمت شفتيها لحظات في غضب، قبل أن تلتفت إليه، قائلة في برود واضح:
- ماذا تريد بالضبط؟!

أجابها في حدة:
- ما يريده كل زوج، عندما يعود إلى منزله، بعد ست وثلاثين ساعة خارجه.

نهضت قائلة:
- سأعدّ لك الطعام.

أمسك ذراعها، وهو يقول في عصبية:
- لم أعنِ الطعام فقط.

التفتت إليه في حدة، وأزاحت يده في حركة عصبية، قائلة:
- وأنا عنيت الطعام فقط.

احتقن وجهه، وامتلأ بالغضب، وهو يقول، محاولاً استعراض قوته:
- يقولون: إنني سأحصل على ترقية، في عيد الشرطة القادم.

ابتسمت ابتسامة ساخرة، وهي تغمغم:
- وهل تعتقد أنه سيكون هناك عيد شرطة هذا العام؟!

أجابها في عصبية:
- ولماذا لا يكون؟! إنه عيد سنوي!

بدأت في نقل الأطباق إلى المائدة، وهي تقول:
- هذا لأنك لا تتابع فيس بوك.

احتقن وجهه مرة أخرى، وقال في حدة:
- لو أنك تعنين هؤلاء العيال، الذين يدعون لمظاهرة يوم عيد الشرطة، فأمرهم لا يعنينا.

قالت في سخرية:
- حقاً؟!!

تصاعدت حدّته مع سخريتها، وهو يقول:
- إنهم لا يساوون شيئاً.. لقد رصدنا ما يدعون إليه، وحددنا هوياتهم، وسيدفعون الثمن غالياً.

تطلّعت إليه لحظة، حاولت فيها كتمان مقتها، قبل أن تقول:
- وما داموا لا يساوون شيئاً، فأي ثمن تريدونهم أن يدفعوه.

هتف بها في حدة:
- ثمن غبائهم.

رمقته بنظرة ازدراء، وعادت تنقل الأطباق إلى المائدة، ولكنه لم يتوقف عن الحديث حاد اللهجة، وهو يكمل:
- كيف يتصوّر شباب "السيس" هؤلاء أن موقعاً على الإنترنت يمكن أن يصنع شيئاً؟!

غمغمت، وهي تضع آخر الأطباق على المائدة:
- عددهم تجاوز ثلاثمائة ألف شخص.

صرخ:
- حتى ولو بلغوا مليوناً.

رمقته بنظرة أخرى، وتركته متجهة نحو اللاب توب، فقال في حدة:
- عددنا يربو على مليوني ضابط وجندي.

التفتت إليه في حدة، قائلة:
- تتحدّث كما لو أن الشرطة في حرب مع الشعب.

أجاب في عصبية غاضبة:
- إنها كذلك.

ارتفع حاجباها في دهشة بالغة، وعادا ينعقدان وهي تقول في حنق:
- المفترض أن الشرطة في خدمة الشعب.

أطلق ضحكة عصبية، قائلاً:
- كان هذا فيما مضى.

ثم مال بجسده نحوها، مضيفا في تحدّ عصبي:
- نحن أسياد هذا الشعب، فكيف يخدم السيد عبده؟!

عاد حاجباها يرتفعان، في دهشة مستنكرة هذه المرة، ثم عادا يلتقيان في مقت، أطل من عينيها، قبل أن تشيح بوجهها عنه، وتلتقط اللاب توب مرة أخرى، فزمجر قائلاً في شراسة:
- ألن تتناولي الطعام معي؟!

أجابته، وهي تفتح اللاب توب، وتعمل على الاتصال بشبكة الإنترنت:
- لست جائعة.

أطلّت من عينيه نظرة غضب حانقة، قبل أن يقول في صرامة:
- اجلسي معي فحسب.

هزّت كتفيها، وهي تتمتم، دون أن تلتفت إليه:
- ولماذا؟!

صرخ في هستيريا:
- لأنني زوجك، وآمرك بهذا.

هتفت مستنكرة:
- تأمرني؟!

ثم تراجعت، مضيفة في سخرية:
- من الواضح أنكم تستحقونها.

سألها في عصبية:
- ما هذه؟!

أجابته في حزم:
- الثورة..

واحتقن وجهه أكثر..
وبشدة؟

يُتبَع

عهد Amsdsei 03-04-11 08:17 PM

السلام عليكم

الثورة.. السبب


شدّ نشأت باشا قامته، وعدّل من هندامه، وهو يقف أمام مكتب وزير الداخلية، في انتظار السماح له بالدخول، وأمسك ذلك الملفّ الكبير بين يديه في إحكام، وكأنه يخشى أن ينتزعه أحد منه، وهو يعيد حفظ كل العبارات في رأسه، استعداداً لمقابلة الوزير..

لم يكن يدري لماذا تم استدعاؤه بالضبط، ولكنه علم من مدير مكتب الوزير أنه هناك حالة طوارئ مزمع إعلانها، في غضون الأيام القادمة؛ تحسباً لقيام تظاهرات محدودة، في قلب القاهرة..

ولهذا، فقد راجع خططه كلها، وهو يقف أمام مكتب الوزير..

كان قد اشترك مع عدد من قيادات الداخلية، في وضع ما أسموه بخطة تأمين الانتقال، وهي تلك الخطة، التي استعدت بها وزارة الداخلية؛ لتأمين انتقال السلطة إلى الابن، عندما يرفض الشعب فكرة التوريث، ويخرج في مظاهرات غاضبة..

ولقد راجع الخطوات كلها في سرعة..
انسحاب الأمن..
إطلاق المساجين من السجون...
حرق أقسام الشرطة..
نشر البلطجية في كل مكان؛ لترويع الآمنين، وإحداث حالة من الانفلات الأمني، تدفع الشعب إلى قبول فكرة التوريث، واستبدال الحرية والديمقراطية بشعور الأمن والأمان..
خطة شيطانية محكمة، تم إعدادها بمنتهى الدقة؛ لضمان اعتلاء الابن عرش الأب..
وربما يستدعيه الوزير؛ لتطوير هذه الخطة على نحو ما..
ربما..

دعاه مدير المكتب إلى الدخول، فتأكّد مرة أخرى من حسن هندامه، ودخل إلى مكتب الوزير، الذي استقبله بلهجة جافة، قائلاً:
- أهلاً يا نشأت..

أدى نشأت تحية عسكرية مفرطة في الاحترام، وهو يقول:
- في خدمة جنابك.

رمقه الوزير بنظرة سريعة، قبل أن يسأله في صرامة:
- هل استعددت للمظاهرات القادمة؟!

رفع نشأت الملف الضخم، وهو يقول:
- لقد راجعت خطة تأمين الانتقال مرتين قبل أن...

قاطعه الوزير، فيما يشبه الزمجرة:
- لم أقصد تلك الخطة.

ثم حمل صوته رنة غضب، وهو يضيف:
- ألم تقرأ التقارير التي وصلتني من إدارتك، حول المظاهرات المزمع انطلاقها يوم عيد الشرطة؟!

شعر نشأت بالدهشة لحظات، ثم قال:
- لا تقلق نفسك بهذا يا سيادة الباشا الوزير.. إنهم جماعة من شباب الفيس بوك، يسعون لدسّ أنفسهم في المشهد السياسي، ويمكننا السيطرة على الأمر تماماً.

سأله الوزير في غضب:
- أيعني هذا أنكم لم تسيطروا عليه بعد؟!

بدت دهشة واضحة، على وجه نشأت، وهو يغمغم:
- إنه لم يبدأ بعد.

قال الوزير، في صرامة غاضبة:
- ولكن من يدعون إليه معروفون، والقسم الفني حدّد هوياتهم وأماكن تواجدهم، فماذا ينقصكم.

صمت نشأت لحظة، ثم تمتم:
- اعتقالهم.

رفع الوزير عينيه إليه، تحملان مزيجاً من الغضب والصرامة والقسوة، وهو يقول:
- ماذا تفعل هنا إذن؟!

استوعب نشأت ما يعنيه هذا على الفور، فأدى التحية العسكرية في قوة، وهو يقول:
- أوامر جنابك.

بدأ عقله في وضع خطة سريعة، قبل حتى أن يغادر مبنى الوزارة، ولم يكد يضع نفسه في السيارة، حتى طلب رقم صفوت، وقال في صرامة، كانت مختفية تماماً عندما كان يرتجف أمام الوزير:
- صفوت.. لقد أرسلوا إليك قائمة بأسماء الأولاد، الذين يدعون لتظاهرات عيد الشرطة.. أليس كذلك؟!

صمت لحظات؛ ليسمع جواب صفوت، ثم قال في صرامة أكثر:
- اعتقلهم جميعاً.

لم ينتظر حتى يسمع جوابه هذه المرة، وإنما أنهى المحادثة مباشرة، وهو يتصوّر أنه بهذا قد أغلق الملف..
تماماً..

في نفس اللحظة، كانت هناك سيارة تتوقّف، في منطقة نائية، في أطراف القاهرة، ويميل أحد ركّابها على الدكتور عبد الله، الذي يجلس محتقن الوجه داخلها، يجترّ آلام تعذيب وحشيّ، دام لأسابيع، وقال في صرامة:
- لو تحدّثت بكلمة واحدة عما حدث، سنعيدك إلينا، وفي هذه المرة سنتركك في الطريق عارياً تماماً، وستملأ صورك كل الصحف، وصفحات الإنترنت... هل تفهم؟!

لم يُجبْه الدكتور عبد الله بحرف واحد، ففتح صاحب اللّهجة الصارمة باب السيّارة، وهو يواصل، ربما في صرامة أكثر:
- فلتحمد الله أنّك ستحتفظ بملابسك هذه المرة.

واصل الدكتور عبد الله صمته، وهو يغادر السيارة، ووقف متوتراً، وهو يشاهدها تبتعد، قبل أن يغمغم في مقت:
- الله العليّ القدير، الذي تريد مني أن أحمده، لا تدري أنت ونظامك الفاسد شيئاً عنه، فهو مع رحمته الواسعة، المعزّ المذلّ، الواحد القهّار، المنتقم الجبار.

غمغم بها، ثم تحسّس جيوبه، وهو يلقي نظرة على الطريق أمامه..

لقد تركوه في منطقة منعزلة تماماً، تبدو منها منازل على مسافة بعيدة، وسط طريق زراعية، بعيدة عن العمران، ولم يتركوا له قرشاً واحداً في جيوبه..

وكان هذا يعني أنّ عليه أن يسير..
وأن يحتمل..

ولكن مهما كان ما سيحتمله، فإنّه لن يقارَن بالعذاب الذي أذاقوه إيّاه هناك، في خبرة وحشية، تضمن القدر الأكبر من الألم، والقدر النادر من آثاره..

ومع نفس عميق، ملأ به صدره بهواء الحرية، بدأ سيره..
لم يخبره أحد أبداً لماذا ألقوا القبض عليه، ولكن كل أسئلتهم كانت تدور حول تنظيم الإخوان المسلمين..

سألوه عن قياداتهم، وخططهم المستقبلية، ومصادر تمويلهم، و... و...

وعبثاً حاول أن يقنعهم بأنه لا ينتمي إلى هذا التنظيم، ولكنّ أحداً لم يستمع إليه، وإنما رأوا فقط لحيته، ومن وجهة نظرهم كان وجود اللّحية يعني أنه حتماً عضو في تنظيم الإخوان المسلمين..
عقول قديمة متحجّرة، وحشيّة، تمتزج بقلوب خلت من الرحمة، ومن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وحسابه العسير يوم القيامة..

ولم يكن أمامه، والحال هكذا، سوى أن يصبر.. ويحتمل..
ولقد فعل..

أسابيع وهو يتعّرض لتعذيب، لم يتخيّل حتى وجوده، حتى انهار تماماً، وأيقن معذبوه أنه ليس لديه بالفعل ما يمكن انتزاعه منه..

وهنا.. هنا فقط توّقفوا..
ولأنهم اعتقلوه على نحو غير قانوني، كان لا بد وأن يفلتوه على نحو غير قانوني أيضا.. وهذا ما فعلوه..

استمر في سيره لساعتين كاملتين، دون أن يبلغ تلك المنازل، وإن كانت قد اقتربت كثيراً، وعجزت ساقاه عن المواصلة، مع الضعف الذي يشعر به، بعد أسابيع من التعذيب، فلم يجد ما يجلس عليه سوى الأرض، ففعل، و...
" دكتور عبد الله؟!"..

سمع تلك الصيحة المندهشة، فرفع عينيه إلى صاحبها، الذي بدا وجهه مألوفاً إلى حد ما، والذي اندفع نحوه، هاتفاً في انزعاج:
- لماذا تجلس على الأرض هنا؟!

سأله الدكتور عبد الله في دهشة، دون أن يجيب سؤاله:
- من أنت؟! ومن أين أتيت؟!

أشار القادم إلى فيلا صغيرة، أخفتها أعشاب عشوائية قريبة، وهو يقول بنفس الانزعاج:
- هذه فيلا والدي، ولقد لمحتك من الشرفة، وراعني أنك كنت تسير مترنحاً، فهبطت لأجدك تجلس أرضاً.

مد يده يساعده على النهوض، وهو يكمل:
- دعني أستضيفك قليلاً.. تبدو مرهقاً.

التقط الدكتور عبد الله يده، ونهض في صعوبة، وهو يغمغم:
- إنك لم تجب سؤالي الأول.

حاول الرجل أن يبتسم، وهو يجيب:
- اسمي أيمن، وأنا أحد تلامذتك القدامى بعض الشيء، فقد تخرجت منذ عشرة أعوام.

تحامل الدكتور عبد الله على نفسه، وهو يسير معه، مغمغماً:
- تلميذي؟! أيمكن أن تبلغ المصادفة هذا الحد؟!

ابتسم أيمن، وهو يقول:
- لا توجد مصادفات في الحياة يا دكتور.. كل شيء يحدث لسبب ما.. صدقني.. لكل شيء سبب.
غمغم الدكتور عبد الله:

- بالتأكَّيد..
ولكن عقله كان يتساءل: ترى ما هو السبب هذه المرة؟!
ما هو؟!

يُتبَع

عهد Amsdsei 05-04-11 01:39 PM

السلام عليكم

الثورة.. الإخوان

ابتسامة ثقة كبيرة ارتسمت على شفتي الوريث، وهو يقف مزهوًّا كالطاووس في بهو المقر الرئيسي للحزب الوطني، والكل يصطفّ أمامه لتقديم فروض الولاء والطاعة؛ باعتباره من سيرث العرش بعد رحيل والده الذي جثم على أنفاس شعبه لثلاثة عقود طويلة، بدت لشدة ظلامها أشبه بثلاثة قرون..

وطوال الوقت راحت مصابيح التصوير تسطع في المكان، والعدسات كلها مركَّزة على الوريث الذي صار في نظر العديدين هو الحاكم الفعلي للدولة، ومن خلفه أمُه التي تسعى في استماتة خلف نظرية توريث الحكم، حتى تضمن استمرار مكانتها وقدرتها على بسط سطوتها ونفوذها على المجتمع كله..

كان الأسد العجوز قد فقد سيطرته الفعلية على البلاد، وصار الشبل هو حاكمها الفعلي من خلال لجنة سياساته التي صارت أقوى من أية حكومة ظاهرية، ومن خلف الستار كانت اللبؤة تقود الشبل وتُنمّي فيه روح التمَّرد والرغبة في اعتلاء العرش، يعاونها في هذا مجموعة من المنتفعين والمرائين والمنافقين والفاسدين، الذين رأوا في توريث العرش الضمانة الوحيدة لعدم انكشاف أمرهم، واستمرار فسادهم، وانعدام فرصة محاسبتهم..

ووسط مصابيح التصوير التي تألقت في المكان؛ اقترب صحافي شاب من الوريث وألقى عليه مجموعة من الأسئلة التقليدية، أجاب عنها في تعالٍ موروث.. حتى سأله الصحافي في اهتمام:
- وما تعليقك على تلك الدعوة لمظاهرة عيد الشرطة، والتي يتم الحشد لها عبر موقع فيس بوك؟

ارتسمت على شفتي الوريث ابتسامة ساخرة، والتفت إلى شخص خلفه قائلاً في استخفاف:
- أجبه أنتَ يا حسين..
ولم يجب حسين..
ولم يجب الوريث..
وبقي الأمر بلا جواب منهما..
حتى هذه اللحظة..

"لستُ أدري في الواقع شيئًا عن تلك التظاهرة"..
غمغم الدكتور عبد الله بالعبارة في حذر؛ فابتسم أيمن وقال في هدوء:
- سأشرح لك الأمر كله بعد ان تنتهي من رواية قصتك.

تردَّد الدكتور عبد الله لحظة أخرى ثم قال:
- الفترة التي تلت ذلك كانت تسير على منوال واحد.. استجواب وتعذيب، ثم استجواب، وهكذا.. لم أكن أصدق نفسي أن هؤلاء بشرٌ تجري في عروقهم دماء كدمائنا، ولهم مشاعر كسائر بني آدم.

تمتم أيمن دون أن يفقد ابتسامته:
- ربما لأنها تجربتك الأولى.

هتف الدكتور عبد الله في توتر:
- والأخيرة.

اتسعت ابتسامة أيمن وهو يقول بنفس الهدوء:
- أتعشَّم هذا.

أسند الدكتور عبد الله ظهره إلى مسند مقعده، وأطلق زفرة طويلة وهو يقول:
- سأتحاشى تكرارها بكل وسيلة ممكنة.. سأتجنب السياسة تمامًا حتى في المقاهي.

مال أيمن نحوه وقال هادئًا:
- إنك لم تكن تمارسها، ولكنهم فعلوا بك هذا.

هتف الدكتور عبد الله:
- تصوَّروا بسبب لحيتي أنني عضو في تنظيم الإخوان المسلمين، وسخروا مني عندما أقسمت لهم أنني لا أنتمي إليه، وكان دليلهم الوحيد على هذا هو أنني أحرص على أداء صلاة الفجر في المسجد يوميًا!

قال أيمن في هدوء:
- هكذا هم.

همَّ الدكتور عبد الله بقول شيءٍ ما، ولكن زوجة أيمن دخلت في هذه اللحظة ووجهها يحمل ابتسامة هادئة تشبه ابتسامة هذا الأخير كثيرًا، ووضعت صينية تحمل كوبين من الشاي أمامهما قبل أن تنصرف ويغمغم هو خلفها في حرج:
- الواقع أنك وزوجتك قد فعلتما الكثير من أجلي.. الغذاء والرعاية والآن أكواب الشاي برائحة النعناع المنعشة.. لست أدري في الواقع كيف أرد لكما هذا الجميل؟!

ربَّت أيمن على كفه قائلاً:
- ليس من الضروري أن ترده لنا.. رده لأي شخص يحتاج إلى معاونتك فحسب.

أجابه في حماس:
- ثق بأنني سأفعل.

وارتشف رشفة من كوب الشاي أغلق عينيه بعدها في استمتاع، ثم فتحهما ليقول في حزم مباغت:
- المهم أنني لست بالفعل من الإخوان المسلمين.

ابتسم أيمن ابتسامة واسعة وقال:
- أنا منهم.

اتسعت عينا الدكتور عبد الله وحدَّق فيه في دهشة قبل أن يقول مرتبكًا:
- ولكن زوجتك..

لم يستطع إكمال العبارة فأكملها أيمن في هدوء:
- ليست منقبة.. أليس كذلك؟!

أومأ الدكتور عبد الله برأسه إيجابًا في حذر؛ فاتسعت ابتسامة أيمن وهو يقول:
- لك كل العذر في هذا، فقد حرص النظام عن عمد على أن تختلط صورة الإخوان بالجماعات السلفية طوال ثلاثة عقود من الزمان، على الرغم من أنهما جهتان منفصلتان تمامًا وربما متعارضتان أيضًا في كثير من النقاط.

سأله في اهتمام:
- مثل ماذا؟!

أجابه في هدوء:
- يكمن الاختلاف الرئيسي في أن جماعة الإخوان المسلمين تواكب العصر دومًا، مع التزامها بتعاليم الدين الحنيف؛ فتتطوَّر مع تطوَّر الحياة من حولها وتندمج معها في هدوء دون الإخلال بأسس الدين. أما الجماعات السلفية فهي ترفض وبإصرار الخروج من فكر الأسلاف.. ومن هنا كان اسمها، وهي ترفض الانخراط في الحياة العادية، وتصر دومًا على أن الفكر قد توَّقف عند أربع عشرة قرن هجرية مضت، وتحارب أحيانًا أي تطور علمي باعتباره مُروقًا عن سيرة السلف الصالح، على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بأن نعد لهم ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل؛ فكيف نفعل دون أن نفيد بكل علم وكل جديد ونواكب تطورات العصر؟!

بدت دهشة الدكتور عبد الله واضحة في صوته وهو يغمغم:
- لم أفكَّر في هذا من قبل أبداُ.

هـزَّ أيمن كتفيه وقال:
- كثيرون لم يفعلوا.

بدا الأسف على وجه الدكتور عبد الله، فتابع أيمن بنفس هدوئه:
- زوجتي محجبة وليست منقبة -كما ترى- والأمور عندنا ليست مغلقة كما تُصوِّرُنا وسائل إعلام النظام.

غمغم الدكتور عبد الله:
- يطلقون عليكم اسم "المحظورة".
أطلق أيمن ضحكة مرحة قصيرة قبل أن يقول:

- هذا يتناسب مع فكرهم الستينيّاتي الديناصوري، الذي يعجزون عن تطويره ليواكب العصر.. وإعلامُهم خادم مطيع لهم، ويتعامل أيضًا من منظور ديناصوري، متصوِّرًا أنه ما زال يحتل المشهد بنفاقه الزائد عن الحد، وكأنه لا يوجد إعلام حر، ولا توجد سماوات مفتوحة.

غمغم الدكتور عبد الله:
- صدقت!

ثم اعتدل مبتسمًا وهو يضيف:
- إذن فأنت تعني أنهم قد أطلقوا سراحي من تهمة زائفة بأنني أنتمي لجماعة الإخوان المسلمين؛ فاستضافني عضو إخواني في منزله.

ابتسم أيمن قائلاً:
- بالضبط.

أطلق الدكتور عبد الله ضحكة قصيرة وقال:
- هذا يعنى أنهم لو كانوا يراقبوننى فسيتيقنون الآن من صحة ذلك الاتهام.

كرَّر أيمن وابتسامته تتسع:
- بالضبط.

ثم استدرك في اهتمام وهو يشير بسبَّابته:
- ولكن كما أخبرتك؛ لا شيء في الوجود عبثيٌّ.. كل مصادفة لها سببٌ ما قد لا ندركه في حينه، ولكننا سندركه عندما يحين أوانه، وعندئذ سندرك حكمة الخالق عـزَّ وجـلَّ فيما يقودنا إليه.

تمتم الدكتور عبد الله في خشوع:
- ونِعْمَ بالله!

ثم سأل في اهتمام:
- ولكن ما الحكمة من هذه المصادفة في رأيك؟!

تراجع أيمن وبدت ابتسامته غامضة وهو يقول:
- من يدري ؟!

وكان على حق تمامًا..
فمن يدري؟!..
من؟!.

يُتبَع

عهد Amsdsei 07-04-11 05:58 PM

السلام عليكم

الثورة.. الغضب

امتلأت ملامح صفوت بالغضب على نحو يصعب إخفاؤه وهو يجلس أمام نشأت في ذلك المساء، فالتقي حاجبا هذا الأخير وهو يقول:
- ضابط أمن الدولة الناجح لا يكشف انفعالاته على سطح وجهه هكذا.

قال صفوت عاجزاً عن كتمان مشاعره:
- أي نجاح هذا يا باشا؟! لقد بذلت جهداً خرافيّاً طيلة العام الماضي، وانتظرت الترقية التي وعدْتَني بها، وتوقعتُ سماعها بعد خطاب سيادة الرئيس في عيد الشرطة، ثم فوجئت بأن حازم هو من حصل عليها.

قال نشأت في صرامة:
- كان المفترض أن تحصل عليها أنت.

وصمت لحظة ثم مال نحوه مضيفاً:
- ولكن كانت هناك شكاوى عديدة ضدك، بعضها عجزتُ عن تفسيره.

قال صفوت غاضباً:
- المفترض ألا يمنع هذا الترقية.

اعتدل نشأت وهو يقول في صرامة:
- ولكنه فعلها.

انقلبت سحنة صفوت مع انعقاد حاجبيه ومطّ شفتيه؛ فقال رئيسه في صرامة أكثر:
- لسنا في روضة أطفال حتى تتصرَّف على هذا النحو.

قال في عصبية:
- سأتقدَّم باستقالتي.

أجابه نشأت وسط زمجرة غاضبة:
- كفى عبثاً طفولياً، وعُدْ إلى مكتبك!

هتف صفوت مستنكراً:
- ولكن..

قاطعه نشأت بزمجرة أكثر قسوة:
- هذا أمر.

رفع صفوت إليه عينين غاضبتين؛ ولكنه قال في انكسار:
- أمرك يا باشا.

في نفس اللحظة التي غادر فيها الحجرة، كان خالد يقول للمجموعة وهم يقفون عند كورنيش النيل على مقربة من مبنى التليفزيون:
- غداً موعدنا.. الرئيس ألقى خطابه اليوم مشيداً بالشرطة التي عذّبتنا وأهانتنا وأهدرت كرامتنا، ولكننا سنخرج غداً لنخبر العالم كله -بأسلوب سلميٍّ تماماً- أننا نرفض ذلك الأسلوب الذي تتعامل به الشرطة معنا.

التقط علاء نَفَساً عميقاً وقال:
- كم انتظرتُ هذا اليوم في شوق!

تساءلت علياء:
- هل تتصوَّرون أن الشرطة ستسمح باستمرار التظاهرة.

غمغم سامي:
- أظن هذا.. ما دامت سلمية.

قال فتحي في قلق:
- وماذا لو اندسّ فيها بعض المخرّبين؟!

بقي سؤاله بلا جواب وهم يتبادلون نظرة متوترة، قبل أن يقول أحمد:
- سمعتُ أن الشرطة تستعين ببعض البلطجية؛ لكي يهاجموا المواطنين أو يشتبكوا معهم، دون أن يوجد دليل واحد على تبعيّتهم لها.

أجابه تامر في حزم:
- هذا صحيح.. لقد فعلوها في تظاهرات سابقة وفي انتخاباتهم الأخيرة المستفزة.

بدت نهى جادة للغاية وهي تقول:
- هل تعرفون أن لديّ نظرية خاصة في هذا الشأن؟!

سألها خالد:
- وما مضمونها؟!

أجابته في حماس:
- إنها أشبه بنظرية حلة البخار.

ضحك علاء وهو يقول:
- نظرية أنثوية إذن!

قالت في جدية:
- بل نظرية فيزيائية يمكنها أن تنطبق تماماً على الأحوال السياسية في الآونة الأخيرة.

غمغمت علياء في اهتمام، وهي تحتضن كف خالد:
- دعينا نسمعها.

أشارت نهي بسبَّابتها في جدية شديدة وهي تقول:
- حلة البخار هي حلة مغلقة بإحكام، توضع على الموقد، فتتجمع داخلها أبخرة حارة تساعد على سرعة الطهو، وفي أعلاها توجد فتحة رفيعة مهمتها أن تفلت قدراً من البخار الزائد كلما ارتفع ضغطه داخل الحلة تجنّباً لانفجارها.. ولقد كانت صحف المعارضة والقنوات الفضائية غير الحكومية أشبه بتلك الفتحة التأمينية؛ حيث يتزايد بخار الغضب في النفوس بسبب كل ما يحدث من تجاوزات وطغيان وفساد، ثم تأتي صحف المعارضة والقنوات غير الحكومية لتنفث شيئاً من هذا البخار عبر كشفها لبعض بؤر الفساد.

قال فتحي وقد استوعب الأمر:
- ثم جاء النظام وأغلق تلك الفتحة.

أكمل تامر:
- أغلق صحف المعارضة، وأرسل إنذارات للقنوات الفضائية غير الحكومية، وتهديداً ووعيداً وإرهاباً لكل من يحاول التعبير عن رأيه في وضوح.

غمغم أحمد:
- باختصار أغلق الفتحة التأمينية.

هتفت نهى في حماس:
- وهكذا نتّجه إلى النتيجة الحتمية.

هتفت علياء وهي تباعد ذراعيها في انفعال:
- الانفجار.

غمغم خالد في حزم:
- والثورة.

" هذا يقلقني يا خالد .."..
نطقت بها أم خالد في توتر واضح؛ فابتسم محاولاً تهدئتها وهو يربت على كتفها قائلاً في حنان:
إنها العاشرة والنصف فحسب، والشوارع ليست خالية كما تتصوَّرين.

ترقرقت عيناها بالدموع وهي تقول في مرارة:
- ولكنني أقضي الوقت في انتظارك والقلق يكاد يلتهم أعصابي بعد تلك التجربة البغيضة السابقة.

ربت عليها مرة أخرى قائلاً في حنان أكثر:
- عندما جاءوا أتوا مع الفجر وليس في المساء؛ لأنهم مثل الخفافيش لا يرتاحون للعمل في الضوء، ويخشون أن يراهم الناس؛ ففي أعماقهم يدرك كل منهم أنه يقوم بعمل غير مشروع، ويتجاوز كل مواثيق الحقوق والحريات، ولا يمكن فعله على نحو واضح ومباشر.

غمغمت مرتجفة:
- هذا يزيدني خوفاً.

شد قامته وقال في حسم:
- اتركي الأمور لله سبحانه وتعالى، وآمني بقدره مُسبقاً يطمئن قلبك بالإيمان.

غمغمت ودموعها تسيل على وجنتيها:
- ونِعْمَ بالله!

ربت عليها مرة ثالثة ومنحها أكثر ابتسامات الأرض حناناً؛ فمسحت دموعها وحاولت أن تبتسم وهي تقول:
- لا تنسَ أنك ولدي الوحيد، والأمل المتبقي في عمري.

قبّل جبينها مغمغماً:
- منحك اللهُ -عـزًّ وجـلَّ- طولَ البقاء.

غمغمت مبتسمة في شحوب:
- مع الصحة والستر.

ضحك ضحكة قصيرة متمتماً:
- يا رب.

ربت عليها مرة أخيرة، ثم اتجه إلى حجرته، وجلس أمام شاشة الكمبيوتر، وانتقل إلى موقع فيس بوك عبر شبكة الإنترنت، وراح يعمل..
الجميع كانوا هناك..
علياء وسامي و فتحي وعلاء ونهى وتامر وأحمد..

الجميع تشاركوا الصفحة نفسها..
والفكر نفسه..
وجميعهم اتفقوا على الانطلاق غداً (الخامس والعشرين من يناير عام ألفين وأحد عشر) في تظاهرة سلمية تستهدف مطالب ثلاثة..
حرية.. ديمقراطية.. عدالة اجتماعية..
مطالب عادلة شعبية سلمية، طالت لهفة الشعب إليها..

وفي أعماقه وُلد حماس قوي..
حماس للفكرة..
وحماس للأمل..

ومرة أخرى التقط نسخة الدستور، وراح يقرؤها وهو يصرخ في أعمق أعماقِه دون أدنى صوت:
- غداً موعد الحرية.. غداً تصبح حقيقة!

وفي ارتياح غامر ضم إليه نسخة الدستور..
والأمل.


يُتبَع




عهد Amsdsei 11-04-11 07:38 AM

السلام عليكم

الثورة.. الساعات الأخيرة

ارتسمت دهشة حقيقية على وجه نوال زوجة الدكتور عبد الله، عندما شاهدته يجلس أمام شاشة الكمبيوتر، في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وتساءلت في حيرة:
- ما سرّ هذا الاهتمام المفاجئ بالكمبيوتر والإنترنت؟!

أجابها دون أن يلتفت إليها، على خلاف ما اعتاد:
- أتابع استعدادات تظاهرة الرفض.

جلست إلى جواره، وحدّقت في شاشة الكمبيوتر، الذي لا تفهم عنه الكثير، وهي تسأله:
- رفض ماذا؟!

أجاب في اهتمام:
- الشباب قرّروا القيام بتظاهرة كبرى، في يوم عيد الشرطة، يطالبون فيها بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

غمغمت مستنكرة:
- واختاروا عيد الشرطة؟!

ابتسم، مغمغماً:
- هذا هو الهدف.

واصلت التحديق في شاشة الكمبيوتر لحظات، ثم هّزت كتفيها، قائلة:
- الشباب في مصر لا يبالون بمثل هذه الأمور.. إنهم شباب كافيهات.

هزّ رأسه نفياً، وهو يقول:
- هذا ما كنت أتصوّره أيضا، ولكنني أعترف بأنني كنت مخطئاً.

قالت في ثقة، لم يدرِ من أين أتت بها:
- إنه تخطيط إخواني.. سيستغلون الفرصة، ويدفعون الشباب للتظاهر، حتى يقيموا ذلك الحكم الإسلامي، الذي ينادون به.

ابتسم على نحو مشفق، وهو يقول:
- أنت ترددين ما لقنتك إياه وسائل الإعلام الحكومية، لأكثر من ثلاثة عقود، ولكن هذا حتماً غير صحيح.

سألته متحدّية:
- ومن أدراك؟!

أجابها في ثقة:
- الشباب يطالبون بتداول سلطة، وبسقف واضح ومحدود لتولي منصب رئاسة الجمهورية، وبحرية التعبير.

هّزت كتفيها، قائلة:
- وما التعارض في هذا؟!

التفت إليها لأوّل مرة، قائلاً:
- وكيف يمكن لحكم إسلامي أن يتداول السلطة؟! أتظنينه سيسمح بنقل السلطة إلى من يعتبرهم من وجهة نظره كفاراً؟! لو انتقلنا إلى حكم إسلامي فيمكنك نسيان فكرة تداول السلطة والديمقراطية إلى الأبد.

سألته مندهشة:
- وما شأن الديمقراطية؟!

أجابها وكأنه يلقي محاضرة على بعض تلامذته:
- أوّلاً.. هناك عديدون يرفضون فكرة الديمقراطية؛ فقط لأن المصطلح لاتيني قديم، وليس لأنهم يعرفون شيئاً عنها، وثانياً، وهو الأهم، عندما أخالف نظاماً مدنياً، فأنا مصنّف باعتباري معارضاً، ولكن عندما أخالف حكماً إسلامياً، فتصنيفي "كافر".. هل علمت ما الفارق، وما شأن الديمقراطية؟

بدت مبهوتة، وهي تغمغم في خوف:
- إلى هذا الحد؟!

نظر إليها لحظة، ثم التفت إلى الكمبيوتر مرة أخرى، وهو يغمغم:
- ساعات قليلة، ونعرف كل الأجوبة.. بإذن الله.

"هذا ملف جديد"
نطقها وزير الداخلية، في اللحظة نفسها تقريباً، وهو يضع ملفاً صغيراً، على مكتب الوريث، الذي التقطه بابتسامة كبيرة، وهو يسأل:
- مَن هذه المرة؟!

ابتسم وزير الداخلية بدوره، مجيباً:
- أحد رؤساء البعثات الأجنبية.

تصفّح الوريث الملف في سرعة، ثم أغلقه، وهو يقول:
- عظيم.. يتم نقله إلى حجرة الجحيم..

لم يكن المصطلح هزلياً أو مجازياً، وإنما كان بالفعل اسماً لحجرة سرية مصفحة، موجودة أسفل المقر الرئيسي للحزب الوطني، على كورنيش النيل، لا يملك مفاتيح الدخول إليها سوى الوريث، وأمين الحزب الوطني، صاحب التاريخ الطويل في عالم المخابرات ودنيا الفضائح..

وتلك الحجرة تضم آلاف الملفات، والتسجيلات الصوتية والمرئية، لكل مسئول سابق أو حالي في الدولة تقريباً، وكلها تمّت بوسائل غير قانونية على الإطلاق، ولكنها تستهدف وضع كل هؤلاء تحت حالة ابتزاز دائم، تجبرهم إما على إطاعة الأوامر، مهما بلغت من تجاوز، أو على الصمت على الفساد، على أسوأ تقدير..

وتلك الحجرة التي أطلقوا عليها اسم الجحيم كانت تضمّ أيضا تسجيلات وملفات، تدين بعض رؤساء وأفراد البعثات الأجنبية في مصر، ومن لا يتوّرط منهم فيما يمكن أن يشينه كان يتم دفعه إلى ارتكاب هذا، من قبل جهاز خاص جنّد بعض ال****** والمبتذلات فيما أسماه بالسلاح السري الفعاّل؛ لتوريط كبار الشخصيات، وتسجيل تورّطهم، واستخدامه لكسرهم أو قمعهم، إذا ما دعت الظروف إلى هذا..

والوزير كان يعلم بوجود تلك الحجرة، ولكنه لا يملك مفاتيحها..
كل ما كان يربطه بها، هو المهمة التي أوكلت إليه، لملء تلك الحجرة بالوثائق والأسرار، والمستندات الفاضحة، على نحو شبه دائم..

"أظن أن الوقت قد حان لتصعد إلى السلطة"
قالها وزير الداخلية، وهو يرسم على وجهه ابتسامة منافقة، فابتسم الوريث وانتعظ، وفرد ذراعيه عن آخرهما، مستنداً إلى حافة مكتبه، ومتراجعاً في مقعده، وهو يقول في ثقة:
- أظن هذا.. الوالد صحته تتدهور باستمرار، مع ذلك الورم الخبيث، الذي يلتهم أحشاءه، والكل ينتظر وضع اسمي كمرشح للرئاسة، وبديل عنه في الانتخابات القادمة.

قال الوزير في اهتمام:
- ستحظى بتأييد الجميع في الحزب والحكومة.

سأله في قلق:
- هل تعتقد هذا؟!

أومأ الوزير برأسه إيجاباً، وقال:
- وجودك كاستمرار للحكم هو الضمانة الوحيدة لاستمرارهم هم فيما ينهبونه.

بدا الاستنكار على وجه الوريث مع الكلمة الأخيرة، فاستدرك الوزير في سرعة:
- أعني ما تمنّ به عليهم، من خيرات البلد.

عاد الوريث يبتسم وغمز بعينه وهو يقول:
- وحتى لا ينكشف فسادهم.

ضحك الوزير ضحكة قصيرة، وأضاف:
- عندما تنفتح حجرة الجحيم.

مال الوريث نحوه، متسائلاً:
- الكبار يمكن قمعهم، ولكن ماذا عن الشعب؟!

حملت ابتسامة الوزير كل ثقته، وهو يقول:
- اطمئنّ.

ولكن الوريث عاد يقول، في قلق واضح:
- المحللون يقولون: إن هذا قد يؤدي إلى ثورة شعبية.

مطّ الوزير شفتيه، وهزّ كتفيه في لامبالاة، وهو يقول:
- الجميع أكّدوا أن الشعب المصري لا يثور، وليس من عادته أن يثور.. الدكتور مصطفى نفسه أكّد هذا أكثر من مرة.. ربما يخرج بعضهم في تظاهرات كبيرة، ولكننا قادرون على قمع هذا.. ألم نثبت قدرتنا أكثر من مرة.

سأله الوريث، دون أن يفارقه قلقه:
- وماذا لو تفاقم الأمر؟!

اتسعت ابتسامة الوزير، وهو يقول في ثقة أكبر:
- لدينا خطة مضمونة، في هذه الحالة.

سأله في لهفة:
- وما هي؟!

أشار الوزير بذراعيه، وهو يجيب في حماس واثق:
- فوضى أمنية شاملة.

تراجع الوريث في دهشة كبيرة، وهو يردّد مستنكراً:
- فوضى أمنية شاملة؟!

أومأ الوزير برأسه إيجاباً، وهو يبتسم ابتسامة واثقة، فعاد الوريث يميل نحوه، متسائلاً في توتر:
- وكيف يمكن أن يفيد هذا؟!

التقط الوزير نفساً عميقاً، واعتدل قائلاً:
- إذا ما تفاقم الأمر، وبلغت التظاهرات حداً يصعب التعامل معه سنلجأ إلى عدة خطوات أولية، كتفريق المتظاهرين بقنابل الغاز المسيّل للدموع، ومدافع المياه، ثم الانتقال بعدها إلى الرصاص المطاطي، الذي يحدث إصابات فعلية، وآلاما رهيبة.

لم يبدُ الارتياح على وجه الوريث، وهو يسأله:
- وماذا لو افترضنا أن كل هذا قد فشل؟!

انعقد حاجبا الوزير في صرامة، وهو يجيب:
- سنطلق عليهم الرصاص الحي.

لم يبدُ القلق أو الارتياع على وجه الوريث، وهو يسأل في شغف:
- وما علاقة هذا بالفوضى الأمنية الشاملة، التي تحدثت عنها؟!

عاد الوزير يشير بذراعيه، مجيباً:
- إنها خط الدفاع الأخير، فلو بدا من الواضح أن الشرطة ستعجز عن قمع ما يحدث، ستنسحب كلها من الساحة في وقت واحد، في كل مدن الجمهورية، وسيتم حرق الأقسام، وإطلاق البلطجية منها، وفتح السجون، وإخراج كل المسجونين، مما سيؤدي إلى انفلات أمني رهيب، وستبدأ عمليات سلب ونهب، ليس لها من مثيل، وسيصاب المصريون برعب ما بعده رعب، حتى أنهم سيقبلون بأي شخص في السلطة، مقابل أمنهم، الذي ذاقوا نتائج ضياعه.

صمت الوريث لحظات، ثم ابتسم مغمغماً:
- خطة شيطانية.

أومأ الوزير برأسه إيجاباً، مع ابتسامة كبيرة، فمال الوريث نحوه مرة أخرى، متسائلاً، وقد تراجع قلقه كثيراً:
- وماذا عن التظاهرة التي ينتوون عملها بعد ساعات.

اتسعت ابتسامة الوزير، وحملت شيئاً من الاستهتار والثقة، وهو يقول:
- اطمئن.

واطمأن الوريث..
كثيراً.


يُتبَع

عهد Amsdsei 13-04-11 06:04 PM

السلام عليكم

الثورة.. النيران

انزعاج مذعور ارتسم على وجوه كل قيادات النظام تقريباً، بعد أن أثبتت الأحداث أنهم جميعاً كانوا على خطأ، في أن الشعب المصري لا يثور..

انزعاج جعل الوريث يهتف، على نحو هستيري:
- مستحيل! ما يحدث مستحيل! لقد أخبرتمونا أنها ستكون تظاهرة عادية، يمكن السيطرة عليها، ولكن ما أراه الآن يفوق كل تصوّر..

أجابه أمين الحزب، وهو يحاول التظاهر بالتماسك:
- ما زال الأمر تحت السيطرة.. وزير الداخلية هذا.. لقد أصدر أوامره بقمع ما يحدث، أياً كان الثمن.

صاح به الوريث في غضب شديد:
- يقمعها أين؟! وكيف؟! لقد شاهدت على شاشات التليفزيون تظاهرات في كل مدن الجمهورية تقريباً.. القمع أدى إلى نتيجة عكسية، وأثار الشعب أكثر.

بدأ أمين الحزب يفقد أعصابه، وهو يقول:
- ليس الشعب.. إنهم الإخوان المسلمون، و....

قاطعه الوريث في شراسة:
- هذا قول تخدعون به والدي، أنت وعزمي وحبيب؛ لأنه لا يتابع ما يحدث، إلا من خلال تقاريركم، ولكنني على عكسه، أتابع ما يحدث، على شاشات كل القنوات الفضائية.. لقد بدأ الأمر بالإطاحة بإمبراطور الحديد، وهذه خسارة لنا جميعاً، ولست أدري بمن سيضمّون تالياً؛ في محاولة لتهدئة الشارع، الذي لم أشاهده على هذا النحو من قبل قط.

ظهر رئيس الديوان في هذه اللحظة، وهو ممتقع الوجه، يقول في اضطراب:
- فخامة الرئيس أصدر أمراً جديداً.

التفت إليه الاثنان في انزعاج، فتابع، وصوته يضطرب أكثر:
- لقد تم قبول استقالتكما من الحزب.

اتسعت عينا أمين الحزب في ذهول مستنكر، في حين هتف الوريث في غضب وحشي:
- ماذا؟! استقالتي أنا أيضا؟!

أومأ رئيس الديوان برأسه إيجاباً، ووجهه ممتقع، فصرخ الوريث:
- لقد جنّ بالتأكيد.

كان وجه أمين الحزب المعزول محتقناً بشدة، ولكنه غمغم، محاولاً الحفاظ على تماسكه، الذي بدأ ينهار تدريجياً:
- لا تنس أنه والدك، و...

قاطعه الوريث في غضب هادر:
- لسنا هنا في لحظة المشاعر الإنسانية.

ثم انعقد حاجباه في شدة، وهو يضيف في شراسة، منتزعاً هاتفه:
- هذا أمر لا يمكن السكوت عليه.. لا بد وأن يفعل وزير الداخلية شيئاً... أي شيء.

غمغم أمين الحزب المخلوع:
- لديه خطة.

لم يكمل حديثه؛ لأن الوريث بدأ يتحدث مع وزير الداخلية، وهو يصرخ فيه في غضب:
- الأمور تفلت يا وزير.

بدا صوت الوزير شديد التوتر، وهو يقول:
- سنبدأ على الفور تنفيذ خطة الطوارئ، التي كنا ندّخرها لغضبة التوريث.. لقد استدعيت القناصة، وأصدرت أوامري بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

صرخ فيه الوريث، قبل أن ينهي المحادثة في عنف:
- استخدم قاذفات اللهب لو استدعى الأمر.. أحرِقهم جميعاً عن بكرة أبيهم، قبل أن يحرقونا هم.

غمغم أمين الحزب السابق في توتر بالغ، فور انتهاء المحادثة:
- بمناسبة الحديث عن اللهب، هناك أمر شديد الأهمية ينبغي تنفيذه على وجه السرعة.

التفت إليه الوريث، متسائلاً بنظرة عصبية، فأضاف في اضطراب:
- كل مقارّ الحزب الوطني تحوي وثائق شديدة الخطورة، لو وقعت في يد المتظاهرين سنحاكم بسببها محاكمة عسيرة.

سأله رئيس الديوان في قلق:
- وماذا تقترح؟!

أجاب في حزم اختلط باضطرابه:
- الفوضى أمر يرتبط بكل التظاهرات العنيفة، ولو اشتعلت النيران في مقار الحزب الوطني، سينسب هذا إلى المتظاهرين بالتأكيد.

بدا رئيس الديوان مبهوتاً، في حين تساءل الوريث في عصبية:
- هل تقترح أن نُشعل النار في مقار الحزب الوطني؟!

أشار الأمين المخلوع بسبّابته، مجيباً:
- وأن نبدأ بالمقر الرئيسي.

ثم مال على أذن الوريث، مغمغماً:
- الذي يحوي حجرة الجحيم.

انعقد حاجبا الوريث في شدة، في حين امتقع وجه رئيس الديوان، وهو يغمغم:
- الناس تطالب الآن بالتغيير، ولو نفّذنا ما تريدانه في ظل هذه الظروف قد يتحوّل الأمر إلى ثورة.

تراجع الأمين المخلوع، وهو يقول:
- هذا أدعى لسرعة التنفيذ.

زاد انعقاد حاجبي الوريث لحظات، قبل أن يقول في صرامة، حملت كل شراسته وعصبيته وانفعاله:
- نفّذ.

"الشعب يريد إسقاط النظام"..
تعالت الهتافات في ميدان التحرير في تلك اللحظات، وقد تضاعف إصرار الشعب على رحيل النظام، بعد ما شاهده من عنف الشرطة، وتجاوزات لعبة البلطجة، وتشارَك الكل في هتاف واحد، وعلاء يهتف:
- الدكتور عبد الله هنا.. لقد لمحته وسط المتظاهرين.

هتف به خالد:
- الشعب كله هنا يا علاء.. لقد حدث ما تمنّيناه ولم يتوقّعوه.

أمسكت علياء يد خالد اليسرى، وهي ترفع لافتة كبيرة بيمناها، هاتفة:
- نحن فعلناها.. نحن فعلناها.

ثم أضافت، ودموع السعادة تسيل على وجنتيها:
- تصوّروا أن فيحاء أيضا قد خرجت للتظاهر، وأنا التي كنت أتصوّر أنها لا تهتم بمثل هذه الأمور.

هتفت نهى:
- وأمي أيضا.. تصوّروا.

قال سامي، وهو يتعاون مع فتحي، في رفع لافتة، تطالب الرئيس بالرحيل:
- ما فعلته الشرطة استفزّ الناس أكثر، وبيّن لهم كم أن النظام يعتمد على القمع في سياسته.

هتف فتحي:
- آن الأوان لتغيير هذه السياسة.

أضاف أحمد في حماس شديد:
- وإلى الأبد.

نقل تامر بصره بينهم في حماس، ثم ارتفع صوته بالهتاف:
- الشعب يريد إسقاط النظام..

انتفض قلب نيفين بالحماس، وهي تتابع كل هذا على شاشات القنوات الفضائية، ووجدت نفسها تهتف، وهي تجلس داخل منزلها:
- نعم.. الشعب يريد إسقاط النظام.

فتح صفوت الباب في هذه اللحظة، وبدا مشتعلاً بالغضب، وهو يهتف بها:
- أية حماقة تردّدينها؟! لقد بلغ صوتك مدخل البناية.

التفتت إليه، هاتفة في فرح:
- الثورة اندلعت في مصر.

صرخ فيها، وهو يخلع سترته، ويلقيها جانباً:
- أيفرحك هذا؟!

استعادت روح التحدي، وهي تقول:
- بالتأكيد.

ثم سألته قبل أن ينفجر في وجهها:
- ولكن كيف عدتَ إلى المنزل في مثل هذه الظروف؟! تصوّرت أنكم في ظروف طارئة للغاية!

أجابها في حدة عصبية:
- إننا كذلك يا هانم، ولكنك لا تدركين.

وخلع سرواله، وهو يكمل، وعصبيته تتضاعف:
- الدنيا كلها في ميدان التحرير!! لست أدري من أين يتوافدون، ولا كيف يتفقون، بعد أن أوقفنا شبكات الإنترنت والاتصالات؟! كيف؟!

أجابته في تحدّ:
- الثورات تشتعل منذ الأزل بدون إنترنت ولا اتصالات.
صاح بها في لهجة آمرة:
- اسمعي.. لست مستعداً لمناقشة فلسفاتك العبيطة هذه الآن.. أعدّي لي وجبة سريعة، حتى أعود إلى العمل، بعد أن أستبدل ملابسي.

دسّت قدميها في حذاء مطاطي، وهي تقول في تحدّ:
- ليس لديّ وقت لهذا، فأنا ذاهبة.

بدا كوحش شرس، وهو يسألها:
- إلى أين؟!

أجابته، وهي تتجه إلى الباب:
- ميدان التحرير.

ارتفع حاجباه في ذهول مستنكر، وصرخ فيها، وهي تفتح الباب:
- فليكن في معلومك أنك لو عبرت هذا الباب، فأنت طالق.

التفتت إليه بنظرة ساخرة، وقالت في هدوء مستفزّ:
- أشكرك.

وعبرت الباب، وأغلقته خلفها في عنف، تاركة إياه خلفها، وقد احتقن وجهه..
بمنتهى الشدة.

يُتبَع

katia.q 13-04-11 10:09 PM

يسلمووووووووووووووا
متابعاكي داااااااااااائما
وألف شكر علي مجهودك
(ومبروك علي الاشراف)
http://www.ibtesama.com/vb/imgcache2/94130.gif



عهد Amsdsei 14-04-11 07:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2710006)
يسلمووووووووووووووا
متابعاكي داااااااااااائما
وألف شكر علي مجهودك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2710006)

(ومبروك علي الاشراف)



السلام عليكم

كيف حالكـ كاتيا ؟؟؟

الله يسلمك أختي .... و إن شاء الله تستمتعي مع الدكتور نبيل

و كل محبين الدكتور نبيل متابعينه ....

العفــو أختي هذا أقل شيء عشان أحلى ناس

الله يباركـ فيك .... إن شاء الله أكون عند حسن ظن الكل بي

سلاااااااااااااام

http://up.liilas.com/uploads/liilas_13008616891.gif

عهد Amsdsei 14-04-11 07:58 PM

السلام عليكم

الفصل الأخيـــــــــــــــــــر

الثورة.. (الأخيرة)

تلفّت الدكتور عبد الله حوله، غير مصدق لما تراه عيناه، في ذلك الميدان الشهير في قلب العاصمة..
الشعب كله خرج بالفعل، ينادي برحيل النظام..
شباب من مختلف الفئات والأعمار..
شيوخ.. ونساء.. وحتى أطفال..
مثقفون.. وحرفيون.. وموظّفون.. وعمال..
الكل اتّفق على هتاف واحد، ينادي بالرحيل..

حتى هو، لم يصدّق يوماً أنه يمكن أن يخرج في مشهد كهذا، وهو الذي تحاشى السياسة طيلة عمره، وها هو ذا الآن وسط تظاهرة كبرى، ضمّت كل الشعب تقريباً..

حتى زوجته نوال خرجت، والحاج فؤاد وزوجته، وأبناء جيرانه، وزملاء الجامعة، ورجال الأزهر...

صحيح أن الرئيس قد أعلن عدم ترشيح نفسه للرئاسة في الانتخابات القادمة، ولكن هذا لم يُثلج قلب الشعب كما تصوّر، وإنما زاده غضباً واشتعالاً ومطالبة بالرحيل..

من بعيد لمح مجموعة خالد، وهي تهتف وسط المتظاهرين، فتهللت أساريره، وحاول أن يشقّ طريقه إليهم، و...

وفجأة، حدث أمر يفوق كل خيال..

جمال وخيول وحمير اخترقت الميدان براكبيها، واندفعت وسط المتظاهرين، وكأننا في مشهد من القرن التاسع عشر، أو في مشهد من فيلم رديء من أفلام الدرجة الثالثة وما تحتها..

وبلا رحمة، وفي اندفاع أعمى، راح من يقودون تلك الحيوانات يصطدمون بالمتظاهرين، ويدوسونهم تحت حوافر وخفاف، وساد هرج ومرج بلا حدود..

ومن أسطح البنايات، سقطت زجاجات مشتعلة، وانطلقت رصاصات حية..
وسقط شهداء..
شباب في عمر الزهور سقطوا..
دماء طاهرة أريقت في الميدان..
ثورة عارمة حلّت في المكان..

"لا تتراجعوا"
هتف خالد بالعبارة وهو يحمي علياء بجسده، ويشير إلى رفاقه، وصرخ فتحي يؤيده في حماس:
- نحن أكثر عدداً.. لا تسمحوا لهم بتفريقكم.

كانت صرخاته تضيع وسط صرخات الآخرين، ولكن سامي اندفع نحو أحد الخيول، وانضم إليه علاء، في حين خلع أحمد حزامه، وألقاه ممسكاً بطرفه، ليلتف حول قائم أحد الجمال، وساعده تامر في جذب الطرف الثاني للحزام..

واختل توازن الجمل، وسقط مع راكبه وسط المتظاهرين..
وبدأ قتال من نوع عجيب..

شباب المتظاهرين انقضّ على ركاب الخيول والجمال والحمير، وامتلأ قلبه ببسالة تشفّ عن معدنه، وبدأت الصورة تنقلب رأساً على عقب، واستعاد المتظاهرون السيطرة على الموقف..
وكانت مفاجأة للمعتدين..

لم يتصوّروا أبداً أن يكون شباب مصر بهذه البسالة..
لم يتصوّروا..
ولم يتوقعوا..

ومن أعلى أسطح البنايات، المطلة على ميدان التحرير، بدأ مجموعة من قناصة الأمن عملهم القذر، وانطلقت من بنادقهم رصاصات حية..
رصاصات أصابت الكثير من الأهداف..
الحية أيضا..
وتساقط الشهداء..

تساقطوا، وامتزجت دماء بعضهم ببعض، وتحوّل الميدان إلى ساحة حرب غير عادلة، فيها طرف يقتل بلا رحمة، وآخر يفتح صدره للنيران، ويواصل هتافه المطالب برحيل النظام، مضافاً إليه هتاف آخر، بمحاسبة من يفعل هذا..

وفي ديوان رئاسة الجمهورية، بدا الرئيس عصبياً، وهو يتساءل:
- ماذا يحدث في مصر بالضبط؟!

ناوله رئيس الديوان المذكرة الرسمية، المرسلة من وزارة الداخلية، والتي تؤكّد -رسمياً- أن الأمر كله يقتصر على ألف وخمسمائة متظاهر في مدينة السويس، وضِعفهم في ميدان التحرير، ونسبتهم جميعاً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأكّدت القدرة على السيطرة عليهم، في غضون ساعات..

قرأ الرئيس التقرير في سرعة، ثم رفع عينيه إلى رئيس الديوان، يسأله:
- أهذا صحيح؟!

كانت مشكلة الرئيس الأساسية، هي أنه قد عزل نفسه عن شعبه تماماً، منذ أمد بعيد، بعد أن أقام الأمن حوله أسواراً عالية، بحجة حمايته من شعبه، وارتضى هو بتلك الأسوار، مولياً ثقته لأمن لا يوليه ثقته، ولا يفترض أنه هناك في شعبه من يضمر له خيراً..

ولقد أقام هو بدوره مزيداً من الأسوار حول نفسه، عندما عزف عن مطالعة الصحف، أو مشاهدة البرامج التليفزيونية العالمية، مكتفياً بالتقارير المختصرة، التي يقدّمها له رئيس الديوان، والذي حرص على إيصال صورة زائفة له طوال الوقت، كجزء من ضمان لعبة السيطرة عليه..

وحتى عندما كان الرئيس يلتقي بالصحافة والإعلام، كان رئيس الديوان ومعاونوه يطالبون رجال الإعلام بعدم ترديد ما يزعج الرئيس..
لقد كان معزولاً ومغيّباً بالفعل..
وبكامل إرادته..

وداخل قصر الرئاسة، وعلى الرغم من إدراك الجميع لما يحدث، لم يحاول شخص واحد، أو يجرؤ، على إخباره بالحقيقة..
بل على العكس تماماً، كانوا يخبرونه طوال الوقت بأن الأمور محدودة، وأنها مجرّد عاصفة مؤقتة، سرعان ما تمضي في سلام..

ولقد اكتفى الرئيس برد رئيس الديوان، وغمغم في تهالك، يتناسب مع سنوات عمره، التي اقتربت من الثمانين:
- ماذا يريدون إذن؟!

تبادل الموجودون نظرة صامتة، دون أن يجيب أحدهم بحرف واحد، فواصل وصوته يزداد تهالكاً:
- لقد أخبرتهم أنني لن أتقدّم للترشيح في الانتخابات القادمة، وقبلت استقالة ابني من الحزب، وهذا يعني إنهاء فكرة التوريث، التي كانت تغضبهم، فماذا يريدون؟!

تجرأ أحدهم، وغمغم:
- يريدون إسقاط النظام كله.

تساءل الرئيس، وقد انكشف قناع الثبات الزائف عنه، وبدا على حقيقته، كشيخ عجوز:
- ولماذا يريدون إسقاط النظام؟! لقد وعدتهم بإصلاح كل الأمور، في الشهور المتبقية.. سأقوم بتعديل الدستور، وحذف المواد التي يرفضونها، وسأطلق الحريات، و.....

غمغم ذلك الشخص، دون أن ينتبه إلى ما في هذا من مجافاة للرسميات:
- يبدو أن القرار قد جاء متأخراً للغاية يا سيادة الرئيس.

التفت إليه الرئيس بنظرة غاضبة، فأمسك رئيس الديوان بيد الرجل، وقال في صرامة:
- انصرف فوراً.

لم يكتفِ بالقول، وإنما جذبه من يده إلى الخارج، وهو يهمس في صرامة:
- ما كان ينبغي أن تقول هذا في مثل هذه الظروف.

أجابه الرجل في عصبية:
- بل هذا ما كان ينبغي أن تقوله أنت في مثل هذه الظروف.. البلد في حالة ثورة، ولا توجد سوى طريقة واحدة لتهدئتها.

سأله رئيس الديوان في غضب:
- وما هي؟!

توقّف الرجل فجأة، والتفت إليه، مجيباً في حزم:
- تنحّي الرئيس.

ولم يعترض رئيس الديوان..
بل لم ينبس بحرف واحد..

"لقد هزمناهم"..
هتف بها خالد في حماس، بعد إتمام السيطرة على ركاب الخيول والجمال، وهتفت معه علياء، في حماس أكثر:
- لن نتراجع حتى يرحل الرئيس.

بدأ الفريق كله يردّد الهتافات بسقوط الرئيس، واحتضنت علياء كفّ خالد، وكأنها تجد فيه الدفء والأمان، وهي تهتف بكل الحماس، هتاف شاركها فيه الشعب كله..

ومن سطح بناية عالية لمح أحد القناصة من خلال عدسة منظار بندقيته الغادرة، أيديهما المتشابكة، فصوّب بندقيته إلى رأس خالد، مدفوعاً برغبة وحشية في هدم تلك العاطفة الشريفة..
وبلا تردّد.. ضغط الزناد..
وانطلقت رصاصته..

وفي نفس اللحظة كان الدكتور عبد الله قد اقترب من المجموعة، ولمح ذلك الوميض أعلى البناية، فصرخ وهو يندفع نحوهم:
- احترسوا.

حمى خالد بجسده، دون أن يدري حتى أنه الهدف المنشود..
ولكن الرصاصة واصلت طريقها.. وأصابت هدفاً..
أصابت جسد الدكتور عبد الله.. مباشرة..

واتسعت عينا الأستاذ الجامعي، وهو يسقط بين أيدي تلامذته، فهتف خالد، وهو يلتقطه بذراعيه مذعوراً:
- دكتور عبد الله!!

رفع الرجل عينيه إليه، متسائلاً في وهن:
- أأنتم بخير؟!

هتف سامي:
- أنت مصاب يا دكتور.

أشار الدكتور عبد الله بيده في ضعف، قائلاً بابتسامة تُحتضر:
- المهم أنكم بخير.. أنتم المستقبل.

كانت آخر عبارة خرجت من بين شفتيه، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين أيديهم..

وفي ذهول ملتاع حدّق أفراد المجموعة كلهم في جسده الطاهر، وفي دماء الشهادة، التي سالت منه؛ لتروي أرض ميدان التحرير، ثم تبادلوا نظرة قوية، حلّ الإصرار فيها محلّ الذهول والألم، قبل أن ترتفع رؤوسهم عالية..

كانت الرصاصات الغادرة ما زالت تنطلق، والدماء ما زالت تراق من أجل الحرية، ولكنهم، وبلا كلمة واحدة، اتخذوا قراراً واحداً حاسماً..
لقد فتحوا صدورهم للنيران، وأطلقوا صرخة رجل واحد..
وانقضّوا..
واشتعلت الثورة كاملة..
حتى النصر.

تمت بحمد الله




alaagalal 15-04-11 06:15 PM

ازيك عهد عمله ايه
مبروك على تكملة القصة
هى القصة بجد جميلة فى الفصول الاولى واخرتها مؤثرة بس حسة ان فى حاجة ناقصة

عهد Amsdsei 15-04-11 10:29 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alaagalal (المشاركة 2711666)
ازيك عهد عمله ايه
مبروك على تكملة القصة
هى القصة بجد جميلة فى الفصول الاولى واخرتها مؤثرة بس حسة ان فى حاجة ناقصة

السلام عليكم

كيف حالك أختي ؟؟؟

أنا تمام الحمد لله ..... في إجازة طويلة هههههههههه

مبروكـ علينا كلنا نهاية القصة ...... مبروك لكل محبين الدكتور نبيل

مع إننا راح نشتاق له

حاسة نقص في إيه بالضبط ...؟؟؟

قولي لي .......

شرفتيني أختي و إن شاء الله ما يبخلش علينا الدكتور بقصة جديدة

سلااااااااااام

alaagalal 15-04-11 11:37 PM

يعنى الدكتور مثلا مش جايب الشباب فى ميدان التحرير ايه اللى حصلهم وفى حجات تانية

عهد Amsdsei 16-04-11 12:11 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alaagalal (المشاركة 2711915)
يعنى الدكتور مثلا مش جايب الشباب فى ميدان التحرير ايه اللى حصلهم وفى حجات تانية

السلام عليكم

أهلا ً أختي كيف حالك ـ..؟؟

كلامكـ صحيح ... لكني أظن أن القصة تقوم أساساً على حكاية التفاصيل المخفية قبل الثورة

لأن نتائج الثورة واضحة للجميع ....

و كأن المهم ان نعرف جميعا ً كيف بدأ كل شيء و ليس الخاتمة

و لقد احتجّ البعض بأن الدكتور يحكي قصة لأحداث معروفة ... فلماذا يحكيها أصلا ً

و لهذا أرى إن الإكتفاء بالقصة لهذا الحد حتى لا تصبح القصة سرد لأحداث حصلت هو أفضل شيء لإسكات هؤلاء الناس

هذا رأيي ... و الله أعلم


عهد Amsdsei 16-04-11 09:44 AM

السلام عليكم

خاص على منتديات ليلاس

قصة الدكتور نبيل قاروق ... الثورة

متوفرة كاملة على هيئة PDF

في أول مشاركة ....

هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

katia.q 16-04-11 02:02 PM

تسلمين يالغلا
كانت نهاية رائعة بحق
تعيشي وتجيبي
http://www.mooode.com/data/media/188/1662382t.gif


عهد Amsdsei 16-04-11 07:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2712313)
تسلمين يالغلا
كانت نهاية رائعة بحق
تعيشي وتجيبي
http://www.mooode.com/data/media/188/1662382t.gif


السلام عليكم

كيف حالك كاتيا ؟؟؟

الله يسلمك إن شاء الله

في أي وقت ينزل الدكتور أي جديد راح تلاقوه عندكم ...

سلااااااااام

مس تومي 01-05-11 08:41 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alaagalal (المشاركة 2711915)
يعنى الدكتور مثلا مش جايب الشباب فى ميدان التحرير ايه اللى حصلهم وفى حجات تانية

عندك حق أختي
لكن الدكتور يقصد أنه يجيب مسببات الثورة
لأنه ما حدث في الثورة علي رأي عهود شئ معروف للكل
ومش النتائج بس يعني لو ليكي أي أخ راح الميدان
هيحيكي ليكي كل شئ لكن المهم
ليه الشباب دول ثاروا
احنا بقالنا 30 سنة ليه دلوقتي بالذات

مس تومي 01-05-11 08:46 AM

السلام عليكم
عهووووووووووود قصة رائعة
اعتقد ان ذاكرة الغد راح تكون آخر قصة
لكن الدكتور دايما عنده لينا مفاجآت كتير
وعهووووووووود كمان بتجيب لينا مفاجآت مو بعرف منين
ههههههههههههه
تسلمي أختي
النقد بعدين
هههههههههههههههه

عهد Amsdsei 01-05-11 09:58 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ranmagdy (المشاركة 2727183)
عندك حق أختي
لكن الدكتور يقصد أنه يجيب مسببات الثورة
لأنه ما حدث في الثورة علي رأي عهود شئ معروف للكل
ومش النتائج بس يعني لو ليكي أي أخ راح الميدان
هيحيكي ليكي كل شئ لكن المهم
ليه الشباب دول ثاروا
احنا بقالنا 30 سنة ليه دلوقتي بالذات

السلام عليكم

أيـــوة معاك حق يا تومي
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ranmagdy (المشاركة 2727189)
السلام عليكم
عهووووووووووود قصة رائعة
اعتقد ان ذاكرة الغد راح تكون آخر قصة
لكن الدكتور دايما عنده لينا مفاجآت كتير
وعهووووووووود كمان بتجيب لينا مفاجآت مو بعرف منين
ههههههههههههه
تسلمي أختي
النقد بعدين
هههههههههههههههه

ههههههههههههههههههههههههههه

و الله على قولتك ... نحن منتظرين أي حاجة ينزلها الدكتور

شكرا حبيبتي

ده بس لأنكم أطيب ناس و احلى صحبة

و ليلاس بيحب يقدم كل جديد

إن شاء الله تنزل قصة قريبا .... يارب



هبه 26 09-12-11 01:18 PM

شكرااااااااااااااااااا جداااااااااااااااااااا على رفع رواية جديدة للمبدع د.نبيل فاروق الذى نشأت على قراءة إبداعاته

عهد Amsdsei 15-12-11 08:40 AM

السلام عليكم

العفوو هبة و ياريت تتابعي رواية ملف المستقبل الجديدة

الشمس الباردة

تعرض كل سبت بالقسم الخاص بها


إحسآس الورد 06-02-12 07:33 PM

مرحبا عهد

قصة أخرى رائعة من روائع الدكتور نبيل فاروق
قصة عشناها حقيقة
وعشناها أيضا هنا
قصة ارتشفت من الإبداع والروعة
وحملت الكثير من العبارات المؤثرة
انتقيت منها أكثر ما أثر في نفسي

"سقط شهداء..
شباب في عمر الزهور سقطوا..
دماء طاهرة أريقت في الميدان..
ثورة عارمة حلّت في المكان..
"

كم رائعة هي تلك العبارات
جسدت لنا واقعا
بصوة فنية حرفية أدبية

عهد جزاك الله خيرا على قصة كهذه
نقل رائع
لا تحرمينا من جديدك
لك أرق وأرقى تحياتي
:)


الساعة الآن 02:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية