منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   السوسن (https://www.liilas.com/vb3/t148302.html)

my faith 10-09-10 05:47 AM

السوسن
 
السلام عليكم ..

اول شي كل عام وانتوا بخير وبصحه وسلام وربي يحقق كل امانيكم وكل دعواتكم في شهره الكريم ..

انا كنت وعدت متابعين روايه ملاك الحب باني بنزل روايه باسم السوسن في العيد .. وهذا هو اول بارت .. وعلى فكره السوسن كانت اول تجربه لي في كتابه الروايات .. وفيها احداث كثيييييييييييره حقيقيه .. بتمنى تنال اعجابكم وما تحرموني من ردودكم ..

------------------------

السوسن



بقلم : إيمان عبد العزيز مصعبين




(1)
بداية الطريق ..


في صباح يوم من أيام أغسطس 2007 في مدينة غزة استيقظت آية على صوت زوجة خالها منى من الغرفة المجاورة توقظ ولداها رأفت ويوسف .. ظلت آية مستلقية على سريرها لبرهة ثم نهضت بكل حيوية ونشاط لتستقبل يومها الجديد الذي تتوقع أن يكون حافلا بالأحداث .
ألقت تحيه الصباح بمرحها المعتاد على جدتها التي تشاركها حجرتها :
- صباح الخير يا جدتي .
ردت عليها الجدة فاطمة وهي تحتضنها بعينيها :
- صباح الخير يا عيون جدتك .
تبتسم آية لمداعبة جدتها لها فتقبل رأسها وتخرج من غرفتهما التي تحوي سريران ومكتب صغير عليه كتب آية الدراسية وصورة لوالديها المتوفيان ومجموعة من الروايات التي تحبها ودولاب صغير للملابس عليه مرآة .. وقفت آية على باب غرفة الأولاد تنظر إلى ولدي خالها وهي تبتسم .. ثم قالت مشاكسة :
- متى سيكبران ولداكِ يا خالتي ؟!.. إن الحارة كلها استيقظت وهذان الكسولان مازالا نائمين .
أجابتها الخالة منى بضجر :
- آه يا آية بالله عليك لا تزيدي همي .. إني لن أيقظ أحد بعد اليوم وليعتمد كل واحد على نفسه .
أخرج رأفت رأسه من تحت اللحاف وقال مبتسما :
- ما هذه العائلة النكد .. الناس تفيق على كلام جميل ووجوه باسمة ونحن نفيق على صوت أمي الصاخب ومزاج آية الرائق .
ردت عليه آية :
- صدقني .. انتهز فرصة أنني بينكم سيأتي يوم ستفتقدون هذا المزاج .
ضحك يوسف وهو مستلقي فوق سريره:
- لماذا .. ستستشهدين ؟!.
شهقت الجدة من الصالة عندما سمعت كلمة الاستشهاد ونهرته بخوف :
- الله يحرسها ويحرسكم جميعا .. ويبعد عن أولادنا كل سوء .
حدثها رأفت وهو متجه إليها ليقبل رأسها :
- وهل في الاستشهاد سوء يا جدتي .. إنه غاية نرجوها وشرف نسعى إليه لنطهر أرضنا ممن دنسوها .. فادعي لنا نكن من الشهداء لتفخري بنا أحياء وأموات .
- بارك الله بكم يا ولدي وقدر لكم كل الخير .
ابتسمت آية وهي تسمع دعاء جدتها ورددت بحب :
- آمين .
انتهز يوسف الجو الهادئ الذي أثارته الجدة بدعائها فخطف المنشفة من يد آية وركض إلى الحمام ليستحم قبلها .
تفاجأت آية من حركة يوسف وركضت ورائه وهي تصرخ مهدده :
- الأيام بيننا يا يوسف .. وابحث عمن يساعدك في دروس الرياضيات .
قال يوسف بصوت مرتفع من داخل الحمام :
- تعيش وتأخذ غيرها يا أرسطو .
خرج خال آية من غرفته على صراخ الأولاد :
- صباح الخير .. ما هذا الصراخ ؟.. مؤكد سببه يوسف .
وقبل أن يجيبه أحد .. نادت الخالة من المطبخ :
- أسرعوا يا أولاد كي لا تتأخروا على مدارسكم .. وجامعاتكم .
اتجهت آية إلى المطبخ لتساعد خالتها بفكر شارد .. كانت الخالة منى تتأملها بهدوء ثم تساءلت برفق :
- هل تشعرين بالقلق ؟.
أجابت آية والتوتر بادٍ على ملامحها :
- نعم .. فهذا يومي الأول في دراستي الجامعية .. وكليه الطب ليست بالكلية السهلة .
طمأنتها الخالة منى :
- لا تقلقي كثيرا يا حبيبتي .. مؤكد سيوفقك الله فلقد اخترت مجالا سيفيد من حولك .
وقبل أن ترد آية انطلق صوت يوسف صارخا من داخل غرفته :
- يا أمي .
أجابت الأم بنفس الصوت المرتفع وهي تخرج من المطبخ لتضع الطعام على الطاولة :
- نعم يا يوسف .
استفسر يوسف ببساطة :
- أين حقيبتي المدرسية ؟.
هز الأب رأسه ضاحكا على استهتار ابنه ولكن الأم رفعت حاجباها بدهشة .. ثم اتجهت إلى غرفة ابنها قائلة بغضب :
- ألم أقل لك منذ الأمس أن ترتب أغراضك ؟.
أجابها يوسف مبررا :
- لقد نسيت .
ابتسم كلا من رأفت وآية .. ثم تحدث رأفت مازحا :
- يجب أن تستلم أمي شهادة الثانوية بدلا منك .
تساءل يوسف متحديا وهو يضع يده على خصره :
- ولم ؟.
تدخلت آية لتكمل مشاكسة رأفت :
- لأنها تقوم بعمل كل شيء بدلا عنك .
حاول يوسف تغير الموضوع بعفوية :
- كفانا تضيعا للوقت ولتساعدوني على البحث عنها .
قال رأفت متجها إلى باب الخروج بعد أن أختطف بعض اللقيمات على عجله :
- هذه ليست مشكلتي .
أردفت آية وهي تنسحب من الغرفة :
- وأنا أيضا .. يجب أن أسرع بالخروج .
نظر يوسف إلى أمه متوسلا .. ولكنها تجاهلته قائلة :
- أنا لدي حصة ثالثه في المدرسة وفي مقدوري التأخر .. ولكنني لن أساعدك كي تتعلم النظام .
خرجت آية من حجرتها .. وذهبت لتقبل يد جدتها :
- ادعي لي يا جدتي بالتوفيق .
ربتت الجدة على رأس آية :
- ربنا يحرسك يا بنتي .. ويسخر لك قلوب الناس .
فتحت آية باب البيت وقبل أن تخرج مر بجانبها يوسف مسرعا قائلا وهو يلوح لها بحقيبته :
- لقد وجدتها .. وسأسبقك في الخروج .
ضحكت آية على يوسف .. وتبعته بعينين محبتين لشقاوته .. ثم وقع نظرها على شجرة السوسن التي في الحديقة .. فابتسمت وكأنها تبتسم لشيء عزيز وقريب إلى قلبها .. وعندما مرت بجانب الشجرة أخذت نفس عميق لتستعين بذلك العبير الناعم على تهدئه أعصابها المشدودة .. فهي تخاف من كل جديد وتريد أن تنجح في كل خطوة تخطوها على طريقها الواعد لتفخر بها روح والديها ومن حولها .
بعد بضع خطوات سمعت وقع خطوات سريعة خلفها وصوت يعاكسها :
- أنت يا حلو .. سلم علينا إن السلام لله .
التفتت آية لترى صديقة طفولتها شذى .
سلمت عليها والفرحة تلمع في عينيها :
- حبيبتي شذى كيف حالك .. لما غيرتي رأيك ألم تقولي بأنك لن تحضري من أول يوم .
قالت شذى متباهية :
- نعم قلت ذلك ولكنني غيرت رأيي من أجلك خفت عليك أن تضيعي وأنا لست معك .


وصلت الصديقتان إلى الجامعة .. عالم جديد على آية لم تعرفه من قبل .. افترقتا كل واحدة إلى كليتها .. آية إلى الطب وشذى إلى الهندسة واتفقتا على موعد ومكان اللقاء بعد انتهاء اليوم الدراسي .

مر اليوم بسلام مابين المحاضرات والتعرف على زميلات جدد وعند المساء وقبل أن يأتي الخال من ورشة النجارة خاصته .. أخذت آية مفكرتها الصغيرة ووضعت حجابها فوق رأسها وخرجت إلى الحديقة لتجلس بجانب شجرة السوسن .
فتحت آية المفكرة التي كانت تكتب بها خواطرها وأفكارها وما مر بها خلال يومها وكانت بذلك تحدث والداها وتحس بأنهما ينصتان إليها بشغف من بين السطور .. فهي شديدة التعلق بهما و حريصة على إشراكهما بكل مراحل حياتها وكأنهما يعيشان بين صفحات مفكرتها ..
إحساس غريب هذا الذي تشعر به آية وهي تخط بقلمها لتحادث والديها قد لا يستوعبه البعض ولكن آية الرقيقة لا تجد صعوبة في تجسيد روحهما بداخلها .. فهي فتاة محبه للهدوء .. تحمل روح مرحة ومعطاءة .. ولا تقوى على رؤية إنسان يتألم .. وهذا ما دفعها للالتحاق بكلية الطب .. لتخفف عن شعبها الجريح .. فأمنيتها أن يأتي اليوم الذي يندمل فيه الجرح الذي استنزف دماء شعب فلسطين .
دخل الخال من باب الحديقة ليجد آية في خلوتها بوالديها بجانب شجرة السوسن التي زرعتها هي وأمها قبل وفاة أمها بأيام .
ناداها الخال عز الدين بصوته الحنون :
- أنت هنا يا آية .. مؤكد تكتبين لأبويك عن يومك الأول في الكلية .. صحيح ؟
وقفت آية بجانب خالها الذي تحبه جدا فقد كان هو وزوجته نعم الأب والأم لها وأحست منذ طفولتها أنها أخت لولديهما بل كانت هي الابنة المدللة والقريبة إلى قلب كل من حولها .
أخبرته بصوتها الناعم :
- نعم يا خالي .. أنا أحب أن أكتب لأبي وأمي وخاصة بجانب هذه الشجرة لأن أمي قالت لي ونحن نزرعها :(( إن فلسطين مثل هذه الشجرة الناعمة ستبقى صامدة إلى الأبد .. وكلما اعتنيت بها ستتعمق جذورها وتتفرع جذوعها ومهما خسرت من أوراقها ستظل باقية .. لتزهر وتعلن للعالم بعبيرها عن صمودها وجمالها )) .
ابتسم الخال ودخل البيت محتضنا آية بذراعه :
- بالرغم من أن أمك استشهدت وأنت في الرابعة من العمر إلا أنك تتذكرين كل كلامها والكثير الكثير من تصرفاتها .
قالت الخالة منى مؤكدة على كلام زوجها :
- بل وأصبحت نسخة من أمها نفس الجمال والمشاعر المرهفة .. وأخذت منها أيضا صبرها وقوة تحملها لذلك أنت في نظري ( فراشة الألمنيوم ) لأنك فراشة برقتك وصلبة كالألمنيوم بتحملك .
حضنت آية خالتها بحب :
- ربنا لا يحرمني منكم أبدا فأنتم جميعا أسرتي التي عوضني الله بها .
دخل يوسف في هذا الوقت بثيابه المتسخة وشعره أشعث مختلسا النظر بعينيه الشقيتان من وراء الباب ليرى الوضع داخل البيت ولكنه صدم باستقبال أمه له صارخة في وجهه :
- ما هذا الذي حل بك وكأنك عدت من معركة .
قال يوسف بحماسته المعهودة :
- إنها أشد المعارك يا أمي لقد لعبنا كرة قدم نحن وأولاد الحارة المجاورة وكانت مباراة ساخنة جدا ولكننا غلبناهم فيها .
ردت آية على كلامه :
- وماذا استفدنا نحن من سخونة المباراة وفوزكم .. غير أكوام من الرمال ننظفها بعدك ؟.
أجابها يوسف مازحا :
- كوني محضر خير يا آية .. في الأساس تستحقون ذلك .. إذا لم تمنعوني من الانضمام إلى حركه حماس لكنتم الآن تتشوقون لرؤيتي والتنظيف ورائي .
رد الخال محتدا :
- ادخل إلى الحمام .. متى ستقلع عن الفلسفة الكثيرة ؟.
- عندما تشتري لي الكاميرا التي حدثتك عنها .
تدخلت الخالة مسرعة لتقطع كلام يوسف :
- ليس وقته الآن يا يوسف .. ادخل واستحم .
اتجه يوسف إلى الحمام وآية تسير بجانبه .. وتمسك طرف قميصه بأصابعها ويدها الأخرى على انفها .. قائلة بتأفف مصطنع :
- رائحتك لا تطاق .. أنت واثق أنك كنت تلعب كرة .
- استهزئي كيفما شئتي .. يوم ما ستطلبين توقيعي .
ضحكت آية ودخلت لتساعد خالتها في إعداد العشاء ولتحكي لها تفاصيل يومها كما تعودت أن تفعل دائما .. بعد انتهاء الأسرة من العشاء دخل رأفت مسرعا إلى غرفته لينهي المشروع الذي بدأه على الحاسوب .. وساعد يوسف آية في تنظيف الطاولة .
أخبرته آية وكأنها تذكرت شيئا مهما :
- لقد جاءت براءة تبحث عنك اليوم .. وظلت تنتظرك إلى أن غلبها النعاس .. وجاء والدها وأخذها إلى البيت .
- هل تصدقي أنني اشتقت إليها كثيرا .. هذه الملاك الصغير تأسر النفس بشقاوتها اللذيذة .
- هي أيضا تحبك جدا تصور اليوم سمعتني انتقد فوضويتك .. غضبت مني ولم ترضى عني إلا بعد أن رشوتها ببسكويته .
ابتسم يوسف وأردف قائلا :
- لقد قابلت والدها اليوم وسيضطر أيضا للغياب عن البيت لأنه مشغول مع الجيش لذلك وعدته بأن أهتم ببراءة وأوصلها إلى الروضة كل يوم .
- إذن يجب عليك الاستيقاظ باكرا حتى لا تتأخر أنت أيضا عن دروسك .
- لا تقلقي عليّ .. فأنا صاحب المهمات الصعبة .
ردت عليه مازحه وقد انتهت من تنظيف صحون العشاء :
- تصبح على خير يا سوبرمان .
- وأنت من أهل الخير .
قبلت آية خالها وخالتها وقبل أن تدخل غرفتها مرت بغرفة الأولاد ووقفت ترمق رأفت وهو منكب على الحاسوب ووجهه متجهم .. فتساءلت :
- هل تواجه صعوبة في مشروعك الجديد ؟.
- لا .. ولكنه أيضا يحتاج إلى الكثير من الدقة .. أنا أود أن أقدم شيء يجعل قسم الكمبيوتر للسنة الثالثة ينبهر ولا يجد كلام لوصف مشروعي .
- أنت ولد عبقري .. وأنا أثق بقدراتك فلا تقلق كثيرا اجتهد وتوكل على الله .
تنهد رأفت وشرد بنظره قليلا .. ثم رد عليها :
- ما فائدة عبقريتي في بلد يقتل شبابها كل يوم دونما اهتمام بأفكارهم وحياتهم وما قد يخلفه موتهم من ألم في قلوب ذويهم ..
أجابته آية وهي تحتضنه بعينيها الواسعتين :
- لما تتحدث بهذه الطريقة يا رأفت ؟.
رد رأفت بحرقة وقد تعقد حاجباه :
- لأنني أحس بالنقص يا آية .. فكثيرا ما احلم مثل أي شاب في عمري بأن أكون فخرا لأهلي .. وارتبط بمن تكمل معي حياتي .. ولكننا محرومين من كل شيء .. حتى الحب .. فأحلامنا تنتهي عند حقيقة واحدة وهي أننا العاب ورقية في أيدي الطفل اليهودي يلهو بها كيفما شاء ويمزقها حينما يريد ..

وقفت آية منبهرة بكلام ابن خالها .. وفي نفس الوقت أحست كأنه ينطق بتلك
الأفكار التي تصطخب بداخلها ..
حدثته بصوتها الحزين :
- من منا لا يحلم بغد أفضل .. وبأرض حرة يمارس أهلها الحياة الكريمة .. يعيش أطفالها دون خوف .. ويبدع شبابها .. وينعم كبارها بالسكينة .. ونحب فيها كل من حولنا .. لكننا لو فكرنا بهذا المنطق اليائس لن تستمر الحياة .
أردف رأفت قائلا وكأنه لم يسمع كلام آية :
- كم أود أن اصرخ بوجه العالم ليحس بنا .. لا كصور على التلفاز تستدر عطفه ولكن كشعب عربي يحتاج إلى موقف رجولي منه .. كم أود أن أبيد كل إسرائيلي دنس أرضنا الطاهرة واغتصبها .. وأطلق علينا صفة الإرهاب .
راحت آية تحدثه بثقة :
- ستفعل .. لأننا أثبتنا للعالم أننا أقوياء بأيماننا وصبرنا .. أقوياء بأطفالنا الذين لا يخافون الموت .. لذلك سيأتي يوم وننتصر فيه إنشاء الله .
افتر ثغر رأفت عن ابتسامة ساخرة :
- أي نصر يا آية .. إننا شعب سلبت منه كل حقوقه .. حتى حق المقاومة .
ظلت آية صامتة .. في حين دخول يوسف إلى الحجرة .. فأردف رأفت بعصبية :
- إن ما أستغربه كيف لا يرى العالم ما نعانيه .. لقد سمعت اليوم في نشرة الأخبار الرئيس الأمريكي يقول : ( إن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها ) .. ممن ؟؟ من طفل بريء يرمي بحجرة نحو دبابة مدججة بالسلاح ؟!..
تدخل يوسف قائلا بتحدي :
- لابد سيأتي اليوم الذي تتحول فيه الحجارة إلى قنابل .
أجابه رأفت :
- وأين سنكون نحن من هذا اليوم ؟.. إنني أعرف أنها ستظل معركة غير متكافئة ولكني بالمقابل مستعد أن أهدر دمي لأحدث تغير .. ابسط تغير .
أردف يوسف مؤيدا لكلام أخيه :
- مؤكد سنحدث تغيرا .. فالحجارة التي يرميها طفلنا تزلزل قلوبهم الجبانة .
نظرت إليهما آية وعلى شفتاها ابتسامة حب ثم مررت أناملها بين خصلات شعر رأفت بحنان :
- أسمعت ما قاله أخوك الصغير ؟ لتتأكد يا رأفت أن لنا رب عادل سيثبتنا على الحق .
صمت الأخوان .. فهمت آية بالخروج :
- تصبحان على خير .. ولا تطيلا السهر .
- وأنت من أهل الخير .

اتجهت آية إلى غرفتها وقبلت جدتها بفكر شارد .. يزدحم بنقاش ولدي خالها ..
لقد تحرك بداخلها ما تحاول دائما تجاهله .. وهو الإحساس بالحقد ..
الحقد على من حرمها أباها قبل أن تولد ..
وحرمها حنان أمها قبل أن تعي الحياة ..
إنها تتألم كل يوم عندما ترى مزيدا من المجازر على أرضها ..
وتتألم أكثر عندما يزيد الحقد بداخلها فهي أرق من تلك الأحاسيس البغيضة ..
ولكن الصهاينة قتلوا كل إحساس جميل بداخلها ..
فهي تشاهد كل من حولها وهم يعيشون حياة مرهونة بطلقة من فوهة بندقية هوجاء ..
ترى الأم تودع أولادها كل يوم وهي لا تعلم من سيعود ومن سيودعها للأبد !!!
وهي تفكر دائما بولدي خالها .. كم تحبهما وتفزع لتخيلها اليوم الذي تفرقهما فيه لأي سبب كان ......


استقبلت آية صباح يوم جديد .. على صوت خالتها توقظ الأولاد مثل كل يوم ..ابتسمت وهي تتذكر وعيد خالتها بالأمس بألا توقظ أحد ..
خرجت من المنزل بعد تناول إفطارها ومرت على شذى فوجدت أباها خارجا من الباب ليذهب إلى المشفى ..
ألقت آية تحيه الصباح وابتسامتها اللطيفة ترتسم على شفتيها :
- صباح الخير يا خال كمال .
هز الخال رأسه فرحا عندما رأى آية تحتضن الأوفر كوت الأبيض بيدها :
- صباح الخير يا طبيبة المستقبل .. خلاص يا آية من اليوم أعينك مساعدة لي إلى أن تتخرجي وتصبحي أفضل مني .
- أشكرك يا خال كمال .. وإنشاء الله أكون عند حسن ظنكم .
- أنت كذلك .. ونصيحة مني كلما وجدتي وقت فراغ تعالي إليّ في المستشفى فتعاملك مع المرضى سيفيدك أكثر في دراستك .
- إنشاء الله .
خرجت شذى مهرولة من المنزل .. ودّعت والدها وسحبت آية من يدها :
- كفاك ثرثرة لدينا محاضرات سنتأخر عنها .
وفي طريقهما وجدتا رأفت وشقيق شذى هيثم فسارتا معهما .. نظر رأفت إلى شذى وعيناه ملئهما الحب .. وبدأ يسألها عن دراستها :
- كيف حال المهندسة شذى .. هل مازلت تحلمين بأن تبني أكبر برج في العالم ؟.
- نعم مازلت .. أليس من حقنا أن نحلم ؟.
قاطعها هيثم مازحا :
- وهل تستطيعين غير ذلك ؟.
ردت عليه آية موبخة :
- لا تحطمها يا هيثم .
تدخل رأفت ونبره الإعجاب ترن في صوته :
- إن ما يعجبني بشذى أحلامها الكبيرة .. فكلما كبرت الأحلام كلما تمسكنا بها أكثر .
ابتسمت شذى لذلك الإطراء اللطيف ..وتساءلت آية :
- كيف حال الصحافة يا هيثم ؟.
- إنها أهم سنة في حياتي فهي الأخيرة .
- وماذا تنوي أن تفعل بعد التخرج ؟.
- أنوي الكثير .. ولكن تظل الأمنية الأولى أن نصبح بلد حر يعترف بحق الإنسان قبل حق الكلمة .
تدخل رأفت متحمسا لحديث صديقة :
- صحيح يا هيثم .. هل فكرت في مشروع التخرج ؟.
- أنا محتار بعض الشيء .. ولكني أعتقد أنني سأقدم موضوع ( اليهود النازيين )
تساءلت شذى باستغراب :
- اليهود النازيين ؟..
أجاب هيثم بحماسة :
- إنه يناقش التعذيب النازي لليهود والذي استدروا به عطف العالم لسنين .. ويكشف على لسان مؤرخيهم أنهم استغلوا ذلك ليصبح عذرا يسمح لهم باحتلال فلسطين .. كما أنهم أصبحوا يمارسون معنا نفس الظلم .
ردت آية بإعجاب :
- إنه موضوع رائع .. وسيثير الكثير من الجدل .
أضاف رأفت مؤيدا :
- وستضمن به الامتياز .. إنشاء الله .
أضافت شذى بفخر :
- وسينظم إلى أمي في صفوف المحاربين بالأقلام ...
ابتسم رأفت .. وبدأ الحديث يجمعه بشذى .. ثم تشترك فيه آية وهيثم .. ليعود ويجمعه بشذى .. إلى أن وصل الأربعة إلى الجامعة ليفترق كل واحد منهم إلى كليته .. ولكن ظلت عينا أية ترمق ابن خالها بحنان ..
كانت كلمات رأفت بالأمس ما تزال تصرخ بداخلها .. فهو محق في كل كلمة قالها ..
وكل كلمه لم يبح بها ..
والتي تدركها آية بإحساس الأخت المحبة ..
إنها تدرك تلك الأحاسيس التي يكنها لصديقة عمرها شذى .. والتي يروضها بداخله ..
لأنه مثلما قال كشاب فلسطيني محروم حتى من الحب ..
إن رأفت بالرغم من مرحه الدائم إلا أنه يحمل أفكار اكبر من سنه ..
وآية تحس به يتجاهل مشاعره لأنه لا يجد لها منفذ طبيعي مثل أي شاب ..
فأطفال فلسطين قبل شبابها وهبوا أعمارهم رخيصة من أجل القضية ..
فكيف يعد فتاة بالحب .. وبأن يعيشا العمر سويا وهو لا يملك عمره ..
إنها تتفهم تفكيره هذا لأنها تفكر بمثل طريقته ..
وتحس بأنهم عاجزين عن كل شيء .. ماعدا أن يحيوا من اجل الوطن ..
دخلت آية الفصل وهي تحس ببعض الألفة عن يوم أمس وبدأت تفكر بعرض الدكتور كمال لها .. إنها تستطيع أن تعمل في المستشفى وتدرس وبذلك ستكتسب خبرة وتقدم العون للمرضى والمصابين ..
فتكون قد وضعت قدمها على أول الطريق ..
طريق البداية ..
بداية نضالها .. مع شعبها الجريح ..

my faith 12-09-10 12:41 AM

هل من مجيب ؟!



خرج يوسف من غرفته متسللا إلى المطبخ .. فوجد أمه تعد شاي ما بعد الغذاء لوالده .. وقف يوسف خلف أمه ثم احتضنها وقبلها .. ثم راح يحدثها :
- كيف حالك يا أجمل وأحن أم في الدنيا .
وقفت آية ضاحكة تنظر إلى يوسف وهو يداعب أمه ..
ردت الأم وهي تحاول أن تخفي ابتسامتها عنه :
- ادخل بالموضوع يا يوسف .
قال يوسف مدعيا البراءة :
- أي موضوع يا أمي .. ألا يحق لي أن أمازحك متى ما أردت ؟!.
نظرت إليه الأم بأعين فاحصة :
- يحق لك .. ولكن كل مزحة ألقاها منك تنتهي بتلبية طلب جديد لك .
رد عليها يوسف وهو يحاول أن يستدر عطف أمه بملامحه الطفوليه :
- أنت تعلمين يا أمي أنني لا أريد سوى شيء واحد فقط .
تساءلت الأم مستفسرة :
- وما هو هذا الشيء ؟.
أجاب يوسف ببساطة :
- الكاميرا .
ردت عليه الأم زاجره :
- ألا تمل ؟ .. شهور وأنت ترجونا أن نشتريها لك .
توسل يوسف بإلحاح :
- والله يا أمي إذا اشتريتموها لي لن اطلب منكم شيء إلى الأبد .
تدخلت آية وهي تكتم ضحكها :
- وكأنها ستصدقك .
ردت عليها الخالة منى :
- حتى وإن صدقته ليس بيدي شيء أقدمه له .
ثم وجهت كلامها ليوسف :
- إن أباك في الصالة اذهب وتحدث معه .
أجاب يوسف :
- سأتحدث معه .. ولكنني أريدك أن تأتي لتهدئي الموقف .
ثم نظر إلى آية :
- وأنت أيضا يا آية .. إن لك تأثيرك الخاص على أبي .
تبادل الثلاثة النظرات .. ثم هزت الخالة رأسها موافقة باستسلام :
- حسنا .. لنرى آخر جنونك يا يوسف .
كشفت ابتسامة يوسف الواسعة عن أسنانه البيضاء .. وعن الفرحة المتراقصة بداخله .. فخطف صينية الشاي من يدي آية واتجه إلى الصالة وهما خلفه .. قدم يوسف الشاي لوالده ثم جلس بالقرب منه .
تناول الخال كوب الشاي وبدأ يرشف منه أول رشفة .. وهو ينظر بريبة إلى أسرته الملتفة حوله .. ثم لمح الفرحة تلمع في عيني يوسف .. فقال :
- قل ما عندك يا يوسف .
انكمشت ابتسامة يوسف وضرب فخده بقبضة يده :
- لم تسيئون الظن بي دائما ؟.
أجابته آية وهي لا تتمالك نفسها من الضحك :
- الحقيقة أنهم يفهمونك جيدا .. أيها المخادع المكشوف .
قال يوسف وهو يشير لآية بعينيه محذرا :
- ماذا اتفقنا يا آية ؟
وضعت آية يديها فوق فمها مجيبه :
- لن انطق بكلمة بعد الآن .
اعتدل يوسف في جلسته .. ثم وجه حديثه لوالده بكثير من الرهبة :
- أريد أن اطلب منك طلب يا أبي ولكن بالله عليك لا ترفضه .
تساءل الأب ببرود :
- خير .
راح يوسف يتحدث متحمسا :
- أريدك أن تشتري لي تلك الكاميرا .
رد الأب محتدا وعلى وجهه التعجب :
- ما قصة هذه الكاميرا التي أضاعت عقلك .
أجاب يوسف مبررا :
- افهمني يا أبي إنني أريدها لعمل مهم يطول شرحه الآن .
- يوسف .. أغلق الموضوع وانتبه لدروسك فهي الأهم .
- لكن يا أبي ...
قاطعه والده وهو يضع كوب الشاي على الطاولة بحده :
- وهذا الشاي .. لا أريده ..
ثم وقف ليصرخ بعصبية :
- أنا لا أريد نقاش في هذا الموضوع .. إن الناس لا يجدون أساسيات الحياة وأنت تبحث عن الرفاهية .. ألا تحس بما يحدث حولك .. إننا نعيش على هذه الأرض أمواتا دون مقابر ..
استمر الوالد في ثورته وهو متجه إلى باب الدار .. ثم خرج وصفعه ورائه بقوة .
خيم الصمت لبرهة .. ثم قطعته الخالة وهي تؤنب يوسف :
- هل ارتحت الآن يا أستاذ يوسف ؟.. لقد عكرت مزاج والدك .
ردت عليها الجدة مهدئة :
- اتركيه يا منى يا ابنتي .. إنه لا يزال طفلا .. غدا سيكبر وسيجعلكما تفخران به .
قام يوسف بعصبية وملامحه توحي بالاستياء واتجه إلى غرفته .. ثم تبعته آية فوجدته يجلس على سريره ويفتح كتابا دراسيا ثبت عينيه على صفحاته .
جلست آية بجانبه وراحت تحدثه مواسية :
- لا تغضب يا يوسف .. أنت تعرف مزاج خالي المتقلب .. وتدرك أنه يعاني في عمله ليوفر لنا حياة كريمة .
أجابها يوسف وعيناه مليئة بدموعه الحبيسة :
- أنا لم أخطئ يا آية .. كان باستطاعته أن يرفض دون أن يصرخ في وجهي .
ربتت آية على كتفه وهي تبتسم له بحنان :
- مؤكد لم يقصد .. ولكنه ككثير من أبناء جيله يشعر بالعجز إزاء أوضاعنا التي تسوء يوما بعد يوم .

دخل رأفت إلى البيت واتجه إلى غرفته ليجد آية تجلس بجانب يوسف متجهم الوجه .. والصمت مخيم على الغرفة ..
تساءل رأفت مستغربا :
- ماذا بكم يا شباب ؟.. كأنكم شيعتم شهيدا .
أردت آية مفسرة :
- لقد فتح يوسف مع خالي موضوع الكاميرا فاحتد عليه بعض الشيء .
وجه رأفت كلامه ليوسف وقد ظهرت على ملامحه علامات الاندهاش :
- ما حكاية تعلقك بهذه الكاميرا ؟!.
أجابه يوسف بضيق :
- بالله عليك اتركني في حالي يا رأفت .
تقدم رأفت من أخيه وجلس بجانبه ثم حضنه بذراعه :
- ماذا بك يا يوسف إن لك أياما وأنت متغير .. وأنا أعرفك عندما يسيطر شيء على تفكيرك .
رد يوسف وفي وجهه ملامح الرجولة :
- أنا أريد اقتناء الكاميرا لأن برأسي أفكار أريد تحقيقها .. يصعب علي شرحها .. وانتم دوما تعاملونني كأنني طفل أسعى وراء لعبة .
أجابته آية بحنان :
- لا تقل مثل هذا الكلام .. لأنك رجل في نظرنا جميعا .
زفر يوسف بسخرية :
- بدليل صراخ والدي علي .
حدثته آية مبررة :
- إن خالي أحن إنسان وأنت تدرك أنه سيأتي في المساء و يصالحك .
أردف رأفت مازحا :
- يا أخي يكفيك أن تكون كبيرا في نظر براءة .
افتر ثغر يوسف عن ابتسامه خجولة .. فوكزه رأفت زاجرا :
- ابتسم .. ابتسم ودع الموضوع لي .. أنا سأقنع أبي .
قالت آية مؤمنة على كلام رأفت :
- نعم ابتسم .. وإلا جعلناك تبتسم بالقوة .
ظل يوسف عابسا .. فأشارت آية إلى رأفت بعينيها .. وتعاون الاثنان على دغدغه يوسف في خصره .. فانفجر ضاحكا وهو يحاول التخلص منهما .. في تلك الأثناء طرق باب المنزل وكانت جارتهم مها وابنتها براءة ..
دخلت مها محيية الخالة والجدة :
- كنا في الكنيسة أنا وبراءة فأصرت أن تزوركم .
رحبت الجدة بالجارة اللطيفة :
- أهلا وسهلا يا بنتي .
أردفت الخالة منى وهي تقبل براءة :
- لقد أصبحنا لا نحتمل يوم يمر دون رؤية ملاكنا الصغير .
اتجهت براءة مسرعة إلى غرفة الأولاد باحثة عن يوسف ومتتبعه لصوت الضحك المنبعث من الغرفة .. وعندما رأت آية ورأفت منكبان على يوسف يدغدغانه .. ضحكت وألقت بجسدها الصغير فوقهما صارخة بمرح :
- دعاه .. إنه واحد وأنتما اثنان .
أجابها رأفت :
- الآن أصبحنا اثنان ضد اثنان .
وأمسك ببراءة ليدغدغها .. وبدأت معركة الوسائد بين الأربعة .. ثم أتت الخالة منى تتبعها مها على اثر الصراخ والضحك المنبعث من الحجرة .. حدثتهم الخالة مبتسمة :
- وكأنني أرى أطفالا في عمر براءة .
توقف الشباب عن لهوهم وتوجهت أية إلى مها لتسلم عليها .. ثم رحب بها الولدان .. وسألها رأفت :
- هل مازال الخال نضال غائبا عن المنزل ؟.
أجابت مها وعلى وجهها ملامح الاشتياق لزوجها الغائب :
- نعم يا رأفت .. فعمله دائما ما يحتاج إليه في تدريب الملتحقين الجدد بالجيش .
ربتت الخالة على كتف مها بحنان :
- إنشاء الله سيعود إليك سالما .
وأردف يوسف بصدق :
- إننا في خدمتك في أي وقت .. وبراءة مثل اختنا الصغيرة .
هزت مها رأسها وابتسامه صادقه تعلو شفتيها .. ثم خرجت من الحجرة بصحبه الخالة منى .
اجلس يوسف براءة على قدميه .. وراحت هي تحدثه بحماسة الأطفال :
- أرأيت كيف حميتك منهما ؟.
ضحكت أية قائلة :
- لقد فزنا عليكما أنتما الاثنان .
اعترضت براءة وقد عقدت حاجباها :
- لا أحد يستطيع الفوز على يوسف .. إنه أقوي ولد في العالم .
ابتسم رأفت .. وحدث أخاه مشاكسا :
- ألم أقل لك أنك كبير في نظر براءة ؟.
تساءل يوسف بحنان :
- كيف كان يومك في الروضة ؟.
- كان رائعا .. لقد لعبنا وتعلمنا ثم لعبنا .
- ماذا تعلمتم اليوم ؟.
- تعلمنا إشارات المرور متى يجب أن نسير ومتى يجب أن نقف .
- وهل حفظتِ الإشارات .
أجابت براءة وهي تقف في وسط الغرفة بحماس :
- نعم .. يجب عليك عندما تقطع الطريق أن تنظر يمينا وشمالا .
أجابت آية :
- وماذا أيضا .
ردت براءة بثقة :
- وإذا وجدت الإشارة خضراء يمكنك أن تسير وإذا وجدتها حمراء يجب عليك أن تقف .
صفق رأفت لبراءة مشجعا :
- أحسنت يا براءة .. غدا ستكبرين لتصبحي طبيبة أو مهندسة .
نظرت براءة إلى يوسف متسائلة :
- ماذا تريد أن تصبح يا يوسف ؟.
أجابها يوسف مبتسما :
- أريد أن أصبح محاميا .
رددت براءة بنفس لهجة يوسف الواثقة :
- وأنا أيضا سأصبح محامية .
لم تتحمل أية مدى خفة روح تلك الطفلة البريئة .. فاقتربت منها لتقبلها :
- ستكونين أجمل محامية .

بعد فترة أتت مها تستعجل براءة لتعودا إلى البيت .. ولكن براءة أصرت أن تبقى مع الأولاد .. فتدخل يوسف :
- اتركيها تلعب بجانبنا وإذا ما ملت سأعيدها إلى البيت .
- إنها لن تمل .. وأنا أخاف أن تزعجكم وانتم تدرسون .
تدخلت الخالة منى :
- ليس هنالك إزعاج فهي تجلس بجانب الأولاد وتلعب بهدوء .
أردفت آية بلطف :
- دعيها فهي تحب الجو الأخوي الذي تجده هنا .
قال يوسف متباهيا أمام آية :
- بل تحبني أنا .
نطت براءة صارخة بفرح :
- نعم .. أنا أحب يوسف .
ضحك الجميع واستسلمت مها وعادت وحيدة إلى البيت .. أخرجت آية صندوق ألعاب براءة الذي ساهم الجميع في شراء محتوياته .. وجلست براءة تلعب بألعابها وتذهب إلى يوسف بين الحين والآخر لتريه لعبتها أو لتروي له ما حدث لها خلال يومها .
بعد تناول براءة لطعام العشاء غلبها النعاس فحملها يوسف عائدا بها إلى بيتها .. طرق الباب .. وفي تلك الأثناء سمع خطوات تأتي خلفه .. التفت ليجد والد براءة نضال في الوقت الذي فتحت به مها بابها .. فتفاجأت برؤية زوجها العائد فاحتضنته وهي تغالب دموعها :
- لقد وحشتني كثيرا .
ربت نضال كتف زوجته ثم قبلها فوق رأسها .. وكان يوسف مازال يحمل براءة على كتفه وبين شفتيه ابتسامة خجولة .. سلم نضال على يوسف وحمل ابنته واخذ يقبلها في كل أنحاء وجهها وهي مستغرقة في نوم عميق كالملاك ..
عاد يوسف إلى المنزل وهو يفكر بالحب الذي يجمع هذه الأسرة الصغيرة ..
ومدى الألفة التي تجمع أسرته بهم .. على الرغم من اختلاف الأديان إلا أنه لم يسبب أي وجه خلاف بين الأسرتين .. حتى أن مها كانت دائما ما تدخل بيتهم لتجد براءة مرتدية الحجاب ومنتصبة بجانب يوسف لتقلد حركاته وهو يصلي .. ولم تكن تزجرها أو تبدي استياءها ..
وهذا ما جعل يوسف يدرك أن صراعهم مع اليهود ليس صراع أديان ولكنه صراع أفكار فهم أناس يسيطر عليهم الإحساس بأنهم أبناء الله .. وان دونهم من البشر مجرد بهائم خلقوا لخدمتهم ..
دخل يوسف إلى البيت وكان الخال عز الدين قد وصل .. وقبل أن يتجه نحو غرفته استوقفته تلك الابتسامات التي تنطلق من شفاه الجميع وهم يرمقون يوسف .
تساءل يوسف بريبه :
- لماذا تبتسمون ؟.
تكلم الوالد أولا :
- اجلس يا يوسف بجانبي .
جلس يوسف بجانب والده متعجبا .. فتحدث الوالد :
- أمازلت غاضبا مني ؟.
رد يوسف محاولا تبرير موقفه :
- أنا لا استطيع أن اغضب منك .. ولكني استأت من صراخك علي .. فأنا لم اعد طفلا يا أبي .
قال الوالد وهو يبحث عن شيء بداخل كيس :
- ولأنك لم تعد طفلا .. أحضرت لك هذه .
اخرج الوالد علبة من الكيس وقدمها لابنه .. أمسك يوسف العلبة بين يديه وعلى وجهه علامات استفهام .. ثم فتحها ليجد بداخلها كاميرا رفع يوسف حاجبيه إلى أعلى .. واخذ يقفز في جميع أرجاء المنزل وفرحة صادقة بادية في ملامحه .. ثم تقدم من أباه واحتضنه بقوة :
- أشكرك جدا يا أبي .
ابتسم الأب لفرحة ابنه .. بعدما هدأ يوسف .. وتساءل مستفسرا أباه :
- كيف حصلت عليها ؟.
أجاب الوالد :
- لقد جاء صديق لي يطلب مني أن أجد له من يشتريها منه .. لأنه محتاج لنقودها .. ففكرت أنها مؤكد من نصيبك .
ابتسم يوسف وعادت الفرحة تزغرد في عينيه وهو ينظر إلى الكاميرا وكأنها كنز ثمين بين يديه ..
تحدثت الأم والهدوء يرتسم عليها :
- لقد أرحتنا من إزعاجه .

في صباح اليوم التالي أفاق يوسف نشيطا على غير المعتاد .. وقبل أن توقظه أمه .. وضع الكاميرا في حقيبته المدرسية .. واخبر الجميع على الإفطار أنه سيتأخر بعد الدوام الدراسي .. فهو ذاهب في مشوار مهم مع صديقه محمد ..
عاد الجميع إلى المنزل لتناول طعام الغذاء .. وجاء العصر .. يليه المغرب .. يتبعه العشاء ويوسف لم يعد للبيت .. وبداء القلق يتسلل إلى القلوب .
تساءلت الجدة بقلق :
- هل اتصل أخاك يا آية ؟.
ردت آية والحيرة تلفها :
- لا يا جدتي ..
راحت الأم تحدث نفسها وهي تحوم في أرجاء الحجرة كمن فقد عقله :
- مؤكد أنه سيدفعني للجنون .. ليس هنالك أي مبرر لغيبته هذه .
دخل رأفت إلى البيت ليرى الوجوه القلقة فتساءل مندهشا :
- ألم يعد يوسف حتى الآن ؟.
هزت آية رأسها بالنفي .. وقبل أن يهم رأفت بالبحث عن أخاه .. سمعوا باب الدار يفتح .. تعلقت العيون على الباب .. ولكنهم وجدوا الخال عز الدين .. استغرب الخال من طريقه تجمعهم وعدم وجود يوسف بينهم :
- أين يوسف ؟.
ازداد خوف الأم وبدأت الدموع تنهمر من مقلتيها .. وتكفل رأفت بالإجابة :
- لم يعد منذ الصباح .
عقد الأب حاجبيه متسائلا :
- ألم يحضر منذ الصباح ؟.
وقبل أن يجيبه أحد سمعت العائلة وقع أقدام تقترب من باب المنزل .. فأسرع رأفت فاتحا الباب .. ليجد يوسف أمامه .. صرخ رأفت في وجهه :
- أين كنت حتى الآن ؟.
لم ينطق يوسف ببنت شفه .. لأن أمه ركضت نحوه .. لتحتضنه بحنان وهي توبخه من خلال عبراتها الساخنة :
- كيف استطعت أن تخيفني عليك ؟.. كنت سأموت قلقا .
تساءل الأب بحزم :
- ما الذي أخرك يا يوسف ؟.
دخل يوسف إلى البيت وأغلق الباب خلفه بهدوء وقال معتذرا :
- أنا أسف لأنني سببت لكم كل هذا الإزعاج .. ولكني كلمتكم في الصباح إنني ذاهب بمشوار مهم .
تساءل الوالد محتدا :
- أي مشوار هذا ؟.
أجابه يوسف بصوت متئد وكأنه كبر مئة عام في يوم واحد :
- لا تستعجل في الحكم يا أبي .. وتعالوا معي لأريكم أين كنت .
توجه يوسف إلى غرفته وفتح الكمبيوتر وشبكه بالكاميرا التي حصل عليها بالأمس .. دخل الأب والأم ورأفت .. تتبعهما الجدة تسندها آية .. ليجدون يوسف يستعرض لهم مجموعة من الصور التي التقطها
صور لخيمة مهترئة تصل بين جدارين وبجانب الخيمة مكب للنفايات ..
وأخرى لما بداخل الخيمة .. ركن يحوي أدوات مطبخ .. وببقيتها كرسي وسرير متهالكين ..
وهنالك صور لسكان الخيمة رجل يشير إلى تلفاز بداخل الخيمة ..
وامرأتان ومجموعه فتيات يرتدين الحجاب أحداهن تجلس على موقد من الحطب ..
وأطفال تغطيهم الأمراض الجلدية ..
وطفل أخر يركض نحو الخيمة وثيابه مبتلة ..
وشاب يذاكر على ضوء الشموع ..
والكثير من الصور التي تهيج المشاعر وتثير الأحاسيس .. أكمل يوسف استعراض الصور ودار بجسده مواجها عائلته المصعوقة .. وهو ما زال جالسا على الكرسي .. خيم صمت طويل على كل أفراد الأسرة .. كل يفكر في هول ما رآه ..
وكيفية حصول يوسف على مثل هذه الصور .. قطع يوسف الصمت موضحا :
- لقد ذهبت اليوم إلى مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة بصحبة صديقي محمد .. والتقطت هذه الصور .
تساءل الأب وعيناه شاردتان :
- هل كنت تعلم أنك ستجد ما أريتنا إياه ؟.
- نعم .. لقد حدثني زميلي في المدرسة عن هذه الأسرة وغيرها الكثير من الأسر .
تساءلت آية بصوت منخفض :
- ألهذا كنت تريد الحصول على الكاميرا ؟.
أجابها يوسف :
- اجل .. لكي اظهر للعالم أننا نعاني كل يوم والمعاناة لا تقتصر على الاحتلال والرصاص ولكنها أيضا معاناة مع الفقر والحياة الوضيعة .
تساءلت الجدة بشفقة :
- ومن هؤلاء الذين صورتهم يا يوسف ؟.
رد يوسف بأسى :
- إنهم عائلة فلسطينية يا جدتي .. تعيش في خيمة نصبها رب الأسرة ما بين جدار مستشفى وملعب .. وكثيرا ما سقطت الحجارة التي تثبت الخيمة وكادت أن تجرح أحد أطفاله .. وبجانبهم مكب نفايات يشاركهم سكنهم بالإضافة إلى الفئران والزواحف والحشرات التي تشعرك بأنها جزء من تلك الأسرة .
قالت الأم والألم يعتصرها :
- لهذا أصيب الأطفال بتلك الأمراض الجلدية ؟ .
- نعم يا أمي .. إنهم معدمون .. وأمانيهم تتمحور بأن يعيشوا حياة كريمة تحفظ أدميتهم .. فهم لا يملكون شيء حتى الحمام .. يحفرون حفرا في الأرض ويدفنوها بعد قضاء حاجتهم .. وتظل النساء محجبات دائما من عيون المارة التي تختلس النظر .. أما الأطفال فإذا أرادوا الاستحمام يلجئون إلى حمامات المدرسة المجاورة .. ولكنهم يلقون أصناف الإهانة من طلابها ..
تساءل رأفت :
- وما حكاية ذلك التلفاز ؟.
- إنهم يشبكونه بسلك كهربائي ممتد من الملعب المجاور ليكونوا على علم بما يدور حولهم .. مع أنهم أسوء حالا .. إن هذه الأسرة مكونه من خمسة عشر شخصا .. الأب وزوجتان وعشرة أطفال .. إضافة إلى ابنا أخ الأب اليتيمان واللذان يعولهما منذ زمن .
أردف الأب باستياء :
- لقد أصبح الفقر كالسرطان ينتشر في جسد الأسر الفلسطينية .. ولكن من يحس بألمنا .
سأل رأفت أخاه والأفكار تحتشد في رأسه :
- وماذا تنوي أن تفعل ؟.
أجاب يوسف ورأسه منحني يهتز يمينا وشمالا بحيرة :
- لا اعرف .. ولكني أريد أن أوصل هذه الصور لأكبر عدد من الناس .
أجابه رأفت ببساطة :
- انشرها بالنت .
رفع يوسف رأسه متفاجئا وكأنه أخيرا وجد حلا مناسبا .. وراح يتساءل بفضول :
- كيف ؟.
- سأصمم لك موقع تستطيع أن تنشر من خلاله هذه الصور والمزيد منها ويمكنك أيضا أن تكتب تعليقات عنها .. أو اذهب إلى هيثم ليساعدك في صياغة أحداث كل صورة .. بالإضافة إلى عمل مساحة حوار يتناقش فيها زوار موقعك ..
أضاف الوالد وهو ينظر لولداه بفخر :
- إنها فكره ممتازة .
وقبل أن يهم بالخروج .. وقف ليتأمل يوسف وهو لا يصدق أنه يرى ولده الصغير قد أضحى رجلا يحمل ألآم وطنه .. قبله فوق رأسه قائلا بتأثر :
- بارك الله فيك يا بني .. وليجعل الله عزة هذه البلد في شباب مثلكم .
أمّن الجميع على دعاء الأب .. وبعد خروجه من الغرفة لحقت به الأم والجدة .. ولكن آية بقيت تتفحص ابن خالها يوسف بعينين مرهفتين .. فهي تحس بأنه يكابد نيرانا تشتعل بداخله .. سحبت آية كرسيا وجلست بجانبه :
- ما بك يا يوسف ؟.
شردت عينا يوسف وكأنه يركض وراء خيط رفيع من الأمل يوشك أن يفقده :
- كثير علي ما رايته اليوم يا آية .. لقد تأثرتم بصور ولكني عشت الواقع .
وقف رأفت ينظر في صمت إليهما .. بينما أجابت آية :
- أنا أدرك مدى ألمك .. ولكن ليس بيدنا شيء نقدمه لهم .. أكثر مما ستفعل أنت .
بدأت الدموع تترقرق في ضعف من عينا يوسف وهو يجيب :
- لقد كان بينهم شاب في مثل عمري يحاول أن يذاكر على ضوء الشموع بعد ما خيم الظلام .. أليس من حقه أن يعيش حياة مثلي .. أليس من حقي أنا أن أحيا كأي شاب دون خوف بعيدا عن الألم .
لم تستطع آية الرد فقد خنقتها العبرات .. لتصاحب دموعها دموع يوسف المنكسرة .. تقدم رأفت من أخاه وأوقفه أمامه ممسكا رأس يوسف بكفيه :
- لا تبكي يا يوسف .. إنك رجل .. ولقد بدأت اليوم مشوار الأحرار .. فأنت تسير في طريق مستقيم .. ففخر بنفسك يا أخي .
احتضن يوسف أخاه وافرغ على كتفه دموع معاناته .. وجففت آية دموعها بيديها ثم وقفت وقبلت يوسف على خده .. وتركتهما متجهه إلى غرفتها ..
لقد كشف لها يوسف من خلال تجربته هذه عن شخصيه جديدة لديه ..
كشف عن جرأته ورقة مشاعره ..
واظهر الجرح القديم الذي ينزف في فلسطين دون علم الكثيرين ..
صوّر المعاناة التي تعتصر أهلها ..
وزرع حقد جديد في صدر آية على الصهاينة ..
ولكن أكثر ما تخشاه الآن ..
أن صوَره قد لا تجد صدى لصرخاتها ..
فكم هي تلك الأذان المدعية الصمم ..
لذلك يحوم السؤال في خيال آية ..
يا ترى هل من مجيب ؟!!.

dew 12-09-10 01:29 AM

يا هلا والله بإيمان ...نورتينا يالغالية ....وكل عام وأنت بألف خير وصحة ووعافية ....حبيت أبارك لك بالرواية الثانية ...لسه ما قرأتها لكن أنا متأكدة أنها رائعة لأنك كتبتيها .....

لي عودة بعد القراءة .....

روائية طموحة 12-09-10 05:03 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كل عام وأنتِ بخير

موفقه حبيبتي وأن شاء الله تلاقي الإقبال إلي يحبه قلبك
وترى ذي أول مره أقرأ لك ياعسل
الله يحفظك

ودولاب صغير للملابس عليه مرآة
خمس عرايس على جنب ودميتين محشوة قطن على الرف

وهذان الكسولان مازالا نائمين .
كانوا سهرانين على النت امس بالليل

أمي الصاخب ومزاج آية الرائق .

العم يبي وافل وبان كيك وموفن

عمن يساعدك في دروس الرياضيات .
ياشين المن هههه

طمأنتها الخالة منى :
غاليتي ستشقين بطون البشر وتقومين بإنعاش المرضى وستقابلين موتى في الأروقه

من منا لا يحلم بغد أفضل
انا احلم بثعابين وقرود

اشتريتموها لي لن اطلب منكم شيء إلى الأبد .
ماراح تطلب فلوس للبقالة وعشى من المطعم ونجاحه

زوجته ثم قبلها فوق رأسها
حشى جدته مو زوجته





لكِ مودتي
روائية طموحة

my faith 13-09-10 10:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dew (المشاركة 2440691)
يا هلا والله بإيمان ...نورتينا يالغالية ....وكل عام وأنت بألف خير وصحة ووعافية ....حبيت أبارك لك بالرواية الثانية ...لسه ما قرأتها لكن أنا متأكدة أنها رائعة لأنك كتبتيها .....

لي عودة بعد القراءة .....

حياتي انت يا ندى عن جد فرحت انك اول وحده رديتي وان شاء الله الروايه تنال اعجابك مع انها مش الروايه التانيه لي انما هي اول روايه كتبها وملاك الحب كانت التانيه ..

وانا جد متشوقه اعرف رايك فيها
------------

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روائية طموحة (المشاركة 2440816)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كل عام وأنتِ بخير

موفقه حبيبتي وأن شاء الله تلاقي الإقبال إلي يحبه قلبك
وترى ذي أول مره أقرأ لك ياعسل
الله يحفظك

ودولاب صغير للملابس عليه مرآة
خمس عرايس على جنب ودميتين محشوة قطن على الرف

وهذان الكسولان مازالا نائمين .
كانوا سهرانين على النت امس بالليل

أمي الصاخب ومزاج آية الرائق .

العم يبي وافل وبان كيك وموفن

عمن يساعدك في دروس الرياضيات .
ياشين المن هههه

طمأنتها الخالة منى :
غاليتي ستشقين بطون البشر وتقومين بإنعاش المرضى وستقابلين موتى في الأروقه

من منا لا يحلم بغد أفضل
انا احلم بثعابين وقرود

اشتريتموها لي لن اطلب منكم شيء إلى الأبد .
ماراح تطلب فلوس للبقالة وعشى من المطعم ونجاحه

زوجته ثم قبلها فوق رأسها
حشى جدته مو زوجته





لكِ مودتي
روائية طموحة

اختي الحبيبه روائيه طموحه والله انا سعيده ان البارتين نالوا اعجابك وان شاء الله الاحداث كلها ترضيك .. وما تحرميني من ردودك اللي فعلا بتبين انك خفيفه الظل ههههههههه

my faith 13-09-10 10:31 PM

(3)
الملاك الحارس


خرجت آية بعد الظهر من المنزل .. متجهة إلى بيت الدكتور كمال ليصطحبها معه إلى المستشفى التي ستتطوع فيها .. طرقت آية باب الدار وسمعت صوت شذى يتساءل :
- من ؟.
- افتحي يا شذى .. أنا آية .
فتحت شذى لتدخلها إلى البيت .. قبلت آية والدة شذى بحب :
- كيف حالك يا خالة جهاد ؟.
أجابت الخالة والحنان ينطق من عينيها :
- الحمد لله يا حبيبتي .. أنا أفضل مادمتم بخير .
ابتسمت آية .. وهي تتأمل الخالة جهاد .. كم هي حنونة هذه المرأة وتحمل الكثير من الأحاسيس الفياضة .. إن آية متعلقة جدا بها .. فالخالة جهاد لم تكن تميز بينها وبين شذى أبدا .. لقد كانت تعتبر أن لديها ابنتان .. وكلما أحضرت لابنتها شيء كان لآية مثله ..
خرج الخال كمال من غرفته بعد ما دخلت الخالة جهاد تستعجله وسلم على آية بحرارة :
- هل أنت مستعدة أيتها الطبيبة ؟.
أجابت الخالة جهاد نيابة عن آية :
- ابنتنا مستعدة لأي تحدي وجديرة بالثقة .
رد الطبيب كمال:
- إذن هيا لنذهب أمامنا عمل طويل .
خرجت آية بصحبة خالها كمال .. وأحس الخال برهبتها فحدثها مداعبا :
- لا تقلقي كثيرا إن الممرضات لطيفات جدا .. وما أن تبدئي العمل ستشعرين كأنك ولدت بداخل تلك المستشفى .
أجابته آية بصدق :
- أتمنى أن أقدم ولو القليل لأخفف آلام من حولي .
هز الدكتور كمال رأسه بالإيجاب .. وابتسامة رضا تظهر على شفتيه .. وصلت آية إلى المستشفى .. لم تكن تتوقع أنها بمثل هذه النظافة .. وبدأ الدكتور كمال يطوف بها بين الغرف .. ويعرفها على الأطباء والممرضات .. أقبلت آية على العمل بروح نشيطه .. وتعلمت الكثير في يومها الأول .
عند حلول المغرب استأذنت لتعود إلى البيت .. وفي طريق عودتها وجدت شذى متجهة نحوها .. أحست آية بملامح الذعر البادية على شذى .. فوقفت متسائلة بخوف :
- شذى .. ما الذي أتى بك إلى هنا ؟.
أجابت شذى وهي تستحث آية على متابعة سيرها :
- جئت لأصطحبك إلى بيت آلاء .. لقد أغمي عليها اليوم .. وكان يجب علينا أن نزورها .
تساءلت آية والخوف يتسلل إلى قلبها :
- هل هي بخير الآن ؟.
ردت شذى مطمئنة :
- إنها في أحسن حال .
شردت شذى بعينيها بعيدا عن آية .. وكأنها هي نفسها لا تصدق أن آلاء بأحسن حال ..
فعادت آية تلح عليها :
- لا تخفي عني شيء يا شذى .
أجابتها شذى والكلمات تخرج ثقيلة من بين شفتاها :
- إنها حقا بأحسن حال الآن .. ولكني أخاف عليها من الغد .. إن آلاء مصابة بسرطان الدم منذ فتره طويلة .. وإهمال مرضها بهذه الطريقة قد يسيء حالتها .
شردته آية هي الأخرى والحزن يسيطر عليها :
- معك حق يا شذى .. ولكنك تعلمين كم حاولوا الذهاب للعلاج خارجا .. وكم سخر منهم اليهود .. لقد كانوا يعدوهم بفتح معبر إيرز .. ثم يرجعوهم خائبي الرجاء .
- إنهم يحاربوننا حرب نفسية .. ففرضهم علينا الحصار ما هو إلا طريقة لإخضاعنا .. ولكن هيهات .. ما دام بعروقنا دم يجري سنظل صامدين .
وصلت الفتاتان إلى بيت صديقتيهما نور وآلاء .. طرقت شذى الباب بخجل .. ففتحت لهما نور مرحبة.
سلمت الصديقتان على نور وآلاء وأمهما .. كانت علامات التعب بادية على وجه آلاء التي تحاول بين الحين والآخر ادعاء القوة .. حدثتهما نور وهي توبخ شقيقتها التوأم :
- إنها سبب كل ما يحدث لها من انتكاسات .. فهي لا تلتزم بإرشادات الأطباء .
ردت آلاء حانقة :
- تلك ليست إرشادات .. بل هي سجن مؤبد .
ثم أردفت مستغربة :
- هل تريدونني أن أعيش كالأموات .
تدخلت آية بهدوء :
- لم يطلب منك أحد ذلك يا حبيبتي .. ولكن أيضا لا يجب عليك التهاون بصحتك فأنت غالية عندنا .

وقبل أن ترد آلاء سمعوا طرقات على الباب .. ذهبت الأم لترى من الطارق .. فإذا بهم يسمعون صوت هيثم ينبعث محييا الوالدة .. انتفضت آلاء عند سماعها صوت هيثم وكأن عقربا لدغها .. وانتصبت في جلستها على سريرها .. فأوحت حركتها المفاجئة تلك بأنها تهم بالقيام من فوق السرير .. فصرخن الفتيات في صوت واحد قائلات :
- إلى أين ؟.
اعتدلت آلاء في جلستها وابتسمت لهن مهدئة .. دخل هيثم وسلم عليها .. وهو لا يستطيع إخفاء خوفه الشديد عليها :
- لقد أقلقتنا عليك يا آلاء .
ابتسمت آلاء خجله وهي تخفي بابتسامتها آلام جسدها .. بدأ الحديث ينساب بين هيثم والفتيات .. وهيثم لا يرفع عينه عن آلاء إلا ليعود ويخصها بنظرات الحب من جديد .. بعد فترة بسيطة وقف هيثم مودعا وموجها حديثة للأم :
- أنا في خدمتكم في أي وقت يا خالتي .. لا تخجلي مني فأنتي مثل أمي تماما .
أجابته الخالة شاكرة :
- لقد كنت خير عون لنا دائما يا هيثم .. ولم تدعنا نحتاج لأي شخص بعد رحيل والد الفتيات .
نهضت آلاء من فوق سريرها وهي تحدث هيثم بنشاط :
- سأحضر لك كتابك الذي أعرتني إياه .. وسأوصلك إلى الخارج .
نهرت نور توأمها العنيد :
- آلاء أنت مريضة ويجب أن ترتاحي !!.
ردت آلاء محتده بإصرار :
- لماذا تحاولن دوما أن تشعروني بالنقص .. وبأنني سأظل حالة خاصة في نظر الجميع .
تدخل هيثم مهدئا :
- دعيها وشانها يا نور .. فهي أدرى بمصلحتها .. صحيح يا آلاء ؟.
أشارت آلاء برأسها مؤيدة لكلام هيثم .. ثم تقدمته لتحضر الكتاب .. وعند باب الدار وقفت تودع هيثم وهي تكابر تلك المشاعر بداخلها .. ولكن حب هيثم لها لا ينتظر أن تكشف له عن أحاسيسها بالكلمات .. فهو يدرك محبتها له من خلال تعاملها .. واللهفة البادية في عينيها .. حدثها هيثم وهو يمسك بيدها وكأنه ملك الدنيا :
- عديني بأن تهتمي بنفسك يا آلاء وكفاك استهتارا بصحتك .
ثم نظر إلى عينيها وأردف قائلا :
- مؤكد أنك لا تدركين كم أنت غالية علي .
أجابت آلاء وقد كست الحمرة وجنتاها :
- لا تبدأ يا هيثم .. فأنت تعلم أنه ما من طريق بيننا .
رد عليها هيثم بثقة والحب يرن في كلماته الصادقة :
- ليس من حقك أن تتكهني بالغيب .. واعلمي أنني راض منك بأي شيء .. ولن يمنعني عن حبك سوى الموت .
أسرعت آلاء مجيبة دون إرادتها .. بعد أن أنقبض قلبها لذكره للموت :
- ربنا يحفظك ..
ابتسم هيثم بخبث وراح يشاكسها :
- هل سيؤلمك موتي ؟
أجابت آلاء بمثل لهجته الخبيثة :
- وما الذي يمنعني من التألم على أخي .
انفجر هيثم ضاحكا قبل أن يرد عليها بتلك النبرة الدافئة :
- مقبولة منك .. لقد قلت لك أنني راض منك بأي شيء .. وحبي لك لا ينتظر مقابل يكفيني أن أحبك وأعيش سعيدا بهذا الإحساس المجرد .
ثم خرج ليترك آلاء شاردة مع أفكارها .. إنها لا تنكر حبها لهيثم .. ولكنها لا تقوى على البوح به ..
إنها تخشى عليه من كل شيء ..
تدرك مدى تعلقه بها .. وحبه لها ..
وتتألم .. لمعرفتها أنها لا بد وستفارقه ..
كم هو صعب على الإنسان أن يعيش من غير حب ..
والأصعب أن يلقاه ولا يجرؤ على الاستسلام له ..
فاستسلامها يعني دمار هيثم بعدها ..
وهي لا تقوى على جرحه .. حيه كانت أو ميتة ..
دخلت آلاء لتجلس بين صديقتيها وأمها وأختها .. تشيع جو مرح بينهم كما تعودت دائما .. فبالرغم من مرضها الخطير إلا أنها أكثرهم إحساسا وحبا للحياة .. ربما لأنها تشعر دوما أنها ستعيش حياة اقصر منهم جميعا !!.
عادت آية إلى المنزل وهي شاردة الدهن .. تفكر بالصديقة المريضة المحبة للحياة .. ارتمت في حضن جدتها وكأنها تحتمي من أشباح أفكارها .. واضعة رأسها فوق فخد الجدة .. راحت الجدة فاطمة تتخلل بأصابعها خصلات شعر آية وهي تقرأ بعض السور القرآنية .. لقد كانت تحس بأن طفلتها الصغيرة تعاني الكثير .. فهذه الفتاة الرقيقة اختبرت حياة قاسية منذ نعومة أظافرها ..
دخل الخال إلى البيت .. ليرى آية في حضن جدتها .. وآثار الدمع في عينيها .. تساءل بحنان بالغ :
- هل أنت بخير يا آية ؟.
أجابت آية مطمئنة :
- نعم .. ولكني كنت عند آلاء فلقد علمت أنها مريضة.
أحنى الخال رأسه بأسى :
- فتاة بعمر الورد .. تصاب بمثل هذا المرض القاتل .. وغيرها الكثيرين .. لأن إصابتهم بمثله تعود لاستخدام الإسرائيليين لأسلحة غير شرعية في الحرب مما أدى إلى انتشار مثل هذه الأمراض في شعبنا ..
دعت الجدة رافعة يديها إلى السماء :
- اللهم خفف عنا يا رب هذا البلاء .. يا كريم أغثنا ممن لا يخشاك فينا ولا يرحمنا .

بعد تناول العائلة لطعام العشاء .. أخذت آية مفكرتها الصغيرة وخرجت لتجلس بجانب شجرة السوسن .. وخطت لوالديها عما يزعجها .. فهي تتألم كثيرا على صديقتها آلاء .. ولكنها أيضا لا تستطيع أن تنتزع صورة من خيالها .. وهي صورة شاب فلسطيني جاء محمولا من قبل أصدقائه منذ أيام إلى المستشفى .. كان مصابا اثر عمليه قام بها ضد الإسرائيليين .. وحاول الأطباء إنقاذه .. ولكنهم فشلوا .. لقد كانت أول روح تراها آية تزهق أمام عينيها .. وهي تقف بعجز قاسي .. تنظر إليه دونما أمل .. وبعد ما فارق الحياة .. دخلت حجرة الأطباء لتغسل دمائه التي لطخت يداها .. وظلت تحدق بتلك القطرات الحمراء وهي تنسحب بيسر مع مياه الحنفية .. كم هي رخيصة هذه الدماء .. وكم تعود العالم رؤيتها .. غير مقدرين مدى أهميتها بالنسبة للبعض .. إنها قطرة تنزف بعد قطرة .. لتسجل جرائم الصهاينة في حق أجيال من الفلسطينيين ..
أكملت آية خاطرتها .. ثم اتجهت إلى البيت .. وفي تلك اللحظة انقطع التيار الكهربائي عن الحارة .. دخلت آية إلى البيت مسرعة .. فسمعت صوت رأفت يصيح متذمرا وهو يضرب يده على طاولة الحاسوب :
- أهذا وقت يقطع فيه التيار ؟.
أجاب الخال باستسلام :
- لقد أصبح عذابنا يسليهم يا ولدي .
رد رأفت وهو يزفر بضجر :
- لقد ضاع جهدي كله .. فأنا لم أحفظه بعد على الجهاز .
حاولت آية مواساته :
- لا تغضب .. مؤكد ستعوضه فيما بعد ..
لم يرد عليها رأفت وخرج من البيت وهو يدق الأرض بقدميه .. بعد ثوان دخل يوسف إلى البيت وفي يده شمعة واحدة .. تساءلت آية ساخرة :
- أهذه كل ما استطعت ابتياعه ؟.
أجاب يوسف ضاحكا :
- نعم .. فأنت لا تعلمين قصة هذه الشمعة .
تساءلت الأم مبتسمة :
- أطربنا بقصصك يا يوسف .
رد عليها يوسف بمرحه المعهود :
- لقد كنت أنوي أن ابتاع أكثر من واحدة .
قاطعته الجدة متسائلة بطيبة :
- ولما لم تفعل يا بني ؟.
رد يوسف وهو يجلس بجانبها ويقبل يديها مبتسما :
- لقد قرر البائع أن يجعل سعر الجملة أغلى بكثير من سعر الواحدة .
تساءل الخال باستغراب :
- ولم فعل ذلك ؟.
أجاب يوسف :
- ليضمن أن أكبر عدد من الناس سيحصلون على الشمع ليومهم هذا .. ولن يبتاع واحد أكثر من حاجته .. فالتيار منقطع على كل قطاع غزة لذلك هناك احتمال أن يكون هذا حصار وقود .. وربما يستمر طويلا .
راحت الخالة منى تستفسر منه بقلق :
- وما أدراكَ أنت بهذا الكلام ؟.
رد يوسف ببساطة :
- لقد سمعت الرجال يتحدثون في الشارع .
وقف الخال متجها إلى الخارج وهو يعقد حاجبيه في الظلام :
- سأذهب لأتحقق من صحة هذا الكلام .

لقد بينت الأيام صحة كلام يوسف .. فلقد استمر حصار الوقود على غزة أكثر من شهر .. وفي يوم وآية عائدة من المستشفى دخلت الدار لتجد مها وبراءة في البيت .. ركضت براءة لتحتضن آية .. فقبلتها وذهبت لتسلم على مها :
- كيف حالك يا مها .
أجابتها مها بحزن :
- مثل حال كل أهالي غزة .. نعيش كالأشباح .. حتى أن براءة أصبحت تخاف جدا عندما يحل الليل.
ردت الجدة باستياء :
- مؤكد سوف يرحمنا الله .. ويزيل عنا هذا الهم .
تساءلت آية :
- هل الأولاد في البيت يا خالتي ؟.
إجابتها الخالة :
- رأفت في غرفته ومعه هيثم .. أما يوسف فهو كالعادة خارج البيت مع أصدقائه .
اتجهت آية إلى غرفة الأولاد .. وقبل أن تدخل سمعت رأفت يحدث هيثم بنبره تحدي لم تألفها منه :
- إنه طريق لا بديل لنا فيه .. فهم يدفعوننا في كل لحظه إليه .. من ثم يدّعون أننا المعتدون عليهم !.
أجابه هيثم بصوته الهادئ :
- إن كنت تنوي عملا كهذا يجب عليك التفكير مليا يا رأفت .. فأنت بذلك لا تخاطر بنفسك فقط وإنما بعائلتك أيضا ويجب أن يكون لديهم علم بذلك .. أما بالنسبة لي فانا معك يا صديقي في كل شيء .
انقبض قلب آية لسماعها هذا الحديث .. وسيطر عليها رعب لا تدري منبعه .. ففتحت الباب سائلة رأفت بخوف وصدرها يعلو ويهبط فاضحا توتر أعصابها :
- ماذا تنوي أن تفعل يا رأفت ؟.
بهت الولدان لدخول أية المفاجئ .. ولكن سرعان ما تكلم رأفت مهدئا لها :
- لم كل هذا الخوف يا آية ؟ .. إن كل الشباب الفلسطيني يحيى ليسير في هذا الطريق الذي اخترته أنا.
قاطعته آية قائلة والدمع يترقرق من عينيها بضعف :
- أي طريق هذا يا رأفت ؟.. أبتفجير نفسك تحل القضية ؟.
اندهش الولدان من بكاء آية ولكنهما دهشا أكثر عندما تكلمت عن التفجير .. ثم أدركا أنها لم تستمع إلا إلى الجزء الأخير في حديثهما .. ابتسم هيثم وهو يرى رأفت ينهض ويحتضن آية برفق.. ثم يجلسها على سريره :
- من الذي ذكر التفجير يا آية ؟ ..
أخبرته وهي لا تستطيع السيطرة على دموعها المنهمرة :
- إنني شديدة القلق عليك يا رأفت .. فمنذ بدء الحصار وأنت شارد .. وأنا اعلم أن هنالك ما يشغل تفكيرك .. وكنت أخشى أن تصل لقرار كهذا .. واليوم بالصدفة سمعتك تتكلم مع هيثم فخفت أن تكون شكوكي في محلها .
ضحك هيثم وحدثها مطمئنا :
- لا تقلقي يا آية .. فنحن مستعدون أن نقدم أرواحنا رخيصة لهذا الوطن ولكن ليس بالانتحار .. إننا نود أن نلتحق بصفوف المقاتلين .. فربما يوفقنا الله في أكثر من عملية .
أردف رأفت متمما لكلام صديقه :
- أتعلمين يا آية إن هذا أكثر ما يخيف إسرائيل .. وهو أن شبابنا استغنى عن العمليات الانتحارية .. وأصبح يستطيع أن يصنع سلاحه بيده ويواجه .. لذلك هم يحاربوننا هذه الحرب القذرة ويشددون الحصار على غزة .. فهم يدركون أنها ستظل منبع المقاومة .
وقبل أن ترد آية دخل يوسف إلى البيت تتبعه شذى .. نطت براءة بفرحة وهي تتعلق بذراع يوسف هاتفه :
- لقد جاء يوسف .
حملها يوسف فوق كتفيه واتجه بها إلى غرفته وشذى بجانبه وعندما وجدا آية في الغرفة وأثار الدموع في عينيها .. انزل يوسف براءة على الأرض بينما تقدمت منها شذى تحتضنها بحنان متسائلة :
- ما بك يا آية ؟.
أجابت آية بحزن :
- إن بي الكثير .. فأنا لم اعد أتحمل هذا الضغط .. إنني أعود من المستشفى بعد أن أشيع مزيدا من الأطفال والنساء والشباب الذين يموتون أمام أعيننا .. إن هذا العجز الذي أحس به يمزقني من الداخل .
سكتت آية فقد غلبتها عبراتها .. وظلت براءة محتضنه لساق يوسف بخوف .. وخيم صمت على الشباب .. فعاودت آية حديثها الباكي :
- إن أشد ما يقلق جميع المستشفيات .. هو كمية الأرواح التي تتوقف حياتها على الأجهزة فإذا نفذ الوقود من داخل المستشفيات ستحدث إبادة جماعية لكثير من المرضى .
تمم هيثم على كلامها والقهر يسيطر عليه :
- إن ما يدعوا إلى السخرية هو الموقف العربي منا .. فهناك دول عربيه قدمت لنا المعونات ولكن لم تفتح أي معابر لتوصلها إلينا .
تدخل يوسف مستغربا :
- بالرغم من أن هنالك معابر لا دخل لإسرائيل فيه .
ردت عليه شذى :
- إن إسرائيل تتحكم بكل شيء .. ولكنها لن تجرؤ على ما تفعله بنا إذا كان العرب متحدون .. لقد باعنا إخواننا العرب .. فما الذي يمنع إسرائيل بأن تسخر منا .
في تلك الأثناء سمع الشباب المجتمعين في غرفة رأفت ويوسف طرقات متواصلة على باب الدار .. انتفض كل من في البيت وكانت الأم أول من فتحت الباب لتجد آلاء أمامها قائلة بكثير من الحياء :
- سامحيني يا خالة منى على الإزعاج .. لقد جاء التيار في منزلنا دون بقيه المنازل وفكرنا أنا ونور بأن نعيد شحن الهواتف النقالة لأهل الحارة .
خرج الشباب على صوت آلاء .. فسألها هيثم بتعجب :
- أحقا ما تقولين يا آلاء ؟.
أجابته آلاء وهي تستعجلهم :
- نعم .. فلا تضيعوا مزيدا من الوقت ولتحضروا هواتفكم إلى بيتنا .
خرج الشباب من المنزل متجهين إلى بيت نور وآلاء وهم يضحكون غير مصدقين ما يحدث .. وقاموا بمساعدة نور وآلاء في استغلال التيار بعمل المثلثات الكهربائية لتستوعب الكهرباء أكبر قدر من الهواتف النقالة .. وبعد فترة انقطع التيار .. ومع انقطاعه شهقت آلاء وخيبه الأمل تسيطر على ملامحها الجميلة :
- لقد نسيت أن أشحن هاتفنا النقال يا نور !!.
تعالت الضحكات .. ثم ودعوا التوأمان كل متجه إلى بيته ..

لقد انتهى الحصار بعد أن خلف كثير من الشهداء .. وفي إحدى الأمسيات كانت آية تجلس في غرفتها تقرأ .. عندما قفزت إلى ذاكرتها تلك المواقف التي مرت عليهم أيام الحصار .. شردت قليلا .. وهي تفكر بروح شعبها العالية ..
كيف يستطيع انتزاع الابتسامة من قلب المعاناة .. فهو شعب مؤمن .. صامد .. مفعم بالأمل .. مع كل معاناة يزداد تمسكا بالحياة .. وذلك التمسك يخلق فيه مزيدا من القوة والإصرار على البقاء .
رن هاتف المنزل .. لتفيق آية من شرودها وإذا به الطبيب كمال يحدثها بعجله :
- لقد وصلت إلينا حالات جديدة ونحن نحتاج مساعدتك يا آية .
صمتت آية لبرهة .. فخالها وولداه لم يكونوا بداخل البيت حينها .
أردف الطبيب كمال بعد أن طال صمتها قليلا :
- أنا اعلم أن الوقت متأخر بعض الشيء يا آية .. فإن كان باستطاعتك المجيء سنكون شاكرين لك .. واعذريني الآن فيجب أن أغلق الخط .
ردت آية بصوت منخفض :
- سأحاول ما بوسعي أيها الطبيب كمال .
وضعت السماعة وهي عازمة على الذهاب .. ولكنها تفكر في كيفية نقل الخبر لجدتها والخالة منى .. دخلت إلى غرفتها مسرعة لتحضر حجابها .. فتساءلت الخالة بقلق :
- إلى أين يا آية ؟.
أجابتها بتلقائية :
- إلى المستشفى .. فهم يحتاجون إلي .
تدخلت الجدة متسائلة بخوف :
- ألا تنتظرين أحد أخويك ليوصلك إلى هناك ؟.
ردت عليها آية وهي تتجه نحو الباب :
- لا استطيع يا جدتي .. فالموقف لا يحتمل التأخير .. إلى اللقاء .
ودعت الجدة والخالة آية وهما يتبعانها بنظرات قلقة .. رفعت الجدة رأسها داعية :
- ربي يحفظك يا حبيبتي .. ويوصلك سالمة .
سارت آية على الطريق بخطوات وجلة .. وبعد فترة بدأت تشعر بخطوات ثلاثة شبان خلفها .. ازداد خوفها وأسرعت خطواتها .. ثم أدركت من لهجتهم أنهم إسرائيليين ولكنهم بلباس مدني .. ذعرت آية .. وتوقف تفكيرها فهي لا تعلم كيف وصلوا إلى هذا المكان .. وفوجئت بأحد الثلاثة يمسك بيدها ويشرع في مغازلتها بعربية ركيكة :
- إلى أين يا حلو في مثل هذا الوقت ؟.
حاولت آية التخلص من يده صارخة ولكنه أحكم قبضته عليها وأغلق فمها بيده الأخرى .. ثم قام أخر بنزع حجابها ورميه على الأرض .. ونظره مقرفة تشع من عينيه :
- إنك أجمل هكذا .
تطاير الشعر الناعم الأسود الطويل .. وكأنه يستغيث بدلا عنها .. وفي ثواني لمحت آية جسدا طويلا يحمل جذع شجرة بيده .. يهوي به فوق رأس الإسرائيلي الممسك بها .. ليسقط مغشيا عليه .. فزع صاحباه فأخرج أحدهما مسدسه مهددا به الشاب .. ليتمكن الآخر من سحب زميله وإدخاله في سيارة كانت قريبة منهم .. ظلت آية مصدومة بجانب ذلك الشاب الذي مازال ممسكا بجذع الشجرة في تحد يصرخ من عينيه .. ولكن الغير متوقع .. أن الإسرائيلي الجبان ومع بدء انطلاق السيارة بالفرار أطلق بضعة رصاصات باتجاههما .
فقام الشاب تلقائيا بالالتفاف محتضنا آية بين ذراعيه ليحميها من الرصاص الطائش .. بينما راحت هي تنتفض رعبا في حضنه .. وعندما ابتعدت عنه شعرت بدماء متناثرة على جانب وجهها الأيمن .. وسمعت صرخة مكتومة تنطلق من صدر الشاب .. لقد جرحت إحدى الرصاصات كتفه الأيسر .. وقفت آية مذهولة وهي تنظر إلى سيل الدماء .. وما هي إلا ثواني حتى عاودتها القدرة على التفكير .. تحركت مسرعة وأخذت حجابها المرمي على الأرض وربطت به الجرح لتمنع النزيف .. ثم حدثته بصوتها المهزوز من شده الخوف وهي تجذبه من يده :
- إن بيتنا لا يبعد كثيرا .. تعال معي لا نظف جرحك .
وقبل أن يسير برفقتها .. خلع الكوفية الفلسطينية الملتفة حول عنقه .. وفردها بيده السليمة ثم وضعها على رأس آية .. استغربت آية من ذلك الحرص الذي يلمع في عينيه .. بالرغم من أنهما لا يعرفان بعضهما ..
وصلت آية إلى الدار وهو يتألم بجانبها من الجرح الذي ما زال ينزف من ذراعه .. طرقت الباب بعصبية .. فانتفضت الخالة لتفتحه مسرعة .. وتفاجأت عند رؤيتها وجه آية الملطخ بالدماء .. ثم حولت نظرها إلى الشاب الطويل الأسمر المصاب بجانبها .. ولم تعد تستطيع النطق .
أدخلته آية إلى البيت واتجهت مسرعة لتحضر حقيبة إسعافات أولية .. أجلست الخالة الشاب على أحد الكراسي .. وتساءلت الجدة بقلق :
- ما الذي حدث لكما يا آية ؟.
أجابت آية بكلمات مبعثره غير مفهومة .. وهي تجلس بجانبه منشغلة بإخراج الأدوات من الحقيبة :
- لقد هاجمني ثلاثة إسرائيليين .
ردت الخالة فزعة :
- إسرائيليين .. ومن أين جاءوا ؟..
رفت آية كتفيها تعبيرا عن حيرتها هي الأخرى .. وكل ذرة فيها ترتجف من هول التجربة :
- لا اعرف يا خالتي .
تحدثت الجدة بحنان وهي تنظر إلى الشاب وهو يتألم من الدواء الذي تطهر به آية جرحه :
- مؤكد أنك أنقدتها يا بني وأصبت بدلا عنها .
هز الشاب رأسه خجلا مجيبا لها :
- أي شاب في مكاني ما كان ليتأخر عنها .
تدخلت الخالة شاكرة وهي تنظر إلى الشاب بعطف :
- إنه جميل سنحمله لك دوما .
أردفت آية وهي تربط الجرح مرة أخرى بحجابها :
- اعذرني .. فقد نفذ لدينا الرباط الطبي .
رد عليها الشاب بخجل :
- لقد أتعبتكم معي .. فالجرح لم يكن يستحق كل هذا الاهتمام .
ثم وقف مغادرا بعد أن كررت الخالة شكرها الجزيل .. وشيعته الجدة بدعواتها .. وخرجت آية لتوصله إلى باب الحديقة .. فصافحها مودعا .. وهو يحدثها بلطف :
- اعتني بنفسك .
ردت آية وهي تغالب حيائها :
- أشكرك على معروفك هذا .
ابتسم لها .. وظلت هي ترقب جسده المبتعد بشموخ وخطواته القوية التي يدق بها الأرض .. ثم رفعت يدها لتعدل من وضع حجابها .. فتنبهت إلى أنها مازالت ترتدي كوفية ذلك الشاب الشهم ..
وتذكرت أيضا أنها لم تسأله عن اسمه ..
وفي ذلك الوقت تحركت أحاسيس قوية بداخلها لا تعرف منبعها .. ولم تألفها من قبل ..
إن اهتمامه بها .. جعلها تتعجب ..
وما زاد تعجبها وجوده في الوقت الذي احتاجت فيه إلى منقذ ..
حماها على حساب نفسه ..
وكان ظهوره وسط الظلام .. كأنه ملاك ..
ابتسمت آية بسرور عندما وصل تفكيرها به لأن تصوره بالملاك ..
فهو حقا ملاك ..
إنه ملاكها الحارس ..

my faith 13-09-10 10:36 PM

بتمنى هذا الجزء يعجبكم .. وبتمنى اشوف تفاعل منكم عن جد برغم اني بحس السوسن مش بقوه ملاك الحب .. بس انا بحب هذي الروايه كثيييييييير واصلا فايها احداث كثيره واقعيه ..

وعلى فكره ياريت اعرف ايش اكثر شخصيه حبيتوها للابطال

كلي حب 13-09-10 11:24 PM

مشكورة على هالجزء الحلو
الروية روعة وبدري نحكم عليها باقي في البدايةأكثر شخص عجبني يوسف واية بطلة الرواية واعتقد راح يكون في علاقة بين اية والشاب المنقذ مع اني في البداية حسيت العلاقة بتكون بينها وبين رافت مدري ليش المهم ننتظرك بكل شوق مع احداث جديدة

اسرتى حياتى 14-09-10 01:50 AM

امونة حبيبة قلبى انتى موجودة هنا بجد والله واحشانى كتير

كل عام وانتى بخير يا قمر

اخبارك ايه واخبار هند ومحمد وكل حبايبنا اللى عندك يارب الجميع بخير

اكيد روايتك بتجنن مثلك ويكفى ان خطتها اناملك الرقيقة

تقبلى مرورى ولى عودة بعد القرأة

اكيد عرفتى من اكون

دمتى بكل الود والمحبة

my faith 14-09-10 03:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كلي حب (المشاركة 2442458)
مشكورة على هالجزء الحلو
الروية روعة وبدري نحكم عليها باقي في البدايةأكثر شخص عجبني يوسف واية بطلة الرواية واعتقد راح يكون في علاقة بين اية والشاب المنقذ مع اني في البداية حسيت العلاقة بتكون بينها وبين رافت مدري ليش المهم ننتظرك بكل شوق مع احداث جديدة

اختي الحبيبه تسلمي يا عمري على متابعتك لروايه السوسن بتمنى تنال اعجابك .. وانا سالتكم عن اي شخصيه لان الكثيرين كان جوابهم انه يوسف افضل شخصيه هههههههههه

قراءه ممتعه يا عيوني

------------

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسرتى حياتى (المشاركة 2442627)
امونة حبيبة قلبى انتى موجودة هنا بجد والله واحشانى كتير

كل عام وانتى بخير يا قمر

اخبارك ايه واخبار هند ومحمد وكل حبايبنا اللى عندك يارب الجميع بخير

اكيد روايتك بتجنن مثلك ويكفى ان خطتها اناملك الرقيقة

تقبلى مرورى ولى عودة بعد القرأة

اكيد عرفتى من اكون

دمتى بكل الود والمحبة

جيجي والله ما صدقت عيوني .. حياتي انت اكيد عرفتك والله لك وحشه كبييييييييييييييييييره محمد بخير الحمد لله .. وهنود عادها اليوم الصباح سافرت من جديد بالله ادعيلها ترجع لنا بالسلامه .. وان شاء لله الروايه تعجبك يا عمري بعد ما تقريها .. واني في انتظار رايك عليها

روائية طموحة 14-09-10 10:49 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إلى المستشفى التي ستتطوع فيها

البنت مستقيمه ماعندها انحرافات ولله الحمد عقبال الطايشين

افتحي يا شذى .. أنا آية .

انا اقول احوط تناظر من العين الساحره ممكن معاها مجرم مسلح اجبرها تدق الباب وينوي السرقه

إن الممرضات لطيفات جدا
بس يعنى بيحطوا كيلوا مكياج وبشوفوا الموت ومايخافوا

ستشعرين كأنك ولدت بداخل تلك المستشفى
ضحكتيني الله يظهر سنك في كل لحظة بهجة ترافق فؤادك وين مارحتي
اكيد ولدت بالمستشفى ولا امها ولدتها بالبيت

بعد تناول العائلة لطعام العشاء
وش عشاهم وضحي هل كان دجاج محشي او رز ولا معكرونة واذكري الحلا لو سمحتي ههههههههه
أطربنا بقصصك يا يوسف .
روائية تترقص

تجلس في غرفتها تقرأ
اكيد تقرا رواية رومنسية

وإدخاله في سيارة كانت قريبة منهم

عصابه وانا مدري

وفردها بيده السليمة ثم وضعها على رأس آية
رايق دمان وحاله وهو يحجبها الاخ مروق

متابعة لك ياعسل


لكِ مودتي
روائية طموحة

my faith 14-09-10 11:03 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روائية طموحة (المشاركة 2443746)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إلى المستشفى التي ستتطوع فيها

البنت مستقيمه ماعندها انحرافات ولله الحمد عقبال الطايشين

افتحي يا شذى .. أنا آية .

انا اقول احوط تناظر من العين الساحره ممكن معاها مجرم مسلح اجبرها تدق الباب وينوي السرقه

إن الممرضات لطيفات جدا
بس يعنى بيحطوا كيلوا مكياج وبشوفوا الموت ومايخافوا

ستشعرين كأنك ولدت بداخل تلك المستشفى
ضحكتيني الله يظهر سنك في كل لحظة بهجة ترافق فؤادك وين مارحتي
اكيد ولدت بالمستشفى ولا امها ولدتها بالبيت

بعد تناول العائلة لطعام العشاء
وش عشاهم وضحي هل كان دجاج محشي او رز ولا معكرونة واذكري الحلا لو سمحتي ههههههههه
أطربنا بقصصك يا يوسف .
روائية تترقص

تجلس في غرفتها تقرأ
اكيد تقرا رواية رومنسية

وإدخاله في سيارة كانت قريبة منهم

عصابه وانا مدري

وفردها بيده السليمة ثم وضعها على رأس آية
رايق دمان وحاله وهو يحجبها الاخ مروق

متابعة لك ياعسل


لكِ مودتي
روائية طموحة

روااااااااااااائيه والله ما بتعرفي قد ايش اني بتشوق لمعرفة رايك وقراءه ردودك والله بتفقعيني ضحك بكلامك يا عمري ..

تسلمي غاليتي على تواجدك معي

my faith 17-09-10 10:52 PM

(4)
أهذا هو الحب ؟


عاد رأفت إلى البيت ليجد آية تقف عند باب الحديقة بفكر شارد ووجهها ملطخ بالدماء وعلى رأسها كوفية فلسطينية .. أثار منظرها الشاحب الرعب في نفسه .. فأسرع خطاه نحوها ثم أمسك كتفيها ووجهه ينبض بقلقه عليها :
- ما بك يا آية ؟.. هل أصابك مكروها ؟... هل أنت بخير .
لم يترك لها مجالا للحديثة فابتسمت مهدئه :
- لا تقلق يا رأفت إنها حكاية طويلة سأخبرك بها في الداخل .
ظل رأفت محدقا بوجه آية الهادئ القسمات .. ثم تحسس وجهها بحنان بالغ :
- المهم هل أنت على ما يرام ؟.
عادت آية تبتسم تلك الابتسامة اللطيفة :
- نعم .
احتضنها رأفت وهو يطلق تنهيدة راحة من صدره .. ثم سارا نحو البيت وهو يصب أسئلته عليها :
- هل كنت بالمستشفى ؟.. وما هذه الكوفية التي فوق راسك ؟.
دخلت آية إلى البيت لتجد جدتها وخالتها يتطلعان إلى ما ستقوله فأجابت :
- لقد كنت في طريقي إلى المستشفى ....
وقبل أن تكمل حديثها دخل الأب إلى البيت ضاحكا من حديث يوسف الذي كان يسير خلفه .. وعندما وجدا آية تقف في الصالة بذلك المنظر .. ركض يوسف نحوها ملتقطا وجهها بكفيه متسائلا بقلق :
- ما هذه الدماء التي على وجهك يا آية ؟.
أسرع خالها عز الدين نحوها يفحصها بعينين فزعتين .. ومتسائلا بنفس لهجة يوسف القلقة :
- ما الذي حدث لك يا بنتي ؟.
أجابتهم آية مطمئنة :
- لم يحدث لي شيء .. الحمد لله إنني بخير أمامكم .. لقد اضطررت فقط أن أذهب إلى المستشفى وفي طريقي شعرت بثلاثة شبان خلفي .. حاول أحدهم الإمساك بي .. وعندما هممت بالصراخ أغلق فمي وقام الآخر بنزع حجابي .. لقد عرفت من لهجتهم أنهم إسرائيليين ..
قاطعها الأب وولداه بصوت واحد :
- إسرائيليين ؟.
أتممت آية حديثها بهدوء :
- نعم كانوا بلباس مدني .. في ذلك الوقت جاء شاب فلسطيني يحمل جذع شجرة ضرب بها الإسرائيلي الممسك بي .
سكتت آية حتى تلتقط أنفاسها .. فحثها يوسف على الكلام متسائلا :
- وماذا حدث بعد ذلك ؟.
ردت عليه آية والإعجاب يتخلل نبرتها المتهدجة :
- لقد أخرج الإسرائيلي الآخر مسدسا ليهددنا به ليتمكنوا من الفرار فلقد كان لديهم سيارة .. ولكنهم أطلقوا علينا الرصاص مع تحرك السيارة .. فقام الشاب بحمايتي وأصيب بدلا عني .
تساءل رأفت :
- وهل هذه الكوفية ملك للشاب ؟.
هزت آية رأسها بحياء وهي تتذكر موقف ذلك الشاب معها :
- نعم .. لقد خفت عندما رأيته ينزف فربطت جرحه بحجابي وعرضت عليه أن يأتي معي إلى البيت .. فخلع كوفيته من فوق كتفيه ليلبسني إياها .
شرد رأفت ويوسف وهما يفكران بما تعرضت له آية .. ثم قالت الخالة منى :
- حقا إنه شاب شهم .. وهو أيضا خجول جدا .
أكدت الجدة على كلامها بدعوة صادقة :
- اللهم احرسه يا رب العالمين .. واحجب عنه كل سوء .
أردف الخال باستياء :
- لقد ستر الله علينا .. ولكن الموضوع كبير جدا .. فوصول الوجود الإسرائيلي إلى داخل غزة يدعو إلى القلق .
تساءل يوسف بحيرة :
- هل تعتقد أنهم يخططون لعمل ما يا أبي ؟
أجاب الأب :
- ربما يا بني .. فهم أشخاص لا يؤمن العيش معهم بسلام .. ولكن ما يحزنني أنهم إن استطاعوا الدخول خلسة إلى غزة فهذا دليل على وجود عملاء فلسطينيين يمهدون لهم الطريق .
حل الصمت بين أفراد الأسرة ثم قطعته الخالة منى وهي تحدث آية بلهجتها الأمومية الحنونة :
- اذهبي يا حبيبتي واستحمي بينما احضر طعام العشاء .
ردت آية باستسلام :
- حاضر يا خالتي .. ولكني لن أشارككم العشاء فأنا أود أن أنام .
قاطعها الخال معترضا :
- تناولي عشائك أولا من ثم اذهبي للنوم .
تدخل رأفت قائلا :
- اتركاها .. فهي تحتاج الآن إلى الراحة .
دخلت آية لتستحم من ثم اتجهت إلى غرفتها .. فسمعت رأفت يحدث والداه بقراره بأن يلتحق بصفوف المقاتلين .. فدار نقاش حاد بين الأسرة .. كان يوسف أول من تكلم بحماسه المعهود :
- خذني معك يا رأفت .
قاطعته الخالة ناهره :
- اهدأ يا يوسف فنحن لم نسمح لأخاك بالذهاب .
حدثها رأفت راجيا :
- وما الذي يمنعكم عن الموافقة يا أمي ؟.
أجابت الأم بحزم :
- إنه قرار كبير .. سيحين وقته لاحقا .
رد عليها رأفت بغضب :
- متى يحين وقته ؟.. عندما نموت ضحايا تحت القصف الإسرائيلي .. هل حياتي رخيصة بالنسبة لكم؟.
تساءلت الأم بحده :
- وهل خوفي عليكم يدل على رخص حياتكم ؟.
أجابها رأفت بإصرار :
- نعم .. لأننا نحيا على هذه الأرض ونحن لا نعلم متى سنموت .. وأنا اخترت أن أموت شهيدا في معركة .
خيم صمت على الأسرة .. ثم التفت رأفت إلى والده يستحثه على الحديث :
- ما رأيك يا أبي ؟.
أجاب الأب بهدوء :
- هذا قرار خطير يا رأفت .. ويجب أن تكون واثقا منه .
تساءلت الخالة والخوف يسيطر عليها :
- هل ستوافقه على جنونه يا عز الدين ؟.
أجابتها الجدة مهدئة :
- لقد أضحى رجلا يا ابنتي ولن يستطيع أحد منعه عن مبتغاة .
تدخل يوسف بسرعة :
- وأنا أيضا أصبحت رجلا .
ضربت الخالة كفيها فوق فخديها ووقفت قائله بما يشبه الصراخ :
- ليفعل كل واحد منكم ما يريد .
ثم اتجهت إلى غرفتها بعصبية .. التفت الأب لولداه :
- اسمع يا رأفت .. مثلما قالت جدتك لقد أصبحت رجلا .. لذلك يجب أن تتحمل نتيجة قراراتك .
ثم وجه حديثه إلى يوسف :
- أما بالنسبة لك .. فاهتم أنت بدروسك وبنشاطك الذي تقوم به على النت وعندما يجد أخاك الوقت مناسب لأن تلتحق به سيأخذك معه .. اتفقنا .
امتعض وجه يوسف وهم بالحديث .. ولكن والده نظر إليه وقاطعه بحزم:
- اتفقنا يا يوسف ؟.
خفض يوسف رأسه وهزه بالموافقة ..ثم قبل الولدان يد والدهما ورأس جدتهما ووقفا متجهين إلى غرفتهما .. ولكن رأفت مر بغرفة آية .. فطرق بابها مستأذنا .. أجابه صوت آية الناعم :
- ادخل .
فتح رأفت الباب وطل برأسه على آية :
- هل مازلت مستيقظة ؟
ابتسمت آية بحب :
- كنت استمع لحديثكم .
دخل رأفت إلى الغرفة وجلس بجانبها على حافة السرير واحتضن يديها الرقيقتين في كفيه .. وبدأ يحدثها والألم يعتصره :
- لن أسامح نفسي أبدا يا آية إن حدث لك مكروه .
نظرت إليه آية بحنان .. فهي تدرك مدى حرص رأفت عليها :
- لا تقل مثل هذا الكلام يا رأفت .. نحن نعيش في بلد لا يملك الإنسان فيها روحه .. لذلك لن تستطيع حمايتي دائما .
عاد رأفت يحدثها بإصرار :
- أنا اعرف هذا .. ولكني أخاف عليك جدا يا آية .. فمنذ موت عمتي وأنا أحس بأنني مسئول عنك .. ولا أريد أن يأتي يوم تلومني فيه على تقصيري معك .
ردت عليه آية مبتسمة :
- لن تلومك يا رأفت .. فلقد كنت لي نعم الأخ والصديق .. وإن كان لدي أخ من أبي وأمي لن يحبني مثلما تفعل أنت .
صمت رأفت .. فتابعت آية كلامها والحزن يتسلل خلسة إلى قلبها الرقيق :
- أنا لا استطيع تخيل البيت من دونك .. فكيف ستقوى على فراقنا يا رأفت ؟.
تساءل رأفت مندهشا :
- هل تعارضين ذهابي يا آية ؟.
أجابته آية وهي لا تستطيع أخفاء مشاعرها :
- ليس من حقنا جميعا أن نعارض مثل هذا القرار .. ولكن يصعب علينا احتماله .. فأنا مثلا احتاجك في كل وقت .. قل لي من سيهتم بي مثلك ؟.. و كيف سيمر يومي بدونك يا رأفت ؟.
ربت رأفت على كفيها وابتسم لها مداعبا :
- هل تعتقدين أنني استطيع الابتعاد عنك ؟.. سأظل احمل همك .. وستبقي أختي الصغيرة ما حييت .
قبل رأفت آية على جبينها ووقف مودعا :
- تصبحين على خير .
- وأنت من أهل الخير .
خرج رأفت .. وحاولت هي النوم .. إلا أن تفكيرها لم يدعها .. لقد كانت تفكر بأخيها الحبيب .. فهي متعلقة جدا برأفت وستفتقده كثيرا .. وفي تلك الأثناء ظهر في خيالها ذلك الشاب الأسمر الطويل .. الذي أصيب بدلا عنها .. كم كان شجاعا معها .. ولكنها لم تطل التفكير به .. لقد غلبها النعاس وغضت في نوم عميق .


في منطقة أخرى لا تبعد كثيرا عن حارة آية .. كان الشاب الفلسطيني أدهم قد تعرض لنفس الأسئلة القلقة من أمه وأخته .. إذ دخل أدهم إلى بيته بكتفه المصاب وكانت أخته نسمة هي أول من رأته فركضت نحوه لتمسك بكتفه المصاب ومتسائلة بلوعة :
- ما بك يا أدهم ما الذي أصابك ؟
خرجت الأم من المطبخ فزعه عند سماعها سؤال ابنتها .. وضربت صدرها بكفيها وهي ترى ابنها الجريح :
- ابني .. ما الذي حدث لك يا حبيبي ؟.
ابتسم أدهم مطمئنا :
- لا تخافا إنه جرح بسيط .
لم تفلح كلمات أدهم المطمئنة مع الأم .. فانهمرت دموعها وهي تتحسس يد ابنها بحنان بالغ :
- أنت تكذب علي .
قاطعتها نسمة قائلة بقلق وهي تجلس أخاها على اقرب كرسي :
- دعيه يرتاح أولا يا أمي .
ثم نظرت إلى أخاها وهي تغمره بنظراتها المحبة :
- هل يؤلمك ؟.
أجابها أدهم :
- بعض الشيء .. ولكنه ليس عميقا .
تساءلت الأم وهي تتحسس رأس ولدها الوحيد :
- كيف أصبت به يا أدهم ؟.
حدثهما أدهم والألم يرتسم في ملامحه بين الحين والآخر :
- لقد تعرضت فتاة للمضايقة .. فساعدتها ولكن اتضح لنا أن الذين ضايقوها إسرائيليين .. فأطلق أحدهم الرصاص علينا قبل أن يفروا .. فأصبت أنا بأحد الرصاصات .. ولقد أخذتني الفتاة إلى بيتها وداوت جرحي .. فلا تقلقوا عليّ .
عادت الأم تتساءل باستغراب :
- وكيف وصل الإسرائيليون إلى غزة يا ولدي ؟.
أجابها أدهم وهو يعدل من جلسته :
- ربما كانوا جواسيس يا أمي .. فلقد علمت من قادة حركة المقاومة حماس أن الإسرائيليين دائما ما يحاولون القبض على بعض الملتحقين بالحركة .. لأخذ المعلومات منهم عن طريق تعذيبهم .
أضافت نسمة والرهبة تتسلل إلى قلبها :
- قد تكون أنت أحد هؤلاء المقبوض عليهم .
أجابها أدهم ببساطة :
- ربما .. من يدري .
ثم وقف وقبل رأس والدته التي بدت شاردة :
- لا تفكري كثيرا يا أماه .. دعيها على الله يدبرها كيفما شاء .
هزت الأم رأسها باستسلام ثم رفعت يديها داعية :
- ربنا يحميك يا حبيبي .. فأنت كل ما تبقى لنا بعد أباك الشهيد .
احتضن أدهم أخته وهو يتجه بها إلى غرفته وقبلها مشاكسا :
- ألن تساعديني في تغيير ملابسي ؟.
ابتسمت نسمة مجيبه بحب :
- بلا .. سأفعل .
دخل الأخوان إلى الغرفة .. فاستلقى أدهم على السرير .. وبدأت نسمة بإخراج ملابس أخاها من داخل الدولاب ووضعتها على سريرة .. ثم جلست بجانبه وهي تدقق النظر إليه فسألته مستغربه :
- أين الكوفية التي كنت ترتديها ؟.
أجابها أدهم بخجل .. وابتسامه لطيفه تداعب شفتيه رغما عنه :
- لقد أعطيتها لآية .
رفعت نسمة حاجباها في دهشة :
- ومن هي آية هذه ؟.
أجابها أدهم ببساطة :
- إنها الفتاة التي حدثتكم عنها .
راحت نسمة تلح بأسئلتها محاوله إحراجه أكثر .. وهي تسلط عليه عينيها الفاحصتين :
- ولما أعطيتها الكوفية ؟.
رد أدهم ممازحا لأخته الصغيرة :
- هذا ليس من شانك .
نظرت عليه نسمة مهدده :
- تكلم وإلا أخبرت أمي .
أجابها أدهم باستهتار :
- كلميها .
صرخت نسمة بأعلى صوتها :
- يا أمي ..
وقبل أن تكمل صراخها .. نهض أدهم ليطبق فمها بكفه السليمة :
- حاضر .. حاضر .. سأخبرك بكل شيء .
تساءلت الأم من الصالة :
- ما بك يا نسمة ؟.
ردت نسمة مبررة صراخها :
- كنت أود أن أسالك عن شيء .. ولكنني تذكرت مكانه .
ثم استلقت بجانب أخاها وراحت تحثه على الحديث .. وابتسامة خبيثة ترتسم على شفتاها :
- احكي لي بالتفصيل الممل .
نظر إليها أدهم مبتسما .. والمرح يشيع بوضوح في ملامحه :
- أي تفصيل .. يالك من فتاة شقية .. لم تتوقعين أن تكون قصة شيقة ؟.. لقد نزع أحد الإسرائيليين حجاب تلك الفتاة فخلعت كوفيتي وألبستها إياها .. هل ارتحت الآن ؟.
لم تكتفي نسمة بذلك القدر :
- وكيف عرفت أن اسمها آية ؟.
أخبرها أدهم باستخفاف :
- من نداء أهلها لها يا ذكية .
قالت نسمة وهي تهز رأسها ضاحكة :
- وأخيرا عرف الحب طريقه إلى قلبك يا أدهم .
أدعى أدهم البراءة وهو يهز رأسه باستغراب :
- أي حب .. أتسمين المعركة التي عشناها حبا .. إن أي شاب ليقوم بما فعلت .
رفعت نسمة أحد حاجبيها غير مصدقة لكلام أخاها .. فنهرها بحزم :
- هيا اذهبي الآن ونامي .. لديك ثانوية غدا صباحا .
قبلت نسمة أخاها وخرجت مهدده :
- لن اضغط عليك فأنت مرهق اليوم .. ولكن حسابك معي في الغد .
ضحك أدهم من شقاوتها اللذيذة .. ثم نهض ليغير ملابسه .. بفكر مشوش .. وبعد أن أتم لبسه طرقت أمه الباب لتتساءل بعطف :
- ألن تتناول عشاءك يا أدهم ؟.
أجابها أدهم متوسلا :
- لا أريد يا أمي فأنا منهك وأود أن أنام .
أردفت الأم باستسلام :
- كما تريد يا حبيبي ولكن إن أحسست بالجوع فالأكل بداخل الثلاجة .
هز أدهم رأسه مجيبا على والدته .. فأوصته قبل خروجها :
- ارتاح الآن .. وليس ضروريا أن تذهب غدا إلى الكلية .
أجابها أدهم مطمئنا :
- حسنا يا أمي .
خرجت الأم .. واستلقى أدهم على سريره محاولا النوم .. ولكنه لم يستطع .. ظل فكره المشوش يعيد أمامه صور الماضي .. كم كان الموقف الذي مر به اليوم شبيها بيوم استشهاد والده .. لقد كان يومها في السادسة من العمر .. وكان والده يعمل في التجارة يأتي ببضائع من الأردن ويبيعها في فلسطين .. فاصطحب أدهم معه في آخر رحله له .. وفي طريق العودة كان والد أدهم يحمل دبدوب أبيض صغير في يده اشتراه لنسمة التي وضعتها أمها وهو في السفر .. وعلى الحدود أوقف أحد جنود الاحتلال السيارة الممتلئة بالركاب .. وبدأ التفتيش الروتيني على كل من في السيارة بإنزالهم منها وأخذ بطاقاتهم .. من ثم حضر جندي أخر وأعاد البطاقات وأمرهم بالتحرك .. فركبوا السيارة حامدين الله لأن التفتيش لم يطل مثل كل مرة .. بدأ السائق بتحريك السيارة .. في حين سمع الجندي الذي أوقفهم يصرخ من الخلف :
- قف .
فتوقف السائق .. لكن الجندي الآخر الذي أعاد لهم بطاقاتهم قال بعصبية :
- تحرك .
فأخرك السائق رأسه مستفسرا :
- أقف أم أتحرك ؟!.
أجابه الجندي الآخر :
- قلت تحرك .
قام السائق بتحريك السيارة ولكن الجندي الذي خلفه شحذ بندقيته وأطلق الرصاص على السيارة بصورة عشوائية .. خفض كل من في السيارة رؤوسهم .. ولكن استقرت إحدى الرصاصات في رأس والد أدهم مخلفة سيل من الدماء لتغرق تلك الدمية التي في يده بدمائه الساخنة .. ظل أدهم ينظر إلى أباه مصعوقا ..
شعور صعب ذلك الذي أحس به أدهم وهو يرى أباه غارقا بدمائه ..
كيف تستطيع إقناع طفل صغير بعمر أدهم أن والده قد فارق الحياة ..
فهو لم يكن يدرك أن رصاصة صغيرة مثل تلك .. قد تنتج هذا الكم من الدماء .. وتتسبب بحرمانه من أباه ..
لم يكن يعي معنى الموت .. كم هو مؤلم أن تقف مكتوف اليدين .. ألا تستطيع أن تحمي من تحب ..
ولكن كيف كان سيحمي أباه بينما هو طفل بريء يحتاج للحماية ..
إنه يتألم كل يوم عندما يتذكره ..
ذلك الإنسان الحنون الذي كان يلعب معه لساعات طويلة ..
والذي كان يتحرق شوقا لرؤية المولودة الجديدة ..
لقد عاد أدهم إلى أمه بجسد الشهيد .. وبدمية دامية يهديها لأخته التي لم تعرف أباها قط ..
كم تعذب وهو يرى أمه تصارع الحياة لتوفر لهم حياة كريمة ..
وفطرت قلبه تلك الدموع التي كانت تحبسها طول النهار .. لتطلقها خلسة في كل ليلة .
كم أوجعه سؤال أخته الصغيرة عن أباها .. وحاول جاهدا أن يعوضها ذلك الحنان الأبوي والذي لم يكتفي منه هو الآخر ..
فمن يعوضه هو .. ومن يطفئ تلك النار التي تشتعل بداخله ..
لقد أعلنت الإذاعة الإسرائيلية بعد يومين عن استشهاد والده بأن سيارة حاولت أن تدهس أحد الجنود الصهاينة ولكنهم أطلقوا النار عليها فقتل أحد ركابها .
لقد استشهد والده وطويت حادثة استشهاده بكذبة وضيعة ..
وهو الآن يحس بمسئوليته نحو أمه وأخته ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع منع نفسه من أن يسترد حق أبيه .. فهذا ما دفعه للالتحاق بحركة حماس منذ أن قوي ساعده .
أخذ أدهم نفسا طويلا .. ثم أطلق تنهيدة حارة حملها بعض همومه .. وفي ذلك الوقت قفزت إلى ذهنه صورة آية بوجهها الملائكي البريء .. وشعرها الناعم الأسود الطويل المتطاير في الهواء .. ابتسم رغما عنه .. وبدأ تفكيره ينصب حول آية .. يالها من فتاة جميلة في غاية الرقة .. لقد حركت بداخله الكثير من الأحاسيس .. فمنذ رآها وهو يحس طعما أخرا للحياة .. بأنه يريد حمايتها من كل شيء .. لقد ساعدها دون وعي منه بعقوبة ما يفعل .. فلقد شعر بأن قطعه من جسده تنتهك عندما رآها تحاول الخلاص من الإسرائيلي الجبان .


في صباح اليوم التالي .. استيقظت آية مع نسمات الصباح الأولى .. كان كل من في البيت لازالوا نائمين .. أخذت آية مفكرتها وخرجت لتجلس بجانب شجرتها الحبيبة .. لتختلي بوالديها .. وبعد أن أكملت خاطرتها وأتمت تجهيز نفسها للذهاب إلى الكلية .. فتحت دولابها لتلقي نظرة أخيرة على كوفية ملاكها الحارس .. ابتسمت آية وهي تتحسس الكوفية بيديها وخيالها يعيد تفاصيل الأمس .. والذي كان جميلا بشكل من الأشكال .. ثم خرجت إلى الصالة لتجد رأفت يحتضن أمه ويقبلها فوق رأسها وفي كل أنحاء وجهها وهي تضحك بين يديه :
- هل تقوين على خصامي يا أمي ؟.
أجابته الأم وهي تغمره بنظرة ملؤها الحب :
- أنا لا أقوى على فراقك يا حبيبي .. ولكنني فكرت بالأمس بحديثك .. وأدركت أنك محق .. وأن هذا القرار مهم بالنسبة لك .
قبل رأفت يد أمة ونفسه مفعمة بالسرور :
- إن ما يهمني هو رضاك عني .
طرق باب المنزل فذهب رأفت ليفتحه ليجد شذى تقف بوجهها الباسم :
- صباح الخير يا رأفت .
رد عليها رأفت بابتسامة حب :
- صباح النور .. تفضلي .
رحبة الخالة منى بالصديقة اللطيفة :
- تعالي وافطري معنا يا شذى .
أجابتها شذى وهي تنظر لآية لتستعجلها:
- شكرا يا خالتي .. ولكننا تأخرنا على الكلية .
ودعت الفتاتان الأسرة واتجهتا إلى الخارج .. وفي الطريق أحست شذى بغرابة صديقتها فتساءلت مستفسرة :
- ما بك يا آية هل أنت متعبة ؟.
أجابتها آية وابتسامة حلوة ترتسم على شفتاها :
- لقد كان يوم أمس يوما خياليا .
تساءلت شذى وهي تبتسم لابتسامة صديقتها :
- وما هو الخيالي في يوم أمس ؟.
بدأت آية تسرد لصديقتها تفاصيل أمسها .. وكانت شذى تستمع بشغف وملامحها تتقلب بين الحين والآخر بين الخوف .. اللهفة على صديقة عمرها .. و لتستسلم بالأخير لابتسامتها .. من ثم حدقت شذى بآية التي كانت قد أنهت قصتها :
- يبدو أن هذا الشاب قد أثر فيك كثيرا يا آية ؟.
أجابتها آية والخجل يربك كلماتها :
- أنا لا أنكر أنه كان شجاعا معي .. ولكن ما شدني إلية تلك النظرة التي رأيتها في عينيه .. وكأنني أرى فيهما حرص رأفت وخوفه علي .
ابتسمت شذى لكلام آية .. فأردفت آية مبرره :
- وأكثر ما أسعدني .. أنني بالأمس حلمت بوالدي .. لقد أفقت من النوم وأنا مرتاحة وكأنني رأيتهما فعلا .
شاركتها شذى فرحتها :
- مؤكد أنهما يشعران بك .. وربما جاءا للاطمئنان عليك .
ردت آية وعيناها تشردان وراء والديها اللذان تعيش معهما في أحلامها :
- إنني لازلت اشعر بحضنهما .. وقبلاتهما .. وكأنها حقيقة .. لذلك أسعد عندما أحلم بهما .

وصلت الصديقتان إلى الكلية .. قضت آية يومها ككل يوم .. ولكنها كانت تتمنى أن تطمئن على ذلك الشاب .. وتود أن تشكره فهي تحس أنها لم تفه حقه من العرفان بالجميل ..
ولكنها كانت تجهل أنه لا ينتظر منها الشكر .. فهو يأمل منها بما هو أكثر .. فشعور أدهم نحو آية كان أعمق من شعورها .. فآية فتاة رقيقة تسهل محبتها للناس .. ولكن أدهم وبالرغم من طيبة قلبه إلى أنه يدرك أن ما يشعر به نحو آية الجميلة .. إحساس مختلف .. وأقوى منه .. لقد أصبح يفكر بها كثيرا ..
ويتملكه الشغف ليعرف المزيد عن حياتها .. ما تحب .. وما تكره ..
يريد أن يحدثها .. أن يخفف عنها حزنها .. ويشاركها فرحها ..
حتى أنه كثيرا ما يجد نفسه يسلك طريق بيتها عندما يعود من ورشه الميكانيكا التي يعمل بها ..
وفي يوم وجدها تجلس بجانب شجرة بها ورود سوسن .. وبيدها مفكرة تكتب بداخلها ..
لقد ظل أدهم يومها يتأمل آية إلى أن دخلت منزلها .. من ثم سار عائدا إلى بيته وهو يضحك على نفسه ..
ما هذا الذي قلب كيانه بشكل مفاجئ ..
لقد أصبح يجد لحياته معنى وهدف ..
وكأنه زاد حبا للحياة .. ولمن حوله ..
حتى أن حماسه للمقاومة قد تضاعف ..
هل كانت نسمة محقه عندما قالت أن الحب عرف الطريق إلى قلبه ..
ربما .. فإن كان ما يشعر به هو الحب ..
إذا فهو يجد الحب إحساس جميل .. بجمال حبيبته آية ..

كلي حب 18-09-10 01:26 AM

يسلموووووووووووووووا على البارت الحلو
زي ماتوقعت أدهم ماراح يمر مرور الكرام في حياة أيةلكنصدق بتخلين رافت ينضم للمقاومة ................

my faith 18-09-10 10:47 PM

اختي الحبيبه كلي حب .. عن جد سعيده كثير لتواجدك معي في السوسن ..

وايوه ههههههه ادهم ما رح يمر مرور الكرام ههههههه وبالنسبه لرافت انا بعتقد ان هذا هو حال كثير من شباب فلسطين والتحاقهم بالمقاومه قدر محتوم .. ربي يحمي اخواننا هناك ويثبت الارض تحت اقدامهم

بشكرك حبيبتي على متابعتك .. وما تحرميني من ردودك اللطيفه

my faith 23-09-10 10:38 PM



(5)
من أجلك ..


مرت الأيام ورأفت وهيثم يزدادان ارتباطا بحركة حماس .. وبدؤوا بتنفيذ بعض مهام الحركة من توزيع منشورات .. وأعمال خفيفة طول فترة التدريب .. وأعطي كل واحد منهما سلاحا .. ومع هذه التغيرات عاشت الأسرتان قلقا على الولدين ولكنهما راضيان عن أفعالهما .. إلى أن جاءت الامتحانات النهائية للعام الدراسي 2007-2008 فانشغل الشباب في التحضير لها ..
وفي فجر اليوم الأخير للامتحانات .. استيقظت آية بنشاط ثم ذهبت إلى غرفة ولدا خالها تسير على أطراف أصابعها حتى لا تزعج يوسف .
هزت آية كتف رأفت وراحت تيقظه بصوت منخفض :
- رأفت .. رأفت .. هيا استيقظ لكي تعيد استذكار دروسك .
أجابها رأفت بضيق .. وهو يتململ فوق سريره :
- حسنا يا آية .. سوف ألحقك بعد قليل .
ألحت عليه آية وهي تكرر هز كتفه :
- رأفت .. أنا لن أتركك حتى تنهض .
أخرج رأفت زفرة من أنفه ونهض متذمرا :
- وأنا أعرف مدى عنادك .
ردت آية بصوتها المنخفض وهي تضع سبابتها على فمها :
- هسس .. أخفض صوتك حتى لا تزعج يوسف .
أردف رأفت وهو ينظر إلى يوسف بحسرة :
- يا له من محظوظ .. لقد أنهى امتحاناته وهو الآن ينعم بالنوم .
أجابت آية مبتسمة :
- لم الحسد ؟.. ساعات وسوف ننهي نحن أيضا امتحاناتنا .
ثم أردفت قائلة وهي تجره من يده :
- هيا قم أيها الكسول .. سوف أحضر لك فنجان شاي حتى تفيق .

وفي الصباح خرجت آية بصحبة شذى .. وقبل أن تفترقا كل واحدة إلى كليتها .. نبهتها شذى :
- لا تنسي يا آية أن تأتي إليّ عندما تنهي امتحانك .. حتى نعود إلى البيت سريعا وننهي المفاجأة التي حضرناها لنور وآلاء .
أجابتها آية مطمئنه :
- حسنا .. لا تقلقي .
وبعد انتهاء الامتحان انشغلت آية بالحديث مع زميلاتها عن الامتحان وتوديعهن .. ثم تذكرت فجأة وعدها لشذى فذهبت مسرعة إلى كلية الهندسة .. وعند دخولها الكلية اصطدمت بشاب فأوقع ما بيده من كتب .. نزلت آية لتساعد الشاب في التقاط أشياءه وهي تقول بارتباك دون أن تنظر إلية :
- اعذرني .. فلقد كنت مستعجلة .
أمسكت آية بأحد كتبة ووقفت مع الشاب لتناوله إياه ثم أدركت أنه نفس الشاب الذي أنقذها .. ظلت تنظر إليه بدهشة مشوبة بفرح عقد لسانها .. لكنها نطقت أخيرا :
- كيف حالك .. هل أنت بخير ؟.
أجابها أدهم وهو ينظر إليها بملء عينيه غير مصدقا نفسه أنه يحدثها .. وكأنه يعيش إحدى أحلام يقظته :
- نعم .. أنا بخير .. ولكني كنت قلقا عليك .
عقدت آية حاجبيها باستغراب متسائلة :
- عليّ أنا ؟.
أجابها أدهم موضحا :
- لقد خفت أن يؤثر فيك ما حدث .
ابتسمت آية وهي تخبره بخجل :
- لا تخف .. فلقد كنت سأتأثر لولا أن الله بعث لي من يحميني .
أنتقل خجلها إليه .. فأردفت آية قائلة باهتمام :
- لقد شغلت بالي .. وكنت أود أن أطمئن عليك .
حدثها أدهم مطمئنا :
- أنا بخير .. فلم يكن جرحي خطيرا حتى يستدعي منك القلق .
تساءلت آية بعد أن تذكرت شيئا مهما :
- آه صحيح .. أنا إلى اليوم لا اعرف اسمك .
رد عليها أدهم وهو يمد يده مصافحا :
- أدهم .
صافحته آية وهي تبتسم :
- وأنا اسمي آية .
وفجأة سمعت آية صوت شذى يصرخ من خلفها :
- آية .
التفتت لتجدها تشير لها ليذهبا .. فعادت تقول لأدهم وهي تناوله كتابه الذي مازال في يدها :
- لقد كانت صدفة جميلة .. عرفت بها اسم منقذي .
أجابها أدهم وهو يمرر يده بين خصلات شعره ليداري خجله :
- لا تعطي الموضوع أكبر من حجمه .. لأنني لم أصنع معجزة .
ثم أردف قائلا وهو يعيد لها كتابه :
- خذي هذا الكتاب فهو كتاب شائق باسم ( اليهود والعالم ) .. سوف يفيدك كثيرا .
أخبرته آية والحيرة ظاهرة عليها :
- ولكنني لا أعرف كيف سأعيده إليك فاليوم آخر يوم دراسي .
رد أدهم وهو يغرقها بنظرات حب :
- ليس مهما .. أعيديه مع بداية السنة الجديدة .. حتى أضمن أنني سأراك .
ثم أردف مبتسما :
- لتكون هذه المرة لقاء مقصود وليس صدفة .
خفضت آية رأسها بحياء وهي تبتسم وقبل أن تجيب .. علا صوت شذى مرة أخرى هاتفه بها بعد أن نفذ صبرها :
- هيا يا آية سوف نتأخر .
عادت آية تقول لأدهم وهي تبتعد عنه مودعه :
- مع السلامة يا أدهم .. انتبه لنفسك .. وشكرا على الكتاب .
- في أمان الله .. واعتني أنت أيضا بنفسك .
أسرعت آية نحو صديقتها ثم خرجتا من الكلية .. وأدهم لا يزال واقفا ينظر إليها إلى أن اختفت .
اتجه إلى بيته وهو يشعر أنه يسير فوق السحاب .. لقد كان يحس بأنه يحلم .. ثم بدأ يقلب كتبه ليكتشف أن كتابا ينقصها فيثبت لنفسه أن ما مر به كان حقيقة .. دخل أدهم البيت وهو يدندن بأغنية لكاظم :
- " أحبيني .. بعيدا عن بلاد القهر والكبت بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت " .
انتبه أن أمه وأخته ينظران له باستغراب فسكت عن الغناء وقبل أمه على رأسها .. ثم اتجه إلى غرفته .. تبعته نسمة فوجدته يهم بخلع قميصه .. فوكزت كتفه بكتفها وشاكسته ضاحكه :
- من تكون ؟.
نظر إليها أدهم مستفسرا :
- من تكون ؟!!.
أجابت نسمة ببساطة :
- التي تطلب منها أن تحبك ؟.
صرخ أدهم وهو يتجه إلى الصالة محدثا أمه :
- يا أمي .. متى سنزوج هذه الفتاة ونرتاح منها ؟.
ابتسمت الأم مداعبه :
- عندما نفرح بك أولا يا حبيبي .
ضحكت نسمة عليه :
- لقد أوقعت نفسك بنفسك .
رد أدهم على أخته :
- إذا كان زواجك مشروط بزواجي .. فيبدو أنك ستنتظرين كثيرا .
قاطعته الأم ناهره :
- ولم الانتظار يا بني .. وأنت لا ينقصك شيء ؟.
أجابها أدهم بصوت هادئ وهو يخرج تنهيدة قصيرة من صدره :
- إن حياتنا كلها عبارة عن لحظات انتظار .. ننتظر أن نكبر .. لننجح في حياتنا .. ونعمل .. ثم ننتظر أن نحب ..لنتزوج وننجب أطفالا .. ومع كل تلك المراحل نعيش لننتظر الموت .
وبخته الأم على ذلك الحديث اليائس :
- ما هذا الكلام يا أدهم .. كن حسن الظن بالله ليكرمك .
هز أدهم رأسه باستسلام .. فتحدثت نسمة مغيرة للموضوع :
- دعنا من هذا الكلام المتشاءم .. وقل لنا كيف الامتحان ؟.
أجابها أدهم وهو يتجه إلى المطبخ بعد أن تذكر لقائه الأخير بآية :
- كان ممتازا .
تساءلت نسمة وهي تتبعه أينما ذهب :
- ألن تخبرني عن سبب سعادتك إذا ؟.
تساءل أدهم وهو ينظر إليها مستفسرا بعد ما اخرج عصير من الثلاجة واتجه إلى غرفته :
- وهل أنا كئيب في العادة ؟.
حدثته نسمة مبررة :
- لا لست كذلك .. ولكن اليوم بك شيء مختلف .. انظر إلى نفسك لترى هذا البريق الذي يلمع في عينيك .
جلس أدهم على حافة السرير وابتسم قائلا بعينين شاردتين وباحثتين عن آية الساكنة في مخيلته :
- لقد رأيتها اليوم .. وتحدثت معها أيضا .
تساءلت نسمة بفضول أكبر وهي تقف أمامه :
- من هي التي رايتها ؟.
أجابها أدهم باستغراب :
- آية .
حاولت نسمة تذكر الاسم :
- أليست هذه الفتاة التي أنقذتها ؟.
أجابها أدهم مؤكدا :
- نعم إنها هي .
رفعت نسمة حاجباها والدهشة تتملكها :
- كل هذه الفرحة لمجرد أنك رايتها ؟.
خفض أدهم رأسه مبتسما .. وهو يرشف من الكأس الذي في يده ..
فأردفت نسمة بمرح أكبر :
- ألم اقل لك يا أخي أن الحب عرف طريقه إلى قلبك ؟.
أجابها أدهم بخجل وهو يرفع كتفاه :
- ربما .
ضحكت نسمة ثم جلست بجانبه وهي تحثه بلهفة :
- اخبرني بكل شيء .. كيف رأيتها .. وماذا قلتما لبعضكما ؟.
وقبل أن يتكلم أدهم .. نادت الأم على نسمة :
- نسمة .. اتركي أخاك ليرتاح .. وتعالي لتساعديني في شغل المطبخ .
تغضن وجهها معلننا عن ضيقها .. فقال أدهم ضاحكا :
- أسمعت ما قالته أمك .. هيا انهضي ودعيني ارتاح منك .
ردت عليه نسمة وهي تخرج من الغرفة مشيرة بسبابتها :
- سوف أعود إليك .. فلن ترتاح مني أبدا .
ابتسم أدهم .. ووضع الكأس الذي بيده على الطاولة واستلقى على السرير .. وبدأ يفكر بكلام أمه ..
هل يستطيع أن يفكر بالارتباط ..
لم يخطر ببالة قط مثل هذا السؤال ..
فكل همومه تتمحور حول أمه وأخته .. وتوفير احتياجاتهما ..
وفي المقاومة التي يثأر بها لدماء أبيه المهدورة ..
وهو أيضا لم يشعر باحتياجه إلى الارتباط ..
ولكنه الآن دائم التفكير بآية ..
هذه الفتاة الرقيقة .. كيف احتلت قلبه دون استئذان ..
إن كل ما يتمناه الآن .. هو رؤيتها سعيدة ..
وإذا فكر في الارتباط .. فلن يحب أن تشاركه حياته سواها ..

في تلك الأثناء كانت آية وشذى تجلسان في غرفة آية .. وتقومان بصنع بطاقة معايدة كبيرة من الورق المقوى .. قامتا برسم أشكال مختلفة وإلصاقها في البطاقة كرسم سماعة طبيب وكرة قدم وشاشة حاسوب وعمارة طويلة ودفتر بجانبه قلم وورده .. وأشياء أخرى ليشارك الكل في الكتابة بداخل واحدة من تلك الأشكال التي تشير إلى اهتماماته .. وبعد بضع ساعات أصبحت البطاقة غنية بخطوط عائلة شذى وآية وحتى براءة رسما من اجلها دمية صغيرة لتكتب عليها بمساعدة يوسف كلمة ( أحبكما ) ..
اتجهت الصديقتان إلى بيت نور وآلاء وفاجأتهما بالهدية اللطيفة .. تحدثت نور وهي تنقل عينيها بين السطور :
- إنها أجمل هدية رأيتها في حياتي .
فأردفت آلاء مؤكدة :
- إنها هدية رقيقة جدا .. وتحمل الكثير من المشاعر الطيبة .
قبلت التوأمان صديقتيهما .. وقبل أن تخرج الصديقتان أخبرتهما آية :
- صحيح .. إن خالة منى ستقوم بتحضير الغداء لنا غدا بمساعدة خالة جهاد وكلفتني بدعوتكم .
قالت آلاء مازحة :
- أهذا كله بمناسبة يوم مولدنا ؟.
أجابتها شذى ضاحكة :
- إنه بمناسبة انتهائنا جميعا من الامتحانات .
أردفت نور وهي تطلق تنهيدة راحة :
- لقد كان هما وانزاح .
خرجت شذى وآية من بيت صديقتيهما .. وتساءلت شذى مستفسرة بلؤم في طريق عودتهما :
- آه كدت أنسى أن أسالك .. من ذلك الشاب الذي كنت تتحدثين إلية ؟.
ضحكت آية على صديقتها :
- وهل تذكرتي الآن ؟.
أجابتها شذى مبتسمة بخجل :
- لقد لهيت بصنع البطاقة .
أجابت آية وإحساس غريب يداعب قلبها :
- إنه نفس الشاب الذي أنقذني .. واسمه أدهم .
صمتت شذى قليلا وهي تقلب الاسم في رأسها :
- اسم مناسب له .. فأدهم يعني اسم من أسماء الأسد .
ابتسمت آية لصديقتها :
- لقد أعارني كتابا .. ويبدو أنه كتاب شائق .
مازحتها شذى وهي تودعها عند مدخل البيت :
- مؤكد أنك ستقرئينه اليوم ولن تدعيه حتى تكمليه .. كعادتك في التهام الكتب .
ودعت آية صديقتها ودخلت إلى غرفتها لتختلي بكتاب أدهم .. وبعد العشاء جلست الأسرة في الصالة وبدأ الحديث يدور بينهم .. كل يحكي عن أخبار يومه .. وقبل أن يتوجهوا إلى النوم .
أستوقف رأفت والديه :
- أريد أن أحدثكما بأمر ؟.
تساءل الوالدان والاهتمام ظاهر عليهما :
- خير .
أردف رأفت بصوت هادئ :
- أريد أن استأذنكما .. فغدا لن أبات في البيت .
قاطعته الأم متسائلة :
- لم .. أين ستبات ؟.
أجابها رأفت برفق :
- غدا وبعد صلاة العشاء سنتجه أنا وهيثم إلى مقر المقاومة .. فقد تحددت أول عملية سنقوم بها .
مرت سحابة قلق على وجوه كل من في البيت .. ثم تساءلت الأم بقلب ملتاع :
- هل هي عملية خطيرة ؟.
ابتسم رأفت وتقدم منها مقبلا يدها :
- ليس هنالك عملية خطيرة وعملية سهلة يا أمي .
أردفت الجدة وهي ترفع يديها إلى السماء :
- اللهم احمي ولدي واصرف عنه أبصار العدو .. ليعود سالما إلينا .
ظلت الأم تنظر إلى ولدها صامتة وهي تغالب دموعها .. فتحدث الأب وهو يربت على كتف رأفت :
- ليبارك بك الله يا ولدي .. وموفقون بإذن الله .
كان يوسف وآية ينظران إلى الحوار بدهشة .. وبعد أن انتهى الحديث بين رأفت ووالديه دخل إلى غرفته ليضع أشياءه المهمة بداخل حقيبة رياضية .. فتبعته آية ومعها يوسف .. تحدثت آية أولا وهي تساعده في ترتيب الحقيبة :
- أحقا ستذهب غدا ؟.
أجابها رأفت وهو يبتسم لها بحنان :
- نعم يا آية ؟.
تساءل يوسف باهتمام :
- لماذا لم تخبرنا من قبل ؟.
أجابه رأفت بنفس ذلك الهدوء :
- لأنه لم يكن مسموحا لي أن أكلم أحدا قبل أن يتحدد موعد العملية .
نظرت إليه بحزن لم تستطع منعه من التسرب إلى ملامحها الرقيقة :
- سنشتاق إليك كثيرا يا رأفت .
أخبرها رأفت مازحا وهو يداعب خدها بأنامله :
- كلما اشتقت إلى ادعي لي .. فهذا ما أحتاجه منكم .
ثم وجه حديثه ليوسف :
- انتبه على أختك يا يوسف .. ولا تغضب والديك منك .. وأرعى جدتك .. إنهم أمانة عندك الآن .
طمئنه يوسف وهو يحتضنه :
- لا تقلق .. ولتعتني بنفسك من اجلنا يا رأفت .
ضم رأفت أخاه إليه :
- إنشاء الله .
ابتعد يوسف عن أخاه قليلا ليرى عينيه :
- في المرة القادمة لن أدعك تذهب لوحدك .
ضحك رأفت .. واستمر الحديث ينساب بين الثلاثة .. إلى وقت متأخر من الليل .. ثم تركتهم آية لتذهب إلى غرفتها وتكمل كتابها ..
في الصباح جاءت الخالة جهاد وشذى ليساعدا آية وخالتها .. وفي الظهيرة استقبلت أسرة آية عائلة الخال نضال وصديقتيهما نور وآلاء وأمهما .. كان يوما جميلا .. اجتمعت الأسر الأربعة على الغذاء وكان الحوار يدور بين الجميع ولا يفهم منه شيء .. فهو يدور بين أكثر من شخص ويناقش أكثر من موضوع .
بعد انتهاء الأسر من الغذاء بدأ البيت ينقسم إلى ثلاثة مجاميع .. جلس الرجال في الصالة .. والنساء في غرفة آية .. وتسلل الشباب إلى الحديقة وبرفقتهم براءة يحملها يوسف على ظهره ..
تساءلت شذى وهي تساعد آية في فرش حصيرة ليجلسوا عليها :
- هل انتهيت من الكتاب يا آية ؟.
أجابتها آية بحماس :
- لم أنم حتى أكملت جزءا كبيرا منه .. إنه حقا كتاب شائق .. يحمل الكثير مما كنا نجهله عن اليهود .
تساءل هيثم باهتمام :
- أي كتاب هذا يا آية ؟.
أجابت آية ببساطة :
- إنه كتاب باسم ( اليهود والعالم ).
قال رأفت مستفسرا :
- من أين حصلت علية ؟.
أجابته آية بحياء وهي تتذكر أنها لم تخبر أهلها برؤيتها لأدهم :
- لقد نسيت أن أخبركم .. بالأمس لقيت ذلك الشاب الذي انقدني .. وهو الذي أعارني إياه .
تساءل يوسف :
- وأين لقيته ؟.
ردت آية بعفويتها :
- في كلية الهندسة .. يبدو أنه يدرس هناك .
أردفت شذى مؤكدة على كلام آية :
- نعم إنه يدرس هناك .. وأنا أعتقد أنه في قسم الميكانيكا لسنة الثالثة .
تدخلت آلاء وقد نفذ صبرها :
- دعونا من كل هذه الأسئلة .. واحكي لنا يا آية ما قرأته في الكتاب .
أجابتها آية وهي تهز رأسها باستياء :
- إن به أشياء لا يستوعبها عقل .. لو تعلموا كم هم بشعين هؤلاء اليهود .. فهم لا ينتقصون العرب فقط وإنما كل إنسان لا يعتنق اليهودية .
أيدت نور على كلامها :
- لقد ذكر هذا في القران .. فاليهود يعتقدون أنهم أبناء الله .. وأنهم الشعب المختار .
رد عليها يوسف :
- هذا صحيح يا نور .. بالرغم من أنهم أكثر شعب جاحد بالله .. فمثلا النجمة السداسية المرسومة على علمهم .. تدل على ما جاء في الثورات المحرفة بأن الرب خلق السماوات والأرض في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح وتنفس .
أكملت آية حديثهما :
- إن الذي المني حقا .. أنه ذكر في الكتاب أن الكنيس الذي يتعبد بداخله اليهود لا يمكن أن يخلو من دماء الضحايا – غير اليهود طبعا - ففي كل مناسبة يؤخذ دم الضحايا ويجفف على صورة حبوب ويمزج بعجين الفطائر .
قاطعتها آلاء والذعر المشوب بالقرف يرتسم على ملامحها :
- أحقا ما تقولين يا آية ؟.
ردت آية بثقة :
- اجل يا آلاء .. والأبشع أن هنالك أعياد مثل عيد الختان تحضر تلك الفطائر من دماء الأطفال .. وهناك طرق أيضا في استنزاف تلك الدماء .. فأحيانا يتم ذلك عن طريق ما يسمى ( البرميل الإبري ) وهو برميل مثبت على جوانبه من الدخل إبر حادة توضع فيه الضحية حية فتغرز هذه الإبر في جسمها وتسيل الدماء ببطء من مختلف أعضائها وتظل كذلك في عذاب اليم حتى تفيض روها .. بينما يكون اليهود الملتفين حول البرميل في أكبر نشوة بما يبعثه هذا المنظر في نفوسهم من لذة وسرور .. وينحدر الدم إلى قاع البرميل .. ثم يصب في إناء .. وأحيانا تقطع شرايين الضحية في عده مواضع ليتدفق الدم من جروحها .. وأحيانا تذبح الضحية كما تذبح الشاه ويؤخذ دمها .. وبعد أن يجمع الدم بطريقة من الطرق السابقة أو غيرها تسلم إلى الحاخام أو الكاهن أو الساحر الذي يقوم باستخدامها في إعداد الفطائر المقدسة أو عمليات السحر .
حل صمت رهيب بين الشباب غير مصدقين ما سمعوه .. ثم قطعت الصمت براءة وهي تتشبث بقميص يوسف وتسأله بخوف :
- هل سيقوم اليهود بقتلي أنا أيضا يا يوسف ؟.
احتضنها يوسف وراح يربت على رأسها مطمئنا :
- لن يجرؤ أحد على إيذائك طالما أنا معك .
تداركت آية وهي تربت على رأس براءة بعد أن تذكرت أنه لا يجب أن تستمع لمثل هذا الكلام :
- لا تخافي يا براءة .. فهذا لا يحدث في بلادنا .
أردف رأفت متمتما :
- نعم .. لأنه يحدث ما هو أبشع من ذلك .
أيد هيثم على كلامه باستياء :
- إن اليهود قساة القلب وهم مذكورون في القران بأنهم قتلة الأنبياء .. وهذا غير بعيد عن طبيعتهم الشيطانية .
ردت آية على كلامه :
- لقد ذكر الكتاب أيضا بعض قوانين اليهود المذكورة في التلمود .
تساءل يوسف باهتمام بالغ :
- وما هو هذا التلمود .
أجابه هيثم موضحا :
- إنه كتاب يضم بعض قوانين اليهود التي تكشف مدى تفكيرهم الجهنمي المتعالي على دونهم من البشر .
تدخلت شذى مستفسرة :
- مثل ماذا ؟.
وقفت آية فجأة :
- دعيني أحضر لكم الكتاب لأنني لا أتذكر الكثير من قوانينهم .
غابت لفترة قصيرة ثم عادت وهي تحمل الكتاب بيدها .. وبدأت تقلب بين صفحاته إلى أن وصلت إلى الصفحة المعنية .
بدأت آية تقرأ وهي تنقل عينيها بين سطور الكتاب :
- اسمعوا هذا .. 1) اليهودي يعتبر عند الله أكثر من الملائكة .. فإذا ضرب (جوييم) يهوديا فكأنه ضرب العزة الإلهية ويقصد بالجوييم من هم غير يهود .
2) لو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولما خلقت الأمطار والشمس .
3) الأجانب غير اليهود كالكلاب .. والأعياد لبني إسرائيل وليست للكلاب .
4) مصرح لليهودي أن يطعم الكلب ولا يطعم الأجنبي .. فالكلب أفضل .. والشعب المختار يستحق الحياة وحده .
5) بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات .
6) لا يجوز لليهودي أن يشفق على غير اليهودي من الأمم .. ويحق له أن يغش غير اليهود .. وأن ينافق ويجامل الأجنبي عند اللزوم على أن يضمر له الشر والأذى .
7) لليهودي حق امتلاك الدنيا ومن فيها .. فكل البشر بهائم خلقوا لخدمه اليهود .
8) كل من يقتل أجنبيا يقرب قربانا إلى الله .
9) الزنا بغير اليهود سواء كانوا ذكورا أو إناثا مباح ولا عقاب عليه .
10) مصرح لليهودي أن يسلم نفسه للشهوات والرذائل .
11) اليمين التي يؤديه اليهودي للأجنبي لا قيمه له ولا يلزم اليهودي بشيء لأنه لا أيمان بين اليهودي والحيوان .
12) مباح لليهودي أن يؤدي عشرين يمينا كاذبة يوميا .. وتمحى ذنوب هذه الأيمان في اجتماعات الغفران التي يعقدها الحاخامات .
13) التلمود وجد قبل الخليقة .. ولولاه لزال الكون .. ومن يخالف حرفا منه يمت .
14) إن الله يدرس التلمود منتصبا على قدميه .
أغلقت آية الكتاب وهي تنظر إلى تلك الوجوه المتجهمة حولها .. وأردفت :
- وغيرها الكثير من القوانين التي تنافي الفطرة البشرية .
تحدثت شذى بحرقه :
- لقد قاسينا نحن الفلسطينيين الكثير منهم .. ونحن ندرك أنهم سيئون ولكنني لم أكن أتصور أنهم يفكرون بهذه الطريقة .
أردفت آلاء والحيرة تلفها :
- إنها حقا كارثة .. أن يكون هذا الدمار الذي يسببونه عبارة عن أوامر لا يستطيعون مخالفتها .
أضافت نور على كلام توأمها :
- وأيضا يعتقدون أنهم يؤجرون على كل جريمة يقومون بها .
أضاف رأفت بسخرية مريرة :
- ونُسأل بعد ذلك لما لا نتعايش معهم بسلام .. كيف نأمن العيش مع أناس لا يصونون العهد .. ويعيشون على الخداع .
تدخل هيثم مضيفا :
- إن بالرغم مما يسببه اليهود من هلاك لمن حولهم .. إلا أن هنالك يهودا يرفضون مثل هذه الأفكار المتطرفة .. ويعلنون براءتهم من ممارسة مثل تلك الجرائم .
حاولت ألاء كعادتها تغيير الموضوع بعد أن أطلقت تنهيدة حارة من صدرها :
- دعونا الآن من هذا الموضوع الكئيب .
أيدتها شذى بسرعة :
- نعم .. لقد عرفنا ما فيه الكفاية عن اليهود .
أردف رأفت وهو يبتسم ابتسامته الساخرة :
- وسنعرف .. فالتجربة خير برهان .
نهرهم يوسف أخيرا وهو يقف حاملا براءة التي كانت تجلس بهدوء في حضنه وتنصت للكلام بكل حواسها :
- لقد أخفتم الصغيرة بكلامكم هذا .
تساءلت براءة وقد عاد الخوف إليها :
- هل أنت متأكد يا يوسف بأن اليهود لن يقتلوني مثل الأطفال الذين تحدثت عنهم آية .
اجلس يوسف براءة فوق كتفيه وهو يخبرها مداعبا :
- مؤكد لن يستطيعوا ذلك .. فهم إذا رأوك سوف يحبونك فورا .
ضحكت براءة .. ووقفت آية لتعيد الكتاب:
- كان يجب أن نؤجل حديثنا هذا .. فلقد أخفنا براءة .. إضافة إلى أنه كان يجب أن نودع رأفت وهيثم وداعا ألطف من هذا .
تساءلت آلاء بلهفة وهي تنظر إلى هيثم :
- لم .. إلى أين ستذهب يا هيثم ؟.
أجابها هيثم متصنعا البساطة وهو يغالب مشاعره التي تحتد مثلها :
- سوف نتجه أنا ورأفت اليوم إلى معسكرات المقاومة .. لأنه يجب علينا أن نتواجد هناك .
لم تملك آلاء سوى الصمت .. وهي تنظر إلى هيثم وقد تملكها القلق .. فتساءلت نور وهي تحول نظرها بين رأفت وهيثم :
- أحقا .. ما تقولان ؟.
أجابها رأفت :
- نعم يا نور .
بدأ البيت ينفض من زواره .. وقرب موعد رحيل الولدان فبدأ الجو يتوتر .. والمشاعر ترق .. ذهب هيثم ليوصل نور وآلاء وأمهما إلى البيت ليعود ويودع أهله .. وعند باب التوأمان قبل هيثم والدة نور وآلاء على رأسها فودعته داعية :
- ربي يحرسكما يا ولدي أنتم وكل شباب المسلمين .. ولا يوجع قلب أم على ولدها .
سلمت نور عليه متمنية له التوفيق .. وظلت آلاء واقفة أمامه بعد دخول أمها وأختها إلى البيت .. كان هيثم يشعر بالشفقة عليها من ذلك القلق الذي يتملكها :
- لا تحزني يا آلاء .. فأنا لا أحس أنني سأفارقك لأنك معي دائما .
أجابته آلاء وهي خافضة لرأسها :
- أنا لست حزينة .. ولكن خوفي عليك سيميتني يا هيثم .
رفع هيثم رأسها بأصابع يده .. فرأى دموعها تنساب بضعف والتي كانت تحاول أن تخفيها .. مسح هيثم تلك الدموع وراح يحدثها بحب :
- أتبكي من أجلي يا آلاء ؟.
هزت آلاء رأسها والعبرات تخنقها .. فأردف هيثم :
- إن دموعك غالية عليّ .. فلا تبكي .. واعلمي أنني سأعود بإذن الله .
نظرت آلاء إليه غير مصدقة :
- لماذا أحس إذا أنني لن أراك ثانية ؟.
ابتسم هيثم وتساءل مداعبا :
- هل تعتقدين أني سأموت ؟.
نهرته آلاء وهي تشيح بوجهها عنه :
- لا تقل هذا الكلام يا هيثم .
ضحك عليها ثم أمسك بوجهها بين كفيه :
- صدقيني .. لن أموت وسأظل أركض ورائك إلى أن تحبيني مثلما احبك .
ابتسمت آلاء من خلال دموعها وحمرة الخجل تغزي وجنتيها .. ثم خلعت السلسلة التي كانت معلقة حول عنقها وأعطتها لهيثم :
- خذ هذا المصحف .. ليحميك ويذكرك بي دائما .
اخذ هيثم السلسلة التي يتدلى منها مصحف صغير الحجم .. ولبسه ثم أدخله تحت قميصه .. وعاد ليحتضن يديها بين كفيه الدافئتين :
- سوف أعود يا آلاء .. سوف أعود من أجلك أنت .
ثم ودعها وذهب .. ظلت آلاء تنظر إليه بيأس .. وكأنها تريد أن تتزود برؤيته ما يصبرها على فراقه .. بينما قلبها يتلوى بين الضلوع ..
كيف ستتحمل حياتها من دونه ..
إننا نشعر بمحبتنا لمن حولنا عندما نفترق عنهم ..
وآلاء كانت تدرك أن هيثم يحتل مكانة في قلبها لن يحتلها سواه أبدا ..
كم تخاف أن تفقده أو يتعرض للأذى ..
ولكنه قطع لها وعدا بأن يعود ..
فقط من أجلها ..

ΑĽžαεяαђ 08-04-11 06:38 AM

قصة مهملة

تنقل للارشيف


.

.


مشرفات القسم


الساعة الآن 05:53 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية