5 - الفـــارس النبيــــل أخيراً تحركت ببطء وتثاقل ، تساءلت كم من الوقت مضى وهي جالسة مكانها ، تحدق في الفراغ . مهما يكن ، علمت أن الوقت أصبح متأخراً جداً ، وليس لديها أية رغبة أن تبدو متكومة هنا في الزاوية كبيت العنكبوت عند عودة دانيال . شعرت أنها متوترة جداً وأنها لن تتمكن من الحصول على النوم في هذه الليلة ، على الرغم من حاجتها القوية له ، فكرت بغصة : ما إن تنتهي من ذلك كله ويصبح الماضي خلفها بشكل نهائي ، ربم تصبح قادرة على إيجاد السلام . في الوقت الراهن ، قد يساعدها تناول شراب مهدئ . قررت ذلك وسارت نحو المطبخ . ربما يكون علاج السيدة إيفرشوت المجرب والموثوق به للأرق علاجاً نافعاً الآن . سكبت كوباً كبيراً وأضافت إليه ملعقة من العسل مع القليل من بوردة جوزة الطيب . حملت الكوب إلى الغرفة التي ستعتبرها منذ الآن غرفتها . آخر عمل قامت به قبل أن تصعد إلى السرير وتندس تحت الغطاء ، هو إعادة دفتر العناوين إلى حقيبتها . هذا الوضع الراهن سيمر وينتهي في نهاية الأمر ، وقد تصبح قادرة على السخرية منه . عندما سيغادر دانيال سنتفق أن من الأفضل لنا أننا لم نبق متزوجين . وإلا لقتل أحدنا الآخر بدون أي شك . أما الآن فبإمكانن أن نتصرف بشكل تلقائي ومتحضر . وليس هناك مشكلة حقيقة لطالما كنا صديقين ، والآن عدنا صديقين . حنقت تنهيدة وهي تفكر أنها ستقرر ما سنفعله عندما يصبح الأمر ضرورياً ،منتديات ليلاس أما في الوقت الراهن فلديها اهتمامات أخرى . أطفأت المصباح ، واستدارت على جنبها محالوة أن ترتاح لتستجمع نفسها كي تنام . لكن أفكارها ظلت تدور باستمرار وتئن مرسلة الصور المتلاحقة ، في ذكريات قاسية ومؤلمة كجرح السكين . بعد وفاة سيمون لم تتمكن لاين من العتبير عن حزنها الشخصي ، إذ توجب عليها أن تساعد أمها لتتخطى تلك الأزمة . لم يقتصر الأمر على أمها فقط ، لأن كنديدا أصبحت مقيمة دائمة في آبوتسبروك كما لو أنها أرملة سيمون ، وبدأت لاين تتساءل إن كانت تفكر بالرحيل يوماً . أثناء مراسم الجنازة بدت أنجيلا في منتهى الرقة بمعطفها الجديد الغالي الثمن والمصنوع من المخمل الأسود . سارت بقرب جيمي عبر الممر المحاط بالمعزين لتصل إلى مكان إتمما المراسم . تبعتها كنديدا وهي متعلقة بذراع دانيال ، بعد أن تأكدت أنها تركت لاين على المقاعد الخلفية . بعد ذلك رجع معهم عدد كبير من المعزين إلى المنزل . وبقيت لاين منشغلة بمساعدة السيدة إيفرشوت بإعداد الشراب البارد والساخن والقهوة ، بينما جلست أمها على الأريكة مع كنديدا لاستقبال المعزين . عندما غادر الجميع ، حان الوقت لممارسة شعائر آخرى ، وهي قراءة وصية سيمون التي كتبها على عجل مباشرة قبل رحيله . في الواقع لا يملك سيمون شيئاً واحداً يستحق أن يورثه بموجب وصية ، وهو شقة في منطقة مانيون في لندن ورثها عن والده . أوصى سيمون تلك الشقة مناصفة بين جيمي ولاين، وكذلك قيمة الأيجار من ساكنيها ، السيد والسيدة بيومولت . - ما هذا الهراء ؟ فجأة لم تعد أنجيلا حزينة وذابة . منتديات ليلاس جلست مستقيمة وعيناها تقدحان شرراً ، وهي تتابع : ( هذه الشقة جزء من أملاك زوجي ، وكانت لسيمون طالما هو حي ، أما الآن فيجب أن تعاد إلي . ) سعل السيد هاثرون محامي العائلة بقسوة قبل أن يعلق : ( لا ! إنها ميراث حقيقي له سيدة سنكلير ، ويحق لابنك أن ينقل ملكيتها بالشكل الذي يراه مناسباً . أخوه وأخته هما المستفيدان الوحيان من وصيته . ) على الرغم من عمق ارتباكها بسبب تبدل الأحداث في حياتها ، لاحظت لاين فجأة وجه كنديدا الشاحب وفمها المقفل بغضب ، وأدركت أن أمنيات سيمو نالأخيرة لم تشملها هي أيضاً . تعمد دانيال البقاء بعيداً عند قراءة الوصية ، |
وبعد حين وجدته لاين في آخر الحديقة واقفاً على ضفة النهر . كان يرمي الحصى على سطح الماء وقد بدأ وجهه قاتماً وحزيناً . لفظت اسمه فاستدار لينظر إليه ، ولم تظهر على وجهه أي تعابير تشير إلى إنه مسرور لرؤيتها . - هل تريدين شيئاُ ما ؟ حاولت أن تبتسم : ( فقط . . . أردت الخروج لفترة . ) تابعت بعد لحظة من التردد : ( أعتقد أنك كنت تعلم بشأن وصية سيمون . أليس كذلك ؟ ) جاء دور دان ليبدو متردداً ، لكنه قال : ( أجل . ذكر ذلك الأمر أمامي ، يجب أن تكوني سعيدة فالشقة غالية الثمن ، وهي تقع في مكان مميز جداً . ) قالت ببطء : ( ربما كان على سي أن يترك الشقة لكنديدا ،ففي النهاية كادت أن تصبح زوجته ، وهي لم تحصل علة أي شيء . )منتديات ليلاس أضافت بمرارة : ( أعتقد أنه افترض أنه سيعود سالماً ، وبإمكانه تغيير كل شيء في وقت لاحق . ) استدار دانيال لينظر إلى النهر ، وقال بصوت أجش : ( أجل .أعتقد أن هذا بالتحديد ما فكر به . ) قالت بصوت ضعيف مكبوت : ( الحياة مخيفة جداً بدونه . يبدو كل شيء بمنتهى الفوضى . ) - إنها كذل كأكثر مما تتصورين . قال كلماته بصوت بالكاد يسمع ، ثم أجبر نفسه على الإبتسام ببرودة عندما نظرت إليه بإستغراب ، وتابع : (لكنك قريباً سترحلين من هنا لاين . ففي النهاية ستعودين إلى راندالز بعد عدة أيام . ) ساد الصمت بينهما ، ثم سألته لاين : ( و أنت . . . هل ستبقى طويلاً هنا ؟ ) قال دانيال بضيق وبرودة : ( لا ! علي أن أغادر . سأسافر إلى سيدني غداً ، وهناك بعض الأعمال التي يجب أن أنجزها قبل رحيلي ) . قالت وهي تحاول أن تخفي خيبة أملها : ( آ ه ! فهمت . . . بالطبع . من الأفضل أن أعود أنا أيضاً ، فلا بد أنهم يتساءلون عن مكاني . ) شعرت بالحزن والخجل ، فيما علق دانيال بصوت أكثر لطافة : ( أنا لم أقصد أن أتحدث بغضب . بعد تمضية عدة أسابيع في أوستراليا ربم سأعود في مزاج أفضل . ) وقف ينظر إليها ، وللحظة مشوشة فكرت أنه سيلمس خدها أو أنه سعانقها . وكادت للحظة أن تميل نحوه ، لكنه بدلاً من ذلك قال بهدوء : ( ستتحسن الأمور مع الوقت لاين . صدقيني ! ) وسار مبتعداً بسرعة . لكنه كان على خطآ . فكرت لاين وهي تتقلب بعدم ارتياح ، فلقد اكتشفت ذلك بعد فترة قصيرة جداً . بعد مرور ثلاثة أيام . وبعد عودتها من القرية ، وجدت أمها في غرفة الجلوس . بادرتها لاين قائلة : ( وجدت حقيبتي المدرسية في القاعة . ما الذي يجري ؟ كيف وصلت إلى هنا ؟ ) كانت أنجيلا على الاريكة . وهي تقلب صفحات مجلة الأزياء . قالت : ( أنا طلبت إحضارها والتأكد من أنها أصبحت خالية . من فضلك ، إنها مزعجة جداً في الطريق . ) حدقت لاين بها ، وقالت : ( ولكن . . .لماذا ؟ شارف الفصل على نهايته وعلي تحضير الكثير من الدرس لأتمكن من المتابعة . لا أستيطع البقاء أكثر من هذا الوقت ! ) وأنا لا أستطيع تأمين المزيد من المصروف في تلك المدرسة . . . ! وضعت أنجيلا المجلة ، ونظرت إلى أبنتها ، ثم تابعت : ( . . . لذلك اتصلت هاتفياً بالسيدة هالام ، وقلت لها إنك لن تعودي إلى راندالز . أخبرتها أننا بحاجة لك في المنزل من الآن فصاعداً . ) - أمي ! رسوم المدرسة تدفع من المنحة ، إلا إذا تم سحبها لسبب ما . هل حصل ذلك ؟ - لا ! لكن المنحة لا تغطي كل شيء . هناك الكثير من المصاريف ألآخرى التي يتوجب عليّ تغطيتها ، ونحن لا نستيطع الإستمرار على هذا النحو . شعرت لاين فجأة أنها بادرة كالثلج . قالت : ( عليّ الذهاب إلى المدرسة كي أتمكن لاحقاً من الذهاب إلى الجامعة ) . قالت أمها بضيق : ( أخشى القوم إنك لن تفعلي . انتهيت للتو من دفع أقساط جامعة جيمي ، ولا رغبة لدي مطلقاً في البدء من جديد معك ، الآن سيمون لم يعد موجوداً للمساعدة في تغطية المصارق الكثيرة ، لذلك قررت أن أدع السيدة إيفرشوت ترحل ، وسنتمكن من إدارة المنزل والطهو بأنفسنا . ) قالت لاين بنبرة مذعورة : ( هل طردت إيفي ؟ لا يمكنك فعل ذلك . )منتديات ليلاس أجابت أنجيلا بإقتضاب : ( فعلت ذلك وانتهى الأمر . سوف تبقى هنا لفترة محددة ، وأنت ستمضين معظم الوقت معها ، لتتعلمي إدارة شؤون المنزل . في مطلق الأحوال ، إنه الوقت المناسب لتجعلي من نفسك شخصاً ذا فائدة هنا . ) غاص قلب لاين في صدرها كالحجر ، وقالت : ( من فضلك . . . من فضلك أمي ، قولي إنك لا تقصدين أي كلمة مما قلته . نحن نتحدث عن حياتي هنا . ) - وماذا عن حياتي أنا ؟ هل تدركين كيف كانت الحياة بالنسبة لي منذ وفاة والدك ؟ أجبرت على المكوث هنا ، ورحت أتوسل الناس للبقاء معي كي لا أصاب بالجنون التان بسبب السأم . نهضت أنجيلا وأخذت تسير في الغرفة بسرعة وتوتر : ( هذا المنزل لم يكن إلا حملاً ثقيلاً خلال تلك الأعوام الطويلة ، وهذا الحمل ستشاركين به إيلينا ، على الأقل حتى تصبحيفي الثامنة عشر من عمرك ) . توقفت عن الكلام لفترة ، قبل أن تضيف بضيق : ( اسألي السيدة إيفرست عن أكياس من البلاستيك لوضع ثياب المدرسة فيها ، فلن تكوني بحاجة لأي منها بعد الآن . راقبتها لاين وهي تعود إلى المقعد وتمسك بالمجلة ، |
عندها تحركت ببطء ، وقد تيبست قدماها ، سارت المسافة نحو الباب ،
ثم أغلقته بهدوء وراءها . وقفت للحظة في القاعة وهي تشعر بالذهول أو الإنسحاق . لطالما أنبأها حدسها الداخلي أنها ليست الطفلة المفضلة عند أمها . لكنها أملت أنهما ستتقربان من بعضهما بطريقة ما بسبب حزنها على سيمون ، إلا أنها أدركت الآن كم كانت مخطئة . فكرت : أشعر كأنني لم أكن أعرفها ، وكأنني أمضيت حياتي كلها مع امرأة غريبة . أدركت لاين بعد قليل أنها ليست الوحيدة التي تعاني من قساوة أنجيلا ، فعندما تمكنت من السير متعثرة نحو المطبخ رآت وجه السيدة إيفرشوت الشاحب وفمها المطبق بشدة ، وضعت ذراعيها بخيبة أمل ويأس حول المرأة العجوز ، وضمتها إليها وهي تقول : ( آه ! إيفي , إنني آسفة جداً ) . قالت مدبرة المنزل بصوت حزين : ( لم أفكر للحظة أن السيدة سنكلير ستعاملني هذه المعاملة بعد مرور تلك السنوات . ماكان ذلك ليحدث مطلقاً لو أن المكسين السيد سيمون لم يمت ) . فكرت لاين وهي مستلقية على السرير تحدق بالظلام ، ينطبق ذلك على أمور كثيرة آخرى ، كل أشباح الماضي خرجت من الصندوق الآن لتعذل ذاكرتها المتعبة ، وتذكرها بقسوة لاترحم بكل ماحدث في تلك الأسابيع القاسية المربكة ، حيث تحولت من فتاة مليئة بالأحلام والأمال إلى خادمة مطيعة . مرت ليال كانت لاين تسقط خلالها متهالكة على السرير من شدة الإرهاق بسبب التنظيف والطبخ وتلبية طلبات أمها المتواصلة . في خضم تلك لحالة بلغت الثامنة عشرة من عمرها ولم تقم أية حفلة في يوم ميلادها الفعلي تلقت ساعة من أمها وعقداً من جيمي ورزمة تركتها لها جدتها المتوفاة . أرسلها وكيل أعمالها السابق ومنفذ وصيتها . احتوت الرزمة على مجوهرات سنلكير اللؤلؤية ، وعلى نسخة من قصة تنسون ( ملحمة الملك . )منتديات ليلاس ومعها أيضاً أسطورة ( لأنسلوت وإيلينا ) . كما وصلت باقة من الورد الزهري اللون عددها ثماني عشرة وردة من دانيال ، ومعها صندوق من المخمل في داخلة قرطان من الذهب على شكل زهرتين ، تتوسط كل منهما حبة ماس صغيرة . عندما عرضت لاين الهدية على الجميع بعد العاء علقت انجيلا بصوت لايخلو من النكد : - انهما رائعا الجمال , لكنها بالطبع هدية مبالغ فيها قليلا لطفلة في مثل عمرك . تقدم جيمي الى الامام ونقل نظراته بين امه التي رفعت حاجبيها استغرابا وكنديدا التي تجهم وجهها , ثم ابتسم وقال : ع - على العكس . ربما دان يرسل لنا جميعا فكرة مفيدة تذكرنا ان لا يني اصبحت رسميا امرأة واصبح لديها الحق ان تعيش بمفردها . ثم اضاف عن قصد وبصوت فيه تصميم : - هذا بالاضافة الى القدرة على اتخاذ قراراتها بنفسها . ساد صمت غريب للحظة ثم قالت انجيلا باقتضاب : - آه ! لا تقل كلاما سخيفا ومنافسا للعقل . ثم حولت الحديث الى مواضيع مختلفة تاركة لاين في حيرة من امرها , وهي تشعر بالانزعاج والتوتر . مع ذلك لم تكن لاين مستعده لمواجهة القنبلة التي انفجرت بعد عدة ايام والتي اثرت على مستقبلها , وهي حتى الان تعاني من اثارها . تقلبت في السرير , وضربت الوسادة بقبضتها في خضوع ,ثم دفنت وجهها فيها وهي تقول لنفسها ان عليها ان ترتاح الان ,فكل شيء سيصبح افضل بعد نوم ليلة كاملة . لكنها علمت ان ماتقوله لنفسها غير صحيح , وان الألم سيبقى هناك بانتظارها عندما تفتح عينها . استيقظت لاين في صباح اليوم التالي في وقت مبكر جدا . استلقت للحظة وهي تشعر بالاتباك كليا , وهي ضائعة عن معرفة الزمان والمكان . شعرت كأن عينيها مليئتان بالرمل . اما حلقها فجاف كرمال الصحراء , كانها كانت تبكي في نومها , لكنها لا تستطيع تذكر ما راودها من احلام . نظرت الى الساعة المضيئة بجانب سريرها . وجلست على الفور . دفعت شعرها الى الوراء بعيدا عن وجهها . ذكرت نفسها ان امامها يوما طويلا , لذا فإن العودة الى النوم قليلا رفاهية لاتستطيع تأمينها . استحمت وارتدت ثيابها , ثم نظرت الى خزانتها بحثا عن ثوب ملائم للحصول على عمل . امسكت تنورة سوداء وقميصا قطنية بيضاء اللون . بدت كلتاهما نظيفتين , لكنهما مجعدتان وتحتاجان الى القليل من الكوي. وضعت حزاما فوق ردائها , وفتحت الباب بحذر , ثم اختلست النظر الى غرفة الجلوس , فبدا لها كل شيء هادئا كليا . سارت ببطء وهي حافية القدمين نحو الخزانة الطويلة في المطبخ حيث توضع المكاوة , يبدو ان دانيال اختار ان ينام تاركا باب غرفته مفتوحا قليلا لسبب ما,ذ وهذا يعني انها بحاجة الى ابقاء الضجة في حدها الادنى , انهت عملها وكانت تتسلل عائدة الى غرفتها وقد وضعت ثيابها المكوية على ذراعها , عندما لمع بذهنها فجأة ان باب غرفة دانيال مفتوح لأنه تركه هكذا عندما غادر مساء البارحة . وهذا يعني فقط انه ... قالت لنفسها بقسوة : انت لست متزوجة به , ولم تكوني مطلقا ... ليس بالمعنى الحقيقي للكلمة , وانت تدركين تماما انه لن يعيش بمفرده لأنك رفضته . كنت تعرفين ذلك طوال السنتين الماضيتين , لذلك من السخافة ان تشعري بهذه المرارة , وان تشعري بالمرض والألم والخيانة , وكانه لم يكن مخلصا لك . منتديات ليلاس عليك الا تسمحي للغيرة بأن تحفر في داخلك كانه مخلب مسموم, فتتخيلي انه مع امرأة اخرى يعانقها ويضمها اليه , ويتشارك معها بكل شيء كان بامكانك ان تحصلي عليه , لكنك عملت بتعمد على التخلي عنه بعد مرور عدة ساعات حصلت لاين على عمل مع انها سمعت التردد في صوت مستخدمتها الجديدة , علقت السيدة موس وهي تنظر الى لاين من فوق نظارتها : - انت شابة جدا لتكوني عاملة في سيتي كلين . نحن عادة نفضل سيدات اكثر نضجا . زبائننا هو اشخاص مميزين , ويطلبون اعلى مقاييس النظافة . هزت رأسها وتابعت : - لاتبدين من النوع الصالح لهذه الاعمال , آنسة سنكلير. ابتسمت لها لاين بثقة وقالت : - اؤكد لك انني معتادة على العمل القاسي . ووو - حسنا ! غادرت افضل فتاتين تعملان لدى الوكالة مؤخرا , ولهذا ينقصني عدد من الموظفين في الوقت الحالي . واعتقد ان لاشيء يمنع من ان اقدم لك شهرا للتجربة . تابعت المرأة المتقدمة في العمر بتعال: - اريد شهادة شخصين عنك للتأكيد على مؤهلاتك , فأنا حازمة بهذا الشأن . في النهاية معظم اعمالنا تتم في غياب الزبائن عن منازلهم . وبسرعه تحدثت عن الأجر الذي وجدته لاين معقولا , واضافت : - ستتشاركين بالعمل مع دينيز . انها واحدة من افضل العاملات لدي , وهي ستعمل على تقييمك وسترسل التقرير لي . |
جالت بنظرها عليها , وتوقفت عند كاحلها المفوف بضمادة فقلبت شفتيها بتردد: - التنظيف بحاجة الى مجهود جسدي , واتمنى ان تكوني قوية بما يكفي لتتمكني من تحمله . قالت لها لاين بلا اهتمام : - انه مجرد التواء بسيط , وسأصبح بألف خير نهار الاثنين . تنفست السيدة موس بصوت مسموع : - اذا اتوقع وصولك عند الـ7.30 صباحا , كما انني اشدد على الدقة في المواعيد . فكرت لاين وهي تغادر مكتب سيتي كلين ان ماتبقى من النهار سيمتد بشكل الى ما لا نهاية امامها , وان لارغبة لديها في العودة والبقاء وحيدة في الشقة . لاتريد ان تكون على بعد خطوات من غرفة النوم الفارغة . ولا تريد ان تبدأ بالتفكير بدانيال من جديد , متسائلة اين يمضي ليلة البارحة ومع من . مع انها تعلم ان ذلك امر محتم, اينما كانت او مهما حاولت ان تتجنب التفكير بذلك . تلك الاسئلة التي تعذبها الآن عذبتها لمدة سنتين , ولطالما شعرت بالبؤس المطلق لأنها لم تتمكن من التخلص منها . اتراها ستتمكن من النسيان لو ذهبت للسير قليلا في شوارع لندن ؟ لم ترغب يوما في العيش في المدينة , لكن بعد انتهاء زواجها اصبحت خياراتها محدودة , لاسيما بعد ان خسرت عائلتها آيوتسبروك, ولم تعد تستطيع العودة اليها . لقد تغيرت حياتها كلها منذ تلك اللحظة وما زالت . وهكذا , ما ان قررت عائلة بيومنت ان تتخلى عن شقة مانيون بلايس بدا لها ان الخيار الوحيد الواضح امامها هو ان تنتقل للعيش فيها مع جيمي , لا سيما عندما عرض عليها العمل كمساعدة في معرض حديث للفنوان في وست اند . ب اما الشخص الذي امن لها هذا العمل فهو والد سيليا , فهو يملك اسهما في المعرض . في ظاهر الامر بات لديها كل ما يمكن ان تطلبه , كما كانت تذكر نفسها بشكل دائم وممل ,منتديات ليلاس في حين حاولت ان تتظاهر ان ليس هناك ثقب اسود كبير من الوحدة والبؤس في اعماق عالمها الصغير . لكنها لم تعد تستطيع التظاهر بعد الآن. لا تستطيع ان تقول لنفسها ان دانيال ينتمي الى الماضي في حين انه هنا , تماما في وسط الحاضر , كما انها لا تستطيع ان تهرب من جديد مهما كانت غاضبة وحزينة . هذه المرة ستبقى لتواجه هذا العذاب وهذا الألم . عادت الى الشقة في بدايات المساء لتجد ان دانيال سبقها الى هناك . رمى بحقيبة عمله على احد المقاعد , فيما اغلق باب غرفته باحكام . بعد تردد قصير , سارت عبر الغرفة , وطرقت بابه, لم تسمع اية اجابة لفترة , ثم فتح الباب وواجهها وهو يعقد حزام ردائه الحريري الازرق الداكن حول خصره وقد علا العبوس وجهه . سألها بسخرية : - هل لديك رادار داخلي يعلمك متى انتهي من الاستحمام ؟ - انا آسفة . تمنت الا تبدو شديدة الارتباك , شعرت بالغضب لإدراكها انها متوردة الوجه من الاحراج. - احتاج الى التحدث اليك , لكنني سأفعل ذلك في ما بعد. قال دانيال بنبرة آمرة : - قولي ما تريدينه الآن , فأنا سأخرت بعد قليل . وهل ستبقى غائبا طوال الليل ايضا ؟ تمكنت من الامساك بالسؤال قبل ان تخونها شفتاها وتتفوهان بصوت عال. بدا لها انها ستكون اكثر امانا ان نظرت الى الارض بدلا من النظر اليه . - في الواقع اريد ان اطلب خدمة منك . - احقا تريدين ذلك ؟ على الرغم من كل شيء, ادركت انه يتأملها بسخرية , وهو ينظر بازدراء نحو قميصها البيضاء البسيطة وتنورتها السوداء المتحفظة . اخذت لاين نفسا عميقا , وقالت وهي لاتزال تتجنب النظر الى عينيه : - دان , من فضلك ... الا تستطيع ...؟ اقصد ... انت لا تجعل الأمر سهلا علي. ضحك دانيال بقسوة وغضب , وسألها : - أمن المفترض ان آخذ هذا الامر بعين الاعتبار الآن ؟ هل تعتقدين انه كان من السهل علي ان اذهب الى محامي واقول له انني رفضت من قبل عروسي بعد اقل من اربع وعشرين ساعة من زفافنا ؟ قالت وهي تبتلع غصة بصعوبة : - لا... لااعتقد ذلك . انا ادرك بالطبع انه لايحق لي ان اطلب اية مساعدة منك لذا اعتذر . ما ان استدارت مبتعدة حتى قال : - انتظري! ما الذي تريدينه ؟ رفعت ذقنها عاليا , وقالت : - وجدت عملا اليوم , لكنه يتطلب التواجد في منازل اشخاص متغيبين عن منازلهم , لذلك انا بحاجة الى من يعرف عني او يضمن طريقة تصرفي . سألها وقد ظهر العبوس على وجهه : - أي نوع من الاعمال هذا ؟ اجابت وهي تضم ذراعيها الى صدرها : - انها شركة تدعى سيتي كلين , وهي تؤمن خدمات لتنظيف مبان فيها شقق خاصة . قال بنعومة: - يا الهي ! لقد دار الدولاب دورة كاملة . انها ردة الفعل التي توقعتها لذا تقبلت لاين تعليقه من دون أي اجفال .منتديات ليلاس اوضحت قائلة : - هذه المرة سوف أؤمن معيشتي على الاقل , لكنني بحاجة الى توصية ... بل توصيتين , لكن فيونا صاحبة المعرض الذي كنت اعمل فيه ستؤمن التوصية الثانية . اعتقد انها شعرت بالامتنان لأنني لم اذهب الى هناك لاستعادة عملي القديم . ادركت لاين انها تثرثر فتوقفت على الفور وقالت : - اذا , هل يمكنك القيام بذلك ؟ سألها دان بنعومة : - وماذا يفترض بي ان اقول ؟ ان اقسم انك جديرة بالثقة بشكل مطلق , وانك تؤمنين الرضى الكامل بكل الاوقات ؟ الا اكون بذلك كمن يقدم شهادة كاذبة عزيزتي ؟ شعرت لاين بالأم يعتصرها وكانها اصيبت بضربة قاضية , لكنها اجبرت نفسها على البقاء صامدة قوية , والتحدث بصوت ثابت وحازم , مع ان وجهها تورد من الخجل من جديد بسبب سخريته . - اعتقد ان الاهتمام الرئيسي للشركة هو السرقة , لذا يمكنك القول انني لم اسرق منك شيئا ابدا . ربما يمكنك ببساطة ان تذكر ذلك , وان تعطي افادتك بعض الايجابية ... ربما ؟ - ربما ! للحظة تساءلت ان كنت تتوقعين مني ان اقوم من جديد بدور الفارس النبيل صاحب الدرع الذهبية , واقدم على انقاذك . توقف عن الكلام للحظة ثم اضاف : - لكنني مازلت قادرا على التصرف بشهامة , لذا اتركي عنوان شركة التنظيف في مكان استطيع ان اراه فيه , وسأطلب من سكرتيرتي ان تكتب لهم . عضت على شفتها وقالت : - انا ممتنه لك . - شكرا على تأكيدك , لكنني اعرف مسبقا الحدود التي تظهرينها لامتنانك , بما فيها عواطفك الدفينة , لذا لتكن الخدمة الأولى والاخيرة , هل نستطيع ذلك ياعزيزتي ؟ تراجع دانيال الى داخل غرفته واغلق الباب , تاركا اياها واقفة في الخارج تحدق بألواح الزجاج المغلقة . لكن ما ان عادت ببطء الى غرفتها حتى وجدت نفسها تتذكر نبرة الغضب في صوته . ادركت ان ذلك الغضب ممزوج بشيء اخر من السهل جدا التعرف عليه , شعرت برجفة تسيطر عليها . |
6 - لا تتــــــــركنــــــــي ! دار الدولاب دائرة كاملة ! راحت كلمات دانيال تردد بصورة دائمة في ذاكرتها ، عندما استلقت على السرير وأخذت تحدق بالسقف . تساءلت إن كان دانيال ما زال يذكر ذلك اليوم الذي عاد فيه منذ سنتين ، وبعد عشرة أشهر على وفاة سيمون . يومها داخل إلى غرفة الجلوس في آبوتسبروك ، فوجدها واقفة على السلم تحاول جاهدة أن تعلق ستائر جديدة وصلت ذلك الصباح . - ما الذي تفعلينه هناك ، بحق السماء ؟ لم تلاحظ لاين دخوله إلى المنزل ، لذا فوجئت بوجوده في الغرفة ، طرح دانيال سؤاله عذا بغضب وهو يقف خلفها . ما جعلها تقفز مجفلة ، كي تنزل عن السلم بسرعة قصوى وهي ترتجف . - أنزلي حالاً ! لم يكن هناك داع لأن يلف يديه الأثنتين حول خصرها ويرفعها عن السلم .منتديات ليلاس مع ذلك هذا ما فعله . وضعها على الأرض لتواجهه ، وهي مخطوفة الأنفاس متوردة الخدين . - دان ؟! سمحت لاين لنفسها أن تبدو متفاجئة كي لا تظهر قوة مشاعر الفرح التي سيطرت عليها لرؤيته من جديد ، بعد تلك الأسابيع التي بدت من دون نهاية . لاحظت بأسى كم يبدو فاتناً ، وقد ارتفع كمّا قميصه البيضاء عن ذراعيه ، ليظهرا سمرة بشرته ، كما لاحظت أن تلك الخصلة من شعره الأسود متدلية على جبهته كما تبدو دائماً ، ما جعلها تشتاق لتمرر يدها عليها وتعيدها إلى الوراء . بعد ذلك أدركت ان من الخطر أن تقف مكانها وهي تحدق به وقد فتحت فمها . تذكرت أيضاً أنها ترتدي ثياباً قديمة للعمل هي عبارة عن سروال قصير قديم وقميص باهته اللون . سارعت تقول : ( لم تذكر أمي مطلقاً أنها تتوقع حضورك . هل ستبقى هنا كي أحضر لك غرفتك . أم . . . ؟ ) قاطعها بحدة : ( لا فكرة لأمك مطلقاً بأنني هنا . أنا أنزل في فندق غير بعيد من هنا ، وأتيت لأنني لم أجدك في راندالز . ما الذي يجري ؟ ) رفعت كتفيه وقالت : ( تركت المدرسة . ألم تخبرك بذلك السيدة هالام ؟ ) - بالطبع أخبرتني . وبالتفصيل أيضاً . لكنه تابع يسألها بضيق وانزعاج : ( لكن ما لم تستطع قوله هو : لماذا ؟ ) - لم يعد لدينها مدبرة منزل ، وأنا مفيدة أكثر هنا . ساد الصمت لبرهة ، ثم قال دان بنعومة : ( يا إلهي ! هذا أمر لا يصدق . ما الذي حدث للسيدة إيفرشوت ؟ ) - رحلت هي أيضاً . لم نعد نستطيع الإحتفاظ بها في هذه الأيام . قال وقد ظهرت نبرة غريبة في صوته : ( إذاً ، أنت تقومين بعملها الآن ، وتتقاضين الراتب نفسه على ما أظن . أليس كذلك ؟ ) - يا إلهي ! لا . ما أفعله هو جزء من الإقتصاد في المصروف . - يمكنني تخيل ذلك . وإلى متى ترغب أمك في الإستمرار بهذا التدبير الشاذ ؟ - حتى يتم بيع أبوتسبروك . ذهبت أمي إلى التسوق العقاري البارحة . من يعلم ؟ وتابعت : ( تحاول أمي أن تجعل المنزل أكثر إشراقاً بهدف التأثير بالمشترين ) . قال دانيال بإستياء : ( أريد أن أعلم متى وصلت إلى هذا القرار الخطير ) . - ما إن أصبحت في الثامنة عشرة من عمري ، ولم يعد هناك أي دور للوصي .منتديات ليلاس آه ! شكراً لك على القرطين الرائعين وعلى الورود . ثم أضافت بسرعة : ( أردت أ نأكتب لك كي أشكرك ، لكنني لم أكن أعلم أين أنت بالتحديد ) . - انسي أمر الهدية الآن . عقد دانيال حاجبيه في تجهم بارد ، وتابع يقول : ( إذاً ، أين هي أمك الآن ؟ أريد أن أتحدث إليها ) . - إنها في نادي الغولف . ستعود عند الساعة الخامسة ، وهي تتوقع أن تجد هذه الستائر معلقة . - إذاً ، يمكنها أن تعلقها بنفسها . أمسك دان القماش السميك من بين ذراعيها ، ورمى به فوق ظهر المقعد ، وتابع يقول : ( ولتخاطر هي بكسر عنقها لا أنت ) . قالت لاين معترضة : ( يبدو أنك لم تفهم ما قلته لك . إنه جزء من عملي ) . أجابها بلطف : ( أنت مخطئة لاين . أفهم ما تقولينه تماماً ، إلا أنني أساأل نفسي ما الذي تفعله أمك في نادي الغولف ، بحق السماء ! ) . قالت لاين بصوت مكبوت : ( إنها تذهب إلى هناك كل يوم ، بدأت بأخذ دروس منذ أكثر من سنة على يد المدري الجديد جف تانفليد ) . |
الساعة الآن 02:44 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية