منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148112.html)

اماريج 04-09-10 06:45 PM

113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
http://www.liilas.com/vb3/../upp//up...fe684723e2.gif
مساء الورد على الحلوين:flowers2:
راح انزل اليوم رواية حلوة كتير من روايات عبير القديمة وبتمنى انو تنال رضاكم ياحلوين :dancingmonkeyff8:

للامانة الرواية منقولة وكل الشكر والتقدير لكاتبة الرواية

اسم الرواية :عروس السراب
الكاتبة:جانيت ديلي


:liilas:
قراءة ممتعة للجميع

اماريج 04-09-10 06:46 PM

عروس السراب
الملخص
****************
الحياة كالصحراء...احيانا تصادف واحة تستفيء بها,وتنصب خيامك قرب مياهها,واحيانا تتوه في رمالها فتبتلعك.
تيشا كالدوبل فقدت امها فاحتمت بوالدها,لكنه كان قاسيا لخوفه عليها من الحياة وتجاربها, اراد تزويجها وتأمين مستقبلها لكن تيشا تفضل اختيار شريك حياتها,فتهرب الى حنان عمتها المقيمة بعيدا عنهما وهناك تصطدم برجل شبيه
بوالدها,لايؤمن بأفكارها.منتديات ليلاس
تكرهه .....لكنها تجد نفسها مجبرة على القبول به زوجا.....ليلة العاصفة جعلتها عروسا له .....علاقتها به كالسراب يتراءى لها لكنها لاتصل اليه !
****************
http://www.liilas.com/vb3/../upp/upl...27bc2cfbea.gif

اماريج 04-09-10 06:53 PM

1- الأبنة الشرسة!
*****************
" ماذا تعني بأنك سمحت لكيفن جيمبسون بأن يتزوجني؟".
أستوضحت تيشا كالدويل غاضبة , وقد طار شعرها الطويل حول كتفيها حين أستدارت فجأة وأستقرت عيناها البارقتان على أبيها.
فأجابها من بين أسنانه المطبقة بشدة:
" سمحت له بأن يعرض عليك الزواج منه".

" بدعمك الكامل ومباركتك".
أكملت وهي لا تحاول أخفاء السخرية اللاذعة والصاعدة في مرارة الى حلقها.
حدّقا الى بعضهما بعضا ,وكلاهما يحاول , من خلال شخصيته القوية , أن يرغم الآخر على الركون له , كان ريتشارد كالدويل , رجلا طويلا وسيما , ذا بنية رياضية لم تزد مقاس أصبع منذ كان طالبا جامعيا , لكن السنوات أضفت عزيمة قوية على وجهه الوسيم حتى الآن وأضافت الى شعره الأسود نثرات من الشيب الوقور.
منتديات ليلاس
أما تيشا كالدويل فلم تكن تملك حسن أبيها , أذ أن وجهها البيضاوي كان عادي الجاذبية في حالات الأسترخاء , لكن حين يضيئه الضحك أو الغضب , كما الآن , تبدو آسرة الجمال , وما ورثته عن أبيها من شخصية متفجرة وأستقلالية عنيدة , كثيرا ما كانت تنير فيها ومضات الجمال هذه , وفي معظم المرات كان أبوها هو الذي يشعل تلك الشرارات.

وأجاب ريتشارد كالدويل بحدة , وعصبيه توازي موقف أبنته الذي يعتبره وقاحة.
" أنه شاب محترم ويحترم الآخرين , وهذا ما لا يمكن قوله في هؤلاء الذين تخرجين معهم!".
" أنه يختلف بالطبع عن أي شاب آخر أخرج معه".
" ثقي أنه شاب طبيعي معافى أنما هو يتحكم بعواطفه".
ثم أشار اليها بسبابته غاضبا
وأردف قائلا:

" على الأقل, وعندما تعودين معه , لا تبدين مشعة كما لو أن وحشا قد أنشب مخالبه فيك".

فقلصت قبضتيها وأجابت بعصبية:
" أنك تغضبني الى حد يحملني على الصراخ ! أن شابين فقط حاولا تخطي حدودهما معي , أما الآخرون فما حاول أحدهم أبدا أن ينشب فيّ مخالبه كما تدّعي!".
فأجاب بحدة وعيناه البنيتان تحدقان غاضبتين في عينيها العاصفتين كبحر صاخب:
" أنت مصيبة تماما في أنهم لا يفعلون , فهم قبل أن يغادروا هذا البيت معك يدركون ما سينتظرهم مني أن هم مسوك بأصبعهم!".

فتنهدت تيشا بضيق وقالت:
" في الشهر المقبل سأبلغ العشرين من عمري يا أبي , فهل لك أن تكف عن معاملتي كطفلة؟ أنني كبيرة كفاية لأقرر أذا كنت سأتزوج, أو من أتزوج من دون أي نصيحة , كذلك أستطيع أن أقرر مع من أخرج وأستطيع حماية نفسي عند الضرورة".
فأجاب ساخرا وفي صوته رنة معرفة شخصية متسلطة:
" ليس هناك من أمرأة تقدر أن تحمي نفسها أمام قوة الرجل المتوفقة وحيث من المفروض أن يضطلع أبوها ثم زوجها بمهمة حمايتها".

" أوه , يا ألهي! أنك تتكلم كأحد رجال القرون الوسطى".
" وقد حان الوقت لأسترجاعها!".
غمغم ريتشارد كالدويل , وكان على وشك أن يتبسط في الموضوع أكثر حين رن جرس الباب
قذفته تيشا بنظرة مهلكة وأتهمته قائلة:

" أحسبك طلبت من كيفن أن يزورنا هذا العصر ؟ كل ما أرجوه أن لا يكون أرق دراهمه وأبتاع لي خاتما , مع أنني سأكون سعيدة جدا بأن أقذفه في وجهه".
منتديات ليلاس
" تأدبي في ما تقولين يا فتاة!".
هتف وهو يهز أصبعه غاضبا في أتجاه ظهرها وقد مشت ثائرة حول حاجز الغرفة الخشبي ثم الى البهو الصغير بأتجاه الباب الأمامي.

أزاحت بيد عصبية شعرها الأسود المحمر الى خلف ظهرها , وكان يصل الى خصرها تقريبا , وفتحت الباب بعنف وهي تعد لمواجهة الرجل الذي توقعت أن تراه على العتبة
لكن المرأة التي كانت تقف هناك رفعت حاجبيها بنظرة متسائلة , حين أطبقت تيشا فمها بوجوم , فعلت فم المرأة أبتسامة مرتبكة , وقالت:

" لدي شعور بأنني جئت في وقت غير مناسب".

اماريج 04-09-10 06:55 PM

كانت عيناها البنيتان تلمعان بضحك صامت , فأبتعدت تيشا عن الباب حتى أفسحت لها بالمرور
كانت هناك خطوط ضحك حول عينيها وتجعدات خفيفة على جبينها وعنقها تظهران سنها أكثر مما توحي به النظرة الأولى , أما شعرها الأسود القصير كقبعة من الريش , فكان فيه خصلات شيب واضحة.


لم تنتظر تيشا حتى تلحق بالمرأة النحيلة بل تركتها واقفة داخل الباب وعادت تسير بتصلب الى الغرفة.
" أنها بلانش".
أجابت على سؤال أبيها البادي في حاجبيه المقوسين , وهي غير متأكدة من سرورها أو خيبتها لكون الزائر لم يكن كيفن , وغرقت في وسائد الأريكة المزهرة القماش.

فراحت عضلات حنكه تقفز متقلصة وتشير الى أن غضبه , كما غضب تيشا , كان يستعر تحت السطح وصرخ بها قائلا:
" ستخاطبين عمتك كعمة وليس كشخص من معارفك , عليك بأحترام الأكبر منك سنا".
وقالت الزائرة:
" أذا خاطبتني ( عمتي بلانش) فسوف أضربكما معا ".

لكن المرح كان ما يزال في التأنيب الصوتي الحازم حين قالت بلانش كالدويل هذا , وهي تدخل من حول الحاجز.
كانت في بنطالها الأحمر الزاهي والبلوزة الحمراء المزهرة بالأبيض تبدو على النقيض تماما من مظهر العمة العانس ... تجاهلت نظرة أخيها الرادعة , وقطعت المسافة القصيرة بينهما وطبعت قبلة سريعة على خده , ثم قالت بجفاف:
" وكم يسرني أيضا أن أراك يا ريتشارد!".

" أنا مسرور لمجيئك".
أجابها بتأكيد وهو يغير جلسته قليلا كي تشمل نظرة أخته وأبنته معا
وأردف موضحا:

" كنت أحاول غرس شيء من التعقل في رأس هذه الفتاة لكنها ترفض ذلك".
" تعقل!".
قالت تيشا بصوت مرير مصحوب بما يشبه الضحكة , ثم تابعت وهي تلوح بيدها بشموخ في أتجاه أبيها:
" أنه يحاول أقناعي بوجوب زواجي من رجل يقشعر بدني له , ولا لسبب الا لأنه شاب محافظ".
منتديات ليلاس
" أنا لا أحاول أرغامك على الأقتران بكيفن جيمبسون!".
" أذن ماذا تسمي هذه المحاولة؟".
فأستدار ريتشارد كالدويل الى أخته وقال وهو يرفع يديه بحركة قانطة تناشدها التفهم:
" أترين ما أقصد؟ أنها تتعمد تحوير كل شيء , وتضع في فمي كلاما لا أنوي قوله... قلت فقط أنه شاب مهذب وأنها قد تتزوج شابا ليس في مستواه الخلقي هذا".

" أنك لن تطيق أي عريس أختاره بنفسي يا بابا, أذ ستجد في الجميع عيوبا مختلفة وقد تعترض حتى على لون عيونهم".
ثم أستدارت الى عمتها تتوسلها التفهم قائلة:
" أنه لا يؤمن بقدرة المرأة على معرفة ما يناسبها , ويعتقد أن من واجبه التدخل في حياتي!".

فسارع أبوها يجيبها:
" أذا أخذنا بعين الأعتبار نوعية الشبان الذين تخرجين معهم فلا عجب أن أشعر بضرورة تدخلي بين حين والاخر, فمعظم أصدقائك تساورهم فكرة واحدة ولو أنني لم ألعب دور الأب الحامل في يده بندقية لكانوا وصلوا على الأرجح الى مآربهم".
"لو عاد الأمر اليك وحدك , لمنعتني من الخروج مع أي شاب والى أن تجد الرجل الذي ترغب أنت في تزويجي منه , أنك تحاول أن تملي أرادتك على طريقة لبسي وتزيين وجهي ونوع أصدقائي... لقد أصبحت راشدة , فلماذا لا تتقبل هذه الحقيقة؟".

اماريج 04-09-10 06:57 PM

" لأنك لا تتصرفين كراشدة!".
" أنت لا تتيح لي مجالا لأتصرف هكذا".
ثم أنحنت الى الأمام لتضع ثقلا على كلماتها , وتابعت:
" عندما نجلس لتناول الطعام , ما تزال تسألني أذا كنت قد غسلت يدي , أنا لست طفلة!".
كانت بلانش كالدويل تراقب هذا التبادل صامتة, وبصرها يروح ويجيء بينهما كمن يشهد مباراة في كرة المضرب
وقالت لأخيها وهي تضحك بنعومة:

" أوه , ريتشارد , هل تفعل ذلك حقا؟".

فبدا عليه أستياء عابر وتمتم بخشونة:
" أنها تنسى أحيانا أن تغسل يديها من دهان الزيت وذلك يضفي على الطعام رائحة كريهة".
فسألته أبنته:
" كم مرة فعلت ذلك؟ مرة؟ أثنتين؟ لم يتعد الأمر هذا الحد , وأنا متأكدة ".
" أننا نبتعد كثيرا عن موضوعنا الأساسي".

فأكدت له تيشا في غضب:
"كلا لم نبتعد! فنحن نتحدث عن الطريقة التي تحاول فيها أن تتحكم بحياتي أذ تفرض علي بأستمرار ما يجب أن أرتدي ومن أقابل وأين أذهب!".
" أنا أبوك وهذا من حقي".
" وأنا أنسانة ومن حقي أن أنعم ببعض الخصوصية وأن أقترف أخطائي على مسؤوليتي!".

كان هناك لهب أخضر غريب يتوهج في عينيها المتسعتين ولذا لم تحجب أهدابها السوداء الكثة غضبها المحموم , وهتف أبوها:
"ما دمت تعيشين في بيتي وتأكلين طعامي فلا بد أن يكون لي رأي في الموضوع".
فأجابت في برود:
" حسنا, قد يكون الحل في وجوب أنتقالي منه".

فقال بصوت أقل غضبا:
"هذا حل سخيف أيتها الشابة , فأنت لا تكسبين ما يكفي لتعيلي به نفسك , ولا زلت الوصي على المبلغ المصرفي الصغير الذي أودعته أمك بأسمك لحين تبلغين الواحدة والعشرين , وأنت بدون ذلك الأيراد , وبالقليل الذي تكسبينه , ستكونين محظوظة أن وجدت أكثر من لقمة طعام".

" لقد بدأت أفهم معنى الأضطهاد ... أنني أفضل الموت جوعا على السكن تحت هذا السقف وحيث تلاحقني بأوامرك".
" أذا كنت مصرة على الأستمرار في التحدث بقلة الأحترام هذه, فأذهبي الى غرفتك".
كانت قسمات وجهه تزداد شدة وعبوسا وهو يبذل جهدا خارقا لضبط أنفعاله .
منتديات ليلاس
" أنا لست طفلة وأرفض الأنصياع لأمرك بالذهاب الى غرفتي كما لو كنت صغيرة!".
وبالرغم من كل تحديها الظاهري , أحست نفسها تنكمش داخليا أمام الغضب اللاهب في وجه والدها
والذي هدد بقوله:

" باتريشا جو كالدويل , أنت ما كبرت الى الحد الذي يحول دون ضربك ".

تنهدت بلانش ضاحكة فأنشق الجو المرعد بين الأب والأبنة
وقالت لأخيها:

" لقد تأخرت عشر سنوات على هذا العلاج يا ريتشارد".
كانت تنظر بعطف براق الى أبنة أخيها وفي عمق عينيها تفهم دافىء.

عبس ريتشارد فحجبت عبسته وسامة وجهه للحظة ,وسألها متجهما:
" وماذا عساي أفعل سوى هذا مع طفلة قوية الشكيمة ومتمردة كطفلتي؟ لو كانت أمها موجودة لقدرت ربما أن تتفاهم معها , أنا أحاول فقط أن أفعل ما أشعر أنه الأفضل لمصلحتها".
فسألته تيشا وقد خفف ذكر أمها من حدة صوتها:
"ولكن ماذا عن مشاعري أنا يا بابا؟".

اماريج 04-09-10 06:59 PM

" أذا سمعت كلامي مرة بدل أن تجادلينني طوال الوقت...".
بدأ ريتشارد كالدويل يقول لكنه أطبق فمه على بقية العبارة
ثم خاطبها قائلا:

" أنك لا تقبلين أبدا بالنصيحة وتصرين دائما على معرفة درجة النار بنفسك".

فأقترحت بلانش في هدوء:
" قد ينطبق عليها المثل , البنت سر أبيها".
" لا سمح الله!".
صرخت تيشا وهي تنهض عن الأريكة , فأستوضحها ريتشارد :
" الى أين ستذهبين؟".
" الى غرفتي , لأنني أريد الذهاب اليها من تلقاء نفسي , وأذا جاء كيفن فأخبره أن الجواب(لا) , لن أتزوجه أبدا ,كما لا أريد أبدا أن أراه ثانية".

فأمتزجت الخيبة بغضبه وهتف من حلق مخنوق:
" لم أقل أبدا أنك مضطرة للزواج منه !".
فتوقفت تيشا عند الباب وأستدارت قليلا لتنظر من وراء كتفها الى الرجل الوسيم الذي هو أبوها
كان ظهرها ما يزال مقوسا لكن بعض الهياج كان قد زال من بحر عينيها فقالت له واجمة:

" لا يا بابا , أنك لا تأمرني أبدا بأن أفعل أي شيء , أنك تستعين بسحرك وتلجأ الى الأبتزاز العاطفي حتى أجد نفسي في موقف كهذا , وحيث جعلت رجلا , تعلم أنني لا أحبه , يعتقد بأنني قد أرضى الزواج منه , أنك تفعل دائما ما تظنه الأفضل لمصلحتي".
" وهل عملي هذا خطأ مميت؟".

سألها , ولكن صوته أوحى بسحر متملق وأبتسم لها مسترضيا
ثم تابع يقول:

" في الواقع أنت لم تعطه فرصة للتعارف المتبادل , ومع الوقت قد تجدين في نفسك الأستعداد لحبه".
" لن تلقي سلاحك , أليس كذلك؟ وأنا أقصد ما أقوله تماما يا بابا , أنا لا أريد ولا أستطيع الزواج منه , وأذا تزوجت يوما , وقد بدأت أشك كثيرا في رغبتي هذه , فسوف يكون شابا أختاره بنفسي ولن تكون لك أية كلمة في الموضوع".
منتديات ليلاس
" لا تكوني سخيفة , فلا مناص لك من الزواج لأنه المستقبل الوحيد لأية أمرأة ... أن الزواج والأولاد يحققان متطلبات المرأة القصوى".
فرفعت تيشا أحد حاجبيها أستهزاء وردت:
" أحقا؟ أظن أن بلانش لا تشاطرك رأيك , فأنا ما رأيت في حياتي بين الزوجات والأمهات من هي أكثر قناعة بحياتها ومهنتها من أختك, أنني أحسد بلانش على حريتها , فحتى أنت لا تحاول أملاء أوامرك عليها".

هذه المرة لم تعط أباها فرصة للأجابة أذ خرجت الى البهو المؤدي الى غرفتها وهي تعلم أن هذه هي اللحظة المناسبة لأنهاء الجدال أذ أحرزت النقطة الأخيرة , لاحقتها ضحكة بلانش المجنحة وكذلك غضب أبيها المتطاير
وبعد أن دخلت تيشا غرفتها بلحظات سمعت نقرا خفيفا على الباب فنادت قائلة:

" أدخلي يا بلانش".

دخلت المرأة الأكبر منها سنا وعلى محياها أبتسامة متفهمة لا تخلو من المرح , كان غضب تيشا المتسبب عن طباعها السريعة الأنفعال , قد زال الآن , ألا أن نقرة التمرد العميقة كانت ما تزال في عينيها وقالت لعمتها:
" أنني أعتذر عن ذلك المشهد المزعج الذي رأيته ولكنك تعرفينه أكثر مما أعرفه ولوقت أطول بكثير".

اماريج 04-09-10 07:01 PM

فأومأت موافقة برأسها المعمم بشعر بني مجعد وقالت:
" هناك أوقات يتصرف فيها ريتشارد كذكر شديد التعصب , وحالته تعكس مدى الغرور الذي أكتسبه من نساء عديدات كن يتسابقن في الماضي الى أرضائه".
" وأنا واحدة منهن".
قالت تيشا متنهدة ثم ألتقطت سترة ملقاة على كرسي وسارت لتعلقها في الخزانة
كان تصميم الغرفة يشكل أنعكاسا لشخصيتها الأجتماعية , مشمسا ومشرقا ومزينا برشات من الألوان الفاقعة .... وتابعت تقول:

"عندما كنت في طور لنمو , كان أبي الرجل المثالي بالنسبة الي , كان قويا ونافذا , محبا وعطوفا , وفي وسامته لمسة من الفردية الخشنة, كنت أحلم بأن ألتقي رجلا مثله تماما".

ثم كسا وجهها أسى متجهم وهي تردف:
" حمدا لله أنني لم ألتق واحدا مثله! الآن صرت أفهم لماذا كان يتشاجر مع أمي بأستمرار".
فأجابت عمتها وهي تسير الى فجوة في غرفة النوم , صممتها تيشا كمكان خاص بها للرسم.
" حسبما أذكر , كانت تلك المشاجرات بين لينور وأبيك , تنتهي دائما بالضحك والقبلات , فلو كانت أمك ضعيفة الشخصية لما أستطاعت أن تؤمن له السعادة التي ذاقها معها , ريتشارد ما أستطاع أن يسيطر عليها ولهذا السبب أحبها".

" على كل , أتمنى لو يكف عن محاولته للسيطرة علي".
" لا أعتقد أنه سينجح يوما في السيطرة عليك , فأنت تشبهينه كثيرا وتشبهين أمك".
" أذن لماذا لا يقدر أن يرى هذا التشابه؟ لماذا يرفض الأقرار بأنني أدرى بنفسي منه؟".
منتديات ليلاس
" هناك سببان لهذا يا تيش , السبب الأول يكمن في أن أكثر الآباء صرامة وتحفظا هم الذين كانوا في شبابهم أصحاب مغامرات عاطفية عديدة , وأخي أنغمس كثيرا في حماقات الشباب قبل أن يلتقي لينور ويتزوجها .

توقفت قليلا لتراقب وقع أعترافها على وجه أبنة أخيها
ولما تأكدت من وقعها الأيجابي تابعت قائلة:

" ثانيا , أن رحيل أمك وأنت بعد في الرابعة عشرة من عمرك , زاد ريتشارد تحسسا بمسؤوليته أتجاهك , هو يدرك بالطبع أنك لا تستطيعين أخذ مكانها , لكنه يشعر أن الواجب الأبوي يحتم عليه التدخل الفعال في حياتك وبمقدار أكبر مما لو كانت أمك حية , أو لو كانت لديك عمة تزوركما بأستمرار وليس فقط حين تروق لها الزيارة.

وسرعان ما تألقت قسمات تيشا بأبتسامة مشرقة وقالت:
" أوه , بلانش , لا يمكن أن أبدلك بأية عمة أخرى , فدائما تأتين هنا في الوقت المناسب وحين أكون في حاجة الى شخص أتحدث معه والى أن أضع مشاكلي الصغيرة في منظارها الصحيح".
" يسرني أن أتمكن من مساعدتك من حين لآخر".

فأكدت لها تيشا قائلة:
" بل أنت تساعدينني دائما , والآن أخبريني , ما الذي جعلك تتركين مخبأك في جبل أوزارك في هوت سبرينغنز وتقطعين كل هذه المسافة الى ليتل روك؟ أنا واثقة من أنك ما أتيت فقط لتلعبي دور الحكم بيني وبين والدي".

فأفتر ثغرها عن أبتسامة مازحة وأجابت:
" أبرر مجيئي بأن أبتغي شراء بعض اللوازم الفنية , لكن السبب الحقيقي الذي دفعني الى المجيء هو شعوري بالذنب لأنني منذ مدة طويلة لم أزر عائلتي , أنت وريتشارد , أحيانا أنسى مرور الزمن".

" ونحن لم نستقبلك بما يليق بك ".
كان الكدر يغشي عينيها الخضراوين وهي تنظر الى عيني عمتها البنيتين والمتألقتين لطفا.
فأجابتها بلانش وهي تضحك بسهولة:
" أرجو ألا أكون أطلت الغياب حتى يحتاج أستقبالي الى عزف أبواق وبسط سجادة حمراء!".

وكأنما لتبعد مجرى الحديث عن نفسها , أستدارت المرأة النحيلة الى حيث معروضات الرسم المبعثرة بفوضوية في أنحاء الأستديو الصغير وقالت:
" لقد لمح أبوك الى أنك لا تلاقين في عملك نجاحا ماديا يذكر".

فأجابت تيشا متنهدة وهي تسير لتقف الى جوار عمتها:
" هذا صحيح ولسوء الحظ , وينطبق على الأقل على اللوحات التي أرسمها أنطلاقا من قناعتي الخاصة , أنني أستنتج بالتدريج أنني ذات كفاءة تجارية أنما لا أملك موهبة فريدة من الناحية الفنية , فريشتي تفتقر الى تلك الضربة العبقرية التي توجهها كما هو الحال مع ريشتك".

اماريج 04-09-10 07:02 PM

فتفحصت بلانش لوحة ساكنة من الماضي تمثل ممخضة ربدة قديمة تجثم في زاوية شرفة أرضية خشبية وحيث أزهار دوار الشمس تطل برؤوسها الذهبية من فوق الحاجز.... وقالت:
"لا ضير في أن تكوني فنانة تجارية يا تيشا , ماذا كنت تبيعين مؤخرا؟".

فأجابت بوجوم يزم شفتيها:
" بعض بطاقات التهنئة , الرزنامات , لكن معظم مبيعاتي كانت أشياء دعائية , أتعلمين يا بلانش , بابا على حق , فأنا لا أنتج ما يكفي من المال لأعيل نفسي ؟؟؟ أنني بالرغم من رغبتي الشديدة في العيش المستقل , سأضطر الى الأعتماد على صدقات والدي".
وبحركة ملؤها الخيبة أزاحت شعرها الطويل الى خلف أذنها وحيث ألتقطت الخصلات الحريرية نور الشمس المتدفق من النافذة وأحال لونها , الذي يبدو أحمر قاتما تحت الأضواء الأصطناعية , الى لون ذهبي محمر كما النار.

وهتفت وصوتها يتماوج بغضب مكتوم:
" أتمنى أحيانا لو أنني ولدت طفلا ذكرا , فالفتاة يتحكم بها أهلها حتى تتزوج, ثم تصبح عبدة لنزوات زوجها لمدى حياتها , أظن أنني أكره كل الرجال , أن الطريقة التي حاولوا أقناعنا من خلالها بأنهم أفضل بكثير من النساء , لهي مثيرة للقرف... أننا الجنس الأضعف لكوننا أعطينا عضلات وعقل أكبر فالمرأة يمكنها دائما أن تتغلب على الرجال بذكائها".

فرمقتها عمتها بنظرة بارقة وسألتها:
" من الذي خيّب آمالك بجنس الرجال , هذا الشاب المدعو كيفن أم أبوك؟".
" لا هذا ولا ذاك , أنما أظن أنه مزيج من كل شاب عرفته".
أجابتها تيشا بجدية مريرة تخالطها سخرية , وتابعت:
" قيل لي مرة أن الفتاة أذا أرادت أجتذاب رجل ما , فما عليها الا أن تصغي اليه جيدا ,وألا تفتح فمها الا لتطرح عليه أسئلة تعلق به ... الرجال يطلبون أن تكون الفتاة جذابة وصامتة في الوقت نفسه , ولا يهتمون بمعرفة أنجازاتها أو مواهبها , أنهم يتصرفون دائما وكأنهم يؤدون لك خدمة حين يدعونك الى الخروج معهم".

فقالت بلانش تؤنبها بلطف:
" أنت تقرأين الكثير من تلك الكتيبات الداعية الى المساواة المطلقة بين الجنسين ... الرجال والنساء هو كائنات بشرية في الدرجة الأولى وكلا الفريقين له أخطاؤه الخاصة به , هل تحاولين القول أنك ما شعرت بميل الى بعض هؤلاء الشبان؟".
منتديات ليلاس
كست وجه تيشا أبتسامة خجولة حين أدركت مدى الغرور الذي بدا في كلامها , وقالت تعترف بصراحة:
" في الواقع أعجبت بأكثر من قلائل , لكنني ما أوقعت نفسي في وهم الأعتقاد بأنني كنت أحب أيا منهم , ولهذا السبب على الأرجح لم أكن أعرض أبي كثيرا حين كان يأمرني بعدم الخروج مع أحدهم , لكنني لن أسمح له بأن يلزمني بالزواج من رجل معين".
فقالت عمتها:
" ريتشارد تهمه سعادتك بالرغم من كل تدخلاته المتعالية , مع أنني أوافقك على أنه يظهر هذا الأهتمام بطريقة هزيلة , أما الآن وقد عرف مدى معارضتك لهذا الشاب كيفن , فلا أظنه سيرغمك على رؤيته".

" أذا تخلى عن كيفن سيجد لي عريسا آخر".
تذمرت تيشا , ثم تابعت ويداها تطيران في الفضاء بحركة يائسة متوسلة:
" أنا أحب أبي كثيرا يا بلانش , لكن المشكلة أنني لا أستطيع العيش معه , فما دمت وأياه تحت سقف واحد فلن يكف عن محاولاته التحكم في حياتي , أظن أن الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله هو أن أتخلى عن الرسم وأجد عملا آخر".
أستدارت بلانش لتتفحص مزيدا من لوحات أبنة أخيها, وقالت:
"لدي فكرة أخرى قد تنجح أكثر وهي أن تنتقلي الى هوت سبرينغز وتعيشي معي".

" هل أنت جادة في كلامك؟".
كانت تيشا تتنفس بصعوبة وهي لا تصدق أنها سمعت جيدا , فبلانش كالدويل كانت تحافظ كالبيؤة على حريتها الشخصية وعزلتها الحيادية .
" أجل , جادة تماما , وأذا كنت تريدين أمتهان الرسم فليس هناك أي داع لتضحي بعملك من أجل المال أو بسبب أب عنيد".
" لكن ماذا سيقول بابا؟ هل تراه يوافق؟".

اماريج 04-09-10 07:03 PM

" وكيف يمكنه أن يجاهر بأعتراضه وأنت ستكونين تحت حماية أخته ومراقبتها؟".
وأطلقت بلانش من حلقها ضحكة عميقة لتتناغم مع صوتها المنخفض النبرات.
كانت تجول في ذهن تيشا خاطرة مهمة ترهبها وما لبثت أن ترجمتها الى سؤال متلعثم:
" ماذا عن... أقصد... هل سيعرقل وجودي... عملك؟".

فبدت على وجه بلانش الجدي أبتسامة خفيفة وأجابت:
" أنا أنسانة تستمتع بالأختلاء بنفسها وأعيش هكذا من باب التفضيل , لكن هذا لا يعني أنني فتاة مزاجية , فبأستطاعتي أن أرسم وسط تقاطع طرق يعج بالسيارات ومن دون أن أشعر أبدا بحركة السير , ثم أنه يخيل اليّ بأنني سوف أستمتع بوجود زميلة معي ولا سيما أنها أبنة أخي".
" لا أدري ماذا أقول؟".

هتفت تيشا وقد أبهجها تطور الأحداث المفاجىء الذي كان سيحظى بموافقة أبيها لا محالة , فعلى الرغم من كل مشاحناتهما لم تشأ أن تتسبب في أغتراب عاطفي بينها وبين أبيها أذا ما أعلنت تمردها وتركت البيت من دون رضاه.
منتديات ليلاس
وأجابتها بلانش تشجعها :
" أذا كنت تودين البقاء معي فقولي نعم وبكل بساطة , وأنا أضمن لك موافقة والدك... أما بالنسبة الى حياتك الأجتماعية فسوف تواجه بالطبع بعض الخواء ولبينما تتعرفين الى أصدقاء جدد".
" أن كنت تقصدين بحياتي الأجتماعية , خروجي مع الشبان فلا أظن أنني سأمانع في أخذ أجازة , بل أن هذا الأمتناع قد يحسن الصورة التي كونتها عن الجنس الآخر , وجميع الذين صادقتهم مؤخرا بدوا لي في النهاية أنانيين وغير ناضجين ".

فضحكت بلانش ثانية وقالت وهي تضع يدها على يد تيشا:
" أنت تحتاجين يا عزيزتي الى صداقة رجل أكبر سنا من هؤلاء , ذكريني بأن أعرفك الى جاري".
فردت الفتاة باسمة:
"لا تذكري شيئا كهذا أمام بابا لئلا يحرم علي زيارتك والمكوث معك ".

" من الظلم أن لا يجد الآباء , وبخاصة الأرامل منهم , غضاضة في أقامة علاقة مع أمرأة أنما يصرون على مسلك بناتهم الخالي من أية شائبة ".
وأردفت العمة وفي عينيها بريق حازم:
" لا تفهمي من كلامي أنني أشجعك على التمادي , فالعمات أيضا لهن مواقف محافظة مع أننا لسنا شديدات الصرامة كالأبوين".

فقالت تيشا مازحة:
" هل تعنين بذلك أن ضوء مدخلك الخارجي يبقى مشتعلا عشرين دقيقة بعد أن يوصلني الصديق بدلا من الدقائق الخمس التي يحددها لي والدي؟".
" شيء من هذا القبيل... يجب أن أذهب الآن لأقنع أباك بطريقة ما , أن فكرة زيارتك لي قد جاءت منه وليس مني , فأنا أعرف مثلك كيف ألعب على وتر غروره!

*****نهاية الفصل الاول*****



اماريج 04-09-10 08:12 PM

2_ لا تلعبي بالنار
*******************
بعد عودة بلانش بيومين كانت تيشا في طريقها الى بيت عمتها في ضواحي هوت سبرينغز , أركنساس وسيارتها الموستانغ الصغيرة مكتظة بالثياب وأدوات الرسم الزيتي وبكل أغراضها الشخصية التي لم تحتمل فراقها.
كانت منشرحة القلب , ليس بسبب أنعتاقها من سيطرة والدها بل نتيجة لوداعه العاطفي لها وحيث كانت تتمنى أن تعدل عن رحلتها ... كادت!

الخريف قد بدأ يطبع بصماته الزاهية على تلال أوزارك المشجرة ويرش أوراق الشجر بلوني الذهب والقرمز وسط خضرة الصنوبر الدائمة التي شكلت تناقضا مباشرا مع الأصباغ الخريفية.
كانت تيشا قد زارت بيت عمتها مرتين فقط منذ أن أنتقلت اليه بلانش قبل أقل من عام , ألا أنها لم تنس تفاصيل الطرق الخلفية المؤدية اليه , ولدى وصولهامقطع ثلاث طرق ريفية محفوفة بالأشجار
خففت من سرعة سيارتها الزرقاء ثم توقفت , وتذكرت التقاطع بوضوح لأن الطريق التي عليها أتباعها للوصول الى بيت عمتها كانت تلتف صعودا حول الجبل وذات منعطف مباشر يمنع تيشا من رؤية أية سيارات مقبلة

ولحسن الحظ كان السير خفيفا جدا عل هذه الطريق الخلفية ولذا شعرت بمنتهى الأمان حين عبرت التقاطع وأنعطفت بالسيارة صعودا على الطريق الملتوية.


وما أن أكملت الأنعطاف حتى فوجئت بسيارة سبور فخمة وأجنبية الصنع تهجم صوبها هادرة , وهي تأخذ أكثر من حصتها من الطريق , لم تجد مكانا تلوذ به لتتحاشى السيارة المقبلة لأن حافة التل الى جانبها كانت شديدة الأنحدار
لكن مهارة السائق الآخر في القيادة أنقذتهما من أصطدام مباشر الا أن الضربة أصابت حاجز سيارتها الأمامي حين أرتطم به جانبيا بسيارته.


داست تيشا على المكابح وأوقفت سيارتها وبقيت للحظة مجمدة خلف المقود وهي تحس شللا لكونها نجت بأعجوبة ولم تصب بأي ضرر جسماني عدا أحساسها بصدمة معنوية , ثم أرخت بتمهل أصابعها البيضاء المتقلصة حول المقود
وتملكها غضب جارف من رعونة السائق الذي أوقف سيارته قرب تقاطع الطرق.

منتديات ليلاس
نزلت تيشا من سيارتها ثائرة وأشعة الشمس تزيد شعرها الناري أحمرارا لينسجم مع الحنق الملتهب في عينيها الخضراوين
وحملتها ساقاها الطويلتان وفي خطوات واسعة على المنحدر البسيط الى حيث السيارة الأخرى وكان الرجل يترجل منها في تلك اللحظة.


وبفعل عصبيتها المشتعلة تدفقت منها كلمات الغضب فصرخت فيه :
" أيها الأبله! ماذا كنت ستفعل جراء أنعطافك بهذه السرعة؟ كان من الجائز أن نقتل معا! ألم تكن تدري بأن هناك مقطع طرق على الجانب الآخر من المنعطف , أم كنت تظن أن قيادتك لسيارة مزوزقة تعطيك حق المرور وحتى أحتكارك لحصتي من الطريق؟ أن الناس أمثالك يجب ألا يسمح لهم بتسلم المقود!".

كان طولها خمسة أقدام وست انشات لكنها أضطرت لأن ترفع رأسها كي تنظر الى وجه الرجل الذي كان طوله يطل على ستة أقدام وأنشين أثنين , كانت تقاسيمه القوية مكسوة بتعبير جدي الا أن عينيه البنيتين أعطتا أنطباعا بأنه كان يبتسم لها ...
أخذ قلبها يخفق في أيقاع سريع , وأقنعت نفسها أن الخفقات نتيجة لتأثير الحادثة ... وقال لها:

" بعد هذا الخطاب المطول العنيف لا يمكن أن تكوني قد أصبت بأذى".

صوته المنخفض والأجش قليلا كان فيه رنة تبهج السمع لكن تيشا لم تلحظ ذلك لشدة سخطها ولذا أجابته محتدة وهزات رأسها الغاضبة تطير شعرها حول كتفيها:
"وأنت لا تشكرني على سلامتي, فلا بد أنك كنت تسوق حول ذلك المنعطف بسرعة سبعين ميلا ... ومع ذلك ينتقد الناس قيادة النساء المتهورة!".

اماريج 04-09-10 08:14 PM

" لم تصل السبعين, ولو كانت كذلك لما أستطعت تحاشي أصطداما مباشرا".
فذكرته تيشا بأقتضاب:
" لو لم تكن مسرعا الى هذا الحد ولو ألتزمت طريقك لما كنت ضربت سيارتي أطلاقا".

فأجابها وعيناه تحومان بتؤدة على لباسها الأزرق المؤلف من سروال وسترة قطنيتن.
" هذه طريق خاصة لا يستعملها الا سكان الجبل فلم أتوقع أن ألتقي أحدا عليها".
فأظهرت أزدراءها بعبارته المغرورة وأجابت:
" هذا ليس تبريرا لقيادتك الرعناء !".

فقال بنعومة وهو يمد يده المسمرة من الشمس ويعتقل مرفقها:
" أنت مصيبة تماما يا حمراء , تعالي نتفحص الضرر الذي ألحقته بسيارتك ".
ثم أدارها صوبه قبل أن تشعر بما فعل فسارعت الى جذب ذراعها من قبضته وقد لاحظت كيف رفع أحد حاجبيه ساخرا من حركتها...
ألقت نظرة سريعة على شعرة البني الرملي الملوح بفعل الشمس وعلى تقاطيع وجهه الوسيم والمنحوتة بجاذبية وخشونة , فنبهتها تلك النظرة الى كونه رجلا معتادا على تخليص نفسه من المواقف الحرجة بسحره وجاذبيته ...
لكنه سوف يكتشف سريعا بأنها ليست من النوع الذي ينخدع بأقناعاته المعسولة , ولذا أغلفت وجهها بتعبير جليدي وهي تسير الى جانبه.


ولدى مروره بسيارتها ليفحصها من الأمام , علق قائلا:
" أنها محشوة بالأغراض , فهل تنوين الأنتقال الى مكان ما في الجوار؟".
" هذا شأن يخصني وحدي".
أجابته بسخرية قاطعة لكن فمه أختلج ببسمة مسلية , وفكرت تيشا وهي تراقبه يتفحص الضرر , أنه في الحقيقة لا يطاق أبدا....

كان يرتدي بزة من الجلد البني , تظهر بنيته الرياضية الخالية من السمنة , أما شعره البني المائل الى الشقرة فكان كثيفا يميل الى التجعد ولكن تمرده بدا منسجما مع المسحة غير المروضة في تصرفاته ...
وكانت هناك شبه غمازة في ذقنه البارز يؤكد صلابة عنيدة تبدو في سائر قسماته , أما عمره , فخمنته تيشا في أواسط الثلاثينات , ولم تلحظ خاتم زواج حول أصبعه ولكن قد لا يعني ذلك أنه عازب.


" لا يبدو هناك أي ضرر الا في حاجزك الأمامي".
منتديات ليلاس
أعلن النتيجة وهو يقفل غطاء المحرك... شعر بأنها كانت تتفحصه فتألقت عيناه بومضة سريعة حين ألتقتا عينيها
وتابع يقول:

" من السهل تقويم الأعوجاج على يد خبير بأصلاح هياكل السيارات , وأن كنت ستمكثين في المنطقة , فيمكنني تزويدك باسم رجل محلي ليصلحها لك".
فغمغمت بعذوبة فائضة:
" لا ريب أنك أحتجت الى خدماته في الماضي بسبب طريقتك في القيادة ".

فأعترف الرجل وبدون أن يعترف في الواقع بأي شيء:
" لقد أستعنت بخدماته في مناسبة أو أثنتين".
فأجابت بحدة وقد عادت الى تهجمها السابق:
" لا أشك في حدوث هذه المناسبات ... هل تأخذ منه عمولة على الأشغال الكثيرة التي تؤمنها له؟".

فضاقت عيناه قليلا مما جعل عروقها تنبض بخوف مجهول وأجابها وفمه يتحرك بأبتسامة خفية:
" هذا شأني الخاص , كما قلت أنت قبل قليل, يا حمراء".

فتجاهلت توبيخه وقالت محتدة:
" هذه ثاني مرة تناديني هكذا ... اسمي ليس حمراء".
اجابته غاضبة:
_هو ليس احمر ...
فتألقت عيناه الناظرتان الى أحمرار شعرها القاتم والذي بدا نحاسيا في وهج الشمس وسألها:
" هو ليس كذلك؟ أذن ما أسمك؟".

ولما رأى تعبير الأنغلاق الذي أخذ يتسرب الى وجهها أضاف بسرعة وسخرية:
"أطلب معرفته لصالح شركة التأمين , بالطبع".

ترددت تيشا ولم تشأ أن تخبر هذا الغريب المغرور أي شيء عنها , وفي الوقت نفسه كانت تعلم أنه مضطر بالفعل لذكر أسمها لدى شركة التأمين
فأعترفت قائلة على الرغم منها:

" باتريشا كالدويل".
" باتريشا".

اماريج 04-09-10 08:15 PM

ردد الأسم مدحرجا اياه في فمه في بطء , كما لو أنه يتذوق رنته, ثم أحتواها بنظرة أعجاب مفصلة فأحست بشيء من التراخي غير أنها رفضت الأستسلام للحرارة المفاجئة التي دبت في أوصالها وخمنت أن معظم النساء كن سينسحرن بأبتسامته لو كن مكانها ... وأجابت في برود:
" الأصدقاء يسمونني تيشا , ولك أن تناديني الآنسة كالدويل".

فعلق وعيناه تتسعان بسخرية:
" آنسة وليس (بات) أختصارا كما تفعل المطالبات بالمساواة الكاملة بين الجنسين , وقد بدوت لي واحدة منهن".
فأجابته بأنف شامخ:
" لا أرغب في التساوي مع الرجل , لا أود الهبوط الى مستواه!".

فألقى رأسه الى الخلف وضحك من قلبه وقال:
" أنت فتاة مشاكسة تليقين ببيتر وتشيو"
فأجابته والشرر يتطاير من عينيها الزيتيتين :
"وشكرا لشكسبير الذي زوجه من كاتارينا ( بطلة المسرحية المذكورة) لأنني لا أرغب في أن أكون أمرأة يروضها رجل أو يسيطر عليها".
منتديات ليلاس
فغمغم وعيناه ما تزالان تضحكان بسخرية :
" يا للخسارة! فذلك الترويض قد يكون تحديا مثيرا".
فسألته بهزء:
" هل لنا أن ننتهي من التعليقات الشخصية وننصرف الى معالجة هذه المشكلة , أي سيارتي المعطوبة؟ هل لك أن تزودني بأسم شركة التأمين ورقم بوليصتك لديها؟".

فأختلج فمه ثانية بتلذذ لم يستطع أخفاءه , لكنه مد يده الى جيب سترته وأخرج دفترا مغلفا بالجلد وقلم حبر ,فأخذت تراقب شطحات قلمه الواثقة وهي تطير على الورقة قبل أن ينزعها من الدفتر ويعطيها اياها قائلا:
" هذا أسمي ورقم هاتفي أيضا في حال أحتجت الى الأتصال بي".

نظرت اليه مرغمة وقرأت الأحرف الجريئة لأسم رورك ماديسون وتحته رقم هاتفه واسم شركة التأمين.
" هل أرتحت لأن أسمي ليس بيتروتشيو؟".
" يهمني فقط أصلاح سيارتي".
" من الأفضل أن يتم أصلاح الحاجز الأمامي في أسرع ما يمكن لأنه لاصق بالدولاب وقد يثقبه لكثرة الأحتكاك".

" أنني قادرة تماما على أجراء التصليح المطلوب".
فهز كتفيه دلالة على اللامبالاة وقال:
"ما زلت مستعدا لتزويدك بأسم مصلح خبير وموضوع ثقة أذ لا أريدك أن تقعي في براثن مصلح تاجر".
" تقصد أنك لا تريد شركة التأمين أن تقع فريسة أحتيال أو أن يخسر صاحبك هذه العملية".

ران صمت قصير حين أبتعد الرجل المدعو رورك ماديسون عن مكان السيارة المتضرر ومر بتيشا متجاهلا أياها , ثم وقف خلفها وأسند يده الى سطح السيارة , ولما أستدارت وواجهته
قال لها وعيناه تراقبانها بشيء من الوقاحة الكسولة:

" ليس من المفروض أن تكلف التصليحات كثيرا , فهل أبدو لك كشخص في حاجة الى المبلغ الزهيد الذي من المفترض أن يشكل حصتي من العملية؟".

فأطبقت فمها بخط متجهم وأعترفت لنفسها بأنه لا يبدو في أي حاجة للمال , فمظهره العام يوحي بالترف
لكن هذا الواقع زادها غضبا , فهزت كتفيها وقالت وهي تشيح عنه لتريه أنها لم تكن مهتمة به أو بوضعه المادي قيد شعرة.

" بما أنني سأتعامل مع شركة التأمين وليس معك فلا يهمني أمرك البتة .

فأجاب بسخرية قلصت صوته:
" أحقا؟ حسبتك تحاولين أستفزازي عن تعمد".
" لقد عرفت أشكالا متعددة من الغرور الذكري لكن غرورك يتصدر القائمة! هل أنت واثق دائما والى حد القرف من أن سحرك ووسامتك هما أقوى من أية معارضة؟".

كانت تيشا مشغولة بتصويب أحتقارها المجلد على عينيه البنيتين المحدقتين اليها فلم تلحظ تحركه صوبها
وقال لها بهدوء:

" لقد عذرت لك عصبيتك الأولى لعلمي بتأثير الصدمة عليك, ثم أعترفت بكامل أرادتي بأنني كنت المخطىء وما حاولت أن أدحض هذا الواقع, لكنني لا أنوي بحال أن أدعك تسترسلين في قذفي بهذه العبارات الرخيصة".


اماريج 04-09-10 08:16 PM

وما أن أنهى تهديده الهادىء حتى أحست تيشا بذراعيه تعتقلانها من الجانبين وبوجهه يقترب من وجهها كثيرا مما جعل فمها يجف فجأة.
" ماذا تفعل؟".

سألته وهي تمقت الخوف الذي زحف الى صوتها حين ألصقت جسمها بحاجز السيارة المعدني.
فأجابها وعلى وجهه أبتسامة خالية من المرح:
" أذكرك بأننا على طريق ريفية ومهجورة نسبيا".
" أذن؟".
" أذن أنت تحت رحمتي , بشكل ما".

هبط بصره الى شفتيها المنفرجتين قليلا من خوف مرتقب لكنها أستعادت شيئا من غضبها السابق وقالت بنزق:
"لا تكن سخيفا , فلن أكون أبدا تحت رحمة أي رجل , وأقلها رحمتك أنت!".
فأجابها ساخرا:
" لا أدري أيا من ألعاب الورق تعرفين , لكن في الأنواع التي أعرفها أنا, يتغلب الملك على الملكة في كل مرة ,وقد يفيدك أن تتذكري ذلك".

تحركت يده نزولا على السيارة فتقلصت عضلاتها أستعدادا لمقاومة تقدمه, وأذ بطقطقة معدنية تبعثر تركيزها فنظرت غريزيا الى جهة الصوت وفوجئت برؤية باب السيارة ينفتح ... عادت تنظر في حذر الى الرجل الواقف أمامها وسمعته يقول:
" هيا, تابعي سيرك يا ذات القبعة الحمراء , أو قد يقرر الذئب أن يأكلك في آخر لحظة".

وكانت عيناه تضحكان من نظرتها غير المصدقة...
لم تحتج تيشا الى دعوة ثانية فسارعت الى أخذ مكانها خلف المقود وبدون أن تأبه لأنسحابها من المعركة لشدة أمتنانها للخلاص من أهتمامه المرفوض...
لم تضيع لحظة في ألقاء نظرة أخيرة عليه وهي تقلع بالسيارة ثم تسرع بها خلف المنعطف وتختفي عن العيان.

منتديات ليلاس
بعد بضعة دقائق وصلت بيت عمتها وأنعطفت بالسيارة الى المعبر ذي الأعمدة على الجانبين.
كان البيت يجثم على جانب تل يطل على واد جنوبي ذي غابات مخضوضرة
ولوهلة أولى كان يبدو بناء عاديا من أرز غير مصقول , وريفيا ساذجا ينسجم مع جغرافية المنطقة , لكن الشمس الملتمعة على نوافذ الجناح العلوي كانت تشير الى داخلية البيت العصرية جدا.


لم تلمح بلانش حين أوقفت تيشا سيارتها وترجلت منها , وفيما هي تهم بتناول بعض أغراضها من المقعد الخلفي , سمعت صوت حجر يتدحرج بين الحصى فأستدارت حولها ,كان هناك عنز أسود مرقط بالأبيض يحدق بها , وقد بدأ يظهر رأسه كوزان صغيران من القرون وتحت ذقنه بداية لحية.
فأبتسمت له وقالت:
" من أين أتيت؟".


اماريج 04-09-10 08:19 PM

فأجابها العنز بهزة رأس مهددة ولحظت تيشا نظرة عينيه المخيفة , بدا واضحا أنه حسبها تعتدي على أملاك الغير
ومع أن قرنيه كانا في طور النمو ألا أنها لم تشأ أن يهاجمها برأسه الناطح , فراعت ألا تحدث أية حركة مفاجئة قد تثير غيظه ومدت يدها عبر نافذة سيارتها المفتوحة وأطلقت صوت البوق.


وحين سمعت الباب الخارجي يفتح , لم تزح بصرها عن العنز وسألت عمتها بتردد :
" أهو صديق لك يا بلانش؟".
فردت بلانش ضاحكة:
"لقد تعرفت الى بستانيّ".
ولدى سماعه صوت عمتها أشاح العنز برأسه عن تيسا وهو يصدر ثغاء , فأمرته بلانش قائلة:
" أذهب لشأنك يا غراف فتيشا جاءت لتمكث معنا".

وكما لو أنه فهم كل كلمة, رمق تيشا بنظرة قصيرة ثم أستدار يتمشى بعيدا.
" هل هو البستاني هنا؟".
سألتها تيشا وعيناها تتسعان في نظرة مرتابة في صحة عقلها.
فهزت بلانش كتفيها وألتمعت عيناها وهي تجيب:
" ليس لدي فناء واسع , لكنني أحتجت الى من يحافظ على مستوى نمو الأعشاب فأستحصلت على غراف, أنه يظن نفسه أيضا كلب حراسة .

فردت تيشا وهي تحدق الى العنز الذي كان عند السياج يقضم العشب قريرا:
" لقد أقنعني بطريقة ممتازة أنه كذلك ,ماذا ناديته؟ غراف؟ هذا اسم يناسبه تماما".
" تذكرت وقتها حكاية سمعتها في صغري وتقول:(كان بيللي مستهلكا جدا الى حد ما ) فسميته العنز الفظ بيللي ... أنه يقوم مقام حيوان أليف ومفيد فأحيانا يكون حنونا جدا".

فرمقت تيشا عمتها بنظرة مرتابة وقالت:
" أرجو أن يمتد حنانه ليشملني أيضا".
" أنه فظ مع الأغراب فقط , وعذرا على هذا التعبير ... لكن متى تعرف اليك جيدا فسوف يدعك تروحين وتغدين كما يحلو لك, أن مجرد تجاهله لك الآن يدل على أنه قد تقبلك , فعندما يكون لدي زوار , يرفض أحيانا الأبتعاد فيروح يحدق اليهم من النوافذ ويترصدهم في الزوايا مما يخيفهم قليلا".

" أنه يطابق صورة الحيوان الأليف بالنسبة الى رسامة غريبة الأطوار , أليس كذلك؟".
" أتظنين هذا؟ ربما هو يطابق هذه الصورة , والآن , هل نفرغ حمولة سيارتك وننقل أغراضك الى البيت؟ لقد أعدت ترتيب الأستديو وخصصت لك جزءا منه كي تعملي فيه".
" ما كان يجب أن تفعلي هذا".
" تركت لنفسي مساحة كافية ...كيف تقبل ريتشارد أمر ذهابك؟".
منتديات ليلاس
" لم يكن سعيدا به لكنه بدا مقتنعا بأنه الحل الأفضل".
ثم أختلج فمها بتعبير حزين وهي تردف:
" البيت سيبدو له الآن خاويا جدا وموحشا".
" لا تستسلمي للشفقة عليه فأنت ستتركين البيت عاجلا أم آجلا , وهذه الخطوة ستجعله يعتاد على ذلك من الآن , ثم أن العيش الأنفرادي ليس سيئا الى هذا الحد, وأنا أعلم الناس بذلك".

فأعلنت تيشا قائلة:
" أنا لا أفكر في العودة أذ لو فعلت ذلك فلن تمضي أيام حتى أتشاجر وأياه حول شيء ما , لكن أرجو فقط ألا أزعجك كثيرا بوجودي".
فأبتسمت لها بلانش مطمئنة وقالت وهي تفتح الباب:
" لن تزعجينني , ولو أنني فكرت في هذا الأحتمال لما كنت دعوتك ... كيف كانت رحلة القيادة الى هنا؟".

فجعدت تيشا أنفها حين تذكرت بسخط ما حدث وأجابت:
" لا تسأليني!".
" ماذا حدث؟ هل أخطأت في أحد المنعطفات وتهت على طرق الجبل؟".
" ليتني فعلت ذلك! كانت هناك سيارة أجتاحتني جانبا عند ذلك التقاطع في أسفل التل ... كان الرجل الغبي ينعطف مسرعا على جانبي من الطريق , وكاد يصدمني من الأمام ... كنت محظوظة فلم تصب سيارتي الا ببعجة في الحاجز الأمامي".

اماريج 04-09-10 08:22 PM

فسألتها عمتها وهي ترقبها بلهفة:
" هل تأذيت؟ أخبريني؟".
ولما هزت تيشا رأسها , أردفت متنهدة:
" حمدا لله... أنك لم تلقي بداية حسنة في يومك الأول هنا".
" في كل يوم مشمس لا بد أن يسقط بعض المطر ".
طلعت تيشا بهذه الحكمة من عندها وقد صممت على عدم التفكير بلقائها الضارب مع رورك ماديسون , لكنها لم تستطع التخلص من ذلك الشعور القاضم بأنه تفوق عليها في حوارها اللاذع.
منتديات ليلاس
وقالت بلانش:
" خصصت لك غرفة النوم الجنوبية لظني بأنك سترتاحين اليها فنافذتها تطل على مشهد رائع وواسع للوادي والجبل".
وأنشغلت تيشا حتى العصر في أفراغ حقائبها كليا وترتيب أغراضها بشكل مؤقت على الأقل , ثم سارت الى غرفة الأستقبال وغرقت متعبة في وسائد الأريكة ذات الأغطية العنبرية الناعمة, وفي تلك اللحظة تقريبا دخلت عمتها آتية من المطبخ وهي تحمل صينية عليها شراب وبسكويت وسألتها:
" هل أنتهيت؟ كنت على وشك أن أقترح عليك أستراحة قصيرة , فما رأيك بشاي مثلج وبسكويت زبدة الفستق".

فهتفت تيشا وهي تتناول الكوب المثلج من على الصينية:
" رائع! لقد وضعت كل شيء في أمكنة مختلفة مع أنني متأكدة بأنني سأغيرها في ما بعد".
" الأنتقال يثير الفوضى دائما".
وافقتها عمتها فيما رن جرس الباب.

رشفت تيشا شرابها وتوجهت بلانش الى الباب , وكان الشاي البارد لذيذ الأنعاش وهو ينزلق في حلقها... فركت قفا عنقها ومطت كتفيها لتريح عضلاتها المجهدة من كثرة الأنحناء ورفع الأشياء... لم تنتبه كثيرا لغمغمة الأصوات عند الباب الا حين سمعت عمتها تقول بصوت مرح:
" أدخل, أريدك أن تتعرف الى أبنة أخي".

فأستدارت تيشا وبها فضول للقاء الزائر , لكن أبتسامة الترحيب تجمدت على شفتيها حين شخصت الى الرجل الداخل مع عمتها , كان تعبير وجهه متماسكا في برود أما هي فشعرت كأن الأريكة قد سحبت من تحتها... وشهقت بغضب منذهل:
"أنت!".
" هل تعرفان بعضكما بعضا؟".

سألت بلانش بدهشة مرتبكة وهي تحدق اليهما بالتناوب
فأجاب رورك ماديسون مبتسما:

" يمكنك القول أننا أصطدمنا ببعضنا من قبل".
فصححت له تيشا بسرعة:
" بل أصطدمت بي".
" أجل فعلت".
ثم أستدار الى بلانش وأردف موضحا لها:
" أنا الذي بعج حاجزها الأمامي".

فردت تيشا وهي ترمقه بنظرة حاقدة:
" لولا الحظ لكان قتلني".
" فهمت".
تمتمت عمتها بشفتين مطبقتين وكأنها تحاول أخفاء ابتسامة , وأردفت:
" في حكم الظروف لا أدري اذا كان التعريف ضروريا".
فقال رورك:
" لقد حزرت بأنها أبنة أخيك وقد أكتشفت بنفسي أنها من ذوات الشعر الأحمر الأستفزازيات".
منتديات ليلاس
فقالت تيشا ساخرة:
" شعري أحمر قاتم لمعلوماتك وأنا لم أكتشف فقط بأنك سائق متهور بل سائق مغرور ومتغطرس أيضا!".
فأبتسم وقال بدون أن ينزعج البتة من سخريتها:
"نعم , أعتقد أنك أخبرتني ذلك قبل".

" رورك جاري أيضا".
تدخلت بلانش بقولها وعيناها البارقتان توصلان الى تيشا رسالة خاصة لم تفهمها لوهلة أولى , فأردفت عمتها:
" أتذكرين؟ قلت أنني أريد تعريفك اليه".
وتذكرت تيشا بسرعة أثارت فيها قرفا ... أذن هذا هو الرجل الذي أقترحت عليها عمتها مازحة أن تقيم معه علاقة قصيرة ...
تدفق لون زاه الى وجنتيها وعجزت لحظة عن أي جواب , بل الأسوأ من ذلك , أحست نظرته تتفحص وجهها بتلذذ متسل
وأخبرها رورك وهو يسير متمهلا ويجلس على المقعد قبالتها:

" أثناء وجودي في البلدة , رتبت لك موعد لأخذ سيارتك غدا لأجراء التصليحات المطلوبة".

اماريج 04-09-10 08:23 PM

" أذن عليك أن تلغي الموعد فقد أفهمتك بأنني سأقوم بترتيباتي الخاصة".
وهنا تدخلت بلانش بقولها:
" لا تكوني سخيفة يا تيشا , فمن الصعب جدا أن تجدي هنا شخصا تأتمنينه على أصلاحها , وأذا كان رورك قد أستطاع تأمين موعد فمن الحكمة أن تحافظي عليه".
منتديات ليلاس
فقذفت الرجل بنظرة نارية وهي توقع منه دعما حارا لكلمات عمتها لكنه بقي صامتا , كان من الأسهل جدا لو أنه حاول أقناعها بالقبول كي ترخي العنان لثورتها....
وغمغمت صاغرة وبلا لياقة:

" يبدو أنه ليس لدي خيار".

ولدهشتها , لم يسارع الى أستغلال خضوعها بغرور الذكر النموذجي , بل زودها بأسم وعنوان الكاراج , وقالت بلانش وهي تعيد كوبها الى الصينية:
" أن كنت ستذهب غدا الى البلدة فأظن أنني سأذهب أيضا , فمنذ أسابيع لم أحصل على حمام ساخن وتدليك , من الأفضل أن أخابر الآن لأخذ موعد, وماذا عنك يا تيش؟ أن ينابيعنا المعدنية ممتازة والحمامات الساخنة تحرك الدور الدموية بشكل مذهل , هل آخذ لك موعدا أيضا؟".
فهزت رأسها برفض مهذب وقالت:
" في وقت آخر".

فأقترحت عمتها وهي تتجه بخفة الى الأستديو حيث الهاتف:
" لماذا لا تأتين لرورك بكوب من الشاي المثلج لبينما أخابرهم".
فلبت الطلب برغبة تامة كي تهرب من ألق عينيه البنيتين ومن حضوره الذي كان يخترق الغرفة بواقع جسدي تقريبا
لكن وقع خطاه المتمهلة وراءها دلت على هزيمتها , فأحسته , أكثر مما رأته , يقف على باب المطبخ, وبنيته الفارعة تملأ الأطار ... كان المطبخ غريبا عليها تماما , وفتحت ثلاث خزائن من دون أن تهتدي الى مكان الأكواب.


" سأجلب الكوب بنفسي".
تكلم رورك من ورائها وسار رأسا الى الخزانة الصحيحة.
" أنك تعرف هذا البيت جيدا , أليس كذلك؟".
سخرت منه تيشا وأخذت تراقبه وهو يخرج بلا تردد أبريق الشاي من البراد ومكعبات الثلج من قسم التجليد.
فقال وبصره يتزحلق عليها بسخرية أنما يبدو كأنه يلمسها:
" أعرفه بدرجة جيدة".

فسألته وهي تتعمد تثليج صوتها بأقصى درجة من الأحتقار:
" أتأتي هنا كثيرا؟".
" ماذا تريدين أن تعرفي بالضبط؟ هل كنت وعمتك......؟".
فاجأها بصراحته ولأن الفكرة لم تخطر لها أبدا , وأردف يقول:
" أن بلانش أمرأة جذابة ودافئة ".

فهتفت والغضب المرتعب يعمق لون عينيها ويوسعهما:
" أنها تكبرك بعشر سنوات على الأقل!".
" بالنسبة الى رأيك في نوعيتي كرجل فلا يجب أن تستغربي الأمر ".
" أنه لا يدهشني بل يقرفني!".
منتديات ليلاس
فقال ورأسه الأشقر ينحني ببادرة متفهمة أمام وقفتها المتصلبة :
" علمت من بلانش أنك تربيت بطريقة صارمة جدا , وبالتالي يخيل الي أن وجهة نظرك متزمتة جدا بالنسبة الى العلاقة الذكرية الأنثوية".
" لا يحق لها أن تتكلم وأياك عني".

لكن نظرته المتسلية اليها جعلتها تشعر أنها مراهقة بلا تجارب فأردفت تقول:
" أنا لست جاهلة تماما لما يختص بالعلاقات البشرية ".
فأختلج جانب فمه بأبتسامة مرتابة وسألها:
" وهل لديك معرفة أولية عن الموضوع؟".

اماريج 04-09-10 08:24 PM


" هذا من شؤوني الخاصة جدا , فالمرأة بخلاف الرجل , لا تدور هنا وهناك تتبجح بتجاربها!".
فتألقت عيناه بوميض شيطاني حين أخذ يتفحص قوامها المتوثب بوقاحة وتمهل
ثم غمغم وعيناه تعودان الى وجهها المتورد بشدة:

" هذا غريب , فأنت تبدين كأمرأة خبرت الحياة , ربما يتوجب علي أن أعيد تقييم رأيي فيك".

فقالت بعنف:
" لا تزعج نفسك!".
" لن أنزعج, كنت دائما أحب التحديات".
" صحيح؟ ما رأيك أذن بهذا التحدي , أنني أحتقرك!".
" هذا جيد كبداية, أنما لو قلت أنك تكرهينني لكان التحدي أكثر تشويقا".
" أكرهك أيضا , ويمكنك أن تحتفظ بأهتمامك لأمرأة تقدره , كبلانش مثلا".
منتديات ليلاس
فقال هازا كتفيه بقناعة تامة:
" أنا وبلانش صديقان ليس الا".
فغمغمت تيشا ساخرة :
" أحقا؟ لم تعطني هذا الأنطباع قبل لحظة خلت".
" لقد أخبرتك فقط ما كنت تريدين سماعه".

كان ينظر اليها بطريقة جعلت ضغطها الدموي يرتفع, فتجاهلت عمدا رنة الصدق في صوته أذ كانت تفيض بغضب خائب من الطريقة التي تعمد خداعها بها ... فقالت وهي تجر الكلمات من بين أسنانها المطبقة:
"فهمت , ومن خلال صداقتكما...".
توقفت حتى يستوعب التشديد الساخر على كلمتها الأخيرة , وأردفت:
" أكتسبت معرفتك الحميمة بداخلية بيتها".

فقال وهو يبتسم الآن أبتسامة صادقة :
"الحقيقة هي أكثر معقولية من ذلك بكثير , فأنا صممت هذا البيت ".
فأحست تيشا كأنها قد علقت على رمح فولاذي بارد , سألته:
" ماذا تعني؟".
" أنا مهندس معماري ولم أرسم التخطيط فحسب بل وأشرفت على بناء البيت".

فردت مضطرب :
" لم أعلم ذلك".
" لم تسألي أنما أفترضت أشياء ... أظن أنك فضلت الأعتقاد بأسوأ سبب ممكن لمعرفتي بالبيت لأن ذلك كان أكثر أنسجاما مع رأيك فيّ".
فأتهمته تيشا قائلة وقد عاد غضبها يتدفق الى الواجهة :
" لم تقصد ألا أن تجعلني أضحوكة في نظرك".

" هناك تعبير مستهلك يناسب الظرف, ويناسبك بصورة خاصة , أنت جميلة جدا في حالات الغضب , وأحسب أنني لم أستطع مقاومة أشعال الثقاب الذي يلهب فيك نار الغضب".
ظهرت بلانش في مدخل المطبخ قبل أن تتمكن تيشا الفائرة من التفكير في جواب باتر مناسب...
سألت وهي تنقل بصرها بين الشماتة اللامبالية على وجه رورك ماديسون وبين تيشا المكتوية بالغضب:

" عما تتحدثان؟ هل هي حرب خاصة أم يمكنني الأشتراك فيها؟".
منتديات ليلاس
فأجابها رورك:
" كنا نتحدث عن كل القلوب المحطمة التي خلفتها الآنسة كالدويل وراءها".
تصريحه الهادىء جعل تيشا تعيش في حيرة , فهما ما تحدثا أطلاقا عن النواحي الرومانسية في حياتها
... فوجدت نفسها تقول وقد حيرها مجرد تلميحه الى شيء كهذا:
" لم أترك أية قلوب محطمة".

فذكرتها بلانش قائلة:
" لا أظن أن كيفن كان بالغ الفرح لرحيلك؟".
"كيف أستطعت أن تتخلصي من خطيبك؟".
سألها رورك والبريق الساخر في عينيه الداكنتين يضحك من نظرتها المنذهلة حين جعلها تعلم الى أي مدى كان هو وعمتها يتحدثان عنها.
فأجابته تيشا بفظاظة:
" شرحت له ببساطة أنني لست من النوع الذي يحبذ الزواج , وحتى لو كنت كذلك فلن أختاره هو".

اماريج 04-09-10 08:26 PM

لكن الحقيقة أنها أكثرت من الأعتذار الى كيفن عندما رأته آخر مرة , فعلى الرغم من تصريحاتها القاسية أمام أبيها
حاولت جهدها أن تكون حازمة ولطيفة مع كيفن.

فقالت عمتها بضحكتها المعهودة:
" لم تكوني لبقة كما يجب لكنه فهم قصدك على ما أظن".

وقال رورك متجاهلا ذكرها لكيفن ومتابعا تصريحها الأول:
" أذن قررت أن الزواج لا يناسبك؟".
فغمغمت بعذوبة متناهية:
" يخيل الي أن وجهة النظر هذه هي القاسم المشترك الوحيد بيني وبينك , أم تراني مخطئة في الأفتراض بأنك عازب خالد؟".

فطمأنها والضحك يكمن في صوته:
" نعم أنا رجل عازب , لكنني لا أستطيع الأعتراف تماما بأنني سأبقى عازبا ".
توهجت عينا بلانش وهي تنظر من أحدهما الى الآخر , وقالت:
" هذا الحديث سيكون ممتعا على ما يبدو... لنعد الى غرفة الأستقبال حيث أستطيع الأسترخاء والأستمتاع بالألعاب النارية".
منتديات ليلاس
فأستدارت تيشا على عقبيها لتخرج من المطبخ ومنه الى غرفتها وهي لا ترغب في متابعة الحديث مع رورك ماديسون المتغطرس كالطاووس
الا أنها لم تحسب حسابا لخطواته الواسعة التي أدركتها قبل أن تصل باب المطبخ, ولا لليد التي أعتقلت ذراعا ...
أحست لمسته تخر جلدها , وعزت ذلك الى العدائية التي يثيرها فيها.


وهمس في أذنها بصوت حريري مغمغم:
" هل أنت تنسحبين قبل بداية المعركة؟".
فقذفته بنظرة مزدرية ثم نفضت يده بعيدا وسارت بعزم الى غرفة الأستقبال ... أذن حسبها قد أستسلمت بلا قتال , أليس كذلك؟
كانت على وجهها نظرة أعتذار مصطنع حين واجهت تقاسيم وجهه المنحوتة
وقالت:

" كنت غبية حين وصفتك بالعازب الخالد , أذ لا يوجد في الحياة شيء كهذا".

فأستقر على مقعده السابق وسألها وعيناه تبرقان حتى العمق:
"وكيف توصلت الى هذا الأستنتاج؟".
" لأن ما من رجل لديه مناعة ضد سلطة المرأة أذا أختارت أن تستخدمها , أن الكتب مليئة بقصص رجال ونساء أمثال شمشون ودليلة , داوود وبلقيس, أستير والملك أحشورش... أن المرأة تخضع الرجل دائما .

تلاعبت أبتسامة شامتة على جانبي فمها وسألته وهي تحدق الى عينيه الساخرتين من كلماتها حتى العمق:
" ألا توافقني يا سيد ماديسون؟".
رفض الوقوع في مطب أي أعتراف فأجاب وعيناه تضيقان قليلا:
" أكملي, أرجوك , أن وجهة نظرك منورة للغاية".

" ما أقوله واضح بالطبع, فحين يعرض رجل الزواج فهو الذي يركع على ركبتيه وليس العكس".
كان صوتها كخرخرة قطة قريرة تلعب بفأر , ولاحظت النظرة المختلسة التي وجهتها بلانش الى رورك قبل أن تخفي أبتسامتها وراء كوب الشاي المثلج".
وأجابها رورك:
" ذلك الركوع هو بادرة أحترام , لكننا معشر الرجال , لا نحني رؤوسنا أبدا".

" أننا ندعكم تحتفظون بشيء من الكرامة , ولو كان كل مبتغانا الحصول على خضوع كامل , لأشترينا حيوانا أليفا".
" هذا كرم منك ... يدهشني كيف أستطعت أقناع نفسك بأنك تؤدين للرجل خدمة بزواجك منه , فبما الأرباح في الواقع هي من حصة الرجل" .

فسألته بصوت يقطر سخرية باردة:
" وكيف تفعل ذلك؟".
" مقابل ثمن الطعام والكساء والسكن وبعض المصروف , يحصل الرجل على مدبرة منزل , غسالة ثياب , طباخة , جلاية صحون , أم لأولاده , جليسة أطفال, ممرضة , قاضية حاجات منزلية وشريكة فراش , وأيضا تصبح الزوجة مخفضة ضرائب... هناك فوائد كثيرة من الزواج ".
منتديات ليلاس
" يا لل...".
بقبقت تيشا وقد عجزت عن صياغة هزيمتها بكلمات
فقال رورك مبتسما بطراوة:

" أنا أؤمن بالنظر الى الأشياء من زاوية منطقية واقعية... لا يمكنك الأنكار بأن هذه حقائق".
" أنت لا تطاق!".
هتفت ثائرة ونهضت ترمقه بغضب لاهب.

فهز كتفيه وعلق ضاحكا:
" أنت التي بدأت هذا البحث ... أن كنت لا تحبين الحرارة فأبتعدي عن النيران".
" بكل سرور".
أعلنت تيشا وغادرت الغرفة حانقة.

********نهاية الفصل الثاني*********

زهورحسين 04-09-10 09:23 PM

تـٍٍسلمين يالغالية
الرواية حلوة هواية
:flowers2::flowers2::flowers2:

QTERALNADA 05-09-10 04:12 AM

يعيطج العافية ننتظز التكملة

اماريج 05-09-10 08:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهورحسين (المشاركة 2435017)
تـٍٍسلمين يالغالية
الرواية حلوة هواية
:flowers2::flowers2::flowers2:

الله يسلمك يازهور نورت الرواية فيك حبيبتي
وشاكرة لك مرورك ياعسل
دمتي بود
:flowers2:

اماريج 05-09-10 08:18 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة QTERALNADA (المشاركة 2435323)
يعيطج العافية ننتظز التكملة

الله يعافيك يارب
وشاكرة لك مرورك وتواجدك فيها ياعسل
لك ودي
:flowers2:

اماريج 05-09-10 08:19 PM

3_هل تخافين مني؟
*******************
سألت تيشا بحدة وهي تزيح بصرها عن الطريق لتنظر الى بلانش بسرعة:
" ماذا تعرفين عن هذا الرجل رورك ماديسون؟ يخيّل اليّ أنه يظن نفسه قاتل نساء".
" أذن أنت مهتمة بجاري ... كنت بدأت أتساءل عن ذلك بعد الطريقة التي خرجت بها من الغرفة أمس وبعد أن رفضت ذكر أسمه في أي حديث ".

" لست مهتمة به من الناحية التي تقصدين لكن الذكاء يقضي بأن يعرف المرء كل ما يستطيع معرفته عن عدوه المحتمل".
فقالت عمتها موضحة:
" لقد كونت أنطباعا خاطئا عن رورك من كل النواحي , فهو ليس ذلك الفاسق المسيطر الذي تصورينه , وعذرا عن هذا التعبير العتيق , أنه ألطف وأرق جار عرفته في حياتي كما أنه مهندس موهوب جدا , وثقي أن هناك نساء كثيرات يتلهفن الى رفقته لما يتمتع به من وسامة وثراء نسبي , لكنني ما سألته أبدا عن حياته الخاصة ولا هو سألني عن خصوصياتي".

فأستفسرت تيشا غاضبة:
" وكيف تفسرين تصريحه المقرف بخصوص الزوجات؟".
" أنت التي حملته على قول ذلك كما تعلمين , وأظن أنه تقبل نعراتك المفترية على الجنس الآخر بروح طيبة ... كان هنالك مقدار معين من الحقيقة في كل من ملاحظاتكما".

" أنه لا يختلف عن سائر الرجال , يريد أبقاء المرأة في البيت وفي المطبخ".
قالت هذا وتنهدت بقرف وهي تنعطف بالسيارة الى الطريق العام
فوبختها بلانش بلطف:

"لا تحطي من قدر المرأة كزوجة وأم, فليس في الحياة ما هو أكثر تحديا وأسعادا من هذا الدور الذي تقنع به أعداد كبيرة من النساء ولا يرضين عنه بديلا".
منتديات ليلاس
فأعلنت تيشا وصوتها يحتد في دهشة:
" لا أقدر أن أصدق بأنك أنت, من بين كل النساء , تقولين كلاما كهذا!".
فسألتها عمتها بنصف ضحكة:
" ماذا تقصدين , من بين كل النساء؟".
" أعني أنك لم تتزوجي ومع ذلك نجحت في مهنتك في عصاميتك وحدها , أنك مثال لأي أمرأة متحررة".

فسألتها بلانش فجأة:
" أتعلمين لماذا لم أتزوج يا تيش؟".
فهزت الفتاة كتفيها وردت:
" ربما لأنك ما شعرت بحاجة الى الزواج أو برغبة فيه".

فواجهت بلانش نظرة تيشا الفضولية وقالت:
" لقد فكرت جديا بالزواج في مناسبتين لكنني كنت ذكية كفاية لأدرك بأنني أنسانة أنانية في أعماقي .... لم أشأ أن أتحمل المسؤولية الحقيقية للزوج وتربية الأولاد , وبشكل ما , لم أكن أنانية فحسب بل جبانة أيضا... أنا ما ندمت على عذوبيتي , ولو أعطيت الفرصة فلن أتنازل عنها , ولكن قرار الزواج هو وجهة نظرفردية يا تيشا وليس له علاقة بكون الشخص رجلا أو أمرأة".

فردت تيشا بصوت هادىء وجدي ويخلو تماما من التهكم والحدة السابقين:
" أتقصدين القول أنك الشواذ الذي يثبت القاعدة؟".
" بل أقول أن قلة من الناس تقدر أن توقف حياتها على مهنتها".
" ألا أستطيع أنا ذلك؟".
فزحف ضوء متوهج الى عيني بلانش وسألت تيشا بنعومة :
" هل تعيشين لترسمي؟ هل الفن هدفك الأخير؟".

هدفها الأخير ؟ أنها ليست متأكدة من هوية هدفها الأخير , كما تدرك أيضا أنها لا تملك موهبة عمتها الفريدة
وبدون هذه الموهبة لن تحصل على الأكتفاء الكامل الذي تنعم به بلانش , ولذا أجابت على سؤال عمتها بتردد أنما بصدق:

" الرسم هواية بالنسبة الي وأحاول من خلاله أن أكسب عيشي".

اماريج 05-09-10 08:20 PM


" وهي هواية تنسجم تماما مع الحياة الزوجية".
فقالت تيشا تتهمها وتلطف كلماتها بأبتسامة:
" الآن أنت تتحدثين كأبي أذ تحاولين أقناعي بالزواج من أجل مصلحتي".
" زواجك فقط من رجل تحبينه".
" أذا كان هناك مخلوق كهذا!".
وضحكت لتعزز تساؤلها وأردفت:
" سيكون الأمر رهيبا أذا كان جميع من سألتقيهم على شاكلة رورك ماديسون".

" لو كنت مكانك لما أستبعدت رورك كزوج صالح ... أنا متأكدة من أن أخفاقك في الوقوع عند قدميه قد أثار أهتمامه , وأنت من جهتك تهتمين به أيضا".
فجعدت الفتاة أنفها بعدم أستحسان وقالت:
" أنه يثير فيّ أسوأ المشاعر".
" ربما هي عملية دفاع داخلية لتمنعي نفسك من الأنجذاب اليه ".

فأجابت وشموخ أنفها المتحدي يبرز عنقها الطويل كعنق البجعة:
"لا أريد رجلا يفكر بأن يكون السيد والمولى على حياتي!".
" وأيضا لن تكوني سعيدة مع رجل ضعيف تسيطرين عليه .. لن يصعب عليك أحتمال بعض السيادة ما دامت اليد الحديدية مغلفة بقفاز مخملي".

فهزت رأسها بأستسلام:
" بلانش , أنت عنيدة كما أبي , هل تحاولين فعلا أن تزوجيني منه؟".
" أنه جاري ولا أريدك أن تعلني عليه الحرب , سيكون أكثر مدعاة للسلام أن تصادقتما".
فتنازلت تيشا بقولها:
" سأوافق على تسوية , فأعدك بألا أستفزه لمعركة".

فنظرت بلانش الى مجموعة من البنايات وقالت باسمة :
" هذه بداية على الأقل... الآن أنزليني عند هذه الزاوية فمركز الحمامات بات قريبا من هنا ".
بعد أن ترجلت عمتها عند الزاوية تابعت تيشا طريقها عبر المنطقة التجارية والى كاراج التصليحات ولما عبرت الممر
كانت أول سيارة رأتها السيارة البيضاء السبور التي تخص رورك ماديسون , فأطبقت شفتيها في خط متقلص وهي توقف سيارتها ثم سارت الى المكتب.

منتديات ليلاس
كان رورك يستند الى جدار جانبي فأستقام حالما رآها وغمغم:
" في الوقت المحدد تماما".
فسألته وقد نسيت كليا وعدها السابق لعمتها بأن لا تغيظه:
" ماذا تفعل هنا؟".
فأنّبها قائلا وفي عينيه تلك اللمحة من الضحك:
" الضرر لم يصب سيارتك فقط , ومن جملة أضراري أنكسار الضوء الأمامي , لقد أنتهوا الآن من أصلاح سيارتي".

" فهمت".
قالت بتجهم وهي تلوم نفسها على ظنها أنه ما جاء الكاراج الا ليراها... وهنا دخل رجل يرتدي مريولا ملطخا بالشحم فحولت أهتمامها اليه , ورحب به رورك قائلا:
" مرحبا ماك , هذه هي الآنسة كالدويل".

رمقها الرجل بأعجاب ثم نظر الى رورك وقال بعينين ملتمعتين:
" الآن فهمت لماذا أصطدمت بها ... لديك طرق غريبة في التعرف الى فتيات جديدات".
فتوردت وجنتاها بدفقة غضب لكنها كبحتها بسرعة وقالت للرجل:
" هاك مفاتيح سيارتي , أنها الموستانغ الزرقاء".
" ستكون جاهزة بعد ساعتين".

اماريج 05-09-10 08:24 PM

أجابها الرجل المدعو ماك وهو يتناول منها المفاتيح , وقد أخطأ تفسير التوهج الذي غزا عينيها الخضراوين حين نظرت الى رورك , ولما أستدار ليخرج سمعته يغمغم لرورك:
" أنت بارع حتما في أختيارهن , أنها أفضل من سابقتها وأصغر سنا".
وحالما خرج الرجل قالت لرورك بصوت كالفحيح:
" هل دائما تنشر أخبار غزواتك في كل الأوساط؟".

" وهل تصنفين نفسك كواحدة من غزواتي؟".
ورفع رأسه بسخرية في أتجاهها فتماوجت على جبينه خصلة شعر قد بيضتها الشمس ... وأجابته متحدية:
" يسرني القول أنني لم أحصل على قلة الشرف هذا!".
فبدت على وجهه أبتسامة ملاطفة وقال:
" هل كنت تفضلين أن أخبر الرجل بأننا لا نطيق بعضنا؟ ما كان ليصدقني ... وسواء ظن هذا أم ذاك , فأي فارق سيحصل؟".
فأقرت تيشا لنفسها بمنطقية كلامه , وأجابته:
" لم تعجبني الطريقة التي أوحى بها بأشياء معينة".

ولاحظت بروز الغمازة في ذقنه كلما حاول أخفاء أبتسامة ما ....
وأجابها متهكما:

" تزعمين بأنك أمرأة متحررة ألا أن مبادئك الخلقية تمت الى عصر قديم ".
فقالت بحلاوة سكرية مصطنعة :
" على الأقل , لا يمكن أتهامي بتعدد العلاقات فأنا لست مثلك , أقفز الى السرير مع كل رجل ألتقيه".

فغمغم متكاسلا:
" ولا أنا أفعل ذلك".
فرفعت حاجبيها الدقيقين بأرتياب وسألت:
" ألا تفعل؟".
كان في عينيه نوع من الأغراء وهما يتجولان على محياها فخفق قلبها لذلك الأغراء الشبيه بضغطة حقيقية
وتشدق رورك بنعومة وبأثارة مقصودة:

" لم أشاركك شيئا .... بعد".
" أوه!".
منتديات ليلاس
لبطت الأرض بغضب ثم أستدارت خارجة من الباب .
لكن تلك الخطوات الرشيقة المتفوقة لحقت بها في لحظات , وسألها ضاحكا ويده تقبض على ذراعها وتوقفها:
"ألى أين تذهبين؟".
" ألى أي مكان بعيد عنك!".
أجابت وقد ألقت رأسها الى الخلف لتنظر بكره ساخط الى وجهه الوسيم بخشونة.

فقال وقوة سحره الذكرية المتوثبة تتركز مباشرة عليها:
"آسف , كنت أشعل عود الثقاب مرة أخرى".
كانت أنفاسها تروح وتجيء بلا أتزان
وقالت وهي تحاول جذب ذراعها برشاقة من قبضته:

" أعتذارك مرفوض , والآن , أترك ذراعي!".

فقال ملاطفا ومتجاهلا محاولاتها للأنفلات:
" أعدك بأن لا أحتال عليك بالكلام بعد الآن".
" أنك تزعجني حتى بتنفسك!".
" حسنا , لن أموت في سبيل أثبات أسفي".
ثم أبتسم وأردف:
" أذن لنعقد هدنة ما دمنا على أرض محايدة".
" حقا؟ لم أكن أعلم أن أي أرض تحت قدميك يمكن أن تعتبر حيادية!".

وقذفته بنظرة ملتهبة قبل أن تشيح بوجهها عنه وتنقر بحذائها أيقاعا حربيا على الرصيف ... وسألها:
" كيف كنت تنوين قضاء الوقت في أنتظار السيارة؟".
فأعلنت تيشا وهي ترفض الأستسلام للهجة الأقناعية في صوته :
" لا أنوي حتما أن أقضيه معك! سأشغل نفسي ببعض الرسم , والآن هل لك أن تفلت ذراعي؟".

اماريج 05-09-10 08:25 PM

" صحيح, أنت رسامة مثل عمتك , أليس كذلك؟".
" أنا بالكاد مثل بلانش , هي فنانة أصيلة وأنا أرسم كهواية".
" كنت أحسب نفسي في حضرة عبقرية بارعة! أن مزاجك مزاج فنانة ".
" لا يمكنك أتهام عمتي بالمزاجية الفنية , أنك لن تلتقي أنسانة هادئة الطباع مثلها, ولذا لا تلصق بي هذا الطابع".

" لا بد أن بلانش كانت أستقلالية النزعة مثلك والا لما أستطاعت أن تنجح بمفردها , كذلك هي مثلك , أمرأة دافئة وحساسة , وهذا الجانب من الوحيدة التي تجعلنا نتأكد من حبنا لشيء ما".

فراحت تيشا تتأمل القوة الكامنة في خط حنكه , وعظمتي وجنتيه المنحوتتين وأنفه, الغمازة الخفيفة في ذقنه البارز , وتوقفت لحظة عند خط فمه ثم رفعت بصرها الى عينيه ... فقال:
" ما زلت عاجزة عن السماح لنفسك بالموافقة على آرائي , أليس كذلك؟ ".

قال بلطف لكنه لم ينتظر جوابها ومضى يشرح تاريخ المنطقة بقوله:
" كان الهنود الحمر يسمون هذا المكان بوادي الأبخرة , وهذه الأرض كانت قيّمة لدى جميع القبائل وحيث كانوا يقصدونها في سلام ليغسلوا مرضاهم وجرحاهم بمياه الينابيع ... لقد ذكرت سابقا أننا على أرض محايدة وأنا مستعد لأعلان هذنة مؤقتة أذا وافقت".

كان طلبا لتسوية لم تكن كذلك في الواقع , لكن تيشا ابتسمت بمرح وغمغمت قائلة:
" يا له من خيار! أذا لم أوافق على أن تقوم بمهمة الدليل فستفعل ذلك في أي حال".
" أنه يشبه خيار هوبسون الى حد ما , أما هذا الحصان أو لا حصان على الأطلاق , أليس كذلك؟".

ضحك رورك راضيا , ولأول مرة منذ ألتقيا أجابته بأبتسامة صادقة طروب أمتدت الى عينيها وقالت وهي تتنهد:
" أذن , ناولني غليون السلام , ( تقليد للهنود الحمر).
" بما أنني لا أملك واحدا , فهل نستعيض عنه بالمصافحة؟".

وضغطت يده الكبيرة والقوية على يدها فأحست دفقا من الدفء يسري في دمها ورافقها هذا الأحساس حتى بعد أن أفلت يدها , ثم أنتشرت على وجهه أبتسامة بطيئة آسرة كاد وهجها يعميها حين أستدارت اليه مستجيبة لضغط يده على ظهرها .... وأعلن رورك بصوت منخفض موسيقي أحسته يتماوج حولها:
" سنتمشى أولا على طريق المنتزه لننتقل الى جو التاريخ القديم ببداية أفضل".
منتديات ليلاس
كان قد قصر خطواته الواسعة الرياضية ليجاري خطاها وهما يعبران الطريق المعبدة في أتجاه الجبل المشجر والمرتفع في قلب المدينة.
" يجب أن تروي لي كل شيء عن هوت سبرينغز".
أمرته تيشا بتهكم لعوب , فشرع يقول بطاعة ساخرة:
" لما عرف جميع الهنود بأمر الينابيع صارت قصصهم حول قدراتها العلاجية تنتقل من قبيلة الى قبيلة , ويعتقد أن هذه الحكايا هي التي حدث بالمكتشف الأسباني يونس دي ليون الى أن يأتي باحثا عن ينبوع الشباب , لكنه لسوء الحظ لم يتوغل في أسفاره في داخل البلاد ليجده , ولذا فالرجل الأوروربي الأول الذي شاهد وادي الأبخرة كان الأسباني أيرناندو ديسوتو الباحث عن الذهب , وقد دله اليه بعض الهنود الودودين".

وهنا سدت طريقهما صخرة كبيرة فتوقفا وقال رورك:
" اللوحة المعدنية على هذه الصخرة المسامية تسجل تاريخ وصول ديسوتو الى هنا في العام 1541".
ثم قادها حول الصخرة الى الدرجات المؤدية صعودا الى جانب التل وحيث يوجد طريق قرميدي فسيح مظلل الأشجار ومنثور عليه مقاعد وطاولات.

وتابع رورك يقول:
" لكن في العام 1682 جاء المكتشف الفرنسي لاسال الى هنا وطلب بضم المنطقة الى فرنسا , وأذا كنت تذكرين تاريخك الأميركي , فالمنطقة كانت معطاة الى أسبانيا ثم أعيدت مجددا الى فرنسا طبقا لمعاهدة مدريد السرية ثم باعها نابليون الى الولايات المتحدة الأميركية كجزء من صفقة لويزيانا , أما الرئيس جفرسون الذي مهد للصفقة , فقد أرسل في العام التالي الى هنا اأثنين من العلماء ليعرفا أكثر عن هذه المياه الساخنة التي تتدفق من الجبل".


اماريج 05-09-10 08:32 PM


" قلت أن المكان كان يسمى بوادي الأبخرة فلماذا لا يوجد الآن أي بخار؟".
" ذلك لأن ينبوعين فقط من مجموع أربعة وسبعين ينبوعا تركا مفتوحين لأغراض سياحية , أما الباقي فقد تم تحويله الى مخزن مائي أرضي وحيث يتوزع أنابيب الى بيوت الحمامات المختلفة , أن مدينة هوت سبرينغز قائمة في وسط حديقة وطنية , وقد أقر مجلس الشيوخ في العام 1832أن تعزل المنطقة بكاملها ولكن هذا القرار عدل في ما بعد بحيث سمح بأن تنمو المدينة حولها".

قادها وهو يمسك بمرفقها على منحدر وقال:
"ينابيع العرض تبدو تحتنا".
وعلى هذه الناحية من الجبل , كانت بركتان صافيتان من المياه البخارية وسط صخور تشبه كثيرا الصخرة الكبيرة التي رأتها تيشا في بداية مشوارهما
كان مشهدا حراجيا مفعما بالسكينة والسلام , وصورة مصغرة عن الغابة الواقعة خلف صف الحمامات التجارية

غطست أصابعها ثم سحبتها بسرعة من مياه البركة الساخنة
فقال رورك باسما:

" معدل حرارة المياه25 درجة مئوية من مصبها في الجبل".
" وما الذي يجعلها ساخنة الى هذا الحد؟".
" هناك عدة نظريات حول ذلك أنما لم تثبت أي منها , أن كل المياه الحرارية الآتية من الينابيع الساخنة , فيها عنصر أشعاعي طبيعي ويعتقد أنه المسبب للسخونة".

" شيء ساحر أليس كذلك؟".
" يسرني أنك لست عنيدة الى حد عدم الأقرار بهذه الحقيقة".
علق رورك ناظرا في أعماق عينيها , فلاح على وجهها ظل كدر وسألته بسرعة محاولة تغيير الموضوع:
" هل لديك مزيد من المعلومات؟".

" تاريخ هوت سبرينغز يملأ كتابا وأنا أعطيتك رؤوس أقلام فقط... هنا كان المقر المؤقت للحكومة الرسمية في أثناء الحرب الأهلية وكانت المدينة تشكل نقطة النهاية لداياموند جو الأسطورية , ( أحد رجال المافيا), ولن أتحدث عن الجزء الذي يقول أت هذا الوادي كان المنتجع المفضل لرجل المافيا الخطير آل كابوني".
منتديات ليلاس
ثم مد لها يده وقال:
" تعالي , سنتمشى قليلا".
لم تفكر تيشا مرتين في تقبل يده ولا في تركها هناك حين عادا يصعدان الدرج ويعبران على الطريق الجبلي الهادىء , كان هناك سنجاب يقفز على الحاجز القرميدي قربهما , ويتوقف بين الحين والحين الى أن جلس القرفصاء وأخذ يلغو أمامهما
فقال رورك ضاحكا:

" أحسبه يتسول بعض الطعام , الحيوانات الصغيرة هنا أليفة تماما ".

" في المرة المقبلة سأتذكر أن آتيه بشيء يأكله".
تبعهما السنجاب لبضع ياردات أخرى ثم قرر أخيرا أنهما لن يتصدقا عليه بشيء , فركض عائدا على الطريق التي جاء منها
تابعا سيرهما ومرا برجلين كهلين يجلسان الى طاولة من الأسمنت وكانا مستغرقين في لعبة الداما
وسألها رورك مشيرا الى مقعد مستطيل في جانب الطريق وقريب من الجبل:

" هل تودين الجلوس قليلا؟".

فسارت معه تيشا وجلست على المقعد بتقبل صامت وهي تضع حقيبتها ودفتر الرسم على الطاولة أمام المقعد
أحست بقناعة متناهية , فحركة السير على الشارع خلفهما وتحتهما كانت تخفض ضجيجها أوراق الأشجار الحصبة التي كانت في بداية تحولها من لباسها الصيفي الى ردائها الخريفي... تأملتها تيشا بلا مبالاة كسولة فيما أقتطف رورك من خلفهما زهرة صفراء وطفق يبرمها بأصابعه
ثم أدار بصره الداكن الى وجه تيشا ليتأمله بشمول صامت وقال بعد ذلك مفكرا:

" أنني لأتساءل أذا كنت تودين الرجال؟".

اماريج 05-09-10 08:33 PM

فقطبت حاجبيها قليلا وهي تحاول متابعة أفكاره , فأبتسم بجانب فمه حين لحظ أرتباكها :
" أظن من الأفضل أن نكتشف ذلك".
غمغم رورك ومد أحدى يديه ليرفع ذقنها فيما قرب الزهرة بيده الثانية الى ما تحت ذقنها, فعكس بياض عنقها الصافي لون الزهرة العنبري المتألق , فقال:
" عظيم , لقد أظهر رد الفعل تجاوبا فائقا!".

ضحكت عيناها بتألق وبلا خجل حين ألتقت نظرتاهما وتذكرت تيشا هذه اللعبة التي كانت تمارسها وهي طفلة.
" وماذا عنك أنت؟".
مازحته بسهولة وهي تغطي يده بيدها لتحركهما بأتجاه ذقنه , فسمح لها بهذه الحركة ثم قلص ذراعه قبل أن تصل الزهرة الى ما تحت ذقنه , وقال باسما:
" هذه اللعبة لا تعطي نتيجة مع الرجال فوق سن الثلاثين وحيث شعر الذقن يبطل مفعولها".

فأحست تيشا فجأة بألتصاق وجهيهما تقريبا وبالطريقة المربكة التي كان يركز بها بصره على وجهها
شعرت بنوبة أختناق فصدتها عنه بسحب يدها من دفء كفه
وأعلنت بشموخ بعد أن أبتعدت عنه بمسافة آمنة:

" لا بأس , فأنا أصبحت على علم بأنجذابك الى النساء".

" وكيف تعلمين ذلك؟".
فهزت كتفيها وكأنها تقول أن معلوماتها سرية ولكنها رفضت أعطاءه جوابا لفظيا , وبدلا من ذلك رفعت قدمها على المقعد ولفت ذراعيها حول ركبتها لتتأمل المناظر الأقل أرباكا , ثم علقت قائلة:
" المكان هادى جدا , أليس كذلك؟".
" أنت ترغمين نفسك حتى على التظاهر بأنك تستمتعين برفقتي".

" أقدر أن أرغم نفسي على مجاملة أي شخص أذا كان الجو حولي يلهيني بما فيه الكفاية".
كانت قد أحست أكثر من اللازم بقربه... ولذا عادت الى كلماتها اللاسعة لتحمي نفسها من لحظات ضعف قد تلم بها مرة أخرى.
فسألها وقد لاحت على جبينه عبسة حائرة متسلية:
" لماذا ألتجأت الى لسانك اللاسع كالدبور؟ هل تخافين من أن تصبحي ناضجة؟".

سؤاله جعل عينيها تتسعان لكنها أجابته وهي تحاول الشموخ برأسها:
" يا للهراء! أنا الآن ناضجة!".
فقال متحديا اياها بعينيه الداكنتين:
" أثبتي ذلك ... تناولي معي العشاء مساء الجمعة".
فأجفلت قليلا وسألت:
" لماذا؟".
" أحزري....".
منتديات ليلاس
" أظن أنك أصبت في كبريائك المغرورة لأنك ما أستطعت أن تجعلني أرتمي بين ذراعيك بالسرعة واللهفة التين عرفتهما في النساء الأخريات , أنت تظن على الأرجح أنك ستتمكن من أغرائي في ضوء الشموع!".
" هذه الفكرة تلقي في نفسي صدى أستحسان".
" أذن لننسى ببساطة أنك دعوتني يا سيد ماديسون".

أعلنت تيشا وهي تميل الى الأمام بتصلب لتتناول حقيبتها ودفتر الرسم.
فقال بسكينة تثير السخط:
" خاطبيني رورك , فأن كنا سنخرج معا مساء الجمعة فيجب أن نتخاطب بأسمينا الأولين".
عيل صبرها فنظرت اليه عابسة وقالت:
" أما سمعت ما قلت؟ لن أذهب معك!".

" لما لا ؟ ألا تظنين أنك قادرة على تحاشي تقرباتي بعد كل مجاهراتك الحارة بأن النساء هن الجنس الأكثر تفوقا؟ أم تراك لا تؤمنين حقا بكل ذلك الهراء الذي كنت تطلقينه؟".
فهتفت غاضبة:
" بالطبع أؤمن به!".
" أذن لماذا تخافين الخروج معي الى هذا الحد؟".

" لست خائفة!".
" حسنا , سأمر عليك في السابعة مساء الجمعة".
نهض بتكاسل ورسم لها تحية ساخرة قبل أن يبتعد وظل فمها يتحرك في أنتظار أيجاد الأعتراضات المناسبة حتى بعد أبتعاده عن مرمى السمع.

****نهاية الفصل الثالث*****

اماريج 05-09-10 08:34 PM

4- وجهان في ضوء الشموع
***************************
أمضت ثلاثة أيام وهي تحاول العثور على مبررات وجيهة لتلغي موعدها مع رورك ماديسون , فمدت يدها ست مرات الى الهاتف لتخابره وكانت تتراجع في كل مرة لعلمها بأنه قادر على نقض أعذارها الواهية
كذلك لم يمكنها طلب أي مساعدة من بلانش لأعتقادها بأن تيشا قبلت الدعوة كمحاولة منها للتصالح مع جارها
بل أن عمتها فرحت بأذعانها هذا والى حد لم يترك لتيشا أي حل سوى أن تذهب معه.


وصل رورك في تمام السابعة ولكن تيشا تقصّدت ألا تكون مستعدة, ودخلت غرفة الجلوس بعد مرور نصف ساعة على وصوله وهي تعرف جيدا أن قفطانها الزيتي والأزرق المائل الى الخضرة
كان يعزز لون عينيها المتوهجتين بنور المعركة المقبلة , تسريحتها وحدها أستغرقتها ثلاثة أرباع السابعة
عقصت شعرها الطويل فوق رأسها كي يتوهج في الضوء الأصطناعي كتاج من الفرو, وقد أضافت هذه التسريحة سنوات الى عمرها وأضفت عليها مظهر أمرأة مجربة.


" بدأت اظن أنك سوف تلغين موعدي".
قال لها رورك ناهضا وهو يبدو كامل الأناقة في بدلة السهرة السوداء , ثم سار متمهلا الى حيث تقف ومطلا عليها بقامته الفارعة المهيبة , ومحتويا أياها بنظرة أعجاب وقحة....
فسألته بعذوبة :

" وما الذي دعاك الى ظن كهذا؟".

فلمس بأصبعه حجر اليشب الأخضر المتدلي من أذنها وأرسله بتأرجح
وهمس لها بصوت أجش:

" ربما ذلك العرق الصغير النابض في عنقك هو الذي أخبرني بأنك لست رابطة الجأش كما تبدين".
وقال بصوت أعلى ولصالح بلانش:
" تأخرنا, من الأفضل أن تمضي".

فأضطرت تيشا الى أخماد الغضب الذي قفز الى عينيها حين أستدارت الى عمتها لتتمنى لها ليلة طيبة وكان صعبا عليها جدا أن تبتعد عن يده القابضة على ذراعها
وقالت وهي تمس خد عمتها بشفتيها:

" لن نتأخر في العودة يا بلانش".
" أستمتعا بسهرتكمت معا".
ثم غمزت تيشا وهمست لها مداعبة:
" تذكري, عشرون دقيقة ثم أشعل ضوء المدخل!".
منتديات ليلاس
فعقبت تيشا وهي تنظر الى مرافقها بسرعة وتقول لعمتها :
" الليلة لن تكون هناك حاجة الى ذلك".
كانت تعلم أنه لن تكون هناك تحيات مسائية متلكئة خارج الباب
وسألها رورك بعد دقائق وهو يفتح لها باب السيارة:

" عما كنتما تتحدثان؟".
" أنها مزحة عائلية".

أجابته متحاشية لقاء عينيه اللامعتين وهي ترفع تنورتها الطويلة ليستطيع أغلاق الباب.
كان غروب الشمس الذهبي قد صبغ الأفق بلونالكريم والعنبر الداكن وتظاهرت تيشا بتأمله حين أخذ رورك مكانه خلف المقود...
وقال رافعا حاجبيه بتهكم:
"أنت لا تظنين أننا سنتلكأ في توديع بعضنا في نهاية السهرة؟".

وأردف حين أستدارت اليه مستغربة:
" لقد أخذت كفايتي من أضواء المدخل التي كان يشعلها آباء وأمهات نافذو الصبر".
" ماذا؟ أما كانت هناك بنادق مصوبة اليك؟".
" كلا, لا بنادق".

وبسرعة أدار محرك السيارة وأرجعها الى الوراء خارجا بها الى الممر :
" أرجو أن يحتفظوا لنا بالطاولة المحجوزة للعشاء".
فأجابها رورك وهو يخفي أبتسامة عمقت الخطوط حول أنفه وفمه:
"أخذت أحتياطي بتعيين الساعة الثامنة موعدا للعشاء , في حال تأخرت في أرتداء ثيابك".
" أرجح أنك أكثر أعتيادا على نوعية ثانية من النساء , أليس كذلك؟".

" لك أن تسميه قانون ماديسون".
كان واضحا أنه يهزأ بمحاولاتها في تحقيره , فأعلنت قائلة:
" الحق عليك, فأنت لم تجد من المناسب أن تعلمني بالمكان الذي سنذهب اليه , وكان من الصعب أن أختار الثوب المناسب وأنا لا أعلم هل سنذهب الى مكان صغير يبيع الهمبرغر أم الى مطعم ستيك فاخر".
" لقد تبين لك بوضوح أنني لست معدما كالصبيان الذين أعتدت الخروج معهم".
ثم زحلق بصره على لباسها الفخم وأردف:
" آمل ألا تصابي بصداع من كل ذلك الشعر المكوّم على رأسك".

اماريج 05-09-10 08:34 PM

فردت محتدة:
" الصداع لا يأتيني الا من الشخص المرافق لي , كما أن شعري لن يثقل رأسي ولن أتعثر بالتالي وأحرج موقفك أمام الناس".
" الفكرة ما خطرت لي أطلاقا , لكن حاذري من ألقاء طعامك في حضني بطريق الخطأ والا أضطررت لأسقاط طعامي على رأسك الجذاب".
منتديات ليلاس
كان في صوته نبرة فولاذية لم تلحظها تيشا من قبل , أرغمتها , أكثر مما أرغمها تحذيره , على الجلوس صامتة بقية الوقت .
أن رورك ماديسون لم يكن مستعدا فحسب لمبارزتها بالكلمات بل أيضا للرد على النار بالمثل, ومن دون أي مراعاة لأنوثتها.


وفي مرآب المطعم , قصدت تيشا أن تترجل من السيارة قبل أن يتمكن رورك من الوصول الى جهتها ليفتح لها الباب , وضاقت عيناه قليلا لما رآها واقفة ورأسها مرفوع بتحد!
فأن كان قد أصدر مرسوما يقضي بخلع القفازات فسوف تعامله بالمثل وحتى النهاية!


وأعلن هو قائلا:
" أفهم من هذا أنك لا تريدين الأطلاع على التصرفات الأجتماعية اللائقة التي يعامل بها الرجل المرأة , ليكن أذن ما تريدين".

وكان لحفيف تنورتها الطويلة رنة ملكية متعالية حين أستدارت ومشت مسرعة أمامه , أنما لسوء الحظ , تعذرت عليها السرعة بسبب كعب حذائها العالي فسرعان ما لحق بها وسار الى جانبها بخطوات متوازنة وهو يبتسم لتعبير وجهها الممتعض
ولما بلغا مدخل المطعم سبقها بخطوات وحيث فتح الباب وعبر منه , تاركا أياها تمد يدها بسرعة الى المقبض لكن الباب أنغلق في وجهها , وحين لحقت به الى داخل المطعم كانت وجنتاها متوردتين غضبا.


رمقها بعينيه البنيتين بنظرة خاطفة لكنها أستطاعت أن توصل رسالته الى تيشا وكأنما تقول:
" أنني أتصرف بناء على رغبتك , فتحملي النتائج ...".
وقبل أن تستطيع قذفه بجواب قاطع كان رئيس الخدم يقودهما الى طاولتهما .

وما كادا يجلسان حتى جاءت عاملة المطعم , فطلب رورك عصير بندورة وتجاهل تيشا تماما مما حمل العاملة على أن تسألها ما تريد فردت من بين أسنانها:
" عصير برتقال".

صوبت الى رورك نظرة كما السهم المسموم لكن قائمة الطعام أمام وجهه كانت كدرع حمته منها ....
ففتحت تيشا القائمة الخاصة بها بغضب أرجف يديها الى حد جعل الحروف تتراقص أمامها , أنفجرت حانقة فدفعت بالقائمة جانبا وقالت بصوت كالفحيح فيما نظر اليها رورك بحاجب مرتفع:

" هذا مستحيل! من الأفضل أن تأخذني الى البيت لأنني لست مستعدة لتقبل هذا!".
منتديات ليلاس
أزاحت مقعدها بعيدا عن الطاولة وهمت بالنهوض لكنه أمرها قائلا:
" أجلسي".
ثم كرر بنبرة أقوى:
" أجلسي والا أجلستك بالقوة!".

وأدركت تيشا أنه كان كريها الى حد لن يأنف فيه عن تنفيذ تهديده فجلست بتردد , وراحت ترقب بغضب مستعر الأبتسامة المتمهلة التي أنتشرت على وجهه الملوح ومن دون أن تصل عينيه البنيتين...
وغمغمت بوحشية:

" أنت تثير الأحتقار!".
" أن كنت لا تريدين التصرف كسيدة فليس في نيتي أن أكون رجلا مهذبا... الأمر يتوقف عليك, فأما أن نستمر في حرب الأهانات هذه أو نستمتع بالسهرة".

اماريج 05-09-10 08:35 PM

" سوف يستحيل علي الأستمتاع بحضورك المتسلط!".
" هل تنكرين أن هدنتنا في ذلك العصر أحدثت وقتها نتائج طيبة؟".
وصلت العاملة بالعصير مما أعطى تيشا فرصة للتفكير في جواب مناسب.... ضمت أصابعها حول ساق الكوب الزجاجي الدقيق وهي تتظاهر بتأمله ...
ثم حدجته بنظرة متحدية كانت متناقضة مع نبرة صوتها البادية الليونة حين أجابت:

" لا أنكر أن ذلك العصر كان ذا وجه مشرق, وأنت , كدليل سياحي , كنت وافر المعلومات ومثيرا للأهتمام , لكن عندما حاولت في وقت لاحق أن تغريني بسحرك , أكتشفت أستحالة الأستمرار في الهدنة".

" أن كنت قد شعرت هكذا فلماذا وافقت على الخروج معي هذه الليلة؟".
" أنا لم أوافق... أنت جعلتني أوافق بطريقة الأحتيال".
" أتقصدين أن مجرد رجل عادي أستطاع أن يحتال على أنثى ذكية مثلك ويجعلها تخرج معه؟".

فأحست بكفها حكة ترغّبها في صفع تلك النظرة البريئة الساخرة على وجهه.
وأكمل كلامه بفم ملتو:
" لقد ظننت أنك تحاولين أقناعي بأن الرجال عبارة عن عضل كثير وعقل صغير جدا .... ربما رأيك يحتاج الى بعض التعديل".
" ما قصدت أبدا أن ألمح الى أن الرجال ليسوا منفذين بارعين لمآربهم ".

فضحك وقال:
" لديك مجموعة مفردات واسعة وتقدرين دائما أن تختاري الكلمة المناسبة التي تحوّل المديح الى تحقير".
وهذه المرة , كانت هي التي قوست حاجبيها الدقيقين بسخرية في أتجاهه.

فسألها وهو يلتقط قائمة الطعام مجددا:
"هل نطلب الطعام؟ قد تحبين شيش الكباب المشوي على اللهب الذي ينسجم مع طبعك".
" وأنت , ماذا ستطلب؟ سمك ذئب البحر ؟ أنهم لا يذكرون أذا كان له فم كبير أم صغير".
" في الواقع, أظن أنني سأطلب شيش الكباب , فهو يناسب ذوقي".

كان الطعام كارثة , وأضطرت تيشا في النهاية أن تطلب شريحة لحم مشوية لم تستطب مذاقها على الرغم من طراوتها وعصيرها , ولو أنها كانت تمضغ قطعة من الجلد لما وعت الفارق بينهما
ففكرة واحدة كانت تسيطر عليها , هي أن تنهي العشاء وتعود الى بيت عمتها , أعتذرت عن شرب القهوة في ما بعد ثم أضطرت لأن تجلس ساكنة حتى يشرب رورك قهوته.


ولما أعاد أخيرا فنجانه الى الصحن سألته بصبر نافذ:
" هل نذهب الآن؟".
" أظن ذلك".
وأشار الى النادل بأن يأتيه بالفاتورة.
كانت هناك دقائق أخرى من الأنتظار , مشت تيشا مسرعة في أتجاه الباب الخارجي وكلها لهفة الى مغادرة المكان
لكن أصابع رورك أطبقت على لحم ذراعها اللدن مخففة من سرعتها
وقال لها:

" هناك مرقص صغير في الطابق الأول وقد خطر لي أن نقضي فيه ساعة أو أثنتين".
منتديات ليلاس
فتصلبت لدى سماعها كلماته وقالت وهي ترفع اليه بصرا متوقدا:
"وأذا رفضت وألحيت عليك بأعادتي الى البيت؟".
فرمقها بثقة مغرورة وأجاب:
" لكنك لن تلحي , أليس كذلك؟ لن تحرميني من رفقتك المفعمة بالحيوية أو بالأحرى رفقتك الجذلى؟".

" كان يجب أن تقول رفقتي المغتصبة".
غير أنها لم تقاوم حين قادها بعيدا عن الباب وهبط معها الى الردهة ومن ثم الى غرفة خافتة الأضواء كانت مكتظة بأزواج من الرواد مجتمعين حول طاولات صغيرة
ومضاءة بشموع عنبرية متراقصة, وجدت تيشا صعوبة في التكيف البصري مع ظلمة الغرفة النسبية
مما أضطرها للأعتماد على رورك الذي قادها الى طاولة صغيرة مستديرة , كانت هناك فرقة جاز تعزف مقطوعات غنائية هادئة.


وسألها رورك بعد أن طلب شرابا:
" هل نرقص؟".
أعصابها باتت على وشك الأنفجار لكثرة ما كتمت من غليان
فأهدته نظرة كره ساخط وقالت:

" ما جئنا هنا الا من أجل الرقص , أليس كذلك؟".

اماريج 05-09-10 08:36 PM

فغمغم وهما ينهضان معا ويعبران المسافة القصيرة الى الحلبة:
" لديّ شعور بأنك سوف تدوسين على أصابعي كلها".

فلم تفهمه تيشا أن لا خوف عليه من هذه الناحية أذ ليس في نيتها أطلاقا أن تقترب منه الى ذلك الحد ...
أطبق على يدها بيده التي أحستها شديدة الدفء بالنسبة الى برودة أصابعها الثلجية , أما يدها الأخرى فكانت تشد كتفه بعيدا أكثر مما ترتكز عليها
فيما أحاط خصرها بذراعه الثانية بحزم , وراح يقود خطاها لتجاري خطاه , لكنها أبقت بصرها بعيدا عن رقعة وجهه.


ألصق ذراعه بظهرها وقال بلطف:
" أسترخي يا تيشا".
ثم شدد قبضته على يدها وجذبها اليه بقوة حتى أصبحت ملتصقة بصدره الصلب , وذراعه تمنع مقاومتها بضمة حديدية , ولحسن حظها توقفت الموسيقى في تلك اللحظة فأضطر رورك لأفلاتها.
عادا الى طاولتهما وبدا عزوفا عن متابعة الحديث أذ أسترخى على مقعده ليتفحص الفتاة بتأمل هادىء....

رشفت الشراب على سبيل التذوق ثم أعادت الكوب الى مكانه غير راغبة في أكماله , كانت الفرقة الصغيرة تعزف لحنا ايقاعيا صاخبا فحاولت الأصغاء اليه بأستمتاع , لكن صمت رفيقها المطبق أزعجها كثيرا وحال دون أستمتاعها.
منتديات ليلاس
" لا أحسبك سترغب في مراقصتي ثانية , فلماذا لا ننصرف؟".
" بل يجب أن نبقى".
عيل صبرها فسألته غاضبة ومتنهدة في آن واحد:
" لماذا؟ أننا بالتأكيد لن نمضي الوقت جالسين الى هذه الطاولة نحدّق الى بعضنا بعضا؟".

عادت الفرقة تعزف أغنية هادئة , فأذا برورك يقف الى جانبها وينهضها من مقعدها , ثم أحاط خصرها بذراعه وأبقاها الى جانبه حتى وصلا حلبة الرقص....
وفجأة أدارها صوبه وأحتواها بين ذراعيه قبل أن تتحقق مما يجري , ثم أكتشفت أنه قد شبك يديه حول خصرها.


" لا أحب الرقص بهذه الطريقة".
" لم لا؟".
فتمتم بتهكم :
" لا تشعري بالحرج فلا أحد يراقبنا ".
" لا يهمني ذلك!".
وأزاحت رأسها الى الخلف لتواجه بريق غضبها الى وجهه المنحوت القسمات.
فركز عينيه الكسولتين شبه المغمضتين ... وأستفزها بقوله:
" هل تخافين من عناق غير متوقع؟".

ولمس شفتيها بدفء وأختصار ثم عاد ينظر اليها ليراقب تسلل الدم القاني الى وجنتيها.
فسألته وقد أستغربت ما أعترى أنفاسها من ... عدم أتزان:
" أهذا أفضل شيء أستطعت فعله؟".
فأطلق بصره المتألق مرحا بأتجاه الراقصين حولهما وأجاب بنعومة :
" يجب مراعاة الظروف".
منتديات ليلاس
فقالت مستفزة:
" ما كنت أعلم أن التحفظ هو أحد فضائلك"
. فرد وعيناه تضحكان منها مجدد
: " وأنا ما علمت بأنك ترين فيّ أية فضائل!".

وحالما أنتهت الأغنية , أنتزعت تيشا نفسها من بين ذراعيه اللتين لم تبديا أية مقاومة , وما أن عادت بسرعة وأستقرت على مقعدها حتى لحق بها رورك الى الطاولة
وبدل أن يجلس بدوره , وقف قربها ولمس كتفها
ثم أبتسم حين أبتعدت عنه منكمشة ... وقال لها هازئا:

" حسبتك تودين الذهاب".

اماريج 05-09-10 08:37 PM

فقذفته بنموذج جديد من نظراتها الثائرة وهي تنهض واقفة
أطبقت فمها على تعليق حاد كان يتأرجح على لسانها أذ خشيت من رد فعل قد يجعله يغير رأيه.

كان القمر كقطعة نقد كبيرة فضية وسط السماء المخملية المرصعة بنجوم متألقة تغمز لها وهي تحدق اليها عبر نافذة السيارة , وقد صممت على تجاهل الرجل الجالس خلف المقود ... أحست بقايا أختلاج في جلدها وكان أحساسا مثيرا للقلق.

وسألها رورك:
" هل ستعاقبينني الآن بالصمت؟ من الصعب التصديق أن جعبتك فرغت من عبارات التحقير".
" لا تثقّل علي بسخريتك , أنني متعبة ولا أبتغي الا العودة الى بيتي".منتديات ليلاس
" كانت سهرة ممتعة".
" ومتميزة بغيوم الملل!".

أنطلقت منه ضحكة خافتة وقال:
" خلت لدقيقة من الزمن أنك ألقيت سلاحك".
" أستبدل هذه الخاطرة بأخرى!".
فتمتم بلطف:
" سوف تحاربينني حتى آخر نفس , أليس كذلك؟".
أنحجب ضوء القمر بسبب أشجار الصنوبر العالية على جانبي الطريق الريفية السائرين عليها فلاحقت ببصرها ضوء السيارة الأمامي في أنتظار وصولهما الى المنعطف المؤدي الى بيت بلانش.

وعاد رورك يضحك بخفوت وقال:
" هناك أغنية تقول , عندما يلتقي شيء لا يقاوم بشيء لا يتزحزح فلا بد من حصول نتيجة ما".
" وأخالك تصنف نفسك كشيء لا يقاوم ... ليكن في علمك يا سيد ماديسون أن نوعيتك القوية المسيطرة تثير فيّ الغثيان".

" أخبرتني بلانش أن أباك رجل مستقل الرأي ومسيطر , هل هذا صحيح؟".
فأجابت وهي تقذفه بنظرة مستعرة:
" نعم , وأنا أشبهه من هذه الناحية ولا أتأثر بمظاهر السحر واللمعان ".
فرد لها رورك الصاع بقوله:
" سمعت من بعض العالمين أن الفتيات يملن الى الزواج من رجال يشبهون آباءهن".

فهاجمتها رجفة تخوف قلّصت عضلاتها ... لقد سمعت بهذه النظرية من زمن بعيد , وناصرتها كطفلة وكمراهقة لأعتقادها آنذاك بأنه ليس هناك ما هو أروع من أن تتزوج رجلا كامل الرجولة وفائق القوة كوالدها
وبالطبع تخلت عن تأييدها ذاك بعد أن أضطرت للعيش تحت سلطته الطاغية في السنوات القليلة الماضية.


وقالت تؤكد عبارة رورك الى حد ما:
" قد يكون ذلك صحيحا في بعض الحالات لكنه لا ينطبق على وضعي".
" لماذا؟".
" لأن الرجل الذي سأتزوجه يوما , يجب أن يحترمني كفرد وليس كزوجة ملوكة , فيصدر الي الأوامر ويملي علي أرادته كما لو كنت خالية من أي أحساس خاص بي , لن يكون شرطي الوحيد أن يحبني , بل أن يثق بي أيضا , وأن لا ... أن لا...".
منتديات ليلاس
ولوحت بيدها في الهواء بحثا عن الكلمة المناسبة لتستكمل بها مطلبها .
" وأن لا يضيء نور المدخل".
هزت رأسها موافقة بحماسة وقالت وهي تعيد يدها الى حضنها :
" نعم , بمعنى أنه لا يجب أن يشعر بالحاجة الى مراقبة تحركاتي وتصرفاتي ".
" وهل كان والدك يعامل أمك بهذه الطريقة؟".

جلست تيشا بلا حراك ... وتذكرت أن كل المجادلات التي قامت بين أبويها , لم تكن أي منها منبثقة عن الغيرة أو عدم الثقة في ما بينهما
لقد كان حبهما لبعضهما قويا جدا ويعبران عنه بطرق عديدة
ولذا أجابت سؤال رورك بهدوء:

" كلا , ما شك أبي في تصرفاتها أبدا".
" أذن لا بد أنها كانت أمرأة خانعة جدا".

اماريج 05-09-10 08:37 PM

فضحكت تيشا لشدة أستغرابها وقالت:
" أمي تخضع؟ كانت عنيدة كأبي تماما , لقد تشاحنا كثيرا ولكن من دون أي حقد أو مرارة على الأطلاق , وعندما يصلان قمة جدال لاهب , كان ينفجر أحدهما ضاحكا فيتبخر الخلاف وكأنه لم يكن , أنني أعتبر زواجهما فريدا من نوعه وبنسبة واحد من بين مليون زيجة".

حديثهما هذا عن الماضي أكتسب ودا وجدية متبادلين فتابع رورك الحوار وسألها:
" متى فقدت والدتك؟".
" عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري".
" لا بد أن والدك صدم كثيرا بوفاتها".
منتديات ليلاس
فأعترفت تيشا قائلة:
" أجل , أستمر لمدة طويلة يحوم في أرجاء البيت كروح تائهة ... كنت وأبي متلاصقين جدا في السنوات الأولى التي تلت وفاة أمي , لكن في خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة..."
وهنا أرتجفت أذ تذكرت بعضا من مشاحناتهما الأكثر حدة وصراخا فأردفت :

" صار العيش معه شبه مستحيل".

فعلق رورك:
" أبنة البابا الصغيرة كبرت وما عادت بالنسبة اليه طفلة بل صارت مع الوقت صبية جميلة جدا ... ولكونه ذاق في شبابه الكثير من ثمار المغامرات العاطفية , فهو يعرف مدى السهولة التي تمكّن الرجل من أستغلال فتاة جذابة على غرارك , ولا ريب أن هذا هو سبب رغبته في تزويجك وكي ينأى بك عن طريق الوقوع في الخطيئة".

مديحه هذا وتصريحه الأيحائي اللاحق , أنتزعاها بعنف من أستغراقها الحالم في ثنايا الماضي...
وحين رحب بها ضوء ينبعث من نافذة في بيت عمتها وعت وصولهما وعندما توقفت السيارة على الممر , لامت نفسها بشدة لكونها نسيت تحفظها ولو لدقيقة واحدة
فهي لم تكن ترغب في أن يعرف رورك أي شيء عن حياتها الماضية... ولكي تستعيد بعصا من التوازن التصرفي
صرحت وهي تضع يدها على مقبض الباب أيذانا بفتحه:

" تأكد أن والدي ما كان ليسمح لي أبدا بالخروج مع ذئب مثلك".

فبادر حركتها بحركة أكثر سرعة وحزما أذ أطبق بأصابعه على رسغها قبل أن تتمكن من فتح الباب وقال:
" لن تذهبي بهذه السرعة!".
كان وجهه قريبا جدا من وجهها فتراجعت حتى ألتصقت بظهر المقعد وأردف رورك موضحا:
" أن أي ذئب يحترم نفسه لا يدع أمرأة رائعة مثلك تفلت منه بدون أن يقبلها مودعا".

فأحست كما لو أن طبولا تضج في أذنيها وأدركت أخيرا أن دمها هو الذي يفور ويدق بهذا العنف...
جفّ حلقها بشكل غير عادي وبرغم ذلك كله هتفت به محتدة:

" كان يجب أن أدرك من البداية أنك واحد من هؤلاء الذكور المقرفين الذين يتوقعون ثمنا معينا لقاء دعواتهم هذه".
فقال موافقا أياها بسلاسة:
" هذا صحيح".
منتديات ليلاس
ثم أعتقل ذقنها بيده ورفعه وأثبتت قناعة تيشا بأنه قد عرف العديد من النساء , فأطلقت نفسا راجفا وهي ترخي الأنضباط الذي أبقاها جامدة .
وسألته:
" والآن , هل تسمح لي بالذهاب؟".

كان صوتها مليئا بأحتقار جليدي وأدهشتها قدرتها على جعله هكذا بالرغم من أحاسيسها المغايرة.
حدقت الى وجهه القريب فرأت فمه يفتر عن أبتسامة عريضة... وكجواب على سؤالها مد يده الى المقبض وفتح لها الباب
فأشتعل الضوء الداخلي أوتوماتيكيا ملمعا خصلات شعره الذهبية , في حين أتسلت من مقعدها ثم أغلقت الباب خلفها بسرعة.


******نهاية الفصل الرابع******


زهورحسين 05-09-10 11:24 PM

الف مرة شكرآ00
بانتظار التكملة ياعسل000
Thank alots:liilas::liilas::liilas:

asmaa_amr 06-09-10 09:01 PM

جميلة كتير ماتتاخرى علينا

اماريج 06-09-10 09:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهورحسين (المشاركة 2435972)
الف مرة شكرآ00
بانتظار التكملة ياعسل000
Thank alots:liilas::liilas::liilas:

العفوووووو ياعسولة ويااحلى زهور
تكرم عينيك الحلوة يالغلا
لك كل الود

اماريج 06-09-10 09:44 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asmaa_amr (المشاركة 2436450)
جميلة كتير ماتتاخرى علينا


الاجمل مرورك وتعليقك
ولايهمك بظرف يومين ان شاءالله بخلصها تكرم عينيك
لك كل الود

اماريج 06-09-10 09:46 PM

5- وجهه في الذاكرة!
********************
نقلت تيشا فرشاتها الى يدها الأخرى وثنت أصابعها المتقلصة لطول ما قبضت عليها , تفحصت الرسم غير المكتمل وتهدلت كتفاها أسى وخيبة...
الحظ يهرب اليوم منها , فأي شيء تفعله لا يتكلل بالنجاح الذي تريده له.


أطلقت تنهيدة ثقيلة أسترعت أنتباه بلانش التي كانت ترسم بدورها
فسألتها:

" أتواجهين صعوبات معينة؟".
" أجل , أنعدام الموهبة!".

فوضعت بلانش فرشاتها جانبا ومسحت يديها بقطعة قماش وسارت الى جهة الأستديو الثانية المخصصة لأبنة أخيها
أخرجت سيكارة من جيب ردائها الواقي وأشعلتها ثم ألقت يدها على كتف تيشا وسألتها:

" أين المشكلة؟".
منتديات ليلاس
فتطلعت الفتاة اليها وأجابت وعلامة أستنكار تعلة وجهها:
" هذه الباقة كلها غلط في غلط وتبدو وكأنني ألصق البنفسج بخط مستقيم ... فعلت الشيء نفسه لما رسمت باقة النرجس , أي شيء أفعله اليوم أجدني عاجزة عن أتقانه ... أعلم أنني أرسم بطريقة مغلوطة أنما لا أقدر أن أصحح خطأي".

فقالت عمتها ترشدها:
" لا يمكنك أن تحصري أهتمامك بأخطائك وحدها والا أعتدت فقط على تعلم الأغلاط وأرتكابها , أكتشفي الأشياء الصحيحة التي تفعلينها لتتمكني من تكرارها".
فأختفى العبوس من وجه تيشا وقالت مبتسمة:
" بلانش! أنت جوهرة! لا أدري من أين تأتين بكل هذه الألىء الحكيمة!".

فأبتسمت بلانش بدورها وربتت على الخصلة البيضاء التي رافقت شعرها منذ الولادة وبدت الآن متناقضة مع الحاجب الأسود القريب منها , وأجابت:
" أنها تأتي من الفطرة السليمة ومن التجربة التي تخبرني الآن أنك متقلصة الأعصاب كوتر مشدود ... أن التوتر قد يبعث أحيانا على الأبداع لكنه بالنسبة الى وضعك الحاضر لا يزيدك الا خيبة وشعورا بالتقصير".
" وماذا تقترحين؟".

" أقترح أن نأخذ أجازة في ما تبقى من العصر".
ثم رفعت بصرها الى منور السقف وهبطت به الى النوافذ وقالت:
" الضوء خفت في أي حال".
فنظرت تيشا بدورها الى النوافذ ورأت عبر زجاجها تجمع الغيوم الرمادية يحجب شمس العصر الباكر.

تنهدت تيشا وهي تنظف فراشي الرسم , فكل جهودها ذهبت سدى وما أستطاعت أن تنتج نوعية رسم صالحة للمبيع...
وكل هذا الفشل بسبب الوجه الذي بقي يتراقص أمام عينيها , الوجه ذو الشعر البني الذهبي والعينين الداكنتين المخمليتين
كان من الأفضل بكثير لو أنها لم تخرج معه في الليلة الماضية ... كانت تفضل أن تعتبر نفسها جبانة لرفضها منازلته على أن تواجه الأكتشاف بأنه قادر على أثارتها.


" تيشا , تيشا, هل تسمعينني؟".
أجفلت حين وعت أن بلانش تكلمها وقالت:
" آسفة , كنت شاردة في أحد أحلام اليقظة , ماذا قلت؟".
فرددت عمتها وجبينها يتغضن بعبسة فضولية:
" سألتك أذا كنت ذهبت يوما الى فوهة بركان ألماس".

اماريج 06-09-10 09:47 PM

" كلا , فكرنا مرة أن نزورها في رحلة ترفيهية أنا وبعض الأصدقاء , لكننا لم نفعل , لماذا تسألين؟".
" خطر لي أن نذهب اليها هذا العصر بالسيارة".
" كي ننقب عن الماس؟".

وضحكت لنكتتها أذ ما قدرت أن تتخيل عمتها , الرسامة المبدعة, تنزل في حفرة وتحفر التراب!
" قد نفعل ذلك , لكنني قصدت أن نرسم نماذج لشخصيات حية , كسائق باص في أجازة مثلا".
" أنني أحبذ أي أقتراح كان".
وأضافت قائلة لنفسها :
" أي شيء كفيل بأبعاد أفكاري عن رورك ماديسون".
منتديات ليلاس
فقالت عمتها بلهجة ملطفة وقد أنتبهت لرنة يأس في صوت تيشا:
" كل واحد منا يواجه يوما سيئا بين حين وآخر , فلا تدعي ذلك يثبط عزيمتك".

ولم تقدر تيشا أن تصحح مفهوم عمتها للسبب الحقيقي لضيقها, فبلانش تحب رورك ولن تتفهم شعورها المشمئز من جراء تفكيرها الدائم فيه
كذلك لا تقدر تيشا أن تعبر عن أمتنانها لعمتها لأمتناعها عن طرح أي سؤال حول سهرة البارحة لأن تيشا لم تكن مستعدة للتحدث عنها.


وقالت لها بلانش بصوت مرتفع وهي تخرج من الأستديو بعدما وضبت أدوات الرسم:
" لا تلبسي ثيابا أنيقة , فقد تقررين القيام ببعض الحفريات".
أستبعدت تيشا هذه الفكرة لكنها أرتدت بنطلون جينز كالحا وقميصا زيتيا وعقدت شعرها الطويل الى الخلف بأيشارب ذي لون أصفر فاتح وتناولت من الخزانة جاكيتا قطنيا قديما حملته على ذراعها
ثم خرجت الى الحديقة تتجول فيها في أنتظار عمتها.


كان العصر قد أنتصف قبل أن تنعطف بلانش بسيارتها الى الطريق المرصوفة بالحصى والتي تحف بها من الجانبين أشجار متراصة من الصنوبر يهب عليها هواء خفيف وكأنه همسات تروح وتجيء بين أوراقها الأبرية
فيها شمس الصيف تظهر من خلال غيمة كبيرة وتنحدر مشعة لتلقي على الأرض أصابع ذهبية , كان السكون حولهما عميقا جدا وحتى خيل لتيشا تقريبا أنهما البشريان الوحيدان على الطريق الممتدة أميالا أمامهما
ولهذا فوجئت لدى وصولهما , بصفوف السيارات المحتشدة في المرآب.


وبعد دفع رسم الدخول الزهيد الى الحديقة العامة , سلكتا الدرب المؤدي الى تلك المساحة المحروثة من الأرض والمخصصة للتنقيب , وبخلاف الزوار الآخرين الحاملين أدوات حفر مختلفة كالمجارف والمغارف الصغيرة والأوعية المعدنية كانت هي وبلانش مسلحتين فقط بأقلام ودفاتر رسم
وعلى أمتداد الحقل القائم على جانبي التل رأت الناس موزعين , أما فرادى وأما أزواجا أو مجموعات عائلية ,وهم ينقبون بأجهاد عن الماس ويغربلون التراب البني الغامق.


فمنذ ملايين السنين حصلت أنفجارات بركانية قرب منطقة مغطاة بالمياه ,وقد أدى تبريد الماء المفاجىء للصخور المصهورة الى ضغط هائل , حمل بدوره الجزئيات الكربونية الى حبيبات ثمينة من الماس والبلور .
وهذا الزخم البركاني لموجودات الماس الطبيعية الوحيدة في القارة الأميركية الشمالية كانت تقف تيشا مباشرة وقد زودها ذلك بشعور نشوة وأعتزاز.

الأكتشاف الأول لوجود الماس في العام 1910 أثار هجمة كادت تعادل في دراستها هجمة كاليفورنيا على الذهب , لكن تيشا تذكرت أيضا الغموض الذي أكتنف ماضيه وحيث واجهت محاولات أستخراج الماس التجارية كثيرا من الخيبة والحرائق الغامضة وحتى جرائم القتل , والى أن أبتاعت ولاية أركنساس فوة بركان ألماس في ضواحي مدينة مرفريزبورو وحولتها الى منتزه عام.
منتديات ليلاس
أفترشت تيشا الأرض مسندة ظهرها الى جذع شجرة وركزت دفتر الرسم على ركبتيها , ألا أنها وجدت الركون مستحيلا في وسط جو جاذب كهذا فنهضت من مكانها وأتجهت الى الحفل حيث رأت رجلا كهلا شائب الشعر يقف حتى ردفيه في جورة حفرها بنفسه
كان يغربل التراب حبة حبة قبل أن يقذفه ويلحقه بكومة التراب المتزايدة بالقرب منه .

وخاطبته تيشا سائلة:
" هل حظيت بأي شيء؟".

فرفع بصره وعيناه الزرقاوان تتألقان فوق خديه المكتنزين الباسمتين , وأجابها وهو يقذف بعيدا كمية من التراب كان جمعها في وعاء , ويتناول من جيبه منديلا ليمسح جبينه المتعرق:
"كلا! ستكون العملية أسهل بالطبع لو أنني أعرف الشيء المنحوس الذي أبحث عنه!".
فضحكت تيشا وأجابت:
" تلك ستكون مشكلتي أيضا!".

اماريج 06-09-10 09:48 PM

فأستند الرجل الى مدار الحفرة ليستريح قليلا وقد بدا عليه الترحيب بأخذ أجازة قصيرة وبالتحدث معها , فقال:
" يقولون أنك أذا وجدت حجرا منه فلا يمكن أن تظنيه أي شيء آخر سوى أنه حجر ماسي , لكن المشكلة هي أن تتذكري أن هذه الأحجار لا تكون دائما بيضاء , فهناك كذلك ما هو أصفر وبني وزهري وأسمر, هذا أذا لم أذكر أيضا وجود أحجار ماسية سوداء , لكن ما داموا يسمحون لنا بالأحتفاظ بما نجد فلا يمكننا مقاومة هذا الأغراء , وقد يعثر شخص على حجر منه".
منتديات ليلاس
فردت باسمة :
" أظن أن ذلك يتوقف على صاحب الحظ , هل هو يجلس على كتفك أو لا يجلس؟".
فأومأ برأسه موافقا وقال:
" أذا أخذنا بعين الأعتبار أن معظم هؤلاء الناس هنا هم هواة , والأقلية لديها خبرة بسيطة في أقتفاء أثر الماس , فلا شك أن الحظ يلعب دورا مهما ,لكن دائما هناك شخص ما يجد حجرا".

" أرجو أن تكون اليوم ذلك الشخص".
فعاد يلتقط معوله وقال بلا أكتراث:
" الأثارة تكمن في البحث".
فتمنت له حظا سعيدا , وتابعت السير في الحقل ثم أبتسمت حين وجدت نفسها تتمعن في التراب وتتوقع رؤية ماسة بلورية ملقاة على سطحها...
أكدت لنفسها أن حمى الماس معدية , ولازمتها ذكرى الرجل ذي الوجه الباسم المستدير والمفعم بحب كبير للحياة
وقبل أن تفارق الذكرى مخيلتها قررت أن تسجلها بريشتها , فوجدت صخرة مريحة أستندت اليها وفتحت دفتر الرسم.


في محاولتها الأولى لم تتمكن من رسم ملامحه بدقة فقلبت الصفحة الى أخرى جديدة ,وهذه المرة لم يكن هناك أي تردد في شطحات قلمها وهو يطير هنا وهناك على الصفحة , وبدا هرمون الأدرينالين المنشط يضخ في عروقها ويعزز أحساسها المنتشي بأنها كانت تحقق أفضل صورة رسمتها في حياتها.

وفيما هي مستغرقة في عملها وصلت عمتها ووقفت الى جانبها تتأمل أنتاجها ثم هتفت بأعجاب:
" هذه ممتازة يا تيشا! لقد صورت ملامح رورك بدقة!".

فتوقف قلمها فجأة , أذ أن الوجه المحدق اليها من الورقة كان وجه رورك ماديسون , يبتسم وفمه متقوس قليلا وفي عينيه تلك النظرة الكسولة المتغطرسة , تقلصت عضلات معدتها الى حد الألم حين وعت أبعاد ما فعلت.

تغاضت بلانش عن صمت الفتاة المطبق وطفقت تعدد حسنات الصورة الناجحة بقولها:
" الأبتسامة التلميحية تدل دلالة كبيرة على ما يتمتع به من روح مرح فائقة , كذلك أستطعت ألتقاط القوة والعزم في خطوط الحنك , وما يدهشني أكثر , براعتك في أظهار ثقته الذاتية التي هي جزء لا ينفصل عن شخصيته ".
فهتفت تيشا وهي تغلق الدفتر وتهب واقفة على قدميها:
" أنه متغطرس!".

" أنه يجري الدم حارا في عروقك , أليس كذلك؟".
" كلا!".
وحالما نطقت هذا النفي أدركت أن عمتها كانت تلمح الى أثارة رورك لعصبيتها وليس لرغبتها العاطفية
فأشتعلت وجنتاها بلهب الخجل وأصلحت غلطتها بالقول:

" قصدت أن طباعنا تتنافر مع بعضها البعض".

" أن التفاعل الكيمائي بين شخصين قد يكون قابلا للتناغم أو للأحتراق , وواضح أن تفاعلكما أنت ورورك ينتمي الى الشق الثاني".
تنهدت تيشا بعمق وفكرت في نفسها كم هو دقيق تعبير الأحتراق هذا! مسحت جبينها المتعرق بظاهر كفها وهزت رأسها موافقة على تحليل عمتها التي سارعت الى مداعبتها بقولها:
"لا تتهجمي هكذا يا عزيزتي فليس الأمر بيدك أن كنت لا تميلين اليه".
منتديات ليلاس
فغزا الضيق عمق عينيها الخضراوين وهي تركزهما على محيا المرأة الأكبر سنا وأنتابها بعض التردد ...
ثم أجتاحتها رغبة قوية في بث همومها لشخص تثق به
فقالت وهي تتلعثم وتبتلع ريقها الجاف:

" رورك ماديسون يمثل بالنسبة الي ... كل الأشياء التي لا أحبها في الرجل ... أنه مغرور ويجادل كثيرا ومسيطر ,. لكنه ... لكنه ... يشعرني بأنوثتي أكثر مما أشعرني بها جميع الشبان الذين خرجت معهم".

اماريج 06-09-10 09:49 PM


" هل تقصدين بقولك أنك تنجذبين اليه؟".
فتململت تيشا وقالت وأصابعها تقبض بعنف على دفتر الرسم :
" أعلم أن كلامي يبدو بلا معنى ... أنا لا أميل اليه ولا أحترمه , لشعوري بأن النساء مجرد وسائل للتسلية بالنسبة اليه .... أنه من النوع الذي لا يعتبرهن مخلوقات بشرية بل ألعابا يقذفها جانبا حالما يفتقد فيها عنصر التسلية".

" هذا حكم عنيف الى حد ما".
" لا أعتقد ذلك فهو واحد من هؤلاء الاذكور المفترسين الذين يستخدمون سحرهم لبعث الأطمئنان في نفسك ثم يندفعون الى أنشاب أظافرهم فيك".
" أنت بالكاد وجدت وقتا للتعرف اليه جيدا , ألبيس من الظلم أن تدينيه بهذه السرعة؟".

ولما رأت الفتاة تتحفز لنفي كلامها سارعت تردف أنما بهدوء:
"لا أقصد أنك مخطئة في آرائك التي كونتها عنه لكن تذكري أن لقاءكما الأول أكتنفته ظروف مشؤومة أثرت على موقفك اللاحق منه".
" أحسب أنه كان سيثير فيّ الأنفعالات السلبية ذاتها بغض النظر عن كيفية ألتقائي به".
تأملتها عمتها مليا وأجابت:
" قد يكون ذلك صحيحا , لكن ما يضايقك أكثر هو معرفتك بأنه يثير فيك رغبات حسية أليس كذلك؟".
فأطبقت تيشا فمها بشيء من الوجوم وهزت رأسها بجواب تأكيدي وقد شعرت بأنها تفضح مشاعرها.

تنهدت بلانش وأحاطت كتفيها بذراع حانية وهي تجيبها:
"ليتني أعرف ما يجب أن أقول يا تيشا , فهذا أمر منوط بك وعليك أن تتدبريه بما ترينه مناسبا لمصلحتك .... ما رأيك أن نرجع الآن الى البيت؟ يمكننا التعريج على أحد المطاعم لنرتاح من تحضير العشاء , أعرف مطعما صغيرا رائعا يقدم وجبة لذيذة من سمك السلور وفطائر الذرة المقلية ".
" ذلك يبدو مغريا".

وافقتها تيشا محاولة المرح والحماسة الظاهرين في صوت عمتها وهما تعودان جنبا الى جنب لعبور الممر المؤدي الى المرآب.
ورفعت بلانش بصرها تجوله في السماء الضبابية وقد تحولت الآن الى لون رمادي داكن يهدد بالأضطراب وقالت:
" يبدو أن تلك الغيوم قررت أتحافنا بمطر غزير ... لا أدري أيهما أكره أكثر , قيادة السيارة بعد حلول الظلام أو تحت وابل المطر!".

فأقترحت تيشا قائلة:
" لسنا مضطرين لتناول العشاء على الطريق أذ يمكننا طهو شيء بسيط في البيت".
" أننا بحاجة الى تغيير الرتابة".

وفي أثناء العودة بدا وكأن رصدها الجوي سيكون صحيحا ولكن حين خرجتا من المطعم كان المطر ينهمر بغزارة
فتقبلت بلانش بكل ممنونية عرض تيشا بأن تنوب عنها في قيادة السيارة , والمسافة الى البيت مجرد أميال قليلة.

منتديات ليلاس
وبالرغم من أن موعد غياب الشمس لم يكن قد حان حان بعد الا أن الغيوم المكفهرة , جعلتها تبدو سوداء كما الليل , ومع أن مساحتي زجاج السيارة الأمامي كانتا تتحركان بسرعة قصوى جيئة وذهابا تنفست تيشا الصعداء لما وصلتا الدرب المؤدي الى البيت.
وسألتها بلانش:
" هل نتشجع قليلا ونتوقف عند صندوق البريد لنأخذ ما فيه من رسائل ؟".

فأجابت تيشا:
" لا أرى ما يمنع ذلك , فالطريق ليست موحلة كثيرا لنخشى أنغراز الدوالليب فيها , سأتوقف بمحاذاة الصندوق تماما وحيث ما عليك الا أن تنزلي زجاج النافذة وتمدي ذراعك الى الصندوق".
فغمغمت عمتها:
" أنني أنتظر وصول بعض الرسائل المهمة".
" لن يزعجني التوقف".

كشفت أضواء السيارة صف الصناديق على جانب الطريق فخففت تيشا سرعتها , وتوقفت بمحاذاة الصندوق الأول
وحالما أنزلت بلانش زجاج النافذة ومدت يدها لتجمع محتوياته هجمت الريح حاملة المطر الى الداخل , فسارعت المرأة الى أقفالها قبل أن يبللهما المطر كليا , وهتفت ضاحكة وهي تهز قطرات الماء عن ذراعها المكشوفة.

" يا لهذا الحمام البارد! هيا الى البيت حيث الدفء والجفاف".

اماريج 06-09-10 09:50 PM

قصف الرعد منذرا بليلة ليلاء حين أدخلت تيشا السيارة بحذر الى المرآب وقد حمدت الله على أنهما تركتا بابه مفتوحا وبالرغم من أن ذلك يشكل تشجيعا للصوص على دخول البيت.
وبعدما دخلتا البيت عبر الباب الموصل اليه من المرآب قالت بلانش:
" عليّ أن أنزع هذه البلوزة فورا .... ما رأيك أن تباشري بصنع القهوة ؟".

وسارعت الى التخلص من قطعة ردائها المبللة وأردفت ضاحكة:
" أنه شيء لا يصدق أن أنغمس بالماء الى هذا الحد من مجرد فتح النافذة لبضع ثوان!".
كانت تيشا قد ملأت ابريق القهوة بالماء من تلقاء نفسها , وكتفاها ما تزالان متقلصتين من جراء أنحنائها على المقود وتحديقها المستمر الى الطريق الغارقة تحت سيول المطرمنتديات ليلاس
وقالت لعمتها تمازحها:
" سارعي الى تبديل ثيابك والا جرعت كل هذه القهوة بمفردي!".

وبعد ربع ساعة كانت تيشا تتكور على المقعد الوثير في غرفة الأستقبال وبقربها فنجان طازج من القهوة الساخنة وهي تصغي الى ايقاع المطر على زجاج النافذة فيما البرق يضيء الفضاء في الخارج
كانت بلانش قد غيرت ملابسها وجلست على الأريكة تفتح الرسائل تباعا , وغمغمت قائلة:

" أوه ... ماذا سأفعل الآن؟".

فألتفتت اليها تيشا ورأتها تحدق الى رزمة كبيرة فسألتها :
" ما الخطب؟".
"ذلك الغبي ساعي البريد ., وضع هذه الرزمة في صندوقنا بطريق الخطأ فهي تخص رورك".
" ألا يمكنك الأنتظار لتري رورك ثانية وتسلميها اليه؟".

فقضمت بلانش أظافرها بأنزعاج وأجابتها:
" نعم , يمكنني ذلك , لكن عندما جاء تلك الليلة ليصطحبك الى السهرة , ذكر في سياق حديثه القصير معي أن لديه بعض التخطيطات الهندسية التي كان من المفروض أن ينجزها يوم الأثنين , لكنه جمد التنفيذ لأنه كان ينتظر وصول بعض المعلومات حول أنتاج معماري جديد , وقد أمل أن يتسلمه في بريد اليوم , ولكن الساعي جعلني أتسلمها عوضا عنه".

فلم تقدر تيشا أن تحمل نفسها على الأحساس بأي تعاطف مع مشكلة رورك , فقالت:
" لا لوم عليك في ما حصل".
" صحيح, لكنني أعلم أنه بحاجة اليها ليستطيع أنجاز التخطيط المطلوب , هل لديك مانع في الذهاب بسرعة الى ... أوه ... لا بأس".
هزت بلانش رأسها بدون أن تكمل السؤال وقالت:
" سأحملها اليه بنفسي".

" هذه سخافة , فأنت لست ملزمة بأيصالها اليه في هذه العاصفة!".
" أعلم مبلغ حاجته اليها لأنه من الصعب على المرء أن يحاول أنجاز شيء ما دام يفتقر الى أدوات المواد الضرورية لذلك".
" قلت أنك تخافين قيادة السيارة في طقس عاصف كهذا , ومع ذلك أنت مصممة على الذهاب , أليس كذلك؟".

فأجابت بلانش وهي تفتح خزانة الحائط لتخرج معطفها الواقي وشمسيتها:
" أعرف كيف تشعرين نحوه يا تيشا , ألا أنه جاري وصديقي , وما كان ليحجم عن فعل الشيء نفسه معي لو كان الوضع معكوسا , وبغض النظر عن رأيك فيه".

أذعنت تيشا للأمر الواقع حين أدركت أنها لن تستطيع أقناع عمتها بالعدول عن رأيها , وفي الوقت نفسه لم يطاوعها ضميرها على السماح لبلانش بأن تقود سيارتها في هذا الطقس السيء
فعلى الرغم مما تتمتع به عمتها من أستقلالية وكفاءة فهناك بضعة أشياء ترهبها ومن بينها السواقة أثناء العواصف الرعدية وبعد حلول الظلام.


ولذا قالت تيشا بوجوم وهي تنهض من مقعدها بتردد:
" ما دمت عجزت عن أقناعك , فسأحملها اليه نيابة عنك يا بلانش ".
" لا داعي لذلك".
فردت تيشا بأصرار:
" بل أظنه ضروريا , والآن أرجعي معطفك الى الخزانة ".
" سأرافقك بالسيارة".
" لا حاجة لأن نخرج كلتانا في هذه العاصفة".
منتديات ليلاس
ثم فتحت الخزانة وأعرضت عن الجاكيت القطني برغم تناسقها مع بنطلون الجينز أذ فضلت عليها سترتها الجلدية الواقية من المطر , وأردفت وهي تسحبها من علاقة الثياب:
" أبقي هنا وأحتفظي لي بفنجان من القهوة".
" أأنت متأكلدة من أن المهمة لا تضايقك؟".
" أنا متأكدة , أين الرزمة؟".

" ها هي".
ناولتها أياها وقالت بتردد:
"تيشا , هناك طلب آخر...".
" ما هو؟".
توقفت الفتاة قبل أن تعبر المطبخ الى الباب الموصل بالمرآب وقالت بلانش:
" منزل رورك جدير بالمشاهدة لأنه نموذج رائع للديكور الداخلي فلا بأس أن تتحملي رفقة رورك لبضع دقائق من أجل المشاهدة".

اماريج 06-09-10 09:52 PM

وكي لا تتيح لتيشا مجالا للرد والجدل أضافت بحزم:
" أنتبهي جيدا أثناء القيادة ".
وفكرت تيشا , البيت يجب أن يكون خيالي السحر والجمال حتىيغريها على مشاهدته , فهي لا تريد الأنفراد برورك في حالتها الذهنية الحاضرة وحيث موقفها منه ما يزال متناقض المشاعر الى حد بعيد
ولبينما تتمكن من ضبط أحاسيسها وتفهمها من الأفض أن تخفف من الأجتماع به قدر المستطاع.


أرغمها هطول المطر الغزير على قيادة السيارة ببطء السلحفاة وهي تقطع مسافة ربع الميل الى بيت رورك , وكادت تمر بالمدخل المسيج بالشجر بدون أن تنتبه له لو لم تكشفه أضواء السيارة في اللحظة الأخيرة
كان المطر قد أحدث أنهارا صغيرة على الممر المفروش بالحصى فيما بدت أشجار الصنوبر الماردة كجدران شاهقة تطبق على السيارة.


لم تكن تعلم أن البيت يبعد عن الطريق الى هذا الحد فأحست توترا شديدا جعلها تقلص يديها على المقود
وفي الأخير أبصرت ضوءا يخترق الظلام وبدا لها كمنارة وسط عاصفة , أوقفت السيارة في فسحة صغيرة مسدودة الجانب وأطفأت المحرك
وبعد شيء من الصعوبة في فتح الشمسية ترجلت من السيارة وركضت على بريكات الماء الموحلة وتحت المطر العاصف الى مدخل البيت المسقوف وقد أخفت الرزمة تحت الجاكيت لتحميها من التبليل.


كبست زر الجرس بنفاذ صبر , ومع صوت الرعد العنيف أستحال عليها أن تسمع رنين الجرس داخل البيت ,كانت الريح تقذف المطر حول ساقيها فأمسكت بالمقبض النحاسي الكبير وراحت تطرق به الباب بشدة
وما هي الا لحظات حتى فتحه رورك ووقف يسد العتبة وهو يرتدي بنطلونا بنيا وسترة صوفية فاتحة بلون الكريم.

منتديات ليلاس
حدق اليها من تحت الشمسية وبدا أندهاشه واضحا وهو يقول:
" أهذه أنت يا تيشا؟ كنت أحسب أن طيور البط فقط تخرج في طقس ماطر كهذا".
حاولت أخراج الرزمة من تحت الجاكيت وأجابت تقلد البط ساخرة:
"كواك , كواك".

فضحك رورك وقال:
" أنك لا تحتارين أبدا في أيجاد جواب , اليس كذلك؟".
ثم مد يده ليقبض على كتفها وجذبها الى ملاذ البيت وأردف:
" أعترف بأنك قد فاجأتني بهذه الزيارة أذ لم يخطر لي أنك سوف تفتقدين رفقتي الى حد يجعلك تغامرين بالخروج في ليلة رهيبة كهذه".

كان قد تسلم زمام الموقف فأخذ الشمسية منها وأسندها الى الجدار نصف مفتوحة وحيث تكونت حالا بركة ماء صغيرة تحتها.
في هذا الوقت أستطاعت تيشا أن تخرج الرزمة من ثيانا الجاكيت
فأبرزتها له وهي ترد غاضبة:

" ما جئت لأراك خصيصا , بل من أجل هذه التي وضعت في صندوق بلانش بطريق الخطأ , لقد حسبت عمتي أنك سوف تحتاجها ولذا سارعت الى أحضارها بالنيابة عنها".

باب البيت أنغلق بعد دخولها وكانت تفضل أن تناوله الأمانة وتهرب... أخذ الرزمة وألقى عليها نظرة سريعة ثم ألقاها على طاولة من خشب الجوز وقال باسما:
" شكرا على أتيانك بها , فأنا كنت أنتظر وصولها , وبلانش تذكرت هذا على الأرجح ... والآن , دعيني أساعدك في نزع الجاكيت".

تراجعت الى الوراء حين تقدم منها , وقالت:
" لن أبقى, جئت فقط لأعطيك الأوراق ... سأذهب الآن".
" يمكنك على الأقل أن تجلسي قرب النار لبينما تجف ثيابك , ولا أظن أن عمتك ستنشغل عليك أذا تأخرت بضع دقائق".
فردت ببرود:
" لا , أشكرك , لا داعي لتجفيف ثيابي لأنها ستتبلل ثانية عندما أخرج عائدة الى السيارة".

" لدي أبريق من الكاكاو الساخن وسيفيدك شرب فنجا منا , ألا تودين ذلك؟".
"لا ,شكرا".
فقبض على ذراعها مجددا وقبل أن تستطيع التهرب منه قال:
" أنني ألح على ذلك لأن آداب الجيرة تقضي بألا ترفضي حسن ضيافتي مقابل مجيئك في هذه العاصفة لتسليمي الرزمة".


اماريج 06-09-10 09:53 PM


" في الواقع .... أنا....".
ومات الأعتراض على شفتيها حين أحست تيشا أنها لن تربح معركة الجدال هذه ... فأكملت قائلة:
" حسنا , سأشرب فنجانا ومن ثم سأذهب".
" فنجان واحد".
وافقها بأيماءة رضى ثم أشار الى يمينها وقال:
" غرفة الأستقبال هناك, وقد أشعلت النار في الموقد , يمكنك أن تجففي ثيابك قليلا لبينما تشربين الكاكاو الساخن , على فكرة , هل تحبينها مع العسل أو مع الكريما المخفوقة؟".

فأجابت وهي تبتعد عنه بمجرد أن أفلت ذراعها:
" مع الكريما من فضلك".
" تفضلي وأدخلي , سآتيك بالشراب فورا".

أتبعت تيشا تعليماته بتردد متمهلة وعبرت الباب الذي أشار اليه , وبدون حضوره المشتت لذهنها
حولت بصرها في ما حولها وعادت تلقي نظرة خلفية على الردهة الرخامية ذات الأرضية البيضاء والجدران المكسوة بألواح من خشب الجوز الفاتح , ثم غاصت قدماها في السجادة السميكة الناعمة فنظرت أمامها.


كان هناك درابزين من الخشب المحفور دعاها الى هبوط ثلاث درجات والى غرفة أستقبال غائرة مكسوة بسجادة زاهية من اللون الأزرق الغامق
ومن الأرض حتى السقف رأت ستائر بيضاء مزينة بعقد حريرية تغطي أحد الجدران بكامله فيما سائر الجدران بعض أقسامها مغطى بألواح من خشب الجوز وبعض آخر ذو لون أبيض محاط بأطر خشبية داكنة.


كان لهب النار الذهبي يتوهج خلف شاشة من الحديد المليف الغامق أمام موقد من الحجر الأبيض اللماع قائم على منتصف جدار جانبي... تقدمت تيشا الى وسط الغرفة وقد أنسحرت على الرغم منها بديكورها الغني المتكامل الأنسجام , فقبالة الموقد توجد أريكة واسعة ذات غطاء مخملي أبيض وتعزز بياضه وسائد كبيرة زرقاء غامقة بلون السجادة الفارهة تحت قدميها , وعلى جانبي الموقد مقابل الأريكة مقعدان وثيران وبجانبهما طاولتان تنعكس نار الموقد على سطحيهما الملتمعين.

لقد أخبرتها بلانش أن بيت رورك نموذج لروعة التصميم الداخلي لكن تيشا توقعت أن ترى شيئا أنيقا تفاخريا وليس شيئا حميما وجذابا كهذه الغرفة التي توحي بالترف من دون أن تعرضه بشكل مكشوف وقح.

"أخلعي الجاكيت وأستريحي".
فأستدارت مذعورة لتراه واقفا في أعلى الدرج , كان يحمل فنجانين
فأشار لها برأسه قائلا:

" أذا أردت ضوء أقوى فهناك زر كهربائي على أعلى الحائط بجانب الموقد".
وهنا لاحظت لأول مرة الأنارة غير المباشرة في السقف والموحية بجو حميم أشعرها بحاجة الى التخلص منه
فسارت الى حيث الزر بلا مبالاة مصطنعة وكبست عليه فشع نور أقوى.


ثم علقت بصوت مشدود:
" الغرفة رائعة جدا".
فتقبل مديحها شاكرا وأمال رأسه قليلا ولكن تيشا لم تجد في هذه الحركة ما يدل على الغطرسة , وقال:
" يمكنك أزاحة المقعد في أتجاه النار أذا شئت".

فأكدت له بعصبية أنها لا تجد داعيا لذلك , ثم نزعت سترتها الجلدية وجلست على حافة أحد المقعدين المقلمين بخطوط زرقاء
ولما طوت سترتها لتلقيها على حضنها قال رورك وهو يضع فنجان الكاكاو على الطاولة الى جانبها:

" دعيني أعلقها عنك".
منتديات ليلاس
ناولته أياها بتردد لأنها كانت مبللة ومن المنطقي أن توضع في مكان ما لتجف من دون أن تمتد رطوبتها الى شيء آخر , وراقبت رورك وهو يحملها ويصعد الدرجات الثلاث ثم يختفي في الردهة ....
رجع بعد لحظات وبدا حضوره مكملا للغرفة ومضيفا اليها ما تفتقده من حيوية , وعندما ألقى جسمه الممشوق على الأريكة حملت تيشا فنجانها وركزت بصرها على الكريما العائمة على سطح الشراب لتتحاشى ألتقاء عيونهما.


أمتد الصمت بينهما وتنامى فأبتلعت ريقها بعصبية , وزادت طقطقة النار حدة التوتر حتى شعرت بضرورة ملحة لأن تتكلم عن أي شيء فقالت:
" أخبرتني بلانش أن بيتك جميل لكنني ما توقعت شيئا كهذا".
" وما الذي تخيلته؟".


اماريج 06-09-10 09:54 PM

فرمقته بنظرة سريعة وهي تحاول قراءة التعبير المبطن في عينيه الداكنتين , فبدا مسترخيا تماما الا أنها أستشفت فيه بعض التوتر.
فأجابته وهي تتبنى موقفا لا مباليا قدر المستطاع:
"ظننت أنه سيكون ... أكثر بهرجة".
" وهل توقعت زوزقة رخيصة؟".
" لا أدري بالضبط , فأنا ما فكرت في الأمر كثيرا".

أظهرت أستخفافا غير أنها شعرت بفورة غضب أنتقامية لكونه يحاول زجها في موقف دفاعي , فتابعت لتغيظه:
" لو أنني فكرت فيه جيدا لتوقعت ربما وجود أريكة تتحول بكبسة زر الى سرير , وبكبسة أخرى , تخفت الأضواء وتنبعث الموسيقى الهادئة لتملأ الغرفة".

" تصميم متكامل لمشهد أغرائي , أهذا ما تقصدين؟".
" شيء مشابه لذلك".
ثم طوحت يدها في الهواء بحركة تعبيرية وأضافت تقول:
" لكن هذا التصميم أكثر تهذيبا وبراعة مع أنه بالتأكيد يحقق الغاية ذاتها".
" وأنا دائما أعتبر هذا المكان موطني الصغير , أليس ذلك غريبا؟".

تعليقه الرقيق هذا جعل تيشا تقلص أصابعها على الفنجان وهي تقربه من فمها ... لقد سمعت التأنيب المدثر بكلماته وأدركت أنه جزاء عادل على أهانتها له ...
حرق الشراب الساخن حلقها وهي تحاول شرب الفنجان حتى آخر نقطة كي تنصرف بسرعة
ثم أجفلت حين نهض رورك واقفا بخفة النمر , وأمرها قائلا:

" تعالي , أريد أن أريك سائر غرف بيتي".

فأعادت الفنجان الى صحنه ونهضت بدورها وقالت على عجل:
"لنترك ذلك الى فرصة أخرى".
فسد رورك طريقها بقامته الفارعة وتأكدت تيشا أنه لن يتوانى عن أستعمال القوة ليمنع أنصرافها
وأجابها بحزم:

" كلا , أريدك أن تأخذي عنه أنطباعا كاملا".

أنتابها غضب لكنها تنفست بعمق وقالت:
" ليكن ذلك".
" تفضلي".
ومد يده يشير اليها بالسير أمامه الى الممر المضاء بخفوت والمتفرع من غرفة الأستقبال.

أنصاعت تيشا لأمره فمشت أمامه مشدودة القامة أنما بجمود وأمتعاض , وفي منتصف الممر تقريبا وقفا بين بابين مقابلين لبعضهما بعضا
ففتح رورك الباب الأول الى يمينها وأضاء النور ليظهر حماما أزرق وأخضر , ثم فتح الباب الآخر وأضاء الغرفة وقال شارحا وهو يشير الى تيشا بالدخول:

" هذه كان من المفروض أن تكون غرفة نوم أضافية لكنني أستعملها كمكتب وغرفة لرسم الخرائط".

دخلت تيشا فرأت قرب الباب فجوة في الحائط تحوي خزائن صغيرة على الجانبين , ثم ثلاث درجات تؤدي الى غرفة مكسوة الجدران بالخشب , أحدها كان مغطى برفوف مليئة وأمامها مكتب ومقعد جلدي
وفي أحدى الزوايا طاولة عريضة للرسم وكرسي , فيما سائر الأثاث عبارة عن أريكة جلدية ذات لون برتقالي داكن ومقعد مماثل للأستلقاء
أما الستائر فمن اللون البرتقالي نفسه والموجودة أيضا في السجادة الزرقاء وبشكل مربعات جريئة أكملت جو الغرفة الرجولي المهني.

منتديات ليلاس
لم ينتظر رورك أي تعليق من تيشا بل قادها خارج الغرفة الى باب يقع في آخر الممر , وحين فتحه وكبس زر الكهرباء أمتنع عن أي شرح
وسرعان ما أدركت تيشا السبب لدى تخطيها العتبة , أذ كانت هذه غرفة النوم الكبرى , غرفة نوم رورك.


أرضها مكسوة بالسجاد الأزرق السميك ذاته أنما الدرجات القليلة هنا تهبط الى غرفة يحتلها سرير واسع مغطى بدثار دي حبكة قديمة الطراز باللون الذهبي البراق ...
جف حلق تيشا حين تسمر بصرها الى أتساع السرير الداعي الى الحميمية ومن دون أن تتنبه كثيرا الى قطع الأثاث الأخرى والمصنوعة كما السرير من خشب الجوز ...
أحست بوجود رورك قربها بشيء من الألم وقالت بأقتضاب وهي تستدير على عقبيها لتهرب:

" أنها حسنة جدا".

ولم تخفف من سرعة خطواتها الا حين ألتجأت الى أمان غرفة الأستقبال النسبي وحيث رمقت رورك من خلف كتفها وكرهته لدى رؤيتها للسخرية المتراقصة في عينيه ...
فأعلنت بحزم:

" من الأفضل أن أنصرف الآن".

فقال وهو يخفي أبتسامة ماكرة:
" لم تري المطبخ بعد... جميع النساء يبدين أهتمامهن بالمطبخ , أليس كذلك؟".
" أرني أياه أذن".

فسارا على أرضية البهو الرخامية الناصعة ومنه الى مطبخ عصري فسيح ومتكامل الأجهزة والأثاث , كانت لعبة اللون الأزرق المنثورة في أرجاء البيت موجودة هنا في ورق الجدران ذي الأرضية العاجية والمزين بباقات من الزهور الزرقاء والصفراء الصغيرة ...
وأحس تيشا على رغم منها بأنجذاب الى روحية المطبخ الأليفة وراح هذا الأحساس يتغلغل فيها لكن رفضت أن تدعه يتغلب عليها فقالت:

" أكرر القول أن لديك بيتا رائعا".
منتديات ليلاس
كان صوتها المجامل كريح فاترة وقد تقصدت هذا لتظهر عدم أكتراثها .
وأجابها رورك بعدم الحماسة ذاتها:
" يسرني جدا أعجابك به".
ثم سار أمامها عائدا الى بهو المدخل حيث أخرج سترتها من الخزانة وقال:
" أرجو أن تشكري بلانش عني فأنا كنت بحاجة فعلية الى هذه الأوراق ".

" سأفعل ذلك".
أرتدت الجاكيت وأنحنت تأخذ الشمسية القابعة في الزاوية , ثم رفعت رأسها لتواجه نظراته الفاترة المدروسة وأردفت :
" وأشكرك على هذه الجولة الشاملة".
ففتح لها الباب وكأنه يسارع الى التخلص منها , وقال ساخرا:
" لقد سرني التجوال معك".
ألتمع البرق وأضاء الظلام حين خرجت تيشا مهرولة وهي أكثر لهفة منه الى الأبتعاد عنه.

******نهاية الفصل الخامس******

اماريج 06-09-10 09:55 PM

6- درس في الضيافة
********************
كانت بركات الماء أكثر أتساعا وعمقا,والمطر ما زال ينهمر بغزارة , أما العاصفة فقد أزدادت حدة وتيشا تغوص في المياه المتدفقة في طريقها الى حيث أوقفت السيارة
وحين فتحت بابها ولاذت بداخلها , أنتبهت الى أن الضوئين الأماميين كانا ينيران السيول أمامها
تأوهت بصوت عال وألقت الشمسية على أرض السيارة ثم أدارت المفتاح في المحرك ... لم تسمع شيئا سوى طقطقة المفتاح وهي تكرر المحاولة عبثا
لقد فرغت البطارية , وهذا يعني أنها مضطرة للعودة الى رورك لتطلب منه المساعدة , وهذه الفكرة لا تحبذها على الأطلاق.

منتديات ليلاس
أحتمت بالشمسية مجددا وعادت تقطع المسافة الموحلة الى بيته وحيث راحت تطرق الباب السندياني بالمقبض النحاسي, وهذه المرة لم تنتظر في البرد طويلا حتى أجابها رورك على طرقاتها.

وأعلنت حالما فتح الباب ووقف على عتبته متسائلا:
"تركت الأضواء مشتعلة ففرغت شحنة البطارية , هل لك أن تساعدني في أدارة محركها؟".
فحدق اليها للحظة قصيرة وقال:
" سأخرج سيارتي من المرآب".

فأومأت موافقة وهمت بالعودة , لكن رورك ناداها هاتفا:
" أنتظري , من السخف أن نعرّض نفسينا للغرق من أجل محاولة قد تفشل في النهاية , سأوصلك الى البيت بسيارتي وغدا صباحا أعيد لك سيارتك بعد شحن البطارية".
فبدأت تيشا تعارضه لكنها عدلت عن ذلك وأعطته أشارة بالقبول
ثم قالت لتتحاشى سماع الأقتراح الذي رأته يرتسم على شفتيه:

" لقد تبللت فردة حذائي وسألاقيك عند باب المرآب".

وصلت بوابة المرآب المزدوجة في اللحظة التي كان رورك قد بدأ يرفع دفتيها من الداخل , وي بضع لحظات كانت تطوي شمسيتها وتصعد سيارته البيضاء ثم تجلس على المقعد الأمامي الى جواره
شعرت بالحرج من أبتلالها ومن وجودها معه فقبعت في الزاوية فيما قاد هو السيارة الى الوراء خارجا بها من المرآب وأنعطف على الدرب نزولا ...
ألتمع البرق في الفضاء وتبعه رعد قاصف تردد صداه في عدة أتجاهات.


فركزت تيشا بصرها على كم سترته الجلدية وتمتمت قائلة:
" والآن , أليست لديك أية تعليقات حول قيادة النساء للسيارات؟".
" ليس ثمة حاجة للتعليق فأنت لم تتركي الأضواء عمدا وكانت غلطة عفوية".

" لكنها غلطة غبية".
شعرت نحوه بكره لكونه أختصر الموضوع بتسامح ورحابة صدر .منتديات ليلاس
وتابع يقول:
" كلنا نقترف أخطاء كهذه وهذا ما يجعلنا بشرا وغير معصومين عن الخطأ ".
وما كاد ينهي عبارته حتى هتف بصوت مبهم:
" اللعنة!".

فأستقامت تيشا في جلستها وقد أخذت أستعدادتها لخوض معركة بسبب الشتيمة التي حسبته قد وجهها اليها
ثم أحست بفعل المكابح القوي على الأرض فنظرت عبر الزجاج الأمامي لتستطلع الدافع الى توقفهما الفجائي
ومن خلال المطر أستطاعت أن ترى سبب هتافه الحانق والمتمثل في شجرة صنوبر كبيرة , قد سقطت أرضا في عرض الطريق وجرفت معها شجرتين صغيرتين.


اماريج 06-09-10 09:56 PM

شخصت الى ذلك الحاجز المخيف الذي يسد الطريق وسألت هامسة:
" هل تقدر أن تزيح هذه الأشجار؟".
فأجابها بسؤال من عنده وبصوت مرافق شبيه بضحكة:
" هل أنت جادة في ما تقولين؟ هل أبدو لك كالرجل الخارق القوي؟".
" قد نستطيع أن نزحزحها معا".
" ذلك من رابع المستحيل!".

ثم أرجع السيارة الىفسحة أكبر على جانب الطريق وأدار مقدمتها في الأتجاه المعاكس فسألته ملهوفة:
" الى أين تتوجه؟".
فرد بنبرات حادة مشذبة لسعتها كرياح باردة:
" سأعود الى البيت ولا مناص لك من قضاء الليلة هناك".
" لن أفعل شيئا كهذا!".

" لكن الطريق مسدود وليس لدينا أي خيار آخر".
وأذ ذاك لاحت لهما أضواء البيت فأعلنت تيشا قائلة:
" أجل , لدينا خيار آخر".
فسألها متلذذا بعصبيتها:
" وما هو الأقتراح العبقري الذي سيتفتق عنه ذهنك هذه المرة؟".
منتديات ليلاس
أتجه بالسيارة الى المرآب وأطفأ المحرك ثم أستدار ينظر لها في أنتظار جوابها فصرخت وهي تفتح الباب:
" سأعود الى البيت سيرا على قدمي".
فمد ذراعه ليعتقلها ألا أنها هبطت من السيارة بسرعة وخرجت من المرآب مهرولة تلقي بنفسها في أحضان العاصفة وهي تحاول طوال الوقت أن تفتح الشمسية التي أستعصى عليها فتحها...
وحين تناهى اليها صوت أنصفاق بابه جعلها ذلك تهرول أكثر وبدون أن تأبه للمطر الذي بدأ يبلل شعرها ومحياها.


لاحقتها خطواته الغائصة في الأرض الموحلة وهتف لها ملحا:
" تيشا , تيشا , عودي الى هنا".
" سأذهب الى بيتي!".
وفجأة أنتزع رورك الشمسية من بين يديها وأمسك بكتفيها مرغما أياها على مواجهته , وهي تناضل وتحاول عبثا الأفلات من قبضته
ثم هزها من كتفيها بشراسة وهتف:

" لن أسمح لك بالعودة مشيا الى البيت ... لا تقدمي على حماقة كهذه! "
"لا ! لن أرضى بالمكوث معك في ذلك البيت!".


كان المطر ينسكب على وجهيهما معا ويسمر أهدابهما ويسيل نزولا على عنقيهما
وهتف رورك وقد ثارت أعصابه الى حد الجنون:

" اللعنة يا تيشا! أنا لم أضع تلك الشجرة في عرض الطريق! أنك تتصرفين وكأنني دبرت العملية عن سابق أصرار وتصميم!".

" المسافة ليست بعيدة الى بيت بلانش وقد مشيت في الماضي مسافات أبعد منها".
" ماذا سيحدث أن سقطت شجرة على رأسك , أو ضربتك صاعقة ؟".
" أي شيء يحدث لي سيكون أفضل من ... من ... أواه , أنا أكرهك!".

لو لم تكن مدفوعة بعصبيتها العمياء لأستطاعت تيشا أن ترى الغضب المتزايد في وجه رورك وأن تلحظ التقلص الذي أستبد بعضلات حنكه بدل أن ترى فقط أزياد سواد شعره وألتماعه المبلل تحت المطر.

وبقسوة وحشية جذبها نحوه وألصقها بسترته الجلدية , كانت ذراعاها مسمرتين الى صدره بقوة يديه الملتفتين حول ظهرها فيما ضربات قلبها تحاول مجاراة أيقاع المطر المتساقط تباعا.
" أيتها البلهاء الصغيرة المجنونة ! هل أنا في الحقيقة أكثر خطرا عليك من خطر العاصفة ؟ هل تخافينني الى هذا الحد؟".
" رورك , أرجوك , دعني أمضي في سبيلي".

كان أسترحاما واهيا كاد يضيع في تلاحق البرق والرعد ,وما أستطاعت تيشا أن تميز الفارق بين الرعد المدوي وبين خفقات قلبها المسكين.
شعرها الأحمر الداكن كان وشاحا مائيا يحتضن خديها وهي تحرك رأسها لتتنفس ثانية وتحدق الى الأحتراق الأسود في عينيه...
وأحست يدا تلمس خدها كريشة ناعمة وتزيح الخصلات المبللة التي عبث بها الهواء الصافر , قبل أن تلتف أصابع رورك حول عنقها وتجذب رأسها الى فوق .

منتديات ليلاس
وتقبلت تملكه العنيف هذا , وما أحست بالألم ,ثم أطلقت آهة عذاب , تمتمت أسمه بحرقة وهي تدير وجهها.
لكن حركة خضوعها التام هذا , رفضها رورك بوحشية فجائية أذ نفضها بعيدا عنه مما أصابها بذهول ...
فأحست بسكين فولاذية باردة تغمد في قلبها , وبدت لنفسها غبية وحقيرة فمزقت الشهقات صدرها وهي تستدير كالريح لتهرب...

لكن يده الفولاذية أوقفتها مجددا وقال بغضب مكتوم:
" لن أسمح لك بالذهاب!".

اماريج 06-09-10 09:56 PM

فهتفت تيشا وصوتها يشق ظلمة الليل كصرخة حيوان جريح:
" بعد... بعد ما جرى, أتتوقع مني أن أبقى؟".
صرخت وهي تنزع أصابعه القابض على رسغها بيدها الطليقة :
" أنني أفضل الموت على وجودي معك!".

فعاد يعتقل يدها بسهولة وأجاب:
" لقد أوضحت هذه النقطة من قبل , وأيضاحك الآن لا يقل سخافة عن المرة السابقة , أنك مغمسة بالماء فهيا ندخل البيت قبل أن تصابي بألتهاب رئوي".
" كلا!".

وهذه المرة قاومته كقطة صغيرة برية أذ راحت تركله وتضرب رأسه بذراعها حتى تمكن من أعتقالها بقبضة شرسة
وفيما هي تركل ساقيه حاولت أن تنشب أسنانها في يده, وفي الأخير أطلق رسغيها وأحاط خصرها بيديه ثم حملها تحت ذراعه الى البيت كمن يحمل كيسا من البطاطا ....
وأستمرت ترشقه بأهاناتها تباعا فلم يأبه لها ولمقاومتها المتواصلة , ولم ينزلها على الأرض الا حين دخل بها الى البهو وأغلق الباب خلفهما بقدمه.

منتديات ليلاس
وحين واجهته كانت عيناها تطلقان شرارات خضراء داكنة وقبضتاها تتقلصان على جنبيها .... وقوفه بينها وبين الباب كعمود ضخم جعل هروبها مستحيلا
وما عاد قطرات الماء المتساقطة من ثيابه الى الأرض فقد بدا هادئا مهندما وكأنه دخل لتوه آتيا من المطبخ وليس من عاصفة ومعركة عنيفتين , فيما كانت هي تلهث من جراء الجهود المضنية التي بذلتها للتخلص منه.


" يا حيوان!".
" وفّري أهاناتك ... وأعطني سترتك".
فحدقت اليه تيشا بتحد مما أضطره الى التقدم منها خطوة في حركة تهديدية فترددت للحظة ثم سارعت الى نزع سترتها بغضب وكانت تلتصق بظهرها لشدة البلل وقذفتها عليه
وبدا قميصها الزيتي المحاك كجلد ثان يلتصق بجسمها , وأمرها رورك قائلا:

" هيا ,الى المطبخ!".

فأستدارت على عقبيها بحدة ومشت غاضبة الى المطبخ وهي تعلم أنه يسير على بعد خطوة وراءها , توقفت عند الطاولة وتمسكت بظهر الكرسي وراقبته وهو يسير الى الخزانة ويخرج منها زجاجة شراب وكوبين
ثم نظرت بطرف عينها للباب المؤدي الى المرآب والواقع الى يسارها وبدأت تتسلل نحوه بحذر وصمت.

وقال لها فجأة وبدون أن يدير ظهره:
" لا تحاولي ذلك!".

وحين أستدار وواجهها سألته وفي نظرتها براءة متحدية:
" أحاول ماذا؟".
أجابها بأبتسامة فاترة وساخرة:
" لن تستطيعي الوصول الى باب المرآب ولا تقولي أنك لم تكوني تخططين للهرب بهذه الطريقة فكلانا يعلم أنك كنت عازمة على ذلك".

ثم سكب شيئا من الشراب في كل من الكوبين وشرب حصته في جرعة واحدة قبل أن يحمل الكوب الآخر ويتقدم منها قائلا:
" أشربي هذا ".
قربه رورك من يدها فهوت عليه بكفها ورأت السائل يقفز منه وينسكب على البلاط
فتقلصت عضلات فكه بغضب ثائر وغمغم مهددا:

"أنت بحاجة الى من يضربك ليعلمك حسن السلوك".

" هل دائما تعامل نساءك بهذه الوحشية؟".
" وهل تودين أن تجربي؟".
لم يكن يمازحها فتهديده بدا واضحا في نبرة صوته الجدية مما جعلها تشحب ومع ذلك سمرت نظرتها الجريئة في عينيه وقالت وهي تشمخ برأسها متحدية:
" أذا أقتربت مني خطوة واحدة سأقتلع عينيك من وجهك".

أطربته محاولتها التهديدية الهزيلة فضحك متلذذا , وأكتفى بأمالة رأسه الأشقر بغرور طاووسي.
" ما بك ؟ ألا تظنني قادرة على تنفيذ كلامي؟".
فسار الى حيث الطاولة المستطيلة وقال معترفا:
" لا أحسبك عاجزة عن المحاولة , ولكن لا تقلقي , فالشيء الوحيد الذي يشغل بالي هو تبديل ثيابي المبللة ".

" لا تدع وجودي يؤخرك عن ذلك".
فقال وعيناه تحومان عليها بأسترخاء تام:
" ما نويت التأخر بسببك , تعالي , فأنت ستأتين معي".
" الى أين؟".
فرد بوجوم:
" الى غرفة نومي وحيث توجد ثيابي , أنت بحاجة أيضا الى تبديل ملابسك الرطبة".
فأجابت بنبرة لاذعة :
" أبدلها بماذا؟ بأغطية سريرك؟".
منتديات ليلاس
لاحظ بريق الخوف الذي بدا فجأة في عينيها فأجابها ملطفا شعورها هذا:
" ذلك هو المكان المناسب الذي يجب أن تلجأ اليه جميع الفتيات الصغيراات في أثناء الليل".
" وأنا أرفض الذهاب!".
" أتريدين أن أحملك اليه بالقوة؟".

فضج التوتر حولها وضغط عليها من كل جانب حتى أحست بأنها ستشطر الى نصفين من شدة الضغط
وفيما الكراهية تتسرب الى رأسها وتشل ذهنها تدريجيا أخذ قلبها يفز بن جنبيها فهتفت بلا وعي:

" أريدك أن تكف عن معاملتي بهذه الوحشية وعن أصدار الأوامر اليّ في كل لحظة ودقيقة! بأختصار , أريدك أن تتركني وشأني!".

فرد رورك وصوته يدوي كالرعد :
" كفي عن التصرف كأنثي مظلومة ثائرة وتقبلي حقيقة أضطرارك الى قضاء ليلتك هنا , سواء شئت ذلك أم أبيت!".

اماريج 06-09-10 09:57 PM

وفاجأها بحركة ذراعه السريعة التي أمتدت لتسحبها بعيدا عن الكرسي الذي لجأت ا الى الوقوف خلفه لتضع حاجزا ملموسا بينها وبينه
وقبل أن تستطيع التخلص من قبضته الحديدية على ذراعها وجدته يدفعها أمامه عبر باب المطبخ وعبر الردهة والى غرفة الأستبال , ولم يزح يديه عن كتفيها وهو يتابع دفعها في أتجاه الممر حتى وصلا الباب
وحين رفضت فتحه بنفسها وأضطر الى مد أحدى ذراعيه لفتحه , حاولت الهرب من تحت ذلك القوس لكنه أمسكها من خصرها وألقى بها داخل الغرفة .


هبطت الدرجات الثلاث متعثرة وأستدارت تواجهه كحيوان متربص , ثم عادت القهقرى بخطوات سريعة وهو ينزل الدرجات.
أخذ ينتزع سترته الصوفية وقميصه ثم فتح الباب الخرانة الجرار في الحائط وقال بصوت كسول:
" يمكنك الوصول الى الحمام عبر الباب الذي تقفين أمامه , أن أخذ دوش ساخن كفيل بأزالة الرطوبة من عظامك ".
منتديات ليلاس
" وماذا ستفعل أنت؟".
فنظر اليها من خلف كتفه , وأتسم وجهه بتهكم فاتر وهو يجيب:
" سأفعل الشيء نفسه , غير أنني سأستعمل الحمام الأضافي".
أستدار اليها فتماوجت العضلات القوية في صدره العريض...
وكان يحمل على أحد ذراعيه بنطلونا جافا ... تمشت في عروقها رجفة مفاجئة حين أقترب منها لكنه تجاهلها للمرة الثانية ومر بها صامتا الى خزانة عالية ذات أدراج عديدة
وقال:

" هناك مناشف نظيفة معلقة داخل الحمام , ليس لدي قبعات واقية خاصة بالسيدات لكن شعرك قد أبتل في أي حال ولا أحسبك ستحتاجين الى قبعة لحمايته من ماء الدوش".

ثم أخرج من أحد الأدراج بيجاما حريرية بلون التوت البري وقال لها وهو يلقيها بخشونة بين يديها:
" خذي هذه , أنها كبيرة بالنسبة الى حجمك لكنها جافة على الأقل ".

فقالت وهي تحاول أعادتها اليه:
" ألبسها أنت".
فأبتسم بوجوم وأجابها:
" سأقول لك شيئا وبدون أن أقصد ألقاء الرعب في قلبك يا حمراء , أنا لا أرتدي بيجاما في السرير! والآن أذهبي الى الحمام لأخذ الدوش".
تورد وجهها حتى منابت شعرها وهتفت:
" لا أريد أن أستحم... لا أريد ثيابك وليست لدي أية نية في أستعمال السرير!".

توقف رورك وأستدار نحوها وقد أنعكس نفاذ صبره في خطوط وجهه المتجهمة وقال:
" لنوضح بعض الأشياء دونما حاجة الى جدلك السخيف, سوف تستحمين ولو أضطررت الى نزع ثيابك بنفسي وجرك الى الحمام بالقوة... أما البيجاما فعليك بأرتدائها الا أذا كنت تفضلين التجول بمنشفة حمام هي أبعد ما تكون عن الأحتشام الذي ترغبين فيه , وأخيرا ستأوين الى السرير وليس الى مكان آخر , وهكذا لا أريد سماع أي أعتراض".

وبهذا المرسوم المرعد الذي تردد صداه في جنبات الغرفة
سا ر الى خزانة أصغر وأخرج منها وسادة وبعض الحرامات.

فسألته مرتجفة :
" ماذا ستفعل؟".

فرد بأختصار وهو يسبل عينيه ليخفي بريقا ماكرا شب اليهما:
" بما أنني سأنام على الأريكة , فقد خطر لي أنني قد أحتاج الى بعض الأغطية ... أم تراك كنت ستعرضين عليّ مشاركتك الفراش؟".
فهتفت بكل ما فيها من حنق:
" أنت تثير القرف!".
" أحقا؟".
" أنت مغرور وتثير الأحتقار!".
منتديات ليلاس
" أهذا كل شيء؟ لا بأس , لا تقولي شيئا آخر , أذهبي الآن وأستحمي قبل أن تصابي برشح".
وصرخت فيه وهو يصعد الدرجات بخطاه الرشيقة وفي أتجاه الممر :
" ليتك تصاب بألتهاب رئوي يقضي عليك!".
لكن الباب أنصفق بشكل نهائي مما أعطى تيشا أنطباعا بأن رورك كان مسرورا بالتخلص من رؤيتها فوقفت للحظة بلا حراك وسط صمت الغرفة الذي أطبق عليها وسد أذنيها عن جعير الرعد خارج النافذة .

أنتابتها رجفة برد وتمشت في أوصالها حين أخذت رطوبة ثيابها تتسلل الى عظامها وأضطرت الى الأعتراف , ولو بتردد , بأن رشات الدوش الساخنة ستزيل منها البرودة وتنعشها.

دخلت حمامه الخاص المصمم باللونين الأزرق والذهبي وهي ما تزال قابضة على البيجاما , وأقفلت الباب خلفها
ثم وقفت لعدة دقائق تعرض جسمها لنافورة الماء لتسيل منه كل ترسبات الغضب المرير الذي وتّر أعصابها الى حد الأنهيار
ولما خرجت أخيرا من تحت الدوش وجففت نفسها تماما سيطر عليها خجل وشفقة على النفس من جراء تجاوها العاطفي الحار مع عناق رورك والذي كان في الواقع غلافا لعقابه لها.


اماريج 06-09-10 09:58 PM

راحت تعلق ثيابها المبللة بحركات آلية وتقاوم خواء مؤلما في داخلها وهي تحمد حسن حظها لأن رورك رفض تقرباتها في اللحظة الأخيرة فلم تتعرض لعذاب أذلال أعظم ....
وفكرت في مرارة , لو أن أحدا حاول أقناعها بأمكانية شعورها هكذا , لكانت أتهمته بالكذب والمبالغة , ولكن تصرفاتها بحد ذاتها أثبتت خطأ تفكيرها السابق
ومهما حاولت أن تتنصل من المسؤولية فلا يمكنها أن تلوم رورك وحده على التعاسة التي تغرقها في أمواج الحزن والشفقة على الذات.


وهنا , مسحت بعزم قطرات الدموع المتأرجحة على رؤوس أهدابها , ولفت شعرها الطويل بمنشفة ناعمة عقصتها حول رأسها ثم تناولت قميص البيجاما وأرتدته.

عادت الى غرفة النوم وسارت الى السرير الذهبي الغطاء , كان أتساعه الخالي يغري بالأستلقاء فيه لكنها أنطرحت على الغطاء وأخذت تبكي بحرقة لتخرج من صدرها كل تلك التعاسة التي تغرق نفسها
ثم بدلا من أن تنام , أختارت بقعة قرب حافة السرير حيث جلست عليها القرفصاء وظهرها الى الباب ...
فكت المنشفة المعقوصة على رأسها وشرعت تجفف بها شعرها الطويل بحركات عنيفة متتابعة.


سمعت طرقا على الباب , ثم صوت رورك ينادي قائلا:
" هل أنت محتشمة لأدخل؟".
" ماذا تريد؟".
لكن الباب أنفتح ودخل رورك بدون أن يجيب على سؤالها , كان يرتدي فقط بنطلونا حنطيا بدل البنطلون البني الذي أرتداه سابقا , وهذا اللون الفاتح كان يعزز سمرة صدره الغامقة التي أكتسبها من أشعة الشمس
راقبته تيشا من وراء كتفها وهو يتقدم , كان تعبير وجهه غامضا , وقال:

" جئتك بشيء من شراب الكاكاو ليساعدك على الأسترخاء كي تستطيعي النوم لبضع ساعات".
منتديات ليلاس
" كم أنت لطيف وتفكر في راحة ضيوفك!".
" ستأتي فرقة أصلاحات في الصباح لترفع الأشجار عن الطريق, وقد خابرت بلانش لأعلمها أستضافتي لك هذه الليلة".
لقد أنشغلت بالحزن على نفسها والى حد أنساها تماما أن عمتها قد تكون قلقة على غيابها الطويل , وهكذا أضطرت الى شكره أنما بتردد , فسألها:
" أتريدين الكاكاو أم أعيده الى المطبخ؟".

لم تكن تنظر اليه لكنها شعرت أنه لم يتحرك من مكانه وبأمكانها بمنتهى البساطة أن تسير اليه وتتناول الفنجان منه أنما لم تشأ أن تواجه تلك النظرة اللامبالية في عينيه الجليديتين , فقالت:
" بأمكانك أن تضعه على منضدة السرير , سأشربه في ما بعد".

وظلت مشيحة برأسها وهي تسمع وقع خطاه على الدرجات , ومن خلال ستار شعرها الطويل رأته يمر بها متجاهلا أياها
وحين أستدار راجعا سألته:

" أنني بحاجة الى مشط لتسريح شعري , فهل لديك واحد؟".
"قد تجدين مشطا في خزانة الأدوية".
فردت بأختصار:
" شكرا".

اماريج 06-09-10 09:59 PM

أستدارت كما المروحة ومشت بعزم الى الحمام صافقة الباب خلفها , وهناك تناولت بنطلون البيجاما من على الرف ,وبعد جهد جهيد أستطاعت أن تلف خصره حول صدرها فيما بقيت قدماها تمسان السجادة الوثيرة من خلال طيات القماش , ثم زحفت الى الباب وفتحته بعنف
وقالت وهي توزع بصرها بين رورك وبين طيات البنطلون الحريرية الملقاة حول قدميها:

" أترى الآن منظري كيف هو؟".
" أطوي حافتيه من تحت".

فتقوس فمها الجميل بأبتسامة متهكمة وهي تجيب:
" لكن كيف أحل مشكلة خصره العريض , ومقاسك ليس بالضبط كمقاسي الصغير؟".
" أطوي رجليه".
فقلدته غاضبة :
" أطوي رجليه ... أنت يابس الرأس ولا يقنعك شيء على الأطلاق! أي ضير هناك في أرتدائي القميص فقط طالما هذا المنحوس يصل الى ركبتي تقريبا؟ أين عدم الأحتشام في ذلك؟".
منتديات ليلاس
تملكها الغضب فسارت خطوتين في أتجاهه, وفي الخطوة الثالثة تشابكت الطيات حول قدميها , فأحستبأنها ستهوي وبسطت ذراعيها أمامها لتخفف وقع السقطة لكن يديها ألتقتا بذراعي رورك وصدره أذ سارع الى حمايتها من الوقوع , أختل توازنهما فهويا الى الأرض معا
لكن جسم رورك تلقاها كوسادة حين سقطت هي فوقه.

أزاحها عنه بلطف الى السجادة وسألها بأهتمام:
" هل يؤلمك شيء؟".

أجابت شاهقة وقد أرعبتها للحظة صدمة السقوط:
" لا ".
ثم أردفت بعد زوال الصدمة:
" وأنت لا تشكر على ذلك".
فسأل مغمغما:
"هل كان من المفروض أن أدعك تسقطين ليدق رأسك بالأرض؟".

فأجابت بحنق:
" ما كان يجب أن أرتدي ذلك البنطلون السخيف".
فأعلن رورك غاضبا وهو يبسط كفه على الأرض ليستطيع النهوض بتوازن:
" لا سبيل الآن لأصلاح ذلك بعدما حصل ... تيشا!".

فأجابت بيأس وصوتها يكاد يتهاوى:
" أوه , أذهب عني وأتركني وشأني".
فوضع كفه تحت ذقنها وأرغمها على الألتفات اليه كي ترى نار الغضب الملتهبة في حدقتيه... فسألته بصوت أبح:
" ألم تشبع من أذلالي؟".
" أيتها الساحرة الصغيرة الخضراء العينين!".

كان يركز بصره على أنفراج شفتيها المرتجفتين فهتفت مرتعبة:
" لا!".
وفي اللحظة نفسها رفعت يديها لتبعده عنها.
ولكن ما أن لمست أصابعها صلابة صدره حتى تناغمت أعصابها مع كل عضلة متماوجة في جسمه حين أستجابت لضغطته المتحركة , كان عناقه هذا عملية أغراء لحواسها جعلتها تنسى تماما كل ما يحيط بها.

وبحركة سريعة رشيقة نهض رورك واقفا على قدميه ورفعها من يديها حتى أوقفها الى جانبه , نظرت اليه من بين أهدابها الطويلة بحذر أذ خشيت رفضه البارد كما في المرة السابقة لكنها وجدت عينيه تستعران بالنار أياها بل وتهدد بالأندلاع من جديد.
وسألها:
" هل لديك فكرة عن مدى المشاعر التي تثيرينها في الرجل؟".

كانت أصابعه تطبق على كتفيها وهو لا يدعها تفلت منه وفي الوقت نفسه يترك بينهما مسافة آمنة.
وفي غمرة أرتجافها من جراء الأمواج العنيفة التي أحدثها فيها لم تستطع ألا أن تنظر اليه بصمت متخدر
فيما بدت أنها تشعر بشكل ما بالجهد الذي يبذله لضبط عواطفه.


وقال بعذوبة:
" أشربي الكاكاو وأذهبي الى السرير".
ثم مس خدها بأصبعه وسار بعزم في أتجاه الباب , توقق على منتصف الدرج وأستدار اليها قائلا:
" عندما أخرج , ضعي الكرسي تحت مقبض الباب لأنه بدون قفل ".
فهمست :
" أنني أثق بك".
منتديات ليلاس
" شكرا , لكنني لا أثق بنفسي في الوقت الحاضر , لذا أفعلي ما أقول".
فقالت بخضوع أدهشها:
" سأفعل ذلك يا رورك".

نظر اليها بحنان.
" تصبح على خير".
" وأنت من أهله يا تيشا".
" أرجو أن تنام براحة وهدوء".
فأبتسم بتكا سل وأجابها وهو يفتح الباب:
"الأرجح أنني سأفقد عقلي بهدوء ... لا تنسي تثبيت الباب بالكرسي ".
" لن أنسى ".
لكنها نسيت وربما لأنها أدركت أن ذلك لن يكون ضروريا!

*****نهاية الفصل السادس*****

أحاااسيس مجنووونة 07-09-10 12:59 AM

اووووووووووووه ...........اوووووووووووووووه.............


بص.........شوف........اماريج بتعمل ايه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


شو هاد غر شكل عنيفة حلووووووووووووووووووووووة

تسلم ايديك .........ويعطيك الف عافية ...........

بالانتظار ........على..........ناااااار......




http://1.bp.blogspot.com/_NjdBzKI5nY...on+glitter.gif

زهورحسين 07-09-10 02:09 PM

:i03Rose_Yellow:يعطيك الف عافية:i03Rose_Yellow:
التكملة بليييييييييييز
:party0007:

اماريج 07-09-10 10:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام مريم 2010 (المشاركة 2436849)
اووووووووووووه ...........اوووووووووووووووه.............


بص.........شوف........اماريج بتعمل ايه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


شو هاد غر شكل عنيفة حلووووووووووووووووووووووة

تسلم ايديك .........ويعطيك الف عافية ...........

بالانتظار ........على..........ناااااار......




http://1.bp.blogspot.com/_NjdBzKI5nY...on+glitter.gif


الله يسلمك ويعافيك يارب
وشكرا لمرورك ومتابعتك وتعليقك الشيق يالغلا
تحيااااااتي العطرة لك

اماريج 07-09-10 10:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهورحسين (المشاركة 2437496)
:i03Rose_Yellow:يعطيك الف عافية:i03Rose_Yellow:
التكملة بليييييييييييز
:party0007:



الله يعافيك يارب
وشاكرة لك مرورك ومتابعك الحلوة ياعسل
تحياااتي العطرة لك

اماريج 07-09-10 10:14 PM

7- زواج مدبر
*****************
تقلبت تيشا على بطنها ودفنت رأسها في نعومة الوسادة وهي تقاوم نداء وعيها الداعي الى الأستيقاظ
كان يلفها شعور دافىء ولذيذ بالقناعة والهناء فلم تشأ أن تحرم نفسها من التنعم به وقتا أطول
وفي الأخير أنفتح جفناها تلقائيا وركزت عينيها الخضراوين على القماش الحريري التوتي الذي يغطي ذراعها وتسللت من تحت الأغطية بشيء من التردد ومشت الى الحمام حافية القدمين
وجدت ثياب الأمس المبللة قد جفت تماما فأرتدتها على عجل , أما شعرها الذي تشعث في أثناء النوم فقد أمضت عدة دقائق في تسريحه , غمغمت لحنا طروبا وهي تخرج من غرفة النوم وأصغت السمع وهي تتجول باحثة عن مكان رورك
منتديات ليلاس
وأخيرا رأت ضوءا ينبعث من باب غرفة مكتبه المفتوح فتمهلت في سيرها لدى أقترابها منه , وحين ألقت نظرة الى داخل الغرفة رأت رورك منحنيا على طاولة الرسم محتضنا رأسه بين ذراعيه وقد طرح على كتفيه حراما من الصوف , ومات اللحن في حلقها لما حملتها قدماها الى داخل الغرفة.

أحست رغبة جامحة في الأقتراب منه لتزيح خصلة شعر ذهبية شردت على جبينه الساكن... بدا في نومه أقل أرهابا وأكثر جاذبية أن صح هذا التعبير , وفيما هي تتمسك بحافة الدرابزين لتصعد الدرجات القليلة رأته يحرك رأسه ....
لقد كتمت السجادة الوثيرة صوت خطواتها ولا يعقل أن يكون سمعها وهي تدخل, ومع ذلك أستيقظ من غفوته وطفق يمسد وجهه بيديه المتعبتين.


توقعت أن ينتبه لوجودها في أية لحظة فأستبقت ذلك وقالت تحييه بمرح:
"أسعدت صباحا".
بقيت واقفة حيث هي , لأن ساقيها المصطكتين عجزتا عن حملها لتصعد بهما الدرج , وأستدار اليها بوجه متجهم وتمتم بنكد وهو يحرك كتفيه ليلين عضلاتهما المتقلصة.
" هل هو حقا صباح سعيد؟".

فأضافت بتردد:
" أنه على الأقل ليس ماطرا".
لكن لم يبد عليه أنه سمعها , وعاد يفرك فمه وذقنه بكفه العريض وسألها متذمرا:
" لا أحسبك قد صنعت شيئا من القهوة؟".
فقالت مدافعة عن نفسها:
" ما أستيقظت الا قبل دقائق".

" أذن ماذا تنتظرين؟ أذهبي وأصنعيها".
فأحست بأمل السعادة الوهمي يتفجر في وجهها كفقاعة الصابون, فما عدا تلك اللفتة السريعة المتجهمة لم ينظر اليها بتاتا.

ولذا أعلنت بصوت جليدي :
" سأصنع القهوة لأنني أرغب شخصيا في فنجان منها , وأذا كنت تريد واحدا فأذهب الى المطبخ لتحصل عليه!".

لم تعرف كيف خرجت من الغرفة لشدة خيبتها وأستيائها , وفي المطبخ فتحت وأغلقت عدة خزائن حتى وجدت البن الذي وضعت المقدار المطلوب منه مع الماء في أبريق قهوة كهربائي وأشعلته ثم جلست على أحد الكراسي تصغي الى فقفقة الماء المغلية وهي تمتزج مع البن داخل المصفاة الخاصة به حتى تنضج القهوة تماما.

وما أن سحبت الموصل الكهربائي حتى دخل رورك الى المطبخ , وبدون أن تنظر مباشرة اليه لاحظت تيشا أنه كان حلق ذقنه وأعاد الى شعره بعض التنظيم وأرتدى قميصا بنيا بدا منسجما مع بنطلونه الفاتح.
منتديات ليلاس
وصرحت فورا بقولها:
" القهوة جاهزة".
ثم نهضت وسكبت لنفسها فنجانا حملته الى حيث الطاولة لكنها لم تعرض أن تسكب له واحدا.
فسألها:
" هل تريدين عصيرا أو خبزا محمصا أو أي شيء آخر؟".
" كلا, شكرا".

" حسنا , أنما لا تأكلي رأسي بتصرفك الثلجي هذا".
أستعرت غضبا وأجابته:
" أذن لا تخاطبني بهذه الحدة! أن كنت قضيت الليل تعمل بدل أن تنام فلا تصب جام غضبك علي".

اماريج 07-09-10 10:15 PM

فأخترقت نظرته الهواء كرمح باتر سدده الى عينيها وأجاب:
" الأريكة لا يزيد طولها عن خمسة أقدام ونصف قدم , فيما طولي أنا , كما هو مسجل في رخصة القيادة , ستة أقدام وأنشان ... حاولي أن تنامي في ظرف كهذا!".
" الذنب ليس ذنبي".

أستند بتكاسل على منضدة المطبخ المستطيلة وأجاب وهو يرشف القهوة الساخنة:
" حسبما أذكر , كنت تنامين على السرير الوحيد في هذا البيت".
" كان بأمكانك أن...".
فحثها على المتابعة بهدوء مميت:
" كان بأمكاني ماذا؟".
منتديات ليلاس
فنهضت واقفة على عجل وقد توردت وجنتاها بشدة.
وفيما هي تمر به لتسكب فنجانا آخر من القهوة وتابعت عبارتها قائلة:
"كان بأنكانك أن تنام على السرير وتترك لي الأريكة".

فوضع فنجانه جانبا ومد ذراعه فأوقفها أمامه ... وفجأة عاودها ذلك الشعور بالخواء المؤلم وعيناه الداكنتان تتجولان عليها
وغمغم مجيبا:

" أو كان بأمكاني أيضا أن أشاركك السرير".
تلاحقت أنفاسها فردت بصعوبة:
" لم أقل ذلك".
" لكنني لو أردت البقاء معك لفعلت , أليس كذلك؟".

أجتاحتها رعدة حنين لدى سماعها صوته الأجش والحامل في ثناياه رقا غير منظور , ثم أحنت رأسها في موافقة خرساء على كلامه.
وتابع رورك:
" لو أنني فعلت ذلك , لكنت تحاولين هذا الصباح أيجاد طريقة لتربطك بي ".

فأحست كأن خنجرا باردا أنغمد في قلبها, وسألته وهي تشمخ برأسها دفاعا عن كرامتها الجريحة:
" ألهذا السبب لم تفعل؟ لأنك كنت تخشى أن أصبح أنثى متطلبة تصر على الألتصاق بك؟".

فقال محذرا أياها بهزة ساخرة من رأسه:
" لا تتظاهري بخبرة لا تملكين منها شيئا".
"ما دمت تفضل الفتيات الخبيرات فلماذا كلفت نفسك عناء مغازلتي ؟ هل فعل ذلك لتتأكد فقط من أنك لم تفقد براعتك في هذا المضمار؟".
أجابها بلطف:
" كلا , لكن الأنثى عندما تصبح ناعمة ومطواعة مع الرجل , يكون رد فعله غريزيا , وعلى الرغم من لسانك اللاسع يا حمراء , فأنت امرأة مثيرة ".

" على الأقل أنت لا تراني بغيضة كليا".
" أنا لا أراك بغيضة والحقيقة أن العكس هو الصحيح".
" أنك تتكلم في دوائر فلا أفهم شيئا مما تقول ... فمرة تزعم أنني ساذجة جدا بالنسبة الى خبرتك ومرة ثانية تعطيني أنطباعا بأنك تريدني , ألا تقدر أن تستقر على رأي واحد؟".
" أجل , أقدر".

لفظ الكلمة الثانية مشددا وتابع:
" ولكن ما مدى قدرتك أنت؟ ما هو شعورك الحقيقي أتجاهي؟".
" أنا أكرهك الآن!".
" صحيح, فأنت كنت ستسمحين لي في الليلة الماضية...".

أكتنفتها الحسرة فأطلقت تنهيدة يائسة وقد بدأ غضبها يتبخر , تأملت وجهه بعينين ضائعتين , وفي تعبير وجهه عاصفة صغيرة من الخيبة العاجزة, وغمغمت:
"أمر غير معقول , أليس كذلك؟ فأنا أكرهك وفي الوقت نفسه...".
وعلقت بقية العبارة في حلقها...
فحذرها رورك:
" على مهلك!".
منتديات ليلاس
أختفى البريق الساخر في عينيه وحلت مكانه نيران قاتمة.
" لا تقولي شيئا لأنني قد أتمسك بأي أعتراف يصدر منك".
لكن تيشا لم تكن متأكدة من نوعية ذلك الأعتراف , فالحب لا يعقل أن يحدث بهذه السرعة ولا أن يترك لها مجالا لأن تشعر أتجاهه بكل هذه العدائية الملتهبة.

وتكلمت أخيرا بعذوبة:
" رورك, أننا نمثل , بشكل أو بآخر , أتحادا قابلا للأحتراق".
" أوافقك على هذا كل الموافقة".
وأشرق وجهه بأبتسامة عريضة عززت بريق الرضى في عينيه وغمغم سعيدا:
" صباح الخير يا تيشا , أعتقد أنني لم أصبحك بعد , هل فعلت؟".
" لا".

اماريج 07-09-10 10:16 PM


أبتسمت ووجهها مدفون في حنانه وقد توقفت عن الأهتمام بردود فعلها التكافؤية أتجاهه , أرجعت رأسها الى الخلف كي تنظر الى محياه وتقول:
" هل تتصرف دائما كدب عجوز نكد عندما تستيقظ من النوم صباحا؟".
فرد مبتسما ونظرة عينيه الماكرة تذيب مفاصل ساقيها:
"فقط عندما تكون لدي فتاة تتجول في بيجامتي وفي غرفة نومي خلال السهرة".
منتديات ليلاس
وفجأة سمعا طقطقة في قفل الباب وأحست تيشا برورك يتقلص الى جانبها, أدارت رأسها بأستغراب ونظرت صوب الباب الموصل الى المرآب
فأنتابتها صدمة جعلتها تتجمد للحظة كاملة بلا حراك
ثم أنتزعت نفسها بوجل من بين ذراعي رورك وهتفت بصوت رفيع لشدة أنذهالها:

" بابا!".

حدقت الى وجه أبيها المكسو بثورة باردة لكنه لم يكن ينظر اليها بل الى الرجل الواقف معها , وسألته بصوت خافت لاهث:
" ماذا تفعل هنا؟".
قذفها بنظرة قرف جليدية فأدركت تيشا بثقة مرعبة ما كان يجول تماما في ذهنه! ألتهبت وجنتاها حرجا وأرتباكا وسارعت تقول مفسرة:
" بابا , الأمر يختلف تماما عما تظن , لقد أضطررت الى البقاء هنا ليلة أمس لأنه كانت هناك شجرة تسد الطريق و... ولم أستطع العودة الى البيت مشيا في تلك العاصفة".

فغمغم أبوها متهكما:
" هذا شيء مضحك , لم تكن هناك أية شجرة تسد الطريق عندما عبرت عليها بسيارتي".
كان التحدي واضحا تماما في عينيه حين قذف رورك بنظرة متقدة , وكان ألأخير ما يزال يرتكز على الطاولة وعيناه مصوبتان مباشرة الى عيني والدها المفعمتين بعدائية مكشوفة.
أزدادت تيشا أرتباكا
وعادت تفسر ويدها تحوم بعصبية على عنقها:

" كان من المفروض أن تصل صباحا فرقة أصلاحات لتفتح الطريق , و.... ولا بد أنهم أزالوا الشجرة في الموعد المحدد".
منتديات ليلاس
وفي تلك اللحظة ظهرت بلانش على العتبة وبادرت تيشا بنظرة عطوفة وغمغمت لها:
"آسفة يا عزيزتي ".
وأضافت هامسة وهي ترفع يدها بحركة تعبر عن عجزها:
" لقد وصل هذا الصباح ولم أستطع منعه من المجيء الى هنا".

وألتفت ريتشارد كالدويل الى صاحب البيت يسأله:
" أسمك ماديسون , أليس كذلك؟".
ولما أومأ رورك بالأيجاب قال ريتشارد موجها الكلام الى أبنته:
" تيشا , أريدك أن تعودي مع بلانش الى البيت بالسيارة".

اماريج 07-09-10 10:17 PM

فهتفت الفتاة:
" أبي , كف عن هذا! أنك تتصرف تماما كأب فكتوري ولا ينقصك ألا أن تحمل في يدك بندقية ! لم يحدث أي شيء ليلة أمس.... رورك , أشرح له الحقيقة!".
فرد أبوها متحديا رورك:
" نعم , أنا متأكد من أن ذلك المشهد الحميم البسيط الذي شاهدته لحظة دخولي لم يكن سوى تعبير منك عن عاطفتك الأخوية لأبنتي!".
منتديات ليلاس
فأعترضت تيشا حانقة وهي تلبط الأرض بقدمها:
" لم يكن موقفا حميما , كان يحيطني بذراعيه فقط".
نفذ صبر ريتشارد وأنقطع الخيط الرفيع الذي كان يمسك أعصابه فصرخ فيها قائلا:
" قلت لك أن تنصرفي!".

فوقفت في طريقه راسخة القدمين وأجابت:
" كلا! لن أنصرف قبل أن تقتنع بتفسيرنا!".
" لست بحاجة الى تفسيركما ! أنا أعرف تماما ما كان يدور بينكما عندما فاجأتكما بدخولي!".
فهتفت واليأس والخيبة يحفان بصوتها:
" بحق السماء يا بابا , أنا أبنتك , فهلا أصغيت الي!؟".

ثم قلصت فمها بوجوم وأردفت متسائلة:
" أو لكوني أبنتك تصر على المعاندة ولأنك تعرف ما كنت ستفعله في ظروف أخرى مشابهة؟".
فألتمع على وجهه شعور بارق بالذنب قبل أن يسارع الى محوه وأجابها بحدة:
"ما تقولينه هراء محض! لا تحاولي أبعادي عن الموضوع الأساسي والأهم".

" أنا لا أحاول أبعادك عن أي شيء بل أحاول منعك من جعلنا أضحوكة في نظر الآخرين!".
حدق اليها ريتشارد كالدويل لدقيقة كاملة وهو يقاوم ضعفه أمام الأسترحام البادي في عينيها الخضراوين الغاضبتين والمليئتين بالدموع
ثم أدار نظرته القاسية صوب رورك الذي أستمر منذ وصوله يتابع فصول المعركة بهدوء تام
.

ضبط ريتشارد نبرات صوته الجامحة وأعلن لها بحزم:
" أنا والسيد ماديسون لدينا موضوع خاص سنتداوله على أنفراد , لذلك أريدك أن تصعدي الى سيارتك وتعودي مع بلانش الى البيت".
فأجابته تيشا بدون أن تتزحزح عن وقفتها المتمردة أمامه:
" لا يمكنني ذلك لأن بطارية سيارتي قد تعطلت مساء أمس".

فرد حانقا:
" أذن خذي سيارتي!".
كتفت ذراعيها على صدرها , وقالت وهي تتابع تحديقها الغاضب الى الرجل الطويل الأسود الشعر:
" من المفروض أن أمثل الفريق المتضرر في هذه المسرحية الساخرة , ومن حقي بالطبع أن أصغي الى هذا الحديث الخاص".
منتديات ليلاس
فقال أبوها بعزم وأصرار:
" الأناث لا يمكنهن بحث الأمور بذكاء ومنطقية عندما تكون هذه الأمور متعلقة بعواطفهن , وأنت سوف تصابين بالهستيريا حالما نبدأ الحديث".
فتأوهت بغضب:
" أوه , أنت الذي لا تستطيع بحث الأمور بذكاء ! ثم أنك لم تكن هنا ليلة أمس , ومع ذلك أنت واثق جدا من معرفتك لكل ما حصل!".

فأنفجر ريتشارد صارخا:
" أرفض أن أتحمل وقاحتك دقيقة أخرى! عليك أن تغادري هذا البيت فورا!".
فهتفت تيشا وهي ترفع صوتها ليعادل مستوى صراخه:
" لن أتركك هنا لوحدك مع رورك!".

اماريج 07-09-10 10:17 PM

وفجأة سمعت حركة خفيفة خلفها ثم شعرت بيد تلم خصرها وجاءها صوت رورك يقول بأسترخاء متلذذ:
" لدي القدرة الكافية على خوض معاركي الخاصة يا حمراء".

فرد عليه ريتشارد كالدويل بسخرية متشفية:
" بدأت أعتقد أنك من النوع الذي يختبىء وراء أثوال النساء".
نظرت تيشا خلف ظهرها فرأت عيني رورك تتصلبان فجأة مع أن تعبير وجهه ظل محتفظا بليونته ....
لكنها تدرك من خلال خبرتها الخاصة أن رورك خصم شديد اليأس والسطوة, وأنها ما أستطاعت أبدا أن تتغلب عليه , حتى عندما كان يخيل اليها أحيانا أنها المنتصرة.


وأجاب رورك بسكينة أدهشتها:
" أنني أتفهم قلقك وأهتمامك بما حصل ليلة أمس يا سيد كالدويل ".
ثم نظر الى تيشا وفي عمق عينيه البنيتين بريق مطمئن , وأردف:
" كذلك أوافقك تماما على أن بحث الموضوع بمنطقية سيكون صعبا في حضور أبنتك وحيث ستثور وتعم عصبيتها أرجاء المكان".

فشهقت تيشا لخيانته المفاجئة لها وهتفت:
" لن أنصرف من هنا!".
فقال وهو يدفعها الى الأمام قليلا:
" هيا , أذهبي مع بلانش الى البيت , أنا واثق من أنني ووالدك سوف نتوصل الى تفاهم ما".

وهذه المرة, نقلت وقفتها المتمردة اليه , فرسخت قدميها أمامه وصرخت برأس شامخ متحد:
" لن أذهب!".
فرد عليها رورك بلهجة هادئة وحازمة جدا:
" بل ستنفذين رغبة والدك".

" وأذا رفضت ذلك , ماذا ستفعل؟ هل سترفعني عن الأرض وتحملني الى السيارة بالقوة؟".
خفضت صوتها لدى تلفظها بالكلمة الأخيرة وذلك حين ذكرتها نظرة عينيه بالليلة الفائتة لما حملها بلا أدنى مجاملة الى داخل البيت.
وتمتم يجيبها:
" سأفعل ذلك أذا أضطررت".

عندئذ أدركت أنه هزمها ... أسترقت النظر الى والدها فرأت في عينيه بريق أحترام أزاء النبرة الحاسمة في صوت رورك
ولم تستبعد أن يصفق أعجابا أذا ما أرت على المقاومة ورأى رورك يحملها عنوة ليخرجها من البيت.


أستشاطت غضبا وقالت وهي توزع سموم لسانها بالتساوي بين الرجلين:
" أعتقد أن كليكما يثير القرف بهذا التصرف الذكري المتعالي والمصر بغرور بأنه على حق! سأنصرف لا لسبب الا لأنني ما عدت أطيق رؤية أي منكما!".
تجمعت دموع المرارة في عينيها وهي تخرج غاضبة من المطبخ وعمتها تسيرخلفها بهدوء:
توقفت عند سيارة والدها ثم دارت حولها الى الجهة الأخرى وقالت لعمتها:
" تسلمي المقود يا بلانش فأنا ثائرة الى حد يجعلني أصطدم بشجرة ".

قلصت أصابعها وغرزت أسنانها في قبضتيها حين أدارت عمتها محرك السيارة وأنعطفت بها الى الطريق , وغمغمت تيشا ودموع الخيبة تحرق خديها:
" ما تعرضت لأذلال في حياتي! لماذا أضطر أبي للمجيء هنا؟ لماذا هو على أستعداد دائم لتصديق أسوأ الأشياء؟".

فردت بلانش برقة:
" لقد أشتاق اليك وجاء ليقضي هذا اليوم معك".
" ليته لم يأت, لا أريد رؤيته أبدا بعد اليوم!".
ثم تهدلت كتفاها بأنكسار وأردفت وهي تتنهد وتمسح الدموع عن وجهها:
" لم أقصد ما قلت , أنه أبي وأنا أحبه , لكن لماذا لا يقدر أن يثق بي؟".
منتديات ليلاس
" لست أنت من لا يثق به كثيرا , بل هو رورك , دعنا نواجه الحقيقة , فلو أن رورك كان رجلا بدينا قصيرا وفي الستين من عمره , لما وصل أبوك أبدا الى ذلك الأستنتاج وبتلك السرعة , وأذا كان قد دخل فرآك بين ذراعي رورك, كما قلت, فلا تلوميه لكونه حكم عليكما من خلال ما رآه بأم عينه , ثم لا تنسي أن أباك كان مغامرا في شبابه ولم يأبه على الأرجح لأعتراضات نساء عديدات على تقرباته الغرامية منهن , ومن الجائز جدا أنه تصور رورك يفعل معك الشيء ذاته".

أجتاحتها موجة خجل عارمة, فلا أحد سواها وسوى رورك يعلم الى أي حد كادت أتهامات أبيها أن تقترب من حدود الحقيقة , كم تشعر الآن بالذنب
ولا ريب أن هذا الشعور رافقها من قبل أيضا وكان السبب الذي جعل نفيها لتلك الأتهامات شديدة الحرارة وربما أقل قابلية للتصديق.


عقدت حاجبيها بضيق وقالت تتنهد بندم:
" كم أتمنى لو أن تلك الشجرة لم تهو ليلة أمس ولو أن فرقة الأنقاذ لم تبادر ألى أزاحتها من الطريق في الصباح الباكر.
وعلقت بلانش تذكرها بوجوم:
" وكم أنا نادمة لأنني أرسلتك الى هنا ليلة أمس بتلك الرسالة , وما كان ينبغي أن أصر على ذلك".

" أوه , بلانش , أنا لا ألومك بتاتا!".
" أعلم ذلك لكنني ألوم نفسي ... لقد تركت القهوة على نار خفيفة ".
فردت تيشا بعد أن ترجلت من السيارة :
" أرجو أن تكون نضجت تماما لأنني بأشد الحاجة الى قهوة قوية منعشة".
دخلتا معا وسارعت بلانش الى سكب فنجانين لكلتيهما وجلستا الى طاولة المطبخ تواسيان بعضهما بعضا بصمت.

وفي الأخير تنهدت تيشا من قلب موجوع وقالت تبث عمتها همها:
" بعد الذي حصل , لا أتصور أن أبي سيسمح لي بالبقاء معك , سوف يحملني على الأرجح مع ثيابي ويعود بي الى البيت حيث يمكنه أبقائي تحت الحراسة المشددة ... وأذا كان في الماضي قد أرعب أصدقائي الشبان حسب أعتقادي , فذلك سيكون شيئا بسيطا بالنسبة الى ما سوف يفعله من اليوم فصاعدا".

فقالت بلانش تطمئنها بحماسة:
" لست مضطرة الى مغادرة بيتي , فمهما أرتأى أخي من أجراءات ستبقين هنا على الرحب والسعة".
شكرتها تيشا مبتسمة ثم سألتها وبصرها يشرد الى النافذة:
"ماذا يظنينه سيفعل برورك ؟".
فأجابتها عمتها بأسى:
"لا أظنه سيفعل به شيئا".

اماريج 07-09-10 10:18 PM

" ليتني أعرف ماذا يجري الآن هناك".
" ستعرفين ذلك قريبا".
ومضت ساعة , بدت كسنة لتيشا , قبل أن تسمعا صوت سيارة تيشا تتوقف في الممر, فتبادلت المرأتان نظرة متعاطفة فيما أستعدت الفتاة لمواجهة ثورة ريتشارد
لكن عندما دخل المطبخ كان وجهه يشع بأبتسامة راضية وراح يفرك كفيه مع بعضهما البعض كأنه أنتهى لتوه من تنفيذ مهمة شاقة.


وسألهما بصوت مرح:
" هل تركتما لي بعض القهوة؟".
لقد توقعت تيشا أي شيء الا هذا الحبور البادي في صوته وتصرفاته
تغصن جبينها بعبسة حائرة وأخذت تراقبه وهو يسكب القهوة في فنجانه ويحمله الى الطاولة حيث تجلس مع بلانش.

منتديات ليلاس
أتخذ مجلسه على الكرسي وكأنه يستوي على صهوة جواد ولامست أشعة الشمس فوديه الشائبين فألتمعا كالفضة , أومأ برأسه لتيشا وقال:
" أنت شابة محظوظة جدا ".
" ماذا تعني؟".
فأعلن بأعتزاز وهو يرشف القهوة الكاوية:
" صديقك السيد ماديسون وافق على تنفيذ الأجراء اللائق بحقك".
تقلص ظهرها لدى سماعها كلماته وأستوضحته مذهوله:
" ماذا تقصد بالأجراء اللائق؟".

" لقد وافق على الزواج منك بالطبع!".
" أوه , يا ألهي!".
كانت لا تصدق أذنيها , وأشتد بها الذهول الى حد الشلل , ثم أردفت بصعوبة:
" لا يعقل أن تكون جادا في كلامك!".
" بل أنت مصيبة تماما , فأنا أتكلم بمنتهى الجدية ! سنجري فحوص الدم ونحصل على رخصة الزواج هذا الأسبوع".

فهتفت تيشا وهي تقفز من مكانها ملتاعة:
" لا وألف لا! لن أتزوجه".
" بل ستتزوجينه بكل تأكيد".
فأعترضت بصرخة يائسة:
" لكنني بالكاد أعرف هذا الرجل , وفي الواقع, لا أميل اليه بتاتا!".
" كان يجب أن تدركي هذه الحقيقة قبل أن تقضي الليل معه!".

" لقد أمضيت ليلة في بيته وليس معه , أنه بالطبع شرح لك ذلك, ألم يفعل؟".
أحست بالخوف يتكوم في حلقها وهي تنتظر جوابه
فقال بليونة وبساطة:

" في الواقع لم أجد داعيا لنبحث بدقة تفاصيل ما حدث الليلة الماضية , فحالما أكتشفت أن نواياه أتجاهك لم تعد هناك أي حاجة الى بحث علاقته الحميمة بك".
فكررت تيشا مستغربة:
" نواياه شريفة أتجاهي؟ هل تعني أن رورك يريد الزواج مني بكل رضاه؟".
" أقنعته أنه بات ملزما بذلك , وبأقصى سرعة ممكنة".

فتدخلت بلانش لتسأله غاضبة:
" ريتشارد , هل هددته بأقامة دعوع عليه؟".
شعر بحرج فتململ في جلسته وأجاب:
" لم أقل له ذلك بكلمات واضحة , لكنه رجل ذكي فأدرك من تلقاء نفسه أنني مضطر الى أن أحمي سمعة أبنتي , وبالطبع , كان عليه بالمقابل أن يحمي سمعته من فضيحة محتملة".

فهتفت تيشا ثائرة:
" في الواقع , أنت سترغمني على الزواج منه! أنا لا أحبه!".
فأكد لها والدها قائلا:
" أنه شاب قوي الشخصية ولديه مهنة ممتازة , كذلك هو واسع الثراء نظرا الى ما أستطعت أستنتاجه من واقع بيته , كان من الممكن أن ترتبطي برجل أقل ملاءمة لك بدرجات , فكيفن مثلا , ما كان ليستطيع أبدا أن يضعك عند حدك لكن أظن أن ماديسون سيكون قادرا على ضبطك".
منتديات ليلاس
وهنا ألتمعت عيناه بشرارة غضب وأردف:
"لمّا دخلت عليكما في ذلك المطبخ كنت تعانقينه برضى تام , ربما أنت لست مغرمة به الآن , لكن بوجودك مع رجل مثله , لا بد أن تحبيه مع مرور الوقت".
" لا ! لن أتزوجه!.
" الموضوع بات منتهيا وأخذ كفايته من البحث والجدل".

وضع فنجانه على الطاولة ونهض عن مقعده قائلا:
" الآن , أستأذنكما أذ ينبغي أن أجري بعض الأتصالات الهاتفية مع الموظفين لأستطيع التفرغ هذا الأسبوع , أنها لنعمة أن يكون الرجل رئيس مؤسسة وحيث يقدر في الحالات الطارئة أن يوكل مهمات العمل الى مستخدميه".

وحالما أنصرف أبوها , أنطرحت تيشا على كرسيها وتمتمت:
" لا أصدق كل هذا ! ما الذي جعل رورك يوافق على الزاج؟".
فأعترضت عمتها بقولها:
" وأنا لا أقل عنك أستغرابا".
منتديات ليلاس
" ما زلت أحس بأنني أعيش كابوسا وأنني لن أفيق منه الا أذا قرصت نفسي بقوة... كم أنا شاكرة لكل تلك الأجراءات العصرية التي ينبغي على المرء أتباعها قبل أتمام الزواج , فلولاها لسارع أبي الى تزويجي منه فورا.... كنت أعلم أن رورك وافق على هذا ... الزواج , أعرف أنك تجذبينه لكنني كنت أتساءل ... هل وقعت في حبه يا ترى؟".

" أنا ؟ أقع في حب رورك؟".
وعلى الرغم من كل الغضب الذي حشدته في صوتها بدت هزة رأسها النافية خالية من حرارة الأنكار , وأضافت تقول بحزم وكأنها خائفة الى حد ما من فحص عواطفها:
" لن أقع أبدا في حبه!".
ثم قفزت واقفة وصرخت بتحد:
" يجب أن أكلم أبي , يجب أن أقنعه بشكل ما بأنني لا أريد الزواج من رورك".

********نهاية الفصل السابع*********


أحاااسيس مجنووونة 07-09-10 11:03 PM

حمااااااااااااس..........

تسلم الانامل.........

يعطيك الف عافية

نانا محمد 07-09-10 11:58 PM

شكرا كثيير بلاقي متعة في قراءة مختلف المواضيع بهل النتدى الرائع
لكن بلاقي مشكله في متابة قراءة الروايات والقصص لانه بعضها غير مكتمل الكتابة
بتمنى تساعدوني لحتى اقدر اقرأ الرواية او القصة كامله
وشكرا الكن

lafloufa 08-09-10 12:56 PM

ktiiiiiiiiiiiiir 7elwa ya3tik el3afia
waiting

نجمة33 08-09-10 09:48 PM

تسلم الانامل
شكرا لك

اماريج 09-09-10 01:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام مريم 2010 (المشاركة 2437729)
حمااااااااااااس..........

تسلم الانامل.........

يعطيك الف عافية


الله يعافيك ويسلمك ياعمري
نورت الرواية فيك يااااااااااااااااعسل
لك كل الود:flowers2:



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نانا محمد (المشاركة 2437766)
شكرا كثيير بلاقي متعة في قراءة مختلف المواضيع بهل النتدى الرائع
لكن بلاقي مشكله في متابة قراءة الروايات والقصص لانه بعضها غير مكتمل الكتابة
بتمنى تساعدوني لحتى اقدر اقرأ الرواية او القصة كامله
وشكرا الكن


العفوووووو يالغلا
غريبة !!!!!!!حبيبتي بس الروايات في هذا القسم كلهم مكتملين الا اذا كان بعض الاعضاء لسع عم بكفوا تنزيل الرواية يعني بعدها لسع جديدة
فيك تنظر الى عنوان الرواية اذا مكتوبة مكتملة فيك تقرئيها وقراءة ممتعة لك
وتحياااااااتي لك :flowers2:


اماريج 09-09-10 01:16 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lafloufa (المشاركة 2438339)
ktiiiiiiiiiiiiir 7elwa ya3tik el3afia
waiting



الاحلى تواجدك فيها وشاكرة لك مرورك وتعليقك
لك ودي:flowers2:



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجمة33 (المشاركة 2438556)
تسلم الانامل
شكرا لك



العفووووووووو يالغلا
والله يسلمك ياحياتي
لك كل الود:flowers2:

اماريج 09-09-10 01:17 AM

8_ هل تثقين بي؟
***************
أمضت تيشا طوال ذلك النهار تقريبا تجادل أباها وتتوسله طورا فيما أستطاعت دموعها ولا عباراتها الغاضبة أن تجعله يغير رأيه
حتى أدركت أخيرا أنها لن تتمكن من زحزحته عم موقفه الصلب ما دام يعتقد أن رورك سيتزوجها ....
تركته ودخلت الأستديو ثائرة وحيث كانت بلانش قد ألتجأت اليه بهدوء لتدعهما يتحاوران على أنفراد.

توسلتها تيشا ودموع الخيبة المريرة تحرق عينيها المذعورتين :
" أرجوك , أذهبي وشاغلي بابا بأي شيء , فيجب أن أخابر رورك تلفونيا ولا أريد أن يلتقط أبي التلفون صدفة ويكتشف أنني أكلم رورك".

فبادرت بلانش الى وضع فرشاتها جانبا وأخذت تنظف يديها بقطعة قماش لتزيل عنهما آثار الدهان ,وسألتها بلهجة حانية:
" ألم تنجحي في أقناعه؟".
لكن الفتاة لم تجبها , وأدركت بلانش من التعبير المتجهم على وجه الفتاة أنها فشلت في محاولاتها المضنية
فبادرت تقول بواقعية:
" ستجدين رقم رورك في الدليل قرب الهاتف".

شكرتها تيشا ... فخرجت المرأة وأتجهت هي الى التلفون , وبأصابع ترتجف غضبا أدارت القرص وأصغت بصبر نافذ الى رنينه المتواصل في الطرف الآخر
كانت على وشك أن تقفل الخط حانقة عندما أجاب رورك أخيرا فأستوضحته بغضب وبلا مقدمات :
" أين كنت حتى تأخرت بالرد الى هذا الحد؟".
" من يتكلم؟ تيشا؟".
" بالطبع".
منتديات ليلاس
فرد بصوت جاف لم يخل من مرح ماكر:
" نعم , بالطبع , فمن غيرك يحيي الآخرين بهذه الطريقة الوقحة؟ وجوابا على سؤالك كنت أشتغل لكسب عيشي كما تعلمين".
صوته الأجش المتهكم أضاف وقودا الى عصبيتها الملتهبة فردت بنزق:
" لا وقت لدي للثرثرة فقد يكتشف والدي في أية لحظة أنني أكلمك ".

" وأين الضرر في مخابرة تلفونية وقد بات يشك في حدوث أشياء أهم بيني وبينك؟".
" كف عن الكلام وأصغ الي! من عادة أبي أن يأوي الى فراشه في العاشرة ليلا, أريدك أن تلاقيني في الحادية عشرة تماما عند آخر الممر هنا , هل أخذت علما بما قلت؟".

" أجل....".
لكنها لم تدعه يكمل عبارته وقالت بسرعة قبل أن تقفل الخط:
" سأراك هناك وعندها نتحدث".
لم يكن الوقت ملائما لحديث طويل ومتشعب , وكم يحز في نفسها أن يأخذ الأمور بهذه البساطة واللامبالاة!

تعمدت الأبتعاد عن أبيها حتى موعد العشاء وحيث أحاطت تصرفاتها ببرود ثلجي وقذفته بين الحين والآخر بتعليقات قارصة لتفهمه بأنها لا تزال تعارض مرسومه القاضي بزواجها من رورك, لكن لا شيء زعزع معتقده بصوابية الأجراء الذي قرر تنفيذه.

ولما أنتهت هي وبلانش من نقل الصحون الى المطبخ , كان أبوها قد جلس مسترخيا في غرفة الأستقبال , بدأت تتساءل عما أذا كان الهرب هو الوسيلة الوحيدة التي ستخلصها من الزواج في الموعد المضروب. وقررت وهي تغسل الصحون أن رورك هو مفتاح الحل , وأذا هما تشاركا في الآراء والمقترحات سوف يتوصلان الى طريقة مناسبة تنقذهما من هذه الورطة.

شرد بصرها الى النافذة فوق الحوض وأجفلت حين رأت السيارة البيضاء السبور تتوقف عند مدخل البيت
نظرت بسرعة الى ساعة الحائط فأذا بها تشير الى السابعة وبضع دقائق .... لا يعقل أن يكون رورك قد أساء فهمها فهي قالت الحادية عشرة ولم تقل السابعة.

اماريج 09-09-10 01:19 AM

أنزلق الصحن من يدها وفسرت لبلانش بهمسة مذعورة وهي تتناول المنشفة منها لتجفف يديها:
" أنه رورك! لقد وصل الآن!".
فقالت بلانش مقطبة:
" حسبتك قلت أنك ستلاقينه في الحادية عشرة".
فردت لها المنشفة قبل أن تجف يداها تماما وأجابت:
" هذا ما أفهمته أياه ولا أدري لماذا جاء الآن ... يجب أن أمنعه من الدخول قبل أن يراه أبي!".
منتديات ليلاس
لكنها ما كادت تتحرك خطوتين من مكانها حتى رن الجرس وكان ريتشارد كالدويل قد وصل الباب الأمامي وفي الوقت الذي بلغت فيه تيشا عتبة المطبخ, توقفت حيث هي وأستعدت للهرب حالما شاهدت الطريقة الهادئة والودودة , التي رحب الرجلان بها بعضهما ببعض...
أحست بقلبها يترك صدرها ويختبىء في مكان ما من حلقها وهو يخفق بجنون لمرأى الرجل الطويل الرصين يبادل أباها عبارات المجاملة والتودد
ثم سمعته يقول بصوت متعطف:
" أرجو ألا يضايقك مجيئي في هذا الوقت".

وهنا نظر للحظة الى تيشا بعينيه اللامعتين وأردف:
" أردت التحدث الى أبنتك لبضع دقائق, فهل تسمح بأن أراها على أنفراد؟".
فلاحق ريتشارد نظرته الى حيث تقف تيشا وأجابه وفي عمق عينيه أنتصار متلألىء:
" لا مانع لدي".
فسأله رورك بتهذيب جم أحسته تيشا ينخر أعصابها المتقلصة:
" هل أجلس وأياها في أستديو بلانش؟".

" بكل تأكيد , تفضل".
لو لم تكن تيشا بحاجة ماسة الى التداول مع رورك لتضع حد لمشروع زواجها منه لكانت رفضت لحظتها أن تراه , لكن والحال هكذا فقد أضطرت الى التقدم معه داخل الأستديو.

وحالما أنغلق خلفهما صبّت عليه جام غضبها وقالت بصوت كفحيح الأفعى:
" طلبت اليك أن تلاقيني في الساعة الحادية عشرة".
فأجاب متشدقا ببرود:
" وهل ظننت أنني كنت سأوقع نفسي مجددا في ذلك الفخ؟ أن العاقل لا يلدغ من الجحر مرتين يا عزيزتي".
" أي فخ؟".

" لا شك أنها أقدم خدعة أنثوية على مر العصور وقد توقعت منك أن تبتكري خدعة أطرف منها يا حمراء".
" عن أي شيء تتكلم؟".
" أنني لأتساءل عن عدد الرجال الذين سبقوا الى مصيدة الزواج بسبب ليلة يقضونها مع فتاة, ليلة قد تكون بريئة تماما , وفي الصباح يظهر والدها على العتبة يهدد بالويل والثبور؟".
منتديات ليلاس
شهقت تيشا بأستياء أذ أدركت قصده , أنه يحسبها الرأس المدبر لكل ما حدث
فبادرت تقول:
" أنت تظن أنني ... أوه, لا يعقل أن تعتقد أنني خططت لهذا! أقسم لك انه ما خطر لي أطلاقا أن أي كان سيأتي اليوم لزيارتي , لقد أتى فجأة وبلا سابق أنذار , رورك , يجب أن تصدقني!".

تدحرجت العبارة الأخيرة على شفتيها بيأس وهي تقترب تلقائيا من قامته المهيبة وتناشده التفهم بحدقتين متسعتين.
فتوجهت مقلتاه ببريق ساخر
قال بهدوء:
" يا فتاتي العزيزة, لو خطر لي للحظة واحدة أنك أنت التي دبرت هذه اللعبة لكنت لويت عنقك".

تجمدت لبرهة أذ عجزت عن التصديق بأن أتهامه كان مجرد مزاح , ثم رأت شبح أبتسامة ضحكة مكتومة تتوهج في عينيه فتملكها الغضب وقالت وهي تضرب الأرض بقدميها بعصبية طفولية:
" هذا ليس وقتا مناسبا للمزاح!".
فغمغم يسترضيها بصوت رقيق:
" أردت فقط أن أرى كيف سيبدو الأمر من وجهة نظري".

فأتهمته قائلة:
" فعلت ذلك عن عمد وتقصدت أيضا أن تتجاهلني حين طلبت اليك أن تلاقيني في الساعة الحادية عشرة".
" لو أنني ألتقيتك في هذا الموعد حسب طلبك وفي أحد الزوايا المظلمة , ولو أن أباك رآنا معا , فأي تصور رهيب كان سيقفز الى ذهنه وأية مبادرة كان سيتخذ لمعالجة الموقف؟ الأستنتاج أياه الذي توصل اليه هذا الصباح وبالتالي الأسراع في أتمام الزواج".

أشاحت تيشا عنه لعجزها عن مواجهة نظرته الحادة الثاقبة , كلامه ينطوي على حقائق أكيدة لا يسعها تجاهلها بأي حال...
وتابع رورك يقول:
" لكن بمجيئي الى البيت وبمراعاة التصرفات المكشوفة الخالية من الشوائب فقد يقتنع من تلقاء نفسه بأننا موضع ثقته".
" وأي فائدة ستجنيها من جعله يثق بنا, ما دمنا عاجزين عن أقناعه بتغيير رأيه حول فكرة الزواج السخيفة هذه؟".

" من الصعب أن تتوقعي من رجل عنيد كوالدك أن يغير رأيه بين ليلة وضحاها , وعلينا أن نسعى الى أقناعه بالتدريج".
فغمغمت بمرارة:
" بكلمات أخرى , علينا أن ننتظر حدوث عدة معجزات صغيرة بدلا من أنتظار واحدة كبيرة".

" شيء من هذا القبيل".
فشمخت برأسها وهتفت تتحداه بسؤال عريض:
" وكيف تنوي الشروع في أقناعه ؟ هل ستأتي له بزوجة من تحت الأرض لتقنعه بأنك سترتكب جريمة تعدد الزوجات أذا تزوجتني الآن؟".
فأبتسم بجفاف وأجاب:
" هذه فكرة متطرفة , لقد خطر لي أننا قد نقنعه بتمديد فترة الخطوبة من بضعة أيام الى بضعة أشهر وهذا أقرب الى المنطق بالنسبة اليه".
منتديات ليلاس
فحللت تيشا فكرته بقولها:
" وفي خلال هذه الأشهر القليلة , سيرى بنفسه أننا غير متكافئين بتاتا وحيث يوافق على قرارنا بفسخ الخطوبة... لا , ثق أنه لن يوافق".
" ولم لا؟".
قطبت حاجبيها بأستنكار وردت:
" أنت لا تعرف أبي كما أعرفه , أنه عنيد متى تشبث بفكرة معينة لا يفلتها أطلاقا".

" أنا واثق من أنه سيفكر في سعادتك بالدرجة الأولى".
هزت رأسها واجمة وأجابت وهي تستند بتراخ على أحد الكراسي :
" أنا لست واثقة مثلك , فهو تخلى تماما عن كيفن وفضّلك زوجا لي لأعتقاده بأنك أقدر من كيفن على كبح جماحي".

أدارت وجهها صوبه ورأت في عينيه نظرة التلذذ التي أثارتها كلماته فأستشاطت غضبا وأعلنت بشراسة:
" أنت السبب في كل هذا البلاء , فلو لم تتآمر مع والدي على أخراجي من بيتك هذا الصباح , لما وقعنا في هذه الورطة المخيفة ,لماذا فسحت له المجال وجعلته يرغمك على الرضى بهذا الزواج؟".

اماريج 09-09-10 01:23 AM

فأجابها رورك بهدوء وبدون أن يتضايق بتاتا من لسانها اللاذع:
" شعرت بالذنب على الأرجح".
أزدادت حنقا وهتفت:
" شعرت بالذنب؟ لم يكن هناك أي شيء يدعو الى ذلك ! لم يحصل أي شيء بيننا! لو أنك آزرتني عندما كنت أحاول أقناعه بهذه الحقيقة لكان من الجائز أن يصدق أنكارنا المشترك".

راح يتأملها من الرأس حتى القدم بنظرة متمهلة , فعاد ينتابها ذلك الأحساس بأنه يلمسها
وأجابها بليونة:
"أنت على حق, لم يحصل بيننا شيء سوى مشهد حب لم يصل أبدا الى الذروة , ولكن أذا أردت رأيي كرجل , فلنقل أنه لم ينته عند تلك الحدود يا فتاتي الصغيرة".
منتديات ليلاس
تصريحه الأيحائي هذا لم يمر بدون أحداث رد فعل لديها أذ تصاعد الدم الى محياها بسرعة مقلقة وأحست في تلك اللحظة أن جاذبيته أقوى من قدرتها على المقاومة لكنها هتفت لتوقف موجة الأختناق المتسللة الى حلقها :
" كف ... كف عن مناداتي هكذا , أنا لست فتاة صغيرة".

فقبضت يد رورك على خصلة طويلة من شعرها الداكن الأحمرار ولفها حول أصابعه عدة مرات قبل أن يسقطها على كتفها
وقال يؤكد أعتراضها برقة:
" لا , لست صغيرة بل أمرأة تضج بالأنوثة وذات قدرات على أثارة الرجل وقد أثبت ذلك ليلة أمس".

أشاحت عنه وتراجعت خطوة الى الوراء لتضع بينها وبينه مسافة آمنة ثم قالت متلعثمة:
" أننا , نبتعد عن .... الموضوع".
ركز يديه حول خصرها وقال وهو يشم عبير شعرها المنسدل على عنقها وكتفيها:
" لا أظننا حدنا عن الطريق".

حاولت الأبتعاد عنه لكنه قرّبها منه أكثر فقالت تعترض بوهن:
" لا تفعل ذلك".
فأجابها ساخرا:
" ولم لا؟ أننا مخطوبان ومن حقنا أن نستمتع ببعض المباهج التي هي جزء من الخطوبة".
بدأت مقاومتها تتراخى فعبت من الهواء الذي أحسته يتسلل من الغرفة تدريجيا وهمست بصعوبة:
" هل نسيت أننا كنا نبحث عن وسيلة للتخلص من هذه الخطوبة؟".

" أحقا؟".
رأت نظرته الكسولة نصف المطبقة تتركز على وجهها , وأرعبتها حركة رأسه الخفيفة والمعبرة عن نيته
وبدأت تقول لتمنعه من ذلك:
" رورك , لا...".
لكنه أفحمها فورا بعناقه , سمعا فجأة طرقة على الباب تبعها فورا صوت مقبض الباب وهو يفتح..
وحتى قبل أن تنزع تيشا نفسها من بين ذراعي رورك همست لها حاسة سادسة بأن أباها هو الذي يقف على العتبة
أتجه بصرها الى هناك , فألتقت عيناها الزيتيتان والمفعمتان بشعور الذنب بعينيه البنيتن المتألقتين.

وقال أبوها مبتسما:
" جئت لأسألكما أذا كنتما ترغبان في قهوة طازجة".
" قد نشربها فيما بعد".
منتديات ليلاس
فأنسحب أبوها مغلقا الباب خلفه , وهنا ثارت تيشا فهتفت وهي تحرر نفسها من قبضة رورك التي تراخت فجأة:
" لقد حرقت الطبخة ! الآن لن نستطيع أقناعه أبدا بأننا لا نريد أتمام الزواج! هل كان عليك أن تفعل ذلك ؟ أنا لا أستطيع الزواج منك ! لا أستطيع بأي حال!".
فمرر أصابعه في شعره وقال بلا أكتراث:
" كيف كان لي أن أعرف بأنه سيختار لحظة محرجة كهذه ليلعب دور الكريم؟ لكن الأمر حصل وأنتهى ".

" حصل وأنتهى ! أهذا كل ما تستطيع قوله؟ أنا أجهد ذهني في البحث عن طريقة تنقذنا من هذه الورطة وأنت لا تحاول الا أن تجد طريقة لأستغلالها ! ما رأيت في حياتي شخصا أنانيا مغرورا...".
وراحت تبحث بجنون عن نعت معين آخر فساعدها بقوله:
" وبغيضا ".

" أجل , أنت بغيض! لن أطيق أبدا أن أكون زوجة لدب مستبد على غرارك!".
تأملها بنظرة رقيقة وعلق مجيبا :
" ومن قال لك بأنني سأرضى بزوجة زاعقة شرسة تكبل عنقي لسائر أيام حياتي؟ ومع ذلك , لا بد من الأعتراف بأن الزواج من فتاة مزدوجة الشخصية مثلك , سيشكل تجربة طريفة".

" لا أعلم عن أي شيء تتكلم".
" أنت على أستعداد دائم لتوجيه الأهانات التي أو بالأحرى لقذفي بها كالحجارة , الآن تقولين أنك تجدينني بغيضا , وعلى الرغم من ذلك تتجاوبين دائما وبلهفة مع تقرباتي العاطفية , هل تساءلت مرة عن سبب هذا التناقض؟".
شعرت بأزدراء ذاتي جعلها تخفض رأسها لكن كبرياءها أبت عليها ألا أن تجيبه بسخرية:
" أنه أنجذاب آني... لن أتزوجك أبدا".

" أذن هل لديك أقتراح بديل للأقتراح الذي عرضته؟".
" أفضل الهرب في اللحظة الأخيرة على أن أقبل بك زوجا لي!".
فعلق رورك بهدوء:
" الهرب لا يحل أية مشكلة".

" سيخلصني من أرتباطي بك كزوج".
" ولكن ماذا عن والدك؟".
" ماذا تعني؟".
" هل أنت مستعدة لتحمل عواقب الغربة التي سيحدثها هربك منه؟ أن العلاقة بين الأب والولد هي في أحسن الأحوال علاقة رقيقة , ومتىأنقطع رابط الحب والثقة بينهما يصبح من الصعب أعادة ربطه , صحيح أنكما تتشاجران الآن وتتجادلان , لكن أليس أفضل من الصمت والقطيعة؟".


اماريج 09-09-10 01:24 AM

تململت تيشا بأنزعاج , أنها لا تحتاج الى تفهيم رورك بأن أباها كان يفعل فحسب ما يجده الأنسب لمصلحتها
أن هربها سيحطم قلبه , فعدا أخته بلانش ,لم يتبق له من العائلة سواها , وهو يحبها بمقدار ما تحبه بل ربما أكثر.

أجتاحها ألم شامل فتنهدت من عمق صدرها وقالت:
" لا أدري كيف أتصرف , أنا أحب والدي أنما لا أريد في الوقت نفسه أن أتزوج شخصا لمجرد أنه يريده زوجا لي".

ألقى يديه على كتفيها وكانت لمستهما خالية من الحميمية السابقة ,بل كان أتصالهما ودودا ومواسيا
رفعت بصرها اليه فأذا به يبتسم متفهما ثم قال لها بلطف:
" قد لا يكون من حقي أن أطلب اليك هذا يا تيشا , لكن هل لك أن تتركي الأمر لي؟ هل لك أن تثقي بصدق نيتي في أيجاد الحل الذي من شأنه أن يضمن السعادة لكلينا؟ أنني أطلب اليك أن تضعي مستقبلك بين يدي ".

فراحت تتأمل عينيه البنيتين الدافئتين وقد بدت نظرتهما كمخمل ناعم يخفي تحته قدرة رورك على تطويع المصاعب
وذكرت تيشا نفسها بأنه لا يقل عنها رغبة في الخلاص من هذا الزواج الأرغامي , لم يكن هناك دافع خفي آخر لمطلبه , فأي دافع يمكن أن يكون هناك؟
وغمغمت مجيبة:
" نعم , أنا أثق بك".
منتديات ليلاس
فغمز لها بعينه وكأنه يضحك من وقار صوتها وقال:
" عظيم , أتركي لي كل شيء , ومن اليوم فصاعدا , لا تجادلي أباك , لا تقولي أو تفعلي شيئا قد يزيد من عناده فكلما حاولت أقناعه بأنه على خطأ كلما تأكد هو بأنه على صواب , هل توافقين على هذا التنفيذ؟".
" أوافقك".

وأستغرب كيف أستطاع حملها على الأبتسام بعدما ظنت أنه لم يعد هناك شيء جدير بالأبتسام
وأردفت تمازحه:
" لا ريب أنك ندمت على عدم سماحك لي بالعودة الى البيت مشيا , مساء أمس".

فأجابها ضاحكا:
" لو أنني حلمت بأن لك أبا هائجا ينتظر في الكواليس لكنت أرجعتك محمولة على كتفي , ولكنت نمت أيضا نوما مريحا بدل أن أستيقظ متيبس العضلات".
فغمغمت تمازحه:
" عندما يحدث شيء كهذا مرة ثانية يجب ألا تكرر الغلطة بل ترسل الفتاة الى بيتها لتنام في سريرها".

تعمق لون عينيه بتعبير غامض غريب وأجاب بحزم:
" لن تكون هناك مرة ثانية , هيا نشرب القهوة قبل أن يعود والدك ليرى ما الذي نفعله الآن...".
ثم لمس مرفقها بيده وأردف:
" لا تنسي أن تتركي لي تدبير الأمور".
" لن أنسى يا رورك".

وعدته وتساءلت لماذا تشعر بكل هذا الأمان بين يدي رجل تزعم أنها تكرهه؟
في الأيام القليلة التالية بدأت تيشا تراجع أفكارها وتتساءل عما أذا كانت قد أخطأت في الوثوق برورك ليجد طريقة تنقذهما من الزواج الذي قرره أبوها ...
لقد أتبعت تعليمات رورك بدقة فأنصاعت لطلبات أبيها جميعا بدون أدنى أعتراض , الآن يوم الخميس , وحتى هذه اللحظة لم يطرأ أي تغيير على موقف والدها سوى مضيه قدما في أتجاه تنفيذ الزواج.

لقد أستعان بما لديه من نفوذ حتى أجريت فحوصات الدم بسرعة قياسية , وهذا الصباح حصل أيضا على رخصة الزواج
وهكذا بدأ الذعر يدب فيها وقد أدركت أنها باتت على بعد خطوة واحدة من أجراء المراسم الفعلية ,ثم أن كل محاولاتها للتحدث الى رورك على أنفراد باءت بالفشل ومعظمها أفشله أبوها .

وحتى بلانش التي كانت تعتبرها حليفة لها بدت وكأنها تتخلى عن مساعدتها , وفي المرات القليلة التي أستطاعت التحدث على أنفراد , أمطرتها عمتها بوابل من الأسئلة في ما يتعلق بمشاعرها أتجاه رورك
هل هي متأكدة من أنها لا تحبه بتاتا؟ هل أن أنجذابها اليه لا يخفي تحته عاطفة حب قوية؟ وكان واضحا من نوع هذه الأسئلة أن بلانش تعتبر الزواج تحصيل حاصل.

وبدأت تيشا تتساءل بدورها ... أذا كان رورك ينوي حقا أن يتخذ أجراء ما , فمن المفروض أن يكون أنجزه قبل اليوم... لماذا هذا التأخير وماذا ينتظر وقد أتم أبوها الترتيبات وعيّن يوم السبت موعدا للزواج.
وهكذا سارت مثقلة القلب على الدرب الخاصة بالدواب عبر التل المشجر , وكان أبوها قد غادر البيت بعد الظهر في مهمة غامضة وأملت تيشا في أن تجد رورك في بيته .

لقد أختارت الذهاب عبر الغابة كي لا تفطن بلانش الى وجهتها الحقيقية , لكن هذه الدرب كانت أطول مما لو أتبعت الطريق العادية المختصرة
وهكذا عندما وصلت أخيرا الى بيت رورك لم تجده هناك , لقد تجشمت هذه المشقة بلا فائدة وفشلها زادها تعبا وضيقا وكآبة.

ولما رجعت ودخلت الفناء تحت بيت عمتها رفع العنز رأسه , وبعد أن ألقى عليها نظرة عابرة , خفض رأسه ثانية وأكب على قضم العشب وقد أعتاد الآن وجودها وما عاد يعترض على روحاتها وغدواتها.

وبدلا من أن تدخل البيت من ابه الأمامي أتجها رأسا الى باب المطبخ وهي تتساءل بوجوم عما أذا كان سيتاح لها أن ترى رورك هذه الليلة .
ولدى بلوغها المدخل الجانبي هذا , نظرت من زجاج الباب فرأت رورك جالسا مع بلانش الى طاولة المطبخ
أمتدت يدها الى المقبض , لكن الأنزعاج البادي على وجه رورك جعلها تعدل عن الدخول وتقرر الأصغاء الى حديثهما.
منتديات ليلاس
وكان رورك يسأل عمتها:
" هل أنت واثقة من قولها أنها ذهبت فقط للتنزه؟".
وأجابت بلانش بطوا أناة
ولكن وجهها المشرق عادة كان مكسوا بتعبير جدي واجم:
" أجل , أضافة الى ذلك ما تزال سيارتها هنا وكذلك ثيابها ولذا لا أصدق أنها هربت".

لم تكن تيشا متأكدة مما توقعت أن تسمعه بعد ذلك , ربما توقعت تعليقا ما من شأنه أن يعزز شكوكها بأنهم جميعا كانوا يتآمرون على أتمام هذا الزواج
ولكن لم يبد عليهما الا القلق على مصيرها والأهتمام بأيجاد مكانها , وهكذا تنهدت بأستسلام ثم فتحت الباب ودخلت عليهما.
نهضت بلانش بسرعة من مكانها وهتفت وهي تغتصب ابتسامة متألقة:
" ها قد عدت! كنا نتساءل الى أين ذهبت".

فقالت الفتاة بمرارة:
" خطر لي في بادىء الأمر أن أقذف بنفسي من أعلى صخرة لكنني لم أقدر أن اعثر على صخرة شاهقة , ثم فكرة أن أضيّع نفسي وسط الغابات الا أنني كنت أعود دائما الى فناء شخص ما , وها أنا أعود الى فنائك يا بلانش".
فغمغمت عمتها وجبينها تجعده تقطيبة قلق:
" لا تمزحي في أمور خطيرة كهذه"

اماريج 09-09-10 01:26 AM

تنهدت الفتاة تعبا وقالت:
" آسفة يا بلانش , أعتبريها تصرفات حمقاء ناتجة عن توتر الأعصاب الذي يسبق موعد الزفاف".
ثم ألقت نظرة سريعة ومتساءلة على رورك الذي كان يراقبها بتمعن, وسألته ساخرة:
" وكيف حال العريس العتيد؟".
منتديات ليلاس
فأجابها:
" أنه على أحسن ما يرام بالنسبة الى الظروف الحاضرة".
لاحق تيشا بنظراته وهي تسير الى المنضدة المستطيلة حيث أبريق القهوة وتسكب فنجانا , وقال لها بنبرة جازمة:
"أختاري كرسيا وأجلسي عليه".
فصرخت فيه حانقة:
لا أرغب في الجلوس!".
كان الضغط يوتر أعصابها الى حد الأجهاد فيما بدا هو مسترخيا تماما فجعلها ذلك تثور كالبركان.

لم تخف عليها النظرة الخاصة التي رمق بلانش والتي نهضت واقفة على التو وقالت:
" أنكما ترغبان على الأرجح في التحدث على أنفراد , سأذهب لأتسلى بريشتي بعض الوقت".
وحالما سمعت باب الأستديو يغلق وراء عمتها , أستدارت تيشا الى رورك وقالت والشرر يتطاير من عينيها الخضراوين:
" حسنا ؟ العرس سيقام يوم السبت؟".
فواجه نظرتها الملتهبة بهدوء وأجابها:
" أعرف ذلك".
" أذا كنت تعرف فلماذا تقف مكتوف اليدين بدل أن تفعل شيئا؟".
وبتمهل شديد نهض بطوله الفارع عن الكرسي وسار الى المنضدة الطويلة حيث تقف , ثم قال وأشعة الشمس تتراقص على خصلات شعره الذهبية:
" هذه ليست نهاية العالم".

" لم ينته بعد... لقد بدأت أتساءل أذا كانت لديك أية خطة كفيلة بأنقاذنا من هذه المصيبة".
أجابها بصوت رقيق:
"ظننت أنك كنت ستثقين بي".
فلطفت رقته من حدتها وردت بصوت منخفض جدا أستطاعت بالكاد أن تمرره عبر كتلة الألم التي سدت حلقها:
" كنت".
" هل يعني هذا أنك قد حجبت ثقتك عني؟".

رفعت بصرها اليه وكان ذقنها يرتجف وهي تحاول كبح التعاسة التي أخذت تتجمع على صفحة وجهها وقالت يائسة:
"ما عدت أعرف شيئا".
مال برأسه نزولا حين خفضت رأسها لتهرب من عينيه المتحريتين , وما أستطاع لطفه أن يجعلها ترفعه ثانية فهمس بحنو:
" ما بك؟ ماذا جرى لتلك الفتاة الصغيرة ذات الشعر الأحمر والتي كانت تعرف دائما ما تريد؟ هل يعقل أن تعترف هذه الفتاة بنفسها بأنها ما عادت تعرف كل شيء؟".

"لا , لا أعرف كل شيء".
أقرت له وهي تتنفس بسرعة وعمق كي تمنع دموعها من السقوط , وعلى الرغم من جهودها تسللت دمعة من بين أهدابها وجرت على خدها.
فأتهمها رورك بلطافة:
" أنت تبكين!".
تهاوت دموعها الحبيسة الأخرى وهتفت غاضبة:
" أجل أنني أبكي ولا أخجل من بكائي! وأنت! لو كانت لديك ذرة من الرجولة, لقدمت لي كتفك أبكي عليها بدل أن تقف هناك وكأنك مثال الأستقامة والأصلاح!".

فقال معربا عن أفكاره بلطف وهو يبسط ذراعيه صوبها ليجذبها اليه :
" لم يخطر لي أنك قد تحتاجين الى كتفي".
قربها الى صدره الدافىء فأحست بضربات قلبه تعيد الى نفسها الأطمئنان بطريقة غريبة
منتديات ليلاس
ثم مال برأسها على جبينها وغمغم متابعا:
" من جهة أخرى, لم أدر بالطبع أنك ستلجأين الى الدموع, هيا , أبكي ما شاء لك من البكاء يا تيشا , فقد حان الوقت للتخلصي من بعض روادعك الكابحة لحرية التصرف والتعبير".

لم تحتج الى مزيد من التشجيع لتطلق العنان لدموعها وقد سمحت لنفسها فقط بأن تفكر للحظة عابرة أنها كانت تبلل قميصه وهي تحتمي بصدره العريض
وعندما أنحسرت شهقاتها أخيرا وتحولت الى أصوات حازوقية , أخرج رورك منديله النظيف ومسح الدموع الفائضة عن خديها , وظل رأسها ملتحفا بصدره حتى جففت ما تبقى من دموع.
سألها بلطف:
" أتشعرين بتحسن؟".
" نعم".

رافق جوابها بسمة ذابلة من شفتها ورجته أن يبقيها بين ذراعيه لعلمها بأنها حين تترك ملجأهما الأمين سيجتاحها ذلك الشعور الرهيب بالوحدة القاسية.
لبى رجاءها مسرورا وأستطاعت أن تستشعر أبتسامته على شعرها وهو يحيطها بقوة مطمئنة.

اماريج 09-09-10 01:27 AM

وقالت له بعد صمت دام بضع دقائق:
" ذهبت الى بيتك مشيا على قدمي كي أتحدث اليك".
" وأنا جئت هنا لأراك".
ثم أنزل أحدى ذراعيه ليستطيع الوصول الى جيبه ,وتابع:
" لدي شيء أردت تقديمه اليك".

وما لبث أن أخرج هذا الشيء وأراها أياه , وأذ به خاتم ذو حجر كبير من الماس المتوهج , ولما ألتقط سطحه المصقول بأشعة الشمس وأنعكست عليها كألوان قوس قزح متألقة , شهقت تيشا بأبتهاج وسألت رورك هامسة:
" هل هو حقيقي؟".
فرد ضاحكا:
" أنه حقيقي جدا , ألمسيه فهو لن يختفي".
لكن سرعان ما خبا أبتهاجها الأولي , ثم أزاحت يده جانبا حين قرب الخاتم منها ,وقالت بحزم:
" كلا , هذا خاتم خطوبة , أنه جميل لكن....".
" لا تنسي أن والدك يتوقع أن تلبسي خاتم خطوبة".
فذكرته تيشا بدورها وبصوت لم يخل من خشونة:
" أنه يتوقع أيضا حفلة زفاف".

" ثقي بي يا تيشا".
نظرت اليه بحذر فأحست بدفء عينيه المركزتين على وجهها , أذعنت له على كره منها وقالت:
" حسنا , سآخذه , لكنني سوف أعيده اليك حالم ننتهي من هذه المهزلة".
فزين أصبعها بالخاتم وقال:
"يمكنك أن تعيديه اليّ أذا شئت أو أن تحتفظي به كتذكار".
منتديات ليلاس
" ليس من اللياقة أن أحتفظ به".
قطر الخاتم ناسب أصبعها مع أنه كان ضيقا قليلا ,ولم تملك الا أن تتأمل وهجه بأعجاب كلما حركت يدها , وأردفت تقول:
" ما كان يجب أن تبتاع خاتما ثمينا كهذا , ماذا ستقول أذا ضاع مني؟".

فبتسم مجيبا:
" لقد طلبت الى الصائغ أن يضيقه قليلا ليصعب عليك نزعه من أصبعك أذا خطر لك أن تقذفيه علي في أحدى ثوراتك العصبية".
فغمغمت وهي تنسحب من بين ذراعيه بأرتباك".
" لا أحسبني سأفعل ذلك".
" أوه , نعم , قد تفعلين".

وفجأة قطبت حاجبيها بقلق فخبا الوهج على محياها وسألته:
" رورك , ماذا ستفعل بشأن يوم السبت؟".
" أتركي لي كل شيء".
" نعم , لكنني...".

" لا تقلقي , سأهتم بكل التفاصيل وثقي أن النتائج ستكون في صالحنا".
فعلقت متنهدة:
" ليتني أعرف ما تنوي فعله".
" الآن سوف أعود الى بيتي , أما أنت فكفي عن القلق والتفكير ".
ثم لمس أنفها بأصبعه وكأنه يداعب طفلة عنيدة وأتجه الى الباب قائلا:
" بلغي بلانش شكري على القهوة".

" متى ساراك؟".
توقف عند الباب وأستدار اليها ليحتويها بنظرة حانية أثارت في قلبها خفقانا سريعا وأجابها بأختصار:
" غدا".

******نهاية الفصل الثامن******

اماريج 09-09-10 01:28 AM

9-خدعوك يا عروس
*******************
بعد ظهر اليوم التالي أشرفت الساعة على الثانية والنصف بدون أن يظهر أي أثر لرورك , لقد خيل لتيشا بطريق ما أنه حين قال لها أنه سيراها غدا , كان يقصد المجيء بعد الظهر , أمضت الوقت تتعلق بأمل واه وبأن يصل قبل عودة أبيها من مهمة أخرى
لكن أملها خاب أذ سمعت والدها يحيي عمتها وهو يدخل البيت , وأدركت أن رورك أذا لم يأت سريعا فلن تجد فرصة بعد ذلك لتراه على أنفراد.

تمنت الآن لو أنها ألحت عليه أمس لتعرف أكثر لتعرف الخطة التي ينوي أنتهاجها لتأجيل الزفاف, لقد وثقت به تماما قبل أربع وعشرين ساعة وأتاحت لأسلوبه الساخر المغري بأن يقنعها بتسليمه زمام المبادرة في حل المشكلة قبل فوات الأوان ...
أما اليوم فقد عنفت نفسها على غبائها السابق أذ الأمر يتعلق بمصيرها ومن حقها الأطلاع على كل ما يجري.

الماسة الكبيرة على أصبعها توهجت كالنار بفعل أشعة الشمس المتسربة من نافذة الأستديو العالية , وأجتاحت ظهرها رعشة باردة أذ ذكّرها خاتم الخطوبة بأقتراب ساعة الصفر , وأحست في داخلها ضجيجا وكأن مجموعة من الفراشات كانت تتخبط فيه وترتطم أجنحتها بجدرانه
غدا سوف يتم زواجهما الا أذا قرر رورك في اللحظة الأخيرة أن يتخلف عن الحضور كليا , وفكرت بخوف يائس , ربما هذا ما كان يخطط له !
لكن فعلة كهذه من شأنها أن تثير جنون أبيها ورورك يبدو عاكفا على أرضائه بكل وسيلة ممكنة , ليتها تعرف فقط أية خطة يدبر!

وفجأة تناهى اليها سؤال أيقظها من شرودها:
" ماذا كانت عروستي الصغيرة تفعل اليوم؟ مكبة على العمل؟".
لدى سماعها صوت أبيها أستدارت تيشا من أمام اللوحة البيضاء التي لم تقدر أن ترسم عليها شيئا , كان وجهه الوسيم الباسم يتطلع اليها من باب الأستديو وقد بدا يشبه كثيرا وجه صبي كبير يضج قلبه بسر مفرح يتلهف الى البوح به
ومع ذلك ما أستطاعت أن ترد على بهجته الا بأبتسامة حزينة , وقالت تدعوه بصوت خال تماما من العاطفة:
" أدخل يا بابا, أنا لا أفعل شيئا في الواقع".
" لا , تعالي أنت هنا , لدي شيء أريد أن أريك أياه".
منتديات ليلاس
أرادت تيشا أن ترفض لكنها لم تجد أي فائدة من ذلك , تبعته مترددة وهو يسير أمامها الى غرفتها فيما هي لا تشعر بأقل أهتمام بالشيء الذي أصر على أن تراه
وسألها برقة:
" لم تجدي اليوم رغبة في العمل؟ أليس كذلك؟".
" أجل".
فطمأنها بقوله وهو يفتح الباب الى غرفتها:
" لا تدعي شعور الأحباط يسيطر عليك, وما هو الا نتيجة طبيعية لتوتر الأعصاب الذي يسبق يوم الزفاف".
كانت تحس صداعا عنيفا ولذا أجابته بنبرة حادة:
" أرجوك بابا, لا أريد الخوض في هذا الموضوع".

تجاهل حدتها ولوح بيده فجذب أنتباهها الى علبة كبيرة كان قد وضعها على السرير , قال:
" أبتعت لك هدية أرجو أن تعجبك".
فحدقت اليها تيشا بصمت متجمد لأن حجمها أوحى بوجود فستان في داخلها , صرّت على أسنانها بشدة لعلمها بأنها أذا فتحتها ورأت فيها فستان عرس فسوف تصرخ لا محالة
حثها بلطف على التقدم وقال:
" هيا, أذهبي وأفتحيها".

فسارت الى حيث السرير كالنائمة , وبأصابع مرتجفة راحت تفك رباط العلبة بتمهل وهي تحاول أستجماع شجاعتها على رفع الغطاء الكرتوني
وبعد أن أختلست الى أبيها نظرة رفعت غطاء العلبة وأزاحت الورق الشفاف عن الهدية , بدا عليها الأرتياح لما رأت الزهور الزرقاء الصغيرة منثورة في باقات على قماش الفستان الناصع البياض
وهنا تملكتها حماسة أكبر ففردت الثوب وألصقته بجسمها فيما أنسدل كمّاه الطويلان والشفافان على ذراعيها.

طبعت قبلة رقيقة على خد والدها الحليق وغمغمت:
" أنه جميل جدا يا بابا , شكرا لك".
كان هناك حب عظيم وعميق يشع من عينيه مما جعلها تشعر بتأثر بالغ يسد حلقها , أمسك بيدها وأخذ يحدق الى أصابعها وكأنه هو أيضا في حاجة الى لحظة صمت ليضبط عواطفه في خلالها
أزاح العلبة الفارغة الى مؤخرة السرير ثم جلس على حافته وقال وهو يربت على الغطاء الى جانبه:
" أجلسي يا تيشا , أعتقد أن الوقت قد حان لنتحدث حديثا خاصا".

اماريج 09-09-10 01:29 AM

فمددت الفستان بعناية على وسائد السرير وجلست الى جانبه على الحافة , حاولت أن تتكهن بالشيء المهم الذي يود التحدث عنه وشعرت نتيجة لذلك بشيء من الرهبة السابقة ....
غطى قبضتها المتقلصة على حضنها بأحدى يديه وأحاط كتفيها بذراعه الأخرى لقربها منه.

حدّق برقة الى وجهها المتسائل وأفتر فمه عن أبتسامة حب هادئة وقال:
" لا أستطيع أن أتذكر آخر مرة أعربت لك فيها عن مبلغ حبي لك , ربما هذا شيء ليس من المفروض أن يقوله الآباء لأولادهم لأنهم يعتبرونه تحصيل حاصل على ما أظن ,لكنني أردت أن أقول بصوت عال ... أردتك أن تعرفي الى أي مدى أنت عزيزة على قلبي".
منتديات ليلاس
طفرت الدموع الى عينيها وهمست حين شدها اليه بضمة عطوفة:
"أوه , بابا, أنا أحبك أيضا!".
ومضى أبوها يقول بذلك الصوت الهادىء الحاني:
" بعدما ولدت وعلمت وأمك من الطبيب أنها لن تستطيع أنجاب أطفال آخرين , شعرت آنذاك بأنها تخيّب آمالي من حيث عجزها عن أعطائي طفلا ذكرا, ولا أعتقد أنني أستطعت أقناعها بأنني كنت مكتفيا تماما بالطفلة الجميلة التي أثمر عنها حبنا , أوه, كنت أريد صبيا كما يتوق كل رجل الى أنجاب ابن, لكن هذا لم يجعلني أبدا أضعك في المرتبة الثانية بل كنت دائما حبة قلبي يا حلوتي".

طمأنها أبوها وهو يمسد رأسها المرتكز الى كتفه وتابع يقول:
" لو كان بأمكاني أن أستبدلك بطفل ذكر في اللحظة التي ولدت فيها لما كنت رضيت بذلك الأستبدال , هل تصدقينني؟".
" أجل".

جوابها البسيط هذا محى التقطيبة الصغيرة التي كانت تجمعت على جبينه
وأردف قائلا:
" أردتك دائما أن تكوني سعيدة لكنني أشعر أحيانا بأنني عجزت عن أتباع السبل السليمة لتأمينها لك, وكانت هناك مرات عديدة كان ينبغي أن أكون فيها أكثر تفهما لأحاسيسك ومطالبك , وعذري في هذا التقصير أنني لم أكن خبيرا في تربية الأولاد".

وهمست تيشا بحرارة:
" لو كان بأمكاني أنا أيضا أن أستبدلك بشخص آخر لما رضيت بأي أب سواك".
وتابع ريتشارد يبثها أفكاره ومشاعره:
" في الأيام القليلة الماضية أتيحت لي عدة فرص للتحدث مع رورك وحيث أبدى قلقا شديدا لكوني أعجل عليك بالأقدام على خطوة مهمة لم تستعدي لها بعد".

أنحبست أنفاس تيشا تلقائيا وتساءلت , هل هذه هي اللحظة المنشودة؟ هل سيوافق أبوها الآن على أن يمدد خطبتهما لبضعة أشهر كما أقترح رورك سابقا؟
وعاد أبوها يقول:
" يوم الأحد الماضي , تركت المجال لعصبيتي بأن تتغلب على صوابية حكمي وأتزاني أذ لم يسيطر على وقتها الا أهتمامي الشديد بمصلحتك , وعندما فتر غضبي بدأت أراجع أفكاري وأشك في أنني قد تصرفت بحكمة أذ كان ينبغي أن أتروى قليلا , لكن بعد أن تحدثت الى رورك وأدركت مدى أهتمامه بتفضيل سعادتك على أي شيء آخر صارت لدي قناعة بأن صلاحيته كزوج لك هي أكثر بكثير مما كنت أتوقع , أو بالأحرى مما كان يحق لي أن أتوقعه في ظروف كهذه".

وهنا شعرت بقلبها يهوي الى ركبتيها , الخطة قد فشلت والعرس سيقام في موعده المقرر ! أرتفعت الى حلقها ألف صيحة أحتجاج أنما لم تقدر أي منها أن تهرب من بين شفتيها المطبقتين بشدة
وخيل اليها أن رأسها فرغ من الأفكار الا من فكرة واحدة , يجب أن تخبر رورك أن خطته قد فشلت ,ليس أمامهما الا بضع ساعات قصيرة ليطلعا خلالها بخطة أخرى.
منتديات ليلاس
وأعادها أبوها الى أرض الواقع سائلا أياها بلطف:
"هل أنت غاضبة مني كثيرا لأنني أجريت كل الترتيبات الخاصة بالعرس من دون أن أستشيرك؟".
فأجابته بصدق:
" لا".
ما الذي يدعوها الى الأهتمام بأحتفال لن يقام أبدا, ما دامت ستمنع حدوثه حتى لو أضطرت الى الهرب؟

لم ينتبه ريتشارد للهواجس التي تراكمت في ذهنها وأستطرد يقول:
" عندما تزوجت أمك أقمنا للمناسبة عرسا ضخما حاشدا , كانت أبنة وحيدة مثلك وقد أصر أبواها على الأحتفال بزواجنا بشكل موسع فدعيا اليه جميع أفراد العائلة من جدات الجدات والأخوال والأعمام وأبناء الأعمام وأستمر الأحتفال طوال النهار وطوال الليل على الأرجح لكننا أنسلينا هاربين قبل أن ينتهي".

اماريج 09-09-10 01:30 AM

توقف عن الكلام وغشيت عينيه نظرة بعيدة المدى مع ذكرى ذلك اليوم الثمينة
, وبعد لحظات أكمل الحديث بصوت منخفض ورقيق الى حد لا يصدق:
" هربنا بالسيارة طبعا , وعندما قطعنا مسافة طويلة أذكر ما قالته لينور بأنها تتمنى لو أن الأحتفال لم يحدث أبدا... ذهلت لكلامها بادىء الأمر أذ حسبتها تندم على زواجها مني لكنها سرعان ما شرحت لي أنها تعتبر حبنا نعمة غالية من نعم الله ,وعاطفة خاصة جميلة لا يليق بها أن تعرض على الناس بهذا الشكل الصاخب المبهرج , ثم أخبرتني والدموع تملأ عينيها أنها تتمنى لو أقتصر الأحتفال فقط على وقوفنا نحن الأثنين لوحدنا أمام رجل الدين وبدون كل هؤلاء الناس المجتمين حولنا ,
منتديات ليلاسلنتبادل بهدوء وخشوع عهدينا المقدسين لبعضنا البعض , كنا نمر في بلدة صغيرة وهي تخبرني هذا وصادف أن رأيت لحظتها معبدا مشعشعا بالأنوار فتوقفنا أمامه وهكذا أقسمنا مرة ثانية على تبادل الوفاء والمحبة لمدى العمر أمام رجل دين مهيب الوجه هادىء النبرات , وحيث كان الليل الساكن يردد صدى تلك الكلمات الخاشعة الوقورة ... لن أنسى ما حييت وجه أمك المتهلل آنذاك كما لن أنسى أبدا عصر تلك الليلة العابقة بالفرح الحقيقي العميق ... لقد أحببنا بعضنا حبا عظيما لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنه يا تيشا".

تقصف صوته حين أخذ وجهها بين يديه محدقا اليه وفي عينيه حزن بالغ الحدة , ثم غمغم بصوت متهدج:
" ولهذا السبب , يا أبنتي الحبيبة الغالية , سيكون الأحتفال بزواجكما , أنت ورورك , في غاية البساطة... ليس لأنني أريد أخفاء شيء أو لأنني أتعمد تزويجكما بسرعة , بل لأن المرة الثانية التي تعاهدت فيها وأمك على الحب كانت الأحتفال الحقيقي بالنسبة الينا والذي حافظنا على ذكراه ككنز ثمين ,ولذا أريد لك الأحتفال نفسه وبدون أية ذكريات تافهة أخرى تقلل من قيمته".

أدارت وجهها المحاط بيديه المتأثرتين بالذكرى وطبعت قبلة أحترام على كفه وقد عصف بها تيار من العواطف المتناقضة المتشابكة , كيف يمكنها الآن أنه تعترف له بالحقيقة ؟ كيف يمكنها أخباره أنها لا تستطيع المضي في الأحتفال الذي خطط له ؟
وقالت بصوت بدا مختنقا لأن محياها لم يفارق يديه:
" هذه أول مرة أعي فيها تماما مدى حبك العظيم لأمي".

فضمها الى صدره وهمس مجيبا:
" كانت تبادلني ذلك الحب نفسه, تيشا , وفي خلال هذا الأسبوع رأيتك عدة مرات مع رورك وفي كل مرة كانت هذه الرؤية تذكرني بحب أمك لي بشكل مشرق وكأنما التاريخ يعيد نفسه, فعندما يكون قريبا منك لا تزيحين بصرك عنه ولا تتوقفين عن بعث رسائل صغيرة اليه كما كانت لينور تفعل معي تماما, أراهن على أنه لم يخطر لك أن أباك العجوز يلاحظ أشياء كهذه , هل خطر لك ذلك؟ لقد أدركت ليلة أمس أن السبب الأكبر وراء عدم رغبتك في الزواج منه , أو قولك بأنك لا تريدين الأرتباط به , يعود الى السرعة الهائلة التي يحصل بها كل شيء وكأنكما فعلتما شيئا في نهاية الأسبوع الماضي يدعو الى الخجل , لكنني واثق من أنكما لم تفعلاه".

فهمست تيشا بصعوبة:
" ماذا؟".
" أنت ما كذبت مرة على يا حلوتي , كذلك لم تكذبي عندما أخبرتني أنه لم يحدث شيء بينكما , لقد تأكدت بنفسي من أن رورك يحترمك كثيرا والى حد ردعه عن أستغلال الموقف , وحيث كان بالأمكان أن يفعل لولا حبه وأحترامه لك... أنا مسرور لأنك أنتظرت , أدرك أن كلامي هذا يبدو شديد التزمت لكنني مسرور جدا , أتذكرين تفاصيل شجارنا قبل أسبوعين؟".

ضحك بصوت منخفض ثم رفع وجهها لينظر اليه وتابع قائلا:
" يبدو الأسبوعان كأنهما شهران وأكثر لكنني أذكر كلامك تماما , فقد قلت لي أنني لن أعجب أبدا بالرجل الذي ستتزوجين منه , وبأنني سأجد فيه على ما بكل تأكيد! كنت مخطئة يا عزيزتي , فرورك أنسان رائع من كل الوجوه ويطابق تماما الرجل الذي تمنيته زوجا لك , وأنت لو بحثت في العالم طولا وعرضا لما أمكنك أيجاد شريك حياة أفضل منه... لن يكون لدي فقط أبنة أحبها بمجامع نفسي وقلبي بل صهر أيضا أكن له الحب ذاته , ولذا أعتبر نفسي من أكثر الآباء حظا بهذا النصيب".

لم يسع تيشا ألا أن تشخص اليه بذهول أخرس ... أنها لا تصدق أي شيء من هذا يحدث معها بالفعل وأن واقع الأمور يتغلب عليها بهذا الشكل , لقد قطع عليها أبوها كل حوار وبدت طريق الأعتراض مسدودة من كل الجهات , فشعرت بالتالي أن ذهنها يرفض التفكير .

ألقى ريتشارد نظرة خاطفة على ساعته وقال وهو يمرر أصابعه في شعره:
" قضيت الوقت أشبك حديثا بحديث فلم أنتبه لمروره السريع , ينبغي أن نكون في المعبد خلال خمس وأربعين دقيقة , وأنا لم أترك لك فرصة لتجربة الفستان لنرى أذا كان حجمه مناسبا لك".

تجربة الأحتفال التي تسبق الأحتفال الرسمي بيوم! تذكرتها تيشا بعزيمة واهنة وهي تنهض من مكانها , على الأقل رورك سيكون هناك وستجد الفرصة المنشودة لتنفرد به بضع لحظات وتطلعه على موقف أبيها الجديد, تناولت الفستان عن السرير وتلمست قماش تنورته الوارفة.

سألت والدها بتردد:
"هل ... هل تريدني أن أرتدي هذا؟".
فرد مبتسما:
" لا أعتقد أن البنطلون سيكون لائقا لهكذا مناسبة , أيمكنك أن تجهزي نفسك في خلال ربع ساعة؟".
فأجابته بأختصار:
" نعم".
منتديات ليلاس
وفيما هي ترتدي الثوب شاردة راح ذهنها يسترجع كلمات أبيها مرة تلو المرة... أن تعبيره المؤثر عن حبه لها
حرك لها فيها شجونا كامنة مع أنه بدا كمصيدة بالنسبة الة وضعها وحيث أنخفض عدد الخيارات الى خيار واحد هو الهرب....
مأساتها محرجة وتكمن في أن أباها كان مقتنعا تماما بأنها تحب رورك.

من ناحية أخرى , لم يخطىء ريتشارد حين قال أنها لا تزيح بصرها عن رورك , فقوة شخصيته تجعل حضوره يهيمن على المكان الذي يكون فيه
لكنها أقنعت نفسها بأنها تنظر اليه هكذا لكونه وعدها بأيجاد مخرج من هذه الورطة! هو أيضا كان واقعا في مصيدة الزواج منها , وهذا القاسم المشترك بينهما هو الذي يربطهما معا وليس الحب الذي لاحظه أبوها في عينيها .

اماريج 09-09-10 01:31 AM

أضافت الى جفنيها لمسة من الظلال الزرقاء الفاتحة لتبرز خضرة عينيها , وتراجعت الى الوراء قليلا لتتأمل شكلها العام في المرآة الصافية
لقد أضفى التوتر على وجهها مسحة نجومية سماوية مع أن أعصابها كانت تعقد عضلات معدتها حتى كادت تضغط عليها بيديها لتخفف عنها الألم...
كانت تدرك في أعماقها أن الفستان بدا رائعا عليها بشكل خاص لكن معظم أفكارها أتجهت الى الأبتهال والطلب الى الله بأن يكون رورك قد توصل الى حل لمشكلتهما الخطيرة.
منتديات ليلاس
ولما دخلت غرفة الأستقبال لاحظت بنصف وعي أن أباها قد بدل ثيابه العادية ببزة أنيقة وأن برنش كانت معه وتبدو أنيقة جدا بتايور أحمر اللون.
وقال أبوها بأخلاص بالغ:
" تبدين جميلة يا تيشا!".

أومأت برأسها تشكره على مديحه , ولكن فكرة واحدة كانت تستحوذ على نفسها وذهنها , وهي وجوب رؤية رورك بأسرع وقت ممكن , وعبرت عن هذه الفكرة بقولها :
" يجب أن نغادر فورا وألا تأخرنا عن الموعد".

ألا أن الرحلة القصيرة الى هوت سبرينغز بدت وكأنها لن تنتهي أبدا, ولو أنها أضطرت لمجاراة عمتها ووالدها في حديث عادي لبدا المشوار أكثر صعوبة وأستحالة , لكنهما لم يتكلما لحسن الحظ بل لم يعلقا على صمتها.

أحست بأن ساقيها لن تقويا على حملها , بلهفة راحت تبحث عن وجه رورك وهي تعلم أنه موجود هنا في مكان ما لأنها رأت سيارته في الخارج لدى وصولهم الى الباحة , ولذا لم تلحظ أباها حين أستدار الى بلانش وتناول منها شيئا وفجأة رأته يقترب منها ويطرح على شعرها وشاحا مخرما.

نظرت اليه بنفاذ صبر وقالت محتجة:
" لا داعي لأن أغطي رأسي بشيء , هل أنا مضطرة الى ذلك؟".
فأجابها بهدوء وهو يلف ذيلي الوشاح الطويلين حول عنقها وكتفيها:
" يجب أن تلبسي شيئا على رأسك".

ثم تأبط ذراعها مجددا وغمز لها ليعيد الأطمئنان الى نفسها , وفي تلك اللحظة فتحت أبواب المعبد الداخلية
فواكبت خطواته بلا تردد وعبرت معه الى الداخل وهي تفكر بعصبية بأنها كانت تفضل رؤية رورك قبل تجربة الأحتفال وليس بعدها , وما أن سارا خطوتين على الممشى الطويل حتى رأت رورك يقف عند المذبح ينتظر قدومهم مع رجل الدين
كانت في عينيه نظرة غريبة مركزة كادت تثني ركبتيا المرتجفتين فقلصت أصابعها حول ذراع أبيها وهي تحدق الى تعبير وجهه الخاشع.

أجتاحها ذعر كاد يفقدها صوتها وهمست لوالدها تسأله مرتعبة:
" هذه... هذه ليست تجربة للأحتفال, أليس كذلك؟".
شعر بها ترتجف فسحب ذراعه المتأبطة ذراعها وأحاط بها خصرها وهو يتقدم بها بثبات على الممشى في أتجاه رورك
وأجابها بتأكيد وكأنها من المفروض أن تكون على علم بذلك منذ البداية:
" بالطبع , هذه ليست تجربة".

فتطلعت الى رورك بنظرة خائقة متسعة تشابكت فورا مع نظرته الرقيقة والمشوبة بجدية خفيفة , وحين وصلا مكانه وتسلم يدها المرتجفة من يد أبيها لمحت في عمق عينيه ما يشبه الأعتذار.

وسرعان ما أحاط خصرها بذراعه ليساعدها على الوقوف بثبات , وكأنه أحس مثلها بأن ساقيها المرتعدين ما عادتا تقويان على حملها.

أنفرجت شفتاها أستعدادا للكلام ولكي توقف هذا الأحتفال بأية وسيلة لكن رجل الدين كان قد شرع في آداء المراسم بقوله:
" أيها الأحباء, نحن...".

لقد فات الوقت... أستقرت هذه الحقيقة في قلب تيشا وهي تصغي الى الكلمات التي كانت تربطها الى الرجل الواقف الى جانبها برباط الزواج المقدس
وبرأس منحن وجفنين مسدلين أعلنت تعهداتهاالزوجية وكان صوتها خافتا بالكاد يسمع, وفقط عندما نطقت الكلمتين الأخرتين رفعت رأسها لتنظر الى وجه رورك
منتديات ليلاس
كان زجاج النوافذ الملون يعكس أشعة الشمس على رأسه فتزيد خصلات شعره الذهبية توهجا ولمعانا , وكانت عيناه تتابعان تحركات شفتيها وهي تعاهده بخشوع على الحب والأخلاص كزوجة.

ثم جاء دوره ليعلن تعهداته المقدسة , فأحست بوقع صوته الواضح الرنان يتماوج في داخلها ويزيح العصابة السابقة عن عينيها ويتيح لها أن ترى تدفق الشمس الذي أنطلق دافئا متوهجا من حنايا قلبها
وفي تلك اللحظة , أدركت تيشا , وبثقة مرعبة تقريبا, أنها تحب رورك بكل كيانها, وبكل خفقة صاخبة من خفقات قلبها الموله به وحده.

لم تكن تنتمي اليه فقط من خلال أرتباطهما الشرعي بل من خلال رغبتها العارمة في أن تكون له بكليتها وأن تشاركه كل مرافق حياته وتنجب له أولادا, وأن تبقى بين ذراعيه حتى تدركهما الشيخوخة معا.

اماريج 09-09-10 01:32 AM

ولبرهة قصيرة كادت تيشا تعتقد أن رورك يشاطرها رغباتها هذه نفسها حين تذكرت تصريحه السابق بعدم رغبته في الزواج منها وذلك حين قال بأنه لا يريد زوجة شرسة تكبل عنقه لسائر أيام حياته...
أذن, أبوها هو الذي ساقهما معا الى هذا الأحتفال, ورورك أضطر الى الأقتران بها ليحول دون حدوث فضيحة... كيف يمكن لأي زواج أن ينجح ويستمر في ظروف كهذه؟
لا يمكنه أن ينجح.... أجابت على السؤال بنفسها.... صحيح أنهما سيعيشان كزوجين بحكم الشرع لكن حياتهما لن تكون طبيعية ولا بد أن يسعى رورك الى تغييرها في أقرب وقت ممكن.

وجاء صوت رجل الدين يختتم المراسم وكأنه يتكلم عبر مسافة شاسعة :
" من خلال السلطة المنوطة بي, أعلن الآن أنكما أصبحتما زوجن شرعيين , أيها العريس , يمكنك الآن أن تقبل العروس".
منتديات ليلاس
أسدلت تيشا أهدابها لتغمض عينيها , لأن الألم في داخلها كان حادا جدا والى درجة لم تستطع أن تتحمل رؤية الأستسلام الذي لا بد أن يكون مرتسما على وجه رورك وهو يستدير اليها , كانت قبلته خالية تماما من الحماسة ولم تجد فيها شيئا من الدفء الذي أعتادت أن تستشعره , كذلك لمسته كانت فاترة ومنضبطة كما لو كان يحس نفسه مرغما على تنفيذ تعليمات رجل الدين.

وبحواس متخدرة, تناهت اليها كلمات التهنئة التي كانت توجه الى عريسها , وفكرت في نفسها
لا بد أنه يتقبل التهاني في مرارة مثلما تقبلني أنا كزوجة غير راغب فيها, ثم عانقها أبوها ووجهه يطفح بشرا
لكن لا عناقه ولا فرحه أستطاعا النفاذ الى روحها التي خيل اليها أنها أصبحت جثة بلا حراك , وكذلك الأمر بالنسبة الى تمنيات عمتها الهامسة بأن تسعد هي ورورك في حياتهما الزوجية.

ثم مدت يدها ولمست ذراع عريسها من خلال كم بزته السوداء , لم تكن قد وجهت اليه نظرة واحدة منذ تلك اللحظة التي وعت فيها مبلغ حبها له ولكنها نظرت اليه الآن , وكان وجهه حين أستدار اليها ذا تعبير جدي ومشوب بشيء من الحذر.

قالت له بصوت أجش ومنخفض جدا مما أضطره الى أحناء رأسه كي يسمعه:
" أرجوك, دعنا نخرج من هنا".
فأجابها بأقتضاب:
" سنخرج فورا".

وفي لحظات معدودة أبتعد بها مسرعا عن أبيها وعمتها وهبط وأياها الدرج ثم توجها الى حيث أوقف سيارته
وهنا أجتاحتها رغبة يائسة في أن تهرب منه الى الجهة المعاكسة لكنها كبحت رغبته وأقنعت نفسها بأنها مطرة الى مواجهته أن عاجلا أو آجلا, ففوق كل شيء ينبغي أن تقنعه بأن هذا الزواج قد فرضه أبوها عليها مثلما فرضع عليه

وبالتالي هي لا تقل عنه رغبة في عدم الأستمرار ما دام كلاهما لا يريد الآخر زوجا له, هذا ما يجب أن تفعله لأن كرامتها لن تسمح لها بأستعمال رباطهما الزوجي طسلاح للأحتفاظ به.

وسألها رورك وهو يجلس خلف المقود:
"لم تكوني على علم بأن والدك قد طلب تغيير موعد الزفاف ليكون اليوم بدلا من الغد, أليس كذلك؟".
فأجابته بأختصار:
" لا , لم أعلم بأكثر مما علمت أنت".
منتديات ليلاس
ألقى عليها نظرة متسائلة ثم أدار محرك السيارة وقال:
" نحن متزوجان الآن ".
فهتفت بمرارة:
" أنه زواج مهزلة وأنت تدرك ذلك!".
ركز بصره على السير المزدحم حولهما ثم أستوضحها:
" أذن ماذا تقترحين؟ أن نسارع الى ألغائه؟".

" أنه بالتأكيد الحل المطلوب".
" أحقا هو كذلك؟".
فغمغمت بغضب وهي تنزع الوشاح المخرم عن رأسها:
" ما كان ينبغي أن أصدقك بتاتا , ولو أنني لم أصغ الى كلامك ووعودك لما وقعنا في هذه الورطة".

وأضافت قائلة في نفسها:
" ولما أكتشفت ربما أنني أحبك, ولتحاشيت بالتالي هذا العذاب المحطم لقلبي".
وسألها زوجها بهدوء:
" هل من عادتك البكاء على الخسارات البسيطة؟".

فردت محتدة:
" لست غبية الى درجة الأعتقاد بأن الأمور السيئة تنقلب دائما الى الأحسن".
فأجابها بطول أناة:
"أنها تنقلب الى الأحسن أذا أتحت لها المجال لذلك , وحيث تحولين الشيء اللامفيد الى شيء مفيد".

" قد ينطبق هذا على الأعمال التجارية , لكن قل بربك , كيف تحوّل زواجا غير مرغوب فيه الى زواج مرغوب؟".
فوافقهاقائلا:
" هذا يبدو مهمة مستحيلة".
وهنا أنعطف بالسيارة الى مرآب أحد الفنادق فسألته بنبرة حذرة:
" لماذا جئت بي الى هنا؟".

سخرت عيناه من صوتها المتخوف وقال بهدوء هازىء:
" لم أشأ أن أمتحن طهوك هذه الليلة لأن المزاج الأسود الذي يسيطر عليك قد يحملك على محاولة تسميمي , أضافة الى ذلك , أن المشكلات تبدو دائم أقل تعقيدا عندما يكون المرء شبعانا".


اماريج 09-09-10 01:33 AM

لم تجد في مقولته أية دعابة , فأعترفت قائلة:
" أنا لست جائعة".
فتجاهل عنادها وقال:
" سنتناول شرابا قبل الطعام , يبدو أنك أصبت بصدمة قوية لكونك أصبحت السيدة ماديسون وقد يخفف الشراب من حدة هذه الصدمة وبالتالي تعود اليك شهيتك المفقودة".

" تقصد أنني مصابة برعب وليس بصدمة".
فأبتسم رورك بحاجب مرفوع وعلق مازحا:
" أرأيت؟ لقد بدأ مزاجك بالتحسن , فكلما شرعت في أهانتي , أطمئن الى عودة الأكور الى طبيعتها".
منتديات ليلاس
لم يعد هناك أي شيء طبيعي بالنسبة اليها, فكرت تيشا بأسى وهي تراقب رورك يترجل من السيارة ويدور حولها من الأمام ليفتح لها الباب....
هناك فقط سماء وجحيم وليس بينهما سوى التعاسة ... أذا أعترفت تخشى العواقب وأن صمتت تخشى العذاب!
عليها أذن أن تخفي حبها عنه وتحافظ عليه كما تحافظ الوردة على نفسها بسلاح شوكها , أجل , بأمكانها أن تخفي هذا الحب عنه خلف لسانها اللاسع
فهو خط الدفاع الوحيد الذي تبقى لها وأذا تحصنت جيدا وراءه تمنع نفسها من الأرتماء على قدميه والتوسل اليه بأن يدعها تعيش معه الى آخر أيامهما , وحتى ينجبا الأولاد ويربيا الأحفاد ويشيخا معا أمام ذلك الموقد المستعر في غرفة نومه.

كان يقف عند بابها الذي فتحه ,ويمد لها يده ليساعدها على الترجل من السيارة كسيد مهذب لكنها تجاهلت هذه البادرة وترجلت بسرعة وسألته بسخرية:
" هل خطط لنا أبي أيضا, كيف وأين نقضي شهر العسل؟".

فرد رورك بهدوء تام:
" بل ترك لنا الخيار ... كان لدي أنطباع بأنه حسبنا نحب بعضنا كثيرا والى درجة أننا لن نهتم بالمكان الذي سنكون فيه بل بأجتماعنا نفسه ".
فأطلقت ضحكة حادة مرة وأجابت:
" صحيح ,أنا لن نهتم بالمكان شرط ألا يجمعنا سوية".

وفجأة أعتقل ذراعها بيده وغرز أصابعه فيها وقال بصوت كالح:
" سيكون ذلك صعبا بعض الشيء بحكم الظروف الراهنة , ألا توافقينني رأيي؟".
رأت في عينيه تحذيرا خفيا لكنها لم تأبه له وردت بتحد:
"لا موجب لأن يكون صعبا ... بأمكاننا أن نقضي شهر عسل عصري وحيث تذهب أنت في طريقك وأمضي أنا في طريقي".

فأنسدل على وجهه الغاضب قناعا ساخرا وسألها هازئا:
" وهل يطاوعك قلبك على ترك زوجه ينام بمفرده في ليلة عرسه؟ ألا تخجلين من نفسك يا حمراء؟".
فأحست بتخدير مرعب يشلها لكنها تمالكت خوفها وقالت تراوغه:
" أبهذه الطريقة تنوي أن تحول مساوىء زواجنا الى حسنات؟ هل أنت عازم على مطالبتي بحقوقك الزوجية؟".

فمرر بصره بحميمية على جسمها وأجابها بصوت مخملي:
"لقد خطرت لي هذه الفكرة".
فشعرت بكل عروق جسمها تنبض بحرارة وحشية فسارعت تقول بعزم:
" أذن أنس هذه الفكرة!".
فذكرها قائلا بلطف:
"في الأسبوع الماضي أبديت نحوي رغبة مخالفة لهذه, فما سبب هذه النوبة الفجائية من تقريع الضمير وقد أصبح محللا لنا هذا التلاقي؟".

عبق وجهها بلون قرمزي... وقالت بتصميم أرجف صوتها:
" مهما طال أمد زواجنا فسوف يبقى ... أسميا فحسب".
" الآن وقد تزوجنا , ما عدت تجدينني جذابا؟ أليست هذه الحقيقة؟".

" كلا".
خرج النفي من بين شفتيها قبل أن تتمكن من ايقافه, فقال:
" أذن, هذا يعني أنني ما زلت أجذبك؟".
" نعم... أعني لا!".
منتديات ليلاس
فسألها وعيناه يلتمعان بمرح مغرور:
" ماذا تقصدين بالضبط؟".
أحست بما يشبه الأختناق فقالت بصعوبة:
" أنا... أقصد... أن هذا الزواج المهزلة يجب أن ينتهي, أنه.... مثال الزيف والخداع؟".
" هذا يعني أنك لا تريدين شهر عسل في برمودا؟".
" كلا , لا أريد ذلك".

" أعتقد أذن أن الخطوة الأكثر منطقية هي أن نعود الى البيت فور أنتهائنا من تناول الطعام , هل توافقين؟".
بدا فجأة عازفا عن مجادلتها وقد سرها هذا لأن أسئلته الماكرة بدأت تدك تصميمها على ألا تجعل من زواجهما مهزلة مستمرة.
وأجابته مع أيماءة تأكيدية:
" موافقة تماما".

******نهاية الفصل التاسع******

اماريج 09-09-10 01:36 AM

10- وفشل الأتفاق!
*******************
لم تعرف تيشا هل أنها أستعادت شهيتها للطعام بالفعل أم أنها تقصدت صرف وقت طويل في تناول كل صنف كي تؤجل مواجهة تلك اللحظة المحتومة التي سوف يختليان فيها
أمتد بينهما الصمت ولم يكن مريحا ولا مزعجا , وقد قطعاه بين الحين والحين بتعليقات عادية مختصرة كي يتجنبا حدوث توتر محتمل
وبعد أن تناولت صحن حلوى وأحتست فنجانين من القهوة, أحست أنه لم يعد هناك مجال لمزيد من التلكؤ.

وهذا ما شعر به رورك أيضا حين أشار لعاملة المطعم بأن تأتيه بورقة الحساب , وسأل تيشا من باب التهذيب فقط بالرغم من علمه المسبق لجوابها:
" هل أنت مستعدة للعودة؟".
كانت عتمة الليل الحميمة قد عززت وجودها في الخارج وبدت السماء حالكة الا من نجوم متلألئة من بعيد
منتديات ليلاس
القمر كان بعد هلالا وبدا شاحب اللون في الخلفية السوداء , ولما أحتوتهما سيارته البيضاء شعرت تيشا أكثر من أي مرة سابقة بجوها الداخلي الحميم
ألا أن رورك بدا غافلا تماما عن وجودها قربه وهو يقود السيارة بصمت عبر الطرق الريفية الخالية.

لكن التوتر العصبي الذي أستطاعا أن يتجنباه في أثناء العشاء أحسته الآن يتملكها بسرعة مخيفة وهما يقتربان من بيته
لمحت أضواء بيت عمتها وخيل اليها أنها كانت تغمزها من بين أشجار الصنوبر ثم ما لبث رورك أن أنعطف بالسيارة الى الدرب المؤدي الى بيته.

وقفت الى جانبه بعصبية وهو يفتح الباب الأمامي, وألتقت عيناها بالنظرة الشامتة والساخرة التي قذفها بها حين أنتحى جانبا في أنتظار عبورها قبله.
وغمغم معتذرا:
" لا أود أن أزيد من حجم المهزلة بحملك فوق العتبة".
فردت بصوت متوتر:
" بالطبع لا أتوقع منك هذا".

ثم مرت به وعبرت بسرعة الى الردهة وحيث وجدت أن ذكريات زيارتها الأخيرة ما زالت حية زاهية بكل تفاصيلها
وعندما كبس رورك زر الكهرباء رأت عدة حقائب مكومة عند الباب ثم لاحظت فورا أنها حقائبها الخاصة
فسألته منزعجة:
" ماذا تفعل هذه هنا؟".

أجابها بدون أن يظهر عليه أي أستغراب:
" لا بد أن بلانش نقلت بعض ثيابك وأغراضك الى هنا لظنها ربما بأنك ستودين أرتداء شيء آخر في اليومين المقبلين بدلا من فستان الزفاف ".
أنحنى يحمل الحقائب وأردف قائلا:
" سأوصلهما عنك الى غرفة النوم".

لم يبد هناك شيء آخر تفعله سوى أن تلحق به الى غرفة الأستقبال وخطواته الواسعة الرشيقة تجعله يسبقها بالرغم من أنه حاول التمهل. كانت النار تشتعل زاهية في الموقد , وأضواء السقف المخفية تنشر نورا خافتا.

توقفت تيشا عند أسفل الدرجات الثلاث حين وقعت عيناها الخضراوان على أبريق شراب من البلور المنقوش تنزلق عليه من الخارج قطرات ماء متعرقة , وكأن يدا سحرية أحضرته قبل هنيهات من الثلاجة.
منتديات ليلاس
ورأت الى جانبه كأسين من البلور المماثل منكفئتين على صينية فضية .
وسألته بصوت كالجليد:
" كيف وصل هذا الى هنا؟".
فألتفت رورك عبر كتفه وعيناه تلاحقان أصبعها المشير الى مكان الأبريق , ولم يستطع أن يخفي أبتسامة مرح قفزت الى شفتيه وأجاب بمرح مماثل:
"يبدو لي أنه هدية شراب من والدك لنحتفل بليلة زفافنا وسنكون سخيفين أذا لم نستمتع بشربه باردا ,ما رأيك أن تملأي الكأسين لبينما أوصل أغراضك الى الغرفة الأخرى؟".

اماريج 09-09-10 01:37 AM

لم ينتظر منها جوابا على أقتراحه وتابع طريقه الى غرفة النوم حاملا الحقائب بيديه وتحت أبطه ....
وسارت تيشا بجمود الى حيث الأريكة ووقفت تحدق بغضب الى الأبريق البلوري والكأسين الفارغتين
ثم راح خيالها يتصور المشهد الذي من المفروض أن يرشح عن جلستها مع رورك أمام الموقد الدافىء وتحت الأضواء الحميمة وهما يحتسيان الشراب المنعش.

وكانت ما تزال شاردة في تخيلاتها عندما رجع رورك الى الغرفة
وأستفسرها دونما حاجة الى السؤال:
" ألم تملأي الكأسين بعد؟".
" فضلت الأنتظار حتى تعود".
تحاشت الجلوس على الأريكة وأختارت أحد المقعدين الوثيرين الى جوار الموقد, وأخذت تراقب رورك من طرف عينيها وهو يجس برودة الأبريق ثم يقلب الكأسين المنكفئتين على الصينية وينظر اليها متسائلا.

فأجابته بأختصار:
" لا أريد شيئا لي".
" كما تشائين".
أبتسم متظاهرا باللامبالاة وسكب كأسا لنفسه.
وبعزيمة تامة حسدته تيشا عليها , نزع سترته الأنيقة وأرخى ربطة عنقه قليلا قبل أن يستتب جالسا على الأريكة
وعندما تناول جريدة عن الطاولة وشرع يتفحصها بهدوء وأسترخاء لم تستطع أن تتأكد هل هو يتجاهلها عن تعمد أم أنه غير مهتم بالفعل لوجودها
الشق الثاني من التساؤل طعن كرامتها الأنثوية , أذ أن قربه عاد يثير فيها تلك الأحاسيس العميقة الرائعة.

وهتفت تقول بسخط أنتقامي:
" كيف يمكنك أن تأخذ راحتك في الجلوس والقراءة بهذا الشكل؟ أليس هناك شيء آخر يمكنك أن تفعله ؟".
فطوى صفحة واحدة من الجريدة ليستطيع النظر اليها وسألها بهدوء تام:
"مثل ماذا؟".
منتديات ليلاس
" كأن تفكر في أيجاد طريقة لأنهاء هذا الزواج السخيف!".
" يجب أن ننتظر قليلا حتى يحين الوقت المناسب لذلك".
وأرتفعت الجريدة ثانية لتحجب وجهه عنها , فسألته بأصرار:
" ولماذا تنتظر؟".

" لأنك تعرفين مثلما أعرف أن والدك لن يتقبل أبدا فكرة أنهاء الزواج أذا حاولنا الأنفصال غدا صباحا".
غاص اللون تماما من وجهها وأستفسرته بصبر نافذ:
" ما هي المدة التي يتوجب علينا أنتظارها؟".

" بضعة أشهر".
جف ريقها فسألته بصوت واجف:
" وماذا سيحدث في هذه الأثناء؟".
طوى الجريدة وألقاها على الأريكة قربه ثم صوب اليها نظرة رصينة وقال متظاهرا بالأستغراب:
" لست متأكدا مما تقصدين".

خيل اليها أن هذه اللعبة لن تنتهي, لعبة شد الحبل ... لعبة القط والكنار السجين في القفص.... أحست كل عضلاتها تتقلص ويصل التقلص الى أصابعها التي راحت تتشابك بعصبية في حضنها...
وقالت أخيرا موضحة:
" أعني أين ستكون أنت وأين سأكون أنا في خلال هذه الأشهر القليلة".

فرد ببساطة متناهية ليشعرها بقصر نظرها:
"سنكون هنا بالطبع".
تملكها اليأس فهبت واقفة على قدميها وهتفت حانقة:
" في هذا البيت؟ ذلك أمر مستحيل!".
" لماذا؟".
" أنه صغير جدا وسوف نتعثر بأستمرار ببعضنا بعضا".

" لا أفهم علاقة كلامك بالموضوع".
أجابت تتهمه بغضب:
"بل أنت تعرف تماما ما أرمي اليه!".
تجهم وجهه قليلا وقال بصوت جاف:
" ماالذي يقلقك بالضبط؟ هل تخشين من أن الأحتكاك المستمر كفيل بأضعاف عزمك على أبقاء هذا الزواج , دعيني أتذكر ذلك التعبير الطريف الذي أستعملته... أوه , تذكرت , زواجا أسميا فقط؟".


اماريج 09-09-10 01:38 AM

فأعلنت تيشا بصوت مهزوم:
" أنه الحل المنطقي الوحيد أذا أخذنا بعين الأعتبار الورطة التي نتخبط فيها , كما أنه سيزودنا بأسباب للطلاق غير قابلة للنقاش, لقد أتفقنا على ذلك من قبل!".
فمرر أصابعه في شعره
وأجاب بهدوء:
" لا أنكر أنك أرتأيت هذا الحل لمسيرة زواجنا المؤقتة ,لكن لا أذكر أنني وافقتك وقتها على رأيك هذا".

جمدها بجوابه كأنه سكب عليها ماء مثلجا , هل هو جاد في ما يقول؟ تفحصت وجهه بحثا عن الحقيقة وأقنعت نفسها بأنه يمازحها ليس الا , أنما بتلك الطريقة التي تثير أعصابها .
" هل لك أن تكف عن مزاحك الساخر هذا؟".
" أعصابك متوترة أكثر من اللزوم , لماذا لا تغيرين فكرك وتشربين كأسا من هذا الشراب المنعش؟".

أحسته ينهض من مكانه وسمعت صوت الأبريق وهو يحتك بالكأس وأنسكاب الشراب فيه ثم وجدت رورك يقف الى جانبها وهو يقدم لها الكأس المعبأة حتى حافتها تقريبا.
وقال يقترح بشيء من التهكم:
"هل نشرب نخب العريس والعروس السعيدين؟".

توهجت عيناها بغضب وهي تراقبه يرتشف كأسه , وقد ضايقها موقفه الهازىء من الوضع ككل وأكثر بكثير مما ضايقها عدم أكتراثه , ولذا أعلنت بعزم
وبصوت مرتجف خافت:
" أفضل مئة مرة أن أشرب نخب أنفصالنا الوشيك".

ولكي تعزز كلامها بالبرهان, سارعت الى جرع كل محتويات الكأس تقريبا فيما كانت أصابعها المتقلصة تقبض على ساق الكأس بشدة حتى لتكاد تحطمها
فعاتبها رورك بقوله:
" من السيء جدا للصحة أن نجرع السوائل دفعة واحدة بل ينبغي أن نحتسيها على مهل".
منتديات ليلاس
فجرعت بتمرد ما تبقى من كأسها من الشراب ووقفت تحدق اليه ثائرة وهي تتوق الى قذف الكأس الفارغة على جدران الموقد المرمري وفي تعبير آخر على تصميمها العنيد على مقاومته الى النهاية.

أستطاع رورك أن يقرأ أفكارها التخريبية المنعكسة في نظراتها المتوهجة حنقا
فغمغم ببرود:
"مهمت قررت أن تفعلي فأرجوك ألا تقذفي تلك الكأس على الموقد لأنك لن تنتهي أبدا من ألتقاط كل تلك القطع الزجاجية المتناثرة من صوف السجادة السميك".

فأستفسرته وهي تلقي رأسها الى خلف بحركة عدائية متغطرسة:
" ما الذي يحدوك الى الظن بأنني سأرضى بألتقاطتها؟".
فلوى شفتيه بلا أكتراث وقال وهو يسير مبتعدا عنها بتكاسل :
"أنت الآن ربة بيت ,والمحافظة على نظافته هي أحدى واجباتك كزوجة".


اماريج 09-09-10 01:39 AM

" سيروق لك هذا الوضع , أليس كذلك؟ من أجل هذا السبب أنت تسعى ألى أبقائي هنا بضعة أشهر لكي تؤمن لنفسك خادمة وطباخة وأمرأة تنفذ كل تلك الأشياء الأخرى".
فغمغم بدون أن يطرف له جفن:
" أشك في أن خدمتك ستكون لقاء لا شيء بل أرجح بأن تطاليبيني بمصروف جيب ضخم".

فزعقت تيشا كما الريح العاصفة:
" أنا لا اريد شيئا منك! ولا حتى أسمك أو مالك!".
" وماذا تريدين مني؟".
فتقلص حلقها بألم حارق وشعرت بالحريق يمتد نزولا الى قلبها المعذب , أنها تريد حبه وقوته وحنانه لكنها لن تستطيع أبدا أن تعترف له بهذه الحقيقة , وبدلا من ذلك
شدت قامتها بكبرياء وأجابت:
" أريدك أن تتركني وشأني".

ثم أستدارت بشموخ وبدأت تسير في أتجاه الردهة وقد أستحال عليها الأستمرار في صد تعليقاته اللاذعة.
وأستوضحها رورك وهو يظهر أهتماما هادئا:
" ألى أين تذهبين؟".
فردت بأختصار:
" الى السرير".
"في هذا الوقت المبكر؟".
منتديات ليلاس
فوافقته قائلة:
" صحيح أن الساعة لم تتخط التاسعة لكن علي أن أفرغ حقائبي وأستحم ".
" كان بالفعل يوما محموما ومنهكا للأعصاب , ولن يضيرنا على الأرجح أن نأوي باكرا الى الفراش".
فتمتمت بتهكم:
" لأول مرة نتفق على رأي واحد".

وسارعت الى عبور الردهة قبل أن يهديها جوابا ذا عيار ثقيل!
وجدت حقائبها مصطفة على السجادة قرب مؤخرة السرير , لم تكن لديها أية نية في أفراغها نظرا الى تصميمها على عدم المكوث طويلا في هذا البيت
قلصت شفتيها بعزم واجم وأخذت تبحث في الحقائب عن بيجامتها , وأتضح لها أخيرا أن بلانش أغفلت أرسالها وبعثت بدلا منها قميص نوم حريري , بدا أنه سينساب بنعومة على جسمها ويظهر مفاتنه بشكل ايحائي.

أخذته مع روب أزرق وكذلك حملت حقيبتها الليلية الخاصة بأدوات الزينة وهرولت الى الحمام الملاصق لغرفة النوم وهي تحاول جاهدة أن تبعد عن مخيلتها ذكرى تلك المرة المقلقة التي دخلته فيها
على الأقل, لن تضطر هذه الليلة الى أرتداء بيجامة روك , فكرت بأسى موجع حين دخلت حجيرة الدوش وأخذت تعدل حرارة الماء.

وبعد ساعة كانت قد لبست قميص النوم وتدثرت بالروب كي تغطي صدره المكشوف قبل أن تفتح الباب الى غرفة النوم
وفيما هي تعبر عتبتها رأت رورك يقف الى الجهة المقابلة من الفراش وكان منهمكا في فك أزرار قميصه.

اماريج 09-09-10 01:41 AM

تجمدت للحظة في مكانها ثم أتسعت عيناها حين رأته ينزع قميصه وسألته بلهفة لم تستطع ضبطها:
" ماذا تفعل هنا؟".
فأجابها بليونة:
" لقد وجدت أنك كنت مصيبة في فكرة النوم المبكر".

" أنك لن تنام في هذه الغرفة؟".
قصدت أن تقرر واقعا من خلال عبارتها لكن الحيرة التي شابت صوتها وهو يوليها ظهره الأسمر:
" لست مستعدا لقضاء ليلة أخرى على الأريكة وحيث محاولة النوم عليها كمحاولة السير على الحبال".
فهتفت بنبرة حادة:
" أذن سأنام أنا عليها لأني لست على أستعداد لأن أشاركك الفراش".

مشت بسرعة صوب الباب وهي تتوقع بخوف أن تمتد يده في أية لحظة لتقبض على ذراعها.
ولما فتحت الباب المؤدي الى الردهة أسترقت اليه النظر من فوق كتفها فرأته ما يزال جالسا على الفراش وقد أنهمك الآن في خلع حذائه .. وساءها أكثر من كل شيء أن تشعر بخيبة أمل لأنه لم يحاول بتاتا أن يقنعها بالبقاء أذ كانت بعض عواطفها المستضعفة تحثها على أن تضرب بكبريائها عرض الحائط.

وفي غرفة المكتب , حدقت الى الأريكة وقد أتضح لها أنها نسيت أحضار أغطية ووسائد , لكنها ترددت في العودة الى غرفة النوم حيث توجد الحرامات والوسائد وذلك لخشيتها من الأستسلام في حال حاول رورك أن يقنعها بالبقاء , وراحت تسير بلا هدف في أرجاء الغرفة بعدما قررت أستحالة النوم بلا غطاء.
منتديات ليلاس
كان هناك جهاز أسطوانات مجهز بستريو ومثبت في فجوة خرانة في الجانب الآخر من الغرفة , فجلست تقلب ألبومات الأسطوانات المصفوفة الى جوار الجهاز
وحيث أختارت واحدة وضعتها على سطحه الدوار ثم عادت تضطجع على الأريكة كي تصغي بهدوء الى اللحن الحزين الذي أنبعث من الأسطوانة وكانت تعزف مجموعة من أوتار الكمان
رفعت ركبتيها حتى صدرها وأسندت ذقنها عليهما وسرحت مع الأنغام الكئيبة التي أندمجت مع الحزن الكامن في قلبها.

وفجأة رأت ظلا ينطرح على الدرجات , ثم أحست عضلاتها تنقبض حين رفعت رأسها لتحدق الى رورك من بعيد ,كان تعبير وجهه شديد الهدوء مما أشعرها برعب جعل نبضها يتسارع ويلهب عنقها بأيقاع وحشي.

" ماذا تفعل هنا؟".
فأحتواها بعينيه الحالكتين قبل أن يرتقي الدرجات ويسير الى الزاوية حيث الستريو المولول
أطفأه بحركة سريعة وأجابها بلا أنفعال:
" ليس في نيتي أن أقضي الليل لأصغي الى ألحان كئيبة كهذه".

كانت متأكدة من أستطاعته سماع قلبها الخافق بعنف وسط ذلك الصمت الذي أعقب ضجيج الموسيقى , لكنها حاولت أن تبدو مثله, هادئة الأعصاب رابطة الجأش
وقالت بصوت ثلجي:
" هل لك أن تأتيني بوسادة وبعض الحرامات؟".
" كلا!".
نطق الجواب بهدوء بالغ والى حد أعجز تيشا لوهلة أولى عن التحقيق منه ,ولما أستوعبته , شمخت برأسها لا أراديا وأستفسرته بتحد غاضب:
"ماذا تقصد برفضك هذا؟".

لم يتحرك من مكانه في الزاوية المعتمة حيث أطفأ الستريو وأجابها من هناك:
" أقصد أنك لن تحتاجي الوسادة".
صعبت عليها رؤية وجهه , وسألته وهي تتسلح بعدائية ظاهرية:
" لماذا؟ هل قررت أن تنام على الأريكة بدلا من السرير؟".
سار ببطء وخطواته تطوي المسافة بينهما حتى وقف أمامها مباشرة
قال وعيناه العنيدتان تأسران عينيها:
" كلا , وأنت أيضا لن تنامي هنا".

أحست طنينا في أذنيها وهي تهز رأسها بسلبية عصبية
وقالت بصوت مرتجف أضعف الثقة في كلامها:
" لا , لن أقضي الليل معك".
بسط ذراعيه ليجذبها عن الأريكة ويرغمها على الوقوف وهو يقول:
" أجل , ستفعلين ذلك".

حاولت التملص من قبضته وهتفت بشيء من الذعر:
" كلا , لن أنام معك , لا أريد أن أفعل ذلك".
فأختلجت شفتاه بأبتسامة خلت من المرح وحتى من السخرية , وهتف قائلا:
" كفي عن الكذب! لا تحاولي التظاهر بأنك لا تكنين المشاعر نفسها التي أكنها لك".
" لا! لا أرجو....".

وحين ضاعفت مقاومتها على تحرير يديها رفعها بين ذراعيه بخفة وحملها كطفلة صغيرة هابطا بها الدرجات ومن هناك الى الردهة.
"أنزلني الى الأرض فورا!".
كانت تلهث وتلبط الهواء بقدميها بلا نتيجة فيما أحدى ذراعيها محتجزة بين صدرها وصدره والثانية يقبض عليها زوجها بقوة
وتابعت أحتجاجها العنيد بقولها:
" لا أريد الذهاب معك الى الفراش! لا أريدك أن تلمسني! هذا ليس جزءا من أتفاقنا!".
فأسكتها قائلا:
"لم يجر بيننا أي أتفاق , أنت وحدك أفترضت وجود أتفاق من هذا النوع".


اماريج 09-09-10 01:42 AM

كان باب غرفة النوم مفتوحا فعبر رورك بها العتبة وأغلقه خلفهما بقدمه , نظرت من طرف عينها فرأت السرير وقد أزيحت عنه الأغطية , وتلوت في قبضته الحديدية بلا جدوى.
" كف عن ذلك! أتركني وشأني!".

لكن صرختها كانت مجرد أمل لفظي واه لأنه أستمر في حملها صوب السرير
وهنا ألتجأت الى الأهانات فهتفت ولا من مجيب:
"أنت وحش كريه بدائي! وأنا لست سبية من القرن الثالث قبل الميلاد تجرها كقائد روماني الى غرفة نومك".
تنهد بسخرية مرحة وأنزلها الى الأرض بدون أن يزيح يديه الملتصقتين ذراعيها بجنبيها وراح يراقبها متلذذا محاولاتها الفاشلة للأفلات منه
ثم قال باسما:
" هناك فقط طريقة واحدة لأسكاتك , هل تعرفينها؟".
منتديات ليلاس
وجذبها بقوة الى صدره وأوقف تدفق أهاناتها اللاسع بعناقه.
وللحظة عابرة أستطاعت تيشا أن تقاوم ذلك الأعتداء العاطفي على حواسها , لكن لهفة حبه القوية والمقنعة سرعان ما تغلبت على تعقلها وما عادت قادرة على كتمان حبها دقيقة أخرى.
تنهدت بأنهزام لذيذ وهمست وشوقها يرجف صوتها:
" رورك, أريدك أن تعلم أنني أحبك".

فغمغم وفمه لصق خدها:
" حزرت ذلك من البداية".
" رورك.....".
فقاطعها على الفور:
" أنت تثرثرين كثيرا".

رفعها ثانية بين ذراعيه وحملها الى السرير وهو يسكت.... كل محاولاتها الأخرى للكلام.
وفي ساعة لاحقة من الليل أستدار اليها , وهذه المرة لم تبد تيشا أيا من مبادرات المقاومة السابقة بل أستسلمت لغزله كليا.

وفي الصباح, عندما أيقظتها أشعة الشمس تسللت بهدوء على الفراش , ألقت نظرة سريعة على وجه رورك النائم وألتقطت الروب عن الأرض لترتديه وتغطي به كتفيها وذراعيها العاريين
فالسعادة المتناهية التي غمرتها برقة فائقة ليلة أمس قد رحلت الآن وحلت مكانها الذكرى الموقظة بأن رورك لم يكن يريد الزواج منها.

حدّقت عبر النافذة الى الغابات البعيدة , وحاولت ألا تكرهه لكونه أستغل الموقف وجعلها زوجته بالفعل كما بالأسم
لقد أعترف لها ليلة أمس بأنه كان على دراية بحبها له وقد منحه هذا سلطة جديدة سارع الى أستخدامها كليا, وعلى الرغم من ذلك لم يخفف نور الصباح من رغبتها الأساسية العميقة في أن تقضي بقية حياتها الى جواره...
ورورك كان يزمع على المباشرة في الطلاق بعد بضعة أشهر.... ولأول مرة أدركت تيشا مبلغ الأذلال الذي يستشعره الأنسان المغرم بأنسان آخر يرفض حبه...

لن تبقى معه على كره منه ولن تتوسل اليه أبدا أن يعدل عن الطلاق! ليلة أمس أستسلمت لضعفها , أما اليوم فعليها أن تكون قوية وكذلك في كل الأيام اللاحقة
وسوف تتسلح بكرامتها , التي هي فوق كل شيء, على أخفاء عمق حبها له لأنها لن تحتمل أبدا أن يعيش معها من باب الشفقة فحسب.

أستدارت عن النافذة وأرسلت بصرا جائعا الى حيث يرقد زوجها الحبيب , كان مستيقظا ويرقبها بتكاسل وفي عينيه بريق داكن سرعان ما أوقد فيها شعورا متجاوبا
لكنها حيته ببرود:
" صباح الخير".

فأنهض رورك جسمه مرتكزا على مرفقه وأجابها متأملا وجهها بشيء من الأستغراب:
" صباح الخير".
ثم ضاقت حدقتاه قليلا وهو يردف:
" لا بد أن الغرفة أصيبت بموجة برد في أثناء الليل".
منتديات ليلاس
فتجاهلت تلميحه الساخر الى تحيتها الباردة وقالت بفتور:
" سوف أصنع أبريقا من القهوة , أذا رغبت في شيء منها يمكنك الذهاب الى المطبخ للحصول عليه".
ولكي تصل من النافذة الى الدرجات المؤدية الى الباب, كان عليها أن تمر بالسرير , ومع أنها أحتاطت لأي حركة قد تصدر منه ليمنعها من المرور الا أنها لم تقدر أن تروغ من يده التي أمتدت كلمح البصر وقبضت على رسغها , وسألها غاضبا:
" ماذا دهاك؟".

حركته الفجائية هذه أسقطت الأغطية عنه وكشفت صدره العضلي الأسمر
تقنعت بتعبير جامد وأجابته هازئة:
" لا أرغب في أية لعبة صباحية , فأترك ذراعي أذا سمحت".
تغضن جبينه بعبسة أستغراب وبدا لها جذابا أكثر من أي وقت مضى وقد تبعثرت بعض خصلات شعره الذهبي على ذلك الجبين الحائر , وأستوضحها بنبرة جدية هادئة:
" ماذا حدث للمرأة المحبة التي أستكانت بين ذراعي ليلة أمس؟".


اماريج 09-09-10 01:46 AM

فأجابته بصوت هدجته موجة غضب خفي:
" ليلة أمس كانت مجرد غلطة! وهذه الغلطة لن تتكرر بعد اليوم!".
لقد آلت على نفسها أن تكون قوية وسوف تتشبث بهذه القوة مهما كلفها الأمر من جهد وعذاب.

لكنه جذبها اليه بعنف وحشي وجعلها تستلقي الى جانبه على الفراش ,وراحت حدقتاه ترسلان شرارات خطر وهو يتفحص كل جزء صغير من قسمات وجهها المتمردة , أما هي فأستلقت الى جانبه بجمود وبدون أقل مقاومة أو محاولة هرب.
وتمتم يستفسرها بألحاح:
" ما علتك؟ هل أنت خجلة مما حدث بيننا ليلة أمس؟".

" أجل!".
جوابها التأكيدي المختصر صفعه بفعالية أكبر مما لو صفعته بكفها
أستمر يحدق اليها مستغربا وسألها بأناة:
" لماذا هذا الخجل بحق السماء؟ أننا متزوجان يا تيشا".
منتديات ليلاس
فردت بسرعة وبأزدراء جليدي:
" لا داعي لأن نخوض في شرعية ما حدث".
" لقد حدث الزواج وكلانا لا يستطيع نسيان هذه الحقيقة".
عادت اليها تفاصيل الأحداث المؤلمة التي أدت الى عقد القران, فردت محتدة:
" كذلك لا أستطيع أن أنسى بأنك أرغمت على الزواج مني كما لو أن والدي كان يقف خلفك مسددا على ظهرك فوهة بندقية!".

وفجأة رأت البريق الوحشي يخبو من عيني رورك وأذ به يلقي برأسه الى الوراء ويضحك بأرتياح ظاهر
ثم أرتسمت على محياه أبتسامة آسرة , وأحست أنفاسها تختلج في صدرها حين عاد يحدق الى وجهها بتلك النظرة الشملة الرقيقة.

وغمغم ونيران عينيه المستعرة تشعل قلبها بخفقات مجنونة:
" أهذا ما يقلقك أذن يا عروسي الحلوة؟ أعترفي ولا تخفي عني الحقيقة".
أبتلعت ريقها لتصعد التوق الذي أرتفع الى حلقها وأجابت بنبرة قاسية:
" كان ما فعلته أمس عملا شائنا مثيرا للأزدراء وذلك حين أستغليت الوضع وأستغليتني أيضا!".

" ولماذا يعتبر ذلك مثيرا للأحتقار ولي ملء الحق كونك زوجتي".
أنه يسد عليها جميع الطرق ويصعب مهمتها الى حد الأستحالة! ماذا تفعل الآن وقد عادت شفتاه تتلمسان صفحة وجهها كما الريشة؟
لكنها أستحمعت شتات قوتها وأرغمت نفسها الى ابقاء جامدة برغم كل تلك الرقة التي كان يحاول أدماجها فيها وقالت بتصميم:
" لا تغير الموضوع! أن والدي أرغمك على الزواج مني! أعترف بهذه الحقيقة!".

توقف عن مداعبتها وأجاب بحزم وهو يحدق الى عينيها المتوهجيتين:
" لا أحد على وجه هذه الأرض , بأستثنائك أنت ربما, أستطاع أن يرغمني على فعل أي شيء, هذا ما أريدك أن تفهميه جيدا يا تيشا كالدويل ماديسون!".
فأستفسرته بغضب:
" هل تنكر بأنك أبدت عدم رغبتك في زواجنا؟".

فرد على الفور:
" أن أنفي ذلك بتأكيد شديد".
حدقت اليه بفم مفتوح من شدة الأستغراب , فسألها مداعبا وقد كست فمه أبتسامة :
"وأخيرا , هل أستطاعت القطة أن تسرق منك لسانك؟".
" هل تقصد القول... هل تعني أنك...".

وأرعبها أن تتلفظ السؤال خشية أن تكون قد أخطأت فهم قصده .
فلمس مفرق شعرها الحريري بأصبع دافئة وقال بروية وهدوء:
" عنيت بكلامي أنني أحبك, وأنني رغبت الزواج منك بكل جوارحي , وأردتك أن تحملي أطفالي في أحشائك في مستقبل الأيام, وأنك الوحيدة التي أردت أن أراها تجلس على كرسي هزاز الى جانبي عندما يدركنا العجز معا , هل تريدين مزيدا من التأكيد يا تيشا؟".

شهقت بفرح رائع لهذا الأعلان الرقيق والواضح عن الحب.
" أذن لماذا.... لماذا قال بابا...".
كانت أفكارها لشدة الفرح تركض في أتجاهات عديدة مما أعجزها عن طرح السؤال المقصود وفي الأخير أستفسرته قائلة:
" لماذا فكرت أذن في تأجيل الزواج؟".

" لأنني أردتك فقط أن تتأكدي من حبك لي".
راحت أصابعه تتلمس حدود فمها الناعمة وأردف مفسرا:
" كل ما جرى كان يمكن أن يكون أقل تعقيدا لو أن أباك لم يأت في الأسبوع الماضي , فظهوره المفاجىء على مسرح الأحداث وضعك في موقف دفاعي , ولذا أقترحت أن نمدد فترة الخطوبة وحيث أعطيك الوقت الكافي لتتحققي من حبك لي ولتعترفي به بالتالي , لكن والدك لم يقتنع بالحاجة الى ذلك , ويوم أهديتك الخاتم كنت واثقا تمام الثقة من أنك تحبينني لأنك لست من النوع الذي يأتمن شخصا آخر على سعادته ومستقبله ألا أذا كان يحب ذلك الشخص".
منتديات ليلاس
فغمغمت وكأنها في حلم متعدد الألوان كقوس قزح:
" رورك, أحبك أكثر مما تتصور , ولم أعترف لنفسي بهذا الا مؤخرا وذلك عندما تعاهدنا على قدسية الزواج في المعبد".
وزحفت يداها تلقائيا الى عنقه وأردفت:
" المشكلة أنني عجزت عن التصديق بأنك تبادلني حبي".

فأمرها باسما:
"أذن لا تشكي بعد اليوم في صحة حبي".
لمست شفتيه لمسة خفيفة وعيناها تومضان بألق سعادة ماكر:
" أعتقد بأنك قد تضطر الى أثبات ذلك في كل يوم من سائر أيام حياتك".
فأجابها وذراعاه تقربانها من صدره:
" سأفعل ذلك بكل سرور".

ثم نظر الى عينيها الراقصتين وأردف:
" آمل أن تكوني الآن قد صرفت النظر عن صنع القهوة؟".
"أية قهوة؟".
وأبتسمت تيشا وهي تستعد بلهفة لأستقبال سعادتها مع رورك.

النهاية


اماريج 09-09-10 01:47 AM

تمت والحمدلله
قراءة ممتعة للجميع للاعضاء وللزائرين
وبتمنى انها حازت على رضاكم ياامورات المنتدى
:flowers2:
:liilase:


Rehana 09-09-10 11:54 PM

يعطيك العافية .اماريج

شكل الرواية حلووة..مثلك ..ماننحرم منك

http://www.mooode.com/data/media/275/5thanks_5.gif

asmaa_amr 10-09-10 12:09 PM

جميلة كتيررررررر روووووووعة شكرا

نجمة33 11-09-10 04:32 AM

جزاك الله خيراااا

أحاااسيس مجنووونة 11-09-10 04:48 AM

يعطيك الف عافية...وما ننحرم منك ولا من طلتك الحلوة وتسلمي على الرواية الرائعة





http://files.fatakat.com/2009/9/1253742558.gif

وردة الزيزفون 12-09-10 03:11 AM

واو الرواية حلوة كثير ياأماريج مثلك ياقمر تسلم ايدك على الاختيار الجميل

في انظارر المزيد

قصائد 12-09-10 12:19 PM

سلام الرواية مرة روعةةةةةةةةةةةةةةةةةةة

اماريج 12-09-10 05:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2439374)
يعطيك العافية .اماريج

شكل الرواية حلووة..مثلك ..ماننحرم منك

http://www.mooode.com/data/media/275/5thanks_5.gif





الله يعافيك ياريحانة كلك ذوق
الاحلى والاروع مرورك وتواجدك فيها حبيبتي وربنا ماننحرم منك ابدا
لك كل الود
http://www.iraqnaa.com/ico/image2/f/n/ros079.gif



اماريج 12-09-10 05:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asmaa_amr (المشاركة 2439668)
جميلة كتيررررررر روووووووعة شكرا


العفوووووووو وشاكرة لك مرورك المميز
وتعليقك الحلووالاجمل والاروع هو تواجدك فيها
تحياااااتي العطر لك

اماريج 12-09-10 05:28 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجمة33 (المشاركة 2440179)
جزاك الله خيراااا


تسلمي حبيبتي نورت الرواية فيك
دمتي بود

اماريج 12-09-10 05:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام مريم 2010 (المشاركة 2440187)
يعطيك الف عافية...وما ننحرم منك ولا من طلتك الحلوة وتسلمي على الرواية الرائعة





http://files.fatakat.com/2009/9/1253742558.gif


الله يعافيك ويسلمك يالغلا
وماانحرم منك ولامن طلتك الحلوة ولامن كلامك الحلو ياعسل
وتسلمي على باقة الورد الجميلة كلك ذوق
لك كل الود



اماريج 12-09-10 05:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وردة الزيزفون (المشاركة 2440739)
واو الرواية حلوة كثير ياأماريج مثلك ياقمر تسلم ايدك على الاختيار الجميل

في انظارر المزيد


الاحلى والله صدقاً ياوردة هو مرورك الرائع وتواجدك فيها
وتعليقك يلي اسعدني :) كتيرررررررررروالله يسلمك ياعمري
لك كل الود

اماريج 12-09-10 05:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصائد (المشاركة 2440932)
سلام الرواية مرة روعةةةةةةةةةةةةةةةةةةة


الله يسلمك يالغلا و
الاروع هو مرورك وتواجدك فيها ياعسولة
لك كل الود


elyess 17-09-10 05:35 PM

:dancingmonkeyff8::8_4_134:

اماريج 18-09-10 08:28 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة elyess (المشاركة 2446449)
:dancingmonkeyff8::8_4_134:


شاكرة لك مرورك حبيبتي
وفعلا منتديات ليلاس احلى صحبة واطيب ناس
لك ودي
:flowers2:

فجر الكون 19-09-10 03:44 PM

يعطيـــك العافـــية

اماريج 19-09-10 08:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فجر الكون (المشاركة 2448649)
يعطيـــك العافـــية



الله يعافيك يارب
وشاكرة لك مرورك العطر لك ودي
:flowers2:

raseel 22-09-10 02:36 AM

gooooooooooooooooooooooooooooood

اماريج 22-09-10 06:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة raseel (المشاركة 2451821)
gooooooooooooooooooooooooooooood


شاكرة لك مرورك ويالغلا منورة
تحيااااااتي العطرة لك

اماريج 26-09-10 07:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة iraq flower (المشاركة 2454858)
مرررررررررررررررررسي

العفووووووو يالغلا
وشاكرة لك مرورك وتعليقك
دمتي بود

hoob 19-12-10 11:14 PM

روعه اكثر من جميله
لك منى كل الحب والاحترام :dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8:
:flowers2::flowers2::flowers2:

اماريج 20-12-10 06:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد سلامه (المشاركة 2570687)
روعه اكثر من جميله
لك منى كل الحب والاحترام :dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8:
:flowers2::flowers2::flowers2:


الاروع حبيبتي هو مرورك وتواجدك فيها يالغلا كله
وسعيدة كتير انها عجبتك ياعسولة وثانكس على الوردات الحلوين ياحلوة دمت بكل الحب والود ياقلبي:flowers2:
:liilase::liilas:

الجبل الاخضر 23-12-10 10:06 PM

SIZE="6"]:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:lol:شكراااااااااااااااااااااااااااااااالك :flowers2:واختيار ممتاز :Welcome Pills4:وننتظر جديدك:7_5_129:[/SIZE]

سومه كاتمة الاسرار 24-12-10 06:25 PM

تسلم الانامل ايمى منتظرين الجديد ودايما متالقه

طيف السما 12-01-11 05:17 PM

الف شكراااااااااااااااااااااااااااااااا على اختياراتك الرائعه دائما فأنا اشعر كما لو ان لديك حاسه قويه للروايات التى تشدنا اليها ولا نتركها حتى ننهيها مهما استغرقنا هذا من وقت فأنا يكفينى ان ارى اسمك انك كتبتى الروايه حتى أقرائها دون تتردد يعطيكى الف عافيه:8_4_134::29ps:

ندى ندى 13-11-11 10:56 PM

جميله جدا جدا جدا

لونا جول 16-01-15 07:42 PM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميله جدا جدا جدا

قماري طيبة 25-01-15 12:03 PM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
Thaaaaaaaaaaanks

زهرة البحر 13-02-15 05:10 AM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
روووووووووووووووعة شكرًا لمجهودك

ساقية 18-02-15 12:41 PM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
من اجمل الرومانسيات التي قرأتها
خيالية بشكل واقعي

ميرين 12-07-15 02:12 AM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
روعة هذي الرواية

كل روايات جانيت ديلي روعة

شكرا الك

Hiam 13-07-15 06:36 AM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموا ايديك
الرواية فعلا روعة من زمان ما قرات سناريو مقنع ومثير
شكرا على اخيارك الرائع
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1:

فراشة امل 12-02-16 09:52 PM

رد: 113_ عروس السراب_جانيت ديلي_روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شــــــــــــــــكراً ..الرواية رووووووووووعة :55:

عيون الريم عيوني 13-02-16 07:21 AM

مرسيييييييييي


الساعة الآن 07:14 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية