منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   من أجل عينيها (https://www.liilas.com/vb3/t152142.html)

الغالي المزيون 03-12-10 08:05 PM

من أجل عينيها
 
مررررررررررررررراحب يا الربع............
شلووووووونكم؟؟ شخبارررررركم؟؟

اليوم بنزل لكم رواية قمة في الروعه اسمها (مــن أجـل عينيهــــا) للكاتبة صديقتي المتميزة ®°. بنـــت قميــــرا.°®
ارجو منكم اصدقائي ان تشجعوها لأنها أول رواية لها و قد اعجبتني بشدة ارجو ان يعجبكم ما خطت بيدها من افكار رائعه
واليكم الروايه:

***مــن أجـل عينيهــــا***

المقدمـــــــــــــة:

هذه أول قصة أكتبها فأرجو أن تنال الإعجاب و أن يحبها الناس مثلما أحببتها أنا. لقد أخذت مني سنة كاملة في تأليفها و أربع سنوات حتى تشجعتُ لكتابتها على الكمبيوتر، فأرجو من كل قلبي أن يرى كل من يقرأها أنها استحقت كل ذلك التعب الذي قضيته عليها.
مــــــع تحياتي:
®°. بنـــت قميــــرا.°®

* شكر خاص ابعثه من كل قلبي لأختي التي ساعدتني و وقفت إلى جانبي خطوة بخطوة رغم بعد المسافات بيننا و كانت لي خير معين في مشواري الطويل~
و لصديقتي العزيزة " نسمـــــة صيـــــف " التي ألهمتني بقصائدها و خواطرها الرائعة.


نبــــــــــــــذة قصيـــــــــــــــــــــــرة:

المــــال، القــــوة، النفــــوذ، السيطــرة، الغــرور والتكـبر، القســوة، الشــر، الخــوف، الحــزن، الظلــــم، الكراهيــة، القتــل، التسامــح، العطــــف، إثبــــات الــــذات، التواضــع، الرحمــة، الخيــر، الشجاعـــة، الفــرح، العـــدل، الأخــــوة، و أهم من ذلك كله "الحــــــــــــــــــــب" ,,,,, كل ذلك تجدوه في قصتي (مــن أجـل عينيهــا)

*قتـــــال مريـــر لإثبـــات السطـــــوة و القـــــــوة و النفـــــــوذ.

*نــــــداء مـــــؤلم لنثبــــت أن إخـــــــوة الـــــــدم تبقـــــــى مهمــــا حــــــاول البعـــــــــض تكـــــذيبها أو إخفــــــائها.

* صـــراع قـــــــاتل للبـــــــقاء على الحيـــــــاة, ولإثبـــــــات أن الحـــــــــب بالصبــــــر و القـــــــوة يتغلــــب على كـــــــــل الصعـــــاب.

وفي النهاية لابد أن نعترف أن الطيبة و العدل و التسامح هم الفائزون وكلام بعض الناس أن الدنيا لم يعد بها خير ليس صحيحاً، فالخير هو المنتصر دائما.......



ما قبـــــــــــل البدايـــــــــــة:

كان هناك شاب اسمه أحمد الأحمد كان طويلا ذا شعر أسود و عينان حادتان بلون بني غامق.. كان أحمد مغرورا و يتميز بصفتين قد يكرههما معظم الناس ( العصبية و الغيرة ) و بسبب عصبيته الزائدة تطلق من زوجته -و التي كانت ابنة عمه- بعد قصة حب دامت سنوات و بعد أن رزقا بطفلين، الأول أسمياه حسام و الثاني خالد.

بعد مضي عدة أشهر نسى أحمد زوجته و أولاده و تعرف على أمينة و هي مطلقة مثله أخذ منها زوجها ابنتها الوحيدة رحاب...

و هكذا تزوج أحمد من أمينة و أسكنها في قصر كبير، و لكن و قبل أن يكملا سنة من حياتهما معا، دبت الخلافات بينهما و لم تستحمل أمينة غيرة أحمد و عصبيته الشديدة و لم تنفع الواسطة و تدخل الأهل و الأصدقاء بينهما و لم يشفع لهما حمل أمينة بابنهما لحل المشاكل الكثيرة التي بدأت تزيد و لا تطاق...

و بعد مضي عدة أشهر كان ثمرة زواجهما طفل سمي في المستقبل باسم "سليم" ...

و هكذا عندما أتى سليم إلى الدنيا تنازع والداه نزاعا شديدا و صل أخيرا إلى أبغض الحلال عند الله (الطـــــــلاق) لتتوقف صراعاتهما عندما يتنكر أحمد الأب العصبي الغيور لابنه بقوله أنه ليس ابنه لأنه لا يشبه ( بسبب عيناه الزرقاوان و شعره الأشقر ) ، و بهذا ترفضه أمه لتفضل كرامتها عليه بعد أن أهانها أحمد بكلامه حين أتهمها بأغلى ما تملك [شرفهـــــا]...
و من دون رحمة تركاه مكانه و صوت صراخه يرج أركان القصر الكبير و كل واحد منهما يتحدى الآخر حتى يرجع و يأخذه...
و لكـــــــــــن.... لم يرجع له أحد،،،
و عاش أحمد حياته معتقدا أن أمينة رجعت لذلك الطفل البائس و أخذته، و كذلك عاشت أمينة على أمل أن أحمد أخذ الطفل الذي نزفت جراح كرامتها بسببه....


و هنا تتجلى رحمة الله تعالى بعباده الذي أنزل لطفه على ذلك الطفل الضعيف؛ فالأمر الذي لا يعرفه أحمد و أمينة أن امرأة كانت تعمل عندهم من شهرين كأحد الخدم في قصرهما قد سمعت كل نزاعهما و رأتهما و هما يتركان طفلهما بكل عناد و قسوة - هذه المرأة قد جار عليها الزمن و افترقت عن زوجها وأطفالها بعد أن أفلس بسبب الحرب و الركود الاقتصادي في الدولة فذهب هو للجيش ليشارك مع أبناء وطنه في الحرب و انقطعت أخباره و لم تعرف عنه إن كان حيا أو ميتا و بذلك اضطرت أن تترك أطفالها عند أمها و لم تجد من يعينها هي و أمها و أولادها إلا أن تعمل كخادمة في ذلك القصر- و كأن الله قد أرسلها رحمة لهذا الصغير الذي لا حول له و لا قوة.. فبعد أن مزق بكاءه قلبها أشفقت عليه و هو الذي لم يكمل أسبوعا من حياته فأخذته و قامت بإرضاعه بدلا من طفلها الرضيع الذي تركته مع باقي أطفالها عند أمها ( فعوضها الله به وعوضه بها ).

و لم تمضي أشهر قليلة حتى عاد زوج هذه المرأة المسكينة "اسمه عبد الوهاب" و قد انتهت الحرب، و أيضا رحم الله بحالهم كما رحمت تلك المرأة ذلك الطفل الوحيد فقد ورث زوجها الكثير من الأموال من أحد أقرباءه البعيدين و رجع أغنى مما كان بكثير و جاء ليأخذ زوجته و أطفاله و معهم الضيف الجديد و الذي أسمياه "سليم" و ذهب بهم إلى بلدة ثانية ليعيش سليم بينهم كفرد من عائلتهم و هو لا يعرف شيئا عن والداه الحقيقيان وما فعلاه به في لحظة غضب و عناد و كبرياء زائفة...

و عندما أصبح عمر سليم 6 سنوات هاجر بهم عبد الوهاب إلى إيطاليا ليعيشوا بها إلى أن أصبح عمر سليم 25 سنة فعندها أخبره والداه اللذان قاما بتربيته الحقيقة كاملة،،،

بعد 3 سنوات رجع سليم إلى بلده كي يأخذ حقه من الذين ظلموه و لكنه وبعد أن أجرى تحقيقاته أكتشف أنه تأخر كثيرا، فوالداه أحمد و أمينة قد توفيا، و أحمد بعد أن طلق أمينة رجع إلى زوجته الأولى و ابنة عمه و تأسف منها عما بدر منه تجاهها و وعدها بأن يتغير فعاشا مع ولديهما في سعادة و أنجبت له فتاة أسماها صبا... و المصيبة العظمى حدثت بعدما رأى أحمد شكل ابنته صبا التي كانت تحمل ملامح سليم سواء في الشعر الأشقر أو العينان الزرقاوان.. وعندها ذهب أحمد ليسأل أمه في أمر أولاده و قد أخبرته بحقيقة زلزلت يانه، حقيقة لم يكن يعلمها و هي أن والدة جدته كانت من أصل غير عربي، و بذلك أكتشف أن ابنه الذي أنكره ورث شكله منها و بسبب العصبية فقد ولده و زوجته في لحظة، و عندها ندم أشد الندم و لكن ندمه جاء متأخرا جداً.. أما أمينة فهي أيضا رجعت إلى زوجها و ابنتها و عاشت راضية مع أسرتها و أنجبت ولدا أسمته طارق،،،،
و هكذا عرف سليم أن لديه إخوان من أبيه و آخرين من أمه و طبعا لم يكن له أشقاء... وكل إخوانه يعرفونه و لكن لا يحبونه ولم يتقبلوه إلى الآن ماعدا صبا أصغر إخوانه.
هل يستطيع سليم كسر الحواجز و إقناع إخوانه بحبه؟؟ سنرى...

الغالي المزيون 03-12-10 08:10 PM


شخصيــــــــات القصـــــــــــة:

* بطل القصة:

سليم عبد الوهاب--> شاب أعزب في الثامنة و العشرين من عمره، ثري جدا و يملك الكثير من العقارات و الشركات التجارية و معارض السيارات،،،
في بداية حياته عمل بالتجارة مع والده عبد الوهاب و نجح بها نجاحا باهرا نظرا لذكائه و سرعة بديهته ثم انفصل عن شركات والده و عمل وحده و هو الآن تاجر مشهور يعرفه أغلبية التجار و أصحاب الأموال حول العالم... عاش 22 عاما من حياته في إيطاليا، و الآن و بعد أن أصبح عمره 28 عاما عاد ليستقر في بلده الحقيقي.
سليم رجل وسيم جدا، أشقر الشعر و عيناه زرقاوان، ومن صفاته أنه عنيد جدا و لا يردعه شيء عن تحقيق ما يريد مهما كان صعبا، قلبه ابيض و يتميز بالطيبة و عدم الحقد على أحد و لكن عندما يغضب فالهروب منه خير وسيلة للنجاة لأنه يصبح كالأسد الجائع الذي لا يرحم فريسته،
أعتاد على الحياة الرغيدة في القصور و العيش الهنيء و لكنه رغم ذلك لم ينسى أصله و بلده فهو رجل شهم و لا يحب أن يظلم أحدا،،،
يقاتل بشدة حتى يفوز بحب إخوانه فهل يستطيع إقناعهم بتقبله؟؟ ومن هي المرأة التي ستسلب منه قلبه و عقله و وجدانه و تجعله يحارب كل العالم من أجل عينيها الرماديتين؟!! سنــرى¡¡

* والداه اللذان قاما بتربيته:

والده-->اسمه عبد الوهاب و هو تاجر ثري مازال يسكن في إيطاليا مع زوجته وأولاده بعيدا عن بلده و طيلة حياته لم يفرق بين سليم و باقي أولاده.

أمه--> اسمها جمانه و هي إمرأة جميلة و رغم تقدم العمر بها إلا أنها مازالت بكامل صحتها و جمالها و هي تحب سليم كثيرا أكثر من أولادها لأنها تخاف من فقدانه بعد أن عاش تحت جناح عطفها و حنانها لمدة 28 عاما و لذلك دللته كثيرا حتى أن أصغر أولادها كان يغار منه و بنظره هو الأحق بكل هذا الدلال..
جمانة امرأة متسلطة تعودت على الأمر و الطاعة ممن حولها و قد ساعدها حب زوجها الكبير لها و عدم رفضه لأي طلب تريده.

* إخوانه من الرضاعة، أبناء جمانه و عبد الوهاب:

يعقوب-> عمره 39 سنة، قاسم-> عمره 32 سنة، وحيد-> عمره 29 سنة.
و جميعهم متزوجون و يعملون عند والدهم في شركاته في إيطاليا.

أمجد-> آخر العنقود عمره 25 سنة و هو أعزب و يعمل شرطي و قد رفض العيش في إيطاليا و رجع إلى بلاده منذ أن كان عمره 20 سنة و دخل كلية الشرطة و تخرج منها.

و لديه أيضاً أختان توأم كل واحدةً منهما متزوجة و مسافرة مع زوجها لبلدٍ مختلف...

* أصدقاءه:

الصديق الأول--> أكرم و هو صديق سليم المقرب و الوحيد في بلده هذه، و هو أيضا محاميه الخاص و حافظ أسراره و المشرف على أعماله، يحبه سليم كثيرا و يعتبره كأخ له، يدخل مع سليم في مشاكله رغما عنه فيقاسي كثيرا عندما تبدأ الصراعات بين سليم وأعداءه. يحاول أكرم بكل الطرق و الوسائل حتى يثني سليم عن حب من أسرت قلبه فهل ينجح؟؟
أكرم عمره 28 سنة مثل سليم و هو طيب و ذكي جدا و واسع الحيلة و لكنه جبان و يخاف من أي شيء، و هو متزوج و لديه عائلة مكونة من ولدين و بنت و أيضا يسكن معه أمه و أباه و أخواته السبع و لأنه الرجل الوحيد لعائلته بعد أباه المريض فهو المسئول عنهم و المتكفل بمصاريفهم.

الصديق الثاني--> يزن و هو بالنسبة لسليم صديق الطفولة و أيضا له نفس سنوات العمر و يعمل عنده في إحدى شركاته بإيطاليا و هو متخصص بأجهزة الكمبيوتر و برمجتها، سكن طيلة حياته في إيطاليا وكان والده صديقا حميما لوالد سليم "عبد الوهاب" . مات والد يزن عندما أنهى دراسته الثانوية و تكفل عبد الوهاب بإدخاله للجامعة. يزن يحب الأموال كثيرا و دائما يتعمد نقل أخبار سليم إلى أمه جمانه لأنها تعطيه الكثير من الأموال و هو إنسان فضولي يحب التدخل في شئون الآخرين مما يوقعه في الكثير من المشاكل. يزن متزوج في السر و لديه طفلة واحدة...

* والد سليم الحقيقي:

أحمد الأحمد--> هو من عائلة معروفه في هذه البلد وقد توفى منذ سنتين بعد أن أخبر أبناءه أن لهم أخا غير شقيق يسكن في إيطاليا.

* إخوانه من والده:

د.حسام--> عمره 38 سنة و هو طبيب مشهور، متزوج و لديه ولدان و بنت.

خالد--> عمره 32 سنة و هو يعمل شرطي برتبة نقيب، متزوج و لديه ولد و بنت.

صبا--> آخر العنقود طالبة في المدرسة عمرها 16 سنة، هي الوحيدة من قبلت بسليم من بين إخوانه، لها شعر أشقر وعينان زرقاوان مثله، وهي شقية و مشاكسة جدا و عنيدة و أكثر الأحيان تتصرف مثل الأولاد و هذا ما يغضب سليم منها رغم حبه الكبير لها، تحب الأموال و المجوهرات كثيرا و لذلك يعتبر سليم مصدرا جيدا بالنسبة لها.


* أمه الحقيقية:

أمينة--> و هي أيضا من عائلة معروفه، ماتت قبل قدوم سليم بسنة واحدة و طبعا قبل وفاتها أخبرت أبنائها بوجود أخ لهما في مكان بعيد.

* إخوانه من أمه:

رحاب العادل--> متزوجة من جمال الحسيني، و لديهما 4 أولاد و بنت واحدة، عمرها 32 سنة. كانت تعمل و كيلة لوزارة التجارة لكن زوجها أخرجها من العمل لتعتني بمنزلها و أبنائها.

طارق العادل--> عمره 25 سنة، يعمل مهندس معماري، شخصيته ضعيفة و يعتمد على أخته رحاب في كل شيء...


* الشخصيات الأخرى:

مآثر--> شابة في الخامسة و العشرين من عمرها، مطلقة و لديها بنت واحدة في الرابعة من عمرها أسمتها لينا. توفي والدا مآثر في حادث عندما كانت صغيرة فأشرف جدها على تربيتها ثم انتقلت إلى بيت خالها جمال الحسيني و الذي تكفل بتربيتها و رعايتها حتى أصبح عمرها 18 سنة، عندها قام بتزويجها بمن أختاره شريكا لها و كان من عائلة معروفة الأصل. بعد 3 سنوات فشل زواجها و طلقها زوجها بعد أن عذبها هي وطفلتها ثم قام برميها في الشارع بلا رحمه. عندما أصبح عمرها 22 سنة تزوجت مرة أخرى من دون رضاها و عادت للمرة الثانية دوامة المعاناة و العذاب حيث كان زوجها الثاني أسوأ من الأول بكثير -لأنه مدمن مخدرات- و لم تمضي أيام قليلة على طلاقها الثاني حتى مات زوجها بجرعة زائدة... فأخذها خالها جمال و ندم أشد الندم على تزويجها بذلك الرجل، و هكذا تكفل جمال بــ الاعتناء بها و تربية أبنتها و عاهد نفسه ألا يزوجها إلا لرجل يستحقها.
مآثر امرأة رقيقة جدا، بيضاء البشرة و لها شعر أسود طويل وناعم وعينان كبيرتان رماديتان يملأهما الحزن العميق مما أصابها من مآسي في هذه الحياة.

جمال الدين الحسيني--> عمره 43 سنة، متزوج من رحاب، أخت سليم.
جمال رجل عصبي لا يعرف التفاهم أبدا إلا بالصراخ و التهديد،،، و هو غيور جدا و لا يصدق إلا ما يمليه عليه عقله، و لا يتعامل إلا بلغة القوة إذ لا تفاهم معه... رغم كل هذه الصفات السيئة إلا أنه في حياته الخاصة رجل رائع فهو يحب زوجته و أولاده كثيرا ولقد اعتنى بمآثر وأبنتها.
جمال تاجر ماهر لا يضاهيه إلا سليم الذي استطاع الحصول على معظم الصفقات التي أقيمت في البلدة... و هو رجل لديه مركز كبير في بلدته و لديه سمعة واسعة و نفوذ كبير.

منير عمر--> محامي جمال و رئيس رجاله، عمره 33 سنة و هو متزوج من امرأتين واحدة منهما ابنة عم جمال الحسيني.
منير رجل قوي جدا و يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة و هو الآن القائد والمدرب الرئيسي لرجال جمال.
---------------------------------


و الآن سنبدأ قصتنا و طبعا يوجد شخصيات لم نذكرها ستتعرفون عليها في القصة بإذن الله:
®°.وجه القميرا.°®

نوف بنت نايف 03-12-10 08:12 PM

اهلا اختي الغالي المزيون ممايبدو لي ان القصه منقوله اي صديقتك تنزلها بمنتدى اخر وانتي نقلتيها لنا
فمكانها الاصلي منتدى القصص العام
لو الكلام صح خبرين لو انتي اللي تنزلينها فقط ياليت تخبريني عشان نتخذ الاجراء المناسب

ŜăƦƌ 03-12-10 08:16 PM

يعطيش الف عافيه

روااايهه إستمتعت بقراءتها

وننتظر البقيه

موفقه إن شاءالله

الغالي المزيون 03-12-10 08:19 PM

لا القصة ليست منقولة هذا أول منتدى انزلها فيه و أنا اللي اقنعتها تنزلها لأنها خجولة شوي فشجعتها واليوم وافقت اني انزلها

الغالي المزيون 03-12-10 08:25 PM

مشكووووووووووورة اختي سارة واتمنى انك تكملي قرائتها و انتظر المزييييييد من ردودك

الغالي المزيون 03-12-10 08:29 PM


الجــــــــ 1 ـــــــزء:

كان جمال كعادته جالساً في كرسيه المفضل في حديقة منزله، و هو يشرب القهوة و يقرأ الجريدة، و فجأة أخذ يصيح بأعلى صوته و هو يقلب الجريدة بين ذراعيه و يقول (( أوووف.. سليــم.. سليم عبد الوهاب هذا الحقير الذي عاش طوال حياته في روما و يدّعي أنه من هنا.. من بلدنا.. جاء فقط منذ إسبوع واحد و الجرائد لا تكف عن ذكر سيرة حياته.. "شركات سليم التجارية تتغلب على كل المنافسين"... "سليم يفتتح أكبر معارض السيارات بحضور الوزراء و كبار التجار و المسئولين"... و نحــن!!.. ألم تعد لنا أية أخبار في هذه الجرائد اللعينة؟!.. أين أخباري في الصفقات العالمية و في بنوك الأوراق المالية؟؟!.. لقد سرق مني هذا الـ سليم كل الأضواء و أصبح مثلما تقول و تنعته وسائل الأعلام "الرئيس بين عمالقة التجارة و بلا منافس" )) ثم أخذ هاتفه النقال و اتصل بمساعده منير و طلب منه الحضور إليه، و بعد ربع ساعة كان منير جالساً بجواره، و قال له و هو يبتسم بهدوء (( الصباح اليوم رائع يا جمال.. ما رأيك أن تقوم بنزهة أنت و زوجتك و أولادك؟! )) رد عليه جمال بعصبية (( أيها الأحمق لم آتي بك إلى هنا حتى تكلمني عن روعة الصباح أو النزهات التافهة، أنت تعلم جيداً أني لا أحب مثل هذه الأشياء التي لا معنى لها )) قال منير بسخرية (( إذن لماذا أتيت بي إلى هنا يا سيدي المبجل؟! )) قال جمال باهتمام (( دعك من سخريتك واستمع إليّ جيداً.. أُريد منك أن ترفع قضية على كل الجرائد الموجودة في البلاد بسبب ذلك الإيطالي اللعين سليم )) قال منير في دهشة (( هل رجعت لك تلك الأفكار المجنونة مرة أُخرى؟!! ألا تؤمن بالحرية الصحافية يا جمال؟ )) قال جمال بنفاذ صبر (( أنا لا أُؤمن سوى بشيء واحد.. نفذ ما أَمرتُكَ به و الآن )) قال منير محاولاً تهدئته (( نحن إن رفعنا قضية على الصحافة فمؤكد أننا سنخسرها.. فلذلك دعنا نستغل أنه لم يصل إلى هنا إلا منذُ إسبوع واحد )) قال جمال (( ماذا تعني بكلامك هذا؟! )) رد منير بخبث (( أعني و بكل بساطة نجعله يعرف من نحن عن طريقي أنا و رجالي و ذلك عند عودته من عمله لأنه في الغالب يرجع لوحده و بدون أية حراسة و بعض التأديب لن يضره و هذه إحدى الأفكار الكثيرة التي أُخبئها له )) قال جمال و كأنه لا يهتم لكلام منير (( و ما هي أفكارك الأخرى أيها الذكي المفكر ؟! )) و لكن قبل أن يكمل منير كلامه مع جمال دخل عليهما فتحي، الحارس الذي يقف على الباب الخارجي للمنزل و قال لجمال (( سيدي هناك شخص يريد مقابلتك في الخارج )) صرخ جمال في وجهه قائلاً (( أيها الغبي ألم آمرك مائة مرة أن لا تقاطعني و أنا أكلم منير و أن تطرد كل من يأتي في وقت إجتماعنا.. هيا إذهب و اطرده قبل أن أقتلك )) قال الحارس (( و لكن ألا تريد أن تعرف من هو قبل أن أطرده؟! )) رد جمال بعصبية (( و من الذي يأتي الآن غير شخص يستحق الطرد؟؟ )) قال الحارس (( إنه عمك )) سأله جمال بدهشة ((من؟!)) رد الحارس ببرود (( عمك.. والد حرمك السيد عادل.. و على العموم سأذهب و أطرده كما أمرتني )) قال جمال ((تعال إلى هنا... لا أعرف من الذي أقنعني كي أجعل حماراً مثلكَ حارساً لبيتي و حامياً لعائلتي.. و لكن أنا الملام على ذلك.. لماذا لم تقل منذ البداية أنه عمي.. هيا اذهب و ادخله و عندما يأتي مرة أُخرى دعه يدخل بسرعة و من دون إذني )) و عندما ذهب الحارس إلتفت جمال إلى منير و قال له بضيق (( ما الذي أتى بهذا العجوز الآن؟؟ دائماً يأتي في الوقت غير المناسب.. اذهب الآن يا منير و سنكمل كلامنا فيما بعد ))........


الجــــــــ 2 ـــــــزء:

ذكرتـــكـ...
فريحكـ مع رياح الكون تذكرنــــــي..
و دمعكـ حـــــــزن..
و شعرُكـ ليـــــــل..
و خـــــــدكـ ورد..
و ثغـــــــــركـ دم..
للكاتبة: نسمة صيف

و في مكان ما و بالضبط في أكبر قصر في المدينة، كان سليم يقف فوق سطح قصره و هو يستنشق الهواء و يتذكر ما حصل معه بالأمس عندما رأى لأول مرة تلك الشابة الجميلة الرقيقة و التي كانت في السوق مع زوجة جمال الحسيني.. السيدة رحاب العادل.. أختـه.. إنه لا يعرف اسم تلك الشابة بعد، و لا يعرف من هي و ما الذي فعلته به؛ فكلما تذكر وجهها الحزين أو عينيها الرماديتين أو شعرها الأسود الطويل، يحس بدقات قلبه تتسارع.. يا ترى هل يحبها و هو لا يعلم... لا لا لا ..مستحيـــــل!! سليم أكبر عملاق في التجارة الآن والذي استطاع مسح اسم جمال من الصحافة يُحِــب!! إن هذا جنون بلا شك... ثم قطع حبل أفكاره صديقه و هو يضع يده على كتف سليم و يقول (( صباح الخير.. فيما كنت تفكر يا سليم؟ لقد كنت أكلمك و لكنك لم تنتبه )) ابتسم سليم و هو يقول (( أهلاً أكرم.. متى وصلت من إيطاليا؟ )) أخذ أكرم كرسي و جلس بجانب سليم الواقف و قال له (( الآن فقط.. وجميع معاملاتك و مشاريعك في روما ناجحة جداً و أرباحك هذا الشهر عظيمة )) أخذ سليم كرسي و جلس بجانبه ثم قال بإهتمام (( أنا الآن لا يهمني كل هذا، بل أريدك أن تساعدني في موضوع شغل بالي كثيرا )) قال أكرم (( و ماهو هذا الموضوع يا صديقي.. اطلب و تمنى )) قال سليم بحرج و كأنه يستعد لإلقاء محاضرة (( طبعاً يا أكرم قبل أن تكون المحامي الخاص بي فأنت صديقي الوحيد في هذه البلد التي أنا منها، و لكني قضيتُ السنوات الماضية من عمري في إيطاليا و لا أعرف هنا أحدا سواك، حتى إخوتي هنا لا أحدَ منهم يحبني.. و كما تعلم لقد تربيتُ بعيداً عن أُسرَتي الحقيقية و لا معين لي هنا بعد الله سواك و... )) قاطعه أكرم قائلا (( بدون مقدمات يا سليم فأنا أعرف ما ستقول في هذه المحاضرة الطويلة، فنحن أخوان و أنا خير من يعرف قصة حياتك.. فإذن توقف عن سردها لي و إضجاري و أخبرني في الحال ماذا تريد؟ )) مسح سليم رأسه بخجل و أخذ ينظر للأرض ثم قال بعد تردد طويل (( أكرم.. أنا.. أنـا.. )) قاطعه أكرم مرة ثانية (( أنت ماذا يا سليم؟! تكلم بالله عليك و لا تجعلني أُصابُ بالمرض بسببك.. أنت مـاذا؟! هيا تكلم )) قال سليم بسرعة بعدما احمر وجهه كثيراً (( أنا أُحِبُ )) أخذ أكرم ينظر إليه بدهشة كبيرة جداً، ثم انفجر ضاحكاً بصوت عالي، و استمر في الضحك طويلاً فأخذ سليم ينظر إليه و الشرر يتطاير من عينيه و بحركة سريعة أمسكه من قميصه و رفعه عالياً -و قد كان سليم أطول و أقوى من أكرم- و قال له غاضبا (( أتَسخَرُ مني يا أكرم؟!!.. حسناً الآن سأُعلمك معنى السخرية من مشاعر الآخرين )) ورفع سليم قبضته اليسرى لكي يضربه بها و لكن أكرم صرخ بتوسل (( أرجوك يا سليم اتركني.. لم أكن أقصد السخرية منك.. أنزلني و سأفهمك كل شيء.. إنك تقطع أنفاسي.. سأموت إن لم تتركني )) تركه سليم و قال له (( هيا تكلم و إلا ستلقى ما لا يعجبك )) أصلح أكرم ملابسه ثم عدل من جلسته و قال (( أولاً،.. إذا أردت إستعراض عضلاتك فإفعل هذا بعيداً عني، ثانياً،.. بصراحة لقد اندهشت كثيراً، سليم أكبر العمالقة في عالم المال يحـــب! كيف و متى يا رجل؟! كم من امرأة جميلة تمنت و لو نظرة واحدة منك يا سليم، و كم من امرأة لاحقتك سواء كانت أميرة أو ابنة واحد من الأثرياء في ايطاليا و أنت لم تكن تبالي.. و الآن و بكل بساطة الرجل الحديدي ذو القلب الصخري يأتي و يطعن قلبه بخنجر ذهبي و يفتت الصخرة العالقة في صدره و يحــب.. أن هذا رومانسي جدا.. أكيد أن الصحافة ستتابع أنباء هذا الحب الأسطوري لسليم عبد الوهاب )) قال سليم بعد أن نفذ صبره (( إن لم تكف عن سخريتك و كلامك الذي لا فائدة منه يا أكرم فأقسم أن أحملك و أرمي بك من السطح و بذلك أستريح من لسانك الطويل يا ثرثار.. أي قلب و أي صخر تتكلم عنه؟! و ما هذه التفاهات التي تهذي بها؟! أريدك أن تساعدني بعد أن فتحت هذه المرأة الجميلة قلبي للحب لأول مرة.. ثم من الذي أخبرك أن من يملك الأموال الكثيرة لا يستطيع أن يحب مثل باقي البشر؟؟ إن لي قلباً مثلك و أنت تعرف أن أموالي رغم كثرتها فهي آخر هم لي في الدنيا )) قال أكرم وهو يكتم ضحكته بقوة (( أنت تحــــب.. أنا لا أصدق أبداً يا سليم، حتى لو نفذت تهديدك و قمت برميي من السطح فلن أصدق.. هل تعرف؟ أنت مجنون كبير )) قال سليم بأعلى صوته و هو يقف و يرفع يديه عاليا كأنه سيطير (( أعـــرف.. و لكن هذا لن يغير في الأمر شيئا، فأنا لا أجدني إلا و أنا أصرخ بكل جوارحي نعم.. نعم أحبـــها يا أكرم، أحبــــــها ... أحبــــــــــــها، لا أعرف ما الذي فعلته بي و لكني أحبها أكثر من أي شيء في حياتي، لقد حركت في قلبي كل ما أحس بداخلي و كل ما حدث لي من مصائب حينما رفضني أخوتي و عندما رأيتُ فيها ذلك الفيض الدافق من الحزن العميق الممزوج بروح جميلة داخل عينيها الرماديتين هانت علي مصاعب الدنيا.. )) ثم جلس و أكمل (( المهم المطلوب منك معرفة من تكون يا فالح.. و إلا سوف أطردك أيها الثرثار.. و المعلومات التي عندي مواصفاتها فقط )) قال أكرم (( حسناً.. سأفعل ما تريد فقل لي الآن مواصفاتها و أين رأيت حورية البحر التي حطمت أسطورتك العالمية يا سيد سليم؟ )) قال سليم بثقة و بساطة (( لقد رأيتها أمس في السوق )) نظر إليه أكرم لبضع ثواني ثم قال له بدهشة (( نعــــم ؟! رأيت بالأمس شابة في السوق و اليوم تصرخ بصوت سمعه جميع أبناء البلدة أحبها.. بالتأكيد لقد فقدت عقلك و لكن ماذا أقول )) ثم ابتسم وأكمل (( هيا أخبرني ما هي مواصفاتها و بسرعة قبل أن أغير رأيي و الحمد لله الذي هداكَ للزواج أخيراً.. هيا تكلم بسرعة يا عاشق )) قال سليم و عيناه شاردتان و كأنه يراها تقف أَمامه (( إنها متوسطة ليست قصيرة و لا هي بالطويلة جداً.. لها عينان رماديتان كبيرتان و شعرٌ أسود طويل.. وهي جميلة جداً ذات ملامح واضحة و بشرة بيضاء بلون الثلج و لا أعرف لما لم يطلقوا عليها اسم بياض الثلج )) قال أكرم (( يا للروعــة!! عاشق و شاعر أيضا.. إذن لنجمع لون عينيك الزرقاوان مع عينيها الرماديتان و سيكون للسعادة طعم رائع.. و على العموم كيف سأعرفها من هذه المواصفات يا سليم؟!! .. بالله عليك كم فتاة في هذه المدينة تحمل هذه المواصفات؟ .. ألا توجد لديك أي معلومات أُخرى عنها؟؟ )) قال سليم بعد تفكير طويل (( لا.. و لكن.. انتظر لحظة.. نعم لقد تذكرت.. رأيتها أمس في السوق مع حرم السيد جمال.. السيدة رحاب العادل.. نعم لقد كانت معها )) وقف أكرم من على الكرسي و قال لسليم و كأن شياطين الدنيا قد وقعت على رأسه (( هل أنت متأكد أنها كانت مع السيدة رحاب العادل؟! .. و هل نظرتَ إليها؟!! .. يا للمصيبة و أحببتها أيضاً.. و تصرخ علانية بحبها!! .. كان يجب أن لا تنظر إليها.. نحن هنا في دولة عربية و لسنا في إيطاليا يا سليم.. ماذا فعلت بنفسك؟؟ .. ألا تعلم أن جمال يرسل رجالاً يحرسون زوجته.. ألم ترهم؟؟! )) قال سليم و هو ينظر بعجب إلى أكرم الثائر (( اسمع يا أكرم لا أعرف ما الذي أصابك و لكني رأيت الرجال الذين يحرسون زوجة جمال و كان معي رجالي أيضاً.. هل تعرف تلك الفتاة؟ ... أرجوك أخبرني قبل أن أفقد عقلي )) قال أكرم بتوتر (( لا يهمك الآن سوى فقدان عقلك، إن جمال الحسيني يكره أن ينظر أحدٌ إلى نسائه و حرماته ... فهل تعتقد أنه عندما يأمر رجاله الذين تبلغ أجسادهم ضعف أجساد رجالك بضربك سوف يفعلون ذلك علانية، كلا يا رجل سيفعلون ذلك في الظلام عندما تعودُ من عملك، و لا تنسى إنك في أغلب الأحيان تخرج بمفردك من العمل يا سليم و جمال رجل غيور جداً و بمعنى الكلمة و له في هذه البلدة سطوة كبيرة و رجاله أكثر من رجالك... أتفهم؟!! )) قال سليم و عيناه تشعان بالغضب من أكرم و خوفه (( أولاً أنا لست ملكاً أو حاكما ًيهدد بالاغتيال حتى أمشي في كل مكان مع رجالي.. ثانياً أنا أستطيع حماية نفسي و لو كان حولي مائة رجل و أنت أدرى الناس بي.. و ثالثاً و هو الأهم أنا نظرت إلى الفتاة و ليس إلى رحاب زوجة جمال ثم ما علاقة جمال بالموضوع و بالفتاة أيضا؟ )) قال أكرم و هو ينظر إلى سليم و إصراره و ثقته بنفسه (( إذن أنت تعترف أنك نظرت إليها .. الحمد لله أن رجاله لم يلاحظوك و إلا كنت الآن في القبر .. حسناً سأخبرك الآن من هي هذه الفتاة التي أشعلت قلبك بالنار )) قال سليم بتفاخر (( قبل أن تخبرني .. إعلم أني تعمدت النظر إليها أمام رجال السيد جمال و لقد سألتها عن إسمها لكنها لم تجب و لم يستطع أن يفعل بي رجال جمال أي شيء فأنا سليم .. و الآن تكلم )) قال أكرم و قد نفذ صبره من تصرفات سليم اللا مبالية (( حسناً يا مغرور اسمع .. الفتاة هي ابنة أخت جمال الحسيني و اسمها مآثر ولقد تزوجت مرتين و أيضاً طلقت مرتين ، طلقها زوجها الثاني منذ 6 شهور و مات بعد عدة أيام من طلاقها ، و لديها طفلٌة من زوجها الأول.. و الآن يا مغرور هل يستطيع سيادتكم بهذا الغرور اللامحدود و الثقة الزائدة أن يذهب إلى جمال و يخطبها؟! )) قال سليم بسرعة (( نعم و لكن كم عمرها؟ )) نظر إليه أكرم بدهشة ثم قال ليتأكد مما سمعه (( ماذا قلت ؟! )) صاح فيه سليم ظنا منه أن أكرم لم يسمعه (( كم عمرها ؟ ألا تسمع أيها الأصم ؟)) اتسعت عينا أكرم من عناد سليم ثم قال باستسلام و هو يدري أن أي نقاش لن يفيد مع سليم عندما يصر على شيء (( عمرها 25 سنة و أنا أعتقد أنها صغيرة عليك فبينكما 3 سنوات و الآن هيا لننسى هذا الموضوع )) وقف سليم و صرخ من الفرح (( هذا ما كنت أبحث عنه 25 سنة بالضبط مثلما فكرت.. سأذهب اليوم لأطلب يدها )) صاح أكرم بغضب لم يستطع إخفاؤه و أسنانه تصطك ببعضها (( أتريد أن تفقدني عقلي؟! هل أنت مجنون أم أنك تحب الموت السريع؟!! )) رد سليم و هو مستمتع بالحالة التي وصل إليها أكرم (( الإثنان معاً.. و أنت ستذهب معي لكي تكون ولي أمري .. فماذا تقول يا أكرم الحبيب؟! )) قال أكرم (( لا تكن غبياً لن أذهب معك إلى أي مكان.. أنا المعيل الوحيد لأهلي و ما زلت صغيراً و غير مستعد للموت بيد جمال.. إذا أردت اذهب وحدك و لكن ضع في الحسبان عدة أشياء، أولها أنك سرقت جميع الاضواء من جمال و لذلك فهو يكرهك و ثانياً أنه إذا وافق عليك سيعمل على استغلالك بها و أخيراً أنه إذا قتلك فلن تجد من سيثأر لك أو ينتقم )) قال له سليم وهو يتحداه (( أنا لا أحتاج مساعدة منك سأذهب إلى "مستر" جمال لوحدي و سترى أنني كالعادة سأحصل على ما أريد )) رد عليه أكرم (( حسناً إذهب إليه و لكن اعلم أنه سيقتلك بمجرد أن تقول له "مستر".. أنا ذاهب فلدي الكثير من الأعمال )) وقف سليم أمامه و هو يضحك ثم قال (( هيا يا أكرم .. لا تنظر إلي بغضب هكذا أعلم أنك تود أن تشتمني و تضربني .. نحن ما زلنا أصدقاء رغم عصبيتك الزائدة و أعدك عندما أتزوجها و أُريك ذلك سأضربك لأنك لم تصدقني و إعتبرتني مجرد لاهي يريد أن يلعب مع إمرأة جميلة سنرى من سيضرب من في النهاية )) قال أكرم (( ابتعد عني واعمل ما بدا لك فلا دخل لي بمجنون مثلك )) و بينما كان أكرم يهم بالمغادرة أحس سليم بيدين ناعمتين تتعلقان بعنقه فقال بفرح شديد (( أخيراً وصل من سيذهب معي.. كيف حالكـ يا أرق إنسانه بين البشر؟ )) فقالت أخته صبا و البسمة تعلو وجهها الجميل (( بخير و لكن إلى أين سنذهب يا أوسم و أكرم الرجال؟ )) قاطعهما أكرم وهو يقول لها قبل أن يذهب (( أرجو أن تُعقلي العاشق الولهان و أعدكـ بأن أكون أكرم منه و سأعطيكـ ما تريدين من نقود يا آنستي الرقيقة )) جلست صبا بجانب سليم و قالت له (( هيا أطلب و تمنى يا أخي الحبيب )) قال سليم و هو يتصنع الجدية و الإهتمام أمامها (( أخبريني يا أختي العزيزة ما رأيكـ في امرأة شابة، جميلة، مهذبة، رقيقة، و مطلقة طرقت باب قلبي و حركت مشاعري و جعلتني أحبها )) قالت صبا بسعادة (( تحــب! .. أنت تحب يا سليم! طبعاً يا شاعر.. أولاً السمات الحسنة ثم تقول بأنها مطلقة .. أنا سعيدة جداً لأنك اخترتني حتى أعلمك البروفات الأساسية الخاصة بالزواج و أولاً التقدم للخطبة و ألف مبروك مقدماً )) رد سليم و هو يضحك على أفكارها (( مهلاً مهلاً.. و لماذا الاستعجال؟! أنا طلبت رأيكـ و لم أطلب مشاكلكـ، فأنا لست فأر تجارب لبروفاتكـ يا آنسة صبا )) ردت عليه بسرعة (( و لم لا استعجل.. اسمع كلامي و ستفوز بها و إن لم تستمع لي فأنا متأكدة أنها سترفض و لكن أخبرني من هي هذه الجميلة التي سلبت عقلك؟ )) ابتسم سليم ثم قال بخجل (( إنها مآثر ابنة أخت جمال الحسيني )) ثم تنهد و قال (( و لكن هل تعتقدين أنها ستقبل بي؟ و هل سيقبل خالها المعقد أن يزوجها لي؟! )) قالت صبا (( و لماذا لا يقبلون بك؟! أين سيجدون لها رجلا بصفاتك و طيبتك و حنانك و وسامتك؟ اطمئن ستتزوجها شاء جمال أو أبى )) ...

الغالي المزيون 03-12-10 08:33 PM

الجــــــــ 3 ـــــــزء:

و في ليل ذلك اليوم كان جمال ينتظر في مكتبه وصول ســليم عبد الوهاب بعد أن اتصل به هاتفياً و أعطاه جمال موعداً بعد صلاة العشاء، و بينما كان ينتظر دخلت إليه رحاب و قالت له و هي ترى أنه مشغول البال (( ماذا بك يا جمال؟ ما الذي تنتظره؟! أراك مهموماً جداً و كأن مصائب الدنيا كلها على كتفيك )) نظر إليها جمال نظرة طويلة ثم قال (( إنه جبل من الهموم يا رحاب.. إنني فعلاً أنتظر شخصاً مهماً و بالتحديد آخر شخص أتوقع أن اسمح له بدخول بيتي )) قالت له رحاب وهي تبتسم (( و من هو هذا الشخص القوي الذي أرهب جمال الدين الحسيني و الذي أرى أنه يحسب له ألف حساب؟! )) رد عليها جمال و عيناه تنظران إليها بتفحص ليرى ردة فعلها (( إنه سليم عبد الوهاب.. إنه الرجل الذي مسح صوري من كل الجرائد و المجلات.. الرجل الذي حرمني من كل الشهرة التي كانت تحيط بي و بشركاتي و محلاتي في خلال أسبوع واحد فقط.. و أنا أحس أنه سيجردني من كل قوتي وسطوتي في خلال معركتنا هذه.. لقد أدعىّ هذا الرجل أنه يجمع من ناحية الأخـوة بين النقيب خالد و الدكتور حسام و تلك المزعجة صاحبة المشاكل صبا من ناحية الأب، و بينكـ أنت يا رحاب و طارق من ناحية الأم.. لقد اتصل بي هاتفياً ذلك الوقح و لا أعرف لماذا أعطيته الموعد و لماذا وافقت على طلبه بمقابلتي؟!! )) قالت له رحاب مدافعة عن سليم (( إنه لم يطلب منك سوى موعداً للقائه فلماذا تنعته بالوقح يا جمال ؟! )) قال جمال بغضب و هو ينظر إليها (( لأنه سأل عنكـ )) نظرت إليه بدهشة ثم قالت (( نعم!! ماذا تقول؟! إنه أخــي.. هل نسيت ذلك؟؟ )) قال جمال بخبث واضح (( لا لم أنسى.. و لكن يجب أن تعلمي أنه لا يملك أي دليل على كلامه.. مجرد رجل مدّعي جاء و قال أن أمه التي أشرفت على تربيته اعترفت له أنها ليست أمه الحقيقية و عبد الوهاب ليس أباه، بل إن أباه أحمد الأحمد و أمه أمنية التي هي أمكـ.. و أن هذه المرأة الغبية التي قامت بتربيته، أخذته من المنزل الذي كان يسكن فيه مع والديه بعد ما اختلفا و رفض أيّ منهما أن يقبل به و تركاه و هو طفل رضيع.. و بالطبع هو لا يملك وثائق تدل على كلامه و كلام أمه التي كانت تعمل مجرد خادمة في المنزل.. و بعد 28 سنة يظهر لنا سليم هذا بكل هذه الأموال.. فمن أين حصل على كل هذا المال و الثراء؟ )) ردت عليه رحاب مهدئه له (( الأموال لا تهم يا جمال.. فهناك مائة طريقة لكي يحصل عليها، فلا تنسى أن والده عبد الوهاب كان من أثرى أبناء زمانه لولا النكسة التي أصابته بسبب الحرب فاضطرت زوجته لكي تعمل في المنازل و لكنه عاد و ورث من أحد أقاربه ثروة طائلة أكبر من ثروته السابقة فرفع زوجته إلى العالي و أخذ معها سليم.. أما عن نعتك لأمه بالخادمة فهذا يختلف.. أتحب أن ينعت أحد أمك بالخادمة لأنها أشرفت على تربية أحد الأيتام أو المحتاجين.. حرامٌ عليك ما تقوله في حق تلك المرأة.. لا تنسى أن عبد الوهاب يستطيع أن يجعلها أميرة لو أراد و أنها أنجبت رجالاً يشد بهم الظهر فلقد سمعت أن ثلاثة من أبنائها تجارٌ ناجحون و لا أعتقد أن أولادنا سيصلون إلى ما وصل إليه أولاد تلك المرأة المسكينة و تذكر أن سليم منذ ثلاثة أيام قد ضرب رجلاً حتى أسقط له أسنانه الأمامية وأدخله المستشفى بسبب أنه قال عن أمه خادمة و لا أعتقد أنك تحب أن تواجه المصير نفسه )) رد عليها جمال بعصبية و صوت عالي (( ماذا تقصدين أنها أنجبت رجالاً أو لسنا رجالاً مثلهم؟!.. بل نحن أحسن منهم فنحن نستفيد من علمنا في وطننا أما هم فيستفيدون من خبراتهم في إيطاليا البلد الأجنبية.. و أنا لم أنعت أمه بالخادمة من عندي، فهي فعلاً كانت خادمة حيث كانت تعمل في بيت أحمد و زوجته و لا أعرف لماذا أقدم رجل بمركز عبد الوهاب على الزواج بمثلها.. ولكن سليم هذا بالنسبة لي ليس سوى وقح و مدّعي.. و لا تقولي لي مرة أخرى أنه أخوكـ حتى يأتي بالدليل.. هل فهمت؟! )) قالت رحاب بحزن شديد (( و لكن من أين له هذا الدليل؟! حرام أن يظل يبحث عن شيء لا وجود له.. ثم أنه لا يوجد دليل سوى العم أحمد و أمي أمينة )) قال لها جمال ونبرات التهديد في صوته (( حسناً يا رحاب لننتهي من هذا الموضوع.. والدتكـ متوفاة منذ سنة و أحمد متوَفي منذ سنتين و لا توجد في السابق شهادات زواج و أكيد أن الذي زوجهما مات قبلهما بعشرات السنين.. و لكن مهما حصل تذكري.. أن سليم ليس أخاكـ سواء أردت ذلك أم لا.. و الآن اذهبي لأني اسمع جرس الباب و لا تكلميه و إلا..... طبعاً أنت تعرفين ماذا سيحدث لكِـ و له.. هيا اذهبي )) و ذهب جمال ليفتح الباب و عندما فتحه وجد أمامه سليم لأول مرة.. كان سليم أطول منه.. ذو شعر أشقر كثيف و عينان زرقاوان و وجه وسيم و ابتسامه جذابة.. و استغرب جمال من جماله الباهر و نظرة الطيبة التي تملأ وجهه و فمه و عينيه.. ثم قطع عليه سليم صمته وقال له (( ماذا بك يا سيد جمال؟ أهذه أول مرة ترى فيها رجلاً أشقرا و وسيما مثلي؟! مرحبـــاً.. أنا سليم عبد الوهاب أو بالأصح أنا سليم أحمد الأحمد و ما أمامك هو الدليل على أنني ابن أحمد.. فأولاده يتميزون بالوسامة مثلي )) و مد سليم يده ليصافح جمال و لكن جمال لم يأبه له و لم يمد يده و إنما قال بسخرية (( حسناً يا ابن... آآآه هل أقول ابن عبد الوهاب أيها الأشقر الجميل أم أقول ابن أحمد الأحمد يا أجمل أبناءه؟؟! هذا ليس دليلاً على أنك ابنه فأولاده لا يملكون مثل هذا الجمال المبهر.. و خالد و حسام لن يصلا إلى وسامتك مهما حاولا و أنت لا تشبه أي واحد منهما لذلك يجب أن تنسى هذا الدليل )) رد عليه سليم بسخرية (( و ما رأيك بصبا؟! )) قال جمال بحنق شديد (( و ما دخل هذه المزعجة الآن؟ هذا كلام بين الرجال و لا دخل للنساء بحديثنا أبداً )) قال له سليم شارحاً (( و لكنها أختي الوحيدة من أحمد و هي أصغر أخواني وأيضاً شقراء و لها عيون زرقاء و أهم من ذلك لن ننسى الجمال و الجاذبية اللا محدودة و الرقة و اللطف.. فلذلك يمكنك أن تعتبرني ورثتُ أختي الصغيرة في الجمال.. و لذلك أيضاً أنا ابن أحمد الأحمد.. و لكن هذا غير مهم الآن.. ألن تدعوني للدخول بما أنك ترفض مصافحة سليم عبد الوهاب؟ أم أنك متعود على استقبال ضيوفك أمام الباب دائماً يا سيد.. )) قال له جمال بعصبية (( أنا جمال و لا يهمني سليم عبد الوهاب و لا سخفه و حماقته و لا أيضاٍ شهرته و أمواله.. هيا ادخل قبل أن أغير رأيي و أطردك )) قال سليم بخبث تعمد إظهاره (( و من تكلم الآن عن الشهرة و الأموال و الأضواء يا مستر جمال ؟!! )) توقف جمال و نظر إليه بتفحص من قمة رأسه وصولاً إلى قدميه و قال له بهدوء غريب (( لو سمحت ابتعد عن لغتك الأجنبية و تذكر أنك في دولة عربية لذلك نادني بالسيد جمال و لا تقل لي "مستر" فهذه الكلمة لا تعجبني )) و سبقه إلى الداخل و عندما دخل سليم رأى رحاب و عرفها، فذهب و وقف مواجهاً لها ثم ابتسم و هو ينظر لها بحنان و قال (( كيف حالكـ يــــا..... يا أختي، لقد كنتُ أتمنى أن أراكِـ و أتعرف عليكِـ منذٌ زمن طويل.. و أنا أعتقد أنكِـ سيدة عظيمة جداً )) و مدّ يده لكي يصافحها.. فنظرت رحاب إلى جمال و لكنه أشار لها أن لا تصافحه، فعارضته و رفعت يدها لتصافح سليم لولا أن نظر إليها زوجها هذه المرة بقسوة شديدة، و قبل أن تلمس يدها يد سليم صفعته بقوة في يده و قالت له بعصبية (( ابتعد عني.. أنت لستَ أخي.. ابتعد و اذهب من هنا... )) و ركضت إلى غرفتها و أغلقت الباب خلفها بقوة، فنظر إليها سليم بكل حزن و ألم، و كان صدى صوت إغلاق الباب يتردد في أذنه بشدة.. فبعد الذي سمعه عنها توقع أن تكون مختلفة عن إخوانه من أبيه الذين رفضوه بشدة -ما عدا صبا طبعاً- فقال سليم و الحزن يعتصر قلبه (( لمـــــاذا؟!! لماذا فعلت ذلك بي ؟ ما الذي قلته لها؟! )) رد عليه جمال بشماتة شديدة (( إنها تريد دليلاً قاطعاً على أنك ابن أمها و لست... و لست لقيطا أو ابن... قد جار عليك الزمن و وقعت في يد امرأة.. آه ماذا أقول؟!! هيا يا سليم أنت تعرف.. تلك المرأة التي قامت بتربيتك )) رد عليه سليم بغضب لا مثيل له و بصوت مرتفع (( امرأة ماذا يا جمال؟! أتعاير أمي.. أما علمت أن من يعايرها يكون مصيره الموت في قاموسي.. لقد تكلموا عن سطوتك و لم يتكلموا عن سطوتي.. و تكلموا عن قوتك و لم يتكلموا عن قوتي.. و لكنهم تكلموا عن قسوتي و لم يذكروا قسوتك.. إنك لم تجرب قوتي و سطوتي و ... قسوتي بعدُ يا جمال.. أنا لم أعد لبلدي إلا لأثبت لأمثالك من الناس أن أمي أشرف من عرفتُ في الدنيا.. و العمل لم يكن حراماً أو عيباً ما دام شريفاً.. و اعلم يا جمال أني لا أسامح من يعاملني هذه المعاملة أبداً حتى و لو كانت أختي.. لذلك قررت.. )) رد جمال بخوفٍ لم يستطع إخفاءه بسبب غضب سليم المفاجئ (( قــررت؟!! مـا.. ماذا قررت؟؟! )) جلس سليم ثم قال بصوتٍ هادر فيه نبرة ثقة و تهديد واضحة (( سأنتظرك يا جمال.. سأنتظرك حتى تموت.. أتفهم ماذا أعني؟؟ سأكون كريماً معك و لن أقتلك.. بل سأنتظرك لأني علمتُ من أطبائِك بأنك مصاب بالضغط و بضعفٍ في شرايين القلب، و رغم سنك الصغير إلا أنك معرض للموت في أية لحظة و أنا لا أرحم من يعاملني هكذا في بيته و لكن لمكانتك الخاصة سأنتظرك حتى تموت و بعد موتك بضربة واحدة سأستولي على جميع أموالك و سأكون كريماً معك للمرة الثانية لأني سأدخل أولادك إلى مدارس داخلية في روما بإيطاليا و عندها سينتظرهم سليم مع كل وسائل الراحة و سأربيهم بعيداً عن هنا في إيطاليا و تحت إشراف رجالي.. ثم سأنتقل إلى أهم جزء في حياتك.. أختي الغالية رحــاب.. زوجة أكبر تاجر في المدينة.. أقصد ستكون في ذلك الوقت أرملة.. أرملة أكبر تاجر في المدينة )) و توقف ليلهث ثم قال بغضب أكبر و بعيون يشع منها العزم و الإصرار (( زوجتك سأجعلها خادمة لزوجة المستقبل )) رد عليه جمال بغضب و هو لا يصدق ما سمع منه (( ماذا تقول أيها الوقح؟! )) ابتسم سليم ابتسامة لم ترق أبداً لجمال ثم قال له (( نعم يا جمال.. صدق ما سمعت.. سأجعلها خادمة لي و لزوجتي الغالية التي سأحصل عليها منك سواء شئت أم أبيت.. سأجعلها تربي أولادي و تخدم في بيتي و عندما يكبر أولادك، سيتكرر كرمي للمرة الثالثة حينما سأحكي لهم قصص أمجاد والدهم، ثم بعد أن يبلغوا سن الرشد سأريهم والدتهم و سأرفعها بإشارة واحدة مني إلى سيدة في المجتمع، بل أميـــــــرة.. و عندها سيكون أولادك في نفس موقفي هذا و سيحسون بنفس الإحساس الذي أمر به الآن منك و سترى أن سليم عندما يريد أي شيء، يحصل عليه مهما كانت الصعاب )) اِتسعت عينا جمال من شدة الدهشة و الاستغراب و هو غير مصدق لما قاله هذا الغريب في بيته فقال له (( كيف تجرؤ على قول كل هذا الكلام يا حقير؟!! اسمع جملة واحدة و لا غيرها.. قل ماذا تريد مني ثم اذهب من هنا و لا أريد أن أرى وجهك البغيض مرة أُخرى.. هل فهمــت؟؟ لا أُريد أن أرى وجهك و إلا قتلتك )) رد سليم بسخرية (( ليس مثلك يا ضعيف من يهددني بالقتل.. و على العموم يا سيد جمال أعتقد أنك ستراني دائماً )) رد عليه جمال بسرعة و عصبية (( هيا قم من على الكرسي و قل ماذا تريد بسرعة فلقد نفذ صبري )) قال سليم وهو ينهض و عيناه تُشعان بالثقة و الإصرار (( مــــآثر ابنة أختك )) نظر إله جمال بدهشة كبيرة هذه المرة ثم قال (( نعـــــم؟! .. ماذا قلـــت؟؟! .. لم أفهم..!! )) قال سليم ببرود شديد (( أُريدُ مآثر زوجة لي على سنة الله و رسوله و أعدك أن أكون لابنتها مثل والدها و أن أُحسِن معاملتها و..... )) قاطعه جمال قائلاً بغضبٍ شديد (( اخــــــرس.. هل أنت مجنون؟!! أبعد الكلام الذي سمعته منك، تريد أن تتزوج ابنة أُختي؟؟ .. أنا جمال الدين الحسيني الذي يخافني كل من يسمع بي قبل أن يراني تقول لي هذا الكلام كله، و من ثم و بعد أن أهنتني تأتي و بكل برود لتطلب أن أُزوجك ابنة أختي!! هل أسمي هذا شجاعة أم وقاحة؟! اخرج من بيتي و لا أُريدُ أن أرى وجهك مرة أُخرى.. هيا اخرج فلقد أفقدتني أعصابي )) نظر إليه سليم و قد نفذ صبره من المجادلة بينهما ثم قال (( هي لها الحق بأن ترفض و ليس أنت يا جمال )) قال جمال بغضب (( رفضي قاطع.. ثم أنا لا أُشاور النساء.. اخرج الآن قبل أن أطلب الشرطة.. اخرج و لا تعد إلى بيتي و لا تفكر أبداً في مآثر.. لا تفكر بها أبداً )) قال سليم و هو يحس بالضجر (( حسناً سأخرج و لكن اعلم بأني لا أُحب إعادة كلامي أبداً و لكني سأعيده هذه المرة لأنك ربما تجمع فقدان السمع مع كل تلك الأمراض العديدة التي لديك.. يا عمي المستقبلي.. ألم أكلمك عن زوجة المستقبل التي سأحصل عليها منك سواء شئت أم أبيت؟ .. فأنا لا أنتظر موافقتك و أيضاً قلت مائة مرة أنا سليم عبد الوهاب أحصل على ما أشاء عندما أُريد و مهما كانت الصعاب.. أنا الآن ذاهب يا سيد جمال و بما أنك رافض لفكرة زواجي من مآثر سأرجع و ربما سأكون في حياتك شيء أساسي منذ الآن.. ستراني في كل وقت من حياتك، و في كل أحلامك، و سنلتقي في العمل، و في المسجد، و السوق، و في كل مكان تذهب إليه، لن تخرج من البيت إلا و ستجدني كالظل لك يا جمال إلا... إلا عن طريقتين سوف تتجنبي و تتخلص مني.. إما أن توافق على زواجي أو أسمع من مآثر بنفسها أنها ترفضني و لا تريدني و أُريد سبباً مقنعاً لرفضها، و يجب أن تعلم يا جمال أنني تربيتُ في منزل عبد الوهاب على ملاعق من ذهب و لن أتركها لأني أُحب الذهب، و الأحسن لك أن تخدم رحاب القريبة بدلاً من خدمة الغرباء.. إلى اللقاء الآن و كفاك ما لقيت مني.. و سنرى من سيفوز.. أنا أم أنــت ))


و بعد يومين من تلك المواجهة الكبيرة التي حصلت بين سليم و جمال،... أُصيب جمال بألم كبير في قلبه و نقل إلى المستشفى و هو في غيبوبة تامة..




الجــــــــ 4 ـــــــزء:

و في يوم من الأيام وجد جمال نفسه في القبور فجأة و بلا مقدمات.... كان المكان شبه مظلم، و الأرض قاحلة، و الأشجار ميتة و ريح ساخنة جداً محملة بالغبار تهب على المكان فتزيده وحشة وظلمة، فمشى قليلاً و هو لا يعرف طريقه، ثم توقف بجانب أحد القبور حيث شاهد امرأة تبكي عند ذلك القبر، لقد كانت تبكي بشدة و تنتحب و ملابسها كلها سوداء، و عندما أحست به التفتت إليه، فعرفها و تفاجأ بوجودها... نعم.. لقد كانت رحـــــــاب.. فسألها بدهشة شديدة (( ما الذي تفعلينه هنا يا رحاب؟!! و على من تبكين؟ تكلمي من الذي مات؟ )) ردت عليه رحاب بحزنٍ عميق و الدموع تجرى على خذيها (( أنـــــــت يا جمال.. لقد أُصبتَ بجلطة قلبية و توفيتَ في المستشفى )) نظر إليها جمال باستنكار ثم صاح بها قائلاً (( هل جننتِ؟!! أنا أقف أمامكـ و لم أمت، و أنا الآن أُتكلم معكِـ.. أنا حي يا رحاب.. أنا حي و لم أمت.. أنا حـــــي )) هزت رأسها بقوة و هي تبكي بحرقة شديدة (( بل مت يا جمال.. أنت الآن ميت )) و أشارت إلى القبر و قالت (( أنا دفنتك بنفسي.. الجميع أصبح يخاف سليم عبد الوهاب حيث أنه منعهم من الاقتراب من جثتك، فرفضوا دفنك.. لقد قام ذلك الظالم بعد موتك بأخذ جميع أولادي مني و أرسلهم إلى مدارس داخلية بعيدة، و تزوج مآثر و استولى على جميع أموالك والأهم أنه جعلني خــــــادمة لزوجته و ابنتها يا جمال! .. أنا رحاب حرم المرحوم جمال الدين الحسيني، أكبر تاجر في المدينة نزلت من مكانتي لأصبح خادمة عند سليم!! )) قال جمال (( هذه كذبة من سليم فلا تصدقيه يا رحاب.. أنا حي و لن يستطيع أحد أخذكـ مني و لا أخذ أولادي و أموالي.. أنا حي و سأرجع لك كرامتكـ و عزتكـ يا رحاب )) قالت رحاب بحزن و استسلام (( لا فائدة يا جمال.. لقد فات الأوان على هذا.. أنا دفنتك.. لقد أصبحت من الماضي.. أنت رجل ميت الآن يا جمال.. رجل ميت )) رد جمال بصوت عالي تردد صداه في أرجاء المكان (( أنا حـــــــــــي.. ماذا تريدين حتى أثبت لكـ أني حي و لم أمت؟؟ )) و فجأة ظهر سليم ليقطع عليهما حديثهما و قال لجمال (( ألم أقل لك؟! على العموم لا تقلق.. رحاب ستخدم زوجتي حتى يكبر أولادك و أسترد كرامتي وكرامة أمي عن طريقها.. ثم أرفعها بإرادتي و بإشارة واحدة مني إلى أميرة )) ثم أشار إلى القبر و قال (( هذا قبرك يا جمال.. لقد حفرته بنفسي و قامت أرملتك بدفنك فيه.. أنت الآن من الماضي ولن يستطيع أحد أن يسترد مني ما أخذته منك بعد إهانتك لي.. لقد انتظرتك حتى توفيت ثم أخذت ما أريد )) ثم اتجه إلى رحاب و أمسك يدها بقسوة و قال (( هيا.. لا فائدة من الكلام مع الموتى، فزوجتي متعبة و تريد منكـ تنظيف البيت و رعاية الأطفال )) و أخذ يجرها وراءه بقسوة و هي تصرخ مستنجدة (( إذا كنت حيا يا جمال ساعدني.. أرجوك ساعدني و أنقذني أنا و الأولاد.. لا تجعلني فريسة لهذا المتوحش.. جمـال.. جمـــال.. جمـــــــــــال ))



نهض جمال من كابوسه المروع و الذي كان بداية لخسارته في حربه ضد سليم، و وجد نفسه في غرفة بالمستشفى و جسمه مليء بالخراطيم و آلات التغذية.. فأخذ يلهث بقوة و هو يتذكر ذلك الكابوس المخيف.. نفس ما قاله سليم عندما غضب منه.. يا له من رجل سليم هذا!!.. لماذا أخاف جمال كل ذلك الخوف؟! بل كيف استطاع؟! لقد أخذ مساحة كبيرة من تفكيره و أخذ يطارده حتى في أحلامه.. قطع عليه حبل أفكاره دخول الطبيب حيث قال له (( حمدا لله على سلامتك يا سيد جمال.. لقد تخطيت مرحلة الخطر الآن )) قال جمال بتعب واضح (( لماذا دخلت إلى المستشفى يا دكتور؟ ومنذ متى وأنا هنا؟ )) قال له الطبيب (( أنت هنا منذ ثلاثة أيام و لقد أصبت بجلطة قلبية نقلت على أثرها إلى المستشفى.. ألم أنصحك أن تهتم بصحتك و أن لا تتعرض للغضب أو الإرهاق؟ يجب أن تهتم بنفسك و إلا سنفقدك.. زوجتك تنتظر في الخارج سوف أدخلها )) و عندما دخلت رحاب كانت تبكي بشدة و حرقة مثلما فعلت في الحلم تماما، و بعد أن هدأت قال لها جمال بضعف شديد (( ماذا قال لكـ الطبيب؟ هل سأعيش؟ )) ردت عليه رحاب معاتبة له (( ما هذا الكلام يا جمال؟! طبعا سوف تعيش و لكن المهم أن تحافظ على صحتك مثلما قال الطبيب )) قال جمال بغضب (( كله بسبب سليم هذا فلولا أنه... )) قاطعته رحاب و هي تبكي قائلة برجاء و توسل (( أرجوك يا جمال.. أرجو أن تنسى سليم هذا.. فهو سبب كل المصائب و لولاه لما أصابك ما أنت فيه الآن )) قال جمال بعصبيته المعتادة (( كيف أنساه؟! .. أنت لم تسمعي الكلام الذي قاله و لا التهديد الذي وجهه لي هذا الـ... ، ثم أنسيت مآثر.. ماذا لو علمت أنه تقدم لخطبتها و وافقت، لكنت مت من الحسرة عندما يحصل هذا المتكبر المغرور علي ما يريده )) قالت رحاب بعد تردد (( مشكلة مآثر لها حل.. صحيح أنه وقت غير مناسب ولكن يجب أن أفاتحك بالموضوع )) قال جمال باهتمام (( أي موضوع؟ )) ردت عليه بسرعة (( موضوع زواجها.. فبما أنك ترفض زواجها من سليم و حتى تقطع عليه الطريق، زوجها لأخي طارق.. إنه بمثل عمرها.. و هو طيب القلب، و هو كما تعلم مهندس معماري و راتبه معقول و لديه منزل كبير يتكون من طابقين و هو مستعد أن يتزوجها و يربي لها طفلتها.. أعتقد أن هذا حل مناسب لجميع مشاكلك مع سليم، فمنها أنك سوف تنساه و تهتم بصحتك، و منها أنك سوف تغيظه بتكسير كلامه و عدم الاهتمام بتهديداته )) رد عليها جمال بدهشة (( هل أنت مجنونة أم أنكـ فقدتِ عقلكـ و أنت ما زلت في الثلاثين من عُمركـ؟! كيف تريدين مني أن أُزوج اِبنة أُختي من أخيكـ؟ ثم ألا تعرفين أن سليم عندما يعلم بذلك سيحاول أن يقتل طارق، فسليم يحبها كما يقول.. و أنا من ناحيتي، الأهون عندي أن أزوجها حارس المنزل و أحل مشاكلي دون تدخل امرأة بلا عقل مثلكـ )) قالت رحاب (( كيف أكون بلا عقل؟ آآآه .. أم أن أخي ليس في مقامكم يا سيد جمال؟! )) قال لها جمال شارحاً (( أيتها الحمقاء.. بالله عليكـ، كيف ترضين لتلك الوردة المتفتحة بأن تتزوج واحداً مثل أخاكـِ؟!أنسيتِ أنه يركض وراء النساء مثل المجنون، و أن له صديقات كثيرات وهو لعوب و لا يؤمن من جانبه.. ثم انه أخ سليم و لن أرضى أنا أصلاً بذلك لأنني أعتبرها إهانة لي أن أُزوجها شخص يقربُ لسليم و لعوبُ أيضاً و لا يحافظ على أمواله.. أنسيتِ أنه في كل شهر يبدد راتبه في أسبوع، ثم يأتي ليقترض منكـِ و لا يرجع لكـِ أموالكـ... هكذا و هو عازب، فكيف بالله عليكـِ إذا تزوج مطلقة ولديها ابنه؟!! لن أرضى بذلك أبداً )) قالت رحاب غاضبة (( الآن أصبح طارق أخاً لسليم؟؟ أين الدليل الذي كُنتَ تنشده ؟! )) رد جمال بعناد (( لم أعد أُريد أية أدلة، فنحن الآن لسنا في نسبه و إنما في موضوع زواجه )) قالت رحاب محاولة إقناعه (( بالنسبة لطارق فأكيد أنه سيتغير بعدَ الزواج، و عندما يرى المسئوليات تتوافد على رأسه سوف يعقل.. أنا أكيدة من هذا أنت جرب ولن تخسر شيئاً )) قال جمال بإصرار (( أنا لن أنتظر حتى أخسر.. لقد وجدتُ الحل.. سأزوجها من ساعدي الأيمن منيـر )) صاحت رحاب (( هل أنت مجنون!! منير يجمع بين زوجتين!! )) قال جمال بعناد (( حسناً.. حسناً.. سأجد لها حلاً.. و سأزوجها شخصاً غير منير و لكن ليس سليم و لا تأتي لي بسيرة طارق، فأنا أرفضه رفضاً قاطعاً هل تفهمين؟ ))


و بعد يومين خرج جمال من المستشفى، و أقامت رحاب حفلة صغيرة بهذه المناسبة، و قامت بدعوة أقاربها و أ قارب جمال فقط...


الجــــــــ 5 ـــــــزء:

كانت الحفلة رائعة جداً و لا يعكر صفوها شيء، و كانت رحاب تقف بجانب شقيقها طارق و هي تقول (( هيا تحرك يا غبي.. أنظر إلى مآثر.. ما أجملها و ما أروع فستانها.. تحرك قبل أن يسبقك أليها أحد )) رد عليها طارق بضجرٍ شديد (( هل علي أن أُقبل قدميها حتى ترضى عني.. إنها تصدني في كل مرة عندما أذهب إليها، أو حتى أُحاول فيها أن أُكلمها.. أنا لا أُنكر أنها جميلة جداً و أنها قد أعجبتني و لكن لا تنسي أنني لم أتعود الصرف على غيري، فما بالكـ بزوجة و معها طفلتها، ثم أنا لا أحب الأطفال و نقودي لا تكفي لنهاية الشهر، و أنت تعرفين أني أحب السهر حتى وقت متأخر من الليل، فهل سترضى بذلك؟ لا توجد امرأة في العالم ترضى على سهر زوجها و خير دليل هو أنت و المشاكل التي تفعلينها عندما يتأخر جمال حتى الساعة الحادية عشر.. أنت تعلمين جيدا يا رحاب أني أعود من عملي قرابة العصر وأنام إلى الليل حيث أبدأ في السهر حتى الصباح و بصراحة هذا يعجبني و لا أود تغير روتيني أبدا، حتى ولو كان من أجل الأميرة مآثر.. ثم لا تنسي أني لو اختلفتُ معها في أي شيء و ضربتها فسوف يرجع لي زوجكـ كل ضربة بألف سوط على ظهري.. فلذلك أولا أعطني حلا لكل هذه المشاكل ثم فكري في زواجي من صاحبة أجمل وجه و أحلى شفتين )) قالت رحاب مؤنبة له (( ما هذا الكلام التافه الذي تقوله؟ لذلك هي ترفضك يا أحمق! المرأة منا إذا أرادت رجلا بعينه فهي تحب أن يركض ورائها.. ثم من قال لك يا جاهل قبل قدميها.. لديك يدها قبلها كما تشاء ولكن من وراء جمال، حتى لا تموت قبل أن تتزوجها و تقتلني معك.. و من حيث الصرف عليها و على ابنتها فأنا لدي الكثير من الأموال و سأعطيك حسابا في البنك بمبلغ كبير يمكنك أن تتاجر به و تزيده و من ثم تصرف عليها.. و أما مسألة السهر في الليل فأنا متأكدة أنك ستنساه بعد قضاء شهر العسل مع مآثر، و أما أصحاب السوء فعليك بنسيانهم حتى لا ينسيك جمال من هو طارق و توقف عن دخول الملاهي و مصادقة النساء الفاسدات حتى يرضى عليك.. و أما الضرب فنسيانه أفضل و إن فعلته فلكل امرأة أسلوبها و لا أعتقد أن مآثر ستحب خراب بيتها و هي لن تشتكي لجمال لأنها تعلم أنه لا يحب أن تشتكي له امرأة من زوجها )) و فجأة سمعت رحاب و طارق من خلفهما صوت تصفيق حار، فالتفتا فإذا بسليم و هو بكامل أناقته وقد أخذ يصفق و يبتسم بسخرية، ثم قال باستهزاء (( رائع.. رائــع.. تخطيط لن يكتشفه جمال نهائيا يا رحاب.. الآن فقط عرفت كيف استطاع هذا الأبله طارق دخول الجامعة و الخروج منها على شكل فارس يحمل سيف الهندسة و هو يركب على حمار منقط.. أين جمال الحسيني حتى يسمع كل هذا الكلام.. لقد كنت متأكدا أن هذا الرجل ستكون نهايته على يد إمرأة، ولكني لم أعلم أنكـ ستكونين هذه المرأة.. و كما يقولون وراء كل رجل ميت امرأة مفكرة.. ألم يهن عليكـ أن ينجو من الجلطة القلبية حتى تقدمي له أخرى دماغية أم أنكـ تريدين أن تصلي إلى نهايته بسرعة؟ )) ثم توقف ليرى الدهشة تعلو وجهيهما فقالت رحاب لطارق (( اذهب من هنا و دعنا لوحدنا )) ثم التفتت لسليم و قالت له و أسنانها تصطك من الغضب (( كيف دخلت إلى هنا؟! الحراسة مشددة في الخارج و أنا منعتهم من أن يدخلوك.. ثم كيف تجرؤ على قول كل هذا الكلام؟! أنا أحب جمال و لن أتسبب في قتله، و أخي ليس أبلها أو حمارا و لقد حصل على شهادة الهندسة بتعبه و ليس عن طريقي و قد صدق جمال حين قال عنك أيها المهرج أنك أكبر وقح في العالم فأخرج من هنا قبل أن يراك و تعاوده الأزمة )) قال سليم متابعا سخريته و استهزاءه (( يا سلام.. أنت تصلحين جدا في مراكز النصح و الإرشاد.. لماذا جعلوكـ وكيلة لوزارة التجارة و هم يعرفون أن ذلك المكان لا يناسبكـ؟! و أما بالنسبة لأجوبة أسئلتكـ فهي سهلة جدا.. فأولا كيف دخلت، آه سؤال وجيه لم يخطر ببالي حين أتيت إلى هنا.. لقد اعتقدت بأنكـ قد بعثتي لي ببطاقة دعوة و لم تصل، و لكن بما أنه ليس كذلك فأعلمي أن سليم عندما يريد أن يدخل إلى أي مكان لن يردعه أحد حتى و لو كانوا جميع جيوش العجوز جمال.. و ثانيا بالنسبة إلى الكلام الذي قلته لكـ و لأخيكـ، فأنا متعود على قول ما يحلو لي و أنا لست نادما على أية كلمة و جهتها إليكـ أو إلى الصامت الواقف خلفكـ.. أنت بدأت الحرب برفضكـ لي و أخوكـ لا أعتبره ندا لي و لا أعتبره رجلا حتى يمشي ورائكـ و يحطم حياة إمرأة قد تحطمت حياتها من قبل، و تصرفاته لا تعجب جمال بنفسه فكيف بمن تريدينها زوجة له.. هل تعتقدين أنها ستعجبها؟! .. لا أعتقد ذلك.. و أخيرا، بالنسبة لخروجي فأنا لن أخرج إلا بشرط سأقوله في نهاية حديثنا )) ردت رحاب بنفاذ صبر (( هل أنت مجنون أم أنك تجرب كيف تتشاجع على امرأة؟! طارق رجل و أنت الذي لا تعتبر نداً له يا من تدخل البيوت من غير إذن أصحابها.. و الآن قل شرطكَ و اخرج من هنا قبل أن أُرسل لك رجال جمال ويحدث ما لا تحمد عقباه )) أخذ سليم يضحك عليها بقوة فأغضبها ذلك و قالت له (( أنت غير مؤدب و لا تعرف سوى الضحك على الآخرين و قول الألفاظ المهينة مع أنه لا يوجد في الدنيا من يستحقها أكثر منك.. و الآن قل ما عندك و أرحل يا.... )) قال سليم وهو يتصنع الغضب (( أتشتمينني يا رحاب؟! .. يجب أن أتلقى الشتائم منكـ بعد أن تسمعي شرطي.. و شرطي هو أن تسمحي لي برؤية مآثر.. أُريد أن أُكلمها و.... لكي أرحل بسرعة أُريد أن... أطبع قبلة خفيفة على خدها ولن يضر ذلك في شيء، أليس كذلك يا عزيزتي رحاب؟ )) نظرت إليه رحاب بدهشة لم تستطع إخفائها، ثم انفجرت في وجهه قائلة (( ماذا تقول يا حقير؟!! أخرج من بيت جمال، و اذهب لتبحث عن واحدة مثلك لكي تقبلها، فنحن لا نملك نساء من هذا النوع.. يا حرس تعالوا و خذوه من أمامي )) تثائب سليم و هو يحس بالضجر منها ثم قال لها ببرود (( لا داعي للصراخ.. اخفضي صوتكـ فأنا لم أطلب المستحيل.. فلا تنفعلي من أجل صحتكـ.. أنا عندما قلت لكـ ذلك لم أطلب الأذن منكـ و إنما أردت سماع الرد من مآثر.. كوني ديمقراطية فأنا أكره الدكتاتوريين.. هيا اعقلي و دعيني أطلب ذلك من الآنسة مآثر شخصياً، و كل ذلك لمصلحتكـ حتى لا يعلم جمال بوجودي و ينفعل ثم يموت و يا حرام أنت صغيرة حتى تترملي الآن.. و كما تعلمين هو معرض للموت عند أي انفعال.. و أنت كما تقولين تحبينه ولا تستطيعين الاستغناء عنه و أنا أيضاً أُحب مآثر و لا أستطيع الاستغناء عنها )) قالت رحاب بغضب (( أنا أُحب جمال لأنه من حقي أن أُحبه، فهو زوجي.. أما أنت فما من حقٍ في الدنيا يجعلك تحبُ مآثر )) رد عليها بإصرار و هو يشير بإصبعه إلى نفسه (( أنا زوجها المستقبلي و لي كل الحق في أن أُحبها قبل زواجنا )) قالت رحاب بإصرار أكبر منه (( أنت لن تتزوجها أبداً، و جمال عندما يشفى سوف يعلم عن مطلبك و ستكون نهايتك على يديه بإذن الله )) قال لها سليم (( كفاكـِ ثرثرة لا فائدة منها، لقد أخافني جمال من كلامكـ عنه بما فيه الكفاية.. و الآن أين مآثر؟ أُريد أن أكتحل برؤيتها )) وعندما التفت ليبحث عنها، وجدها خلفه تماماً و قد كانت جميلة جداً بفستانها الأحمر القاني وكأنه صُنع لتلبسه وحدها و لا أحد غيرها..

أتعرف أني أحبـــــــــك حقـــــــــاً
و أنك بين الجوارح تسكــــــــــــن
و أني للقياك أشتــــــاق موتــــــــاً
فيا عاذلي متى نلتقي ليسكن قلبي طيفك
مــــــــــتى نلتقــــــــــــــي؟؟؟؟...
للكاتبة: نسمة صيف

أخذ سليم ينظر إليها و يسبح في عينيها الرماديتين الحزينتين وكأن الدنيا وقفت عندهما في تلك اللحظة و كل واحد منهما ينظر لعيني الآخر......


ريحانة القلــــــــــب المهفهف من حنانك زودينـــــــــــــــي
عينـــــــــــاك توقظ في فؤادي قصة الماضي الحزيـــن
عينـــــــــــاك رائعتان مثل فراشـــــــــــة حطت على أوراق زنبقــــــــــــــــة و فاضـــــــــــت بالحنيـــــــــــن
عينـــــــــــاك لا أدري لمــاذا تزعجان هــــــدوء قلبــــــــي
تفتحـــــــــــان بــــلا مقاومـــــــة حصونـــــــــــــي
قـــد كنــــــت أزمعــــــــــت الرحيـــــــــــل صامتـــــــــــا
مـــــــن غير شوشـــــــــــرة فا فيمـــــــــــا ترجعينـــــــي
قصيدة من شريط: لأجلك أغني للمنشد موسى مصطفى

و أحس سليم في داخله بأنها خلقت لتكون زوجته، فقال لها برقة و هدوء (( مساء الخير يا أجمل و أرق و أروع امرأة في هذا الكون )) ابتسمت له بلطف، أحس معها بأن قلبه يكاد ينفجر من شدة دقاته، فقالت له (( مساء النور.. ولكني لا أُحب أن يغازلني أحد و يحدق بي كل الوقت، كما لا أحب أن تعمل المشاكل مع خالي و زوجته من أجلي كلما أتيت إلى هنا.. ألا يكفي ما فعلته بخالي حتى تأتي وتكمل عملك في زوجته وتزعجها و هي حامل.. لماذا لا تكلمني و تسمع رأيي لترتاح و تريحهم من المشاكل؟ )) ابتسم سليم من قلبه و رد عليها وقد استمتع بالكلام معها (( لا تظلميني يا أميرة قلبي فالذي أصاب خالكـِ لم يكن بسببي، إنما بسبب أنه أحس بكبره في السن و أن زوجته لم تعد تهتم به مثلما كانت في السابق فأخذ يتدلل عليها.. أما زوجته فهي أختي و أنا لا أرضى على إزعاجها، ولكنها فقط تحاول بلوغ درجة الغليان و أنا لا ذنب لي فيما تفعل.. و أما بالنسبة لابتسامتكـِ الرقيقة فهي تغنيني عن كل ما عانيته من كلام خالكـِ القاسي.. و بما أنكـِ تريدين مني أن أُكلمكـِ .. فأنا جئت هنا مع حصاني الأبيض لكي أخطفكـِ.. أُريدكـِ زوجة لي و ستكون طفلتكـِ اِبنة لي ولي الشرف بأن أطبع قبلة خفيفة على خدكـِ الناعم كالحرير ليكون هذا عنوان الموافقة و الوئام بيننا )) ضحكت مآثر لكلامه ثم ردت عليه بشيء من الصرامة و الإعجاب معاً (( أولاً،.. لقد أدهشتني بجرأتكَ الكبيرة التي لا يصدها شيء و لسانك السليط على خالي و زوجته، و تحويلك لنفسك من مرتبة الظالم إلى المظلوم.. و ثانياً،.. أنا لا أرى معك سوى بدله رسمية سوداء و أكيد أنك جئت بسيارة فأين الحصان الأبيض يا كاذب؟! .. و ثالثاً،.. من يرديني زوجة له يطلبني من خالي جمال أو من جدي.. و رابعاً و هو الأخير و الأهم،.. أنا لستُ أية امرأة تقابلها في الشارع أو الملهى حتى أدع رجلاً لا أعرفه و لا يمدُ لي بصلة يقبلني، أخلاقي و ديني لا يسمحان لي بذلك.. و أهم من ذلك كله إذا كُنت تحبني فعلاً مثلما تقول اذهب من هنا من دون قبلات أو اهانات و في المرة القادمة ارجع و أطلبني من خالي أو جدي و سأوافق عليكَ بشرط أن تلبس لباس الفارس و تحمل سيفاً و تركب على حصان أبيض جميل.. و أنا أنتظرك لوقتها أيها الفارس )) وذهبت عنه و قد تسلل حبه إلى قلبها بعد أن سمعت دفاعه عنها أمام خطط زوجة خالها و أخوها الضعيف طارق و بعد أن عرفت أنه لم يهتم لطلاقها و رأت الصدق في عينيه عندما طلب أن يكون والداً لطفلتها..

أما سليم فابتسم بارتياح ثم غادر المكان بهـــــــــدوء.......

الغالي المزيون 05-12-10 06:14 PM

ويييييييييييييييييينكم ياعرب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
توقعت ألقى ردووووووووود زينة لكن للأسف خاب ظني


:o9Y04826::57::eek::52:

الغالي المزيون 05-12-10 06:20 PM

تكملة القصة
 
الجــــــــ 6 ـــــــزء:

عندما عاد سليم إلى بيته كان الوقت متأخرا جدا، حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.. و قد كان في قمة السعادة بعد أن كلمته سارقة قلبه و ذهب ليحتفل في أحد المطاعم بهذه المناسبة و لذلك عاد متأخرا.. فأخذ المفتاح من جيبه و هو مازال يفكر بمآثر و وضعه في فتحة الباب، و عندما فتحه ودخل قليلا، فجأة سمع صرخة مدوية.. صرخة امرأة.. ليست امرأة مذعورة أو تطلب النجدة.. بل فتاة مستعدة للقتال و القتـــــل! فسقط للخلف من الصدمة و رأى سكينا كبيرة تضرب الأرض أمامه و بين قدميه.. فجحظت عيناه بشدة و هو يرى أخته صبا ممسكة بتلك السكين التي كانت ستقطعه قبل قليل لولا أن وقع إلى الخلف، فقال لها بخوف شديد و دقات قلبه تتسارع و كأنها ستخرج من صدره (( صــ .. صبـــ .. صبــــــا.. أيتها المجنونة! لماذا كنت تمسكين بتلك السكين؟! و لماذا هجمت علي؟ و أصلاً كيف استطعت الدخول إلى بيتي و كل المفاتيح معي و على حد علمي لم أنسى إغلاق الأبواب..هل لأني تأخرت فكرتي أن تقتليني؟؟ )) قالت صبا وهي تتكلم بسرعة (( لا أيها الأحمق.. عندما سمعت صوت المفتاح ظننت أن لصاً يريد سرقة المنزل، أين كنت حتى الآن؟ مللت من انتظارك، و فكرة قتلك بسبب تأخرك أعجبتني.. و لمعلوماتك هذا سيف و ليس سكين، لقد وجدته معلقا على الجدار و فكرت أنه يصلح للحماية بدلا من وضعه كزينة.. و أما عن دخولي فاعلم إنني صبا و لدي ألف طريقة و طريقة لفعل ذلك.. هيا قم أيها الجبان و ادخل و أحكي لي ما حصل بالضبط، و لماذا تأخرت؟ و لماذا رجعت من عند جمال الحسيني و رأسك ما زال في جسدك؟ و هل استطعت أن تكلم مآثر؟ و هل شتمتك رحاب؟ و هل تقاتلت مع طارق على حبيبتك؟ و هل... )) قاطعها سليم و قال لها (( لحظة.. لحظــة.. توقفي قليلا.. كيف سأجيبكـ على هذا السيل من الأسئلة؟ أيتها المتشائمة، هل كنت تتوقعين حدوث كل هذا؟! آه.. و لهذا لم تتوقعي أن أكون أنا الداخل من الباب.. و الآن بعد أن استبشرت منكـ أن تلك الأداة الكبيرة ليست سكين و إنما سيف كان بعد خطوات من شطري إلى نصفين، هل تتوقعين مني أن أجيب؟! )) قالت صبا بإصرار (( طبعا ستجيب لأنه إن كان جمال قد أرجعك برأسك فأنا سوف أجعلك تفقده.. هيا ادخل بسرعة لنتكلم )) وقف سليم و أخذ ينفض الغبار من جسمه ثم قال لها (( حسنا.. يكفيني أني لم أمت تحت يديكـ و سأجاوب على كل أسألتكـ يا فضولية )) قالت بغضب (( أنا فضولية يا متعجرف.. لن أضربك.. هيا أدخل و أعلم أنك أكبر مغرور في العالم قبل أن تتهم أحدا )) رد سليم و ما زالت آثار الخوف واضحة عليه بسبب هجومها (( حسنا يا صاحبة اللسان السليط.. دعيني أدخل و ابتعدي عن الباب أنت و سيفكـ القاطع لأني سأجاوبكـ و لكن من دون شتائم، هل فهمت؟ )) ابتعدت صبا و تركته يدخل ثم قالت له (( مهما قلت لك فأنت أخي الكبير و أعدك لن أغضب كالعادة و لن أضربك بحذائي و اطمئن حقيبتي ليست معي و لن تتلقى منها صفعة على رأسك.. هيا تكلم )) قال سليم (( و تعرفين أيضا كل وسائل الإقناع.. لا أعلم لماذا عندما تسألين عن شيء، لابد أن تتكلمي عن الضرب بالحقيبة أو بالحذاء )) جلست ثم قالت له بمرح (( لأني أعرف أنها تجدي كثيرا مع أمثالك من المغرورين الذين يعتقدون أنهم يفعلون ما يريدون وأنا شخصيا أعتقد أنك مريض نفسي و أنا الطبيبة و كل الكلام الذي سمعته كان بداية علاجك.. فهل ستتكلم أم أكمل العلاج.. )) رد عليها سليم و كأنه يغني ليغضبها (( ياااااه.. أين أنت يا جمال حتى تسمع أختي و تهزمني.. أنت فتاة مجنونة و بلا عقل و أنا أعتقد أنه مثلما ستكون نهاية جمال على يد تلك المفكرة رحاب، ستكون أنا نهايتي على يد المجنونة صبا، وكما يقولون وراء كل رجل أشقر و وسيم امرأة مجنونة )) قالت صبا و الشرر يتطاير من عينيها (( أحس أن كل أمراض الدنيا قد أصابتني منك.. لماذا لا تتكلم و تريحني منك؟ )) رد عليها محاولا زيادة استفزازها (( حتى أشفي غليلي منكـ.. لقد كدت أن تقتليني و لذلك أنتقم )) وقفت لترد عليه بغضب (( تكلم الآن قبل أن أشفي أنا غليلي و حينها فقط لن تجد من يرجع لك حقك مني )) و عندها أحس سليم بالخطر بعد أن رأى شكلها و هي غاضبة، فقال بسرعة و هو يرفع يديه لأعلى (( حسنا أنا أستسلم، فأنا أعلم أنه لن يغلبني و يهزم جمال سواكـ.. اهدئي لقد كنت أمزح فقط.. أجلسي و اسمعي ما حدث ))
وبعد أن استمعت صبا إلى القصة بكاملها قالت له و هي تصفق بفرح (( رائع.. خطواتك ممتازة و لو أنه ينقصها بعض البروفات مني.. و أيضا كنت قليل التهذيب مع أختك الكبيرة و كم كنت أتمنى من كل قلبي أن تحصل بينكما مشادة كبيرة و تضربك )) رد سليم و هو يضحك (( يا سلام.. دائما أفكاركـ هكذا.. ألم تلاحظي الفرق الكبير بين جسدي وجسدها؟ أي أن ضربة واحدة مني موجهة لها تكفي لتحطيمها، و هي حامل لذلك كانت عصبية جدا مع سليم عبد الوهاب )) قالت صبا محذرة إياه و هي تتأمله بعينيها (( عدنا للغرور مرة أخرى.. ألن تنفك منك هذه العقدة أبدا؟! أولا، أنت لست سليم عبد الوهاب و إنما سليم أحمد الأحمد.. و ثانيا، من قال لك أن النساء الحوامل عصبيات؟! لا و ألف لا.. يا غبي الحوامل هن أقدر الناس على التفكير و إيجاد الحل في التعامل مع أمثالك.. و أخيراً، إن لم تقدر أختك الكبيرة على ضربك فدع هذه المهمة للأخت الصغيرة )) نظر سليم إليها بدهشة ثم قال لها (( من أين تجدين لكل مشكلة حلاً يا صبا؟! و ما أدراكـِ أنت عن سلوك الحوامل أصلاً؟! ثم.. احم.. أنا رجلٌ مسالم و لن أعمد إلى ضربِ امرأة.. أقصد فتاة رقيقة و رشيقة و جميلة مثلكـِ.. و أيضاً أصغر مني.. لا.. لا.. هذا ليس من شيمي )) ثم قال في نفسه (( آه.. كم أتمنى أن أكسر لها عنقها.. مرة واحدة فقط تكفيني.. )) قالت له صبا بلطف (( فيما تفكر؟ بعد أن هددت رحاب و خرجت من بيت جمال سالماً يجب أن تلبي لي طلباً واحداً يا أخــي العزيــــــز.. )) استغرب سليم تحولها من الشراسة إلى اللطافة فجأة فقال لها (( تكلمي يا ماكرة.. ليس عليّ أنا.. أنا أخوكـِ العزيز؟! حسناً يا أختي القنوعة.. اطلبي و تمني و لكن طلب واحدٌ فقط و بدون مغالاة مثل العادة.. هذه المرة خففي عليّ لأنه ليس لدي سيولة مادية )) قالت له بدلالٍ أدهشه لأنها أول مرة تتكلم من دون صراخ أو غضب أو استعراض قوة (( أنت تعلم أنك ربما.... أقول ربمــــــا.. تكون أغنى رجل في البلدة، فلا أريد أن تقول زميلاتي أو يقول الناس أنك بخيلٌ مثــــلاً )) قال سليم (( شكراً يا أميرتي المتواضعة على شعوركـِ النبيل هذا، و لكن كل فلسفة الدنيا التي تجتمع عندكـ في لحظة وتختفي في اللحظة الأخرى لن تغير من الأمر شيئاً.. طلب واحد ٌ فقط )) قالت صبا بغضب لم تستطع إخفائه (( حسناً.. أنت لا تريدني أن أكون لطيفة دائماً.. سأطلب طلب واحد و هو حلّة رسمية كاملة )) قال سليم باستغراب (( ماذا تعني بهذا الكلام؟ فسري لي )) ردت عليه بغيض (( ماذا؟ .. هل أنستك روما اللغة العربية؟! .. لن أتكلم.. افهمها وحدك حتى لا تقول أنه أكثر من طلب )) قال سليم بضجر (( لم يبقى عندي من الصبر شيء.. هيا ولا تعذبيني معكـِ .. كم أكره نفسي عندما أتذكر ذلك اليوم الذي عرفتكـِ فيه.. تكلمي و كفي عن تمزيق أعصابي )) قالت صبا (( حسناً.. حسناً.. لا تغضب حتى لا تصبح مريضاً بالقلب أو الضغط و تتبع صديقك جمال و عندها لن تجد من يعايرك مثلما كنت تفعل معه )) أخذ سليم ينظر إليها و قد احمرت عيناه من عنادها، ثم نهض فأمسكت بيده و قالت له (( إلى أين؟! .. ألن تُلبي طلبي؟ ألم تفتخر و تقول اطلبي؟ .. أين وعدك؟؟ )) نزع سليم يده منها و قال بعصبية (( إن لم تشرحي لي كلامكـِ بسرعة سأذهب لأنام، و أنسى أي وعد نطقت به مع أني لم أعدكـِ بشيء )) قالت صبا (( حسناً يا حبيبي أنا.... )) قاطعها سليم بعد أن نظر يميناً و يساراً كأنه يبحثُ عن شخصٍ ما (( حبيبُكـِ ؟! من؟ أنـــــا؟! )) ردت عليه بغضب (( طبعاً أنت.. من غيرك يوجد أمامي إلا الجدران يا أحمق؟؟ .. أتعتقد أني مجنونة حتى أُكلم نفسي؟! )) قال سليم (( أنت مجنونة؟! .. حاشا لله.. من قال لكـِ ذلك؟! .. أرجوكـِ.. أُقبل يديكـِ تكلمي و أريحيني )) قالت له باستعلاء (( الحلّة الرسمية الكاملة تعني،.. فستان غالي الثمن، و طقم كامل من الذهب أو ليكن طقم ألماس آخر موديل و على حسب الموضة هذه الأيام، و أيضاً حذاء جلد أصلي، و مع أني في الـ 16 من عمري إلا أن مركزك يسمح لك أن تُخرجَ لي رخصة قيادة، و عندها أريدُ سيارة جديدة و هاتف نقال حتى تكتمل أناقتي، و عندما أمشي أمام الناس بالسيارة الجديدة الفخمة ستراهم يشيرون إليّ و يقولون هذه أختُ سليم الكريم، لقد كذب من قال عنه بخيل.. ما رأيك؟ .. احمد ربك لأني طلبتُ منك طلباً واحداً.. و الآن متى سأحصلُ على ما أُريد؟؟ )) نظر إليها سليم طويلاً ثم صاح بها بصوتٍ عالٍ أغضبها جداً (( طلبٌ واحدٌ يا جشعة! .. يا طماعة! .. كل هذا و تقولين طلبٌ واحد.. هل ترين أني قد فتحتُ لكـِ بنكاً لا ينضب.. هيا اذهبي من هنا و لا أُريدُ أن أرى وجهكـِ مرة أُخرى و لا تحلُمي بفلسٍ واحد يخرجُ من جيبي لكـِ .. هيــــــا قبل أن أغضب أكثر و أحملكـِ و أرميكـِ في سلة القمامة.. و الآن أنا مُتعب و أُريدُ أن أنام، و سأعتبر أني لم أسمع شيئاً من هذه التفاهات )) استغرب سليم من صمتها و عدم ردها على كلامه و عندما التفت إليها وجدها خلفه تماماً فنظر إليها بخوفٍ شديد بعد أن رأى ما تحمل في يديها،.. فقد كانت صبا تحمل إحدى المزهريات الكبيرة فوق رأسها و الغضب منه قد حول لون وجهها و عينيها إلى اللون القرمزي،.. ولم يعي إلا و هي تضربه بشدة في رأسه و كان صوت المزهرية وهي تتحطم فوق رأسه ممزوجاً بشتائم صبا هو آخر ما سمعه قبل أن يفقد وعيه.........


في ليل اليوم التالي.. زار أكرم صديقه المصاب في المستشفى، و قال له و هو يضحك (( احمد ربك ألف مرة لأن هذا ما جاءك منها فقط.. مائة مرة حذرتُك منها ولكنك كالعادة رميت كلامي وراء ظهرك.. و لكن ماذا أقول غير أنك تستحق كل ما حصل لك )) قال سليم بغضب (( أهذا كل ما لديك يا فالح؟! السخرية و الضحك عليّ.. ألا ترى كيف حولت رأسي إلى حطام! .. أنت الملام على هذا و سوف ترى كيف سأعاقبك )) قال أكرم بدهشة (( كيف أكون أنا الملام؟! من قام بضربك أنا أم هي؟! )) رد سليم وهو يتحسس الضمادة على رأسه (( أعلم أنها هي.. و لكنك قلت لي أنها مجنونة و صاحبة مشاكل و أفكار لا يصدقها أحد، و لم تقل لي أنها خطيرة و تنتقي أغلى التحف حتى تضرب بها الناس على رؤوسهم و تحطمها لهم.. إن تلك المزهرية تحفة نادرة و هي تساوي الكثير لو بعتها )) قال له أكرم (( يجب أن لا تلومني لأني لم أعهدك غبياً لهذه الدرجة.. ماذا تتوقع من فتاة مسالمة، و طيبة، و هادئة طلبت منك شيئاً و طردتها بتلك الطريقة؟ طبعاً الكثير.. فما بالك بفتاة مجنونة مثل أختك؟!! و على العموم لا تقلق فلقد استرحتَ منها؛ فبعد الذي فعلته بك، عرف أخوها خالد أنها تأتي إليك دائما وهو رافضٌ لذلك.. فأرسلها لمدرسة داخلية و لن تراها ثانية )) قال سليم و هو مازال يتألم (( أو مثل هذه تكسر عنقها مدرسة داخلية؟!! )) قال أكرم (( المدرسة في الخارج )) قال سليم و هو يرفع يديه للسماء (( الحمدُ لله.. الآن سأتخلص منها و سيخلو الجو لي لأحل مشاكلي )) قال أكرم بخبث (( ما هي مشاكلك التي سيخلو لك الجو لحلها؟ فأنت تسكن في أكبر قصر في المدينة و ليس لديك أي مشاكل في عملك، إلا إذا كنت تقصد بياض الثلج مرة أُخرى.. أتمنى أن تدخل المستشفى هذه المرة على يد جمال الحسيني )) قال سليم بإصراره المعهود (( قل ما شئت و لكني سأفوز بها مهما كان الثمن )) قال أكرم محاولاً نصحه (( أبعد ما أهنت خالها و زوجته تريد أن تفوز بها.. اسمع كلامي وخذ بقاعدة أن الباب الذي تأتيك منه الريح ابتعد عنه لتستريح )) رد عليه سليم وقد تذكر جرح رأسه (( خذ أنت بهذه القاعة و اذهب من أمامي بسرعة لأني لم أسمع منك حتى الآن سوى الكلام الذي لا فائدة منه.. و إن لم تذهب خلال عشر ثواني سأكسر لك رأسك و آمرهم بأن يجلبوا لك سريراً بجانبي.. هيا أغرب عن وجهي و لا أُريد أن أرى وجهك حتى يوم عرسي )) ضحك أكرم ثم قال (( حسناً لا تغضب هكذا، فالانفعال مضر بصحتك، وتأكد أنك لن تراني حتى يوم عرسك.. أقصد جنازتك يا حالم )) و ذهب أكرم وتركه لوحده.. و في صباح اليوم الثاني خرج سليم من المستشفى و أمضى أسبوعا من الراحة في البيت دون أن يسمع أي شيء عن أخته المشاغبة....


الجــــــــ 7 ـــــــزء:

و عند جمال الحسيني،.. كان الشرر يتطاير من عينيه بسبب خسارته لثلاث صفقات متتالية خلال أسبوع واحد فقط، فقال بذهولٍ تام (( مستحيل.. مستحيــل أن أخسر ثلاث صفقات في أسبوع واحد فقط.. لقد خسرت فيها مبلغاً كبيراً من المال.. من هذا اللعين الذي أخذ مني هذه الصفقات يا منير؟ أجبني قبل أن يكون الموت مصيرك قبله )) قال منير بتردد (( آ.. إنه.. إنه.. )) صاح فيه جمال بغضبٍ شديد و قد احمر وجهه (( إنه من أيها الأحمق؟؟ هل أصابك الخرس؟! أم أنه الخوف من الذي استطاع أن ينتزع مني هذا المبلغ؟ تكلم قبل أن آمر رجالي بضربك حتى الموت )) قال منير بسرعة محاولا تهدئته (( اهدأ يا جمال.. لا داعي للثورة و خيرها في غيرها.. و ما دمت مصراً سأقول.. إنه سليم عبد الوهاب )) وقف جمال مذهولاً وكأن صاعقة وقعت على رأسه و قال (( سليم مرة أخرى.. كيف حدث هذا؟! .. و لماذا؟ كيف استطاع أن ينتزع منكم هذه الصفقات أيها الحمقى؟! و من.... آه.. لحظة.. لحظة يا منير.. هل تعتقد أني غبي حتى تضحك علي.. أيها المحامي الشاطر.. تحرياتي أثبتت أن الذي فاز بالصفقات محامي مثلك و ليس تاجر.. هل تعتقد أنني ساذج حتى تأتي و تقول لي أن سليم هو من حصل على الصفقات؟؟ ماذا أفعل بك الآن يا كاذب؟ اختر مصيرك فأنت تعرف ماذا يحدث للذي يخونني، أو يكذب علي، أو يخدعني من رجالي.. أمامك دقيقتان فقط )) نظر إليه منير طويلاً، ثم قال و هو يبتسم (( أيمكنني الاتصال بصديق!! )) زاد غضب جمال عليه و قال (( أتسخر مني؟؟! حسنا.. يا رجـــــــــال )) قاطعه منير بسرعة قائلاً (( و ما الذي تريده مني غير السخرية؟ .. فأنا لم أخنك و لم أكذب عليك حتى تأتي المرحلة الأخيرة من حياتي على يديك و بالاختيار أيضاً!! يا جمال.. المحامي الذي كسب الصفقات هو أكرم صديق سليم الأعز لديه و الوحيد له هنا و هو محاميه الخاص و ساعده الأيمن و حافظ أسراره و سليم متعود عندما يتعامل مع تاجر لأول مرة أن يضع هذا المحامي مكانه و يكتب الصفقات بإسمه حتى إذا فاز أكرم، يصبح سليم و كأن لا دخل له بما حصل )) ثم هز منير رأسه بأسف و أكمل قائلا (( سليم أخذ هذه الصفقات و حصل لك كل هذا، فماذا ستفعل لو عرفت ما فعله بك و ما نشر عنك في الجريدة و صورتك بجانب صورته؟! )) قال جمال باهتمام (( ماذا فعل هذا الـ... مرة أخرى و ما الذي نشره عني؟؟ )) قال منير بخوف (( سأقول ولكن لا تغضب مني.. لقد نشر صورته و صورتك في الجريدة في الصفحة الأولى و أعلن أنه سيتم عقد القرآن بينه وبين ابنة أختك في الشهر المقبل و أن الشهود أنا و أكرم و لقد نشر صورنا أيضا و كان هناك صورة لخاتم الخطوبة الذي سيقدمه لها و هو من الألماس و يقدر بالآلاف و قد صنع بإيطاليا، و لقد بارك له عدد من الوزراء هذه الخطوبة،.. و قال أيضاً أن الدعوة عامة لأنه سيكتب الكتاب و يعمل العرس في نفس اليوم أي بعد شهر من الآن في قصره الكبير )) بعد صمتٍ طويل قال جمال بهدوء كبير استغرب منه منير كثيراً (( نفذ يا منير ما سأطلبه منك دون زيادة أو نقصان، فلسوف أجعله يدفع ثمن وقاحته و تطاوله علي و على ابنة أختي غالياً جداً.. اذهب إلى قصره الكبير و احرقه بمن فيه و أقتل سليم و أكرم معه.. خذ من الرجال ما شئت و لا تبقي في قصره شيئاً صالحاً للاستعمال أبدا.. و عندما تحرق القصر أخبره أن جمال الحسيني دائماً هو المنتصر في اللحظة الأخيرة و أن الذي يصارع ضد الموت يكون خاسراً دائماً.. فأنا الموت بالنسبة له.. و أنه إذا ظل حياً بعد شهر من الآن، ستكون مآثر زوجة له، لكني سأتبرأ منها و من ابنتها.. و أنت أعمل خلال هذا الشهر على قتله و قتل كل من له صلة به.. أريدك أن تحضر لي جثته حتى و لو كانت رماداً أفهمت يا منير؟! لا تدع له أملاً في الحياة.. و سترى يا سليم، ستتمنى الموت ألف مرة على أن تتحداني )) قال منير بثقة و إصرار (( اطمئن.. موت سليم لن يحتاج إلا ليومين أو بالأكثر أسبوع ))


الجــــــــ 8 ـــــــزء:

و في قصره الكبير، كان سليم يشرب الشاي بهدوء و كأنه لم يفعل شيئاً و تحت عند قدميه كانت تجلس محبوبته "لولو"، بجسمها الممتلئ و عيناها الخضراوان و شعرها الأبيض الناعم الذي يصل لأسفل قدميها و كان أكرم واقفاً ينظر إليه بغضبٍ و ذهولٍ شديد...
ثم انفجر أكرم كبركان هائج و قال بغضبٍ شديد لم يستطع إخفاءه (( سليــــــــــــم.. اشرح لي لما فعلت هذا!! هل تريدُ قتلي؟! في البداية جعلتني آخذ لك الصفقات من جمال فقلتُ لا بأس هذا من اختصاص عملي، مع أنك لستَ في حاجة للمال لتفعل ذلك.. و الآن جعلتني أشاركك في جريمة لم أعلم عنها شيئاً إلا من الجرائد؛ فأنت لم تخطب مآثر ولن تتزوجها أبداً و رغم ذلك نشرت صورتك و صورة جمال في أول الصفحات، و حتى يتعرف عليّ رجال جمال نشرت صورتي معك.. هل تعتقد أني لا أستطيع الحياة بدونك؟!! و الآن تجلس بكل هدوءٍ و تشربُ الشاي و كأنكَ لم تفعل شيئاً و بجانبك هذه القطةِ السمينة البغيضة، لا تنسى أن لدي حساسيةً من القطط لذلك يجب أن تتخلصَ منها.. و يجب أن تتذكر يا سيد سليم أنني أبٌ ولدي أُسرةٌ مكونةً من زوجةٍ و ولدين وبنت و سبع أخوات مع أمي و أبي.. و لا أعتقد أني مستعد للموت نتيجة اعتراف أحمق منك )) رمقه سليم بلا مبالاةٍ كعادته، ثم قال بهدوءٍ و استرخاء بعد أن أمسك بـ لولو و أخذها في حضنهِ و أخذ يمسحُ رأسها (( هل جننت َ حتى تطلب مني هذا الطلبَ الرهيب؟! كيف طاوعكَ قلبك أن تأمرني بالتخلص من لولو.. أنت تعرف أني أحبها كثيراً و لا أستطيعُ الاستغناء عنها، لذلك جلبتها من إيطاليا معي.. إنها عندي منذُ سنتين و هي هديةً من سارا و لارا بنات أخي وحيد و لا يهونُ عليّ أن أتخلص منها لأن رقيقاً مثلك يصابُ بالحساسية من الحيوانات.. ثم لماذا كل هذا الغضب و الانفعال يا صديقي.. تذكر يا أكرم أنه إذا جاءك الموت، فلن تستطيع الاستعداد له.. و إذا توفيت اطمئن فأنا سأتكفل بعائلتك و سأزوج بعضاً من شقيقاتك إلى إخوتي، و رغم أنني لا أُريد زوجة فوق مآثر، إلا أني سأتزوج أرملتك، و أولادك سأكون أباً لهم، و سيكونون بالنسبة لي مثل ابنة مآثر؛ أي مثل أولادي )) ثم ضحك بقوة و أكمل (( هيا الآن.. لا تخف أيها الجبان.. جمال لن يستطيع فعل شيء بنا )) قال أكرم بانهيار تام (( هل أُصفق لك أم أبكي عليك؟! بعد كل الذي فعلته تسخرُ و تضحك!! على فكرة مزاحك سخيف، و أثقل من دمك لم أرى حتى الآن.. أخبرني الآن و دع سخريتك وعدم مبالاتك جانباً.. ماذا سنفعل حتى لا يقتلونا؟ هل سنهرب إلى إيطاليا؟؟ )) صاح فيه سليم (( ماذا جرى لك أيها التافه؟!! كأني أراك لأول مرة! و كأن رجال جمال الآن بجانبك و أسلحتهم في عنقك!! .. اهدأ و ضع يديك في ماء بارد، و لا تخف فأنت بجانب سليم عبد الوهاب، و سليم لم يتعود على الهرب من أحد، بل المواجهة و بكل نتائجها حتى و لو كان الخصم جمال الحسيني الذي تحسب له ألف حساب يا جبان )) قال أكرم بعناد (( قل عني ما شئت، فأنا لا يخيفني شيء في الدنيا أكثر من عبارة {أنت بجانب سليم عبد الوهاب} هذه، و لكن اعذرني يا سليم فلا أنت ولا رجالك الذين لا يبلغون عدد أصابع اليد الواحدة تقدرون على جمال، و..... )) ثم توقف أكرم عن الكلام، و قال بهلع كبير و هو ينظر إلى الدخان المحيط بهم (( ألا تشم شيئاً يا سليم؟؟ .. أنظر إلى الدخان!! .. يا إلهي! النيران تأكل القصر بأكمله.. افعل شيئاً ..سنمووووووووت............ ))

الغالي المزيون 05-12-10 06:28 PM

الجــــــــ 9 ـــــــزء:

كان منير واقفاً خارج قصر سليم و هو ينظر إلى النيران التي تلتهم القصر، ثم أخذ مكبر صوت من أحد رجاله المحيطين به، و تكلم إلى سليم الموجود بالقصر المحترق، و قال في لهجة لا تخلو من السخرية (( أرجو أنك لم تمت بعد يا سليم؛ حتى تسمع وصية عمك المستقبلي جمال.. فهو يقول لك إن استطعت البقاء حياً من اليوم و حتى شهر، فسوف تأخذَ مرادك و تتزوج من مآثر بعد أن يتبرأ منها و من ابنتها.. و لكن خذ في بالك أنه إذا عشتَ و نجوتَ من هذا الحريق، فأنا لك بالمرصاد.. و تذكر أن جمال لا يهزم أبداً )) ثم أطلق ضحكة كبيرة سمعها أكرم من داخل القصر المحترق عندما كان يحاول أن يوقظ سليم بعد أن ارتطمت إحدى الأعمدة برأسه و سببت له جرحاً بليغاً و أفقدته وعيه... فقال أكرم و الخوف مسيطر عليه (( هيا قم.. انهض يا سليم.. انهض و واصل غرورك.. ليتك سمعت كلامي وسمحت لنا بالهرب.. أنظر ماذا حدث لك بسبب عنادك، منير الآن يهددك و أكيد أنه يقصدني معك.. هيا قل جملتك المعتادة، لا تخف أنت بجانب سليم عبد الوهاب )) نهض سليم متثاقلاً و الدماء تغطي وجهه وملابسه، و قال بلهجة أغاضت محاميه (( نعم.. مازلت مع سليم.. فكف عن خوفك.. لقد جهزتُ لهذه اللحظة.. هناك قبو في القصر و به باب يؤدي إلى الخارج.. هيا ساعدني قبل أن تأكلنا النيران.. أما منير فدعه الآن و أنا سأعلمه من هو سليم.. و سألعب معه كيفما يريد.. هيـــــــا ))


الجــــــــ 10 ـــــــزء:

كان منير عائداً إلى منزل جمال و هو فخورٌ بنفسه، و عقله يدور حول المكافأة التي سيحصل عليها من جمال.. و عندما وصل إلى بوابة الحديد المحيطة بالحديقة و أراد الدخول، وقف في وجهه الحارس فتحي و رفض فتح البوابة و لم يسمح له بالدخول، فقال له منير (( إن علم جمال أنك تمنعني من الدخول، فسوف يقطعك إرباً.. هيا أيها الأبله، افتح و دعني أبشره و أخد مكافأتي.. بسرعة حتى لا يغضب )) رد عليه فتحي ببرود (( اطمئن.. لقد تبشر السيد الكبير بما فعلته.. و هو بنفسه أمرني أن لا أدخلك.. و الأفضل لك أن تذهب و تنسى المكافأة، لأنها ستكون كبيرة و لن يستحملها قلبك المسكين و ربما سيكون مصيرك في النهاية مصاباً بالأمراض مثله )) قال منير بغضب (( من أخبره؟ يجب أن أكون أول من يعطيه الخبر.. ثم لماذا لا يدخلني؟! طبعاً الآن يتخلى عني بعد أن خلصته من منافسه )) و سمع منير صوت هادر يأتي من خلف البوابة و يقول (( سليـــــــــم )) فنظر منير جيداً و رأى جمال من خلف البوابة قادماً نحوه، فقال له متسائلاً (( ماذا؟! )) رد عليه جمال بغضبٍ كعادته (( سليم أيها الغبي.. سليم اتصل بي بالهاتف ليسخر مني و أخبرني أنك قضيت عليه )) قال منير بدهشة كبيرة (( كيف يتصل بك و يخبرك بذلك؟!! المفروض أن الموتى لا يتكلمون و لكن... )) قاطعه جمال صائحاً بوجهه (( لا يوجد لكن أيها الأحمق.. ألم آمرك يا منير أن تحضر لي جثته و لو كانت رماداً، و لكنك كالعادة غرك فوزك المؤقت، و هذه كنت و مازلت أعتبرها نقطة ضعف فيك رغم قوتك.. أتهدد فتحي بأني سأقطعه إن لم يفتح لك؟ أنا الآن سأقطعك يا متفاخر.. تريد أن تبشرني أنك تخلصت من سليم يا منير.. أنا الذي سأتخلص منك و لن أرسل من يخبر والديك بموتك.. سآمر رجالي أن لا يبقوا فيك و لا عظمة حتى لا يتعرف أحد على جثتك و ستكون عبرة لباقي رجالك )) ثم التفت جمال إلى فتحي و صاح فيه (( ألم آمرك أيها الحمار ألا تكلمه عندما يأتي؟ هل تخاف يا فتحي الرقيق على منير من أن يمرض مثلي؟ لقد سمعت كل كلامك و لو خالفت أوامري مرة أخرى سيكون مصيرك مثله هل فهمت؟ )) رد فتحي بخوف (( نعم يا سيدي مثلما تأمر )) قال له جمال (( هيا الآن افتح له البوابة و أمر باقي الرجال أن يأتوا لكي أجعلهم يكافئوا منير الشجاع لأنه أحرق قصر سليم و لم يفكر للحظة واحدة أن ذلك القصر الكبير يمكن أن يحتوي على باب خلفي أو على قبو و فيه مخرج )) قال منير بلهجةٍ صارمةٍ استغرب لها جمال (( توقف يا جمال.. أوقف هذه الحماقات و التسرع في الأحكام.. لقد أمهلت سليم شهراً كاملاً و أنا وعدتك أن أقضي عليه خلال أسبوع و لم يمضي حتى الآن سوى يوم واحد و من المحاولة الأولى تعدني بالتعذيب و التقطيع و القتل.. تذكر هو عدوك و لست أنا، و لا تنسى أنني قبل أن أكون محاميك فأنا صديقك و قائد رجالك، فهل تريد من رجال أنا قائدهم أن يقتلوني؟! .. ثم أريد أن أعرف لما أنت مستعجل؟ سليم نجا من الضربة الأولى، فما الذي يضمن لك أنه سينجو من الثانية؟ أعطني فرصة ثانية و دعني أحاول و إن لم أنجح، دع غيري يتولى المهمة.. و لكني أعدك بأن أقضي عليه خلال هذا الأسبوع، فقط عليك بالصبر.. ثم ما الذي يؤكد لك أن سليم حي؟! ربما كان أحد رجاله يقلد صوته )) صمت جمال طويلا ثم تنهد بقوة و قال (( أنت لا تفهم.. هذا الرجل سخر مني مرتين.. مرة حين هددني في بيتي و مرة أخرى عندما اتصل بي و أيضا على رقمي السري الذي لا يعرفه سواي أنا وأنت و زوجتي، و مجرد حصوله على رقم هاتفي السري يدل على أن له نفوذاً كبيراً، فلم يسبق لأحد أن أتصل بي على هذا الهاتف قبله.. و أنا أريد أن أكسر شوكته لأن لعبته التي يلعبها معي و يتفنن بها ستفتح المجال على آخرين مثله حتى يفعلوا ما فعله و أكثر، مع أنني متأكد من عدم وجود أحد مثل ذلك المغرور الكريه )) قال منير (( و من هو حتى لا يوجد أحد مثله.. تذكر أنه مجرد رجل واحد، و ظهوره بتلك الطريقة التي شدت جميع الناس إليه مجرد صدفة، و الصدف دائما تنتهي في وقت قصير.. لذلك اعتمد علي في إنهائها )) ضحك جمال باستهزاء ثم قال (( لقد تركته لك و أنظر ماذا حدث.. إنه الآن يتعالج في المستشفى من حروق صغيرة ربما أصابته في أنامله الناعمة أو بشرته الرقيقة.. لقد أصابته أحد الأعمدة في رأسه و بسبب حماقتك و لأنه لم يمت، ستقوم الدنيا و لن تقعد و ستكتب جميع الصحف و المجلات عن الحادث الذي أصاب السيد الإيطالي المشهور.. و سيصبح حديث الناس لعدة شهور، فبدلا من قتله زدت من شهرته.. و تأكد أنه بعد أن سمع صوتك لن يتركك و شأنك، خصوصا بوجود ذلك الداهية الماكر أكرم بجواره )) قال منير (( أكرم جبان و يخاف من ظله، لذلك سيكون القضاء عليه يسيراً.. أما سليم فدعه لي، و سترى أنه لن يقدر أن يؤذيني و لا داعي للخوف من رجل مثله، بل هو الذي يجب أن يحترس مني ))


الجــــــــ 11 ـــــــزء:

كان سليم في سريره في المستشفى و أكرم بجانبه و في الجانب الآخر كانت هناك ممرضة تعطيه حقنةً في يده، فقال لها سليم والألم والتعب واضح على وجهه (( متى سيأتي الطبيب ليراني؟ أريد أن أخرج من هنا.. عندي بعض الأعمال المستعجلة )) ردت عليه الممرضة بهدوء (( اطمئن يا سيد سليم.. سيأتي الدكتور ليراك بعد ربع ساعة )) و خرجت عنه فتنهد بقوة وقال لأكرم (( ما الذي في قلبك يا صديقي؟ أما زلت خائفاً مما حصل؟! )) رد عليه أكرم بغضب (( أنت لا تنفع لشيء سوى للسخرية مني.. نعم مازلت خائفا وأنا أيضا حانق و غاضب جداً.. بالله عليك ألم تغضب من ذهاب ذلك القصر الكبير؟!! لقد احترق عن آخره ولم يبقى لك شيء فيه والأكثر من ذلك أنت و رأسك المكسور.. ألم يكفك ما فعلته بك أختك المجنونة منذ أسبوعين حتى يصيبك أحد الأعمدة في رأسك لا و انكسرت أيضاً أصابع يدك اليمنى.. وبعد كل هذا مستعجل وتريد أن تخرج.. أخبرني ماذا ورائك؟ جميع أعمالك منجزة لم يبقى لك سوى أن تقتلني فافعل و أرحني )) نظر سليم إليه طويلا حتى يزعجه ثم قال له (( آه يا حبيبي يا أكرم ليتني أقدر أن أقتلك فعندها فقط سوف أتخلص من نواحك و صياحك.. فكلما حصل شي تبدأ بالنواح و البكاء على الأطلال و لا تتكلم سوى عن خوفك و قتلك و لا أعرف لماذا يظلمون النساء دائما بالنواح و الصياح و أنت تهزم كل إمرأة بشكاويك و عويلك يا جبان )) قال أكرم و هو يتظاهر بالهدوء (( لا بأس يا متبجح.. يا نصير النساء الآن عرفت لماذا عندما تقابلك أي إمرأة تركض خلفك.. أنا تتهمني بالصياح و العويل!! لا بأس.. و لكني لا أريد الموت بجانبك و لا تقل لي حبيبي فأنا أكرهك و أكره تصرفاتك الهوجاء.. أنا خائف عليك يا سليم، ألم يكفك ما أصابك حتى تذهب و تتصل بجمال، لماذا لم تدعه يعتقد أنك مت حتى نهرب؟! لماذا يا سليم؟؟ )) رد سليم و هو يتباهى بفعلته حتى يغيظه (( أولاً هو سيعلم عاجلاً أو آجلاً فالأحسن أن أخبره حتى أقهره.. أما ثانياً فمائة مرة أخبرتك أنا لن أهرب و لا أنت و سأواجههم كلهم و أنت معي و لن تذهب إلى أي مكان بدوني و لا نقاش في هذا الموضوع.. هل فهمت؟ و الآن أصمت و لا ترد فأنا متعب و أريد أن أرتاح )) قال أكرم (( حسناً.. عليك بالراحة أيها الأسد المغوار.. أتمنى أن يقتلك جمال و يقتل غرورك حتى أهرب وحدي )) رد عليه سليم و هو يضحك بألم (( ألم أطلب منك السكوت يا ثرثار.. يالطول لسانك، ألا تستطيع أن تكف عن الكلام و الشكوى لدقيقة واحدة.. ما حدث قد حدث.. و لك بشرى مني إن قتلني جمال لن يدعك حتى ترثني لانك دليل قوي ضده و يجب أن يتخلص من هذا الدليل )) قال أكرم (( إسمع أنا أكره هذه المواضيع لذلك أنا سأصمت و أنت أيضا نم و ارتح و اطمئن إخوتك بعد موتك هم الورثة الوحيدون لك حتى و لو كانوا يكرهونك فأكيد أنهم سيحبون أموالك لأنه لا أقرباء لديك غيرهم )) قال سليم و الحزن مسيطر عليه (( إخوتـــــــي!! أين هم الآن بالله عليك يا صديقي؟ كل من في البلدة سمعوا عن إصابتي.. لقد انتشر الخبر في كل مكان.. الكل سمع به إلا إخوتي )) ثم ضحك بقهر و قال (( يبدو أنني سأكتب جميع ممتلكاتي بإسم صبا لأني لن أجد من يحب نقودي مثلها )) وضع أكرم يده على كتف سليم وقال له (( آسف يا سليم لم أقصد أن أوقظ فيك آلاماً دفينة أرجو أن تهدأ.. أين ذهب غرورك و كبريائك.. أتريد أن تزحزح ثقتي بك؟ )) ابتسم سليم و قال له (( الآن فقط وثقت بي! أين ذهب صياحك و شكواك منذ دقائق )) قال أكرم بحماس (( إسمع لدي خطة جيدة.. لماذا لا تترك جمال و ابنة أخته صاحبة المصائب جانباً و نذهب أنا و أنت لنبحث عن إخوانك جميعا و نقنعهم بالتراضي معك و... )) قاطعه سليم و هو يمسكه بيده اليسرى من قميصه و يقول له (( إياك أن تتكلم عن مآثر بسوء و لا شيء سوى الموت سيفرقني عنها و لن أضحي بها من أجل أخوة لم يحبوني ولم يسألوا عني هل فهمت؟؟ )) سعل أكرم بقوة وقال بصعوبة (( نعم.. نعم فهمت ولن أكررها أعدك.. اتركني أنت تخنقني )) فتركه سليم بعد أن رأى حاله و عندها قال أكرم بغضب (( أنت دائما لا تستمع لنصائحي و عندما تغضب تمسكني من قميصي.. أنا لا أقبل الإهانة يا سيد سليم و لو لم تكن مصاباً و لولا رحمتي بك لجعلتك تشاهد شيئاً لم تره في حياتك من قبل )) قال سليم بإستهزاء (( انظروا من يتكلم.. يبدو أن كليب وائل نهض من قبره )) قال أكرم رداً على استهزاءه (( أنا كليب أيها الزير.. يا زير النساء.. منذ أن رأيت تلك الساحرة لم يعد هناك شيء يهمك.. حتى أنا نسيتني يا ناكر الجميل )) واستمرا في عراكهما و تقاذف الكلمات حتى أن الدكتور حسام دخل و قد سمع أغليبة كلامهما و عندما انتبها لوجوده سكتا و أخذا ينظران لبعضهما في خجل واضح.. فقال أكرم ليكسر هذا الصمت (( إعذرنا يا دكتور حسام.. يبدو أن سليم متعب لذلك فلتت أعصابه و أنا أحاول أن أهدئه قليلاً )) كتم سليم غيضه و هو ينظر لأكرم و تبريره السخيف ثم قال موجهاً كلامه للدكتور حسام (( إذن أنت الدكتور حسام.. مرحبا، كيف حالك؟ )) رد حسام بجفاء (( أنا من يجب أن يسألك هذا السؤال و المفروض أن تعرفا معاً أن هذا مستشفى و أنا لم أرى في حياتي رجلان يتنازعان مثلما فعلتما و أيضا في مستشفى الواجب أن يعم فيه الهدوء و أن توفر فيه الراحة للمرضى )) قال سليم بهدوء (( على العموم لولا الكسر في رأسي و الألم في يدي اليمنى و في ظهري فأنا بخير و لكن هل تسألني بصفتك الطبيب المعالج أم بصفتك أخــ ... )) قاطعه حسام بسرعة (( بصفتي الطبيب فقط و لا أعتقد أن هناك صفات أخرى بيننا يا سيد سليم.. فأنت الآن تعتبر أغنى رجل في البلدة إن لم تكن في إيطاليا و أنا طبيب متواضع في مستشفى حكومي و لا أعتقد أن هناك شيء يجمعنا غير علاجك.. ألا توافقني الرأي يا أكرم؟ )) تلعثم أكرم ثم قال (( أ..أنا لا دخل لي بذلك كله.. لماذا عندما يريد الواحد منكم أن يشعل حربه مع سليم يدخلني معه.. لو كنتم تعرفونه لآثرتم السلامة على قمصانكم.. أقصد على حياتكم )) لم يهتم حسام بكلام أكرم و ألتفت إلى سليم وقال له (( بداعي الفضول فقط أسألك يا سيد سليم.. لماذا يتعالج رجل غني مثلك في مستشفى حكومي؟ مع أنك على حسب علمي تمتلك مستشفى خاص هنا؟ )) نظر سليم إليه طويلا والألم يعتصر قلبه من تجاهله إياه و قال له بصراحة (( إسمع يا حسام.. آسف أقصد يا دكتور حسام، تجاهلكم لي أنت و باقي إخوتي يقتلني في كل لحظة ألف مرة و لكن فعلا أنت لا تعرفني فأنا أفضل أن أدوس على قلبي و أرميه بدلا من أن أستجدي أحدا ليقبلني كأخ له.. في البداية قمت أنت و خالد بإبعاد صبا عني حتى لا تراني لأنها اقتنعت بي و الآن ببساطة تمنعني من قول كلمة أخي.. في النهاية لا بأس نحن متفقان أن لا إخوة بيننا و تذكر أنك في يوم من الأيام ستأتي بنفسك و تطرق باب بيتي لكي أقبل أنا بك و لكن ردي سيكون أقسى من ردك فأنا لم أتعلم الظلم إلا منكم يا قساة القلوب.. و تذكر أنني جئتك يا حسام و رددتني و أنا لم أتعود على هذه المعاملة.. وللإجابة على سؤالك فأنا أتيت إلى هذا المستشفى لأن سيارة الإسعاف جلبتني إلى هنا و لأن.... آه هل تعرف.. عالجني أولا و أكتب لي على الخروج ثم سيخبرك صديقي و محامي الخاص أكرم بالباقي يادكتور )) ابتسم حسام و قال (( أتعرف أن جمال لم يكذب حين قال عنك أنك وقح و متعالي لكن لا بأس سأعالجك لأن هذا عملي و تذكر أنت بأني لن آتيك يا متأمل و لن أرجوك مهما حصل )) ابتسم سليم ثم قال له متسائلا بثقة (( حتى و لو فقدت عملك يادكتور؟؟ )) رد حسام بدهشة (( ماذا؟! )) قال سليم بلا مبالة (( لا تهتم أكرم سيشرح لك كك شيء بعد أن تعالجني.. هيا قم بعملك الآن )) وبعد ساعتين كان سليم يتكيء على عكاز في مكتب د.حسام بالمستشفى و هو يوقع له على ورقة الخروج فأخذها سليم ثم قال (( تكلم يا أكرم )) فقال المحامي أكرم (( يجب أن تعلم يادكتور حسام أن هذه الأرض التي عليها المستشفى تبين أنها إحدى أملاك السيد عبد الوهاب والد السيد سليم و لقد كتبها بإسمه و هو دفع عن المستشفى أموالا للدولة - طبعا كرامة منه لأن الأرض له و بذلك يكون له الحق في عمل أي شيء بها- .. المهم، لقد قرر السيد سليم هدم المستشفى ليبني مكانه مستشفى أكبر منه يتكون من 15 طابقا و يزوده بكل الأجهزة والأدوات الحديثة و طبعاً أي طبيب يريد أن يعمل به لابد أن يأخذ الأذن من السيد الكبير سليم عبد الوهاب )) نظر إليهما حسام و هو متفاجيء ولم يتكلم فقال له سليم (( و الآن ما ردك؟ أما زلت وقحاً و متعالي أم أنني طيب و شهم لأني سأجعل المستشفى أكبر حجماً؟ )) مازال حسام ينظر إليه ولم يتكلم من الدهشة و قد فقد عمله في غمضة عين فقال له سليم بثقة (( لا تخف لن تفقد عملك.. فقط تعال إلى بيتي وتأسف مني و قل أنك تريد عملاً و سأعطيك في المستشفى الثاني حتى يجهز هذا.. أنتظرك )) وتركه في شروده و ذهوله و خرج عنه، وعندما كان يتجه لمخرج المستشفى وجد طفلا جميلا في الخامسة من عمره وعرفه على الفور، إنه نور إبن حسام.. فأقترب منه وعندما أراد أن يحمله تفاجأ بصفعةٍ قوية على يده المصابة فصرخ من شدة الألم وعندها رأي حسام و هو يأخد طفله و يصرخ به (( إياك أن تلمسه )) فأخذ سليم ينظر إلى حسام وقد اتسعت عيناه بدهشة كبيرة.. و من بعيد أتى خمسة رجال - هم في الأصل حرس الأمن عند سليم - و حاولوا ضرب حسام و لكن سليم منعهم بإشارة من يده وقال لهم (( دعوه لا يلمسه أحد إنه سوء تفاهم بسيط )) دمعت عينا سليم و لكنه مسحها قبل أن تنزل على خده حتى لا يراها حسام و قال بشدة (( وصلت بك القسوة يا حسام أن تمنع أبنك عني!.. سنتقابل أعدك بذلك )) ثم ألتفت لأكرم و قال له (( هيا بنا )) و أشار لرجاله كي يمشوا خلفه و ذهب سليم و من وراءه كان حسام واقفا يضم ابنه إلى صدره و ينظر إلى سليم بخوف ممزوج بدهشة و غضب..

سأنســـــى بأني بهذا الكون إنســـــــان
و أغمـض عينـــــــي لعلي لا أرى الآن
سأغلق دفتر الماضـــــــــي....
و أنسى حزن وجدانـــــــــي...
سأرمي كل أفكـــــــــــــاري...
و أحرق كل أشعــــــــــاري...
سأبدأ صفحة بيضــــــــــــاء..
و أنسى كل آلامــــــــــــــي..
للكاتبة: نسمة صيف

الغالي المزيون 05-12-10 06:36 PM

الجــــــــ 12 ـــــــزء:

صعد سليم إلى السيارة مع أكرم الذي تولى القيادة و في الخلف كان يجلس معهم ثلاثة من رجاله و خلفهم كان الباقون يتبعونهم في سيارة أخرى، فقال أكرم بعد تردد (( هل ستؤذيه يا سليم؟ )) رد سليم بحزن شديد و هدوء استغربه أكرم بعد ذلك الموقف (( لا تكن غبياً.. إنه مجرد تهديد أجوف.. ألم ترى طفله الصغير و هو ينظر إلينا بخوف.. إذا كان أباه يكرهني فما ذنبه حتى أحرمه منه، إذا كرهني حسام فسأجعل أبناءه يحبوني بإذن الله.. و على حد علمي أن ابنه البكر عمره 14 سنة.. سأحاول أن أكلمه لأنه يبدو عليه الطيش و الشباب لا يملأ عيونهم شيء أكثر من الأموال )) قال أكرم بعد تفكير (( ستشتريه إذن! )) رد سليم (( لا أيها الذكي.. سأشتري قلبه، سأجعله يحبني )) قال أكرم (( و ما يدريك أنهم لم يملئوا قلبه ضدك؟.. المهم.. إلى أين تريدنا أن نذهب الآن؟ )) قال سليم و ابتسامة ساخرة تعلو وجهه (( إلى تأديب ذلك المتباهي الذي يعتقد نفسه ذكياً حتى يقتلنا )) قال أكرم بخوف (( إلى جمال!! كلا.. ليس الآن.. أرجوك يا سليم انتظر حتى أهرب أولا )) صاح به سليم (( أليس في ذهنك شيء سوى الهرب يا غبي؟! .. لن نضرب ضربتنا القاضية بسرعة.. الآن فقط سنذهب إلى الذنب منير أما الرأس فسندعه للنهاية )) ثم التفت لرجاله و قال لهم باللغة الإيطالية (( هيا اذهبوا و نفذوا ما أمرتكم به هذا الصباح و لا تدعوا عنده عظمة واحدة تصلح لشيء.. هيا )) نزل رجاله وذهبوا لتنفيذ ما أمرهم به، أما أكرم فقال بدهشة (( بماذا أمرتهم يا مجنون؟؟! )) قال له سليم (( لا دخل لك يا جبان.. ستسمع عن ذلك قريباً و لكن ليس في الجرائد أو التلفاز إنما عند مركز الشرطة )) قال أكرم بدهشة كبيرة (( مركز الشرطة؟!! ))



الجــــــــ 13 ـــــــزء:

عند العصر كان منير عائداً إلى بيته، و عندما دخل سمع صراخاً شديداً و أصوات أشياء تتحطم و رأى مشاجرة كبيرة تحدث بين زوجتيه الاثنتين بالأيدي و الألسن.. فذهب إليهن و أمسك كل واحدة من شعرها و قال لهن بتهديد و بصوت هادر (( ألم أحذركن من عمل هذه التفاهات أمامي.. لا ضرب نفع معكن و لا الكلام نفع.. ألم تكتفين مما أتاكن مني أم أنكما تحبان الضرب كل يوم.. هيا تكلما أخبراني ما الذي حدث هذه المرة؟ )) ردت عليه زوجته الأولى (( هي السبب.. اليوم دورها في طبخ العشاء و هي ترفض بحجة أنها حامل وتريد أن ترتاح )) صاح منير بصوت عالي (( ماذا؟! حامل مرة أخرى!.. ألا يكفيني خمسة أولاد بمصاريفهم حتى تأتي لي بالسادس؟ )) قالت زوجته الثانية (( السابع )) قال لها منير بدهشة (( ماذا تقولين؟ إنهم الآن خمسة فقط فمن أين أتى السادس حتى تقولي السابع )) ردت عليه بفرح (( أنا حامل بتوأم يا منير و عندي قبلهم ولدان و ابنتان و ليس ولد واحد فقط مثل بعض الناس )) ردت عليها الزوجة الأولى -ابنة عم جمال- (( هل تجرئين على معايرتي؟ ألا تعرفين من أنا؟ إن كنت تجهلين فأنا ابنة عم جمال الحسيني و أبي رحمه الله كان قائدا للجيش وليس بواب في أحد العمارات )) اتسعت عينا الزوجة الثانية و صرخت بأقصى قوتها من القهر ثم أمسكت بشعر غريمتها و شريكتها و قالت لها (( أتعايرين أبي؟ بهذه السهولة نسيت أخاكـ المسجون يا سليطة اللسان )) ردت الزوجة الأولى بأعلى ما عندها من صوت (( أنا سليطة اللسان!! أيتها العقرب المسمومة.. على الأقل أخي سجن مظلوماً و لم يعدم من أجل المخدرات مثل خالكـ يا عائلة الشرف )) قالت الثانية (( عائلتي أشرف من عائلتكـ يا.... )) قاطعهما منير قائلا (( لن يكون هناك أشرف مني أن لم أؤدبكما اليوم و أقطع ألسنتكما.. ألا تخجلا من رمي الكلام هكذا على بعضكما و أمامي أيضا.. الآن ستريان ما سأفعله بكما )) قالت له زوجته الأولى بتوسل (( الرحمة يا منير.. لن نفعل هذا مرة أخرى )) و قالت الثانية (( اضربها هي.. أنا حامل يا منير لا تنسى )) قال منير (( لم أنسى يا عزيزتي و الضرب سيكون من نصيبكما معا.. لا تخافي سيصير أولادي رجالا قبل أن يخرجوا من بطنكـ، بإمكانكـ اعتبارها تمارين للحمل )) و هكذا ضربهما منير جزاء لصراعاتهما التي لا تنتهي، و في الليل بعد العشاء كان منير يهم بالنوم عندما جاءته زوجته الأولى و وقفت صامتة بجواره فرفع رأسه إليها و قال بضجر (( نعم! ماذا تريدين؟ أريد أن أرتاح )) قالت له و هي تتصنع البكاء (( ترتاح و نحن نتقطع من الألم.. أنظر إلى عيني.. ماذا أقول لأخي عندما يأتي غدا هو و زوجته.. ماذا أقول له لو سألني ما الذي حدث؟ )) رد منير عليها (( قولي له منير كان يمازحني.. أو ما رأيكـ أن تقولي زوجي أراد قتلي.. أصلاً لماذا يأتي أخاكـ عندنا.. ألا يكفي ما فعلتماه أنت و تلك الغبية، هي أدخلت أخاكـ السجن و أنت حكمتي على خالها بالإعدام بتهمة المخدرات و الأدهى أن أخاكـ وخالها بريئان فأنتن تهوين تأليف الشائعات وتصديقها.. هيا أخرجي و لا تزعجيني أريد أن أنام )) قالت له بخبث واضح (( كيف حالها؟ )) رد منير بدهشة (( من هي هذه التي تسأليني عن حالها؟! )) قالت له (( مآثر التي يريد جمال تزويجها لك )) قال منير و هو يبتسم بمكر (( اطمئني لن أتزوجها )) ردت عليه بفرح (( حقا يا منير؟! )) قال منير (( طبعا يا عزيزتي.. فكما تعلمين مآثر جميلة و رقيقة و لن ترضى أن تسكن مع وحشين مثلكما.. سأنتظر حتى يجهز بيتي الجديد و عندها سأتزوجها و أطلقكما لأنها لن ترضى بامرأتين تشاركانها بي و سنعيش أنا و هي بهناءٍ و سعادةٍ و وئام )) قالت له بقهرٍ عجزت عن كتمانه (( كلامك لا يهمني يا شرير.. أنا جئت فقط لأخبرك أن هناك 3 رجال يسألون عنك )) قال منير بغضب (( أيتها الغبية.. 3 رجال يسألون عني وأنت هنا تثرثرين عن زواجي! .. من هم؟ )) قالت له (( لا أعرف )) قال منير (( أنا متعب.. أذهبي و قولي لهم منير غير موجود )) قالت له (( لا ينفع الآن.. لقد قلت لهم أنك هنا و هم الآن ينتظرونك في مكتبك )) نهض منير و أزاحها من أمامه و قال (( لا أعرف لماذا كان حظي أسوداً و تزوجت من حمارتين لا تفقهان شيئا.. لن توصلاني سوى إلى الانتحار من أعمالكما.. يجب أن أتزوج مآثر )) ردت عليه بغيرة (( لماذا؟ هل تراها أجمل أو أحسن منا.. لن تجد في الأرض من هي أجمل مني أو من شريكتي )) قال لها (( ليس الجمال يا حمقاء.. عندما أتزوجها و أتبع مشورة جمال، سيقتلني سليم و لن أراكما بعد الآن و هناك ستكون الراحة الأبدية.. هل فهمتي؟ )) قالت له (( لا لم أفهم.. من هو سليم هذا؟ هيا أخبرني )) رفع منير يداه على أذنيه و ذهب عنها متوجها إلى مكتبه، و هناك وجد الرجال الثلاثة ينتظرونه فأغلق الباب و دخل و قال لهم (( نعم.. أنا منير، ماذا تريدون؟ )) ثم توقف قليلاً و هو يتفحص أشكالهم وقال (( أنا لم أركم و أشكالكم توحي بأنكم لستم من هنا.. آه أنتم من إيطاليا أم أنا مخطئ؟ ولعلمكم أنا منير و لا شيء يخيفني )) رد عليه أحد الرجال بلغة عربية سليمة (( نحن نعرف أنك منير و إلا لما أتينا.. أهكذا ترحب بضيوفك يا سيد منير؟! و هل حقاً أنه ليس هنالك ما يخيفك؟ على العموم لسنا أنذالاً و لذلك لن نحرق لك بيتك و لن نأتي بمكبر صوت لنخبرك أن أمامك مهلة شهر و لا شيء من هذه القبيل.. فقط.... )) و عندما طال سكوت الرجل، قال منير (( فقط ماذا؟؟ .. هل تريد الشجار معي؟ )) لم يجاوبه الرجل و إنما أشار بيده إلى زميلاه و ما هي إلا دقائق حتى كانت سيارة الإسعاف تشق الطريق ناقلة منير إلى المستشفى بعد أن ضربه رجال سليم ضرباً مبرحاً و أصابوه في رأسه و ظهره و كسروا له أصابع يده اليمنى.. و طبعاً هذه الإصابة كانت مقصودة....


الجــــــــ 14 ـــــــزء:

في صباح اليوم التالي كان سليم جالساً و أمامه طاولة الإفطار في حديقة منزله الجديد و هو يرتشف القهوة بهدوء و كأن شيئا لم يكن بالأمس، و فجأةً دخل عليه أكرم و وقف أمامه ينظر إليه من دون أن يتكلم، و لكن سليم لم يأبه له و إنما واصل إفطاره و كأنه لم يره، فأغتاظ أكرم كعادته و قال بغضب حاول كتمانه فلم ينجح (( ماذا فعلت يا سليم؟! )) رد سليم بهدوء (( ما هذه التحية يا صديقي؟ و ما هذا السؤال السخيف؟ دعك من أعمالك و أجلس لتفطر معي.. لقد قل وزنك من كثرة العمل.. يبدو أنني أقسو عليك كثيراً و لكني سأفكر في إعطائك إجازةً بعد شهر.. هيا اجلس )) جلس أكرم ثم قال و هو يتنهد بقوة (( دائماً كعادتك تتهرب من الكلام و لا تهتم لشيء.. عندما أسألك عن موضوع ما.. أكون أنا في اليمين و تذهب أنت للشمال.. شكرا لك يا مغرور.. يا متكبر.. أنا بصحةٍ جيدة و لا أحتاج لشيء من طعامك.. أنا فقط محتاج لأن أفهم تصرفاتك الطائشة.. ثم... لحظـــة.. أخبرني لماذا تريد إعطائي إجازة بعد شهر؟ هل حقاً ستجاري جمال و تحاربه لمدة شهر؟! .. لن تنجو إن فعلت.. أنا أنصحك ابتعد عنه و عنها و سأزوجك أجمل منها فأنا لدي عروس لك )) قال له سليم (( دع نصائحك لك فأنا لن أحارب جمال )) قال أكرم بفرح (( هل رجع لك عقلك أخيراً.. حاول أن تعرف من هي العروس التي سأعرضها عليك؟ )) قال سليم بسخرية متعمدةٍ (( لا.. لن أفعل.. فأنت لم تترك لي المجال لأكمل جملتي، لقد كنت أريد أن أقول أني لن أحارب جمال وحــدي فأنت ستحاربه معي فأنا لن أنسحب مهما حدث و لن أتزوج غير مآثر مهما حصل )) قال أكرم بيأس (( و لن يفرقك عنها سوى الموت أليس كذلك؟! )) هز سليم رأسه و قال (( بلى.. كذلك، لقد بدأت الآن تفهمني )) قال أكرم برجاء (( على الأقل أسأل من هي العروس ثم قرر )) قال سليم بضجر (( و من هي؟ و لماذا لا تتزوجها أنت بدلاً من إحضارها لي؟ )) قال أكرم (( لأنها لا تجوز لي )) قال سليم (( لماذا؟ هل هي قبيحة إلى هذا الحد؟! أم أنك تخاف من زوجتك؟ أنا أعتقد أنها الثانية.. الخوف من الزوجة أليس كذلك؟ )) قال أكرم وقد نفذ صبره (( لا.. ليس كذلك.. هل تظن نفسك جميلاً جداً حتى تحكم على الناس بالقبح قبل أن تراهم، .. ثم أنا لا أخاف من أحد و أنت أدرى الناس بي فأنا شجاع و لولاي لما ظللت يا سليم على قيد الحياة حتى الآن.. يا أحمق لا تضيع هذه العروس بالذات.. إنها جميلةٌ جداً و لها شعر أسود طويل و عيون عسلية ليس لها مثيل و أنا أضمن لك أنك لن تجد مثلها في الدنيا )) ضحك سليم بشدة ثم قال (( أنت شجاع!! .. حسنا لقد هزمتني هذه المرة.. ها أنا أعلن استسلامي.. أخبرني من هي هذه الساندريلا يا أكرم؟ )) قال أكرم بفخرٍ كبير (( إنها أختي )) سعل سليم بقوة ثم قال بدهشة (( من؟! )) قال أكرم شارحاِ (( ألم تسمع إنها أختي التي تصغرني مباشرة.. عمرها 24 سنة و هي أجمل أخواتي.. ها.. ما رأيك؟ متى سيكون العرس؟ وكم ستدفع مهراً لها )) قال سليم صائحاً (( أي مهر وأي خرافات تتكلم عنها.. هل جننت؟! ثم منذ متى و أنت تعمل كالخاطبة.. حسناً زوجني أختك و يزن سيصل غداً، زوجه التي بعدها.. هل فقدت عقلك يا أكرم؟! أخواتك بالنسبة لي مثل أخواتي فلماذا الإحراج الآن؟ وتذكر أنا قلت و لن أرجع في قولي.. مآثر و لا غيرها أبداً أبداً لا أختك و لا غيرها ستكون بديلا عنها )) قال أكرم بتوسل (( و لكن أختي جميلة و تستحق أن تفكر بها و لو قليلا )) قال سليم و هو ينهي النقاش في هذا الموضوع (( لقد فكرت و رفضت.. و الآن أنسى موضوع زواجي و أخبرني.. لماذا أتيت إلى هنا و لماذا تسألني ماذا فعلت؟ )) ضرب أكرم رأسه بيده و قال (( آه.. لقد نسيت.. لقد وصلك هذا الصباح استدعاء من الشرطة، النقيب خالد يطلبك في مكتبه بعد ساعة من الآن.. هيا تكلم كيف فعلت هذا من دون أن تخبرني؟ و لماذا؟! ستدخل السجن الآن و لن تتزوج من مآثر بعد أن تنتشر فضيحتك في كل مكان )) قال سليم (( فعلت هذا لكي أشفي غليلي.. و طبعاً فعلته بواسطة رجالي.. أما من ناحية أني سأسجن، فلماذا أنت موجود؟ و لماذا أدفع لك؟ لكي تبكي و تسأل؟! أم لمثل هذه المواقف.. فلهذا أنت ستتصرف أو ستلحق بمنير و تشاركه غرفته بالمستشفى )) قال أكرم بنفاذ صبر (( دعك من تهديداتك الجوفاء و أخبرني أين كنت بالأمس حتى نثبت أنك بريء.. لأن جمال رفع ضدك قضية و هم ينتظرونك.. و الآن، من كان معك ؟ و لا تقل لي رجالك )) قال سليم بثقة (( من هذه الناحية لا تخف فأنا محتاط لهذه اللحظة )) قال أكرم باستهزاء (( كيف يا سيد واثق؟ من سيشهد أنك كنت معه في اللحظة التي ضرب فيها منير؟ )) قال سليم (( جارنا العجوز.. السيد جلال.. لقد دعوته بالأمس للعشاء معي في اللحظة التي كان فيها منير يفقد كل عظامه )) قال أكرم بإستنكار (( ولكنه أعمى )) رد سليم (( لا تخف ابنه زياد كان معنا )) قال أكرم (( كيف أقنعته أن يأتي إليك؟ أنه عنيد و لم أعهدك بهذا الخبث و الدهاء.. طبعا أنت محتال و لكنك لست ذكيا كفاية لتقنع عنيداً مثله بالخروج في تلك الساعة و القدوم للجلوس معك و الأكل أيضا )) قال سليم بتباهي و هو يرفع إحدى قدميه و يضعها فوق الأخرى (( لا بأس يا أكرم.. دع الذكاء للجبناء أمثالك فهم يستحقونه.. الرجل لا يملك شيئا و ابنه عاطل عن العمل و بذلك أقنعته بأني سأجعل ابنه يعمل عندي في الشركة و براتبٍ كبير، فجاء على الفور و تعشى معي و أخذ يمدحني بسبب و بدون سبب و هكذا جلسنا نحن الثلاثة معاً حتى منتصف الليل.. أخبرني الآن ما رأيك؟ )) قال أكرم بدهشة (( اشتريته؟! )) رد سليم باستغراب (( ماذا؟!)) قال أكرم (( اشتريته مثلما تريد أن تفعل مع ابن حسام )) قال سليم و هو يتنهد بقوة (( أكلما ساعدت أحداً أو دبرت له وظيفة عندي أو أعطيته بعض المال تأتي أنت لتقول أني اشتريته.. مـاذا؟! هل تراه بضاعة أمامك؟ إنه رجل بحاجة للمساعدة وأنا كذلك.. هذا يسمى بتضارب المصالح يا غبي )) قال أكرم مدافعا عن نفسه (( أنا لست غبياً.. و لكن أنت استغلالي و لا تساعد أحدا و لا تعطي المال لأحد دون مقابل )) قال له سليم بغيض (( أتريدني أن أرمي أموالي أم تريد لي دخول السجن؟؟ يا أحمق هكذا سأثبت براءتي و عندها تعمد أنت إلى رفع قضية )) قال أكرم متسائلاً (( أي قضية؟! )) زفر سليم بقوة ثم قال (( ما الذي حدث لك؟ هل أقتلك فعلاً مثلما طلبت بالأمس وأتخلص منك.. ماذا؟! من المحامي أنا أم أنت؟ من ضربني في رأسي و جعلني أعتمد عليك في كل شيء.. يا أبله قضية رد اعتبار.. جمال رفع قضية ضدي و أنا بريء و هو يريد التشهير بي، و لذلك سنرفع شكوى ضده لتعويضي.. هل فهمت؟! )) قال أكرم (( و لكنك لست بريئاً يا مخادع )) قال سليم بابتسامة منتصرة (( و من غيرنا يعلم بذلك.. منير إن نهض و بحث في كل مكان بالعالم فلن يجد الرجال الذين ضربوه و لا شيء في الدنيا يثبت أنهم رجالي )) قال أكرم (( لا.. بل هنالك شيء )) قال سليم (( لا يوجد غيرك فهل ستشهد ضدي؟ )) قال أكرم (( طبعا لا.. و لكن لا تنسى أن رجالك فعلوا به مثلما أصابك بسببه عندما أحرق قصرك )) قال سليم (( تذكر العين بالعين و البادئ هو الأظلم.. ثم أن هذا ليس دليل إنها مجرد صدفه )) قال أكرم بدهاء (( صدفة أم تلميح لجمال؟ )) ابتسم سليم ثم قال (( طبعاً أنت تعرف.. هيا الآن لنذهب و نقلب القضية ضد جمال )) قال أكرم و هو يمشي بجانب صديقه (( أمري إلى الله.. هيا لنذهب لنزيد كره جمال لك و نحرضه عليك أكثر حتى يسرع و يريحنا منك )) قال سليم و هو يرفع إحدى حاجبيه (( و منك يا عزيزي فنحن شريكان )) قال أكرم (( و ما الذي يخيفني أكثر من أننا شريكان و أنني يجب أن لا أخاف لأني مع سليم عبد الوهاب.. )) ضحك سليم و ضحك معه أكرم و ذهبا إلى مركز الشرطة معاً.


الجــــــــ 15 ـــــــزء:

كان النقيب خالد جالساً مع جمال في مركز الشرطة و هما ينتظران سليم.. فقال خالد (( هل تظن أنه سيأتي في الوقت المحدد يا جمال؟ )) قال جمال (( اطمئن هذا المتفاخر المدعو سليم لا يتأخر عن مواعيده أبدا )) رد خالد بشرود (( تصور أني مشتاق لرؤيته من كثرة كلام صبا عنه.. هل هو فعلاً مثلما تكلمت عنه؟! )) قال له جمال بعصبيةٍ واضحة (( ما الذي حصل لك؟ هل خدعك وجهه البريء.. أم هل صدقت كلام تلك الشقية؟ إنها صغيرة و لا تعرف شيئا سوى اللهو و هو أغراها بأمواله.. ثم ألم يكفيك مشاهدته في الجرائد و التلفاز حتى تتمنى رؤيته أمامك.. الآن سيأتي و سيقهرك مثلما فعل معي.. و لكني لن أتنازل عن القضية حتى أسجنه )) قال له خالد (( اهدأ يا جمال.. العصيبة لن تفيدنا.. ثم ما الذي قلته أنا حتى تغضب مني؟ اطمئن موقفي منه لم يتغير و لن يقنعني شيء بأنه أخي )) قال جمال (( يجب أن تعلم بأنه مغرور و متعالي و هو يحب تحوير الكلام.. و يجب أن نحذر من محاميه الداهية لأنه سيعمل كل جهده لتبرئته.. ذلك الرجل يجب أن يسجن هل تفهم؟ و إلا سأقطع المعونات عن الشرطة )) قال له خالد (( أنت لا تعرف التفاهم أبداً.. أنا لا أستطيع سجنه القضية وصلت للنيابة.. أنا فقط أحقق فيها.. يبدو أنه وصل، أني أسمع صوتاً بالخارج.. تجهز للمواجهة يا جمال و أنسى لدقيقة كرهك له )) قال جمال (( إن نسيت فلن أنسى منير المسكين و نواح زوجتيه المزعجتين و سأنتقم منه )) قال خالد بهدوء (( لا يوجد دليل حتى الآن )) قال جمال (( رجاله هم الدليل و زوجة منير، ابنة عمي شهدت بأنها رأته ألا يكفيك ذلك؟ )) رد خالد (( نعم، لقد ذكرتني.. إنه يقرع الباب.. أدخل.. )) دخل أكرم و سليم التي كانت يده مازالت مضمدة بسبب الكسر في أصابعه، ومازال الشاش ملفوفا حول رأسه، و ألقيا السلام فرد جمال وخالد السلام عليهما، و عندما صافح خالد أخاه سليم استغرب بشدة من ملامحه البريئة فعلا مثلما أخبرته صبا.. فأخذ ينظر إليه طويلاً حتى قال له سليم (( يبدو أن جمالي قد أعجبك مثلما أعجب صديقك جمال الدين من قبلك )) رد عليه جمال بشماتة (( هل أنت امرأة حتى تتباهى بجمالك هكذا كلما نظر أحد إليك ؟.. اطمئن إنه لم ينخدع و يعجب بجمالك إنما هو مندهش من طولك الذي يشبه طول عارضات الأزياء )) رد سليم عليه بسخرية (( إلبس حذاء طويلاً حتى تجاريني في طولي و نعرض الأزياء معا يا جمال )) لكزه أكرم بيده و قال له بصوت منخفض (( يجب أن تكف عن هذا و نبدأ في القضية )) ثم صمت أكرم و هو ينظر إلى سليم الذي جلس بدون استئذان حتى يبدأ في المشاكل كالعادة... قال سليم (( ألن تدعونا للجلوس يا سيادة النقيب؟ )) انتبه خالد له وقال بحدة (( من أمرك بالجلوس؟؟ )) قال سليم بلا مبالاة (( ماذا.. هل تريد مني الوقوف؟ .. أنا متعب .. ألا ترى بأني مصاب! ثم أنني أحس بدوار وأنا متعود على الرفاهية و لا أستطيع الوقوف لوقت طويل أبداً.. و الأهم ألم يخبرك السيد جمال بأني مدلل و أعمل ما أريد.. لماذا لم تخبره يا جمال؟! )) قال جمال بعد أن استطاع سليم إغضابه (( اسمع أيها الإيطالي البغيض.. نحن هنا أمام قضية مهمة و لا وقت عندنا لألاعيبك و احتيالك في الكلام و إذا كنت ستخدع خالد فاعلم بأنك لن تخدعني أبداً مهما حاولت ذلك )) قال أكرم بسرعة (( تذكر ذلك يا سيادة النقيب و أمر رجالك أن يكتبوا بأنه شتم السيد سليم و هذه تعتبر جناية في وقت التحقيق في جريمة )) قال جمال (( سليم مجرم.. حاول قتل منير )) قال أكرم (( و تذكر هذا أيضاً.. لقد وصفه بالإجرام و القتل و ما هو إلا متهم و المتهم بريء حتى تثبت إدانته )) قال سليم (( و تذكر أنني حساس و مشاعري سريعة الخدش و لقد جرحني بكلامه.. أطلب من رجالك أن يكتبوا هذا أيضاً )) اقترب أكرم من سليم و قال له هامساً (( توقف عن هذا يا سليم و دع سخريتك و أسلوبك البغيض لي أنا في البيت.. أتريده أن يقتلك أم تريد قتله بجلطة قلبية.. لا تنسى أنه مريض.. أصمت ودعنا ننهي الموضوع بخير لأن خالد الآن لديه الحق في سجنكما معا )) ابتسم سليم وقال (( حسناً سأصمت لأني اكتفيت الآن بعد أن أشعلته )) استدار أكرم إلى النقيب خالد و قال له (( هيا أخبرنا ما هي القضية بالكامل )) قال خالد و هو يرفع إحدى حاجبيه بدهشة (( أيها الخبيث! ألا تعرف ما هي القضية أم أنك تحاول تصنع الذكاء أمامي؟! )) قال أكرم بطريقة رسمية (( لو سمحت يا سيادة النقيب.. اسمي أكرم أو بإمكانك مناداتي بسيادة المحامي إذا أردت و لكن من دون ألفاظ مهينة.. الذي أعرفه أنك استدعيت السيد سليم للتحقيق في قضية إصابة منير و نحن لا نعرف الملابسات و من حقنا معرفة ذلك.. فأبدأ الآن أو سأرفع عليك قضية في المحكمة نتيجة لتلاعبك و إضاعتك لوقت السيد سليم، فأنت تعرف أنه شخصٌ مشهور و لديه بعد ساعة من الآن مقابلة في التلفزيون ثم سيجري بعدها لقاء صحفي و يدلي فيه بتصريح بعد نجاته من احتراق منزله.. فالأحسن لك أن تبدأ أو نخرج من هنا و لا نبالي بك و لا بغيرك )) قال خالد بغضب (( هل تهددني؟! )) رد أكرم بثقة (( اعتبره ما شئت )) قال جمال (( يا محتال.. هل أنت محامي فعلاً أو مهرج في سيرك.. سليم ضاع منه وقته!! ماذا وراءه؟ أنت و رجاله تنجزون له كل أعماله بينما هو جالس في بيته لا زوجة و لا ولد )) قال سليم و هو يبتسم باستهزاء (( أنسيت وعدك بتزويجي مآثر يا عمي؟ )) صرخ جمال في وجهه قائلاً (( لم أعدك بشيء و مآثر ليست لك.. و لا تقل لي عمي مرة أخرى )) قال سليم بثقة زادت من إغضاب جمال (( حسناً إن لم تعجبك الجملة الأولى إليك الثانية.. أنسيت قولي بأني سأتزوجها شئت أم أبيت )) نهض جمال من مكانه ليتشاجر مع سليم و لكن خالد أوقفه بيده وقال بلهجةٍ صارمة (( اهدأ يا جمال.. وأنت يا سليم أصمت و لا تتكلم حتى آذن لك بذلك.. سنبدأ بالتحقيق حتى أرتاح من هذه التفاهات بينكما.. المهم يا سيد سليم لقد قام السيد جمال بتقديم شكوى ضدك و قد اتهمك بأنك ذهبت إلي منزل منير بالأمس بعد صلاة العشاء بساعة، و لقد قمت بضرب منير بمساعدة اثنين من رجالك.. و طبعا منير الآن في المستشفى و حالته صعبه.. فما ردك على هذا الاتهام.. هيا تكلم )) قال سليم ببرود (( كاذب )) قال خالد بدهشة (( ماذا؟! )) رد سليم غير مبالي بما قاله من قبل (( السيد جمال كاذب.. أنا لا أعرف أين يقع منزل منير.. و لا أعرف من هو منير هذا.. صحيح أنني سمعت عنه و لكني لم أقابله حتى الآن.. ثم و بالمنطق ما الذي بيني و بينه حتى أذهب أنا سليم عبد الوهاب بنفسي إلى بيته و اضربه.. دعه يأتي إلى هنا و يواجهني و يقول بنفسه أنني الذي ضربته )) قال خالد بضيق واضح (( جمال له قيمته في المجتمع و عار عليك أن تنعته بالكاذب.. ثم أن منير مصاب و لم نستطع التحقيق معه، و لكن زوجته شهدت بأنها رأتك.. ما قولك الآن؟ )) قال سليم (( أحضرها إلى هنا و دعها تشهد أمامي بذلك )) قال جمال بغضب (( أتريد من ابنة عمي أن تأتي إلى مركز الشرطة؟! أين ذهب الرجال إذن.. )) قال سليم متعمداً تحدي جمال (( لا بأس نحن سنذهب إلى ابنة عمك )) وقف جمال و قال بعصبية (( ماذا؟! هل تريد من منير أن يطلقها.. و هل تعتقد أنني سأرضى أن تخرج ابنة عمي أمام غرباء و خصوصا أنتم! )) قال أكرم (( نعم إذا كنت تريد أن نصدقكم بأنها شهدت بأنها رأته.. و أصلاً كيف عرفته حين شهدت بأنها رأته؟ )) قال خالد (( منير أخبرها أن ضيوفه الذين كانوا في مكتبه بينهم رجل يدعى سليم و أنه جاء لقتله )) قال سليم (( عندما علم أنني جئت لقتله، لم خرج لمواجهتي؟ )) استدار إليه أكرم وقال له بتهديد و غضب (( أن لم تكف عن ذلك يا سليم، أقسم بأني سوف أتركك و أذهب.. إذا كنت ستقاطع في الصغيرة و الكبيرة فلماذا أنا هنا؟ )) قال سليم مازحاً (( اهدأ يا محامينا الشاطر و دعني أساعدك )) قال أكرم (( أنت تفسد كل شيء، سكوتك هو الذي سيساعدني يا مزعج )) وضع سليم يده على فمه و قال (( أكمل.. لن أتكلم حتى نتخلص من كل هذا فقد مللت )) استدار أكرم إلى خالد و هو يتنفس الصعداء عندما صمت سليم و قال (( نحن نطالب بحضور الشاهدة زوجة السيد منير لترى سليم إذا كان هو من رأته بمنزلها أو لا، فبرأينا إنها مخطئة لأنه بنفس الوقت الذي ضُربَ فيه منير، كان السيد سليم في منزله يتعشى مع جيرانه، السيد جلال و ابنه.. فكما ترى لدينا شاهد بأن السيد سليم كان في منزله من الساعة السابعة والنصف إلى الساعة الثانية عشر.. و منير ضُربَ بعد صلاة العشاء بساعة أي ربما في الساعة التاسعة والربع.. لذلك يجب أن تأتي شاهدتكم و نحن بدورنا سنأتي بشاهدنا.. فما قولك يا سيادة النقيب؟ )) قال خالد (( لن أناقشك في هذا فالحق عندك.. سأقابل أنا شاهدكم و سيذهب السيد جمال ليأتي بزوجة منير.. هيا اذهب يا جمال )) قام جمال و هو غير مقتنع و ذهب لابنة عمه..


الجــــــــ 16 ـــــــزء:

قابل العقيد خالد جيران سليم و أخذ أقوالهم، أما في سيارة جمال و في الطريق إلى المركز، قال جمال لزوجة منير (( اسمعي.. الآن ستقابلين ذلك المدعو سليم.. لذا عندما ترينه يجب أن تقولي أنه هو الذي أتى إلى منزلكم بالأمس حتى و لو لم يكن هو.. أفهمت؟ )) قالت له متسائلةً بحيرة (( لماذا أشهد ضده إن لم يكن هو؟ أنا فقط سمعت منير يقول سليم سيقتلني و لا أريد ظلم أحد )) صاح بها جمال (( يا حمقاء إنه هو من أمر بقتل منير و ضربه على هذا النحو.. و هو رجل ذكي و لديه نفوذه لذلك لن يذهب بنفسه ليوسخ يديه و إنما سيبعث بمن يفعل ذلك عوضا عنه والرجال الثلاثة هم من رجاله )) قالت بتردد (( لماذا لا نعاقب الرجال إذا لم يكن هو قد أتى معهم )) قال جمال بنفاذ صبر (( لو قلبنا الأرض شبراً شبراً لن نجدهم لأنه لن يبقي دليلاً ضده.. لذلك وحتى ننتقم لمنير يجب أن تقولي أنه هو )) قالت بدهشة (( لماذا هل قتلهم ذلك المجرم مثلما أراد قتل منير؟! )) قال جمال و هو يتمنى خنقها بيديه لشدة عنادها (( لقد أخفاهم.. لماذا يضيف جريمة جديدة إلى جرائمه؟ أنه يريدهم لتنفيذ مآربه الشريرة.. و لا تنسي أن منير لم يمت، وإذا بقي هذا الرجل خارج السجن ربما سيعاود محاولته لقتل منير )) ثم أضاف بمكرٍ و دهاء (( ألا تريدين أن تنتقمي لمنير و أن يحبكـ و يعزكـ أكثر من ضرتكـ؟! )) قالت له بسرعة (( طبعاً أريد )) قال جمال (( إذن افعلي ما أمرتكـ به حتى تحمي زوجكـ و يبقى لكـ و لولدكـ.. هل اتفقنا؟ )) قالت له (( نعم.. ولكن كيف سأتعرف عليه هناك حتى أشهد ضده؟ )) قال لها بفرح (( الآن بدأت تفهمين.. إنه رجل طويل، له شعر أشقر و عينان زرقاوان.. ستعرفينه مباشرة لأنه الأشقر الوحيد في ذلك المكتب )) قالت له بحماس (( هل يشبه أحد أبطال السينما ؟! يقولون في التلفزيون أنه وسيم جداً و له عينان جميلتان و نظرة حالمة.. هل براد بيت أم توم كروز أو ربما بما أنه أشقر فهو يشبه... )) قاطعها جمال و هو يصرخ في أذنها بشدة قائلا (( أيتها الحمقاء.. أنا أريدكـ أن تسجنيه و أنت تتغزلين بجماله و عيناه! من هؤلاء الرجال الذين ذكرتهم؟! و من أين تعرفت عليهم يا خائنة؟ سأخبر عنكـ منير هيا اعترفي )) ردت و هي تقفل أذنيها من شدة خوفها منه ومن ارتفاع صوته (( من التلفزيون.. أنا لا أعرف أحداً غيرك أنت و منير و أخي فقط.. و لن أتكلم و لن أقول إلا ما أمرتني به )) قال لها مكملاً نزاعه لها (( منير زاد في دلالكن.. المرأة يجب أن لا تترك مع التلفاز لوحدها و إلا ستفسد.. إن سمعتكـ مرة أخرى تتكلمين عن رجل إلا زوجكـ سأقتلكـ هل فهمت؟؟ )) قالت له بغضب (( لا تقتلني ولكن زوج مآثر لمنير )) نظر إليها لحظة ثم تنهد وقال (( ليتها تقبل به )) صرخت بغيض ثم وضعت يدها على صدرها و قالت (( و لماذا لا تقبل به.. من هي حتى ترفض منير؟! لا يوجد في الدنيا كلها من يوازي منير وسامة و جمالا و هيبة.. ثم منذ متى و أنت تأخذ مشورة امرأة؟! أين كانت قواعدك عندما زوجتني لمنير.. لم تفكر حتى في أخذ مشورتي.. فقط جئت و قلت جاءكـ عريس و العرس يوم الخميس.. لماذا لا تقول لها نفس ما قلته لي أم أنك تخاف منها.. هيا اعترف )) قال جمال (( إن زدت حرفاً واحداً على هذا الكلام سأكسر لك رأسكـ.. الآن منير لا يوازيه أحد! ألم أملأ أنا عينيكـ يا ناكرة الجميل؟ من غيري قام بتربيتكـ أنت و أخاكـ؟ أنت تزوجت رجلاً و نجحت في زواجكـ و لكن مآثر فشلت في زواجين و قد ظلمتها فيهما و لا أستطيع تزويجها الآن من دون أخذ موافقتها.. ثم تعالي إلى هنا، الآن كل هذا المديح لمنير و بالأمس اتصلتِ لكي تشتكي لأنه قام بضربكـ؟! )) قالت له (( الذي يسمعك يقول كأنك اهتممت، كالعادة صرخت في وجهي و قلت أن الضرب لا يضر بالمرأة بل يؤدبها )) قال جمال (( و ما زلت على رأيي و لن أغيره و هو قائم على المرأة صاحبة اللسان السليط مثلكـ )) بعد فترة قالت له (( هل تضرب رحاب؟ )) قال لها باستنكار (( هل جننت؟! أنا أضرب رحاب! اصمتي و اقفلي على هذا الموضوع )) قالت له بخبث (( هل تخاف من الاعتراف بأنك تحبها؟؟ )) سكت عنها و لم يجب على سؤالها، ثم قال لها (( لقد وصلنا.. افعلي كما أمرتكـ بالضبط )) قالت له بخضوع (( حسنا لن أقول إلا ما أمرتني به )) و عندما دخلت هي و جمال إلى المركز و بعد أن جلست قال لها النقيب خالد (( هل هذا هو الرجل الذي كان في بيتكـ يا سيدة منال؟ )) قالت منال من دون أن تنظر إليه (( نعم إنه هو )) قال لها أكرم (( انظري إليه أولا ثم تكلمي )) التفتت لتنظر إليه و قالت بسرعة (( إنه هو بلا شك.. أنا متأكدة و... )) صمتت و هي تنظر إليه و قالت في نفسها (( يالأناقته الشديدة! هذه أول مرة في حياتي أرى شخصا بمثل جماله و أناقته، و وجهه يوحي بأنه بريء.. ملامحه الهادئة لا تبين أنه مجرم )) ثم نظرت إلى محاميه أكرم و أكملت كلامها قائلة لنفسها (( محاميه أنيق مثله و ليس هنالك أية مقارنة بينهما و بين جمال و منير.. جمال من الطراز التقليدي لا يهتم بتسريح شعره أو إطالته قليلا دائما ما يدعه على الصفر مثلما يقولون، أما منير دائماً مبهدل و لا يهتم بملابسه و في أغلب الأوقات يرجع البيت بملابس متمزقة.. ليت منير كان بمثل أناقته.. لا.. يكفيني حتى أن يكون بمثل أناقة محاميه و نظافته )) و استمرت منال في أحلامها و التكلم مع نفسها، فقال لها خالد بعد أن طال سكوتها (( ما قولكـ الآن يا سيدة منال.. هل هو الشخص الذي رأيتيه؟ )) قال جمال (( ماذا تنتظر يا خالد؟ قالت لك إنه هو.. هيا اسجنه )) قال أكرم (( هي يجب أن تجاوب و ليس أنت )) ثم همس لسليم (( أرجوك يا سليم.. لا تتكلم الآن.. حافظ على نظرة البراءة في عينيك.. يبدو أن مظهرك قد غرها و أنها الآن لن تشهد مع جمال )) قال سليم (( ألهذه الدرجة أنا شيطان في نظرك يا أكرم؟ )) قال أكرم (( قلت لك اصمت.. أنت في نظري إبليس بنفسه يا محتال.. كلما رأتك امرأة يجب أن تعجب بشكلك )) قال سليم باستنكار (( إنها متزوجة! و لا أعتقد أنها ستعجب بغير زوجها )) قال أكرم شارحاً له (( لم أقل أنها أحبتك.. فقط قلت معجبة و تتمنى لو كان زوجها المبهدل بمثل أناقتك أو بمثل جمال و وسامة محاميك )) صمت سليم عنه و قال خالد (( هيا تكلمي يا سيدة منال )) قالت منال بثقة (( لن أظلم أحداً .. لم يكن هو.. كان هناك ثلاثة رجال، اثنان منهما ضخمان و الآخر متوسط الجسم و أنا لم أرى ملامحهم جيدا فقد كانوا يرتدون ملابس سوداء و في أعينهم أيضا نظارات سوداء أخفت أعينهم تماما.. و هذا كل الذي عندي و لن أغيره مهما حدث )) قال أكرم بخبث (( و من طلب منك تغيره؟! )) ردت عليه بارتباك واضح (( لم يطلب أحد ذلك.. إنه مجرد كلام )) التفت أكرم للنقيب خالد و قال له (( ما رأيك الآن؟ )) قال خالد (( تستطيعان الذهاب و سنرفض الدعوى )) وقف جمال و قال (( هذه الغبية غرتها نظرة البراءة في عينيه.. سآمر منير أن يقتلكـ أيتها البلهاء.. لقد أفسدت كل شيء )) ثم قال لخالد (( لا تنسى أن منير أصيب بنفس إصابات سليم، أي في رأسه و يده اليمنى و ظهره )) قال أكرم (( هذه صدفه و ليس لديك دليل علي كلامك.. و اطمئن يا سيد جمال، هي لم تفسد كل شيء لقد بقي لديك شيء لتصرخ و تصب غضبك عليه )) قال جمال (( و ما هو أيها.... )) قال أكرم (( اشتم كما شئت )) ثم تكلم مع خالد و قال له (( نحن نطالب بقضية رد اعتبار )) قال خالد و هو يقف (( انتهى الموضوع، فلماذا تطالبون بذلك، الصلح أفضل.. ثم إن سليم مشغول، إلى متى ستبقيان هنا )) قال سليم (( و هل جمال مستعد للصلح و للتأسف مني؟ )) قال جمال بسرعة (( مستعد لقتلك قبل هذا )) قال أكرم (( إذن نحن نريد تعويض على هذا.. الصحافة كلها علمت بالخبر، و نحن نطالب برد اعتبارنا، هيا ارفع القضية يا سيادة النقيب )) نهض سليم و قال (( طبعاً أنا سأذهب و أرجو يا سيد خالد أن نتقابل في وقت أفضل حتى نتعامل كإخوان و ليس كشرطي و متهم.. أنا أنتظرك في بيتي في الغد، ما رأيك؟ )) قال خالد بغلظةٍ و جفاء (( رأيي أنني مسلم و لن أتعامل مع شخص مثلك لا أعرف ما هي عقيدته و ديانته، و أنا لن أدخل بيت رجل غير مسلم جاء من بلدٍ الله وحده يعلم ما فعل فيها و بحياته حتى أصبح بهذه الثروة في هذه السن الصغيرة )) قال أكرم مستنكراً (( و لكن سليم مسلم و....)) قاطعه سليم بإشارةٍ من يده و قال لخالد (( أتعتقد أنني كافر يا خالد؟ )) قال خالد (( هذا لا يهمني.. و ليس بيننا شيء حتى آتي لبيتك غداً، يكفيني ما عرفته عنك حتى الآن )) قال سليم بحزن و لهفة (( و لكنني أخوك )) رد عليه خالد بقسوة (( لا يوجد دليل.. و حتى إن وجد فأنا أرفض شخصاً مثلك.. ألم يكفيك ما فعلته بجمال؟! ألم يكفيك وقاحتك مع زوجته و أخيها؟! و حسام المسكين لديه 3 أولاد و سحبت عمله من بين يديه، و منير الذي حاولت قتله.. صحيح أن القضية مكسوبة بالنسبة لك و لكني متأكد أنها حصلت و بأمرك.. لا إخوة بيننا يا سليم.. هل فهمت؟ )) تعب قلب سليم من القهر، و الحزن، و الألم على موقف إخوانه منه، فصمت طويلا ثم قال بعد تفكير (( ليكن في معلومك يا خالد، أنا مسلم و والديّ جمانة و عبد الوهاب اللذان أشرفا على تربيتي مسلمان و إخواني منهم أيضا مسلمون.. لقد تعبت من الركض ورائكم، تعبت من رفضكم لي في كل مرة، تعبت من إذلال نفسي مع قلوب كالصخر مثل قلوبكم.. اعلم أني لو كنت أريدك لجررتك إلى بيتي و أنت مذلول.. لقد أهنتني اليوم بشدة و سيكون مصيرك مثل أخاك الدكتور.. أكرم سأسبقك إلى السيارة، أريد أكبر مبلغ تستطيع الحصول عليه.. سأتفرغ لكم يا آل أحمد بعد حصولي على هدفي و قلبي، أليس كذلك يا جمال؟ أنت ستساعدني )) ثم التفت لجمال و قال له (( أقولها مرة أخرى.. أريد مآثر.. لماذا لا تزوجها لي الآن؟! و سأدعك بحالك و لن أقترب منك أبدا.. ماذا قلت يا عمي؟ آه نسيت أقصد يا خال عروسي )) لم يجبه جمال و إنما اتسعت عيناه و أمسك قلبه بقوة ثم هوى بسرعة، فأسرع سليم و أمسك به قبل أن يرتطم رأسه بالأرض و قال لأكرم (( بسرعة أطلب الإسعاف يا أكرم، يبدو أن الجلطة قد عاودته، هيا قبل أن يموت )) ذهب أكرم ليتصل بالإسعاف، و جاء خالد و أمسك بجمال مع سليم و قال له بعصبية (( أنت السبب.. لولا تهديداتك لما حصل له ذلك )) قال سليم مدافعاً عن نفسه (( أنا كنت أمازحه و لم أهدده أبداً.. و التهديد كان لك أنت )) صاحت بهما منال زوجة منير قائلة (( كُفا عن ذلك.. الرجل يموت و أنتما ما زلتما تتشاجران! ساعداه و أنا سأتصل بزوجته حتى تلاقينا في المستشفى ))

الغالي المزيون 05-12-10 06:42 PM

الجــــــــ 17 ـــــــزء:

بعد نصف ساعة كان جمال راقداً في غرفة العناية المركزة في المستشفى، و سليم و أكرم و خالد ينتظرون د.حسام حتى يخرج ليطمئنهم عليه.. قال سليم لأكرم (( هذا العجوز جمال لا يستحمل شيئاً أبداً، لقد كنت أمازحه فقط و سقط هكذا.. لو هددته حقاً ماذا كان سيفعل؟! أنا نادم على ما حصل.. لو علمت أنه سيقع هكذا لما فتحت فمي بكلمة )) قال أكرم مواسياً له (( لا تخف عليه.. لست السبب بل عصبيته الزائدة، ألم تسمع صراخه طوال جلسة التحقيق؟ لقد كان يصرخ بسبب و بدون سبب فقط لكي يسجنك.. و لكن أخبرني ماذا الآن، هل سنأخذ التعويض أم نتنازل عن القضية ؟؟ )) قال سليم (( لا أعتقد أنه وقت مناسب.. الرجل مريض و بعد قليل ستأتي زوجته، و الله وحده يعلم ماذا ستفعل عندما تراني، ستعتقد بسرعة أنني السبب )) قال له خالد و قد كان يستمع لهما (( أولست السبب يا سيد سليم؟! أنت سبب كل ما حصل له، و أنا أخبرتها بكل ما حدث، و هي الآن باستطاعتها سجنك لأنك تعلم أنه مريض و لا يستحمل ما قلته له )) قال سليم (( و ما الذي قلته له غير أني بريء؟! )) قال له خالد (( ألم تتسلى بمناداته عمي و أنك تريد الزواج من مآثر؟! اعلم أنه لو لم أكن متزوجاً و أحب زوجتي، لكنت تزوجت هذه المآثر.. ليس حباً فيها بل لإذلالك و إذلالها لأنها موافقة على الزواج من قاتل خالها )) نظر إليه سليم بغضبٍ كبير و صاح فيه محذرا و هو يشير إليه بإصبعه السبابة (( إياك و التكلم عنها هكذا و إلا سترى شيئا لم تتمنى أن تراه من قبل )) وقف أكرم أمام سليم ثم قال (( اهدأ يا سليم و أنت ابتعد يا خالد فأنت لا تعرفه عندما يغضب )) قال خالد بعناد و حقد (( ماذا سيفعل؟ هل سيضربني؟! إذن أنت لا تعلم عن زواجها.. لقد تزوجت مرتين من قبل و كلها كانت فاشلة.. و أنا في رأيي إذا فشل زواج امرأة مرتين؛ فهذا يعني أن هناك خللاً في أخلاقها.. و ليكن في معلومك، جمال أبعدها من هنا و لن تراها مرةً أخرى.. لقد أرسلها إلى أحد أقربائه في مكان بعيد لكي يزوجها من أحد أبنائهم هناك، و أنا أشرتُ عليه بذلك فما رأيك؟؟ )) أبعدَ سليم أكرم من أمامه، و أحس خالد بقبضةٍ قوية أصابتهُ في وجهه و هشمت له جزءً من فكه السفلي و رمته في آخر الممر، و عندها قال له سليم بغضبٍ شديد و قد احمر وجهه (( هذا رأيي، و إذا كنت لا تريد تهشيم الجزء العلوي من وجهك فقل لي أين هي الآن )) أمسك أكرم بسليم و قال له و هو يحاول تهدئته بصعوبة (( اهدأ و توقف قليلاً عن غضبك إنه كاذب كيف صدقته؟! )) سمعا صوتاً أنثوياً من ورائهما يقول بضعف (( إنه صادق و لن تراها مرةً أخرى يا سليم )) التفتا معاً و شاهدا رحاب تقف خلفهما و الدموع تغطي عينيها و وجهها، فذهب عنهما أكرم و تركهما لوحدهما.. فجاءت رحاب نحو سليم و وقفت أمامه و رفعت يدها لتضربه على وجهه، و لكنه أمسك بها، فقالت له (( ماذا فعلت به يا حقير؟ ما الذي فعله لك حتى تحاول قتله؟ ألم يكفك ما فعلته به سابقاً؟ أجبني و أترك يدي )) صاح بها سليم بصوت عالي (( توقفــــــي يا رحـــــاب.. كفي عن هذا.. لا دخل لي بما حصل.. زوجكـ عصبي يريد سجني بعد أن حاول قتلي.. ألا تريدين مني أن أدافع عن نفسي؟! لقد آذيت منير و تركته، ليس لشيء إلا بسببكـ.. أنا لا أريد أذيته حتى لا أؤذيكـ )) و ترك يدها التي آلمتها، فقالت له متسائلةً بحيرةٍ و هي تمسح على يدها بألم (( لماذا لا تريد أذيتي؟! )) قال لها بحبٍ و هو ينظر لعينيها (( ألمثلي هذا السؤال يا غبية؟! لأني أحبكـ..أنا أحبكـ لأنك أختي، صحيح أني تألمت من صدكـ لي و لكن هذا لم يغير من حقيقة شعوري تجاهكـ )) زاد بكائها بسبب كلامه و قالت (( و لكن جمال يكرهك، و لهذا لا ينفع أن تكون هناك أخوة بيننا.. إنساني يا سليم، إنسانـــــي.. جمال يغار علي من ظلي، فما بالك و أنت بهذا الجمال و تغري أي امرأة تراك.. جمال يغار منك.. ليت أمي لم تلدك و أراحتني.. لا أعرف ما الذي جعلها تتزوج من أحمد و تأتي بواحدٍ مثلك لا نفع منه سوى المشاكل )) ثم أضافت بغلظةٍ و حقد (( أنا أيضاً مشاركةٌ في هذا، ما دام جمال لن يزوج أخي طارق من مآثر، لقد شاركت في إبعادها عنك لأنها إن لم تتزوج طارق فلا سواه )) لطمها سليم بقوة في وجهها و قال لها بألم لأن كلماته لم تؤثر بها (( اخرســــي.. ما الذي فعلته لكـ يا حقودة؟! أنا لم أفعل شيئاً لزوجكـ و لا يهم إن لم تصدقي، و لكن تأكدي إن لم أجد مآثر سأدمركم جميعاً، أنت و زوجكـ و طارق الغبي و خالد معكم.. سأقتلكم جميعاً بها هل فهمت؟ )) ثم أخذ ينظر إليها و قد صدمها الجدار في رأسها بعد صفعته القوية، و خيط من الدم ينزل من رأسها و شفتيها، فنهضت و وضعت يدها على خدها الأحمر و قالت باستنكار و دهشة (( أتصفعني يا سليم؟! جمال سينتقم لي عندما يشفي و... )) ثم صمتت و هي ترى الدموع تنسكب من عيني سليم، فقالت له بهدوء (( ألهذهِ الدرجةِ تُحبُها؟! )) مسح سليم دموعه بكف يده قبل أن تشق طريقها لخده و قال لها بلوعةٍ كبيرة (( حبي لها أكبر مما تتصورين و لكن حبي لكـ و لباقي إخوتي لا يوازيه شيء.. لقد غدرتم بي و قمتم بطعني مرتين.. مرةً حين رفضتموني بقسوة و مرةً حين أخذتم حبي الوحيد مني.. لماذا لم تساعديني بدلاً من قتلي يا رحــــاب؟! لم يكن لكـ في قلبي إلا كل حب و احترام، و لكن ليس بعد اليوم.. إذا كان جمال يريدها حرباً، فهي الحرب )) جاء إليه أكرم و قال له (( خالد هرب و أخبر الشرطة.. هيا لنذهب قبل أن يسجنوك )) قال سليم (( لن أهرب فليفعلوا ما بدا لهم )) رد عليه أكرم و هو ينظر إلى رحاب بدهشةٍ كبيرة (( لقد ضربتها بقوة يا سليم و هي أكبر منك! لا أصدق ما أراه الآن أمامي.. هذه أول مرةً تجعل غضبك يسيطر عليك لتضرب امرأة بهذا الشكل.. كيف نسيت إنها حامل )) قال سليم بحزنٍ و قد أحنى رأسه بأسف (( هي التي دفعتني إلى فعل هذا يا صديقي.. أجبرتني و لم أكن أريد فعل ذلك )) قاطعهما رجلان و هما يقتربان منهما، فقال أحدهما (( من منكما السيد سليم؟ )) قال سليم (( أنا هو.. ما الذي تريده؟ )) قال الرجل (( أنا الرائد عماد من شرطة المدينة.. أرجو أن ترافقنا، لقد وصلنا بلاغ أنك اعتديت بالضرب على النقيب خالد و على امرأة )) ثم التفت إلى رحاب و قال لها (( من أنت يا سيدتي؟ و هل أنت بخير؟ )) و قال لسليم (( كيف طاوعك قلبك يا سيد سليم على صفعِ امرأة بهذا الشكل على وجهها؟ )) قال سليم بسخرية (( اطمئن إنها بخير، و لا دخل لقلبي بما حصل.. و إذا كنت تريد معرفة هويتها فأنا سأخبرك.. إنها رحاب العادل، حرم السيد جمال الحسيني )) اتسعت عينا الرائد عماد بدهشةٍ ثم قال (( مـــن؟! زوجة جمال؟ و مازلتَ على قيد الحياة؟! كيف تجرأت على ضربها؟! جمال سوف يقـ... )) قاطعه سليم قائلاً (( إن لم تصمت سأُتبعك بها، و سأجرؤ على ضربك الآن.. إذا كان لديك شيء مهم فقله أو أصمت وخدني إلى المركز )) ثم وجه كلامه لأكرم قائلا (( هيا يا أكرم اتبعني أو اذهب و كلم الوزير شخصياً.. لا أريدُ قضاءَ أكثرِ من يومٍ في السجن )) و ألقى سليم نظرةً عابرة إلى رحاب.. نظرةً ممزوجة بقهر و حزنٍ عميق.. لقد خَذَلتهُ و فعلت مثلما فعل خالد و حسام حينما رفضاه بقسوةٍ و من دون رحمة.. و لكنه قرر من الآن و صاعداً أن لا يأبه لهم و يفعل معهم مثلما فعلوا معه...

قالوا بأنك راحـــــــــل... و بأننا لن نلتقـــــــي
قالوا النوى هو المصيـــــــر.. و بأنه الدرب القصيــــــــر.. لمشاعــــــــــــري...
فرفعت كفي للسمــــــــــاء.. أدعوا الإله الواحـــــــــد..
أن نلتقــــــــــــــي..
و بأن تعود إلي يومــــــــــــاً.. سالمـــــــــــــاً
للكاتبة: نسمة صيف


الجــــــــ 18 ـــــــزء:

بعد أسبوع من هذه الأحداث... كان جمال يحاولُ الوقوف في غرفته الخاصة في المستشفى، و كانت رحاب بجانبهِ و هي تساعده حتى استطاع الوقوف.. و بعدَ قليل كان جالساً بجانبها، فقال لها (( لما لم تخبريني أن ذلك الحقير قد مد يده عليكـ؟؟ كيف تجرأ؟! بل كيف فكر مجرد تفكير في ذلك؟! .. الجبان! لم يقوى على مواجهةِ الرجال فذهب للاختباء وراءَ النساء )) قالت له برجاءٍ و توسل (( أرجوك يا جمال انسى ما حصل.. أنا أعترف بأني أخطئتُ في حقه.. أعرف أن هذا سيغضبك، و لكن أرجوك لا تغضب و اسمعني للآخر.. أنا لم أكن أعرف أنه يحب إخوانه هذا الحب الكبير، و الأهم،.. لم أكن أعرف مدى حبه القوي لمآثر، لقد بكى! .. تصور يا جمال أن الرجل الذي استطاع هزكم و الاستهزاء و السخرية بكم خلال أقل من شهر، تصور أن ذلك الرجل القوي بكى كطفل عندما علم أن مآثر أُبعِدت عنه.. إنه يحبها كثيراً.. أرجوك يا جمال.. أرجوك زوجهما و دعنا نخلص من هذه الحرب التي لا داعي لها )) قال جمال (( هل تسخرين مني أم تسخرين من نفسكـ أم أن صفعته قد جعلتكـِ مجنونة؟! هل تريدين مني أنا جمال الدين الحسيني، الاستسلام و الخضوع لسليم ذلك الإيطالي البغيض؟! هكــــذا و بكل بساطة تريدين مني أن أُسلمه مآثر؟؟! و لكن أتعلمين؟ إنه يستحقُ أكثرَ من هذا يوم أن كذب عليه خالد وقال له أني سأزوجها من أحد أبناء أقربائي.. سأدعه يحترق و لو طلبها ابن خالي من هناك سأُزوجه مباشرةً و من دون تردد )) قالت رحاب (( أخبرني أين ذهبت بها، و أين يسكن ابن خالك هذا؟ )) قال جمال (( هذا سرٌ لن يعلمه سواي )) قالت رحاب (( حتى أنا؟ .. إن ابنتها تسأل عنها دائماً )) قال جمال بعناده المعتاد (( لستُ مجنوناً حتى أُعطي سراً ثميناً كهذا لامرأة تعترف به في لحظة ضعف )) قالت له و قد ملت من عناده (( هل تعتقد أن سليم سيتركك؟! لقد هاجَ و غضبَ حين علم أنك أبعدتها عنه، و توعدَ بتدميرنا جميعاً )) قال جمال (( لا تخافي، سأتخلص منه قريباً ولن تسمعي عنه شيئاً إلا جنازته التي سيحضرها الملايين لأنه مشهورٌ مثلما قال محاميه )) و فجأة سمعا طرقاً على الباب، فقال جمال (( ادخل يا من تطرقُ الباب )) فدخل الدكتور حسام، و معه النقيب خالد و ضربة سليم ما زالت واضحةً على وجهه، و أيضاً منير مع الشاش الذي مازال يحيط برأسه و يده اليمنى، فقال د.حسام (( ها.. كيف حالك الآن يا سيد جمال؟ لقد أمضيت أسبوعا كاملاً في المستشفى، و آن أوان الخروج، فهل أنت بخير؟ )) قال جمال (( شكراً على سؤالك.. إنني بخير، و مستعد للخروج )) قال د.حسام (( أهم شيء يجب أن تنسى خلافاتك و ترتاح.. و تذكر أن هذه الجلطة أصابتك من قلةِ الأكل.. فكُل جيداً و تغذى، و أبتعد ما أمكنك عن السكريات )) قالت رحاب متسائلة بحيرة (( أليسـت العصبية سبب الجلطة يا دكتور؟! )) قال د.حسام (( لا.. من قال لكـِ ذلك؟ يبدو أن زوجكـِ في ذلك اليوم ذهب إلى عمله و هو لم يأكل، فأرهق نفسه و عاودتهُ الأزمة )) نظرت رحاب إلى جمال نظرةَ حزنٍ ثم قالت له بلوعة و انكسار و هي تتنفس بسرعة (( إذن فقد ظلمتُ سليم.. ظلمناه يا جمال.. ظلمناه يا منير.. لقد.... )) قاطعها جمال قائلاً لها (( اصمتــــــي.. لا تكملي، و اذهبي إلى البيت.. لن يغير شيء رأيي فيه.. اذهبي فالأولاد ينتظرونكـ، و أنا سأتبعكـ )) ركضت رحاب مسرعة و خرجت من عنده، فقال له منير يعاتبه (( لماذا فعلت ذلك يا جمال؟! لماذا أسكتتها هكذا أمامنا؟ )) قال خالد (( لا بأس، النساء ترضى بسرعة.. و هذا أفضل لها حتى لا تعاود المدافعة عنه )) قال منير (( إلا رحاب.. إنها لا تستحقُ منك ذلك )) قال له جمال بعصبية و غيرة (( لماذا إلا هي؟! .. ما الذي بينك وبينها؟ هيا أخبرني )) تنهد منير بقوة، و قال له (( ليس بيننا شيء.. ما أسرعَ حكمك على كلامي.. إنها مثل أُختي و أنت تعرفُ هذا.. ليتَ عندك مثل نسائي؛ عندها ستعرف قيمتها )) قال د.حسام (( سأترككم الآن، و هذه ورقة خروجك يا سيد جمال.. و كُفا أنتما الاثنان عن إزعاجه بسليم، و الأهم دعوا سليم بحالهِ حتى يدعكم بسلام )) قال له خالد بخبث (( تقصد حتى يسحب أعمالنا من تحت أقدامنا مثلما فعل معك، أم أن رأيك أنك ظلمته أيضاً؟ )) قال حسام (( ليكن في معلوماتك يا سيادة النقيب، إن سليم ترك المستشفى للحكومة و لم يأخذه.. لقد أتى أكرم و أخبرني بأن سليم ترك المستشفى عندما رأى ولدي يتعالج هنا )) سأله جمال (( أي واحد من أولادك يتعالج هنا يا دكتور؟ )) رد د.حسام بحزن (( إنه نور، ابني الأصغر و هو مصاب بفشل كلوي و لم يكن لدي ما يكفي من المال لإجراءِ عملية له.. و لكن و رغم أنني أهنتُ سليم إلا أنه منذ يومين نقلَ نور إلى مستشفاه الخاص و أشترى له كلية و دفع نفقاتِ العمليةِ بالكامل، فبعد أن كنتُ لا أستطيع منعَ الألمِ عن طفلي، جاء سليم و طيبَ جراحَ ابني و جراحي و عذابي أنا و زوجتي.. فحتى لو لم يكن أخي، فأنا أخوه ولن أسمح لكَ بإيذائه يا خالد، و أنت تعرف أن أبي قبل موته أخبرنا أن لدينا أخ يسكن في إيطاليا و أنا سأخبرُ سليم بالحقيقة )) قال خالد بغضبٍ من موقف حسام الذي بدأ يميل لسليم (( هل اشتراك مثلما فعل مع غيرك؟ أبي قال أن لدينا أخ و لم يقل إنه سليم.. سليم محتال و مخادع، لقد احتال عليك و أنت بسذاجةٍ صدقت أنه أخانا )) قال حسام بحدة (( لمـــــاذا نحنُ بالذات؟! أنا طبيب لا يكفيني راتبي حتى نهايةِ الشهر و بيتي مستأجر و سيارتي لم أكمل أقساطها بعد، و أنت شرطي عادي.. صحيح أنك برتبة نقيب و لكن بالكاد يكفي راتبك لك و لعائلتك و لأقساط مدارس صبا التي تدللها و تنقلها كل أسبوع إلى مدرسة.. أما هو فرجل غني و أمواله طائلة و يستطيعُ شراء البلدة كلها في غمضة عين و كأنه لم يخسر شيئاً.. لماذا يتمسك بنا إن لم يكن أخانا.. هيا أجبني و لا تصمت )) ارتبك خالد ثم قال بتردد (( لن أجيبك لأن الكلام معك لا فائدة منه.. إذهب الآن، سنتقابل الليلة، سآتي لبيتك )) قال د.حسام و هو يتوجه للباب (( تعال لأني قمت بدعوة سليم ليتعشى معي.. وعلى فكرة، لقد وقعتُ لمدللتك صبا حتى تأتي لأنه تكفل بإدخالها لمدرسة خاصة هنا بدلا من رميها في الخارج )) قال خالد بعصبية (( فعلت هذا دون أذني يا حسام! )) رد عليه حسام (( اطمئن.. لم أفعل، لقد طُردت كالعادة بعد ضربها للمديرة علانية أمام الطالبات.. و لولا سليم لكانت سجنت هناك، يجب أن تأتي و تشكره )) ثم خرج عنه و تركه مذهولا مكانه... قال منير لجمال (( لقد رأينا سليم بالأمس يخرج من عند الدكتور أحمد )) قال جمال متسائلاً (( من هو الدكتور أحمد هذا؟! )) قال خالد وقد رمى كلام حسام وراء ظهره (( إنه صديق حسام، و قد أتى إلى هنا منذ أسبوع، و هو متخصص في الطب النفسي )) قال جمال باهتمام (( أتقصدان أن سليم مريضٌ و يتعالج عنده؟ )) قال منير (( طبعاً لا.. احسبها بالعقل يا جمال )) قال له جمال (( إن لم تخبرني وتشرح لي، سأتخلص منك ولن يبقى لك عقل.. هيا تكلم )) قال خالد (( اهدأ.. ألا تعرف سوى القتل و التهديد؟ إنه يقصد أن سليم ربما يكون مصاباً بصدمةٍ نفسية )) قال جمال باستنكار (( ربمـــا؟! )) رد منير (( لا .. بالتأكيد و ليس ربما .. هل نسيت أنك أبعدت عنه مآثر و الآن لم يبقى له شيء و هو مريض .. أصيب بصدمة نفسية قوية لأنه لن يجدها و لأنه يعتقد أنها تزوجت غيره و أنها ليست له )) قال جمال (( من سليم؟! سليم يصاب بصدمة نفسية! هذا الثقيلُ المضجر يصاب بصدمة نفسية!! لو أصيب كل الناس بصدمات.. حتى و لو كانت الصدمات النفسية وباءً، سيصاب به كل الناس إلا سليم.. إنه صخرٌ لا يؤثر به شيء.. ألأنكم رأيتموه مع الطبيب النفسي أصبح مريضاً؟! إنكما غبيان .. إنها خطةٌ منه حتى يخدعنا .. ولكن إن كان قد خدع حسام ويريد خداعكما معاً فلن يخدعني أنا.. أنا جمال الحسيني لا يقوى ذلك المحتال على خداعي )) قال له خالد (( وما أدراك بأنه ليس مريضاً؟ لقد رأيناه معاً أنا و منير، و قد كان التعب واضحاً على وجهه.. إنه متعب و منصدم، فلماذا لا تصدق؟ )) قال جمال (( لأنه قوي، و قلبه حجر و لن يغلبه أني أبعدتُ مآثر عنه.. يمكن أن يكون تأثر ولكن ليس لدرجةِ الصدمة )) قال منير (( لماذا أنت واثقٌ هكذا؟! )) قال له جمال (( و هل يجب أن أُخبرك؟ )) قال له خالد (( نعم يا جمال، يجب أن تخبرنا.. ألسنا شركاء؟ أليس ما أصابنا نحن الثلاثة بسببه هو؟ لقد لكمني بقوة، و أمر رجاله بضربِ منير )) و أكمل منير بخبث (( ألم يصفع زوجتك على وجهها حتى أدماها؟؟ )) قال خالد مكملاً (( و هي حامل.. ماذا لو جرى شيء لابنك؟ أكُنت ستدافع عنها في ذلك الحين؟؟ )) قال جمال باقتناع (( حسناً.. سأتكلم.. لقد وصلتني هذا الصباح باقةُ وردٍ كبيرة و معها علبة حلوى و بطاقة تهنئة بمناسبة خروجي من المستشفى )) قال خالد (( و ما دخلُ هذا كله بسليم؟! )) قال جمال (( ذلك الوقح هو من أحضرها يا ذكي.. لقد أتى في الصباح الباكر ليقتلني غيظاً كعادته، و لكني كنتُ نائماً بسببِ الدواء، فوضع الباقةَ بجانبي و عليها البطاقة و كتب في آخرها "من سليم إلى عمه جمال" )) قال منير (( عمه؟! على حد علمي أنت لست عمه كما أن أسمائكما مختلفة و... )) قاطعه جمال (( إنه يقصد المصاهرةَ يا غبي.. إنه يقصد أن مآثر له، و لكن هذا لن يحدث.. لن أزوجه لها إلا إن بقي حياً لمدةِ شهر )) دق تلفون خالد فاستأذنهما و ابتعد قليلاً عنهما ليأخذ راحته في الكلام.. أكمل جمال كلامه لمنير قائلاً (( هيا يا منير تحرك.. ستجد عند فتحي سلاحا، عبارة عن مسدسٍ طويل مزود بمنظار، و رصاصة واحدة منه تكفي لقتل فيل، و قد عهدتك ماهراً في التسديد.. أريدها رصاصةً قاتلةً يا منير و ليس لك فرصةٌ غيرها.. أريد أن أسمع عن موته لأني أخبرت مآثر أن ابن خالي يمكن أن يطلبها، و لكنها رافضة بحجةِ أنها لا تريد الزواج الآن.. تحسبني هذه المرأةُ غبياً.. أعرف أنها تريد سليم، و لكن حتى لو اضطررت لقتلها معه، لن أزوجهما أبداً و سأجعلها مكافأتك يا منير.. إذا كانت رافضة لابن خالي فلن ترفضك لأنها لن تجد في الدنيا من يوازيك و سامةً، و جمالاً، و هيبة )) قال له منير (( من أين أتيتَ بهذا الكلام؟! من الوسيم و الجميل؟ .. أنا؟! )) قال جمال (( هذا كلام منال زوجتك )) قال منير بضجر (( ألم تجد إلا هذه المعتوهه حتى تسمع كلامها؟! إن ابنة عمك مجنونة و أنت معها فأنتم من عائلةٍ واحدة،.. لقد زوجتني من ابنة عمك بحجة أنك لن تجد لها زوجاً مثلي، و أنا الذي تورطت لأنني إن بحثت في كل الدنيا فلن أجد زوجة نكدية و سليطة لسان و عنيدة مثلها، و أقنعتني بالزواج من الثانية بعد أن مات زوجها الذي كان يعمل عندك و ذلك بحجة أن منال لم ترزق بأكثر من ولد فوافقتك على ذلك و ابتليت أكثر من قبل، إنها كالقطط تلد كل سنة و لا تترك أية فرصة لكي تتشاجر مع منال، مع أنها تعلم جيداً أن منال أشر منها و أقوى و تهزمها دائماً إلا أنها لا تتوب.. و الآن بكل بساطة تريد تزويجي من مآثر مكافأة لي حتى تكمل المصيبة، و لكن أليس لديكَ حجةٌ أفضل حتى لا تقتلها منال ثم تقطعني و ترمي عظامي للكلاب؟ )) قال له جمال (( اخـــرس.. ألا تعرف شيئاً سوى التفلسف علي؟ .. أنت الخسران، مآثر درةٌ لا تعوض و إلا لما ركض ورائها سليم )) قال منير (( هذه الدرةُ لا تريدني.. إنها تريد سليم و أنت تعرف ذلك و تتجاهله، و أنا لن أتزوج امرأة لا تريدني )) قال جمال (( ليكن في معلوماتك، منال كانت أيضاً لا تريدك )) قال منير بإصرار (( أعرف و لن أكررها مع ابنة أختك.. جد لها عريسا غيري )) أنهى خالد مكالمته و كان قد سمع كل كلامهما و لم يأبه له لأنه يعتقد أنها ساعةُ غضبٍ من جمال و ستنتهي بسرعة.. فقال له جمال (( ما رأيك يا خالد، هل تريد الزواج بها؟ )) قال له خالد بدهشة (( هل تنادي على سلعةٍ أو بضاعةٍ في السوق لم تجد لها مشتري؟! أنا أحب زوجتي و لا أنوي الزواج عليها أبداً )) كان سليم واقفاً خلف بابِ غرفةِ جمال و قد سمع بعضا مما دار بين الثلاثة جمال و خالد و منير، فتنفس الصعداء و قال بفرحٍ يصعب وصفه (( إذن هي تريدني.. آآآه الآن فقط ارتحت.. ولكنها تزوجت! هل من المعقول أن يكون جمال كاذباً؟! كيف يعرض عليهما الزواج منها إن كانت قد تزوجت بالفعل؟! إذن مآثر لم تتزوج! إنها حرة و تنتظرني.. إنها تريدني و لا تريد أحدا سواي.. سأذهب لأخبر أكرم و يزن بذلك.. لابد أن يزن قد وصل منذ الأمس.. يجب أن أخبره بالقصةِ كاملةً و بأني أسعد مخلوق في الدنيا.. لقد قبلت بي حبيبتي، سأبحث عنها في كل مكان.. أما أنت يا جمال فلن تستطيع قتلي و سنرى من سيفوز في النهاية.. ستكون الحرب بيننا مريرةً على ما يبدو، انتظر و سترى أني سأفوز بمآثر التي تحاول بيعها.. لن يحفظ لها كرامتها سواي )) و ذهب سليم إلى بيته دون أن يدخل لعند جمال.....


الجــــــــ 19 ـــــــزء:

كان أكرم يقودُ سيارتهُ و بجانبهِ يزن و قد حكي له أكرم كل ما حدث من ساعةِ وصولِ سليم إلى البلدة و حتى هذه اللحظة.. فقال يزن بدهشة (( لم أكن أتوقعُ أن هناك امرأة ستؤثرُ في ذلك القلب الجليدي.. إني لم أره في حياتي كلها و لا مرة افتتنَ بامرأة أو حتى أعجب بشكلها أو جاملها فقط.. و فجـــأة، و من حيث لا يعلم أحد يعجبُ بامرأةٍ مطلقة و لديها ابنة.. يبدو أنه قد جُن.. أو أنها ساحرة.. أكرم لماذا لم تعرض عليه الزواج من إحدى أخواتك؟ أقل شيء ستكون ثروته لك )) قال أكرم (( أنت مثله لا فرق بينكما، لا تعرف سوى السخرية.. هذه مسألةٌ جادة و لا تستحمل الاستهزاء.. و لكن ما يُعَزيني أنه لم يذكر اسمها منذ أسبوع.. يبدو أن كلام خالد و رحاب عن زواجها قد أنساه إياها.. الحمد لله إن كنا قد تخلصنا من كل هذا.. هيا يجب أن تساعدني لنقنعه بالعودةِ إلى إيطاليا )) قال يزن (( هل أصُيبَ بصدمةٍ نفسيةٍ بعد أن عَلِمَ بزواجها؟! و أين سنلاقيه الآن؟ )) قال أكرم (( لا يبدو أنه تأثر كثيرا، فقط كان يسرح بعض الأحيان و قد أخبرني عندما سألتهُ منذ أسبوع بأنه سينساها إن كانت قد تزوجت و ها قد حصل و استرحنا.. لقد اتصل بي منذ ساعتين و قال لي أن نلاقيه في النادي حتى نذهب معاً إلى المطار لنستقبل أباه عبد الوهاب لأنه سيأتي اليوم )) قال يزن (( و هل صدقتَ بأن سليم سينساها.. يبدو من كلامك أنها خلبت له لبه.. أخبرني ماذا فعلت بهِ و كيف أشارت له حتى أقنعته بها؟! يبدو أنها تستطيع إقناعَ الرجال بالوقوع في شباكها بسرعة )) قال له أكرم (( احترس من قول هذا الكلام أمامه إن كنت تحب رقبتك و إلا فإنهُ كاسرها لا محالة.. أنا نفسي لا أستطيع قولَ كلمةٍ عنها إلا و رفعني من قميصي بيده اليمنى و أراد ضربي بيده اليسرى.. ثم أن المرأة بريئة لم تلمح و لم تشر إليه، بل هو الذي قابلها بالصدفةٍ و لأنها أشاحت بوجهها عنه، فقد هام بها و بدأ معها قصة قيس و ليلى، و أنا أؤكد لك أن الفتاةَ لا بأسَ بها و لكن الخلل في خَالِها المتعصب الذي يتمنى الموت على أن يضع يده في يدِ سليم )) قال يزن (( لا بأس إن لم ينساها فنحن سننسيه إياها.. لقد أخبرتُ عمي عبد الوهاب عن ذلك كله و قد توعدَ بالويل )) قال أكرم (( إنك أحمق.. ذلك العجوز توعد بالويل لجمال و رفاقه لأنه على حسب رأيه ابنه كامل و لا يُرفض، فمن يتجرأُ و يرفضه! )) قال يزن بطمع (( دعنا من ذلك كله و قُل لي أين النادي؟ و هل هو من ممتلكات سليم؟ إذا كان كذلك، فيبدو أن سليم سيجعلني المديرَ فيه، أليس كذلك؟ )) قال أكرم (( لا.. ليس كذلك، النادي بالفعل ملكٌ لسليم و لكنه اشتراه من مالكه القديم و زوده بمعداتٍ حديثة و لم يُخرج منه عاملاً واحداً، و المديرُ موجود.. أما أنت فاختصاصك يتضمن أجهزة الكمبيوتر و برمجتها و لك عملٌ مضمون هكذا أخبرني سليم.. إنه يحتفظ لك بأكبِر منصبٍ لديهِ حتى الآن )) قال يزن (( هكذا سليم دائماً.. إنه كريم و لا ينسى أعز أصحابه )) قال أكرم في نفسه (( لو تعلم ما هو المنصب فستتمنى خنقه )) ثم قال ليزن بعد أن أوقف سيارته (( انزل.. لقد وصلنا )) و عندما دخلا و بحثا عن سليم وجداه نائما في ملعب كرة القدم، في العشب و كانت هناك بجانبه طفلة جميلة، لها شعرٌ أسود يصل إلى كتفيها و عينان سوداوان و قد وضعت رأسها في يد سليم، فأخذا ينظران إليه بدهشة ثم اقترب منه أكرم و هزه بقوةٍ و قال له (( هيا انهض يا سليم.. لقد فضحتنا.. هل رأيتَ في حياتك مليونيراً ينام على ملعبٍ يملكه مثلك أنت؟! لا أعرف كيف حصلت على كل أموالك و أنت تملك هذا العقل الذي لا يزن ريشة.. انهض و إلا رششتُ عليكَ بعض الماء )) نهض سليم بتثاقل و قد شبع من النوم، ثم قال للطفلةِ بجانبه (( هيا يا طفلتي اذهبي إلى أهلكـِ و لا تورطيني معكـِ.. هيا يا جميلة اذهبي إلى أمكـِ أو أباكـِ )) رفضت الصغيرة و ردت عليه بصوتٍ عالٍ (( لن أذهب لأحد.. أمي أخذوها بسبب الرجُلِ الأشقر و أبي أكرهه و لن أذهبَ معه )) قال سليم محاولاً إقناعها بالابتعاد عنه (( لسانكـ السليط لن يفيدكـ.. هيا أذهبي و سنلتقي غداً، و سأشتري لكـِ كُلَ ما تتمنينه )) ردت عليه بوقاحة (( أتريدُ خداعي أيها المحتال الغريب؟ إذا كان لديك نقود فلماذا تنام في الأرض كالمتشردين هكذا؟! )) قال أكرم (( يا إلهي! حتى الطفلة ظنته متشرداً! إنه مجنون يا طفلتي.. لديه نقود و لكنه مجنون.. لذلك أذهبي و أنجي بحياتك حتى لا يخطفكـِ )) قال سليم و هو يقرصها من خدها الأحمر (( لقد نمتِ معي منذ ساعتين، فما الذي حدث الآن يا غاليتي الصغيرة؟! )) قالت له بصراخٍ صم أُذنيه (( مرة تقول لي يا حلوة.. و مرة تقول يا جميلة، و الآن تقول غاليتي!! ما هــــذا؟! .. أتريد مغازلتي؟؟! )) ثم رفعت يديها معاً لتشير على يزن و أكرم قائلة لهم (( يغازلني أمامكم و لم تدافعوا عني! .. إنكم لستم رجالاً )) همس أكرم ليزن و قال له (( إن ألفاظها تذكرني بجمال الحسيني كثيراً )) هز يزن رأسه و لم يتكلم لشدة دهشته من جرأتها و وقاحتها معاً... فقال لها سليم (( كم عمركـِ يا ثرثارة؟ و ما اسمكـِ؟ )) قالت له ببراءة و هي ترفع أصابع يدها (( أربعُ سنوات )) دهشَ سليم ثم قال لها باستنكار (( أربع؟!! فقط أربعُ سنوات و تتكلمين عن المغازلة؟؟! أخبريني أين والدكـِ الآن حتى أرجعكـِ له لكي لا أنصدم أكثر من ذلك.. تكلمي هيا و إلا أخذتكـِ للشرطة )) قالت له بعناد (( أنا لم أسرق لتأخذني للشرطة، و لن أذهب معك لأي مكان.. أنا هنا مع عمتي.. سأذهب الآن و سنلتقي و عندما تطلبني للزواج سأرفضك و سأخبر خالي أنك ضايقتني.. و لن أقول لك أسمي و عندما أراك مرة أُخرى سأُناديك عمي، لأنك عجوزٌ و بشع و شعرك أشقر )) قال لها سليم و هو يضع يديه على قلبه كأنه تأثر بكلامها (( لاااا.. أرجوكـِ لا ترفضينــــي.. سأموتُ إن فعلتِ.. من هو خالكـ؟ سأذهب إليه و أطلبكـ و لكن لا تفطري قلبي برفضكـ )) ثم صرخ في وجهها قائلاً (( اذهبي من هنا.. لا ينقصني الآن إلا أن أتزوج سليطة مثلكـِ )) عقدت يديها أمام صدرها بغضب ثم قالت له (( لماذا؟ هل لديك واحدة أجمل مني؟ )) قال لها و هو يبتسم بفرح عندما تذكر مآثر (( طبعاً لدي.. إنها أجمل و ألطف و أحلى منكـِ )) قالت له بيأس (( و لكني أعدك أن أكون لطيفة.. عندي فكرة.. ما رأيك أن تأخذني لأكون ابنتك؟ )) ابتسم لها سليم و قال و هو يتنهد (( أنا أحبُ البنات.. سأفكر في الأمر.. ما رأيكـِ أن تأتي إلى هنا غداً وسأردُ عليكـِ، و أحضري معكـِ حقيبة ملابسكـِ فربما سأوافق )) هللت من الفرح و قبلته بقوة في وجهه و أخذت تصفق بقوة ثم قالت (( مرحى.. سيصبح عندي زوج! )) عقد سليم حواجبه و تصنعَ الغضب أمامها وقال لها (( ماذا قلتِ يا فتاة؟؟ حسني ألفاظكـ و إلا فلن آخذكـ معي )) قالت له بأدب (( آسفة.. أقصد أبٌ جديد.. الآن سأتخلص من أبي إلى الأبد )) اقتربت منهم سيدة كبيرة في السن و أمسكت الفتاة الصغيرة من يدها و قالت لهم (( آسفة إن كانت قد أزعجتكم.. إنها شقية جدا، لقد تعبتُ من البحثِ عنها في كل مكان )) قال لها سليم بلطف (( لا بأس لقد تسلينا بحديثها.. هل هي حفيدتكـِ؟ )) قالت له العجوز (( كلا.. أنا مربيتها فقط )) قالت الطفلة لمربيتها (( أعَرِفُكِ يا جدتي على أبي الجديد.. هيا يا أبي قل لها أسمك و هي ستخبرُكَ عن اسمي )) قال لها سليم و هو يمسح على رأسها و يضحك من شقاوتها (( اسمي سليم عبد الوهاب )) عندما سمعت العجوز ما قاله، نظرت إليه بخوف ثم قالت (( هيا يا صغيرتي لقد تأخرنا و أهلكـِ ينتظرون )) قال لها سليم (( إلى أين؟ .. ما بكـِ خفتِ هكذا؟! .. أخبريني ما أسمها و من هما أبواها؟ )) صاحت به (( هذا شيْ لا دخل لك بهِ )) ثم ذهبت عنه وتركته فقال باستغرابٍ و حيرة (( هذه المخرفة منذ قليل كانت تكلمنا و الآن خافت و هربت.. يبدو أنني أخيفُ الجميعَ هنا )) قال يزن و هو يضعُ يدهُ على كتفِ سليم (( لماذا تلبس قميصاً بدون أكمام؟ و ما هذا الشيءُ على كتفك اليمنى، إنه يشبهُ الوشم و لكن بلونٍ أخف )) رد عليه سليم (( أنا في النادي يا ذكي، و هذهِ ملابسُ رياضة.. أما هذا الذي في كتفي فإنه ليس وشماً و إنما علامة منذ أن ولدت )) قال أكرم لسليم (( لا أصدق أنكَ كُنتَ تجاري تلك الطفلة! ألا تخاف أن تأتي غداً إلى هنا؟! لقد جلبتَ المشاكلَ لنفسك ثانيةً )) قال سليم بفرحٍ لأكرم و كأنه لم يره منذُ زمن بعيد (( أكرم.. حبيبــــي.. صديقـــــي.. أخــــي.. نـــــورَ عينـــي، أنت هنا و أنا لا أدري )) قال له يزن (( ما الذي حدث لك؟ .. هل جُننت؟! إنهُ هُنا منذُ ساعةٍ، و أنتَ كُنتَ ترغيّ مع تلكَ الصغيرة.. أنت تراهُ كُلَ يوم، و نحنُ لم نلتقي منذُ ثلاثةِ أسابيع و لم أسمع منكَ كلمةَ ترحيبٍ واحدة! )) تجاهلهُ سليم و ذهبَ إلى أكرم و أمسكهُ من كتفيه و هزهُ بقوة قائلا له (( دُرتي يا أكرم.. دُرتي، إنها تُريدني و لا تريدُ غيري )) خاف أكرم منهُ و حاولَ الابتعاد عنهُ دونَ فائدة، فقال له (( ماذا بكَ يا مجنون؟! .. من هي دُرتُكَ التي تُريدك؟! )) قال سليم بفرحٍ لا يوصف (( و هل لدي غيرها في الدنيا.. إنها الآن كل شيء.. ألا تعرف أنها كل شيء لي؟ )) قال أكرم (( و متى عادت مِنَ السفر؟ )) تركه سليم و قال بدهشة (( و متى سافرت حتى تعود؟! )) قال أكرم بتوسل (( ألا تقصد صِبا؟ أنت نسيتَ مآثر أليس كذلك؟؟ )) تنهدَ سليم بقوة ثم قال (( صبا من أيها الأحمق؟ لا أريد رؤيتها إلا يوم عرسي )) صاح أكرم بخوف (( هل رجعتَ مرة أخرى إلى يوم دفنك.. لقد نسيتها.. أخبرتني منذ أسبوع أنكَ نسيتها )) قال سليم (( ماذا أفعل لك إذا كنت أبلهاً.. كيف تصورت أني سأنساها؟! قلت لك لا شيء سيفرقني عنها و خصوصاً بعدما علمتُ أنها لا تريدُ أحداً سواي )) قال له يزن (( و من أخبرك بهذا؟ )) قال سليم (( العصفورة )) صرخ يزن و أكرم معاً بدهشةٍ (( العصفورة؟! )) قال سليم (( نعم، العصفورة تكلمت و حدها و كشفت الحقائق، و لكنها للأسف لم تخبرني عن مكانها حتى الآن، و لكني سأجعلها تنطق )) قال له أكرم (( أي الغربانِ الثلاثةِ أخبركَ بذلك يا حالم؟ )) رد عليه سليم (( كلهم.. لقد كنت ذاهبا لرؤية جمال، و طبعا هذه المرة بحسن نية و ليس لأجعله يفقد أعصابه.. فسمعتهم يتكلمون و لم أدخل و اكتفيت بأني سمعت أنها لا تريدُ سواي )) قال يزن (( كُفا عن هذه الألغاز و تذكرا أن النسرَ عبد الوهاب سيأتي بعد نصفِ ساعة، لذلك يجب أن نذهبَ لملاقاتهِ.. و على فكرة يا سليم، لقد أخبرت أباك أنك مخدوع من امرأةٍ تحاول استغلالكَ و هو آتٍ لينهي هذه المسألة )) قال سليم (( لا بأس خيراً فعلت )) قال أكرم مغتاظاً (( لا بأس خيراً فعل!! أنا إذا قلتُ كلمةً عنها تغضب مني و تحاول ضربي، و هو تُثني عليه! )) قال سليم (( أنا الآن سعيدٌ و مرتاح لذلكَ سامحته )) قال يزن (( والدك لن يوافق على زواجك من امرأةٍ مطلقةٍ و خصوصا أن لديها ابنة )) قال أكرم لسليم (( هذا المعتوه لا يدري أن أباكَ أتصلَ و قال إنه سيساعِدُكَ على الزواجِ بها )) قال سليم (( ماذا نفعل مع الأغبياء أمثاله؟ )) قال يزن و هو يرفع إحدى حاجبيه باستعلاء (( أنا معتوهٌ و غبي؟! لا بأس.. ربما ستغيران رأيكما عندما تأتي جمانة و هي التي ستوقفكما عند حدكما )) صاح به سليم (( هل جُننتَ حتى تذهب و تخبَر أمي بذلك؟! )) قال يزن (( أنا آسف و لكنها عرضت علي مبلغاً كبيراً من المال حتى آتي لها بأخبارك.. إنها مندهشة لأنك وعدتها بأنك ستعود إليها خلال أسبوعين و على حد قولها "سليم رجلٌٌ لا يرُد كلمته و لا يخلِفها" .. ها.. ماذا ستفعل الآن؟ )) قال سليم بعد تفكير (( المهم.. متى قالت بأنها ستأتي؟ )) قال يزن (( أعتقد بعد ثلاثةِ أيام )) قال سليم بارتياح (( الحمدُ لله إنها تكفي )) قال يزن و هو يفرك يديه مع بعض (( أنا الآن عاطلٌ عن العمل.. أين موقعُ شركتك؟ )) قال سليم بهدوءٍ متعمد (( و لماذا تريدُ أن تعرفَ موقِعَ شركتي؟ )) قال يزن (( ألستُ أنا المدير؟ و المدير يجب أن يعرفَ موقِعَ الشركة التي سيديرها )) قال له أكرم (( قلت لك أن سليم قد احتفظَ لك بأفضلِ منصبٍ لديهِ حالياً، و الشركة من زمان لديها مدير.. أما الوظائف التي ما زالت متاحة فهي وظيفتين فقط و لك الأفضل منهما )) قال سليم و هو يمدُ له يده الممسكة بمفتاح السيارة (( خُذ مفتاحَ السيارة و أنا منذُ اليوم أعينك سائقاً للسيارة أو مديراً للسيارةِ إذا أحببت )) قال يزن و قد أنصدم بشدة (( سائق؟!! )) قال سليم (( مــــاذا؟! ألم تُعجبك؟ لدينا وظيفةُ ثانية.. لتكن رئيساً للخدمِ في منزلي؛ لأنهم غير منضبطين و يحتاجون لمدير يوجههم )) صاح يزن (( لا أُريدُ أن أكونَ سائقاً )) قال له أكرم (( لتكن إذاً مدبرة منزل عندَ سليم )) قال يزن (( لا تسخرا مني.. أنا متخصص في برمجةِ الكمبيوتر و تجعلني سائقاً يا سليم؟! )) قال له سليم (( نحن بحاجة إلى سائق.. و بصراحة، هذا أقل مما تستحقه لإخباركَ أُمي بموضوعي )) تفاجأ سليم بصوتٍ من خلفه يقول (( بل إنه يستحق أن يكونَ محاميكَ بدلاً من هذا الذي يساعِدُ على فسادك )) قال أكرم مُدافعاً عن نفسه (( إنه ليسَ صغيراً يحبو على قدميه حتى أُساعِدَ على فسادهِ.. حاوُلتُ منعه و لكنه يأبى.. من عَلمه العنادَ و فِعلَ ما يُريد غيركـِ أنتِ التي زدتِ و أفرطتِ في تدليله، و الآن تُلقينَ اللومَ عليّ أنا.. ماذا ستفعلين لو علمتي أن جمال يود التخلُصَ منه و قتلــ.... )) وضعَ سليم يده على فمِ أكرم ليسكتهُ ثم ذهب إلى أُمه و أخذها في حضنه وقال لها (( لقد اشتقتُ لكـِ كثيراً يا أُماه.. كُنتُ دائماً أسأُل أبي عنكـِ .. كل يوم كنتُ أتصل )) قالت له بعتاب و هي لم تصدقه (( أنتَ و أبوك دائماً تتفقانِ على الكذبِ عليّ.. لو كنتَ تتصلُ كل يومٍ فلماذا لم تكلمني؟ من الذي شغلكَ عني هكذا؟ أو بالأصح من هي التي أخذتكَ مني؟! )) قال لها سليم (( أنت أمي و هي خطيبتي و هناك فرقٌ بين الأُم و الخطيبة، فكل منكما لديها معزة خاصة في قلبي، و حب الخطيبة يختلفُ عن حب الأم )) شهقت جمانه و وضعت يدها على صدرها و قالت (( ماذا؟! ألهذهِ الدرجةِ غسلت هذهِ المرأةٌ مخك؟! أين ذهب ابني سليم؟ ماذا فعلت به هذه الساحرة؟! الآن تقول لي حب الخطيبةِ يختلفُ عن حُب الأم؟! هل تقدمت عندكَ هذهِ المرأةُ عليّ في الحب؟! أَتحبها أكثرَ مني يا سليم؟! أنت لستَ ابني المدللَ الرقيق الذي خرج كوردةٍ مغلقةٍ ناعمة.. لقد فتحتكَ هذه المرأةُ و بعثرت أوراقك.. أنظر إلى نفسك لقد ذبلتَ و أصفرَ وجهكَ و هزل جسمك.. ثم ما الذي أصابك في رأسك و يدك؟ و ما بال وجهك و قد كثرت به الخدوش؟ أنت ابني! .. أنا لا أصدق )) قال لها أكرم بسخرية (( لا تبالغي يا خالتي.. ابنك منذ أتى إلى هنا زاد وزنه 5 كلغ، و لم يقل منه جرام واحد، و لا وجهه و لا جسمه تغير إلا للأفضل.. بدلاً من نواحك على ولدك و هزاله أنقذيه من أنياب جمال )) قال له سليم (( اخرس يا أكرم و لا تقحم أمي بهذا الموضوع )) نظرت إليه أمه و قالت له (( من هو جمال هذا؟! و كيف يجرؤ على محاولةِ إيذائكَ و أنا حية؟ إذا كان يريدها فخلص نفسكَ من هذه التفاهات و تنازل عنها )) قال لها سليم بضيقٍ واضح (( إنها ليست صفقةً يا أمي حتى أتنازل عنها.. إنها حبيبتي.. إنها المرأةُ الوحيدة التي أحببتها و إن لم أتزوجها فلن أتزوج غيرها.. سأموت إن لم أتزوجها يا أمي، لذلكَ لا تحاولي منعي لأنك لن تستطيعي )) قال أمه بخوفٍ و دهشة (( تموت؟! لا يا حبيبي الشرُ بعيد.. لا تقل هكذا.. أتريدُ أن تقتلني أم تريد إصابتي بالجنون؟! هناك ألف إمرأةٍ تتمناك.. ما زالت ابنة أختي تنتظركَ بفارغِ الصبر، و هي تحبك.. إرجع من أجلها و أنسى هذه الساحرة )) قال سليم بعناد و إصرار (( هذه و لا غيرها.. لا أريد غيرها.. و لن أرضى بغيرها )) قالت أمه محاولة إقناعه (( و لكنها مطلقة و لديها ابنة )) قال سليم (( عندما أخذك أبي كنت مطلقةً أيضاً، أنت أخبرتني بذلك )) غضبت أمه كثيراً و رفعت يدها و ضربتهُ بشدة على خده ثم قالت (( أتشبهني بها يا سليم؟! هل أنستك هذه الماكرة من هي أمك؟ أهكذا تكلمني؟! لقد ضحيتُ بعمري من أجلك و الآن تعصيني يا خسارة يا.... )) و قطعت كلامها عندما رأت وجهه و قد احمر كثيراً، فقالت بصرامة (( إذا كنت لا تريدني فسأعودُ إلى إيطاليا.. إنساني يا سليم إذا أردت، لأنه يبدو أن أخوانكَ هنا قد عوضوك عنّا فما عُدتَ تريدنا.. هذا حقك ولن يمنعك أحد منه.. أنا ذاهبة )) و قبل أن تدير ظهرها له، أمسك سليم بيدها و سحبها إليه و ضمها إلى صدره و قال لها بصدقٍ و إخلاص (( مهما قال إخوتي و مهما فعلوا فسيعجزون عن إعطائي و لو ذرة مما أعطيتني إياه، و لن يستطيع أحد تعويضي عنك يا حبيبتي يا أغلى ما عندي.. أرجوك سامحيني يا أمي )) و أخذ يدها و قبلها ثم قبلها في خدها بقوة و قال (( متى تريدين أن نعودَ إلى ابنة أختك؟ )) ابتسمت بفرح و قالت له (( حقا؟؟ .. أخيراً ستوافق عليها يا سليم )) ثم وضعت يدها على خده و قالت (( سامحني، لقد خرجت عن طوري.. إنها أولُ مرةٍ أمدُ فيها يدي عليكَ يا عزيزي.. ليتها قُطعت قبل أن تمتدَ عليك )) قال سليم معاتباً لها (( لا يا أمي.. لا أريدُ أن أسمع هذا الكلام منك.. أنا ابنك و من حقكِ فعل أي شيءٍ تريدين.. سامحيني أنتِ فلقد.. )) ثم قطع كلامهُ عندما سَمِعَ رنينَ جواله فأخذهُ من جيبهِ وابتعدَ عن أمه و قال (( نعم.. أنا سليم، من المتكلم؟ )) أتاه صوت والدهٍ الخائف (( أين أنت؟ أمك خرجت من البيت و لا أدري إلى أينَ ذهبت.. أنا الآن في المطار و لكني سأرجعُ لإيطاليا لأبحثَ عنها )) رفع سليم إحدى حاجبيه و قال (( ألم تقل بالأمس أن أمي لا تفعلُ شيئاً قبل أخذِ الإذنِ منك؟! )) قال والده متفاخراً بنفسه (( إنها لن تخرج طبعاً دون أذني فهي تخافني كثيراً كما تعلم.. أنا أعتقدُ أنها خُطفت.. يا إلهي! يمكن أن تكونَ الآنَ تحتَ التعذيب.. يجب أن أذهبَ الآن و أبحثَ عنها و سأدفعُ أي مبلغٍ يطلبهُ الخاطفون.. هيا، إلى اللقاء )) قال له سليم بسرعة (( توقف إلى أين تريدُ الذهاب؟! )) قال أبوه (( ألم تكتفي مآثر بسلب قلبك؟! هل سلبتكَ عقلكَ الآن؟ أنا ذاهبٌ لاسترداد أمك )) لم يستطع سليم كتمَ ضحكتَهُ أكثرَ من ذلك فأطلقها بقوةٍ حتى دمعت عيناهُ ثم قال (( إنها معي.. أُمي هنا، أتت لتفسدَ عليّ زواجي و لقد أقنعتُها بأني لن أتزوجَ سوى ابنةِ أختها، تلكَ القبيحة التي تلونُ وجهها و شعرها بكل ألوان الطيف.. تعال و ساعدني.. لا تتحرك، سآتي إليك مع أكرم و يزن )) قال عبد الوهاب (( سلبتك مآثر عقلك و قلبك و سلبتني زوجتي.. سأريك أنت و هي ماذا سأفعل عندما أصل.. أنا أبحث عنها من كل مكان و قد أكلني الهمُ و الخوفُ عليها و هي هناك عندك.. من أخبرها عن موضوعك سوف تفسده، و الأهم هل تسمعكَ الآن و أنت‎ ‎تكلمني؟؟ )) قال سليم (( طبعاً لا.. و يزن الخبيث كالعادة عندما تعطيه المال يخبرها بما تريدُ سماعه.. سآتي إليك و لن أتأخر و لكن عدني أن تساعدني )) قال عبد الوهاب يطمئنه (( طبعاً أعدك.. لن تكونَ إلا لكَ يا عزيزي.. هيا، أنا أنتظرك )) أقفل سليم الهاتف و تنهدَ بارتياح، ثم توجه لأمه و قال لها (( أبي في المطار و سأذهب مع أكرم و السائق لإحضاره، انتظرينا في المكتب هنا حتى نَعود )) قال يزن (( اسمي يزن و ليس السائقَ يا سيد سليم )) قال له سليم هامساً في أذنه بتهديد (( عندما أقتلك سيقول الناس كانَ اسمه يزن، هل فهمت؟ )) قالت له أمه (( ماذا كانَ يقول لك عبد الوهاب.. أكيد أنه فرحَ عندما لم يجدني )) ابتسم سليم و قال لها (( بالعكس يا أمي.. أن المسكين يعتقدُ أنكـِ مخطوفة و لقد جهزَ الفديةَ )) قالت جمانه (( هل أنا غبيةُ في نظرهِ لدرجةِ أن يعتقد أنني طفلة حتى يخطفوني ؟! و جهزَ الفديةَ أيضاً!! لم أخبره لأني عندما سألته إلى أين يريدُ السفر كذبَ قائلاً إلى بريطانيا لحضور اجتماع مهم و لم يخبرني أن سليم فلذةَ كبدي قد غُشَ من قبلِ امرأةٍ أبهرها جماله و ماله.. لماذا أتى ليرجُعكَ إلى إيطاليا أم ليساعدك في جنونك؟! )) قال سليم كاذباً (( ليرجعني طبعاً يا أماه، و سيكون فخوراً جداً بك عندما يعلمُ أنكَ قمتِ بإقناعي قبله.. إنه معجبٌ بتلكَ الوحش ابنة أختك، و يتمنى أن أتزوجها اليومَ قبل الغد و سيفرحُ كثيراً عندما يعلم أني اقتنعت بها )) قالت أمه (( وحش؟! .. لا بأس.. عندما تتزوجها سترى أنهُ لا يوجدُ مثيلٌ لها و ستشكرني كثيراً عليها )) أحنى سليم رأسهُ و ضمَ كفيهِ معاً في حركةٍ مسرحية و قال لها (( أنا أشكرُكَ منذُ الآن )) ثم مشى إلى أصحابهِ و دفعَ يزن أمامه، فحاول يزن أن يهربَ منه و لم يستطع، فذهبَ أكرم معهم و قال لسليم (( أيُها المحتال! لقد خدعتها.. لماذا وعدتها بالزواجِ من تلك المصبوغةِ ابنة خالتك؟ )) قال سليم (( أنا لم أعدها بالزواج منها، فقط قلتُ أنني وافقتُ عليها و رضيتْ و هذا ليسَ معناهُ أن أتزوجها.. لقد ألفتُ كل ذلك حتى أتخلصَ من أمي لوقتِ زواجي و عندها سأعمل على أرضائها ))

و هناك على بُعدِ عدةٍ أمتارٍ منهما، كان النقيبُ خالد واقفا مع ابنه الصغير و لم ينتبهوا له، و قد ذهلَ تماماً عندما رأى سليم و على كتفه اليمنى علامةٌ مثلٌ الوشم، إن أخوه حسام لديهِ مثلَ هذهِ العلامة.. لقد أخبره والده عندما كان على فراش الموتْ عن هذه العلامة و وصفها بالضبطِ مثلما يراها خالد الآن.. و كان هذا هو الدليلُ الذي ينشده خالد، فقال في نفسهِ (( يجبُ أن أذهبَ لجمال و أكلمهُ قبل أن يؤذيهِ حقاً ))...




الجــــــــ 20 ـــــــزء:

صعد سليم و أكرم إلى السيارة، و تولى يزن القيادة، و فجأة عطس أكرم ثلاث مرات ثم قال لسليم بغيض (( هل سترتاح إذا قتلتني أنت و قطتك البغيضة؟! إنها ليست هنا حتى أعطس هكذا و لكن يبدو أنك لا تستطيع الخروج من منزلك قبل أن تمسح على رأسها المليء بالجراثيم بيديك أيها القذر.. متى ستتعلم أن القطط يمكن أن تسبب بأمراض قد تفتك بالإنسان؟! )) قال له سليم محاولا أن ينسيه لولو (( دعك من لولو الآن أيها الرقيق وقل لي لماذا لم تأتي بالسيارة المصفحة بدلاً من هذه مثلما أمرتك؟ )) قال أكرم بخوفٍ كعادته بعد أن نجح سليم في إبعاد ذهنه عن لولو (( لماذا تريدها الآن؟! ما الذي حصل؟! .. هل هددكَ جمال؟! ليتكَ سمعتَ كلامي.. ليتكَ... )) قاطعه يزن و هو يضع يداه معاً على فمه و قال له (( اصمتْ.. لو كنتُ أعلمُ أنكَ تنوحُ على كلِ صغيرةٍ و كبيرةٍ لظللتُ في إيطاليا.. ألا يكفي بأني أصبحتُ سائقكما الآن؟ عندما تريدُ السؤال قل فقط 'لماذا يا سليم' و سليم صاحبُ المصائبِ و الذي وظفكَ معه سيجيبُ بكلِ رحابةِ صدرْ و لن يبخل.. هيا أجب يا سليم )) صاح بهما سليم و أشاح بوجهه عنهما (( اصمتا معاً، و لا دخلَ لكما بما آمرُ بهِ.. و أنا لم يهددني أحد و لا أخافُ من أحد )) قال أكرم بعد أن أبعد يدا يزن عن فمه (( و نحن مع سليم عبد الوهاب فلماذا الخوف؟! )) التفت إليه سليم و قال له (( لو كنت تعلمُ ما أعلمه و لو كنت تدري لماذا أريدُ سيارةً مصفحة لما استهزأت يا فالح و لكنتَ الآنَ تنوحُ بلا توقف )) قال يزن (( هيا.. إما أن تقولَ لنا أو أن تأمرنا بالتحرك، و دلاني أنتما الاثنان على طريق المطار )) صفعهُ سليم في رأسهِ صفعةً آلمته ثم قال له (( لقد ذكرتني.. أنتَ السائق فكيفَ تكلمُ سيدكَ بهذهِ الطريقة؟ هيا تحرك إلى الأمام مباشرةً و عندها سنصل للمطار )) صرخ يزن قائلاً بألم و هو يتحسسُ رأسه (( آآآآي.. أنا الملام، لو لم أتبعكَ إلى هنا لما أُذللتُ هكذا )) قال له سليم محذراً (( اصمت و تحرك.. لقد تأخرنا على أبي.. و أنت يا أكرم اخرس و أنسى جمال فلا أعتقد أنه سيتبعنا إلى المطار )) قال أكرم بتوتر (( أريدُ أن أنزل.. لابدَ أنكَ عدت لتسخرَ منهُ.. ثم لا تنسى تلك العجوز التي خافت منك.. لابدَ أن تلكَ الطفلة الصغيرة ابنة جمال.. اسمع، إذا كنت تريدني أن أستمر معك و أعمل لديك فاختر الآن و بلا تفكير، هيا بسرعة ماردك؟ )) قال سليم بحيرة ((ردي على ماذا؟! .. ماذا تريدني أن أختار؟! )) قال أكرم (( إما أنا أو هي.. هيا قل من تريد أنا أم مآثر؟ إما أن تنساني أو تنساها )) ابتسم سليم بسخرية على كلام أكرم ثم قال له (( أنت تعرف الإجابة يا صديقي هذه لا تحتاج إلى تفكير أبداً )) قال له أكرم فرحاً (( إذن لقد اخترتني.. لقد كنت أعلم أنك لن تخذلني.. إنك لن تستغني عني أليس كذلك؟ )) ضحك سليم بقوة ثم قال (( طبعاً ليس كذلك.. كيف تطلب مني الاختيار يا أحمق؟! ماذا أريد منك إذا اخترتك أنت و نسيتها؟! هل سأتزوجك يا غبي؟! أنا أريدها زوجة تنير لي حياتي.. شمعةٌ مضيئةٌ لا تنطفئ.. أما أنت ما الذي سأجنيه منك.. أنت رماد.. نارٌ ارتوت بماءٍ فقتلها، هكذا أنت فماذا سأستفيد منك يا جاهل؟! طبعاً سأنساك أنت )) قال أكرم بغضب (( كل هذا بسبب دلال أمك لك.. لقد أفسدتك منذُ كنا صغاراً يا سليم.. أنت تطلب و هي تعطيك و طلبكَ الآن لمآثر ما هو إلا أحد أساليب عنادك و دلالك، و لكن جمال لن يسمح لك بأخذها، لقد زوجها.. هيا أضربني الآن )) انفجر سليم و يزن بالضحك عليه حتى أغضباه و أشاح بوجهه عنهما، و لكنه لم يستحمل السكوت لوقت طويل فقال لسليم دون أن يلتفت له (( ألن تذهب إلى منزل حسام هذه الليلة يا سيد سليم؟ )) قال له سليم (( يا سيد مرة واحدة! )) ثم لكزه بمرفقه في بطنه و أكمل (( هل غضبت مني يا أكرم؟ أنت صديقي الحميم، صحيح أنني عندما أتزوج مآثر لن أحتاج لمحامٍ سليطٍ و ثرثارٍ و متشاكي مثلك.. و لكن كما تعلم أنا أحبك و لا تصدقني عندما قلتُ أني سأنساك.. و بما أن يزن أخذَ منصبَ السائق، فما رأيك يا عزيزي أن تكون رئيسَ الخدمِ في منزلي.. أقصد أن تكون و بكل فخر مدبرةَ المنزلِ الجديدة.. ها.. ما رأيك؟ )) قال له أكرم بغضب (( رأيي أنه إذا أطلق جمال عليك النار و قتلك فأني لن أبكيك و لن أحضر جنازتك.. أنا مدبرة منزل! يا مراهق، يا صعلوك )) قال سليم (( أنا صعلوك و مراهق؟! )) رد أكرم (( نعم أنت.. يبدو أن جمال كان صادقاً حين قال عنك أنك مأفونٌ و حقيرٌ و مخادع )) قال يزن و هو يكاد يموتُ من الضحك على أكرم و عصبيته (( لما لا تتركه بحالهِ يا سليم؟ أرجوكَ اتركه حتى لا يموت و أخبره إذا كنتَ ستذهب لأخيك أو لا )) قال له سليم مازحاً (( هل تحبه أنت أيضاً مثلي إلى هذهِ الدرجة؟ )) قال يزن (( لا، و لكنكَ أن قتلتهُ ستتحول إلي و لن تجدَ غيري حتى ترمي عليه ثقل دمك.. فلذلك أُفضلُ أن يبقى حيا حتى يستحملك هو لأني لا أطُيقكَ عندما تبدأ في إغضاب الجميع )) قال له سليم متصنعاً الصرامة (( لا تنسى أنكَ ما زلتَ السائق فلا تتكلم و إلا تلقيتَ صفعةً ثانية، أما أنت يا أكرم فعليك أن تعرفَ أني لن أذهب إلى بيتِ أحد من أخوتي حتى يأتوا هم إليّ قبلَ ذلك )) قال أكرم (( أصمت.. لا أريدُ أن أكلمكَ بعدَ الآن، و لا أريدُ سماعَ صوتكَ أبداً )) قال سليم محاولاً زيادةِ إغضابه (( عندما يحاولُ جمال قتلي و إصابتي فأنت من سيساعدني و سيبكي عليّ، من لي سواكَ هنا )) قال له أكرم (( لن تضحكَ عليّ بعد الآنِ بكلامكَ المعسول.. كل هذا الكلام الشيطاني لن يؤثرَ بي.. عندما يأتي جمال سأسلمكَ له )) قال يزن (( دعكَ منه يا سليم و أخبرني يا محبَ المشاكل، كيف ستقنع إخوانكَ أن يأتوا إليكَ قبل أن تذهب لهم؟؟ )) ردَ عليه أكرم (( أولم تفهمه بعد يا غبي؟! إنه يقصدُ يومَ زواجهِ من تلكَ المسكينةِ التي لا ذنبَ لها في كل بلاياه و مشاكله مع خالها الذي أبعدها عن ابنتها بسببه )) بعد كلام أكرم صمت سليم ليفكرَ في تلك الصغيرة التي لقيها في النادي و كلامها عن الأشقِر الذي تسببَ في إبعادها عن أمها، فقال بشرود (( هل من الممكن أن تكونَ ابنتها؟! )) قال أكرم (( ابنةَ من؟ عن ماذا تتكلم مرة أخرى؟! )) قال سليم باهتمام (( الصغيرة )) قال أكرم (( أي صغيرةٍ تقصد؟ )) قال سليم (( التي لقيناها في النـ.....)) ثم قطع كلامه و جحظت عيناهُ بشدة و أخذَ يتنفس بصعوبة، فصاحَ بهِ أكرم (( سليــــــم.. ماذا حدث لك؟! ما الذي يؤلمك؟! )) فتحَ سليم فمهُ ليتكلم و لكن نزلَ منهُ الدمَ غزيراً و سقطَ سليم في حضنِ صديقهِ أكرم، فرأى ثقباً في ظهرهِ ينزفُ بقوة و عرف أن رصاصةً قد اخترقت ظهرَ سليم و استقرت في صدرهِ فصرخَ برعب قائلاً (( ألحقني يا يزن.. لقد قتلهُ الأوغاد.. قتلوا أخي.. قتلوهُ و لم يستمع لي )) فقال يزن بخوف (( هناك سيارتان جيب خلفنا.. هل مات؟! )) أخذ أكرم يبكي بشدة و قال (( أنه لا يتنفس.. لا أدري إن كان حياً أو ميتاً.. لقد قتله ذلكَ الحبُ المستحيل الذي لن يصلَ إليه.. هيا ساعدني و خذه إلى المستشفى، إن مات سأموت معه )) قال يزن و صوتُ الرصاصِ يدوي من خلفِ السيارة التي أخذ يقودها بالسرعة القصوى (( لقد مات يا أحمق.. مات و نحن ما زلنا أحياءً.. هيا لننجو بحياتنا بدلاً من تفاهتك، فالمستشفى لن يفيدَ الميتَ في شيء، و لن يعيدَ لهُ الحياة.. هيا لنرميهِ لهم، حتى يتركونا و شأننا.. سأفتحَ لكَ النافذة.. هيــا قبلَ أن نموت )) خلعَ أكرم حذاءه بيده و ضربَ بهِ يزن في رأسه بقوة ثم قال له (( يا خائن.. أتريدني أن أتخلى عن صديقي في هذا الوقتِ العصيب؟!! حتى و لو كان جثة مقطعة فلن أسلمه لهم حتى يقتلوني دونه.. هيا أسرع حتى ننجو منهم جميعاً، فلن يذهب أحد منا دون سليم هل فهمت؟ )) قال يزن و الألمُ يكادُ يفجرُ رأسهُ من ضربةِ أكرم (( نعم فهمت.. لقد قُلتَ له منذ قليل أنك ستسلمه لهم.. لقد قُلتها له أمامه و في حياته و لم يغضب منك و أنا عندما قلتها من خلفه و في مماته، تغضب أنت و تحاول تفجيرَ رأسي بذلك الحذاء المتصلب.. أليس لديك رحمة؟! )) لم يسمع إجابة من أكرم، فالتفت إليه و قال له (( لماذا جحظت عيناكَ هكذا؟ لا تخف، لن أرمي سليم.. ليس خوفاً منك، بل لخوفي من ذلك المتسلط أباه و من تلك الثرثارةِ سليطةِ اللسان أمه.. إن نجونا و رجعنا بدونه، فلن تتركَ لنا لحمةً أو عظمة صالحة لتأكلها الكلاب.. ماذا بك واجمٌ هكذا؟! )) قال له أكرم و هو يرتجف من شدة الخوف (( يا غبي لقد دخلتَ بنا إلى طريقٍ صحراوي.. من سينقذنا الآن منهم؟! أنظر إنهم يحاولون إطلاقٍ صاروخٍ علينا.. يزن تصــــــــرف )) و صرخا معاً بأعلى صوتهما عندما شاهدا الصاروخ يتجه نحوهما (( آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ))......

و من مكانهِ في إحدى سيارات الجيب، و على مسافة بعيدةٍ قليلاً، كان منير يضحكُ بشدةٍ و هو ينظرُ إلى السيارةِ التي تقلُ سليم و أصحابه و قد انقلبت و دارت عدة دورات ثم انفجرت بصوتٍ قوي و مرعبٍ جداً، فقالَ منير بانتصار (( لقد ماتَ هو و صاحبه الذكي أكرم.. هههههههههههه.. لقد قتلتهما معاً و معهما السائق و بلا دليلٍ هذهِ المرة.. الآنَ سأحصلُ على جائزتي.. أنا منير الذي لا يقهر )) فذهبَ منير تاركاً خلفه السيارة التي كانت تحترق و قد أكلت النيرانَ كُلَ ما في داخلها، و ارتفعت رائحةُ شواءٍ قوية، رائحةُ لحمٍ يحترق......

الغالي المزيون 05-12-10 06:46 PM

طبعا إذا ما حصلت تفاعل ماراح انزل الباقي- ارييييييييييد اعرف رايكم بالقصة وبصراحة-انتظركم على أحر من الجمر
:55:

الغالي المزيون 06-12-10 11:39 AM

للأسف طال انتظاري - راح اغيب كم يوم بعدها بشوف إذا تريدوا اكمل او لا:7_5_129:

rs-ss501 06-12-10 12:51 PM

الله على صديقتك روعه ..

بس حرام توفق الروايه لـ هنا

بعدين فيه قرأ كثر لا يقرون الرواية الا لما تكتمل ..وهذا الأكثر


ارجوا الاستمرار ...فـ فيه قراء يتابعون بصمت..أنظري الي عدد المشاهدات 232


" الغالي المزيون" ..أنتظر جديدكـ

ولا تتوقفي ..


.

غلا امي يكفيني 06-12-10 05:13 PM

رووووووعه الروايه

الصرااااحه ابدااااااااع


وننتظر اتكملها
على احر من الجمر بليز لاتتئخرين

السعيده 2008 09-12-10 02:20 PM


السلام عليكم

قصه رائعه اهنئك عليها وبدايه للكتابه موفقه ارجوا الاستمرار على هذا ولك الشكر

الغالي المزيون 25-12-10 07:16 PM

مررررررررررررراحب بكل اللي تابعوني

شكرررررررررررا على تشجيعكم و لعيونكم بس راح اكمل



الجــــــــ 21 ـــــــزء:

دخلَ منير على جمال في بيته و أخذ يقول لهُ بفرح (( لقد فعلتُها يا جمال.. لقد قتلتُه و حققتُ لكَ أمنيتك و انتقمت لنا جميعاً منه )) قال له جمال بفرحٍ أكبرَ منه (( منْ الذي قتلته؟! هل هو سليم؟ )) قال منير بفخرْ (( نعم بالتأكيد.. ساعِدُك الأيمن قتل لكَ سليم و معه أكرم )) قال جمال (( هل كانا معاً في السيارة؟! و كيف ماتا؟ لقد ضربتَ عصفورين بحجر واحد يا منير )) قال منير (( بل قُل ثلاثة عصافير.. لقد كانَ معهم السائق و من مصادري علمتُ أن اسمه يزن و هو صديقُ سليم منذُ الطفولة.. لقد أطلقنا عليهم أنا و رجالي صاروخاً موجهاً فانفجرت السيارة بهم جميعاً و ماتوا محترقين داخلها )) قال له جمال (( ألم تُطلق النار على سليم؟! )) رد منير (( طبعاً.. الرصاصة التي أمرتَ بإطلاقها عليه اخترقت ظهره و إلى قلبه مباشرةً و بعد أن رأينا جثته مرتمية على صدر أكرم، و رأينا ذلك الجبان يبكي كالنساءِ عليه، بعدها أطلقنا عليهم صاروخاً و ماتوا جميعاً ولم أتحرك من هناك حتى شممتُ بنفسي رائحةَ لحمهم و هو يحترق.. و الآن ما رأيكَ بما فعلته؟؟ )) قال له جمال بانتصار و فرح (( ستكونُ مكافأتكَ كبيرةً و مجزيه و الأهم من ذلك أريدك أن توصل خبر ما فعلنا إلى خالد و عندما ينتشر الخبر في أرجاءِ المدينة اذهب إلى مآثر عند ابن خالتي و أخبرها بنبأ موته فلا بأسَ إن بكت عليه فقد كان شجاعاً حتى يتحداني أنا و بهذه الصورةٍ الواضحة، و سخريته مني قد أوردته موارد الهلاك و عندها سأزوجك منها )) قال منير (( تزوجني من؟! )) رد عليه جمال (( مآثر طبعاً، و هل هناكَ غيرها؟! )) قال منير بحزم (( أنا لا أريدُ مآثر و لا أريدُ غيرها، لقد اكتفيتُ بما لدي.. ثم ما الذي تريده من تلك المسكينة حتى تعذبها؟ لماذا تُخبرها؟ و الأهم لماذا تحاول إجبارها على الزواج من شخصٍ لا تريده.. دعها و شأنها و يكفيها ما حدث لها من قبل، و أرجعها لأبنتها )) قال جمال بسخرية (( و ما الذي تريده غير إرجاعها لابنتها يا حنون؟! )) قال منير (( أعطني مكافأتي و إجازة لمدة شهر حتى أُسافر مع زوجاتي و أولادي و أنعم بالراحة قليلاً.. و أنسى زواجي مرة ثالثة فلقد تبتُ و تابَ الله عليّ من الزواج.. فماذا قلت؟؟ )) قال جمال (( بعدَ الذي فعلته أنت تستحق.. سأضاعف راتبكَ هذا الشهر إلى ثلاثة أضعاف و سأعطيكَ إجازة لمدة أسبوعين فقط لأني أحتاجُ إليك، و الآن هيا اذهب إلى بيتك لترتاح و سأدع فتحي يأتي لك بالمال غداً.. أما أنا فيجب أن أحتفل بهذه المناسبة، و يجب أن أُجهز نفسي لأذهب لتعزية أهله ))...............


الجــــــــ 22 ـــــــزء:

كان خالد جالساً في بيته حولَ طاولةِ الغداء و هو ينتظرُ زوجته حتى يأكل معها و عندما جاءت قال لها و هو يبتسمُ بحب (( أين كنتِ؟ أكادُ أموت من الجوع )) قالت له (( ألم تسمع صوتَ البابِ يا عزيزي؟! لقد كانَ أحد رجالِ الشرطة و قد تركَ لكَ هذهِ الرسالة )) أخذَ منها الرسالة و فتحها و عندما انتهى من قراءتها تضايقَ جداً و وقفَ و الهمُ و القهرُ مسيطٌر عليه، فقالت لهُ زوجته بخوف (( ماذا حصل لكَ يا خالد؟! و ما الذي قرأته في الرسالة؟ لقد أصفرَ وجهكَ عندما قرأتها.. أخبرني ما الذي حدث )) قال لها بخفوتٍ و الحزنُ يعتصره (( لقد قتله!! )) قالت له متسائلةً بحيرةٍ (( من الذي قُتل؟! )) تلعثم ثم قال لها (( أقصدُ.. لقد ماتَ سليم )) قالت بصدمه (( سليم أخوك! من قتله؟! )) صاح فيها مكابراً (( هو ليسَ أخي، و لم يُقتل.. لقد ماتَ في حادثِ سيارة.. يجبُ أن أذهبَ إلى المركز بسرعة، فالخبرُ انتشرَ في كلِ مكان و هذا الرجلُ مشهور و أكيد أن العديدَ من الناس سيحضرون جنازته )) قالت له (( ألن تأكلَ قبلَ أن تذهب؟ )) رد عليها (( و هل هذا وقته.. لدي الكثير من الأعمال.. سأذهبُ لأُغيرَ ملابسي و أنتِ أذهبي و افتحي الباب لأني أسمعُ طرقاً شديداً )) ذهبت زوجتهُ و عندما فتحت الباب دخلَ حسام مسرعاً و اتجه لخالد مشيراً إليه بإصبعه السبابةِ بتهديدٍ قائلاً (( لقد فعلتماها معاً يا خالد.. لقد قتلتما الرجُلَ المسكين يا مجرمان.. لقد قتلتَ أخاك و لن أستبعدَ أن تقتلني أو تقتلَ صبا في المستقبل.. لقد أصبحت مجرماً يا سيادةَ النقيب )) صاح فيه خالد بغضب (( ما الذي حلّ بك؟! كيف تُدخل بيتي و تتهجم عليّ بهذهِ الطريقة؟! ثم من هو أخي الذي قتلته؟؟ أنتَ هنا و صبا في بيتك.. فمن قتلتُ و أنت حي؟! )) قال له حسام معاتباً بحزن (( ألا تعرفُ من أقصد يا خالد؟ ما الذي حدث لك.. أنظر إلى نفسك.. لم تكن هكذا في السابق.. مُستحيل أن تكون أنتَ أخي.. لقد كُنتَ أشرفَ من عرفتُ يا خالد.. لقد تحاملتَ على نفسكَ صغيراً و قُمتَ بتربيةِ صبا و أنتَ لم تصل إلى العشرينَ من عمرك عندما تركتكما للدراسةِ في الخارج، و اجتهدت حتى تصلَ إلى هذهِ المرتبةِ التي وصلتَ إليها.. أين إصراركَ على محاربةِ الشرِ و الأشرار؟! و الآن للأسف من ينظرُ إليكَ لا يرى سوى الشر في قلبكَ الأسود، و لن يحارب هذا الشرَ سواي.. سأحاربكَ أنت و صديقكَ حتى أكشفكما معاً )) رد خالد مواصلاً إنكاره (( اهدأ و توقف عن حماقتك.. فأنا لا أهُدد و لا أخافُ من أحد.. ما الذي تتكلمُ عنه؟! و منْ صديقي الذي ستكشفهُ معي؟ و الأهم، ماذا فعلنا أنا و صديقي حتى نستحقُ كلَ هذا منك؟! )) قال حسام و هو يتأففُ و قدْ نَفِذَ صبره (( أما زلتَ تتملصُ و تتهربُ يا خالد؟! أحقاً لا تعرفُ يا سيادةَ النقيب يا حامي البلاد؟! ألم تتآمر أنتَ و جمال الحسيني على قتلُِ سليم و قد فعلتُما! .. كيف طاوعكَ قلبُكَ على قتله؟! إنهُ لم يفعل لكَ شيئا.. ألأنه صرخَ و قالَ أخي تقتله؟! أين قَسمُكَ لبلدك بمراعاةِ العدل و النظام و إحقاقِ الحق و محاربةِ الباطل.. أنت الآن مع الباطل.. لقد أصبحتَ قاتلاً.. قتلته بلا سبب.. إذا نجوت في الدنيا، فإن الله كبيرٌ و لن تنجو من عقابهِ لا أنتَ و لا جمال.. عدالةُ السماءِ ستكونُ أكبر.. عبد الوهاب و جمانه اللذان قاما بتربيتهِ يشكانِ في الحادث و سأخبرهما بكلِ ما أعلم )) صاح خالد فيه و هو يبكي (( كفــــى توقـــــف يا حسام.. أرجـــــوكَ أصمت.. آآآآه، يكفينــــي عذاب الضمير حتى تأتي أنتَ و تزيدَ عليّ.. صحيح أنني أكره و لكني لا أقتل.. لقد كرهته نعم و لكني لم أقتله و لم أتآمر مع أحدٍ على قتله )) قال حسام بهدوءٍ و حزن (( لقد سمعتك بنفسي، سمعتُ كلامكَ معهم.. و جمال أمرَ منير بإطلاقِ النار على سليم )) قال خالد مدافعاً عن نفسه و هو يمسحُ دموعه (( ما سمعتهُ صحيح و لكني كنتُ أظنُ أنها لحظةُ غضبٍ من جمال و لم أعتقد أنه سيفعلها حقاً.. كنتُ أظن أنه عندما يهدأ سينسى كل شيء )) قال حسام بصرامة (( لم تفعل شيئاً و صمت، و الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس و مثلما يستحقُ جمال العقاب، أنا و أنت نستحقهُ أيضاً لأننا سمعنا و سكتنا و بهذا نكون مشاركين في هذه الجريمة )) قال له خالد بتوسل (( أرجوك يا حسام.. أنسى هذا الموضوع و أبتعد عن جمال لأنه ليس هناك دليلٌ على قولك و قولي سوى الذي سمعناه و هذا ليس دليلاً ملموساً و لن يستخدمَ ضده.. لذلك أنسى الموضوع و دعني أحققُ فيه لوحدي حتى أجدَ الدليل إن قدرت، لأن جمال بعد أن فعل فعلتهُ أثبتَ أن له قوة لا يستطيعُ أحدٌ مجابهتها )) قال حسام و هو يهزُ رأسه بأسف (( لذلك هو يخطط و ينفذُ أمامك.. أنت الحامي و أمامك الحرامي، فتحرك و أفعل شيئاً )) قال خالد بنفاذِ صبر (( قلتُ لكَ ليس عندي دليل ضده حتى الآن، و جمال أذكى من أن يأتي إليّ و يعترف بقتله.. أنا سأذهب و يكفيني عذابَ قلبي فلا تزيدَ ألمي.. أرجوكَ اذهب من هنا و دعني لوحدي )) قال حسام (( سأدعك و لكن يجب أن تعرف أن سليم كانَ يعلم )) قال خالد مستفسراً (( ما الذي كان يعلمه؟ )) قال حسام بقهرٍ واضح (( كانَ يعلم بكل ما خطط له جمال و منير و قد سمعَ كل شيء و رآكَ و أنت تسمع و لا تنهى )) قال له خالد بارتباك (( لماذا أخبرته؟! هل جُننتْ؟! ما الذي يدريكَ أنه لم يخبر أحداً بذلك )) قال حسام (( في الحقيقة أنا لم أسمع شيئاً.. هو الذي أخبرني بكل ذلك.. لقد كان يقف خلف الباب في ذلك اليوم و قد سمعكم و أنتم تخططون و رغم ذلك لم يحاول إيقافكم )) قال خالد و الحزنُ و الندم يعتصره (( لمــــاذا؟! .. لمـاذا لم يحاول حمايةَ نفسهِ ما دامَ يعرفُ بأن جمال يحاول قتله؟!! أنا المُلام.. أنـــا.. أخبرني لماذا يا حسام؟! )) قال له حسام و هو يتنهد (( حبــهُ الذي أعماهُ هو الذي منعه.. لقد طارَ منَ الفرحِ عندما علمَ أن مآثر لا تريدُ سواه، حتى أنه لم يفكر بشيءٍ سوى البحثِ عنها.. لقد فقدَ عقلهُ مِنَ السعادةٍ و طارَ صوابه حتى لم يعد يفكرُ في شيءٍ سوى أن يجدها و يتزوجها.. هذا الحبُ المستحيل هو الذي قتله بدلاً من إسعاده.. سأذهب الآن و لكني إن نسيتُ أن جمال قد قتله فلن أنسى سليم ما حييت، و لن أنسى دموعَ تلكَ المسكينةِ جمانة و هي بالمستشفى و قد فقدت من تعبتْ في تربيتهِ 28 عاماً.. إنَ حالتها صعبةٌ و يرثى لها )) ردت عليه زوجةُ خالد هذه المرة قائلةً (( توقف يا حسام، هذا يكفي.. منذُ أن أتيتَ إلى هنا و أنت لا تفعلُ شيئاً سوى لومِ خالد على شيءٍ لم يفعله.. إنه بريء و قد أخبركَ بذلك فلماذا لا تصدقهُ و تتركهُ و شأنه؟! )) قال لها خالد بهدوءٍ غريب و هو ينظر إلى الفراغ أمامه (( اصمتي يا سراب و اتركيه، فلقد ساعدني حتى لا أهوي.. أتعلم يا حسام.. سليم لم يستطع أن يقنعني بحبهِ و هو حي و لكني الآن أحبهُ من كل قلبي.. ليس لأنه أخي بل لأنه علمني أهمَ شيءٍ في الدنيا.. علمني الأمانة.. علمني أن لا أخونَ مهنتي، و أنا أعدكَ منذُ الآن سأصونُ المهنةَ التي أعيش منها و سأنسى صداقتي لجمال و سأركض وراءهُ حتى أثبتَ أنه قاتله.. صحيح أن صحوتي جاءت متأخرةً و لكني أدعو الله من كلِ قلبي أن يغفرَ لي و يقبلَ توبتي.. أرجوكَ سامحني يا أخي.. سامحني يا حسام على كلِ ما بدرَ مني نحوك و نحو سليم و صبا، و أعدك أن أرجعَ خالدَ الشريفَ الذي يُحاربُ الشرَ كما كنتُ في الماضي، فهل تقبلُ أسفي؟! )) أبتسمَ حسام بإرتياحٍ و قال و هو يمدُ يديه لخالد (( و هل تسأل؟! تعال إلى حضني لأضمك، نحن إخوة و لا غنى لنا عن بعض.. طبعاً أسامحك و سأقف معك دائماً يا أخي الأصغر )) دفن خالد وجهه في حضن أخيه و بكى طويلاً.. بكى ندماً على كل ما حدث في الماضي و فتح صفحةً جديدةً.. صفحةً بيضاءَ غسلَ فيها كلَ أوساخَ الماضي..


الجــــــــ 23 ـــــــزء:

كان عبد الوهاب جالساً في صالةِ منزله و الدموعُ تشقُ طريقها ببطءٍ على وجهه، فدخلت عليه زوجته جمانة و جلست أمامهُ مباشرةً و قالت بضيق (( يجب أن تتصرفَ يا عبد الوهاب، بدلاً من هذه الدموع اذهب و أرجع لي ابني )) مسحَ عبد الوهاب دموعهُ بكفِ يدهِ و قال لها و هو يتنهدُ بقوة (( ألم تسأمي من ترديدِ هذا الكلامِ كلُ دقيقة؟! افهمي يا جمانة.. ابننا قد ماتَ و لن يرجعهُ شيءٌ بعد موته لا أنا و لا سواي.. أعرفُ أن الصدمةَ كانت شديدةً عليكـِ و لكن يجبُ أن تهدئي و تأخذي الأدويةَ التي وصفها لكـِ الطبيب )) قالت له صارخةً بصوتٍ حاد (( لماذا آخذ الأدوية؟ هل تعتقد أنني مجنونةً يا عبد الوهاب حتى تأخذني إلى الطبيب النفسي عندما أمرضُ قليلاً؟! ثم تعالَ إلى هنا.. ألم تنصدم أنت لفقدِ ابننا يا عبد الوهاب؟! )) قال لها محاولاً تهدئتها (( لم يقل أحدٌ أنكـِ مجنونة يا عزيزتي، و لكنكـِ أصبتِ بانهيار حاد و كان لابدَ من إحضار الطبيب النفسي حتى يعالجكـِ.. ثم من قال بأني لم أنصدم، أنا فقط أردتُ أن أقولَ أن الصدمةَ كانت عليكـِ أشدَ و أقوى )) نظرت إليه بغضبٍ و قالت له (( ما الذي تلمح له؟ و لماذا تقولُ أن الصدمةَ أشدُ و أقوى عليّ؟! )) قال لها (( لماذا عندما أقول لكـِ كلمةً تحولينها إلى تحقيق؟! )) قالت له بتهديد (( جاوبني و لا تتهرب، سليم ليس هنا الآن.. لقد ذهبَ ولن يساعدك أحدٌ في الهروبِ مني )) قال لها (( و هل أجرؤُ على ذلك.. مادمت تصرين سأتكلم.. أنت قمتِ بتدليلِ سليم كثيراً.. إنه يفعلُ ما يريدُ بسببكـِ ، و هو على غيرِ عادةِ باقي أولادنا يفعلُ عكسَ ما آمرهُ به و يفعلُ فقط ما يحبه.. كما أنهُ عنيدٌ لا يسمعُ كلمةً لأحد و لا تصدقيهِ عندما قال لكـِ أنهُ قد نسيَّ مآثر، لقد كانَ يريدُ استغفالكـِ و جعلكـِ أمامَ الأمرِ الواقع.. صحيح أنه رجلٌ كريم و شهم و عطوفٌ أيضاً و لكنه مغرور يعتقدُ أنه يستطيع الحصول على كل ما يريد و لهذا فقدناه في شبابه )) قالت له جمانة و قد زاد غضبها منه (( على الأقل هو شاب و ليس عجوزاً أو مخرفاً )) قال لها عبد الوهاب بدهشة (( من العجوزُ و المخرف؟! )) ردت عليه (( و هل هناك غيرك؟! ابني سليم ليس مغروراً.. إنه واثقٌ من نفسه، لذلك هو فعلاً يحصلُ على ما يريد، و الأهم من ذلك نحن لم نفقده و ابني لم يمت، و إن كنتَ قد صدقتَ ذلك فأنا لم و لن أصدقَ أبداً و إن لم تذهب الآن للبحث عنه، سأخرجُ وحدي لفعل ذلك )) قال عبد الوهاب بنفاذِ صبر (( لماذا لا تصدقين و قد ذهبنا و تعرفنا على سيارتهِ و ممتلكاتهِ التي نجت من الاحتراق؟؟ )) قالت جمانة بإصرار (( لأني لم أرى جثته و لن أصدق أنه ماتَ حتى أراها )) ثم أشارت لقلبها وقالت بحزنٍ قطع قلب زوجها (( إنه حيٌّ يا عبد الوهاب.. صدقني أنا أحسُ به هنا.. إنهُ هنا في قلبي.. إنه حيٌّ و يتألم و لا أعرف إذا كان سيستحمل آلامه و جراحه، لذلك يجبُ أن نجده و بسرعة )) قطعت الخادمة حديثهما و هي تدخل قائلةً (( سيدتي.. هناك رجلٌ في الخارج يطلبُ مقابلتكما معاً، هل آذن له؟ )) قال لها عبد الوهاب بغضب (( ألم أملأ أنا عيناكـ حتى تستأذنيها هي بدلاً من استئذانِ رجل البيت؟! )) قالت له جمانة ببرود (( أنا التي أمرتها، فهل لديكَ مانعٌ يا رجلَ البيت؟؟ )) ابتسم عبد الوهاب باستسلام و قال (( لا طبعاً يا حبيبتي.. لم أكن أعلم أنكـِ من أمرها بذلك )) قالت له بتسلط (( الآن قد علمت )) قال لها (( و قد رضيت.. ماذا أريدُ أنا أكثرَ من راحتكـِ يا عزيزتي )) ابتسمت جمانة برضا ثم قالت للخادمة (( هيا اذهبي و ادخليه.. ألا تعرفين من هو؟ )) قالت الخادمة (( لا، لم يقل )) قال عبد الوهاب (( حسنا اذهبي بسرعة فقد تأخرتي عليه )) بعد قليلٍ دخلَ عليهم ضيفهم و بعد أن صافحهم و جلس قال لهم (( البقية في حياتكم )) قالت له جمانة (( البقاءُ و العزةُ لله.. و لكن من أنت؟ هل أنتَ أحدُ أصحابه من هنا؟ هذا غريب لأنه لم يكلمني عنك! )) رد عليها عبد الوهاب (( إنه النقيب خالد، رئيس مركز الشرطة في المدينة و يبدو أنه قد جاءَ إلى هنا بصفته محقق ليخبرنا بالمستجداتِ التي طرأت في القضية.. أليس كذلكَ يا سيادةَ النقيب؟؟ )) قال له خالد و هو يحسُ بالخجل (( طبعاً لا يا عمي.. ما جئتُ إليكم إلا بصفتي أخاً لسليم.. صحيح أن الأوانَ قد فاتَ على اعترافي هذا و لكني فعلاً جئتُ معزياً لكم، لقد فقدتم ولداً و فقدنا أخاً و نحن معترفونَ بإخوته )) قالت له جمانة بقهر (( و أين الدليلَ الذي كنتم تنشدونه يا آل أحمد؟ )) قال خالد بأسفٍ و ندم (( الدليلُ كان موجوداً منذُ البداية.. لقد عرفته أنا و لكني تجاهلته و عرفهُ حسام و صبا و اعترفا به قبلي.. لقد أخبرنا أبي قبل مماته أن لنا أخاً في إيطاليا )) قال عبد الوهاب (( و ما يدريكَ أن سليم هو المقصود؟! )) قال خالد (( لقد رأيته عندما كان في النادي و قد كان يلبس قميصا بدون أكمام، و هناك فوق كتفه اليمنى توجد علامةٌ مثل الوشم كانت فيه منذ أن ولد و هي بالضبط كما وصفها أبي.. المهم، لقد أتيت أليكما حتى أخبركما بخبرٍ يمكن أن يساعدنا في هذه القضية )) قالت جمانة بسرعةٍ و لهفة (( هل وجدت لي ابني؟؟ )) صاح بها عبد الوهاب بغضب (( كفـــــى يا جمانة، عقلي سوف يطيرُ من رأسي بسببكـِ ، لديكـِ الآن باقي أبنائكـِ و أنا فأهتمي بنا.. ألا تحبينا مثل حبكـِ لسليم؟! )) قالت جمانة (( طبعاً أحبكم يا عبد الوهاب.. إن حب الزوج يختلف عن حب الأبناء و أنا كما تعرف أجلس دائماً لوحدي في البيت، أنت مشغولٌ بسفرياتكَ و الله وحده يعلم إن كنت متزوجاً علي أم لا )) قال لها بدهشة (( رجعتِ إلى غيرتكـِ مرةً أخرى!! لدي أنت فكيف تكون في قلبي ذرةُ شجاعةٍ حتى أجرؤَ على مجرد التفكيرِ بغيركـِ.. اطمئني لن تكون هنالكَ واحدة بعدكـِ يا جمانة )) صاحت به (( يا ويلــي، إذن هناك واحدة قبلي! )) قال لها مجارياً إياها (( ليس هنالك لا قبلكـ و لا بعدكـ.. أنا لديكـ حجة ضدي و لكن لا تنسي أولادكـ و بناتكـ فهم لهم الحق فيكـ )) قالت جمانة (( أولادي تزوجوا و اشتغلوا عني بزوجاتهم و أولادهم و لا يأتونَ عندي إلا كل أسبوعين و بناتي مع أزواجهن و كل واحدة في بلد مختلف و لا أراهن إلا مرةً كل شهرين أو ثلاثة، و أمجد قد انتقل إلى هنا منذ زمنٍ و هو لا يسألُ عني كثيراً و لم أرهُ منذُ سنة و لم أسمع صوته منذُ 6 أشهر و لم يكلف خاطرهُ برفعِ سماعةِ الهاتفِ و الاطمئنان عليّ، رغمَ اتصاله الدائمِ بكَ يا عبد الوهاب )) ثم أكملت بعد أن امتلأت عيناها بالدموع و هي تتذكر سليم (( أما سليم فهو مختلف عنهم جميعاً، فرغم أنه أغنى واحدٍ من أولادك و رغم أن أمواله أصبحت أكثرَ من أموالك إلا أن ذلكَ لم يغنه عن أمه.. إنه و رغم مشاغله يأتي دائماً لزيارتي، كل يوم كنت أراه، كان لا يمضي يومٌ إلا و يأتي إلي و يقبلُ يديّ و رأسي.. كان لا يأكل إلا معي و يجلس ليحكي لي عن كل ما حصل له و عن ما يفرحه و ما يقلقه، إنه حنونٌ و عطوف.. إنه أعطفُ عليّ منكَ يا عبد الوهاب )) تنهدَ زوجها و قال لها (( لا ينافسني أحدٌ فيكـِ غيره، و لكن ماذا أقول غيرَ أن تصمتي و تدعي الرجلَ يتكلم )) قال خالد (( على العموم لا أدري إن كانت المعلوماتُ التي لديّ مفيدةٌ أم لا )) قال عبد الوهاب بتفهم (( أخبرنا عنها و نحن سندرسها معك )) قال خالد (( المختبرُ عندنا فحصَ كلَ الموادِ المحترقةِ و وجدَ فيها أشياءً تخصُ سليم، صورٌ و أوراقٌ و غيرها و الأهم لقد عرفنا لمن اللحم المحترق في السيارة )) قالت جمانة بلهفة (( لمن هو، هل هو أكرم أم يزن؟ )) قال عبد الوهاب (( و هل نسيت سليم؟! )) قالت جمانة بثقة (( قلت لكَ سليم لم يمت)) قال خالد بضجرٍ من نزاعهما المستمر (( توقفـــا عن هذا و اسمعاني لأني أريدُ أن أذهبَ فلدي الكثيرُ من الأعمالِ.. الجثةُ لم تكن لأي واحدٍ من هؤلاءِ الثلاثةِ )) صاحَ عبد الوهاب وجمانة بدهشةٍ في نفسِ الوقتِ (( لمن إذن؟! )) قال خالد (( للقطة )) قال عبد الوهاب و الدهشةُ مازالت مرسومةً على ملامحِ وجههِ (( أيُ قطةٍ هذهَ التي تتكلمُ عنها و كيف وصلت لسيارةِ ابني؟! )) قال خالد (( يبدو أن سليم كان يملكُ قطة فلقد رأيتُ صورتها مع أشياءه الناجيةِ من الاحتراق من السيارة.. إنها قطةٌ بيضاءَ كبيرةِ الحجم ولها شعرٌ كثيفٌ يصلُ إلى قدميها، لقد كانت هذه القطة تجلس تحت عند المقعدِ الذي كان سليم يجلس فيه و يبدو أنها هي التي احترقت في السيارة )) قالت جمانة بأسف (( يا إلهي، إنها لولو يا عبد الوهاب.. يا للقطة المسكينة.. لقد كان سليم يحبها و يدللها كثيراً و سيحزنُ عندما يعلمُ بموتها.. و لكن أيعني هذا أن ابني حيُّ يرزق؟! )) قال خالد وهو يهز رأسه بأسف (( للأسف لا.. لقد نجا من حادث السيارة، و لكني لا أعتقد أنه نجا من حادث الطبيعة )) قال عبد الوهاب (( أيُ حادث؟؟ )) قال خالد مفسراً كلامه (( الذئــــاب.. ذئابُ الصحراء، إنها أخطر الحيوانات الصحراوية على الإطلاق..... للأسف يا عمي يؤسفني أن أخبركم أن الذي وجدناه في السيارة غير الممتلكات و القطة هو دمُ سليم، فهناكَ في السيارة بقعُ كبيرةٌ من الدماء، وبعدَ فحصها تبين أنها دماءُ سليم و يبدو أنها ناتجة عن إصابته برصاصة و لقد نزف كثيراً، و إن كان قد نجا من الرصاصة فلا أعتقد أنه نجا من الذئاب )) قالت جمانة (( إذن هو لم يمت في السيارة؟ )) رد خالد (( نعم، هذا صحيح )) قال عبد الوهاب بصدمةٍ شديدةٍ (( حادث السيارة كان مدبراً.. إذن ابني مات مقتولاً!! )) قال خالد (( نعم، لقد كان مدبراً )) قالت جمانة و هي مازالت تتعلق بخيوط واهنة من الأمل (( ليس هنالك دليلُ على أن الذئاب قد أكلته.. إن كان مصاباً فهنالكَ أصحابه و أكيد أنهم سيعملون على حمايته )) قال خالد وقد مزق قلبه حالها (( للأسف يا خالتي، لقد أتيتُ اليوم لأخبركم بأننا وجدنا ملابسهُ وملابس أصحابه ممزقة هناك في الصحراء على بعد 2 كم، يبدو أنهم قفزوا من السيارة و مشوا حتى وصلوا إلى هنالك فهجمت عليهم الذئاب ولم نجد منهم حتى عظمة واحدة، لم نجد سوى ثيابا ًممزقة مليئة ً بالدماء و ذئبٌ جريح، أعتقد أنهم حاولوا المقاومة و لكنهم بلا سلاح و لذلك لن يغلبوا الذئاب مهما حاولوا لأنها جائعة و هي أكثر منهم عدداً و أقوى أيضاً )) قال عبد الوهاب بيأس ٍ كبير (( إذا في النهاية قد ماتوا أيضا و لم ينقذهم أحد )) و دمعت عيناه و هو يكمل بحرقة و ألم (( ليتني لم أخبره عن والديه وإخوته.. ليتنا سكتنا و لم نتكلم يا جمانة.. لقد كان سعيداً معنا و نحن تسببنا في حضوره إلى بلادنا الأصلية، إلى أبنائها الذين قتلوه.. هيا يا سيادة النقيب أخبرني من قتله؟ و هل كان حادث السيارة مدبراً أم أن الرصاص هو الذي تسبب في اصطدام السيارة؟! و بماذا اصطدمت و هي في الصحراء القاحلة؟!! )) قال خالد (( اهدأ يا عمي، السيارة أصيبت بصاروخ و أنا أشك في رجل معين فهو الذي يمتلك مثل هذه الأسلحة )) قال عبد الوهاب بغضب (( أليس ذلك مخالفا للقانون إذ لا يصح لفرد أن يمتلك الأسلحة؟! )) قال خالد شارحا (( طبعا و لكنه كان يدافع بها عن البلاد في الحرب التي حدثت منذ عشر سنوات و لقد نجت البلاد بفضله بعد الله سبحانه و تعالى و بعد الحرب سلم أسلحته للجيش و لكن منذ سنة و بعد عدة حوادث، أصبحت الشرطة و جهات الأمن تشك بامتلاكه للأسلحة و لكن ليس هنالك دليل ضده حتى الآن فهو حذر جدا و لقد راقبناه منذ أشهر و لكن دون فائدة )) قال عبد الوهاب بقهر و حزن (( دلني عليه حتى أعلمه معنى فقد الولد.. أليس لديه أولاد حتى يحس بنا و بالنار التي أكلتنا بسببه )) قال خالد (( لا أستطيع، لأنني كما أخبرتك من قبل ليس لدي دليل ضده و لكني أعدك أن أركض وراءه حتى آتي بالدليل و عندها سيعاقب و يأخذ جزاءه )) قالت جمانه (( ليس ذلك هو المهم.. المهم هو ما علاقته بسليم و لماذا قتله؟! لماذا و هو لم يفعل له شيء؟ )) قال لها خالد (( سليم يركض وراءه منذ أن أتى إلى هنا.. الرجل عصبي و سليم يلحقه و يستهزأ به و بسببه دخل هذا الرجل إلى المستشفى مرتين )) قالت جمانة مدافعة عن سليم (( سليم ابني لا يفعل مثل هذه الأشياء، هذا الرجل كاذب لا تصدقوه )) قال عبد الوهاب (( كفي عن هذا، ألا تعرفين سليم، و لكن أن صدقنا أن سليم فعل هذا به فلماذا.. من غير المعقول أن يفعل هذا بدون سبب )) قال خالد ببساطة (( بسبب مآثر )) قال عبد الوهاب متسائلا بحيرة (( تلك التي يريد أن يتزوجها؟! هل فعل معها شيء؟! هل تحرش بها و أغضب الرجل، و ما دخل هذا الرجل بها؟! )) قال خالد (( لا تجعل تفكيرك يذهب بعيدا، سليم لم يفعل شيئا من هذا القبيل، و لكن الرجل خالها و هو رافض لفكرة زواج سليم بها رغم أن الفتاة موافقة )) قالت جمانة (( و من هي هذه الساحرة حتى تأكل عقله بهذه الطريقة و تجعله يقدم نفسه للموت من أجلها.. عندما أتى سليم إلى هذه البلد وعدني أنه سيرجع و يتزوج ابنة خالته، لقد أنسته هذه المرأة ابنة خالته التي أحبها )) قال خالد (( المرأة ليس لها ذنب.. سليم هو المذنب )) قال عبد الوهاب مدافعاً عن ابنه (( أرادها في الحلال فهل يقتل لذلك؟!! )) رد عليه خالد (( طبعاً لا، و لكن طريقته في طلب يدها كانت خطأ و لذلك غضب منه الرجل و حاول قتله و أعتقد أنه نجح )) قال عبد الوهاب بصبر (( لماذا لا تحكي لنا كل الذي حدث من البداية حتى نفهمكَ جيداً و عندها نقرر )) تنهد خالد ثم قال بضيق (( لم أكن أريد أن أخبركما و لكن يجب أن تعلما.. )) و هكذا حكي النقيب خالد لعبد الوهاب و جمانة كل ما حصل لسليم بداية بحب سليم لمآثر من أول نظرة عندما رآها في إحدى محلاته التجارية، و تحذير أكرم لسليم من خال تلك الفتاة؛ ذلك الخال المتسلط و الذي لا يرحم من ينظر لحرماته و ممتلكاته.. ثم مقابلة سليم لرحاب -أخته و زوجة خال مآثر في نفس الوقت-... و كذلك أخبرهم عن المشاكل التي حصلت بسبب صد رحاب لسليم و بسبب تجرأ زوجها على أم سليم -أي جمانة- ثم تهديد سليم لهم بتدميرهم و تشتيت عائلتهم لأنهم لم يحترموا أمه و قاموا بشتمها من دون ذنب اقترفته،... أكمل خالد كلامه قائلاً (( و بعد كل ذلك و بعد أن أشعل سليم الغضب في نفس الرجل طلب منه و بكل وقاحة يدَ مآثر، فثار الرجل و طرده ، وتفاجأ كثيراً لأن سليم بعدَ أن شتمه و هدده بتدمير حياته و عائلته أتى و بكل بساطة و برود ليطلب يد ابنة أخته، و عندها قرر مطاردة سليم و الانتقام منه )) ثم أخبرهم خالد عن حادث احتراق القصر و الذي نجا منه سليم بأعجوبة.. و عن ضرب رجال سليم لمنير أكبر أعوان ذلك الرجل و القضية التي حدثت بينهما في المركز و أخيراً قال لهم عن تهجم سليم عليه و على رحاب في المستشفى.. قال عبد الوهاب بصدمةٍ شديدة (( سليم يمدُ يدهُ على امرأة!! مستحيل أنا لا أصدق ذلك )) قال خالد (( لقد ضربني أنا أيضاً.. الحقيقة أنها هي التي استفزته، فقد أخبرته أن زوجها قد زوج مآثر بسببها و أنها قد رحلت إلى الأبد و عندها فقد سليم سيطرته على نفسه و مد يده و ضربها و لكنها سامحتها و كانت تريد أن تأتي لمصالحته و التأسف منه لولا أن سبقها القدر إليه و هذا أيضاً بسبب زوجها الذي أطلق عليه صاروخاً بعد أن أصابه بالرصاص )) قال عبد الوهاب بنبرة توسل حزينة (( لماذا لا تخبرنا يا أبني من هو حتى نستطيع التصرف )) قال خالد بثقة (( سنتصرف و لكن بحكمة و من دون تسرع )) بكت جمانة بشدة و بصوتٍ عالٍ ثم قالت (( كل هذا حصل و لم يحاول سليم إخبارنا، لقد تعذب ابننا بسبب هذا الرجل كثيراً )) ثم وقفت و اتجهت لخالد و أمسكته من قميصه بشدة و قالت (( هيـــــا، تكلم أخبرني من هو حتى أقتله و أشفي غليلي )) أبعدها عبد الوهاب عنه ثم قال له (( سامحنا يا أبني أنها مرهقة جداً و ترفض أن تأخذ الدواء.. هيا الآن اذهب و أفعل ما تراه مناسباً، و تأكد أننا معك و إذا كنا قد فقدنا سليم فإنا قد كسبناكَ يا ابني )) واصلت جمانة صراخها بقوة و هي تتملص من يدي عبد الوهاب و أخذت تصرخ و تقول (( اتركني أذهب ابني لم يمت.. ارجعوا لي سليـــــــــــم.... أريـــــــــــــد أبني... اقتلوا المجرم الذي حرمنـــــــــا منه.. رحل سليم رحل و لن يعــــود..آآآآآآآآآآآآه )) دخل أليهم أبنائهم بعد أن سمعوا صراخ أمهم فقال يعقوب الأخ الأكبر (( خذ المفتاح يا قاسم و اذهب و أشعل السيارة سنأخذها إلى المستشفى.. تعال يا وحيد و ساعدني لنحملها معاً )) و عندما خرجوا بها، دخل أمجد إلى المنزل وقال لأبيه (( ماذا يفعل النقيب خالد هنا؟! و ما بها أمي؟! لماذا تبكي بهذه الطريقة؟؟ )) ثم وضع يده على كتف والده و أكمل مازحاً (( أين ذلك المحتال سليم؛ لا يستطيع إسعادها إلا هو )) نظر إليه عبد الوهاب بحزن ثم قال له بعد صمت لم يدم طويلاً (( لقد مات يا أمجد.. والدتك تبكي لأنها فقدته )) اتسعت عينا أمجد بدهشة و قال بصدمة شديدة (( مــ... من مات؟؟ ... سليــــــــم!!! )) اقترب منه والده ثم أخذه في حضنه وقال له (( آسف يا أمجد لأنني أخبرتك بهذه الطريقة.. اهدأ و تصرف كرجل، أعرف أن الصدمة شديدة و لكن أنظر إلى أمك، أنها منهارة و بحاجة لنا كلنا حتى نقف بجانبها و لقد كانت تسأل عنك، هيا لنذهب إليها )) ابتعد عنه أمجد و بكى بقوة و هو يقول (( لااااااااااااااااا.. مستحيل أن يكون قد مات.. سليم لم يمت.. أنا متأكد، لا تصدقهم.. لقد تكلمتُ مع جمال الحسيني بنفسي.. تكلمت معه منذ يومين و لقد وعدني أن لا يؤذيه.. مستحيييييييييييييييييييل )) ثم خرج من المنزل و أخذ يركض بسرعة فقال خالد (( هل أتبعه.. أخاف أن يحاول إيذاء نفسه )) قال له عبد الوهاب (( لا تخف عليه إخوانه سيتبعونه و لكن قل لي من هو جمال الحسيني هذا؟ هل هو القاتل؟! ))
هذه المرة سكت النقيب خالد و لم يجب عليه و إنما خرج و جعله وحيداً في البيت...

الغالي المزيون 25-12-10 07:19 PM

الجــــــــ 24 ـــــــزء:

و في الصحراء الشاسعة و بالضبط في إحدى القبائل البدوية و أمام إحدى الخيمات كان أكرم جالساً يبكي بحرقة و حزن شديد و كان بجانبه يزن يتأفف من بكائه، فصرخ يزن بوجه أكرم وقال له (( كفــــــــــى.. توقف الآآآآآن.. أنت رجل يجب أن لا تبكي هكذا كالنساء! .. ستموت من كثرة البكاء.. ثلاثة أيام و أنت تواصل بكائك دون انقطاع... إن لم يفلح جمال في قتلك سأقتلك أنا )) وقف أكرم و رمى بـِ يزن على الأرض بقوة ثم جلس فوقه و قال له بشدة اندهش لها يزن (( كيف لا تريدني أن أبكي و سليم منذ ثلاثة أيام وهو لا يتحرك، لا أعرف إن كانت غيبوبة أم أنه مات.. طبيب هذه القبيلة يقول إنه حي و أنا أراه ميتاً.. إنه أخي قبل أن يكون صديقي و إن كان حياً فالنزيف سيقتله.. إنه ينزف منذ أن أتينا إلى هنا.. هل تعتقد أني كنت أحب إيطاليا حين كنت أسافر إليها للعمل.. لا يا أحمق لأني أحبه قبلت بالوظيفة معه.. ألا تحبه يا يزن؟ هيا أجبني.. ألا تحبه؟! ألم تفكر كيف سيكون موقفنا إذا رجعنا و لقينا أمه و أباه.. كيف سنقول لهما أنه مات و نحن نجونا ؟ كيــــــــــــــف؟؟! )) قال له يزن و هو يحاول النهوض (( ابتعد عني و كف عن الصراخ بصوت عالي لأني اسمع جيداً.. الآن ظهر صوتك الشجي.. ألم تجد وقتاً لتظهر فيه قوتك إلا عليّ أنا.. لم أكن أقصد يا عزيزي كنت خائفاً عليك فقط، ثم لا تنسى أن سليم جلب هذا لنفسه.. و أهم من كل ذلك عليك أن لا تنسى أننا نجونا لذلك يجب أن نكف عن البكاء و دعنا نفكر كيف نرجع إلى إيطاليا لأنني جننت عندما تبعتكما وحياتي أثمن من أن أخسرها معكما )) قال أكرم (( عندما قفزنا من السيارة قبل أن تنفجر مشينا يوماً كاملاً حتى وجدنا هؤلاء البدويين و لقد كانوا أذكياء عندما تركوا ثيابنا بجانب تلك الذئاب و عليها بعض الدماء أكيد أن خبر موتنا قد انتشر و لكنني لن أذهب إلى أي مكان من دون سليم مهما حصل )) قال يزن (( ألا يكفينا ما جاءنا من سليم، دعنا نذهب و إذا كان حياً فليساعده هؤلاء البدويون و ليعيدوه إلى جمانة )) أمسكه أكرم من شعره و شده بقوة ثم قال له (( يا أناني.. أنت هكذا دائما تريد النجاة بنفسك.. يا ناكر الجميل لولا سليم لكنت الآن في الشارع دون عمل تأكل منه ودون زوجة تقبل بك )) قال يزن (( آآآآآخ إنك تؤلمني.. اترك شعري و انهض من فوقي.. ثم من قال لك إني متزوج، أنا أعزب )) صاح أكرم (( يا كاذب.. أنت متزوج و لديك طفلة عمرها سنة و نصف )) قال يزن بدهشة (( من أين علمت يا ساحر؟! أنا متزوج بالسر و لا أحد يعلم .. هل تراقبني؟؟ )) قال أكرم (( طبعاً لا.. أوليس لديّ عمل غيرك؟ زوجتك اتصلت تشتكيك إلى سليم؛ لأنك تسهر كثيراًً و تتركها و حيدة و وعدها سليم بتأديبك )) قال يزن (( آه.. لهذا جعلتماني سائقاً لكما أيها الخبيثان )) قاطعهما رجل و هو يدخل و أخذ ينظر إليهما بدهشة فأحرج أكرم و نهض من فوق يزن ثم قال له (( نعم ماذا تريد؟ )) قال الرجل (( شيخ القبيلة يطلبكما و يقول إن رفيقكما قد بدأ يتحرك.. فإن كنتما تريدان رؤيته تعالا ورائي )) قال له أكرم (( حسناً اسبقنا و سنأتي خلفك )) ذهب الرجل و ألتفت أكرم إلى يزن وقال له (( اسمع يجب أن نغير اسم سليم عندما يسألوننا عن أسمائنا )) قال يزن (( لماذا؟ من سيتبعنا إلى هنا؟! إن هذا المكان بعيدٌ جداً عن العاصمة )) قال أكرم (( و ما الذي يدريكَ أن جمال لا يعرفُ هؤلاء القوم؟ أو أن هؤلاء القوم لا يعرفون سليم أو حتى سمعوا بإسمه؟ عندها لن يتأخروا عن تسليمه إلى جمال.. إن لجمال سطوة كبيرة و لو علم أن سليم حيّ سيتبعنا إلى آخر الدنيا.. نحن لن يبحث عنا أحد و لكن سليم هو المقصود لذلك فليكن اسمه... عزيز.. فما رأيك؟؟ )) قال يزن باستسلام (( ليس لي إلا أن أتبعك، و لكن ألا تعتقد أن سليم بحاجة إلى مستشفى؟ أنا متأكد أننا إن ذهبنا إلى المدينة فإن عبد الوهاب سوف يحمينا من بطش جمال؛ فلذلك أخرج الجوال الذي في جيبك و أتصل بعبد الوهاب.. و الآن ما رأيك بخطتي؟؟ )) قال أكرم بغيض شديد (( رأيي أنك أحمق و لا ترى أبعدَ من أنفك.. ماذا كنتُ أقول لك منذ قليل عن جمال؟! أنا فعلاً سأتصل بعبد الوهاب و لكن فقط لأطمئنه عن ابنه و لن أخبره عن مكاننا.. هنا نحن بأمان و عندما ينهض سليم، هو الذي سيقرر ماذا نفعل )) قال يزن في نفسه (( ما زال هذا الغبي يترجى أن ينهض سليم.. تلك الإصابة و ذلك النزيف الشديد يستطيع قتلَ فيل فما بالك بإنسان.. يا إلهي ما الذي فعلته في حياتي حتى تكون نهايتي مع هذا العنيد المكابر!! )) سحبه أكرم من يده و قال له (( كف عن التفكير فلن يغير شيء رأيي.. هيا لنذهب و نرى سليم و نقابل هذا الشيخ )) و ذهب أكرم و يزن و قابلا الشيخ و شرحا له كل ما حدث لهما و بالطبع قام أكرم بتغيير أسم سليم إلى عزيز، و مرت الأيام و كان أكرم بجانب سليم يرعاه و يهتم به و هو ما بين البكاء و الانتظار....

الجــــــــ 25 ـــــــزء:

و بعد أسبوع، كان أكرم جالساً خارج الخيمة، فجاءه يزن و جلس بجانبه ثم قال له (( ألا تريد أن تأتي إلى الغدير؟؟ إن هناك فتاة جمالها لا يوصف.. إنها أجمل من القمر.. ليتها تقبل بي.. هيا تعال معي و أخرج من هذه القوقعة البائسة.. سليم لن ينهض ثق بي )) غضب منه أكرم و قال له (( ألا تخجل من نفسك يا رجل؟! ما نحن هنا إلا ضيوف و يجب عليك مراعاة الآداب و الحشمة.. ثم أنت رجلٌ متزوج، أرعى زوجتكَ و ابنتك أولاً يا مهمل ثم فكر في غيرهما )) قال يزن (( لو كانت زوجتي بجمالها لما خرجتُ من عندها )) رفع أكرم حاجبه و قال (( لماذا؟ هل هي قبيحة لهذه الدرجة )) قال يزن (( طبعاً لا.. إنها جميلة و لكنها غيورة جداً و تحب المشاكل، لذلك هربتُ من عندها.. و لكن هذه.. آآآآه منها.. إنها جميلة جداً و لها عينان رماديتان و شعر أسود حريري و نظرة لم أرى أحلى و لا أجمل منها و بشرة بيضاء رقيقة و.... )) قاطعه أكرم (( أصمت لا تكمل.. و كأني أستمع لسليم و هو يمدح مآثر.. هل انتقلت ساحرة سليم إلى هنا؟! يبدو أنك تريد أخذ بعضاً مما لدى سليم.. ألا يكفيكَ أن تنظر إلى ما حصل له حتى تتعض.. البدو لا يرحمون، سوف يصلبونك و يحرقونك و أنت حيّ.. ثم ما يدريكَ أنها غير متزوجة؟؟ )) قال يزن بسرعة (( إنها لا تلبس خاتم.. تعال معي و أخطبها لي و هي عندما ترى يزن الجميل و الوسيم سوف تطير من الفرحة و تعلن موافقتها الفورية )) قال أكرم (( و هل يجب على كل متزوجة أن تلبس خاتم.. أنا لن أذهب إلى أي مكان، يكفينا ما حصل لنا من وراء سليم و بسبب ملاحقته لتلك المرأة أنظر أين نحن الآن لا زوجة و لا ولد.. لا أم و لا أب .. وحيدون بين قوم لا نعرفهم و لا نعرف طباعهم و الأدهى من ذلك تذهب أنت و تلاحق بناتهم.. أعقل و تأكد بأن هذه الفتاة إن لم ترفضك لوجهك الجميل فسوف ترفضك لأنك متزوج )) قال يزن (( من سيخبرها بأني متزوج ؟! )) رد أكرم (( أنا )) ثم قال له (( انظر سليم بدأ يفيق )) فاقتربا من سليم و أخذا ينظران إليه، فبدأ سليم بتحريك عينيه ثم أخذ يهذي بكلمات لم يفهمها يزن.. قال يزن (( ماذا يقول يا أكرم؟؟ )) قال أكرم بحسرة و هو يضرب كفيه ببعضهما (( إنه يهذي بها.. بعد كل الذي حصل لنا، ما زال يفكر بها.. إنه يهتف باِسمها بدلاً من أن يذكر اسمي و أنا الذي سهرتُ الليالي أبكي عليه )) قال يزن و هو يقفز بفرح (( دعه فهذا ما يعجبني فيه، أنا غبي فلو كنت عنيداً مثله لكنت الآن متزوجاً من أربع نساء.. سوف أجعل هذا البطل المغوار يخطب لي و لن أسمح لك بأن تأتي معنا )) قال أكرم (( و من أخبرك بأني أريد أن آتي معك؟ لقد أخبرتك من قبل بأني لن آتي معك لأي مكان.. يا خسارة تلك الدموع التي ذرفتها عليك يا سليم )) قال له يزن (( لم يدفع لك أحد لتبكي عليه، ثم أن الرجل حي و لم يمت.. ها هو يجلس.. تعال لحضني يا عزيزي ستكون ولي أمري في هذا الزواج )) و أخذ يزن سليم يزن في حضنه...


الجــــــــ 26 ـــــــزء:

استمر سليم في فراشه لمدة 3 أيام و هو لا يستطيع النهوض و أكرم يعتني به، فدخل عليهما يزن و هو يركض و قال لأكرم (( أكـــــــرم.. هيا تعال معي و أنظر إلى...... )) قاطعه أكرم و هو يضع يده على فمه قائلاً (( اخرس و هيا نتكلم في الخارج فأنا لم أصدق أن ينام سليم حتى تأتي أنت و تخرب علي كل شيء )) خرجا معاً و عندها قال يزن (( ماذا بك كل ما جئت لأكلمك قلت لي سليم نائم ؟ كنت فقط أريد أن أريك خطيبتي )) و قال أكرم (( أنت لم تخطبها بعد و أنا لا أريد رؤيتها و لدي أعمال أهم منك و منها.. أنا مرهق لذلك كف عن مضايقتي كلما مرت هذه الفتاة من أمام خيمتنا )) ابتسم يزن بلؤم ثم قال (( وكيف علمت أنها مرت من هنا؟ هل أحببتها أيضاً أيها الثعلب الماكر؟ )) قال أكرم بحزم (( لا لم أحب أحداً و لن أفعل.. و لقد عرفت أنها مرت بسببك فأنت تقفز كالقط عندما تراها.. ثم إنني مشغول لذلك اتركني و اذهب و أتمنى أن يمسكك أحد الرجال هنا حتى تتأدب و تترك الفتاة في حالها )) قال يزن (( ما الذي يشغلك الآن.. أنت لا تفعل شيئاً سوى الجلوس بجانب سليم و إطعامه وتبديل ملابسه.. ألا تمل؟! ألم تزغ عينيك قليلاً و تتوجه نحو أحدى هذه الجميلات؟! )) رد أكرم (( لا لم تزغ عيني.. أريد أن أتصل بعبد الوهاب لأخبره أننا أحياء و أن ابنه ما زال على قيد الحياة )) ذهب يزن عنه بعد أن يئسَ من محاولة إقناعه فدخل أكرم و جلس بجانب سليم الذي كان فاتحاً عينيه فقال أكرم بحنان (( هل تستطيع التكلم أم ما زالت الإصابة تؤلمك.. أرجوك أجبني فقد مللت من الانتظار )) قال سليم بضعف (( أحس بألم شديد و بأني لا أستطيع الحراك.. و لكن أين نحن يا أكرم.. هل وجدنا مآثر و كيف وصلنا إلى هنا؟! )) قال أكرم بغيض (( نحن لم نخرج للبحث عنها حتى نجدها.. و ليس المهم أين نحن، المهم أنك بخير.. لقد كنت أن تقتلني من الفزع.. لقد خفت عليك كثيراً، أرجوك عدني بأن تنساها.. إنها سبب مآسيك، هل تعدني هيا أجب.. على الأقل حتى تشفى )) ثم نظر إلى سليم الذي أغلق عينيه و توقف عن التنفس فقال أكرم بخوف لا مثيل له (( ســـــليــــــــــــــــم.. ماذا حصل لك أرجوك أجبني )) ثم خرج أكرم مسرعاً و عاد بطبيب القبيلة الذي أخذ محاولة معالجته و مرت ساعة كاملة كان الطبيب عنده و أكرم ينتظر في الخارج و هو يمشي ذهاباً و إياباً ، فجاء يزن وهو يركض و قال لأكرم (( ماذا حصل مرةً أخرى؟! )) صرخ أكرم في وجهه و الدموع تجري على وجهه (( اذهب من هنا.. ما الذي أتى بك أيها الخائن؟ أنت لا تهتم سوى بنفسك.. إنه يموت و أنا هنا عاجز عن إبعاد الألم عنه.. إن الألم يعتصره و هو يعجز عن تحريك جسمه و لا يفعل شيئاً سوى السؤال عنها.. اذهب و اتركني.. ليت الرصاصة أصابتني.. ليت الصاروخ قتلني قبل أن أراه و هو يتعذب و يموت أمامي )) أمسكه يزن بقوة من يديه و أخذ يهزه و يقول (( ارحم نفسك يا أكرم.. سليم سيكون بخير.. إنه قوي و لقد استحمل من قبل و سيستطيع الاستحمال الآن.. أتوسل إليك توقف.. هيا اهدأ سيكون بخير بإذن الله و أنت ستساعده )) ثم أخذ يزن أكرم في حضنه و جلس معه يهدئه و ينتظر.. و عندما خرج الطبيب من عند سليم قال لهما (( لا تخافا عليه.. إنه قوي و لا يحتاج سوى إلى يومين يرتاح فيهما و بعدها سيقوم و يمارس حياته بشكل طبيعي )) قال أكرم بخوف (( إذا كان صحيحاً ما تقول فما الذي حدث له؟ و هل سيصبح مشلولاً؟! )) قال الطبيب (( طبعاً لا.. لن يصبح مشلولاً.. هو الآن متعب فقط، و يبدو أن الجرح ملتهب لذلك تأتيه حالات يعجز فيها عن الحركة و لكني نظفت له الجرح و طهرته ببعض الأعشاب و يجب عليكما أن تغيرا له قطعة القماش التي لففت بها جرحه كل يوم و وفرا له الراحة التامة حتى يشفى بسرعة، و إياك يا أكرم أن تحاول مكالمته عندما يصحو.. دعه يرتاح؛ فالراحة مفيدة له )) قال أكرم (( حسناً، سنفعل كل ما أمرتنا به و شكراً لك )) و عندما ذهب الطبيب قال يزن و هو يحك رأسه بحيرة (( لماذا لا ينقل له بعض الدم؟! إنه ينزف منذ أن أتينا إلى هنا و أعتقد أنه بحاجة لنقل الدم له )) رد عليه أكرم (( إنه مجرد رجلٍ تعلم عمل الأدوية من الأعشاب على يد جده أو والده ، و لو قلت له هذا الكلام لظنك غبياً لا تفهم شيئاً.. سأذهب لأتصل بعبد الوهاب )) ثم أخرج الجوال من جيبه و أتصل برقم عبد الوهاب الذي كان جالساً في المستشفى بجانب سرير زوجته جمانه و معه كل أولاده.. عندما رن الجوال و نظر إليه عبد الوهاب اندهش بشدة حتى لاحظه جميع من حوله، فقال له ابنه قاسم (( ماذا بك يا أبي؟! الهاتف يرن! .. لماذا لا تجيب قبل أن تنتبه أمي؟؟ )) لم يجبه عبد الوهاب و إنما خرج من الغرفة و تركهم في حيرتهم، فتبعه أمجد و قال له (( من المتصل و لماذا أنت متوتر لهذه الدرجة يا أبي ؟؟! و لماذا لم تستطع الرد أمامنا و أمام أمي؟!! )) قال عبد الوهاب بألم وهو يمسح دموعاً نزلت من عينيه (( إ... إنـ... إنه رقم سليم.. هل من المعقول أن يكون أبني ما زال حياً؟؟؟ )) قال أمجد (( من؟! سليم؟؟! .. مستحييييييييييل!! كل الدلائل تشير إلى وفاته يا أبي.. و لكننا لن نخسر شيئاً أجب قبل أن ينقطع الاتصال )) ضغط عبد الوهاب على الزر الأخضر في هاتفه و وضعه على أذنه ثم قال بصوتٍ ضعيف (( نــ---- ـعم.. من المتصل؟؟ )) رد عليه أكرم (( كيف حالك يا عمي.. أنا أكرم هل عرفتني؟ )) قال عبد الوهاب (( نعم عرفتك يا أبني.. أرجوك ما دمت حياً فأخبرني هل أبني حي أم إنه ميت؟ أخبرني فقلبي ما زال يدمي بسببه )) قال أكرم (( هذه المرة قلوبنا جميعاً تدمي بسببه.. إنه حي يا عمي و لكنه مصاب برصاصة اخترقته من ظهره و استقرت في صدره و لكننا استطعنا إخراجها و هو مرهق بسببها و طريح الفراش و لا يستطيع الحراك و لكنه الآن تحسن قليلاً رغم أن الألم يسحب روحه منه و روحي معه.. لقد اتصلت حتى أقول لك أننا أحياء و لكني لن أخبرك أين نحن حتى يشفى أبنك تماماً و عندها هو سيقرر ماذا سنفعل )) قال عبد الوهاب بغضب (( لا يمكنك أن تفعل هذا بي و بأمه، إنها مريضة جداً و هي الآن في المستشفى.. أرجوك و ألا أرسلت الشرطة ورائك حتى يرجعوه لنا.. هيا يا أكرم كن شجاعاً و أخبرني عن مكانكم حتى نأتي إليكم و لن يستطيع أحد أن يمسكم بسوء.. هيا تكلم فلقد أرهقتني، أين أنتم؟؟ )) قال أكرم بعناد (( لن أخبرك و أرجوك لا تقل لأحد أن سليم حيّ حتى لا يتبعنا جمال.. لن يستطيع أحد منكم حمايتنا منه، و حتى لو أخبرت الشرطة فلن تستطيع إيجادنا.. نحن هنا بأحسن حال و ابنك مصاب و يحتاج للرعاية و أنا أحاول بكل جهدي أن أوفرها له.. لقد أردت فقط أن أطمئنك، لذلك إلى اللقاء يا عمي )) قال عبد الوهاب بسرعة (( انتظــــر.. دعني أكلم سليم )) رد أكرم (( لا أستطيع إنه في غيبوبة و لن ينهض حتى يومين )) قال عبد الوهاب (( حسناً دعني أكلم يزن )) قال أكرم (( لماذا، حتى يخبرك أين نحن.. لن أدعك تكلمه أبداً )) قال عبد الوهاب بهدوء (( لا بأس، كما تريد.. إذن إلى اللقاء )) ضحك أكرم ثم قال بدهاء (( لا تظن أني غبي يا عمي.. أنا أعرف أن جوالك يحتوي على جهاز تتبع موصول بجوال سليم و بواسطته تعرف أي مكان يذهب إليه، و قد اعتقدت في البداية أن سليم قد مات و ما دام أنه حي فسوف تشعله الآن.. لا تنسى أنني ساعد سليم الأيمن و أنا أعرف عنه كل صغيرة و كبيرة في حياته، لذلك لن تهزمني مهما حاولت )) قال عبد الوهاب (( و ماذا ستفعل يا ذكي؟! لن تستطيع منعي من تشغيل الجهاز.. سأتبعك أينما كنت و سأرجع أبني )) قال أكرم بانتصار (( سأكسر الجوال بكامله و عندها لن تقدر أن تتبعنا.. المهم يجب أن يظل خبر موت سليم كما هو، حتى جمانة لا تخبرها عنه.. إلى اللقاء يا عمي )) و أقفل أكرم الخط فقال له يزن بلهفة شديدة (( متى سيأتي عمي لإنقاذنا يا أكرم؟ )) رمى أكرم الجوال و كسره بقدمه بقوة ثم قال بحزم (( لن يأتي أحد لأننا لا نحتاج لإنقاذ ))....




الجــــــــ 27 ـــــــزء:

مضت الأيام على الأصدقاء الثلاثة و هم ما زالوا مكانهم، و تماثل سليم للشفاء....
و في يوم من الأيام كان أكرم راجعا إلى خيمتهم و هو يحمل صحنا كبيرا مليئا بأنواع الطعام فجاء إلية يزن و قال له (( جئت في الوقت المناسب أكاد أموت من الجوع.. هيا اترك الطعام في الأرض و دعنا نأكل )) قال له أكرم (( يا طماع ألا يفيك ما أكلته مع الرجال؟ )) قال يزن (( لم آكل إلا قليلا لأن هؤلاء الرجال سريعون جدا )) رد عليه أكرم (( لو لم أرك بنفسي و أنت تلتهم كل ذلك الطعام لصدقتك هيا اذهب من أمامي، هذا الطعام لسليم يجب أن يتغذى جيدا حتى يستعيد كامل عافيته )) دخل أكرم إلى الخيمة و وضع الطعام في الأرض ثم التفت إلى المكان الذي كان يجلس فيه سليم و لم يجده فخرج إلى يزن وقال له بخوف (( ألحقني يا يزن... سليم ليس في فراشه يبدو أن أحدا قد قام بخطفه )) قال له يزن بملل (( و من الذي يمتلك ذرة عقل و يفكر في خطفه.. يبدوا أن رئيسنا قد بدأ يفكر مثلي.. لقد ذهب منذ نصف ساعة إلى الغدير عله يجد بديلا عما فقد )) صاح به أكرم (( كيف سمحت له بالذهاب و هو في هذه الحالة.. ثم يجب أن تعرف أن سليم متزن و عاقل و لا يفكر مثلك مع أنني أتمنى من كل قلبي أن ينساها و يجد غيرها فهو منذ ثلاثة أيام لم يأتي بسيرتها )) قال يزن بثقة (( لنذهب و نرى ماذا يفعل عند الغدير و هل هو متزن و عاقل مثلما تقول عنه أم أنه مثلي أنا، و هناك سأعرفه على خطيبتي )) قال أكرم بغيض (( أما زلت مصراً على أنها خطيبتك؟! لن يذهب سواي فقط، و سأذهب لأرجعه إلى هنا و ليس لأرى إن كان مثلك أو لا و لا تحاول أن تلحق بنا، أره خطيبتك هنا عندما تمر من أمام الخيمة )) ذهب أكرم وحده و لم يلحق به يزن و عندما وصل إلى الغدير وجد سليم جالسا هنالك بجانب الصخور و أمامه تلة كبيرة و هو ينظر إلى أعلاها.. فجلس بجانبه و قال له (( أنت هنا و أنا أبحث عنك، هيا لتأكل.. ما كان يجب عليك أن تخرج من الخيمة، ما زلت متعبا )) لم يرد عليه سليم و إنما استمر في النظر إلى أعلى التلة فقال له أكرم (( ما الذي تنظر إليه في الأعلى؟ لماذا لا تكلمني )) قال سليم بشرور (( إليها )) ثم التفت إلى أكرم و قال له (( إنها هنا لقد رأيتها فوق التلة )) قال أكرم بهلع (( يا إلـهي من هي التي هنا؟! لقد تماثلت للشفاء فبماذا تهذي الآن؟! هيا نرجع إلى الخيمة فأنا لا أرى فوق التلة إلا مجموعة فتيات من هذه القبيلة، فدعنا نرجع و لا تفعل مثل يزن، سيقتلنا هؤلاء البدويون بسببكما )) قال سليم بعناد (( لن أذهب معك إلى أي مكان سأصعد فوق التلة وسأقابلها.. آه لو رأيتها يا أكرم ما زالت مثل السابق جميلة و بريئة، تلك النظرة الحزينة قد زادت في عينيها.. سأذهب لأكلمها )) أمسكه أكرم من يده وقال له متوسلا (( أرجوك يا سليم أعقل ولا تصعد إلى الأعلى.. صقر هناك فوق سيطلق عليك النار إن شاهدك تلاحق الفتيات و خصوصا أن وضحى أخته بينهن )) قال سليم (( من هو صقر هذا؟! )) قال أكرم (( إنه ابن شيخ هذه القبيلة و هو متعجرف جدا و يضايقنا دائما أنا و يزن و يكرهنا كثيرا فلذلك لن يصدق أن يجد حجة علينا و ....... وضحى هي ابنة الشيخ، إنها أجمل من مآثر كثيرا )) قال سليم (( أنا لم أسألك عنها و لا يوجد من هي أجمل من مآثر إلا إذا كنت قد أحببتها يا صديقي فأكيد ستكون مثلما يقولون القرد في عين أمه غزال لذلك أنت تراها بهذا الجمال )) غضب أكرم ثم قال (( اسمع أيها المحتال.. أنا أقول عنها هكذا حتى تحبها أنت و ليس أنا و هذه الفتاة تأتي كل يوم و تسأل عنك و كانت تدخل و تراك دائما و لو تراها ستنسيك مآثر أنا متأكد من ذلك )) قال له سليم بتهديد واضح (( ابتعد من هنا قبل أن أضربك و لا تكلمني مرة ثانية عنها.. هل أنت مجنون منذ قليل تنهاني من الصعود حتى لا أرى وضحى و يقتلني أخاها ثم تأتي لتقول لي أنها ستنسيني مآثر.. لا توجد من ستنسيني مآثر.. لم و لن توجد هل فهمت؟؟ هيا ابتعد عن طريقي، سأصعد و أرى مآثر )) قال أكرم و هو ما زال يمسك بيد سليم (( و لكن ما الذي سيأتي بمآثر إلى هنا؟! إننا في إحدى القبائل البدوية و نحن بعيدون جداً عن العاصمة )) قال سليم (( لقد حاول خالها إبعادها عني و لكنه لم يستطع فلقد وجدتها و سأطلب يدها هنا و أتزوجها )) قال أكرم مستمراً في محاولة إقناعه (( تفكيرك المريض يصور لك أنها هنا.. ما هذه إلا مجرد أوهام.. أرجوك هيا لنعد للخيمة و هناك سنفكر كيف ستقابلها هيا )) أبعده سليم عنه و قال له بغضب (( هل تحاول مجاراتي في الكلام.. ابتعد هيا من أمامي )) و ذهب سليم و صعد إلى التلة و لم يستطع أكرم منعه، و عندما وصل سليم إلى القمة كانت هناك واقفة مع مجموعة من الفتيات فأخذ ينظر إليها و هو سعيدٌ جداً لأن القدر جمعهما مرة أخرى و لأنه سيكلمها عن كل ما في قلبه و سيشرح لها كل ما حصل له حتى يستطيع الزواج بها، و في غفلة منه و في لحظة سهو و قد شرد ذهنه تعثرت قدمه و سقط من فوق التلة إلى أسفلها و بالتحديد فوق أكرم الذي كان واقفاً ينتظره فنهض سليم و قال بارتياح (( الحمد لله لم أصب بسوء )) صرخ أكرم من الألم وقال (( آآآآخ يا سليم لقد كسرت لي يدي إنها تؤلمني بشدة أحس أنني سأموت من الألم لقد قتلتني )) أمسك سليم بفمه و قال له (( اسكت سوف تفضحنا.. لم أكن أقصد.. أنا آسف يا أكرم، هيا سأساعدك للوصول إلى الخيمة، و سنأتي بطبيب القبيلة ليعالجك.. أنا آسف يا صديقي أرجوك سامحني.. هيا انهض سأساعدك هيا )) قال أكرم (( آه يا يدي.. ما الذي جعلك تسقط؟ ليتني لم أنتظرك.. احملني حتى نصل إلى الخيمة )) قال له سليم (( لا تطمع كثيراً.. يدك المكسورة وليست رجلك و أنت تستطيع المشي )) قال أكرم (( هي السبب في كل مصائبنا.. حتى و هي بعيدة ما زال النحس يواصل ملاحقتنا بسببها )) قال له سليم (( لقد وصلنا إلى الخيمة و الأفضل لك أن تصمت بدلا من أن أضربك و تفقد وعيك و عندها سأحملك هيا ادخل واجلس هنا.. سأذهب لأحضر الطبيب لا تتحرك من هنا )) ذهب سليم و أحضر طبيب القبيلة و عندما حضروا عاين أكرم و قال له (( يدك مكسورة بالفعل.. ما الذي حصل لك؟ )) قال له سليم (( لقد تعثر على يده فانكسرت )) قال الطبيب (( هذا مستحيل فلو تعثر لالتوت ذراعه فقط و لما انكسرت هيا قولا الحقيقة حتى استطيع مساعدته )) سكتا قليلا ثم قال سليم بلؤم و بعد تفكير (( لا بأس ما دمت تريد معرفة الحقيقة، فنحن لم نرد عمل المشاكل لذلك كتمناها.. و لكن هل يجب أن تعرف؟! )) قال الرجل (( نعم يجب أن أعرف )) قال سليم مكملاً خطته (( عدني أن لا تخبر أحداً )) قال الرجل (( أعدك بذلك.. هيا أخبرني فقد أضجرتني )) قال سليم و هو يتصنع التردد و الخوف (( إنه صقر )) قال الطبيب بدهشة (( من؟! ابن الشيخ، مستحيل!! )) قال سليم مكملاً كذبه (( ليس هو بالضبط و لكننا كنا جالسين نتحدث بجانب الغدير لوحدنا، فمر هو من هناك و كان يسحب حصانه ورائه، فتعمد المرور بجانبنا حتى أن حصانه داس على يد أكرم فأصبحت مكسورة كما ترى.. يا لك من مسكين يا صديقي.. لو لم نكن ضيوفاً عند هؤلاء القوم الذين أكرمونا لكنت انتقمتُ لك.. و لكن ماذا نفعل ما نحن إلا ضيوف لا حول لنا و لا قوة )) قال الطبيب بغضب و حمية (( يجب أن يعلم الشيخ بما فعل ابنه حتى يعاقبه فنحن لا نعامل ضيوفنا بهذه الطريقة )) قال سليم (( لقد وعدتنا بأن لا تخبر أحداً )) رد الطبيب (( طبعاً وعدتكم و لكن هذا أمر يخص القبيلة و لا يجوز إخفاءه عن الشيخ.. أما أنت يا عزيز فخذ هذه الأعشاب و قم بتسخينها و ضعها في يد أكرم على موضع الكسر، و كل يوم سأعطيك مثلها لتضعها له حتى يشفى )) قال سليم بحيرة (( حسناً سأفعل مثلما تأمر و لكن من عزيز؟! )) قال الطبيب (( أنت.. أوليس أسمك عزيز؟ )) قال سليم (( أنا عزيز؟! .. لا، إنك مخطئ.. أنا سليــ... )) قاطعه يزن و هو يدخل قائلاً (( طبعاً هو عزيز و لكن مرضه و الحمى التي أصابته جعلته ينسى عدة أشياء.. أعطني هذه الأعشاب و أنا سأتولى رعاية أكرم )) خرج الطبيب من عندهم و هو يقول (( اذهب لترتاح يا عزيز و ستتذكر كل شيء بإذن الله )) قال سليم ليزن و ملامح الحيرة مازالت واضحة على وجهه (( من المجنون فينا، أنا أم أنت و الطبيب؟؟ لماذا تنادونني باسم عزيز؟! )) قال يزن (( أكرم هو المجنون.. خوفه من جمال صور له أنه لو علم بأننا أحياء لتبعنا إلى آخر الدنيا ليقتلنا و لذلك غير أسمك إلى عزيز و أخبر به كل من في القبيلة أما نحن فليس لنا أهمية و جمال لن يبحث عنا، و لكن أخبراني ما الذي حدث و لمن هذه الأعشاب و لماذا أكرم محمر من الغضب و الدهشة؟! )) صاح أكرم بغضب في وجه سليم (( لماذا كذبت أيها المحتال؟! الرجل المسكين لم يفعل شيئا و لكن يبدو أن أحد الفيلة قد داست علي، عفوا أقصد إحدى الذئاب.. ماذا سنفعل الآن، سيقتلنا ذلك الرجل.. صقر دائما يتبختر و يمشي و هو يمسك بتلك البندقية الطويلة و أكيد أنه سيترصدنا بعد هذا الكلام الذي قلته )) قال يزن لأكرم (( هل داس سليم على يدك و اتهم صقر؟؟ )) قال أكرم بغيض (( لقد وقع بكامله فوقي و كسر يدي ثم اتهم صقر )) ضحك يزن بقوة ثم قال (( احمد ربك أن يدك هي التي انكسرت و ليس ظهرك، فمع ثقل وزن سليم و ثقل دمه أعتقد أن كسر يدك شيء بسيط، و لكن كيف وقع عليك؟! )) قال أكرم (( العاشق الولهان صور له جنونه أن مآثر كانت تقف فوق التلة، فصعد إلى فوق و عندما لم يرها وقع من الصدمة فوقي و حطم عظام يدي )) قال يزن مشجعا (( أحسنت يا سليم، يجب عليك أن تتبع قلبك مثلي تماما.. ثم أن صقر المتعجرف يستحق ما حصل له، و لكني أعتقد أنك شخص منحوس فأينما تذهب تتبعك المصائب و المشاكل لذلك تصرف و ساعدنا حتى نعود إلى ديارنا )) قال له سليم (( اخرس أنت لم يطلب أحد رأيك.. أما أنت يا أكرم ليكن في معلومك بأني لم أنصدم لأني لم أرها، بل انصدمت لأني رأيتها.. إنها هنا معنا في نفس القبيلة و لن يمنعني شيء من الوصول لها )) قال يزن و هو يقفز و يصفق بفرح (( حسنا، هيا لنتفق.. سأعرفك على خطيبتي و أنت تعرفني على مآثر.. و لكن هل أنت متأكد أنك تريد الزواج منها أم أنها على حد قول السيدة جمانة مجرد نزوة عابرة و تنتهي )) قال سليم بصرامة (( و هل تعتقد أني مثلك حتى ألعب بمشاعر الفتاة؟! ثم تعال إلى هنا، أي خطيبة تتكلم عنها و ما الذي تفكر فيه؟! أنت رجل متزوج و لديك التزامات أنت مهملٌ فيها، فكيف تفكر في الزواج مرة أخرى قبل حتى أن تستقر في زواجك الأول؟؟ .. و أنا فعلاً أريد الزواج من مآثر، و موضوع الزواج بالنسبة لي أمرٌ جاد و لا مزاح فيه )) قال يزن و هو يحرك يديه و كأنه يطير (( الفتاة التي أريدها مختلفة، إنها أجمل من مآثر بكثير.. آه لو تراها يا سليم فسوف تغير رأيك بكل الفتيات.. على الأقل هي عزباء مثلي و ليست مطلقة و لديها طفلة أيضاً.. كيف فكرتَ في الزواج بمطلقة؟ لو كنت أملك مثل أموالك لما تزوجت أبداً، لكنت جعلت الفتيات يركضن ورائي دون أن التفت لهن )) قال له سليم ناصحاً له بهدوء (( أنت متزوج يا يزن و لست أعزب، لماذا تصر دائماً على أنك أعزب؟ لماذا لا تعترف بها؟ هي الملامة و إلا لما كانت رضيت بشخص مثلك )) قال أكرم و هو ما زال يتألم من يده (( إنه خائف من أبيك، فقد هدده إن تزوج من وراءه فإنه سوف يشنقه ثم يقطعه بيديه )) قال سليم ليزن (( لماذا لم تخبر أبي حتى يخطبها لك؟؟ )) ابتسم يزن و قال (( لقد أخبرته و لكنه رفضها لأن أخاها في السجن و متهم بقضايا سياسية، و لكن لأني أحبها تزوجتها من وراء والدك الذي سمع إشاعة عن زواجي فضربني بشدة و اضطررت عندها لأن أخفي الأمر عنه و لم أخبركما أيضاً و لكني متزوج منذ 3 سنوات و عندي طفلة عمرها سنة و نصف أسميتها ليليان )) قال له سليم معاتباً (( ما دمت تحب زوجتك و ابنتك، فلماذا تريدُ الزواج مرة أخرى؟؟ )) قال يزن باستهتار (( لأني أحب التغيير )) قال لهما أكرم (( شيء رائع.. إذن اذهبا معاً إلى الغدير و كل واحد منكما يبحث عن ضالته حتى يجدها و أعطياني هذه الأعشاب لأتداوى بنفسي، هيا أخرجا من هنا و أنت يا سليم لا تكلمني أبداً، حتى أني لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى )) قال له سليم و هو يرفع حاجباه معاً ليزيد من عصبيته (( عندما يزول غضبك ستبحث عني و ستشتاق لي، فأنا متأكد أنك لا تستطيع العيش بدوني.. ستموت إن لم تراني أليس كذلك يا عزيزي؟! )) صاح أكرم بغضب (( لا.. ليس كذلك.. و أنا لست عزيزاً لك و لا لغيرك.. اخرج هيــــا لا أريد رؤيتك أمام وجهي )) خرج سليم من عنده وسحب يزن من يده حتى يتركاه وحده مع غضبه........


الجــــــــ 28 ـــــــزء:

و في إحدى الخيمات البعيدة، كانت وضحى ابنة الشيخ جالسة و بجانبها ساحرة سليم كما يسميها أكرم.. قالت وضحى لمآثر بخبث واضح (( أريد أن أسألك سؤلاً شخصياً فهل تمانعين يا مآثر؟ )) قالت مآثر بثقة (( اسألي ما شئت فليس لدي ما أخفيه )) قالت وضحى و هي تتعمد إحراج مآثر (( كم مرة تزوجتي؟ و طفلتكـ التي تتحدثين دائماً عنها، هل هي معكـ أم أخذها والدها بعد أن طلقكـ؟ )) قالت مآثر بحزن بعد أن تذكرت ابنتها التي تركتها خلفها بغير رضاها (( تزوجت مرتين.. زوجي الثاني مات في حادث، أما والد لينا فهو حي و عندما طلقني تنازل لي عن ابنتنا لينا، و أنا أسكن عند خالي جمال فهو الوالد لها و لقد عوضها عنه وصار الأب و الأخ لها.. مات والدي عندما كنت صغيرة فأشرف جدي أي والد أمي على تربيتي حتى أصبح عمري 18 سنة، عندها انتقلت لبيت خالي حتى تزوجت و لقد عدت لبيته بعد أن تطلقت و ثم تزوجت مرة ثانية لأعود لبيت خالي و قد أصبحتُ أرملة )) قالت وضحى بشماتة (( المطلقة ليس لها حظ في الزواج إلا نادراً جداً، و أنت أضعتي منكـ هذه الفرصة، فمن يصدق أن يتقدم أخي صقر لخطبتكـ و ترفضين!! لا يوجد في القبيلة كلها من لا تتمنى أن يخطبها صقر، و طبعاً لولا أنني كلمتُ أبي لكنتِ الآن زوجته لأن خالكـ جمال موافق عليه )) قالت مآثر بضيق (( المطلقة ليست عاراً على الدنيا حتى تعامل كسلعة من يأتيها أولاً يأخذها.. ثم لماذا تحاولين تذكيري دائماً بأنكـ السبب في أنني لم أتزوج أخاكـ.. هيا تكلمي بصراحة ماذا تريدين؟؟ )) قالت وضحى بوقاحة (( أريد عزيز )) قالت مآثر متسائلة (( ضيفكم الذي أنقذه رجال قبيلتكم؟؟ )) قال وضحى بفرحٍ و لهفة (( نعم هو، فما رأيكـ فيه؟؟ )) قالت مآثر بسرعة (( إنه أحمق! )) ردت وضحى بصدمة (( ماذا؟! أحمق! هل قابلتيه حتى تصفيه بالأحمق؟ )) قالت مآثر و هي غير مبالية (( ألا تقصدين ذلك الأشقر )) قالت وضحى بحب و هيام (( نعم هو.. إنه وسيم جداً و كل فتاة في القبيلة تتكلم عنه.. ثم كيف عرفت من أقصد وأنت لا تخرجي من الخيمة إلا معي؟! )) قالت مآثر (( ألا تذكرين عندما كنا في التلة، عندما صعد لأعلى و أخذ ينظر إلينا ثم وقع على صديقه و كسر له يده.. و بعد ذلك و بكل وقاحة أتهم صقر، و لقد أجبر الشيخ أخاكـ أن يتأسف على شيء لم يفعله.. اعذريني لكن من يفعل مثل هذه الأعمال ما هو إلا أحمق و أبله )) قالت وضحى (( نعم أذكر.. لقد صعد للتلة.. هل رأيت عينيه الزرقاوان؟ )) ردت مآثر (( لا، أنا لم أرى ملامحه و لا أعتقد أني أريد أن أراه.. هل تريديني أن أكلمه لكـ ؟ لا تنسي ما فعله لأخاكـ )) قالت وضحى بلهفة (( نعم أرجوكـ.. و أخي يستحق ما حصل له لأنه يضايق صديقيه دائماً.. لا تنسي أنكـ متعلمة و ستعرفين كيف ستتكلمين معه )) قالت مآثر بعد تفكير (( لا بأس سأساعدكـ هذه المرة.. سأذهب و أسأله إن كان جاداً و يريد الزواج بكـ أو أنه يلعب )) قالت و ضحى بتهديد (( احذري أن يغركـ جماله و تحاولي خطفه، لأنكـ عندها سترينَ وجهي الثاني )) صاحت بها مآثر (( لا تهددي لأني لا أخاف.. و اطمئني الرجال لم يعد لهم مكان في قلبي بعد موته )) قالت وضحى بتساؤل (( موت من؟! )) تنهدت مآثر بقوة ثم قالت (( لا يهم، سأذهب الآن لعزيز حتى أكلمه )).....


الجــــــــ 29 ـــــــزء:

كان أكرم جالسا وحده في الخيمة بعد أن خرج عنه أصدقائه و تركوه يندب حظه فقال (( ليتني تركته يصعد لوحده و لم أنتظره في الأسفل.. آآآآه يا يدي، إنها تؤلمني بشدة.. لو كنت الآن في العاصمة لذهبت للمستشفى و تخلصتُ من الألم.. كل هذا بسبب سليم فلو لم يتجرأ و يتنازع مع جمال لما كنا هنا و لم يكن ليحصل لي كل هذا )) ثم سمع صوتاً أنثوياً رقيقاً من وراءه يقول له (( لو سمحت )) فالتفت وراءه، و عندما رأى مآثر واقفة أمام الخيمة، اتسعت عيناه بدهشة و أخذ ينظر إليها و فمه مفتوح من الدهشة ثم قال في نفسه (( إذن سليم لم يكذب، لقد كان صادقاً بأنه رآها، و لكن ماذا تفعل هنا؟! هل من المعقول أن يكون الشيخ هو ابن خال جمال الحسيني؟!! )) قطعت عليه أفكاه و هي تقول له بضيق واضح (( ماذا بك؟! لماذا اندهشت هكذا؟ هل هذه أول مرة تشاهد فيها امرأة تقف أمامك؟! )) صاح أكرم بجفاء (( لمــــــاذا؟! هل تعتقدين أن كل رجل يراكـ يجب أن يقع في حبكـ؟؟ ألا يكفيكـ ما حصل بسببكـ أنت و ذلكـ الأحمق؟!! لقد سلبت منه عقله فأصبح كالمجنون يركض وراء المشاكل.. إن نجونا من مشكلة أدخلنا في كارثة.. إليكـ نصيحة مفيدة مني، إذا جاء إليكـ صديه بقوة و ارفضيه.. الأفضل لكـ أن تصدميه قبل أن يصدمكـ، لأن أمه غير موافقة عليكـ و لن توافق أبداً.. إنها متسلطة و قوية و لن تقدري على العيش معها لساعتين فما بالكـ بعمر بأكمله )) ثم أشار لها بيديه للخارج و صاح بها (( هيا اذهبي من هنا قبل أن يأتي.. هيــــــا و أفعلي كما أمرتك )) قالت مآثر و هي مندهشة من المجنون الذي تراه أمامها (( ماذا بك أيها الأبله؟! عن ماذا تتكلم؟؟ أنا لم أفهم كلمة واحدة مما قلت.. يبدو أن هنالك سوء تفاهم.. أنك غبي جداً.. أنا لم آتي للتكلم معك و إنما أتيت لمقابلة عزيز )) قال أكرم (( من الغبي و الأبله؟! )) ردت عليه بعصبية (( أنت بكل تأكيد، و هل يوجد غيرك أمامي؟ هيا أخبرني أين ذهب عزيز و دع عنك هذه الهراء لأني لم أفهم منك و لا كلمة )) قال لها أكرم باستنكار (( بعد كل الذي أصابنا بسببكـ مازلت تتظاهرين بعدم الفهم!! أنظري ليدي، لقد كسرها بسببكـ )) انتفض أكرم بعد أن صرخت في وجهه بقوة من غضبها عليه ثم قالت له (( أخـــــــــــــرس.. لا أريد أن أرى شيئاً أيها المجنوووووون!! كل الذي أريده أن أقابل عزيز حتى أسأله عن شيء فأين هو؟؟ )) قال أكرم باستهزاء (( إن صدق الكل كذبة عزيز، فأنت لن تصدقيها.. هيا أذهبي من هنا و ابتعدي عنا و اتركينا في حالنا.. أنا لم أصدق أنه نجا من تلك الإصابة حتى تأتي أنت و تعيدينا لحالة الهلع التي عشناها.. هيا أخرجي من هنا.. لا يوجد عندنا عزيز و لا سليم و لا غيرهم )) انصدمت عندما سمعت بإسم سليم و أخذت تنظر إليه بدهشة و هي تحس بقلبها سينفجر من سرعة دقاته حتى تصورت أن الواقف أمامها قد سمعها من شدتها، ثم انفجرت الدموع من عينيها و أخذت تبكي بشدة و بصوتٍ عال و قالت بصوت متقطع ((هــ... هــل كنت تعرف سليم؟! .. إ... إذن أنت من الـ.. العاصمة... هل كنت صديقه؟ .... لقـ... لقد مات أبشع ميتة.. مـــا... مات بسببي أنا.. لقد عاهدت نفسي أن لا أتزوج بعده لأني لن أجد مثله أبداً.. لقــ.. آآآآآآه لقــد قتله خالي بعد أن تسلل حبه إلى قلبي المحطم.. لقد قتله بسببي أنا، و جاء منير إلى هنا ليفجعني بموته و لكني لن أسامح خالي و منير أبداً )) ثم مسحت دموعها بيديها بقوة و قالت له بإنكسار أحزنه كثيراً (( لماذا عاملتني بجفاء هكذا؟! هل كنت تعتقد أني أريد خطف صديقك عزيز؟! هل خفت أن يكون مصيره مثل سليم و يموت بسببي؟؟! أم خفت عليه لأني مطلقة؟ لا تخف مني لأن قلبي مات بعد موت سليم.. لا تخف لأن عزيز يحب وضحى و هي تحبه، أنا جئت فقط لأسأله إن كان جاداً و يريد الزواج بها )) سكت أكرم بدهشة و عدم تصديق بعد أن سمع اعتراف مآثر بحب سليم و علم أن مآثر تعتقد أنه قد مات و الأدهى من ذلك أنها جاءت لتخطب له من دون علمها من يكون ثم قال متسائلاً بغباء ليس في وقته و من دون إحساس (( عزيز يحب وضحى؟!! )) وصل غضب مآثر منه إلى درجاته القصوى، فقالت له بغيض شديد (( نعـم، و هذا ليس حراماً ما دام أنه سينتهي بالزواج و ماداما لم يفعلا ما يغضب الله.. أما أنت أيها الوقح، فلقد اتهمتني باتهامات لم أفعلها لذلك خذ هذا فأنت تستحقه )) و ضمت أصابع يدها اليمنى مع بعض و ضربته بأقوى ما عندها على أنفه فتفجرت الدماء بشدة، فصرخ أكرم من شدة الألم و خافت مآثر ثم هربت عنه بسرعة.. فقال لها (( انتظـــــــــــري.. لا تذهبي اسمعيني.. آآآآه يا أنفي.. يا ويلي ماذا فعلت؟؟ سيقتلني سليم إن علم بالذي فعلته.. يجب أن لا أخبره.. إنها لا تعرف أن سليم حي، لا و الأدهى أنها جاءت تخطب عزيز لوضحى و هي لا تدري أن عزيز هو سليم.. إنها تحبــــــه! لقد جرحت مشاعرها، إنها تبكيه بشده.. و لكنها كسرت أنفي بقبضتها.. يا إلـــــــهي!! إن الدماء تغطي ملابسي البيضاء.. يجب أن أتصرف، أنفي يؤلمني بشدة.. أني أرى سليم يتوجه نحوي، يجب أن أوقف النزيف حتى لا يعلم بما حصل و أعجل بنهايتي )) فأخذ قطعة قماش كانت بجانبه و وضعها على أنفه و ضغط عليها بقوة ليوقف النزيف.. فدخل سليم و يزن، فصاح به يزن (( إنك تنزف بشدة يا أكرم!.. ماذا حصل لك و من الذي قام بضربك على أنفك؟؟ )) قال أكرم بألم واضح (( لم يحدث لي شيء.. إنه مجرد جرح بسيط.. لقد سقطت على إحدى الصخور )) قال سليم باهتمام و قد خاف على صديقه (( انظر إلى نفسك و الدماء تغطيك.. دعني أرى هذا الجرح.. مستحيل أن يكون كل هذا من سقوطك على إحدى الصخور، فمتى نهضت؟ هيا أعترف من هجم عليك؟؟ )) قال أكرم في نفسه (( يا لي من ضعيف.. ضربة من يد امرأة هزيلة تفعل بي كل هذا!! لو علما أن امرأة ضربتني لسخرا مني طوال حياتي، و لو علم سليم أن مآثر ضربتني بعد أن أبكيتها لقام بزيادتي )) ثم صرخ عندما ضغط سليم على أنفه و قال له (( احذر، إنك تؤلمني.. أتريد أن تكسرها لي؟! ستشوه جاذبيتي و وسامتي )) قال له سليم (( للأسف لقد تشوهت وسامتك و جاذبيتك يا مثير فهي فعلاً مكسورة، و لكن أما زلت مصراً على إنك لم تضرب و إنها مجرد سقطة على أحد الصخور؛ لأني لا أرى أية صخور هنا و لا أعتقد أنك خرجت من الخيمة أليس كذلك؟؟ )) صاح به أكرم بغضب مصطنع حتى لا يكتشف الحقيقة (( هل تكذبني؟! إذن برأيك أني كاذب؟؟ ثم تعال إلى هنا، ألم آمرك أن لا تكلمني؟؟ لماذا تكلمني؟ هيـــــا ابتعد عني لا أريد سماع صوتك و لا أريد رؤيتك أبداً )) قال سليم بسخرية حتى يغيظه كعادته (( بصراحة يسرني أن لا أكلمك و أن لا أسمع نواحك و صراخك.. و لكن يجب أن يعتني أحد بك.. هيا الآن استلقي و أرفع أنفك للأعلى حتى يتوقف النزيف ))....

الجــــــــ 30 ـــــــزء:

في وقت العشاء كان سليم و يزن جالسان في الأرض حول صحن الطعام و أكرم كان يجلس بعيداً عنهما و قد رفض الأكل خوفا من سليم، فقال يزن لسليم (( حرامٌ عليك يا سليم.. يبدو أنه غاضب منك.. اذهب لتصالحه، لقد بكى عليك كثيرا عندما كنت مريضا و لو مات أباه و أمه لما بكى عليهما ثلاثة أيام متواصلة، لقد أحسست أن رأسي سينفجر من كثرة بكاؤه و أيضاً كان يضربني و يهينني كلما حاولت إقناعه بتركك و الهروب عنك.. هيا اذهب إليه و طيب خاطره فالطعام لم يدخل إلى فمه منذ الصباح.. سيموت إن لم يأكل )) قال سليم و خوفه زاد على أكرم (( حسناً سأذهب إليه و لكن ألا تعتقد أن أنفه قد تورم كثيرا.. إني أخاف أن يكون صقر هو الذي هجم عليه بعد أن اتهمته بكسر يده و أنت تعلم أن أكرم جبان جدا، فحتى لو قتلناه لن يعترف و لن يقول لنا من فعل به هذا )) قال يزن بلؤم (( إذا لنجبره على الاعتراف.. هيا تعال لنستفزه فلدي فكرة رائعة )) قال سليم (( اتركه و شأنه يكفيه ما فيه.. و لكن فكرتي أجمل سأذهب و أكلمه عن مآثر و هكذا سيطيب خاطره )) قال يزن (( و هل يوجد ما يرفع ضغط أكرم أكثر من سيرة مآثر! )) ذهبا إليه و عندما جلسا بجانبه توتر كثيرا و أراد النهوض فأمسكه سليم و أجبره على الجلوس ثم قال له (( قل لي ما الذي حدث في غيابنا؟ ماذا بك و لماذا ترتجف هكذا؟! )) قال له أكرم و هو يتصنع القوة (( من يرتجف؟ أنــــا ؟! هل تعتقد أني خائف منك؟ إذا كانت وحوش الصحراء لا تخيفني فهل تعتقد أن ضعيفا مثلك يخيفني؟؟.. طبعا لا )) قال سليم بسخرية (( وحوش الصحراء التافهة تخيف الشجاع أكرم!! من ظلمك و قال هذا؟! أنت يا بطل تخاف من ظلك و لو سمعت في الليل صوت ذئب حتى من دون أن تراه لن يأتيك النوم حتى الصباح )) قال أكرم وهو ما زال يتصنع الشجاعة أمامهم (( ماذا أفعل إذا كنتَ غبياً و لا تفهم؟؟ هكذا أنت دائما يا سليم لا ترى أبعد من أنفك.. أنا لا أنام حتى أحرسكما أنت و يزن، حتى لا يدخل الذئب إلى الخيمة و نحن نيام، فأنتما مثل الدببة لا يهزكما شيء و عندما تضعان رأسيكما في الفراش ينعدم الإحساس عندكما حتى الصباح.. و لذلك يجب على أحد أن يحرسكما و يقوم بحمايتكما من الذئاب )) قال يزن بصوت عال و كأنه توصل إلى اكتشاف خطير (( لقد عرفت من فعل بك ذلك.. لقد عرفتها يا أكرم و سأكشفك أمام سليم )) قال سليم بدهشة (( عرفـــــتها؟! هل ضربتك امرأة يا أكرم.. امرأة تسببت لك بكل هذا النزيف؟! )) خاف أكرم كثيرا و تصبب العرق على وجهه و قال (( مـ.. من.. من هي التي عرفتها؟؟ لا أعرف عن ماذا تتكلم و من هي التي تقصدها )) ثم أمسك يزن من قدميه و قال له (( أرجوك يا يزن.. أرجوك لا تفضحني.. لا تخبر سليم لم أكن أقصد أن أغضبها )) ثم التفت لسليم و قال له (( إنها تحبك يا سليم و قد جاءت لتسأل عنك و لكني قسوت عليها فغضبت و فعلت هكذا )) ثم أغمض عينيه و قال بتوسل أدهش سليم (( هيا أفعلها و اضربني في أي مكان و لكن لا تضرب بقوة و ابتعد عن أنفي لأنه ما زال يؤلمني.. هيا أفعلها بسرعة )) قال سليم و هو يهزه حتى يفتح عينيه (( ماذا تريدني أن أفعل يا غبي؟! هيا أفتح عينيك و قل بصراحة، ما الذي فعلته و جعلك متأكداً أنك تستحق الضرب؟؟ هيا تكلم و إلا ضربتك حتى من دون أن تستحق )) قال أكرم مدافعاً عن نفسه (( أنا لم أفعل لها شيئاً.. عندما تأتي إليك و تشتكي مني لا تصدقها لأنها كاذبة و مدعية.. إنها تدعي حبك و أنها بعد موتك لن تتزوج بغيرك، أنا فقط حاولت حمايتك و إبعادها عنا لا غير و هي بكت و فهمت الموضوع خطأ يا عزيز )) التفت سليم ليزن و قال له بضجر و قد نفذ صبره (( لم أفهم شيئاً من هذا الأحمق.. هيا قل لي أنت ماذا حدث و ما الذي تعرفه؟؟ )) قال يزن و هو فرح بإكتشافه الخطير (( الأمر بسيط و لا يحتاج لقول.. الذي حدث باختصار هو وضحى )) استغرب سليم ثم قال (( وضحى؟! و ما دخلها بالموضوع؟؟ )) قال يزن و هو يرفع يديه للأعلى شارحاً بأسلوب مسرحي (( إنها واقعة في حب الفارس المغوار عنتر بن شداد.. عبلة تحب عنتر.. أقصد وضحى تحب سليم.. لا لا لا.. بل أقصد عزيز، فهي كما تعلم يا سليم لا تعرف اسمك الحقيقي )) قال له سليم بصرامة و الشرر يتطاير من عينيه (( إن لم تكف عن حماقتك و تنسى أمر تلك الغبية المسماة وضحى، سوف ألكمك بشدة على أنفك حتى تجلس لتنوح بجانب أكرم كي لا يكون وحيداً في بكائه و نواحه.. تكلم جيداً و بسرعة و من دون ألغاز أو حكايات تافهة، و لا تأتي بذكر وضحى فلا ينقصنا الآن إلا هي.. أنا ما هربت من إيطاليا إلا بسبب ابنة خالتي، و الآن و بعد أن تخلصت منها تأتي هذه الـ وضحى حتى تزيد مشاكلي و أنا لم أرها أبداً في حياتي.. هيا تكلم بسرعــــــــة )) قال يزن (( حسناً لا تغضب المسألة سهلة.. عندما كنت مريضاً، كانت وضحى تأتي كل يوم لتسأل عنك و تحاول معرفة كل شيء عن فارسها الأشقر.. يبدو أنها جاءت إلى هنا لتسأل عنك و وجدت أكرم.... و بما أن أكرم غاضب منك فقد صب غضبه عليها و أخذ ينازعها و يحاول إبعادها عنك، فغضبت جداً و ضربته بقوة على أنفه انتقاما من تعامله معها بهذه الطريقة.. أنت لا تعرف المرأة عندما تغضب فهي تستطيع القتل من دون أن يرف لها جفن لذلك هو خائف الآن من أن تعلم بما فعله معها و تحاول الانتقام منه لصالح حبيبتك الجديدة وضحى ابنة شيخ القبيلة.. سليم تزوجها و عندما يموت والدها ستصبح الشيخ بدلاً منه، ما رأيك؟؟ و لكن أولاً أضرب أكرم لأنه أهانها )) قال سليم بقهر من غبائه (( رأيي أن صفعة قوية في رأسك يا يزن سوف تعيد لك رشدك.. هبا تكلم يا أكرم و قل أن هذا الكلام غير صحيح.. ثم لماذا تأتي لتسأل عني و أنا لا أعرف حتى كيف هو شكلها )) قال يزن (( يا غبي إن فتاة البادية الخلوقة يجب أن تكون خجولة، لذلك هي تسأل عنك و لا تسعى لمقابلتك شخصياً.. و لكن إن أردت مقابلتها فأنا سأدبر لكما موعداً.. هيا ماذا قلت؟؟ )) أمسكه سليم بقوة من قميصه و سحبه إليه قائلاً له بصرامة (( ماذا تريد أن يقول عنا الناس يا أحمق؟! .. هل أنت مجنـــون؟! ثم لماذا تريدني أن أقابلها؟ إذا كانت كما تقول عنها، فذلك شأنها و أنا لا دخل لي بما تحس و تشعر، و أنا لن أخون الناس الذين أنقذونا و ساعدونا.. هؤلاء بدويون أيها الغبي ماذا تريدهم أن يقولوا عنا؟!! )) قال يزن و هو يختنق (( اتركنــــي، كنت أعلم أنه إذا أصيب أكرم أو مات فسوف تنتقل قبضتك من قميصه إلى قميصي.. كح.. كح.. كح أنا أختنق! الآن تريد أنت ترعى الذمة؟ أنت لا تريد ملاحقة وضحى لأنك لا تخون!! إذن ماذا تسمي ملاحقتك لمآثر و هي هنا في هذه القبيلة؟؟ )) زاد غضب سليم منه و رفعه لأعلى قائلاً له (( أنسى مآثر و لا تذكرها على لسانك بسوء و إلا لسوف يأتيك ما هو أشد من قبضة القميص.. إنها ليست منهم و أنا لم ألتقي بها بعد و إذا لاحقتها فلأني أريد الزواج بها )) قال يزن (( الذي يريد الزواج بفتاة يذهب لخطبتها و لا يلاحقها.. أنت بذلك تجلب المشاكل لها و تجعل سمعتها سيئة.. ماذا سيقول عنها من يراك.. أعتقد أن ما عندها من سمعة سيئة يكفيها، فهي مطلقة مرتان.. الأول طلقها و رماها و الثاني لم يستحملها فطلقها ثم أصابه النحس فمات و..... )) قاطعته لكمة قوية من سليم على وجهه قبل أن يكمل افترائه على مآثر، فوقف أكرم بضيق محاولاً تهدئة سليم قائلاً له (( اهدأ يا سليم هل جننت؟؟ إنه لم يقصد ما قال، هو فقط خائف عليك.. أنت تعرف أنه فضولي و يحب التدخل فيما لا يعنيه، أرجوك سامحه و سيحس بغلطه )) قال سليم بحدة (( ابتعد الآن من أمامي قبل أن أضربك معه )) ابتعد أكرم و آثر السلامة عندما رأى غضبه، و هو خير العارفين أن سليم عندما يغضب لا يرى شيئاً أمامه، فأخذ أكرم يرتجف بشدة و هو ينظر إليهما و هما يتقاتلان، ثم قال بصوت راجف و ضعيف (( تستحق ما يحصل لك يا يزن.. كم مرة حذرتك منه و لكن طبعك الفضولي هو الذي أوصلك إلى هذه المواصل.. يا إلهــــــي!.. لن يكف سليم عن ضربه حتى يكسر كل عظامه.. يا ويلي لو علم سليم بما فعلت.. سيقتلني بالتأكيد.. يجب أن أختبئ تحت فراشي و أنام.. أحس أن جسمي يشتعل ناراً، يبدو أنني أصبت بالحمى.. و لكن ماذا أفعل بيزن و سليم؟ لقد نهض يزن و هاهما يتقاتلان معاً.. آه يا رأسي.. رأسي يؤلمني بشدة و الدنيا تدور بسرعة حولي.. آ آ آ آ ه )) و سقط أكرم مغمياً عليه.. و عندما سمع يزن و سليم صوت وقوعه توقفا عن الشجار و الـتـفتا إليه و ركضا إليه ثم صرخا في نفس الوقت (( أكــــــرم !! )) فجاء سليم و رفع رأس أكرم و ضمه إلى صدره ثم أخذ يهزه و بخوف لا مثيل له قال (( أكــــرم.. ماذا حصل لك يا صديقي؟!! أرجوك أجبني.. كان يجب أن لا نزعجه.. كان يجب علينا أن نؤمن له الراحة )) قال له يزن بقسوة (( أنت السبب في كل ما حصل.. في البداية نحن هنا بسببك.. ثم قمت بإغضاب أكرم و بسببك أيضاً لم يأكل و هو هنا خائف من جمال لذلك عندما ضربوه لم يعترف بالفاعل و كل ذلك بسببك أيضاً و الآن قمت بضربي و لو لم أكن أعرف فنون القتال لمتُ تحت يديك.. إن ضربك مؤلم يا سليم.. تضربني لبعض كلمات قلتها عنها.. ماذا لو قلت عنها شيئاً أكبر من الطلاق.. ماذا كنت ستفعل بي؟!! )) أدخل سليم يده في جيبه و أخرج منها مسدس شخصي وقال له بصرامة (( كنت سأقتلك بهذا و لن أرحمك.. كف عن مضايقتي بكلامك.. و إياك أن تخرج كلمة واحدة سيئة عن مآثر و إلا ستخرج رصاصة من مسدسي المحشو بست رصاصات و ستستقر هنا تماما )) و وضع سليم فوهة المسدس فوق جبين يزن و عندها خاف يزن وجحظت عيناه و قال (( أنا أسحب كل ما قلته عنها.. أنا أعترف أنه كان افتراء و لم يكن لي الحق التدخل في خصوصيات الآخرين.. نحن أصدقاء يا سليم و لن نسمح لواحدة مثلها أن تفرق بيننا أليس كذلك يا عزيزي؟ )) قال سليم و هو مازال موجهاً المسدس إلى يزن (( أنا لا أعرفك.. أعد ما قلت الآن هيا )) قال يزن و هو يرتجف (( هل أنت جاد؟! )) رد سليم بثقة (( و هل تريد أن تجرب؟؟ )) قال يزن بخوف أكبر (( لا .. لا أريد أنا آسف سامحني.. إنها فتاة طيبة و تصلح لك أتمنى أن تقتلها عندما تغضب منها.. أقصد أتمنى لكما السعادة معاً سوف أساعدك حتى تتزوجها و لن أتكلم عنها بسوءٍ أبداً.. هيا ابعد هذا المسدس عني )) أدخل سليم المسدس في جيبه ثم قال في نفسه (( ههههههههههههه... لقد عرفت كيف أؤدبه.. ماذا سيفعل عندما يعلم أن المسدس خالٍ من الرصاص؟ )) ثم قال له (( حسناً يا صديقي العزيز.. هيا احمل معي أكرم إلى فِراشهِ و أحضر لي ماء بارداً و بعض قطع القماش يجب أن نعمل له بعض الكمادات إنه يحتاج إلى العناية .. سنعتني به حتى الصباح )) قال يزن (( ألن نأكل إني جائع )) وضع سليم يده على رأسه وقال (( يا إلهـــــي .. أنت لا تنسى الطعام أبداً، منذ قليل يا شره كنت أحاول قتلك.. المفروض أن تنسى نفسك و لا تفكر في الأكل.. أكرم حساس أكثر منك فلو أنه هدد بالقتل لما أكل لمدة شهرين.. يا لــــك من عديم إحساس.. أكرم يموت هنا و أنت تريد الأكل هيا احمل هذا الطعام من هنا لا نريده و لن آكل حتى يتعافى أكرم )) قال يزن (( من حقه عليك أن تفعل له هذا فلقد سهر عليك طوال أسبوعين أو حتى يزيد عن ذلك، أما أنا فحتى لو مت فلن يبكي علي أكثر من دقيقتين و لن يفكر في حضور جنازتي.. لذلك هيا نضعه في فراشه و لا بأس إن لم تأكل أنت فبطني تتسع لكل ذلك الأكـل ))......


الجــــــــ 31 ـــــــزء:

و في خيمة وضحى ابنة الشيخ.. كانت مآثر جالسة في فراشها و هي تفكر فيما حدث بينها و بين أكرم و قالت في نفسها (( ماذا فعلت لذلك الرجل المسكين.. أنا نادمة بشدة.. و لكنه أغضبني.. إنه غبي! لقد تكلم كثيراً و لم أفهم منه شيئاً.. لماذا صرخ في وجهي بذلك الشكل عندما رآني و كأنه يعرفني؟؟ لقد جرحني و أنا لم أفعل له شيئاً لذلك لن أندم أبداً على ما فعلته به فهو يستحق ))
و في الصباح دخلت وضحى على مآثر و هي نائمة فأخذت تهزها و تقول (( هيا انهضي يا مآثر.. لقد طلع الصبح انهضي و كفي عن الكسل )) نهضت مآثر و قالت لها و هي تتثاءب (( ماذا تريدين ما زالت الساعة السادسة و النصف )) ردت وضحى (( قلت لك مائة مرة أنا لا أعرف و لا أفهم هذا الشيء الذي تضعينه في يدك.. كل الذي أعرفه أن مهمتكـ فشلت في المرة السابقة لذلك عليكـ إنجاحها الآن )) قالت مآثر بكسل (( أي مهمة ؟! )) ردت وضحى (( هل نسيتِ؟ ألم أطلب منك أن تكلمي عزيز بشأني و أنت لم تجديه لذلك عليك التحدث معه اليوم )) قالت مآثر (( آه نعم لقد تذكرت و لكني لم أجده في الخيمة أمس لقد كان هناك ذلك المزعج الثرثار، صديقه الذي كسر يده.. و بصراحة إنه شخص بغيض لا يود لأحد أن يقترب من التافه عزيز و أنا لا أريد أن أقابله )) قالت وضحى (( لا تقولي عن عزيز بأنه تافه.. إنه رجل بمعنى الكلمة و لو استمر في الحياة معنا فسيصبح فارسا لا يشق له غبار.. المهم لن تذهبي إلى الخيمة لأنه ذهب إلى الغدير منذ الفجر.. اذهبي أنت لإحضار الماء من الغدير و هناك كلميه )) قالت مآثر و هي تبتسم (( كل هذا الدفاع الرائع له.. أنا متأكدة أنه لا يستحق.. و لكن أنا أخاف أن أجد أخاكـ هناك أو أي أحد و عندها ستحصل لي مشاكل أنا في غنى عنها )) قالت وضحى (( لا تخافي جميع شباب القرية ذهبوا للصيد و لن يرجعوا قبل يومين أو ثلاثة.. والدي و بعض الرجال الكبيرين في السن هم الموجودون حالياً و جميعهم لا يذهبون إلى الغدير لا يوجد هناك سواه و معه صديقه الثاني أما البغيض الذي لا تريدين رؤيته فهو في الخيمة و لا يستطيع الخروج )) قالت مآثر (( كل هذا بسبب كسر بسيط في يده يا له من شخص ضعيف! )) قالت وضحى (( لا تظلميه يا عزيزتي إنه مريض.. يقولون أن أنفه نزف بشدة في الأمس.. و جاء عزيز إلى أبي و أشتكى أن أحداً من رجال القبيلة قد هجم على صديقه و هم خارجون عنه و قد أصابه في أنفه و جلس المسكين ينزف كثيراً حتى أنه أصيب بحمى شديدة كادت أن تقتله بالأمس )) ارتبكت مآثر و قالت لوضحى (( ألم .. ألم يقل عزيز للشيخ من هو الذي هجم على صديقه؟ )) قالت وضحى (( لا.. لم يقل لأن ذلك الجبان صديقه رفض البوح باسم الذي فعل به ذلك و أنا أشك أنه أخي صقر لأنه توعد بالانتقام منهم.. الآن لا تضيعي الوقت هيا اذهبي )) قالت مآثر في نفسها (( يا الله! .. لم أكن أقصد إيذائه.. لقد كاد أن يموت هذا الرجل بسببي.. آه لم أكن أعتقد أن ضربتي قوية بهذا الشكل )) ثم قالت لوضحى (( حسناً سأذهب و لن أتأخر )) و توجهت إلى الغدير....

الجــــــــ 32 ـــــــزء:

كان سليم جالساً عند الغدير و قد ضم قدميه لصدره و أحاطهما بيديه وقد أخد يفكر بحزنٍ شديد في قطته التي ماتت في الحادث، قائلاً لنفسه (( لا أصدق أن لولو المسكينة ماتت في الحادث، لو لم يكن ذلك الرقيق أكرم مصاباً بالحساسية من الحيوانات لكنت أخبرت يزن أنها كانت بجانب قدمي تحت عند المقعد و لو لم أصب لكنت أنقذتها بنفسي.. لقد كنت أحبها كثيراً.. كيف لا أحبها و هي هدية غالية من بنات أخي الجميلات، آآآآآآه كم كنت أكرهها عندما أحضرنها لأول مرة عندي.. كنت لا أرى أمامي سوى مخلوق صغير، بشع و قذر لا يعرف سوى اللعب و المواء، لكن عندما أهملتها و مرضت و رأيت دموع صغيرتاي و قد نزلت بسببي، عندها فقط أحسست بقيمتها و أحببتها لحبهما لها.. و من يومها و منذ ثلاث سنوات أصبحت أطعمها و أحممها بنفسي.. كيف سأعود و لا أجدها تنتظرني عند الباب؟!! )) ثم وضع قدميه داخل الماء و أخذ يحركهما و كان يفكر في كل ما حدث له منذ أن أتى لبلده و أخذ يقول (( يبدو أن يزن كان صادقا، أنا تسببت بكل هذا لنفسي و لأصدقائي.. لولا عنادي و إصراري على مضايقة ذلك المضجر المتعصب جمال لما كنت هنا.. يبدو أنني كنت أحلم فالحمى كانت مسيطرة علي.. هل من المعقول أن يكون الذي رأيته مجرد خيال مثلما قال أكرم؟! يبدو أنه كذلك..آآآآآآه و لكن حتى خيالها جميلٌ مثلها.. يا لي من أناني أفكر فيها في كل وقت و نسيت صديقي أكرم.. لقد كدت أفقده الليلة الماضية يجب أن أذهب إليه لأطمئن على حاله و يجب علي معرفة من قام بضربه و عندها سيرى و سأعلمه كيف يجرؤ على ضرب أخي )) و كانت مآثر قد اقتربت و أصبحت خلفه بعدة أمتار و رأته و هو يضع قدميه و يحركهما فوق مياه الغدير فصاحت به (( أبعد قدميك عن الغدير أيها الأبله.. إنها مياه للشرب و أنت تلوثها.. لا أدري كيف أحبت وضحى شخصاً بغبائك.. هيا أخرج قدميك بسرعة قبل أن ألتقط إحدى الأحجار و أرميك بها )) رفع سليم قدميه عن الماء ثم قال في نفسه (( يا إلهي.. الحمد لله إنها هي و لكن يبدو أنها لا تعرفني لقد جاءت لتكلم عزيز و لا تدري أنه سليم سوف أجاريها و ليكن ما يكون )) ثم قال لها (( هل تعرفينني حتى تكلميني بهذه اللهجة؟ المفروض أن تقولي لو سمحت و بدون أي تهديدات )) قالت له بحدة (( و المفروض يا متفلسف أن تقول أنا آسف و لن أكررها )) قال لها بغرور أغضبها (( لم أتعود أن أتأسف من أحد، فأنا أعتقد أن التأسف من المرأة يكسر كبرياء الرجل.. لماذا أنت عصبية بهذا الشكل؟؟ يجب أن تحاولي التعرف علي أولاً، ثم إذا لم أعجبكـ اصرخي كما شئت )) قالت له محاولة الانتقام منه بعد أن عرفت رأيه في المرأة (( و هل لك كبرياء يا سيد عزيز حتى ينكسر؟! ثم لماذا أتعرف عليك ماذا بينك و بيني؟؟ و أنت لا تعجبني حتى قبل أن أراك و أكلمك، و لقد اكتشفت عندما تكلمت معك الآن أنك مغرور و متكبر و فعلاً إلى الآن لا أصدق أن امرأة بجمال وضحى اغترت و أحبت شخصا بمثل غرورك و صلفك.. أنا لم آتي إلى هنا أصلا لكي أكلمك إنما جئت كي أسألك سؤلاً واحداً ثم أذهب فإن أردت أجب و إن لم ترد فهذا شأنك )) قال لها و هو مندهش من تحول مآثر الرقيقة إلى وحش كاسر بسببه (( حسناً لا بأس و لكن اعلمي أن وضحى لم تغتر بي فأنا أستحق أن تركض النساء ورائي ألا ترين شعري الجميل بالإضافة إلى وسامتي و أناقتي.. ألم يغركـ هذا أنت أيضاً؟! )) صاحت به (( اصمـــت و لا تتكلم يا حقير.. لو كنت آخر رجل في الدنيا فلن تستطيع خداعي أنا أعرف الرجال أمثالك.. اصمت و اسمع سؤالي و عندها فقط تكلم )) قال لها و هو يضع يديه على أذنيه من شدة صوتها (( حسنـــــاً.. اهدئي.. يبدو أن خالكـ جمال قد أحسن تربيتكـ و هذا يسعدني فلقد ورثت منه كل صفاته الشنيعة.. أنا لست حقيراً.. فقط أردت أن أمازحكـ.. عندما رأيتكـ في العاصمة كنت أشد رقة و لكن لا بأس المرأة تحتاج إلى القوة حتى تدافع عن نفسها من الرجال الفاسدين أخلاقياً مثلي و لكنكـ لم تري وجهي إني أكلمكـ من ظهري و وجهي إلى الغدير فهل تسمحين لي يا عزيزتي بالاستدارة )) ردت عليه وهي مندهشة (( لا أصدق كم أنت وقح! طبعاً لا أسمح، و لا تناديني عزيزتي ..ما جئت إلا لأسألك إن كنت تريد الزواج بـ وضحى.. أنا لا أريد رؤية وجهك القبيح يا متكبر.. هيا أجبني.. نظراتك لـ وضحى عندما تمر من أمامك ما معناها؟ هل أنت جاد و تريد الزواج بها أم أنك متعود أن تكلم كل امرأة تلقاها مثلما كلمتني الآن؟ هيا بماذا أجيبها هل ستأتي لتطلب يدها؟ )) قال لها و هو يتصنع الاهتمام (( بالطبع يا سليطة اللسان يعزُ علي أن أردكـ خائبة و لكن قولي لصاحبتكـ التي أرسلتكـ أنني لا أريد الزواج بها.. حتى أنني لا أعرف كيف شكلها.. إن هناك امرأة أخرى في حياتي و لقد عاهدت نفسي أن لا أتزوج غيرها.. هيا اذهبي و قولي لها ذلك )) قالت له و هي تبتسم بسخرية (( أتعرف، لقد استراحت قبل أن تغش بواحد مثلك.. و لكن بداعي الفضول لا أكثر من هي هذه التعيسة، الغبية، المشئومة التي قبلت بك؟ يا لهـــا من مسكينة! يبدو أنها لا تعرفك على حقيقتك، إن كانت لديك الجرأة فقل لي الآن من هي؟؟ )) انتهى صبر سليم من شدة شوقه و لهفته لرؤيتها فنهض و استدار ليواجهها ثم اقترب منها وجها لوجه و قال لها بحنان و عطف و هو يكاد يموت شوقاً ليسبح في بحر حزن عينيها الرماديتان اللتان أسرتاه في سجن بعيد من أول نظرة لهما (( إنها أنـــــــتِ.. أنتِ التعيسة و الغبية و المشئومة التي أريد.. أنت المسكينة التي غششت بواحد مثلي.. أنت حبي التي سلبتني كل شيء قلبي و عقلي.. لقد وجدتك بعد أن رحلتي و تركتني كالمجنون بعد أن أخذتي عقلي معكـ و لن يمنعني الآن شيء من الزواج بك .. ))

هــــــــا قد رحلــــــــتي و فــــــي فـــــــــــــــــــــؤادي
مـــــــــن عيــــــــــــــــونكـ ألـــــــــــــف ذكـــــــــرى
يجتاحنـــــــــــي منهــــــــــا هــــــــــــــــــواكـ
فأنحنـــــــــــــــــــــي حزنـــــــــــاً و قهـــــــــــــرا
هــــــــا قد رحلـــــــــتي فكيـــــف لـــــــــــــــــــي
أن لا أفجــــــــــــــــر مـــــــــــا كتمــــــــــــــــــتُ
لأمـــــــــــــــلأ الأفــــــــــــاق شعـــــــــرااااا
مــــن ذا يلـــــوم العاشـــــق المجنـــــــــــووووون
إن غنــــــــى العـــــــذاب و لم يـــــــدع للناس ستـــــرا
هـــــــم أيقظـــــوه
و كـــــان مشغـــولا بحبـــــك
هائمـــــــــــــــــــــا قلبــــــــــــا و فكــــــــــــراااا
هـــــم أخرجــــــــوه مـــن النعيـــــــم إلى السعيـــــــــر
و أشربــــــــــــــــــــوه الكـــــــــأس مـــــــــــراااااا
قالـــــــــــوا لـــــــــــــه دع قيـــــــــــــــــــــــدهااااا،
دع سجــــــــن عينيهـــــــــا و غـــــــــــــــــادر
مــــــا دروا من أنه قـــد كـــان في عينيك حــــــــراااااا
مقطع من أناشيد: موسى مصطفى

نظرت إليه بصدمة شديدة و قد اتسعت عيناها و دقات قلبها تتسارع لدرجة أحست معها أنه يسمعها، ثم انهمرت الدموع غزيرة على وجنتيها فأخذت تبكي بشدة و قالت له بصوت مبحوح و انكسار قطع قلبه (( أ.. أنـ.... أنت حـــيّ.. مستحييييييل )) ثم وضعت يدها على وجهه لتتأكد من وجوده أمامها و أكملت (( أنت لم تمت! لقد قالوا بأنك مت )) قال لها سليم بألم و هو يمسك بيدها و ما زالت عيناها تجذبانه لبحرهما الحزين (( نعم أنا حي و لم أمت و لن يفرقني عنكـ شيء سوى الموت )) أبعدت يدها عنه و قالت بحزن أكبر (( لا تذكر الموت على لسانك فهو الذي أبعدني عنك )) ثم ركضت عنه بعيداً و هي تبكي بشدة فصرخ يناديها (( مآثـــــــــر.. انتظري لا تذهبي أريد أن أكلمكـ.. أرجوكـ عــــــــــــودي )) و لكنها ذهبت بسرعة.....

الغالي المزيون 25-12-10 07:23 PM

الجــــــــ 33 ـــــــزء:

عاد سليم إلى الخيمة و هو يكاد يطير من الفرح بعدما رأى مآثر فجلس بجانب يزن و أمسكه بشدة من كتفيه و هزه بقوة قائلاً في فرحة غامرة (( لقد رأيتهـــا يا يزن.. لقد كلمتني و لم تكن تعرف إني سليم.. آآآآه يا يزن ليتك رأيتها معي إنها أجمل و أرق من رأيت في حياتي.. في البداية لم تكن تعرف سوى أن الجالس أمامها هو عزيز لذلك قامت بشتمي بشدة )) قال له يزن بعد أن خاف منه (( أكرم هناك أنا يزن، اتركني يا أحمق و اذهب إليه فأنا لا دخل لي بمجنون مثلك.. هل أفرحك كثيراً أنها شتمتك؟! إذن تزوجها حتى تتطور من الشتم إلى الضرب و عندها أحتفل و أطلق الزغاريد مثل النساء )) ثم أزاح يد سليم من على كتفيه و زحف عنه محاولاً الهروب و لكن سليم أمسكه من قدميه و أرجعه إلى وضعيته الأولى و قال له (( يجب أن تساعدني حتى أكلمها يا يزن، فأنت صديقي و ليس لي بعد -الله تعالى- و أكرم هنا إلا أنت، فماذا قلت؟ )) رد يزن بغيض و قهر (( قلت أبعد يديك عني.. أنا بالنسبة لك فقط بديل عن أكرم.. الآن تطلب مساعدتي بعد أن قمت بضربي!! أنظر لفكي و عيني، لقد آذيتني و أيضاً ضربك ما زال يؤلمني إلى الآن و إن ساعدتك بعد كل الذي حدث فسوف أتألم أكثر لأني أريد الانتقام منك و ليس المساعدة )) قال له سليم بتردد و هو يتركه (( طبعاً أنت تعلم بأني أريد الاعتذار منك و لكن.... )) قال يزن و هو يحرك يده بلا مبالاة (( أعلم.. أعلم.. غرورك و كبريائك يمنعانك... لا بأس لقد سامحتك.. و لكن كيف تريد أن تكلمها؟؟ ألم تقل بأنها شتمتك معتقدة بأنك عزيز؟! )) قال سليم و هو يحك رأسه ببراءة (( نعم، و لكنها عندما رأت وجهي عرفتني ثم بكت و ذهبت بسرعة لذلك لم أستطع مكالمتها.. لماذا تعتقد أنها بكت و ذهبت؟!! لقد كان بكاؤها شديداً )) رد أكرم هذه المرة و هو ينهض من فراشه بصعوبة (( يقولون أن النساء بلا عقل و أنت اثبت الآن يا سليم خطأ هذه المقولة.. يا أحمق كيف تريد من امرأة تعتقد بأنك ميت أن تستقبلك عندما تراك؟! هل كنت تريدها أن تأخذك في الأحضان؟؟ الفتاة خافت و ذعرت عندما رأتك؛ لذلك بكت.. آ.. و ربما.. يعني أقول ربما.. تكون قد ارتبطت بعد أن سمعت بوفاتك، فلن نستغرب أن نسمع مثلاً أن يوم الخميس سيكون يوم زفافها على صقر )) قال له سليم و هو يبتسم بسخرية (( هل نهضت يا عزيزي؟! و هل شفيت؟! يجب أن أصفق بشدة لهذه الاستنتاجات الأكثر من رائعة.. إذا كانت كلامك صحيحاً فسأوصي رجال هذه القبيلة أن يوسعوا قبر صقر حتى تجد لك مكاناً بجانبه )) قال أكرم وهو يصد بوجهه عنه (( لقد كنت فقط أريد أن أجنبك الحزن.. إذا لم يكن هذا صحيحاً، فماذا تعتقد أنها تفعل هنا و جمال يظنك ميتاً؟! لما ما زالت هنا و لم يرجعها لبيته؟؟ ألم تسمعه بنفسك و هو ينوي تزويجها منه؟ أنا أعتقد أن صقر شاب لا بأس به و هو يستحقها )) قال له يزن (( و أنا أعتقد أن الأفضل لك أن تصمت حتى لا يغضب منك و يسحقك تحت قدميه مثلما فعل معي و لا تنسى أنك مريض، و ما زلنا لا نعلم من قام بضربك على أنفك مع أن سليم ذهب إلى الشيخ و اشتكى، و لكن لم يظهر شيء حتى الآن )) صاح أكرم بسليم (( يا ظــــــــالم!! هل ذهبت مرة أخرى و اشتكيت على صقر؟! إنه مظلوم، فهو لم يقترب منا أبداً منذ أن لفقت له جريمة كسر يدي و التي أنت قمت بها )) قال له سليم بغضب (( كــــف عن الصراخ، فأنا لم أتهم أحداً بشيء.. فقط قلت أن هناك من تهجم عليك و أنك ترفض أن تخبرنا عنه، فوعدنا الشيخ بالبحث عن الحقيقة لا أكثر، و لو كنت أريد إيذاء صقر المتعجرف هذا لذهبت إليه بنفسي و أمام والده )) رد عليه أكرم بغيض (( إذن اذهب له يا مغرور.. أقسم أنه لا يوجد في الدنيا من هو متعجرف أكثر منك.. لا تنظر إلي بغضب هكذا.. هيا إن كنت تريد القتال فتعال.. أنا لا أخاف منك و لا تظن أني مريض، فأنا صحيح و معافى أكثر منك و أستطيع أن ألكمك لكمة قوية تودي بك إلى خارج الخيمة.. هيا تقدم يا جبان و أنا سأريك )) نظر سليم و يزن إلى بعضهما ثم انفجرا ضحكا عليه حتى أغضباه، فقال لهما (( هل تظناني كاذبا؟! تعالا معا لتجربا )) فقال له سليم (( اخــــرس.. فليس لدينا الوقت لتفاهتك، فما زلت أريدك حتى أكلمك عن مآثر التي تغار منها كلما سمعت بها )) و قال يزن (( و أنا أريدك حتى يكف سليم عني و يصب ثقل دمه عليك لأني لا استحمل جنونه و قد اكتشفت أنه لا يوجد من يحتمله سواك )) ثم أكمل سليم قائلا (( هل رأيت أن لك فائدة عظمى بيننا.. سنعرف من قام بضربك و سننتقم لك )) ثم استمرا بالضحك عليه و أكرم المسكين يهز رأسه بأسف لأنه أيقن أن لا سبيل لإصلاح ثقل دمهما مهما حاول...


الجــــــــ 34 ـــــــزء:

مر يومان على لقاء سليم و مآثر، و في الليل كانت مآثر جالسة بجانب وضحى، فقالت مآثر (( أما زلتِ غاضبة مني؟! ليس ذنبي أن هناك فتاة ثانية في قلبه.. ماذا أفعل حتى ترضي؟ )) صاحت بها وضحى بشدة و قسوة (( اصمــــــــتي.. لا أريد سماع صوتكـ القبيح.. كان يجب عليكـ أن تقنعيه لا أن تذهبي و تحاولين استجداءه حتى يتزوجني، و ليكن في علمكـ أنا لست غبية حتى تضحكي علي يا كاذبة.. لقد تبعتكـ و سمعتُ كل ما دار بينكما و هذه التمثيلية لن تمشي بسهولة معي.. أنــــا وضحى ابنة شيخ القبيلة أخدع من قبل مطلقة و منبوذة مثلك!! كيف أحبكـ؟! ماذا فعلتِ حتى تسرقيه مني؟ هيا تكلمي و إلا سأقتلكـ بخنجري هذا )) قالت مآثر بغضب (( يعزُ علي أراكـ بهذا الشكل، و لكن لكل شيء حدود.. أنا لا أسمح لكـ بقول هذه الأشياء عني، صحيح أنني مطلقة و لكني لستُ منبوذة.. أنا لا ذنب لي.. لقد كنت أعرفه منذ أن كنا في العاصمة و لقد وعدني بالزواج و لكن خالي لم يوافق، لهذا جئتُ إلى هنا و لم أتوقع أبداً رؤيته.. عندما ذهبتُ للغدير كنتُ أظنه شخص آخر، و لكن عندما رأيته و عرفته تغير كل شيء بالنسبة لي.. أنا لم أنوي خداعكـ لذلك ها أنا أخبركـ الآن بأني موافقة على الزواج به و سيتم كل ذلك عندما أعود إلى العاصمة فأرجو أن تقدري موقفي و ليتني أجدُ طريقة لمساعدتكـ )) قالت وضحى بسرعة (( إذا كنتِ صادقة فهنالك طريقة )) قالت مآثر بحيرة (( ما هي؟! )) ردت وضحى بخبث (( تخلي عنه.. اتركيه لي.. دعيه يفهم أنكـ لا تحبيه و بأنكـ تريدين صقر أخي و أنني أنا التي أريد الزواج به و عندها سيترككـ )) قالت مآثر و قد صدمت من تفكير وضحى السطحي (( و لكني لا أريد صقر.. أنا لا أريد سواه و لا أستطيع التنازل عنه لأنه حارب العالم لأجلي، لذلك أنا أيضاً سأحارب العالم من أجله و لن أتنازل عنه مهما حدث )) قالت لها وضحى و قد زاد غضبها و حقدها (( سأقتلكـ أيتها المنبوذة قبل أن تصلي إليه )) صاحت مآثر بصوتٍ عالٍ (( قلتُ لكـ بأني لستُ منبوذة ولا تهدديني لأني لا أخافكـ و لا أخاف سواكـ هنا )) قالت وضحى بخبث و هي تبتسم بسخرية لم ترق لمآثر (( حقــاً؟!! إذن اثبتي لي أنكـ لستِ منبوذة.. يكفيني فقط دليلٌ واحد بأنكـ لست كذلك )) ردت عليها مآثر بكل ثقة (( سليـــــم.. حب سليم لي، و محاربته للعالم من أجل الزواج بي أثبت أني لستُ منبوذة.. لم أقابل حتى الآن من هو بمثل عناده، إنه عطوف و حنون و أنا متأكدة بأنه سيكون خير أبٍ لطفلتي.. هيا أخبريني ما رأيكـ الآن؟؟ )) ضحكت وضحى بانتصار و شماتة و قالت (( سليــــــم؟!! الآن سأكشفكـ أمام عزيز.. كم رجلاً تعرفين يا حقيرة؟ من هو سليم يا بريئة؟؟! )) ثم نهضت عنها و قالت لها بتهديد (( إن لم تذهبي و تخبري عزيز بما طلبته منكـ، فسأخبره بنفسي عن المدعو سليم.. ترى كيف هو شكله؟ هل تختارين الوسيمين هكذا دائماً؟! )) وخرجت عنها من دون أن تسمع جوابها.....


الجــــــــ 35 ـــــــزء:

في الصباح قالت وضحى لمآثر بلؤم و قسوة (( اذهبي إلى الغدير لإحضار الماء.. أكيد ستجدينه هناك.. أخبريه بكل ما أمرتكـ به و إلا سأذهب أنا، ما رأيكـ بذلك؟؟ )) ابتسمت لها مآثر فأغاضتها ثم قالت (( حسنا، سأذهب و أفعل كما أمرتي.. هل هناك طلب آخر؟ )) قالت وضحى بعد أن نجحت مآثر في استفزازها (( نعم.. أبعدي هذه الابتسامة و بدلا منها ضعي دموعكـ فهذا أقل ما سيأتيكـ مني.. أقسم أن أجعلكـ تندمين و سأجعل أبي يزوجكـ لصقر شئت أم أبيت و عندها ستكونين خادمة تحت قدميه.. أنت أيتها الحشرة ترفضين أخي ثم تأتين و بكل بساطة لتنتزعي مني عزيز!! هيا اذهبي من أمامي )) فذهبت عنها مآثر لتنسى كلامها الجارح...

و عند الغدير كان أكرم و يزن ينظران بدهشة و عدم تصديق إلى سليم و هو يحاول امتطاء جواد أبيض جميل، و كان الجواد يرميه كلما صعد إلى ظهره فقال له أكرم و هو خائف عليه (( توقـــــــــــف، سوف تموت.. هذه خامس مرة تسقط فيها.. لماذا تصر على ركوب هذا الحصان الجامح و قد أعطاك الشيخ فرسا سوداء تصلح للركوب؟! )) قال سليم بإصرار (( الفرس التي أريد أن أركبها يجب أن تكون بيضاء.. هذا كان شرطها و أنا أريد تحقيقه؛ لأنه لا شيء بيني و بين الزواج منها إلا موافقتها )) قال يزن (( مع أني لم أفهم شيئا و لكن ألا يكفيك أن تخبرها بأنك لم تركب فرسا في حياتك أبدا.. إنك في موقف صعب فأخبارها أفضل من أن تأتي و تراك هكذا و تعتقد أن من تريده جبان و لا يستطيع ركوب الخيل )) رد عليه سليم بعناده المعتاد (( لم يطلب أحد رأيكما لذلك الأفضل أن تصمتا.. هيا يا يزن أعطني السيف الذي أهدانا إياه الشيخ، يجب أن أمسكه قبل أن تأتي مآثر )) صرخ يزن بقوة و هو يمسك ببطنه و قال بألم (( آآآه يا بطني... إنها تؤلمني بشدة.. ساعدني يا أكرم لا أعرف ما الذي حصل لي )) قال أكرم (( لا تعرف؟! هذه نتيجة محتومة بسبب الطعام الكثير الذي تلتهمه دون ملل.. اليوم أكلت لوحدك كل طعام الإفطار و لم تترك لنا أنا و سليم شيئاً، فكيف بالله عليك تتوقع أن يكون مصيرك غير الألم؟! )) قال يزن و هو يتألم أكثر (( إنها عينكما التي أصابتني يا حاسدان.. أكرم خذ هذا السيف، أنا ذاهب لعليّ أجد أحد الأدوية المفيدة عند ذلك العجوز الذي عالج سليم )) و بعد دقائق من ذهاب يزن عنهما، قال سليم (( أعطني السيف بسرعة يا أكرم.. إنها قادمة، يجب أن تراني و أنا أركب الحصان و السيف في يدي )) ناوله أكرم السيف و قال له (( أخاف أن تقع مرة أخرى و يؤذيك هذا السيف فهو حادٌ جداً )) قال سليم (( و ماذا تتوقع منه أن يكون غير ذلك.. لا تخف هذه المرة لن أقع )) اقتربت مآثر منهما وقالت و هي تبتسم تلك الابتسامة الرقيقة التي ذوبت قلب سليم (( صباح الخير يا سليم.. كيف حالك؟ و ماذا تفعل فوق هذا الحصان الجميل؟؟ )) قال أكرم بغيض (( أليس أمامك أحدٌ سوى سليم؟ ألا أحتاج أنا أيضا إلى السؤال عن حالي؟ )) لكزه سليم بقدمه، و قال لها و هو يرفع السيف عالياً (( شكرا على السؤال أنا بخير.. و أنا الآن فوق هذا الحصان الأبيض و أحمل هذا السيف اللامع حتى أخطبكـ رسمياً.. فهل تقبلين بي زوجا لكـ )) و عندما أنهى سليم كلامه تحرك الحصان بقوة و رمى سليم مرة أخرى في الأرض، و هذه المرة أصابته إحدى الصخور على ظهره فأخذ ينزف و لكنه لم يصرخ و إنما كتمها أمام مآثر.. فجاء إليه أكرم مسرعاً ليساعده على النهوض و قال له (( ظهرك قد تلطخ بالدم.. لا أعرف لماذا أصررت على أن ارتداء هذه الملابس البيضاء.. انظر إلى نفسك الآن.. هل تستطيع النهوض؟! )) قال سليم و هو ينهض بصعوبة و ألم (( يبدو أن أحد عظام صدري قد كسرت، و هذا اللباس الأبيض الذي لم يعجبك هو لباس الحرب عندهم و لكنهم رفضوا أن يعطوني درعاً.. أكيد خافوا أن أحاربهم.. يجب أن أصعد مرة أخرى على الحصان و أطلب يدها من جديد، أكيد أنها موافقة )) قال أكرم بهلع (( هل جننت؟! أنت مصاب و يجب أن تتعالج )) قال سليم و هو يزيحه من أمامه (( ابتعد عني.. لن أذهب لأي مكان قبل عمل ما أريد.. فإما أن تساعدني أو اذهب من هنا.. آآآآه لو أخذت درعا من عندهم لما تألمتُ هكذا )) قال أكرم بيأس (( لا أعرف من أين تأتيك هذه الأفكار الغبية.. أية دروع هذه التي تريدها منهم؟؟ البدو لا يستخدمون الدروع، إنهم يستخدمون السيوف و البنادق و هم مدربون جيداً حتى لا يسقطوا من الخيول، والأهم من كل ذلك إن الدروع لا تستخدم ضد السقوط و إنما لتصد السهام فلا تضع اللوم عليهم و إنما عليك يا عنيد.. هيا سأساعدك و لكن احترس )) صعد سليم مرة أخرى، و اقتربت منهما مآثر و قالت لأكرم (( أنا آسفة يا أكرم، يبدو أنك قد تأذيت كثيراً من ضربتي.. لم أكن أقصد إيذائك، لقد أغضبني كلامك فقمتُ بضربك دون وعي مني، فهل تسامحني )) قال سليم بدهشة (( أنـــــتِ التي قمتِ بضربه؟! و نحن يأسنا من إيجاد الجاني، آه لذلك رفض إخبارنا.. يا لكـ من قوية.. و أنت يا أكرم.. إذن امرأة من فعلت بك كل هذا.. يا لك من جبان يا صديقي )) قالت مآثر (( لا تسخر منه و إلا سأضربك مثله.. أنا ضربته و أنا نادمة.. سامحني يا أكرم )) قال لها أكرم بخجل (( لقد سامحتكـ.. و أنا آسف إذا كنت قد جرحتكـ بكلامي، فأنا أيضاً لم أكن أقصد.. لقد كنت غاضبا من تصرفات سليم و محاولته لتحدي خالكـ جمال بتلك الصورة التي لم يجرأ أحد على القيام بمثلها و بعد ضربتكـ أرجو أن نكون تعادلنا )) قالت له (( لقد تعادلنا.. لم أكن أعتقد بأنك لطيف إلى هذه الدرجة.. إنك أسم على مسمى يا أكرم )) قال أكرم و هو يوجه نظراته لسليم (( ليت غيركـ يقدرني كما فعلت )) نظر إليه سليم و هو يضيق عينيه، ثم تجاهله و قال لها (( دعكـ من أكرم، مع أنه يجب أن لا ينسى تلك الضربة التي أصابته بالحمى و كل ذلك النزيف )) قال أكرم (( الحمى أصابتني بسببك.. فلقد كنت خائفاً منك لأنك إن علمتَ بما قمتُ به فستقوم بضربي أكثر، لأن أي كلمة منا ضدها تغضبك فما بالك بكل الذي قلته أنا )) قال له سليم (( أنت جبان و تخاف من أي شيء.. يا غبي أنت صديقي و لن أضربك بسبب كلام تفوهت به في لحظة غضب )) قال أكرم و هو يبتسم بسخرية (( هيا تصنع اللطف أمامها و لكن إن قمت بخداعها فلن تخدعني أنا )) تجاهله سليم و التفت لمآثر ثم قال لها (( ماذا قلتِ هل تقبلين الزواج بي؟؟ أخاف أن يرميني الحصان من جديد قبل أن توافقي )) ردت عليه و هي تبتسم برقة كعادتها (( أنت تعلم بأني موافقة )) قال سليم و الفرحة تغمره (( حقـــــاً.. إذن متى تريدين العرس؟ غداً الخميس هل يناسبكـ ذلك )) ضحكت ثم قالت (( كم أنت مجنون!! لن نتزوج قبل استكمال الشروط )) قال سليم بحيرة (( أي شروط تبقت؟؟! لقد حاربت العالم حتى وصلتُ إليكـ.. و الآن ها أنا أمامكـ أركب فرساً أبيض، و أحمل السيف و ألبس لباس الفارس مثلما أمرتي )) رد عليه أكرم قائلاً (( يا أحمق هل رأيت في حياتك امرأة تتزوج من دون ولي أمرها.. إنها تنتظر أن تذهب و تتقدم لخطبتها من ذلك المخيف خالها )) قال مآثر و هي تمزح (( محاميك أذكى منك.. ارتدي مثل هذا اللباس، و احمل السيف و اركب حصاناً أبيض جمل كهذا و لكن ليس هنا و إنما هنالك في العاصمة.. اذهب لخالي جمال، أو اذهب لجدي و أنا موافقة و لكني لن أتزوج بدون إذن ولي أمري و أنت لا ترضاها لي، أليس كذلك؟ )) قال لها بيأس (( خالكـ يتمنى الموت على أن يضع يده فوق يدي.. إنه يكرهني بشدة و أنت تعرفين )) قالت مآثر بثقة (( جدي موافق و كان يريد مساعدتنا و لذلك قام خالي بمحاولة قتلك، لأنه لا يستطيع مخالفة أمر جدي )) ضرب سليم الحصان بقدمه بقوة من شدة قهره، فهاج الحصان و أخذ يركض بسرعة كبيرة فصرخ سليم قائلاً (( ساعدوووووووني سوف يقتلني.. أنقذنــــــــــي يا أكرم حاول إيقافه آآآآآآآآآآآآآآآآه )) و رمى الحصان سليم بقوة حتى أوقعه في الغدير.. فذهب أكرم و مآثر إليه، و قالت مآثر و هي خائفة عليه كثيراً (( هل أصبت يا سليم؟! هل تستطيع النهوض؟؟ )) ساعداه معاً، فقال و هو يمسك رأسه بألم (( يبدو أن هذا الحصان يكرهني أكثر من خالكـ.. هذه سابع مرة يرميني بها.. لم يبق لي عظمة تصلح لشيء و فوق كل هذا رفضت إتمام الزفاف إلا في العاصمة.. لا بأس من الغد سأذهب إلى العاصمة )) فضحكا أكرم و مآثر بشدة بعد أن سمعاه يتكلم و كأن شيئاً لم يصبه....


الجــــــــ 36 ـــــــزء:

في صباح اليوم التالي، كان أكرم جالسا لوحده في الخيمة، فجاء يزن من الخارج مسرعا و جلس بجانبه والغضب واضح على وجهه فقال له أكرم (( ماذا بك؟! و لماذا أنت غاضب هكذا؟ )) رد يزن بقهر و هو يشير لوجهه (( أنا غاضب بسبب ذلك الظالم المدعو سليم.. انظر إلى وجهي، هيــــا انظر.. لقد ضربني بشدة و بدون رحمة )) قال أكرم متسائلا بهدوء (( و لماذا ضربك بقوة؟ ماذا فعلت؟ )) قال يزن بقهر (( و هل يجب أن أفعل شيئا؟ إنه يضرب من يشاء لأنه قوي يفعل كل ما يحلو له و كل هذا بسبب تدليل جمانة و عبد الوهاب فلو لم تدلله تلك العجوز لما فعل كل ما يريد )) قال أكرم بسخرية (( الآن تتكلم عن جمانة و أنت الذي تستفيد منها و تأكل أموالها و تكذب عليها و تزيد عندما تنقل لها أخبار سليم.. ثم أنا لا أصدق أنه ضربك بلا سبب، أكيد أنه أكتشف أن حبيبتك هي مآثر )) قال يزن بدهشة (( كيف عرفت؟! لقد ذهبت لها كي أطلب الزواج منها و عندما فاتحتها بالموضوع و رأته واقفا ورائي نادته، و لم يكد يسمع ندائها حتى قام بضربي حتى من دون أن يفهم الموضوع )) قال أكرم (( تستحق كل ما حصل لك فلقد يئست تلك المرأة منك.. أنت تطاردها منذ أن وصلنا إلى هنا و الحمد لله أن سليم قد وضع حدا لك يا مراهق )) قال يزن (( أخبرني كيف عرفت أنه ضربني بسببها هي؟! و كيف عرفت أن التي أطاردها هي مآثر؟! إنك جبان فكيف يعقل أن تكون بهذا الذكاء؟ )) قال أكرم (( المسألة لا تحتاج لذكاء فأنت دائما تتغزل بها أمامي و وصفك لها أرشدني خصوصا ما شد سليم لها منذ أن و قع نظره عليها أول مرة "عيناها الرماديتان" و لذلك عرفت و لكني لم أقل لك حتى يعرف هو بنفسه و يؤدبك و بصراحة منظر عينك المتورمة يعجبني )) قال يزن بقهر أكبر (( حسنا اسخر كما شئت، حتى هو ضحك كثيرا و لكن تذكرا جيدا أنا يزن و لن يغلبني جبان مثلك أو أحمق مثل سليم، سوف انتقم منه و سأجعلها ترفضه و تحطمه مثلما فعل هو معي و سترى )) ثم نهض و أسرع إلى خارج الخيمة، فصاح أكرم قائلا بصوت عال عندما رآه يبتعد (( إلى أين؟ ألا تريد معالجة عينك؟! فنحن منذ أن أتينا إلى هنا لا نفعل شيئا سوى التكلم عن مآثر و العلاج عند طبيب هذه القبيلة.. هيا اقترب لأضع لك شيئا من هذه الأعشاب على عينك فأنت الوحيد الذي لم يجربها بعد )) رد يزن ((دع الأعشاب لك.. أنا ذاهب لأنفذ تهديداتي )) قال أكرم (( أذهب فلو استطعت إقناعها برفض سليم فسوف تكافئك جمانة مكافئة كبيرة، و ستخلصنا من مواجهة جمال عندما نصل إلى العاصمة ))...




الجــــــــ 37 ـــــــزء:

بعد قليل جاء سليم و ألقى السلام ثم جلس بجانب أكرم، فقال له أكرم (( أين كنت؟ و لماذا قمت بضرب يزن؟ كان يكفيك أن تهدده، إن عينه متورمة و لقد توعد بالانتقام منك و هو الآن ذاهب لتنفيذ تهديداته )) رد عليه سليم قائلا (( دعك من ذلك الأحمق الذي لا يستطيع فعل شيء.. لقد ضربته لأنه تحرش بمآثر.. تصور أنه تعرض لها في الطريق و طلب يدها و عندما صدته عنها لم يستمع لكلامها فنادتني و عندها ضربته.. و لكن الأهم أننا يجب أن نذهب من هنا بسرعة و أنا أذكر أن هاتفي النقال كان عندك.. أرجو أن لا تكون قد نفذت بطاريته.. أين هو حتى أتصل برجالي ليبعثوا لنا طائرة هليكوبتر.. هيا أخرجه بسرعة )) قال أكرم (( و لماذا تريد الهاتف؟! لما لم تطلب لنا الأحصنة من عند شيخ القبيلة، إنهم يعرفون موقع العاصمة و أكيد سوف يساعدوننا للوصل إليها و برأيي لا داعي لإحضار طائراتك إلى هنا )) قال سليم (( لا نستطيع إحضار الأحصنة )) قال أكرم بدهشة (( لماذا؟! )) رد سليم بسرعة (( لا تسأل لماذا، لأنها قصة طويلة يصعب شرحها ولا تطلب مني أن أشرحها لأني إذا شرحتها فستبدأ بالبكاء و النواح كعادتك دائما )) نظر إليه أكرم طويلا ثم قال بهدوء (( ماذا فعلت يا سليم؟ أخبرني ما الذي فعلته الآن؟ )) قال سليم و هو يتصنع البراءة (( و هل يجب أن أكون قد فعلت شيئا؟؟ )) رد أكرم عليه (( طبعا يجب.. فالمشاكل تسري في جسدك سريان الدم في العروق )) قال سليم بعد تردد (( حسنا.. لقد كشفتني.. يبدو أنني كتاب مفتوح أمامك يا صديقي.. الحقيقة أن صقر رفض إعطائنا الأحصنة )) قال أكرم بضيق (( لماذا ذهبت لذلك المتعجرف.. المفروض أن تطلبها من أبيه و ليس منه )) رد سليم (( والده ذهب لزيارة أحد أقرباءه و سوف يغيب طويلا و الآن صقر هو الشيخ الآمر الناهي في هذه القبيلة و لو لم نذهب بسرعة من هنا فسوف يقتلنا في الليل )) قال أكرم بحيرة أكبر (( يقتلنا لأنك طلبت منه إحدى الأحصنة؟! آه الآن فهمت.. هو أيضا يحب مآثر و أكيد أنه قد علم بأنك ستذهب إلى العاصمة لخطبتها و تبجح أمامك بأنه هو الذي سيتزوجها لا أنت، أليس كذلك يا عزيز )) قال سليم بغيض و قهر (( دعك من هذا الاسم.. لا أدري كيف أطلقته علي )) قال أكرم بنفاذ صبر (( أخبرني بكل الذي حصل يا سليم.. أريد الحقيقة كاملة و الآن )) قال سليم بملل من تحقيق أكرم معه (( لقد طلبت منه الأحصنة بكل أدب و لطف و لكنه رفض إعطائي، لا بل صرخ في وجهي قائلاً بأني سأموت إن فكرت في الزواج من مآثر و بأنه قريبها و هو الأحق بها، أما أنا فمجرد غريب متطفل ذو شعر أغبر و عينان قبيحتان و لن ترضى أية فتاة في العالم بالزواج من أحمق مثلي )) قال أكرم (( تعني أنه هددك بالقتل؟ )) قال سليم و هو يهز رأسه (( لا.. في البداية قال لي ستموت، و لكن بعد عشر دقائق هددني بالقتل )) قال أكرم (( لماذا بعد عشر دقائق؟! )) قال سليم ببساطة (( لأنني ضربته )) رد أكرم بدهشة (( ضربتـــه!! هل قمت بضربه أمام كل رجاله يا سليم؟؟! )) قال سليم (( طبعاً ضربته.. أتريده أن يتكلم هكذا عن مآثر ثم أتركه! )) قال أكرم بغيض و قهر من تصرفات سليم (( و ماذا عنك؟! ضربته لأنه تكلم عن مآثر!! ماذا قال عنها؟؟! لقد تكلم عنك أكثر مما قاله عنها.. هل أعجبك بأنك مجرد غريب متطفل ذو شعر أغبر و عينان قبيحتان.. لا بأس فهو محق عندما قال بأنه لا توجد من تقبل بالزواج من أحمق مثلك )) قال له سليم بأمر (( توقف الآن.. لا أريد سماع أي كلمة منك )) ثم مدّ يده إليه قائلاً (( هيا أعطني الهاتف الآن )) قال أكرم و هو رفع يديه بيأس و استسلام من تصرفات صديقه (( لا يوجد لدي أي هاتف، لقد أتلفته )) قال سليم بضيق (( لماذا قمت بذلك؟؟ لقد كان وسيلتنا الوحيدة للنجاة )) قال أكرم (( عندما كنت في غيبوبة اتصلت بوالدك كي أطمئنه عليك، فأصر على معرفة مكانك و لكني خفت إذا عدنا أن يحاول جمال قتلك مرة أخرى، و كما ترى فلقد كان كريماً معنا أنا و يزن بحيث أنه لم يرد لنا الحزن و البكاء من بعدك فلقد جعل رجاله يطلقون الصاروخ علينا و نحن معك.. لقد كنت أعلم أن هاتفك يحتوي على جهاز تتبع لذلك أتلفته و كسرته بقدمي، و لا تحاول ضربي لأنك أنت السبب في غضب صقر منا، لم يطلب منك أحد أن تضربه.. لماذا لم تدعه وشأنه فليقل ما يريد، هل كان يجب عليك استعراض عضلاتك أمامه؟! )) قال سليم (( آآآآآه.. الآن فقط أتمنى أن أستعرض عضلاتي أمامك.. سأذهب لأكلم مآثر و عندما أعود سأناقش هذا الموضوع معك أنت و يزن ))...


الجــــــــ 38 ـــــــزء:

ذهب سليم إلى الغدير لأنه أصبح مكان لقائه بمآثر و عندما وصل وجدها واقفة هناك و قد ضمت يديها مع بعضهما بتوتر و غضب و لما رأته واقفا أمامها قالت له بحدة لم يتعودها منها (( ما الذي جاء بك إلى هنا؟ لقد كشفت كل ألاعيبك الدنيئة أيها المخادع.. كيف استطعت عمل كل هذا بي؟! و لكني لن أسكت، سأخبر خالي حتى ينتقم منك، إن لم يفلح في المرة الماضية بقتلك فأنا سأساعده الآن )) لم يستطع سليم أن يمنع ضحكته عندما رآها غاضبة بهذا الشكل الذي جعلها أشبه بخالها جمال، فأطلق ضحكة كبيرة و استمر بها حتى دمعت عيناه، ثم قال لها مازحاً و هو لا يظنها جادة فيما قالته منذ قليل (( صحيح أنني معجب بلسان خالكـ السليط و لكني لا أريد أن تكون زوجتي عصبية هكذا.. ما الذي فعلته حتى تحكمي علي بالقتل و أيضا بمساعدة خالكـ؟ )) قالت له بعصبية و قد ظنت بأنه يستهزأ بها (( اضحك أيها المليونير.. العب بالنساء كما شئت فهكذا تربيت.. والداك دائما يسمحان لك بفعل كل ما تريد، تخطب و تترك.. تتزوج و تطلق كما تشاء و لا تهتم بأحد، و في النهاية عندما تكلم خالي و قال بضع كلمات عن أمك، تغضب و تهاجمه و تهدده و..... )) قاطعها سليم و هو يمسك بيدها بقوة حتى آلمها ثم صرخ بوجهها فانتفضت بخوف بعد أن قال لها (( اصمتــــــــي.. أنا لا أسمح لمخلوق في الدنيا أن يتكلم عن أمي بأي كلمة حتى لو كنت أنت و التي حاربت و تألمت كثيرا حتى أفوز بحبكـ.. أنا مستعد لترككـ في ثانية من أجلها، هل فهمت؟؟ )) ثم تركها و هو يردد بحزن عذبها (( هل فهمت يا مآثر؟! أنا مستعد لرميكـ من أجلها.. أنسي كل ما حصل و ليذهب كل منا في طريقه )) وذهب عنها و تركها واقفة مكانها و هي ترتجف.. لقد كانت مندهشة لا بل إنها منصدمة.. صدمة كبيرة أصابتها و قد فتحت عيناها بقوة وأخذت تبكي في تلك اللحظة، تبكي لأنها تذكرت أيامها الماضية و زواجها الذي فشل مرتين.. تذكرت عذابها عندما كان طليقها يضربها هي و طفلتها بلا رحمة أو شفقة.. و تذكرت زواجها الثاني و الذي كان أبشع من الأول، و عندما تخلصت من تلك الأيام التعيسة و من كل تلك الآلام، كرهت كل الرجال و انعدمت ثقتها بكل الناس حتى قابلت سليم.. إنه مختلف عن الجميع.. لقد رأت فيه شخصا له شخصية استثنائية اختلفت عن كل من قابلتهم في حياتها.. لقد عاملها بكل لطف و رقة و حنان، فلماذا ترد له الجميل بهذه الطريقة.. لقد حارب خالي و كاد أن يموت بسبب حبه لي فكيف الآن و بكل بساطة أصدق كاذباً مثل يزن.. لا يهمني إن لم تكن أمه تريدني زوجة له لأنه لم يهتم بخالي عندما رفضه.. ثم قالت بصوتٍ عالٍ تردد صداه في قلبها (( أنا آتية لك يا سليم، و لن أصدق فيك أي شيء بعد الآن فأرجو أن تسامحني ))

الجــــــــ 39 ـــــــزء:

عندما عاد سليم إلى الخيمة، وجد أكرم هناك ينتظره، فقال سليم بحزم (( هيا استعد أنت و يزن سنضطر لسرقة الأحصنة حتى نذهب من هنا )) ثم تنهد بحزن و قال بألم لاحظه صديقة الأقرب لقلبه (( لا تعرف كم أنا مشتاق للرجوع إلى إيطاليا، و لنسيان كل ما مررنا به في هذه البلدة.. لا أعرف كيف جننت و تكبدت كل هذه المشقة و جئت إلى هنا.. لقد فزت يا صديقي و أنا مقنع كلياً أنني أخطأت، لذلك أريد الرجوع لإيطاليا بأسرع ما يمكن.. ما بك يا أكرم؟! هيا لا تنظر إلي بهذه الطريقة المريعة.. يجب أن تفرح لأني لن أتزوج من مآثر و عندها لن يؤذينا خالها.. لقد انتهت مشاكلنا )) صاح فيه أكرم و هو في أشد حالاته اندهاشاً لحصول ما لم يتوقعه أبداً (( هل جننت يا سليم؟! أم أن الخرف قد أصابك و أنت ما زلت صغيراً؟ الآن و بعد أن أقنعت الجميع بحبك لمآثر، و بعد أن أزلت كل العقبات تأتي و بكل بساطة و يسر لتقول بأنك ستعود لإيطاليا و تترك كل شيء خلفك!! لم أعهدك أناني لهذه الدرجة.. ما الذي حصل لك؟! ألم تفكر في تلك المسكينة مآثر.. ما الذي حدث بينكما و جعلك غاضباً منها لهذه الدرجة؟؟! اسمع يا سليم، لا تعتقد أن ابتعادك عن مآثر سوف يفرحني.. أنت صديقي الوحيد و سعادتك تعني سعادتي و قبل أن نأتي إلى هنا كنت أرفض أن أساعدك على الزواج منها بل كنت أحاول إقناعك مرارا لتنساها، أما بعد أن قابلتها و تكلمت معها و عرفتها جيداً فأنا متأكد أنه لا توجد من تستحق رجلاً مثلك غيرها.. أرجوك.. أرجــــــــوك يا سليم فكر جيداً قبل أن تهدم حياتك بيديك.. أخبرني ما الذي حدث حتى أستطيع مساعدتك.. ربما تفوهت بكلمات لم تكن تقصدها فلا تظلمها.. يجب أن تلتقيا و تسمع منها.. يا إلـــــهي هذه أول مشكلة تصادفكما منذ أن التقيتما و أنت تريد الانسحاب بسهولة و نسيان كل شيء.. ألم تحاول تشغيل ذلك الشيء الموجود برأسك و المسمى بالعقل.. ألم يخطر ببالك يزن و تهديداته، لقد حذرتك منه قبل أن تخرج.. قد يكون قابلها و نسج لها قصة من خياله و المسكينة صدقته لأنها لا تعرف عنه سوى أنه صديقك.. لقد خرج منذ الصباح و لم يعد حتى الآن و هو في العادة لا يتخلف عن موعد الطعام أبدا إلا إذا قتل.. و بما أنه يعلم جيدا بأنك قاتله لا محالة، لم يأتي لوجبة الغداء.. هيا الآن اهدأ يا صديقي و اشرح لي كل شيء )) ابتسم سليم بإرتياح و بفرح و قد أزاح عنه صديقه جبل الهموم الذي كان يثقل صدره ثم أخبره بكل ما حدث معه، و بعد أن انتهى قال له أكرم ناصحا (( ما الذي يدريك يا سليم بأنها تعرف ما قاله خالها عن والدتك؟! لقد قالت لك "بضع كلمات" و خالها المتوحش قال أكثر من هذا بكثير.. لا تظلمها فهي تحبك كثيرا.. أعتقد أنكما تعادلتما فهي جرحتك و أنت جرحتها.. اذهب إليها و عاقب يزن فهو من سبب هذه المشكلة.. هيا بسرعة لا تضيع الوقت )) نهض سليم ثم قال لأكرم بإمتنان (( لا أعرف ماذا كنت سأفعل من دونك.. لقد أرحتني كثيرا )) قال أكرم (( هيا اذهب فلو حل الليل سنموت بسببك.. آآآه الآن تذكرت زوجتي العزيزة، فلقد كانت دائما تحذرني منك فأنت مليونير و البنات يلتفتن حولك من كل مكان و على حد قولها عيناك زائغتان و لو حصل أن فكرت مثلك فستقطعني بسكين اللحم و بسببك الآن أكيد تبكي علي )) قال سليم مازحا (( لا بأس دعها تبكي فلا أحد يعرف كيف سيكون أولادكما عندما يكبرون فأنتما متشابهان )) ثم خرج عنه ذاهبا لمآثر....


الجــــــــ 40 ـــــــزء:

و عندما كان متوجهاً للغدير اعترضت طريقه وضحى، فوقف ينظر إليها و هو يحك رأسه باستغراب لأنه لا يعرفها و هذه أول مرة يلتقي بها، فقالت له بدلال لم يعجبه (( كيف حالك يا عزيز؟ تبدو مستعجلا، إلى أين تذهب؟ )) رد سليم و هو يعقد حاجبيه بضيق (( عزيز بخير و لكن من أنت؟! )) جاء أكرم نحوه ثم وقف بجانبه قائلا له بخبث (( إنها وضحى ابنة الشيخ يا عزيز، سأترككما لوحدكما و أذهب للبحث عن يزن.. إلى اللقاء )) صاح به سليم عندما رآه يبتعد عنه (( إلى أين أيها المخادع؟؟ لا تتركني وحدي معها )) قالت له و هي تبتسم (( لا تخف، لم آتي لآكلك.. لقد أتيت لأحذرك منها )) قال سليم بحيرة (( من هي هذه التي يجب أن أحذر منها؟! )) قالت وضحى بسرعة (( مآثر طبعا )) ضحك سليم بخفة ثم قال لها بتهديد واضح (( لاحظي أنكـ امرأة و أنا لا أضرب النساء لذلك إياكـ و التكلم عنها بسوء )) قالت وضحى بغضب و قهر من تهديده (( إنها لعوب، فلماذا تدافع عنها.. هي لا تحبك و إنما تحب شخصا آخر )) قال سليم و هو يكتم غضبه منها (( لا ينقصني الآن إلا أنت.. هيا اذهبي من أمامي و لا أريد سماع أي كلمة منكـ لأني لن أصدقكـ مهما حاولتِ )) قالت له بتوسل (( ألا تريد معرفة اسم هذا الشخص؟! )) قال سليم حتى يتخلص منها (( هل هو أخوك صقر؟! )) قالت له بخبث و حقد (( لا، إنه شخص مختلف.. أخي مقامه أعلى من أن يفكر في الزواج من مثلها.. الرجل الذي أعنيه سمعتها تتكلم أكثر من مرة عنه، لا بل و رأيتها تبكي عليه )) قال لها سليم بعد تردد (( من هو ؟؟ )) قالت وضحى (( سأخبرك يا عزيز لأني لا أرضى بأن تضحك عليك تلك المنبوذة )) صاح بها سليم بغضب و هو يضم قبضة يده بقوة حتى لا يتهور و يضربها (( كفي عن شتمها و أخبريني بسرعة من هو هذا الغبي الذي تقصدينه و انسي اسم عزيز نهائيا لأني أكرهه )) قالت له بسرعة (( حسنا لا تغضب، اسمه سليم )) نظر إليها سليم مطولا بصدمة، ثم شهق و هو يتنفس بقوة و ارتياح فابتسم و قال لها ليتأكد مما سمعه (( من قلت؟؟ )) قالت وضحى (( أقسم لك أني سمعتها أكثر من مرة تأتي بذكره على لسانها منذ أن أتت إلى هنا.. اسمه سليم، أنا متأكدة.. ماذا قلت الآن، هل مازلت مصرا على الزواج بها؟! )) قال لها سليم و الفرح يشع من عيونه (( لا أعرف كيف أشكركـ.. صحيح أنكـ جئت لتحطيمها و لكن كلامكـ قد أفرحني و زاد من قربها لقلبي بدل أن يبعدها.. لقد أزلت هما كبيرا من صدري.. أنا ذاهب لها، شكرا لكـ مرة أخرى )) صرخت وضحى بقوة و بغضب و حقد و استنكار عندما رأته يبتعد عنها، ثم قالت بصوت عال (( هل أنت مجنون؟! المفروض أن تتركها و ليس أن تفرح بما سمعته يا أحمق.. لا أعرف كيف أحببت غبيا مثلك، أنت مثلها و أنتما مناسبان لبعض آآآآآه ))

الجــــــــ 41 ـــــــزء:

ذهب سليم يركض متوجها لمآثر و التي ما زالت واقفة عند الغدير.. وقف سليم ورائها و هو يتنفس بسرعة ثم قال لها (( مآثر أرجوكـ سامحيني.. يبدو أن يزن قد أثر فينا بفعلته السوداء.. لم أكن أقصد أن أجرحكـ.. لقد جرحت قلبي قبل أن أجرحكـ.. أرجوكـ تكلمي.. ردي علي.. هيا افعلي مثل العجوز جمال و اصرخي بوجهي.. افعلي أي شيء و لكن لا تصمتي )) التفت إليه و عيونها حمراء من البكاء منذ أن تركها وقالت له بهمس و ما زالت دموعها تجري على خدها (( سامحني أنت يا سليم فأنا لم أكن أعرف ما قاله خالي عن أمك.. أنا فخورة بك فبحبك لأمك أثبت لي أن ابنتي ستكون بأمان بين يديك.. هل سامحتني؟! )) قال لها بحنانه المعتاد (( طبعا سامحتكـ يا عزيزتي، و الآن أخبريني ما الذي قاله لكـ يزن و أغضبكـ مني كثيرا؟؟ )) قالت له و هي تمسح دموعها و تبتسم (( بصراحة ذلك المحتال يستحق الضرب، لقد أخبرني بأنك تزوجت مرتين و طلقتهما معا و بأنك خطبت 6 مرات و إحداهن كانت تعمل في بيتكم بإيطاليا و أن والدك لا يمانعان بل يساعدانك بكل ما تريده و أيضا كان يريدني بأن أقول بأن أكرم هو من قال لي هذا الكلام عنك، و الأهم أن أمك غير راضية على زواجك بي فهي تريد لك ابنة خالتك أليس كذلك يا سيد سليم؟ )) ضحك سليم بمرح لأن يزن رغم غباءه أستطاع أن يستغل براءتها و يضحك عليها ثم قال (( يا إلهي، لا أعرف كيف صدقت كل هذه الأكاذيب عني؟! على العموم يزن كان صادقا في نقطة واحدة من كل هذا الكذب، فأمي غير راضية على زواجنا و هي بالفعل تريد لي ابنة خالتي و لكني لن أتزوج غيركـ أبدا، و أمي عندما تقابلكـ أكيد بأنها ستغير رأيها و أنا أعدكـ بإقناعها لأنها لا ترفض أي طلب لي.. لكن أخبريني هل تغارين علي؟ أنا أحب المرأة الغيورة و لكن يجب أن تقللي من العنف لأنكـ تصبحي عنيفة عندما تغضبي.. و الآن عندما فكرت اكتشفت أن غضبكـ بين لي شيئا مهما كنت أنتظره منذ أول لقاء لنا )) رفعت عيناها لتلتقي بعيناه ليبحرا معا في بحر حبهما الطاهر ثم قالت له و هي تهمس برقة و قد أبعدت نظرها عنه للأسفل بخجل (( و ما هو هذا الشيء المهم؟ )) همس مثلها قائلا لها بحب كبير (( أحبكـ عندما تكونين رقيقة.. أحب خجلكـ و همسكـ.. أحب عيناكـ اللتان أغرقتاني مئات المرات في سجنهما الحزين البعيد و الذي أقسمت بأن أكسر و أزيل كل أسواره و قيوده و ها أنا في مواجهة أول باب و لم يبق إلا القليل حتى أحررهما و سأفعل.. أعدك بأن أفعل.. لقد كنت غبياً عندما طلبت منكـ نسيان كل ما بيننا و أنا الآن أرجو أن تغفري لي هذه الزلة التي لن تكرر لأني بكل بساطة لا أستطيع العيش بدونكـ .. أنا الآن و في كل لحظة أفضل الموت على مجرد التفكير بنسيانكـ ))

أأنســــــــــــــــاكـ؟؟!
ســــــؤال بــــات يقتلنـــــــي إلى الأعمـــــاق يأخذنــــــــي
و يعوى صوتـــه المشئــــــوم في آفــــــــــــاق ذكـــــــراكـ
أأنســــــــــــــــاكـ؟؟!
سكاكيـــــــن على صـــــدري أرى في حدهـــــــا قبـــــــري
و ليـــــــــل في مخيلتـــــــــي تسافـــــــــــر فيه عينــــــــاكـ
أأنســــــــــــــــاكـ؟؟!
أجيبينـــــــــــــــــــــي
فإن البعـــــــــــد و الحرمـــــان شيء فــــــــــــوق إدراكـــــــي
و هل أنســـى غروب الشمـــــس تلفــــــــح خــــــدكـ الباكـــــــــي
و هل أنســـــــــــــــــــــــــــــاكـ كيف و قلبـــــــــــــــي مــــــأواكـ
أحبــــــــــــــــــــــــــكـ
أينمــــــــــــــــــــــا تمضيــــــــن عن عينــــــــــــــــي ألقـــــــــاكـ
و طائــــــــر نورس يشـــــــــــــدو هنالـــك في أنيـــــــــــن البحـــــــر
مــــــــلء البحـــــــر أهــــــــــواكـ
على الحيطـــــــــــــان ترتسميــــــن و في الأوراق تبتسميـــــــــــــــــــن
مــــــــــن أرض إلـــــــــــى أرض يطاردنـــــــــــــي محيــــــــــــــاكـ
وبين الفجـــــــــر و الإشــــــــــراق تنبعثيــــــــــــن من روحـــــــــــــي
فـــــــــــــلا أدري فــــــــــــلا أدري إذا مــــــــــا كنــــــت امــــــــــــرأة
أم الإصبــــــــــــــاح غنــــــــــــــاكـ

ثم أكمل و هو يرفع وجهها بيده كي تطالعه مباشرة و قال (( لقد بين لي غضبكـ بأنكـ تحبيني.. هل أنا مخطئ؟ )) قالت له و قد أحمرت وجنتاها من شدة خجلها (( أرجوك لا تضايقني.. أنت تخجلني )) قال لها بأعلى صوته و هو يرفع يديه عاليا ليضايقها (( قوليها بصوت عاااااالي.. قولي أحبــــــــــك ليسمعهااااا الجميييييييع )) ضربته بيديها على صدره لتسكته و من دون أن تقصد جاءت ضربتها قوية قليلا فوقع سليم في الغدير و تبلل كله بالماء، وعندما رأت أنه بخير ضحكت بشدة لأنها ثاني سقطة له في هذا الغدير، فضحك سليم معها ثم ذهبت تركض متجهة لخيمتها فنهض سليم ثم قال (( أنا قادم إليك يا يزن.. انتظرني ))



الجــــــــ 42 ـــــــزء:

و عندما عاد سليم إلى الخيمة وجد أكرم لوحده فقال له بحزم (( أين يزن؟؟ أخبرني أين هو فلا أحد سواك يعلم )) أشار أكرم برأسه إلى خلف الخيمة من دون أن يتكلم، فذهب سليم إلى الخلف ورآه فركض يزن و وقف وراء أكرم ليحتمي به، فقال أكرم (( ابتعد عني و تفاهم معه هو.. تستحق كل ما سيحصل لك منه، لو لم تكن تعرفه لعذرتك )) صاح يزن قائلا بيأس من وراء أكرم (( اسمع يا سليم لدي صفقة لك اسمعها ثم قرر إذا كنت ستقبل بها أو ستقتلني )) أمسكه سليم بقوة من كتفيه و سحبه نحوه ثم قال له (( لا أريد سماع شيء منك يا محتال أريد قتلك و بسرعة يا كاذب.. ألم تكتفي بكل تلك الأكاذيب التي ألفتها عني حتى تخبرها عن رفض أمي و عن ابنة خالتي!! الآن سأحطمك دون شفقة و لن أندم على ذلك أبدا )) قال يزن بخوف و هو يحاول الهرب من يدي سليم (( أرجوك سامحني يا سليم.. أنا صديقك منذ الطفولة لا تنسى ذلك )) قال سليم (( أنت من نسي ذلك عندما حاولت أن تفرقني عن مآثر )) قال يزن بسرعة حتى ينقذ نفسه (( عندي طريقة مضمونة و سريعة للخروج من هنا و إن قمت بضربي فأقسم أني لن أخبرك و إذا حل الليل فأنت تعلم أن صقر سيأتي لقتلنا و لن ننجو منه.. لنتفق الآن دعني أرشدكما إلى الوسيلة الوحيدة للخروج من هنا و مقابل ذلك سامحني و لن أتدخل في شئونك مرة أخرى أعدك.. ماذا قلت؟؟ )) ثم ألتفت يزن إلى أكرم و قال له بقهر لأنه لم يتكلم (( ما بك صامت هكذا؟ هيا تحرك و ساعدني على أقناعه حتى نخرج من هنا قبل أن يأتي صقر )) قال أكرم (( أعطه فرصة يا سليم، فلو كان صادقا لأنقذنا من المصيبة التي وقعنا فيها بسببك.. هيا اتركه و اسمع ما عنده ثم قرر ما ستفعله، مع أني كنت أتمنى أن تضربه حتى يتوقف عن التدخل فيما لا يعنيه )) تركه سليم و قال له (( هيا تكلم )) قال يزن بفضول بدون أن يتعلم من الذي حصل معه (( لماذا أنت مبلل هكذا ما الذي حصل لك؟! )) رد عليه أكرم بيأس من حاله (( ألم تترك هذه الصفة بعد؟! ما زلت تسأل عن كل صغيرة و كبيرة.. الظاهر أن التوبة لا تنفع مع أمثالك.. هيا يا سليم اضربه لأنه كاذب و يضيع علينا وقتنا )) قال يزن (( لاااااااااا، لا تضربني لن أتدخل و لن أسأل، سنخرج بواسطة هذا )) ثم أخرج جوالا من جيبه فقال له سليم بغيض و غضب (( لديك هاتف نقال و لم تتكلم منذ البداية، لقد هدنا التفكير في وسيلة للخروج من هنا و أنت صامت لم تتكلم أيها البخيل )) قال يزن (( لقد نسيته لأنه جديد و قد أقفلته عندما توجهنا للمطار و عندما وصلنا إلى هنا نسيته مع أغراضي القديمة و لقد وجدته عندما عدت منذ قليل و عندما فتحته اكتشفت أنه مازال يعمل.. هيا خذه و اتصل برجالك و دعنا نذهب من هنا فلقد سئمت من الصحراء و من الحر و من ضربات سليم )) قال سليم و هو يأخذ الهاتف بقوة منه (( أعطني هذا الهاتف و أرجو أن يصدق رجالي بأني حي )) و أخيرا اتصل سليم برجاله و أقنعهم بأنه حي و بأنه بحاجة إلى هيلكوبتر لكي يرجع.... و بعد نصف ساعة كان سليم خارج الخيمة يكلم مآثر و معه أكرم و يزن.. قال سليم لمآثر (( أخيرا سأذهب للمدينة.. و بعدها سنتزوج، فبعد قليل سيأتي رجالي في إحدى الطائرات و سنذهب من هنا.. كم أنا مشتاق للقاء أمي و أبي و أخبارهما عنكـ )) ابتسمت له ثم قالت (( لا تستعجل، قبل أن تتزوجني يجب أن تخطبني )) قال سليم (( المهم أنك موافقة )) قال أكرم (( بل المهم أن يوافق خالها أي يجب أن تشتاق لخالها جمال بدلا من تشتاق لوالديك )) رد عليه سليم (( اخرس يا ثرثار.. و أنت يا يزن ألن تتقدم لتعتذر )) قال يزن بعناد (( و هل ستضربني إن لم أفعل )) قال أكرم (( أنا سأضربك إن لم تفعل )) قال يزن مستسلما (( حسنا أنا آسف يا مآثر.. كل ما قلته لكـ كان كذبا.. أنا أعترف بأني كذبت عليكـ فأنا في حياتي لم أسمع أن سليم تزوج أبدا و لم أرى أي امرأة قد شدته أو حتى أعجبته، و لم أره و قد أحب امرأة سواكـ أنت فأرجوكـ سامحيني أو اضربيني حتى يسامحني هو فماذا قلت؟؟ )) قال أكرم مشجعا لها (( هيا اضربيه ما دام يطلب ذلك.. اضربيه و لا ترددي فهو يستحق )) قالت مآثر بتسامح (( لا، لن أضربه يا أكرم.. لقد أعترف بذنبه و الاعتراف بالحق فضيلة.. لقد سامحتك و لكن لا تكررها )) جاءهم صوت أرعبهم من ورائهم قائلا (( إن كنت لن تفعلي فأنا سأفعل ذلك بكل رحابة صدر يا عزيزتي )) التفتوا جميعا إلى الخلف فرأوا صقر مع شباب قبيلته و كلهم مسلحين ببنادقهم و قد أحاطوا بهم بسرعة فقالت مآثر بدهشة (( صقــــر؟! )) قال لها صقر و هو يقترب منها (( نعم صقر.. سأضربه و أقطع رؤوس أصدقائه إن شئت )) قال له سليم بغضب (( ابتعد عنها و لا تقل لها عزيزتي و إلا ضربتك يا ذا الأنف المكسور )) قال أكرم بخوف و صوت خافت (( رائع، لا ينقصنا إلا أن تذكره أنك أنت من قمت بكسر أنفه )) رد سليم (( إنه لم ينسى حتى أذكره )) صاح بهما صقر (( اخرسا أنتما الاثنان فأنا لم آمركما بالكلام.. لن تخرجوا من هنا أحياء أبدا.. أما أنت أيتها الخائنة فسوف أجعلكـ تتمنين الموت ألف مرة عندما أتزوجكـ.. سأعذبكـ كثيرا و لن أسمح لكـ بالذهاب لرؤية أبنتكـ أبدا و سأتزوج من ابنة عمي حتى تكوني خادمة لها )) قال يزن لسليم بصوت منخفض (( هذه المسكينة لها منافسات في كل مكان، صقر مع ابنة عمه و سليم مع ابنة خالته.. لو أنها قبلت بي، لما وجدت منافسة لها فأنا مقطوع من شجرة و ليس لي لا أعمام و لا أخوال )) ضربه سليم في رأسه بقهر من تفكيره (( بدلا من هذه الثرثرة اخرس و فكر معنا في طريقة للنجاة من هذا المتعجرف.. سوف يقتلنا إن لم نتصرف بسرعة )) قال له أكرم و قد بدأ نواحه المعتاد (( اضربه و اكسر له رأسه حتى تكمل ما بدأته.. لو أنك أمسكت نفسك قليلا عندما كلمته في المرة الماضية لما تبعنا إلى هنا )) التفتوا جميعا لصقر عندما سمعوه يقول لمآثر (( من سيحميكـ مني الآن.. سأتزوجكـ و لن يمنعني أحد و لن يجرؤ هذا الجبان المسمى عزيز على اللحاق بنا )) ثم أمسك يدها و جرها ورائه بقوة فصرخت بألم و لكن سليم أخذ يدها منه و جعلها تقف خلفه ثم دفع بصقر بعيدا عنها بقوة حتى طرحه على الأرض و قال له بغضب كبير (( إن كنت تريد الموت فخذها معك.. إياك أن تلمسها أيها الحقير.. أنا هنا و أنا من سيدافع عنها و أنا من سيمنعك من إيذائها.. إن كنت تحب نفسك فاذهب من هنا أو قاتلني كرجل بدلا من الاحتماء برجالك أيها الضعيف )) نهض صقر و قال بلهجة حادة (( أتصرخ في وجهي.. الآن سأريك من أنا.. ابتعد أنت من أمامها و دعها تأتي معي أو سأجعل رجالي يطلقون النار عليكما معاً و معكما أصدقائك )) لم يأبه سليم بكلامه بل قال له بتحدي (( إن كنت تمتلك ذرة من الرجولة فافعل ذلك.. هيا أطلق النار علي و سترى ما سيحدث لك )) صاحت مآثر برعب من فكرة موت سليم بسببها مرة أخرى (( لاااااااااااا، لا تفعل له شيئاً.. أنا سآتي معك، و لكن دعهم في حالهم يا صقر.. سليم لا يعرف ماذا يقول )) قال لها صقر (( من سليم هذا؟! )) ردت بسرعة و هي ترتجف من الخوف (( أقصد عزيز.. لقد أخطأت و لكن سامحه أرجوك )) ثم التفت لسليم هامسة له بحنان و توسل (( لا تتحداه من أجلي يا سليم.. أنا أحبك و لن أحتمل فكرة أن تتأذى من جديد بسببي فكيف إذا قتلك هذا المتوحش أمامي.. لقد وعدتني أن تذهب الحزن عن عيني و قد نجحت و لكنك إذا مت الآن فستجعله ملازماً لي طيلة حياتي.. دعني أذهب معه فلن تنجو أنت و أصدقائك إلا بهذه الطريقة، و مثلما ضحيت بحياتك لتثبت لي حبك آن الأوان لي لأفعل مثلك و أثبت لك ما كنت تريد سماعه عند الغدير )) نظر سليم لها بضيق و قهر لأنها اعترفت بحبها له الآن و هو لا يريد أن تذهب هذه اللحظة بسبب صقر المتعجرف.. لقد غضب كثيراً من طلبها من صقر بأن يسامحه و من فكرتها بأن تذهب مع صقر لتنقذه فصاح بها بصوت سمعه الجميع (( لا تطلبي السماح لي فأنا لم أخطئ.. هل عندكـ شكـ في أنني أستطيع حمايتكـ؟! لن تذهبي معه بل سأحميكـ بروحي و لن يمسكـ أحد بسوء.. هل سمعت يا صقــــر؟؟ هي لن تأتي إليك فافعل ما بدا لك )) احمر وجه صقر كثيراً من شدة غضبه، ثم التفت إلى رجاله و قال لهم بصوت هادر (( أطلقوا النار عليهما معــــــــــاً )) خافت مآثر و تمسكت بقوة بسليم و هي تغمض عينيها خوفاً من الرصاص، و عندما رفع رجال صقر أسلحتهم سمعوا صوتاً هادراً قوياً يأتي من بعيد و تناثر الرصاص حولهم فأخذوا يجرون في كل الاتجاهات و عندما رأوا طائرة الهليكوبتر تقترب منهم رموا أسلحتهم و هربوا عن قائدهم، فأخذ صقر يصرخ قائلاً (( أرجعوا أيها الجبناء، لا تذهبوا و تتركونـــــي )) و نزل ثلاثة من رجال سليم من الطائرة و أحاطوا بصقر، ثم قال أحدهم و هو يرفع مسدسه في وجه صقر (( ماذا نفعل به يا سيد سليم؟! هل نقتله مثلما أراد أن يفعل معكم؟ )) رد سليم بهدوء (( طبعاً لا.. نحن لسنا مثله )) قال أحد رجاله (( حمداً لله على سلامتك يا سيدي.. لقد خفنا عليك كثيراً )) رد سليم (( شكراً لكم يا أصدقائي فلولاكم لكنا الآن أمواتاً بسبب هذا الجبان الصامت الآن)) ابتسم الرجل و هز رأسه احتراماً ثم قال لسليم برسمية (( متى تأمرنا بالذهاب من هنا يا سيدي؟ )) قال له سليم (( طبعاً الآن، و اتركوا هذا الأحمق حتى يرجع لرجاله الضعفاء )) و عندما ترك الرجال صقر أخذ يركض بسرعة و هو يتوعد بالانتقام الشديد فضحك الجميع عليه، ثم التفت سليم لمآثر و قال لها و هو في قمة سعادته لأنها احتمت به عندما أحست بالخطر (( هيا أعطيني يدكـ لنذهب من هنا.. سوف أرجعكـ لبيتكـ بأمان )) قالت له مآثر بابتسامتها المعتادة (( لا يا سليم.. لن أذهب معك.. أذهب أنت و إذا خطبتني و وافق أهلي فالأفضل أن يأتوا هم ليأخذوني من هنا )) قال لها سليم (( و لكن أنا خائف عليكـ من صقر )) قالت له (( لا تخف.. هذا الغبي لا يجيد فعل شيء سوى التباهي، ثم أن أباه سيعود اليوم و أنا أمانة عنده و هو يعلم جيداً ما سيحدث له إن فرط في أمانة جمال الحسيني.. هيا أذهب و سنلتقي في المدينة بإذن الله.. إلى اللقاء )) و دعها سليم ثم قال لأصحابه (( هيا بنا إلى العاصمة )).....

الغالي المزيون 25-12-10 07:28 PM

الجــــــــ 43 ـــــــزء:

كانت جمانة جالسة في حديقة منزلها و هي تشرب الشاي بهدوء مع ابنها أمجد.. كانت ما تزال تظن أن سليم ميت لذلك كان الحزن مسيطراً عليها أغلب وقتها.. و عندما لاحظ أمجد أنها رجعت تفكر بسليم قال لها (( يبدو أن جلوسي معكـ لا يفرحكـ يا أمي )) نظرت إليه ثم قالت له بهدوء (( هذا غير صحيح، و لكن الذي يحزنني أني أريد لك الخير و لكنك دائماً تعصيني و لا تستمع لكلامي )) قال لها باستنكار لكلامها (( ما الذي عصيتكـ فيه؟! أنا لم أفعل شيئاً سوى أنني تركت ايطاليا و جئت للعيش في بلدي.. و أنت الآن بنفسكـ جئت للعيش هنا، اسأليني و آمري و اطلبي ما شئت فلن أرد لكـ أي طلب اليوم )) قالت له (( إذا طلبت هل تعدني بأن تنفذ؟؟ )) قال أمجد بثقة (( طبعاً أعدكـ )) قالت بحزن (( صوفيا أصبحت وحيدة و حزينة من بعد موت سليم )) قال أمجد بدهشة (( من هي صوفيا؟!! )) ردت أمه بغضب و هي تظنه يتلاعب بها (( ابنة خالتك.. لا تتحامق الآن و تدعي أنك لا تعرفها، لن أجد لها رجلاً يحترمها و يصونها مثلك )) أشاح أمجد بوجهه عنها و لم يتكلم فقالت له بعصبية (( لماذا خرست عندما علمت من هي؟! يجب أن تتزوجها يا أمجد حتى تخرجها من حزنها )) قال أمجد بقهر و غيض (( يبدو أنني رقم 2 من بعد السيد سليم.. ألم تجدي في هذه الدنيا عروساً لي غير صوفيا؟؟ آسف و لكني لن آخذ قمامة سليم، ثم أنا لا أفكر بالزواج الآن و لا تنظري إلي بهذا الشكل لأني لن أغير رأيي مهما حصل )) صاحت جمانة بغضب (( كيف تجرؤ على وصف صوفيا بالقمامة؟!! )) ثم قالت بصوت عالٍ (( كامل.. تعال إلى هنا بسرعة )) قال أمجد بعناد (( لن تخيفيني يا أماه و تأكدي بأني لن أغير رأيي لذلك لا تتعبي نفسكـ )) و عندما رأى كامل بجسمه الطويل و عضلاته البارزة قال و هو يحاول أن لا يظهر خوفه (( من هذا الشبح ذو الشعر الأبيض يا أمي؟! هل تعتقدين بأنكـ ستخوفينني بهذا العجوز؟ )) قالت له بهدوء محاولة تخويفه أكثر (( السيد كامل يعمل عند أباك منذ عشر سنوات.. صحيح أنه بستاني و لكن لا يغرك تقدمه في العمر و شعره الأبيض فهو ما زال قوياً )) ثم قالت بلهجة حازمة (( هيا يا كامل خذ هذا الولد من أمامي و اضربه بشدة لأني أريده أن يتأدب عندما يتحدث مع أمه )) قال أمجد برعب (( مــــــاذا؟! يضربني؟؟ لقد تعديت العشرين بعدة سنوات!! أنا الآن رجل و أعرف كيف أتصرف بحياتي فلست طفلاً في العاشرة من عمره و ضربكـ لي لن يفيدكـ بشيء )) قالت له ببرود و عناد (( لقد اكتشفت بأنك غير مؤدب و بعض الضرب سيفيدك كي تكلمني باحترام )) قال لها عندما أمسكه كامل من يديه (( أنا آسف.. أرجوكـ سامحيني و لكن لا تدعيه يضربني فأنا كبير على الضرب.. يا إلهــــــــي يجب أن تفهمي بأني كبرت و عندما يرجع أبي و أخوتي فسوف يسخرون مني بسببكـ )) قالت له بفرح (( إذن هل ستتزوجها؟؟ )) صاح بضجر من عنادها (( لااااااااا، لا، لا لن أتزوجها.. لا يوجد في الدنيا أمامكـ غير سليم و صوفيا، رحل سليم و بقيت هذه المشئومة عالة على صدري.. لن أتزوجها حتى لو طلبتي منه أن يقتلني )) غضبت جمانة منه بشدة لأنه لم يخضع لتسلطها فصاحت بكامل قائلة بغضب و قهر (( هيـــــــــا خذه من أمامي و آمر بعض الرجال أن يمسكوه جيداً حتى لا يهرب.. لا أريد أن أراه بل أريد سماع صوت صراخه )) قال أمجد بمحاولة أخيرة و هو يعرف جيداً أمه التي تحب التسلط و العناد (( اتركيني يا أمي.. أخبريه أن يدعني لا تستطيعين إجباري على الزواج بها.. كل إخواني رفضوها، فلماذا أنا؟! سأتزوج أي واحدة تريدين و لكن ليس صوفيا و أيضاً أريدها من هنا عربية خالصة و ليس امرأة عاشت طيلة حياتها في إيطاليا )) قالت به و الغضب وصل حده معها (( اخــــــــــرس.. لا أريد سماع صوتك.. هل تريد أن يكون مصيرك مثل سليم.. أنا لا أصدق كيف أستطاع أن يحب تلك المرأة، إنها لا تستحقه.. لقد ركض ورائها مثل المجنون حتى قضت عليه هي و خالها اللئيم.. أجبني يا أمجد هل تريد امرأة مثلها من هنا؟! هيا أجب فكلهن متشابهات بنظري )) قال أمجد عندما أيقن أنه لن يستطيع الفرار منها (( لا يا أمي لا أريد امرأة مثلها )) قالت جمانة بفرح لأنها استطاعت أخيراً إقناعه (( يبدو بأني سأسامحك، لذلك أنا أقول بأنه لا يوجد من يستحق صوفيا بعد سليم سواك أنت )) قال أمجد حتى يقهرها و يغضبها (( أني أريدها هي يا أمي.. أريد من سلبت عقل و قلب أخي، أريد مآثر.. و بما أن سليم قد مات فسأذهب أنا لخطبتها.. آآآآه لو أنكـ رأيتها لما تعبت و أنت تحاولين إقناعي بصوفيا.. هيا أخبريني متى سنذهب؟؟ )) وقفت جمانة و هي تبحث في الحديقة باهتمام حتى وجدت عصا غليظة، التقطتها ثم توجهت نحو أمجد الذي فتح عينيه برعب شديد لأنه لم يتوقع منها أن تحاول ضربه و هي التي لم تفعل به ذلك طيلة حياته فقالت بحزم (( أمسكه جيداً يا كامل فلن يؤدبه اليوم سواي )) ثم بدأت تضربه بكل قوتها على ظهره فصرخ متوسلاً (( أرجوكـ توقفي يا أمي إن ضربكـ مؤلم جدا.. توقفي لا أريدها.. لست امرأة حتى تغصبيني على الزواج.. لن يتزوجها إلا ذلك المجنون، هو يركض ورائها و أنا أتلقى العقاب بدلا عنه.. أنا آآآآسف لن آتي بذكرها على لساني مرة أخرى و سأفعل كل ما تريدين آآآآآآآآآه ))......


الجــــــــ 44 ـــــــزء:

و في الليل عندما جاء عبد الوهاب دخل إلى البيت و جلس بجانب جمانة ثم قال لها (( كيف حالكـ، هل أنت بخير؟؟ )) قالت له بعصبية كعادتها (( من قال لك بأني مريضة حتى تسأل عن حالي؟! أين كنت طوال اليوم؟ أولادك الثلاثة قالوا بأنك لم تذهب إلى الشركة، اعترف بدون كذب )) قال لها و هو يضحك (( ألم يخبركـ أمجد؟ )) ردت عليه (( لا، لم يخبرني بشيء.. أخبرني الآن ما الذي يحصل؟ )) قال لها ببساطة (( سيأتي ضيف إلى منزلنا بعد قليل )) قال له (( و من يكون هذا الضيف؟! )) رد عليها (( إنها مفاجأة )) قالت جمانة بقلة صبر (( أنت تعرف بأني لا أحب المفاجآت فأخبرني الآن و أرحني )) قال لها بعناد (( إني اسمع صوت سيارة.. لقد وصل الضيف فهيا لنستقبله، و لكن أين أمجد حتى يستقبله معنا؟ )) قالت له (( لقد أغضبني كثيراً فضربته و هو الآن في غرفته غاضب مني.. صحيح أنني ضربته بشدة و لكنه يستحق حتى لا يحاول إغاظتي مرة أخرى )) قال عبد الوهاب بدهشة كبيرة (( ضربت أمجد؟!! )) ردت عليه (( نعم و ماذا في ذلك.. أوليس ابني؟؟ )) قال لها (( طبعاً هو ابنكـ و لكنه تعدى العشرين الآن.. انه رجل و ليس طفل حتى تقومي بضربه يا جمانة.. لقد كبر أولادنا و إذا كنت ما تزالين مصرة على أسلوب الضرب فاعتقد أن لديكـ أحفاد صغار تستطيعين ضربهم إن شئت )) غضبت من تفكيره فصاحت به (( إنهم ليسوا دمى حتى ألعب بهم و أضربهم )) قال لها بعناد أكبر و قد اشتعلت الحرب بينهما (( و أمجد أيضاً ليس دمية، إنه شخص بالغ و لا يجوز أن ترفعي يدكـ لتضربيه )) وقفت والنار تشتعل بها و قالت له (( إنه ابني و يجوز أن أفعل أي شيء لمصلحته و لا تناقشني )) دخل عليهما سليم و ابتسم عندما رآهما كعادتهما دائماً لم يتغيرا، مازالا يتنازعان و يتجادلان على كل شيء فقال لهما مازحاً (( كلما خرجت أو دخلت أجدكما هكذا، ماذا فعل أمجد الشقي حتى يغضبكما؟ )) التفت إليه جمانة و أخذت تنظر إليه و هي تهز رأسها بنفي و عدم تصديق بأنه يقف أمامها حيّ يرزق، و لكن قطع عليها أمجد عندما نزل من غرفته مسرعاً و اتجه إلى سليم و رمى بنفسه عليه فسقطا معاً و قال أمجد بفرح كبير (( سليــــــــــم، أخي الحبيب.. الحمد لله أنك رجعت بالسلامة.. لقد أهنت و تعذبت بسبب نسائك )) قال له سليم و قد تألم من ثقله (( لقد اشتقت لك أيها الثرثار و لكن من تقصد بنسائي اللاتي قمن بتعذيبك؟! )) قال أمجد بصوت منخفض و هو يتصنع الخوف (( الرئيس جمانة و ولي العهد مآثر و رئيس الوزراء صوفيا )) رد سليم بصوت منخفض أيضاً ليجاريه في استهباله (( سأفهم كل شيء فيما بعد، و الآن ابتعد عني لقد آلمتني فأنت ثقيل جداً لقد زاد وزنك )) نهض أمجد ثم نظر لأمه و قال بقهر (( حتى عمري زاد و لو أن بعض الناس ما زالوا يعتبرونني صغيراً )) تجاهل سليم كلام أمجد و نهض متجهاً لوالده الغالي ثم أخذه في حضنه بقوة و قال له بشوق كبير (( اشتقت لك كثيراً يا والدي الحبيب.. كيف حالك أيها الكهل؟ )) ابتسم عبد الوهاب و قال بحنان وهو يمسح بيده على وجه سليم (( ما زلت كما أنت لم تتغير.. ما زالت روحك المرحة موجودة.. ما دمت أنت بخير يا عزيزي فأنا بألف خير )) نظر سليم إلى خلف والده حيث كانت أحن البشر إلى قلبه واقفة تنظر إليه بعينين ذاهلتين، و عندما رآها تبكي بصوت عالي ذهب إليها بسرعة و أحاط وجهها بيديه ثم مسح لها دموعها و قال لها و هو ينظر إلى عينيها (( انظري إلي يا أمي.. ارفعي عيناكـ و انظري لوجهي، لقد عدت أخيراً لحضنكـ الدافئ.. أنا حي و لم أمت فابعدي نظرة الحزن من وجهكـ.. لقد أقسمت فيما مضى أن لا أسمح لأحد بأن يتسبب في نزول دموعكـ الغالية و ها أنا الآن أرى بأني السبب في نزولها فكيف بالله عليكـ أعاقب نفسي.. هيا يا أم سليم كفي عن هذا و دعي الفرح يرجع لمنزلنا من جديد )) ثم أخذها في حضنه و ضمها بقوة و تركها تبكي على صدره و عيناه تدمع حزناً على حالها بعد فراقه.... و هكذا رجع سليم لعائلته التي قامت بتربيته.. العائلة التي أحبها من كل قلبه و التي أخذته صغيراً و قامت بتربيته بكل حب و حنان حتى كبر و أصبح رجلاً ناجحاً و مرموقاً في المجتمع...


الجــــــــ 45 ـــــــزء:

بعد مضي ثلاثة أيام كان سليم جالساً مع والده في الليل و هم ينتظرون العشاء، فقال عبد الوهاب لسليم (( والدتك ما زالت مصرة على فكرة زواجك من ابنة خالتك و لقد أرسلت لها حتى تأتي إلى هنا، لذلك يجب أن تتصرف بسرعة.. أقنعها بكلامك المعسول مثلما تفعل دائماً فهذا يجدي معها )) رد سليم و هو يرفع قدميه على الطاولة أمامه (( دعك من أمي الآن، أنا سأتكفل بإقناعها فيما بعد.. لكن أخبرني لماذا كلما تمر من أمام أمجد تشيح بوجهها عنه و لا تكلمه؟؟ أصحيح بأنها قامت بضربه؟! هيا أخبرني بسرعة قبل أن يأتي حتى أضحك عليه عندما نتعشى )) ضربه عبد الوهاب في قدمه ثم قال له (( أنزل قدميك من أمامي يا ولد! أنت هكذا دائماً، لا تهتم لشيء سوى السخرية من الآخرين و على العموم أمك لا تكلم الجميع في هذا البيت منذ يوم وصولك أي منذ ثلاثة أيام )) أنزل سليم قدميه و قال بدهشة (( و لماذا تفعل ذلك؟! )) قال والده ببساطة (( بسببك أنت )) رد سليم بدهشة أكبر و هو يشير لنفسه (( بسببي أنا!! )) قال عبد الوهاب (( نعم بسببك أنت.. لأننا عندما علمنا أنك حي لم نخبرها بذلك حتى لا تصدم مرة أخرى إذا توفيت من جراحك، فلقد كنت مصاباً بشدة و لم أكن أعرف إن كنت ستنجو أم لا و أكرم لم يتصل إلا مرة واحدة و انقطعت أخبارك لمدة شهر و أسبوعين.. و نظراً لحالتها النفسية الصعبة فضلنا إخفاء الأمر عنها و لذلك هي غاضبة و لا تكلمني و في صباح اليوم قامت بطرد أمجد لأنه عاندها كعادته و على فكرة والدتك قامت بضربه لأنها أرادته أن يتزوج ابنة خالتكم بدلاً منك فرفض و أخبرها بأنه سيتزوج مآثر عناداً لها و للآن ما زالت آثار الضرب موجودة على ظهره، و طبعاً لأن جميع أولادي يعانون من فقر الأحاسيس فأنا متأكد بأنه لن يتأثر من طردها له اليوم لذلك سيأتي للعشاء )) قال سليم (( ما زالت أمي قوية كما عهدتها و أنت السبب لأنك لا تعارضها في شيء.. أنا أعتقد أن أمجد قد غضب بقوة هذه المرة لأنه لم يأتي للغداء و أمجد مثل يزن لا يفوت وجبة طعام )) قال عبد الوهاب (( أمجد متعود أن يتأخر في هذا اليوم من كل أسبوع فهو لا يخرج إلا في هذا الوقت.. سيأتي الآن و سترى )) تجاهل سليم كالعادة موضوع أمجد و قال لأبيه بجدية (( لقد مضى أكثر من شهران و جمال رجل لا يخلف وعده لذلك سأذهب غدا إليه بنفسي حتى أخطب منه مآثر، هل ستأتي معي يا أبي؟ )) نظر إليه عبد الوهاب طويلا ثم قال له و هو يتنهد بضيق (( أمتأكد يا ولدي بأنك تريد المضي في هذا الموضوع؟؟ ألم تمل من ملاحقة تلك الفتاة؟ أليس لديها أحد غير خالها حتى تخطبها منه؟ الآن تمتدحه بعد أن حاول قتلك أكثر من مرة.. لماذا تريد الذهاب إليه؟ هيا أجبني أم أنك تحب تحدي الموت لتحزننا.. لا أحد يستطيع تحدي الموت و أنت تعلم ذلك و جمال الحسيني هو الموت بعينه.. هذا الرجل لا يهمه شيء في الحياة سوى التخلص منك و أنت تريد الذهاب إليه بنفسك!! .. إن لم أستطع منعك من الهلاك فيما مضى فالآن سوف أمنعك.. لن أسمح لك بالذهاب إليه أبداً حتى لو اضطررت إلى منعك بالقوة.. أتسمعني لن تذهب إليه مهما حاولت )) صمت سليم و لم يجب و أخذ ينظر لوالده بحزن فقال عبد الوهاب بصرامة (( لماذا لا تجيب؟ أم أنك لا تجيد سوى جلب الحزن لي و لوالدتك التي كادت أن تموت من الحزن عليك.. هيا أجب.. تكلم.. قل أي شيء )) قال سليم بإصرار و عناد (( لقد وعدتني أن تساعدني يا أبي.. لا تستطيع الآن التخلي عني كما لا تستطيع منعي من الذهاب.. سأذهب إليه وحدي لأتأسف منه لأني أغضبته و سأصالحه و سأفعل أي شيء يريده.. سأذهب إليه لأني وعدتها يا أبي و أنت علمتني أن لا أخلف وعدي مهما حصل )) ثم نهض و قال بضيق شديد (( أنا آسف يا أبي و لكنك لن تستطيع منعي بعد أن قطعت كل هذه المسافة.. إن كنت لا تريد مساعدتي فهذا شأنك و لكن شأني أنا هناك عند مآثر )) ثم تخطى والده ذاهباً لغرفته فقال له عبد الوهاب (( إلى أين تعال و قف أمامي فأنا لم أكمل كلامي بعد )) فجاء سليم و وقف أمامه مثلما أمره، فنظر إليه أباه طويلاً ثم لم يستحمل فانفجر ضاحكاً بصوت عالي و وقف و ضم سليم بين ذراعيه و هو يقول (( يا إلهــــــــي.. هذا هو ابني الذي ربيته فعلاً.. لقد كنت أريد أن أتأكد من صدق نواياك تجاهها، و الآن تأكدت.. أنا فخور بك يا ولدي.. أنت مثلي يا سليم فأنا أيضاً تعذبت كثيراً عندما أردت الزواج بوالدتك لأن والدها كان يكرهني كثيراً و لكني حاربته و تحديته حتى وافق )) ثم أجلسه بجانبه و قال له (( المهم أن لا تكون هذه المآثر مثل أمك عصبية و غيورة و شكاكة و لا يعجبها شيء أبداً.. لقد شوقتني لرؤيتها، أريد أن أرى الفتاة التي أذابت جليد هذا القلب الصخري و التي زادتك عناداً و مكابرة أكثر مما لديك.. هيا أخبرني عنها )) تنهد سليم براحة ثم قال له (( لا أصدق أنك فعلت هذا بي، لقد صدقتك بالفعل و الأهم إياك و التكلم هكذا عن أمي مرة أخرى و إلا سأخبرها و أجعلها تطردك مثلما فعلت مع أمجد.. أما كلامي عن مآثر فأحتاج الليل بطوله كي أكلمك عنها و الأفضل أن نتكلم بعد العشاء حتى لا تسمعنا أمي، و لكن أين قاسم و وحيد و يعقوب؟ لم أرهم اليوم أبداً )) قال والده (( لقد سافروا جميعاً في الصباح إلى إيطاليا و أنت كنت نائماً و قد أخبرونا بأنهم سيرجعون يوم زفافك من ابنة خالتك )) قال سليم (( إنهم متشائمون مثل أمي، متى سيفهم الجميع بأني لن أتزوج امرأة سوى مآثر )) قال عبد الوهاب بتحذير (( أصمت لأن أمك متجه نحونا )) عندما وصلت لهم جمانة وجهت كلامها لسليم متجاهلة تماماً وجود زوجها (( العشاء جاهز.. هيا يا عزيزي سليم أغسل يديك و اتبعني )) ابتسم لها عبد الوهاب و قال (( لا بأس سأستحمل.. لن تستمري هكذا طوال حياتكـ، فبعد أن يتزوج سليم من ابنة خالته سوف ترضين عن الجميع )) التفت له سليم و قال له بضيق (( أبي لا تبدأ معها الآن )) ضحك ثم قال (( حسناً سأصمت، هيا إلى العشاء ) و عندما جلسوا حول مائدة العشاء و بدئوا يأكلون دخل أمجد إلى البيت و عندما رآهم قال لأبيه (( لقد أخبرتك بأني قادم إلى العشاء يا أبي، فلماذا لم تخبرهم حتى ينتظروني؟ )) قالت جمانة بغضب (( و أنا أخبرتك أن لا تعود إلى البيت أبداً، و أنت يا عبد الوهاب إذا كنت تشفق عليه هكذا فاذهب معه و تسليا معاً )) نظر عبد الوهاب بغضب لأمجد ثم قال له (( كيف تجرؤ على الكذب يا ولد؟! لم تخبرني أبداً بأنك قادم )) جلس أمجد بجانب سليم ثم قال (( يجب أن يتحمل أحد العقاب معي يا أبي )) قال عبد الوهاب (( و لماذا أكون أنا؟ سليم أمامك إن أردت )) رد أمجد و هو يأكل بسرعة (( لم أفقد عقلي حتى أتكلم عن سليم أمامها، فلو فعلت لما صدقتني.. و لا تقل لي يا ولد مرة أخرى فأنا رجل و لست صغيراً.. متى ستفهمون أنت و أمي بأني كبرت؟! )) ابتسم سليم بسخرية ثم ضربه متعمداً على ظهره و قال له (( أبي متأكد بأنك كبرت و لكن أمي خائفة عليك من أن تفسد إذا لم تتزوج، فالزواج هو الوسيلة الوحيدة لإصلاح الرجل و جعله يتحمل المسئولية و لكي تثبت لها بأنك كبرت يجب أن تتزوج )) صرخ أمجد بقوة ثم قال له بحقد (( لا تفعل ذلك إن ظهري يؤلمني )) قال سليم بخبث و كأنه لا يعلم (( و لماذا يؤلمك ظهرك؟؟ إنك شرطي و لا أعتقد أنك تحمل الكثير من الأثقال )) قال أمجد (( أنا أعلم بأنك تعرف أيها الخبيث لأن أبي لا يخفي عليك شيئاً، و ما دمت تتكلم عن الزواج فأنت أكبر مني فلماذا لم تتزوج حتى الآن حتى لا تفسد أنت أيضاً؟؟ و بحسب نظر أمي أنت الرجل الوحيد بيننا، أما أنا و أبي فمظلومان بتسلطها.. لقد ضربتني بشدة عندما قلت لها بأني أريد خطبة مآثر و أنت تركض ورائها كل هذه المدة، لا بل ما زلت مصراً على الزواج بها و رغم كل ذلك لم تفكر أمي و لو للحظة بأن تضربك و لا أعتقد بأنها ستفعلها أبداً )) قال له سليم و هو يرفع حاجبه حتى يغضبه (( و هل تغار؟! أنا المفضل عند أمي و لذلك يجب أن تعاملني بامتياز أليس كذلك يا أبي؟ )) رد عليه عبد الوهاب و هو يبتسم باصطناع أمام جمانة التي تنظر إليه (( طبعا كذلك يا عزيزتي )) قالت جمانة (( دعكم من هذه السخافات الآن و أخبرني يا سليم هل أنت سعيد برجوعك إلينا؟ )) أمسك سليم يدها و طبع عليها قبلة حانية ثم قال لها بحب كبير (( و كيف لا أكون سعيداً و أنا بين أعز و أحن البشر على قلبي.. سعادتي و راحتي يا أمي لا تتم إلا بينكم هنا )) ابتسمت أمه و قالت بمكر (( إذن من المؤكد بأنك تفكر في الزواج الآن.. لأننا أنا و أباك قررنا الاستقرار هنا و لن نرجع لإيطاليا أبداً )) قال سليم ببراءة و هو لم يفهم مقصد أمه (( طبعاً يا أمي أفكر في الزواج و لن يتم ذلك إلا برضاكما أنت و أبي )) قال جمانة بفرح لأنها وصلت أخيراً لمرادها (( الحمد لله لأن صوفيا ستصل اليوم و لذلك نستطيع إقامة زواجكما يوم الخميس القادم.. صوفيا ستكون سعيدة برؤيتك يا سليم )) نظر سليم و عبد الوهاب إلى بعضهما ثم قالا بدهشة و في نفس الوقت (( من هي صوفيا؟! )) ردت جمانة بغضب (( ما بالكم في هذا البيت، كلما ذكرت لكم صوفيا تسألون من هي؟! من كنت تقصد بكلامك غيرها يا سليم؟؟ )) قال سليم باستنكار (( لقد كنت صادقاً فأنا لا أعرف من هي صوفيا هذه )) قال أمجد بشماتة و هو يبتسم لفرصته الذهبية التي أتت إليه على طبق من فضه (( إنها ابنة خالتك يا سليم.. إنها الزوجة المنتظرة )) ركله سليم في قدمه بقوة ثم قال له بغضب (( إنها ابنة خالتكم كلكم و ليس وحدي فقط )) صرخ أمجد و هو يمسك قدمه التي آلمته ثم قال (( لم أقل شيئا خاطئا حتى تغضب و تركلني، أنا أعلم أنها ابنة خالة الجميع و لكن أمي مصرة على أنها ابنة خالتك أنت لوحدك فقط )) همس له سليم متوسلا (( يجب أن تتزوجها أنت يا أمجد فأنا لا أريد سوى مآثر.. أرجوك ساعدني )) قال أمجد و هو يتصنع الجدية و الاهتمام (( لا يجوز لك أن تطلب هذا الطلب الكبير قبل أن تتأسف مني، و الأهم يجب أن تقنع أمي بهذه الفكرة المريعة )) قال سليم (( هل يعني هذا أنك وافقت عليها؟ )) قال أمجد (( طبعا لا، هل أنا مجنون حتى أفعل ذلك! هذا يعني أنني وافقت على الاحتيال )) ردد سليم وراءه بدهشة (( الاحتيال!! )) قال أمجد مفسرا و هما مازالا يتهامسان خوفا من جمانة (( نعم، سوف نحتال على أمي و نقنعها بأني أحب صوفيا و أريدها حتى تتزوج أنت مآثر و عندها سوف أتركها و أهاجر بعيدا حتى لا تقتلني أمي بمساعدة أبي ليرضيها، و لكن يجب أن تشتري لي سيارة جديدة و هاتف بعد انتهاء هذه المسألة، فماذا قلت؟؟ )) ضيق سليم عينيه و قال له (( قلت لقد بدأت أنسى صبا و لكني أعتقد بأني أراها أمامي الآن )) قال أمجد و كأن مصير سليم بين يديه (( لن يفيدك تضييق عينيك الآن.. هذا شرطي حتى أساعدك )) قال سليم بسرعة (( حسنا أنا موافق هيا ابدأ )) أخذ أمجد نفسا طويلا و كأنه يستعد لمعركة كبيرة ثم التفت إلى أمه و قال لها (( أمي أنا... )) قاطعته جمانة قائلة بغضب و صرامة (( اخرس يا أمجد و لا تحاول إفساد الأمر.. أنا أفهمك و أعرف ما الذي تريد قوله لذلك الأفضل لك أن لا تتكلم.. الويل لك إن تكلمت )) قال أمجد (( و لكن... )) وقفت جمانة و رمت أحد الصحون الفارغة عليه و لكنه تفادها ثم قال لها بخوف بعد أن سمع صوت انكسار الصحن في الأرض خلفه (( حسناً حسناً.. سوف أصمت ولن أتدخل أنا ذاهب لبيتي الآن إلى اللقاء )) و عندما أزاح الكرسي و أراد الذهاب قالت له أمه (( إلى أين تريد الهروب؟؟ لن تذهب إلى أي مكان و لن تخرج من هذا البيت أبدا إلا عندما تتزوج.. هيا عد لمكانك و أجلس و لكن أيضا اصمت و لا تتدخل في هذا الحديث )) أمسك أمجد فمه بـ كلتا يديه ثم جلس بهدوء في مكانه، فقال سليم (( أرجوكـ اهدئي يا أمي.. أنسي هذا الموضوع الآن و أعدكـ أن نتناقش فيه غدا.. هيا اجلسي لنكمل العشاء )) جلست و قالت له بعناد (( و هل سوف تنساها إذا نسيت أنا هذا الموضوع الآن؟ )) قال سليم و هو يبتسم (( آه، و من تريدين أن أنسى يا أمي؟ صوفيا؟! )) قالت أمه و هي ترد له الابتسامة (( لا.. أنسى مآثر لأنك مهما حاولت فأنا لن أرضى بأن تخطفك هذه المرأة مني، فماذا قلت؟؟ هيا أجبني الآن و لا تتهرب كعادتك )) قال سليم بهدوء شديد و هو ينزل رأسه (( أنا لا أستطيع أن أنسى مآثر يا أمي )) قالت جمانة بقهر من رده (( ماذا تعني بأنك لا تستطيع؟! إنها مجرد امرأة و يوجد الآلاف مثلها في هذه البلدة.. أرجوك قل أي كلام غير أنك لا تستطيع.. يمكنك المحاولة على الأقل و هناك الكثيرات يتمنين إشارة من إصبعك و أولهن صوفيا فماذا قلت؟؟ )) قال سليم بإصرار (( مستحييييل، مستحيل أن أفكر في غيرها يا أمي.. لقد وعدتها بأن لا أتخلى عنها و إن لم أتزوج مآثر فلن أتزوج سواها )) قالت أمه و هي تتصنع الصدمة حتى تقنعه (( إذن أنت لا تفكر في صوفيا!! )) ثم أخذت تمسح بمنديلها دموعا وهمية من على عينيها و قالت و كأنها تبكي (( و ماذا أفعل أنا عندما تأتي تلك المسكينة.. لقد أخبرتها بأنك تنتظرها.. سوف تحزن كثيرا )) قال سليم محاولاً تهدئتها (( كيف تريدين مني أن أتزوجها و أنا لم أرها و لم أتكلم معها منذ خمس سنوات.. أكيد أن أفكارها قد تغيرت عن السابق و أنها قد نست موضوع زواجها مني، ثم أنا.... )) قاطعته قائلة و هي ما زالت تتصنع البكاء (( إذاً لماذا كنت تناديها بالوحش و تقول بأنها قبيحة؟! ما الذي يدريك بأنها ليست أجمل من مآثر؟!! صدقني إنها أجمل منها بكثير و عندما تراها سوف تغير رأيك )) قال لها سليم و هو يكتم ضحكاته (( أولادك الثلاثة دائما يرسلون بصورها إلى مكتبي عندما كنت في إيطاليا.. حتى عندما جئت إلى هنا لم يكفوا عن ذلك، مع أني لم أميز شكلها من كثرة الأصباغ التي تضعها في وجهها.. و لكن بالنسبة لي لا يوجد في الدنيا من هي أجمل من مآثر )) قالت له بغيض و قد نست أمر بكاؤها (( ما الذي فعلته بك هذه المرأة حتى غسلت عقلك بهذه الطريقة؟!! ما الذي تملكه و لا يوجد عند سواها؟! )) قال سليم ببساطة و هو يبتسم لذكراها (( روحها البريئة يا أمي.. لا توجد من تملك مثل طيبتها و شفافيتها و عينيها الجميلتان.. نظرة واحدة لتلك العينان تنسياني الدنيا و ما فيها من هموم و كدر و من أجل عينيها أنا مستعد للتضحية بروحي لو طلبت مني ذلك )) قالت جمانة و هي تتجاهل غزله بمآثر أمامها (( لن ترضى بك إن عادت من عند أولئك البدويون.. ثق بي أنها ستغير رأيها و لن تقبل بك )) رد سليم بثقة و هو يكمل طعامه (( و لماذا أنت متأكدة بأنها لن تقبل بي؟ برأيكـ هل هناك من هو أفضل مني يا أماه؟! )) قالت له أمه (( طبعاً لا يوجد يا عزيزي.. و لكن بعد ما فعله عبد الوهاب بخالها، فأنا أكيدة بأنها ستغير رأيها )) قال عبد الوهاب بغضب (( ماذا فعلت يا امرأة؟؟ لماذا أخبرتيه بذلك؟! ألم تستطيعي كتمان الأمر حتى أتفاهم معه بنفسي؟؟ )) وقف سليم و قال لأبيه بهلع (( ماذا فعلت به يا أبي؟؟ أرجو أن لا تكون قد آذيته )) وقف أباه مثله و قال بصرامة و حزم (( أنا لست مثله و لكنه فطر قلبي بقتلك.. عندما اعتقدنا بأنك توفيت، علمت من أخيك النقيب خالد و من أمجد و أيضاً أكرم أن جمال الحسيني هو الفاعل و لكن لم يستطع أحد منا إيجاد أي دليل ضده.. و قبل إصابتك ذهب إليه أمجد و وعده ذلك المحتال بألا يؤذيك و للأسف مثلما وعده في لحظة نسي كل وعوده في اللحظة الأخرى.. لذلك دخلت في التجارة هنا و عملت بكل جهدي حتى نجحت أخيراً و استوليت على جميع أمواله و شركاته و هي الآن جميعها ملك لي و لم يبقى له سوى منزله و هو الآن رهن عند أحد التجار.. و هكذا استطعت أن أشفي غليلي من الرجل الذي سلبني ابني و لقنته درساً لن ينساه أبداً )) أمسك سليم رأسه بيديه و أخذ يتنفس بقوة من كثرة الضيق الذي أحس به ثم قال لأبيه و الحزن يعتصر قلبه بشدة (( لمـــــــــاذا؟!! لماذا فعلت ذلك يا أبي؟! ألم تفكر في زوجته المسكينة و التي هي أختي؟؟ ألم تفكر في أولاده؟؟ إنهم أطفال لا ذنب لهم حتى يدفعوا ثمن شيء لم يرتكبوه.. لقد قتلتني أنا بدلاً من قتله هو.. أنا من سيتأذى من عملك و ليس هو يا أبي.. أنا من سيمــــوت )) قال عبد الوهاب بغضب لا مثيل له (( كيف تجرؤ على الدفاع عنه بعدما فعله بك و بنا؟!! )) قال سليم بضيق أكبر (( أنا لا أدافع عنه، فهو لا يهمني بشيء.. أنا أدافع عنك أنت.. أنت من يهمني و ليس هو.. أنت أبي.. أنت أغلى ما عندي، كيف استطعت فعل هذا؟!! )) قال عبد الوهاب باستنكار و دهشة من كلامه (( كلامك يوحي بأني فعلت جريمة.. لقد فعلت هذا من أجلك )) قال سليم بغضب (( إن ما فعلته يعد جريمة يا أبي.. الاستيلاء على أموال الآخرين جريمة شنيعة، بفعلتك هذه تسببت في شقائي بدلا من إسعادي )) غضب عبد الوهاب كثيرا من كلام سليم و توجه له و لطمه بقوة على وجهه لدرجة أن ارتطم بالكرسي و وقع للخلف، فصرخت جمانة بخوف (( ابنـــي )) فأشار لها عبد الوهاب بيده بصرامة أخافتها لأنه أول مرة يغضب بهذا الشكل، و قال لها (( إياك أن تقتربي منه يا جمانة )) ثم وجه كلامه لسليم قائلا له (( لا ينقصني إلا أن تضربني بعدما صرخت في وجهي يا سيد سليم.. كيف تجرأت على التكلم معي بهذه الطريقة؟ هل نسيت نفسك أم هل نسيت من أكون؟! أتريد من يذكرك بأني والدك؟ هل أحزنك كثيرا ما فعلته أنا بجمال؟؟ ألم تحزن لما فعله بي و بأمك و أخوتك.. أنا لم أقم بسرقته و إنما أخذتها بطريقة شرعية عن طريق الصفقات و الأسهم )) نهض سليم بصعوبة و هو مازال يتألم من جرحه القديم و خيط من الدم نزل من شفتيه و خده أحمر بشدة من ضربة والده القوية و عندما وضع يده على صدره مكان جرحه القديم اصطبغت بالدم لأنه ارتطم بالكرسي.. فقال لأمه و هي تحاول الأقتراب منه (( لحظة يا أمي.. دعيني أشرح لأبي )) ثم اقترب من والده قائلا بخجل و هو يضع يده الثانية في كتف أبيه (( أنا آسف يا أبي.. لم أقصد أن أرفع صوتي في وجهك أو أن أقلل من احترامك.. أرجوك سامحني فأنا أعرف من تكون يا والدي و لكني أيضا أعرف أنك لست محتاجا لهذه الأموال التي كسبتها من وراء هذه الصفقات.. لقد أخطأت في الماضي و فعلت مثلك حتى أتحداه و لكني ندمت لأني لم أكن بحاجة لتلك الصفقات مع أنها كانت مبالغ رمزية و لذلك أرجعتها له في صفقات أخرى حتى لا يدري و يرفضها.. أما الآن فأنت قمت بأخذ كل ما يملك و عملك هذا سيتسبب في تشريد عائلته.. لذلك أرجوك.. أرجوك يا أبي أنسى ما حصل في الماضي لأني لو كنت قد توفيت فعلا فلن ترجعني لك أموال جمال و لن تستفيد أنت من تفكيك عائلته، أريدك أن تتنازل عن كل ما أخذته منه و تعطيني إياه حتى أرجعه الآن.. هيا يا أبي لنفتح صفحة جديدة معه و ننسى كل خلافات الماضي.. أعطني كل ما أخذته منه فغيرنا بأمس الحاجة له )) قال عبد الوهاب بهدوء و هو يزيح يد سليم من كتفه (( اصعد للأعلى يا سليم و سأتصل بالطبيب حتى يأتي ليعالجك فأنت تنزف )) قال سليم بعناده المعتاد (( و لكن يا أبي أنا... )) صاح به أبوه و هو يقاطعه (( قلت لك اصعد للأعلى و لا تناقشني فلن تذهب لأي مكان و لن تغير رأيي مهما فعلت.. هيا اذهب لا أريد رؤيتك أمامي الآن.. ما الذي حصل ليدك و ما كل هذه الدماء التي عليها؟ إنك تنزف بشدة )) قال سليم بإصرار أكبر (( إنه جرح قديم لم يلتئم جيدا لأني لم أجد له العناية الطبية اللازمة عند البدويون.. لقد انفتح الآن لأنك ضربتني بقوة يا عبد الوهاب و لن أتعالج أبدا ما لم تسمح لي بإعادة أموال جمال )) قال عبد الوهاب (( إصرارك و عنادك لن ينفعاك فلن تذهب لأي مكان أبدا و لن أرجع أموال جمال أبدا أبدا و لن أغير رأيي لأنك تنزف.. أنا بنفسي سأنزع عنك هذا القميص و سأمسك بك حتى يعالجك الطبيب لذلك اذهب لغرفتك و لا تعاندني و لا تنسى بأني ما زلت غاضبا منك و لن أرضى عنك مهما حاولت )) التفت سليم إلى أمه و قال لها (( أمي، أقنعيه أرجوك.. انظري إلى الدماء التي تنزف مني.. سأموت إن لم أتعالج لأن الجرح كبير و أنا لن أفعل حتى يقتنع هو )) قالت له أمه (( لم يصبك بهذا الجرح سوى هذا المدعو جمال، لذلك أنا من رأي والدك.. إصعد إلى الأعلى الآن )) قال سليم لأمجد (( ألن تساعدني يا أمجد؟؟ )) هز أمجد رأسه بنفي ولم يتكلم.. زاد ألم الجرح على سليم فقال بيأس و استسلام (( آه يا أمي أني أتألم بشدة لذلك سأستسلم الآن و لكني سأناقش معكما هذا الموضوع غدا.. أني أسمع أحدا يقرع الباب، سأذهب لأفتح فربما كان أكرم لأنه لم يأتي اليوم و سأسمع الكلام و أصعد لغرفتي )).....


الجــــــــ 46 ـــــــزء:

و ذهب سليم لكي يفتح الباب و عندما فتحه وجد أمامه امرأة و قد لونت وجهها بالكثير من الأصباغ أما شعرها فقد سرحته بطريقة عجيبة استغرب لها سليم فقال لها مازحاًً (( من تريدين يا صاحبة الشعر المنفوش؟ يبدو أنكـ قد أخطأت بالعنوان )) ضحكت ثم قالت له (( لا، لم أخطئ.. أليس هذا منزل خالتي جمانة؟؟ )) قال سليم (( نعم، و لكن من أنت و من تريدين؟؟ )) قالت له بتفاخر (( أنا صوفيا و أريد سليم )) اتسعت عيناه برعب عندما عرفها و سمعها تقول (( هل أنت سليم؟ )) قال بسرعة و هو يحرك يديه نفياً (( لا لا أنا وحيد، سليم داخل البيت )) قالت بحيرة و هي تنظر لشعره (( غريب.. شعر وحيد كما أذكر لونه أسود أما أنت فشعرك أشقر!! )) قال لها مبرراً كذبته (( طبعاً لون شعري الحقيقي أسود و لكني صبغته تماشياً مع الموضة هذه الأيام، و لكن انسي أمر شعري و انتظري حتى آتيكـ بسليم فأكيد أنه سيسعد بهذه المفاجئة.. انتظري هنا و لا تتحركي سأذهب لآتي به )) و دخل عنها ثم توجه لأمجد و قال له (( هناك من ينتظرك عند الباب يا أمجد )) قال أمجد بدهشة (( من ينتظرني؟! لا أحد يعرف بأني هنا )) قال سليم بخبث (( إنها مفاجأة سارة، فاذهب و استمتع يا أخي الحبيب )) و قف أمجد و قال له بتهديد (( كأني أشم رائحة إحدى دعاباتك السخيفة.. إن أوقعتني في شباكك سأقتلك )) ثم ذهب عنه فقال سليم محدثاً نفسه (( لا أعرف كيف تكون أمي مصرة على تزويجي بهذه المخيفة الملونة.. إنها حتى لا تعرفني! الآن أمجد المسكين سيبتلي بها.. يجب أن أهرب قبل أن يرجع و يقتلني مثلما قال )) ثم ضغط على صدره بألم شديد و قال بتعب كبير (( آآآآآخ.. إن الجرح يؤلمني بشدة، يجب أن أخلع هذا القميص الأسود حتى تصدق أمي مدى خطورة إصابتي فتقف معي ضد أبي )) جاءت أمه و وقفت بجانبه و قالت بعطف و هي تمسح بيدها على رأسه كأنه ما زال طفلاً صغيراً (( الطبيب سيأتي بعد قليل يا عزيزي.. هيا لغرفتك حتى تبدل ملابسك )) ثم أخذت تمسح الدم من شفتيه و أكملت (( أين ذهب أمجد و من كان عند الباب؟؟ )) قال سليم و هو ما زال يتألم (( دراكولا )) قال أمه بدهشة و حيرة (( و من هذا دراكولا؟!! أنا أعرف أكرم و يزن و لكني أول مرة أسمع باسم هذا الرجل، فمن هو؟! )) قال سليم و هو يضحك بألم (( إنها امرأة و ليست رجلاً يا أمي، و لقد جاءت تسأل عن أمجد و ليس عني و هو الآن يكلمها في الخارج )) قال جمانة باشمئزاز (( يا إلهي، امرأة و لها هذا الاسم! من أي مصيبة تعرف عليها هذا الطائش أمجد؟! )) ثم صرخت برعب عندما رأت سليم يتنفس ببطيء و يئن و هو ممسك بصدره بقوة (( سليم ماذا بك؟؟! إنك تتنفس بصعوبة و وجهك أصبح شاحباً جداً )) قال سليم بصعوبة و بصوت خافت و هو يمسك بيدها حتى لا يقع (( إني تعب جداً يا أمي و لا أستطيع الوصول لغرفتي.. أني أتألم فأتي بأحد ليساعدني )) ثم ترك يدها و هوى أمامها فاقداً لوعيه، فصرخت بشدة أكبر عندما رأته ممدداً هكذا أمامها.. و جاء أباه و أمجد بسرعة و حملاه إلى أقرب غرفة، و عندما جاء الطبيب دخل عنده هو و عبد الوهاب فقط....


الجــــــــ 47 ـــــــزء:

بعد نصف ساعة، كان أمجد و أمه ما زالا ينتظران خارج الغرفة حتى يخرج الطبيب و يطمئنهما على سليم.. و فجأة سمعا طرقاً على الباب و دخل عليهما أكرم الذي وجد الباب مفتوحاً و كان يحمل بيده الكثير من الأوراق و الملفات، فسلم عليهما و قال (( أين سليم؟ لقد وعدني أن يلاقيني الآن )) أشار له أمجد بالرحيل و لكنه لم يستمع له ظناً منه أنها إحدى حركات الاستهبال التي تعودها منه و إنما أعاد السؤال عن سليم، فتوجهت نحوه جمانة و قالت له بعصبية (( لمـــــاذا؟؟! )) قال أكرم ببراءة و هو لم يفهم سبب غضبها منه (( لماذا ماذا يا خالتي؟ أنا لم أفهم ماذا تقصدين )) صاحت به (( لا تنادني خالتي )) قال أمجد (( لأنه لا يوجد عندها ابنة أخت سوى صوفيا )) ضربته بقهر على ظهره و قالت له (( أخرس أنت و دعني أكمل كلامي معه )) قال أمجد (( كنت أحاول تلطيف الجو )) ردت عليه (( و من طلب منك ذلك؟؟ المطلوب منك فقط الجلوس صامتاً )) وضع أمجد يديه على فمه و ابتعد عنها ليجلس في إحدى الكراسي البعيدة.. فالتفت جمانة لأكرم و أكملت معه قائلة (( لماذا سليم لديه كل تلك الإصابات و أنت و يزن مثل الأحصنة ليس بكما شيء؟! )) نظر إليها أكرم بدهشة و خوف و لم يجبها، فخرج لها عبد الوهاب و قال لها بعتب (( ما هذه التصرفات يا جمانة؟!! أكرم مثل ابننا سليم و لا يجوز لكـ معاملته على هذا النحو.. إن نهض سليم فلن يرضى بأن تهيني صديقه هكذا )) قالت جمانة (( لم أقل سوى الحقيقة يا عبد الوهاب.. فجسم سليم به إصابات كثيرة غير الرصاصة، و أكرم و يزن صحيحان لا يعانيان من شيء )) قال أكرم بعد أن أفاق من صدمته (( لا بأس دعها يا عمي، سأخبركـ بكل الذي حصل لابنكـ يا خالتي )) قال أمجد مقاطعاً كعادته (( ألم تفهم يا محامي سليم؟؟ هي لا تريد أن يناديها أحد "خالتي" غير صوفيا )) قال أكرم بقرف (( و هل وصلت هذه المشئومة؟! و تريدين أن تعرفي لماذا هو مصاب و متعب!! هذا بسببها بالتأكيد.. أين هي يا أمجد؟ كم أتمنى أن أرى عروس المستقبل )) قال أمجد و هو ينظر إليه بدهشة و قد تجاهلا وجود جمانة الغاضبة حد الانفجار (( ألست خائفاً على سليم يا أكرم؟! لقد أغمى عليه و كان منذ دقائق يعجز عن التنفس.. لماذا لا تبكي و تصرخ مثلما قال عنك يزن )) قال أكرم (( هناك بكيت و صرخت لأنه لم يوجد طبيب و بذلك لم يجد سليم الرعاية الصحية المناسبة، و كثيراً ما كان جرحه يلتهب بسبب عدم توفر الأدوية.. أما عندما عدنا فلقد وعدني بأنه سيذهب إلى الطبيب لكي يعاينه و لكن ما دام قد عاند و كابر كعادته و لم يفعل فهذا شأنه )) قالت جمانة و غضبها قد زاد من تجاهلهما لها (( اصمتا معاً و لا تتكلما حتى آمركما، و إياكما و السخرية من صوفيا فسليم كان يريدها لولا أن سممتما أنتما الاثنان أفكاره ضدها.. هيا تكلم يا أكرم و أخبرني سبب كل تلك الإصابات على جسمه.. مستحيل أن يكون كل ذلك بسبب رصاصة واحدة! )) قال أكرم وقد بدأ يغضب من اتهامها الصريح له (( إصابته لم تكن بسببي أنا و يزن، فالرصاصة أصابته بسبب جمال فهو من كان يريد قتله لا نحن، أما الجروح و الإصابات الباقية فهي بسبب ابنكـ المتفاخر.. هو من سببها لنفسه عندما أراد أن يركب على إحدى الأحصنة حتى يثبت لمحبوبته أنه رجل.. لقد أراد أن يطلب يدها هناك عندما كنا في الصحراء و بعناده المعتاد اختار حصاناً أبيضاً و كان هذا الحصان صعب الترويض لكن سليم بسبب عقله المتحجر لم يقتنع أن يتركه و لذلك أخذ الحصان يرميه على الأرض في كل مرة يقترب منه حتى أصابته الصخور في كل جسده، و لا تقولي أنني و يزن صحيحان و لم نصب بشيء فلقد كسرت يدي بفضل ابنكـ بعد أن و قع عليّ و يزن تعرض للضرب الشديد مرتين على يدي سليم لذلك لم يرجع أحد منا بدون إصابة و لو جمعنا كل ما أصابنا لوجدناه بسبب ابنكـ المدلل.. فلو لم يتحدى جمال الحسيني بتلك الصورة العلنية لما غضب و أطلق الرصاص عليه و لما أمر رجاله بإطلاق ذلك الصاروخ علينا.. و الآن هل تريدين سماع المزيد؟؟ )) قالت له و هي تهز رأسها بصدمة من كلامه (( لا.. لا أريد سماع المزيد من أكاذيبك عن ولدي.. حتى المجنون لن يصدق هذا الكلام أيها المدعيّ.. كيف استطعت تلفيق كل هذا الكذب عن سليم؟! إنه صديقك و لا يتباهى بأحد سواك و لكن أنا سأتصرف معه إن لم يعمل على طردك )) قال أكرم (( أنا لم أكذب.. كل ما قلته حقيقة و اسأليه إن شئت )) خرج الطبيب من عند سليم و قال لهم بعتب و ضيق (( ما هذه الضجة التي تعملونها؟؟ المريض بحاجة لبعض الراحة )) نظر إليه أكرم بدهشة و قال له (( د.حسام؟! كيف رضيت أن تأتي إلى هنا و تعالج سليم!! )) ابتسم حسام و قال له بمرح (( إذن أنت هنا.. كان يجب أن أعلم أن هذا الإزعاج سببه وجودك هنا )) ثم اقترب حتى وقف أمامه مباشرة و قال له (( لقد أتيت لمعالجة أخي و الاطمئنان عليه.. مع أن عمي عبد الوهاب طلب طبيباً آخر لكن من حسن حظي أنه كان صديقي و كنت في مكتبه نشرب القهوة معاً و هو يعلم جيداً قصتنا مع سليم.. و عندما علمت منه أن أخي على قيد الحياة لم أستطع الانتظار فأتيت بنفسي إليه )) ابتسم أكرم بخبث ثم قال (( سليم أخوك أنت!! آه حسناً، و لكن هل هذا هو رأي النقيب خالد أيضاً )) قال د.حسام بضيق من موقف أكرم ضد خالد (( أبعد ابتسامة السوء هذه عنك.. أنا و خالد نحب سليم و سنأتي لنصالحه عندما يشفى و ننسى كل خلافات الماضي، فسليم بين للجميع أنهم مخطئون بشأنه و لذلك نحن نادمان على ما حدث في السابق و نود فتح صفحة جديدة معه و يجب أن تساعدنا يا سيد أكرم لا أن تقف ضدنا )) قال أكرم (( أبعدني عنكم و عن أخاكم فلا دخل لي بكم لأن أخاك سيادة النقيب رفضه بقسوة و أسمعه كلمات أستغرب أن سليم لم يقتله بسببها، و أنت منعت طفلك عنه و رفضت أن يناديك بأخي.. لذلك حاربوه لوحدكم إن أردتم أو صالحوه لوحدكم و لا تدخلوني بينكم )) قال عبد الوهاب (( كفى يا أكرم، لقد انتهى كل ذلك الآن و من يمد لنا يده عار علينا أن نرجعها.. تعال و أجلس بجانبي أيها الطبيب و أخبرنا بحالة سليم فقد خفنا عليه كثيراً )) ابتسم حسام لطيبة عبد الوهاب بعد أن أحرجه أكرم أمامهم و قال وهو يخلع نظارته الطبية (( لا يجب أن تخاف عليه يا عمي فهو بخير، و لكن عنده التهاب في عدة أماكن من جسمه و أكثرها في صدره حيث أصابته الرصاصة التي كانت قريبة من قلبه و هذه الإصابة خطيرة و كان من الممكن أن تتسبب في وفاته لولا أن عولجت ببعض الأعشاب المفيدة.. و عندما تماثل للشفاء أصيب مرة أخرى في نفس الموضع بإحدى الأحجار كما أعتقد )) ثم التفت إلى أكرم مكملاً كلامه (( اشرح لنا يا سيادة المحامي من الذي أصاب سليم بالأحجار في صدره؟؟ )) نظر الجميع إلى أكرم بتساؤل فخاف أكرم كعادته و علم أن حسام قد انتقم منه الآن فقال بتوتر واضح (( ابعدوا نظراتكم المريبة عني فلم يعمل أحد على إصابة سليم بالأحجار.. لقد شرحت لكم منذ قليل أنه هو من أصاب نفسه عندما أراد التباهي أمام مآثر.. لقد كان يحاول ركوب أحد الأحصنة فغضب الحصان و رماه على الصخور و هذا هو سبب إصابته )) أمسكته جمانة من قميصه و شدته إليها و قالت له (( لماذا لم تدافعا أنت و يزن عنه؟؟ كيف سمحتما بأن يضرب أبني أمامكما بالحجارة؟! )) قال أكرم (( اتركيني يا خالتي.. أقسم أن ما قلته هو الحقيقة.. ثم كيف صورت لك نفسك أن أحدًا قام بضربه بالحجارة! من الذي يجرؤ على فعل ذلك؟! إن ابنكـ رجل بالغ و ليس طفلاً حتى يضرب بالحجارة )) تركته و قالت و هي تشير بيدها للباب (( اخرج من هنا لا أريد رؤية وجهك )) قال لها بدهشة (( هل تطرديني؟! )) قالت له (( نعم، و الآن هيا لا أريد رؤيتك أمامي و لا ترجع إلى هنا أبداً فسليم لا يريد شخصاً مثلك لكي يكون صديقه.. هيا أخـــرج )) قال أكرم (( و لكني... )) قاطعته بقوة (( الآن )) تنهد بضيق و تركها ثم حمل أوراقه و خرج عنهم بهدوء.. فقال لها عبد الوهاب (( لماذا فعلت هذا يا جمانة؟! )) ردت عليه (( لا تقل لي لماذا.. أنت السبب يا عبد الوهاب، فلو لم تصفع سليم لما حصل له كل هذا )) قال عبد الوهاب و هو يرفع يديه باستسلام من تقلباتها (( رائع، الآن ذهب أكرم فانتقلي إلي أنا )) ثم قال لها بحنان و هو يجلسها بهدوء ليطمئنها (( اهدئي يا عزيزتي.. سليم سيكون بخير في الصباح ))....


الجــــــــ 48 ـــــــزء:

و في الصباح كان سليم جالسا في سريره و بجانبه يقف أكرم و ينظر إليه و هو صامت لأن سليم كان يضحك عليه بشدة.. و عندما توقف سليم استغرب هدوء أكرم فقال له مبتسماً (( لماذا لا تغضب و تنهرني كعادتك.. أنا آسف يا أكرم و لكني لا أصدق أن أمي فعلت بك كل هذا.. يجب أن تعذرها لأنها خائفة على ولدها الحبيب )) رد أكرم بهدوء (( إنها خائفة على ولدها المدلل يا خفيف الدم.. لو كنت أعلم بأنك ستسخر مني هكذا و تضحك بهذه الطريقة لما جئتُ لأراك )) قال سليم و هو يمسك بيد صديقه (( حسناً اهدأ.. هيا أجلس.. أمجد أخبرني بأنك كنت البارحة تحمل الكثير من الأوراق و الملفات فلماذا أتيت بها؟؟ )) قال أكرم بضيق شديد و هو يشيح بوجهه عن سليم (( أتيت لأودعك يا سليم )) وقف سليم بسرعة و قال له بصدمة (( ماذا قلت؟! تودعنــــــي!! )) قال أكرم بحزن و هو يقاوم دموعه و قد أنزل رأسه للأسفل (( لا تحاول منعي و لا تنطق حتى بكلمة لأنك لن تغير رأيي.. أنا ذاهب يا سليم.. سأرجع إلى إيطاليا مع عائلتي و سأشرف على أموالك هناك إن أردت أن تبقيها على حالها أو سأجد أي عمل آخر يناسبني.. لم أكن أريد أن أودعك و لكن أبي و أمي أصرا علي حتى أفعل )) نظر سليم بغضب إلى إحدى التحف الموجودة على طاولة بغرفته ثم أخذها و كسرها بقوة عند قدمي صديق عمره الذي ابتعد قبل أن تصيبه إحدى الشظايا فقال سليم بهلع و بأعلى صوت عنده و هو يمسكه من كتفيه و يهزه بقوة (( هل جننــــت؟؟! لا تستطيع أن تفعل هذا بي.. أنت صديقي الوحيد في هذه الدنيا، فكيف فكرت بتركي.. لقد حققت كل ما كنت أصبو إليه بمساعدتك، لا أستطيع العيش بدونك يا أخي )) صاح به أكرم و هو يبعد يديه بقوة و قد نزلت دموعه بسبب ردة فعل سليم (( أرجــــــــوك أصمت و لا تكمل.. لا تصعب علي الموضوع أكثر مما هو عليه.. لم آتي لأسمع منك شيئاً، لذلك وداعــــاً )) و عندما أراد أكرم الذهاب أمسكه سليم بقوة من يده حتى التفت إليه و عندها قال له بصرامة (( ليس بهذه السهولة.. لن تذهب دون أن أفهم السبب الذي جعلك تقرر أن ترحل )) قال أكرم و هو ينظر لسليم كأنه لن يراه مرة أخرى (( اتركني لأنك تؤلمني يا سليم.. لا يوجد سبب، أنا قررت أن أذهب لوحدي )) قال سليم بتوسل و هو يتركه (( إذا كانت أمي السبب فتأكد أنها لم تكن تقصد ذلك.. لا ترحل يا أكرم و سأجعلها تتأسف منك )) مسح أكرم دموعه و قال و هو يحاول المزاح (( لا تفعل حتى لا تعطيها سبباً لقتلي.. أمك مثل أمي يا سليم، و تصرفاتها معي و مع يزن متوقعة فهي دائماً تفعل هذا بنا و نحن نتقبله بكل رحابة صدر.. أنا أحبها و أحترمها و لذلك أعذرها.. و لكني.... )) قال سليم و هو يهمس بيأس (( و لكنك ماذا؟؟ لن أسمح لك بتخطي هذا الباب.. لن أسمح لك بالخروج من عندي )) جلس أكرم ثم قال و هو يمسك رأسه بيديه و ينظر للأسفل و قد قرر أن يقول كل ما بقلبه قبل الوداع الأخير (( لا تمنعني فلقد سئمت من هذه البلد.. سئمت من الألم الذي تلقيته عندما أصبت يا سليم.. كنت دائما في ايطاليا تحاول مجادلة رجال الأعمال، كنت دائماً تفتعل المشاكل و رغم ذلك لم يحاول أحد إيذاؤك على عكس جمال هنا و الذي حاول أكثر من مرة أن يقتلك حتى كاد أن ينجح في آخرها، و أنا متأكد بأنك ستذهب إليه لتخطب مآثر و لن يتركك هذه المرة أبدا فلقد سمعت بأنه ما زال قوياً على الرغم مما فعله به والدك.. لذلك و بكل بساطة أنا لست مستعداً لعيش حالة الرعب المخيفة التي ذقتها معك فيما مضى.. أنا لست مستعداً لحضور جنازتك أيها الأحمق العنيد.. لماذا ما زلت مصراً على خطبتها من خالها؟؟! لماذا لا تذهب لجدها بدلاً من مواجهة الموت من جديد على يد ذلك المتوحش جمال؟؟ و الأهم لماذا تريد إرجاع أموله و هو لا يستحق هذا منك؟!! )) جلس سليم أمامه و قال له شارحاً (( سأخطبها من خالها يا أكرم لأنه هو من قام بتربيتها، و لأني عاهدت نفسي أن أتزوجها برضاه لأني لا أستطيع أن أسمح له بفعل ما برأسه حين قال بأنه سيتبرأ منها هي و ابنتها، و سأرجع له أمواله لأنها من حقه و لا يجوز لأبي أن يأخذها بينما أطفال جمال و زوجته يتشردون )) قال أكرم (( زوجته رفضتك بقسوة )) قال سليم بحنان و عطف (( لا يهمني، فهي ما زالت أختي و أنا أحبها و لن أرضى بأن يصيبها سوء بسببي.. لقد انتهى كل شيء الآن، لا تستطيع الذهاب لأنك خائف عليّ.. أعدك بأن لا أدخلك في هذا الموضوع مثلما فعلتُ سابقاً )) تنهد أكرم بحسرة ثم أخذ ينظر إليه بحزن و بعد فترة قال له (( لماذا أنت عنيد هكذا.. أنا ذاهب يا صديقي، لقد حجزت لي و لكل عائلتي معي و لا تنسى أن مدارس أولادي هناك.. دعني يا سليم أذهب و أنت سيكون لك هنا حياة جديدة و أيضاً لا تنسى أن يزن ما زال هنا فهو أيضاً صديقك )) قال سليم يصوت باكي و هو يقاوم بشدة دموعه التي تنذر بالنزول (( يزن لا يصدق أن يسمع كلمة مني حتى ينشرها في كل مكان و لمن يدفع أكثر، و لكن أنت مختلف.. أنت من يكتم أسراري و يحتملني رغم كل عيوبي.. أنت أعز صديق عندي )) قال أكرم (( ستنساني بمجرد زواجك من مآثر.. ستنسيك تلك الساحرة كل شيء و ربما سترتكب جريمة في حق نفسها و تنسيك جمانة حتى تنسيها نفسها )) قال سليم بضيق (( كف عن المزاح و أخبرني لماذا ما زلت مصراً؟؟ كم كنت أتمنى أن تحضر عرسي.. كنت أريد أن أثبت لك أنت قبل أن أثبت للعالم بأني سأتزوجها )) قال أكرم و هو يقف (( يكفيك ما أثبته لي حتى الآن و إن قتلك جمال هذه المرة سأتكرم و أرسل بباقة ورد أبيض إلى أمك و لن أحضر جنازتك )) ثم لم يستطع المقاومة أكثر و بكى بشدة و هو يقول (( ألن تأخذني في حضنك يا صديقي؟؟ ألن تودعني يا سليم؟؟ ربما لن نرى بعضنا بعد الآن )) وقف سليم و قال بصوته الباكي و هو ما زال يكابر (( لا أريد توديع أحد.. اذهب إن شئت فهذا لا يهمني.. هيا اذهب و أقفل الباب ورائك )) قال أكرم و قد زاد موقف سليم من حزنه (( إذن خذ هذا العقد.. إنه مصنوع من الياسمين و قد صنعته أمي لك.. إنها تعرف بأنك تحب الياسمين كثيراً و قد أخبرتني بأنها كانت تصنع لك عقداً كل يوم فيما مضى و لكنها توقفت عندما أصبحت رجلاً منشغلاً بأعماله.. أعذرها فهي لم تدري بأن روحك الطيبة لم تتغير برغم كثرة أموالك و لو سألتني لأخبرتها بأنك ما زلت للآن تحب الياسمين.. هذا العقد هدية منها لأنها لم تجد الوقت الكافي حتى تأتي و تودعك بنفسها )) و وضع أكرم العقد في الطاولة و خرج بكل هدوء و أقفل الباب.. فالتفت سليم إلى العقد و أخذه بين يديه برقة حتى لا يتفكك و عندما اشتم رائحته الجميلة ركض إلى الخارج و صرخ بأعلى صوته (( أكــــــرم.. انتظر يا صديقي )) وقف أكرم بمكانه عندما سمع صوت سليم، فجاء سليم و أخذه في حضنه آذناً لدموعه التي حبسها طويلاً بالنزول أخيراً و كانت لحظة الوداع مؤلمة بين الصديقين اللذان قضيا معظم أوقات حياتهما مع بعض، و لكن للأسف سليم لم يستطع منع أكرم من السفر... و هكذا سافر أكرم و ترك سليم حزيناً عليه لا يصله به إلا ذكريات الماضي الجميل......




الجــــــــ 49 ـــــــزء:

و في وقت لاحق، كان سليم نازلاً من غرفته و هو بكامل أناقته و عندما رأته والدته التي كانت تجلس بجانب والده قالت له (( لماذا أنت بكامل ملابسك، إلى أين تريد الذهاب في هذا الوقت؟! )) قال سليم بثقة و هو ينظر لوالده (( أريد إرجاع أموال جمال يا أبي )) قال عبد الوهاب بضجر (( ألم تسأم من ترديد هذا الكلام؟؟ إني لم أرى أعند منك في حياتي!! )) قال سليم (( لا لم أسأم و لن أسأم أبداً، و حتى ننتهي من هذا الكلام يجب أن تعطيني الأموال الآن و تسمح لي بإرجاعها و يعود كل شيء كما كان في السابق )) قالت جمانة (( أباك عنده حق يا سليم، يجب عليك أن تستمع لكلامه )) قال سليم لوالده و هو ينظر لعينيه (( لن أستمع لكلامك يا أبي لأنك علمتني )) ردد عبد الوهاب بدهشة (( علمتك؟!! )) قال سليم و هو يبتسم (( نعم علمتني يا أبي.. علمتني أن لا أظلم أبداً )) ثم ضحك و هو يكمل (( أتذكر عندما كنت صغيراً و كنت آخذ ألعاب يزن بالقوة فتضربني أنت و تقول لي بأنه لا يجوز لنا أن نأخذ ما ليس لنا و خصوصاً إذا كنا نملك مثله و لسنا بحاجة إليه.. أنت من علمني أن لا أظلم أحداً، فكيف تريدني الآن أن أسكت عن هذا العمل؟؟ )) ضحك عبد الوهاب كثيراً حتى دمعت عيناه ثم قال بفخر (( من الرائع أن يعلمني ابني عمل الخير بعد هذا السن.. لقد أقنعتني أيها العنيد..منذ الصباح و أنا أنتظرك.. كنت أريد أن أرى أن كنت ما زلت مصراً أم أنك تراجعت و لقد قمت بالاتصال بمحاميّ الخاص و طلبت منه تجهيز كل الأوراق اللازمة يا سليم.. فاذهب إلى شركتي و خذ الأوراق و سلمها لرجال جمال.. هيا يا عنيد اذهب و أرجع أموال جمال )) ابتسم سليم برضا ثم قال (( هل تعني حقاً ما تقوله يا أبي؟! )) قال عبد الوهاب وهو سعيد لفرحة ابنه (( نعم أعني ما أقوله، هيا أذهب بسرعة قبل أن أغير رأيي )) جاء أمجد و جلس بجانب والده و تثاءب بقوة ثم قال (( صباح الخير لكم جميعاً.. كم الساعة الآن؟؟ )) قال سليم بعد أن نظر لساعته (( أي صباح هذا الذي تتكلم عنه؟! الساعة الآن الثانية بعد الظهر.. لا أصدق كم تحب النوم يا أمجد.. إن مت سيكون سبب موتك النوم )) قال أمجد و هو يأخذ تفاحة من أمامه و يقضمها (( إلى أين تريد الذهاب في هذا الوقت؟ إنه وقت الغداء.. هل عادت من قامت بسرقة أخينا من أمنا؟؟ )) قال سليم بلؤم (( مثلما تقول لك أمي دائماً اخرس و لا دخل لك بالموضوع )) ثم التفت لأمه و أباه و قال لهما (( أنا خارج و ربما سأتأخر لذلك لا تنتظراني على الغداء )) قالت أمه برجاء (( صوفيا تريد أكل الطعام معك يا ابني )) قال سليم بملل من سيرتها (( لدي أعمال أهم من صوفيا الآن.. هل اكتشفت أن أمجد القبيح ليس سليم الوسيم؟ )) قالت جمانة بضيق من تصرفه (( نعم و أنا لم يعجبني ما فعلته بها.. كيف استطعت خداعها بهذه الطريقة؟؟ )) قال سليم و هو يتوجه للخارج (( أرجوك أنسي هذه الـ صوفيا لدقيقة واحدة، أنا ذاهب إلى اللقاء )) قالت أمه (( انتظر و اخبرني من أين لك هذا العقد الجميل من الياسمين حول عنقك؟ أكيد أن صوفيا هي من صنعته لك.. يبدو أنها قامت بقطف الياسمين من الحديقة لأجلك )) قال أمجد (( لا يوجد عندنا ياسمين في الحديقة يا أمي )) نظرت إليه أمه بغضب لإفساده مخططها بتدخلاته الفضولية فقال بخوف (( لم أكن أقصد إفساد الأمر و لكني كنت أريد أن أقول بأنها أشترت هذا الياسمين و لم تقطفه )) قال سليم (( كفا عن المجادلة، هذا العقد من عند أم أكرم.. لقد أهدتني إياه قبل أن يسافروا لإيطاليا )) قال عبد الوهاب (( و هل رحل أكرم مع عائلته؟ )) تألم سليم لذكرى صديقه و قال بحزن (( نعم يا أبي رحل ذلك الأناني.. رحل و تركني وحيداً هنا بلا أصدقاء.. لقد نسى بأنه بالنسبة لي أعز صديق و أعز أخ في الدنيا و لكنه أصر على الرحيل و تركي و لم تفد كل محاولاتي في منعه لذلك ودعته في الصباح )) قال عبد الوهاب مواسياً (( دعه يا ابني فربما لم يرحه المكان هنا و إذا أردت اللحاق به فافعل بعد أن تتزوج )) قالت جمانة (( ماذا يفعل؟! هل جننت يا عبد الوهاب؟! ابني لن يذهب إلى أي مكان و عندما يتزوج سيبقى معي هنا في بيتي.. هل آخذ هذا العقد يا سليم؟ )) قال سليم و هو يناولها العقد (( نعم خذيه، مع أنه غالي عليّ و لكنه يرخص لأجل عينيكـ ، و لكن لا تحاولي أن تعطيه لابنة خالتي و تقولي لها أنها من عند سليم فأنا سأنكر ذلك )) ثم خرج عنهم و ذهب لقضاء أعماله.....
و في صباح اليوم التالي كان سليم ينوي الخروج أيضاً فذهب أولاً لطاولة الإفطار و وجد أمجد وحده يأكل فطوره، فجلس بجانبه و قال له (( صب لي فنجاناً من القهوة يا أمجد )) قال أمجد و هو يرفع رأسه (( و من أخبرك بأني أعمل عندك؟! إن كنت تريد القهوة فصبها لنفسك و إن كنت تريد الفطور فاعمله لنفسك فلا أحد في البيت غيرنا أنا و أنت )) قال سليم (( أين ذهبت أمي؟؟ )) رد أمجد (( صوفيا ذهبت للسوق حتى تتجهز لعرسها )) قال سليم بتهديد (( أنا لم أسأل عن صوفيا و إنما سألت عن أمي و إن حاولت أن تخفف دمك معي فسأضربك يا شاطر لأنك تقول لا أحد في المنزل سوانا )) قال أمجد متجاهلاً التهديد (( المفروض أن تفرح لأن صوفيا سريعة في التجهز )) أمسكه سليم من قميصه بقوة فقال أمجد بسرعة لينقذ نفسه (( أمي ذهبت معها و هذه كانت فكرة أمي طبعاً حتى تثنيك عن الزواج بمآثر )) تركه سليم و وقف ثم قال له (( إذا سئلت أمي عني عندما ترجع فقل لها بأني لن أعود حتى الليل )) قال أمجد (( إلى أين؟؟ أجلس كنت أمزح معك، سأصب لك القهوة )) قال سليم (( و من قام بتحضيرها ما دامت أمي بالخارج؟ )) قال أمجد بتباهي (( أنا و بكل فخر.. هذه القهوة من صنع يدي فاجلس و تذوق بعضاً منها )) ابتسم سليم بسخرية و قال (( لا أريد أن أتسمم، أفضل أن أذهب إلى أحدى المقاهي أو سأشرب القهوة في الشركة فأنت أسوأ من يدخل إلى المطبخ )) قال أمجد (( إذن سأقول لأمي بأنك ذاهب للقاء مآثر و سنرى عندها كيف ستخرج من هذه المشكلة )) ضحك سليم ثم قال و هو يتوجه للخارج و يلوح له بيده (( إلى اللقاء يا أسوء طباخ ))....
توجه سليم إلى بيت جمال و عندما وصل قرع الجرس ففتح شاب له الباب و سلم عليه ثم قال سليم (( هل السيد جمال موجود في البيت؟ )) قال الشاب (( لا إنه ليس هنا، و لكن من أنت و ماذا تريد من جمال؟؟ )) قال سليم و هو ينظر للشاب بتمعن (( أعتقد أني رأيتك في المستشفى منذ شهران.. هل أنت طبيب؟ )) رد الشاب (( نعم و اسمي حسن و أنا شقيق جمال و الآن أخبرني من أنت )) قال سليم و هو يصافحه (( لن أخبرك من أكون حتى تخبرني أين السيد جمال )) قال حسن و هو يتنهد بضيق (( جمال في المستشفى، الجميع في هذه البلدة يعرفون أنه دخل المستشفى )) قال سليم (( هل أصيب بسكتة قلبية مرة أخرى )) قال حسن بحزن (( نعم و لقد نجا منها بصعوبة شديدة.. لقد كان قريبا جدا من الموت هذه المرة و هو الآن عاجز عن المشي و كل هذا بسبب ذلك المتبجح المدعو سليم.. تصور إن والده استولى على كل أموال أخي لأنه كان يعتقد أن جمال قتل ولده )) قال سليم و هو يرفع حاجبه (( أولم يفعلها جمال؟! الجميع يقولون بأنه قتل سليم )) قال حسن بثقة (( سليم حي و لم يمت، و جمال لا يحاول إيذاء أحد من دون سبب )) قال سليم (( و هل رأيته بنفسك حتى تعتقد بأنه حي؟؟ )) رد حسن (( منير رآه و هو الآن سيحاول مقابلته ليتفاوض معه بشأن أموال أخي )) ضحك سليم بمرح ثم قال (( الأموال أخذها أبي و لست أنا حتى تفاوضوني و الأهم من ذلك أن الأموال رجعت إلى صاحبها منذ الأمس.. أنا ذاهب إلى المستشفى، إلى اللقاء )) ثم التفت ليذهب و هو يلوح له بيده، فقال حسن بحيرة (( أباك؟! من أنت؟! هيا أخبرني )) قال سليم و هو يبتسم من دون أن يلتفت له (( أنا سليم عبد الوهاب )) قال حسن بخوف (( سليم!! أرجوك لا تخبر جمال بأنك قابلتني، سيغضب مني بشدة إن علم عن كل ما أخبرتك به )) قال سليم و هو يمشي للخارج (( اطمئن و كأني لم أقابلك، لأن عندي ما هو أهم منك.. إلى اللقاء ))......


الجــــــــ 50 ـــــــزء:

في المستشفى كانت رحاب جالسة أمام غرفة جمال و هي تأكل فطورها و آثار الحمل واضحة عليها ببطنها المنتفخ أمامها، فسمعت صوتا من جانبها يقول (( ألا تريدين أن يشارككـ أحد فطوركـ أم أنكـ تحبين الأكل لوحدكـ؟ )) رفعت رأسها و عندما رأته وقفت بهدوء ثم قالت و هي تشبك يديها مع بعض (( أنت مرة أخرى!! ما الذي تريده هذه المرة؟؟ )) قال سليم و هو يكمل عنها (( ألا يكفيك ما فعلته في المرات السابقة يا سليم السيئ؟؟ )) ثم ضحك و قال (( يبدو أنكـ لم تتفاجئي لرؤيتي.. ماذا، ألم تسمعي بوفاتي؟ )) قالت له بغضب (( المفروض أن لا تضحك لأني الآن في موقف حرج، ألا ترى أننا نقف أمام غرفة العناية المركزة؟! و جمال داخل تلك الغرفة و بمجرد سماعه لصوتك ستعاوده عصبيته لذلك ارحل و كف عن إزعاجي.. و لم أتفاجأ لأن منير بالأمس رآك أمام شركة والدك و أخبرنا أنك حيّ )) قال سليم (( و هل أخبر جمال؟؟ )) صاحت به (( لا دخل لك بجمال دعه و شأنه و أرحل من هنا )) ثم التفتت و قالت و هي تبتعد عنه (( أنا تعبة جداً و لا وقت عندي لمجادلتك لذلك وداعاً )) لحقها سليم قبل أن تختفي عن أنظاره و أمسكها و شدها إليه بحنان حتى أصبحا لا يفصل بينهما إلا بضع سنتيمترات ثم قال لها برقة و عطف و هو ينظر لعينيها (( ألم تفرحي لأني حي يا رحاب؟! ألم يسعدكـ الخبر؟! أنا أعلم جيدا أنكـ تحبيني مثلما أحبكـ و لكن خوفكـ من جمال و غيرته عليكـ هو ما يمنعكـ من الإفصاح أليس كذلك؟؟ )) نظرت إلى عينيه بحزن شديد ثم وضعت يدها في خده و مررتها في وجهه لتتأكد من أنه حي أمامها رغم مكابرتها و قالت له (( أنا أعترف بك كأخ لي يا سليم لأن أمي قبل موتها أخبرتني عنك و أخبرتني أنها نادمة جداً لتركك و لكنها عندما رجعت إليك لم تجدك فظنت أن أباك قد أخذك و هو كذلك ظن أن أمي قد أخذتك و هكذا عاش كل منهما حياته الخاصة، هو رجع لزوجته السابقة أم حسام و خالد، و أمي أرجعها أبي و عندما تقابلا بعد عدة سنوات علما بالمصيبة التي كانا السبب في حصولها.. فبحثا عنك حتى علما كل شيء عن حياتك في إيطاليا و عندما رأياك سعيداً في ظل تلك العائلة الرائعة لم يريدا إفساد الأمر و باعتقادي هذه كانت أنانية منهما لأنه من حقك أن تعلم و تقرر الذي تريده لا أن يقررا هما حتى لا يفسدا حياتهما الجديدة.. للأسف يا سليم لقد ضحيا بك من أجل سعادتهما، أمي حتى لا يغضب أبي و نتشتت أنا و عاطف، و العم أحمد حتى لا تتركه ابنة عمه و يخسر من جديد حسام و خالد و معهما صبا أيضاً.. أمي يا سليم طلبت مني قبل موتها أن أبلغك اعتذارها عن كل ما سببته لك من ألم.. لقد كانت نادمة بشدة قبل موتها..ضميرها كان يؤنبها بشدة و كانت تتمنى رؤيتك.. أعرف أني تأخرت في نقل الاعتذار و لكني أرجوك من أجلي سامحها يا سليم، فهل تفعل؟؟ )) قال سليم و هو يقبل يدها (( نادني أخي )) همست له بدهشة (( ماذا؟! )) قال لها (( طلبت منكـ أن تنادني أخي، فهل هذا صعب عليكـ ؟! )) ابتسمت و هي تبكي بفرح ثم قالت و هي ترمي نفسها في صدره و تضمه بأقوى ما عندها (( أخــــي.. نعم أنت أخي يا سليم )) قال سليم و هو يبتسم براحة و رضا (( إذن أنا سامحت أمي و أبي أيضاً معها.. أعرف بأنهما أخطئا في حقي لكني بسببهما قابلت جمانة و عبد الوهاب، لذلك أنا ممتن لهما كثيراً.. أنا آسف جداً يا رحاب لأني رفعت يدي عليكـ و ضربتكـ في ما مضى.. أنها المرة الأولى في حياتي التي أمد فيها يدي على امرأة و لسوء حظي كنت أنت هذه المرأة يا أختي )) قالت له (( أنت لم تضربني و لكنك أيقظت ضميري الميت بداخلي لذلك شكراً لك يا أخي العزيز، و لكن أرجوك لا تدخل و تقابل جمال فهو متعب جداً و اليوم فقط استطاع الكلام.. لقد فقدنا كل شيء، و خسرنا شركته التي تعب في تأسيسها منذ خمسة عشر عاماً و بيتنا الجميل الذي عشنا فيه أجمل أيام حياتنا سنخليه بعد أسبوع و....... )) قاطعها سليم و هو يضع يده على فمها قائلاً (( لا تكملي يا أختي، فلقد أعاد أبي كل شيء لجمال و لم يأخذ منها شيئاً أبداً )) قالت رحاب بدهشة كبيرة (( مــــاذا؟! و هل من المعقول أن يعيد شخص كل هذه الأموال بهذه البساطة؟!! )) قال سليم (( نعم، فأبي لم يكن بحاجة لهذه الأموال و لكنه كان مقهوراً لأن الشخص الذي قام بقتل ابنه حر طليق و الشرطة لم تجد أي دليلاً ضده و لذلك فعل كل هذا لينتقم منه.. و الآن كل شيء تغير فلقد أعدت كل أموال جمال و هي الآن كلها باسمه و قمت بفكاك رهن البيت لذلك أريد أن أقابله )) قالت رحاب بضيق (( و هل يجب أن تخبره بذلك بنفسك؟! )) قال سليم (( لا أريد إخباره بشيء، الذي أريده فقط هو طلب مآثر منه.. أريد أن أتزوجها بأسرع ما يمكن فلقد مللت من الانتظار )) قالت رحاب (( و هل تعتقد بأنه سيوافق؟؟ )) قال سليم بثقة (( نعم فلقد مضى الشهر الذي حدده و هو كما أعلم رجل يفي بوعوده فاسمحي لي بالدخول )) قالت رحاب و هي تبتعد قليلاً عنه (( أنا آسفة يا سليم و لكني لا أستطيع السماح لك بالدخول.. أرجوك قدر موقفي )) و فجأة انفتح باب الغرفة المقابلة لهما فالتفتا إليها و كان جمال يقف هناك و هو يتكئ على عكازين فقال بهدوء (( دعيه يدخل يا رحاب )) قالت رحاب بفرح (( أنت تقف يا جمال )) رد جمال (( نعم أقف و لكن أجلي الفرحة لوقت آخر و اتركينا لوحدنا )) قالت رحاب لتتأكد مما سمعته (( لوحدك مع سليم؟! )) رد سليم (( و هل سآكله؟! اطمئني فأنا لست جائعاً الآن و إلا لكنت أكلتكـ قبله )) نظرت رحاب بغضب لسليم لأنه سخر منها ثم ذهبت عنهما، فابتسم سليم ثم التفت لجمال و قال له (( يبدو أنك أقوى مما كنت أتوقع يا سيد جمال )) قال جمال و هو ينظر إليه بتساؤل (( لماذا أرجعت الأموال يا سليم مع أن والدك كسبها بطريقة شرعية؟! )) قال سليم ببساطة (( تشريد أولادك و زوجتك لا يعتبر طريقة شرعية بالنسبة لي يا جمال )) قال جمال (( و هل تريدني أن أشكرك على ما فعلته؟؟ )) قال سليم (( لا.. لا أريدك أن تشكرني و لكني أريدك أن تتأسف مني )) نظر إليه جمال بدهشة و صدمة مما سمعه الآن و قال له باستنكار (( أنا جمال الدين الحسيني تريدني أن أتأسف منك أنت؟! لماذا؟؟! هل سرقت أموالك؟؟ )) قال سليم و قد قرر في هذه اللحظة أن يتوصل لحل كل الخلافات بينهما (( لا، و لكنك حاولت سلب روحي أكثر من مرة لولا أن نجاني الله منك و أيضاً تكلمت عن أمي و هذا هو السبب الرئيسي لكل مشاكلنا و لنكن متعادلين فأنا صرخت بوجهك و تكلمت بسوء عن زوجتك رحاب و قلت بأني سأتزوج مآثر برضاك أو بدونه و هذا كله كان خطأ مني فلم يكن لي الحق في كل ما قلته و أنا أقسم أني لم أكن أقصد أي كلمة مما قلته فقد كنت غاضباً جداً منك و لذلك تفوهت بتلك الكلمات السيئة )) ثم قال و هو يحني رأسه باحترام (( أنا آسف يا سيد جمال و أرجو أن تسامحني على كل ما قلته )) نظر إليه جما طويلاً و هو متعجب مما فعله أمامه الآن ثم قال له بحيرة (( من أنــــت؟!!! كيف تستطيع فعل كل هذا؟ و لا تقل لي أنا سليم عبد الوهاب، فأنا أعرف أن أسمك سليم و لكنك شخص نادر لا وجود لمثله في زمننا.. أخبرني كيف استطعت إقناع إخوتك بحبك؟! كيف استطعت أن تبين للجميع أنهم هم المخطئون و أنت الذي على حق؟! و الأهم كيف تتأسف مني بعدما أهنتك و حاولت قتلك؟!! لقد استطعت بأفعالك كسر كبريائي و غطرستي يا سليم لذا أرجو أن تسامحني على كل كلمة سيئة نطقتها بحق أمك، فالأم التي قامت بتربيتك لا تستحق إلا كل احترام و تقدير )) قال سليم (( الآن أستطيع طلب الزواج من مآثر فهل تقبل أن تزوجني إياها؟؟ )) قال جمال (( بالطبع أقبل و لقد أرسلت رجالي ليأتوا بها و لكن عندي شرط واحد )) قال سليم بفرح لا مثيل له (( ما هو هذا الشرط.. أطلب و تمنى )) قال جمال (( الخاتم )) ردد سليم وراءه بحيرة (( الخاتم؟! )) قال جمال (( نعم.. الخاتم الذي تكلمت عنه في الصحف.. أريدك أن تهديها نفس الخاتم و بنفس القيمة فماذا قلت؟؟ )) قال سليم و هو يضحك (( طبعاً موافق )) قال جمال (( و هناك شرط آخر أهم من هذا و يجب أن تحققه )) قال سليم (( و ما هو هذا الشرط المهم؟؟ )) قال جمال (( خذ ابنتها معها فهي لن تقبل أن تعيش بعيداً عنها و أجعلها تعيش حياة سعيدة معك فهي تستحق هذا بعد كل الذي عانته فيما سبق و الأهم من كل ذلك إياك و مناداتي عمي فعندها سأعاود محاولاتي لقتلك هل فهمت؟ و الآن هيا أنصرف و اتركني حتى أرتاح فلقد أرهقتني )) قال سليم (( حسناً، و لكن ماذا عن زوجها السابق؟ أعني والد ابنتها، ألن يطالب بابنته؟؟ )) قال جمال و هو يجلس على أحد الكراسي (( ذلك المعتوه دخل السجن و لن يخرج منه أبداً، لأنه تزوج من امرأة غنية و قتلها طمعاً في أموالها فأمسكت به الشرطة و هو الآن في السجن و قد أخذ حكماً مؤبداً بالسجن مدى الحياة، لذلك لا خوف منه أبداً )) قال سليم (( إذن إلى اللقاء و سآتي لمقابلتك أنا و أبي عندما تعود مآثر )) و ذهب سليم متوجهاً إلى الخارج فناداه جمال قبل أن يبتعد، فالتفت سليم إليه متسائلاً فقال جمال و هو يبتسم لأول مرة منذ أن رآه سليم (( شكراً على كل ما فعلته )) أومأ سليم له برأسه ثم ذهب عنه........


الجــــــــ 51 ـــــــزء:

عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عاد سليم إلى البيت و عندما فتح الباب دخل بهدوء شديد حتى لا يسمعه أحد و لكن كان هناك شخص يشاهد التلفاز لم يميز ملامحه لأن كل الأنوار مطفئة ما عدا ضوء صغير بجانب التلفاز، فقال سليم في نفسه (( أرجو أن لا يكون أحد الثلاثة، أمي أو أبي أو صوفيا.. أتمنى أن يكون أمجد )) ثم خلع حذاءه و استمر في المشي بهدوء و لكن ذلك الشخص التفت إليه و رآه و قال له (( إلى أين يا سليم؟! ألا تريد أن تسلم علي؟ )) التفت سليم إليه ثم قال (( من؟ وحيد؟! ما الذي أتى بك إلى هنا؟ و كيف سمحوا لك بترك عملك هناك؟ )) تقدم وحيد و سلم على أخوه بكل ود و اشتياق ثم قال له (( كيف حالك أيها العاشق؟ لقد اشتقت لك كثيرا.. هل شفيت من كل إصاباتك أم ما زالت أمنا تدللك؟ )) قال سليم بضجر (( لا تتكلم الآن مثل أمجد و هيا أخبرني كيف جئت إلى هنا لأنه على حد علمي أنك شريك مع يعقوب في تجارته و أنا أعرف جيدا أنه لا يرحم من يتخلف عن عمله و نادراً ما يعطي الإجازات لأحد فماذا فعلت به حتى سمح لك بالمجيء؟؟ )) ابتسم وحيد و قال له بعد أن جلسا (( يعقوب هنا معي هو و زوجته و أولاده و أيضا قاسم هنا مع زوجته و ولده الصغير و زوجتي و نور البيت ابنتاي هنا )) قال سليم بحماس (( رائع، و هل هناك حفلة ما؟ فنحن لم نجتمع هكذا منذ أن تركت أنا إيطاليا )) ضحك وحيد ثم قال (( يبدو أن المسئوليات التي ستلقى على كاهلك قد أثقلتك قبل أن تصل إليك.. إنه مجرد زواج فلماذا أنت خائف هكذا؟ )) قال سليم و هو يمسح رأسه (( كيف علمت بأمر زواجي؟؟ اليوم فقط وافق ولي أمرها على أن يزوجني بها، فكيف عرفت؟! )) قال وحيد (( علامات الفرح على وجهك تفضحك، و لكن كيف وافق ولي أمرها على زواجك بها اليوم و هو الذي كان يلح عليك حتى تتزوجها منذ سنوات؟!! )) قال سليم و هو يتمدد في الكرسي براحة (( اليوم ذهبت لمقابلته و.... )) ثم قطع كلامه و وقف و قال بعصبية (( من هي العروس التي تعتقد بأني سأتزوجها يا سيد وحيد؟! )) وقف وحيد مواجها له و قال بهدوء (( و هل يوجد هنا غير صوفيا لكي تتزوجها يا سيد سليم؟؟ )) قال سليم و هو يصرخ و يشد شعره بقهر (( آآآآه.. إن لم يفلح جمال بقتلي في السابق فلن يقتلني سوى صوفيا.. أنا لم أكن أقصدها أيها الغبي و لم أكد أقصد بولي الأمر أمي )) قال وحيد (( اخفض صوتك أيها المجنون حتى لا توقظ أبي و يحصل لك ما لا تحمد عقباه لأنها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل و أنت على حد علمي خرجت منذ الصباح الباكر و لم تعد إلا الآن.. أمي هي التي أخبرتنا بأنك أخيرا وافقت على الزواج من صوفيا و عندما كلمت أمجد في الهاتف أكد كلامها و أبي أيضا أكد ذلك و عندما وصلنا في وقت العصر أمي أخبرتنا بأن العرس سيقام بعد عدة أسابيع و أيضا منذ ثلاث ساعات دخلت لغرفتك لأخرج بناتي و أمنعهن من اللعب فيها و عندها بكل فضول رأيت ملابسك الجديدة و أظن أن أحدها بدلة للعرس و هي كما تبدو غالية الثمن، فإن لم تكن تريد الزواج فبماذا تفسر وجود تلك الملابس الجديدة؟؟ )) ركل سليم بغضب أحد الكراسي أمامه فآلمته قدمه و لكنه كتم صرخته حتى لا يوقظ أباه أو أمه ثم قال و هو يتحسس قدمه بألم (( آخ يا قدمي، إن هذا مؤلم بشدة.. لقد فعلاها أبي و أمجد الوغد، أنا سأريهما.. أنهما أمامي معي و من ورائي يقفان مع أمي.. أنا أريد أن أتزوج اليوم قبل الغد يا أخي العزيز، و التي أريدها زوجة لي مسافرة و عندما تعود سوف نتمم كل شيء و هي بكل تأكيد ليست تلك المدعوة صوفيا... فصوفيا هذه آخر من أفكر بالزواج بها، ألم ترى شعرها الغريب و قد صبغته باللون الأحمر الفاتح؟! ألم ترى شكله و قد ثبتته بشكل غريب بحيث أنه لو مرت بها ريحا عاصفة فلن تتحرك منها شعرة واحدة!! و أيضا وجهها الذي صبغته بكل ألوان الطيف.. إنها صناعية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فكيف تريدني أن تزوجها؟؟! )) قال وحيد و قد رأف لحال أخيه (( توقف عن هذا، ستتسبب في كسر قدمك و عندها لن يفيدك غضبك.. أمي من تريدك أن تتزوجها وليس أنا، و لكن من هي التي تريد الزواج منها؟ )) قال سليم و هو يتنهد بملل و ضجر من حاله التي لم تستقر حتى الآن (( من أريد الزواج منها امرأة طبيعة لا تفعل مثل صوفيا أبدا، هي الوحيدة التي استطاعت كسر قفل قلبي الذي لم يهتم بامرأة من قبل، إنها أجمل من رأته عيناي من النساء بالنسبة لي و أسمها مآثر )) قال وحيد مازحا و هو يضع يده على كتف سليم (( يبدو أنها اكتشفت فيك موهبة جديدة يا أخي، فأنا أرى قصائد الغزل تنهمر من شفتيك منذ أن بدأت الكلام عنها )) قال سليم برجاء و هو يمسك بيدي وحيد (( دعك من هذا يا وحيد، يجب أن تساعدني حتى أقنع أمي لأني إن لم أتزوج مآثر فلن أتزوج سواها )) أبعد وحيد يديه ثم قال و هو يمسح على رأسه بتوتر (( لا أحد يستطيع الوقوف في وجه أمي وأنت أدرى الناس بذلك، إن عجزت أنت يا من تفضله علينا جميعاً في إقناعها فكيف سننجح نحن بذلك؟؟ )) ثم ابتسم و أكمل بحماس (( عندي فكرة جيدة سوف تساعدك بالتأكيد )) قال سليم (( و ما هي هذه الفكرة أيها العبقري؟؟ )) قال وحيد و هو يكتم ضحكاته و يحرك يديه بطريقة مسرحية ثم يصعد على طاولة صغيرة كانت موجودة أمامهم (( إصلاح صوفيا... اذهب بها إلى أحدى مراكز تصفيف الشعر و اجعلها تزيل الصبغة الحمراء عن شعرها ثم اطلب منها أن تجعله ناعما و منسدلا بدلا من إعطائه الحرية في الطيران.. و من ثم أخبرها أنك لا تحب أن تلون امرأتك وجهها بالألوان و لأنها تحبك سوف تطيعك و بذلك تصبح امرأة طبيعية مثل مآثر التي تريدها ثم تزوجها و أرضي أمي لأنك و بكل بساطة لن تجد من يقف معك من أهل البيت و قصة موافقة أمي على زواجك من مآثر نادرة إن لم تكن مستحيلة.. و الآن تصبح على خير أنا ذاهب للنوم )) و نزل عن الطاولة، فقال سليم (( شكرا على النصيحة و على السخرية مني و لكن عندما تقع في مشكلة مع أمي بسبب عدم إنجاب زوجتك للأولاد فلا تطلب مني التدخل ثانية هل فهمت؟؟ )) ضحك وحيد و ذهب عنه ثم بعد قليل ذهب سليم أيضا للنوم لأنه كان متعبا جدا..


الجــــــــ 52 ـــــــزء:

و في صباح اليوم التالي كان سليم يجفف شعره في غرفته بعد أن استحم و فجأة سقط للخلف فوق سريره بعد هجوم ساحق من بنات وحيد، فضحك بقوة ثم قال بفرح و هو يضمهما لصدره (( مرحبا بشمس البيت و قمره.. أين كنتما؟ لما أركما منذ أن وصلتم )) قالت لارا بزعل و هي تعقد حاجبيها و تمد شفتيها للأمام -عمرها 4 سنوات- (( أنت لا تحبنا يا عمي، أنا غاضبة منك )) طبع سليم قبلة قوية على خدها الأحمر ثم حملها و قال لها و هو يعقد حاجبيه و يقلدها (( لماذا يا عيون عمك ما الذي فعلته حتى أكون السبب في إغضاب أحب الناس إلى قلبي؟! )) شدت سارا قميصه و مدت يديها له حتى يحملها مثل أختها -عمرها 7 سنوات- و عندما حملها قالت له (( عمي أمجد يقول بأنك لا تحبنا لأنك لم تسأل عنا )) أكملت لارا بهلع و هي تبكي ثم تمسك وجه سليم بيديها الصغيرتين و تجعله ينظر لها (( و قال بأنك قتلت لولو.. هل هذا صحيح يا عمي؟! )) قالت سارا و هي تبكي مثلها ثم تجعله يصد بوجهه لها (( أين لولو يا عمي؟! لقد وعدتنا أن تعتني بها )) أنزلهما سليم و هو يشتم أمجد في نفسه، ثم مسح دموعهما و جلس في الأرض و أجلسهما في حضنه و قال بحنان و عطف و هو يمسح بيديه على شعرهما الناعم (( توقفا عن البكاء، لا أستطيع أن أرى هذه اللآليء تنزل من عيناكما بسببي، أمجد شرير و لقد وعدتماني أن لا تصدقاه أبدا، أنا أحبكما و بالأمس كنت مشغولاً و عدت للبيت في وقت متأخر و عندما ذهبت لأراكما وجدتكما نائمتين )) ثم أوقفهما أمامه و قال و هو ينظر لعيناهما (( لولو كانت مريضة و لقد ماتت و استراحت حتى لا تتألم، هل تريدان لها أن تتألم؟ )) توقفا عن البكاء و هزا رأسيهما بنفي دون أن يتكلما، فاستغل سليم ذلك و صد بوجهه عنهما و قال (( أنا غاضب منكما و لن أتكلم معكما مرة أخرى.. كيف تصدقان أمجد؟! أين ذهب وعدكما لي؟ )) اقتربا منه بسرعة و أخذا يقبلانه في كل وجهه و يطلبان السماح، فقال و هو يضحك بعد أن كاد يختنق منهما (( حسناً حسنـــــاً توقفا.. لقد استحممت منذ قليل و أنتما ملأتما وجهي باللعاب، لقد سامحتكما و لكن لا تكرراها و اذهبا الآن لتنتقما من أمجد الكذاب )) قالت سارا (( و لكن البيت ممل من دون وجود قطة فيه )) قال سليم و هو يقرص خدها (( و من يريد قطة و أنتما أجمل قطتين أمامه؟! )) قالت لارا ببراءة (( نحن نريد يا عمي )) قال سليم و هو يبتسم لبراءتها (( أعدكما أن أشتري لكما أجمل قطة أجدها في محل الحيوانات )) أخذا يقفزان بفرح و يصرخان بقوة فدخل وحيد و قال (( أنتما هنا أيتها الشقيتان.. هيا للاستحمام لأن اليوم موعد طبيب الأسنان و كفا عن الصراخ حتى لا تسمعكما أمي و تغضب )) قالت لارا (( في البداية سنذهب لأمجد حتى نضربه )) قال وحيد بغضب (( عيب يا لارا.. أمجد عمكـ و يجب أن تحترميه )) قالت سارا (( إنه شرير و كذاب و يجب أن ننتقم منه )) تقدم وحيد و أمسك يداهما بحزم ثم قال (( هيا أمامي الآن.. لا أريد أن أسمع هذا الكلام و إلا تعرضتما للعقاب الشديد )) قال له سليم (( لا تصرخ بوجههما هكذا، هما لم تخطئا، أمجد كذاب و شرير فاتركهما حتى يأخذا حقهما منه )) قال وحيد (( كان يجب أن أعلم أنك أنت من يعلمهما هذه الألفاظ.. أمجد عمهما مثلك و يجب أن يحترماه مهما فعل )) تجاهله سليم و أشار بعينيه للفتاتين، فأمسكت كل واحدة منهما بيد والدها وعضتاه بقوة فصرخ و تركهما، فهربتا بسرعة عنه متوجهتان لغرفة أمجد، فالتفت وحيد لسليم و قال له (( آآآآخ إن هذا مؤلم.. كيف تجرؤ على جعلهما يفعلان هذا بي.. أنا والدهما و المفروض أن تسمعا كلامي في كل وقت )) قال سليم و هو يضحك (( هذان الوردتان هما حياة البيت و المفروض أن لا تصرخ بوجههما هكذا.. ثم يجب أن تفرح لأني علمتهما أن تأخذا حقهما بيدهما )) قال وحيد (( و لكنك ستتسبب بالضرب لهما لأن أمجد لن يتركهما بدون عقاب بعد أن يفسدا نومه و أنت تعرفه )) قال سليم بثقة (( لا تخف عليهما.. إنهما ذكيتان و تعرفان الخطة البديلة جيداً )) نظر إليه وحيد حتى يفسر له، فأشار سليم لأذنه و عندها سمعا أمهم جمانة و هي تنهر أمجد بشدة، فضحك سليم ثم قال (( هل رأيت؟! بعد الانتقام توجها لحضن أمي و أنت تعرف كم تحبهما لأن كل أحفادها أولاد ما عداهما.. و الآن أمجد تلقى الضرب منهما و الصراخ من أمي.. إنه يستحق حتى لا يجرؤ على تحدي سليم الوسيم مرة أخرى.. هيا أخرج من هنا أريد أن أبدل ملابسي حتى أذهب لعملي )) قال وحيد (( حسناً يا مغرور، يمكنك تعلم بناتي كل ما تريد و لكن أبعدهما عن غرورك يا واثق )) قال سليم (( أنت تتمنى أن يصلا لنصف غروري و لكنهما لن يستطيعا بما أنك أنت والدهما )) ابتسم وحيد و ذهب لبناته و أقفل سليم الباب وراءه.... و بعد نصف ساعة كان سليم يضع الجل في شعره ثم يمشطه للوراء، ثم قال (( لقد طلا شعري كثيراً، يجب أن أقصره قبل يوم الزفاف )) فدخل عليه أبوه بعد أن قرع الباب ثم قال له (( أين كنت بالأمس؟! لقد انتظرتك حتى منتصف الليل.. أخبرني الآن متى رجعت؟؟ )) قال سليم و هو يبتسم بعذوبة (( صباح الخير يا أبي.. كم الساعة الآن؟ )) رد عبد الوهاب (( أعاتبك فترد علي بصباح الخير و كم الساعة!! )) قال سليم (( رجعت عند الساعة الواحدة و لقد ذهبت لأشرف على أعمالي المتوقفة بعد رحيل أكرم، و أيضاً قابلت جمال و خطبت مآثر منه و وافق و وعدني بالزواج منها عندما ترجع )) قال عبد الوهاب (( آه لهذا أطلقت الابتسامات العذبة و لم تحاول التهرب من الإجابة على سؤالي كعادتك.. إذن لقد وافق جمال، و لكن أمك العنيدة غير موافقة و ما زالت مصرة على ريحانة القلب صوفيا )) قال سليم (( ألم تعداني أنت و أمجد بالوقوف معي ضدها؟؟ )) قال عبد الوهاب بسرعة (( طبعـــاً و سننفذ وعدنا )) فنظر إليه سليم نظرة شك طويلة، فقال (( أوه، حسناً يبدو أن وحيد أخبرك بكل شيء.. إن أمك قوية و لا يستطيع أحد الوقوف ضدها عندما تغضب، لذلك عندما تقنعها أنت سنقف بجانبك أنا و أمجد )) قال سليم (( و ما فائدتكما في ذلك الحين؟! )) قال عبد الوهاب و هو يرفع كتفيه (( لا أعرف، و لكن أمك تستحم الآن و إذا أردت الهروب منها إلى الخارج فأسرع قبل أن تراك لأنها تريدك أن توصلها هي و صوفيا إلى السوق )) قال سليم (( أنا أريد الذهاب إلى الشركة و لا وقت عندي للذهاب إلى السوق )) دخل يعقوب و قاسم إلى غرفة سليم و سلما عليه بحرارة فقال لهما سليم (( قبل أن تباركا و تفعلا مثل ذلك المحتال وحيد أريد أن أسألكما سؤالاً واحداً و أرجو الإجابة عليه بكل صدق )) قال يعقوب (( اسأل كما تريد يا عريس )) تأفف سليم ثم قال (( لماذا لم يتزوج أحد منكم أنتم الثلاثة من صوفيا؟! لماذا أنا و أنتم أكبر مني؟؟ إنها جميلة فكيف سمحتم بأن تضيع من أيديكم يا بلهاء؟! )) نظر يعقوب و قاسم إلى بعضهما ثم قالا في نفس الوقت (( و هل نحن مجنونان في اعتقادك؟! )) قال سليم بيأس (( لا، أنا المجنون لذلك اختارتها أمي لي )) قال قاسم مواسياً له (( أنت الأجمل في نظر والدتنا و بنفسك قلت للتو أن صوفيا جميلة، لذلك الجميل للجميلة و أتمنى لكما التوفيق معاً )) ثم انفجر الجميع بالضحك فقال سليم لأخويه بقهر و غضب (( اضحكا كما شئتما و سواء قمتم بمساعدتي أم لا فأنا لن أتورط و أتزوج من امرأة لا أطيقها )) ثم أخذ حقيبة أوراقه من الطاولة و قال (( أنا ذاهب من هنا، و كل يوم سأخرج منذ الصباح و لن أرجع قبل الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حتى تقتنع أمي )) قال له يعقوب و هو ما زال يضحك (( هذا لن يفيد مع أمي و كلنا سنقف معها )) قال سليم و هو يخرج عنهم (( لا أريد سماع صوت أي واحد منكم أيها الخائنون فكثيراً ما كنت أساعدكم يا ناكري الجميل )).... و عندما نزل إلى الطابق السفلي رأى أمجد يتوجه إلى المطبخ فقال له (( أمجد لو سمحت أحضر لي بعض القهوة )) نظر أليه أمجد و هو يعلم جيداً أن إزعاج الفتيات له كان بسبب سليم و لذلك أراد أن يتجاهله، و لكن عندما رأى صوفيا جالسة في المطبخ ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة و قال لسليم (( من عيناي الاثنتان يا أخي الحبيب.. سآتي لك بالقهوة بسرعة )) قال سليم بعد أن جلس (( الأفضل أن تأتي بها من المطبخ يا خائن بدلاً من أن تسممني بعيونك )) دخل أمجد إلى المطبخ ثم قال في نفسه (( دائما أخبره أني لا أعمل عنده و لكنه لا يقتنع و لا ذنب لي فيما سيحصل.. يبدو أنه علم بما حصل و لهذا ينعتني بالخائن.. لذلك يجب أن أثبت له أني خائن فعلاً )) ثم صب أمجد بعض القهوة في كوب و توجه إلي صوفيا و قال لها (( انهضي يا ابنة الخالة.. هناك مهمة جديدة موجهة لكـ من خالتكـ جمانة التي تأمركـ بمحاصرة العدو و إلقاء الشباك حوله و عليه )) قالت صوفيا برجاء (( تكلم يا أمجد بلغة أفهمها.. ما الذي تريده مني خالتي؟! )) قال أمجد بإعجاب (( يعجبني إتقانكـ السريع للغة العربية )) قالت صوفيا بدلال (( لقد أتقنتها لأن سليم يحب التحدث بالعربية أكثر من الإيطالية )) قال أمجد (( و يعجبني أيضا هذا الدلال، و لكن أظهريه أمام سليم بصورة مكثفة حتى يقبل عليكـ بدلاً من تفكيره في سواكـ.. اسمعي، خالتكـ تقول اذهبي و احملي كوب القهوة هذا إلى سليم و تحدثي معه في عدة مواضيع و قولي له بأنكـ أنت من صنع هذه القهوة لأن أخي يحب المرأة التي تعرف كيف تطهو )) قالت صوفيا بصراحة (( و لكني لا أعرف شيئا عن الطهو )) قال أمجد (( ألم تدللكـ نفس المرأة التي دللت سليم؟! فهو أيضا لا يعرف شيئا عن الطهو.. أنا سأتكفل بتعليمكـ فيما بعد.. المهم الآن أن توقعيه في شباككـ بحيث لا يفكر في سواكـ.. هيا اذهبي، و إن شئت امسكيه من يده حتى لا يفلت منكـ.. هيا إنه ينتظر القهوة، و أحملي له أيضا الجريدة لأنه يحب قراءة الجرائد في الصباح، و إياكـ أن يبتعد عن ناظركـ.. و الأهم من كل شيء إياكـ ثم إياكـ أن يعرف بأني أنا من قمت بإرسالكـ إليه فعندها لن تجدي من سيعلمكـ الطبخ لأنه سيُقتل )) قالت صوفيا (( أنت لم ترسلني، إنها فكرة خالتي )) قال أمجد (( طبعا هي فكرة خالتكـ، و لكن أنا مرسالها، لذلك لا تأتي بذكر أسم أي رجل سواه فهو شديد الغيرة، و أيضا لا تقولي أن أمي أرسلتكـ.. دعيه يظن أنكـ جئت إليه لوحدكـ حتى يفتتن بذكائكـ بما أن جمالكـ منعدم مع هذه الإضافات الصناعية الرهيبة على وجهكـ )) قالت له و هي تصفق بفرح (( أنا أحب الرجل الغيور بشدة )) قال أمجد و هو يتصنع الجدية (( و أنا أيضاً، و لكن يجب عليكـ الإكثار من الخجل لأنه يحبه و أقرصي وجهكـ جيداً حتى يتبين الخجل على خدودكـ.. هيا اذهبي قبل أن تبرد القهوة ))....



الجــــــــ 53 ـــــــزء:

ذهبت صوفيا إلى سليم كما أمرها أمجد.. و عندما وصلت إليه ناولته القهوة فتناولها و هو شارد الذهن و عندما انتبه لها قال (( آ.. شكراً يا ابنة خالتي و لكن أين أمجد اللئيم فهذا العمل لا يقوم به إلا هو و أنا قاتله لا محالة )) جلست بجانبه و هي تبتسم بدلال و خجل ثم قالت له (( ما رأيك يا ابن خالتي بالمرأة الخجولة؟ هل تحبها؟ )) قال سليم وهو يبتسم بحنق (( ومن لا يفعل يا ابنة خالتي فأبي لم يتزوج خالتكـ إلا لكونها خجولة )) ضحكت صوفيا بصوت منخفض ثم أخذت تقرص وجهها مثلما قال لها أمجد و هي تقترب من سليم حتى أصبحت ملاصقه له و هو ينظر لها بدهشة ثم نهض عنها و قال لها باستغراب (( ماذا تفعلين أيتها المجنونة؟! لماذا تقرصين وجهك بهذه الطريقة؟! ألا يكفيه ما عليه من أصباغ حمراء حتى تزيدي عليه و تقرصيه؟ )) قالت له (( ألم تقل أنك تحب المرأة الخجولة؟ و المرأة لا يظهر خجلها إلا إذا احمرت و جنتاها )) قال سليم و قد وصل لأقصى حالات اليأس بسببها (( بالله عليك أخبريني لماذا أنا؟! لماذا تريدين الزواج بي أنا؟! أمجد من نفس عمرك لماذا لا تتزوجيه هو؟ )) نهضت و وقفت بجانبه ثم قالت (( لأنك أوسم من أمجد وعملك ناجح و خالتي تحبك جداً و أنا أيضاً أحبك فماذا أريد أكثر من ذلك؟! )) قال سليم (( أنت لا تحبيني بل أمي التي أجبرتكـ على ذلك.. اسمعي يجب أن لا تنصتي لها.. أمجد يحبكـ و لا يريد الزواج من غيركـ و لذلك يجب أن لا تضيعيه من يديكـ )) قالت له و هي تمسك يده (( و لكني أحبك أنت، و أنت أيضا تحبني لقد أخبرتني خالتي بكل الكلام اللطيف و الرقيق الذي كنت تبعثه لي معها، إنك أرق
و أحن من قابلت يا سليم لذلك أنا موافقة أن نتزوج الأسبوع المقبل فماذا قلت يا عزيزي؟ )) أبعد سليم يده عنها بقوة ثم ذهب إلى المطبخ و عندما رأى أمجد هناك أمسكه من قميصه و شده بقوة إليه و قال له بغضب (( أيها الخائن تعدني بمساعدتي ثم تنقلب ضدي.. سأريك الآن ما سأفعل بك )) قال أمجد و هو يكاد يختنق (( أرجوك يا سليم اتركني أنا لا دخل لي هي من طلب النصيحة و أنا أعطيتها ثم ألم تتذوق تلك القهوة التي صنعتها إن مآثر لا تستطيع أن تصنع مثلها )) ضم سليم قبضته اليسرى و ضربه بشدة على بطنه فصرخ أمجد من الألم بقوة و دخل عبد الوهاب و خلصه من يديَ سليم ثم قال لسليم (( ماذا بك أيها المجنون؟ أتريد قتل أخاك؟ )) قال سليم (( إنه يستحق هذا و هو يعلم )) التفت عبد الوهاب إلى أمجد الذي كان ممداً على الأرض و هو يتألم و قال له (( ما الذي فعلته هذه المرة يا أمجد؟! )) قال أمجد (( أمعائي تتقطع يا أبي لقد ضربني هذا المتوحش بقوة.. لم أفعل شيئاً سوى أنني حققت أمنية أمي و دبرت لقاء بينه و بين صوفيا و هو حاول إقناعها بالابتعاد عنه و عندما رفضت و بدلاً من أن يضربها صب غضبه علي وضربني.. خذني يا أبي إلى المستشفى قبل أن أموت و أنت يا سليم سأرفع ضدك قضيه اعتداء و سأطالب بتعويض كبير على ما أصابني من ضرر و.... )) قطع كلامه عندما رأى سليم و قد أراد ركله في بطنه مجدداً و لكن أباه أمسكه و قال له (( اهدأ يا سليم و دعه و شأنه، أنا سأتصرف معه فيما بعد و الآن اذهب لعملك )) قال سليم (( سأذهب و لكن عندما ارجع بيدي هاتين سوف أقتلع أمعائك يا أمجد و سترى )) قال أمجد (( لا تنسى أنني شرطي و تهجمك على شرطي يعني وقوعك في السجن )) قال عبد الوهاب بحزم (( اخرس يا أمجد و أدخل لسانك إلى فمك و أغلقه و إلا سوف أخرج من المطبخ و أغلق الباب عليك و هو معك، آه من لسانك السليط ما أطوله! و أنت يا سليم ألم يعدك جمال بتزويجك من مآثر؟؟ لماذا تغضب من تفاهات أخيك مادمت متأكد من أنك ستتزوجها؟؟ )) قال سليم بضيق (( ألا ترى أمي و أفعالها؟ لقد جعلت يعقوب و وحيد و قاسم يأتون مع عائلاتهم من إيطاليا بحجة أنها ستقيم زفافي على صوفيا الأسبوع القادم و الأدهى من ذلك إنها تذهب كل يوم إلى السوق مع صوفيا حتى تجهزها، و مآثر تأخرت كثيراً و لا أعرف متى سترجع.. و هذه الصوفيا التي تجلس بالصالة و هي مقنعة كليا أن لا زوج لها سواي، ماذا أفعل بها و هذا الأمجد الذي يشجعها بدلاً من أن يبعدها مثلما اتفقنا.. كل هذا و لا تريدني أن أقلق )) قال عبد الوهاب بعطف (( لا تقلق قم بمجاراة أمك ليومين و أنا بنفسي سأذهب لجمال الحسيني و أخبره أن يعجل زواجك و بذلك تتزوج الأسبوع المقبل و تجعل والدتك أمام الأمر الواقع.. سأساعدك أن تتزوجها و بدون وجود أمك فأنت بالغ و لا تحتاج لأحد حتى تعرف طريق مستقبلك )) قال سليم (( أحقا ستساعدني و تقف معي يا أبي؟! )) قال عبد الوهاب (( طبعاً يا عزيزي و أكيد أن أمك ستتقبل زواجك من مآثر في النهاية ثق بي و أنا الآن خارج لإبعاد صوفيا عنك حتى تذهب لعملك )) و قف أمجد و هو يصفق لهما ثم قال (( الذي لا تعرفاه أن هناك ثلاثة أمور ضدكما وضد خططكما: أولاً، جمانة ليست سهلة حتى تخدعاها.. و ثانياً، صوفيا الرائعة أرتني بالأمس فستان عرسها الذي اشترته لها أمي و كان فستانا رائعاً جدا و جميلاً يليق بزوجة التاجر العالمي المشهور سليم عبد الوهاب و أخبرتني سراً صغيراً و هو أن أمي ستزوجك يا سيد سليم هذا الأسبوع أي هذا الخميس و اليوم هو الأحد فاحسب أنت كم يوم تبقى لك و هذا طبعا سرٌ لا يجب لي أن أخبركما به.. و ثالثاً و هو الأهم، لقد قمت بضربي يا سليم و نعتني بالخائن و بذلك جرحتني معنوياً و جسدياً و أنا سمعت كل ما تخططان له لذلك و بكل بساطة أنا ذاهب للقضاء عليك يا عبد الوهاب.. سأخبر أمي بكل خططك مع ابنك الأشقر المدلل و سأجعل أمي تقدم يوم العرس و تجعله يوم الاثنين بدلاً من الخميس إلى اللقاء )) و عندما أراد الخروج أقفل سليم عليه الباب قبل أن يخرج و أخذ سليم ينظر إلى أباه و كانت فكرة واحدة تسيطر عليهما في ذلك الوقت فقال أمجد (( ماذا تفعل لن تستطيع منعي من الخروج و لن أقبل منك أي اعتذارات )) قال سليم و هو يبتسم بخبث و نظرة شر تطل من عينيه (( و من تكلم عن الاعتذار يا أمجد.. أتعرف ما هذا؟! )) نظر إليه أمجد و هو يحمل مقلاة بين يديه فقال بخوف (( نعم إنها مقلاة و لكن لن تضربني بها أليس كذلك؟! إن فعلت ستكسر عظامي و أنا أخوك الحبيب أمجد )) قال سليم (( في هذه اللحظة بالذات لن يسعدني شيء في الدنيا أكثر من تحطيم عظامك.. ألن تساعدني يا أبي )) قال عبد الوهاب (( هذا هو نفس الشعور الذي أحس به الآن هيا لنبدأ )) صرخ أمجد و قال (( ابتعدا عني لن أخبر أحداً بما دار بينكما.. لم اسمع شيئاً.. ساعدوني النجدة!! إنهما يقتلاني )) وضع سليم يده على فم أمجد و تعاون عليه هو و عبد الوهاب و بذلك شفي غليلهما من أمجد الذي يحب التدخل فيما لا يعنيه و لقناه درساً جيداً و مؤلماً حتى لا يحاول إفساد أمور الآخرين و حتى لا يخلف و عده مهما حصل...

الغالي المزيون 25-12-10 07:30 PM

الجــــــــ 54 ـــــــزء:

و بعد قليل خرج سليم من المطبخ إلى الصالة و أما عبد الوهاب فذهب لكي يستحم و عندما أراد سليم الخروج من المنزل استوقفته أمه و قالت له (( إلى أين يا عزيزي؟ ألن توصلنا إلى السوق؟ لا تقل لي إن لديك أعمال أهم من أمك )) قال سليم (( طبعاً ليس لدي أعمال أهم منكـ يا أمي و لكن ليس عندي وقت لأضيعه على التسوق.. لقد رحل أكرم و الأعمال الآن كلها على رأسي.. لقد كنت أعتمد عليه في كل شيء و الآن فقط عرفت قيمته كمحامي.. لقد كان يهتم بكل معاملاتي و أعمالي و الآن عندما ذهب تراكمت عليّ الأعمال و بالأمس خسرت صفقتين في وقت واحد بسبب كثرة الأعمال ماذا أفعل من دونه يا أماه؟ هيا أجيبيني )) قالت أمه (( لقد استرحت من ذلك الثرثار فبسببه كنت ترفض الزواج من صوفيا و يوجد في هذه البلدة الآلاف من المحامين لذلك يمكنك اختيار من هو أفضل من ذلك الأكرم )) قال سليم و هو يتذكر الأيام الجميلة التي قضاها مع أكرم (( صدقت يا أمي يوجد الآلاف من المحامين هنا و لكن للأسف لا يوجد سوى أكرم واحد و لا يوجد من هو بذكائه، مع أنه جبان جداً و لكنه ذكي و يستطيع إدارة أعمالي بكل سهولة و هذا ما لا يستطيعه سواه.. لقد ترك في قلبي فجوة كبيرة لن يستطيع أحد ملئها بعده )) قالت أمه بحزن مصطنع (( حتى صوفيا؟ )) تنهد سليم بقوة بسبب عناد أمه ثم قال لها (( بصدق يا أمي.. أتريدين مني الزواج في يوم الخميس القادم؟ )) قالت أمه بفرح (( طبعاً إنه يوم سعدي و فرحي و عندها سأتفرغ لأخيك أمجد )) قال سليم (( حسناً سأحقق لكي هذه الأمنية و أعدك أن أتزوج الخميس القادم و لكن اذهبي للسوق لوحدك و دعيني أدير أعمالي )) قالت له بفرح لا يوصف (( و لكن ألا تريد الاستعداد و .. و شراء بدلة للعرس )) قال سليم (( أنا اعرف يا أمي أنك شاهدت الملابس الجديدة التي اشتريتها فأنا لا يهون عليّ أن أراك غاضبة أو حزينة )) قالت جمانة بعد أن طبعت قبلة على وجه سليم (( سأذهب لأبشر صوفيا بهذا النبأ )) ثم توقفت وقالت (( إني اسمع طرقاً على الباب سأذهب و افتح )) و ذهبت و عندما فتحت وجدت أمامها يزن فقالت ببرود و كأنها لا تريد أن تراه (( إنه أنت أيها الفاشل.. أين كنت؟! و لماذا تركت سليم و هو لا يفكر إلا في ذلك المحتال الكبير أكرم؟؟ لقد أعطيتك الكثير من الأموال حتى تقنع سليم بنسيان مآثر و لكنك فشلت يا أحمق )) قال يزن (( صباح الخير يا خالتي، لماذا كل هذا الغضب منذ الصباح؟! و لماذا تصرخين بوجهي بدلاً من أن تسمحي لي بالدخول؟ أتقولين أن أكرم محتال؟! آوه يا للأسف لا أحب أن أخيب ظنكـ و لكن لا يوجد من هو محتال أكثر من ابنكـ سليم.. أكرم مسكين فرغم أنه لم يأخذ منكـ أموالاً مثلما فعلت أنا، إلا أنه حاول كثيراً إعادة سليم إلى صوابه.. لقد حاول أكثر من مره أن ينسيه مآثر ولكن لابنكـ طبع لا يوجد عند غيره، فهو عنيد كالصخر لا يثنيه شيء عن رأيه مهما كان هذا الشيء حتى لو كنت أنت أمه.. و بالمناسبة ابنكـ هو الفاشل و الأحمق و لست أنا )) صاحت به جمانة (( كيف تجرؤ على شتم سليم أيها الغبي؟! )) قال يزن و هو يعاندها (( ابنكـ هو الغبي أيتها العجوز و أنت من بدأ بالشتم )) غضبت جمانه كثيراً ثم ضربته بشده على رأسه و قالت له (( من العجوز يا يزن؟ أتنعتني بالعجوز؟! )) و استمرت بضربه، فقال لها و هو يتألم (( توقفي لم أقصد، أنا آسف أنت شابة و لست عجوز )) فجاء سليم وامسك بأمه و قال لها و هو يبعدها عن يزن (( توقفي يا أمي قبل أن تتسببي لنا بمشكلة كبيرة )) ثم ادخلها برفق و أكمل (( اذهبي لابنة أختكـ و دعيه لي أنا سأريه )) و عندما ذهبت نظر إلى يزن بغضب ثم قال له (( ألا تتعلم أبداً من أخطائك؟! لم يبق أحد منا لم يضربك.. الجميع يمد يده عليك بسبب لسانك.. ألم تستطع أن تسكت عنها و لو لدقيقة؟! يا إلهــــي!! متى ستتخلص من طباعك التي ستتسبب في يوم ما لك بالقتل )) قال يزن و هو يتألم (( ماذا أفعل إذا كانت أمك ما زالت تظن بأنها شابة.. هل تعرف كم هو عمرها هذه المرأة حتى تغضب عندما أناديها بالعجوز؟! )) أدخله سليم ثم قال له (( اخرس و تذكر أن هذه المرأة هي أمي و الآن تعال و اجلس لأني اشتقت لك كثيرا،ً و لكني لا أكره منك سوى هذا اللسان السليط الذي لا تستطيع السيطرة عليه )) قال يزن (( لو لم اشتق لك أيضا لما أتيت.. إن أمك غاضبة جداً منا بسبب إصرارك على الزواج من مآثر و الأدهى أنها تصب كل غضبها علينا أنا وأكرم.. ليتها تعلم أن أكرم المسكين كان ضدك و أني كنت أنوي الزواج بمآثر لولا أنها رفضتني.. تصور رفضت الرجل الصنديد يزن و فضلت عليه المدلل سليم و لكنها تستحق ما سيحصل لها عندما تسكن مع والدتك المتسلطة.. سوف تخرب لها عيشتها و تجعلها في عذاب دائم )) قال سليم (( اصمت فأنت لا تعرف أمي حتى تتكلم عنها بهذه الطريقة المشينة، و لو لم تكن صديقي لكنت لقيت مالا يعجبك مني.. إن أمي تحب كل زوجات إخواني و جميعهن يحترمنها و يقدرنها )) قال يزن (( لأنها راضية على زواج أخوانك بهن ولكن أنت تريد لك صوفيا حبيبة قلبها و مهما فعلت هذه المآثر فلن تدخل قلب أمك مثلما فعلت صوفيا )) قال سليم بعد أن جلسا (( اسمعني .. اخرس و لا تتكلم في هذا الموضوع و أخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا؟ )) قال يزن (( قلت لك إنني مشتاق إليك )) قال سليم (( و هل تتوقع مني أن أصدقك ؟ )) قال يزن وهو يحاول المراوغة (( لم أجد أكرم في بيته ترى إلى أين ذهب ؟)) قال سليم (( لقد رحل )) قال يزن بدهشة (( رحل؟! إلى أين؟؟ و لماذا رحل بدونك؟! )) قال سليم (( لقد ملّ من كل ما حصل و رحل ليكمل حياته بعيداً عن هنا، أو بالأصح بعيداً عن مشاكلي التي أقحمته فيها.. كنت أظن بأنه ذهب إلى إيطاليا، و لكن عندما اتصلت عرفت أنه استقال من شركاتي التي هناك و لا أحد يعلم من رجالي أين ذهب.. ليتني أراه و لو لمرة واحدة حتى أتأسف منه على كل ما أصابه من حزن و ألم بسببي )) قال يزن (( آخر ما كنت أتوقعه أن يرحل أكرم و خصوصاً بعد أن حققت كل ما كنت تصبو إليه بمساعدته، و لكن لا تحزن لأن لدي مفاجأة لك ستنسيك أكرم و أمه و أباه )) وقف سليم و قال بفرح (( هل عادت مآثر ؟ )) قال يزن (( لماذا لا تفكر بشيء في الدنيا سوى مآثر؟! أليس لديك سواها؟ إن عرفت أنك مولع بها لهذه الدرجة فلسوف تسقط من عينها، فالمرأة لا تحب سوى الرجل القوي الذي يفرض سيطرته )) أراد سليم ضربه و لكنه ابتعد عنه و قال بسرعة (( مفاجأتي هي صبا )) قال سليم بدهشة كبيرة و كأنه لم يتوقع أن يذكر يزن اسمها (( مــــن ؟! )) قال يزن (( صبــــا أختك.. ألم تسمع.. لقد وجدتها في الشارع و هي تبحث عن عنوانك، فأتيت بها معي إلى هنا )) صاح به سليم (( هل جننت حتى تأتي بصبا إلى هنا؟!! ألا يكفيني أمي و إلحاحها علي بالزواج من صوفيا حتى أنني كذبت عليها، و في النهاية تأتي أنت بصبا إليّ، ماذا أفعل بك؟؟ )) قال يزن (( لا داعي للصراخ يجب أن تفرح لأنها أختك و هي الوحيدة بينهم جميعا التي تحبك و الأهم هي الآن خارج المنزل و سوف تسمعك و أنت تعرف مدى شدتها فلقد جربتها على رأسك )) تمنى سليم لو يخنقه بيديه الآن و لكنه هدأ بعد التفكير، ثم ذهب و فتح الباب و عندما رأى أخته أخذها في حضنه و قال لها (( أختي العزيزة صبـــا.. كم اشتقت لرؤيتكـ يا أجمل و أرق من رأيت )) قالت له صبا (( أكثر من مآثر؟! )) قال سليم (( طبعاً و أكثر من أي امرأة في العالم )) قال يزن في نفسه (( هذا المحتال متخصص في الكذب على النساء، منذ قليل كان يود قتلي لأني أحضرتها و الآن يكذب عليها و كأنه يريدها )) ثم قال لسليم (( أنا ذاهب يا سليم، اجلس و استمتع مع أختك التي تموت في حبها )) أوصله سليم إلى الباب و كأنه سعيد لخروجه ثم قال له هامساً (( إذا قامت هذه المشئومة بضربي فلسوف أخنقك بيدي هاتين حتى تموت و أريح العالم منك )) و عندما رجع لأخته وجد أمه تقترب منهما فقال لها (( تعالي يا أمي حتى أعرفكـ على أختي.. هذه صبا التي كلمتكـ عنها.. صبا، أقدم لكـ والدتي جمانة )) وقفت صبا ثم اتجهت لجمانة و طبعت قبلة على خدها و قالت لها برقة شديدة لم يعتدها سليم منها (( أنا سعيدة جداً بالتعرف عليكـ يا خالتي.. كم أنت جميلة و أنيقة.. أتمنى أن أصبح بجمالكـ عندما أكبر )) قالت جمانة (( أوه يا لهذه الصغيرة الرقيقة! أنت أجمل مني يا عزيزتي.. أنظر يا سليم إلى أختك ما ألطفها.. يجب أن تجلسي اليوم معنا هنا حتى أتعرف عليكـ، و الآن هيا لتتسوقي معنا لأن سليم مشغول )) نظرت صبا إلى سليم، فقال لها باستهبال و هو يعرف جيداً معنى تلك النظرة (( أنا آذن لكـ، هيا اذهبي مع أمي )) اقتربت منه و قالت له هامسة (( و من طلب منك الأذن؟! أنت تعرف ما هو طلبي فأنا مفلسة )) قال لها سليم و هو يخرج بعض النقود من محفظته (( آه من رقتكـ التي تأتي في لحظة و تختفي في اللحظة الأخرى! خذي هذه النقود فأنا أعرف جيداً بأنكـ لم تشتاقي لي و إنما لأموالي.. أنا ذاهب الآن و سنتقابل في العصر و إياكـ و الثرثرة كثيراً أمام أمي )) ثم اتجه لأمه و قال لها (( أنا ذاهب يا أمي و سأرجع عند العصر، استمتعي مع صبا )) قالت والدته و هي توصله للباب (( أنا متأكدة من ذلك و لكن لا تتأخر عن أختكـ )) قال سليم (( حسناً إلى اللقاء ))....


الجــــــــ 55 ـــــــزء:

تأخر سليم و عاد إلى المنزل بعد المغرب، و عندما دخل وجد صبا جالسة في الصالة و بجانبها والدته فقال (( مساء الخير.. أما زلت هنا يا صبا؟! )) قالت له والدته (( طبعا ما زالت هنا، ألا تراها أمامك؟! )) رد سليم (( بالتأكيد أراها يا أمي، و لكني أقصد لما لم تعد إلى بيت خالد؟ سيقلق عليها إخوانها )) قالت له صبا بخبث و هي تدري أنه يريد التخلص منها (( اطمئن، خالد لا يرجع من عمله قبل صلاة العشاء و أنا قبلت دعوة أمك لي و لذلك سوف اتصل بخالد بعد قليل و أخبره أني هنا في بيت عمي عبد الوهاب و بعد أن أتناول وجبة العشاء سأشرب الشاي مع خالتي جمانة ثم توصلني أنت إلى البيت )) قال سليم (( أنا لن أذهب إلى بيت خالد مهما حصل، لقد أهانني عندما قابلته و تعاون مع جمال على قتلي لذلك لا أريد رؤية وجهه أبدا فالأفضل لكـ أن تذهبي الآن مشياً على الأقدام أو إذا أردت انتظري عمكـ عبد الوهاب حتى يرجع و هو من سيوصلكـ إلى بيت أخيكـ النقيب خالد صاحب المبادئ الشريفة.. أنا ذاهب الآن لأرتاح )) وقفت صبا بوجهه و قالت له بغضب (( إياك و التكلم عن خالد بهذه الطريقة السيئة، فلو تكلم أحد عن الشرف فسيكون هو أشرف منك أيها الخبيث المخادع.. لقد سامحت جمال و أرجعت له كل أمواله فلماذا لا تستطيع مسامحة خالد؟؟ )) رد سليم (( جمال ليس أخي و لا يوجد سبب يجبره على أن يحبني و لكن خالد أخي و المفروض عليه أن يحبني و خصوصا أنه كان يدري بأني أخوه و لكنه أنكر و أهانني أنا و عائلتي.. للأسف إنه أخي و يا ليته لم يكن )) صاحت به صبا (( لا تكن قاسياً، خالد جاء إلى والدك و تصالح معه و عمي عبد الوهاب سامحه و اعتبره كابن له )) ثم أكملت قائلة بخبث (( بدلاً عنك لأنه قال له فقدنا ولداً و هو أنت يا سليم، و كسبنا ولداً و هو خالد.. فلماذا لا تستطيع أن تكون مثل والدك و تسامحه؟! )) قال سليم (( هذا الأمر بيني و بين خالد و لا دخل لأبي بيننا، أنا من يجب أن يسامحه و ليس أبي )) ثم أضاف بغرور (( و لأجلكـ سأسامحه و لكن بشرط أن يأتي إلى هنا و يتأسف مني )) قالت صبا بعد أن استطاع استفزازها (( أنت غبــــي )) قال سليم (( من الغبي؟ أنا؟! )) صاحت به (( نعم.. غبي و مغرور، و إذا كنت لن تسامح خالد فلن تراني هنا بعد الآن.. لن آتي لرؤيتك أبداً )) قال سليم بلا مبالاة (( سيكون من الأفضل أن لا أراكـ حتى يوم عرسي لأنكـ مزعجة و لا تأتي معكـ سوى المشاكل لذلك اذهبي و ابكي على صدر الحنون خالد و أنا سأذهب لغرفتي كي أرتاح فأنا متعب و لا وقت عندي للثرثرة مع مشاكسة مثلكـ )) و ذهب عنها و لكنه لم يرى الأكياس الموضوعة أمام الدرج المؤدي للطابق الثاني فسقط على وجهه، و عندما نهض تحسس وجهه بألم ثم قال (( لمن كل هذه الأشياء؟ و لماذا وضعت في هذا المكان؟! لا تقولي يا أمي بأنها لصوفيا.. ألم يكفيها كل الذي اشتريتماه في الأيام الماضية؟! )) قالت أمه و هي تبتسم (( إنها بعض الهدايا التي اشتريتها لأختكـ صبا، لقد كانت خجولة جداً و رفضت أن تختار لنفسها فاخترت لها على ذوقي و الحمد لله أنه أعجبها )) قال سليم و هو ينهض (( كل هذه الأشياء لصبا! سوف تفسدينها يا أمي.. بسببكـ سوف تتمرد على إخوانها.. من أين سيأتون لها بمثل هذه الأشياء عندما تطلبها مرة أخرى؟! )) قالت جمانة (( أنت أيضاً أخوها فإذا لم يستطع خالد و حسام توفير كل ما تريده فأنت موجود و أموالك كثيرة )) رد سليم (( التزاماتي كبيرة و لست مستعداً على أن أرمي أموالي لمبذرة مثلها )) قالت أمه (( قلت لك يا عزيزي، لقد كانت خجولة و لم ترضى أن تأخذ شيئاً من عندي لذلك اشتريت لها و أجبرتها على قبولها.. ليتني تعرفت عليها منذ زمن إنها ألطف من قابلت في هذه المدينة )) قال سليم بسخرية (( من ناحية اللطف و الرقة فلا أحد يغلبها، أما عن الخجل فهذه الفتاة لا تعرف معنى كلمة خجل.. إنها خطة منها حتى تحصل على ما تريد و الظاهر أنها نجحت.. قبل أن تذهب معكـ أعطيتها بعض الأموال فلماذا لم تشتري لنفسها إذا كانت خجولة من قبول هداياكـ؟ )) قالت له صبا (( أنا لا أريد تلك الهدايا يا سليم، فأنا لم آتي للتسول من عندك.. إذا كنت تريدها فخذها و قدمها لخطيبتك صوفيا )) قالت والدته بغضب (( لقد جرحت مشاعرها يا سليم.. كيف تتصرف بهذه الطريقة الوقحة مع آنسة مؤدبة مثلها؟! هيا اعتذر منها )) نظر سليم لأخته بعد أن ذكرت أسم صوفيا بدلاً من مآثر و هي أول من يعلم بقصة حبه، ثم قال ليتجنب ما كانت تخطط له و كان واضحاً في عينيها الماكرتين (( أنا آسف يا أختي العزيزة و أنا لا أرضى على زعلكـ.. أرجوكـ و أتوسل لكـ أن تصفحي عني و تسامحيني و هذه قبلة صغيرة أطبعها على خد الآنسة الخجولة لتسامحني )) ثم قبلها سليم على خدها مثلما قال، فسارعت صبا لمسح مكان القبلة بيدها ثم قالت (( سأسامحك و لكن يجب أن نتكلم.. هيا اجلس أريد أن أناقشك في موضوع مهم )) رد عليها بسرعة (( لا ليس الآن، فأنا كما قلت لكـ متعب جداً و أريد أن أستحم فكثرة العمل أرهقتني ))
قالت له أمه بحنان (( أنت مدير و لا تفعل شيئاً سوى الجلوس على كرسي و توقيع الأوراق، فما الذي أتعبك؟ هيا أجلس و تكلم مع أختك فهي مشتاقة لك )) قال لها سليم (( اليوم سلمت الرواتب للموظفين و راجعت الكثير من الملفات و أشرفت على الاستيراد و التصدير، فلذلك أنا مرهق جداً و لا أستطيع الوقوف.. على الأقل سأستحم ثم سآتي لأكلم أختي مثلما أمرت يا أمي )) قالت أمه (( حسناً اذهب و أنا سأعد لك بعض الشطائر و عصير الليمون.. عندما تنزل لأختك سيكون كل شيء جاهز )).....


الجــــــــ 56 ـــــــزء:

ذهب سليم و نزل بعد حوالي 45 دقيقة، و عندما أتت أمه بالطعام، قال لها بعد أن شكرها (( لقد فعلها أمجد يا أمي و قام بسرقة علبة الشامبو التي وضعتها في حمامي.. سرقها و هرب بكل بساطة، متى سيعود؟؟ )) ردت أمه (( ما الذي يؤكد لك أن أمجد هو من فعلها و ليس أحد إخوانك الآخرين أو والدك؟ أفعلت شيئاً أغضب أمجد منك حتى يسرق علبة الشامبو الخاصة بك؟؟ )) قال سليم و هو يتصنع البراءة (( أنــــا؟! لا، طبعاً لم أفعل له شيئاً.. لا تصدقيه )) قالت جمانة (( ألم تضربه أنت و أباك أم أنه كان يفتري عليكما عندما أخبرني بذلك؟؟ )) قال سليم (( أوه حسناً.. لقد ضربناه و لكن هذا لا يبرر له فعلته فذلك الشامبو الذي أخذه غالي الثمن و لقد اشتريته من إيطاليا و لا يوجد مثله هنا )) قالت أمه لتنهي النقاش (( أخبرني كم ثمنه و عندما نرجع إلى إيطاليا سأشتري لك غيره و لا تفكر في إرجاعه من عند أمجد لأنك تعرفه )) قال سليم و هو يحاول إغضاب صبا (( لا بأس يا أمي، أنا لا أريد شامبو مثله لأني سأبدأ بتعويد شعري على الشامبو العادي.. ما نوع الشامبو الذي تستخدمينه يا صبا؟ لأني أريد مثله فشعركـ جميل )) ردت صبا (( و من قال لك بأني أستخدم شامبو رخيص أيها المتبجح؟! )) قال سليم (( لا أحد يجرؤ على قول هذا يا حبيبتي و لكن ربما نقرر أنا و صوفيا البقاء هنا و عدم العودة لإيطاليا و لذلك لابد من تعويد شعري على نوعية الشامبو الموجودة عندكم )) قالت صبا و هي ترفع حاجباها معاً (( إذا أردت نوعية ممتازة فعليك بالشامبو الممزوج بنكهة مسحوق الحشرات فرائحته النتنة مناسبة لشخص مثلك )) قالت والدته (( كف يا سليم عن مضايقة أختك و تكلم معها بأدب.. سأترككما لوحدكما و إياك أن تشتكي منك، و تذكر صبا ضيفتي )) و ذهبت عنهما، فقالت صبا بقهر (( لقد قضيت 45 دقيقة في الاستحمام.. لو أن عروساً تستحم لعرسها لما قضت هذه المدة )) قال سليم و هو يحرك شعره بيديه (( ماذا أفعل لكـ إذا كنت تجهلين معنى النظافة؟ )) قالت صبا (( سأتغاضى عن ذلك الآن.. هيا أخبرني هل صحيح ما قالته أمك عنك؟! )) قال سليم ببرود (( و ما الذي قالته أمي عني؟ )) قالت صبا (( أنت تعرف و لكنك تتظاهر بالغباء.. أنا أتكلم عن صوفيا، هل صحيح بأنك ستتزوجها و تترك مآثر مثلما أخبرت والدتك؟؟ )) رد سليم (( هل تعتقدين بأني كاذب؟! )) قالت صبا (( أنا لا أعتقد، بل أنا متأكدة بأنك كاذب )) قال سليم (( حسناً، إذا كنت تريدين معرفة الحقيقة قلا بأس.. أنا لم أقل لأمي بأني سأتزوج صوفيا و إنما قلت بأني سأتزوج يوم الخميس المقبل و هذا ما حدث و أنا لم آتي بسيرة ابنة أختها أثناء كلامي )) قالت صبا و هي تفرك يديها مع بعضهما (( تعجبني صراحتك و لذلك سأكلمك بصراحة.. طبعاً أنت تعرف أن أمك أحبتني كثيراً و من كلامنا مع بعض اكتشفت أنها تثق بي جداً، لذلك إن لم تنفذ لي كل طلباتي فسأخبرها بأنك تريد الزواج بمآثر و ليس صوفيا مثلما تعتقد هي و عندها ستقع المشاكل بينكما و أنت تعرف الباقي فماذا قلت؟؟ )) قال سليم باستنكار (( هل هذا ابتزاز؟! )) ردت صبا و هي تبتسم بثقة (( بالتأكيد، نعم هذا ابتزاز )) فكر سليم ثم قال لها (( قبل أن أرد عليك، أخبريني كم عمركـ؟ )) قالت صبا بضجر (( أووووف و لماذا نضيع الوقت؟ عمري 16 سنة و أنت تعرف ذلك )) قال سليم (( ألا تعتقدين بأنكـ صغيرة على الابتزاز و خصوصاً من رجل وسيم و غني و.... قوي مثلي؟!! فربما لقيت ما لا يعجبكـ )) قال صبا بإصرار و خبث (( لا، لست صغيرة و كفاك غروراً و إلا ذهبت الآن إلى أمك.. فهل ستنفذ أم أضطر لاستخدام القوة؟؟ )) صفق سليم ثم قال لها (( رائــــع، منذ أن التقينا و أنت لا تعتبريني إلا صرافة نقود لكـ.. سأنفذ ما تريدين و لكن أخبريني هل تعاملين بقية أخوانكـ هكذا؟ هل هم بالنسبة لكـ مجرد بنك مثلي.. هيا أجيبي ثم سنتناقش في مطالبكـ )) قالت صبا بصراحة (( منذ أن كنت صغيرة تعودت على سفر أبي و أمي المستمر بسبب طبيعة عمل والدي و كان خالد هو من يعتني بي دائماً لأن حسام كان يكمل تعليمه في الخارج، لذلك خالد بالنسبة لي كل شيء لأنه الحنان الذي فقدته و أنا صغيرة و أنا أحبه أكثر من أي شيء في الدنيا و أحب زوجته أيضاً لأنها طيبة معي و رغم أنهما تزوجا في سن صغيرة و لكن هذا لم يمنعهما من الاعتناء بي، و حسام أيضاً عطوف معي و لكنه صارم جداً و أنا أعرف جيداً أنه يخفي قلباً رقيقاً خلف تلك النظرات الصارمة التي يبعثها لي كلما أخطأت أو أسأت التصرف أو طردت من مدرسة ما )) قال سلم و هو يرفع قدميه في الطاولة و يسترخي جيداً في الكرسي (( و سليم عبد الوهاب مجرد آلة تصرفين منها المال )) ردت صبا بثقة (( سليم أحمد الأحمد، إذا كنت تحارب بقوة كي تحظى بحب إخوانك فيجب عليك أن تقتنع في البداية أن أباك الذي يجب كتابة اسمه مع اسمك هو أحمد الأحمد و لا تخف أيها المتكبر أنت لست مجرد آلة لصرف المال فقط، إنما أنت أخي الذي لم يولد بعدي )) قال سليم بحيرة (( و ما معنى هذا؟! )) قالت ساندي و هي تقلده و تضع قدماًَ فوق الأخرى (( معناه أني لا أجرؤ على ضرب حسام و خالد أو الصراخ بوجههما أما معك أنت أفعل و بكل بساطة و كأنك أخي الذي أصغر مني )) قال سليم (( و ما هي طلباتكـ يا سيدة صبا؟ )) قالت صبا و هي تعتدل في جلستها (( آنســة لو سمحت.. أريد أموالاً بقدر دموعي التي ذرفتها عليك عندما ظننت بأنك توفيت.. هل تصدق يا سليم؟! أنا بكيت و أنت أول من بكيت عليه.. لقد بكيت بشدة حتى دخلت المستشفى بعدما مرضت من كثرة البكاء و الآن اكتشفت أن بكائي ذهب سدى و أنك ما زلت حياً، طبعاً هذا يفرحني لذلك أعتبر هذا تعويضاً لي و لا تنسى أيضاً الحلة الرسمية الكاملة )) قال سليم بعد أن وقف (( ألم تنسي الحلة الرسمية الكاملة أيتها السخيفة؟!! ثم كم دمعة ذرفتها عليّ حتى أعطيكـ مقابلها؟! هيا أخبريني.. إنكـ مبذرة في المال و بخيلة في الدموع، و الآن هيا قفي )) وقفت صبا و هي تنظر له بغضب شديد فقال لها (( انظري لنفسكـ أنت لا تنتمي لجنس النساء بشيء.. كل شيء فيكـ يشبه الأولاد، وقفتكـ و ملابسكـ و شعركـ الذي تخبئيه خلف هذه القبعة التي لا يلبسها سوى الأولاد.. يجب عليكـ أولاً أن تغيري من منظركـ حتى تصبحي كسيدة راقية ثم تعالي و طالبي بالحلّة الرسمية الكاملة التي لا نفع منها إن اشتريتها لولد... و الآن هيــــا اذهبي من أمامي و لا أريد أن أرى وجهكـ و إياكـ ثم إياكـ أن ترفعي إحدى المزهريات و تحاولي ضربي بها، فعندها سأضطر إلى فعل ما لا يعجبكـ و أنا لا أريد أن أمد يدي عليكـ.. هيا انصرفي و ابعدي نظرات الغضب من عينيكـ، لا أريد رؤيتكـ إلا يوم الخميس.. تعالي و تصرفي برقة حقيقية و برقي و لطف و عندها سأعطيكـ كل ما تريدين )) انتظر سليم أن تذهب صبا من أمامه و لكنها ظلت واقفة بلا حراك و الغضب مسيطر على وجهها الأحمر، فقال لها بضجر (( لماذا لا تتحركي من أمامي؟! هل تريدين أن أحملكـ و أرميكـ خارجاً؟ )) و بسرعة و من دون أن ترد عليه أخذت صبا إحدى التحف الثقيلة الموضوعة في الطاولة بجانبه و حاولت للمرة الثانية كسرها على رأسه و لكنه هذه المرة أمسكها من يديها و أخذها منها بقوة و قال لها (( يكفي تحطيماً للأشياء الثمينة، فلو باعكـ أحد في السوق بجانبها لكانت هذه التحفة أغلى ثمنا منكـ، سأريك الآن كيف تقلين أدبكـ مع من هم أكبر منكـ سناً )) و لكن صبا لم تمهله و إنما ضربته بمرفقها على مكان إصابته فصرخ متألما بشدة و أمسك صدره بيده و أمسكها هي باليد الثانية، فضربته بكعب حذائها على قدمه فآلمه ذلك أكثر و عندها تفجر غضبه منها و أمسكها جيداً بيديه الاثنتين ثم ثبتها على الأرض و لم تستطع الحراك فقال لها (( أيتها المشاغبة لقد آلمتني و فتحتي جرحي، و لكن دوائكـ عندي أنا.. سأؤدبك و سأجعلكـ تندمين على قدومكـ إلى هنا و سأعلمكـ كيف تحترميني، أنا لست أصغر منكـ حتى تمدي يدكـ عليّ كلما تقابلنا، بيننا اثنا عشرة سنة لن يظهرها لكـ سوى بعض الضرب الذي لا يضر مع أمثالكـ لذلك خذي مني هذا )) و قام سليم بضربها و لكن عندما سمعها تبكي رق قلبه لها و تركها و عندما ابتعد عنها قليلاً زاد بكائها، ثم نهضت و قالت له (( كيف تجرؤ على انتقاد شعري و ملابسي و رقتي؟! أنا أكثر رقياً منك أيها الهمجي المتوحش... سأنتقم منك، لا أحد يضربني و ينجو بسهولة مني )) و زادت في بكائها، فجاءت جمانة و قالت لسليم (( ماذا فعلت بأختك يا سليم؟؟! )) أشاح سليم عن والدته و التفت لصبا و صاح بها بشدة (( اصمتـــي.. لا أريد سماع صوتكـ المزعج، أنت تستحقين و يجب عليكـ أن تتأسفي الآن )) ارتجفت صبا من صوته القوي ثم صمتت خوفاً منه و أخذت تنظر إليه و قد صدمها بصراخه عليها، ثم قالت له و هي ما زالت تبكي بصوت منخفض (( أنا آسفة سامحني )) ثم ركضت و خرجت من المنزل للشارع، فقالت أمه بخوف (( اذهب و ألحق بها، لا تتركها تذهب لوحدها )) تنهد سليم و قال لأمه (( لا تخافي عليها فهي تعرف طريقها جيداً )) قالت جمانة (( إنها فتاة صغيرة و لوحدها في الشارع يجب أن تلحق بها لأن بيتها بعيد من هنا )) قال سليم (( لا تضايقيني يا أمي لن أتبعها، دعيها تتعلم مما حصل.. أريدها أن تتعلم درساً قاسياً و تحترم من هم أكبر منها سناً، و منزل خالد على بعد شارعين من هنا و مثلما أتت ستعود لا تخافي عليها )) قالت أمه بخيبة أمل (( لم أعهدك قاسياً لهذه الدرجة و أنا واثقة بأنها لم تكن تستحق أن تضربها، ربما ناقشتك فيما قالته لي )) قال سليم بدهشة (( لم تستحق؟! لقد قامت هذه الشقية بضربي بمرفقها على صدري ثم داست بكعب حذائها على قدمي حتى كسرت لي أصابعي و تقولي لا تستحق!! ثم ما الذي قالته لك هذه الكاذبة هيا أخبريني )) قالت أمه (( لقد أخبرتني بأنك ما زلت تريد الزواج من مآثر، فهل كنت تكذب عليّ عندما جعلتني أظن بأنك ستتزوج صوفيا؟! هيا رد علي و لا تكذب )) فكر سليم في الورطة التي أوقعته فيها صبا ثم قال لأمه و هو يتظاهر بالضيق (( لا بأس يا أمي عندك حق أنا كاذب و صبا هي الصادقة )) و ذهب عنها ليخرج من المنزل فاستوقفته قائلة (( إلى أين تريد الذهاب؟؟ هل أغضبك كلامي؟؟ )) قال سليم (( بل أحزنني أن تصدقي تلك المشاكسة و تكذبيني، فعندما قلت لكـ بأني سأتزوج يوم الخميس فأنا أعني ذلك و لقد وعدتكـ و أنا لا أخلف و عدي مهما حصل و أنت أدرى الناس بي.. ثم ما الذي أتى بسيرة مآثر الآن، إنها ليست هنا و لا أحد يدري متى ستعود )) قالت أمه بعد أن صدقته (( أنا آسفة يا عزيزي، لم أقصد أن أجرحك.. أرجوك لا تذهب فأنت تعرف مدى حبي لك.. لا تغضب فأنا أصدقك )) قال لهما وحيد بعد أن دخل بدون أن يحسا به (( يا إلهـــــي! أنت دائماً تنجح في تمثيلك على أمي )) التفت سليم و قال له (( متى دخلت؟! لم نحس بك )) قالت له أمه (( كيف تجرؤ على التكلم عن أخيك بهذا الشكل؟! ثم أين كنت اليوم لماذا لم تأتي للغداء؟؟ )) قال وحيد بخبث (( لقد ذهبت للتسوق أنا و زوجتي لكي نشتري هدية للعروسين )) قالت جمانة بفرح (( و هل وجدتما هدية مناسبة لهما )) رد وحيد (( طبعاً يا أمي، فسليم و صوفيا غاليان علينا و لن نرجع دون أن نشتري لهما هدية تليق بهما و بمركز التاجر المشهور سليم عبد الوهاب )) ثم أكمل و هو ينظر لسليم بتحدي (( لقد قررنا شراء بطاقتين لهما لقضاء شهر العسل في أي بلد يختاراه، و لك أن تختار يا سليم أي بلد تحب أن تذهب إليها مع صوفيا.. بإمكانك الذهاب إلى هاواي أو ماليزيا أو حتى بانكوك إن أحببت.. فما هي البلدة التي تريدها أخبرني بسرعة )) قال سليم (( نريد الذهاب لمصر )) قال وحيد باستغراب (( لماذا مصر و أمامك بانكوك؟!! )) رد سليم (( لأن فيها مكان يسمى وادي الموت و نحن نريد الذهاب حتى ندفن جثتك بجانب أحد الفراعنة لأنك إن لم تذهب من أمامي فأنا قاتلك لا محالة )) قالت أمه باستنكار من رده على أخيه ((لقد كنت مختلفاً قبل أن نأتي إلى هنا.. لا أعرف ما الذي حصل و قلب لك كيانك؟! هل هو أكرم أم يزن أم تلك التي حاولت خطفك مني مآثر!! المفروض أن تشكر وحيد لأنه قضى طوال يومه و هو يبحث لك عن هدية و أنت ترد عليه هكذا!! لا أصدق ما أرى أمام عيني.. أنت لست سليم الذي أعرفه.. هيا أذهب و أشكر أخاك )) قال وحيد بسرعة (( لا لا يا أمي.. لا بأس اعتبريه قد شكرني، أنا ذاهب لأرى بناتي )) و ذهب مسرعاً، فقال سليم (( كنت أتمنى أن يسمح لي بشكره و الاعتذار منه )) قالت أمه و هي تمسح على كتفه بحنان (( أنت لم تأكل شيئاً مما قدمته لك يا سليم )) قال سليم و هو يبتسم براحة و رضا (( بعدما فعلته بصبا، سآكل كل هذا الطعام و أشرب كل هذا العصير )) و لكنه عندما جلس انقلب الكرسي للخلف و وقع سليم بقوة على ظهره فتألم بشدة ثم قال و هو ينهض (( الشقية!! لقد أتلفت الكرسي بعد أن ضربتها.. لقد استغربت أن تتأسف تلك المصيبة بتلك السهولة.. آآآآه.. أمي )) قالت له جمانة (( هل تأذيت يا سليم؟؟ دعني أرى جرحك )) قال سليم (( لا داعي لأنه ينزف.. هل تذهبين معي إلى المستشفى )) قال أمه بسرعة (( طبعاً، هيا سأخبر و حيد حتى كي يأتي و يقود السيارة )).... و هكذا ذهب سليم إلى المستشفى و تعالج عند الدكتور حسام و هنالك التقى بخالد و تصالح الأخوة أخيراً، و سامح سليم أخاه خالد على ما بدا منه تجاهه، و نصح الدكتور حسام "سليم" بالمكوث في المستشفى ثلاثة أيام حتى يشفى تماماً و لكنه رفض و رجع لمنزله، و ما زال ينتظر رجوع مآثر لبيت خالها جمال......


الجــــــــ 57 ـــــــزء:

و في يوم الثلاثاء و بالضبط وقت العصر عندما كان سليم عائدا من عمله فدخل إلى الحديقة بسيارته الـ GMC و عندما نزل منها وجد أمامه حصاناً أبيض جميل مربوط بأحد الأشجار فأخذ ينظر إليه ثم قال بفرح (( هذا ما كنت أريد.. لقد نسيت أن أشترى حصانا أبيض و لكن ها هو أمامي الآن.. كيف حدث هذا؟ سأدخل و أسأل لمن الحصان )) و عندما دخل وجد أمه و أباه و قد جلسا حول طاولة و هما يشربان الشاي فسلم عليهما و قالت له أمه (( لقد تأخرت كثيرا و الطبيب أمرك أن لا ترهق نفسك.. لا تنسى أن عرسك بعد يومين و الآن اجلس لتشرب الشاي معنا )) قال عبد الوهاب (( كفاكـ تدليلا له.. إنه بخير، دعيه يشرف على أعماله فإن لم يفعل من سيفعل بدلا عنه؟ ثم أنه تجهز جيدا لعرسه و لم ينساه و لن يفعل أوليس كذلك يا سليم؟ )) قال سليم و هو يتناول الشاي من يد أمه ثم يجلس بجانب والده (( طبعا كذلك، أنا لم أنسى يوم جنازتي.. أين أنت يا أكرم فكم أنا بحاجة إليك الآن )) قالت جمانة (( المفروض أن تذكر اسم صوفيا لا أكرم فهي من ستتزوجها و ليس هو )) قال سليم (( و لماذا أذكرها و أنا عند دخولي و خروجي أراها؟! )) قالت أمه (( يجب أن يفرحك هذا )) قال سليم (( طبعا، ألا ترين السعادة تشع من عيوني؟! و لكن دعينا منها و أخبريني لمن الحصان الذي في الحديقة؟ )) التفت جمانة إلى زوجها و قالت له بغضب (( أرأيت يا عبد الوهاب، حتى ابنك انتقده )) قال عبد الوهاب (( أنا لم أشتريه له حتى يدلي برأيه.. لقد أهدي لي و بما أني لا أعرف شيئا عن الخيول فسأبيعه بثمن جيد فهو خيل عربي أصيل )) قال سليم (( أنا لم أنتقده يا أبي، بالعكس إنه جميل جدا و يجب أن تعرف أن الهدايا لا ترد و لا تباع و هذا الحصان أجمل هدية تلقيتها لذلك دعه و سنأتي بمن يعلمك و يعطيك معلومات عن الخيول فماذا قلت؟ )) قال والده بإصرار (( إذا كنت تريده يا عاشق و أنا أعرف لماذا تريده، فعليك شراءه و إلا فأنني سأبيعه في الغد )) قالت جمانة بدهشة (( أتطلب ثمنا من ابنك على ذلك الحصان؟! كيف تجرؤ على ذلك يا عبد الوهاب؟! )) قال سليم مؤيدا أمه (( صدقت أمي، كيف تجرؤ على ذلك يا عبد الوهاب؟ )) ثم لصق بوالده و همس له بصوت منخفض (( إني أحتاجه لخطبة مآثر، لقد أخبرتك بشروطها و يجب علي تنفيذها لأني وعدتها )) قال عبد الوهاب و هو يهمس أيضا (( و هل تعتقد أنها جادة فيما قالته أيها الأحمق؟! كيف تذهب إليها بحصان أبيض و سيف؟! ماذا سيقول الناس عنا؟! )) قال سليم بعناد (( أنا لا يهمني رأي الناس، سأفعل ذلك حتى لو اضطررت لسرقة الحصان منك و الأفضل لك أن تساعدني بدلا من أن يقول الناس سرق سليم أباه )) قالت جمانة (( بماذا تتهامسان؟ أخبراني الآن ماذا يدور من حولي )) قال لها عبد الوهاب (( لا شيء، ابنك يحاول إقناعي بأن أعطيه الحصان )) قالت جمانة (( و هل اقتنعت؟ )) قال عبد الوهاب (( طبعا، فأنا لا أستطيع رفض أي طلب لك يا عزيزتي )) وقفت جمانة و قالت (( حسنا أنا ذاهبة لأجلس مع صوفيا )) و عندما ذهبت قال سليم (( أريد سيفا يا أبي، يجب أن أحصل عليه قبل أن تصل مآثر )) قال والده (( لا أعتقد بأنك ستتزوجها بمجرد وصولها أليس كذلك؟! )) قال سليم (( بل سأفعل، سأتزوجها يوم وصولها حتى لو وصلت الآن فلقد مللت من الانتظار و بما أن الحصان معي فلا ينقصني إلا السيف )) قال عبد الوهاب بعد تفكير (( عندي في القبو بعض الأشياء القديمة و أعتقد أني أحتفظ بسيف أهداني إياه جدي عندما كنت صغير و أنا أحمله دائما مع أغراضي عندما أسافر.. سأبحث عنه و أرجو أن أجده و لكن كيف ستتخلص من صوفيا )) قال سليم بثقة (( سأتخلص منها عندما أتخلص من أمجد ))....

الجــــــــ 58 ـــــــزء:

و في يوم الأربعاء كان سليم و عبد الوهاب يدخلان إلى البيت و هما يضحكان بشدة و الفرحة تعلو وجههما و عندما رأتهما جمانة ركضت نحوهما و هي تبكي بشدة و قالت لهما (( أين كنتما؟! الحقاني.. مصيبة حلت علينا )) قال عبد الوهاب بخوف (( ماذا بكـ يا جمانة؟! ما الذي يجعلكـ تبكين هكذا؟ )) قالت جمانة و هي ترتجف (( صوفيا.. صوفيا يا عبد الوهاب، لقد هربت و أخذت كل ثيابها، قاسم و يعقوب بحثا عنها في كل مكان و لكن لم يجدا لها أثر )) ابتسم سليم بعطف و قال لها و هو يمسكها من كتفيها و يجلسها بحنان (( لا تخافي عليها يا أمي فهي بأمان.. نحن نعرف أين هي )) توقفت جمانة عن البكاء و وقفت و قالت و هي مصدومة (( إذن هي معكما و أنا هنا أبكي!! لماذا لم تخبراني؟! لا تقل أنكما تزوجتما من ورائي يا سليم، لا تقلها أبدا )) قال سليم و هو يحاول التخفيف عليها (( اهدئي يا أمي و اجلسي و أنا سأشرح لكـ كل شيء )) صاحت به بحدة (( لا أريد الجلوس و لا أريد أن أهدأ.. هيا أخبرني بسرعة، هل تزوجتما بالسر؟ )) قال سليم (( لا يا أمي، لم نتزوج بالسر و أنت تعرفين أني أرفض فكرة الزواج بالسر )) تنهدت جمانة بارتياح ثم جلست و قالت (( الحمد لله لقد أرحتني، إذن أين هي؟؟ أين ذهبتما بها أنت و والدك؟! )) قال سليم بتردد (( أمي اسمعيني جيدا و لا تتفاجئي أو بالأصح لا تنصدمي.. صوفيا تزوجت و لكن ليس بي )) وضعت جمانة يدها على صدرها و قالت بهلع (( إن كنت لم تتزوجها أنت فمن فعلها؟! لا تقل أبوك!! يا إلهي، هل فعلتها يا عبد الوهاب؟!! )) قال سليم و هو يحرك يديه إشارة لنفي ما قالته (( لا لا لا تفهميني خطأ.. أبي لم يفعلها، و لو فعلها لما كان يقف هنا أمامك، لكان هرب و لم يعد )) قال عبد الوهاب بغضب و استنكار (( لا تفقدي عقلكـ يا امرأة.. صوفيا مثل ابنتي و أنا وأنت أوصياء عليها.. اشرح لها يا سليم )) تنهد سليم بقوة ثم قال (( في الصباح الباكر عندما كنت أنت نائمة يا أمي، جاءت تلك الشقية صبا كي تنتقم مني و تساعدكـ على إقناعي بالزواج من صوفيا.. فقامت بتصفيف شعرها و جعلته ناعما و منسدلا و صبغته باللون الأسود ثم ألبستها فستانا جميلا و أصلحت لها وجهها بعد أن مسحت عنه تلك المساحيق المريعة و بهذا نجحت تلكـ الماكرة صبا بإصلاح ابنة خالتي بنسبة 100% و جعلتها كالبدر في تمامه و لكن ليس بالنسبة لي فأنا مازلت أحب مآثر لذلك لم أتأثر بهذا التغيير أبدا، و لكن تأثر سواي.. ففي تلك اللحظة دخل أمجد و رآها و أكتشف أخيرا أنه بدأ يحبها بعد أن رآها لأول مرة عندما أتت تسأل عني و زاد إعجابه بها عندما رآها بعد تعديلات صبا و لهذا أخبرها بنيته بالارتباط بها و أنا بدوري أخبرتها استحالة زواجي منها و بعد تفكير وافقت صوفيا و اعترفت أنها لم تكن تريد الزواج بي إلا بسببكـ يا أمي و ما دام ارتباطنا مستحيل وافقت على أمجد و بهذا ذهبنا معهما أنا و أبي إلى المحكمة و تم زواجهما و لقد سافر العروسان بالبطاقات التي اشتراها وحيد و أنا أهديتهما سيارة جديدة و وعدهما أبي بتغيير أثاث منزل أمجد عندما يرجعان من شهر العسل، و هذا كل ما حصل و إذا كنت تريدين معاقبتنا أنا و أبي أو قتلنا يجب أن تعرفي أن وحيد كان معنا )) أمسكت جمانة رأسها بألم و هي تحس بأن الأرض تدور بها و أن رأسها يكاد ينفجر من الصداع ثم قالت بضعف (( تركت صوفيا لأمجد! تركتها تذهب من يديك )) ثم وقعت على الأرض، فأسرع إليها سليم و عبد الوهاب و حاولا إيقاظها و لكن دون جدوى فأحضرا لها الطبيب و أخبرهما أن ضغطها ارتفع بسبب صدمة تلقتها و إذا ارتاحت ستكون بخير....


الجــــــــ 59 ـــــــزء:

و في الغد، أي يوم الخميس كان سليم يفطر مع أمه و إخوانه و زوجاتهم و طبعا جمانة غاضبة و ترفض التكلم مع سليم و عبد الوهاب و وحيد.. فقال لها وحيد متوسلا (( أنا لا ذنب لي فيما حصل، لقد هدداني بالضرب إن لم أساعدهما في جريمتهما.. لو لم يجبراني لما أقدمت على هذه الفعلة الشنيعة يا أمي )) ركله سليم بقوة في قدمه و قال له (( لا تكذب لأنك لن تقنعها بشيء )) ثم التفت لأمه و قال لها (( سامحيني يا أمي، لا أستطيع الزواج بامرأة لا أريدها، و صوفيا لم تذهب لبعيد لقد تزوجها أخي.. أرجوكـ سامحينا، أنا و أبي لم نقصد إغضابكـ )) ردت عليه بغضب (( أين هو والدك يا سليم؟؟ لماذا لم يأتي للإفطار معنا؟ )) رد سليم (( إنه في القبو، و لكن لا تسأليني ماذا يفعل لأني لا أعرف )) قالت له (( بل تعرف.. لن تكذبا عليّ بعد اليوم، إنه في القبو يخطط لمساعدتك حتى تتزوج تلك التي سحرتك، و لكني لن أوافق عليها أبداً.. أتسمــع؟! لن أوافق عليها مهما حصل و مهما غضبت و مهما عاندت و لا تحاول فعل شيء لأنك لن تغير رأيي )) قال سليم (( و لكن يا أمي.... )) قاطعته قائلة (( اخرس و لا تتكلم، لا أريد سماع صوتك بعدما فعلته أنت و والدك )) قال سليم بضيق من موقفها (( أنا أريد أن أتزوجها برضاكـ يا أمي )) قالت أمه بعناد و قسوة (( إن تزوجتها فأنسى أنني أمك )) قال سليم بحزن (( لا تقتليني يا أماه، أنت تدمري كل أحلامي بكلامكـ هذا.. الطلاق ليس جريمة حتى ترفضيها بسببه )) قالت جمانة (( لقد نسيت مسألة طلاقها و أنا لم أرفضها لأنها مطلقة بل لكذبك علي أنت و أباك.. و الآن أكمل فطورك و اعلم أننا في الغد سنرجع لإيطاليا و ستنساها أو تنساني )) قال سليم بغضب (( أنا لست صغيراً حتى تعامليني بهذه الطريقة و تخيريني بينكـ و بينها.. و هذه حياتي و مستقبلي و من حقي أن أرسمه كيفما شئت و لكن برضاكـ أنت و أبي.. أرجوكـ لا تحرميني منها فأنا لن أكون سعيداً إلا معها )) قاطعهما يزن و هو يدخل حاملاً في يده طفلة صغيرة جميلة، و أخذ يصرخ قائلاً بفرح (( أبشر يا سليــــم، لقد عادت مآثر و هي الآن في حديقة بيت خالها جمال تنتظرك.. هيــــا أسرع إليها )) طبعاً طار عقل سليم و أراد الخروج بسرعة و لكن استوقفته أمه و قالت له (( لا لن تذهب.. لن أسمح لك )) قال سليم و هو ينظر لها بثقة (( بل سأذهب يا أمي و سأقنعكـ فيما بعد )) ثم أخذ يبحث عن مفاتيح سيارته في جيوبه و عندما لم يجدها صاح بقهر (( تبــاً، أين اختفت المفاتيح؟! لقد كانت في جيبي!! )) قالت أمه (( و هي الآن معي و لن أعطيك إياها لذلك أعقل و أنسى هذه المرأة )) قال لها بعناد و إصرار (( اطلبي أي شيء إلا نسيانها )) ثم ركض حتى وصل للحديقة و هناك أخذ بسرج الحصان ثم ركب فوقه و عندما أراد الانطلاق رمى به الحصان بقوة فوقع للخلف و لكنه نهض و صعد مرة أخرى و عندما أراد الحصان رميه مرة أخرى قال له بتحدي (( لن أسمح لك بفعلها ثانية يا صديقي فلقد تعلمت درسي )) ثم جاء والده و قال له (( هل ينفع هذا السيف؟؟ إلى أين تريد الذهاب بالحصان؟؟ لقد كنت أمزح فأنا لم أعطه لك )) أخذ سليم السيف من يده و قال له (( إنه يصلح، شكراً يا أبي.. ألحقني أنت و أمي و أخوتي لبيت جمال و أحضروا يزن و لا تعاقبه يا أبي مثلما اتفقنا )) قال عبد الوهاب (( سنحضر إن لم تقتلنا أمك و لكن هل حملت الخاتم معك؟ )) رد سليم و هو يمشي بالحصان (( إنه في جيبي لا يفارقني )) ثم ذهب مسرعاً إلى حبيبة قلبه فخرجت جمانة و وقفت بجانب زوجها و أخذت تنادي بأعلى صوتها (( سليــم.. سليـــــــم )) و لكنه اختفى وسط زحام الشوارع، فالتفتت لعبد الوهاب و يزن و قالت لهما بهدوء أرعبهما –لأنهما توقعا القتل منها- (( هيا دلاني على منزلها، فبعدما رأيت من حبه لها اقتنعت أن أذهب و أراها )) ثم تنفست بقوة و قالت ((أقصد دلاني على بيت مآثر زوجة ابني، فأنا لم أرى أحد من أبنائي و قد أحب امرأة بهذا الشكل.. و من هي هذه الطفلة يا يزن؟؟ هل فعلتها أنت الآخر و تزوجت؟! )) قال عبد الوهاب بهدوء و هو يضع يده على كتف يزن (( لقد كلمنا سليم عن زواجك.. هيا أعطني هذه الطفلة الجميلة لأحملها و أخبرني ما أسمها؟ )) أعطاه يزن ابنته و قال بتردد (( ألن تضربني؟! )) رد عبد الوهاب و هو يلاعب الطفلة و يضحك معها (( إذا لم أفعل ذلك بالمجنون سليم فهل أفعله بك؟! اطمئن لقد وعدت سليم أن لا أضربك )) ابتسم يزن و قال (( سليم هكذا دائماً يساعدني في الخروج من مشاكلي رغم أني لا أستحق )) قال عبد الوهاب (( لا تقل هذا الكلام مرة أخرى، سليم يحبك لولا أن لك لساناً يوقعك دائماً في المشاكل.. هيا أخبرني عن أسمها حتى أعرف مع من أتكلم )) قال يزن براحة (( اسمها ليليان و عمرها سنة و نصف و أمها تنتظرني في الفندق )) صعدت جمانة إلى السيارة ثم قالت لهما (( هيـــا أسرعا و قولا ليعقوب و قاسم و وحيد بأن يتبعونا ))....


الجــــــــ 60 ـــــــزء:

و عند بيت جمال الدين الحسيني، كانت مآثر واقفة في الحديقة و هي تشم رائحة إحدى الزهور الحمراء الجميلة.. و عندما دخل سليم لم تنتبه له، فنزل و ربط الحصان في إحدى الأشجار ثم اقترب منها و قال لها بهمس رقيق (( أنت أجمل من تلك الوردة بكثير، فهي ستذبل بعد يومين أما أنت فستظلين جميلة في قلبي مهما مر الزمن )) ردت مآثر و هي تبتسم بفرح لا حدود له (( سليـــــم.. آه منكم أيها الرجال لا تبحثون عن الكلام المعسول عندما تريدونه، فهو يأتي إليكم ركضاً قبل أن تطلبوه )) رد عليها سليم و هو يبادلها ابتسامتها الجميلة (( و آه منكن أيتها النساء فأنتن تبخلن بالكلام الجميل عندما يطلب منكن.. فنحن الرجال مبذرون و أنتن بخيلات )) ثم أخرج خاتم الألماس من جيبه و أخذ يدها و قال و السيف في يده الأخرى (( الحصان هنا و السيف في يدي و ملابسي التي علي الآن تعتبر ملابس الفارس في هذا العصر و لقد أكملت جميع شروطكـ، فهل تقبلين يا مآثر بسليم أحمد الأحمد زوجاً لكـ لأن خالكـ المتعب جمال وافق و أبي معنا منذ البداية و أنا متأكد أن قلب أمي قد رق و حن لي و وافقت و لم يبقى سوى رأي صاحبة الشأن فهل توافقي؟؟ )) دمعت عيناها و هي تنظر له بفرح و سعادة ثم قالت له بثقة (( طبعاً أوافق.. لقد وافقت منذ أن رأيتك وسمعتك و أنت تدافع عني أمام زوجة خالي و طارق، و لو بحثت في كل الدنيا فلن أجد شخصاً مثلك في عطفك و حنانك و شجاعتك و عنادك.. لذلك أقولها و بكل ثقة و إصرار، مآثر توافق على سليم أحمد الأحمد )) قال سليم و السعادة تشع من عيونه (( بل أنا الذي لن يجد مثلكـ يا حبيبتي، فأنت علمتني أن المال و الشركات و المنافسات ليس كل شيء في الحياة.. حزنكـ علمني أن أقهر حزني و أن أناضل حتى أحظى بحب إخواني و اليوم عندما أرى هذا الوجه الناعم و قد حلت السعادة به بدلاً من ذلك الحزن المرير فأنا أسعد إنسان في هذا الكون )) قالت له (( سعادتي رجعت لي بسببك يا سليم.. و حبي لك زاد بعد أن علمت مدى إصرارك على رضا والدتك على زواجنا.. أنت ستكون أول و آخر رجل أسمح له بأن يجعل قلبي مسكناً دائماًَ له.. أنا أحبك و أعدك بأن أكون وفية لك مدى الدهر )) قال سليم (( و أنا أيضاً أحبكـ و أعدكـ بأن أكون وفياً لكـ طول العمر )) قالت مآثر (( إذن أسمح لي بأن أقدم لك شهود زواجنا.. هيـــا اخرجوا )) فخرج من المنزل الكبير خالد و حسام مع زوجاتهم و أولادهم و صبا، و أيضاً جمال و رحاب و طارق و أحاطوا بهما و هنئوهما و أبعد جمال يد مآثر من يد سليم و أخذها بجانبه و قال لسليم (( لا أسمح لك بإمساك يدها فأنتما لم تتزوجا بعد و لا يغرك مرضي فما زلت قوياً و أستطيع منعك إن أردت )) ابتعد سليم عنها عندما سمع تهديده فضحك الجميع عليهما، ثم دخل من الباب الخارجي جمانة و عبد الوهاب مع أبنائهم و عائلاتهم و طبعاً يزن و زوجته و ابنته... اقترب طارق من سليم و قال له (( سامحني على كل ما حصل يا سليم فلم يبقى أحد من إخوتك إلا و صالحته ما عداي.. و أنت يا مآثر سامحيني على مضايقتي لكـ فلقد اكتشفت أنكما مناسبان لبعضكما )) قال سليم و هو يمسك وجه أخيه بيديه و ينظر لعينيه بحنان (( لا تكمل فأنا سامحتك منذ أول يوم رأيتك فيه و كنت تمشي وراء رحاب، أما الآن فأنت رجل بمعنى الكلمة لأنك تركت طريق الضلال الذي كنت تتبعه و ما دمت أراك تمشي بمفردك و في الطريق الصحيح فأنا معك و فخور بك و لا تنسى أنك أخي الصغير )) قالت جمانة و هي تقترب من مآثر (( كنت أعلم أنه لا يوجد من يغلب ابني في ذوقه و لكني لم أعتقد أن تكون من أختارها و كأنها قطعة من القمر )) ردت مآثر بخجل (( أرجو أن أكون عند حسن ظنكـ يا خالتي )) ثم التفتت لسليم و قالت له (( بما أن الجميع هنا أرجو أن تستمع لشروطي و أعتقد أن هذا من حقي يا سليم )) قال سليم (( أطلبي ما شئت و لكني لن أعيش في بيت بعيداً عن أمي و أبي )) قالت مآثر (( لست أنا من تطلب منك الابتعاد عن والديك فلقد أحببت والداك من كلامك الدائم عنهما و زاد هذا الحب بعد أن قابلتهم.. شرطي ينقسم إلى قسمين: أولاً أريد ابنتي معي، أرجوك لا تحرمني منها يا سليم.. و ثانياً أريد إكمال تعليمي، على الأقل دعني أحصل على الشهادة الثانوية )) قال سليم (( أيضاً ما أنا بالذي يبعد طفلة عن أمها، و من حسن حظكـ أني أحب الأطفال.. ابنتكـ هي ابنتي يا مآثر و لا شيء يسعدني في الدنيا أكثر من أن أكون الأب الجيد و المثالي لها، و أما عن إكمال تعليمكـ فهذا من دواعي سروري و أنا سأكون معلمكـ في البيت )) ثم سمعا صوت طفلة من بعيد تصرخ و تقول (( ابتعــــــدوا.. دعوني أمر حتى أرى الأشقر الطويل )) و عندما اقتربت رأى سليم نفس الطفلة التي قابلها في النادي قبل تعرضه للحادث و رمت الطفلة بنفسها على سليم و قالت له بدلال طفولي أعجبه (( كنت متأكدة بأنك لن تنساني و أنك ستأتي لتخطبني من أمي.. أنا موافقة )) ضحك الجميع عندما سمعوها فقال لها سليم (( إنها أنت.. أيتها الشقية إذن أنت ابنتها.. اخبريني الآن على ماذا اتفقنا؟! )) قالت له بأدب (( حسناً أيها الأشقر.. أقصد يا أبي )) قبلها سليم بقوة في خدها و قال لها (( هيا اخبريني ما هو اسمك؟ )) قالت له ببراءة (( اسمي لينا و لكن هل ستكون حقاً أبي؟! )) ابتسم سليم لها ثم قال و هو يناولها لوالديه (( نعم يا عزيزتي.. و هذان هما والداي، أي جدكـ و جدتكـ )) ثم التفت لمآثر و قال لها (( هل ألبسكـ الخاتم؟ إنه نفس الخاتم الذي عرض في الصحيفة يوم أن خطبتكـ في أول مرة رأيتكـ فيها )) ثم قال لجمال (( طبعاً سيتم هذا بأذنك )) هز جمال رأسه موافقاً من دون أن يتكلم، فقالت مآثر (( و لكنه غالي الثمن يا سليم )) قال سليم (( لا يوجد شيء أثمن منك بالنسبة لي )) و مدت مآثر يدها بخجل لسليم و لكن عندما أراد أن يلبسها تجمد مكانه لأنه سمع صوتاً اشتاق له كثيراً يقول له (( توقف أيها الخائن )) التفت الجميع لمصدر الصوت و رأوا أكرم واقفاً يلهث بقوة عند مدخل باب الحديقة، فقال أكرم و هو يبتسم بشوق كبير لصديقه الوحيد (( هل صدقتني يا سليم عندما قلت بأني لا أريد حضور يوم جنازتك..لقد كنت أمزح.. للأسف لم أستطع العيش بعيداً عنك.. لقد اشتقت لك كثيراً يا أخي )) دمعت عينا سليم و هو يراه ثم قال و هو يقترب منه (( أكرم.. أين ذهبت؟! لقد بحثت عنك في كل مكان.. لقد كنت متأكداً بأنك لن تنساني.. تعال لحضني يا صديقي )) و هكذا أجتمع الصديقان أخيراً فقال سليم بعتاب (( كيف استطعت فعل هذا بي؟؟ )) رد أكرم بسخرية (( يجب أن لا تخاف فأنت مع سليم عبد الوهاب )) ضحك الاثنان لهذه الجملة التي كثيراً ما ردداها أيام الصعاب التي واجهتهما و ذهب سليم ليقف من جديد بجانب عروسه، و بعد أن سلم أكرم على يزن و الباقين اقترب و وقف وسط العروسان و قال لسليم (( يجب عليك الآن أن تلبسها الخاتم و لكن لا تستطيعان الزواج إلا بشرط واحد )) قال سليم (( و من أنت حتى تتشرط يا سيد أكرم؟! )) قال أكرم (( على الأقل حتى أقول سأحضر يوم عرسك بدلا من يوم جنازتك يا سيد سليم )) قال سليم (( هيا تكلم ما الذي تريده؟ )) قال أكرم (( أنا و يزن الوحيدان اللذان لنا الحق بأن نكون شاهدي الزواج بعد الذي عانيناه مع سليم، فهل أنتما موافقان؟؟ )) رد سليم و مآثر و هما ينظران لبعضهما (( نحن موافقان )) ابتسم أكرم و قال (( إذن على بركة الله )).....
و هكذا حقق سليم جميع أحلامه فلقد تزوج من كان و مازال يريدها شريكة لحياته و تصالح مع جميع إخوته و نال رضا والديه و اجتمع من جديد مع صديق عمره أكرم....

***النهــــــــــــــــــــــايـــــــــــــــــــــــــة***



بعد النهايــــــــــة:

* صبا أخيراً حصلت على مرادها من عند سليم و أعطاها ما كانت تتمنى بعد زواجه مباشرة "الحلة الرسمية الكاملة" و لكنه أجل السيارة حتى تبلغ السن القانونية.

* يزن أخيراً عرف قيمة زوجته و وعدها بأن يظل دائماً وفياً لها و هما الآن ينتظران مولودهما الثاني و قد قررا الرجوع لإيطاليا حتى يشرف يزن على أعمال سليم هناك و يكون مديراً لإحدى الشركات مثلما حلم دائماً.

* جمال الحسيني توقف عن استعمال القوة و إرغام الناس على ما يريده و سلم جميع الأسلحة التي عنده للشرطة و لقد توسط له سليم حتى لا يدخل السجن بسببها و دخل شريكاً معه في تجارته.

* أمجد أستطاع أن يجد طريق السعادة مع صوفيا و أحبا بعضهما و اقتنعا أن الحب بعد الزواج له معنى رائع و جميل و أنجبا ثلاثة أولاد فرحت بهم جمانة جداً لأنهم أولاد ريحانة القلب صوفيا.

* أكرم استقر هنا و بنى له منزلاً بجانب سليم و أصبحت زوجته صديقة عزيزة لمآثر و هي الآن تساعدها في رسم الخطط ضد صوفيا لأن مآثر تحترق بنار الغيرة كلما تذكرت أن سليم كاد أن يتزوجها و صوفيا ليست سهلة أيضاً و تعرف جيداً كيف تدافع عن نفسها مع أنها تسكن في بيت بعيد هي و أمجد و لكنه بيت خالتها أيضاً و طبعاً المتضرر الأكبر من هذا كله هم الأزواج: سليم و أكرم و أمجد.


و عاش سليم و مآثر حياة رائعة و سعيدة و كان خير أب لأبنتها و خير زوج لها و رزقهما الله بثلاثة أولاد و بنت واحدة، أحمد، عبد الوهاب، أكرم، و جمانة و عاش الجميع بهناء و محبة....

الغالي المزيون 25-12-10 07:37 PM

طبعا وصلت أخيرا للنهاية انتظر ردودكم على احر من الجمر و انتظروني في جديدي القادم بعنوان "ذكريات الماضي" و هي عبارة عن مجموعة من القصص الحقيقية ارويها لكم بطريقة كوميدية و فيها احداث كثيرة مضحكة تتكلم عن ايام الطفولة الجميلة

الغالي المزيون 13-04-11 07:47 AM

صرااااااااااااااحة انصدمت كثيييييييييييير كنت اتوقع ردود حلووووووة للتشجيع.... معقوووووووووووولة مافي حد اعجبته القصة

أنا قررت بعد هذي الصدمة انزلها في منتدى ثاني و اشوف جمهور جديد لعل و عسى ألقى اللي كنت اتمناه من تفاعل و ردود

:party0033:

متمردة 30-04-11 03:54 PM

رائعة جدا استمتعت بها كثيرا ياقمر وكم اضحكتني بها وابكيتيتني

بانتظار جديدك دائما

fadi azar 12-05-11 04:19 PM

كتير حلوي وبلتوفيق

aiv 13-11-11 11:20 PM

انشاء الله تكون رواية حلوة

اسماء88 27-12-11 02:28 PM

رواية كتيييييييييير حلوة تسلمي يا حلوة

الغالي المزيون 10-05-12 07:59 PM

ياااااامرحبا وسهلا بكل اصدقائي اللي اعجبوا بروايتي
لكم ألف شكر مني على تشجيعكم لي
انتظروا روايتي الثانية ذكريات الماضي
:8_4_134:


الساعة الآن 02:56 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية