منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t141014.html)

اماريج 11-05-10 08:33 PM

7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
http://www.xzx4ever.com/vb/www.xzx4e.../basmla.99.gif



مرحباااااااااااا
اليوم راح انزلكم رواية رررررروعة البطل يوناني
ياحلوين :flowers2:
اسم الرواية: شهر عسل مر
للكاتبة: فيوليت وينسبير

من روايات عبير القديمة
وبتمنى انو تنال رضاكم ياحلوين
:flowers2::f63::flowers2:
وللامانة الرواية منقولة وكل الشكر والتقدير للكاتبة التي تعبت في كتابتها
:liilas:
قراءة ممتعة للجميع

اماريج 11-05-10 08:36 PM

شهر عسل مر
الملخص
.............
الكبرياء قناع بامكانه ان يحجب الحب او يحوله الى الكراهية وصد....
لعل اختلاف الطبائع والاطباع بين البشر يدفع احيانا ببعضهم الى التمسك بكبريائه حتى اخر لحظة ,ودومني الانكليزية التي تزوجت اليوناني بول لم تقبل يوماواقعها ,وبرغم الحياة الفريدة التي اعطيت لها على طبق من ذهب,بقيت وشانج قلبها متعلقة بشاطئ بلدها...وبذلك الرسام الشاب الذي خطف لبها بحديثه وطموحه,وركض معها على الرمال الرطبة ...
وتلتقيه في الجزيرة اليونانية بعد سنوات...فهل تهرب معه كما يريدها ان تفعل ,او تبقى وفيه لذلك النمر اليوناني بول ستيفانوس؟؟؟
منتديات ليلاس
....................


اماريج 11-05-10 10:06 PM

1-الجمر من جليد
.......................

كان ثوب زفافها من الحرير اليوناني الجميل , وكان شعرها متوجا بأكليل فضي رقيق , تتدلى منه طرحة دانتيل مطرزة بقلوب صغيرة , وعندما ظهرت دومني متأبطة ذراع عريسها , لم يخطر لأحد أنها تزوجته خوفا وليس حبا.

ورحل العروسان بعد ساعة متجهين الى الساحل , وأستقلا سيارة أجرة الى الفيلا الواقعة على الشاطىء الصغير ,التي أستأجرها بول ستيفانوس لقضاء أسبوع , قبل أن يطير الى أثينا .
كان يتمنى دائما أن يشاهد الساحل الغربي , وأخبر عروسه دومني بذلك وها هي الفرصة قد حانت.

وكان خادم بول اليوناني , وزوجته لينا , قد سبقا العروسين الى الفيللا , وأعدا كل شيء لأستقبالهما , كان يوما ساحرا دافئا من أيام الربيع لكن عند غروب الشمس هبت نسمة من البحر , وأشعل الخادم يانيس نار المدفأة في غرفة الجلوس .

وشعرت دومني بالدفء , لأول مرة في ذلك اليوم عند دخولها غرفة الجلوس , وخلع بول معطفه , وتقدم نحو الطاولة , حيث كانت زجاجتان ذهبيتا الغطاء ,في أنتظارهما ليشربا نخب العرس.

وقال بول بصوته العميق ذي اللكنةالأجنبية وبلهجة يشع فيها المرح والرضا.
" رائع , لقد تذكر يانيس طلبي".
وتكومت دومني بجانب المدفأة تدفىء يديها , وتهدلت خصلات شعرها العسلي فوق وجهها , فأخفت نظرة الفزع التي قفزت الى عينيها عندما رأت بول يعد المشروب الذي أحست أنه سيكون بمثابة السم.

وقال بول وهو يعاونهاعلى النهوض :
" دعيني أساعدك على خلع معطفك".

وكانت أصابعه ماهرة في فك أزرار معطفها ونزعه من فوق كتفيها , ودفعت هي يديها خلال شعرها , بينما كان يتأملها بعينين لاهيتين , ثم قال:
" غالبية النساء يشغلهن عادة تمشيط الشعر وأعادة الزينة بعد هذه الرحلة الطويلة في القطار , بدأت أظن أنك أما أن تكوني غير مغرورة بنفسك على الأطلاق , وأما أنك الغرور بعينيه في تظاهرك بعدم المبالاة بحقيقة جمالك".

ولم تعر كلامه أذنا صاغية , وواجهته في تماسك سرعان ما أخذ يتلاشى , وشعرت بالبرودة تسري في أعماقها , بينما كان عقلها , يجري في كل أتجاه هربا من فكرة كونها بالفعل هنا.... في كورنوال ومتزوجة من هذا الرجل!
ولم تستطع أن تلوذ بالكتمان طويلا , فخرجت الكلمات منها عنوة , قالت:
" بول, هل ستمضي حقا في هذا... هذا الزواج الذي أرغمتني عليه؟".

وبفتور وبطء أخرج علبة سكائر وقدمها اليها , ورفضت بهز من رأسها , وأشعل هو سيكارة قائلا:
" أعطيتك الخيار يا عزيزتي".
ونفث دخان سيكارته وأستطرد قائلا:
" أنا لم أرغمك على الزواج بفوهة بندقية".
منتديات ليلاس
الخيار؟ أرتجفت دومني من الكلمة , هل يعتقد ذلك حقا؟ وأمتلأت عيناها الزرقاوان بالخوف والحيرة وهي تتطلع الى وجهه , وأستقرتا أخيرا على الندبة الغائرة فوق عينه اليمنى , الندبة التي كانت الشيء الوحيد الذي يضفي عليه صفة الأنسانية.

وقالت:
" أنا, أنا لا أصدق أنك مصنوع من الحجر لكنك تتصرف كما لو كنت كذلك, كما لو كان لا يعنيك على الأطلاق أنك أعتديت على حياتي , وأنتزعتني من كل ما أحب, فقط لأكون لعبتك , هل تعتقد أنني أستطيع أن أغفر لك ذلك؟ أو أن أحبك فعلا؟".


اماريج 11-05-10 10:08 PM


وتشاغل بول بتقليب فحم المدفأة بفرع شجرة , وأرتسمت أبتسامة غامضة في عينيه وهو يقول:
" أنا مدرك تماما حقيقة نظرتك الي , لكنها تفاهة عاطفية أن أكون محبوبا , وليس عندي وقت لأبدده في التفاهات , لدي نواحي ضعف قليلة يا دومني , واحدة منها هي حب الأشياء النادرة , وأنت مخلوقة نادرة جدا , أنت جميلة , ولكن غامضة , يمكنك أن تخفي أي شيء باردا كان أم مشتعلا".

وسحب نفسا عميقا من سيكارته , وقال ببطء:
" أردتك , منذ أول لحظة تقابلنا فيها في فردان".

وأستطاع أن يأسر نظراتها , وأن يرغمها على الأنصات اليه , وأستطرد قائلا:
" في ذلك اليوم الذي أكتشفت فيه تزوير أبن عمك, ذهبت الى فردان في حالة غضب شديد , وكنت مصمما على أخبار عمك بما فعله أبنه الشقي , كنت هناك , كنت لا تزالين في المدرسة الداخلية آخر مرة كنت فيها في أنكلترا قبل ذلك, ولكن في ذلك اليوم بالذات كنت قادمة لتوك من نزهة , كان فمك ورديا , وعيناك شديدتي الزرقة , ومنذ تلك اللحظة أصبح تورط أبن عمك سلاحا في يدي".

وتاملها.... ثم أستأنف قائلا:
"أنك تجفلين يا دومني , ولكنني كنت آمل ألا أستعمل هذا السلاح, كنت آمل أنك قد.... في أي حال أصبح واضحا أخيرا أنك تنظرين الي فقط على أنني اليوناني الجاف الذي يعمل عنده أبن عمك كمساعد مدير في أحد مكاتب خطوط ستيفانوس للملاحة البحرية".

وعاد الى السكوت , وبينما أهتزت أعصاب دومني , وأرتفع صوته من جديد يقول:
" أردتك.... وبأي ثمن".
وأرتعدت , كارهة صراحته القاسية , لكنها مدركة أيضا أنه لو تحدث عن حبه لها , لكانت أحتقرته , وطاف بنظراته حوله كما فعلت أول يوم قابلته في فردان , عندما حذرتها غريزتها أنه خطر يهددها بوجهه الوثني , وبعينيه الذهبيتين اللتين تشبهان عيني النمر , وبشعره الداكن القصير المجعد , الشبيه بصوف الغنم.
منتديات ليلاس
وتباعدت عنه أذ كان يشع قوة وخطورة , وقالت بصوت مضطرب كانت تحاول أن تحتفظ بسيطرتها عليه:
" لا أعتقد أنني يمكن أن أستمر في هذا الزواج يا بول.... أرغمتني على موقف قاس , غير متحضر , وأنت لا تحمل لي ذرة من المشاعر".
قال:
" كبرياؤك هو الذي أرغمك على أختياري , مفضلة ذلك على رؤية أسم أسرتك في محاكم الجنايات".

وسكت برهة , ثم قال:
" ولماذا أرثي لك, وأنا الذي يجب أن يعجب بك لأنك واحدة من اللواتي يؤثرن العذاب على رؤية من يحبن في الوحل؟".
وألقى ببقايا سيكارته في النار , وتقدم منها , ومن جديد تباعدت عنه , لكنه أمسك بها وهمس:
" تعالي.... أنا لست وحشا".

وذعرت عندما لمحت بريق عينيه الذهبي من خلال أهدابه السوداء الكثيفة , وعاد يهمس:
" أستطيع أن أكون لطيفا خاصة مع شيء جميل مثلك؟ أنت جميلة للغاية , وكلك كبرياء , أنك جليد مشتعل".
وسأل ساخرا:
" يا ملاكي الصغير .... هل توقفت عن الأبتسام الى الأبد؟ هل ستنظرين دائما بهاتين العينين العابستين؟".


اماريج 11-05-10 10:10 PM


فقالت:
" وماذا توقعت؟ عينين مليئتين بالحنان؟".
وبدا عليها أنها على وشك البكاء وقال:
" لا أسألك أن تحبيني يا دومني , ولكن لا تكرهيني".
" أنا أحتقرك".

خرجت الكلمات عنيفة من فمها وأحست بالنفور من قربه , من لمسة يديه, بل ومن النفور لأدراكها أن وجهه كان أجمل وجه رأته , رغم الندبة التي تعلو عينه اليمنى , نعم , كان وسيما , وقاسيا.

وأنطلق يمسح جبينها , أذ دخل في تلك اللحظة يانيس بصينية الشاي , والتي وضعها فوق المنضدة , وجلست دومني تسكب الشاي , ولا شيء في وجهها له لون سوى عينيها وفمها.

وكان بول أستأجر الفيللا مفروشة , وفي نظرة الى المكان تبينت أنه لا شك دفع أيجارا مرتفعا , نقوده كانت تخيفها , حولته الى رجل لا يعرف , أو لا يهتم , بأن هناك أشياء لا يستطيع أن يشتريها أبدا, مثل الحب والشرف اللذين يجبرها الزواج على منحهما أياه!
وقال بول لخادمه:
" أنا مسرور لتذكرك مشروبي يا يانيس , سنشربه طبعا مع عشاء عرسنا".

ورفعت دومني بصرها , ورأت وجه الرجل اليوناني يفتر عن أبتسامة خفيفة , كان قليل الكلام ,شديد الولاء لسيده, وبعدما أكد لسيدته الجديدة الشابة أن عشاء العرس سيكون جاهزا بعد ساعة , أنسحب بهدوء من الغرفة.
وناولت دومني فنجانه , وأرتشف رشفة , ثم قال ضاحكا:
" أنني أتساءل أذا كنت سأعتاد الشاي الأنكليزي".
سألت ببرود:
" ولماذا لم تطلب قهوة؟".

وجلس على ذراع المقعد قائلا:
" أعرف أنك تفضلين الشاي يا عزيزتي".
وقاومت نفسها حتى لا تتحرك بعيدا عنه , وأعاد الشاي الساخن بعض الحياة الى جسمها البارد ,لكنها لم تشعر بالأمتنان لبول أذ أوحت لنفسها بأن عليها أن تكره الأشياء التي يمنحها أياها , مثل الثوب الأبيض وطرحة الزفاف, التي أرسلت اليها في أنكلترا بأمره من وطنه جزيرة أنديلوس.

وبدون أن تنظر اليه سألته:
" هل أحرقت الشيكات المزورة كما وعدت؟".
" ليس بعد".
منتديات ليلاس
وعندما نظرت اليه بسرعة, أبتسم قائلا:
" ربما أستقرت في رأسك الجميل فكرة الهرب مني , لذلك فالشيكات المزورة ستبقى , حتى الغد".

وأحتقن وجهها ألما , عندما فهمت ما يقصد , وقالت:
" هل.... هل تعد بأحراقها غدا؟".
قال مطمئنا:
" سأحرقها في وجودك".


اماريج 11-05-10 10:12 PM

بعد دقائق صعدا الى الطابق العلوي ليرتديا ملابس العشاء , وكان جناحهما الأبيض مزينا بالورود المختلفة , وكان ملحقا بكل غرفة نوم حمام خاص ,
وتأخرت دومني في أخذ حمامها , حتى سمعت الباب المشترك يغلق , وتأكدت أن بول أستحم, وأرتدى ثيابه , ونزل , وحينئذ لفت نفسها في منشفة كبيرة بيضاء , وخرجت من الحمام الى غرفة نومها ,
وعندما أقتربت من مائدة الزينة , وقع بصرها على علبة مجوهرات لم تكن موجودة عندما دخلت الحمام , وحدقت فيها كما لو كانت شيئا يمكن أن ينقض عليها ويفتك بها , لا بد أن بول هو الذي أحضرها , وفكرت أن تنقلها الى غرفته بدون أن تفتحها , لكنها متأكدة أنه سيرغمها على أن ترتدي ما في العلبة.

وفتحت العلبة , ووجدت داخل بطانتها الحريرية مشبكا من اللؤلؤعلى شكل قلب تحيط به قلوب ياقوت كدموع من دم متفجرة ومعه قرط مشابه له.
وحدقت دومني في المجوهرات التي سحرتها بجمالها , ثم شعرت كأنها تسخر منها , نزعت المشبك , ورمته وهزتها دموع الغضب , وأستلقت فوق سريرها تبكي بدموع ساخنة , كما لم يحدث من قبل في حياتها.

كانت سيدة نفسها , أبنة الأخ المحبوبة لمارتن دان الذي عاملها دائما كأبنة منذ جاءت اليه طفلة , بعدما غرق والداها .

ثم.... وسط فيضان دموعها .... جلست , ورفعت خصلات شعرها عن وجنتيها المبللتين وحدقت بقلب واجف في الباب المشترك , قال بول أنه سيتخلص من هذه الشيكات في الغد , أذن فهي موجودة في الفيللا , في غرفته , وقفزت من سريرها , ونسيت دموعها وهي تقترب من الباب , أذ عثرت على الشيكات فستعدمها بنفسها , وستحرر من بول ستيفانوس!

وأزداد خفقان قلبها للفكرة , ثم أن الفيللا قريبة من مدينة لوو وتستطيع بكل تأكيد أن تجد غرفة تقضي فيها ليلتها.
وأدارت مقبض حجرة بول وأضاءت النور , كانت هناك زجاجات عطر رجالي على مائدة الزينة , كما كانت بيجامته السوداء الحريرية ملقاة فوق السرير , ورائحة دخان سيكاره ما زالت تعبق جو الحجرة ,وتملكها الرعب لكنها سرعان ما تغلبت على اضطرابها , وأقتربت من الدولاب المحتمل أن يحتوي حقيبته.

ودق قلبها بعنف, فلم تجرؤ على الحلم بوجود طريقة للهرب من بول وأسترداد حريتها التي كانت تعتز بها كثيرا , صحيح أنها منذ أربع سنوات ,
عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها , كانت على وشك الوقوع في الحب مع فنان شاب , كان يعمل بالقرب من مدرستها الداخلية , ولكنها كانت قصة حب بريئة ومرحة , وخرج باري من حياتها كما دخلها , ولم تسمع عنه منذ ذلك الحين.

وفتحت دولاب بول , وقفزت بعصبية عندما أطلت عليها صورتها المنعكسة على المرآة الداخلية , أخافتها نظرات عينيها المشتعلة , فألصقت باب الدولاب بالحائط حتى لا ترى نفسها , ولمست كم سترة من التويد وجنتها وهي تنحني , فأزاحتها عنها كما لو كانت ذراعا تحاول الأمساك بها.

في الطابق السفلي وقف بول أمام النوافذ متكئا بكتفه على أطارها ومتجها ببصره الى شاطىء البحر القريب من سلالم الفيللا , وفي الخارج أشتدت الرياح , وأخذت الأمواج ذات الزبد الأبيض تتكسر على الصخور , ويضيئها نور القمر المتسلل من بين السحب , وصار صوت البحر كرعد يخترق الجدران, فوضع بول يده على صدغه الأيمن , وكأنه يسمع صدره في أذنه.
منتديات ليلاس
وجاء يانيس الى الحجرة قائلا:
" معذرة يا سيدي , مكالمة خارجية للسيدة".
وأستدار بول , وخرج من دائرة الظل بجوار النافذة , وقال وقد ظهرت الدهشة على وجه :
"مكالمة لزوجتي ؟ حسنا , سأرد عليها يا يانيس".
وفي الحال وصل الى أذنيه صوت مارتن دان , عبر الأسلاك , وكان مختلجا بالأنفعال:
" بول.... يجب أن أتحدث مع دومني حالا.... من فضلك دعها تكلمني فالأمر هام للغاية".
وتقلصت يد بول فوق سماعة الهاتف وهو يسأل:
" ماذا حدث؟".


اماريج 11-05-10 10:21 PM

" أبن دوغلاس أخبرني عن النقود التي أخذها منك , تلك الشيكات التي زورها بأسمك".
وساد صمت , كما لو كان مارتن دان لا يكاد يصدق أن ابنه فعل ذلك وأستطرد قائلا:
" بول.... أبني شعر بأنه يجب أن يخبرني.... من أجل دومني .... أنه يعتقد أنها تزوجتك, باعت نفسها في الواقع , لتنقد كبرياءنا التعس,أنا أعرف دومني , وما الذي يمكن أن تفعله من أجل من تحب... وأعرف أيضا أن أبنة أخي لا تستطيع أبدا أن تحبك يا ستيفانوس , أنك لست من يوافقها لأنك من عالم آخر , أما زلت تنصت الي ؟ أذن فأنا ألح في التحدث الآن مع دومني".

ووقف بول صامتا , وقد تجهم وجهه وبرقت عيناه الذهبيتان , ثم قال:
" أعرف أنني من بلاد أخرى يا سيد دان , وأنني أتكلم الأنكليزية بلكنة غريبة , ولكن شيئا من ذلك لا يغير أن السيدة أبنة أخيك هي الآن زوجتي".
صارح مارتن دان بثقة:
" الزواج يمكن أبطاله".
سأل بول بلهجة مهذبة:
"على أي أساس؟".

" عدم المعاشرة , هذا هو القانون".
" ربما يكون ذلك هو القانون , ولكن الحقيقة أيضا يا سيد دان , أنني ودومني أنفردنا هنا لعدة ساعات , أنها جذابة جدا يا سيدي , وأنا لست أنكليزيا رقيقا".

وأشتد الصمت على الصمت على الطرف الآخر , وأرتسمت أبتسامة خافتة على وجه بول وكان مارتن دان رجلا أنكليزيا مهذبا للغاية ملتزما في حياته بمجموعة من المبادىء , وبصوته الأنكليزي الجاف الممزق قال:
" ستيفانوس دع دومني تمضي , أنك لا تحبها , أنك تريد أمرأة تكون رمزا لنجاحك في تلك الغابة من العالم , المال والتألق , لا شيء من ذلك يهم دومني".

" ولكن أن يكون في أستطاعتها أن ترفع رأسها , وأن تواجه الناس , أمر هام بالنسبة اليها يا سيد دان ,وهل يستطيع واحد منكم أن يفعل ذلك , أذا وضعت دوغلاس في السجن؟ "
" وهل يمكنك أن ترفع رأسك , وأنت تعلم طوال الوقت أنك أرغمت دومني على أن تصبح زوجتك ؟ لا بد أنها تكرهك".

" أنا رجل غريب , أفضل أن أتزوج أمرأة تكرهني بشرف , على أخرى تحبني بدون شرف".

وبعد أن نطق بول بهذه الكلمات , وضع السماعة ليقطع الأتصال , ثم رفعها مرة ثانية وأسندها الى المنضدة , وعبر الصالة الصغيرة متجها الى صالة الطعام حيث كان يانيس يضع اللمسات الأخيرة للمائدة , وأخبره أنه رفع السماعة , وأنه يريدها أن تظل في مكانها , ولم يناقش يانيس الأمر , أذ كان بول السيد في بيته , حسب التقاليد اليونانية.

وقال بول وهو يداعب بأصابعه الورود الحمراء في الزهرية بين مكانه ومكان دومني , والشموع الكهرمانية المعدة للأضاءة.
" المائدة تبدو رائعة".
" سيكون العشاء جاهزا بعد عشر دقائق يا سيدي ".

" أذن من الأفضل أن أذهب لأخبر زوجتي , يا للوقت الذي تستغرقه النساء في أرتداء ملابسهن !".
وأبتسم يا نيس , وراقب بول بعينيه الداكنتين وهو يخرج من الغرفة , ثم لمس بدوره الورود , وزفر زفرة شديدة حركت الشموع التي أضاءها .

وصعد بول السلالم , وأتجه الى باب غرفة دومني , ولم يتلق ردا على طرقه , فأدار المقبض ودخل , وأتجه بصره في الحال الى الباب المشترك الذي كان مفتوحا على مصراعيه , ودخل بدون أن تسمع له وقع أقدام بفضل السجادة السميكة , وفاجأ دومني متسائلا:
" ماذا تفعلين؟".

كان كل شيء مبعثرا , قمصانه , وملابسه الداخلية , وأوراقه والأدراج مفتوحة , ومحتوياتها ملقاة في كل جانب .
منتديات ليلاس
وسقطت الأوراق التي كانت دومني ممسكة بها , أذ أستدارت لتتحاشى مواجهة بول , ثم وقف كل منهما يحملق في الآخر , وأخيرا تقدم منها , وأمسك بكتفيها وقال:
" عم تبحثين؟ عن تلك الشيكات التي زورها أبن عمك؟ يا جميلتي البلهاء , هل تظنين أنني من الحماقة أحتفظ بها هنا , حيث يمكن أن تضعي يديك عليها؟ أنها مودعة في أمان في أحد بنوك لوو".


...............نهاية الفصل الاول..............


lona-k 12-05-10 04:37 AM

يسلمو على اختيارك الحلو
انا من زمان قرأت هي الرواية وكانت كتير حلوة
وحابة عيدها فشكرا لتعبك معنا

اماريج 12-05-10 03:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lona-k (المشاركة 2303758)
يسلمو على اختيارك الحلو
انا من زمان قرأت هي الرواية وكانت كتير حلوة
وحابة عيدها فشكرا لتعبك معنا

لونا الله يسلمك حبيبتي
بتعرفي انا كل فترة بقراءها ومامل منها لانها حلوة كتير
نورتي الرواية ياعسل
وشكرا لمتابعتك تحياااااااتي لك

اماريج 12-05-10 03:46 PM

2-اي حب
...............
بهذه الكلمات أطفأ بول بريق الأمل في قلب دومني التي وقفت في مواجهته بدون أن تحس الغضب في ضغط يديه فوق كتفيها , كان يجب أن تدرك أنه ما كان ليترك أمامها منفذا للهرب – لقد دفع فيها ثمنا غاليا ولم ينل بعد المقابل.

ووقفت بدون حراك , بينما أخذ هو ينقل بصره متأملا الدموع التي أنسابت على وجنتيها الشاحبتين ,وشعرها العسلي الغزير الذي تجعدت أطرافه بتأثير الحمام , وتهدلت خصلاته فوق كتفيها العاريتين , فبدا في أنسجام آسر مع البشرة البيضاء الصافية.

ولاحظت دومني رجفة على ركن فم بول , ثم أسدلت جفنيها وهو يرفعها بقوة , ويحملها الى غرفتها ولم يتركها في الحال , بل وقف يتأملها ثم همس :
" أن نظرة البساطة يمكن أن تخفي متاهات معقدة".
وعاد يتفحصها , ثم قال:
"لا بد أنك تكرهيني للغاية يا صغيرتي حتى تثيري غضبي ببعثرة حاجياتي في أرجاء الحجرة , أنك تستحقين صفعة على ذلك".
" سأعيد ترتيب كل شيء".
" بل سترتدين الآن ثيابك".

وسمعته يطلق ضحكة هادئة وهو يتركها تقف على قدميها ويقول:
" دومني... لا تحاولي الهرب مني أبدا سوف أمسك بك دائما , وسأحتفظ بك طالما أن ذلك يسرني".
واحست بالتهديد يسري من أطراف أصابعه الممسكة بها الى أعمق أعماقها , ثم أنصرف الى حجرته وأغلق حلفه الباب بهدوء.

ذهب ليعيد ترتيب أوراقه وحاجياته التي ألقتها على الأرض لكن بعد ما نجح في أن يشعرها بالخجل من تصرفها , فأضاف بذلك وقودا الى النار التي كانت تحس بها وهي تبدأ في أرتداء ملابسها.

وأختارت الثوب الأزرق المغطى بالأورغانزا البيضاء , وكان هدية من صديقة تدير محل أزياء في الوست أند في لندن , كان طرازا رائعا , وكانت دومني تعرف أن الخوف من بول هو الذي دفعها الى أختياره لعشاء العرس معه , أن بعثرتها غرفته أغضبه بشدة ,وشعرت أنها بظهورها في هذا الثوب الذي يمتزج فيه الأزرق مع الأبيض , تستطيع أن تحمي نفسها من هذا الغضب الذي يجعل منه عاشقا مرعبا!
منتديات ليلاس
وكان القرط المحلى باللؤلؤ والياقوت ما زال في العلبة على مائدة الزينة , لكنها عندما عثرت على المشبك بجانب ركن السرير , أكتشفت أنها لا تستطيع أرتداءه هذه الليلة بالذات , وأرتدت بدلا منه العقد اللؤلؤي الذي ظهرت به مع ثوب الزفاف والذي كان ملكا لأمها , وشعرت بشيء من الراحة ,والشجاعة أيضا
وأختارت عطرا فرنسيا , ثم تأملت نفسها في المرآة طويلا , رأت عينين حزينتين لأمرأة تزوجت , لتنقذ كبرياء أسرتها,لن تحظى في هذا الزواج بالتقارب والتفاهم , لن تستمتع ببهجة أو بمودة.


اماريج 12-05-10 03:49 PM

وبأعصاب مرتجفة كجذور منزوعة من أرضها غادرت غرفتها في طريقها الى عشاء عرس كئيب , ولمحها بول عندما ظهرت على قمة السلم ,
وألقت نحوه نظرة جانبية لتعرف هل ما زال حانقا عليها , وطمأنتها أبتسامته التي سخرت من مخاوفها , وصعد اليها , وشعرت بخفقة في قلبها وهو يقول لها:
" تبدين كملاك في هذا الثوب .... وأشعر أنك ستتلاشين فجأة وراء سحابة , وتتركينني وحدي".

ورمقته بفضول وهما يدخلان حجرة الطعام , ولأول مرة تساءلت أذا كان تزوجها رغبة في رفقتها وليس لجمالها فحسب .
وفي بدلة السهرة , كان خلابا أكثر من أي وقت مضى , شعرت به عملاقا أغريقيا في قميصه الحريري وسترته السوداء ,ولم تكن هي ضئيلة لكن طوله الفارع جعلها تعاني ذلك الأحساس.

وفجأة داهمها الشعور بأنه يقاسي الوحدة , أنه غني , ووسيم , وجذاب الى حد الروعة , لكن هذا الرجل كان وحيدا وغامضا , وهي أصبحت زوجته!
ولم تكن دومني ذاقت طعاما طوال اليوم , وشعرت فجأة بالجوع ويانيس يضع أمامها طبقا من المحارات الشهية , وهمست:
" يبدو لذيذا".

ومنحت يانيس أبتسامتها الحلوة , أبتسامة لم تمنحها الى بول قط , الذي لم تتنبه الى أنه كان ينظر اليها وهو يفتح الزجاجة ,وفرقع غطاء الزجاجة ,
وفار السائل الذهبي , وأنسكب على جوانب الزجاجة , وغمس بول أصبعه ومسح بها خلف أذن دومني , وقال مازحا في شيء من السخرية وهو يملأ كأسها:
" هذا يجلب لك الحظ يا دومني".

وجلس أمامها , وملأ كأسه هو الآخر , ثم رفعها مرددا نخبا باليونانية , فسألته دومني دون أن ترفع رأسها عن الطعام:
" هل يمكن أن أعرف معنى ما قلت؟".

" قلت أن في كل كعكة زواج , الأمل هو أحلى ثمرة".
وحينئذ رفعت بصرها , ولمحت ضوء الشموع يسكب ظلاله عل صدغيه وجبهته ذات الندبة , وسمعته يقول:
" مما يدعو للأسف أن أحدنا لم يعرف الآخر بما فيه الكفاية , فلو كانت الفرصة أتيحت لنا للرقص والنزهة لساعدك ذلك على أن تكوني أقل خجلا معي , لكن لا حيلة لنا في الأمر , كانت لدي أعمال هامة هنا في انكلترا أستغرق معظم وقتي ,وهذه الأعمال هي التي أتت بي على غير ما توقعت".
منتديات ليلاس
وشعرت برجفة تسري في كيانها , لأن وصوله غير المتوقع الى أنكلترا , كان أول خيط في نسيج الورطة , التي تعيش الآن دوامتها , فلم يكن هناك وقت لدى دوغلاس ليغطي وعجزت هي عن أن ترى أبن عمها الضعيف الجذاب , محكوما عليه بالسجن لحماقته.... تمنت فقط أن يستوعب الدرس ... ولو على
حسابها !
وأنتهيا من تناول الطعام , وأقبلت زوجة يانيس تقدم القهوة , كانت سمراء متحفظة , تجري في عروقها الدماء الرومانية , وقدمت لدومني هدية صغيرة , فرحت بها , حتى أنها نسيت برهة أنها ليست عروسا عن حب كما كانت لينا وزوجها يظنان وكانت الهدية عبارة عن سلة صغيرة من المعدن والزجاج مليئة بالتفاح المسكر
وأبتسمت دومني قائلة:
" أنها جميلة للغاية وغير عادية كم هو لطيف منكما!".


اماريج 12-05-10 03:52 PM

ووقفت لينا لحظة تتأمل وجه دومني الجميل , ثم قالت:
" لتكن السعادة دائما من نصيبك , وليباركك الله وليمنحك....".
ونطقت كلمة باليونانية , وساد الغرفة صمت بعدما أنسحبت لينا وأغلقت خلفها الباب ,
وحينئذ لم تستطع دومني أن ترفع عينيها عن وجه بول , وتلاشى الأشراق من وجهها فجأة , وأمتلأت عيناها بنظرات القلق وهي تسأل هامسة عن معنى الكلمة اليونانية التي نطقت بها لينا.... ورد بول في هدوء قائلا:
" تعني طفلا.... صبيا....".

وتحركت الندبة فوق عينه عندما لمح الخوف في نظراتها , وأنحنت هي بسرعة فوق صينية القهوة , وملأت الفنجانين الصغيرين , بالقهوة التركية , وعندما ناولت بول فنجانه كان وجهها مقنعا بالجمود.

وشربا عدة فناجين , ثم نهضت دومني ,وأخذت تتطلع بقلق الى محتويات الحجرة من لوحات فنية وقطع أثرية , وأخيرا وقفت أمام الستارة الكبيرة التي تغطي النافذة , وفجأة تخلى عنها الهدوء الذي ألتزمته أثناء تناول العشاء , وأخذ معه أهتمامها بجزيرة أندبلوس الذي تحدث عنها بول ,
بهرها بعض الشيء وصفه جمال الجزيرة , وكلامه عن بيته القائم فوق ربوة عالية مطلة على شاطىء خاص , كان السكان يسمونه (بيت صخرة النسر) .

وفجأة قالت بصوت مختلج:
" دعني أذهب يا بول , دعني أذهب لو كان عندك قلب , أنت تعرف أنني لا أحبك".

وهنا تقطع أنفاسها , وأحتبس صوتها , وأمسكت الستارة بيدها كأنها تحتمي بها , وبينما كان بول ينهض من مقعده ويعبر الغرفة في أتجاهها , تأملته, رأت فيه قوة النمر وسيطرته أذ يمكنه أن يسحق كافة العقبات التي تعترض طريقه الى ما يريد.
وسأل:
" وماهو المفروض أن افعله أذا تركتك تذهبين؟ هل تتوقعين مني أن أحرق هذه الشيكات في مثل هذه الحالة , وأخرج خالي الوفاض , أو أكتفي بالرماد".
" وما الذي يمكن أن يحققه لك زواجنا , لا شيء أيضا سوى ذرات رماد".
وكان اليأس يطل من عينيها وهي تتكلم , وهو أمامها بوجهه الوسيم وكل قسمة تنطق بالقوة وبالعناد , وعادت تقول:
" أذا أرغمتني على الحياة معك يا بول ... سأكرهك".

وأطلق ضحكة ناعمة وقال:
" الكراهية والحب متشابهان يا أسيرتي.... كلاهما عاطفة عمياء".
" لا يوجد حب بيننا .... ولن يكون أبدا".
وبرقت عيناها تؤكدان عن الحب المعنى , وتقدم منها قائلا:
" آه.... ولكنك تتكلمين عن الحب الرومانسي".

وأقترب وأمسك بوجهها بين يديه الدافئتين , وأخذ يبحث في أغوار عينيها وهو يقول:
" يمكنك أن تجدي لدي أي حب ألا ذاك النوع الذي تقرأين عنه في الكتب".
وأزداد خفقان قلبها وهو يتكلم , وفكرت في باري الذي أسعد قلبها وجعلها تتساءل عن الحب وأسراره...
منتديات ليلاس
وعاد بول يهمس:
"هل أخبرك رجل من قبل أن لك عينين رائعتين , أشبه بالسماء الصافية؟".
وأحنى رأسه وقال:
" يجب أن تفهمي يا دومني أنني عندما أعقد صفقة أحرص كل الحرص على الوفاء بألتزاماتي , وأحرص أيضا على أن يقوم الجانب الآخر بألتزاماته".
همست مصدومة:
" ذلك في العمل , ولكن هذه حياتنا , سعادتنا , هل أنت متشائم الى حد يجعلك لا تؤمن بالسعادة , هل أنت جامد , حتى أن شيئا لا يؤذيك؟".


اماريج 12-05-10 03:55 PM

" لا يمكن أن يؤذيني ما يظنه الآخرون عني , أنا يوناني , ولا يهمني ألا ما أعتقده أنا في نفسي , عقدنا صفقة يا دومني , هذا الصباح , أنت زوجتي ولن أدعك تذهبين".
وأحست أنه يعني كل كلمة نطق بها , كان ذلك مسطورا على صفحة وجهه , الوجه الجميل , القاسي , تنبعث من عينيه أشعاعات تطاردها وتخيفها , وفجأة تخلصت من ذراعيه , وقفزت من الشرفة الكبيرة , وأسرعت بجنون في أتجاه الشاطىء.

وتقاذفتها الرياح الباردة , وتعثرت فوق الرمال بحذائها ذي الكعب العالي , فوقها كان القمر مختفيا وراء السحب , يلقي عليها ضوءا باهتا من الظلال".
وألقت نظرة مذعورة خلفها , كان بول يتبعها , وفي الضوء الخافت بدا وجهه شيطانيا ,وأنطلقت تجري بكل قواها , بيأس غريب دفعها الى الهرب منه ,
حتى أنها لم تتبين مدى قربها من البحر والصخور النائية عند طرف الشاطىء , وفجأة أرتفعت أمواج البحر , وأطلقت دومني صرخة عندما تعثرت وسقطت على صخرة , ثم شعرت بموجة هائلة تغطيها , وتسحبها, وأصابتها برودة الماء بصدمة بدأت تفقدها وعيها , لكن صوتا هادرا كان يتردد في أذنيها :
" دومني... دومني".
مصحوبا بكلمة يونانية ضاعت وسط هدير الأمواج.

وقفز بول بعدما خلع حذاءه غير عابىء بالعاصفة وسبح بقوة في اتجاه الذراع النحيل الذي كان كل ما ظهر له من زوجته , وعلى ضوء البرق بدأ يلمح وجهها المذعور , وبعد لحظة , كان يضمها وسط الأمواج بينما تشبثت هي فيه بعنف كتشبث الأنسان بالحياة , وساعدها على رفع رأسها فوق الماء , وبدأت تتنبه , وتدرك من هو منقذها ... بول... زوجها , الذي تركت جسمها المذعور في حمايته.

وحملها حتى الشاطىء , وصعد بها سلالم الفيللا , ودلف الى غرفة الجلوس من خلال الشرفة الكبيرة , وأرتجفت دومني بين ذراعيه , وسعلت قليلا , وعندما نظر اليها تساقطت المياه من شعره الداكن على وجهها , وفتحت عينيها الزرقاوين وتحركت شفتاها بلا صوت ترددان أسمه ..... وقال هو بمنتهى الرقة :
" كل شيء على ما يرام يا طفلتي الحمقاء , أنت الآن في أمان".

وأسرع الى الأريكة البيضاء بجوار المدفأة ,وضغط على الجرس مستدعيا يا نيس , الذي أقبل ليجد بول راكعا بجانب الأريكة , مقتربا من شفتي دومني المرتجفتين كأسا من الشراب , وحملق الخادم فيهما , وقال بول بلهجة جادة:
" كنا نتنزه على الشاطىء , وسقطت زوجتي في الماء أخبر لينا أنني أريد زجاجات ماء ساخن في سرير زوجتي حالا , وأيضا أن تعد لها حماما ساخنا , وأحضر لي أزار الحمام السميك , بسرعة".

وجرى يانيس الى المطبخ ,وباليونانية شرح للينا ما حدث , فبدت الدهشة في عينيها , وقالت:
" هذا كارثة ليست علامة طيبة يا يانيس , يقال أن من يغني في الصباح يبكي قبل الصباح التالي".
" ما الذي تتحدثين عنه أيتها المرأة ؟".
منتديات ليلاس
وحدق يانيس في زوجته بينما كانت تملأ الزجاجات بالماء الساخن , فقالت:
"ألم تسمعه يغني قبل الأفطار هذا الصباح؟ عروسان يتنزهان على الشاطىء في ليلة عاصفة .... أليس ذلك غريبا؟".
" تعتقدين أنهما تشاجرا؟".
" أظن أنه من الأفضل أن تسرع بأحضار أزار الحمام , وألا ملأ البيت صياحا ".


اماريج 12-05-10 03:57 PM

وبعدما أحضر يانيس الأزار لسيده , قال بول لدومني:
" سأخلع ثيابك المبللة , لا تقاوميني وألا عرضت نفسك للأنهاك أكثر مما أنت عليه الآن".
وكانت بالفعل منهكة جسمانيا وعقليا , وأرتجفت مثل قطة مبللة ,كانت نظراته ولمساته أبوية , وكان حانيا وهو يلفها في الروب , وعندما رفعها عن الأريكة , تركت ذراعها يلتف حول عنقه , وظلت على هذا الوضع وهو يصعد بها السلالم الى جناحهما الأبيض , حيث كانت لينا في أنتظارهما.

فقال لها:
" أعطها حماما ساخنا ثم ضعيها في سريرها , وناوليها كوبا من الحليب الساخن"
وأومأت لينا برأسها, وقالت دومني وهي تقاوم ضعفها :
" تصبح على خير يا بول , أنا آسفة على خروجي وسط العاصفة".
" أنا أيضا آسف , في أية حال , أنسي ما حدث , وحاولي النوم , سأراك في الصباح".

وأنصرف الى غرفته مغلقا الباب خلفه جيدا , وبعد لحظات لحق به يانيس وقال:
" أعددت لك حماما ساخنا يا سيدي".
وفي شرود سأل بول:
"ماذا قلت يانيس".
" أنت مبتل تماما يا سيدي , الحمام جاهز".
وأبتسم بول وربت على ذراع خادمه شاكرا.

وأستسلمت دومني للنوم بمجرد أن أنتهت من شرب الحليب , كان نوما ثقيلا في البداية , بلا أحلام , ثم فجأة , حلمت أنها تجري على الشاطىء البارد, تسمع هدير الموج , وتحس بكعبها العالي يغوص في الرمال , وكان القصر يطل عليها من خلال السحب , وشيئا ما كان يتعقبها , وأستدارت وألقت نظرة سريعة , فرأت قطا ضخما يطاردها تتسع عيناه بريقا ذهبيا مخيفا , كانت متأكدة أن الحيوان أذا أمسك بها , فسيمزقها أربا.

وأخذ يتقدم ويتقدم , وعندما أوشك أن يمسك بها , صرخت:
" دومني , طفلتي , ماذا حدث؟".
وأفاقت على الصوت , وتلاشى الكابوس , ووجدت النور مضاء , وبول منحنيا فوقها , ممسكا بكتفيها بيدين دافئتين ثابتتين , وعاد يقول بخبث وقلق معا:
" هل من عادتك أن تصرخي في نومك؟".
" هل.... هل صرخت حقا؟".
منتديات ليلاس
وتأملته على الضوء الخافت خصلات شعره الداكن متهدلة فوق جبينه , والبيجاما السوداء الحريرية مفتوحة , يظهر منها صدره العريض الكثيف الشعر .
وسألت:
" كم الساعة ؟ هل أقترب الصباح؟".
" جاوزت الساعة منتصف الليل بقليل".

ثم أفتر ثغره عن أبتسامة كشفت أسنانه البيضاء , وهو يقول مازحا:
" أرجو فقط ألا يكون يانيس وزوجته سمعا صرختك".
وهزت كلماته قلبها , ورغم ذلك وجدت نفسها تبتسم وتقول هامسة:
"أعتقد أنه كابوس ؟ يا للغرابة , لم يحدث لي ذلك منذ كنت طفلة".
ونظر اليها بول , ثم جلس على حافة سريرها ,وسألها :
" هل كان كابوسا يتعلق بي؟ ولكنني يا دومني لن أسيء اليك أبدا , ألا تعرفين ذلك؟".

وأمسك بيدها ورفعها الى قلبه , وضغطها , وعلى الضوء الباهت تأملت دومني وجهه , ومن جديد لمحت معاناة الوحدة على ملامحه فظلت راقدة بلا حراك وهي ترنو اليه بعينيها الزرقاوين الواسعتين , كانت ترى غريبا ليس سوى زوجها وفي اليد التي ضمها الى قلبه الغريب , الأجنبي , المعقد , لمحت الخاتم الذهب الذي يؤكد حقوقه عليها.

.........
نهاية الفصل الثاني.........


snow whight 13-05-10 12:07 AM

جميله جدا جدا بس بليز متتاخريش علينااروج
وتسلمى يا عسل على المجهود وحسن الاختيار

لوح ـه مع ـقده ! 13-05-10 05:39 AM



روايه رائعه


ننتظر التكمله ..


دمتي ...

اماريج 13-05-10 08:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة snow whight (المشاركة 2304910)
جميله جدا جدا بس بليز متتاخريش علينااروج
وتسلمى يا عسل على المجهود وحسن الاختيار

سنوايت
الله يسلمك حبيبتي وشكرا لمتابعتك ياعسولة
تحياااااااتي لك

اماريج 13-05-10 08:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لوح ـه مع ـقده ! (المشاركة 2305393)


روايه رائعه


ننتظر التكمله ..


دمتي ...

شكرا لمرورك العطر
ولمتابعتك ياااااااااااااااااااحلوة
تحيااااااااتي لك

اماريج 13-05-10 08:33 PM

3-الهدية المرفوضة
...........................

عندما استيقظت دومني ، كانت أشعة الشمس تسللت من خلال ستائر
حجرة النوم لكن خلال لحظات ظلت غير قادرة على معرفة مكان وجودها .

وتجولت ببصرها في أرجاء الحجرة ، ثم وقع نظرها على صينية
الشاي الموضوعة على مائدة بجانب سريرها ، وحدقت في أثارعلى الوسادة المجاورة ، وفي لمحة عادت إليها ذاكرتها ..
لقد تزوجت بول ستيفانوس ، اليوناني الوسيم الغامض .
الذي يملك خطوطاً للملاحة البحرية ، والذي سرق منها ابن عمها دوغلاس
مبلغاً كبيراً .

وكانت يداها ما زالتا تشعران بملمس كتفي بول العريضتين الصلبتين ،
وعقلها ما زال واعيا للكلمات اليونانية الغريبة التي همس بها محموماً في الليلة الماضية .

وتذكرت أنها استغرقت في النوم قربة
وجلست وسكبت لنفسها فنجان شاي
ورشفت منه بابتسامة على شفتيها . ورنت باسترخاء الى يدها اليسرى حيث خاتم الزواج ، مشيراً لها بمستقبل لا تجسر على التفكير فيه .

واخذت حماماً ثم ارتدت بنطلونا وبلوزة بيضاء من الحرير وبعدها مشطت شعرها ، عقصته الى الخلف بمشبك ، ولمحت
في المرأة النظرة الجديدة في عينيها ، نظرة المعرفة العميقة الغامضة .
وارتسمت على فمها ابتسامة وهي تتأمل عنقها الطويل ..
الا أن امتلاكة اياها في الليلة السابقة لم يفزعها .

ولمحت احتقانا ينساب الى وجنتيها ، واستدارت بسرعة لتهرب من عينيها .
وعندما دخلت غرفة الطعام ، كان بول أمام المائدة يقرأ صحيفة الصباح
ورفع رأسة وابتسم قائلاً :
( صباح الخير يا سيدة ستيفانوس ) .

ووقفت في حياء بعدها ردت التحية ، ثم جلست بدورها ولاحظت الشمس
تلقي بأشعتها على شعر بول الداكن .

واطمأنت الى أن عاصفة الأمس انتهت على خير ، وأصبح الجو صافياً ،
وأبدت هذه الملحوظة لبول الذي سألها :
( هل نذهب الى لوو في السيارة ، أم تفضلين السير ؟)
منتديات ليلاس
( دعنا نسير )
( حسنا )
وصب لها القهوة ، وتلامست أصابعهما وهو يقدم لها الفنجان .
والتقت عيناهما وسمعته يقول :
( تلاشت الظلال من عينيك هذا الصباح يا دومني ) .
وخيل اليها أن هذه الظلال القاتمة استقرت في عينيه ،لكنها ما لبثت أن تبينت وهم أفكارها عندما رأته يبتسم في مرح طفولي ،
ثم يطلق ضحكة قائلاً :
( يسرني أن حادثة الأمس لم تصبك بأذى )
( أنني بخير )

اماريج 13-05-10 08:39 PM

ولم تنظر اليه لكنها أحست فجأة بالدماء تتصاعد الى وجنتيها ، وسألت :
( هل أنت بخير ؟)
( بكل تأكيد يا زوجتي العزيزة )
وفتح ذراعيه مثل قط قوي سريع الحركة ، ولاحظت على السترةالتي يرتديها علامة بيت أزياء مشهور في اسكتلندا ، فسألته عما اذا كان قد زارها ، فأجاب :
( لقد سافرت الى أماكن عديدة ، ولكني أشعر دائما باللهفة للعودة الى أنديلوس,الشمس هناك حارة يادومني ،وعليك أن تأخذي حذرك حتى لا يحترق جلدك الأنكليزي الرقيق)
وشعرت بخفقان عصبي في قلبها لاشارته الى الجزيرة حيث ينتظرها مستقبل مجهول ، وقالت :
( بل سأتعرض للشمس قدر الأمكان ، لأكتسب سمرتك نفسها ).

وأسند ذقنة الى يديه ، وأظهرت ابتسامتة مدى جاذبية فمه ، وقال مازحاً :
(هل تجرؤين على أفساد هذه البشرة البديعة ؟أنك ملكي الآن يا سيدة ستيفانوس ، ببشرتك البيضاء وكل شيء فيك ).

علقت ساخرة :
(بالطبع ،أختطفتني كأسيرة ،أليس كذلك ؟)
وأختلج صوته وهو يسألها :
(هل أنت نادمة يا دومني على ليلة أمس ؟
كنت جميلة للغاية ورائعه ، لم أستطع أن أتركك ، أعرف أنني لست رجلاً يسهل
اكتشافه والتعامل معه لكني أعتقد أنه يمكنني أن أسعدك ، أذا سمحت لي بذلك).

والتقت عيناها بعينيه ، وتذكرت من جديد السعادة المتبادلة غير المتوقعه التي غمرتها ليلة الزفاف,والتي كانت نهاية غريبة ليوم عصيب . وتركته يحتضن يدها ، ويلمس خاتم الزواج الذهبي في إصبعها .

ثم قالت :
( حدثني أكثر عن الجزيرة ).
ولم تسأله من قبل مطلقاُ عن وطنه وأهله بمثل هذه اللهفه ,والآن عرفت أن أخاً يصغرة مات منذ ثمانية عشر شهراً ،وله أيضاً أخت غير شقيقه تعيش مع عمته صوفي وأبنها نيكوس ،في بيت قرب ميناء انديلوس ، وعمته تزوجت من ضابط بحري .

فالبحار والسفن في دماء كل أفراد أسرة ستيفانوس ،ونيكوس كان يستعد ليصبح شريكاً في خطوط بول البحرية
عندما يبلغ الواحدة والعشرين من عمره .
وسألته عن أسم أخته التي لم تكن تعرف بوجودها ، وأخذت تتأمله ، مدركة أنها لا تعرف عنه إلا القليل ، وابتسم قائلاً :
(اسمها كارا وهي في السادسة عشر من عمرها وكثيرة الحركةعفريته ولكن لطيفه ومرحه كالغزال البري ) .
منتديات ليلاس
( لا أعرف إلا القليل عنك وعن أهلك يا بول ) .
واستقرت عيناها على الندبة ، واستأنفت قائلة :
( مثلاً ، كيف جرحت ؟)
(آه ، هذه قصة طويلة ، ربما حكيتها لك ذات يوم، ولكن ليس هذا الصباح).
وابتسم وظلت عيناه جامدتين,وبدافع خفي نهضت دومني ،ودارت حول المائدة لتقف بجانبه .

وأمسك بها في صمت, ثم جذبها وتأمل وجهها بعينيه ، هذا هو بول :
رددت ذلك لنفسها ، ودخل يانيس بعدها طرق الباب ،وانتظر لحظة واحتقن وجه دومني وهمت بأن تفلت لكنه تمسك بها بدون حرج ،بينما كان يانيس يسأل إذا كانا يرغبان استعمال الأقدام حتى مدينة لوو،وسيتناولان غداءهما هناك.


اماريج 13-05-10 10:23 PM

وانحنى يانيس ، لكنه لم يستطع أن يحتفظ بجديته المعتاده عندما وقع بصره على دومني بين ذراعي سيده ، وقد احتقنت وجنتاه بشدة .
واستطرد يانيس يقول :
( أمر آخر يا سيدي ، لم أستطع تنظيف الأريكة ، فمياة البحر والرمال أتلفت حريرها الرقيق ).

وابتسم بول وهو ينهض واقفاً وقال :
(لا تقلق يا نيس ، ربما تستطيع لينا تدبير غطاء مؤقت للأريكة .وسأعوض أصحاب الفيلا تعويضاً مناسباً ، ثم أننا لن نبقى هنا أسبوعاً .لقد أتصلت تليفونيا بالمسؤولين لتغيير موعد الحجز في الطائرة,
سنطير إلى أثينا صباح غد ).

وكان لنظرة الدهشة في عيني يانيس صداها في عيني دومني عندما حدقت
في وجه بول وسألت :
( لماذا التغيير )؟
( لنقل أنه الحنين إلى وطني وبيتي لا أستطيع الأنتظار طويلاً يازوجتي الصغيرة
قبل أن أريك جزيرة أنديلوس).
وربما كان صادقاً ، لكن دومني بدأت تعرف أنه عندما يكون شارد التعابير ، فأما أنه قلق ، أو أنه يضيق بشيء ما .
وأحست هذه المرة بأنه قلق ولهذا الأمر صلة بها .
وبعد نصف ساعة بدأت مسيرتها إلى لوو,
كان يوماً شاقاً من أيام الربيع ، وأحست دومني وهي الشغوفه دائماًبالحياة في الهواء الطلق ، بالتجاوب مع الجو ، ومع المنظر الطبيعية ،وأيضاً مع الرجل الذي كان يسير بجانبها .

شعرت أنها عروس في ذلك اليوم ، وغمرتهما نظرات أعجاب كثيرة وهما يدخلان المدينة ، ويتجهان إلى المصرف ،
كانا في طريقهما إلى استرداد الشيكات المزورة ،وفكرت في الليلة السابقة ، محاولة العثور على هذه الشيكات وإتلافها ، حتى تكون حرة في الهرب من ذلك الزواج .

وأختلست نحوه نظرة, كانت أشعة الشمس تنعكس فوق شعره الأسود المجعد.
وكان يضع نظارة شمس قاتمة على عينيه ، إذ كانت عيناه كما أخبرهالا ترتاحان
إلا في الضوء الخافت ، وكان يعاني صداعاً إذا لم يحجبهما عن الشمس من وراء النظارة ظهر ذلك الغريب الغامض الذي اقتحم حياتها ،وأرغمها على الزواج .

ذلك الرباط الذي لن ينفصم إلا بموت أحدهما,
وبينما ذهب هو إلى المصرف ، تفرجت دومني على واجهةمحل لبيع التحف ، وبدافع خفي دخلت ، وسألت عن نقالة ورق صغيرة من النحاس على شكل حيوان أشبه بحصان له قرن ..
أرادت أن تقدمه لبول ، لسبب أنثوي غريب !
وأقبل بول من المصرف ، في الوقت الذي خرجت هي من المحل .

وهرعت إليه ، وشعرها العسلي الكثيف يتطاير,ومدت يدها إليه بالهدية قائلة :
( أنظر ، هل تروق لك ؟)
وابتسم قائلاً :
( هل كنت تبحثين لنفسك عن لعبة ؟ كم ثمنها ؟ سأدفعه ).
( لا يمكن ، هذه هدية مني ، سيبدو النحاس لامعاً جميلاً كعملة جديدة بعد أن أفركه ).

( أحقاً تقدمينها لي ؟) .
سكتت,ثم استطردت قائلة :
( أعتبرها هدية الزواج ، لا يمكنني أن أقدم شيئاً أغلى منها ).
همس بول :
( أنها هدية غالية لأنها منك).

وأعاد النظارة فوق عينيه ، فلم تستطع أن تقرأ فيها الأثر ،ولكنها أحست من نبرات صوته أنه أحب هديتها الصغيرة .
وتراقصت ابتسامة على شفتيه وقال وهو يمد يده إليها :
( ها هي الشيكات يا دومني ، لكن أخشى ألا أستطيع أحراقها وسط الطريق ).
( إذن ننتظر حتى نعود للفيلا ).
منتديات ليلاس
وخفق قلبها بعنف ، كانت تريد أتلاف الشيكات بعيداً عن حياتها إلى الأبد,لكنها أحست أن من واجبها أن تظهر لبول أنها نثق به.
وصاح هو :
( كلا ... يجب أن ننتهي من أمرها ).
وتلفت حوله ، ورأى سلة المهملات قريبة ، وبسرعة مزق الشيكات قطعاً صغيرة ،
وتطاير بعضها ، ولمحت خط دوغلاس عليها ، ولمحت أيضاً أسم بول .


اماريج 13-05-10 10:24 PM

وتناولا طعام الغداء في مطعم قديم ، ثم وجدا مكاناً منعزلاعلى الشاطى الرملي ، تمددت دومني ، وتوسدت ذراع بول ،وهي تنصت إلى هدير الموج ، ونبضات قلب زوجها الغامضة .

وأحست بالدفء يسري في كيانها, وأيضاً بالراحة ،وهي في رفقة الرجل ، الذي تساءلت إذا كانت ستحقد عليه,لأنه انتزعها من فردان ... ومن حياتها الوديعه .

وداعب شعرها وقال :
( دومني ، سأطلب منك أن تعطيني وعداً ، وسأتوقع منك الألتزام به ).
وحدقت في وجهه الذي بدا عابساً ، وأحست أنه ما زال غريباُ عنها,وسألت :
( ما نوع الوعد الذي تريده مني ؟)

( أن تبقي معي ، مهما يحدث بين اليوم والغد, عندما نترك انكلترا لنذهب إلى اليونان ).
وانتفضت جالسة .. وازاحت شعرها إلى الوراء بعيداً عن عينيها وتنهدت وسألته في قلق :
( ما الذي يمكن أن يحدث يا بول ؟)
( ربما عدت إلى كراهيتي ثانية ).
وأمسكت بذراعة ثانية :
( أنك تخيفني يا بول ، لقد كنا سعيدين اليوم .. هذه السعادة يمكن أن تستمر ).
منتديات ليلاس
( من يمكن أن يتنبأ بالمستقبل ؟)
والتقط نقالة الورق الصغيرة وأخذ ينظفها من الرمال التي علقت بها ، ثم عاد إلى القول :
( هل تعرفين إلى أي شيء يرمز هذا الحيوان الذي يشبة الحصان؟.)
وهزت رأسها بالنفي ، ولمحته عابساً شارداً فشعرت بأصابع باردةتعتصر قلبها بمزاجه المفاجئ من دقائق كان يعانقها فوق الرمال ، والآن تعكر مزاجه وبدا مكتئباً ، وأعاد النظارة القاتمة إلى عينيه ، وقال :
( هذا الحيوان يرمز إلى أكثر الأمور مراوغه في العالم ،السعادة الحقيقية ، أنه مخلوق وهمي ، خيالي ، وكذلك شأن السعادة ،
مجرد وهم بالنسبة إلى البعض قد يمزقها الألم والكوارث ،ولكن ذلك في الحقيقة لا يقضي عليها تماماً ،وبالنسبة إلى البعض الأخر يوجد شق في الأساس منذ البداية ،
ولذا قد تتداعى أمام أول عقبة, وأساس علاقتنا به شق يا دومني وكلانا يعرف ذلك.)
وارتجفت لسماع كلماته ، بينما استطرد هو يقول واضعاً يده فوق يدها :
( يجب أن أخذ منك وعداً بأنك ستستمرين معي مهما حدث ).

وبدا كلامة غامضاً ، وشعرت أنه يئن تحت وطأة الشعور بالذنب ،وذاب قلبها ونظراتها تستقر على الندبة التي لم يشأ أن يحدثها عنها وقالت:
( أنت زوجي في السراء والضراء, أننا لا نستطيع أن نحطم رابطة الزواج.
وأن كنا نستطيع أن نحطم أشياء أخرى)
( إذن فهذا وعد ؟)
( أنه وعد يا بول )


اماريج 13-05-10 10:26 PM

وتنفس الصعداء - ثم أشعل سيكارة وكان لا يزال شارد ،إذ ظل عود الثقاب بيده حتى أحرق أصابعه .
وأستمرت دومني تراقبة ، وسرت عندما بدت عليه علامات الأرتياح بعد قليل ، فجأة سألته :
( أنت لست يونانياُ تماماً ، أليس كذلك يا بول ؟)
واستدار في دهشة !
( كيف عرفت)؟

( من عينيك عندما أستطيع رؤيتها ، وأيضاً من تكوينك).
( جدتي أنكليزية ، ولكن ما دخل تكويني في كوني لست يونانيا مائة في المائة ؟
ألم يكن قدماء الأغريق طوال القامة ؟)
وابتسمت .. واقتربت منه بوجهها قائلة :
( وهل اخترت أن تتزوج انكليزية من أجل جدتك؟)

( ليس تماماً لكن في أية حال ، للانكليزيات سحر غامض ).
( تعني أننا لا نعرض بضاعتنا كلها في واجهة المحل )؟

وضحكت ووجدت أصابعها وأصابعة وسط الرمال ، وقال هو يلتهمها بعينيه :
( تماما، الرجل دائماً يتوقع منهن غير المتوقع ).
( هل عرفت كثيرات من بنات وطني يا بول )؟
( تراني أثرت بعض غيرتك )؟
( كلا )

وأطلقت ضحكة عصبية ، بينما كان هو يعتصر أصابعها بين أصابعة .
واقتربت من صدره ، وخبأت فيه وجهها خجلاً من الأحاسيس التي أستبدت بها
انبهار برجولته وتمتمت :
( يالك من متوحش )!
وضمها في قوه وقال :
( أن من يوصفون بالمدنية ليسوا كذلك تماماً يا أسيرتي ،لكن أمازلت أخيفك ؟ أما زلت في نظرك الرجل الجامد القاسي ؟لم تكوني بالأمس خائفة عندما ضممتك ، وامتزجت نبضات قلبينا ).
منتديات ليلاس
همست في حياء :
( لا أستطيع لا أستطيع أن أتكلم عن ذلك ).
وألقى سيكارته فاستبدت بها أحاسيس عنيفه ، وفي الوقت نفسه مخيفه وأحست أنها لا تستطيع أن تفهمه أبداً ،أو أن تعرف القوى الخفيه التي تحركة ، وتجعله يتقلب بين الرقه والعنف .

ما الذي كان يريده منها ؟ الحب ؟ ولكن كيف كان لها أن تخبره بأنها تحبه ،وهي نفسها لا تعرف حقيقة مشاعرها نحوه ؟وعادا إلى الفيلا مع غروب الشمس ، وعند دخولهما الصالة ،وقع بصرهما على مظروف أصفر بجانب الهاتف ،كانت برقية يأسم دومني ، وفتحت المظروف بأصابع مرتجفه ،
وراقبها بول وهي تقرأها ، وعلى وجهه قناع غامض ، وعندما رفعت عينيها
أخيراً ، نظرت إليه من رأسه إلى قدميه ، وأحست كما لو كانت قد أمضت
الثماني عشر ساعة الأخيرة نائمة تحلم والآن استيقظت من جديد واستيقظت على الكراهية التي لم تقاومها إلا لفترة
محدودة .


اماريج 13-05-10 10:27 PM

وكان بول هو الذي بدأ الكلام ، قال :
( هذه البرقية من عمك طبعاً ).
وناولته أياها بدون أن تنطق, وقرأ :
( عرفت بأمر الشيكات من دوغلاس - اتصلت ببول هاتفياً ليلة أمس .
عودي يا عزيزتي ) .

وبصوت بارد قالت دومني :
( إذن اتصل بك عمي ليلة أمس ) ؟
( رغم علمك بأن دوغلاس أخبر والده بالأمر كله ، ورغم ذلك جئت إلي و .. و ..
منتديات ليلاس
( لم أتعمد ذلك يا دومني ، وأعتقد أنه لا يجوز أن يصيح أحدنافي وجه الأخر في الصالة .. أمام يا نيس وزوجته .
وأمسك بذراعها ورافقها نحو غرفة الجلوس وأغلق الباب ثم
أسنده بظهره وقال بهدوء :
( جئت إليك ليلة الأمس لأنك صرخت أثناء نومك ،وكنت قلقاً عليك .. ولكن .. لو أنك رفضت وجودي لعدت إلى غرفتي .
أنك لم تصديني ولذلك . ولا يمكنك أن تنكري أنك نسيت كراهيتك لي ليلة الأمس ،
وأنك كنت لطيفة معي طوال هذا اليوم).
وأطلقت دومني ضحكة متوترة ، وتأملته أذ فقد سحره في عينيها وقالت :
( أردت أن تتمتع بلعبتك الجديدة ، بملكيتك ، وكان لك ما أردت . أنت قلت ذلك في هذه الغرفة ليلة أمس وكان علي أن أفي بالتزاماتي الزوجيه سواء رغبت في ذلك
أم لم أرغب ولا بد أنك مسرور لأنك نلت ما تريد بدون مقاومة).

( كلا يا دومني ، كلا ).
( لا تلمسني ، لا تلمسني و وإلا أصابني الغثيان من مشاعري الحمقاء ، ومن أعتقادي لفترة أنني يمكن أن أتعلق بك ،
لا بد أنك طوال اليوم كنت تسخر مني !
عندما مزقت الشيكات ، عندما تركتك تقبلني فوق الرمال حسناً ،إذا كان جسمي هو ما أردت ، أذن فلك ما أشتريت ، ولكنك بكل مال
الدنيا لا يمكن أن تشتري ثقتي أو حبي وزوجة بدونهما لا تعني شيئاً
يا بول ).

وتجمدت تعابير وجهه ، وبدا كما لو كان تمثالاً من حجروقال :
( أحتفظي بحبك لنفسك هل طالبتك به مره؟)
( كلا ، ليس بالكلمات ، ولكن لا أعتقد أنك لست أنساناً حتى تستمتع طويلاً بصحبة زوجة تكرهك, كيف تجرؤ يا بول على
حرماني من حرية الأختيار بين فردان وانديلوس )؟

( اليوناني وحده يستطيع أن يتحدى الأقدار ، ولو أني تركتك ليلة أمس تتحدثين مع عمك ، لهربت إلى فردان ، إلى عمك ،هل هذا كل ما تطمعين به في الحياة ؟ أن تظلي فتاة تقوم بكل الأعمال في بيت ليس بيتها ، بيت مرهون حتى أخر جزء فيه )!.

( فردان بيتي ، ووطني ، أحب كل حجر فيه ، لا أستطيع أن أشعر بذلك بالنسبة إلى بيتك ).
( ولكنك ستعيشين هناك معي ).
( لأنني أعطيتك وعداً ، ولن أنكث بوعدي ).
( شكراً ، يا دومني ) .
وتجمدت نظراتها وهي تقول :
( لا تشكرني يا بول ، لأنك ستندم فيما بعد على أنك جئت إلى فردان والتقيت بي ).
منتديات ليلاس
وفتحت الباب ، واتجهت إلى السلم . كانت تنتفض انفعالاوشعرت بالضعف وهي تصعد الدرجات ، واضطرت أن تستند على سياجها ، وتنفست الصعداء ، عندما وصلت إلى حجرتها ، واستلقت فوق سريرها
ودفنت وجهها في الوساده ولم تستطع البكاء تجمدت الدموع في عينيها .

وشعرت بثقل خاتم الزواج في إصبعها أشبة بالقيد الذي يربطها برجل بلا قلب .
رجل أرغمها على زواج لا حب فيه تحدث عن الشق الموجود في نسيج علاقتهما وقال أن أول عقبة يمكن أن تحطم هذه العلاقة ...
كان يعرف أنها لن تغفر له خداعه وسخريته من ثقتها به ليلة الأمس .

وسرت رجفة في أعماقها وهي تتذكر الكلمات التي همس له بها :
( أترك ذراعيك حولي يا بول .. ودعني أنام هكذا ).

...........نهاية الفصل الثالث...........


اماريج 13-05-10 10:29 PM

4-مرارة الرواسب
........................

حان موعد العشاء , وأرتدت دومني ملابسها , برغم رغبتها القوية في أن تغلق عليها غرفتها , ولا ترى بول أبدا , كانت أنكليزية حقيقية , وما كانت لتلوذ بركن مظلم تخفي فيه نفسها لمجرد أنها جرحت, كان عليها أن تظهر بوجه شجاع لتواجه عدوها ببقايا ما ترك لها من كبرياء .
وأحس بول وهو يتأملها عبر مائدة الطعام , أن الفجوة بينهما لم تكن أبدا على مثل هذا الأتساع , كانت مهذبة , وكانت تنصت اليه , وترد عليه, وهو يخبرها عن أنواع السفن المختلفة التي تملكها شركته , بل أنها تكلفت أبتسامة صغيرة عندما سرد عليها بعض نوادره عن الركاب , لكن ألما قاتما كان يومض في عينيها الزرقاوين بين الحين والآخر.

وذهبا بعد العشاء الى غرفة الجلوس حيث أعد بول آلة العرض وشاشة عرض عليها مجموعة الأفلام التي صورها لرحلاته, أذ كانت هذه هوايته, كانت الأفلام مليئة بالمناظر الخلابة , ولكن لم تكن توجد لقطة واحدة يظهر فيها وسط مجموعة أصدقاء , أو حتى رفيقة واحدة ,وعندما أنتهى العرض ,وأضاء النور سألته دومني :
" هل تسافر دائما عندما تكون في أجازة؟".

وسكب شرابا , وأبتسم قليلا وهو يناولها كأسا وقال:
" أحب أن أنطلق وحدي , أنه شذوذ غير مؤذ أليس كذلك؟ في أية حال فأنني أصحب يانيس معي كمرافق , لأنني كسول للغاية لا أعرف كيف أرتب ملابسي".
وأخذت تتأمله بفتور ولا مبالاة , وقالت لنفسها :
" أن رجلا بمثل وساومته لا يمكن أن يقضي أمسياته دائما وحيدا , حتى لو كان ذلك شأنه نهارا , لا بد أن نساء أخريات كن في حياته , نساء أحسسن بجاذبيته , وحاولن ترويضه , ولكن لا ترويض لرجل مثله!".
منتديات ليلاس
ولما كانت تنسى أفكارها الحزينة أثناء كلامه, قالت متعمدة:
" حدثني عن اليونان".
ورفع كأسه لتحيتها , ثم أستلقى في مقعده , بينما ألقت الأضواء ظلالها على وجهه , وقال:
" اليونان أرض المتناقضات , أرض الشمس المشرقة والظلال , أرض التسامح والأنتقام , بعض الأجزاء قاحلة , والأخرى غنية بمحاصيلها من العنب والتين والزيتون والصنوبر , آه الصنوبر أنه يملأ المكان برائحته الحلوة ".


اماريج 13-05-10 10:33 PM

وسكت وحدق بعينيه الداكنتين في نار المدفأة , وعاد يقول:
" اليونان أرض أما أن تحب , أو أن تكره مثل أهلها , والأساطير القديمة ما زالت حية في أطلالها ,وعندما تشاهدي مدينة أثينا الآن من الصعب أن تصدقي أنها منذ أعوام ليست عديدة , كانت ممزقة ببشاعة , الآخ كان يقاتل أخاه , والكثير من أطفالنا أخذوا عبر الجبال الباردة كقطعان غنم الى ألبانيا وبلاد أخرى معادية , ما كنت ألا طفلة يا دومني عندما حدث كل ذلك".

وقالت برقة لأنها عرفت مدى حبه لليونان:
"أنت نفسك يا بول لم تكن كبيرا".
قال في أبتسامةجافة وحزينة أشبه بأوراق الخريف عندما تسقط عن الأشجار لتموت على الأرض:
" كنت كبيرا بما فيه الكفاية لأن أرى الكثير , لكنني لا أتكلم على هذا النحو لأستميلك يا دومني , أو لأكسب ودك".
" بالطبع لا, ليس العطف هو ما تريده يا بول , أليس كذلك؟".
وأعتلت أبتسامة شفتيه , وقال:
" أتساءل أذا كنت تؤمنين بالروابط القدرية , كان من المحتم أن نلتقي .... فما رأيك؟".
" أرى أن القوى الخفية ليست دائما رؤوفة بالبشر".

وأصبح الحديث بينهما متقطعا , وطالت فترات الصمت , وصارت كل حركة تنمي أحساس كليهما بالتوتر , فعندما بدأت النار تخبو في خشب المدفأة , ألتقت عيناهما فوقها , وعندما تحركت الستائر ,متأثرة بتلك التيارات التي تغزو الغرفة عندما تخفت فيها نار المدفأة , ألتقت عندها مرة أخرى عيناهما.

وعقدت دومني يديها في حضنها , يجب عليهما أن ينهضا الآن , وأن يصعدا الى الطابق العلوي , لا يستطيعان البقاء الى ما لا نهاية في غرفة الجلوس التي بدأت تضيق بوجودهما وتحفزهما على الخروج منها.

ثم فجأة بدأت الساعة تدق ,وتعلن منتصف الليل , وقفز بول واقفا ولمحت دومني الخشونة المباغتة التي أكتسى بها وجهه وهو يصيح:
" أصعدي
الى الطابق العلوي فلن ألمسك , اعرف أنك تشمئزين لمجرد رؤيتي".
منتديات ليلاس
ونهضت بدورها , ووضعت كأسها جانبا , وكان وجهها خاليا من التعبير وهي تقول:
" تصبح على خير يا بول".

ورد عليها التحية باليونانية , وخرجت من الغرفة ... رشيقة في ثوبها الأزرق متثاقلة قليلا في مشيتها كطفلة صغيرة متعبة , وتتبعها بول بنظراته حتى أغلقت الباب خلفها , وحينئذ تقلصت أصابعه حول الكأس , فأنكسر محدثا صوتا , وسالت قطرات المشروب على يديه.


اماريج 13-05-10 10:34 PM

لم تسمعه دومني يدخل غرفته المجاورة الا في وقت متأخر , وتمددت متوترة وهي تفكر :
" يجب ألا أصرخ الليلة أذا نمت ".
لكنها في النهاية وقد أنهكتها عواطفها الممزقة نامت نوما عميقا , حتى أيقظتها لينا حاملة اليها شاي الصباح.

كان عليهما أن يغادرا المكان في الثامنة والنصف , لكن كان على دومني أن تتحدث مع عمها قبل الرحيل , التحدث اليه البارحة كان مستحيلا , أذ كانت في حالة أضطراب لا تسمح لها بذلك , ولكن هذا الصباح أستردت بعض الهدوء , وتيقنت أنها تستطيع أن تبدو مقنعة عندما تقول لعمها أنها متشوقة لرؤية الجزيرة التي ولد فيها زوجها , حيث سيعيشان.

وكان بول يقف في غرفة الجلوس مع يانيس أمام الحقائب , عندما أدارت دومني الرقم الذي يوصلها ببيت طفولتها , كانت تريد أن تطمئن عمها مارتن الى أنه لا حاجة به الى القلق على دوغلاس , ودعت الله في صمت أقناعه بأنها سعيدة في زواجها ببول ستيفانوس.

وأقبل زوجها من غرفة الجلوس بينما كانت في أنتظار توصيلها بفردان , ونظرت الى وجهه الطويل الأسمر وهو يصعد السلم , ويمشي في الممر المؤدي الى الجناح الأبيض , تركها تتحدث بحرية ولكنها لم تشعر نحوه بالعرفان , أنه لم يتصرف بشهامة الا بعدما أملى أرادته.
ولكن الدفء أخذ يسري في صوتها وهي تقول:
"عمي مارتن... كيف حالك أيها العزيز!".
منتديات ليلاس
وتكلمت دومني مع عمها خمس عشرة دقيقة ,وقالت له بحزم أنه يجب ألا يقلق بشأن دوغلاس , وأن كل شيء أصبح على ما يرام الآن , وأنها متأكدة أنه بعد تورطه مع بول لن يعود ثانية الى مائدة القمار , أجل , بول كان مصدر أرهاب ,كلا , بالطبع , فهو لم يرميها هي .... يا لها من فكرة!
وأطلقت ضحكة , وأستطردت تقول بسرعة أنها شاهدت بعض الأفلام عن اليونان , عرضها بول في البيت , وأنها تبدو بكل تأكيد بلادا أثرية رائعة.

وقال عمها بصوت متهدج:
" سأفتقدك يا دومني , هل أنت متأكدة أنك سعيدة مع بول؟".
ونظرت الى الجدار الذي يعلو منضدة الهاتف , وقاومت مخاوفها من الحياة التي تنتظرها مع رجل لا يحبها , وقالت تطمئن عمها:
" يستطيع أان يكون لطيفا, وهو رجل وحيد للغاية".
وكان بول في تلك اللحظة يهبط السلم , وفهمت من وجهه أنه حان الوقت لتودع عمها , ولم تعد تخشى أن يدرك من صوتها أنها غير قادرة على حبس دموعها وهي تقول له:
" وداعا... وداعا.... سأكتب اليك بمجرد وصولي الى أثينا".


اماريج 13-05-10 10:35 PM

وتردد صدى الكلمات في ذهنها وهي تخرج لركوب سيارة الأجرة مع لينا ويانيس ,ولحق بهم بول بعدما أحكم أغلاق الفيللا , وأنطلقت بهم السيارة الى المطار , كانوا سيطيرون الى باريس , ومن هناك يأخذون طائرة أخرى الى أثينا.

بعد الأجراءات المربكة التي تمت بعد وصولهم الى مطار أثينا , ركبوا عربة الى فندق (هيلينيك) الكلاسيكي الذي كان ذا شرفة واسعة تستخدم مطعما ومقاصف للرقص , ومن نوافذ جناحهما كان ( الأكروبوليس ) يظهر على ضوء النجوم ,وذكر بول أن سحره التاريخي يتجلى في الليل ومع الفجر.

وكان يانيس وزوجته قد أعفيا من واجباتهما , وأخذا أجازة , وكان عليهما أن يتوجها بعد ثلاث أسابيع الى جزيرة ( أنديلوس) قبل وصول بول وعروسه اليها بأسبوع.
وشعرت دومني بالتوتر لوجودها وحدها مع بول , عروس غريبة في أرض غريبة , ولكن لم يكن في المستطاع تجنب ذلك , وكان عليها أن تعتاد زوجها عاجلا أو آجلا".

كانت متعبة بعد الرحلة الطويلة , لذلك تناولت الطعام ذلك المساء مع بول في حجرة الأستقبال في جناحهما , وعندما تمنى لها نوما هنيئا أنحنى برأسه الداكن , وطبع قبلة على وجنتها , وفي الحال أستدار مبتعدا وهو يبدو فاترا , ألا أنها لم تستطع أن تتجاهل الرجفة التي أكتسحتها.

وتسللت أشعة شمس اليونان الذهبية من خلال نوافذ غرفتها صباح اليوم التالي , وأيقظتها من نومها .
منتديات ليلاس
وتناولا أفطارا مكونا من عصير الفواكه , والكريما والعسل وفطائر السمسم , بعد ذلك أكلا التين العنبري اللون ,وشربا القهوة اليونانية ,وهمست دومني :
" أنها لذيذة".
وأستقرت عيناها في سرور على أزهار الليمون وسط أوراقها اللامعة التي كانت تحيط بسور الشرفة .
وقال لها بول محذرا:
" لا تشربي رواسب القهوة".

تلاعبت بالفنجان الصغير وهي تفكر بأن مرارة الرواسب شأن أشياء أخرى كثيرة تبدو حلوة ثم تترك مرارة في نهايتها.
وسأل بول وهو يعتدل في مقعده ويشعل سيكارة:
" ماذا سنفعل هذا الصباح؟".


اماريج 13-05-10 10:37 PM

لم تستطع أن تتجنب النظر اليه, كان شعره بريق أخاذ تحت أشعة الشمس , وكان يرتدي قميصا قصير الأكمام , وبنطلونا ضيقا , وحلقات الدخان تتصاعد أمام عينيه الذهبيتين , فتضيقان وتشع نظرة نمر مفترس.

وقالت دومني :
" جولة لمشاهدة الآثار ستكون شيئا لطيفا".
" أذن سآخذك الى بلاكا المنطقة القديمة في أثينا".
وأنفرجت شفتاه عن أبتسامة كشفت بياض أسنانه, وأستطرد يقول:
" ألبسي صندلا لأن الطرق الحجرية قديمة ومتآكلة , وبعد أن تلقي نظرة على المحلات التجارية , ربما تريدين مشاهدة الأكروبوليس".
" بكل تأكيد".

ولمحت قلادة يونانية تلمع خلال فتحة قميصه ذكرتها هذه القلادة الملتصقة بصدره بما كانت تحاول جاهدة أن تنساه , أحساسها بها في الظلام .... تلك الليلة الأولى....
ونهضت مسرعة , وقالت:
" يجب أن أذهب لأمشط شعري , وأضع أحمر الشفاه".

وأستدارت وذهبت الى غرفتها , وتجنبت النظر في عينيها في المرآة , وأرتجفت يدها وهي تضع أحمر الشفاه , وكان عليها أن تمسحه وتعيد طلاء شفتيها باللون الوردي.

وحدقت دومني في فمها ذي الشفة العليا الرقيقة الحساسة والشفة السفلى السخية المتلئة , وأحست أنه تمزق عندما أستسلم بصمت لفمه الذي قال لها بفتور:
" أحتفظي بحبك .... هل طلبته منك مرة؟".
منتديات ليلاس
وأشاحت بوجهها بسرعة , ووضعت الصندل في قدميها , ثم أخذت حقيبة يدها , وألقت نظرة أخيرة على صورتها , كانت رقيقة ورشيقة , ولم تتزين ألا بخاتمين , الدبلة الذهبية البسيطة , والخاتم الفيروزي الذي كانت زرقته تضاهي زرقة عينيها.

دومني ستيفانوس , أبتسمت للفكرة وأن أرتجفت لغرابة الأسم , دومني دان ذهبت الى الأبد , تاركة فقط الكيان والوجه اللذين دفعا رجلا الى طرق ملتوية ليفوز بأمتلاكهما... وأبتعدت عن المرآة , ولحقت بزوجها لزيارة بلاكا والأكروبوليس.


اماريج 13-05-10 10:38 PM

وكانت شوارع البلاكا مهملة وضيقة ,ومليئة بمحلات مفتحة الأبواب كالسوق وبيوت ذات شرفات خشبية ....
وشعرت دومني بأصابع بول الدافئة على مرفقها وهو يشير الى الثوم والفلفل الأسود في واجهة محل بقالة , والأحذية الشعبية القديمة خارج محل أحذية ,
سلال الفاكهة الجميلة , وكان هناك بائع أسفنج يحمل مجموعة أشبه بالجالونات الملونة , وبائع بطيخ يجر عربة خشبية (كارو) , وأشترى بول شرائح من البطيخ ,وبعدما أكلت دومني قطعتها تلاشى أحمر الشفا مع العصير , وبدت كمراهقة في أجازة وهي تحملق حولها في الناس الذين أمتلأت بهم الشوارع الصاخبة الزاهية .
منتديات ليلاس
وضحكت من فوق كتفها لبول وقالت:
" أنه مثل زقاق أعرفه في بلادنا , بائع الأسفنج سيختفي أذا داهمته الرياح".
وأبتسم , وأقترب منها قليلا ,وقال:
" هل أنت سعيدة؟".

وأومأت برأسها , ذلك أن البلاكا كانت ذات سحر لا يقاوم , وأمسك بول بأصابعها المبللة بماء البطيخ ,وصعدا معا السلالم غير المستوية , ومرا أمام المقاهي القديمة حيث جلس الشيوخ أمام أكواب القهوة التركية , يمضغون الكلمات اليونانية , فيبدون كما لو كانوا يتشاجرون.

ورأت دومني اليونانيات , ذوات الأجسام الضخمة بصحبة بناتهن الرشيقات , ولاحظت أن شبانا عديدين كانوا على الكثير من الوسامة بتشبههم الأسود وكثيرون بالملابس العسكرية , وأخبرها بول أن الخدمة العسكرية أجبارية , وعندما نظرت اليه لمحت ظلالا تتحرك على صفحة وجهه , ثم نظر جانبا الى أحد المحلات , ولم تستطع أن ترى عينيه وكانت نظارته الشمسية في جيب قميصه , لأنه لم يكن بحاجة اليها في ذلك المكان حيث أختفت الشمس وراء سطوح المنازل.

ووقف أمام واجهة محل صغير يعرض بعض المصنوعات الوطنية , أحذية مطرزة , وحقائب يد , وشرائط حريرية من الخرز وكذلك من المشابك والأقراط , وقال بول وهو ينحني فوق المعروضات:
" دعيني أشتري لك تذكارا لزيارتك بلاكا".
وخرج من المحل رجل معمم ,ووقف يرقب بول وهو ينتقي قرطا على شكل قلب , وسأل الرجل عن الثمن , ودفعه له , ثم جذب دومني , وعلق القلبين الزرقاوين الصغيرين في أذنيها , وهتفت:
" القرط رائع يا بول , يجعلني أشعر كما لو كنت من جواري الحريم ".

ولكن بول لم يبتسم , وأمسك بها فجأة من خصرها , ورفع ذقنها بيده الأخرى وبدا فمه في مثل عنف ذراعه , وحدق بعينيه الذهبيتين في عينيها , وقال في صوت خافت , أجش :
" هل هذا ما تشعرين به؟ مثل جواري الحريم ,اللواتي كن يشترين بالمجوهرات؟".
ونظرت اليه مغلوبة على أمرها , وقالت مرتبكة:
" لم أقصد ذلك, كنت أمزح".

" اللاشعور أحيانا يدفعنا الى نطق كلمات نعتقد أننا لم نكن نعنيها".
ثم حرها من قبضته , وأكملا مسيرتهما الى الأكروبوليس في صمت.... وشعرت دومني بالرغبة في البكاء .... جواري الحريم! أنزلقت الكلمات من فمها لتفسد عليه بهجته بشراء هدية صغيرة لها.

ووقفت دومني وهي تشعر بضآلتها وسط الأعمدة الشامخة تنظر أعلى فأعلى وتستشعر تناسق هذه الأعمدة وعظمتها وهي أشبه بالأصابع تشير نحو السماء.

أخذها بول الى دهليز العذارى حيث صوّب السياح ألات التصوير وأخذوا يلمسون التماثيل التي بدت وكأنها تتحرك- وأراها شجرة الزيتون القديمة التي ما زالت موجودة , رمزا للأمل.
وتسمرت نظراتها عليه وهو واقف على السلم الكبير وقد أغرقته الشمس بأشعتها الذهبية , ولمحت من جديد على وجهه ذلك التعبير , كما لو كانت ذكرى متوحشةداهمته وهو يتأمل عاصمة اليونان القديمة.

وكان بول يحمل معه آلة تصوير , فألتقط لها عدة صور وهي متكئة على عمود أستر , وقال في أبتسامة ساخرة:
" ستتوقع كارا أن نحمل معنا مجموعة من صور شهر العسل".
" أذن لا بد أن نأخذ صورا معا , لنسعد كارا".
وبمساعدة أحد السياح الأمركيين وقفا جنبا الى جنب ,وبدأ هو يستعد لألتقاط عدة صور لهما , وقال الأميركي وهو يداعبهما بلهجته المرحة:
" أعرف أنكم معشر اليونانيين تتحفظون أمام الآخرين , ولكن وضع ذراعك حول السيدة سيبدو لطيفا".
ورمق بول دومني بنظرة متهكمة ثم أحاط خصرها الدقيق بذراعه , وجذبها الى جانبه , وكانت أبتسامتها أمام آلة التصوير متوترة كجسمها , وشعرت بأصابعه تغوص في خصرها وتؤلمها , ثم أنتهى التصوير , وتركها متجها الى السائح الأميركي الذي قال له:
" ستظهر صو زوجتك رائعة , تماما مثل واحدة من بنات الأغريق".

وأبتسم بول للسائح شاكرا وهو يسترد آلة التصوير , فرد الأميركي العفو باليونانية وهو مغتبط بنفسه لأنه تمكن من معرفة هذا القدر من النونانية .
ثم ألقى بول نظرة الى ساعة معصمه وقال لزوجته:
" لا بد أنك جائعة , هل نأكل في أحد المطاعم هنا؟ أم تفضلين أن نعود الى الفندق؟".
منتديات ليلاس
وجزعت من فكرة العودة الى الفندق, ليس بعد ! المطعم قد يكون صاخبا, مكتظا بالغرباء الذين تستطيع أن تنسى بينهم نفسها ساعة أخرى على الأقل , وقالت بسرعة:
" أحب أن آكل هنا في أحد المطاعم طعاما يونانيا".

وهبطا السلم المغطى بالحشائش , وتنبهت الى أن الناس ينظرون اليهما , ينظرون الى اليوناني الطويل الوسيم , وعروسه الأنكليزية , تماما كما حدث في كورنوال ذلك اليوم حين ذهبا الى لوو لأسترجاع الشيكات , ولكن في ذلك اليوم شعرت دومني بفوران جميل يسري في شرايينها , أما الآن , فالفوران ما زال موجودا لكنه لم يعد جميلا

...........نهاية الفصل الرابع...........


اماريج 14-05-10 05:10 AM

5-نافذة القلب
.....................

كانا في طريقهما الى مطعم تقدم فيه اللحوم المشوية الى جانب السمك , عندما نادى أحدهم بول ,ووجدا نفسيهما محاطين بعدد من الأشخاص المرحبين : زميلان من زملاء بول , بصحبة زوجتيهما ,
وكانتا سيدتين باهرتي الأناقة , ترتديان الملابس الحريرية , وتضعان على رأسيما قبعتين بورود , وتمسكان بأصابع مكسوة بالقفازات , حقيبتين غاليتين ,
تفحصتا بعيون سوداء ملابس دومني العادية , ولاح أنهما صدمتا لأن زوجة رجل أعمال هام تبدو في ملابس بسيطة أشبه بملابس السائحات.

لكن الزوجين في الجانب الآخر , أبتسما لدومني في سرور واضح, وألحا أن تنضم هي وبول الى جماعتهم لتناول الغداء.
منتديات ليلاس
وأشار بول الى المطعم وراء صاحبة مباشرة وسأله بالأنكليزي لأن دومني لم تفهم اليونانية جيدا بعد:
" هل تنوي تناول الغداء هنا يا كوستس؟".

وأجاب كوستس في الحال بأنكليزية ذات لكنة , أن هذا المكان مشهور بتقديم الأطعمة اليونانية , وأنهم سيتناولون فيه غداءهم , وأومأ الى زوجته مؤكدا رغبته ذلك أنها كانت تتمنى الذهاب الى مكان أكثر فخامة , والطعام فيه أجمل منظرا , مع أنه بلا نكهة.

وقالت أنجيليكا لدومني وهما تتبعان الرجال داخل المطعم :
" ايستغرق كوستس وقتا طويلا حتى بات مرموقا , سنوات طويلة أرتديت بصبر الملابس الرخيصة , والآن أذ أصبحت أملك الملابس الأنيقة التي يسعدني الظهور بها, يأخذني للطعام في مكان شعبي متواضع , تفهمين طبعا , اليوناني يحب أن يكون السيد".

وأبتسمت دومني , فهمت جيدا شيئا واحدا فقط : أن بول يتوقع منها أن تظهر أمام أصحابه العروس المشرقة , وكان من الصعب عليها أن تعترف لنفسها أنها لا تجرؤ على معارضة رغباته , وما هو كبرياؤها بالمقارنة؟
وتتبعته بعينيها , وكان المطعم مكانا يمكن أن يأسر دومني في أي وقت آخر , بصحبة ناس أقل فضولا وصخبا , المقاعد حول المائدة المتواضعة من الخيزران والجدران بيضاء تتدلى منها آلات الموسيقى الفولكلورية الشبيهة بالقرع العسلي , ومن كل الأرجاء أرتفعت أصوات المناقشات باليونانية وسط ضباب الشواء.

وأصطحب بول دومني لتختار لنفسها الحساء والخضروات واللحم , وأختارت السيدتان الأخريان عصافير مشوية , وفزعت دومني لذلك في سرها , ما كانت لتأكل هذه الطيور الصغيرة لو أن بول أمرها بذلك , وهو لم يفعل بطبيعة الحال ,ولمحت أبتسامة على شفتيه عندما طلبت شرائح من اللحم المشوي , ورغبت أيضا ببعض البطاطس المحمرة , وفي الحال طلب بول أن تكون طازجة ,وعندما عادا الى المائدة , كان كوستس يطلب شرابا يونانيا أبيض , وقال بول لدومني:
"لن يعجبك هذا الشراب".

وطلب مشروبا آخر مع السمك المدخن الذي قررا هو ودومني أن يتناولاه بدلا من الحساء , وأنهمكت أنجلينا وميرها في الطعام بشهية , وأبتسم كوستس وهو يرفع كأسه لدومني عبر المائدة , وقال كلمة باليونانية فهمتها في الحال , كانت تعني (كوني سعيدة) وأبتسمت لليوناني اللطيف وتمنت لو لم تنطق عيناها بأن السعادة لم تعد أكثر من مجرد كلمة بالنسبة اليها , ذكرى لحريتها في الأستمتاع بحياتها في سلام في مدينتها فردان , بحماية من عمها الطيب.
منتديات ليلاس
ثم خفق قلبها بعنف حينما سألتها أنجليكا بصوت مرتفع سمعه كل الجالسين حول المائدة عن عدد الأطفال الذين تتمنى أن ترزق بهم , وحدقت دومني في صحن ملوءا بالزيتون الأسود ذي اللمعة البنفسجية , أطفال من بول!
وأختلست نحوه نظرة جانبية قبل أن تواجه أنجليكا بأبتسامة , وتمتمت بأجابة مبهمة , وتبادلت اليوننيتان أبتسامات المعرفة , أذ أعتقدتا أنها خجول لأنها أنكليزية , وسرعان ما حولا دفة الحديث الى مسرحيات الموسم.


اماريج 14-05-10 05:12 AM

وقالت ميرها موجهة كلامها لدومني:
" يجب أن تقنعي بول بأن يأخذك الى المسرح , وأحذرك لأن المقاعد من حجارة , ولكنني آخذ معي دائما وسادة , في الموسم الفائت شاهدنا مسرحية (أليكترا) وكانت رائعة".

وتنفست دومني الصعداء أذ أستطاعت أن تتفرغ لطعامها وهي تصغي الى وصف ميرها للمسرحية , وبينما كانت تأكل البوظة اللذيذة , لاحظت الأبتسامة التي تعلقت بطرف شفتي بول وهو جالس يستمتع بأحتساء القهوة التركية , وتدخين السيكارة الرفيع , لعبت دورها بما يرضيه , وأرتباكها بشأن الأنجاب , فسر على أنه بسبب الحياء , وبدون شك أنه سر أيضا لتجاهلها نظرات الأعجاب بشعرها الذهبي ولون بشرتها الأبيض , من الرجال الجالسين على مؤائد قريبة.

وعندما أنصرف بول ودومني للعودة الى فندقهما , كانا يحملان معهما دعوة الى بيت ميرها يوم الجمعة , وأخرى الى بيت أنجليكا يوم السبت.
وقال لها بول وهو في المصعد المتجه الى جناحهما في فندق هيلينيك:
" أحبوك! وقال لي كوستس أنه لم يرى أبدا من قبل عينين كعينيك في مثل زرقة بحر اليونان".

ورفعت دومني هاتين العينين الزرقاوين الى وجه زوجها الأسمر , وردت بأدب أنها هي أيضا أحبت أصدقاءه.

وفجأة أمسك بها من كتفيها , فجعلها تحس بدفء يديه وعنفهما من خلال قماش البلوزة ,وقال :
" لا تتحفظي معي , نادني بالقرصان اليوناني , أصفعي وجهي , ولكن لا تكوني دائما مؤدبة".
منتديات ليلاس
قالت بجفاء:
" سأتعلم , أمهلني يا بول , أمنحني الوقت".
قال معقبا:
" الوقت طريقة للهرب ".

ووصلا الى باب جناحهما , ودفع المفتاح في القفل بشيء من العنف , وخفق قلبها , أذ أدركت في تلك اللحظة أنه لن يظل بعيدا عنها مدة طويلة , كانت له رغبات الرجل القوي العاطفي , وقد تعلمت أنه يمكن أن يكون بلا رحمة.

وفي اليوم التالي بدا جناحهما أشبه بمحل أزهار عندما أنتشر خبر وجود بول ستيفانوس في أثينا , وأنه جاء بعروس أنكليزية , فأستمر وصول سلال الأزهار , وعلب الفواكه والحلوى , وأيضا هدايا العرس للسيدة ستيفانوس الشابة , ولم تكن دومني سوى أنسانة , لذلك لم تستطع أن تقاوم حب الأزهار , وتذوق الحلوى والفستق والعنب الذهبي ولكنها دهشت للهدايا الأخرى من زجاجات الشراب , والملاعق الصغيرة الفضية , والأطباق المزخرفة , وشرح لها بول تقاليد اليونانيين في الترحيب بضيوفهم بتقديم الحلوى أو المنعشات في هذه الأواني.

وأبتسمت دومني وأستدارت في الحال لتدفن وجهها في باقة من زهور البنفسج وقالت:
" أحب البنفسج".

وصمت بول , وأتجه ناحية باب الشرفة ليشعل سيكارا , وأختلست نظرة نحو كتفيه العريضين , ورأسه الداكن , وأنبأها شعور خفي بأن أزهار البنفسج مهداة منه , وأحست بضرورة شكره لكن الكلمات لم تسعفها , كيف عرف أنها أزهارها المفضلة؟ وهي لم تتحدث معه أبدا عن مثل هذه الأشياء , وهو لم يرها أبدا في غابات فردان منحنية فوق حوض البنفسج في الربيع لعنه من يدري...
وفي الليلة السابقة لرحيلهما الى أنديلوس حضرا حفلة راقصة في يخت في ميناء أثينا , كان المركب الكبير مزينا بالأنوار الملونة , وكانت حلبة الرقص على السطح , تحت النجوم وفرقة موسيقية صغيرة تعزف الألحان.


اماريج 14-05-10 05:13 AM


أرتدت دومني ذلك المساء ثوبا من الشيفون اليوناني ذي الزرقة الباهتة المبطن بالحرير , وعقصت شعرها الى أعلى وعلقت بالشينيون العسلي الناعم أزهار البنفسج الرقيقة , وقبل أن تخرج مع بول الى الحفلة , لف حول ذراعها أسوارة فضية ذات مشبك من حجر ثمين نادر لونه بنفسجي , وتحسست الأسوارة بأصابعها , كانت أشبه بقيد العبودية.

أما بول فقال:
" أزددت جمالا في اليونان , شمسنا أدفأت بشرتك وجعلتها بلون العسل , أخبريني ألا أستحق قبلة على هديتي؟".

ورفعت وجهها أشبه بفتاة صغيرة مطيعة , وضحك هو بنعومة وقال مازحا:
" أنك تخافين اليوناني عندما يقدم الهدايا أليس كذلك؟ ترى ما الذي أخفيه؟".

ونظرت في عينيه النحاسيتين , فالعينان كما يقال نافذة القلب , وكان كل ما رأته أبتسامة غامضة , وأنعكاس صورتها في مقلتيه , كانت له عينان نفاذتان , ومثل كل شيء آخر فيه , كانتا جميلتين ومتوحشتين ,ولو لم يكن الزوج الذي كانت تخافه , لكان حتما أن تعجب به في سترة السهرة البيضاء التي أرتداها فوق قميص حريري أبيض مع رباط عنق داكن , هكذا فكرت دومني , وهما يخرجان معا من جناحهما كأي زوجين سعيدين في طريقهما الى سهرة مرحة.

وكانت دومني تحب الرقص , تعلمته في المدرسة الداخلية وكانت تخرج بصحبة باري للرقص مرات عدة , طرأ باري على بالها حينما شعرت بضغط يد بول وهما يرقصان في صمت على ظهر اليخت الساحر , كانت تتبادل مع باري طوال الوقت الهمسات والضحكات , وهما يرقصان في نادي الشاطيء , حيث كانا يلتقيان عندما كانت تتسلل من المدرسة بعد الظلام بمساعدة زميلة لها وكان ذلك سرهما الساحر (الرومنطيقي) منذ البداية.
منتديات ليلاس
" أنك تجيدين الرقص لم تكن لدي فكرة أنكم تقيمون حفلات كثيرة في فردان".
" لم تكن لدينا الأموال الكافية لذلك, تعلمت الرقص في المدرسة الداخلية".
" ولكنك تبدين معتادة على مراقصة رجل أكثر من مراقصة فتاة , وقد لاحظت ذلك من قبل".

وكانت في لهجته رنة فضول , وخفق قلبها خفقة لا يستطيع غيره أ ن يحركها , كأنه تيار كهربائي يسري من كيانه الى كيانها , وقالت:
" نسيت أن لي أبن عم , فعندما كان دوغلاس يعود الى البيت , كنا كثيرا ما نرقص في الصالة على أنغام الغرامفون القديم".


اماريج 14-05-10 05:15 AM

" آه .... دوغلاس... أعتقد أنك كنت تهتمين كثيرا بهذا الشاب".
وسكتت الموسيقى , ووضع أحدهم في يدها كأسا من الشراب اليوناني , وخلال الساعات التالية رقصت دومني مع رجال آخرين , بينما أختفى بول , وقال لها أميركي شاب:
" بعض اليونانيين يلعبون الورق في أحدى الحجرات في الداخل , أنهم يحبون لعب الورق".

ان ذهنها شاردا وهي تفكر في أبن عمها , وتتابعت أفكارها : هل حقا يعتقد بول أنها تزوجته لأهتمامها بدوغلاس بأكثر من مجرد علاقة القرابة؟ يا للغرابة ,ويا للحذاقة المخيفة من جنبه لظنه أنها لا بد أن تكون انها رقصت كثيرا مع رجل كانت تهتم به!

كانت تهتم به! هل يعني ذلك أن حب باري لم يترك قلبها أبدا؟ يا له من حب يائس وهي التي لم تكن لديها أية فكرة عن مكانه , لكنها تعرف أنهما لو ألتقيا من جديد , فلا بد وأن يكونا كغريبين لأنها لم تعد دومني دان.

وضاقت دومني بالرقص ولمحت سلما ضيقا , سلكته لتجد نفسها فوق سطح آخر لليخت , وقفت وحيدة أمام السور , وداعبت نسمة شعرها ووجنتيها ,
وأنعكس ضوء القمر فوق سطح البحر , وألقى ظلاله على ساريات المراكب الأخرى الراسية , وقلوعها وأحست أن في صوت هدير المياه حزنا له صدى في أعماقها , ورفعت عينيها نحو النجوم , وتساءلت عن مستقبلها مع بول وأرتجفت عندما لمحت نيزكا يفر من الفضاء بينما أرتفع في هذه اللحظة صوت عميق يقول:
" تبدين بعيدة مثل هذه النجوم يا دومني".
منتديات ليلاس
أقبل بول في خطواته الصامتة ,ووقف وراءها ولم تلتفت دومني وأحست بأنفاسه تداعب شعرها , بينما أستقرت يداه في قوة ودفء على كتفيها , وظلت في مكانها بلا حراك قلبها فقط ينبض وشفتها السفلى تهتز في عصبية.


اماريج 14-05-10 05:16 AM

وهمس بول:
" أنك تحبين الأستمتاع بالوحدة بين الحين والآخر , أليس كذلك؟".
وأومأت برأسها , فعاد يقول بصوت هادىء:
" ستحبين الجزيرة يا دومني , أنها مكان لمن يعشقون الحرية والطبيعة البكر , أصغي الى البحر , أنه يرنم بأغنية عذبة".

سألته:
" هل تسمع البحر من بيتك؟".
" من بيتنا يا دومني".

ورفع يديه عنها , وأستند على سور السطح وعندما نظرت اليه كانت عيناه تبرقان وتتحركان كعيني قطة في الليل , وكان شعره مجعدا , كان يشرب ويلعب الورق , وأحست بتقلص عصبي في حلقها لما لمحته فيه من الأستهتار , وقال بسخرية:
" لماذا تخافين مني يا صغيرتي الى هذا الحد؟".
أجابته:
" أليس من الطبيعي أن نخاف ما لا نفهم؟".

وأفتر ثغره عن أبتسامة وهو يقول:
" صحيح أننا معشر اليونانيين لا يسهل فهمنا أبدا , أغلب ما نحس به غامض , لكنه في أي حال أما النار في البركان أو الجليد تحت البحر , ولكن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الأنكليز , أنت يا دومني وأنت واقفة هنا هل تعتقدين أنني لا أجدك لغزا؟ دومني الفتاة ذات الأسم النادر الجميل الذي يناسب شخصيتها , دومني..... التي ستحصل على أنتقامها عندما أبرهن أنني شيطان أذ أآخذ ما لن تعطيني أياه!".

ورفع رأسه الى الوراء ,وضحك في وجه القمر , وهمت بأن تبتعد عنه , ولكنه بسرعة ودهاء مثل النمر , قيد معصميها بيد واحدة , ورفع وجهها باليد الأخرى , وقال وعيناه تشعان بريقا ذهبيان:
" يا عاصفتي الصغيرة , أجل, سأحصل على ما أريد".
وهرولت بعيدا عنه , وهبطت السلم لتعود وسط الساهرين.

جلسا في العربة التي أقلتهما الى الفندق متباعدين , لم تنظر اليه في المصعد ,وهي واقفة ببرود في ثوبها اليوناني , وقد تجمدت عيناها كحجر الفيروز في يدها اليسرى , تبادلا في غرفة الأستقبال تحية المساء , ثم دخلت دومني غرفتها , وأغلقت الباب بصوت مسموع , وهمت بأن تغلقه بالمفتاح , لكنها تراجعت , فأغلاق الباب سيكون أعلانا صريحا عن الخوف الذي في قلبها , وهي لا تريد أن تمنح بول هذه السعادة.
منتديات ليلاس
كان ذهن دومني مشغولا , فأستسلمت لنوم قلق مليء بالأحلام المضطربة غير أنها لم تستطع أن تتبين ما دارت حوله أحلامها , ونهضت فجأة لتجد وجهها غارقا في الدموع , وجلست في سريرها تتحسس الدموع , حينئذ لمحت من خلال نوافذ غرفة نومها ألسنة لهب أحمر ترتفع وتسارعت خفقات قلبها ,ورفعت الأغطية عنها , وهرولت لترى مصدر هذا اللهب.

وفتحت باب الشرفة , ووقفت في الخارج بقميص نومها , تحدق في أتجاه مصدر اللهب , كانت منبعثة من الميناء ,وسمعت أصوات عربات الأطفاء , لكنها لم تنتبه الى صوت بابها وهو يفتح ليأتي بول ويلحق بها الى الشرفة.


اماريج 14-05-10 05:18 AM

وسألته في قلق:
" هل يمكن أن تكون النار مشتعلة في يخت ( الساحرة الفضية)؟ يا للخسارة أذا كانت هي , أنه مركب جميل! أرجو أن يكون أصحابك قد خرجوا بأمان".
وأقترب من سور الشرفة , وأطال النظر ناحية الميناء , كما لو كان يقدر مكان وجود يخت أصحبه بالضبط ,وصاح:
" كلا , أنها ليست ( الساحرة الفضية) فهي راسية في مكان أبعد , اللهب شديد جدا و فالأغلب أن تكون سفينة شحن".

كانت ألسنة اللهب تلقي ظلالها الحمراء عليهما , وبدا وهو مقبل على دومني في بيجامته السوداء الحريرية , بقامته الطويلة أشبه بالشيطان وتمتم شيئا باليونانية , حينما كانت هي تتراجع في أتجاه غرفتها و ألقت صرخة صغيرة عندما تبعها , وأغلق باب الشرفة وقالت وهي كارهة لرجفة صوتها:
" أنا... أنا سعيدة لأن النار ليست في ( الساحرة الفضية)".

ولم يرد , وأرغمت نفسها على أن تنظر اليه ,واقفا يتأملها في قميص نومها , فجعلتها نظراته تحس كما لو كانت عارية ,وقال:
" أتهمتني ذات مرة أنني أشتريتك يا دومني , هل تعتقدين ذلك حقا؟".
" هل تعتقد يا بول أن هذا هو الوقت لتجمع الفوائد عن تمزيقك تلك الشيكات؟".

فألتقط أنفاسه , ثم تحرك خطوة مقتربا وأطلق ضحكة متوحشة وقال:
" نعم يا عزيزتي, الوقت حان لأن تكفي عن لعب دور الزهرة المنكمشة , ضقت ذرعا بذلك ,خاصة وأنا أعلم أن لجمالك البارد وكبريائك وجها آخر".
صاحت برغم الذعر المستبد بها:
" تريد أن تذل كبريائي , أليس صحيحا يا بول؟".

وتسمرت في مكانها , وبحركة سعيدة خاطفة ماكرة , أخذها بين ذراعيه وقاومت بعنف لتتخلص منه وأنطلقت تردد:
" دعني يا بول".
ووصلت أصابعها الى مكان الندبة والى شعره المجعد.... وعادت تقول:
"أنا , أنا سأكرهك".
منتديات ليلاس
قال ونظرة تملك في عينيه:
" ألم تكرهيني منذ البداية يا عاصفتي الصغيرة؟".

وحملها بين ذراعيه وأغلق الباب خلفهما , كانت كتفاه العريضتان أشبه بجناحين يحتويانها وهو يضعها فوق السرير.

وأستيقظت دومني قبيل الفجر وبحرص شديد أنسحبت وفزعت عندما تمتم شيئا في نومه , وأهتز قليلا , لكنه عاد فأستغرق في النوم , وأبتعدت دومني كما لو كانت تهرب من نمر.

وعندما وصلت الى غرفتها وضعت أزارها فوق كتفيها , وجلست بجانب النافذة ,تراقب أصابع الفجر الوردية , كان المنظر رائعا لكنها شاهدته بحسرة.

.............نهاية الفصل الخامس..............


اماريج 15-05-10 08:37 PM

6-البيت وقمة الصخرة
..............................

لم تنس دومني أبدا لحظة وقع بصرها على أنديلوس, التي كانا في طريقهما اليها في مركب بول , مع بحار شاب من سكان الجزيرة يمسك بدفة القيادة , وآخر يقوم على خدمتهما .

ظهرت الجزيرة فجأة وسط البحر الأيوني الأزرق , واضحة تماما وسط أضواء بلاد اليونان الصاخبة , وأمسكت دومني السور بيديها حيث وقفت , كانت أنديلوس محتلة في الماضي من الأيطاليون والرومان.

وكان اليونانيان يتحركان بسرعة لتنفيذ أوامر بول , ولا شك أن كل سكان الجزيرة يحترمونه , بل ويحبونه لأنه بنى لهم مستشفى , ومدرسة لأبنائهم فيها حمام سباحة وملعب ومكتبة , ولم يكن بول هو الذي أخبرها بذلك لكن أنجليكا وميرها كانتا مصدر هذه المعلومات.

ووقف بول بجانبها متكئا على السور , قميصه الأبيض مفتوح , ونظارة الشمس تخفي عينيه ,وشعره الأسود أزدادت تجعداته بتأثير هواء البحر , لكن دومني كانت تشعر بهزة في أعصابها فما تزال تحت تأثير ما حدث منذ ثلاث ليال , فأثناء تلك الأيام في البحر , أحتاجت لكل شجاعتها لتتعامل معه بصورة طبيعية.

وقال بول:
"أننا نقترب من الجزيرة , هل أنت مشتاقة لرؤية بيتك الجديد؟".
كان يعرف جيدا ما في قلبها , أنه الشوق للحرية شوق طيور البحر وهي تنطلق مع الرياح.
وأجابت:
" أتخيل بيتك فوق قمة( صخرة النسر) بيتا ذا شأن , هل عاشت فيه أسرتك منذ سنين عديدة؟".

ونفث بول دخان سيكاره وقال:
" بناه جدي , هو وأخوه لوكاس مؤسسا شركة خطوط ستيفانوس للملاحة , وأثناء حركة التمرد تعرض العمل لهزات خطيرة , شأن كل شيء في اليونان , لكننا بمرور الوقت تغلبنا على العقبات , وسارت الأمور على ما يرام".
وظل صامتا دقيقة أو أكثر , وبطرف عينيها لمحته يتطلع نحو الجزيرة المقتربة عابسا , ثم أستطرد:
" البيت الذي سآخذك اليه ,ليست له جذور عميقة في الماضي مثل فردان ,ولكن يمكنك أن تقولي عنه أنه الرمز الشامخ للأنتصار على الطبيعة الوعرة , أن أراض اليونان غالبا ما تكون قاحلة , والحياة صعبة بالنسبة للكثيرين من أبناء وطني".

قالت لمجرد الثرثرة:
" ولكن عشيرة ستيفانوس حققت النصر".
وأحست بنظرته الفولاذية وهو يقول:
" حققناه بالعمل الجاد , لم يحدث أن تورط أحدنا في السرقة".

وبنغمة ذات مغزى قالت وهي تشعر بشيء من الزهو لقدرتها على أن تلقي سهامها مثله:
" لا أحد أبدا يا بول؟".
وتأملت أمواج المحيط المتلاطمة بلا نهاية , تحت أشعة الشمس الذهبية كأنها الألم والفرح ترتفع ثم تهوي لتبدأ من جديد.
وهمس زوجها بجانبها:
" البحر يحوي كل شيء , الحياة نفسها , تجمع الصخب والحيوية والسلام".
قالت معقبة:
" البحر قاس , أنه يأخذ مثلما يعطي".
وألقى ببقايا السيكار في البحر وقال :
" القسوة موجودة في كل شيء , حتى في الفرح , وعلينا أن نتقبل ذلك".

وعاد يقول:
" أعرف أنه من العسير عليك يا أسيرتي الحالمة أن تواجهي حقيقة أن الساعات التي أمضيتها معي تلك الليلة لم تكن بغيضة تماما".
حاولت التخلص منه وهي تقول:
" دعنا لا نتكلم في هذا الأمر".
لكنه تمسك بأسرها وقال وهو يهزها:
" أنا ألح في سماع ردك".
منتديات ليلاس
ورفعت رأسها وواجهته بعينين تشعان بريقا أزرق وقالت:
" هذه الساعات , كانت كما أردتها أنت , أجل يا بول, ولكن قلبي ملكي".
قال وعيناه في عينيها:
" لعلك تعتقدين أن زواجنا علاقة مستبدة , حسنا , دعيني أخبرك يا دومني أنك أذا عشت مع رجل تحبينه , فستكتشفين أن هناك وقتا للصراع , ووقتا للتقارب ووقتا للتباعد , الحب والكراهية ليسا غريبين أحدهما عن الآخر , أن البسالة وكبح الجماح لا وجود لهما ألا في الكتب الخيالية".
قالت:
"أنا أتوقع البسالة يا بول , أنه خيال المراهقة بعينيها , لقد لقيت منك كل ما توقعت عندما أقسمت على طاعتك".


اماريج 15-05-10 08:39 PM

قال بلهجة تحذير:
" وتذكري أن الشرف كان ضمن ما أقسمت عليه".
قالت والرياح تداعب خصلات شعرها , وقد أمتلأت عيناها بزرقة سماء اليونان ومحيطها:
" من المؤسف أنك أنت لم تتذكر ذلك يا بول".

وأهتز ركن فم بول بعصبية وهو يحدق فيها , وتحركت عيناه فوق بلوزتها المطرزة المستورد من جزيرة كريت والتي كانت الرياح تداعبها وكان شعرها المتطاير يحيط بوجهها , ويضفي على وجنتيها ضياء ورديا .
وقال بول بتهكم:
" أهل أنديلوس سيظنون أنني أسعد رجل على الأرض".
قالت بسرعة:
" أتمنى لو كنت أمرأة عادية".
وأطلق ضحكة عميقة وقال:
" تتمنين ذلك حقا؟ سواء عادية أو جميلة كنت ستظلين دومني".
منتديات ليلاس
وكانت تسمعه , ولكن أهتمامها كله كان مركزا على الحركة التي لاحظتها بجانب المركب , وقالت مشيرة نحو حركة المياه:
" هل يوجد سمك القرش في مياه اليونان؟".
وأنحنى ليتابع الحركات التي كانت تموج ثم تدور وتقفز وذراعه ملتف حول خصرها:
" أنه درفيل".
للمرة الأولى ترى درفيلا , أبهجها ذلك , وأستدارت وأبتسمت لبول في أشراق.

قال بول:
" أسماك الدرفيل تأتي الى ساحلنا وستنعمين بمتعة مراقبتها أثناء أقامتك في البيت القائم على ربوة النسر".
وضحكت لمنظر تحركات الدرفيل في البحر , ثم سألت:
" ألن نقيم بأستمرار هناك؟".
" ليس دائما".
" أعتقد أن الأعمال تحتم عليك السفر".
" أجل , سأقوم برحلة بعد شهور قليلة".

وكان أهتمامها كله موجها الى الدرفيل لكن شيئا ما في لهجته جعلها تنظر اليه , ولم يكن من المستطاع قراءة عينيه , لأنهما كانتا خلف نظارة الشمس لكنها تساءلت أذا كان يعتبرها مجرد نزوة, وفي الوقت المناسب سيتركها تذهب وأحست بشيء ما يغوص في قلبها ,
هل هي ملكه فقط طالما أن ذلك يروق له , تماما كما كان يمسك بها في تلك اللحظة بذراع قوية وأصابع صلبة تقيد معصمها , وأجتاز مركبهما ميناء أنديلوس ,
لأنهما كانا متجهين الى المرفأ الخاص داخل ممتلكات بول لكن دومني أستطاعت أن ترى في الميناء مراكب الصيد الملونة والمنازل البيضاء ووصل الى مسامعها صوت صياد يغني ,
وظل صوته يلاحقهما حتى أبتعدا.... وفي أهتمام سألت:
" ماذا تعني كلمات هذه الأغنية؟".

ورد بول ورنة سرور في صوته:
" أنه يغني لحبيبته التي يتمنى أن يتزوجها عندما تستقر أخواته .... ليست أغنية عاطفية على النحو الذي توقعته , أليس كذلك؟ ولكن هذا هو التقليد في اليونان , أذا كان الأبن هو العائل الأساسي للأسرة فيجب أن يساعدها حتى تتزوج أخواته".


اماريج 15-05-10 08:42 PM

وهمست دومني :
" كم هو صعب على الشاب المسكين , لا غرابة أن صوته يبدو حزينا".
قال بول بجفاء:
" آه , لكن فتاته تحبه, وهو يعرف أنها ستنتظره , وأن قلبها سيختزن الحب".
وأهتزت دومني لجمال الكلمات , لكن هل يزيد دائما الأنتظار حلاوة الحب ؟ أن هذه الفكرة تعبر بكل تأكيد عن العاطفية , ومع ذلك زعم بول أنه لا يؤمن في الحب!

وكان المرفأ محاطا بصخور قاتمة , والمياه الزرقاء تنساب اليه في رقة وتكسر عند القناة الضيقة , وفكرت دومني في الجو العاصف , وكيف أنه لا بد أن تبدو المياه وكأنها تغلي بين الصخور في هذا الممر الضيق فتصعب الملاحة.

ومن الشاطىء , رأت أبراج الصخور ترتفع نحو السماء والطيور تبني أعشاشها فيها وتطير بينها وأعشاب البحر المزهوة تكسوها.
ورسو بجانب صخرة كبيرة , ولاحظت دومني أن الشاطىء يتكون من مجموعة صخور , تفصلها المياه , والحشائش تتلوى فوق الرمال الشاحبة كالثعابين , وتعلو بجانبها بعض الشجيرات الصغيرة التي تحميها من الشمس المحرقة.

ووقفت دومني تتلفت حولها , وتتساءل عن كيفية الوصول الى البيت من الشاطىء ولم تلبث أن أكتشفت الطريقة , فقد أقبل أحدهم يحمل بطارية كهربائية كبيرة , ناولها لبول وهو يبتسم , وتكلم معه بول باليونانية , مشيرا الى المركب, ومعطيا أوامره بالنسبة للحقائب , ثم قاد دومني عبر فتحة كهف واسع.
وقال لدومني:
" منذ زمن بعيد كان هنا مخبأ للمهربين , أنه يوصل مباشرة الى البيت , وهو آمن تماما , أن حركة المد والجزر بطيئة هنا , ولا تشتد ألا عندما يكون الطقس سيئا , ومن الحكمة حينئذ الأبتعاد عن الشاطىء".
منتديات ليلاس
وضحكت دومني قائلة:
" يا لها من طريقة مبتكرة لوصول عروس الى بيتها , لكنها تناسب شخصية القرصان فيك".
وتردد صدى كلامها في الكهف , ونظرت دومني اليه وهما يعبران الممر الصخري , رجل غريب, متقلب , يضحك مثل صبي صغير.
وقال:
" الأرض ترتفع و هل تحسين بها؟ سنصل حالا الى باب يفتح على السلم الذي يقود الى الحديقة , هذا الممر السري يعجبك أليس كذلك؟".


اماريج 15-05-10 08:45 PM

ورافقته بأبتسامة قائلة:
" أجل , تعرف أنني خيالية".
قال بأعتداد وبلهجته الخاصة:
" هذا شأن الأنكليز".
وبعد دقائق أضاءت البطارية بابا خشبيا , يفتح على سلم حجري , وقال بول محذرا:
" من فضلك, كون حذرة, السلالم متآكلة بفعل السنين , والآن أحترسي".

وأمسك بها عندما أوشكت أن تفقد توازنها ,ولمدة لحظة , في الضوء الخافت , ألتصقت به وأحتبست أنفاسها وأعتقدت أنه سيعانقها , لكنه أخلى سبيلها , وتابعت صعود السلم , محاولة ألا تبدو متعجلة , وتبعها في صمت حتى وصلا الى الخارج , حيث يوجد ممر يخترق حديقة تعلوها شرفات فسيحة ,وكانت أشجار السرو تملأ المكان بألوانها الخضراء والذهبية ,وأشجار الفلفل مليئة بالعصافير المغردة , وقال بول وهو ينحني ليجمع باقة من الياسمين ذي الرائحة العطرة ويضعها في شعر دومني:
" في الجانب الآخر من البيت غابة صنوبر".
منتديات ليلاس
وتدلى الياسمين من شعر دومني وأحاط بوجهها , وملأ برائحته أنفها , لكن ما معنى أن يتوجها بورود الحب في تلك الحديقة التي بدت معلقة فوق البحر , كأنه يريد أن يقول لها بدون كلمات , أنها في تلك الليلة ستكون لأول مرة وحدها معه في بيته.

كان البيت فوق قمة الصخرة , معزولا عن العالم , وكان يبدو غامضا في عيني الفتاة التي جاءت اليه عروسا , كانت جدرانه ذهبية , مع وجود سلالم تقود الى شرفة واسعة رصت حولها المقاعد والأرائك والموائد ,
وعدد هائل من الأواني تنبت فيها أنواع مختلفة من النباتات , ومن فوق السور لم تر دومني سوى هوة سحيقة عميقة يليها البحر والصخور , وتراجعت لاهثة بعض الشيء , ثم أستدارت لتواجه بول وهو يقول وقد مد يده السمراء اليها:
" تعالي.... دعيني أريك البيت".

وذهبت معه , وما زالت متوترة من منظر الهوة , ودخلت البيت ويدها في يده من خلال باب زجاج , وقال وهو يشير في أتجاه الغرفة الكبيرة بمقاعدها الوثيرة , ومراياها الأثرية القديمة قال:
" هذه هي غرفة الأستقبال".
ثم أستدار ناحية المدفأة الحجرية وسألها:
" هل أعجبتك؟ الليل هنا بارد والأنكليز يحبون النار في المدفأة أليس كذلك؟
ورمته بنظرة طويلة , فجأة بدا لها أكثر غرابة من أي وقت مضى وأومأت برأسها بسرعة ردا على سؤاله , ثم أدارت بصرها بعيدا عنه , الى الجانب الآخر , حيث رأت سلما خشبيا نصف دائري يقود الى منصة يرتكز فوقها بيانو , كان سواده لامعا , وكان يبدو رائعا , ورقت نظرات دومني ,كان البيانو من وسائلها الترفيهية المفضلة , ورغم أنها لم تدرس العزف,ألا أنها كانت ذات أذن موسيقية , وكان عمها يحب أن تعزف له على البيانو القديم في فردان.
وهمس بول:
" هل أعجبك يا دومني؟".

وأومأت بالأيجاب , ورغبت في الجلوس أمامه , وأن ترفع عنه الغطاء اللامع الذي يحجب عالما كانت تستطيع دائما أن تنسى فيه نفسها .
وقال بول:
" أنه لك".
وأستدارت تنظر اليه بعينين مرتابتين وهي تقول:
" لي أنا؟".
أبتسم قائلا:
" جيء به من أثينا منذ ثلاثة أسابيع , أما هذه المنصة فكانت لأستعمال جدي الخاص , حيث كان يوجد مكتبه المهيب , وفي الواقع فأن هذه الغرفة كانت مكتبا , وهذه القطع من الأثاث جمعتها من أركان غريبة في البيت وأمرت بتنظيفها ونظفت حتى أستعادت لمعانها , وهذه الأبسطة من جلود الدببة كانت في غرفة المختلفات أيام زوجة أبي.... آه ... ولكنك لا تهتمين بهذا كله!".

ولمست معصمه بحياء , حيث الشعر الذي يحيط بالساعة , وقالت:
" بالعكس يا بول , هذه الغرفة رائعة , ولكن أخبرني , ما هذه الكلمات المحفورة على حجر المدفأة؟".
وسار نحو المدفأة ,وتبعته ,ولاحظته وهو يمر على الحروف اليونانية بأصبعه قائلا بصوت خافت خال من التعبير :
" هذه الكلمات تقول: تحدوا قوى الظلام مثل أبوللو".

همست وهي تفكر في عجز بول عن مواجهة الضوء القوي , أو أشعة شمس اليونان التي يحبها:
" أبوللو كان رمز الضوء".

وتذكرت أنهما أستمتعا مرات عديدة بحمامات الشمس على شاطىء يبعد عدة أميال عن أثينا ,حيث يدفن وجهه في الرمال , ويترك بقية جسده للشمس التي توجه الطعنات لعينيه ما لم يحمها خلف النظاراتين , وأحست دومني أن لذلك علاقة بالضوء الذي تعرض له , والذي نتجت عنه تلك الندبة المخيفة فوق عينه اليمنى , وسألته:
" متى سأرى أختك غير الشقيقة؟".
وكانت قد فهمت من أحاديثه أنه يحب هذه الأخت كثيرا , لكنه لم يكن على وفاق مع أمها , وكانت أمه قد ماتت وهو في الرابعة من عمره , وأخوه ما زال طفلا , وتزوج والده بعد ذلك بسنوات , وكانت كارا ثمرة هذا الزواج غير السعيد , وقد مات والد بول فجأة أثر أزمة قلبية , بينما كان يقود يخته في البحر الأبوني , وكانت زوجته معه فغرقت عندما فقد اليخت توازنه وهو تحت قيادة رجل فارق الحياة.

وكانت كارا تعيش مع عمة بول , لأن مسؤوليات العمل كانت تبعده كثيرا عن أنديلوس , وخططت دومني أن تستضيف الفتاة خلال عطلات نهاية الأسبوع , لقد أحست غريزيا بأنهما ستكونان صديقتين.

وقال بول:
" سنذهب غدا لنرى كارا والعمة صوفيولا , والآن لنكمل جولتنا في بيتك الجديد يا سيدة ستيفانوس".
بيتها الجديد! كان مليئا بالممرات والأبواب غير المتوقعة , والأثاث الداكن , والأبسطة اليونانية المصنوعة يدويا ,وأخيرا الغرفة التي ستنام فيها , الغرفة المجاورة مباشرة كانت غرفة بول, وقد أستقرت حقائب كل منهما في حجرته , وذهب هو ليأخذ حقييبته الصغيرة الخاصة وظهر من جديد قائلا أنه سيهبط الى الطابق السفلي ليعمل ساعة أو ساعتين , ووقفت تختبر بأصابعها المشاغل الأيطالية الجميلة الموضوعة على مائدة زينتها , ثم قالت:
" شكرا يا بول على البيانو".

وعكست لها المرآة صورته , كان طويلا فارعا , وكان رأسها بمحاذاة قلبه , وجذبها نحوه وهو يطوق خصرها , وهمس في طيات شعرها الناعم حيث كانت باقة الياسمين ما زالت معلقة وقد أنتشر شذاها :
" الآن يا دومني تبدأ حياتنا معا بالفعل".

وألتقت نظراتهما في المرآة , ودب الأضطراب القديم في أعماق دومني عندما لمحت نظرة الرغبة في عينيه النحاسيتين.
ثم دار في غرفتها وسألها:
" هل أعجبك مخدعك؟".

قالت وهي ترتعش:
" أنه جميل جدا".


اماريج 15-05-10 08:47 PM

وأغلق الباب خلفه , وببطء فارقها التوتر الذي كان يستبد بها كلما لمسها , ونزعت الياسمين من شعرها , وخبأته في أحد أدراج مائدة الزينة , ثم تناولت فرشاة شعرها , وكان شخص ما قد أفرغ حقائبها , وأخذت تمشط الخصلات لتخلصها من بقايا الياسمين , وسمعت طرقا على الباب , ودارت في أرتباك , وهي عاجزة عن التفكير في الكلمة اليونانية التي تعني( أدخل) وأخيرا قالتها بالأنكليزية , ودخلت لينا , تبتسم بطريقتها الجادة , وتمنت أن تعرف الذي ما زال غريبا عليها , وقالت:
" شكرا يا لينا".
" أنني تحت أمرك حتى تختاري وصيفة يا سيدتي".
وعدلت لينا غطاء السرير المزدوج ووضعت قميص نوم دومني في مكانه , وقالت دومني وهي ترفع شعرها :
"أوه.... لا أعتقد أنني بحاجة الى وصيفة..... لقد أعتدت الأعتماد على نفسي , ويبدو لي أمرا غير مستساغ أن يعنى بي من رأسي الى قدمي".

وبدت لينا مذهولة بعض الشيء لكلام سيدتها الشابة وقالت:
" عليك يا سيدتي أن تجدي في القرية فتاة يعتمد عليها , وهي بدورها ستقدر لك أختيارها لخدمتك , أن بناتنا ينشأن على الطاعة والمساعدة , وسيدة في مثل مركزك يجب أن تكون لها وصيفتها الخاصة".

وأغرقت دومني في الضحك وقالت:
" حسنا جدا , حسنا جدا , ولكن أذا كنت حريصة الى هذا الحد على أن تكوني لي وصيفة , فتولي أنت مهمة البحث عن واحدة , أنكم يا معشر اليونانيين أكثر الناس تصميما وعنادا , ألستم كذلك؟".
" نحن كذلك يا سيدتي".
وأبتسمت لينا من جديد وهي تنحني لتلتقط وريقات الياسمين المتناثرة أمام مائدة الزينة واحدة واحدة ,وحملقت دومني في شعرها الأسود الناعم , وتساءلت عما أذا كانت ستعتاد يوما طرق اليونانيين في الترتيب , فالحياة في فردان كانت سهلة للغاية , وغير معقدة , لم تكن هناك مشكلة خدمة , فقد كانت دومني تقوم بمعظم العمل بمعاونة عاملة تأتي يوميا , وسألت دومني :
" هل أستمتعت بأجازتك مع يانيس؟".

وردت لينا برقة:
" قمنا بمساعدة والده في عمله في مزرعته الصغيرة , لقد كان عملا عن حب , وهذه أجازة بحد ذاتها".
وظلت دومني تفكر في كلام لينا بعد أنصرافها , كان حقا ما قالته أن الأنسان لا يضيق بواجب أو بتضحية , أذا كان العطاء عن حب , وبحماسة أتخذت مظهر الشجاعة ,
نفذت دومني ما أقترحه بول , وذهبت للتعرف الى بيتها الجديد , كان البيت من الداخل غنيا بأخشاب السرو , وأخشاب الأرز , ولكن الزمن والأيدي تركت بصماتها على كل شيء , فتآكلت أجزاء منها , ومن خلال أحدى النوافذ ,
رأت بحرا من شجر الصنوبر وقد غطى الغابة ضباب بنفسجي وكانت للصنوبر رائحة نفاذة أمتلأ بها الجو.
منتديات ليلاس
وهبطت دومني السلم الى الصالة وهي تشعر بوحدة غريبة في ذلك البيت الكبير المنعزل عن العالم , الذي تحيط به همسات المحيط والصنوبر , وفتحت أبوابا كثيرة , ونظرت من خلالها الى الغرف , لكنها كانت حريصة على تجنب الغرفة التي كان يعمل فيها بول , وكان قد أراها أياها وهما في طريقهما الى الطابق العلوي , وكان ذلك سببا لأرتياح دومني أذ عرفت أنه سيقضي جزءا من كل يوم في هذا المكتب.

وأثناء أنشغاله في عمله , بوسعها أن تكون حرة , حرة في أن تكتشف الجزيرة , وأن تسبح وكانت تعتقد أن ذلك سيساعدهاعلى مواجهة الأمسيات والليالي , وجاء لها يانيس بالشاي والحلوى وبعدما تحدثت معه لبضعة دقائق ,
خرجت الى الشرفة الكبيرة لتشرب الشا ي , ومن ذلك المكان كان الأفق يبدو أشبه بقوس فضي يلقي سهاما من اللهب تحت وهج الشمس الغارة وكان منظرا أنحبست له أنفاس دومني ثم بدأ الظلام يزحف , وعادت الى الداخل , وصعدت الى الطابق العلوي لتأخذ حماما ولترتدي ملابس العشاء .

وكان العشاء يقدم متأخرا على اليونان , لذلك كان لدى دومني وقتا كافيا لأن تستحم على مهل , وأن تسترخي في الحوض الكبير الذي يكاد يتسع للسباحة.
وكانت غارقة في بهجة حمامها , عندما فوجئت ببول يهتف لها :
" لا تمضي ليلتك كلها في الحمام يا عزيزتي".
فأجابته :
" سأكون معك بعد قليل!".

وعندما جلسا الى الطاولة بعد قليل أشاحت عنه بوجهها , وتشاغلت بمشاهدة الأزهار في الزهريات , وقالت هامسة :
" أحب رائحة الأزهار والأخشاب هنا , هذه الغرفة كلها في الواقع جميلة ".
قال مازحا :
"نقطة الضعف فيّ يا دومني , أن لي عينا يونانية في أكتشاف الجمال".
سألت في صوت خافت:
" هل هذا هو عذرك الوحيد يا بول؟".
أجاب وقد فهم مرماها بسرعة:
" ليس تماما و, لدي سبب آخر , ولكنني لا أنوي أن أخبرك عنه في هذه المرحلة ".

وأحست بقلبها يكاد يخترق صدرها وهو ينطق بهذه الكلمات , ما الذي كان يعنيه ؟ أنه أرادها زوجة لأنه أحبها؟

.........نهاية الفصل السادس.........


اماريج 15-05-10 08:52 PM

7-وجه من الماضي
.........................

" أيتها الطفلة , هل لك أن تهدأي؟".
توسلت بهذه الكلمات السيدة ذات العينين الحزينتين , التي جلست على مقعد من الخيزران , تشتغل الدانتيلا , كانت ترتدي السواد, من الغطاء الصغير فوق شعرها الرمادي , الى أطراف الحذاء الضيق في قدميها , وكان الراديو الصغير الموضوع فوق المنضدة المجاورة لها يشير الى أن سنوات الحداد الثلاث الأولى على زوجها قد مرت, وأنها تستطيع الآن أن تتمتع ببعض المباهج الخفيفة.

وقالت كارا ستيفانوس معترضة وهي تقفز:
" ولكنهما يا عمتي صوفيولا سيصلان في أية لحظة".
ثم تدلت من سور الشرفة الحديدي , وذلك كانت تستطيع أن ترى سيارتهما , وكان وجهها الذي لفحته الشمس منفعل التعابير , وهزت العمة رأسها عندما أنصرفت عما كانت تطرزه.

كانت على ذراعي كارا علامات حمراء , أحدثتها بأظافرها , وفكرت العمة في أن بول يجب أن يعرض أخته على أخصائي أعصاب , ومرت كارا بجانب مقعد عمتها كالحصان الأسطوري (بيغاسوس) ذي الجناحين , في أتجاه السلم وهي تردد:
" ظهرا.... أنهما قادمان....".
وفتحت بسرعة بابا صغيرا يؤدي الى الطريق , وألتمعت عيناها وهي تجري نحو السيارة ذات اللون الكريمي التي وقفت أمام البيت ...وصاحت باليونانية:
" مرحبا بعودتك يا بول".

وتأملته دومني وهو يرفع أخته النحيلة بين ذراعيه , ثم وهما يتعانقان بفرح غريب , وأحتضنت الفتاة وجهه بين يديها السمراوين ,وهي تردد أسمه , بينما أنهمرت دموعها , وقالت:
"أفتقدتك كثيرا , كيف حالك يا أخي؟".
" أنا في أحسن حال أيتها الصغيرة".
ثم قل بعد أن أنزلها على قدميها:
"والآن يا سنجابتي , تعالي قابلي زوجتي , دومني".

وفتح باب السيارة , وخرجت دومني لتواجه لفحات الشمس الحارة , كانت ترتدي ثوبا سماوي اللون , وبدون أكمام , وكانت تبدو غاية في الرقة والجمال , حتى أن كارا لم تملك نفسها من التحدق فيها.
وقال بول بالأنكليزية :
" قبلي أختك الجديدة يا كارا".
وتقدمت الفتاة في أرتباك من دومني , وقالت وقد أحتقن وجهها خجلا من قبلة زوجة أخيها الناعمة على وجنتها السمراء:
" مرحبا بك في أنديلوس , وفي أسرتنا يا دومني".

ثم تراجعت لتقف بجانب بول , وأطلق ضحكة وهو يحيط خصرها الضئيل بذراعه , وسأل:
" كيف حال الجميع يا كارا؟ هل العمة صوفيولا بخير؟".
" أجل , ولكنها كانت قاسية جدا معي تقول أن حالتي العصبية سيئة وأنها ستطلب منك أن ترسلني الى أخصائي أعصاب ".
صاح:
" يا له من كلام فارغ , ماذا فعلت ؟".
" أحيانا أحك جلدي".
وحكت جلدها بالفعل وهي تتكلم ,وتركت أحتقانا على ذراعها الأيسر , وعبس بول في وجهها , وضربها على يدها , ثم أستدار وقال لدومني بجفاء:
" كارا ليست في الحقيقة قردة يا عزيزتي , ولكنها تقلدها".
منتديات ليلاس
وأطلقت كارا ضحكة صغيرة تدل على الخجل , ثم جذبت أحدى يدي أخيها , ورفعتها وقبلتها , وبحثت وجهه بعينيها السوداوين السريعتين , وقالت بسذاجة:
" أعتقد يا بول أنك سعيد لأنك تزوجت".

وأجابها على ذلك بأن قرص أرنبة أنفها مداعبا – وقال:
" ستجعلين دماء الخجل تتدفق الى وجه دومني بملاحظاتك , أنها أنكليزية , يجب أن تتذكري ذلك , ولم تتعود بعد على طريقتنا في الكلام".
"ولكنني سعيدة للغاية لأنك تزوجت يا بول".


اماريج 15-05-10 08:55 PM

ثم أستدارت وواجهت دومني بأبتسامتها الساذجة قائلة:
" كنت قد بدأت أعتقد أنه لن يتزوج أبدا , وليس في صالح الرجل أن ظل بلا زوجة , وأنا سعيدة الى حد الرغبة في الغناء , لأن أخي الوحيد العزيز أختار لنفسه مثل هذه الزوجة الجميلة".

وتأثرت دومني تأثرا شديدا , كانت قبل هذه الكلمات البريئة الصادقة الصادرة عن الفتاة , تحس بالتواضع , وبدأت تخشى أن تكتشف كارا , أن أخاها وزوجته لا يجمعهما الحب كما أعتقدت , وراقبت بول مع أخته الصغرى , ولمحت في عينيه بريق الرضى وثلاثتهم يقتربون من دخول البيت ,
وأقترحت كارا أن يقبل بول دومني عند أول درجة في السلم , حتى تدخل بركة حبهما الى البيت معهما وكانا قد جاءا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في هذا البيت اليوناني القديم فوق ميناء أنديلوس , بدعوة من عمته التي أتصلت به تلفونيا , وألحت على ذلك , ووقفت العمة في الصالة , ترحب بأبن أخيها وعروسه بتقديم العنب المسكر والماء المثلج كعادة اليونانيين وسألت كارا بلهفة أذا كانت تستطيع أن ترشد دومني الى غرفة نومها , فقالت العمة وهي تضع يدها على كم بول:
" أجل , أجل, أيتها الصغيرة القلقة , وتعال أنت يا أبن أخي , لنتحدث معا في الشرفة , عندي ما أريد قوله لك".

وقالت كارا مقطبة وهي تمسك بيد دومني :
" أراهن أن بعض هذا الحديث عني".
وصعدا معا السلم الى الطابق العلوي , وعبرا قاعة كبيرة , وقالت كارا ضاحكة:
" يئست العمة صوفيولا في جعلي سيدة مجتمع , لقد فصلوني من مدرستي في أثينا منذ بضعة شهور".
ورمقتها دومني بنظرة جانبية وقالت:
" أوه.... لماذا؟".
" لأنني عزفت على قيثارتي في مكان عام , مع أنه شيء لطيف ولكن مديرة المدرسة قالت أنها قحة وجموح ...وعندما جاء بول ليأخذني , حدثت بيني وبين المديرة مشادة مخيفة , أن بول يعرف أنني لا أقصد أن أكون متوحشة , لست متوحشة حقا".

قالت دومني :
" أنت في مرحلة أنتقال....".
" بالضبط.... أنني نصف طفلة... ونصف أمرأة , ومتمردة على الأثنتين , آه , لقد عرفت أنك ستقدرين وستفهمينني ".
منتديات ليلاس
وتلقت يد دومني ضغطة منها حين أستمرت الفتاة تقول:
"رأيت ذلك في عينيك للوهلة الأولى , هذه غرفتك وغرفة بول".
وحينما فتحت كارا باب الغرفة المزدوجة القديمة , شعرت دومني بغصة في حلقها ... كانت حقيبتها قد أحضرت مع حقيبة بول , وكانت الوصيفة قد أفرغت محتويات الحقيبتين , ووضعت قميص نومها بجانب بيجامة زوجها.
وأقتربت كارا من السرير الكبير وقفزت جالسة فوقه وقالت:
" أجل , سيشعر كلاكما بالراحة في هذا السرير".


اماريج 15-05-10 09:04 PM

ثم لمست قميص نوم دومني بأصابع خجلة , وسألت:
" ألا تشعرين في نسيج العنكبوت هذا بالبرد؟ آه , ولكن, كلا بالطبع".
وأطلقت ضحكة , وحدقت بمرح ساذج في دومني وقالت:
" ربما يكون من الرائع أن تكوني أمرأة , أم لا؟".

" هذا وضع له ضحكاته , وله أيضا دموعه ".
وألقت دومني الى كارا رزمة صغيرة أخرجتها من حقيبة يدها , فهمست كارا:
" والآن, ما هذه؟".
وفي أبتسامة لطيفة طلبت منها دومني أن تفتح الرزمة وأن ترى ما فيها ,وفعلت كارا ذلك بأصابع منفعلة , وحبست أنفاسها وهي ترفع غطاء العلبة المربعة , وتكشف عن علبة بودرة رقيقة , وأحمر شفاه , ونظرت كارا بوجهها الأسمر في مرآة العلبة , وقالت باليونانية:
" أتمنى لو كنت جميلة يا دومني لتناسبني هديتك , شكرا كثيرا".

وداعبت كارا العلبة بأصابعها , ثم عادت تقول:
" ما هو شعور المرأة عندما تكون جميلة , جميلة حقا , مثلك؟".
وتلاشت أبتسامة دومني وهي تنظر الى أخت بول مصدومة , فالحقيقة مرة , لم تكن تستطيع أن تجيب قائلة:
" لقد تعلمت أن الجمال فخ, أنني أكرهه لأنه جعلني ملكا لأخيك , ولأنني مجرد متاع له , فأنني مدفوعة الى أيذائه , لا أستطيع أن أكف عن أيذائه , لقد أصبحت قاسية وضئيلة , لأن لي هذا الوجه , وهذا الجسم ".

وقالت بجدية :
" الجمال في الأعماق".
" تعنين أنك يمكن ألا تكوني جميلة في أعماقك؟".

وكانت نظرة كارا نفاذة , هي الصغيرة في بعض تصرفاتها , كانت أكبر في البعض الآخر , ووقفت دومني عند طرف السرير مشدودة خشية أن تكون كارا شعرت بعدم حبها لبول.
وقالت كارا :
" كتب لي بول يقول أنك تشبهين لوحة( ميديتشي ) وأعتقدت أنه لا بد أن يكون مبالغا".
وسألت دومني متلعثمة :
" ما .... ماذا؟".

" لوحة (ميدشتي) , والآن أرى أنه لم يكن مبالغا , أن لك الملامح الرومانية النبيلة نفسها وأنا أتوقع أن يرغب (باري سوتيرن) في رسمك, أن باري يعيش في كوخ على الشاطىء وعمتي تدعوه النصاب , ولكنه في أي حال موهوب وهو أيضا أنكليزي , مثلك يا دومني".
منتديات ليلاس
وشحب وجه دومني , كان باري هنا.... هنا في اليونان , وكان يعيش في كوخ في جزيرة أنديلوس ! وترنحت ,وقفزت كارا من السرير ,وأقتربت بسرعة منها , ووضعت ذراعا حولها وهي تقول:
" ماذا بك؟ هل تشعرين بالغثيان؟".

وتماسكت دومني وقالت برجفة:
" من المحتمل أن يكون ذلك بسبب الحرارة , أنا... أنا لم أتعود بعد على شمسكم".
ونظرت كارا الى وجه دومني الشاحب بقلق وقالت:
" ستشعرين بتحسن عندما تشربين فنجان شاي , هل أحضر الشاي هنا , أم تفضلين اللحاق بالآخرين في الشرفة؟".
" دعينا نذهب الى الشرفة".

أحست دومني بالحاجة الى الهواء بعد الصدمة لمعرفتها أن بول- دون الناس أجمعين أحضرها الى المكان الموجود فيه باري , لقد كان ذلك قدرا , فكرت في ذلك وهي تتجه ناحية المرآة لتمشط شعرها , وحملقت في عينيها الواسعتين ,ورأت أنها خائفة , مثلما هي متلهفة لرؤية باري.


اماريج 15-05-10 09:22 PM

كانت خائفة من بول , الذي ذكرها في اليوم السابق فقط , أن الشرف ضمن ما أقسمت عليه عندما أصبحت زوجته.

وكانت تضع أحمر الشفاه الوردي على شفتيها , عندما دخل بول الغرفة , ويده في جيب البنطلون الخفيف الذي كان يرتديه مع قميص سبور في لون الرمل ,وسأل:
" ألا تريدان أيتها الفتاتان أية منعشات؟ الشاي يقدم الآن في الشرفة".
وقالت دومني:
" أنني أرتب ملابسي يا بول".
منتديات ليلاس
وتمنت ألا تخبره أخته بما أعتراها من ضعف منذ لحظة , وراقبته في المرآة عندما أنحنى فوق كارا , وأخذ وجهها بين يديه ...وسأل مبتسما:
" لماذا هذا التعبير الشارد يا صغيرتي ؟ أعتقدت أنك سررت لرؤية أخيك , كنت غاية في السخاء بقبلاتك عندما ألتقينا أمام باب البيت".

ونظرت كارا اليه , ورفعت يدها الى شعره ,والى الندبة , وكلمته باليونانية , وتأكدت دومني التي بدأت تفهم قليلا أن كارا تفكر شيئا عن أزمات الصداع التي تنتابه , ولم تفهم أجابته , ولكن نغمة صوته كانت رقيقة , وأضاف بالأنكليزية:
" حسنا يا كارا, ماذا كان رأيك في الهدية التي أرسلتها اليك من أثينا؟".

وأشرق وجه الفتاة ,وكانت دومني قد عرفت من بول أن أخته مولعة بالموسيقى الشعبية , وكانت تجمع الأغاني القديمة كما تجمع الفتيات الأخريات الدمى , وكانت تعزف على عدة آلات موسيقية , وقد عثر بول في أحد محلات بلاكا على آلة (ماندولين) جميلة , فأشتراها وأرسلها لكارا.
وقالت كارا بحماسة:
" أوتارها ذات رنين رائع , سأعزف عليها لك ولدومني بعد العشاء".

وأبتسم بول قائلا:
" سننتظر عزفك بلهفة , دومني نفسها موسيقية , أنها تعزف على البيانو ببراعة".
ولمعت عينا كارا كالماس الأسود وقالت:
" دومني تحب الموسيقى؟ أوه , الأقدار معي اليوم , دومني لطيفة مثلما هي جميلة , وهي أيضا تعزف على البيانو!".
وأحتضنت كارا أخاها وأستطردت قائلة:
" شكرا لك يا أخي الكبير على الماندولين , وعلى دومني".

وقال بول وهو ينظر الى دومني :
" أنا سعيد لأعجابك المزدوج!".
وأستدار ناحية زوجته وقال:
" هل أنت مستعدة يا عزيزتي؟".

وأومأت , وأبتسمت لكارا , فقد أدركت مدى تعلقها ببول , ومدى أشراقها ,وأعجبت بنظرات الطفولة الصريحة التي تلازمها , ووقفت دومني في الشرفة ,
وبدت لها ميناء أنديلوس أشبه بلوحة مزدهرة الألوان , وأخذ بول وكارا يلفتان نظرها الى مراكب الصيد بأشرعتها الملونة , والدير المبني من الحجر الأبيض ,
وقد تسلقت جدرانه النباتات الأرجوانية , والى الجزر القريبة المتناثرة كأنها كتل المرجان ,ونظرت دومني حولها في أهتمام وكانت الشمس تلمع فوق شعرها , وثوبها ينساب في نعومة , فبدت هشة بجانب زوجها القوي.

ولم تنتبه الى أنها كانت موضع تحديق الرجل الذي جلس على مقعد مجاور حيث جلست عمة بول , وكانت كارا هي التي لاحظت نظراته عندما أستدارت فجأة بطريقتها المعتادة ,وهتفت:
" أهلا , لم تكن لدي أدنى فكرة أنك ستأتي لتناول الشاي".
أجاب :
" أردت أن أشترك في الترحيب بعودة الغائب".

وتجمدت دومني في مكانها لدى سماع صوته , ثم ألتفتت في بطء , ووجدت نفسها وجها لوجه مع باري سوتيرن مرة أخرى! لم يكن قد تغير على الأطلاق ,
بأستثناء لمسات النضج المتزايد , وحملقت عيناه الشقراوان الناعستان في عينيها ,وتذكرت جيدا ذلك الفم الواسع الباسم , وتلك الخصلة المتهدلة من الشعر ألذهبي وتساءلت بقلق أذا كان سيعلن معرفته بها ,
ثم أكدت لها غريزتها أنه لن يفعل , وأحست بالأضطراب عندما نهض من مقعده , وقال لبول بأبتسامة ماكرة :
" أنت شديد الحظ .... أراهن أنك أذا سقطت في البحر , تخرج ومحارة في أذنك , محارة داخلها لؤلؤة !".

" أرى يا صديقي من النظرة اللامعة في عينيك الفنانة , أن (لؤلؤتي) تروق لك ".
وعندها قاد بول دومني الى المائدة في الشرفة ليقدم باري اليها , أحست بقبضة ذراعيه القوية حول خصرها.
وقالت دومني:
" كارا أخبرتني يا سيد سوتيرن أن أعمالك رائعة".

وأحست وهي تتعامل مع باري كغريب , أنها تلعب لعبة خطيرة , ورد هو:
" سأكون سعيدا بأن أريك بعض أعمالي ذات يوم يا دومني".

وأحست بقلبها يحذرها , حين رأت بول يرمق باري بواحدة من نظراته الحادة , ولكنها في الوقت نفسه أرادت أن تقول :
" لقد عرفت هذا الرجل قبل أن تقتحم أنت حياتي يا طاغيتي الوسيم بوقت طويل , لقد جاءني بالمرح ,وليس بالتهديد , وذهب عني لأنني كنت صغيرة عندما تقابلنا , ولأنه كان يريد أن يثبت أقدامه كرسام".
ولكنها قالت:
" سأتطلع الى رؤية بعض أعمالك يا سيد سوتيرن , ويخيل الي أن نوعية الضوء هنا في اليونان لا بد أن ترك تأثيرها الرائع على عمل الفنان و الألوان والخطوط لا شك أنها ذات رونق مضاعف".
منتديات ليلاس
قال وهو يضغط على حروف الأسم:
" هذا صحيح , بكل تأكيد يا سيدة ستيفانوس".
وأرتفعت عيناه الى وجهها الذي أحاط به شعرها العسلي فوجدهما جامدتين , باردتين , وتذكر جيدا مرحها في الماضي , وشعر بالأنزعاج وهو يتأملها تجلس على مقعد بجوار عمة بول , وتجيب على أسئلة العمة صوفيولا عن حفلة العرس , وشهر العسل , بينما كانت الأخيرة تصب الشاي ,وقدمت كارا الحلوى والفاكهة, ثم جلست على ذراع مقعد أخيها ,وهي تأكل حبة تين كبيرة.


اماريج 15-05-10 11:03 PM

وقال باري موجها كلامه لدومني :
" لا بد أنك زرت الأكروبوليس عندما كنت في أثينا؟".
" زرته نهارا ومساء وأعجبني".

وقال بول بأبتسامة جافة:
" دومني من النساء اللواتي يفضلن الأشياء المقنعة على السافرة , الأعمدة الأثرية أزعجتها في ضوء النهار".
وقال باري ناظرا الى دومني:
" غالبية النساء خياليات , وأنني أتساءل يا سيد ستيفانوي أذا كنت ستسمح لي برسم زوجتك....".

وأحتقن وجه دومني لكلام باري , ذلك أن العيون كلها أتجهت ناحيتها , حتى عيني بول غير المقرؤتين , خلف عدستي نظارة الشمس الرمادية ,وتمنت لو تقول :
" لا يا باري... لا تجعل الأمور أصعب مما هي عليه الآن".
وأبتسمت كارا في براءة لدومني , ثم نظرت الى بول وقالت:
" يا لها من فكرة رائعة .... يجب أن تدع باري يرسم دومني".
وأضافت :
" أوه , سيثير ذلك غيرة ( ألكسيس ) أنها تعتقد أنه لا توجد من تماثلها جاذبية".

وسأل بول:
" على فكرة أين ألكسيس؟".
وفهمت دومني من تعبير فمه أن طلب باري لم يعجبه , ووجد في السؤال عن زوجة أخيه ألكسيس منفذا لتغيير دفة الحديث.
وقالت كارا:
" ذهبت ألكسيس في نزهة بحرية مع ناس يستأجرون منزلا على مقربة منا , حيث سيقضون الصيف , أنهم أمريكيون أثرياء , ولذلك أندمجت معهم ألكسيس بطبيعة الحال".
وقالت عمتها بحدة:
" هذا يكفي, هذا شأن ألكسيس أذا كانت تفضل صحبة المتحضرين على الصيادين والمتجولين على الشاطىء".
وضحكت كارا وهي تنظر الى قدمي باري العاريتين , ألا من صندل على الطراز الروماني وقالت:
"أعتقد أن العمة صوفيولا تعنيك , يا باري , لأنك تسكن في كوخ على الشاطىء".
منتديات ليلاس
وبعدم أكتراث عقد ساقيه , ونظف بنطلونه من فتات الحلوى , وفهمت دومني من تقطيبة وجهه أنه يفكر في الأيام القديمة , ذات أمسية , في مركب على الشاطىء الأنكليزي , لمح بأنه يجب أن يرحل ورغم ذلك لم تشعر بالحزن ,
ذلك أنها كانت تحس أنهما لا بد سيلتقيان مرة أخرى , وأفاقت دومني من شرود أفكارها , لتجد أن كارا جلست منكمشة بين ذراعي بول مثل قطة صغيرة , وهزت العمة رأسها وهي تتأمل الأثنين ,وقالت:
" أنك تفسدها يا بول , كارا بلغت السابعة عشرة ,ويجب أن تبدأ في تعلم الأتزان , أنك تعاملها كقطة , وليس كل الرجال يحبون أن تتخذهم زوجاتهم مقاعد مريحة".
وجرت الضحكات أشبه بالريح على فم بول , وربت على شعر أخته الداكن , كان معقوصا بطريقة غريبة , كما كانت قد عبثت فيه بالمقص.
وأبتسم بول قائلا:
" آه , حسن , أن أحدنا لم ير الآخر منذ حوالي ثلاثة شهور , وأنا مدين لها ببعض التدليل".
وأغمض كارا عينيها الداكنتين , وبدت كقطة فعلا وهي تمسح وجنتيها في صدر أخيها , أما دومني فجعلها صوته الحاني تتذكر الليلة في الفيللا عندما بدأ شهر العسل ... ذلك الصوت العميق الدافىء , نقلها الى الجنة , وكم آلمها , ولا يزال يؤلمها , أكتشافها أن بول خدعها.
وأبتسمت كارا لدومني وقالت:
" كم يبدو غريبا أن أفكر الآن في بول كزوج , وأرجو ألا يضايقك أنني أستعمل زوجك كمقعد مريح".

وقالت دومني بأستخفاف:
"أهلا وسهلا بك".
ولكن لم يخف عليها أن بول قطب جبينه , ولا النظرة التي ألقاها باري على ساعة معصمه , كما لو أنه لاحظ شيئا في سلوكها أرتسم صداه في عينيه , فأسرع يخفيهما حتى يسيطر على نفسه من جديد , وتلاحقت نبضاتها وقد أحست بالخطر يحدق بالأجواء.


اماريج 15-05-10 11:05 PM

ونهض باري واقفا , وأنحنى أمام عمة بول قائلا:
" شكرا يا سيدة ستيفانوس على الشاي".
ثم نظر الى دومني وقال:
" أتمنى أن تستمتعي بالحياة في الجزيرة , ولعلك أنت وكارا تشرفانني في يوم من الأيام".
وقالت دومني لتسكته:
" سأفكر في ذلك".
منتديات ليلاس
وأنتقل باري ببصره الى بول وقال:
" وستفكر يا سيد ستيفانوس في السماح لي برسم زوجتك؟".
وأحست دومني في سؤال باري بالتحدي , وأنتظرت بقلب خافق رد بول الذي قال:
" أجل سترم زوجتي يا سيد سوتيرن ,ولكن ليس الآن , وأعتقد أنه لن يضيرك أن تنتظر بضعة شهور".

وأطلق باري ضحكة قائلا:
" سآخذها على أنني يجب أن أنتظر! من حسن الحظ أنني أستأجرت الكوخ لمدة سنة".
رد بول في بطء:
" لن أدع أيا منكما ينتظر عاما....".
وفي تلك اللحظة سمعت دومني عمته بجانبها تحبس أنفاسها عندما وخزتها أبرة التطريز في أصبعها , وقالت وهي تلتقي بنظرة دومني الجانبية:
" يا لي من حمقاء , حمقاء للغاية في كبر سني , لقد تركت على الدانتيلا بقعة دم".

وعلقت دومني وهي تتابع باري بعينيها:
" يا للخسارة".
وأتجه باري نحو السلم , طويلا , فارعا , وأشعة الشمس فوق شعره الذهبي , حتى ذلك الحين كانت دومني لا تكاد تصدق أن باري عاد الى حياتها , ولكن كغريب.
ونادت كارا خلفه:
" لا تنسى حفلتنا مساء الغد للترحيب بدومني وبول , ستأتي , أليس كذلك؟".
وأبتسم لها قائلا:
" ما من شيء يمكن أن يحول بيني وبين المجيء , وداعا جميعا ... وحتى مساء الغد".

وساد صمت ثقيل بعد رحيله , ثم قامت كارا وسألت دومني أذا كانت تحب أن ترى ثوبها الذي سترتديه في حفلة الغد ,ورحبت دومني بالفرصة للفرار ,ولكن عندما مرت أمام مقعد زوجها , أمسك بيدها وتأملها لحظة , وأحست بقلبها يخفق بين ضلوعها وهو يتفحص وجهها من خلف العدستين الرماديتين اللتين كان يبدو بهما غامضا , جامدا ,وقال بهدوء مثير:
" يبدو أنك وجدت باري سوتيرن شخصا مسليا".
" أعتقد ذلك لأنه أنكليزي".
منتديات ليلاس
وأحست بضغوط أصابع بول ,وأنسحبت الأبتسامة من على شفتيه وهو يسألها:
" أما زلت تشعرين أنك غريبة معي؟".
وعضت شفتها , وأحست بكارا وعمته ينظران نحوهما ,وحينئذ أدار بول يدها ببطء , ورفعها , وقبلها , وتلقت دومني القبلة بدون أية حرارة في قلبها , مدركة أنها مجرد أعلان عن ملكيته , عن نزوته.

...........نهاية الفصل السابع............


اماريج 15-05-10 11:12 PM

8-نمر رابض في داخله
...............................
اطلقت دومني صيحة أمتزجت فيها الدهشة بالطرب, أذ كان مخدع كارا أشبه بمحل لآلآت الموسيقى الغريبة , وعبست كارا لرد فعل دومني , ثم ألتقطت آلة الماندولين التي أهداها لها أخوها , وداعبتها بيدها النحيلة , وهي ترمق دومني بعينين داكنتين كعيون الغجر.

وألتقطت دومني صورة عن المكتب لسمراء جميلة , كانت ترتدي ثوب زفاف , شعرها كان مصففا بطريقة غريبة , وأقتربت منها كارا ونظرت من وراء كتفيها وقالت:
" أنها صورة أم بول , بول يشبهها , ألا تعتقدين ذلك؟ وهذا هو والدنا في الأطار المجاور ,مسكين أبي , لم يكن سعيدا مع أمي , أنني لا أتذكرها جيدا , ولكن العمة صوفيولا تقول دائما أنها كانت النزوة الحمقاء لرجل في منتصف العمر".

وداعبت كارا أوتار آلتها , وأستطردت قائلة وهي تضحك:
" وأنا ثمرة ذلك الزواج.... الثمرة الشاذة!".
وأغتاظت دومني , ذلك أنها أحبت في الفتاة براءتها ... وسألت :
" من زعم أنك شاذة؟".
قالت كارا:
"أوه , ألكسيس , وأحيانا عمتي , أنهما لا تفهمانني , وتعتقدان أنه من الغرابة أن أعشق الموسيقى الشعبية الى هذا الحد ".

وسألت دومني وهي لا تشعر بالأرتياح نحو ألكسيس:
" ألكسيس كانت متزوجة من أخيك الآخر يا كارا , أليس كذلك؟".
وردت كارا بوجه معكر:
" أجل , كانت زوجة لوكاس , لقد مات منذ ثمانية عشر شهرا , في البحر مثل أبي.... البحر قاس علينا , رغم أنه مصدر رزقنا".
وقالت دومني برقة:
" أنني آسفة على موت أخيك يا كارا".
منتديات ليلاس
ولمعت الدموع في عيني الفتاة , فحولت دومني أنتباهها ناحية صورة أخرى حتى لا تزيد من آلامها , وطالعتها صورة الوجه الأسمر من خلال أطار آخر , صورة بول عندما كان في مثل عمر كارا تقريبا , ولكنه كان بول غيره الآن , بملابسه الغريبة من جلد الماعز , وقبعته الصوفية فوق وجهه الرفيع.

وقالت كارا بفخر:
" كان بول في السادسة عشرة من عمره تقريبا عندما حارب مع المقاومة ,كان مقاتلا فدائيا ,وقد أصيب أصابة بالغة بقنبلة يدوية أثناء معركة أثينا , وكاد يموت , وكان ذلك سبب حدوث الندبة".
ولمست كارا بأصبعها وجهه الخالي من الندبة في الصورة , وعادت تقول:
" الندبة لا تهم ... ما زال بول أوسم الرجال في الجزيرة , ولسوف ترزقان بأبناء رائعين".


اماريج 15-05-10 11:14 PM

وأمسكت كارا عن الكلام حينما أعادت دومني الصورة الى مكانها على المكتب بسرعة تسببت في وقوعها , وأطلقت دومني ضحكة صغيرة مقتضبة , وقالت:
"تزوجت أنا وأخوك منذ بضعة أسابيع فقط يا كارا, ولم نفكر بعد في تكوين أسرة".

قالت كارا بحرارة:
" لكن الأطفال فرحة كبيرة , أنهم أرق جانب في الزواج , أو هكذا يبدو لي".
" أنا , أنا لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع , أذا لم يكن في ذلك ما يضايقك يا كارا".

وبدت دومني مرتبكة , مرتجفة ,وهي تتصفح كتابا عن أغاني البحر ولكن كارا أغتاظت بعض الشيء ,وبألحاح طفولي عادت تطرق الموضوع , وقالت:
" ألا تتمنين أن تمنحي بول طفلا ؟ أن فخر كل أمرأة يونانية هو أن تعطي رجلها ولدا , هل الأنكليزيات مختلفات ؟ هل هن باردات .... مثل جمالهن؟".

وأجابت دومني في صوت خافت:
" أننا .... ليس من عادتنا أن نتناقش في أمورنا الخاصة".
وكانت دومني بعيدة كل البعد عن النفور من الأطفال , ولكن الطفل في رأيها كان يجب أن يولد عن حب , ولم يكن حبا ما يستشعره بول عندما كان يأخذها بين ذراعيه , وداعبت كارا أحد أوتار الماندولين , وأختلست نظرة نحو وجه دومني وهي تتظاهر بتصفح الكتاب الذي كان بيدها , وسألتها:
" هل نبدو نحن.... والجزيرة .... غرباء عليك؟".
قالت دومني :
" أنديلوس عالم آخر بالنسبة الي , أحس بأجوائها الأسطورية , لكنني أدرك عدم أنتمائي اليها في الوقت نفسه".
أعترضت كارا قائلة:
" ولكنك بالطبع تنتمين ... أنت زوجة بول.... وهذا يجعلك واحدة منا , لا شك أن عاداتنا ستبدو غريبة في البداية , ولكنك في وقت قصير للغاية , ستشعرين وستتصرفين كزوجة يوناني , وستجدين متعة في ذلك".

وأضافت كارا ضاحكة:
" بول شديد السيطرة بالطبع , وأنت أنكليزية ومن الطبيعي أن يحدث صراع , ولكن كما نقول في اليونان , لا يوجد زواج خالي من الصراع , ثم من المصالحة".
سألت دومني في هدوء:
" هل نبدو حقا يا كارا متصارعين؟".
منتديات ليلاس
قالت كارا مؤيدة :
" أستطيع أن أقول أنه توجد بعض الخلافات بينكما , ولكن بداية الزواج هي مرحلة وضع الأمور في نصابها , والسعادة تكتسب ولا تقدم لنا فوق طبق".
وأبتسمت دومني متسائلة:
" هل كل اليونانيين فلاسفة؟".
وألتفتت كارا قائلة:
" بالطبع, كان اليونانيون متحضرين , عندما كان غيرهم متخلفين .... تعرفين ذلك طبعا".

وأحنت الفتاة رأسها فوق آلتها , وأرتفع أنغام موسيقية يونانية قديمة , وأستمتعت اليها دومني وهي تفكر في بول و, والنمر الذي يربض في أعماقه .
النمر , النمر , يهدر في الظلام , بعينين ذهبيتين تتأججان بالرغبة التي تحركها هي في أعماقه وتكرهها , ووقفت وعيناها فوق صورته في شبابه , وقالت حينما توقفت كارا عن العزف:
" أنت تجيدين العزف يا كارا".


اماريج 15-05-10 11:18 PM

وتحست كارا الماندولين بأصابع يسري فيها الحب , وقالت:
" هذه الآلة تجعل أي نغم جميلا , أن بول يحضر لي دائما الهدايا التي أحبها , ذات مرة , عند عودته من أحدى رحلاته , أحضر لي معه شجرة ورد حقيقية , وقد علقت بأغصانها العصافير ... ولكن ذلك عندما كنت صغيرة".

وذهبت دومني الى غرفتها ترافقها موسيقى المندولين , وفتحت الباب وفوجئت عندما رأت بول واقفا في الشرفة , أما هو فأستدار عندما سمع وقع خطواتها وسألها مبتسما :
" هل أعجبك هذا البيت القديم؟".

ووصلت الى منتصف الغرفة , ولاحظ البريق القاسي في عينيها , كأنها دموع متجمدة ترقد فيهما , وسمعها تقول:
" البيت ساحر , لكنه مليء بأقاربك الذين سيتكهنون ولا شك كيف تسير الأمور بيننا , هل تعرف أن كارا حدثتني عن ذلك؟".
قال ببطء وهو ينفص دخان سيكاره المتصاعد في حلقات أمام عينيه الذهبيتين :
" لا أستطيع أن أبدأ بالتكهن ".
" كانت تتحدث عن الأطفال ... أطفالنا...".
وتصلبت عيناه وهما تتفرسان وجهها الذي ينطق بالتأنيب , وقال:
" أنا آسف لأن كارا ضايقتك ,ولكنها طفلة , ولذلك فهي تقول ما في قلبها , يجب ألا تأخذي كلامها على محمل الجد ".

" هل يمكن أن تقترح أن أطبق نصيحتك على بقية الموقف؟ هذا الأدعاء بأننا عروسان سعيدان ,ولا وجود للحب في أفق حياتنا".
" اليونانيون لا يفصحون عن مشاعرهم علانية , وسيكدر أقاربي أكثر مما يسعدهم , أذا أظهرت عواطفك نحوي علانية , أذا كنت تحملين لي أية عواطف!".
" مما يريحني أن أعرف أنني لست مضطرة الى تمثيل دور العروس السعيدة".
وأطلقت دومني ضحكة صغيرة , وأستطردت قائلة:
" أنا لا أجيد التظاهر ولا الأدعاء , حتى عندما كنت طفلة لو أخبرني أحد بوجود مارد في الغابة .... لصدقته".

وترك سيكاره ببطء , وأبتسم من خلال الدخان قائلا:
" وماذا عن ذلك الحيوان الذي يشبه الحصان وله قرن ثور يا دومني ؟ هل تذكرين ذلك التمثال الصغير الذي أشتريته لي بكل ما معك من نقود .... وأمسكته بيدك كطفلة وأنت تهرعين الي؟".
قالت دومني ببرود:
" أوه.... كنت بالفعل طفلة ... مجنونة صغيرة غنت عدة ساعات مثل ... مثل طائر أعمى".
منتديات ليلاس
وذابت الأبتسامة على شفتيه ,وقال:
" تعلمت يا دومني كيف تكونين قاسية".
وقالت وهي تسحب من أحد الأدراج بعض ملابسها الداخلية , وتخرج من الدولاب ثوبا طويلا:
" لدي أفضل مدرس .... أنت يا بول
وذهبت الى الحمام .
وحينما كانت تغلق الباب , شعرت بالزهو لأنها آلمته , ذلك الحيوان الخيالي! كان موضوعا على مكتبه في تلك الغرفة في بيته , وكأن بول كان يختزن أحساسا بالسعادة لما يرمز اليه هذا الحيوان من أذعانها .... أذعانها الكامل له.... ولكن ذلك لن يحدث أبدا مرة أخرى .... كانت تعني ما قالته له في الفيللا أنه يستطيع بكل ترحيب أن يستمتع بما أشتراه , ولكن قلبها سيظل ملكها.


اماريج 15-05-10 11:37 PM

ولمحت صورتها في المرآة وهي خارجة من تحت الماء , كانت عيناها عيني أنسانة غريبة , وتأملت نفسها وقد لفت حولها منشفة , أين ذهبت دومني دان الطفلة التي كانت تبحث عن الأشباح في الغابة ,
وكانت تحلم في السابعة عشرة بشاب طويل ذي عينين مرحتين ,وشعر أصفر , وأغلقت دومني عينيها لتتحاشى رؤية الفتاة التي في المرآة , الفتاة التي يملكها رجل لا تحبه!
منتديات ليلاس
ولم تلبث دومني أن أكتشفت أن اليونانيين يفضلون تناةل الطعام في الهواء الطلق , تحت أشعة الشمس , أو على ضوء النجوم , وأن وجباتهم المسائية تبدأ في ساعة متأخرة ,وأنهم يبطئون فيها , ويتحدثون عن أشياء كثيرة , وغالبا ما ينتصف الليل قبل أن يأووا الى فراشهم ,
وكانت النجوم تلمع في المساء عندما خرجت دومني مع بول الى الحديقة حيث مدت المائدة المشعشعة , كانت ترتدي ثوب دانتيل بلون المشمش , وأحاط شعرها الأشقر بوجهها في تصفيفة رائعة ,وبدا بول في بدلة السهرة الداكنة أكثر طولا بجانبها , وقد جذب ببدلته الداكنة , وسلوكه الغامض الأنتباه ,
وجعل من دومني هدفا لعيني شابة كانت تقف ممسكة بكأس بجانب نافورة مضاءة , كانت ترتدي ثوبا خوخي اللون وأنعكست عليها أضواء النافورة ,
فأظهرت وجنتيها الشامختين , وعمق عينيها الغامضتين , وغزارة شعرها الأسود حول عنقها , وبخطوات المرأة الواثقة بجاذبيتها المفرطة , تقدمت من بول ودومني فأدركت دومني في الحال أن تلك المرأة هي ألكسيس ,
أرملة لوكاس الذي مات غرقا , وتفحصت ألكسيس دومني بنظرات فاترة وهي تسألها أذا كانت أنديلوس أعجبتها , كانت لغتها الأنكليزية سليمة جدا , وكانت لهجتها غاية في النعومة ,وقالت:
" أتمنى ألا تجدي نفسك معزولة تماما عن كل ما هو متحضر في ذلك البيت الذي يملكه بول".

وأستدار بول الى المائدة يسكب كأسين ,ولم تكن عمته وأخته قد ظهرتا بعد , وردت دومني بعد أن شكرت بول وهي تأخذ منه كأسها:
"أعتدت الحياة في بيت ريفي".

ولم تكن دومني تتوقع أن تحب ألكسيس كثيرا , أذ أحست أنها ستجدها من ذلك النوع الذي يعيش لنفسه فحسب , كان ذلك واضحا عليها كعطرها العنبري النفاذ , الذي كان منتشرا حولها وملحوظا في حركاتها الشبيهة بحركات القطة الفارسية الميالة الى الرفاهية , وأطلقت ألكسيس ضحكة عالية ,وقالت:
" ذلك البيت ! ألم أقل لك من قبل يا بول أنه أشبه بالصومعة؟".

ورشف بول رشفة من كأسه , وقال وهو يواجه عينيها:
" قلت ذلك , ولكنه بني كذلك حتى يمكن أن يجد فيه الرجل مهربا من المدنية المزعومة".
" ولكن دومني أمرأة ... وواحدة في مثل حلاوتها لا بد أن تشعر بالملل مع مرور الوقت وهي منفية في صومعتك المنعزلة , أعرف أنني شخصيا كنت سأشعر بذلك".

قال بول مبتسما:
" أنت مخلوقة قلقة من بنات المدينة يا ألكسيس ,ودومني فتاة ريفية , وأرجو أن تجد متعة في همسات البحر وأشجار الصنوبر ,والسير في الغابات نهارا".
" صحيح؟".
وأحست دومني بشعور عدائي نحو تلك الفتاة لم يسبق لها أن أحست به نحو غيرها , أذ كان واضحا أن ألكسيس لم تكن تعني بأن يكون بيت بول غير ملائم لزوجت لكنها كانت قطة جميلة تنهش في كل شيء , لتستمتع فقط بأستعمال مخالبها , فردت دومني:
" أنني أحب الغابات لأنها تذكرني بوطني".

وقالت ألكسيس بأبتسامة لدومني :
" لا تدعي ساحرة الغابة تجذبك بعيدا يا عزيزتي .... فقد تضيعين....".
وقال بول بجفاء:
" عرفت هذه الغابات منذ كنت صبيا ... وأذا ضلت دومني طريقها , فسأجدها حالا , وسأعود بها الى البيت".
ومنحته ألكسيس أبتسامة ناعسة من خلال أهدابها وهي تقول :
" يا لك من شخص محب للسيطرة , يا بول".
منتديات ليلاس
ثم نظرت الى دومني وقالت:
" أليس مرعبا لأنكليزية أن تتزوج واحدا من يونانيينا المستبدين؟".
وأحست دومني بالتوتر وبقيت بجانب بول , وشعرت بالأرتياح عندما حولت ألكسيس أهتمامها الى وصول مضيفتهم ,وأثنين من الخدم يحملان صواني الطعام , وظرت كارا لاهثة الأنفاس في ثوب أخضر , ومعها آلة الماندولين التي وضعتها بعناية على مقعد تحت أحدى الأشجار.
وقالت ألكسيس وهي تتشدق بالكلمات:
" هل سنستمع الى الموسيقى أثناء تناولنا الطعام؟".

ورمقتها كارا بنظرة غجرية متحفزة , وقالت:
" دومني ترغب في سماع الموسيقى اليونانية , هل عندك مانع؟".
وحولت ألكسيس عينيها نحو الفتاة وقالت:
" ومن أكون في هذا البيت حتى أمنع شيئا؟".

ثم حملقت فيها وهتفت:
" أحمر شفاه يا كارا؟ هل وضعته من أجل نيكوس؟ آه... ها هو قادم ... نيكي, أبنة خالك الصغيرة وضعت أحمر شفاه تكريما لك!".

اماريج 15-05-10 11:39 PM

وكان نيكوس شابا وسيما لطيفا , وفي طريقه الى بول , شد شعر كارا بدون رقة , وأحست دومني بمدى زهو أمه الأرملة به , كما أحست أيضا أن الصغيرة كارا متعلقة به وأن لم تكن تشعر بذلك تماما ,
ذلك أن وجهها أحتقن بشدة لملاحظة ألكسيس , ومسحت أحمر الشفاه في سرعة بمنديلها وجلس نيكوس بجانب دومني على المائدة , وساعدها حديثه الودي على الأسترخاء والأستمتاع بأطباق الطعام اليونانية ,
وأنطلق نيكوس بأبتسامته المرحة يشيع جوا من البهجة أثناء تناول الطعام , فكان يقدم النخب في صحة العروسين وهو يردد قولا مأثورا : الزيت من الكريم , والخل من البخيل والنخب من الأبله ! وبأختلاس نظرة نحو بول , تبينت دومني أن نيكوس يشبه صورته في شبابه وهو بملابس المقاتل الفدائي , وأحست أنه منذ ذلك الحين , تدخل الشيطان ,
وأحال الشاب المثالي الى رجل قاس , وتساءلت أذا كان أحد الموجودين حول المائدة يشك في ذلك , أم أنهم كانوا يعرفون ويتقبلون الأمر بأعتباره طبيعة الرجل اليوناني الناضج؟
منتديات ليلاس
وقال نيكوس:
"لا بد أن أنديلوس تبدو غريبة بعد أنكلترا , وأنك تشعرين حتما أنك بعيدة جدا عن وطنك!!".
وردت دومني :
" أجل أنكلترا تبدو بعيدة جدا ".
وغمز نيكوس لعينه عبر المائدة لكارا وقال:
" أذن يجب أن نبذل أنا وكارا قصارى جهدنا لنعاونك على الأحساس بأنك في وطنك.......".
وأبتسمت دومني للشاب الذي ضحك بصوت مرتفع وقال:
" بول... يجب أن تحافظ جيدا على أقحوانتك البيضاء هذه, وألا سرقتها منك , هل يوجد لها مثيلات كثيرات في أنكلترا؟".

أبتسم بول قائلا:
" تستطيع أن تذهب الى هناك في مهمة ,وحينئذ سترى بنفسك , لكنني لا أظن أنك ستجد أخرى مثل دومني تماما".
وضرب نيكوس بيده على المائدة وهو مزهوا , فأنبته أمه على تصرفه الذي أهتزت له الأطباق وأدوات المائدة , وقالت:
" أذا تصرفت كصبي , فسيعتقد بول أنك غير لائق بعد لمركز هام في العمل".

قال بول بتؤدة:
" نيكوس في حالة معنوية طيبة صوفيولا , وأنا أستمتع بسماع الخيالات التي يمتلىء بها الشباب".
وأهتزت أهداب ألكسيس الطويلة فوق وجنتيها بينما كانت النظرة التي رمقت بها بول اخفي ضحكا غامضا وهي تقول:
" أنك لم تصل بعد الى الشيخوخة يا بول , أن لك خيالاتك أيضا...".

وتقلصت أصابع دومني حول كأسها , ذلك أنها أحست أن ألكسيس بما لها من حاسة القطة , تبينت أن بول تزوجها عن جموح خيالي وليس عن عاطفة , بول... شقيق الزوج... الغني... الجذاب....الذي لا بد أن تكون ألكسيس نفسها قد حركت خياله.
وقالت كارا حالمة:
" أنا أحب كل تلك الحكايات الخيالية والخرافية , أن بيت بول يبدو لي دائما ذا طابع أسطوري وهو يقع شامخا فوق صخرة النسر المطلة على البحر".
وقال نيكوس مازحا في مودة:
" وهل تتصورين دومني الأميرة الأسيرة؟".

وأتكأت كارا على المائدة , وأسندت ذقنها الى يدها , وأبتسمت قائلة:
" بل أن دومني تشبه البجعة المسحورة التي خلعت رداءها لتستحم كفتاة , والتي أضطرت لأن تتزوج الرجل الذي سرق رداءها البجعي ".
ورمقت العمة صوفيولا أبنة أخيها بنظرة حادة وصاحت:
"عم تتكلمين أيتها الطفلة؟ هل ترى يا بول؟ أنها تعيش في عالم وهمي ".
وأفرغ بول ما في كأسه وقال:
" كارا في السادسة عشرة ...طفلة".

ولكن دومني لمحت بريق الغضب في عينيه , كانت أخته غير الشقيقة الوحيدة التي تملك كل عواطفه , وتساءلت دومني أذا كان يحب أن تعيش معهما , كان من الواضح أن كارا ليست سعيدة في حضانة عمتها ,
ذلك أن نيكوس كان يظهر لها من الأهتمام المختفي وراء مزاحه معها أكثر مما أمه تحب , بالأضافة الى وجود ألكسيس , التي لم يكن مزاحها في رقة مزاج الشاب أو براءته.
منتديات ليلاس
وقررت دومني أن تقترح على بول دعوة كارا لقضاء بعض الوقت معهما , وأقامتها كان يمكن أن تمتد لتصبح دائمة , أذا وجدتها أقامة سعيدة ,وكانت دومني متأكدة من ذلك , أذ كانت كارا متدفقة الحيوية ,وموسيقية , وكان بيت بول بحاجة الى قفزات الشباب في أرجائه , والى ضحكات تعيد النبض اليه , ذلك النبض الذي خلا منه خلال السنوات القليلة الفائتة.

وأفاقت دومني من شرودها عند ذلك الحد , لتجد ألكسيس تحملق فيها وأبتسامة صغيرة على شفتيها , ثم تحول بصرها ناحية بول ,ولمحتها دومني تزم فمها الأحمر وهي تقيس بعينيها عرض كتفيه , ثم ترتفع بهما الى الشفتين المطبوعتين بالتصميم , وبالحدة , وبالرغبة.

وعندما نهض الجميع من حول المائدة , لتناول القهوة على المقاعد الموضوعة تحت الأشجار , أحست دومني بأن ألكسيس تراقبها وبول يحيط كتفيها بوشاح من الدانتيل , وينزع من شعرها حشرة صغيرة أستقرت فيه ورغم أنها كانت لمسة خفيفة , لكنها كانت تنطق بالتملك ليشهدها الجميع....
تملكها من شعرها الأشقر , حتى قدميها الصغيرتين في الحذاء الفضي.... هي الأنكليزية الباردة الرقيقة....
كانت ملكا للزوج اليوناني المستبد.وتوترت ألكسيس أذا رأت بول يوجه دومني الى المقاعد الأكثر أنعزالا.

.......نهاية الفصل الثامن.......


الروح الهائمه 17-05-10 06:11 AM

سلااام وييينك تاخرتي متحمسه للبقيه

اماريج 19-05-10 12:53 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الروح الهائمه (المشاركة 2309879)
سلااام وييينك تاخرتي متحمسه للبقيه

الروح الهائمة
شكرا لمرورك ومتابعتك للرواية
نوررررتي حبيبتي تحيااااااتي لك ياعسل

اماريج 19-05-10 12:54 AM

9-شال الياسمين
.......................

سبق لدومني أن أستمعت الى الموسيقى اليونانية القديمة في أثينا , لكنها تبينت أنها لم تكن شيئا يذكر بالمقارنة مع سحر الأنغام التي عزفتها كارا – وكانت كارا تغني بنعومة تارة باليونانية , وأخرى بالأنكليزية , وسرت رجفة في أعماق دومني مع نهاية كلمات الأغنية الحزينة.

" لا أستطيع أن أموت ألا أذا كنت بجانبي أيها الوجه الروحاني , أيها الملاك , مع آخر أنفاسي قبلني حتى الموت".
وأحاط بول كتفي دومني بذراعه في قوة وسألها:
" هل تشعرين بالبرد؟".

فهمست وهي تشعر كأن أصبع القدر تسللت خلال ظلمة الليل فتسرع من خفقان قلبها تحت يد بول:
" كلا, أنها الموسيقى , وتلك الأغنية الصغيرة الحزينة".
وقفزت ألكسيس واقفة على قدميها وقطعت روعة الغناء قائلة وبريق غريب في عينيها:
" دعونا جميعا نذهب الى ملهى ( القناع الفينيسي) لنرقص.... سيكون ذلك أكثر بهجة من الجلوس هنا والأستماع الى موسيقى كارا الحزينة , لا بد أن آل فانهورن هناك وربما يكون باري سوتيرن أنضم اليهم , أنه يحب الرقص".

وقال نيكوس بتكاسل وهو يمد ساقيه الطويلتين فوق سور الحديقة:
" أنت نشطة أكثر من اللازم يا ألكسيس , ولكنني أحب الموسيقى التي تعزفها كارا".
عادت ألكسيس تقول بنفاذ صبر:
" آه , هيا بنا , سيكون لدينا متسع من الوقت للجلوس وسماع الموسيقى عندما تكبر , الآن أفضل الرقص , وفرقة الموسيقى في الملهى جيدة للغاية".
وقالت دومني وقد خفق قلبها لدى سماعها من ألكسيس أن باري ربما يكون قد ذهب الملهى :
" أنا أفضل الذهاب...".
وقال بول مرغما:
" حسنا سنذهب أذا لم تكوني متعبة".

وبمرح أنفلتت دومني من بين ذراعيه وهي تقول:
" وهل يمكن أن يصاب الأنسان بالتعب في اليونان؟".
ثم ذهبت مع الفتاتين لأعادة تنظيم شعرها , ولأحضار وشاح , بينما رفضت العمة صوفيولا الأنضمام الى المجموعة , معلنة أنها تخطت عمر الذهاب الى الرقص ,وضحك نيكوس قائلا:
" نراك في الصباح!".
منتديات ليلاس
ثم أنحنى وقبل وجنتها , فأمسكت بكتفيه لحظ ,ونظرت اليه بشغف , ثم تركته يذهب , دافعا بأبنة خاله داخل سيارة ذات سقف منخفض , وكانت ألكسيس على وشك الدخول في سيارة بول ,لكن نيكوس أمسكها من خصرها , وقال مازحا:
" ستركبين معنا , ما زال بول ودومني في مرحلة الرغبة في الأنفراد".
قالت ألكسيس متجمدة وهي تشير الى سيارته:
" سنتحطم في هذه الحشرة".


اماريج 19-05-10 12:58 AM

ودفعها نيكوس وهو يقول:
" تفضلي يا سيدتي ".
وأستدار ليلقي بأبتسامة الى بول قائلا:
" سنسير أمامك يا أبن الخال , النجوم منخفضة الليلة حتى , يمكنك تقبيلها".
وقالت دومني وبول يوجه السيارة في أتجاه الميناء:
" أنها جميلة , هذه النجوم , لم أكن أعرف أن النجوم يمكن أن تظهر ضخمة هكذا , أستطيع أن أخطف واحدة لنفسي".
وسأل بول:
" هل تعتقدين أنك ستحبين الحياة في الجزيرة؟".

وأستنشقت دومني عبير الأزهار النامية فوق الهضاب , ولم تستطع أن تنكر تجاوبها مع سحر أنديلوس الأسطوري , وقالت مبتسمة:
" أجل يا بول , الجزيرة ساحرة , مكان مناسب للنسور والأفاعي".
وقالت وأصابعها تداعب حقيبة يدها :
" فكرت يا بول أنه سيكون لطيفا أذا أقامت كارا معنا فترة , أنا على ثقة بأنها ستسر بذلك , أنها متعلقة بك للغاية , ثم أنني أجدها شخصية ممتعة".

ولم يرد لمدة دقائق ,ثم قال:
" أعرف أنك تحبين كارا , ولكنني أعتقد أن دافعك هو خوفك أن تكوني وحدك معي".
قالت وهي تشعر بنظراته مصوبة نحوها:
" أنك لم تفكر في أن تجعلني أسيرتك".

وكانت تجلس بجانبه تماما , ووشاحها حول كتفيها , وقد تدلى من أذنيها القرط ذو القلب اللؤلؤي الذي أهداه لها ,وقال بول برقة:
" هل من الضروري أن تتحدثي بهذه الطريقة المأساوية يا حبيبتي؟".
وأحتقن وجهها غضبا وهي تقول:
" لك أن تتظاهر أمام الآخرين بأنك الروح المغرم يا بول , ولكن لا تفعل ذلك عندما نكون بمفردنا , دعنا على الأقل نكون صادقين في أن وجهي وجسمي هما كل ما تريد , أما الأنسانة داخل هذا الجسم فلا تهمك أبدا , أنني أشك أنك تعرف شيئا عن تلك الأنسانة , ما أذا كانت عندما تزوجتك تهتم بآخر أم لا, أنك لم تفكر أبدا في أن تسأل , هل فكرت يا بول , شيء لا يهمك مادمت قد حصلت على ما تريد".

وأقتربت السيارة من الميناء , وعلى بعد حوالي نصف ميل كان يقف يخت تنبعث منه أصوات الموسيقى والضحكات , وبهدوء سأل بول:
" هل كنت مهتمة بشخص آخر؟".

وتفحصت دومني جانب وجهه , كان في كمال الفن الأغريقي , ولكنه أيضا كان باردا وجامدا كارخام الذي نحت منه الأغريق تماثيلهم , وكم تلهفت أن تعلن بأنها كانت تهتم برجل آخر – وأنها لم تكف عن الأهتمام به , وأنها منحته كل العواطف التي لن تستطيع أبدا أن تمنحها سواه.

ولكنها حتى في أنفعالها وغضبها .... كان لخوفها من بول اليد العليا , وأستدارت جانبا لتقول ببرود:
" وما الذي يمكن أن يعنيك في ذلك؟ ما كنت لتهتم بمشاعري , أنك مخلوق من حجر".
قال ببطء:
" ليس تماما , الرجل المخلوق من حجر لا يحركه وجه أو جسم , ولا يجرحه برودهما".

وأرتجفت .... كأنه لمسها بكلماته , وأحكمت وضع الوشاح , فما الذي يتوقعه بول ؟ ليس الحب بكل تأكيد من أمرأة منحته نفسها لتنقذ أسرتها من الفضيحة , كلا , أنه لا يتوقع منها العاطفة , ولكن حدث ذات ليلة في أثينا أنها تيقنت أن بول يعيش منطويا معزولا عن الناس , وأنه يعاني وحدة غريبة , كان في السادسة والثلاثين من عمره , ولكنه كان يبدو أحيانا أكبر من تلك السن بكثير.
منتديات ليلاس
وعاودت دومني أحداث تلك الليلة بوضوح ,كانا قد أمضيا اليوم كله في السباق , حيث بدأ يعاني الصداع وتأثرت هي لمعاناته , ووتعجلته العودة الى الفندق , حيث تناولا عشاءهما في شرفة جناحهما , ورغم أنهما لم يتحدثا ألا قليلا ,ولكن شيئا من الألفة كان يقربهما , وعندما ذهب الى غرفته , وبقيت هي وحدها في غرفتها , سمعته يزرع الغرفة ذهابا وأيابا لأكثر من ساعة .... ذهابا وأيابا .... مثل نمر في قفصه , بينما بقيت هي في فراشها قلقة تتساءل أذا كان ضميره هو الذي يؤرقه , وتسربت حلقات دخان سيكاره الى غرفتها , ومرة أو أكثر همت بالنهوض لتذهب اليه , وكانت يدها على الغطاء ,
وعلى وشك أن تقذف به , عندما أنقطع صوت خطواته , وسمعته يأوي الى فراشه , وتبينت من الخطوط العميقة على صفحة وجهه صباح اليوم التالي ,
أنه لم يقدر على النوم وبخشونة عانقها في ثوبها الحريري , وسحق السؤال المهذب عن فمها , وضحك بدون مزاح قائلا:
" أذن سمعتني وأنا أزرع الغرفة".


اماريج 19-05-10 01:00 AM

ومن جديد أنتزع عنوة ما لم يكن من الممكن أن تمنحه اياه برضاها , والآن .... والسيارة في طريقها الى الملهى , ألتفت بول ليواجهها وقد أسند مرفقه الى عجلة القيادة ,وقال:
" ولكن ستحزن الفتاة لو علمت أننا نتقاسم شهر عسل مر".

وأهتزت دومني للطريقة التي تكلم بها , وقالت محتدة:
" ألم ألعب دوري بتعقل حتى الآن! أنني أحب لكارا أن تقيم معنا ليس لمصلحتي فحسب , ولكن لأنني أشعر أنها ليست سعيدة في بيت عمتك, لا بد أنك تشعر بذلك يا بول".
منتديات ليلاس
وهز رأسه قائلا:
" منذ ترملت عمتي , أصبحت متعلقة للغاية بنيكوس ... ومن الأفضل لكارا أن تعيش معنا , من قبل كنت غالبا ما أتغيب عن الجزيرة , ولذلك كان بيتي موحشا لها , الآن تغيرت الأمور , الآن لي زوجة , أجل , لكل الأعتبارات , أدعو كارا للأقامة معنا".
قالت دومني بهدوء:
" أنها تحبك يا بول , ولن أفعل شيئا يمكن أن يدمر ذلك الحلب فأنا لست منتقمة".

وربت على شعرها , وبدا فمه لحظة رقيقا وهو يقول:
" آه , كلا , أنت حساسة الى حد التطرف , ولذلك تجدين من الصعوبة أن تفهميني , ربما بمرور الوقت ستفهمينني ".
وداعبت أنوار الملهى وجه دومني وهي جالسة في السيارة , وخفق قلبها , نصف هذا الخفقان كان تهيبا , ونصفه الآخر كان شوقا مستترا لأن تجد باري في الملهى , ولأن يرقصا معا , ونزلت من السيارة ,
وسمعت خلفها صفقة الباب القوية , ثم أحست بيد بول على مرفقها وهما يصعدان سلم الملهى ,
وفي الداخل قدمت له فتاة قناعا أسود , وقدمت لدومني قناعا ذهبيا , وأطلقت دومني ضحكة منفعلة وهي تضع قناعها , وقالت:
" أحس في هذا القناع كأنني فتاة من القرن السادس عشر ".

ولمحت بريق النمر في عيني بول من خلال القناع الأسود , وأفتر ثغره عن أبتسامة وهو يسير معها داخل الملهى , حيث كان البعض يرقص الفالس , والبعض الآخر جالسا في خلوة يتحدث ,وتلفتت دومني حولها , وقد أنفرجت شفتاها , وأحتبست أنفاسها في حلقها عندما رأت شخصا طويلا , عريض الكتفين, يشق طريقه خلال الراقصين , كان قناعه قرمزيا , وكان من المحتم أن تعرفه في أي مكان , وسط الزحام ,بسب رأسه الذي يشبه رأس الأسد.
وحياهما , ثم سأل بول:
" هل تسمح لي بأن أرقص مع زوجتك , يا سيد ستيفانوس؟".

ورد بول بفتور بالموافقة , وهو ينسحب , بينما كان باري يسحب دومني داخل حلبة الرقص , وقالت دومني لنفسها أنه الدخان الذي أغشى عينيها , عندما تلاشت سنوات البعاد , وتحركت هي من جديد على أصوات الموسيقى مع باري , ولمدة لحظات ظلا يرقصان بدون كلام , وهما يدوران كما لو كانا وسط السحاب , وأخيرا همس بأسمها , وقال:
" دومني لقد أوشك قلبي أن يكف عن النبض عندما ظهرت في الشرفة عصر اليوم , كارا أخبرتني أن أخاها تزوج فتاة تدعى دومني , ولكنني لم أصدق , لم أكن أريد أن أصدق أنها أنت.... ليست دومني التي تخصني".
منتديات ليلاس
وأمتلأت عيناها بالدموع وهو يتكلم , وتعثرت , فأعانها باري , وأرعبها ذلك , أذ كان بول يتحدث مع ألكسيس وكانت اوجد مرآة خلف البار تعكس حلبة الرقص بمن فيها من الراقصين وأبتعدت بسرعة عن باري , وهمست وقد تحولت فرحتها بوجودها معه الى خوف :
" يجب أن نأخذ حذرنا".
وأندست أصابعه في خصرها وهو يقول:
" لكنني يجب أن أتحدث معك على أنفراد".


اماريج 19-05-10 01:02 AM

وتغلغلت عيناه في عينيها , وبدا فمه خطيرا أرادت أن تضع يدها على شفتيه , أن تجهض الكلمات , ولكنه عاد يقول بنبرات صادرة من أعماقه :
" أنني أحبك يا دومني , لم أكف أبدا عن حبك".

أجابت :
" أنني متزوجة يا باري , وهذا , وهذا الحديث عن الحب يجب أن ينقطع".
قال بخطورة :
" وأنا أريد أن أصرخ به.... وسأفعل أذا لم تخرجي معي الى الحديقة , لتخبريني لماذا تزوجت رجلا لا تحبينه".
منتديات ليلاس
قالت لاهثة:
" كيف.... كيف عرفت؟".
وبدأت تحس بالدوار من الرقص , ومن أستمرار بقائها مع رجل آخر غير بول ,ونظرت الى زوجها من فوق كتفي باري , كان جالسا مع ألكسيس , وكان يبدو مستغرقا معها في الأحاديث ,حن كانت عيناها مسمرتين على وجهه من خلال القناع.

وقال باري يتعجلها:
" دعينا ننسحب الآن.... أن زوجك منهمك مع ألكسيس ذات الأغراء....".
قالت بخوف:
" لا يجب أن أفعل ذلك".

ورغم ذلك كانت بحاجة شديدة لأن تتكلم مع باري على أنفراد , ولكن بدا لها ذلك مستحيلا , في ذلك الملهى , وكفت الموسيقى ,وبدأت حركة جلوس الراقصين عندما أعلن أن البرنامح سيبدأ , وخبت الأصوات مرة أخرى , وبدأ عزف موسيقى ناعمة , وخرجت من بين الستائر راقصة رشيقة , وتقدمت نحو منتصف القاعة , حيت تركزت حولها الأضواء , فبدت أشبه بفراشة كبيرة مشتعلة.
ووقفت دومني في الظل بجانب باري , وقلبها يخفق بشدة لقربه , بينما رفعت الراقصة يديها السمراوين فوق رأسها وأخذت تدق بأصابعها على الصاجات ,
وأسرعت الموسيقى , وبدأت ترقص وكانت دقات الصاجات أشبه بصوت قواقع البحر تقرع بعضها بعضا , وتمايلت الراقصة الى الأمام , والى الخلف ,
حتى لمس شعرها الأسود الطويل الأرض .... وأستحوذت على الأنتباه وتمكن شخصان أن يتحركا الى الخلف في الظلال من الأبواب الزجاجية على الحديقة .... وكان الرجل يتعجل المرأة بيدين من الصعب أغفالهما.

وقال باري ضاحكا وهو يمسك بدومني :
"تعالي هنا بين الأشجار.... في ظلالها ووسط شذاها...".
وأرتجفت من كلماته .... ومن لمساته وقالت:
" لا تفعل.... سأعود ثانية الى الداخل عندما تسكت الموسيقى".
قال بصوت غاضب , وغيور:
" هل أنت خائفة من زوجك؟".
" كلا..... ليس ذلك تماما".
" ماذا أذا؟ جاذبيته المستبدة ؟ هل هذا ما لم تستطيعي مقاومته؟".
وأمسكها من كتفيها بقوة وعاد يقول:
" يجب أن أعرف لماذا تزوجت بول ستيفانوس ,لماذا يا دومني , في حين كان مفهوما بيننا , بدون كلمات , أننا في يوم ما سنتزوج؟".

" في يوم ما يا باري ؟ لقد رحلت , ولم تكتب أبدا , أعتقدت أنك نسيتني".
" ليس هذا صحيحا , لقد تعاهدنا على الأنتظار في تلك الأمسية التي سبقت رحيلي , وأنت تعرفين أنني كنت أعني ما أقول عندما أخبرتك أني سأعود اليك ,
كنت صغيرة يا دومني , وكنت شديدة الأعتداد بحريتك , وكنت أريد أن أفعل الكثير بحريتي قبل أن أتزوج , كنت أريد أن أحقق في لوحاتي ما فعله رجال مثل (رودان) في الحجر كنت بحاجة الى الوحدة المطلقة أثناء عملي".
منتديات ليلاس
وسألته وهي تنظر في وجهه القريب منها:
"وهل نجحت يا باري؟".
قال وأصابعه تداعب خدها:
"ذهبت الى أماكن عديدة , وهنا في اليونان وجدت الضياء باهرا حتى أنني لم أستطع التوقف عن الرسم".
وساد بينهما صمت لم يقطعه سوى صوت الموسيقى المصاحبة للراقصة.

وقال باري:
" قدامى الأغريق كانوا دائما يصطادون العصافير في شباك , وكانوا أيضا يعشقون مذاق العسل المر".
" هل هذا هو تعريفك لزواجي؟".
" لست سعيدة مع الرجل ... أعرف ذلك.... رأيت عينيك .... وأعرف كيف تبرق زرقتهما عندما تكونين سعيدة".
" السعادة ليست كل شيء في الحياة يا باري".


اماريج 19-05-10 01:05 AM

ورفع ذقنها , وقال بخشونة :
" الدموع جعلتك أجمل مما أتذكرك , ما الذي بينك وبين هذا اليوناني ؟ حب أم كرهية؟".
" كل ما أستطيع أن أجيبك به أنه يقف بيني وبينك يا باري , أنني ملكه , أنه زوجي".
" وهل عرفت معه لحظة سعادة منذ أصبح زوجك؟".
" أجل , آه.... تبدو مصدوما يا باري كما لو كان ذلك أمرا مستحيلا ولكنه ليس وحشا....".
وأغمضت عينيها وقالت وقد عاودها القلق:
" يجب أن ندخل ... الموسيقى توقفت , والناس تصفق".
منتديات ليلاس
وحاولت أن تتخلص منه ذلك أن كل همسة ,كل ظل , كل ثانية كانت تقضيها في الحديقة معه , كانت تضاعف من توترها , ثم قالت:
" ستحضر الحفلة مساء غد وسنرة بعضنا البعض وسنرقص معا".

قال وأنفاسه في وجهها :
"دومني .... أيتها الصغيرة الحمقاء... أنا وأنت لا يمكن أن نكون مجرد صديقين أبدا , خلقنا لنكون متقاربين أكثر من ذلك".
قالت بيأس:
" ما كان , لم يعد له وجود الآن , ألا تستطيع أن تدرك ذلك؟".
قال بأصرار :
" كلا , كوني ناضجة يا دومني , أذا أعتقدت ....".
قاطعته قائلة:
" وأذا أعتقدت أنت , أنني يمكن أن أعيش في عالم من الأحلام , وأتظاهر بأنه لا وجود لبول .... فأنت مخطىء للغاية".

وبعينين عاصفتين ألتقت بعينيه وهي تقول:
" أنه يوناني.... ومستبد للغاية .... وما من شيء يمكن أن يلغي حقيقة كوني تزوجته".
تكلم باري بعصبية قائلا:
" أنت ملكه؟ لقد عرفت ماذا يعني ذلك لي...".
قالت مغلوبة على أمرها:
" أنني أنتمي اليه... هذه حقيقة".

ورفع وجهها اليه ,وتأمل القناع الذهبي , وقال:
" أجل... أنه صاحب حق... ولكنني أملك شيئا آخر".
سألت مرتجفة:
" ماذا تملك؟".

" أملك قلبك يا دومني , أنا متأكد من ذلك".
وتجمد كل شيء حينما نطق بذلك ,حتى الأشجار والثمار بدت كأنها توقفت عن الحركة لتصغي الى لحظة حلوة , خطيرة , تجمعت خلالها الذكريات , ووعود الشباب , وأحلام الحرية , وأحست دومني بلمسات اليدين التي أعتادتها , وأغرورقت عيناها بالدموع , وأحست برغبة عارمة في أن تفضي لباري بكل شيء , وأن تقول له :
" خذني بعيدا.....توجد مراكب في الميناء للأيجار ... ونستطيع أن نكون في الصباح على بعد أميال .... خذني بعيدا يا باري... وسنعود الشابين المنطلقين كما كنا من قبل".

وأرتفع صوت باري يقول:
" لماذا تزوجته يا دومني؟ أعرف أنه وسيم وأنه يملك مالا , ولكن شيئا من ذلك لا يمكن أن يكون دافعك ألا أذا كنت أحببته , أخبريني يا دومني".
" أنا... أنا لا أستطيع أن أخبرك... السبب يتعلق بشخص آخر".
" رجل؟".
" أجل".
" ماذا حدث لك يا دومني ؟ ما الذي غير الفتاة المرحة الجميلة التي أحببت؟".

وهزت رأسها بدون كلام ... ثم أنفلتت , وأسرعت بدخول الملهى , وكانت بعض وريقات نبات ياسمين العسل قد علقت بشعرها , فأخذت تنفضها , ولكنها لم تكن تعرف أنها علقت أيضا بوشاحهها.
ووجدت الناس ترقص من جديد , تفرست في الراقصين : أثنان منهما جعلا الباقين يظهرون متوسطي القامة , بول مبتسما , وألكسيس معه , ثم أحست بيد على ذراعها ,
وألتفتت لتلتقي بعيني كارا اللتين كانتا تتفحصان شعرها ووجهها , ثم مدت كارا يدها ونفضت لها وشاحها وثوبها , وأبتسمت قائلة :
" هجرني نيكي ليرقص مع سوزي فانهوزن , وبول يرقص مع ألكسيس ولكن لا تهتمي".
ردت دومني:
" أنا لا أهتم".
منتديات ليلاس
ثم لمحت وجه كارا المقنع يعبس , بينما أتجهت عيناها ناحية الباب الزجاجي الذي دلف منه باري سوتيرن , ونظر الى دومني وكارا.
ورغم أنه هو ودومني كانا مقنعين أحست هي أن كارا الواقفة بجانبها رفعت عنها القناعين ,وبطرف الحذاء أخذت كارا تدوس الوريقات التي نفضتها عن ثوب دومني , لقد عرفت أن زوجة أخيها وباري كانا معا في الحديقة , ولكن ليس كغريبين كما كانا يتظاهران.

...............نهاية الفصل التاسع.............


اماريج 19-05-10 01:07 AM

10-الكهف الذي سقط
.............................

لم يعمل بول طوال الأسبوع الأول , وأمضيا أيامهما على الشاطىء المنعزل تحت التلة , وسط مياه البحر الزرقاء , وكانا يسبحان ويبحران في زورق صغير , وبدا لدومني خلال هذه الأيام والليالي التي قضتها وحدها مع بول ,
أنه يرمي الى محو كل ذكرى تقاسمتها مع باري أو مع سواه وذلك بعدما أعطاها باري أحدى لوحاته فقامت بكل براءة تهديها الى بول, وما هي سوى دقائق حتى علم بول أنها عرفت باري في أنكلترا عندما كانا شابين وأنها أحبته حبا عذريا في ذلك الوقت.

وعلى الجانب الآخر من المركب , جلست تراقب بول , بكتفيه العريضتين , وشعره الأسود المجعد, وأحست بلهيب في داخلها وقفزت لتسبح حتى الشاطىء ,
وأخذت تمسح المياه عن عينيها , ثم فعت يدها لتعصر شعرها وهي تجري فوق الرمال في أتجاه ظل الكهف حيث تركا سلة الطعام بعيدا عن لفحات الشمس .

ولحق بها بول , وأقبل من الشاطىء في أتجاهها , ومن خلال أهدابها راقبته في ملابس البحر , ووجدها تقطع شرائح البطيخ الأصفر المثلج , فقال وهو يجلس بجانبها , ويأخذ شريحة :
"أنني مستعد لذلك!".
منتديات ليلاس
وأنهمكت أسنانه البيضاء في أكل الفاكهة الذهبية , بينما كانت دومني تأكل شريحتها وقد دفنت قدميها العاريتين في الرمال.
وأستقر نسر فوق التلال وقد فرد جناحيه , ووضع بول شريحة البطيخ جانبا , حتى يتسنى له أن يراقب طيران الطائر الكبير وأتسعت أبتسامته وهو يتأمل جناحي النسر , وقال:
" رائع... تماما ما جاء في المثل ... هل تعرفينه يا دومني؟".
وهزت رأسها بالنفي , وكانت تفكر في أنه متوحش , وعنيف , تماما مثل النسر الذي يبحث عن فريسته .
وأبتسم بول قائلا:
" المثل يعدد عددا من العجائب .... من بينها نسر في الجو... وسفينة وسط البحر .... ورجل مع فتاته".
" يا له من أمر ظريف... هل لك في فطيرة باللحم؟".


اماريج 19-05-10 01:09 AM

وأنحنت أمامه لتصل الى سلة الطعام... وأمتدت يده الى خصرها وهو يقول:
" أجل , أطعمي الوحش , فينام لمدة ساعة ,ويمكنك أن تستمتعي برؤية الأسماك الملونة , والبحث عن الأعشاب المرجانية".

وأحتقن وجهها للسخرية في صوته , وناولته فطيرة باللحم مع علبة الزبدة وبعض شرائح البندورة وأتكأ على مرفقه , وأنطلق يأكل وهو ينظر للبحر ,وسكبت دومني القهوة وأضافت اليها العسل البري الذي كان بول يحبه , وأخذ الفنجان ورفعه نحوها قائلا باليونانية:
" في صحتك".

وردت على تحيته بالأنكليزية ثم أشاحت عنه بوجهها وهي تشرب القهوة , وتأكل غدائها , كانت صحتها تهمه لأمر واحد فقط , كانت تعتقد أنه يريد منها أن تمنحه طفلا.

وما كادا ينتهيان من طعامهما ,حتى أغلقت سلة الطعام , وتركته لتلهو في حوض وسط الضخور , حيث كانت الأسماك الصغيرة تقفز بين أصابعها ,
وتمدد بول غير بعيد عنها فوق الرمال , ظهره للشمس ووجهه بين ذراعيه المعقودتين , ولم تكن تدري ما أذا كان مسترخيا ليأخذ غفوة حقا , أم أنه كان خداع النمر الذي يفكر في مكيدة لفريسته.

وأخذت دومني تعبث بحبات الرمال , وهي تفكر في الطريقة التي طوح بها بول بلوحة باري قائلا:
" أنا لا أهتم بوجودها في بيتي.... يجب أن تفكري يا عزيزتي في شيء آخر هدية لي".

وفي الليلة الماضية , من شدة غضبها منه , أرضت نفسها بأغلاق باب غرفتها في وجهه , وتمددت متوترة , تتنصت الى صوت حركاته في الغرفة المجاورة , ولكنه لم يحاول أن يعالج بابها , وأنتهى بها الأمر أخيرا الى الأستغراق في النوم , ولم تستيقظ ألا على صوت لينا وهي تفتح الستائر.
منتديات ليلاس
ولم تكن لينا بالمرأة التي تبتسم كثيرا , ولكن أبتسامة علقت بفمها وهي تتأمل دومني وقد أفترش شعرها العسلي الغزير الوسادة , وبدا لون جلدها العسلي الشاحب منسجما في تناقضه مع لون قميص نومها الأزرق ,وجلست دومني في سريرها ,وقالت وهي تراقب لينا تسكب لها شاي الصباح:
" كم تبدو الشمس رائعة!".
" هذه هي أجمل أيام الجزيرة طقسا يا سيدتي ... العنب ينضج ويغمق لونه والجبال تمتلىء بالمواشي وبالأغنام".

وسألت دومني وهي ترشف الشاي الساخن:
" هل ولدت في الجزيرة يا لينا؟".
" أنني من الجبال يا سيدتي, مكان قطاع الطريق في الماضي, والأساطير الخرافية , تعرفين طبعا أن الدماء الرومانية تسري في عروقي؟".
وأومأت دومني وهي مأخوذة بعض الشيء بما كان يبدو على لينا من معرفتها للأشياء الخفية في الحياة , وقالت لينا:
" لقد أعتدي على الجزيرة خلال الحرب يا سيدتي عندما كنت صبية , وأحرقت المزارع ,ونهبت غابات الزيتون , وأخذت الفتيات أسيرات".


اماريج 19-05-10 01:10 AM

وشعرت دومني برجفة وهي تحدق في خادمتها , وأضافت لينا بسرعة:
" كنت محظوظة , أذ خبأ جدي كل أفراد الأسرة في كهف وسط الجبال , بينما حارب أبي وأخوتي , ولم يكن ذلك آخر ما عانته اليونان , فقد قامت حركة التمرد , ومن جديد المتاعب والمعاناة والسلب والنهب".
قالت دومني برقة:
" لا بد أنها كانت مرحلة حزينة ومفزعة لكم جميعا".

أبتسمت لينا بطريقتها الجادة وقالت:
" ولكنها أنتهت, والآن هنا في الجزيرة يجد الناس السلام والعمل , والطعام الكافي".
وتناولت دومني بعض الحلوى , ثم ضحكت قائلة:
" بدأت أحب ألوان الطعام اليونان يا لينا , جو جزيرتكم يفتح الشهية ".
ورمقت لينا سيدتها بنظرة متفحصة , ثم ألتقطت فنجان الشاي الفارغ ونظرت فيه فقالت دومني:
" هل ترين فيه أن أمامي يوما سعيدا؟".
وأرتجفت أهداب دومني وهي تلقي نظرة سريعة على الباب المغلق بينها وبين بول .بينما قالت لينا وهي تتمعن في أوراق الشاي:
" سيحدث شيء مزعج ,أرى ذلك بوضوح".
" عاصفة؟".
" سيحدث شيء غير سار يا سيدتي".
وأحتد صوتها وهي تستطرد قائلة :
" سيحدث هذا اليوم".

وسكتت عن الكلام عندما سمعت محاولة لفتح الباب المغلق وأستدارت لتسمع تكرار الصوت , وأحتقن وجه دومني تحت وهج نظرات لينا المتعجبة , ثم قالت:
" أفتحي الباب يا لينا".

وحيت لينا السيد تحية الصباح , ثم أنصرفت من الغرفة على عجل , وبقيت دومني في مكانها وقد شحب وجهها بعض الشيء , وهي تنظر الى بول , كان يرتدي قميصا حريريا غامقا , وبنطلونا رماديا , وقال وهو يشير ناحية الباب الذي فتحته لينا:
"أفعلي ذلك ثانية يا فتاتي , ولن أنتظر حتى تسمح لي خادمتك بالمثول بيد يديك , سأحطم الباب".
منتديات ليلاس
وكان يبدو غاضبا بما فيه الكفاية لأن يفعل ذلك , أما دومني فقد تملكتها رغبة في الضحك, ورفعت يدها وعضت على أصابعها عندما أقترب من سريرها وبدا كقط هائج , ووقف يتأملها , ولمحت نظراته تنزلق من كتفيها الى الشيفون الأزرق الذي يغطي صدرها- وأسرعت تحجب نفسها بالغطاء , فرفع حاجبه لتصرفها , ثم أطلق ضحكة قاسية عالية كشفت عن أسنانه البيضاء , وقال:
" أغلاق الأبواب , والتظاهر بالأحتشام من شأنه أن يضاعف حرارتي لا أن يخفضها".

وفي اللحظة التالية كان جالسا على حافة السرير , محملقا فيها , كان وجهه خاليا من التعبير , لم تعرف دومني ما أذا كان متضايقا أو مسرورا , ثم قال وعيناه فوق الخاتم الذهبي في يدها:
" أنا أدرك جيدا يا دومني أنك لا تريدينني , ولكن أخشى أن تكوني مضطرة الى أحتمال نوبات عاطفتي ,وفي أي حال يمكنك أن تواسي نفسك أنه سيأتي يوم لن أكون فيه محتاجا اليك أبدا".

وكان ينطق بكلماته ببرود وسخرية , ووجدت دومني نفسها تجفل منه كأنه صفعها , وأخذت كلماته تتردد في ذهنها , وأسلمتها صراحته الصارخة الى حالة من الغضب , وقالت وعيناها تقدحان لهيبا:
" فهمت يا بول , أفسدت حياتي لمجرد أرضاء نزوة عابرة في حياتك سحقت كبريائي , وأرغمتني على الزواج بك , لتمتلكني بعض الوقت لا غير , لقد عرفت دائما أن هذه هي دوافعك للزواج مني ,ولكنني لم أتصورك قط من القسوة فتصارحني بها".


اماريج 19-05-10 01:13 AM


وسكتت ريثما تلتقط أنفاسها اللاهثة , قبل أن تقول بغضب مليء بالألم:
" حسنا , وشكرا على أخباري , الآن لن أهتم بأنه من الخطأ كراهية أنسان آخر , سأشعر بأن في ذلك عدالة".
قال بكسل:
" أجل , دعي نفسك تشعرين بأن في ذلك عدالة , شيء يدهش حقا كيف أن مثل هذا التبرير يمكن أن يريح الضمير".
" أشك في أن لك ضميرا ولكنني أعرف أنك بدون قلب".

وبأبتسامة ماكرة تحسس عضلات صدره , ثم أنحنى فوق المنضدة بجوار السرير , وأخذ الكتاب الموضوع فوقها , وفتحه وأنطلق يقرأ جملة من رواية مترجمة الى الأنكليزية لكاتب يوناني معروف أسمه( نيكوس كازانتراكيس) , وسالها:
" هل في نيتك أن تكتشفي عمق الشخصية اليونانية؟".
أجابت ببرود:
" أنا أقرأ كارانتزاكيس للتسلية , فهذا بالنسبة الي هو الهدف الوحيد من قراءة الروايات".
منتديات ليلاس
قال بول بأبتسامة باهتة:
" لكل شخص أسير ردود فعله في الحياة , لذلك فهو لا يستطيع أن يتحدث بلسان الجمع ,(كازانتراكيس ) يكتب عن الحب كما لو كان سيفا يغمد في القلب , هل تعتقدين أنه على حق؟".
" لا أعرف".
قال وعيناه تضيقان:
" مع أنك أحبب , ألم تحبي يا دومني ؟".
قالت ببرود:
" أن تقع في الحب , هو أن تسلم نفسك لأهواء , ربما لقسوة شخص آخر , وأنا لن أخاطر ثانية".
وأشار بول ناحية الباب الذي أغلقته في وجهه في الليلة السابقة , وقال:
" هل فعلت ذلك, لأنني طوحت بلوحة سوتيرن؟ ألم يكن ذلك عدم مبالاة فحسب؟".

" عدم مبالاة في مواجهة من؟".
وألتقت عيناهما ... وتراجعت دومني الى الوراء محتمية بوسادتها حينما أنحنى بول فوقها , وقرب وجهه من وجههاثم نهض واقفا , وقال وهو يعيد الكتاب الى مكانه على المنضدة:
" علي أن أذهب لمقابلة شخص هذا الصباح , ولكنني سألحق بك لنتناول الغداء معا على الشاطىء ... سأطلب أعداد سلة طعام".

" كما تشاء يا بول".
وراقبته وهو يخرج من الغرفة , ويغلق الباب خلفه , ووضعت ذراعا فوق عينيها , وظلت ساكنة عدة دقائق , لكنها لم تذرف الدموع , كان عذابها أعمق من أن تنهمر له الدموع.

وبعد أفطار يوناني خفيف من القهوة , والفطائر والعسل , أخذت دومني كتابها وخرجت الى الحديقة , حيث جلست تحت عريشة ومن حولها شجر الفلفل ,والصنوبر , ومجموعة من الورود ذات الألوان الجميلة , والرائحة الزكية.


اماريج 19-05-10 01:24 AM

وأستغرقت دومني في قراءة القصة وجاء يانيس حوالي الساعة الحادية عشرة حاملا سلة الطعام التي أمر بها بول , ولم تكن السلة ثقيلة ,ولكن يا نيس أصر على أن يحملها الى الشاطىء وكانت دومني تشعر بأعزاز نحو خادم بول الجاد ,
الذي كان يستطيع أن يذكر كل أسماء طيور الجزيرة وورودها النامية على جانبي الممر المؤدي الى البحر , ولم يكن هو وليتا قد أنجبا , وبدا لدومني أنهما بطريقة ما ينظران اليها : طفلة , وكانا يديران البيت بمهارة ,حتى أنه لم يكن لدى دومني ما تفعله سوى أكتشاف الغرف الكبيرة , والسلالم الملتوية المؤدية الى مخازن الأمتعة القديمة .

وقالت دومني:
" كم تبدو الجزيرة هادئة وجميلة اليوم يا يانيس".
ووقفت مبهورة أمام منظر البحر , وأشعة الشمس تنعكس فوقه والرمال والصخور , وأبتسم يا نيس وهو يرى مدى أنبهار دومني التي أخذ النسيم يداعب خصلات شعرها وصاحت وهي تشير ناحية البحيرة التي ظهر فيها الدرفيل يقفز كما لو كانت لها أجنحة ثم يغوص في الأعماق.

" أوه , أنظر هناك يا يانيس!".
وكانت دومني تأخذ حمام شمس عندما لحق بها بول على الشاطىء , لم تسمع وقع أقدامه وهو قادم فوق الرمال, لكنها أحست بظله الطويل فوقها , وعندما جلست ورأت وجهه , بدا لها أنه مرهق وسألته:
" هل تريد الغداء حالا؟".

" كلا , ألا أذا كنت تريدين , أعتقد أننا ربما نخرج في نزهة بحرية أولا".
وقفزت قائلة:
" أنت على حق".
ومن جديد تمهلت عيناها فوق وجهه , وتبينت أنه يعاني من الصداع وأنه كان يتمنى أن يخفف نسيم البحر من حدة األألم , ولمست ذراعه بأصابع مرتجفة , وقالت:
" بول , ماذا يقول الأطباء عن صداعك؟".
منتديات ليلاس
وواجهها بأبتسامة ساخرة , وعينين غير مقرؤتين خلف نظارة الشمس , وقال:
" يا عزيزتي .... هل أنت فعلا مهتمة بي؟".
" أنا لا أحب أن أرى أحدا يتألم".
ثم سحبت يدها من فوق ذراعه , وقالت:
" آسفة أذا كنت تطفلت".
" سيتلاشى الألم بعد فترة".

وقفز الى الزورق ,وفك الرباط ودفعه في المياه , وخلع قميصه وساعد دومني على القفز بدورها , وظل ممسكا بها لحظة , وهو يبتسم مثل قرصان أغريقي , وهمس:
" أحيانا , يا أسيرتي الصغيرة , لا أظن أنك تكرهينني".
ورفعت بصرها نحوه , ومن جديد تذكرت الكلمات التي تفوه بها في ذلك الصباح , وقالت بفتور:
" أنا أبذل ما في وسعي لأنقاذ صفقة سيئة , لكنني أعرف الآن أن عقوبتي ليست مؤبدة".

وضحك وتركها , وقاد الزورق , ولفترة ظلت الدرافيل تجذب أنتباه دومني , وأعادت لعينيها بريقهما , وصاحت ليصله صوتها خلال هدير المحرك :
" كيف حال صداعك ؟".
صاح بدوره من فوق كتفيه :
" أحسن كثيرا.... الدرافيل تجيد اللعب.... هيه؟ أنظري الى ذلك البرونزي اللون!".

وكان الدرفيل الضخم كبيرا , حتى أنه أستطاع أن يميل الزورق عدة مرات ,وأوشك أن يلقي دومني في الماء , وضحكت من أعماقها ,ولكن بول حذرها قائلا:
" لا يوجد فقد درافيل في هذه المياه".
وكان يقصد سمك القرش , ورفض أن يدع دومني تقفز للسباحة حتى يدخلا منطقة الأمان في البحيرة , حيث الأسماك صغيرة جدا , ولا تجتذب الأنواع المفترسة .

وعادا الى الشاطىء , وجلست دومني على صخرة , شاردة تماما مع أفكارها , فجفت الرمال بين أصابعها , ونهضت وركضت في أتجاه المياه لتغسلها , لكنها أحست بشيء ما يطعن باطن قدمها اليسرى , فأطلقت صرخة ألم.
وأتضح أنها داست فوق قنفذا مائي صغير , وتبينت أن بعض الشوك نفذ تحت الجلد , وكانت دومني تعرف أنها لا بد أن تتقيح أذا لم تنزع , وجلست فوق صخرة قريبة , وحاولت أن تنزع الشوك بأظافرها.

وجاء بول بجانبها متسائلا:
" ماذا فعلت؟".
وأخبرته, فركع أمامها , وأمسك بقدمها الصغيرة في يده.... وبعد لحظة نظر اليها قائلا:
" لا بد من نزع الشوك بملقاط .... لكن أذا سرت على قدميك , فستتغلغل الأشواك داخل جلدك , تعالي ,سأحملك حتى البيت".
وضحكت بعصبية وهي تبتعد عنه قائلة:
" لن يمكنك أن تصعد بي التلة يا بول , أزداد وزني منذ جئت الى اليونان".
" أما زلت تشعرين بالتوتر معي يا دومني؟".

وعبر بها الشاطىء , ومنه تحت قوس الكهف الموصل الى البيت وأحست بخفقات قلبه كاللمسات , وفجأة وكما حدث في المركب منذ ساعة أو أكثر , أحست في كيانها ضعفا ,
وبدأت تدرك حقيقة لم تكن واضحة بعد في ذهنها , ولكنها في المركب أستطاعت أن تهرب من رقابة بول في الجانب الآخر , أما هنا بين ذراعيه.... فكانت أسيرة , وأزدادت ظلمة الكهف , وهما يتوغلان داخله ,وفجأة ,
مثل زئير حيوان مختفي , ترددت أصداء من فوقهم , وأصوات ضوضاء مخيفة , وتسمر بول في مكانه , وقد أزداد ضغط ذراعيه حول دومني , التي أمسكت بكتفه العاري بقوة ,وغرست دون وعي أظافرها في جلده وهي تقول:
" ما هذا يا بول؟".

ولم يجبها في الحال , لكنه ظل يرهف السمع, وهو يحدق كالقط في وجود الخطر المفاجىء ومن جديد أرتفع صوت شيء يتصدع , وأهتزت الأرض , وأوقف بول دومني على قدميها وقال ملهوفا:
" أركضي يا صغيرتي , الكهف سينقض علينا ".
منتديات ليلاس
وخفق قلبها وهي تركض , كانت تعرف أنهما على بعد دقائق من الباب الذي يمكن أن ينقذهما من الخطر المحدق بالكهف , ويوصلهما الى البيت ,
ومن جديد أرتفعت أصوات التصدع , وكانت دومني تنظر الى فوق مذعورة , عندما أنفتح سقف الكهف وتهاوت الصخور وقذفت بها على ركبتيها , وأرغمتها على أطلاق صرخة , سرعان ما خمدت وسط سيل الغبار والألم.

...........نهاية الفصل العاشر..........


الروح الهائمه 19-05-10 03:09 AM

واااااااااااو مررره حماس :075::peace:
يالللله ياللله متحمسه مررره على التكمله :biggrin:
يعطيك العافيه "اماريج" على هالروايه :hR604426:
نستاك لا تطولي :)

HENATA 20-05-10 12:37 AM

اماريج
انتي ذووووووووق
مافيه روايه قريتها لك غير مشوقه
تسلمين ويسلم ذوقك ياعسوووووووله
في شوق لتتمه

اماريج 20-05-10 09:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الروح الهائمه (المشاركة 2312280)
واااااااااااو مررره حماس :075::peace:
يالللله ياللله متحمسه مررره على التكمله :biggrin:
يعطيك العافيه "اماريج" على هالروايه :hR604426:
نستاك لا تطولي :)

االله يعافيك ياعمري
الرواية منورة فيك عزيزتي
دمتي بخير

اماريج 20-05-10 09:52 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة HENATA (المشاركة 2313527)
اماريج
انتي ذووووووووق
مافيه روايه قريتها لك غير مشوقه
تسلمين ويسلم ذوقك ياعسوووووووله
في شوق لتتمه

العفو حبيبتي وتسلمي يالغلا
شكرا لمتابعتك للرواية ومرورك العطر
ودمتي بخير
....................

بتركم مع التتمة ياحلوين


اماريج 20-05-10 09:54 PM

11-وفقدت الطفل
......................

كانت غرفة مكتب بول ظليلة ، وقد أضفى عليها السقف المنحوت من الخشب ،
والجدران البيضاء ، جواً من الهدوء ولم يكن له صدى لدى الرجل الذي كان يذرعها ذهاباً وإياباً كالثور الهائج .

وكان قد مضى وقت طويل منذ أن غير ملابسه الممزقة ،وضمد له يانيس جروح يديه ، ذلك أن الطبيب كان مشغولاً في الدور العلوي ،وقد بدأ لبول أنه أنقضت عليه ساعات هناك .

وألقى بسيكاره . . قبل أن يكمله ، وخرج إلى الشرفة التي لم يكن يفصلها عن الصخور والبحرالداكن سوى سور حديدي رقيق ، كانت النجوم تلمع في السماء ، وقد أنتشرت في جو الليل الرطب رائحة الصنوبر
أشبه بالمسك المعطر ، وكانت أنوار مراكب الصيد تبدوعلى مرمى البصر متناثرة ، كالطيور المشتعله ،وأتكأ بول بيديه المجروحتين المضمدتين على السور الحديدي .
منتديات ليلاس
ولو كان ذلك يسبب ألماً ، فلم يكن يظهر عليه أنه يشعر به ، كان يقف منتظراً ،
وهو يـتأمل أمواج البحر تتهامس عندما تلتقي بالصخور .
وأحس بول بوقع خطوات فوق السجاة التي تغطي أرض الغرفة وشعر بوجود الرجل وراءه أكثر مما سمعه .

وأستدار بسرعة ولم يكن من المستطاع رؤية تعابيره ، لأن الظلمة كانت كثيفة ، وصاح بول باليونانية :
( أخبرني ، كيف حالها الآن يا ميتروس ؟ )
وألقى الطبيب اليوناني نظرة على الحاجز الرقيق الذي يفصل بين بول ستيفانوس والتلال التي تنتهي بعيداً بالصخور المتحطمة ، وقال :
( أدخل يا بول . نستطيع في الداخل أن نتحدث أفضل ) .
( ماهي الحقيقة يا ميتروس ؟ هل تخشى أن تتحطم روحي تماماً ؟ هل ماتت ؟ ) .
وأمسك ميتروس بذراع بول ودفعه إلى الداخل وهو يقول :
( لا نستطيع أن نتكلم هنا ) .

وأغلق النوافذ وأسدل الستائر . وصاح آمراً :
( النور يا رجل . . . النور ) .
وأضيء نور فوق المكتب ، فألقى ظلالاً من زاوية غريبة على وجه بول ،أظهرت شموخ وجنتيه ، وكانت الندبة داكنة ،وحدودها واضحة ومحتقنة .

والتقط بول أنافسه بصعوبة وقال :
( دومني . . لم تسترد وعيها ، ألم تطلب أحداً ؟ )
( زوجتك لم تمت ) .
وملأ الطبيب كأساً صغيرة ، ووضعها في يد بول مستطرداً :
( تعال ، أشرب هذا يا صديقي ) .

وبهزة من رأسة الداكن رفض ، وأعاد الكأس ، ثم حملق بعينيه النمرتين في الطبيب متسائلاً :
( ما الذي فعلته بها كل هذه الصخرة ؟ هل ستصبح مقعدة ؟ )
وكان للطبيب وجه طيب ، تحت شعر داكن تتخلله شعيرات رمادية ونظر إلى بول ، وأخرج سيكاره ووضعها بين شفتيه ،
وأطلق دخانها ، ثم قال في هدوء :
( زوجتك الشابة الجميلة فقدت الطفل ) .

ونظر بول إلى ميتروس مشدوها ، وقال :
( ماذا ؟ ، ولكن ، أنا ، أنا لم تكن لدي فكرة ، طفل ؟ ، أنها لم تخبرني بشيء ) .
وتفحص ميتروس بول، ثم قال :
( ربما لم تكن متأكدة ، عروس شابة ، بعيدة عن أهلها ، ثم أن الحمل كان في شهرين فقط ) .
( شهرين ) !
منتديات ليلاس
وصمت بول كأنه ينظر إلى الوراء ، ويعود بذاكرته إلى أول ليلة أمضاها مع دومني ،
وخيمت على عينيه سحابة حزن .
وربت ميتروس على ذراعه قائلاً :
( إني آسف ، فهذا الطفل بالنسبة إليك يعني الكثير ،أعرف ذلك . ولكن الفتاة ستتغلب على الصدمة ، وتستطيع أن تنجب أطفالاً آخرين ، الوقت آمامكما ) .
( كلا ، لن تكون هناك فرصة آخرى . . . الطفل الذي كان يمكن أن تحبه ،ذهب ، ذهب مثل السعادة ، مراوغاً ، ولن نعثر عليه ثانية معاً ) .

وقال ميتروس بغضب :
( يالها من طريقة يتحدث بها رجل ! هذه المرأة . . .. يجب إلا تحرم من طفل تحبه .
قاطعة بول قائلاً بمرارة :
( طفل ؟ يا صديقي ، تلك المرأة تكرهني ، تكره رؤيتي ،وصوتي ، ولمستي ، ..... أنت بتدو مصدوماً ، ولكن أؤكد لك أن هذه هي الحقيقة ،وعندما تعيش مع هذه الحقيقة جنباً إلى جنب لمدة شهرين كاملين بإستثناء ساعات قليلة عابره ،فإن الشك لا يساورك ، إنها نظرة في العينين ، رجفة عندما أحاول اللمس ،حشرجة في الصوت تخفي دموعاً لم تكن تعرفها قبل أن تلتقي بي ...
( إنها زوجتك يا بول ) !


اماريج 20-05-10 09:56 PM

( أنت يوناني يا ميتروس ، وتعرف مثلي تماماً أن المرأة لا يدخل الحب في حسابها دائماُ عند الزواج ) .
( أنا . . . أنا أفهم ) .

وأطفأ الدكتور ديميتريوس سويزا سيكارته ، واستطرد يقول :
( هل لهذا الموقف دخل برفضك إعاد التفكير في قرارك الآخر ذلك الذي ناقشناه في عيادتي صباح اليوم ؟ )

( ليس تماماً ياميتروس )
ونهض بول من أمام مكتبة ، وخطـأ نحو الباب قائلاً :
( والآن ، هل أستطيع أن أصعد لآرى زوجتي .؟ )
( إنها تحت المخدر يا بول ، وستنام حتى الصباح الغد ،تركتها في رعاية ليتا ، ولكن تستطيع طبعاُ أن تلقي عليها نظرة .

وتقدم ميتروس من بول ، ولأنه كان أقصر منه قامة ، تطلع إليه قائلاُ :
( حاول أن تنام يا صديقي ، الفتاة شابة ، وسليمة البنية . . .وستسترد صحتها بسرعة .

( هل ستأتي مرة آخرى في الصباح يا ميتروس ؟ )
( بالطبع ) .
وتخللت أصابع بول شعرة الداكن ، وقال :
( لو أني تقدمت دومني في الخروج من الكهف ، إذن لتلقيت أنا إنهيار الصخرة ،
ولكني طلبت منها أن تركض أمامي معتقداُ أنها ستصل إلى الباب في الوقت المناسب .
( يجب ألا تلوم نفسك على ذلك ) .

وصلاً إلى الصالة ، فأخذ ميتروس حقيبته السوداء ،وسترته وتصافحا أمام الباب .
ثم صعد بول إلى الدور العلوي ، وبهدوء دخل غرفة دومني ،حيث جلست ليتا على مقعد بجوار السرير ،تشغل نفسها بشغل التريكو على ضوء خافت .

وأقترب بول من السرير حيث كانت دومني ضئيلة للغاية ،تائهة بتأثير المخدر الذي أعطي لها عقب سقوط الصخرة فوقها ،
وفقدت الطفل ، وكانت أهدابها الطويلة ترسم خطين داكنين فوق وجنتيها ويدها اليسرى فوق الغطاء ،وقد بدى الخاتم الذهبي ثقيل على الأصبع النحيل .

وكان السكون في الغرفة شاملاً ، إذ كفت ليتا عن تحريك أبر الشغل ،وحينئذ قال بول بصوت خافت :
( يمكنك أن تذهبي لتستريحي يا ليتا ، سأبقى هنا ) .

وترددت المرأة ، ولكن كان واضحاًُ من وجه بول أنه مصمم على البقاء ،لذلك خرجت بعدما ألقت نظرة على دومني ،ولكنها لم تتوجه مباشرة إلى سريرها ، بل اتخذت طريقها إلىالدور السفلي ، حيث أعدت لبول فنجان قهوة تركي داكن ،ووضعت على الصينية بعض البسكويت ،ثم حملتها إليه .

وكان قد وضع مقعداً بجانب الفراش حيث جلس ووضعت ليتا
الصينية في متناول يده ، ثم تركته وحده مع زوجته النائمة .
وعندما تحركت دومني كانت أشعة الفجر تشق الظلام ،وأحست أحساساً مبهما بوجود شخص معها ، يساعدها على الجلوس
لتبلل حلقها الجاف بقطرات من عصير الليمون ، كان كل جسمها يؤلمها وشعرت بثقل رأسها ،وتساءلت وهمست :
( شكراً ) .

لم تكن قادرة على رفع جفنيها ،لكنها أحست بكتفيه فوقها أشبه بالجناحين واستغرقت في النوم من جديدقبل أن تستطيع التفكير فيمن يكون هذا الشخص ، وعندما تنبهت من جديد ،كانت ليتا هي الموجودة ، ومعها رجل طيب المحيا هو الدكتور ديميتريوس سويزا .

وبعد ثمانية أيام كان يتناقش معها في حالة الإجهاض التي تعرضت لها ، وشرح لها أن الصدمة هي التي سببت لها هذه الحالة .
وجلست دومني ساكنة تماماً ، مستندة على وسائد الإريكة .

ففي الحادثة كان أول احساسها بوجود الطفل ،ولكن عقلها لك يكن قد تقبل الحقيقة بعد . . .
والآن . . . فات الأوان لأن تفرح أو تحزن .
وقالت بهدوء :
( كان بول يتمنى الطفل ، لابد أنه تضايق عندما أخبرته بأنني فقدته ) .
منتديات ليلاس
( أنا متأكدة أنه كان سيهتم أكثر لو أنه فقدك ) .
ورغم أن أنكليزية الطبيب لم تكن في طلاقة انكليزية بول ،إلا أن دومني فهمت كل كلماته المهذبة ، ثم أخذت تتفحص ساكنة يديها المعقودتين فوق ثوبها الحريري الطويل ،وتأملها الطبيب وتعجب من رصانتها ،
فالفتاة اليونانية لابد أن تبكي بحرقة لفقد طفلها الأول ولكن هذه الأنكليزية الجميلة الفاترة جلست بعينين جافتين ، وقد بدت كأن الأمر لا يحركها وأشعل ميتروس سويزا سيكاره وهو يفكر في أن الامر لابد أن يكون كما زعم بول ،
هذه الفتاة ذات العيني الزرقاوين الغائرتين ، والرأس الملكي ، لم تكن تحب زوجها .

وكانا يجلسان في الشرفة ، حيث قدم لهما يا نيس الشاي التركي في أوكواب طويلة ،مع شطائر وفطائر وحلوى ، وكان بول قد ذهب في سيارته إلى عمته ،لكي يحضر كارا ، وعندما رأى ميتروس أن دومني تكتفي بشرب الشايولا تمد يدها لتملأ طبقها ، قال لها :
( يجب أن تحاولي أكل بعض الشطائر ، سأخدمك بنفسي ) .


اماريج 20-05-10 09:58 PM

( لست جائعة يا دكتور ) .
( ولكنك يجب تحاولي يا أبنتي ، وإلا استغرقت وقتاً طويلاً في الشفاء .هاك شطيرة دجاج ، وآخرى بالجبن ، وأنا أصر على أن تأكلي ) .

وكانت طيبة الطبيب ومودته لا يمكن أغفالها ، ووجدت دومني نفسها تأكل ،وتتبادل معه بعض انطباعاتها عن بلاد اليونان ، وعلمت منه أنه أرمل ،وله أبن واحد يدرس الطب في أثينا .
وقال الدكتور سويزا مبتسماً :
( لن يسره أن يعمل طبيبا في جزيرة ، أما أنا ، فالعمل يلائمني هنا ،أمارس مهنتي في عيادة الأطفال التي تبرع بها زوجك والمرضى الأثرياء مثله يعاونون في دفع نفقات غير القادرين ) .

( هل تعالج بول يا دكتور من صداعه ) .
وكان الطبيب يهم بإختيار فطيرة ، وظلت الشوكة بين أصابعه على الاقل لمدة دقيقة ، وأخيراُ بعدما وقع أختياره على القطعة التي يريدها أثر تباطؤ لا يقتضيه مجرد الإختيار ،رفع عينيه نحو دومني وسألها :
( هل حدثك بول عن صداعه ؟ )
( ليس تماماً . . . يبدو متضايقاً لكما فتحت الموضوع ، لأنه قوي للغاية فيما عدا هذا الصداع .لذلك أعتقد أنه يكره الإعتراف بناحية ضعف لديه ) .

وتشاغل الطبيب يأكل الفطيرة ، وبمشاهدة النحل يمتص الرحيق من الإزهار التي تتسلق الجدران ، ثم قال فجأة :
( ربما ، فبول يوناني للغاية ، واليونانيون ليسوا سهلي الفهم أنهم أشبه بجبال الجليد التي يظهر منها جزء بسيط فوق السطح ويختفي الأكثر في الإعماق ) .
همست دومني :
( جبال الجليد يمكن أن تسبب الكثير من الأضرار ) .
( ولكنها يمكن أن تذوب إلى درجة حرارة عالية ) .

وضحكت دومني ، وابتسم الطبيب للرنين وللحيوية والجمال التي أضفتها الضحكة على الوجه الذي لم يكن قد عرفه إلا
متألماً . . . فاتراً . . . رصيناً . . . ولمعت عيناه ، وأدرك أنه أخطأ في إعتقاده أنها باردة ،كم كانت عيناها تعكسان زرقة السماء والبحر ،وكم كان فمها لذيذاً ، لم تكن سوى طفلة ، حساسة ، خجول ،وليس من النوع الذي يستطيع أن يفصح عن مشاعره .

وأنثنى إلى الأمام ، ونظر إليها مباشرة ، وقال :
( لا توجد سوى شعلة واحدة يمكن أن تقهر كل شيء ،وقليلون يستطيعون التصدي لها ) .
( هل هذا لغز يا دكتور ؟ )
( ممكن يا صغيرتي أن تطلق عليه وصف لغز ،أنه أعقد ما في الدنيا ، ولم تفك طلاسمه تماماُ رغم مرور كل هذه السنين منذ
قدمت حواء التفاحة المحرمة لآدم .
منتديات ليلاس
وتشابكت يدا دومني ، كان كل منهما تجد الراحة لدى الأخرى . . . وقالت :
(فهمت ، أنك تتكلم عن الحب يا دكتور ) .
( ألست متفقه معي أنه موضوع ساحر ، يا سيدتي ؟ )
وأشاحت بنظرها بعيداُ ، وتساءلت إذا كانت في غيبوبتها أفضت إليه بمكنون نفسها ،
كان طيباُ ، وناضجاً ، وكان يذكرها بعض الشيء بالعم مارتن ،ولكن أن تفضي لآخر بأسرارها كان راحة وقتيه يعقبها الضيق والندم .

ونظرت دومني إلى الطبيب ، وأحست من نظرة عينيه أن يعرف شيئأً ،هل تراها ذكرت باري خلال ساعات الغيبوبة بعد الحادثة ؟
ونهض الدكتور سويزا واقفاً ، معلناً أن عليه زيارة مرضى آخرين ، وعندما أمسك بيد دومني ، كان لضغطة عليها معنى ،وابتسم قائلاً :
( يجب أن نتحدث معاًُ مرة آخرى ، قريباً عندما تشعرين على أستعداد ؟ )
( نتحدث عن ماذا يادكتور ؟ )


اماريج 20-05-10 10:00 PM

( عن الأشياء التي لا تستطيع أن نهرب منها يا طفلتي ،والأشياء المحتمة الولادة . . . والحب . . . والموت ) .
وحدقت فيه بعينيها لحظة ، ثم أحنى رأسه الرمادي وقبل يدها وحياها باليونانية ومضى .

وبعد نصف دقيقة خلت الشرفة إلا من وجودها ،وجلست ساكنة تماماً ، وقد تملك عليها أحساس غريب بالوحدة ، وكان
البيت كله غارقاً في الصمت ، كانت فترة القيلوله ، التي يخلد فيها الجميع إلى الراحة ، حتى الطيور تبدو هادئة منكمشة فوق الإغصان .

واسترخت دومني في جلستها ، وأغمضت عينيها ، وسمعت حفيف أشجار الصنوبر ، وهمس أمواج البحر ،وبدأ لها كما لو كان طفلها الميت يدق على قلبها ، لقد ذهب الحب الذي كان يمكن أن يأتي به ،وأن يمنحه ، وانحدرت دمعة على خد دومني .

وتأملت لفترة قصيرة ، واستيقظت فجأة وهي تشعر بالبرد .
لم تعد الشمس تضيء الشرفة ، ولاحظت أنه خلال غفوتها ،زحف الضباب الذي كان يعلو البحر وغطى الجزيرة كلها ،وكون حزاماً حول البيت ،
وكانت دومني قد نبهت إلى توقع مثل هذاالضباب ، ولكنها لم تكن تتصور أنه يمكن أن يصل إلى نهاية الأريكة ،وذهبت إلى نهاية الشرفة لتنظر من فوق الصخور إلى البحر ،
ولكنها بصعوبة استطاعت التمييز ، وأن سمعت صوت تلاطم الأمواج وزحف الضباب ببطء ليلامس شعرها . . .وساورها أحساس بأنها معلقة مع البيت في السحب .

وسمعت وقع أقدام ولكن عندما ألتفتت سريعاً ، وجدت يانيس قادماً في إتجاهها ، وصاحت :
( يبدو أننا منعزلون هنا يا نيس ) .
وأومأ بجدية قائلاً :
(نعم ، يا سيدتي ، الرطوبة شديدة هنا في الخارج ويجب أن تدخلي ) .
(سأدخل يا يانيس ) .
وأشعرها اهتمامه بالدفء ، وقالت :
( هنا ، فوق أشعر كأنني هيلين تسير على أسوار طروادة ،هل تعتقد أن الضباب سيتسمر طويلاً ؟ )
( بضعة ساعات يا سيدتي ) .

( أوه . . . إذاًً فسيؤخر ذلك عودة زوجي وأخته ، إلا تعتقد ذلك ؟الطريق الموصلة إلى هنا ملتوية ومنحدره ، ومع صعوبة الرؤية
بسبب الضباب ، لا أعتقد أن بول سيجازف بقيادة السيارة ومعه أخته ) .
( أشك في ذلك يا سيدتي ) .
منتديات ليلاس
وأمسك يانيس بالباب ، ريثما نفذت دومني إلى الداخل ،حيث وجدت المدفأة موقدة ، وتقدمت منها فرحة وهي تجمع أطراف ثوبها ،ولم تستطع بسبب جروحها أن تنحني كما كانت تحب لتستمتع بدفئها ،فجلست على مقعد بول ، ومدت يديها لتدفئهما ، وكانت ليتا تعد عشاء خاصاً إحتفالاً بقدوم
كارا، ولما كان من الأرجح أنهما سيتأخران بسبب الضباب ،أخبرت دومني يانيس أنها ستتناول شيئاً خفيفاً بجانب المدفأة حاولي الساعة السابعة ،وأضافت أنها ترجو إلا يضايق ليتا التأخير في تقديم الوجبة الخاصة بإستقبالهما .

وابتسم يانيس وهز رأسه قائلاُ :
( سعادتنا في أن تستردي صحتك من جديد ، هل تحبين فنحان شاي الآن ،يا سيدتي ؟ )
وأومأت بالشكر والقبول ، بينما أغرورقت عيناها بالدموع وهي تراقب يانيس عند خروجه من الغرفة وبذلت دومني جهداً في مقاومة الدموع التي أحست بالرغبة في ذرفها ، وكان فنجان الشاي ممتعاُ ، بجانب المدفأة حيث مدت قدميها ، وكان الضباب قد امتد أكثر ، وسمعت دومني دقات الساعة ، وقررت أن تصعد إلى غرفتها لترتدي ثوباً .


اماريج 20-05-10 10:01 PM


كانت تشعر بالإرهاق ، ولكنها صممت على إلا تأوي إلى الفراش ،فالضباب كان يمكن أن ينجلي في أية لحظة ، وسيكون ترحيباً أنيقاً لكارا وبول أن يجداها في إنتظارهما .
وارتدت ثوباً أزرق طويل الأكمام لتخفي جروح ذراعيها عن عيني كارا لئلا تزيد من قلقها ،ولمحت وجهها شاحباً في المرآة ، ووجود هالات سوداء حول عينيها ،
استعملت أدوات الزينة لإخفائها ، وبدأ لها الثوب متواضعاً بعض الشيء واحتاجت لعقد يضفي عليه رونقاً .

وفتحت الدرج الذي تحتفظ فيه بمجوهراتها ، ووجدت بدلاً من العلبة الجلدية البسيطة
صندوقاً رائعاً حفرت عليه أشكال طيور ، وأصداف . وفتحت دومني الصندوق ،
أجل . . . كانت مجوهراتها فيه ، مرتبة في أدراج دقيقة الصنع أشبة بالإعشاش .

كان الصندوق الأثري لحفظ المجوهرات هدية من بول ،تعبيراً صامتاً عن مشاركته ومودته ، لأنه طيلة الأيام الثمانية المنصرمة ،
لم يذكر مرة واحدة شيئاً عن فقد الطفل ، وكان تصرفه في الواقع تجاهلاً غريباً .

ولمست هديته ، وهي تشعر ببهجة لم تتغلغل داخل قلبها ،وأخرجت العقد البسيط الذي كان ملكاً لأمها ،والذي لبسته يوم زواجها ،اللآلئ تعتبر دليل نحس للعروس ،لكنها توقعت دموعاً بعدد حبات العقد في ذلك اليوم ، لم يكن يهمها أنها تتحدى القدر .

في طريقها إلى الدور السفلي ، توقفت أمام النافذة ، وأطلت منها ورأت أن الضباب ما زال يغشى المكان كله ،ولمحت الاشجار في الغابة أشبة بالإشباح ، وشعرت بالبيت خالياً ،خاوياً ، وسرت إذ وجدت يانيس في غرفة الجلوس ، يسدل الستائر ،وكانت الأنوار مضاءة ونار المدفأة مشتعله .

وبدا لها أن التوتر يفقد حدته بتأثير دفء هذه الغرفة وأناقتهاوابتسمت وهي تشم رائحة الورد التي وضعهايانيس على منضدة قرب المدفأة ،وفتحت الراديو فانسابت منه ألحان الفرق . .
وتهالكت دومني على المقعد الذي قدمه يانيس ، وقالت :
( أما زال الضباب كثيفاً ) . ؟
وسكب له كأساً من الشراب وقال :
( ما زال على حاله يا سيدتي ) .
وتأملت كأس الشراب اليوناني الذي كان بول يقول دائماً أنه يحب أن يؤكل معه التين وفطائر العسل ، لأنه ما من مأدبة عشاء في القديم كانت تكمل بدونه أبداً .
منتديات ليلاس
وشعرت برجفة إذ بدأ لها أنها تسمع ضحكته ، ودفأت نفسها برشفة . . .
وسمع يانيس يقول وهو يحرك نار المدفأة لتزداد اشتعالاً :
( أنا متأكد أن السيد ستيفانوس لن يخاطر بالعودة في هذا الضباب يا سيدتي ،والآن سأحضر لك الشورباء ) .

وتناولت دومني الطعام لتسعد يانيس و زوجته ،وليس عن شهية ، ورفعت المائدة ، وكانت تشرب القهوة وهي جالسة على مقعد بول ،عندما سمعت طرقاً عالياً على الباب الخارجي ،وخفق قلب دومني اضطراباً ، وكانت قد وقفت عندما فتح الباب وأقبل نيكوس ستيفانوس مسرعاً ،يتبعه باري سوتيرن .

..........نهاية الفصل 11..........


اماريج 20-05-10 10:04 PM

12-بين الكبرياء والحب
..............................

تقدم نيكوس بشعره الأسود المجعد من رطوبة الضباب ،واتجه إلى (دومني مباشرة ) وأمسك بيديها ،كانت يداها باردتين مرتجفتين في يديه ، وأدركت أن شيئاً مزعجاً قد حدث ، وانتقلت عيناها إلى باري ، كما لو كانت تستنجد به ،ثم قالت لنيكوس :
( كارا و بول ) أليس كذلك ؟ هل قتلا في حادث سيارة ؟وعض نيكوس شفته ، بينما دس باري يديه بعنف في جيبي سترته .

وبدت عيناه داكنتين وهما تلاقيان عيني دومني التي صاحت وهي تغرس أظافرها في يدي نيكوس :
( أخبرني !)
(كارا بخير ، وأنه بول ، نقلوه إلى المستشفى ).
تلاحقت أنفاس دومني تسأل :
( هل أصيب بسوء )؟

وألقى نيكوس نظرة إلى باري ثم ساعد دومني على الجلوس
وقال :
( لقد نقل بول مريضاً إلى المستشفى وحالته خطرة ).
ووضع باري يداً فوق كتفها ، وباليد الأخرى قرب حافة الكأس من شفتيهاوهو يقول :
( أشربي هذا ).

وشربت ، مدركة أنه أعطاها شراباً قوياً لأن نيكوس كان على وشك أن يضيف ما هو أسوأ مما قاله ، ووقف نيكوس ينظر إليها بوجه شاحب ومكتئب ، وقال :
( ليس من المتوقع أن يعيش أبن خالي ، الأطباء يعطونه بضع ساعات فقط وفكرت أنك لا بد تريدين أن تكوني إلى جانبه يا دومني ).

وحملقت في نيكوس ذاهله ، بول يقترب من الموت ؟شيء لا يصدق ، واستطرد نيكوس يقول :
( لم يكن من الصواب أخبارك بنبأ كهذا هاتفياً .وكان باري معنا في البيت ، فجئنا بالسيارة ، كان الضباب المنخفض سيئاً ،
ولكن الرؤية الآن أكثر وضوحاً .)

الضباب ؟ وما أهميته ؟ وقفزت وافقه لمحت يانيس يقف قلقاً على عتبة الباب .
وكان واضحاً على وجهه أنه سمع ما قاله نيكوس عن بول ،وانطلق يهز رأسه وهو ذاهب ليحضر لها معطفها ووشاحها ،
ذلك المعطف الجميل الذي ساعدها باري على أرتدائه ،ووقف يغلق أزراره لها ، ثم رفع يا قته حول رأسها الذي لفته بالوشاح الذي كانت قد اشترته من البلاكا ..البلاكا التي اكتشفتها مع بول ..بول .. يموت !

ووجدت نفسها تستقر في السيارة بجانب باري على المقعد الخلفي ,ووقف يانيس ولينا على باب البيت الخارجي يراقبان في صمت كشبحين .
بينما كان نيكوس أمام عجلة القيادة ، يلف ليتجه نحو الطريق المنخفض.وكان رأس لينا ملفوفاً بوشاح أسود ، وعيناها دامعتين .وظلت عينا دومني جافتين تماماً ، ولكنها كانت تشعر بهما أشبة بجمرتين في رأسها وأحست كأنها ظلت تتخبط وسط الضباب فترة طويلة ،وبدأت أخيراً ترى بوضوح .
منتديات ليلاس
عرف بول منذ شهور أن هذا العرض أصابه ..نوبات الصداع كانت نذير ..وكانت أيضاً الدافع وراء بعض أقواله وتصرفاته .
بول كان يعرف منذ فترة أنه سيموت !

وأحست دومني بيد باري تغلق في دفء على يديها مواسية .بينما كان نيكوس يتقدم ببطء في الطريق,وتحرك إلى الأمام ياردات عدة، ثم أوشك على التوقف عندما قارب أعشاباً
في منحنى شديد ، وتذكرت دومني ليلة سابقة كانت تجلس بجوار بول وهو يقود السيارة في هذه المنطقة ، لقد شعرت وقتذاك أنهما معلقان في النجوم ، والآن لم يكن هناك نجوم ، الضباب وحده وأشباح الأشجار .

وبعد فترة قال نيكوس أنه أستطاع أن يلمح الفنار الذي يقع في منتصف المسافة بين أنديلوس وجزيرة مجاوره ، وأن ذلك يعني أنهم يقتربون من الميناء ، ومن المستشفى .


اماريج 20-05-10 10:05 PM

وخفق قلب دومني عنيفاًُ سريعاً بتأثير التوتر النفسي والعقلي ،ومالت على كتف باري ، مقدرة رفقته الصامته ، القويه ،ما الذي كان يفكر فيه وقد جلس ممسكاً بيدها ؟أن القدر يلعب دوره ، وأنه يجمعهما متقاربين ثانية ..

والحياة توشك أن تفارق الرجل الذي وقف بينهما ؟وقطعت دومني الصمت وقد انفك رباط حلقها وقالت :
( ماذا حدث يا باري ؟ هل كنت في بيت العمه صوفيولا عندما ..عندما سقط بول مريضاً؟

( كنت في الخارج في نزهة بحرية مع آل فانهوزن والكسيس ..وبدأ الضباب يتكاثف ، وحينئذ عدنا إلى الميناء .. وتناولت والكسيس كأسا عند آل فانهوزن ، ثم رافقتها حتى البيت لأن تكاثف الضباب بدأ يزداد ، ووصلنا إلى البيت في لحظة كانت سيارة الأسعاف تنقل بول ، وقد ذهبت كارا وعمته معه ، وكان نيكوس في البيت فشرح لي ولألكسيس الموقف .

وهمست دومني وهي تتصور حالة الفتاة التي كانت تحب بول كثيراً:
( مسكينه الصغيرة كارا ، لا بد أنها صدمت صدمة شديدة ).
وقال نيكوس وهو يدقق النظر من خلال أنصاف الأمتار التي تتركها مساحات السيارة خلفها:
( ذهبت معه دون دموع ، بدت وكأنها كبيرة فجأة ).

بلا دموع ، لأن اليونانيين الذين يبكون فرحاً ، يواجهون الكوارث في صمت والألم يحرق قلوبهم .وفكرت دومني أنه من الأشياء الطيبة ، أن كارا ستجد نيكوس بجانبها .
منتديات ليلاس
واستغرقت رحلتهم إلى المستشفى وسط الضباب ساعتين ،ولكنهم أخيراً وصلوا إلى فناء المبنى وساعد نيكوس دومني
في الخروج من السيارة ، وسار الثلاثة إلى الداخل ، حيث وجههم موظف الأستقبال نحو السلم المؤدي للطابق الذي يرقد السيد ستيفانوس في أحدى غرفة الخاصة .

وكان ضؤ الممر خافتاً ، وغرفة بول في منتصف المسافة ،وعندما اقتربوا من الباب ، كانت ممرضة تخرج حاملة صينية
فوقها أدوات مغطاة بغطاء أبيض ، واتجه نيكوس إليها ،وسألها أذا كان من الممكن أن تدخل زوجة المريض لتراه ،واستدارت الممرضة نحو دومني وقالت لها شيئاً ، لكنها كانت تتكلم اليوناينة ، وكان على نيكوس أن يشرح لها أن السيدة ستيفانوس انكليزية ،ثم أخبر دومني أن الأطباء حالياً مع بول ، وأن عليها أن تنضم إلى الأقارب الأخرين في غرفة الأنتظار ، وهناك وجدوا كارا وعمتها ، وقفزت كارا وهرعت نحو دومني ،عيناها أشبه بعيني ظبي مطعون ، داكنتان وكسيرتان وحزينتان ، وهتفت بيأس :
( آوه ، دومني ، ماذا سنفعل بدون بول ؟)


اماريج 20-05-10 10:08 PM

واحتضنت دومني الفتاة بقوة ، ولكن لم يكن لديها أجابه لكارا ،لم يكن لديها إجابة لنفسها .
وظلوا في الإنتظار ، لا يتحدثون كثيراً ، بينما كانت ساعة الحائط تدق بإنتظام .وكثافة الضباب تخف تدريجياً ، لتترك السماء واضحة بعض الشيء .

وفي منتصف الليل أقبلت ممرضة شابة تحمل صينيه فناجين قهوة ينبعث منها البخار ، وأمسكت دومني بالفنجان بيديها لتحاول أن تدفئها ، حينما انفتح الباب ثانية ، وظهرت الممرضة الأولى ، وأشارت لدومني وعندها قفزت كارا بدورها ،
قالت لها الممرضة بأسف أنه غير مسموح لغير السيدة ستيفانوس برؤيته في الوقت الحالي .

وتماسكت كارا ووجهها ينطق بالألم ، وأخذت من دومني فنجان القهوة ، وقالت بصوت مختلج:
( إذهبي إليه ، أنه حقك ).

وتبعت دومني الممرضة إلى غرفة بول ، وعندما دخلت لم تلاحظ لأول وهلة الرجل الذي كان واقفاً في ردائة الطبي الأبيض بجانب النافذة ، وسارت دومني ببطء حتى السريرالأبيض ، حيث كان بول راقدا في سكون تام ، وعيناه مغمضتان ، وقد ترك الألم علاماته الواضحه على صفحة وجهه ، وبرقة متناهية لمست دومني وجنته ، وأحست بالعظام الشامخة فيها ، ولم يشعر بلمستها ،لأنه كان فاقد
الوعي .
ولم تسمع الطبيب وهو يعبر الغرفة في اتجاهها ، ولكنها أحست بوجوده ، واستدارت لتلتقي بعيني الدكتور ميتروس سويزا الطيبتين وهمست :
( يبدو من الخطأ الجسيم يا دكتور أن يكون بول ..هكذا ،مغلوباً على أمره ، ألا يمكن أن نفعل شيئاً ؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي ، ونتركه يموت ؟

وتفحصها الدكتور سويزا لحظة طويلة ، ثم أمسك بيدها وقادها خارج الغرفة ،التي دخلتها الممرضة في الحال ،وأخذها غرفة الأستشارات ، وأغلق الباب خلفهما بإحكام ،
وطلب منها أن تجلس ، وأطاعت ، ونظرت إليه من فوق المكتب ، وسألت بألم :
( ما هذا الذي يقتل زوجي ؟)

( قطعة صغيرة من المعدن ، شظية قنبلة يدوية انفجرت في وجهه عندما كان يحارب في حركة التمرد ).
( ولكن ذلك حدث منذ زمن بعيد ، كيف استطاع أن يعيش طوال تلك السنوات ؟)
( هناك حالات أكثر غرابة يا عزيزتي ، وهذا الجسم المعدني لم يكن يسبب له أي قلق على الأطلاق ،ولكن عقب حادثة معينه منذ سنتين بدأت المتاعب ، هل تعرفين أن بول كان له أخ ؟

( لوكاس مات غرقاً منذ عامين تقريباً ، وكان بول هو الذي غاص في البحر ليحاول انقاذه ).
( بالضبط ، ولكنه بعدها خرج إلى السطح ، تعرض لحالة إغماء ورأينا أنه من الحكمة أن يبقى في المستشفى لمراقبة حالته ، وفي هذه الأيام أجرينا له إختبارات ، واكتشفنا أنه أثناء خروجه من السطح في حالة نقص الهواء ، تحركت الشظية المعدنية تحت الضغط ،واستقرت في مكان أكثر خطورة في المخ .. ومنذ ذلك الحين يا دومني بدأ زوجك يعيش في خطر ).
منتديات ليلاس
ووضعت دومني يدها فوق حلقها المتألم وقالت :
( وهل أخبرته بذلك ؟)
وبابتسامة يختلط الحزن فيها بالإعجاب ، قال ميتروس :
( بول ستيفانوس ليس بالرجل الذي يمكن أن تخفي عنه الحقيقة أنه مقاتل فدائي شجاع منذ السادسة عشر من عمره ،
تحول إلى رجل رائع بمرور السنوات ، رجل شجاع ، جريء ،يحمل كثيراً من الأحترام لحقائق الحياة ، ولا يمكن تضليلة هاجمته موجات الصداع دفعة واحده ،موجات حادة كانت تستعصي أحياناً على الأدوية ، ولكن ليس دائماً ).


اماريج 20-05-10 10:10 PM

وجلست دومني ساكنة للغاية ، كانت تستعيد المرات التي عاش بول خلالها وحيداً داخل قوقعته آلامه ،وأحست نحوه بحنان بالغ ، وأحست بغصه في حلقها وهي تسأل فيما يشبه الصراخ :
( ألا يمكن فعل شيء ؟ بكل تأكيد يمكن انتزاع هذه الشظية المعدنية بالجراحه ،وبول يملك النقود ، أنه يستطيع أن يدفع نفقات أشهر جراح ).

ومال ميتروس نحوها ، وقال وقد عقد يديه :
( أوافقك تماماً ، توجد جراحة يمكن أن تنقذه ، وبدونها سيموت حتماً كما لا بد أن يأتي الصباح ولكن إذا نزع جراح خلال الساعات القليلة القادمة الشيء الذي يقتله ، فإنه أما يموت ، أو أن يعيش حياة أشد ظلمة من الموت ).
منتديات ليلاس
وحدقت دومني في ميتروس ، وقد هوى قلبها ن وهمست :
( تقصد ، يفقد بصره )؟
( بالتأكيد ، ولكننا لا نعرف ما إذا كان ذلك سيكون كلياً أو
جزئياً ).

ونهض ميتروس من مكانه ، واتكأ على المكتب بجانب مقعد دومني ..وقال :
( توسلت إلى بول أن يوافق على إجراء الجراحه ، ولكنه انتفض ذعرا من فكرة أن يصبح أعمى ،وعبئاً على الناس الذين كان يرعاهم ويحميهم دائماً ، وفي مقدمتهم كارا الصغيرة ،والآن أنت يا عزيزتي .)
وهمست دومني تخاطب نفسها :
( أوه ..لماذا لم يخبرني )!

( لأنه رجل يكره الشفقه .. ولكن بالنسبة إليه ، الموت أهون من العمى .ألم تلاحظي كيف يحب اليونانيون أن يخرجوا من بيوتهم منذ الصباح المبكر حتى الظلام تحت الشمس
الوهاجه ؟ ألم تلاحظي كيف يضيئون بيوتهم بأنوار ساطعه ليبعدوا ظلام الليل عنها ؟وبول كيوناني أختار أن يموت لا أن يعيش في الظلام ).

وتشبثت دومني بطرف المكتب وهي تقول :
( ولكن يجب ألا يموت ! ماذا سنفعل بدونه ، كارا وأنا ، وكل الناس هنافي الجزيرة ، الذين يحتاجون إليه كثيراً ).
وابتسم ميتروس قائلاً في هدوء :
( هل تحققت مما قلته الآن يا عزيزتي ؟)

وأومأت براسها ، وقد امتلأت عيناها بالدموع ، وهمست بحرقة :
( يجب أن تجري له هذه العملية ، أنا ، أنا ، أستطيع أن أوقع على ذلك ،ألا أستطيع يا دكتور سويزا؟ أليس ذلك حق الزوجه ؟

ودار ميتروس حول المكتب ، ورفع سماعة التليفون ، وقال وعيناه تنظران في عينيها :
( بالطبع هذا حق الزوجة ، ولكن هل عندك الشجاعة لمواجهة بول ،وهو حي هائج بعد أسبوع من الآن ؟

وقفت ، ورفعت رأسها عالياً ، والتمعت عيناها الزرقاوان ببريق شديد ،وقالت بمعنويات مرتفعه :
( يستطيع أن يقتلني إذا شاء ، أين الأوراق التي سأوقعها يادكتور ؟)
قال وهو يدير رقماً:
( أولاً سأتصل بأثينا، كانت الإبتهالات صادقه ، وانقشعت عنا غمامه الضباب ،دعينا الآن نبتهل أن نجد الجراح الذي نحتاج إليه بلا ارتباطات ليأخذ أول طائرة قادمة إلينا).

وأغمضت دومني عينيها ، ودعت الله ، بينما كان ميتروس سويزايتكلم في الهاتف باليونانية .
كانت أرض حديقة المستشفى مبللة بندى الصباح ، وكانت العصافير تفرد على أغصانها ، وأشعة الشمس تشرق فوق
قمم الأشجار بلونها الذهبي فبعد ضباب اليوم السابق ، أحست دومني وهي تنظر من نافذة غرفة المستشفى التي تقاسمتها مع كارا ، أن اليوم سيكون يوماً رائعاً .

وكانت كارا لا تزال نائمة ، وقد عاد نيكوس بأمه إلى البيت منذ بضعة ساعات ، كما ذهب باري أيضاً ، بعدما ضغط على يد دومني في يده ،مثلما فعل فيما مضى ، في ذلك اليوم الذي افترقا فيه على الشاطئ ، الأنكليزي ،ولكن هذه المره ، كان كل منهما يعرف أنه فراق إلى الأبد .
منتديات ليلاس
ووضعت دومني معطفها فوق كتفها ، ومشت بحذر نحو الباب ، لأنها لم تكن تريد إزعاج كارا في نومها ، وفتحت الباب على مهل وخطت نحو الخارج ، ‘لى ممر بارد ،
حيث كانت الحركة قد دبت ، بغدو الممرضات وراوحهن .

ونظرت كثيرتا إليها لكنهن كن مشغولات فلم يقلن شيئاً واتخذتهي طريقها إلى الدور الذي يقع فيه غرفة بول ،وعندما وصلت أمام الباب ترددت ، ثم فتحت وأطلت على الداخل ،كان سرير بول خالياً ، والأغطية ملقاه على جانب ،تاركه مكانه خاوياً تماماً ، لم تشعر دومني أبداً مثل هذه البرودة تسري في كيانها ،أحساس رهيب بالبرودة استبد بها وهي تنظر إلى الفراش الخالي .


اماريج 20-05-10 10:13 PM

مكان رأس بول كانت لا تزال علامته فوق الوسادة ، وساعة معصمه كانت على المنضده المجاوره للسرير ،وأحست بالدنيا تدور من حولها ، وسمعت صوتاًُ يقول لها تماسكي ،
ثم شعرت بيدين حازمتين تمسكان بها ،وتجلسانها فوق مقعد ، وجلست وهي ترتعش ، بينما كان الدكتور سويزا يصب ماء مثلجاً في كوب ،ويقربه من شفتيها ، ويقول :
( أيتها الطفلة الحمقاء ، تعرضين نفسك لمثل هذا الذعر ؟كان يجب أن تنتظري حتى آتي وأخبرك بأن بول أخذ إلى غرفة العمليات ، فقدوصل الجراح منذ نصف ساعة .
منتديات ليلاس
وكان الماء بارداً فوق شفتيها ، وجاء الخبر دافئ الأثر وسألت :
( كم ستستغرق الجراحة ؟)
( بضعة ساعات على ما أعتقد ، اسمعي يا صغيرتي ، لماذا لا تعودين إلى البيت ؟أن أجواء المستشفى ستضغط أكثر وأكثر على أعصابك خلال الساعات المقبلة .

( أفضل أن أبقى ، أعد بأن أكون عاقله ، سأشرب أنا وكارا القهوة ،وبعد ذلك سنجلس في الحديقة ) .

( بصفتي طبيبك كان يجب أن أمرك بالعودة إلى البيت ،ولكنك بدون شك ستكونين أشد أضطراباً وأنت تنتظرين الأخبار ، أجليس في الحديقة ،فالشمس أشرقت ، والجو دافئ ، ولن يصيبك أنت والأخت الصغيرة أذى هناك .

وجلست ، ونظرت إليه بعينين واسعتين في وجهها الشاحب ، وقالت :
( هل الجراح ماهر يا ميتروس ؟)
( واحد من أفضل الجراحين ، صلب مثل بول نفسه ، وأمثال هؤلاء الرجال يصلون دائماً إلى أهدافهم .ألا يفعلون ذلك ؟)

وعضت على شفتيها وهي تقول :
( لست متأكدة هذه المره ، أن بول بالتأكيد سيكرهني عندما ينتهي الامر ،ولكن كيف كان لي أن أتركه يموت ؟.

وأسرعت دومني عائدة إلى الغرفة التي تركت فيها كارا نائمة ،حتى تخبرها بأن وبول أصبح بين يدي الجراح ، وأن الأمل معقود على أن يمنح بول نظره إلى جانب حياته .
ومر الوقت بطيئاً ، ثم فجأة لمحت دومني أحدى الممرضات مقبلة في إتجاه حيث تجلس فيه مع كارا ، ونهضتا ، لمقابلتها ،
فأخبرتهما أن السيد ستيفانوس خرج من غرفة العمليات ، وبأنهما تستطيعان المجيء لإلقاء نظرة عليه .

وأضافت الممرضة ، التي كانت تتكلم اليونانية مع كارا التي قامت بمهمة الترجمة أن الجراح يرجوبعد ذلك أن يتكلم مع مدام ستيفانوس .
وخفق قلب دومني ذعراً ، والتقت بعيني كارا في توسل .وسألت كارا الممرضة بيونانية سريعة ، ثم قالت :
( الممرضة تقول أنها مجرد شكليات ).

ولكن أصابعهما أرتعشت وهما في طريقهما إلى الداخل .

.....نهاية الفصل 12....


اماريج 20-05-10 10:16 PM

13-والاخير
الحب ينتصر على الكبرياء
:55:
بدأ بول ، شأن المرضى دائماً عقب عملية طويلة ومرهقة كأنه لن يصحوا أبداً ، وكان رأسه ملفوفاً بالضمادات البيضاء .

وانقطع حبل الصمت في غرفة النقاهه عندما تركت كارا أخيراً العنان لدموعها ، وقالت وهي تشهق بعبراتها :
( أن .. ذلك لأنني سعيدة للغاية ..سعيدة جداً ، لأن بول سيكون على ما يرام ).

وكان الجراح رجلاً طويل القامة ، أسود الحاجبين ، ثقيل الكتفين وقال لدومني بطريقته الصريحة الصارمة أن عليها أن تفهم أنه لا يمكن التأكد في هذه المرحلة ما إذا كان فقد بصر زوجها سيكون كلياًأو جزئياً فخلال انتزاع الشظية ، تعرضت الأعضاء البصرية للتلف بإختصار ، يجب على السيدة ستيفانس أن تعد نفسها للأسوء ، وأن تتمنى الأفضل ، وفي أحسن الأحوال ، فإن بول يحظى بنور عينه اليسرى !

وأصرت العمة صوفيولا على أن تقضي دومني الأسبوع التالي في بيتها ،لأنه أقرب إلى المستشفى ، كذلك ليس من مصلحة دومني أن تبقى وحيدة مع القلق في ذلك البيت الكبير الخالي .
منتديات ليلاس
ووافقت دومني على الإقتراح ، لكن كان عليها أن تذهب إلى البيت لتحضر بعض
الملابس ، لأنها أيضاً أرادت أن تطمئن يانيس وليتا إلى أن بول سيكون بخير.

ووجدت البيت ساكناً للغاية ، ولكن في الخارج كان الرجال في حركة دائبة على الشاطئ بعضهم كان يرفع الأحجار من سرداب الكهف الذي لم يعد صالحاً للإستعمال ، والبعض كان مشغولاً بتركيب سلك كهربائي جديد لتشغيل مصعد يصل بين الشاطئ وأعلى القمة ،كانت تلك فكرة بول ، وكانت قد وضعت موضع التنفيذ منذ عدة أيام ،وفكرت دومني أنها ستكون الآن مفيدة للغاية ،لأن بول لن يتمكن من إستعمال الممرات المتاكله لمدة أسابيع ،ربما حتى نهاية عمره ، إذا لم تتحقق المعجزة التي كانت تدعو لها .

وكتبت رسالة لعمها قبل أن تنتقل إلى بيت العمة صوفيولا وجلست أمام مكتب بول في غرفته الخاصة ، واستعملت القلم المزخرف الذي كان ملكاً لجده .


اماريج 20-05-10 10:18 PM

كان لديها الكثير لتخبر به العم مارتن ، ولكنها لم تكن تريد أن تقلقه كثيراً ، لذلك لم تذكر له شيئاً عن الطفل الذي فقدته ، واستغرقت الرسالة صفحات عدة ، وأراحها أنها أخرجت على الورق بعض ما كانت تعانية من مشاعر القلق بشأن حالة بول .
منتديات ليلاس
وبدت لها فردان بعيدة ..كبيت في حلم ..حيث تجولت ولعبت ولم تكبر أبداَ.مثل أليس في بلد العجائب التي أعجبت بقصتها وهي صغيرة .

وجلست في هدوء على مكتب بول ، ثم أمسكت بيدها ثقالة الورق النحاسية المصنوعة على شكل ذلك الحيوان الخرافي ذي القرنين .الهدية التي أعطتها لبول ذلك اليوم من شهر العسل في مدينة يوم ..غريب .. وتذكرت كيف تمزقت ارباً سعادة ليلة حبها السابقة قبل أن تتوارى الشمس وراء الأفق .

وأخذت بإصابعها تتابع خطوط الثقالة الخارجية .رمز أكثر الأشياء مراوغة ، كان ذلك ما قاله بول ، رمز السعادة ،نسيج الأحلام ..ونهضت تخرج من الغرفة وقد حملت معها الثقالة مثل غنيمة .

وكانت لينا قد حزمت حقيبة لدومني ، وحملتها إلى الباب .وكان الباب مفتوحاُ ، وقد وقفت على السلالم تؤكد بنفسها أن زوجها سيشفى من مرضة وسيعود قوياً من جديد ، وكانوا جميعاً يحملون هدايا من الفاكهه والأزهار لتأخذها دومني
معها .

وحينما امتلأت ذراعها دومني بالأزهار ، لم تستطع أن تتكلم ، لأن طوق التأثر أحكم أغلاقة حول حنجرتها ، وتجمعت الدموع في عينيها ، وتساقطت فوق الورود الجميلة ذات الرائحة الزكية ، حينما دفنت وجهها ، ثم ركضت نحو السيارة .

وكانت الأيام القليلة التالية أخف وطأة على دومني لأن كارا رافقتها ،ونيكوس عندما يعود إلى البيت من العمل ، لقد بدا جاداً ، وناضجاً منذ وجد نفسه مسؤولاً تماماً
عن المكتب ، وتنهدت العمة صوفيولا قائلة وهي تطرز :
( أصبح أبني رجلاً .. يخيل إلي أنني منذ يوم أو أكثر ، كنت ما ازال أحمله طفلاً بين ذراعي ..آه .. ولكن سامحيني يا دومني ..
ماكان يجب أن أحدثك عن الأطفال الآن ، وأن كنت لا أشك في أنك سترزقين بأخرين مع تحسن حالة بول بعد العملية ، أنه لن يلبث طويلاً يا صغيرتي حتى يعود إلى بيته .

وظلت دومني تتشاغل بالمجلة التي كانت تتصفحها ،ذلك أن أحاديثها مع بول بجانب سريره ، لم تكن تتضمن أية أشارة
للمستقبل ، وكانت كارا تذهب دائماً معها خلال زيارتها له ، وكلما كانت تلمح برغبتها في تركهما على إنفراد لحديث خاص ، كانت دومني تصاب بهلع ، وكانت دائماً تفرح عندما ترى ابتسامة بول وهو يأمر أخته أن تبقى حيث هي .

كانت كارا ، وهي تبدو أشبة بجنية في الثوب الأخضر أفضل ثيابها ، تعود إلى الإنكماش ثانية بجانبة على السرير ، وهي تنقل بينه وبين دومني نظرات حائرة .

وقد لاحظت دومني هذه النظرات ، وأن تظاهرت بغير ذلك ،كانت بمرور الأيام تحاول أن تبدو عادية التصرفات قدر الإمكان ،
وكانت الأربطة حول رأس بول تقل يوماً عن يوم ، وعن قريب كانت الضمادات سترفع عن عينيه ،وعن قريب كانت ستعرف إذا ما كان سيرى قليلاً ، أم لن يرى على الإطلاق .

وكانت دومني قد ارتدت ثيابها استعداد للذهاب إلى المستشفى عصر يوم الجمعة ،عندما اكتشفت عدم وجود كارا في أي مكان في البيت ،ولم تستطع العمة صوفيولا أن تعرف مكانها ، لكنها في اضافت أن دومني ليست مضطرة إلى أنتظارها ،لأنها تضيع دقائق ثمينة من ساعة الزيارة المحددة .
منتديات ليلاس
وقالت دومني وقد تقلصت أصابعها فوق الحقيبة التي تحمل فيها الفاكهة لبول :
( ألا تأتين معي يا عمتي صوفيولا) ؟
وربتت العمة على ذراعها وقالت :
( يا طفلتي العزيزة ، هذه فرصة ذهبية لك لتنفردي ببول ،ما كان يجب أن تأخذي كارا معك كل مرة ، أنا على ثقة بأنها تحتكر كل الحديث ،يالها من فتاة ثرثارة ! إنها أحياناً توجع رأسي العجوز ) .
منتديات ليلاس
( ولكن بول يستمتع بالصحبة ، من فضلك تعالي ) .
وحينئذ نظرت إليها العمة صوفيولا بدهاء وقالت لها بصراحة :
( هل أنت خائفة من الإنفراد ببول ؟ هل تخشين أن يلومك ، إذا اكتشف بعد رفع الضمادات أنه أعمى ) ؟
وأجابت دومني برنة ألم :
( عمتي صوفيولا . . . إنك قاسية القلب ) .
قالت العجوز بجفاء :
( إن هذا يجري في دماء الأسرة . )


اماريج 20-05-10 10:20 PM

وظلت واقفة أمام الباب حتى ركبت دومني السيارة القديمة ولوحت لها والسائق ينطلق بها ، وعرف بول في الحال أنها جاءت بمفردها ،وكانت تتكلم بعصبية طوال الوقت وهي تخرج الثمار العنب والخوخ من الحقيبة ،وترتبها في طبق على المنضدة الماصقة لسريرة ، وكانت أوراق الورد التي أحضرتها في اليوم السابق تناثرت علة الأرض ،فانحنت تلتقطها ، وتجمعها في يدها مختلسة نظرة نحوه ،لترى أنه كان غير مرتاح في جلسته والوسائد خلف ظهره ، وبدأ عابساً تحت أنفه الشامخ المتعجرف .
وقالت دومني :
( أعرف أنك تحب أن ترى كارا ، ولكن . . . )
وهنا قطعت كلامها ، ولكن بعد فوات أوان التنبه إلى ألفاظها وتلعثمت ثم أستطردت تقول :
( هل . . . هل تحب أن تأكل خوخاً ؟ سأقشر لك واحدة ) .

وبهدوء قال :
( دومني ، يوجد شيء أريده ) .
ووقفت في لهفة بجانب سريره متسائلة :
( ما هو يا بول ؟ أخبرني من فضلك ) .
وأدار رأسه وبدأ كما لو كان ينظر إليها مباشرة من خلال الضمادات وقال :
( اريد أن تشتري تذكرة طائرة ، وأن تعودي إلى انكلترا ) .
وحدقت فيه غير مصدقة ، وهتفت :
( ماذا ؟ )
ووضع يديه وراء رأسه وقال :
( لقد سمعتني ) .
منتديات ليلاس
ولم ترفع بصرها عنه ، كانت الشمس تلقي أشعتها من خلال النافذة على سريره ،
في خطوط أشبه بجلد النمر ، وشعاع ذهبي منها أستقر على عنقه الأٍسمر ،حيث كانت سترة البيجامه مفتوحة . . . ولمحت دومني حنجرته وهو يبلع وانفجرت قائلة :
( إذا كنت تعتقد أنني سأشتري هذه التذكرة ، فأنت مخطئ للغاية ، سأبقى هنا ) .

قال بجفاء :
( سيخرجونك من هنا بعد خمسين دقيقة ) .
ومالت فوقه ، واستندت بيدها على السرير ، وقالت :
( كان من الضروري أن أوقع الأوراق ) .
( تقصدين . . . إنهم أرغموك ؟ )
( كلا . . . فعلتها بنفسي من أجلك يا حبيبي ) .
( ما ذا دعوتني ؟ )

ومن جديد أحست كأنه يتأملها من خلال الضمادات ، وبدأ فمه متردداً ، مسترخيا بعد توتر اللحظة التي مرت .

وأندفعت دومني كالعاصفة تقول :
( دعوتك من قبل الطاغية اليوناني ، والآن تقول لي أن أذهب إلى انكلترا ؟ هل تعتقد أنني أذهب وأنت في هذه الحالة ؟
من حقي معرفة ما إذا كانت عينك اليسرى سليمة كما هو حقك ) !

اماريج 20-05-10 10:22 PM

( منذ متى ؟ )
( منذ أن دخلت حياتي ، وجعلتني زوجتك )
ووبحث بيده . . . فوضعت يدها فيها ، وأغلق أصابعه بإحكام على أصابعها ، وسأل :
( هل أنت آسفة عليّ ؟ )
( آسفة عليك ؟ أنني أسفة على نفسي، لأن عليّ أن أحتملك لمدة الخمسين عاماً المقبلة ،أيها الطاغية ً ، يالها من حياة ! !
( أنا لا أسألك أن تبقي ) .

( أنت لم تسألني أن أحبك ، أخبرتني أن أحتفظ بالحب ، سوف أحتفظ به لنفسي إذا كان لا يزال ما تريد يا بول ولكنك لفترة سوف تحتاج إلي . . . وأنا في خدمتك ) !

ثم أطلقت شهقة عاليه عندما عادت أصابعة تسحق أصابعها من جديد ،ورفع يدها إلى فمه وقال :
( يا لأنوثتك وأنت تهددين وتبكين في الوقت نفسه ) .
( أنا . . . أنا لا...
( لست أنثى ؟ )
( لا . . . لا أبكي . . . )

وسقطت فوق السرير ، ودفنت وجهها في كتفه ، وتركت العنان أخيراً لدموعها المختزنة ،واسند رأسه على صدرها ، وداعبت شعره بأصابعها وهي تقول :
(الدكتور سوبزا متفائل جداً . . . كلنا متفائلون . . . وأنت ؟ )

( هل أستحق أن أكون ؟ لقد انتزعتك من كل ما كان عزيزاً عليك ،وخدعتك تلك الليلة الأولى ، وحطمت قلبك بفقد الطفل ،وعانقته وقالت بنعومة :
( لا تتكلم بعبارات كهذه يا بول فأني أحبك ، جعلتني أحبك منذ فترة طويلة ،ولكن الكبرياء كان دائماً رذيلتي ، ولم أستطع أن أعترف بهذا الحب لنفسي فيكف كنت
أستطيع أن أعترف به لك ؟ أوه يا بول عندما أخبروني أنك تموت ،أردت أن أموت معك ، وحينما قال الدكتور سويزا أن هناك فرصة ولو فرصة عمياء . . . كان لا بد لي أن أدعك تنالها يا حبيبي . )

وتحسست رقبته ، وكتفيه وشعرت بعظامها تتفتت عندما احتواها بين ذراعيه بطريقته القديمه ، وانطلق يهمس بصوت متهدج :
( ضقت ذرعا بهذا المستشفى ، يجب أن ينزعوا هذه الأربطة سريعاً ،
أريد يا دومني أن أعود معك إلى البيت ) .
وضمها أكثر وقال هامساً :
( الشمس والقمر والنجوم مظلمة الآن يا دومني ، ماذا لو ظلت هكذا بالنسبة إلي ؟)
( إن شخصين يستطيعان الرؤية عبر الجبال والمحيطات يا بول ،إذا كانا معاً ، وكل منهما بحاجة إلى الآخر ) .
منتديات ليلاس
(تبدو الآن يا حبيبي أنعم ملمساً ، كنت تبدو قبيحاً بعد العملية ) .
( هل أرهبتك ؟ )
( ومضى أبداً وقت لم ترهبني فيه ! )
*****
وعادا إلى البيت بعد أيام قليلة ، حيث وقف بول في الشرفة ، وقد لف ذراعاً حول خصر دومني ،ورأى من جديد زرقة البحر الأيوني العميقة منعكسة في عينيها اللتين رفعتهما نحو وجهه في حب ،ولم يكن ملحوظاً أن بول فقد بصر عينه اليمنى كلية ، ولكن الرؤية في العين اليسرى كانت تشتد يوماً بعد يوم .

وشردت أفكار دومني ، العينان اللتان تشبهان عيني النمر . . .
وازدادت التصاقاً ببول . . . أحست أنها تحبه كثيراً . . .العزيز المسيطر ، الذي سيرت منه أبناؤه الشجاعة والجرأة .
وقال بول :
( سنعيش حياة طيبة معاً يا دومني ، الآن سيكون حالنا كذلك اليوم الذي كنا فيه معاً
في كورنويل ، هل تذكرين الثقالة النحاسية . ) ؟
وأومأت في سعادة وقالت :
( كانت في حقيبة يدي كل يوم ذهبت فيه لزيارتك في المستشفى ، هذا الحيوان الخرافي جلب لنا الحظ ،والسعادة يا بول )

أضاف وهو يضمها أكثر ، وبلا نهاية :
( وأنت جلبت لي الحب ) .
ولم يتركها حتى أقبل يانيس ليخبرهما أن الشاي في إنتظارهما .

النهاية

اماريج 20-05-10 10:25 PM

تمت والحمدلله
قراءة ممتعة ياحلوين
:lol:


الروح الهائمه 21-05-10 04:35 AM

شكراااااااااااااا
مرررررره نايس هالروايه
الللللللله يعطيك العافيه
النهايه رووعه
تحيااااااتي متابعتك
الروح الهائمه

Rehana 21-05-10 08:18 AM

يعطيك ألف عافية حبيبتي

على تنزيل الرواية وراح اقرأها في القريب

دمتي بوود


http://www.commentsyard.com/graphics...hank-you45.jpg

قماري طيبة 21-05-10 12:16 PM

روايه جميلة جدااااااااااااااااااااا سلمت يداك عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

ندى ع 28-05-10 10:26 PM

مراحب
مشكورة على الرواية تمنيت انها ما تخلص أبد
راااااائعة

الجبل الاخضر 31-05-10 01:06 AM

برافو:55:برافو:55:برافو:55:برافو:55:
شكرا على الاختيار الرئع وتسلمييييييييييييييييين وننتظر جديدك
:flowers2:لك مني اجمل تحيه وصراحه ابدعتي في الاختيار:flowers2:
:55::55::55::55::55:شكرافعلاًاستمتعت :55::55::55::55::55:

اماريج 06-06-10 09:45 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الروح الهائمه (المشاركة 2315211)
شكراااااااااااااا
مرررررره نايس هالروايه
الللللللله يعطيك العافيه
النهايه رووعه
تحيااااااتي متابعتك
الروح الهائمه

االله يعافيك ويسعدك ربي
عن جد انتي الاروع وتعليقك حلو بس
مش احلى منك ياعسل
منورة
:flowers2:

اماريج 06-06-10 09:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمــر الليل (المشاركة 2315441)
يعطيك ألف عافية حبيبتي

على تنزيل الرواية وراح اقرأها في القريب

دمتي بوود


http://www.commentsyard.com/graphics...hank-you45.jpg

الله يعافيك ياقمورة
تسلمي حبيبتي على مرورك ياعسل
وان شاءالله راح تعجبك الرواية هي كتير حلوة
منورة ياقمر دمتي بخير
:flowers2:
:Thanx:


اماريج 06-06-10 09:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قماري طيبة (المشاركة 2315526)
روايه جميلة جدااااااااااااااااااااا سلمت يداك عليها... بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه... موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

قماري عزيزتي وجودك دوما بسعدني
وتعليقاتك حلو كتير ياعسل
:flowers2:
واسعدني جدا انو الرواية عجبتك
منورة ياحلوة

اماريج 06-06-10 09:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ع (المشاركة 2325489)
مراحب
مشكورة على الرواية تمنيت انها ما تخلص أبد
راااااائعة

ندى اسعدتيني جدا انو الرواية عجبتك
كتير انا سعيدة بكلامك
ربي يسعدك انتي نورت الرواية ياحلوة وانا كمان بحب هذه الروايةكتير وقراتها كتير
دمتي بخير
:flowers2:

اماريج 06-06-10 10:00 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2327491)
برافو:55:برافو:55:برافو:55:برافو:55:
شكرا على الاختيار الرئع وتسلمييييييييييييييييين وننتظر جديدك
:flowers2:لك مني اجمل تحيه وصراحه ابدعتي في الاختيار:flowers2:
:55::55::55::55::55:شكرافعلاًاستمتعت :55::55::55::55::55:


شو هذا انا مش قدك
بس حلو كتيررررررررتشجيعك لي
تحياااااااتي العطرة لك ياالخضرة ربي يسعدك حبيبتي
انتي منورة ياعسل
:flowers2:


زهورحسين 03-07-10 02:57 PM

الروايه جدآ رائعه واللي نزلهااروع وللجميع مثلل مايكولون باليوناني(اغابي مسي غابو)

sadeka 05-07-10 01:42 PM

حلوه كتيييييييييييير
تسلم اديكي

اماريج 08-07-10 08:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهورحسين (المشاركة 2366103)
الروايه جدآ رائعه واللي نزلهااروع وللجميع مثلل مايكولون باليوناني(اغابي مسي غابو)


تسلمي حبيبتي كلك ذوق
منورة الرواية فيكم
تحيااااااتي العطرة لك:flowers2:

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sadeka (المشاركة 2368923)
حلوه كتيييييييييييير
تسلم اديكي

الاحلى كان مرورك المميز
الله يسلمك ياحياتي
لك ودي:flowers2:

فرفوشة 25-07-10 12:33 PM

قصة جميلة جدااااااااااااااا واحلي ما فيها ان الحب انتصر علي الكبرياء

rosi 25-07-10 10:44 PM

النهاية كانت روعة مع اني قراتها من زمان بس هي رواية حلوة كتير سلمت يداك ومرسي عليها

احلى عالم 26-07-10 09:13 AM

برافو روعة يسلمو كتير

katia.q 26-07-10 09:53 AM

أنا بحب الرواي’ دي جدا
ميرسي على ذوقك الجميل فى الاختيار

اماريج 26-07-10 05:18 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فرفوشة (المشاركة 2392488)
قصة جميلة جدااااااااااااااا واحلي ما فيها ان الحب انتصر علي الكبرياء


االاجمل كان تواجدك فيها
وشكرا على التعليق الحلو ياحلوة
دمتي بخير:flowers2:



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة rosi (المشاركة 2392827)
النهاية كانت روعة مع اني قراتها من زمان بس هي رواية حلوة كتير سلمت يداك ومرسي عليها



الاروع كان مرورك ياعزيزتي
وشكرا على الكلام الجميل
دمتي بخير:flowers2:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احلى عالم (المشاركة 2393653)
برافو روعة يسلمو كتير


العفوووووووو يالغلا
والله يسلمك ياحياتي
لك ودي:flowers2:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2393682)
أنا بحب الرواي’ دي جدا
ميرسي على ذوقك الجميل فى الاختيار

وانا كما بحبها كتير وقرائتها اكتر
والعفوووووو ياحلوة والشكر لمرورك ياقلبي
لك ودي:flowers2:



нάмşά 3şħ2 28-07-10 03:41 AM

رواية رائعة

شكرااااااااااا لكى

اماريج 16-08-10 04:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة нάмşά 3şħ2 (المشاركة 2395821)
رواية رائعة

شكرااااااااااا لكى

العفوووووو حبيبتي نورت الرواية فيك
دمتم بالف خير

mrj 27-08-10 01:28 AM

يسلمووو بس وين بقية الروااايه ؟؟؟؟؟؟؟
الروااايه رمنسيه شكرا بس
بليززززنبي بقية الروااااااايه

فرفوشة 31-08-10 02:33 AM

تسلمي ع الرواية

Angel1118 02-09-10 08:14 PM

رواية رائعة راقت لي
سلمت اناملك غاليتي
تقبلي خالص حبي وودي
اختك
Angel 1118

اماريج 03-09-10 07:00 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mrj (المشاركة 2426840)
يسلمووو بس وين بقية الروااايه ؟؟؟؟؟؟؟
الروااايه رمنسيه شكرا بس
بليززززنبي بقية الروااااااايه


الله يسلمك ياقلبي
العفوووووو ياحلوة والرواية كاملة فيك حبيبتي تقرائيها
دمتي بود:flowers2:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فرفوشة (المشاركة 2430989)
تسلمي ع الرواية



ياهلا وغلا بالحلوة
والله يسلمك حبيبتي دمتي بود:flowers2:



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Angel1118 (المشاركة 2433324)
رواية رائعة راقت لي
سلمت اناملك غاليتي
تقبلي خالص حبي وودي
اختك
Angel 1118



الاروع مرورك العطر وتعليقك يلي افرحني جدااااااااااااا:)
والله يسلمك ياعسولة
دمتي بود:flowers2:

:liilas:

فجر الكون 18-02-11 12:48 AM

شكرا :flowers2:

اماريج 02-03-11 08:35 PM


ياهلا وغلا بالحلوين
اسعدني انو اختياري للرواية عجبكم^_*
منورة صدقا ودي لكم:flowers2:
:liilas:
هذه الرواية انا بحبها كتير:lol: افتكروني

lily12 11-03-11 12:57 AM

روعة روعة شكراااااااااااااااااااااااا

زهرة منسية 11-03-11 07:23 PM

يسلم ايديكى الروليه دى حلوه كتير انا قريتها قبل كده كذا مره لانها من مجموعة رواياتى المفضله واستمتعت بيها كتير لما قريتها دلوقتى شكرآ كتييييييييييييير ليكى احلى أماريج

ندى ندى 22-11-11 01:26 AM

جميله جدا جدا جدا

اماريج 22-11-11 01:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lily12 (المشاركة 2667595)
روعة روعة شكراااااااااااااااااااااااا

الاروع مرورك فيها منورة ياعسل

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nona1979 (المشاركة 2668384)
يسلم ايديكى الروليه دى حلوه كتير انا قريتها قبل كده كذا مره لانها من مجموعة رواياتى المفضله واستمتعت بيها كتير لما قريتها دلوقتى شكرآ كتييييييييييييير ليكى احلى أماريج

الله يسلمك حبيبتي الاحلى طلتك العطرة فيها
وانا كمان قرئتها اكثر من مرة وسعيدة ^^كتيررررررانو اختياري للرواية عجبك
حبي وودي لك ياغالية

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ندى (المشاركة 2934080)
جميله جدا جدا جدا

الاجمل والاحلى هو تواجدك فيها يالغلا منورة حبيبتي:liilas:

امبراطورية ع 23-11-11 09:31 PM

خطييييييييره كعادتك اماريجو
الروايه تجنننننننننن
خاصة ان البطل يونانى
تسلمى ياقمر على الاختيار المميز

حبيبة قلبه 23-11-11 10:54 PM

تسلم ايديج اماريج على الاختيار الحلو..
:55:وفعلا هالرواية من الروايات اللي قريتها اكثر من مرة وخصوصا اني احب كتابات (فيوليت وينسبر)

دورونا 29-04-13 10:19 PM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة (كاملة)
 
رواية رائعة جدا.....شكرا

hoob 13-05-13 09:36 PM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة (كاملة)
 
:dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::55:

ميريهان 24-03-15 02:23 AM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة جدا وناعمة جدا شكرا لك

الاميره ناديه 29-03-15 06:46 AM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميله جدا تسلم ايدك

نجلاء عبد الوهاب 03-04-15 01:17 AM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
هي دى مش اول مره اقرا فيها الروايه بس فعلا تستحق لانها من اجمل الروايات اللى قراتها
:55::55::55::55::55:

ياسمين فتوح 14-09-19 04:58 AM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:waves::8_4_134:

نجلاء عبد الوهاب 11-07-20 11:22 PM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
حلوه كتيييييييييييييييييييير بحب اقراها كتييييييييييييييييييييييييييييييييييير
:e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106: :e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106::e106: :e106::e106::e106:

نجلاء عبد الوهاب 13-02-22 11:58 PM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
بحبها جدا الرواية دى
💖❤🎉💕👏👍😍😘
:c8T05285::c8T05285::c8T05285::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1: :c8T05285::c8T05285::c8T05285::ma1::ma1::ma1::hR604426::hR60 4426::hR604426::ma1::ma1::ma1:

Moubel 16-02-22 05:58 PM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
قرأتها من زمن بعيد. كانت هذه من أول الروايات اللتي قرأتها

شكرا

نجلاء عبد الوهاب 24-05-22 12:12 AM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285: :c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285: :c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285: :c8T05285:

نجلاء عبد الوهاب 05-09-22 09:10 PM

رد: 7_ شهر عسل مر _ فيوليت وينسبير _ روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:LgN05096::LgN05096::LgN05096::LgN05096::075::075::075::075: :rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::iU804754: :iU804754::iU804754::iU804754::iU804754::ma1::ma1::congrats: :congrats::congrats::congrats:


الساعة الآن 03:29 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية