لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-03-11, 06:16 PM   المشاركة رقم: 26
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الثورة.. صفوت

ارتسمت ابتسامة باهتة عجيبة على وجه نيفين زوجة صفوت، وهي تشاهد هذا الأخير يختبر مسدسه، ثم يدسه في حزامه، في حركة استعراضية مبتذلة.. ابتسامة تجمع بين السخرية والاشمئزاز والمرارة..

والمدهش هنا أن نيفين قد تزوّجت صفوت بملء إرادتها، عندما تقدّم لطلب يدها منذ ثلاث سنوات..

صحيح أنها لم تكن تعرفه -شخصياً- معرفة جيّدة، ولكن أحاديث شقيقته عنه، وانبهارها بقوته وسطوته، جعلاها تتصوّر أنه الشخص المناسب للزواج، وتأمين الأمن والحماية لها..

ربما لأن نيفين تعاني، منذ حداثتها، من ضعف شخصية والدها، الذي سيطرت عليه أمها تماماً، منذ وعت عيناها الدنيا، حتى إنها باتت تحلم برجل قوي، يسيطر هو عليها، بشخصيته وحبه وحنانه، ولأن شقيقة صفوت زاملتها في الكلية، وأطالت في الحديث عنه، لم يكن من الصعب قبول الزواج منه، فور تقدّمه، خاصة وأنه كان يمتلك شقة صغيرة، مجاورة لسكنها، في نفس الحي..

ولقد تمت الزيجة في سرعة؛ لأن والدها أكّد أنه لن يقبل خروج ابنته مع خطيبها، قبل عقد قرانهما..

في البداية، كان صفوت شخصاً عادياً، ارتاحت معه، وتصوّرت أن أحلامها قد تحققّت.. حتى كان ذلك اليوم، الذي قرّر فيه أن يبهرها، ويريها مدى سطوته وسلطاته..

كانا يبتاعان بعض الفاكهة من بائع معروف، في حي المعادي، حيث يسكنان، وكان البائع منشغلاً بإنهاء معاملة مع زبون سابق، وبدا لها الأمر عادياً، وانتظرت حتى ينهي البائع معاملته، ثم يلتفت إليهما..
ولكن صفوت لم يقبل بهذا..

لقد فوجئت به يسبّ البائع، ويعامله بقسوة غير مفهومة، حتى إن الزبون ترك الفاكهة وانصرف، وعندما اعترض البائع على أسلوب صفوت وسبابه، جنّ جنون هذا الأخير، وتحوّل إلى وحش شرس، فأخرج مسدسه، وراح يضرب أقفاص الفاكهة، ويبعثرها أرضاً، ونيفين تصرخ..
وتصرخ..
وتصرخ..

ثم لم يكتفِ صفوت بهذا، أو يبالي حتى بصراخها، وإنما أصّر على اصطحاب البائع إلى قسم الشرطة، صائحاً في من تجمهروا أنه ضابط في أمن الدولة، وكأن هذا يمنحه حق سب المواطنين والاعتداء على حريتهم..

يومها عاد معها إلى المنزل منتشياً، بعد أن تم احتجاز البائع في القسم، وعلت شفتيه ابتسامة ظافرة، جعلتها تشعر بالاشمئزاز والغثيان، حتى إنهما ما إن وصلا إلى المنزل، حتى هرعت إلى الحمام، تفرغ ما في جوفها عن آخره..

ومنذ ذلك اليوم، الذي اعتبره هو قمة انتصاره، لم تعد هي تطيق النظر إلى وجهه..

حتى عندما كان يمارس معها حقوقه الزوجية، كانت تقاوم في صعوبةٍ ذلك الشعور بالاشمئزاز، الذي يملأ نفسها، ولم تجد أمامها سوى أن تتخلى ذهنياً عن جسدها، وتطلق فكرها في اتجاه آخر..
أي اتجاه آخر..

ومنذ ذلك اليوم أيضا بدأت -سراً- في الانتظام على أقراص موانع الحمل..
لم يكن من الممكن أن تتصوّر نفسها أمّا لطفل من صلب هذا الوحش..
كان هذا وحده يصيبها بالغثيان..

وكان من الطبيعي، مع فتورها، ورحلة الابتعاد بعقلها عن جسدها، أن ينتبه هو إلى هذا..
والعجيب أنه لم يحاول التساؤل لحظة واحدة عن الأسباب..
لم يحاول أن يفهم..
فقط غضب..
وبشدة..

ورويداً رويداً، تباعدت لحظات لقاءاتهما الزوجية، حتى كادت تنعدم، في الأشهر القليلة الماضية.
ولقد جعله هذا أكثر عنفاً وشراسة، وأكثر إصراراً على إثبات قوته وسطوته وجبروته، دون أن يدري أن هذا يبعدها عنه أكثر وأكثر..

ولقد لاحظت، في الأيام الأخيرة، أنه منشغل بمن أسماهم "عيال الدستور"، ولقد سخرت من المصطلح، وتساءلت عما يشغله بشأنهم، ما داموا "عيال" كما يُطلق عليهم..

"أنت لا تفهمين شيئاً"..
قالها وهو يلتقط سترته في عصبية، فجلست على مقعد قريب، تسأله، ورنّة السخرية لا تفارق صوتها:
- حقاً لست أفهم لماذا ينشغل أمن الدولة بشباب يعتبرهم مجرّد عيال!

انعقد حاجباه، وهو يقول في عصبية:
– هؤلاء العيال يرتّبون لأمر خطير.

سألته بنفس اللهجة:
- أي أمر خطير يمكن أن يقوم به عيال؟!

بدا نافد الصبر، وهو يقول:
- نظرتك سطحية؛ لأنك تجهلين طبيعة عملنا.. إننا لا نلعب، بل نحمي الوطن من أعدائه.

اتسعت ابتسامتها الساخرة، وهي تقول:
- أحمد سبع الليل أبو سريع!

التفت إليها في دهشة عصبية متسائلا، فاعتدلت تفسّر وابتسامتها الساخرة تملأ شفتيها:
- إنه اسم أحمد زكي في فيلم البريء.. كان يتصوّر طوال الوقت أنه يحارب أعداء الوطن، حتى فوجئ بصديق عمره بين المعتقلين، فأدرك فجأة أنه يحارب الوطن نفسه.

قال في حدة:
- أي تفسير سخيف هذا؟! هل ستقارنين عملنا الخطير بفيلم سينمائي سخيف؟

اعتدلت أكثر تسأله:
- ما مفهوم الوطن لديك يا صفوت؟!

رفع عينيه إليها، في دهشة غاضبة مستنكرة، لم تمنعها من أن تتابع في اهتمام:
- الوطن ليس النظام الحاكم.. إنه الشعب، الذي يفترض أن تخرج منه أية أنظمة حاكمة، وعندما تقبض على الشعب لحماية النظام، فأنت لا تحمي الوطن، بل تحارب الوطن.

قال في حدة غاضبة:
- يمكنني أن أعتقلك لهذا الرأي المتطرّف.

اتسعت ابتسامتها الساخرة، ورفعت إليه يدها، وعقدت معصميها، وهي تقول:
- هيا افعل.. لن أقاوم؛ فربما يُدخلني هذا التاريخ.

رمقها بنظرة غاضبة، وقال وهو يتجه نحو الباب:
- لن أضيع وقتي في هذه التفاهات..

تراجعت في مقعدها مبتسمة، وكأنما يروق لها أن استفزته على هذا النحو، وسألته قبل أن يفتح الباب:
- كم عربة أمن مركزي، ستخرج لإلقاء القبض على هؤلاء "العيال"؟

رمقها بنظرة ناقمة، دون أن يجيب، فتابعت في سخرية مستفزة:
- إنها الثالثة صباحاً، وأنتم ستنقضّون عليهم مع الفجر تقريباً.. ألا يجعلكم هذا نسخة مكرّرة من زائر الفجر، الذي نسبوه إلى عصور سابقة، وصموها بالديكتاتورية؟!

عاد يرمقها بتلك النظرة الناقمة، قبل أن يندفع خارجاً بلا جواب؛ حتى لا تلقي المزيد من التساؤلات، التي تستفز كل ذرة من كيانه..
ولكن الغضب كان يعربد في أعماقه بشدة..
لقد استخدم معها من قبل حتى أن يتزوّجها، كل ما تعلّمه في أمن الدولة..

طلب من شقيقته أن تكثر من الحديث عنه، وتبدي انبهاراً زائفاً بشخصيته ومدى سطوته، ثم استخدم كل هذا عندما تقدّم لطلب يدها، وفي شهور زواجهما الأولى حتى كانت واقعة بائع المعادي..

يومها وجدها فرصة ممتازة؛ ليستعرض أمامها سلطاته، وافتعل ذلك الشجار العنيف، و..
وتغيّر كل شيء..
لقد نفرت منه، بدلاً من أن تقدِم عليه..

شعر بهذا منذ أول لقاء زوجي بينهما، ولكنه لم يفهمه جيداً، إلا بعد عدة مرات متتالية..
ولم يناقشها في الأمر أبداً..
لم ترضِ كرامته، أو قل غطرسته، بمناقشة أمر كهذا..

وعدم قدرته على مناقشتها في وضوح أورثه غضباً لا ينتهي، وأوضح له مدى ضعف شخصيته، الذي يختفي خلف قناع القوة والسلطة والجبروت، الذي حازه بحكم موقعه ورتبته..

وربما كان هذا الشعور الدفين بضعف الشخصية، هو الذي جعله شهيراً، في أوساط أمن الدولة، بالشراسة والعنف..

انتزع نفسه من أفكاره، وهو يدلف إلى سيارة أمن الدولة، ويسأل الجندي المرافق له:
- كم سيارة أمن مركزي معنا؟!

أشار الجندي بسبّابته ووسطاه، مجيباً:
- اثنتان.

التقط صفوت نفساً عميقاً، وهو يقول:
- عظيم.

وأصدر الأمر بانطلاق السيارات، وبدء عملية، أطلق عليها اسماً، لم يدرك -لضعف ثقافته- ما فيه من مفارقة..
"عملية الدستور".

يتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 24-03-11, 08:20 AM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكـــــــــم

الثورة.. الدكتور عبد الله

التقط الدكتور عبد الله نفساً عميقاً، من هواء الفجر الرطب، وهو يخرج من البناية التي يقطن بها، في ذلك الحي الشعبي، المجاور لحي المهندسين الراقي..

كان هذا هو الحي الذي وُلِد ونشأ فيه، والذي رفض أن يغادره، بعد أن أصبح أستاذاً في كلية الطب، واسماً شهيراً، في مضمار العلاج النفسي..

والدكتور عبد الله رجل بسيط المشاعر، هادئ النفس، شديد التواضع والالتزام، وتربطه علاقات موّدة وصداقة بكل سكان الحي تقريباً، مع اختلاف طبقاتهم، خاصة أنه تجمعهم دوماً صلاة الفجر، التي يحرص على أدائها في المسجد القريب، منذ حداثته..

وفي ذلك الفجر كان يشعر بشيء من الانقباض، لم يدر له سبباً؛ فهو لم يبالِ كثيراً بعدم قبول الأمن لتعيينه رئيساً للقسم؛ لأن المناصب لم تكن يوماً أحد أهم اهتماماته، ولم يكن مستعداً لدخول لعبة الحزب، ليجد له مكاناً على القمة..

كان يؤمن فقط بالكفاءة.. والكفاءة وحدها..

وكثيراً ما نصحه بعض زملائه، من أعضاء هيئة التدريس، بالانضمام إلى الحزب الوطني الحاكم؛ حتى يضمن مكاناً مرموقاً، ولكنه رفض الفكرة من أساسها، وقرّر أن يظلّ مستقلاً، ورزقه على الله سبحانه وتعالى، كما يقول الناس في الأحياء الشعبية..

لقد كان ذلك الانقباض حتماً لسبب آخر..

سبب لم يدركه في عقله الواعي، وربما يكمن في عقله الباطن، كما تقول دراسته..

ولأنه لم يدرك ذلك السبب الخفي، فقد حاول طرح شعوره هذا جانباً، وهو يبتسم في وجه الحاج فؤاد الميكانيكي، الذي اعتاد مرافقته يومياً إلى المسجد، والذي استقبله بمرحه المعتاد، هاتفاً:
- صباح الورد يا أستاذ الأساتذة.

أجابه في موّدة:
- صباح الخير يا حاج فؤاد..أراك مرحاً كالمعتاد.

بهتت ابتسامة الحاج فؤاد، وهو يقول:
- وماذا لدينا سوى هذا يا دكتور؟! الحياة خلت من المرح فأحاول دفع بعضه إليها حتى لا أموت همّاً.

سأله الدكتور عبد الله ، وهما يتجهان نحو المسجد:
-أما زالت مشكلتك مع الضرائب قائمة؟!

أومأ الحاج فؤاد برأسه إيجاباً، وقال:
- وستظل قائمة، فالضرائب تتعامل معنا كما لو أنها جهاز جباية، لا يبالي باحتياجاتنا وبحقائق الحياة.. تصوّر أنهم يرفضون خصم مصروفات العلاج من الوعاء الضريبي، حتى لو كانت تفوق أرباحك، وحتى لو كانت مؤيدة بفواتير من مستشفيات حكومية.

مطّ الدكتور عبد الله شفتيه، وقال:
- مع الأسف.

تابع الحاج فؤاد، وقد بدأ الغضب يتسلّل إلى صوته:
- وتلك الضريبة العقارية الجديدة.. أي عقل شيطاني أبدعها.. هل يُعقل أن تؤخذ ضريبة عن شقة تقيم بها، ولا تربح منها قرشاً واحداً؟! أهذا عدل؟!

حاول الدكتور عبد الله أن يجيبه، ولكن الرجل كان منفعلاً، فواصل بانفعاله:
- لي قريبة تسكن في شارع شهاب في المهندسين، اشترى زوجها شقتهما، عندما كان حي المهندسين هذا منطقة زراعات، ودفع فيها أربعة آلاف وخمسمائة جنيه، ثم توفي، ودارت الأيام، وأصبح الشارع من أرقى شوارع الحي، ولكن الزوجة المقيمة في الشقة لا تملك سوى معاش زوجها، الذي يقلّ عن الألف جنيه، تنفق ما يقرب من نصفها على العلاج، والشقة تساوي بوضعها الحالي، مليون جنيه تقريباً، وهذا يعني أن تطالبها الضرائب بما يفوق ما تبقى لها من دخل، كضريبة عقارية، افترضت أنها تؤجر مسكنها بقيمة وهمية.. أهذا عدل؟!

غمغم الدكتور عبد الله:
- كلا بالتأكّيد.

واصل الحاج فؤاد، وانفعاله يتصاعد:
- ثم ماذا سيفعلون بها عندما تعجز عن السداد؟! هل سيقدّمونها إلى المحاكمة والسجن؟! وكيف يدفع المرء ضريبة عن مسكن يقيم فيه؟! ماذا لو قررّوا اعتبار أن كل من يملك سيارة يؤجرها، ويطالبون بضريبة عليها أيضا؟!

لم يجبه الدكتور عبد الله، أو لم يستمع إليه تقريباً، بعد أن تركّز اهتمامه على عربة أمن مركزي، تتحّرك لتسد الطريق المؤدي للمسجد..
وشعر بأن انقباضته كان لها ما يبررّها..

شعر بهذا، قبل حتى أن توضع يد ثقيلة على كتفه، ويسمع صوتاً غليظاً من خلفه يقول:
- دكتور عبد الله.

التفت مع الحاج فؤاد، ليرتطم بصرهما بعدد من الناس، يرتدون ثياباً مدنية، لم يدر أحدهما كيف وصلوا خلفهما مباشرة، دون أن يشعرا بهما..
وفي عصبية قال الحاج فؤاد:
- من أنتم؟!

لم يكن الدكتور عبد الله ينتظر الجواب، عندما قال صاحب الصوت الغليظ، في لهجة تهديدية ردعية واضحة:
- أمن الدولة.

امتقع وجه الحاج فؤاد، وتراجع خطوتين إلى الخلف، في حين غمغم الدكتور عبد الله، في هدوء، لا يدري كيف جاء إلى صوته:
- كنت أنتظركم في الواقع.

ابتسم صاحب الصوت الغليظ ابتسامة ذئب، وهو يقول:
- هذا سيسهّل الأمور كثيراً.

اندفع الحاج فؤاد يقول في حدة:
- بأية تهمة..

قاطعه الدكتور عبد الله بإشارة حازمة من يده، في حين التفت إليه الغليظ بنظرة قاسية متوعدة، جعلت الدكتور عبد الله يقول:
- اذهب إلى المسجد يا حاج.. واصل طريقك.. أرجوك.

انعقد حاجبا الحاج فؤاد، وهو ينتفض، قائلا:
- وهل أتركك وحدك؟!

قال صاحب الصوت الغليظ في صرامة:
- أتحب أن تنضمّ إليه.

هتف الدكتور عبد الله:
- أرجوك يا حاج.. واصل طريقك.

ثم أدار عينيه إلى الغليظ، متابعاً في استسلام:
- سأذهب معهم.

نقل الحاج فؤاد بصره، بين الرجال والدكتور عبد الله، الذي ربّت على كتفه، وحاول أن يرسم ابتسامة باهتة على شفتيه، وهو يشير إلى المسجد، ثم يتجه مع الغليظ نحو سيارة رباعية الدفع، تنتظر عند بداية الطريق..

وبسرعة، انطلقت السيارة، ليس لتغادر المكان، بل لتقف أمام منزل الدكتور عبد الله، ويهبط منها الرجال، مع ركّاب سيارة أخرى مشابهة، ويصعدون إلى شقته..

وفي ذهول غاضب خائف، تابع الحاج فؤاد ما يحدث، وغمغم:
- هذا غير قانوني..غير قانوني بالتأكيد.

لم يدر وهو ينطقها، أنه في هذه اللحظة بالذات، كانت والدة نهى تستيقظ مذعورة، على صوت طرقات قوية على الباب، في تلك الساعة، وسرعان ما انضمت لها نهى وشقيقتها، وهي تهرع إلى الباب في خوف، متسائلة:
- من بالباب؟!

أتاها صوت صفوت صارماً، يقول:
- أمن الدولة..

ارتجفت كل خلية من جسدها، وهي تسأل مذعورة:
- أمن الدولة؟! وماذا يريد منا أمن الدولة؟!

قال صفوت في حدة:
- هل تنوين فتح الباب بإرادتك، أم نقتحم المكان؟!

أسرعت تفتح الباب مرتجفة، ولم تكد تفعل، حتى فوجئت بجيش من الرجال يندفعون إلى الداخل، وينتشرون في الشقة، على نحو جعل شقيق نهى يهتف مستنكراً:
- ماذا يحدث هنا؟!

تجاهله صفوت تماماً، وهو يلتفت إلى نهى، قائلاً في صرامة:
- أنت نهى؟!

ضمّت نهى معطفها المنزلي على صدرها، وهي تقول في توتر شديد:
- نعم..أنا نهى، وما تفعلونه غير قانوني وغير دستوري، و...

قاطعها في صرامة، وقد التمعت عيناه:
- غير دستوري؟! يبدو أنك لم تقرئي جيداً التعديلات الدستورية الأخيرة، أيتها المناضلة.

نقلت أمها بصرها بينهما في ارتياع، وهي تغمغم مرتجفة:
- مناضلة؟! هل تقصد نهى بقولك هذا؟!

التفت إليها بنفس العينين المتألقتين، وهو يقول، في تشف واضح:
- ابنتك عضو نشط في تنظيم سري جديد.

هتفت نهى، في دهشة مستنكرة:
- تنظيم ماذا؟! أي تلفيق هذا؟!

خرج أحد الرجال من حجرتها، في هذه اللحظة، وهو يحمل نسخة الدستور، التي أهداها لها سامي، وهو يقول بلهجة ظافرة:
- عثرت على الدليل يا باشا.

اتسعت عيون الأم وولديها دهشة، وهتفت نهى مستنكرة:
- أي دليل؟! إنه الدستور المصري.

تألّقت عينا صفوت أكثر، وهو يقول:
- نفس النسخة، التي ضبطت كميات منها، عند سامي مسئول التثقيف في التنظيم.

فغرت نهى فاها دهشة، وبدا شقيقها مصدوماً، في حين غمغمت أمها، وهي تكاد تفقد وعيها:
- تنظيم ومسئول تثقيف؟! الدليل الذي تتحدّث عنه هو الدستور المصري، وليس الدستور الإسرائيلي، وحيازته، وفقاً لمعلوماتي المحدودة، ليست جريمة.

ابتسم صفوت في سخرية، وتألّقت عيناه أكثر وأكثر، وهو واثق من أن قضية هذا التنظيم الجديد ستصنع مانشيتات صحفية قوية..

وستصنع بالتأكّيد ما يحلم به..

الترقية.

يتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 25-03-11, 10:35 AM   المشاركة رقم: 28
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الثورة.. التنظيم

دفعت يد قوية قاسية (خالد)، وهو معصوب العينين، مقيّد المعصمين خلف ظهره، داخل حجرة ما، احتشد فيها عدد من البشر، ارتطم بهم مع سقوطه..
لم يكن قد استوعب بعد ما حدث..

لقد اقتحم رجال أمن الدولة منزله، مع نسمات الفجر الأولى، وأصابوا أمه بفزع شديد، وهم ينتشرون في المكان، ويفتشونه على نحو مسعور، دمروا خلاله العديد من الأشياء القيّمة، واستولوا على البعض الآخر، قبل أن يخرج أحدهم من حجرته ظافراً، وهو يحمل نسختين من الدستور..

النسخة التي كان يدرسها منذ البداية، وتلك التي أهداها إياها (سامي)..
كانوا يتعاملون بغلظة وصلف وشراسة؛ حتى إنه ما زال يذكر صرخات أمه الملتاعة، وسباب الضابط لها، وهم يحملونه حملاً إلى سيارة ضخمة، عصبوا داخلها عينيه، وقيّدوا معصميه خلف ظهره، ومنعوه أن ينطق بحرف واحد..

وها هو ذا..
لا يدرى حتى أين هو؛ ولكنه يسمع تأوّهات من حوله، تشفّ عن آلام آخرين، ويسمع صوت ألم وضربات عنيفة، يأتيه من بعيد..

وكالمصدوم، اعتدل في صعوبة، وحاول -عبثاً- أن ينهض؛ ولكن يداً غليظة ضغطت كتفه، لتجبّره على الجلوس.. فجلس..
وفي عقله، انطلقت صرخة.. بل صرخات..

ماذا يحدث؟!
ما الذي يفعلونه؟!
وبأي حق؟!

لقد قضى وقتاً طويلاً في دراسة الدستور، وانتهى إلى أنه -حتى بعد تعديلاته الأخيرة المخزية- يمنحه الكثير من الحقوق..
على الأقل، لا يسمح بذلك الذي حدث.

لقد شاهد منذ حداثته عدة أفلام سينمائية، تتحدّث عن عصور الظلم والاستبداد، وتصوّر وهو يشاهدها، أن زمن تلك العصور قد ولّى وانتهى..
ثم أتاه زوّار الفجر، الذين طالما أدينوا، في عصور سابقة..

نفس المشاهد، التي كان يحفظها عن ظهر قلب، في أفلام "في بيتنا رجل"، و"زائر الفجر" و"الكرنك"، وغيرها، شاهدها تحدث أمامه وله، وكأن أحداً لا يتعلّم أو يعي أي درس..
فعلوها في زمن (ناصر) وسقطوا..
وفي زمن (السادات) وانتهوا..
ويكررّونها في زمن (مبارك)..
ما الذي يتغيّر إذن؟!
الأسماء؟!

كان يسمع أنفاساً من حوله، وتلك العُصابة السوداء تُعمي عينيه، وقيود معصميه تؤلمه، والجلوس على الأرض يرهقه؛ ولكن تلك الأصوات من حوله كانت توحي بأن بعضهم يدخل الحجرة، وينتزع منها شخصاً أو أشخاصاً، يغيبون طويلاً، ثم يعودون وهم يتأوّهون، ويتألمون أو يبكون..

كان موقفاً لم يتصوّر نفسه فيه أبداً، ولا حتى في أبشع كوابيسه..
في البداية، حاول أن يرهف سمعه، لتحديد أو معرفة من حوله؛ خاصة وأن حديث الزبانية في سيارة الشرطة الضخمة، كان يؤكّد أنه ليس الأوّل، وأن معظم رفاقه قد سبقوه، إلى المأساة نفسها..
وربما كلهم..
والسؤال هو لماذا؟
لماذا؟
لماذا؟

أرهقه التساؤل، وأرهقه إرهاف سمعه، وأرهقته تلك الانفعالات المحيطة به، وبدأت عيناه تتراخيان، والأصوات من حوله تمتزج، و..

وفجأة، انتزعته يدان غليظتان من مكانه في قسوة، ودفعتاه أمامهما في عنف؛ حتى إنه كاد يسقط على وجهه أكثر من مرة، قبل أن يعبرا به باب حجرة ما، ويجبرانه على الجلوس في وضع القرفصاء داخلها، وهو يسمع صوت (صفوت)، يقول في صرامة قاسية:
- الأخير؟

سمع صوتاً غليظاً يجيبه:
- الأخير يا باشا.

مضت لحظات من صمت مخيف، قبل أن يقول (صفوت)، في لهجة جمعت بين الشراسة والسخرية:
- أنت الزعيم إذن؟

لم يكن (خالد) يرى ملامح (صفوت) الصارمة، ولا نظراته الوحشية، ولا ذلك الوضع الذي اتخذه، وهو يضع قدميه فوق سطح مكتبه، وراح يداعب مسدسه في زهو حيوان مفترس، اعتاد العبث بفريسته قبل التهامها؛ ولكنه أجاب في دهشة متوترة:
- زعيم؟! زعيم ماذا؟

أجابه (صفوت) في شراسة:
- زعيم التنظيم.

تساءل (خالد)، وقد استحالت دهشته إلى ذهول، واستحال توتره رعباً:
- أي تنظيم؟!

هَوَت صفعة قوية على وجهه، وأخرى على قفاه، من رجلين يحيطان به، وأعقب الصفعتين صوت (صفوت) الغاضب، وهو يصرخ فيه:
- إنني أكره من يحاول إهانة ذكائي.

سيل خيط رفيع من الدم، من ركن شفتي (خالد)، وهو يقول:
- لست أدري حقاً أي تنظيم!

اعتدل (صفوت) بحركة حادة، وقال في شراسة:
- تنظيم الدستور.. هل ستنكر أنك زعيمه؟

هوَت صفعة أخرى على وجهه، كادت ترجّ كيانه، وهو يهتف:
- أي دستور؟!

نهض (صفوت) من خلف مكتبه في حدة؛ وكأنما يُغضبه أن يُلقي (خالد) أي سؤال، واتجه نحوه في تحفز؛ قائلاً بنفس الشراسة:
- الإنكار لن يفيد أيها الزعيم.. لقد عثرنا على الدليل في حجرتك، وفي معظم صفحاته خطوط وتعليقات بخطك.

سأله (خالد) في حذر قلق:
- عن أي دليل تتحّدث؟!

تلقى ركلة من قدم (صفوت) هذه المرة، أسقطته أرضاً، وهذا الأخير يصرخ:
- الدستور يا ابن ال*****.

كانت الركلة مؤلمة للغاية، وزلزلت كيان (خالد) بحق، وأطلقت قنبلة من الدم في فمه، وعلى الرغم من هذا؛ فقد هتف:
- لا تأتِ على ذكر أمي.

ركله (صفوت) مرة أخرى، في شراسة أكبر، وهو يصرخ:
- ذكرها.. إنني سآتي بها شخصياً إلى هنا، وسأجعل منها ***** لرجالي، لو لم تعترف.
حاول (خالد) أن يقاوم ذلك الدوار المؤلم، الذي يشعر به، وبصق بعض الدم، الذي تكوّن في فمه، والرجلان يجبرانه على الجلوس مرة أخرى، و(صفوت) يواصل صراخه الشرس:
-أريد اعترافاً تفصيلياً.

سأله (خالد) في صعوبة:
- بماذا؟!

مال (صفوت) نحوه، وقال في شراسة أكبر:
- بأنكم كنتم تصنعون تنظيماً، يستهدف قلب نظام الحكم.

على الرغم من العصابة والألم، اتسعت عينا (خالد) عن آخرهما، وهو يهتف:
- قلب نظام الحكم؟! نحن؟!

تراجع (صفوت)، وهو يقول في صرامة:
- كنتم تظنون أنفسكم أذكياء؛ ولكننا أكثر ذكاء منكم.. لقد راجعنا كل ما وضعت تحته خطاً، وكل ملاحظاتك، وأدركنا هدف التنظيم.

قال (خالد) في صعوبة:
- إنه دستور بلادنا، وكل مواطن ينبغي له قراءته على الأقل.

ابتسم (صفوت) في سخرية شرسة، وهو يعاود الجلوس خلف مكتبه، قائلاً:
- ولكن أحداً لا يفعل، وخاصة شباب (السيس) مثلكم.. ولو فعلوا فهم يقرؤونه على شبكة الإنترنت، وليس ككتاب مطبوع.

غمغم (خالد)، بعد أن بصق كمية أخرى من الدم:
- لقد كانت هناك نسخ مجانية منه، توزَّع من خلال مشروع القراءة للجميع، الذي ترعاه زوجة الرئيس.

قال (صفوت) في صرامة قاسية:
- اسمها (الهانم).

توَّقف (خالد) لحظة، ثم واصل في حذر:
- وكان هناك مشروع فرعي، يُعرف باسم مشروع المليون كتاب، و..

قاطعه (صفوت) في شراسة:
- قلت: اسمها (الهانم).

صمت (خالد) مرة أخرى، وشعر بآلام مبرحة في كرامته، جعلته يزدرد لعابه؛ على الرغم مما اختلط به من دم، قبل أن يقول في حذر:
- لا يوجد في القانون اتهام بدراسة الدستور، وإلا فلماذا أصدروه، لو أنهم لا يريدون منا حتى أن نقرأه.

انعقد حاجبا (صفوت) في غضب وحشي، احتاج منه الصمت لبضع دقائق، وهو يحدج (خالد) بنظرة نارية، قبل أن يعتدل، ويسأله في شراسة:
- كم يمكنك أن تحتمل أيها المتحذلق؟

لم يفهم (خالد) السؤال، فغمغم في حذر:
- أحتمل ماذا؟

أجابه (صفوت) في حدة:
- كم عدد الفولتات، التي يمكن أن يحتملها جسدك، قبل أن تعترف؟

لم يجب (خالد) هذه المرة، فقد انتزعه الرجلان من حوله انتزاعاً، واندفعا به خارج الحجرة، وكأنهما قد تلقّيا أمراً مباشراً..
وهنا.. هنا فقط، بدأ الجحيم..
الحقيقي.

يتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 29-03-11, 10:36 AM   المشاركة رقم: 29
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

الثورة.. قرار

"أي عبث هذا؟!".
هتف حازم ضابط أمن الدولة بالعبارة، في غضب واضح، وهو يقتحم مكتب صفوت، الذي اعتدل في حركة حادة، وهتف به في غضب مماثل:
- كيف تقتحم مكتبي هكذا؟!

واصل حازم، وكأنه لم يسمعه:
- ما الذي تفعله بهؤلاء الأولاد؟!

انعقد حاجبا صفوت، وهو يقول في شراسة:
- يرفضون الاعتراف.

هتف به حازم غاضباً:
- بماذا؟!

أجابه في شراسة أكبر:
- بأنهم تنظيم يستهدف قلب نظام الحكم.

تطلّع حازم إلى وجهه لحظة، قبل أن يقول في صرامة، ما زالت تحمل رنة الغضب:
- تنظيم الدستور؟!

لوّح صفوت بذراعه كلها، وهو يقول في حدة:
- ألا تدرك خطورة هذا؟!

هتف به حازم:
- خطورة ماذا؟! الدستور، أم من يطالعونه؟! أفق يا صفوت.. إنك تتحّدث عن الدستور المصري، وليس عن منشور سري لتنظيم ما.

قال صفوت بنفس حدته الشرسة:
- سل نفسك، لماذا يدرسونه؟!

صاح به حازم:
- بل سل نفسك أنت، لماذا لا يفعلون؟!

حدّق فيه صفوت في توتر، وبدأ شيء ما يهتز في أعماقه، وهو يقول، في لهجة أوضحت هذا:
- ليس من المعتاد أن يدرس الشباب الدستور.

أجابه حازم في صرامة أكثر:
- وهذا لا يجعلهم تنظيماً مناهضاً للحكم.

بدأت اهتزازات ذلك الشيء تتزايد في أعماق صفوت؛ ولكنه قاومها باستنفار كل طاقة العناد في أعماقه، وهو يقول في حدة:
- نشأت باشا يعلم كل ما يحدث، وهو الذي أصدر أوامره بذلك، إنني لم أعتقلهم دون موافقة رسمية.

سأله حازم في سرعة:
- وهل أصدر أمراً رسمياً بهذا؟! ألديك ورقة واحدة تحمل توقيعه؟!

بلغت اهتزازات ذلك الشيء ذروتها، في أعماق صفوت؛ حتى إن صوته قد انخفض، وهو يغمغم:
- لقد أصدر أمراً شفهياً.

ارتسمت ابتسامة شبه ساخرة، على شفتي حازم، وهو يقول:
- إذن فهو يستطيع التنصّل من كل هذا، وإلقاء التبعة كلها عليك، إذا ما تعقدّت الأمور.

امتقع وجه صفوت، وقاوم في استماتة؛ حتى لا تبلغ اهتزازات أعماقه سطح ملامحه، وغمغم في توتر:
- إنهم يرفضون الاعتراف على أية حال.

سأله حازم في صرامة غاضبة:
- لماذا تواصل تعذيبهم إذن؟! ألا تدرك ما فعلته بهم؟!

أجابه صفوت في سرعة:
- الصحيح.

امتقع وجه صفوت أكثر، فمال حازم نحوه، وأضاف بكل الحزم:
- أفرج عنهم، وأعدهم إلى بيوتهم.

- "تفرج عنهم؟!"
هكذا هتف نشأت باشا مستنكراً، عندما نقل إليه صفوت حواره مع حازم، فانكمش صفوت في مقعده، وهو يقول:
- إنهم يرفضون الاعتراف..

قاطعه نشأت في غضب:
- هذا يعني أنك لم تتعامل معهم بالوسيلة المناسبة.

هتف صفوت مدافعاً عن نفسه:
- لقد استخدمت كل الوسائل يا باشا.. من الضرب المبرح، وحتى الصعق بالكهرباء، مروراً بحمامات المياه المثلجة، والتعليق من الأرجل، و....

عاد نشأت يقاطعه، وهو يتراجع في مقعده:
- ولم يعترف أحدهم!

هزّ رأسه نفياً في بطء، ثم أضاف في صوت خافت:
- أسرهم كلها تقدّمت بعدد من الشكاوى للنائب العام، وجمعيات حقوق الإنسان، وحتى لرئاسة الجمهورية.

زمجر نشأت، وهو يقول:
- لا أحد يستطيع أن يمسنا بسوء.. إننا نحمي النظام.

صمت صفوت دون تعليق، وإن حملت عيناه كل الرعب، الذي يعربد في أعماقه، فتراجع رئيسه، وداعب ذقنه بسبّابته وإبهامه، وهو يعيد دراسة الموقف كله.

الأمر يتصاعد بالفعل، من أجل عيال كما يسميهم.
وكما يقولون في الأمثال الشعبية: "العيار الذي لا يصيب، يصنع الضوضاء".
ولقد علّمه عمله ألا يقف أبداً في العاصفة.

ثم إنه لن يستطيع تبرير موقفه أمام أية جهات تحقيق..
من يستطيع أن يقول: إنهم ألقوا القبض على هؤلاء الأولاد؛ لأنهم يمتلكون نسخاً من الدستور.
لن يستطيع هذا أبداً.

ولكن المفترض أن أحداً لن يوّجه إليه أية اتهامات؛ فهو لم يصدر أية أوامر رسمية، لا باعتقالهم، ولا حتى بخروج عربات الأمن المركزي مع الحملة.

صفوت هو الذي أصدر كل الأوامر.
هو ألقى إليه الأمر شفاهةً، وهو تولّى بحماسته الزائدة، توريط نفسه، في كل التوقيعات والأوامر الرسمية.

وهذا يعني أنه يستطيع الإطاحة به، إذا ما تعقدت الأمور، باعتباره المسئول الوحيد عن كل هذا.
المشكلة أن صفوت هو أقرب ضباط أمن الدولة إليه، وأكثر من يعرف عن تجاوزاته وسلطوياته العنيفة.
وهذا يجعله مكمن خطر كبير.

- "أفرج عنهم يا صفوت".

نطقها في حزم، حمل كل توتره، فرفع صفوت عينيه إليه في لهفة، مرددّاً:
- أفرج عنهم يا باشا؟!

أشار نشات بيده، قائلاً:
- اصنع لكل منهم ملفاً، تحت بند الاشتباه في الممارسات الإرهابية، واحصل على كل المعلومات عنهم، ثم أفرج عنهم، وضعهم لأسبوعين تحت المراقبة.

تمتم صفوت في توتر:
- ممارسات إرهابية؟!

مال نشأت إلى الأمام، وقال وكأنه يلقنه درساً:
- تعديلات قانون الطوارئ الجديدة، قصرت استخدامه على حالات الإرهاب والمخدرات، ولسنا الجهة المنوط بها التعامل مع المخدرات، فماذا يتبقى لنا؟!

غمغم صفوت:
- الإرهاب؟!

اعتدل نشأت في حركة حادة، وضرب بيده على سطح مكتبه، هاتفاً بلا مبرّر:
- بالضبط.

تردّد صفوت لحظات، ثم سأله في حذر وخفوت:
- هل تصدر الأمر بهذا؟!

هزّ نشأت كتفيه، والتمعت في عينيه نظرة عجيبة، وهو يقول:
- وما شأني أنا؟! أنت أصدرت أمر اعتقالهم، فأصدر أمر الإفراج عنهم.

شحب وجه صفوت، وهو يغمغم:
- آه.. بالتأكيد.

ظلّت عبارة رئيسه الأخيرة تلتهم عقله، حتى بعد أن عاد إلى حجرته، واستقر خلف مكتبه.
لقد كان حازم على حق. نشأت باشا يتنصّل من الأمر كله بالفعل. ولقد أخبره صراحة أنه المسئول عنه.

اختنق بالفكرة، وجذب نسخة الدستور الخاصة بخالد، وراح يقلّب صفحاتها في توتر.
وفي تلك اللحظة فقط، أدرك أنه لم يقرأ هذا الدستور أبداً، ولم يعرف شيئاً عن بنوده، لا قبل تعديلها، ولا حتى بعد التعديل.

حاول أن يُطالع بعض مواد الدستور، أو حتى بعض النقاط، التي وضع تحتها خالد خطاً، أو كتب عنها ملحوظة ما؛ ولكن ذهنه كان مشتتاً إلى حد كبير، فعجز عن التركيز تماماً، مما جعله يدسّ النسخة في جيب سترته؛ لعله يستطيع مطالعتها فيما بعد، في ظروف أخرى.

وفي صعوبة، أمسك قلمه، وتردّد بضع لحظات، وهو يضع أمر الإفراج أمامه، وعقله يتساءل: أيهما الأفضل، أن يفرج عن هؤلاء الشباب الآن، أم يواصل تعذيبهم، حتى يحصل على اعترافات، تغيّر وجه الموقف؟!

أيهما الأفضل؟!
أيهما؟!

يتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 29-03-11, 04:27 PM   المشاركة رقم: 30
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري
محرر مجلة ليلاس

البيانات
التسجيل: Sep 2010
العضوية: 190966
المشاركات: 20,103
الجنس أنثى
معدل التقييم: تفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميعتفاحة فواحة عضو مشهور للجميع
نقاط التقييم: 11911

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تفاحة فواحة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 

مشكوره اختي وبنتظار الفصول الاخرى للكاتب الرائع

 
 

 

عرض البوم صور تفاحة فواحة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثورة, الثورة المصرية, الدكتور نبيل فاروق, عهد amsdsei
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 09:52 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية