منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t113562.html)

زونار 19-06-09 03:55 PM

94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
أنين الساقية – أليزابيث غراهام – روايات عبير القديمة
الملخص
رفه عن نفسك! تعرف الى شخص آخر ! لا تيأس! عبارات تقال دائما لجريح القلب.
كوري المعلمة الصغيرة , المتخرجة حديث, يجرحها الحب , لكن يأتي من يعرض عليها صفقة بديلة يقصد بها ترفيهها وأبعادها عن مصادر الألم.
كريغ مايسون يقدم لها وظيفة معلمة في مزرعته البعيدة, ثم يطلب يدها في زواج شكلي هدفه الأعتناء بطفل شقيقه الراحل, ومساعدته على ربح دعوى الحضانة لضم الطفل اليه .
.... تقبل كوري وتسافر معه الى مزرعته , وتسير الأمور كما رسمعا كريغ, الى أن تظهر ماريزا والدة الصبي الجميلة وعازفة البيانو الشهيرة, زواجها الأبيض اسودت صفحته في الكوخ حين تكشف كوري حبها اللا نهائي لكريغ...
لكن ماريزا بالمرصاد لأخذ كريغ والطفل والمزرعة , تلملم كوري جرحها وتبتعد تاركة كل شيء للمنتصرة .منتديات ليلاس

زونار 19-06-09 03:57 PM


1- الجرح في القلب
" ألم ترتدي ثيابك بعد يا كوري؟ أرجوك أسرعي , المدعوون سيكونون هنا خلال دقائق".
بهذا بادرت دورين بيدج شقيقتها التي كانت ما تزال تجلس أمام المرآة منذ بعض الوقت من دون أن تغير هندامها , ودورين كانت مكتملة الأناقة في ثوب طويل للسهرة , حدقت في شقيقتها التي راحت تسرَح شعرها الطويل مجيبة:
" لا تستعجلينني يا دورين, أنا لا أظن أن وجودي بين ضيوفك ضروري لحظة وصولهم".
وأضافت وهي تتحرك نحو الخزانة بحثا عن فستان.
" وأنا لا أظن كذلك أن وجودي في الحفلة كلها ضروري".
ردت دورين فورا:
"الأمر ضروري جدا لدى هاورد , وأنت تعرفين ذلك, أن كبار المستثمرين في المصرف سيكونون هنا الليلة!".
وتابعت ببطء:
" يجب أن تعترفي بفضل هاورد عليك , على الأقل يمكنك...".
قاطعتها كوري وهي تضع فستانا أبيض عليها وتدير ظهرها لشقيقتها البكر كي تشدَ لها السحَاب.
" لا بأس يا دورين , هاورد سيرتاح من مصاريفي خلال وقت قصير , وحالما تصلني شهادة التعليم سوف...".
" لا تتكلمي هكذا. أنت تعرفين جيدا أن هاورد سعيد في مساعدتك على أكمال دراستك , خصوصا بعدما أنتقل والدنا الى ولاية أريزونا للتقاعد هناك, لم يتذمر يوما من هذا الموضوع , ولكنني أعتقد...".
" أعرف يا أختي تماما ما تعتقدين : أن هاورد عزيز جدا".
وأضافت متهكمة :
" على الرغم من أنه ثري جدا".
ردت شقيقتها باستغراب:
" أنا لا أفهم موقفك السلبي من الرجال الأغنياء , وأنا سعيدة جدا لأن خطوبتك لروجر أنتهت , أنت لا تعرفين معنى العيش في فقر ألى أن تجربي ذلك بنفسك".
ابتسامة كوري أختفت من وجهها مع ذكر روجر هانسن , جلست بعصبية أمام المرآة وتناولت فرشاة وراحت تسرح بها شعرها بضربات عصبية.
أدركت دورين تسرُعها في أبداء الملاحظة فقالت مازحة:
" لا بأس يا حبيبتي , هذه الليلة ستلتقين برجال جدد لم تلتقيهم من قبل هنا, لا بد أن ينالوا أعجابك".
" لن يكونوا مختلفين عن غيرهم , رجال في أواخر الأربعينات , شقر ومترهلين في كل حال يا دورين أنا لست مهتمة بالرجال هذه الأيام , وربما لن أهتم في المستقبل".
مدَت دورين يديها نحو كتفي شقيقتها بتعاطف , جعل الدموع تغمر عيني كوري.
فقالت دورين:
" أنا أعرف أن ما حصل لم يكن سهلا عليك, ولكنني شخصيا عندما أكون متضايقة من أي شيء أجد الحل في الأختلاط مالترويح عن النفس في الحفلات".
وجاء صوت هاورد من بعيد يدعو الفتاتين للألتحاق به في الطبقة الأرضية.
فانسحبت دورين قائلة:
" سوف أخبر هاورد أنك قادمة خلال لحظات , هو دائما يقول أنك جيدة في التعامل مع الناس ويعتمد عليك في حفلات العمل كالتي نقيمها الليلة".
وخرجت دورين مطمءئنة الى موافقة شقيقتها وأغلقت الباب مخلفة كوري تحارب الدموع وتمنعها من أن تنهمر على وجهها , كوري كانت دائما ترفض الدموع وتعتبرها عارا على النساء , لم تتجاوز الثانية والعشرين من العمر, وبمرحها كانت دائما تتجاوز خيبات الأمل التي تمر في حياتها, ولكن خيبة الأمل الأخيرة كانت أكثر مما تستطيع تحمله , فقبل يومين فقط ذهبت الى شقة روجر التي يشاركه فيها طالبان في الحقوق مثله , ووجدته وحده ولكن مع آنجي في السرير ! صدمتها المفاجأة , هب روجر هو الآخر مصدوما , وضع رداء عليه بسرعة وقال محاولا التبرير والأسترضاء:
" كوري , أن الأمر ليس كما يبدو".
وبدا دفاعه ضعيفا, فقالت وهي تكاد تختنق من غيظها وتنسحب الى الباب:
" طبعا الأمر ليس كما يبدو يا روجر , أنت ربما تعطيها دروسا في التنفس الأصطناعي بواسطة الفم, خذ هذا وضعه على أنفها , واسحبها الى الشاطىء للسلامة".
قالت ذلك وهي ترمي له خاتم الخطوبة بعدما سحبته من أصبعها , وخرجت من الشقة الى غير رجعة.
نظرت الى نفسها في المرآة وتساءلت: ترى هل أزعجها كونها ذهبت الى روجر وفي رأسها الرغبة التي كانت لدى آنجي؟ هي أختلفت مع روجر لأنها رفضت أن تستجيب لرغباته قبل الزواج, وهو أعتبرها متخلفة عن العصر في موقفها وحصل صدام , ذهبت اليه لتعيد المياه الى مجاريها ولكنها أصطدمت بغريمتها هناك, مسحت الدموع من عينيها الخضراوين , صحيح أنها خسرت روجر من أجل فتاة ربما أجمل, ولكنها هي ذاتها ما تزال نقية مثل زهرة ربيعية , الفكرة أنعشتها وأعطتها العزاء .
منتديات ليلاس
وبعد وقت قليل كانت كوري في الطبقة الأرضية تتبختر في فستان السهرة بين الضيوف والأثاث الفخم , ثم تنتقل الى الباحة الخارجية المطلة على مدينة فانكوفر التي بدت تلمع بأضواء الكهرباء تحت سماء سوداء تتخااها النجوم والقليل من الغيوم, اأبواب بين القاهة الكبرى والباحة الخارجية كانت مفتوحة مسهلة للضيوف للأنتقال الى الخارج والأستمتاع بطقس استثنائي في ليل أيار(مايو) , راحت كوري ترد الأبتسمات الى وجوه سبق أن التقت بها في حفلات كان يحييها هاورد زوج شقيقتها كمدير للمصرف, توقفت قليلا لتتبادل الحديث مع عائلة ديلاني الغنية بالأخشاب والمتواضعة في التصرف عكس الآخرين , لفتها من بعيد شخص طويل بعينين شديدتي السواد تنظران اليها , أدارت ظهرها لتتابع الحديث مع الحلقة المحيطة بها , وفكرت أن عيني أي رجل لن تهمها أكانت سوداء أم ملونة, ومع ذلك شعرت أن عينيه تراقبانها من بعيد, لم تتمالك من الأستدارة لتنظر اليه ببرود, بدا غريبا , أسمر اللون , أسود الشعر والعينين, سترته البيضاء ساهمت في أبراز بشرته التي لفحتها أشعة الشمس, ولم تخف أتساع منكبيه , بدا من الرجال الذين تنجذب اليهم النساء خصوصا اللواتي أحطن به مع أزواجهن , وبدت فتاة شقراء الى جانبه متأبطة ذراعه , أعادت كوري رأسها نحو المحيطين بها من دون أكتراث للناظر اليها من بعيد, أعادت كوري رأسها نحو المحيطين بها من دون أكتراث للناظر اليها من بعيد,وأنضم اليها هاورد مبتسما , وهي معجبة بزوج شقيقتها , كان كريما جدا معها ومع أهلها , يقترب من الخمسين في حين أن دورين لم تتجاوز الثلاثين, تمنت أن يحقق حلمه بأنجاب ولد واحد على الأقل , كانت متأكدة أنه سيكون والدا حنونا.
فريد ديلاني قال لهاورد مبديا أعجابه بكوري:
" هذه الفتاة لو رغبت في العمل لديَ في شركتي سأكون أكثر من سعيد , أنَ أبتسامتها ساحرة".
فمد هاورد ذراعه في أخوة نحو كتفي كوري وقال مبتسما:
" أعتذر يا فريد, أعتقد أن عليك الأنتظار في الصف من بعدي ومن بعد أدارة المدرسة التي ترغب في كوري".
ابتسمت كوري وقالت منسحبة:
" أفضل الأنسحاب على أن يصيبني الغرور من جراء مديحكم".
واستدارت الى الوراء وسارت لتجد دورين مع الرجل الأسمر الذي كان يحدق فيها قبل قليل, وبادرتها دورين:
" يا كوري, هنا شخص طلب أن يقابلك".
قالت ذلك مبتسمة و فهمت منها كوري أن الرجل مهم جدا , على الأقل في عيني دورين , وتم التعارف:
" غريغوري مايسون شقيقتي كورين ديفيس".
" كيف حالك يا آنسة ديفيس".
قال الرجل الطويل أمامها مادا يده الكبيرة نحو يدها التي بدت بحجم العصفور الصغير, عن قرب بدا الرجل أشد سمرة مما أعتقدت نتيجة حمامات شمسية مكثفة, على أحدى وجنتيه تظهر آثار جرح كبير تنتهي في شعره الأسود.
شعرت كوري أنها أحمرَت خجلا عندما نظرت الى عينيه الجريئتين , ولم تفهم ما كانت تقوله دورين الى أن أنتبهت:
".... مزرعة في الداخل, ومع ذلك لا أفهم كيف يمكنك أن تعيش في مكان معزول كهذا يا سيد مايسون, أن الحياة هنا أكثر أثارة".
" أن في المزرعة الكثير من الأثارة يا سيدة بيدج, ربما ليست الأثارة التي أنت معتادة عليها هنا أو التي يهمك أمرها , ولكنها تلائمني جدا".
وتابع وهو ينظر الى كوري:
" أن الحيوان أكثر أثارة من الأنسان في كثير من الأحيان".
" أنت تمزح بالطبع".
قالت دورين مبتسمة وأختصرت الموضوع بتغييره قائلة:
" وأظن من المناسب أن أترككما معا للتعارفا, وسألتحق بهاورد الذي يبدو أنه بحاجة ألي!".
وراقبت كوري شقيقتها تنسحب الى حيث وقف هاورد حتى كادت تنسى الرجل الواقف الى جانبها الى أن قال:
"هل نتحدث في الخارج؟ هناك بعض الهدوء, وأظن أنك تملكين لسانا يمكن أن ينطق".
أحمرت كوري مجددا , وشعرت بأنزعاج من تصرفه الواثق خصوصا عندما وضع يده تحت ذراعها وقادها الى الخارج.
" نعم أملك لسانا , ولكن الكثيرين يجدونه مرا".
وعندما توقفا في أحدى زوايا الباحة الخارجية وجلسا على مقاعد وثيرة قال:
" وأعتقد أنه, أضافة الى كونه مرا, يمكن أن يكون جذابا أن تركت له العنان".
وشعرت كوري بالعداء اتجاه الرجل الذي تلتقيه لأول مرة , ولم تفهم لماذا؟ ربما لثقته الزائدة في نفسه وفي أعتقاده أنها ستفرح لمجرد أختيارها من بين جميع النساء في القاعة لينفرد بها , أن شكله يجذب مختلف أنواع النساء وحتى آثار الجرح الكبير لا تخفف من جاذبيته , وربما تزيد منها أذ تضفي عليه نوعا من الغموض.
سحب سيكارا طويلا من جيبه وسألها أن كانت تنزعج من تدخينه , أجابت بلا مبالاة:
"لا أنزعج أن كنت أنت لا تنزعج".
" لا أعتقد أن سيكارا أو أثنين في اليوم يضران في الصحة".
وأشعل كبريتا أنعكس على وجهه فبدا قوي الملامح من النوع الذي لم تعرف مثله, ماذا قالت دورين؟ أنه مزارع في منطقة نائية , اذا هذا ما يفسر تأثير أشعة الشمس على بشرته, وفكرت أنه كمزارع لا يمكن أن يكون لعوبا وثريا, ومع ذلك دعاه هاورد , أذن يجب أن يكون ثريا.
بدأت بتردد:
" مزرعتك... هل تعتبر كبيرة؟".
" كبيرة جدا, فيها بضعة آلاف من الماشية".
"آه".
ولم تجد كوري غيرها تعبر عن دهشتها, لم تستطع أن تتصور آلاف الرؤوس من البقر في مزرعة , ووجدت أن الأمر لا يعنيها, نظرت الى المدينة المضيئة من بعيد , وفكرت أن روجر هناك , ربما وحده في شقته أو مع آنجي, وشعرت أن الدموع تكاد تظهر من عينيها فأدارت وجهها عن الرجل الذي أمامها.

زونار 19-06-09 03:58 PM


وأذا به يقول:
" أن زوج شقيقتك أخبرني عن آخر تجربة قاسية مررت بها".
نظرت اليه منزعجة وأذا به يضيف:
" أخبرني أيضا أنك معلمة".
" سوف أكون معلمة عندما تصل شهادتي خلال أسبوع".
وشعرت بارتياح لأن الحديث أبتعد عن الموضوع الأول ولم يدم أرتياحها عندما قال:
"من أجل هذين السببين جئت اليوم الى هنا , أعتقد أنه يثيرك العرض الذي سأقدمه لك".
وفكرت بأرتباك , ما الذي جعل هاورد يخبر هذا الغريب عن أمورها الخاصة , وتملكها الغضب فأجابت:
" عرض؟ أي عرض؟ لا أعتقد أن عرضا منك سيثيرني يا سيد مايسون".
" أليس من اللائق أن تستمعي الى العرض قبل أن ترفضيه؟".
" ولكن أظن أن هاورد يريدني الآن في الحفلة في الداخل".
وحاولت أن تنهض فأمسكها من ذراعها قائلا:
" هاورد يعرف عن رغبتي في الأخذ من وقتك , هل تجلسين؟ أرجوك".
ولأنه قال أرجوك , وبدت كأنها من الكلمات النادرة التي يتلفظ بها, تراجعت وعادت الى المقعد تستمع أليه.
قال:
" أنا هنا في فانكوفر أبحث عن معلمة تستطيع أن تأتي معي الى مزرعة مايسون , تعلم لفترة قصيرة جدا حتى آخر السنة الدراسية أي مدة ستة أسابيع".
وحملقت به كوري وقالت بغضب:
" ما الذي حملك أنت وهاورد على الأعتقاد أنني أرغب في الأنتقال الى الأدغال؟ حتى ولو لفترة قصيرة؟ هل أطلقت أسمك على بلدة؟".
أجاب متجاهلا غضبها وسخريتها:
" مزرعة مايسون هي مزرعتي".
" وهل هي كبيرة جدا حتى يكون فيها مدرسة؟".
" ثمة أربعة عشر ولدا يتابعون الدراسة من أبناء المزارعين , وجدت أنه من اللائق أن أجعل لهم مدرسة خاصة بهم على أن يتكبدوا الأنتال الى مدارس بعيدة , وذلك من أجل الحفاظ على الحياة العائلية في المزرعة, طبعا ليس من السهل أن نحتفظ بمعلمة في مكان ناء مثل مدرستي وفيها أولاد من مختلف الأعمار , آخر معلمة تركت قبل أسبوع بسبب هذه العزلة وأختلاف أعمار الأولاد".
" وما الذي يجعلك تعتقد أنني سأجد هذه الأجواء ملائمة لي؟".
" لأن التجربة تكون مفيدة لك كمعلمة مبتدئة , وأضافة الى ذلك تساعدك على تجاوز المحنة القاسية التي تمرين فيها , وذلك بواسطة تغيير الأجواء".
وتابع بهدوؤ متعمدا هزَها:
" أن الركوب على الحصان في منطقة خشنة تساعد على طرد كل الأفكار من رأسك".
وأشتعل غضبها من جديد لأنه بدا واضحا أنه يشير الى خطوبتها الفاشلة.
فوقفت من جديد وقالت:
" لا أظن أن الركوب على الحصان سيفيدني في هذه الحالة , خصوصا أنني لم أركب حصانا من قبل وليس عندي الرغبة في ذلك في المستقبل".
وقبل أن تمشي وقف هو الآخر وسد طريقها قائلا:
" أرجو أن تفكري في الموضوع خلال الليل قبل الرفض النهائي , أن الأمر مهم جدا لي".
" لماذا؟".
سألت بنبرة حادة, فأجاب:
" عندي ولك أريد أن أنشئه , أنه في الصف الأبتدائي الأول , وأريده أن ينهي السنة مع معلمة كفوءة".
رفعت رأسها نحوه وسألت:
" وهل زوجتك تترك كل هذه الأمور لتقريرك أنت؟".
وعرفت الجواب سلفا , طبعا هو من النوع المتسلط وكيف يمكن لزوجة أن تقف في وجهه؟".
وأذ به يقول:
" أنا لست متزوجا, الولد هو أبن شقيقي المتوفي , وأنا مسؤول عنه".
"آه " علقت وهي تحاول أن تغير أنطباعها عن الرجل .
عازب يتولى مسؤولية تربية أبن شقيقه , ليس سيئا جدا , فسألته:
" ماذا عن أمه؟".
نظر الى البعيد وقال:
" أنها تسافر كثيرا , ومن الأفضل أن يكون للولد بيت ثابت".
ولم تجد كوري شيئا تسأله أكثر مما فعلت , استدارت قليلا ونظرت الى البعيد مثل الرجل الواقف الى جانبها, وراحت تفكر: كيف تكون عليه الحياة في مزرعة نائية , حيث لا أصدقاء بل بقر وماشية؟ آلاف الأميال عن الأرض الحمراء في كل أتجاه , وشعرت برجفة برد , لاحظ الرجل رجفتها فقال:
" يجب أن تعودي الى الداخل, أنك بردانة".
وضع يده على ذراعها وسار معها سائلا:
" هل تعطيني الجواب على العشاء مساء الغد؟".
وقفت قرب الباب وقالت:
" أستطيع أن أعطيك جوابي الآن".
ولم ينتظر الجواب , بل قال:
" وهل تقبلين العشاء معي غدا؟".
هزت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
" لن يختلف الجواب غدا عن الآن, في كل حال أذا كنت بحاجة الى رفيقة غدا....".
ولم تتمكن من متابعة الجملة اذ قاطعها قائلا:
" لو كنت في حاجة الى رفيقة , لما كان عليَ النظر الى البعيد يا آنسة ديفيس".
ورفع نظره الى حيث الفتاة الشقراء التي كانت متأبطة ذراعه عندما لاحظته كوري أول مرة.
ثم نظر الى كوري قائلا:
" سوف أمر عليك الساعة السابعة والنصف مساء الغد, هل ثمة مطعم خاص ترغبين الذهاب أليه؟".
أجابت في سرعة وغضب ومن دون تفكير أول أسم مطعم خطر على بالها:
" مطعم الشيطان!".
هز رأسه موافقا وتركها ودخل الى القاعة الكبرى نحو الفتاة الشقراء .
رافقته كوري بنظرها فقط وشعرت بثقته الشديدة في نفسه, وعوضا عن أن تدخل الى القاعة الكبرى عادت الى الباحة الخارجية وأستندت الى حائط الباحة وهي تشعر أن البرد الذي أصابها ليس من الطقس بل من فكرة الذهاب الى مزرعة منعزلة, وفكرت أن الأمر لن يتجاوز ستة أسابيع , ونظرت الى البعيد الى المدينة المللأى بالأنوار وفكرت بروجر , روجر الذي لم ينتظر حتى أكتمال سعادتهما , وفكرت أن غيابها لبضعة أسابيع في بيئة مختلفة ربما يخفف من الجرح الذي أصابها ... ربما يجعل روجر يفتقدها ويشتاق أليها.

زونار 19-06-09 03:59 PM

2-لقاء في مطعم الشيطان
غريغ مايسون وصل الى بيت بيدج في السابعة والنصف تماما من اليوم التالي, فتحت الباب وأرتاحت لأنه يرتدي ثيابا غير رسمية مثلها,كانت أحتارت ماذا تلبس, فستان سهرة طويلا أو فستانا عاديا؟ شيء في داخلها أبلغها أن غريغ سينزعج من أمرأة بالسروال على موعد عشاء.
وابتسمت لفكرة أنها ذاهبة في عشاء عمل وليس في موعد رومانسي , تبدو الرومانسية بعيدة جدا عن المزارع القاسي. في كل حال عنده الشقراء تملأ رغباته الحميمة.
منتديات ليلاس
تجولت عينا غريغ في فستان كوري الأخضر والصندل الأبيض وعادتا الى عينيها اللتين أزدادتا أخضرارا لأنعكاس الفستان , والى شعرها البني الطويل على طرفي وجهها وكتفيها , ابتسم قليلا وقال:
"تبدين جذابة جدا".
وتبعها الى غرفة الجلوس , نبرة صوته بدت وكأنها غير معتادة على كيل المديح للنساء , وكوري أستدركت في حسها أن الرجل يعتبر مديحا أن دعا فتاة الى العشاء , سألته:
" هل عندنا وقت لتناول الشراب قبل أن نذهب؟".
أجاب:
" لا بأس في تناوله بسرعة".
وحضر هاورد وزوجته دورين وتبادلوا السلام وقالت دورين:
" سررنا لرؤيتك ثانية يا سيد مايسون".
وبدت دورين سعيدة جدا , وقد فرحت عندما أخبرتها كوري على الفطور في الصباح أن المزارع الثري دعاها الى العشاء, ولكن خاب أملها قليلا عندما علمت أن الرجل يبحث عن معلمة وليس زوجة.
وتناول الأربعة الشراب وتبادل هاورد وغريغ بعض الحديث العام, ثم نظر الى كوري وقال:
" حجزت في مطعم الشيطان للعشاء في الثامنة".
فردت كوري:
" أنا جاهزة أن كنت جاهزا".
ونظرت اليه وهي تتساءل : ترى كيف سيقابل رفضها للعرض؟
قال لها:
" نسستطيع أن نذهب الآن".
ونظر الى ذراعيها العاريتين وقال:
" تحتاجين الى كنزة , الطقس بارد في الخارج".
فأجابت:
" طبعا, أني أحتطت للأمر وكنزتي قرب الباب".
وسارا معا حتى الباب, ونظرت كوري الى الوراء لتلقي تحية المساء على دورين وهاورد فوجدت في عيني شقيقتها نظرات ا؟لأعجاب في الزوجين اللذين يمكن أن تشكلهما هي وغريغ ,و حتى لو فكرت كوري بأمكان نشوء علاقة رومانسية مع الرجل الطويل الأسمر القاسي الملامح , فأنه أسقط كل الأحتمالات في ما سبق أن قاله لها وفي تصرفه العملي غير الحميم في وضع يده تحت ذراعها ليوصلها حتى سيارته.
وفتحت عينيها بدهشة وهي تنظر الى السيارة ( السبور) الفضية ذات المحرك السريع , وسألت:
" هل هذه سيارتك؟".
" ولماذا تسألين؟".
قال وهو يدير محرك السيارة وينطلق بها.
أجابت:
" ربما لأنني أعتقدت أنك قد تشتري سيارة تلائم طبعك المتحفظ التقليددي!".
ابتسم وقال:
" ربما أعتقادك في محله لو كنت أحتاج الى سيارة, ولكن لسوء الحظ في المزرعة لا أحتاج أليها , أذ ليس هناك طرقات للسيارات, وهذه السيارة أستأجرتها".
فوجئت كوري وسألته:
" وماذا تستعمل للأنتقال في المزرعة؟".
" ذوات الأرجل الأربع في أكثر الأحيان".
وبدا مسرورا للحوار, وأضاف:
" أما أذا أحتجنا للأنتقال الى العالم الخارجي , فهناك ساحة للطائرات الصغيرة الخاصة تفي بالمطلوب".
ومع توقف قليل أمام أشارة حمراء , قال لها:
" أنا مسرور جدا لأنك أخترت مطعما للمأكولات البحيرة, فأنا آكل منها ما أستطعت عندما أكون في فانكوفر , فذلك تغيير عن لحوم البق في المزرعة".
وأخذها التفكير بعيدا, هل يمكن أن تتحمل , حتى لبضعة أسابيع , العزلة الكاملة التي أوحى بها كلامه؟ ورفضت أن تقبل فكرة غياب سيارة من أي مكان يمكن أن يقودها المرء في أي وقت يشاء, وحدقت في يديه القاسيتين على المقود وفكرت أنه ربما يكون أيضا قائد الطائرة التي يستعملها للأنتقال من المزرعة ال الحضارة , وتساءلت : أليست هي بحاجة ماسة الى تغيير الأجواء والأنتقال الى مكان منعزل يساعدها على لعق جراحها؟ وفكرت أن مزرعة مايسون لن يكون فيها شيء يشغلها غير تعليم الأولاد ألأربعة عشر.
أمام المطعم أ وقف غريغ مايسون سيارته ودخل وكوري القاعة ليجلسا على طاولة مطلة على المحيط حيث بواخر ضخمة تملأ بضائعها للأبحار الى اليابان , وشعرت بالذنب لأنها أختارت مكانا كان لها ولروجر المطعم المفضل , وأنهما جلسا الى طاولة لا تبعد كثيرا عن تلك التي كانت تجلس اليها مع روجر.
" هل ترغبين في سمك معين , أم تقبلين صحنا من المأكولات البحرية المنوعة؟".
سألها وفي يده لائحة الطعام.
"آه , القليل من كل شيء".
أجابت من دون شديد أنتباه , وشعرت أنه طلب شرابا غالي الثمن , وفكرت في الأيام التي قضتها مع روجر الذي كان يطلب شرابا رخيصا ومع ذلك تجد في فقره كرما وجمالا.
" آسفة , ماذا قلت؟".
سألت وهي تسحب نظرها وفكرها من البحر الممتد أمامها عندما لاحظت أن غريغ قال شيئا لم تفهمه.
" سألتك أن قررت شيئا بالنسبة للعرض الذي قدمته لك؟".
وشعرت بالقليل من غياب الصبر في كلامه, وهمت أن تجيب ولكن الخادم في المطعم وصل ومعه الشراب المطلوب , وأنتظرت قليلا حتى أبتعد الخادم وقالت:
"نعم, سأقبل عرضك يا سيد مايسون , أعتقد أن الأبتعاد عن المدينة بضعة أسابيع سيلائمني كثيرا".
لم يكن لكلامها رد فعل مباشر عليه, وجدته صامتا ويحدق في الصحن الفارغ ويلعب بالشوكة أمامه, وأعتقدت لوهلة أنه لم يسمعها , ولكنه ما لبث أن نظر أليها وسألها:
" هل تقبلين البقاء في المزرعة لمدة أطول من الأسابيع الستة, وفي مهمة تختلف عن تلك التي عرضتها عليك؟".
حدقت فيه باستغراب غير الفاهم , وقالت:
" مدة أطول؟ مهمة مختلفة؟ كم أسبوعا تعني؟ وما هي المهمة؟".
" لمدة لا تزيد عن الستة أشهر".
وأضاف بهدوء:
" على أن تكوني خلال المدة زوجتي".
" لا بد أنك مجنون".
تمتمت كوري وهي تشعر بأضطراب في داخلها.
" نحن بالكاد نعرف بعضنا , وليس من عاطفة بيننا و...".
قاطعها قائلا ببرود:
" هذا أفضل لكلينا, أذ لا مضاعفات تنتج عندما تنتهي الأتفاقية".
" ولكن لماذا؟ أن كنت تحتاج الى زوجة بهذا الألحاح , لا بد أن هناك العشرات من النساء....".
وقاطعها أيضا:
" شكرا, ولكن ليس هناك الكثيرات مثلما تعتقدين , واللواتي أعرفهن سيجلبن التعقيدات والمضاعفات التي سبق أن ذكرتها , ولكن بيني وبينك لن تكون ثمة روابط عاطفية و...".
توقف عن متابعة حديثه عندما أقترب منهما الخادم وراح يصب المأكولات البحرية السخية بمختلف الأنواع الشهية الغالية , ولكن كوري لم تجذبها المأكولات اذ أبتعد فكرها الى ما يرغبه فعلا الرجل الذي أمامها , وما أن أبتعد الخادم حتى تابع الحديث:
" سيكون الأتفاق عمليا بحتا , سهلا ونقيا , أنا أريد أمرأة تلعب دور زوجتي لبضعة أشهر, وأنت تريدين تغيير الأجواء لتتغلبي على مشاكلك الشخصية".
" ولماذا تحتاج الى زوجة لبضعة أسابيع؟".
" لأن زوجة شقيقي تريد أن تتقدم بدعوى حضانة الصبي في أيلول المقبل بحجة أنني لا أستطيع أن أؤمن حياة عائلية طبيعية لأبن شقيقي".
" ولكنها أحق بالصبي , لأنها أمه ولأنها تستطيع أن تؤمن له...".
قاطعها بعصبية:
" لا تستطيع أن تؤمن له شيئا , هي تسافر حول العالم باستمرار , لا تستقر في مكان واحد أكثر من أسبوع , هل هذه حياة عائلية طبيعية لولد صغير؟".
" ولماذا تسافر كثيرا ؟ ألا تريد أن تؤمن بيتا لأبنها؟".
" ماريزا موهوبة جدا, أنها...".
قاطعته كوري بحماس :
" هل تكون ماريزا مايسون عازفة البيانو؟" وهي تتذكر أنها شاهدتها تعزف في فانكوفر الصيف الماضي.
" نعم, هل سمعتها تعزف؟".
" عدة مرات , أنا وروجر...".
وعضت شفتيها وتوقفت عن متابعة كلامها , وفكرت أنها اذا كانت تسعى أن تنسى روجر عليها أن تتوقف عن ذكر أسمه في أي موضوع , وهو تابع من دون أن يعلق على كلامها:
"أذن تفهمين لماذا لا تستطيع أن تؤمن بيتا مستقرا لأبنها , ولماذا لا أريد لأبن شقيقي أن يعيش حياة غير مستقرة ؟ أعتقد أن المحكمة ستأخذ بوجهة نظري أن كان عندي زوجة".
" زوجة لمدة ستة أشهر؟".
واذ به يجيب :
" أستطيع طبعا أن أربي بوبي من دون مساعدة زوجة , ولكن المحكمة هي التي تعتقد أن هناك حاجة الى لمسات أمرأة في تربية الصبي".
ونظر الى صحنه والمأكولات أمامه وقال:
"لننسى الموضوع قليلا ونأكل قبل أن يبرد الأكل".
واستغربت من قدرته على طرد الأفكار مهما كانت مقلقة من رأسه وتناول الطعام بشهية, هي شعرت أم كل لقمة تبلعها تنزل مثل حجر في حلقها, وراحت بها الأفكار بعيدا . الزواج؟ من رجل لم يمض على معرفتها به يومان؟ زواج مصلحة , والعلاقة التي يطلبها منها , ليست الا علاقة سخيفة.
مصلحة غريغ في أن تكون ستار زوجة تسهل له حضانة الصبي , ومصلحتها هي في الأبتعاد قدر الأمكان عن روجر , هل تريد ذلك فعلا؟ رفعت رأسها الى الرجل المنكب على صحنه , كلا, أن تذهب كمعلمة لبضعة أسابيع شيء مختلف تماما عن لعب دور الزوجة , روجر لن يصدق أن رجلا وأمرأة يمكن أن يعيشا معا من دون أن يعيشا معا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, هل هذا ما عناه غريغ؟ رفع عينيه نحوها فجأة , فأحمرت وجنتاها , وقالت:
" لن يكون الزواج حقيقيا أليس كذلك؟".
" لا تخافي, ستكونين نقية خلال أرتباطنا مثلما أنت الآن , أن هدفي واضح وانت تعرفينه ".
واذ بنظرها يشغله دخول شخصين ليسا غريبين عنها, روجر ترافقه آنجي, أختارا الطاولة التي كانت كوري تعتقد أنها تخصهما وحدهما, هي وروجر, وشعرت بألم الجرح في قلبها عندما لا حظت رأس روجر ينحني قريبا من رأس آنجي , أذن علاقتهما ليست شكلية , أنهما أعطيا الدليل الكافي لعلاقتهما الغرامية الوثيقة , أيديهما تلتحمان فوق شرشف الطاولة الأبيض.
حدقت كوري لغريغ وقالت بعينين قاسيتين :
" حسنا يا سيد مايسون, سأكون زوجتك المؤقتة".
ولم يبد على وجهه الأستغراب, بل قال بهدوء:
"حسنا, أعتقد أن علينا كزوج وزوجة أن نادي بعضنا بالأسم الأول من دون سيد مايسون وآنسة ديفيس أليس كذلك يا كوري؟".
وأبعدت كوري نظرها عن الذين يجذبانها في الطاولة المجاورة وقالت:
" ماذا؟ آه نعم , أعتقد ذلك , ولكن أعتقد أيضا أن الآخرين سيستغربون تسرعنا بالزواج ونحن بالكاد نعرف بعضنا".
هز كتفيه قليلا وقال:
" نستطيع أن نتأخر نحو الأسبوع قبل أن نخبر أحدا عن مشاريعنا".
" الكل يعرف أن لا وقت للمزارع في الرومانسية قبل الزواج".
" دورين سترى الأمر غريبا".
" ولكن في حوار بيننا شعرت أنها لا تعترض أطلاقا على أن أصبح صهرها".
أذا لقد قامت أختها بدور أصطياد زوج لها.
تابع كلامه قائلا:
"في كل حال , لكل خدمة ثمنها".
ورفع يده ينادي الخادم من أجل القهوة, وظلت هي تحدق فيه وقالت:
" المال لا يعني لي شيئا يا سيد مايسون, أنا...".
"غريغ" , قال لها مذكرا , وأضاف:
"أنا أصدقك , ولكن لا أعتقد أنه من الملائم أن تقدمي لي خدمة مقابل لا شيء, أنا ثري وأستطيع أن أدفع....".
" أرجو أن لا نتكلم عن هذا الجانب الآن يا سيد .... يا غريغ".
وفيما هما يشربان القهوة وغريغ يدخن سيكارا, راح يعرض لها خططه للأسبوع المقبل, ولكن كوري كانت تسمع القليل , وعيناها تنظران الى روجر يحيط بآنجي , وأخيرا وفيما هي وغريغ يقومان من طاولتهما ويمشيان معا للخروج , ناداها صوت كم كان حبيبا بالنسبة اليها:
" كوري".
ألتفتت ورأت روجر واقفا وفي عينيه بريق اللهفة, قالت بلا شديد أكتراث:
"آه , أهلا روجر , وأنت كذلك آنجي , لم ألاحظكما".
" أتصلت بك مرارا, هل بلغك ذلك؟".
تأبطت ذراع غريغ وقالت بادعاء:
"آه كلا كنت مشغولة جدا".
وقدمت غريغ الى روجر , وشعرت أنها سعيدة بتقديم غريغ لأنه من الأشخاص الذين تفتخر بمرافقتهم أي أمرأة , آنجي حملقت بعينيها السوداوين , واحتارت كوري أن كانت نظرة آنجي تعني تقديرا لها لأنها تمكنت من أستبدال روجر بسرعة أم أعجابا بغريغ.
وقال غريغ بهدوء وهو يحيط ظهرها بذراعيه:
لنذهب يا كوري , يبدو أننا نسد الطريق على آخرين يريدون أن يمروا".
ابتسمت كوري لروجر وآنجي وسارت لتخلي الطريق لخادم مع طبق مأكولات وما أن أبتعد قليلا حتى أمتلأت عينا كوري بالدموع.
وفي السيارة قال غريغ:
"هل كان ذلك خطيبك السابق والمرأة التي أستبدلك بها؟".
نظرت اليه بعينين تسبحان بالدموع وهزت رأسها بالأيجاب, أحاط ذراعه كتفيها وقال:
" وجدت في قولك لهما أنك لم تلاحظينهما شجاعة وقدرة على الخداع , لقد أعجبتني جدا , هكذا يمكنك أن تقومي بالدور الذي أطلبه منك تمثيله بشطارة أبعد مما كنت أعتقد".
" وكيف عرفت أنني كنت أكذب؟".
" من عينيك اللتين لم تخفيا تأثرهما, ومن عدم تركيزك على الكلام الذي كنت أقوله".
وخيم الصمت عليهما فيما راح غريغ يقود السيارة ويبتعد , وأخيرا قالت:
" آسفة لتصرفي , لم أتوقع أن ألتقيهما هناك الليلة".
"لم تتوقعي؟ أنا شعرت أنك جئت في الماضي الى المطعم والأرجح مع روجر, وأنك أخترته للقائنا الليلة على أمل أن تري روجر هناك أو أن تغرقي في الذكريات".

زونار 19-06-09 04:01 PM


استدارت برأسها نحوه في سرعة أعادت شعرها الى الوراء , وحدقت في وجهه القاسي الذي تنعكس عليه أضواء الطريق وهو يقود السيارة , وجدت أن عليها أن تقول شيئا , أن توضح بعض الأمور , ومع أن عينيها ممتلئتان بالدموع قالت:
" لم أعتقد أن روجر قد يكون...".
ولكنها لم تستطع أن تكمل أذ شعرت بغصة في حلقها , واذ بغريغ يغرق في ضحك لئيم ويقول:
" أنت رومانسية ملتزمة , لأنك تعتقدين أن رجلك سيعامل الفراغ الذي خلفته مثل معبد مقدس لا يملأه أحد غيرك مثلما أنت تعاملين الفراغ الذي يخلقه هو".
ولاحظت أنه لم يقد السيارة في الطريق التي تؤدي الى بيت شقيقتها بل قادها باتجاه حديقة عامة كبيرة تلائم جدا المحبين وليس أمثالها هي وغريغ , وأوقف السيارة أمام منظر طبيعي تحت نور القمر, ولكن شيئا من الأجواء الرومانسية لم ينعكس على كوري , بل ألتفتت الى غريغ وقالت بغضب :
" أنت لا تعرف روجر, وبأي حق تحكم عليه؟".
استمر غريغ في التحديق بشعاع القمر المنعكس على بحيرة صغيرة وقال:
" مراقب حيادي يستطيع أن يحكم على الأشياء أكثر من شخص مرتبط , روجر بدا لي من النوع الذي يرغب في قطعة الكعك ليس للفرجة بل للأكل, وصديقته من النوع المناسب أكثر منك".
ومع أنه كان دقيقا في ملاحظته خصوصا فيما يتعلق بلآنجي ولكن كوري لم تتمالك نفسها من الغضب و قالت:
" أن آنجي لم تفعل شيئا يختلف عما كنت أنوي أن أفعله ولكن...".
" ولكنها سبقتك , أليس كذلك؟ ألا يعني لك هذا شيئا عن شخصية الرجل؟".
حدقت فيه, وفي عظمة فكه القاسية , وأجابت بلؤم:
" نعم, يعني لي أن للرجل مشاعر طبيعية , مشاعر لا تفهم أنت عنها شيئا يا سيد مايسون".
ومرت فترة صمت لم تتجرأ فيها كوري أن تبعد بنظرها عن المنظر الطبيعي أمامها , وأخيرا قال:
" أن التحكم بالرغبات لا يعني ضعفا يا آنسة ديفيس , ولا تتوهمي أنني بأختيارك زوجة مع وقف التنفيذ , لا أنجذب الى أمرأة جميلة , ولكن في قضيتي الشخصية وفي هذه المرحلة من حياتي بالذات لا رغبة عندي في تعقيد الأمور بواسطة المضاعفات العاطفية التي ينتجها الزواج الطبيعي , في نهاية الستة أشهر تكونين حرة في الأنسحاب من دون تعقيدات , وبالنتيجة سأحصل على ما أريد, وأنت ستتغلبين على شجون قلبك".
وأضاف وهو ينظر اليها:
" وبالمناسبة , آمل أن تجعلي دموعك للوسادة فقط, لأن من المفترض أن تكون العروس سعيدة بزواجها ومبتسمة , ولا تلعق جراحها على حبيب ضائع".
أمتعاض كوري ضاع مع صوت المحرك الذي أداره غريغ وانطلق بالسيارة الى الطريق الرئيسية , كيف يمكن أن تقبل بالزواج من رجل قاس مثله, وأن تنعزل في مزرعة لا رفيق لها غيره؟ ولم تتكلم حتى وصلا أمام بيت شقيقتها حيث أطفأ غريغ المحرك .
" أنا آسفة يا سيد مايسون , غيرت رأيي , لا أستطيع أن أقوم بدور مخادع كالذي تعرضه , أضافة الى ذلك لا أستطيع أن أوهم دورين وهاورد وأهلي أنني أعيش علاقة طبيعية".
واذ به يجيب ببرود:
" أنني لا أعرض علاقة هامشية بل زواجا, هل سيكون أهلك أسعد لو تزوجت خطيبك السابق؟".
" أرجوك دع خطيبي السابق جانبا, عمري 22 سنة, وأكثر الفتيات من عمري هن...".
" ولكنك لست مثل أكثر الفتيات , أنت نشأت تحلمين بثوب زفاف أبيض يعني النقاء تماما قبل الزواج , أن بعض الرجال سيكونون سعداء جدا بذلك".
" حقا؟ وبعد أن أكون تزوجتك مدة ستة أشهر؟".
" الزواج سيكون باطلا على أساس غياب العلاقة الزوجية , وأنت لن تخسري كثيرا في الستة أشهر , فأنت ما زلت صغيرة وستستفيدين من الوقت لتصبحي حكيمة في أختيار الرجال أكثر مما أنت عليه الآن ".
" قد أستطيع في الستة أشهر أسترجاع روجر".
" طبعا تستطيعين, أن كان ذلك ما ترغبين , أنك ستكونين زوجة مناسبة جدا لمحام ناشىء يمكن أن يستفيد من معارف صهرك الثري".
ونظرت اليه كوري بحقد وقالت:
" كلما سمعت ما تقول أزددت كرها لك يا سيد مايسون ".
" أنا لست هنا لأربح شعبية بل لأربح دعوى حضانة ابن شقيقي".
" حسنا, لا تعتمد علي في مساعدتك ".
قالت ذلك وهي تنزل من السيارة وتغلق الباب خلفها بشدة.
نزل من سيارته وقال لها:
" أعتقد أنك ستساعدينني أن فكرت بالأمر قليلا , سأمر لآخذك مساء الغد في الوقت ذاته الذي جئت فيه الليلة لأسمع جوابك , وهذه المرة سأختار أنا المطعم المناسب".
وأضاف:
" ألبسي فستانا يلائم السهرة".

زونار 19-06-09 04:03 PM


3- سرير الحبيبة
الساعة السابعة والربع من مساء اليوم التالي كانت كوري جاهزة في ثياب السهرة على الرغم من غضبها من غريغ مايسون وتصميمها على عدم الذهاب.
هاورد ودورين ذهبا الى عشاء مؤتمر للمصرفيين,قبل أن يغادرا البيت نظرت دورين الى شقيقتها نظرة معبرة لم تكن كوري بحاجة الى تفسيرها , أن دعوة غريغ مايسون شقيقتها الى العشاء لليوم التالي على التوالي له مغزاه المهم, وحتى لو أعلنت الخطوبة والزواج في اليوم الثالث فلن تفاجأ دورين.
منتديات ليلاس
وحدها في المكتبة أنتظرت كوري وشعرت أنها متوترة , الرجل يثير حنقها ومع ذلك تنتظره , كما أنها مستعدة للعشاء معه, هل هو غريغ الذي يزعجها؟ أو روجر الذي ألتقته قبل ساعات قليلة؟ حضر أليها وجلسا وحدهما في غرفة المكتبة يتبادلان الحديث بسلام , أو هل يمكن أطلاق كلمة سلام على عباراتهما الغاضبة؟
قال لها بوجه تاعس وصوت متهدج أن آنجي لا تعني له شيئا وأن كوري وحدها هي التي يرغب في الزواج منها.
" لا أجد تفسيرا لما حدث مع ... آنجي , أفقدني صوابي النقاش الذي دار بيننا الأسبوع الذي سبق مجيئك الى البيت , نها أشياء حصل من دون أن نجد لها تفسيرا لأنها لا تعني شيئا, أقسم لك يا كوري أنني أحبك أنت".
" وماذا عن لقائكما في مطعم الشيطان وتلامس الأيدي والرأسين , على طاولتنا المفضلة نحن, هل ذلك أيضا لا يعني شيئا؟".
أزداد شحوب وجهه وهو يقول:
" آنجي أقترجت أن نذهب الى هناك , ولم أجد شيئا يمنعني من الذهاب , كوري أرجوك , حاولت مرارا أن أتصل بك بالهاتف , ولكنك رفضت الرد على مكالماتي , فأعتقدت أن الأمر فعلا أنتهى بيننا و...".
" وكانت آنجي متفرغة لك , أليس كذلك؟".
وتابعت متعمدة أيذاءه:
" في كل حال , كل شيء أنتهى بيننا فعلا , وأنا سعيدة لأنني عرفت مسبقا كيف كانت ستكون حياتنا ازوجية, عند أول أشارة سوء تفاهم بيننا تذهب الى أول أمرأة تصادفها".
وتابعت وهي تضغط عللا شفتيها من أجل أن تمنع الدموع من أن تنهمر:
" وهكذا تعرف أنك لن تستطيع الأعتماد على هاورد من أجل مساعدتك في تقدمك المهني".
كانت تريد أن تسمع روجر ينفي تأثير هاورد في العلاقة بينهما وكذلك غياب المصلحة في التقرب منه لمساعدته على التعرف الى كبير المحامين في البلد, واذ به يقول:
"أعتقد أنك ستفعلين الآن المستحيل من أجل عرقلة أي مساعدة يمكن أن أجدها من أحد, صدق من قال : أن كيدهن عظيم, هذا ما تحضرينه لي أليس كذلك؟".
" كلا يا روجر, ليس صحيحا".
وتابعت وهي تستمر في الضغط على حلقها لتمنع نفسها من أن تجهش في البكاء.
" لقد ألتقيت شخصا آخر , رجلا يمكن أن ....".
" لا شك أنه الرجل الذي كنت معه مساء أمس, في كل حال من شكله بدا أنه لن يسرع في شراء المحابس قبل أن يطرح عفتك جانبا".
وأنفجر ضاحكا وهو يضيف:
" يبدو أنه لا يعرف بعد أنه يضيع وقته سدى".
واذ بيد كوري ترتفع وتصفعه في عنف فاجأها هي مثلما فاجأ روجر , وللفور غادر روجر المكان بعاصفة من أغلاق الأبواب.
الآن وهي تنتظر غريغ , تأكدت أن لا أثر للدموع في وجهها , تلك الدموع التي أنهمرت بمرارة طيلة بعد الظهر, بدت عيناها حزينتين ولكن لا تخفيان عمقا محيرا, وصممت على نسيان روجر وألغائه من فكرها , وأن أستطاعت , من قلبها, هو كان لفترة طويلة نقطة الأرتكاز في حياتها الشخصية, والرجل الذي توقعت أن تمضي بقية حياتها معه.
الزواج من غريغ مايسون والسكن في بيئة مختلفة تماما سيساعدانها على النسيان, ولكن ماذا عن الأيام والليالي الطويلة؟ ألن تكون مملة وتضعها تحت رحمة الذكريات؟ ذكرى وجه روجر الضاحك , والبريق في عينيه الزرقاوين , تشعر أنها حمقاء لأنها تخلت عنه, ولم تستسلم لألحاحه , لو فعلت لكانت الآن أسعد أنسانة على الأرض , عوضا عن أن تكون زوجة لرجل غريب.
جرس الباب أعادها الى الواقع , الساعة السابعة والنصف تماما , أنه غريغ مايسون الذي تستطيع أن تعتمد عليه على دقته في المواعيد.
" هل أنت مرتاحة؟".
التفتت كوري الى عريسها داخل الطائرة الصغيرة الخاصة وهزت رأسها بالأيجاب , وارتاحت لصوت المحرك الذي يجعل الحوارات قصيرة مع غريغ, شعرت بألم في رأسها , ولم تعرف أن كان السبب ضجيج المحرك أو الطيران , وتحمل الضغط الذي مرت به في حفلة الزواج التي أصرت شقيقتها أن تجعلها حفلة كبيرة, ونظرت الى الذي بات زوجها وأنعكاس زرقة السماء عليه , خطوط وجهه حول الفم والعينين ازدادت عمقا , ربما من الضغط الذي تكبده خلال حفلة العرس , تصرف بلباقة وكأنه سيد الظروف الأستثنائية , حتى عقب مراسم الزفاف أقترب من وجهها وقبلها أمام الجميع وكأنه راغب بها منذ زمن بعيد.
الآن , تراه يفكر مثلها؟ كم حلمت بالزواج من شخص يختلف تماما عن ذلك الذي يجلس الى جانبها , تزوجها من أجل مصلحة , للأحتفاظ في عهدته بأبن شقيقه الراحل , ولد سوف تلتقي به خلال وقت قليل , كيف تراه سيستقبلها هو وبقية مجتمع مزرعة مايسون؟
من الأسئلة القليلة التي سألت غريغ عن المزرعة فهمت أن في البيت مدبرة تدعى أيلين أنغليش , من الهنود الأميركيين الأصليين.
وحتى تساؤلات دورين وقلقها عن شقيقتها الصغرى من أحتمال غياب وسائل الراحة لم تلغ من معرفتها الأكيدة بثراء المزارع غريغ قال لدورين بهدوء : أنت وهاورد أرجو أن تزورانا في الصيف.
ولكن ذلك لم يمنع أستمرار قلقها على شقيقتها أذ قالت لها على أنفراد:
"كوري , تذكري دائما اذا وجدت الحياة هناك لا تحتمل أن تتصلي بنا فورا".
وكادت عينا كوري تغرورقان بالدموع وهي تراجع في فكرها وداعها العاطفي لشقيقتها وصهرها , وكلام شقيقتها لها.
" أن والدينا البعيدين لم يتمكنا من المجيء للعرس بسبب المرض الذي يقعد الوالد , وأنا وهاورد نشعر بمسؤوليتنا نحوك, لا نريدك أن تكوني غير سعيدة في أي شكل من الأشكال".
ابتسمت كوري لغريغ وهو يلتفت اليها ويقول بحماس مكبوت :
" نحن الآن نقترب من المزرعة".
ثم بفخر وأعتزاز دل بأصبعه وقال:
" هذه مزرعة مايسون".
ولاحظت كوري وهما يدنوان من الأرض أن المزرعة تحوي أ**** زراعية شاسعة وبيوتا عدة متوازية , وخضرة شديدة على ضفتي نهر طويل يخترق الأ**** مثل حية لا رأس لها.
وبعدها حط غريغ بالطائرة وساعد كوري على النزول وأحاط خاصرتها بذراعه قائلا:
" أهلا بك في مدرسة مايسون".
وأقترب منهما شاب يبدو أصغر من غريغ وفي وجهه البرونزي ابتسامة مرحبة, مد يده مرحبا بغريغ وقال:
" أشتقنا لك يا غريغ".
ثم ألتفت الى كوري وفي عينيه نظرات توقع وأعجاب فقال غريغ:
" كوري , أنه هانك ايفرسون , رئيس العمال في المزرعة , هانك أنها زوجتي كوري".
" تشرفت بالتعرف اليك يا سيدة كوي , كنا كلنا نتساءل عن شكل السيدة مايسون , ويبدو أنك تجاوزت كل توقعاتنا".
"شكرا". ردت كوري بخجل.
وقال غريغ:
"كلكم ستلتقون بكوري في شكل رسمي غدا, أما الآن فهي متعبة وتحتاج الى الراحة".
ونظرت كوري الى غريغ وشعرت أن تفهمه لتعبها لم يكن الأساس في أهتمامه , وعليه أن يبعدها قدر الأمكان عن عمال المزرعة ونسائهم الى أن تصبح قادرة على لعب دور زوجة المعلم بأتقان.
أبدى هانك أهتمامه براحة كوري وقال:
" سيارة اللاند روفر متوقفة هناك, سأحضر حقائبكو وأقود السيارة بكما حتى البيت".
فقال غريغ:
" كلا , أنا سأقود السيارة وسأنزلك على الطريق".
وافق هانك وهو ينزل الحقائب والأغراض من الطائرة قائلا:
" طبعا يا غريغ, لا بد أنك تريد أن تتجول مع زوجتك وحدكما".
في اللاندروفر أجلس غريغ زوجته في المقعد الأمامي وجلس هو خلف المقود, ووضع هانك الحقائب والأغراض في المقعد الخلفي وقال أنه سيبيت الطائرة في المرآب , وسيعود الى بيته سيرا على الأقدام.
أعترضت كوري على ذلك قائلة:
"يبدو أن الطريق بعيدة فكيف يمكنك أن تسير هكذا".
فقال غريغ:
" أن الطريق تبدو بعيدة بالنسبة أليك يا أبنة المدينة, نحن معتادون على المسافات".
وحياهم هانك وأبتعد صوب الطائرة ضاحكا, أدار غريغ المجرك وقاد السيارة , فالتفتت اليه كوري قائلة:
" لم يكن من الائق أن تدعه يسير كل هذه المسافة".
" هانك لا يبالي , لماذا أنت تبالين؟".
" كان لطيفا جدا في أستقبالنا , على الأقل كنا نستطيع أن ...".
" أنا أدفع له ليقوم بهذه الأشغال".
وأزعجتها أجابته , لا بد أنه لم يشجع هانك على المجيء معهما لأنه لم يثق بعد تماما من نجاح كوري في دور الزوجة , وتساءلت هل تراه يفكر في أن يسجنها داخل البيت الكبير الذي بدا أنهما يقتربان منه؟
عن بعد أعجبت كوري بهندسة البيت, أنه حديث الطراز ومحاط بألواح زجاج كبيرة وجوانب خشبية متناسقة , ومؤلف من طبقتين.
قالت معلقة على سيارة اللاندروفر:
" ظننت أنك قلت لي أنه لا توجد في المزرعة سيارات".
" أظن أنني قلت أن أكثر تنقلاتنا تتم على ذوات الأرجل الأربعة , لا كلها , نستعمل اللاندروفر لتنقلات السهل".
السهل؟ أي سهل؟ تساءلت في نفسها وهي تشعر بالوخزات في ظهرها وأسفلها نتيجة وعورة الطريق تحت عجلات اللاندروفر , ومع ذلك سألته:
" كيف أحضرت السيارة أن لم يكن في المنطقة طرقات ؟ وكيف أحضرت كل مستلزمات البيت الكبير وبيوت المزرعة؟".
" ما لا يمكن أحضاره بالسيارة يمكن أحضاره بالطائرة أو بواسطة النهر الى نقطة قريبة من الجسر, ومن هناك ننقل البضائع الى عربات , وكما تشاهدين قمنا برحلات عدة لبناء هذه البيوت".
" أجل, يبدو ذلك واضحا".
التفتت اليه وجدته يبتسم ويقول:
" أنا لم أرغب أن تأخذي فكرة خاطئة عن المكان , أنه على كل حال أبعد بكثير من المستوى الذي تعودت عليه".
حدقت فيه وهي تفكر لأول مرة كم يجهل عنها أشياء كثيرة وكيف يمكن أن يعرفها جيدا خلال فترة تعارف قيرة جدا ؟ هو لم يسأل وهي لم تخبره أن نشأتها كانت في بيئة بعيدة جدا عن الثراء الموجود في بيت هاورد حيث سكنت قبل سنة عندما تقاعد والداها وابتعدا , ولكن الآن ليس الوقت المناسب لأخباره , وأعادت نظرها الى البيت الكبير على التلة.
فكرت كيف يمكن أن تخدع أشخاصا يعرفون غريغ جيدا ؟ سهل أن تضلل عائلتها وأصدقاءها بزواجها وتغادهم في سرعة, ولكن السكن لأشهر في بيت واحد مع الزوج على مرأى من أبن شقيقه وموظفيه , أمر مختلف تماما.
أبدت أعجابها الشديد بالمنظر الممتد أمامها وهما يرتفعان على التلة, أذ بدا السهل واسعا وبيوت المزرعة موزعة في الأسفل , وفهمت لماذا بني غريغ منزله على التلة, من أجل أن يكون سيد المزرعة عن حق حيث يراقب الجميع من علو , ومع أنه كان غير متعاون في الأجابة على الأسئلة التي تتعلق بحياته الشخصية , ولكن خلال الأسابيع الثلاثة التي عرفته بها , فهمت أن شخصيته تلخص بحبه للتملك , مثلما يفعل الآن . يذهب بعيدا حتى الزواج من أمرأة لا تعني له شيئا , من أجل الأحتفاظ بأبن شقيقه, ترى الى أي مدى يذهب ليحتفظ بالمرأة التي يحب الى جانبه؟
أعادها صوت غريغ الى الواقع قائلا:
" ها نحن وصلنا الى البيت".
وبدا البيت أكثر جاذبية عن قرب, وفتح الباب الرئيسي وخرجت أمرأة هندية في نحو الثلاثين من العمر , وهي تبتسم لغريغ بترحيب , ثم تلتفت الى كوري فتزداد أبتسامتها وترحيبها حرارة.
" هذه أيلين أنغليش يا كوري, أنها تعتني بكل ما يلزمني منذ زمن بعيد".
" كيف حالك يا أيلين" قالت كوري وهي تبتسم وتمد لها يدها , فتمد المديرة يديها الأثنتين لتشد على يد معلمتها الجديدة بحرارة وتقول:
"حان الوقت ليتزوج المعلم , الآن ستملآن الغرف الفارغة في البيت بالصبيان الذين سيتولون شؤون المزرعة".
شعرت كوري بأن وجهها أمتقع خجلا ونظرت الى غريغ لترى تأثر كلام ايلين عليه فاذا به يبتسم ويحيط كوري بذراعيه ويقول لأيلين:
" نحتاج أولا أن نكون وحدنا أنا وكوري أولا لكي نستطيع أن نبدأ بملء البيت بالأولاد , أليس كذلك؟".
واذ به يتذكر شيئا ويسأل أيلين:
" أين بوبي؟".
"صعد الى غرفته , أعتقد أنه مخجول قليلا".
" مخجول؟ كيف يكون ذلك".
وتأبط ذراع كوري ودخل الى البيت وفي وجهه علامات تصميم فقالت كوري:
" لا تستعجله يا غريغ, دعه يأتي في الوقت الذي يختاره , أن زواجنا لا بد أثر فيه".
نظر اليها غريغ بعينيه السوداوين وقال:
" ربما أنت على حق , سأريك البيت أولا ثم بعدها ترتاحين , سيكون لي بضع كلمات مع بوبي".

زونار 19-06-09 04:04 PM


سار غريغ في البيت وهو يمسك ذراع كوري في أتجاه غرفة الجلوس, قاعة كبرى ناعمة الزخرفة , وأشار الى غرفة طعام كبيرة مرا بجانبها , فيها طاولة مستديرة مزينة بالنقوش نظرت اليها كوري باعجاب , وكذلك الى جدرانيات زجاجية وواجهة تطل على بركة سباحة كبيرة تلمع تحت شمس الغروب.
"بركة سباحة؟ " قالت كوري بفرح وهي تنظر الى غريغ ثم تعود بنظرها الى زرقة البركة المغرية.
" هل تحبين السباحة ؟" سألها وقد سره أعجابها بالبركة.
" أنا مغرمة بالسباحة ".
أجابت بحماس لم تعرفه منذ وقت بعيد.
" نحن لسنا شعبا غير متمدن مثلما يعتقد بعضكم من أبناء المدينة ".
وتابع وهو يقترب منها حيث تقدمت تنظر الى البركة عن قرب:
" البحيرة بعيدة جدا من هنا, والنهر بارد جدا ولا يلائم للسباحة, لذلك جعلت بركة خاصة بنا".
" أنا سعيدة لأنك فعلت, هذا شيء واحد سأتمتع به هنا".
ورأته ممتعضا , سألها:
" هل هذا كل شيء يتتمتعين به هنا؟ هل أنت نادمة على مجيئك معي؟".
استغربت سؤاله وكانت أعتقدت أنه لا يبالي بما يمكن أن يدور في فكرها , بل أن ينفذ رغباته , فقالت:
" أعتقد أن الندم لا يفيد لأنني تأخرت عليه". وضحكت وهي تقول:
" أقصد أنني هنا الآن , ولا مهرب لي الا عندما تأخذني أنت".
" هل تعتقدين أنك قد ترغبين في الهروب؟".
هزت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
" أنا لا أعرف كيف ستسير عليه الأمور يا غريغ , هؤلاء الناس يعرفونك , سيلاحظون بسهولة أننا لسنا مغرمين ببعضنا".
مت قليلا وكأنه يفكر بحل , وأخيرا قال:
" يمكنك أن تتصرفي معي وكأنني حبيبك , ما أسمه ؟ روجر".
وأجابته بذكاء:
"ومن هي التي ستكون في ذهنك عندما تغازلني بين الناس؟ هل المرأة التي بنيت البيت من أجلها؟".
سحب نفسا طويلا وقال بتثاقل:
" نعم , وسأفعل ذلك".
ثم أضاف:
" سأريك غرفة نومك الآن , ستتجولين في البيت في وقت لاحق".
لاحظت كوري أنه لم يمسك ذراعها ليقودها, بل سار أمامها حتى القاعة الكبرى, وشعرت بارتياح وهي تفكر أنه سيكون لها غرفتها الخاصة حيث ستكون حرة من دون الحاجة الى تمثيل دور يصير أصعب كلما مر الوقت, وكانت أعتقدت خطأ , مع أن الزواج هو في الأسم فقط, أنها قد تشارك غريغ في غرفة نومه, على الأقل من أجل المظاهر التي يحرص عليها هو كثيرا.
سار في الطبقة الأرضية حتى آخر ممر حيث باب كبير بدا أن به يبتدىء جناح جديد متميز عن باقي البيت , فتح الباب ومنه الى قاعة صغيرة حيث ثلاثة أبواب موزعة , فتح غريغ أحدها ودعا كوري للدخول قبله.
واذ بكوري تفاجأ بالغرفة الكبيرة , ولا تجد كلمات الأعجاب تعبر عنها, لا بد أنها سيدة الغرف في البيت الكبير, السجاد الأبيض يغطي الأرض,والأثاث أبيض اللون أيضا, على أطرافه خطوط ذهبية , ويعاكس اللون الأبيض في الغرفة أغطية حمراء على السرير الكبير والمقاعد , أحد الجدران كان أكثره من الزجاج , وعندما أقتربت منه فهمت لماذا , اذ أمامها أمتد السهل الأخضر وخليط من المناظر الخلابة للنهر وبيوت المزرعة , وكأن المسافات لا تعني شيئا غير الجمال الطبيعي.
" آه يا غريغ, جميلة جدا هذه المناظر , والغرفة رائعة".
وأضافت وهي تنظر عبر الزجاج:
" لا بد أنك أحببتها كثيرا, تلك المرأة التي بنيت البيت من أجلها ".
وشعرت أن الصمت طال حتى كادت تظن أنه غادر الغرفة , فاستدارت لتراه واقفا بالتعابير القاسية ذاتها في وجهه, ولكن لم يقل شيئا عن الموضوع بل :
"سأحضر لك حقائبك لتتمكني من توضيبها".
"شكرا لك".
أذن هو لا يرغب في الحديث عن تلك المرأة في حياته , فكرت كوري أن الأمر لا يهمها , سارت في الغرفة وسألت غريغ وهو يتجه نحو القاعة الصغيرة:
" أين ستقيم أنت؟ أقصد , أكره أن أخرجك من غرفتك".
ظهرت على وجهه أبتسامة باهتة وقال:
" أنا أنام في الغرفة الثانية".
ودل على الباب المواجه ." أما هذه الغرفة فلم أستعملها أبدا".
"أه" قالت وهي تفكر أنه لم يستعمل الغرفة لأنه يحتفظ بها للعروس الخاصة التي رغم كل شيء لم يتزوجها, وتساءلت لماذا اهتم كثيرا بهندسة الغرفة وزينتها وجعلها غرفة رومانسية حالمة ومن ثم لم يتزوج من تلك المرأة , هل غيرت الفتاة رأيها ؟ هل ثمة حادث قضى عليها ؟ نظرت الى وجهه القاسي وتوقفت عن الذهاب بعيدا في تفكيرها ولكنه بدا وكأنه يخرق تفكيرها , اذ قال بجفاء:
"أن أتفاقنا لا يتضمن تبادل مشاعرنا وحياتنا الخاصة". وأضاف:
" سأذهب لأحضر حقائبك".
وغادر غريغ القاعة الصغيرة في اتجاه الجناح الأساسي من البيت الكبير وهي عادت تسير في الغرفة تتأملها ويعود الى رأسها وخز وجع الرأس الذي عرفته خلال الرحلة في الطائرة , أن الأشهر المقبلة كزوجة لغريغ مايسون لا بد ستكون أشهرا صعبة وقاسية, كان عليها أن تفكر بعمق أكبر عندما وافقت على الأرتباط معه , حتى بوبي , أبن شقيق غريغ عنده تحفظات على زواجها من عمه.
عاد غريغ الى الغرفة وفي يده حقائب كوري ووضعها الى جانب السرير وقال:
" العشاء موعده في الساعة السابعة".
"هل بوبي......؟".
" كلا , هو لا يكون معنا , يتناول العشاء في السادسة مع ايلين, ولكن الليلة....".
" تريده أن يتناول العشاء معنا؟".
" كلا , بل أرغب أن تأتي الى غرفة الجلوس عندما تصبحين مستعدة , فتتعرفان الى بعضكما رسميا".
"حسنا".
وتوقفت قليلا عن الكلام ثم أضافت:
" ماذا عليَ أن ألبس ؟ أقصد هل ترتدون ثيابا خاصة للعشاء؟".
نظر الى السروال الذي ترتديه وقال:
" ربما تشعرين بحرية أكثر في الفستان , السروال جيد لنشاطات مختلفة, ولكنني عادة أفضل الفستان لطاولة العشاء".
ونظرت كوري الى المناظر الطبيعية من الواجهة الزجاجية , وهل يهم ماذا ترتدي على العشاء في مكان منعزل كهذا ؟ وشعرت أن غريغ يرغب أن تظهر نساؤه في مظهر أنثوي حتى لو كان وحده يرى ذلك.
بعد ساعة تقريبا غادرت كوري غرفتها بعدما أستعدت تماما للسهرة الممتدة أمامها , كانت فتحت حقائبها ووضبت ثيابها في الخزائن , ثم أغتسلت في الحمام الفخم الذي بدا أنها ستشترك فيه مع غريغ لأنه يقع بين الغرفتين.
ترددت أي فستان تختار , واستقر رأيها على فستان بني غامق بعدما فكرت أن بوبي قد يفضل خالة وقورة على فتاة في فستان زاهي اللون.
وجدت طريقها بسهولة من الجناح الخاص الى الجناح الرئيسي من البيت, وراحت تتأمل الأثاث الوثير بأعجاب خصوصا أن كل ما فيه متلائم ودخلت الى غرفة الجلوس الكبيرة ووجدت في أحدى زواياها بيانو .
سارت على السجاد الوثير وأقتربت من البيانو ووضعت يدها على الغطاء , هل غريغ يعزف على البيانو؟ أو هو لزوجة أخيه ماريزا مايسون عندما تزور البيت لرؤية أبنها ؟ وأزعجتها فكرة أن تأتي العازفة المشهورة الى المزرعة أثناء وجود كوري كزوجة لغريغ, قطع تفكيرها صوت يقول:
" كوري, أريد أن أعرفك على أبن شقيقي بوبي".
ألتفتت كوري الى الوراء لتنظر أولا الى قامة غريغ الطويلة ثم الى الصبي الذي يصل الى أسفل ذراع عمه الذي أحاطه.
أخذت نفسا عميقا وأقتربت منهما في حين رفع بوبي رأسه الى كوري ثم أعاده الى الأرض , وجدته يشبه عمه كثيرا في شعره الأسود وعينيه السوداوين حتى ليكاد يكون أبنه, لا بد أن الشقيقين يشبهان بعضهما كثيرا , نظرت الى بوبي وقالت:
" مرحبا بوبي , أخبرني عمك كثيرا عنك".
بقي بوبي ينظر الى الأرض , أصابع غريغ شدت على كتف بوبي وقال:
" قل أهلا لخالتك الجديدة كوري".
فرفع بوبي رأسه وقال:
" " أهلا" بسرعة وأعاد رأسه الى موضعه الأول , فقال له عمه:
" قل أهلا يا خالتي كوري".
كوري تمنت أن لا يلح على الصبي , بدا يستدعي العطف في سروال الجينز الأزرق والقميص المقلمة القصيرة الأكمام , ذراعاه نحيفتان , وفكرت كوري أن غريغ لا بد كان يشبهه عندما كان صغيرا.
تجاوب بوبي مع كلام عمه وقال طائعا:
" أهلا يا خالتي كوري".
فابتسمت كوري وقالت:
"يا عزيزي بوبي, لا بد أن كلمة خالتي كبيرة عليك هل تناديني كوري فقط؟".
قالت ذلك وهي تعرف أن غريغ سيعترض لكن لا يهمها الأمر ثم دعت بوبي :
" تعال الى هنا نجلس وحدثني عن المزرعة".
وجلست الى المقعد الكبير نصف المستدير , في اتجاه المدفأة الحجرية الكبيرة في الجهة المقابلة من الغرفة:
" أنا أجهل تماما شؤون المزرعة وأريد أن أعتمد عليك في تعريفي على الأشياء هنا".
وساد الصمت قليلا, وبقيت أبتسامتها على شفتيها وهي تنظر الى العم والصبي, نظر بوبي الى عمه فشجعته أبتسامته أن يتبع كوري ويجلس الى جانبها, بدا مترددا ولكن ما لبث أن سار في الغرفة وجلس في طرف المقعد الكبير, نظرت كوري الى غريغ وقالت:
" هل يمكن يا غريغ أن تحضر لنا شيئا مثلجا نشربه؟ أنا عطشانة جدا بعد الرحلة الطويلة".
التقت نظراتهما وبدا أن تصرفها أرضى غريغ وخرج من القاعة وعاد بأكواب عصير وفيها ثلج , ناول الأثنين ثم قال:
" أنا سأترككما تتعارفان لأذهب وأغير ثيابي , أرجو يا بني أن تلبي حاجات كوري أن احتاجت الى أي شيء".
هز بوبي رأسه موافقا , وما أن غادر غريغ الغرفة حتى سأل بوبي :
" هل تريدين بعض الفستق .... أو المكسرات ... أو أي شيء؟".
" كلا, أفضل أن أنتظر حتى العشاء, شكرا, ونظرت الى البيانو وقالت:
" سمعت والدتك تعزف في حفلة فانكوفر".
ولأول مرة ظهر البريق في عيني الصبي الصغير وسأل بحماس:
" صحيح؟ وأضاف مترددا " لم أسمعها تعزف في حفلة".
" ولكنها بالتأكيد تعزف لك وحدك هنا عندما تحضر لتراك؟".
" نعم, ولكنني أحب أن أسمعها تعزف في حفل حقيقي".
فقالت كوري بمرح:
" أنا أعتقد أن كل الناس الذين يدفعون مالا من أجل أن يسمعوها تعزف يكونون سعداء لو عزفت لهم وحدهم مثلما تفعل لك". توقفت قليلا عن الكلام ثم قالت:" هل تأتي والدتك الى هنا مرارا؟".
" ليس كثيرا , أنها تعزف في حفلات في أنحاء العالم , ليس عندها الوقت لتأتي الى هنا, ولكنها عندما هي وعمي غريغ سيتزو...".
وتوقف عن الكلام فجأة وكأنه تذكر أن كوري هي زوجة عمه الآن وظهرت على وجهه علامات أرتياح عندما دخلت ايلين الى الغرفة :
" العشاء جاهز يا بوبي".
قالت مدبرة المنزل وأضافت وهي تنظر الى كوري :
" المعلم لن يتأخر ويمكنكما أيضا أن تتناولا الطعام باكرا".
بقيت كوري وحدها في الغرفة بعدما غادرت ايلين مع الصبي , أذن بوبي توقع أن تتزوج والدته من غريغ , وراح ذهنها يسترجع المرأة الجميلة عازفة البيانو المشهورة وذات الشخصية القوية المرتاحة, أمرأة لا بد تلائم كثيرا شخصية غريغ , أنثى ناعمة , ومع ذلك واثقة من ذاتها وقادرة , أذن لماذا لم يتزوجها ويحل مشاكله كلها بضربة واحدة؟ يتزوج والدة ابن شقيقه فلا دعوى حضانة ولا زوجة مثلها لا تعني له شيئا.
" لماذا أنت عابسة؟".
جاءها صوت غريغ متسائلا, ألتفتت اليه ورأته بقميص وسروال أسودين , وبدا مسرح الشعر , معطرا وبيده كأس شراب , قررت أن تسأله:
" كنت أفكر , لماذا لم تتزوج والدة بوبي؟".
لم يعلق على الفور , بل جلس حيث كان بوبي قبل قليل , فأضافت كوري:
" لو تزوجتها كنت أنهيت الكثير من المشاكل".
"كان يمكن ذلك. ولكن ربما أيضا كانت ظهرت مشاكل جديدة , ماريزا ليست من النوع الذي يسجن نفسه في مزرعة بعيدة عن جمهورها".
"أنها عازفة عظيمة . ليس من العدل أبعادها عن جمهورها".
" هكذا فكر أخي".
ولم يتابع كلامه أذ دخلت ايلين وقالت:
" العشاء جاهز , هل أضعه على الطاولة".
فأجابها غريغ :
" نعم, وشكرا. سنكون معك على الفور".
قام من مكانه ومد يده لكوري كي تقف وأحاطها بذراعه , وأدركت كوري أن الرجل يمارس دور لعريس أمام مدبرة المنزل, وفيما هما يسيران معا الى غرفة الطعام شعرت كوري أن ألم رأسها عاودها, فكرت كم يكون لمسه لماريزا صادقا أكثر من لمسه اياها لو تزوجها, هو لم ينف رغبته في الزواج من ماريزا , لو لم يكن أرتباطها بجمهورها أقوى من أرتباطها به.
العشاء الذي أعتدته ايلين كان مقبولا على الرغم من أنه لم يكن أستثنائيا , قطع من لحم البقر مع مرقة وبطاطا مقلية وبازيللا خضراء , وفطيرة الكرز وفوقها البوظة , ومن ثم فنجان قهوة.
كان أهدأ عشاء عرفته كوري منذ زمن بعيد, وفوجئت عندما قطع غريغ الصمت قائلا:
" هل يزعجك؟".
" ماذا؟".
" أثر الجرح على خدي".
" آه".
شعرت بأرتباك عندما لاحظت أنها تحدق في أثر الجرح على خده , فقالت:
" بالطبع لا, ولماذا يزعجني؟ بالحقيقة أنه..." وهنا أضافت القليل من المرح على ما تقول :
" يضفي عليك طابع الغموض , وكأنك دخلت في مبارزة من أجل أمرأة جميلة".
ابتسم قليلا ثم قال:
" لا شيء رومانسي , الجرح سببه عراك مع دب قبل بضع سنوات ".
فوجئت كوري بكلامه وقالت بخوف:
" دببة وذئاب وأسود ".
ولم يبدو أنه يمزح وأضاف:
" ولكن لا مجال للقلق أن بقيت قريبة من مباني المزرعة , أن هذه الحيوانات تظهر عندما يكون الشتاء قاسيا بشكل أستثنائي فقط وتقترب لتبحث عن طعام".
ونظرت الى أثر الجرح وقالت:
" هل هذا هو السبب ...؟ أقصد هل الدب....؟".
"كلا , كنت في رحلة صيد عندما واجهت دبا ".
ولم يتابع القصة بل أن وجه كوري متعب كفاية فقال:
" لماذا لا تذهبين الى سريرك؟ أستطيع أن أحضر لك دواء لوجع الرأس".
" لا بأس , لن أبقى هنا أطول مما أستطيع".
" ألاحظ أن هذا النهار كان متعبا بالنسبة اليك, ولكن أعتقد أن الأسوأ مر وأنتهى , يبدو أنك أذبت الثلج بينك وبين بوبي , أنه يحتاج الى أمرأة في البيت".
ولاحظت أن وجهها أزداد صفرة, فقام من كرسيه نحوها.
" قومي الى سريرك , وانا سأكون هناك خلال دقائق".
عندما دخلت ايلين الى غرفة الطعام ووجدت غريغ يحيط بكوري لا بد أنها أعتبرت الأثنين في لحظة حميمة طبيعية لزوجين متزوجين حديثا , وأنهما ينتظران الفرصة ليصبحا وحدهما في غرفة النوم , مدبرة البيت قالت شيئا لغريغ في لغتها الأصلية ضاحكة , فأجابها غريغ باللغة ذاتها, فشعرت كوري بالخجل أذ لم يكن من الصعب فهم ما دار بين الأثنين , وعندما وصلا الى جناحهما الخاص أسرعت الى غرفتها وهي تفكر بقدرة غريغ على التمثيل في شكل فاق قدرتها هي.
بعد نحو عشرين دقيقة عاد غريغ الى الغرفة ليجد كوري جالسة على المقعد الوثير الهزاز قرب النافذة , مرتدية ثياب النوم , قميصا من الحرير الأبيض وعليه مشاح من القماش ذاته والتطريز الملائم للأثنين , كانت دورين أقترحته على أنه مناسب تماما للعروس في ليلة عرسها , كوري كانت غارقة في ألم رأسها , أرتدتهما دون شديد تركيز , وفكرت أن تجلس على المقعد بعيدا عن السرير كي لا يأتي ويجدها هناك , ربما من أجل أن لا ينزعج لوجود أمرأة غير التي يحب , في سرير الزوجية.
طرق على الباب , فدعته للدخول , بدا مستغربا وفي يده كوب من الحليب الساخن وفي الأخرى حبتان لوجع الرأس .
" أنت لست في السرير".
" كلا , فكرت... أن أجلس قليلا هنا".
" هل ألم الرأس أسوأ؟".
هزت رأسها.
" خذي . سيساعدانك على ألم الرأس ويجعلانك تنامين أفضل".
أخذت الحبتين من يديه وبلعتهما مع الحليب الساخن ولم تلاحظ أنه وقف خلفها الا عندما مد يديه وأزاح شعرها وأحاط عنقها يدلكها ليخفف عنها الألم.
: أسترخي".
قال وأستمر في التدليك وكأنه معلم شاطر , أسترخت للتو وهو يكاد يدرك تماما نقاط الألم حيث يدلك.
وضعت كوب الحليب جانبا وشعرت أن النعاس يتغلب عليها , هل الحبوب أم تأثير يديه على عنقها جعلها ترتاح؟ لم يكن مهما وفكرت للحظة أن المرأة التي رفضت هذا الرجل لا بد أنها حمقاء , أنه يمكن أن يكون كل شيء للمرأة التي يحب.
فتحت عينيها مندهشة عندما شعرت بيديه تنزعان عنها المشلح.
" لا تخافي" قال وهو يرفعها بين ذراعيه ويحملها نحو السرير .
" سأغادر الغرفة فور أن أطمئن أنك داخل الفراش ".
أنزلها بنعومة تحت الغطاء ثم جعل الغطاء عليها, فقالت مع نعاس شديد :
" لم أشأ ... أن تراني... داخل السرير ... أنا لست المرأة التي تحب....؟".
ولم تتمكن أن تحارب النعاس أكثر وأغمضت عينيها وغرقت في النوم.

زونار 19-06-09 04:05 PM

4- وهم غالي الثمن
كانت الشمس قد أشرقت منذ وقت طويل على مزرعة مايسون عندما أستيقظت كوري في اليوم التالي, وتطلَعت حولها في استغراب الى أن تذكرت أين هي وماذا تفعل هنا, أصوات العصافير المختلفة المنبعثة من خلف ستائر النافذة أعطتها أنطباعا بأنها تأخرت كثيرا في الأستيقاظ.
بحثت عن ساعتها على الطاولة قربها فوجدتها نحو التاسعة, الصمت يخيم على البيت وشعرت أن غريغ مثل العصافير أستيقظ منذ ساعات .
استحمت كوري بسرعة , لبست ثيابا أعتبرتها ملائمة للمزرعة , وبعد أن سرحت شعرها قررت ربطه الى الوراء مثل ذنب الحصان.
وما أن خرجت من الجناح الخاص وأصبحت في القاعة الكبرى حتى سمعت ضجيجا لجهة المطبخ , توجهت الى هناك واذ بها داخل أكبر مطبخ رأته في حياتها , خزائن عالية بلون الخردل تزنر الجدران وتفرقها نوافذ تضفي أضاءة على المطبخ من كل الجوانب , وا؟لأحواض بمختلف الأحجام والمعدات المطبخية , الى جانب المطبخ غرفة طعام صغيرة فيها طاولة طعام للجلسات السريعة , تفصل المطبخ عن غرفة الطعام الكبيرة, والى جانب المطبخ أيضا غرفة علمت كوري أنها لغسيل الثياب من هدير الغسالة المنبعثة منها , من غرفة الغسيل هذه خرجت ايلين وظهرت على وجهها ابتسامة ترحيب عندما رأت كوري.
" آه , أنت استيقظت , قال المعلم أن لا نزعجك الى أن تستيقظي وحدك. أنت كنت متعبة جدا".
وتابعت ايلين وابتسامتها تأخذ عرضا جديدا:
" أن غريغ قوي أليس كذلك؟ أرجو أن تنجبوا الكثير من الصبيان".
وامتقع وجه كوري خجلا , عندما فهمت ما تقصده مدبرة المنزل , بالطبع أن ايلين توقعت أن تكون هي وغريغ أمضيا ليلة رائعة مثل أي زوجين جديدين.
وسألت كوري بعد صمت:
" أين غريغ؟".
" لا شيء يغير من طباع غريغ , ولا حتى زوجة جديدة , خرج كالعادة , تماما بعد السابعة, أظن أنك لم تشعري بع عندما قام".
"كلا, لم أشعر به".
وتابعت تسأل:
" هل بوبي موجود في البيت؟".
"ذهب الى المدرسة".
وقدمت ايلين لكوري فنجان شاي وهي تقول:
"سأعد لك الفطور خلال تناولك الشاي".
تساءلت كوري :
" في المدرسة ؟ أعتقدت أنَ المعلمة غادرت القرية؟".
" آه صحيح, لا أحد أنزعج لرحيلها , كانت ثقيلة الظل جدا, دائما تقول لغريغ أنها لا تستطيع تحمل أصوات الذئاب والدببة التي تأتيها من التلال البعيدة , غريغ كان سعيدا جدا عندما نقلها خارج المزرعة في الطائرة".
وسألت كوري بفضول:
" هل أقامت في البيت هنا؟".
" كلا, أبدا, كانت تتمنى ذلك, ولكن غريغ قال أن ليس من اللائق لرجل عازب أن تقيم معه أمرأة في البيت , بالطبع كان كلامه حجة فقط من أجل ابعادها قدر الأمكان , اذ عندما تحضر السيدة مايسون , يكونان وحدهما أكثر ا؟لأوقات , وخصوصا في الليالي التي تعزف له على البيانو لساعات".
وبدت ايلين منزعجة لسيرة السيدة مايسون وهي تضيف:
" أنا أعرف أن السيدة مايسون مشهورة في عزفها على البيانو , ولكنني أمل ُ من سماعها تعزف ساعة بعد ساعة لذلك أغادر البيت في زيارات مختلفة".
وكأنها لاحظت أنها تطيل الحديث في موضوع واحد , فغيَرت الكلام:
"أستريحي في غرفة الطعام , فأحضر اليك الفطور هناك".
ومن على باب غرفة الطعام استدركت كوري وسألت:
" ولكن من يعلم الأولاد في المدرسة؟".
" جين زوجة مايكل المزارع , أنها ليست معلمة ولكنها تراقب الأولاد في المدرسة من أجل أن يبتعدوا خلال النهار عن أزعاج أمهاتهم".
دخلت كوري غرفة الطعام الكبيرة وجلست حيث كانت بالأمس في مواجهة غريغ , أكثر ما شغل فكرها أولاد المزرعة الذين يستحقون أكثر من الأبتعاد عن أزعاج أمهاتهم, غريغ كان سألها في أ ول لقاء أن تكون معلمة في المزرعة, وهي تستطيع أن تقوم بهذه المهمة أضافة الى دورها الرئيسي في التصرف كزوجة غريغ , لأنها لا يمكن أن تفقد عقلها أن أمضت النهار وحدها في البيت تنتظر عودة غريغ في المساء, وتراقب ايلين تقوم بالأشغال المنزلية , هي لا تعرف ركوب الخيل لتتنقل في المنطقة , وبعد ملاحظات ايلين عن المعلمة القديمة , قررت كوري أن تتعلم ركوب الخيل لتتمكن من الذهاب الى المدرسة, ومع أنها تخاف من فكرة المحاولة الا أن معرفتها أمكان مجيء ماريزا مايسون وركوبها الخيل مع غريغ , في حين يمكن أن تبقى كوري في البيت, جعلها تصمم أن تتغلب على خوفها وتبدأ التعلم.
سرحت بنظرها عبر النافذة نحو السهل الممتد , وهي تفكر بماريزا, كان من السهل عليها تصور المشهد الحميم في غرفة الجلوس حيث ماريزا تعزف البيانو للرجل المعجب , ولكنه أن كان مغرما بها لماذا لم يتزوجها ويحل كل مشاكله ضربة واحدة؟ هل المانع فقط هو عدم رغبتها في التخلي عن جمهورها؟ وماذا عن واجباتها اتجاه أبنها؟
دخلت ايلين ووضعت على الطاولة صحنا من البيض المقلي وأشكالا من الأجبان والزبدة واللحوم المقددة والمربيات والخبز فاعترضت كوري قائلة:
" يا ايلين أنا عادة أتناول قطعة خبز محمص فقط".
" الكل يقول ذلك عندما يحضر لأول مرة من المدينة الى هنا , وفي وقت قصير تفتح شهيته".
وتابعت:
" سأذهب لأرتب غرفتك أثناء تناولك الفطور".
وكادت كوري أن تقفز من كرسيها وهي تقول:
"كلا ...أنا سأهتم بهذا الجناح من البيت يا ايلين , أنت أفعلي كل شيء آخر".
واذ بصوت غريغ يأتيها من الخلف يقول:
" أفعلي كما تقول السيدة يا ايلين".
واستدارت كوري برأسها لترى غريغ بقامته الممشوقة يدخل غرفة الطعام ويجلس على الكرسي قبالتها, وشعرت كوري أن قلبها خفق بسرعة للمفاجأة.
قال لأيلين:
" يمكنك أن تحضري لي القليل من القهوة".
ثم التفت الى كوري وقال:
" تناولي طعامك قبل أن يبرد".
نظرت اليه ولاحظت عمق عينيه السوداوين وشعرت أن تحديقه بها وهي تتناول الطعام سيخفف من شهيتها للأكل , ومع ذلك بدأت تأكل ببطء وقالت وكأنها تدافع عن نفسها:
"أنا عادة لا أتأخر في الأستيقاظ صباحا".
شعرت أنه قد يفكر أنها كسولة, ولكنه قال:
" ليس من الضروري أن تستيقظي باكرا مثلما أفعل أنا".
وشكر ايلين بابتسامة وهي تقدم له فنجان القهوة, أضاف السكر الى القهوة وراح يحرك الملعقة بتواصل ويقول:
" كل ما أطلبه منك أن تتقني دور الزوجة ألى أن تنتهي دعوى الحضانة".
" ومن ثم؟ " سألت بتحد وهي تضع لقمة كبيرة في فمها " هل تعتقد أنه من المفيد للصبي أن يربى دون تأثير والدته في حياته؟".
بعد صمت قليل أجاب موافقا:
" كلا, ولكن ما أعطيه أنا هو البديل لحياة متنقلة هائمة حول الأرض مع أمه".
وتابع وهو يغير الموضوع:
" عندما تنتهين من تناول الطعام سآخذك لتقابلي بعض المزارعين الذين ينتظرون التعرف اليك, أن هانك أعطاهم مقدمة ممتازة عنك".
" ليته لم يفعل, كثيرا ما أجد نفسي خائبة أمام شخص يأخذ فكرة جيدة مسبقة عني".
وقفت تنظر الى ثيابها وسألته:
" هل أبدو مقبولة هكذا؟ ليس عندي فكرة فيما يجب أن ترتدي زوجة السيَد في المزرعة".
تجولت نظراته على جسمها ثم قال:
" أشك في أن يخيب أمل أي واحد منهم, المتزوجون منهم سيعتقدون أنني رجل محظوظ جدا, وغير المتزوجين سيلعنون الساعة التي شاهدتك فيها قبلهم".
شعرت بارتباك وقالت من دون شديد تركيز:
" لو يعرفون أنني ما زلت متاحة لهم".
لم تتوقع أن يأتي رد فعله قاسيا , قفز من مقعده وشدَها من معصمها وهزها قائلا:
" ما دمت في المزرعة, أنت لست متاحة لأي كان غيري , لن تحاولي لا بالكلام ولا بالأشارة أن تدعي أحدا يعرف أن زواجنا ليس مكتملا , أنا لن أقبل أي مجازفة".
" لا تقلق يا غريغ" قالت وهي تسحب معصمها من يده " أنا لست مهتمة بالرجال , خصوصا القساة منهم مثل المزارعين , أحب رجلي أن يملك القليل من اللطف والتهذيب".
وفكرت أن غريغ هو من المزارعين القساة , ولكنه في كل حال لا يخلو من اللطف والتهذيب عندما يقصد ذلك".
وتابعت أنا سأكون مستعدة معك خلال دقائق".
وغادرت الغرفة متوجهة الى الجناح الخاص بهما , مرتاحة بهروبها منه لبعض الوقت , رتبت سريرها في سرعة ثم أنتقلت الى غرفة غريغ بتردد , شعرت أنها ستخترق حرمه ومع ذلك دخلت لترى السرير في حاجة الى ترتيب, فكرت أن ايلين يجب أن لا تدخل جناحهما أبدا كي لا تلاحظ نومهما في غرف منفصلة , شعرت وهي ترتب السرير الأصغر قليلا من سريرها , بفضولنحو الأشياء الحميمة الرجالية , أغلقت خزانته وفي داخلها أشياؤه الخاصة المرتبة , غريغ مايسون بالنسبة اليها كان رجلا أبعد بكثير من أن تستطيع فهمه.
منتديات ليلاس
بعد وقت قليل كانت تسير مع غريغ خارج البيت , السهل بد أكثر خضرة وجمالا , والحدائق المحيطة بالبيت ظهرت فيها براعم زهور ستتفتح خلال أسبوع أو أثنين.
سألته:
" من يعتني بالحدائق؟ ومن يحضر الخضار الى البيت؟".
" جوزيف يهتم بكل شيء من الأزهار وحتى جلب الخضار الى البيت , وأنا أحضر ما نحتاج اليه من فانكوفر وبلدة وليامس ليك ونحضر ما نحتاج أليه أضافة الى البريد".
" هل تقصد أننا سننتظر أسبوعا من أجل البريد؟".
" وهل توقعت أن يأتي ساعي البريد الى هنا كل يوم بسيارته الحمراء؟ أنا أعتقدت أنك غادرت المدينة مع فكرة التخلي عن عادات المدينة".
" أنا أفرح أن استلمت رسالة من دورين".
" وهل الرسالة من شقيقتك هي التي ستسرك؟ كلا, بل أعتقد أنك ترغبين في معرفة أخبار خطيبك السابق ". ومتجاهلا الألم الذي سببه لها كلامه أضاف" الأسراع في القدرة على نسيانه أفضل لك وللجميع" وتابع متعمدا السخرية " من يدري , أن البعد يزيد من أشواق القلب".
لم تستطع كوري الا أن تجيبه بغضب:
" على الأقل روجر عنده قلب".
ولكن أكثر ما أثارها هو أنها لم تفكر في روجر أطلاقا منذ وطئت قدماها المزرعة, أجابها غريغ معلقا على كلامها:
" هل تقصدين أن لا قلب عندي؟ " وأضاف بلامبالاة " ربما أنت على حق في ذلك".
وانتهت المحادثة بعدما بلغا سيرا على الأقدام قلب المزرعة, على ضفتي النهر بيوت تمتد بعيدا, من جهة اسطبلات الماشية , ومن الجهة الأخرى بيوت سكنية, أحد المباني بدا مختلفا في الشكل وتوقعت كوري أن يكون " المدرسة" , ومبنى صغير فهمت أنه دكان المزرعة.
من بعد ذلك مباني صغيرة الأحجام.
" أنها مساكن العمال غير المتزوجين".
قال ذلك وهو يتأبط ذراعها ويتجه نحو المدرسة.
" ربما من الأفضل أن نبدأ من هناك".
أصوات أقدامها على الأرض الخشبية أضفت هيبة على دخولهما المدرسة اذ خيم على الأولاد صمت شديد عندما دخلا غرفة الصف , تجولت كوري بنظرها في فضول لترى المقاعد واللوح الأسود والأشياء المعلقة على الحيطان وأمرأة شعرها أحمر تجلس خلف طاولة المعلمة ما أن رأتهما حتى وقفت مرحبة, غريغ تولى أجراء التعارف بين كوري وجين ويبرن, تم التعارف مع طلاب المدرسة , فرأت كوري أشكالا مختلفة تنظر اليها من الأولاد , من الهنود الأصليين السمر اللون الى الأولاد الشقر , أما بوبي وحده فلم يرفع رأسه وكأنه ارتبك خجلا من المفاجأة , شفتاه بقيتا مغلقتين فيما باقي الأولاد رددوا في صوت واحد جملة ترحيب بالسيدة مايسون أعطتهم جين الأشارة لقولها, ثم قالت لهم:
" حسنا يا أولاد يمكنكم الخروج الى الملعب عشر دقائق".
وعلى الفور هبَ الأولاد الى الخارج وكأنهم ينتظرون الفرصة للأنطلاق تحت الشمس, وابتسمت كوري لهم ولجين التي بدا النمش في وجهها يضفي عليها جاذبية خاصة.
" أنا مسرورة في التعرف اليك يا كوري , كلنا هنا كنا نعتقد أن غريغ لن يجد له زوجة أبدا".
ثم التفتت الى غريغ وقالت:
" أعتقدت أنك ذهبت تبحث عن معلمة لا عن زوجة جميلة".
فتحت كوري فمها تريد أن تقول أنها معلمة أيضا ولكن غريغ شدَها من ذراعها مذكرا أياها أن لا تفعل , وقال:
" وجدت معلمة كفوءة ولكن للسنة الدراسية المقبلة التي تبدأ في أيلول , عند زوجها الكثير من الخبرة في المزارع في الجنوب وأعتقد أنهما معا سيسهلان الأمر لنا".
وأبدت جين أنزعاجها لفكرة أنها ستبقى تهتم بالأولاد حتى نهاية السنة الجارية.
" أن أيلول بعيد جدا , صحيح أن أمامي أسابيع قليلة قبل عطلة الصيف , ولكن هؤلاء الأولاد في حاجة الى معلمة حقيقية لا أمرأة تراقبهم فقط".
وهنا حاولت كوري أن تتدخل.
" ولكنني أنا....".
فقاطعها غريغ قائلا لجين:
" أرجو أن تفعلي المستطاع لضبط هؤلاء الأولاد يا جين , على كل حال ربما نعطيهم عطلة الصيف باكرا هذه السنة".
وما أن أصبحا خارج المدرسة حتى التفتت كوري الى غريغ قائلة:
" يا غريغ أنا معلمة , لماذا لا أستطيع أن آخذ مكان جين؟".
" أن زوجتى لا تعلم في مدرسة".
" أرجوك لا تكن متخلفا, ماذا تتوقع مني أن أفعل طيلة النهار ؟ أجلس وأقلم أظافري؟".
ومن دون أستعداد , مد يده نحو يدها ورفعها نحوه لينظر الى أظافرها المقلمة جيدا والمطلية بلون الزهر, سحبت يدها منه وتابعا المسير , دلها على اسطبل للثيران قائلا:
" هذا أهم ما عندنا , أحضرناها مع مجموعة أوروبية لنرى أمكان تحمَلها طقسنا".

زونار 19-06-09 04:06 PM


شعرت كوري بخوف من الثيران ولكنها أطمأنت الى أن السور قاس ومغلق بأحكام فلا تشرد نحوها, وخافت أيضا من مشهد الأحصنة في باحة أسطبل مجاور , فقال غريغ:
" يجب أن أعلمك ركوب الحصان, أنه ضرورة في هذا المكان".
الخوف جعلها تقول:
" ولكن الأمر لا يستأهل العذاب , فأنا بالكاد سأمضي وقتا كافيا يجعلني أحتاج ألى ركوب الحصان".
لاحظت وجهه مشدودا وكأنه أمتعض ورغب في الأجابة , ولكن مجيء هانك مع رجلين آخرين أوقف الحوار.
بدا هانك أنيقا خصوصا عندما نزع قلعته وحيَا كوري , شعره الأشقر ووجهه الذي لفحته الشمس , وعيناه الزرقاوان , كلها بدت لكوري جذابة, ولباسه مثل أي مزارع فوضوي, لم يخفف كثيرا من مظهره اللائق.
قال مبتسما:
" أذن العروس الخجولة تتجوَل في المزرعة؟".
ابتسمت له ولرفاقه , يد غريغ شدت على ذراعها وقال يعرفها على الشابين الى جانب هانك:
" هذا ميتش , ولفتي يطبخ للمزارعين غير المتزوجين".
فقال الطباخ مازحا:
" حان الوقت لزواج غريغ , أن الرجل منا يحتاج الى نعومة أمرأة الى جانبه والا أصبح قاسيا مثل أي ثور هنا".
وبعد حوار ضاحك, ابتعد الرجال الثلاثة ليتابعوا أعمالهم, وأخذها غريغ الى مبنى فيه آلات منوعة للزراعة والحصاد, وظهر جوزيف الرجل الهندي الذي يهتم بالحدائق والخضار, وبدا سعيدا عندما سألته كوري عن سور حديدي , فأجاب:
" أنه للغزلان , أحيط به الحدائق لأمنعها عندما تنزل من التلال من أكل خضاري".
ثم أخذها الى غرفة زجاجية للنباتات والأزهار الأختبارية , وعندما رأتها كوري عبرت عن أعجابها الشديد, وكذلك أبدت أعجابها بضمة من البنفسج في وعاء صغير.
رفعها جوزيف وقدمها لها قائلا:
" أنها لك, خذيها , أنها تشبهك تماما, صغيرة ونضرة وحلوة".
ترددت قليلا لأنها لم ترغب أن تأخذ أجمل ما عند جوزيف , ولكن أبتسامة غريغ وتشجيعه لها جعلاها توافق شاكرة.
نظر غريغ الى ساعته ثم قال:
" يجب أن نعود الى البيت ونكمل الجولة في وقت آخر, أعتقد أن ايلين أنتهت من أعداد الغداء".
وفيما هما يسيران عائدين نظر الى بيوت المزارعين المتزوجين من بعيد وقال:
"لا بد أن الزوجات سيدعينك الى حفلة أستقبال بعد يوم أو يومين".
من هنا فهمت كوري أن عليها أن تنتظر الدعوة قبل أن ترضي فضولها في رؤية البيوت التي تبدو جذابة جدا من بعيد, ولاحظت بيتا صغيرا منفردا فقالت مبدية أعجابها به:
"كم هو جميل هذا البيت, هل كنت سأسكن هناك لو جئت كمعلمة؟".
فأجاب بتردد:
" نعم, يبدو أنك تفضلينه على بيتنا".
" البيت الصغير جميل, أحيانا يشعر المرء بحرية أكثر عندما يكون عنده بيت له وحده".
" ومن دون زوج؟".
" نعم, كل عمري كان عليَ أن أعيش في بيت يختاره آخرون , أهلي أولا , ثم دورين وهاورد , والآن بيتك أنت , جميل جدا أن يختار الأنسان بيته وينتقي أثاثه ويختار الوقت الذي يريد أن ينام فيه أو يقوم , أو يأكل ويشرب ويتنزه".
وشعرت بثقة وهي تتكلم , وفوجئت أنه لم ينزعج من كلامها بل قال:
" أنا أفهم ماذا تعنين, على بضعة بضعة أميال من هنا عندي كوخ صغير مؤلف من غرفة واحدة , أذهب اليه وحدي ومرات مع بوبي ".
نظرت اليه وقالت متذكرة بوبي:
" أنك تهتم كثيرا ببوبي".
" عندي مسؤولية تجاهه".
" هل هذا كل شيء؟".
سألت وهي تشعر بثقل أنفاسها وهما يقتربان من البيت , وقالت وهي تتوقف وتنظر اليه:
" أليس هنالك شخص آخر في العالم تحبه يا غريغ؟".
فالتفت اليها وقال بلامبالاة:
" أن الحب بضاعة ثمنها الناس أكثر مما تستحق".
وفتح الباب الرئيسي ودخلا الى البيت وعلَق سترته وقال:
" أن الحب وهم في عيني المرأة التي تغلَف رغباتها الحسية بغلاف رومانسي فلا يعرف الرجل ماذا يحدث له الا بعد أن يكون قد وقع في المصيدة".
فأجابت بحنق:
" لا بد أنك تكبت كثيرا رغباتك الحسية , وتابعت غير متأثرة بنظراته نحوها.
"أم أنك لا تعرف شيئا عن هذه الرغبات؟".
لاحظت عضلة في أسفل فكه تنتفض وفيما هو يحدق فيها بغضب , فاجأها بعناق قاس لم تعرف مثله من قبل, وبعدما أعتادت على يديه تحيطان بها أبتعد عنها وقال:
" لا تفسري ما حدث بشكل ثغرة في أتفاقنا , فقط أردت أن تتعلمي درسا في أن لا تهزأي من رجولة رجل خصوصا في هذه الأنحاء المنعزلة".
وقبل أن تتمكن من قول أي شيء أنسحب غريغ وأختفى داخل البيت تاركا أياها ترتجف من المفاجأة ومن لمسات يديه عليها , وشعرت أنها عاجزة عن التصرُف , هي تحت رحمته عندما كانت بين ذراعيه, وهي تحت رحمته أيضا أن فكرت بمغادرة المزرعة, وهو لن يدعها تذهب قبل أن يربح دعوى الحضانة , فكَرت أنَ المجال الوحيد أمامها أن رغبت في الرحيل , هو أقناع هانك أن يأخذها خارج المزرعة, ولكن هانك يعمل عند غريغ ولا يمكن أن يتصرف من دون موافقة معلمه حتى لو كان شديد الأعجاب بها, قررت أن تتصرف بهدوء وتنتظر ما يأتي وقررت أيضا أن تكون معلمة المزرعة, المهم أن لا تكون عبدة لغريغ طيلة المدة التي ستبقى فيها هنا.

زونار 19-06-09 04:08 PM

5-وجهها يرقد بين كفيه
لم تتبادل كوري الكلام مع غريغ طيلة النهار, دخلت البيت بعدما أمضت بعد الظهر في بركة السباحة, نزعت عنها مايو السباحة وأرتدت فستانا أصفر اللون عالي الياقة , ودخلت غرفة الجلوس لتنظر عبر النافذة الى السهل مع الغروب, أخذتها الأفكار ليس نحو غريغ بل نحو بوبي, ظنت أنها تمكنت من الحصول على عناقة بوبي بها في الليلة السابقة عندما تبادلا الحديث معا, ولكن اليوم كان الأمر مختلفا , حاولت على طاولة الغداء أن تكسب وده عبثا, اذ كان يجيب باختصار على أسئلتها , وأخيرا قالت له:
" هل تسبح معي في البركة بعد الظهر يا بوبي؟".
أجاب منسحبا:
" أريد أن أذهب الى منزل سكوت, هل أستطيع الآن يا عمي غريغ؟".
رد عمه:
" طبعا, أن كنت أنتهيت من تناول الطعام , ولكن لا تتأخر أكثر من الساعة الخامسة والنصف".
وعندما غادر بوبي المكان قال غريغ لكوري:
" أعطه بعض الوقت ليعتاد عليك, أعتقد أن رفاقه يغيظونه بالحديث عن زوجة عمه الجميلة".
بدت كوري مستغربة , فسألت:
" ولماذا يقولون ذلك؟".
لم تعرف أن كانت تسأل: لماذا يغيظونه أو عن كونها جميلة, ولكن غريغ تبنى الفكرة الثانية أذ قال:
" لا تحاولي أن تصطادي مني المديح يا كوري, أنت لا تحتاجين الى أن أخبرك عن جمالك".
حارت جوابا ولم تجد غير القول ببرود:
" صحيح, أنا لا أحتاج الى ذلك".
والآن وهي تنتظر في غرفة الجلوس راحت ترسم ملامحه القاسية وعناقه لها في الصباح, هذا العناق الذي خلا من أي عاطفة.
" هل أستطيع أن أقدم لك كوبا من الشراب؟".
جاءها سؤاله من الخلف, فالتفتت لتراه مرتديا قميصا حمراء وسروالا أسود.
وافقت شاكرة , فأحضر كوبين وقدم لها واحدا حيث كانت تجلس على أحد المقاعد , جلس هو الآخر في مقعد مقابل, بدأت الكلام فورا:
"أريد أن أتكلم معك عن المدرسة والأولاد".
جاءها جوابه من دون أنتظار لباقي كلامها:
" أنا سبق أن قلت لك أن زوجتي لا تعلَم في المدرسة, أن الكثير من الأشياء يمكن أن تقومي بها في البيت الكبير خصوصا في الحفلات التي نحييها هنا أضافة الى الأهتمام بالشؤون الأجتماعية مع نساء المزرعة".
استمعت اليه وبعد صمت قليل قالت:
"أنت تعرف أنني لا أستطيع أن أقوم بأي شيء, لأن كل الأشياء معدَة سلفا خصوصا أنني لن أمضي هنا الا بضعة أشهر , ثم أين هي الحفلات التي تتحدث عنها واللقاءات مع الضيوف باستثناء الزيارات التي يمكن أن تقوم بها ماريزا مايسون؟".
"كثيرون يتوقعون أن أجعوهم الى حفلات في البيت خصوصا بعدما أصبح عندي زوجة, من بينهم كثيرون سبق أن دعوني الى حفلات عندهم في الماضي".
نظرت اليه كوري وشعرت أنها مظلومة في هذا الدور الذي تلعبه طائعة, همست:
" آه يا غريغ. كان يجب أن تتزوج أمرأة تختارها عن قناعة, أمرأة تحبها أنت وتبادلك هي الحب".
نظر اليها وقال مذكرا:
" أعتقدت أن موضوع الحب أنتهينا منه خلال حديثنا الصباحي".
وانتهى الكلام عند هذا الحد , لا تستطيع أن تفهم غريغ ولا تقبل مفهومه للحب في أنه أرضاء للرغبات الحسية فقط, وشعرت بالشفقة على أي أمرأة يمكن أن تقع في غرام رجل مثله".
ومَرت أيامها في المزرعة بطيئة لا معتى لها, في الصباح تهتم بترتيب وتنظيف الجناح الخاص بهما, وبعد الظهر داخل بركة السباحة أو الى جانب البركة تعرض جسمها للشمس وتجعله في لون العسل.
بوبي كان دائما يختفي بعد الغداء , وغريغ ينهمك في أعماله في مكتبه في الغرفة المتفرعة عن القاعة الكبرى , بعض الليالي تذهب كوري الى غرفة النوم من دون أن تقول( تصبح على خير).
وهو كان مأخوذا بالأعمال التي يقوم بها, وكم كانت تتمنى لو تملأ أوقاتها بأشياء نافعة أكثر مما تفعل, بعد عشرة أيام من مجيئها الى مزرعة مايسون وفيما الثلاثة يتناولون طعام الغداء غادر البيت غريغ قبل بوبي لأول مرة.
النهار كان دافئا أكثر من العادة والشمس تنعكس باغراء على بركة السباحة.
سألت بوبي في محاولة أخيرة لأستدراحه:
" لماذا لا تحضر رفاقك الى هنا للسباحة يا بوبي؟".
ظهر في عينيه بعض أهتمام ما لبث أن أختفى وهو يقول:
" عمي غريغ قال أننا لا نستطيع أن نسبح في البركة الا اذا كان هو يراقبنا".
" أنا واثقة أنه يقصد أنكم لا تستطيعون السباحة اذا لم يكن معكم شخص كبير يراقبكم , أنا أجيد السباحة وأستطيع أن أراقبكم , وأضافت وهي تكاد تستجديه " أنت تعرف أنني أحتاج الى رفقة, أشعر أنني وحيدة وضجرة عندما أسبح لوحدي".
فرد بوبي:
" ربما عمي غريغ لا يقبل أن نزعجك".
" أترك عمك غريغ عليَ " أجابت بثقة وهي تعرف أن أي أعتراض من غريغ ستجابهه بقوة , وأضافت" أذهب واجمع رفاقك وتعالوا سنمضي وقتا مسليا".
قفز بوبي من مقعده بفرح وأسرع خارج البيت الى بيوت رفاقه من أبناء العمال في المزرعة , وكوري دخلت الى غرفتها وارتدت مايو السباحة وخرجت تنتظر.
بعد دقائق فوجئت بالأولاد الذين حضروا , كل طلاب المدرسة بالطبع في مكان منعزل مثل مزرعة مايسون لا يمكن أن يترك أحد خارج تسلية جماعية, كانوا أربعة طبيان وأربع بنات, بعد مرحلة قصيرة من الحياء أندمج الجميع في مباريات السباحة التي نظمتها كوري في الأحجام والأعمار , وراح الكل يتسابقون من جهة الى أخرى في البركة الكبيرة.
ايلين خرجت وفي يدها طبق مليء بأكواب الليموناضة والكعك الخارج للتو من الفرن.
"تعال ساعدني يا جايسون".
نادت أيلين الولك الكبير في المجموعة وهو من الهنود الأصليين , أسود الشعر, شديد التهذيب , ساعد كوري في تنظيم باقي الأولاد ومراقبتهم, أقترب من ايلين طائعا ومساعدا.
وفيما الجميع يتناول الليموناضة والكعك الى جانب بركة السباحة , راحت كوري تختبرهم في معلوماتهم المدرسية ووجدت في اجاباتهم مستوى مقبولا , وكم تمنت لو تتولى تعليمهم.
ومر الوقت في سرعة وكوري تنظم لهم لعبة رياضية بالكرة داخل المياه, ومع ذلك لم يكن الوقت متأخرا بحيث يحين عودة غريغ , كانت تقف داخل أحدى جهات البركة وترفع الكرة في يدها تفكر الى من ترميها وسط صيحات الأولاد.
منتديات ليلاس
" أرمها يا سيدة مايسون ". " كلا". " بل لي أنا".
ثم... رأت من بعيد غريغ واقفا الى الباب المفتوح في غرفة الطعام يراقبهم, شعرت بارتباك وخجل ورمت الكرة في الهواء بحيث قفز الأولاد لألتقاطها.
بوبي أبتعد عن رفاقه وسبح حتى طرف البركة وصعد نحو عمه قائلا:
" لماذا لا تسبح معنا يا عمي؟ منذ زمن بعيد لم نسبح مع".
" بعضنا يجب أن يعمل من أجل أن يؤمن معيشته". قال وهو يبتسم ثم أضاف وهو يلاحظ حماس بوبي:
" ولكن, بما أنني أخذت أجازة بعد الظهر, أستطيع أن ألحق بكم".
وسار نحو البركة قرب كوري قائلا:
" كنت أتساءل من هو الساحر الذي استطاع أن يسحب الأولاد من المزرعة. كل الطريق الى هنا لم أشاهد ولدا".
فردت كوري دون أن تنظر في عينيه:
" أرجو أن لا تكون أنزعجت لأنني دعوت الأولاد للسباحة".
" ولماذا أنزعج أن كنت أنت لا تنزعجين؟ أنها حريتك أنت التي تعطلت".
نظرت أليه قائلة:
" أن الأنسان لا يستطيع أن يتمتع بحريته طويلا, بعد ظهر اليوم شعرت بفرح لم أعرفه منذ مجيئي الى هنا".
" هل تشعرين بالوحدة هنا؟".
سألها في صوت عال لتستطيع أن تسمعه لأرتفاع أصوات الأولاد الذين أستمروا في لعبتهم وأنتزاع الكرة من بعضهم.
" أليس كل سجين يشعر بالوحدة".
قالت ذلك ملاحظة التغيير في تعابير وجهه نتيجة مفاجأته بكلامها, ولكنها لم تبال بل استدارت وغطست داخل البركة, بعد لحظات عندما عادت الى السطح الماء وجدت أن غريغ اختفى وتساءلت في نفسها أن كان انزعج من كلامها , وقررت أن لا تبالي , هل هي في المزرعة غير سجينة؟ لا تستطيع أن تغادر المكان عندما تختار هي ذلك, حتى زوجات المزارعين يبدو أنهن يتجنبنها , ولم يدعها أحد للقاء , ولم تعرف أن كان ذلك من ترتيب غريغ نفسه أو منهن.
بعد دقائق رأت غريغ في ثياب السباحة يغطس حيث غطست هي قبل قصيرة, لاحظت في وجهه قبل أن يغطس ملامح تفكير لا غضب, وأعجبت في جسمه الرياضي, وخلال لحظات كان يطفو على وجه الماء قربها ويقفز فوقه الأولاد مرحين ومازحين, وفكرت, ترى ماذا يعني لأمرأة أن يحبها غريغ مايسون؟ وماذا كانت تشعر الآن لو كان زوجها الذي يلعب مع الأولاد هو زوجها فعلا جسما وروحا؟
أخذتها الأفكار بعيدا وتركت نفسها تتمدد على المياه محاولة أن تريح جسمها وأعصابها , ولكن أنَى لأفكارها أن ترتاح, شعرت أن روجر ما زال حبها الحقيقي وليس غريغ مايسون المتسلط , غير المساوم , الذي لا يقيم وزنا للعواطف الأنسانية, رأيه في العلاقة بين الرجل والمرأة هي حيوانية , لا شيء يعطي ولا شيء يؤخذ أبعد من الجسم وفيما هي تسترسل في أفكارها , أمتدت حول رجليها أيد قوية شدتها تحت مياه البركة , المفاجأة جعلتها لا تتمكن من التحسب, فامتلأ فمها وأنفها بالماء وما أن عادت الى سطح الماء حتىكادت تختنق وأحاطت بغريغ قربها من أجل أن يتوقف عن المزاح لأنها تكاد تختنق فعلا, أحاطها بذراعيه وحملها خارج البركة ووضعها على كرسي ممدود رافعا رأسها الى الوراء.
" كوري؟ كوري؟ هل أنت بخير؟".
جاءها صوت غريغ قلقا, فتحت عينيها وظهر فيهما الغضب.
" غريغ مايسون أنت أبله". وتابعت متجاهلة قلقه عليها" الآن الأولاد سيقلدونك وسيبدأ كل واحد منهم في شد رفيقه تحت الماء".
نظر اليها غريغ باهتمام وهو جاثم الى جانبها , ثم وقف متوجها نحو الأولاد الذين ظهروا كلهم يتسارعون للخروج من البركة والأطمئنان الى كوري , فقال لهم:
"أنتم تشاهدون نموزجا لما لا يجب أن تفعلوه في بركة ماء , اذا رأيت أحدا منكم يحاول عملا سيئا سوف أصفع مؤخرته , مفهوم؟".
بقي الكل صامتا فتابع غريغ مايسون:
" الآن جففوا أجسامكم والبسوا ثيابكم واذهبوا الى بيوتكم أن أمهاتكم لا بد تنتظركم على العشاء".
وبعدما غادر الأولاد المكان , ودخل بوبي الى البيت يغير ثيابه , سألته:
" ومن يصفع مؤخرتك أنت على عمل سيء؟".
لم يجب غريغ فورا , بل جلس الى جانبها على طرف الكرسي الممدود , شعره المبلل يتدلى على جبينه, وعيناه السوداوان مثل ولد أرتكب دنبا , أجاب:
" أعتقد أنك أنت من يجب أن يقاصصني!".
ومع أن ملامحه القاسية عادت الى وجهه الا أنه تابع" أعتذر يا كوري لأنني لم أتوقع أن تكوني سارحة بأفكارك فلم تلاحظي أقترابي منك ".
وبدا في كلامه بعض المرارة وشعرت كوري ببعض الذنب لأنها بالواقع كانت تفكر بروجر , ومن أجل أن تضع حدا للعتاب بينهما قالت:
" بما أنني لا أحمل العصا التي أصفع قفا من يقوم بعمل سيء , سوفأسامحك".
وقامت من كرسيها الى البيت تتحداه مازحة:
" لنر من يسبق الآخر في الأستحمام وأرتداء ثيابه".
وهما يركضان داخل البيت الى غرفهما , فكرت كم من المزاح عرف غريغ في حياته , وتمنت من قلبها أن يأتي يوم يعرف غريغ السعادة الحقيقية مع أمرأة تملأ حياته القاسية المملة , فرحا وأثارة.

زونار 19-06-09 04:09 PM


في المساء على طاولة العشاء قال لها غريغ:
" يبدو أنك قدرت على ضبط الأولاد اليوم , كنت أفكر أن كنت ترغبين في تعليمهم حتى باقي السنة الدراسية".
ولم تصدق كوري ما تسمع, قفز الفرح من عينيها وهي تقول :
" طبعا أرغب في ذلك, أن هذا أقصى ما أتمناه هنا".
فنظر اليها متعمدا الحيرة:
" يبدو أن أقصى ما تتمنين , سهل تحقيقه, هل السبب في ذلك أنك تشعرين بالوحدة؟".
اعترفت كوري صادقة:
" أنا لست معتادة على جعل أوقاتي خالية من أي أنتاج , انتظر ساعات فارغة الى أن يأتي سيدي الى البيت, وعندما يأتي يغلق على نفسه في مكتبه يعمل ويتركني وحيدة".
توقفت عن الأسترسال في الكلام وهي تشعر أنها بالغت في الشكوى , فاجأها بجوابه:
" هل تفضلين أن أمضي معك وقتا أطول؟".
ارتبكت من سؤاله , التقت أعينهما وشعرت أنهما مهما حاولا التقارب فأن مسافات روحية شاسعة تفصل بينهما, أجابت:
" كلا, بل سأكون سعيدة أن أمضيت طيلة النهار مع الأولاد , وأعتقد أنهم بحاجة الى ساعات درس مكثفة بسبب ما أضاعوه من وقت, هل تعتقد أن أمهاتهم يمانعن؟".
هز كتفيه منسحبا وقال:
" أنت المعلمة, أنت التي تقرر".
ووقف حاملا فنجان القهوة يهم بالخروج به الى غرفة المكتبة وقال:
" في كل حال ستعرفين رأي الأمهات غدا مساء . أعدوا لك حفلة, رغبن في اللقاء السبت الماضي ولنني أقترحت أن يؤجلن ذلك الى أن تعتادي على المزرعة".
قاطعته قائلة:
" أو حتى أستطيع أن ألعب دور زوجة السيد في أتقان؟".
وشعرت أنها منزعجة لأنه لم يخبرها عن رغبة زوجات المزارعين في لقائها وهي اعتقدت أنهن يتجنبنها ".
فقال لها:
" ربما هذا صحيح , في كل حال الأمر ليس سهلا بالنسبة الي".
وخرج من الغرفة مسرعا وهي راحت تختبر كلماته , لم تفكر قبل الآن بصعوبة علاقتهما من زاويته هو, هو يختلط بأناس المزرعة ويسمع تعليقات عن العريس الجديد ويتصرف طبقا لذلك, هي لم يكن عليها أن تواجه غير ايلين, وهذه الأخيرة أقتنعت فورا بصدق زواج معلمها وكوري , ولم يكن على كوري التصرف بصعوبة في مواجهتها.
ليلة السبت كان على كليهما مواجهة عمال المزرعة وزوجاتهم وأتقان دور الزوجين السعيدين , في قاعة المدرسة أقيمت الحفلة, رفعت الطاولات والكراسي جانبا وزينت الجدران بالأوراق الملونة , أحاط غريغ بكوري بذراعيه وقدمها الى الجموع قائلا:
" أقدم لكم زوجتي".
وتوقف قليلا وكأنه توقع سلفا تصفيقا وتعليقات الشبان.
ثم تابع:
" كوري رغبت في لقائكم قبل الآن , ولكنني كنت أنانيا لأنني رغبت في ابقائها معي".
وجاءت التعليقات الضاحكة من هنا وهناك تضفي على اللقاء طابعا حميما.
وعندما هدأ المزاح أضاف غريغ:
" أن كوري معلمة متخرجة حديثا , ومع أنني لم أكن أرغب أن تبتعد عني خلال النهار من أجل الأولاد , الا أنها قلقة على سنتهم الدراسية وترغب في أن تتولى تدرسيهم خلال المدة الباقية من السنة".
كلام غريغ أثار التصفيق من الرجال والنساء الذين أظهروا تقديرهم لكوري لأهتمامها بمستقبل أولادهم, وفرحت كوري في رد فعل الحاضرين خصوصا من جين ريبرن التي صفقت بحماس شديد.
هانك أنتظر حتى هدأ التصفيق وكلام الأعجاب ثم أدار أسطوانة موسيقية تستدعي الرقص من الجميع , وجاء أحد الحاضرين يستأذن غريغ ويطلب من كوري أن ترقص معه , فسحب ذراعه من خاصرة كوري وابتسم لها مشجعا اياها , ارتبكت في البداية الا أنها ما لبثت أن تجاوبت في الرقص وهي ترى غريغ يراقبها من بعيد, وتذكرت لحظة زواجها وعينيه السوداوين تشجعانها على أتمام ما اتفقا عليه , وشعرت أنه لولا ثقته بنفسه لما تمكنت من الأستمرار معه.
رجل خلف آخر راحوا يراقصون كوري, وعندما شعرت بالتعب أدركت أنها رقصت مع كل الرجال الحاضرين , وأخيرا دعي الجميع للأستراحة وللأنتقال الى الطعام, ووجدت كوري فرصتها للتحدث مع النساء اللواتي أعددن الطعام.
قالت لهن وهن يتحلَقن حول طاولة ملأى بالطعام:
" لا بد أنكن عملتن بجد وتعب , غريغ وأنا نشكر لكن أهتمامكن بنا ".
وجاء الجواب من أحداهن اذ قالت مبتسمة:
" أنه ليشرفنا ذلك يا كوري ". وأضافت وهي تنظر الى تفاصيل وجه كوري وثيابها الأنيقة:
" الآن نحن نفهم لماذا خطفك غريغ من فانكوفر وأراد أخفاءك في البيت الكبير, علينا الآن أن نربط رجالنا على عتبة البيت لمنعهن من اللحاق بك".
فضحكت كوري خجلا ولكن جين ريبرن أنقذتها عندما قالت بسخرية:
" ولماذا تهتم كوري بزوجك طوم في حين هي منزوجة من غريغ مايسون ؟ أنه شخص كلنا كنا نتمنى أن نحظى به".
ومع أن النكات استمرت من هنا وهناك , التفتت جين الى كوري وقالت:
"أنا ارتحت جدا عندما علمت أنك ستتولين التدريس الآن في المدرسة, غريغ لم يخبرنا أنك معلمة".
ابتسمت كوري وقالت:
" بالحقيقة, هو لم يرغب في أن أعمل هكذا بسرعة بعد زواجنا".
جاءها تعليق المرأة الأولى:
" أنهم كلهم هكذا في البداية يا عزيزتي , ولكن أنتظري سنة حتى يحضر الأولاد من بعدها سيفضل السهر مع رفاقه الشباب ولعب الورق على البقاء في البيت".
علقت أخرى:
" أصمتي يا شيري, اذا كنت أنت لا تستطيعين أبقاء زوجك في البيت ليلا هذا لا يعني أن غريغ...".
وجاء صوت غريغ يقاطعهن :
" أريد أن أسرق زوجتي منكن قليلا, وأرقص معها لأول مرة... هذه الليلة".
وسحبها بنعومة الى حلبة الرقص, وفكرت كوري أن النسوة لم يلاحظن توقفه قليلا قبل أن يضيف كلمة هذه الليلة, أنهما لم يرقصا معا أبدا وهذه أول رقصة لهما منذ حفلة زفافهما.
ارتبكت كوري بين ذراعي غريغ في اللحظات الأولى ألا أنها ما لبثت أن شعرت بارتياح بين ذراعيه وخطواته الواثقة, قربها منه كثيرا فتمكنت من شم رائحة رائحة العطر الذي وضعه بعد الحلاقة ورائحة السيكار الذي دخنه قبل أن يحضرا الى الحفلة, ومع أنه وضع خده على خدها الا أنها أعتبرت ذلك ليس أكثر من مظاهر تجعل الآخرين يراقبونهما يرقصان معا بحميمية , ومع ذلك سألته:
" هل ستفعل مثلما قالوا؟".
رفع رأسه ونظر اليها وهما يتابعان الرقص , وقال:
" أفعل ماذا؟".
" ستفضل السهر مع رفاقك الشباب ولعب الورق على البقاء في البيت عندما تنجب زوجتك".
ابتسم وقال:
" أن الأمر يعود للزوجة وتصرفاته".
ثم تابع:
" أن كنت تتكلمين عما قالته شيري , فهي وزوجها بوب يواجهان مشاكل منذ تزوجا, مشاكل لا أعتقد أنني سأدعها تدخل في حياتي الزوجية".
" ولكن كيف يمكن لأثنين يتزوجان أن يكونا واثقين من نجاح زواجهما؟".
" عبر عدم النظر الى بعضهما في منظار رومانسي".
قال ذلك وبدا أنه ارتاح لصوت الموسيقى يتوقف ويعلن أنتهاء الرقصة.
وفيما هما يعودان من السهرة التي أقيمت على شرفهما , وفي الجناح الذي يشتركان في النوم فيه من دون أن يلتقيا , كانت كوري شاردة , حتى وهي تخلع ثيابها في غرفة النوم الوثيرة راحت تفكر أيضا وتتساءل : ترى ما الذي جعل غريغ ينفر من الحب الرومانسي؟
منتديات ليلاس

أسابيع ثلاثة مرت على كوري أسرع من أي وقت سابق , أسبوعان في أنتهاء السنة الدراسية وأسبوع ثالث لتصفية الحسابات والتفاهم مع أهالي التلاميذ عن نتائج أولادهم.
تعليم صف من أربعة عشر تلميذا من النظرة الأولى هو حلم كل معلمة, ولكن كوري ما لبثت أن اكتشفت أن اختلاف الأعمار بين التلاميذ يشكل عائقا كبيرا أمامها . اذ كيف يمكن تعليم صف فيه كل تلميذين أو ثلاثة من مستوى دراسي مختلف.
جيسون, الولد الهندي المهذب المؤهل للأنتقال الى الصفوف الثانوية في مدرسة داخلية في أيلول المقبل, عمل على أنفراد بالفروض التي كانت تطلبها منه,ولكن الأولاد الأصغر سنا كانوا مشكلة اذ أي أهتمام تصبه على مجموعة من مستوى واحد دون الآخرين تجعل هؤلاء سريعي اللهو.
بعد ثلاثة أيام من التعليم, وعلى طاولة الغداء , لاحظ غريغ التفكير بين حاجبي كوري سألها:
" هل ثمة شيء يزعجك؟".
" ماذا؟ آه, كلا... بل نعم , يوجد شيء يزعجني".
وشرحت له المشكلة التي تواجهها في صف متعدد المستويات , فأبدى اهتماما شديدا فاجأها , خصوصا وأنها خافت أن يعتبر مشكلتها سخفا منها أو عدم كفاءة, قال لها:
" يمكنك أن تفصلي التلاميذ حسب مستوياتهم , لماذا لا تستعملي بيت المعلمة الفارغ الملاصق للمدرسة للأولاد الأكبر نسبيا ليعملوا وحدهم بعدما تحددي لهم ماذا عليهم تحضيره؟ وأعتقد أن الصغار يحتاجون الى تركيز منك من أجل ضبطهم أكثر من الآخرين".
" هل أستطيع فعلا أن أستعمل بيت المعلمة؟".
" طبعا ولم لا؟ جربي ذلك ليوم أو يومين فتري النتيجة".
" غريغ أنت عبقري لماذا لم يخطر ذلك في بالي؟".
"كان سيخطر ذلك في بالك".
ووقف وفي يده فنجان القهوة يشرب آخر قطراته مثلما يعمل عادة قبل أن يختفي في مكتبه , ولكنه تلك الليلة فاجأها اذ قال:
" هل تحبين أن تستمعي الى بعض الموسيقى في غرفة الجلوس؟ عندي بعض أسطوانات ماريزا أن كنت ترغبين فيها".
" طبعا , أحب ذلك , أنا أعشق طريقتها في العزف".
" نعم... أنها موهوبة".
جلست كوري على طرف المقعد الطويل في غرفة الجلوس وفي يدها كأس فيه سائل مهضم, وأدار غريغ أسطوانة, وارتفع عزف البيانو, مقطوعة لشوبان تملأ الغرفة, كوري انتقلت فورا بأفكارها الى قاعة الموسيقى الضخمة في فانكوفر حيث رأت واستمعت الى ماريزا مايسون تعزف على بيانو ضخم, تكاد تراها الآن بشعرها الأسود الطويل جالسة الى البيانو في غرفة الجلوس تمرر أصابعها على البيانو, لا عجب أن كان غريغ... وارتفعت بعينيها نحو غريغ تراقب ملامحه تحت ضوء خفيف منعكس على وجهه , وفوجئت بأن ظهرت فيه قساوة أكثر مما كان عليه قبل ادارة الأسطوانة , فكه مشدود وفمه مضغوط , وعيناه السوداوان خاليتان من أي بريق عاطفي , وشعرت كوري بمشاعرها تبرد عندما أكد لها حدسها أن ماريزا مايسون هي في جذور نفور غريغ من الحب الرومانسي.
شعرت بشفقة غير متوقعة تسري فيها مثل موجة قوية جعلتها تسحب نظرها منه نحو سواد النافذة الكبيرة في آخر الغرفة, أولا لأنه علق بحب أمرأة شقيقه , وثانيا , وبعد وفاة شقيقه , لا يستطيع أن يأخذها الى جانبه لأنه لا يستطيع أن يدفن مواهبها في المزرعة النائية, وتساءلت : هل دعوى الحضانة التي يريد غريغ أن يرفعها هي طريقة لتأكيد مجيء ماريزا الى المزرعة على الأقل للزيارة؟
" غريغ , من بعد أذنك , أريد أن أذهب الى سريري وأنام".
قالت بسرعة, ووقفت فيما موسيقى بيتهوفن تعلو في مقاطع ناعمة, وتابعت:
" لا, لا تقف من أجلي , سأرك غدا, تصبح على خير".
لم تنتظر أن تسمع تعليقا منه , بل غادرت الغرفة بسرعة وهي تشعر أن عيني غريغ تتابعانها من الخلف.

أقتراح غريغ في توزيع التلاميذ حسب الأعمار أعطى نتيجة جيدة جدا, مع العلم أن الصغار أنزعجوا في البداية من أشرافها المركز عليهم,الا أنهم ما لبثوا أن اعتادوا الطريقة الجديدة وصاروا أكثر أهتماما بما يدرسون.


جايسون , كلف مراقبة مجموعة من الأولاد أصغر منه في البيت المنفرد, ذكاؤه وسرعة استيعابه المواد التي يدرسها وتقدمه فيها , جعلت كوري تتمنى أن تمضي وقتا أطول معه, ولكن تانهار طويل ومكثف وعليها أن تأخذ الدفاتر لتصححها في البيت خلال المساء.


في أحدى تلك الأمسيات , بينما كانت كوري تجلس على مقعد بات مفضلا لديها في غرفة الجلوس, منكبة على تصحيح واجبات الأولاد في دفاتر على ركبتيها,دخل غريغ لأستراحة قصيرة من عمله في أوراقه الخاصة في مكتبه , قال لها:


"ثمة مكتب ثان في غرفة المكتب تستطيعين أن تجلسي أليه لتصححي الدفاتر أن شئت".


"الا يزعجك أن أكون معك في غرفة المكتب؟".


قالت وهي ترفع رأسها تنظر اليه, وفوجئت لأبتسامة في وجهه المرتاح قائلا:


"اذا أنزعجت سوف أبلغك ذلك".


طبعا, فكرت كوري , أنه لا يسكت عن شيء يزعجه , تبعته عبر الممرات نحو غرفة المكتب , تلك الغرفة التي لم تدخلها الا مرات قليلة منذ أن حضرت الى المزرعة, الغرفة دافئة وحميمة , مضاءة جيدا , ولكن بفن وهندسة , جعلت الغرفة تميل الى لون زهري بما فيها الكتب التي تملأ الحائط.


وفوجئت كوري بكمية الكتب الموجودة على رفوف الجدران وكذلك نوعينها اذ تتراوح بين أحدث المؤلفات وتلك التي تتعلق بأنماء المزارع.


ساعدها غريغ بحمل دفاترها ثم أعدَ لها المكتب قرب النافذة , الذي بدا أصغر من مكتبه قليلا.


" هل يزعجك السيكار الذي أدخنه؟".


" كلا, أبدا, بل تعجبني رائحته".


قالت ذلك بصدق وهي تعلم جيدا أنها عندما ستغادر مزرعة مايسون نهائيا, ستبقى رائحة السيكار كلما هبَت في أي مكان مكان تذكرها بغريغ دائما وأبدا.


حيث كانت تجلس , يستطيع غريغ أن يراقبها مباشرة في حين هي عليها أن تدير رأسها لتراقبه, هذا الوضع أزعجها بحيث جعلت شعر رأسها ينسدل على وجهها مثل ستار, ولكن بعدما استغرقت في عملها رفعت شعرها بيديها وأزاحته خلف أذنيها, ولم تلاحظ الخاتم الذهبي ذا حبة الماس الذي وضعه غريغ في بنصرها علامة الزواج, وبه كانت دائما تتذكر زواجها الباطل, نسيته تماما فيأصبعها وما عاد يذكرها بشيء, أعتادت الجلوس معه في غرفة المكتب ونما بينهما شعور بالألفة خلال ساعات العمل المنفرد في الغرفة خلال المساء, مع العلم أن كوري كانت تحذر من ازعاجه بالمزاح عندما ترى حاجبيه منعقدين أثناء انكبابه عل بعض الأوراق والملفات.


في احدى الليالي , كانت تقرأ موضوع أنشاء كتبه جايسون ولم تتمكن من أخفاء شهقة اعجاب , سألها غريغ:


"ماذا هناك؟".


"آه , أنه موضوع أنشاء كتبه جايسون".


" هل الموضوع سيء".


"كلا, بل جيد جدا, هذا الصبي موهوب جدا يا غريغ, يستطيع أن يبحر بعيدا في العلم".


"هل أخالف القوانين أن أطلعت عليه؟".


ابتسمت وادعت التردد قليلا, ثم قامت من مكانها وبيدها الدفتر وقالت:


" أعتقد أن جايسون يسر جدا أن علم أنك قرأت موضوعه".


ولمح الحماس في وجهها وانحنت تضع الدفتر أمام غريغ على المكتب وشعرها يلمس بنعومة احدى وجنتي غريغ , ابتعدت لتراقب رد فعله وهو يقرأ ما كتب الصبي , وأخيرا عندما أنتهى من القراءة سألت بعد نفاذ صبرها من صمته:


" حسنا , ما رأيك؟".


" جيد, بل جيد جدا, ولكن يا كوري...".


ورفع رأسه ينظر اليها في تعبير قلق وتابع:


" لا تذهبي بعيدا في أنفعالاتك أنَ موهبة جايسون قد تكون عائقا أمامه".



ولم تفهم ماذا يقصد , فقالت:



" هل تعني بالعائق أنه هندي؟".




"تماما".



وشعرت بغضب جعل وجهها يمتقع فأسرع يقول:



" لا تقفزي الى أستنتاج خاطىء , أنا لست عنصريا أو أحاسب جايسون على أنه هندي , أنا حاولت جاهدا مع أهل جايسون أن يتابع دراسته خارج المزرعة, ولكن أنظري الى الموضوع من وجهة نظر أهل جايسون وحتى جايسون".



ووقف غريغ وتابع:



" يذهب الى المدرسة ثم الى الجامعة ثم ماذا عندما يعود يا كوري؟ ماذا يفعل لأناس ما عاد يجمعه بهم أي عامل مشترك؟ تستطيعين أن تعرفي مما كتبه هنا أنه يحب قريته ويحب طريقة عيش أهله, هنا هو المكان الذي يحب أن يعيش وليس المدينة القاسية تحت قدميه".



شعرت كوري بثقل كلامه ووقفته الماردة قربها , قالت تدافع عن وجهة نظرها:



" ولكن يستطيع أن يساعد أهله عبر الكتابة... مثل هذه... عن الأشياء المهمة لديهم".



" يستطيع أن يفعل ذلك من هنا من هذه الأمكنة عوضا عن الذهاب بعيدا".



وبتصرف غير متوقع رفع كلتا يديه وأحاط بهما وجهها ورفع رأسها نحوه بحيث تلاقت أعينهما عن قرب ,وقال:



" أنا آسف جدا لأنك لن تكوني هنا عندما يتقدم جايسون, تستطيعين أن تساعديه كثيرا في أنماء مواهبه".



ثم سحب يديه وصمت قليلا ثم قال:



" الوقت أصبح متأخرا يا كوري, لنذهب للنوم".



الطريقة التي دعاها بها الى النوم جعلتها تشعر وكأنهما زوجان يعيشان حياة زوجية طبيعية , وهذا ما جعل علاقتهما تبدو أكثر حميمية من السابق وهو أمر أفرحها , وعندما أبعدت عينيها وراحت تجمع الدفاتر عن مكتبها شعرت أن وجهها ممتقع خجلا.



أن قناعة غريغ بالعلاقة بين الرجل والرجل والمرأة تعاكس تماما أقتناعها هي, أذن لماذا تشعر بنبضاتها تخفق وهي تتبعه عبر الممرات خارج المكتب ؟ هل نبضاتها تثبت لها وجهة نظره في أن الجاذب الجسمي وحده كاف بين أثنين؟

زونار 19-06-09 04:13 PM


6- أنت لست المستقبل" يا عمي غريغ , هل ستأخذ قصبة صيد لكوري أيضا؟".
سأل بوبي من أسفل السلالم في البيت الكبير , غريغ ألتفت الى الخلف وأجاب وهو ينظر الى كوري الخارجة للتو من المطبخ وفي يدها سلة مأكولات.
" اذا كانت ترغب في ذلك , طبعا نأخذ قصبة ثالثة".
ابتسمت كوري محافظة على روحية العطلة التي تصاعدت منذ الصباح في يوم سبت , قالت:
"لم أذهب في رحلة صيد سمك من قبل ولكن أحب أن أجرب".
ايلين, العاملة في البيت, ذهبت في أجازة يومين الى بيت والدها المسن في قرية تبعد خمسة أميال, شعرت كوري بفرح وهي تعد طعام الفطور في الصباح للثلاثة معا, ثم في تحضير سلة المأكولات لرحلة الصيد , أنزلت من الثلاجة قطع دجاج مجلدة للرحلة , وقطعتي لحم مجلدة أيضا من أجل طعام العشاء لدى عودتهما في المساء.
"تحتاجين الى قبعة".
قال لها غريغ وهو يعود من الجهة الخلفية من البيت حاملا قصبة سمك ثالثة , وملاحظا شعرها العاري المعقوص الى الخلف , وأضاف:
" أن الشمس تصبح حادة جدا وسط البحيرة".
أرتدى غريغ قبعة خفيفة حمراء اللون, وبدا مرتاحا في قميص بيضاء وسروال قطني رياضي.
أجابته:
" لا يوجد عندي قبعة , ولكنني مؤخرا أعتدت على الشمس , ولا أظن أنها ستزعجني".
" يجب أن تضعي شيئا على رأسك , وأظن أن أي قبعة من عندي ستكون واسعة جدا على رأسك ... يا بوبي , هل عندك قبعة يمكن أن تعيرها لكوري؟".
قفز بوبي من مكانه موافقا ودخل الى البيت مسرعا , أفرحه أن يكون ذا فائدة للمرأة التي لم يرحب بها عندما حضرت الى المزرعة ولكنها ما لبثت أن أصبحت أكثر الموجودين في المزرعة شعبية لكونها أحب معلمة مرت على المدرسة منذ زمن بعيد, وهو أمر جعل رفاق بوبي يحسدونه على أمرأة عمه الجديدة, عاد بوبي من غرفته راكضا وناول كوري قبعة بيضاء لاءمت رأسها جيدا , سيارة اللاندروفر أمتلأت بالأغراض المنوعة.
وأخيرا تحركت السيارة بهم, ولم تشعر كوري بالأنزعاج من الطريق الوعرة, مثل ذلك الذي عرفته في أول يوم من وصولها الى المزرعة, ومع كل دقيقة , كانت الحبيرة تقترب منهم وتتسع, يزداد فرح الثلاثة لأمتداد النهار.
فور وصولهم , أنهمك غريغ وبوبي في سحب زورق من كوخ جانب البحيرة , في حين قامت كوري باكتشاف الشاطىء الصغير حولها , الأشجار ظللت الشاطىء الرملي ومنعت تسرب أشعة الشمس من السماء الزرقاء الصافية , وفكرت كوري أن المكان جنة صغيرة.
" هل تأتين لصيد السمك معنا؟ أم ترغبين في البقاء حيث أنت مع الأحلام؟".
جاءها صوت غريغ قاطعا الصمت.
" طبعا سآتي للصيد".
ركضت على الرمال نحو الزورق لتنضم الى غريغ وبوبي , أفرحها غياب محرك في الزورق , لا شيء يقطع سكون المكان وهدوءه غير خرير الماء تحت المجذافين اللذين بهما حرك غريغ الزورق الى عرض البحيرة وأوقفه هناك.
بوبي أعدَ صنارته ورماها في البحيرة , في حين غريغ أعد صنارة كوري وأراها كيف تقذفها الى الماء ثم سلَمها أياها ليعد هو صنارته, وتبدأ مرحلة الأنتظار لسمك يعلق في الطعم.
الصمت خيَم على الثلاثة , ولا حتى بوبي تحدَث بشيء, كوري استرخت وما كادت تعلق بين النوم واليقظة حتى كادت تسقط القصبة من يدها نتيجة ثقل في الصنارة , صرخت للمفاجأة , أسرع غريغ بالتعليمات:
" حافظي على القصبة وأديري الحلقة بثبات".
نظرت اليه كوري بعينين حائرتين محاولة تلبية التعليمات من دون أن تفلح, فقام غريغ وثبَت قصبته على طرف الزروق , ثم قال لبوبي أن يأخذ مكانه ليجلس هو قرب كوري ويساعدها وأحاط غريغ بكوري ومد ذراعه حول عنقها ليمسك هو أيضا بالقصبة يساعدها في أدارة الحلقة .
تابع بوبي عملية سحب السمكة بعينين محدقتين وغريغ تابع يساعد كوري على الرغم من حيرتها:
" أستمري في السحب, هل تشعرين بالسمكة تشد الى الأسفل؟".
هزت برأسها موافقة فتابع:
" ها هي , ظهرت أخيرا, كم هي جميلة".
"نعم, نعم وكبيرة أيضا".
ردت كوري بحماس شديد, ثم ألتصقت بصدر غريغ قائلة:
"أرجوك يا غريغ تابع أنت العملية , أنها تقفز في شكل يخيفني".
"كلا, تابعي أنت, ها هي تصل الينا... وأخيرا... أنها هنا في الزورق".
ضحكت كوري وهي تنظر الى السمكة تلمع في عينيها , ونظرت الى وجه غريغ على بعد سنتيمترات منها يتجاوب معها في ضحكة مزغردة وعلق بوبي:
" أنها كبيرة جدا, أنت صائدة ماهرة يا كوري".
رد غريغ:
" أنه الحظ لدى كل مبتدىء".
ولف السمكة بالورق الفضي ووضعها على كرسيه وعاد يجلس حيث كان في البداية , وأعاد بوبي الى مقعده بينه وبين كوري وعاد الهدوء يخيم على الثلاثة, تقطعه ملاحظات بوبي السعيد بالسمكة الكبيرة وبطعمها تحت أضراسه عندما يحين موعد أكلها.

اصطاد بوبي سمكة صغيرة , وغريغ أصطاد سمكتين الواحدة في حجم أصغر قليلا من سمكو كوري , وحان موعد الغداء , أنتقل الثلاثة بزورقهم الى الشاطىء , غريغ تولى تنظيف السمك , وكوري تولت تحضير الطعام تحت ظل شجرة.
" ليتنا لم نحضر طعاما معنا".
قال غريغ بعدما التحق بكوري وبوبي على البساط المفروش على الرمل " كنا شوينا السمك هنا وأكلنا".
ردت كوري:
" بل أفضل الدجاج الذي أحضرناه".
فقال غريغ:
" لا شيء ألذ من سمك البحيرة الطازج , سوف أعده غدا".
وبعدما أنتهوا من طعام الغداء ووضعوا في السلة ما تبقى , واسترخى غريغ على البساط , سأل بوبي:
" هل نذهب نصطاد أيضا؟".
"كلا," أجابه غريغ " الآن موعد أستراحة القيلولة".
وشد غريغ بوبي الى جانبه وتمددا معا, وأنزل غريغ القبعة على وجهه وبعد لحظات استغرق في النوم, راقبتهما كوري وأدركت أن الرجل والصبي استسلما للرقاد, لاحظت ذبابة تحوم فوقهما فأبعدتها , ووجدت لنفسها مكانا على البساط, وتمددت محدقة في السماء الزرقاء فوق , وأخذتها الأفكار بعيدا.
في المساء على طريق العودة , وعلى الرغم من كون بوبي نان وقتا طويلا , بقيت عيناه ثقيلتين حتى وصولهما الى البيت في السادسة مساء.
قالت كوري:
" كنت أخطط أن نتناول طعام العشاء ثلاثتنا , ولكن لا يبدو بوبي قادرا على السهر أكثر".
فرد غريغ:
" أعطه عشاء خفيفا , غداؤه كان كافيا , ولا أظن أن القليل من الطعام في المساء سيؤذيه".
فأعدت كوري لبوبي صحن شورباء راح يشربه مع خبز محمص , في حين أشترك كوري وغريغ في قلي قطعتي لحم وشي القليل من رؤوس البطاطا في الفرن, وما أن أنتهى بوبي من الشورباء حتى قامت كوري تقوده الى غرفة نومه في الطبقة الثانية لأول مرة.
في السابق كانت تجولت في غرف البيت في سرعة ولاحظت غرفة بوبي المرتبة والملأى بالأشياء الطفولية والمطلة على النهر والسهل , الآن وجدت الغرفة فوضوية لغياب ايلين عن البيت.
" آه يا بوبي, كيف أستطعت أن تترك غرفتك من دون ترتيب هكذا ؟".
ثم خففت من أستهجانها للتعب البادي على وجه الصغير, اذهب الى الحمام للأغتسال وأنا سأرتب سريرك , هل تريدني أن أفتح لك حنفية الماء وأجعلها فاترة؟".
" نعم يا كوري, أرجوك".
" أحضر بيجاما نظيفة واتبعني".
وذهبت الى الحمام تفتح الماء لتجعله فاترا , وعادت لترى بوبي يرتب سريره كيفما كان ليرضي كوري , ابتسمت كوري "يا للمسكين" قالت لنفسها, كم يحتاج الى أم ترعاه , وتعجبت كيف يمكن لأم أن تترك ولدا طيبا مثل بوبي تحت رعاية عمه العازب. تولت ترتيب السرير والغرفة في حين بوبي ذهب يغتسل, وقعت عيناها على صورة فوتوغرافية الى جانب السرير , فرفعتها لتنظر اليها عن قرب, المرأة الجميلة في الصورة , لا بد أنها ماريزا مايسون . أما الرجل الى جانبها فلا يبدو أنه يشبه غريغ , هو أشقر الشعر وأزرق العينين ولكن مع ذلك لاحظت بعض التشابه في الملامح , وعاد بوبي من الحمام, ساعدته في أرتداء بيجامته , وسألته:
" من في الصورة يا بوبي؟".
" أمي و... أبي"و أجاب والنعاس في عينيه , وما لبث أن قال " ظننت أنك شاهدت أمي سابقا تعزف".
" نعم , نعم, شاهدتها , ولكنني لم أر صورة لوالدك من قبل".
" مات وكان عمري سنتين , أتذكره فقط عندما أنظر الى الصورة ", ثم تابع" هل تقرأين لي قصة حتى أنام؟".
" أحب ذلك يا بوبي , ولكن عليَ أن أذهب الى عمك غريغ لأعداد العشاء, يسرني أن أفعل ذلك في ليلة ثانية".
" لا بأس, عمي غريغ كان يقرأ لي في الماضي, الآن ما عاد عنده وقت لي".
وأدخلت كوري بوبي في السرير وغطته , وممرت بيدها على شعره الأسود وجبينه وقالت:
" مجيئي الى هنا غيَر أشياء كثيرة كانت تسرك , أليس كذلك يا بوبي؟".
أجاب:
" آه , كلا يا كوري , أنا سعيد لأن عمي غريغ تزوجك ... أنت طيبة ... وحلوة...".
واذ بغريغ يقاطعه بحضوره الفارع على باب الغرفة :
" آن الأوان لتغرق في النوم يا ولد".
فاستسلم بوبي لمطلب عمه.
وعندما خرجت كوري من الغرفة برفقة غريغ أخبرته:
" طلب مني أن أقرأ له قصة".
ونظرت اليه تقرأ تعابير مريحة على وجهه وأضافت:
" هل تمانع أن قرأت له قصصا في المستقبل ؟".
" كلا, أطلاقا , أنت يمكن أن تقومي بالمهمة أحسن مني".
" أنا أشك في ذلك , أظن أن بوبي يحتاج الى رعاية أكثر حنانا".
ولمحاولة أبعاد أي فكرة خاطئة قد تطرأ له في أنه لا يعطيه الحنان الكافي , قالت:
" أقصد حنان الأم أن أمه بعيدة , وعلى الرغم من أن ايلين جيَدة الا أنها لا تستطيع أن تتفرَغ له, أنها مشغولة بأشياء كثيرة".
وافقها قائلا:
" هذا صحيح ". ونظر اليها وهو يضيف:
" أنا أكون سعيدا جدا لأي رعاية يمكن أن تقدميها له".
في المطبخ وفيما كوري تتابع أعداد العشاء , أخذها التفكير بعيدا , بوبي يحتاج الى أمه وليس الى زوجة عمه التي هي زوجة غير حقيقية.
وعندما حملت الشرائح المقلية جيدا , الى طاولة الطعام حيث كان غريغ جالسا قال لها:
" لم أكن أعرف أنك تحسنين الطبخ".
" وما أن جلست هي قبالته واستعدت لتسكب في الصحون قالت له:
" ثمة أشياء كثيرة تجهلها عني, أنا لم أعش طيلة عمري عند صهري الغني".
" هذا صحيح, هل تقولين لي أين عشت؟".
ابتسمت ودعته الى تناول الطعام لتروي له قصتها:
" والدي كان يعمل في المحاسبة... كان ناجحا ولكنه لم يكن يطمح للمال والسلطة , اشتغل في حسابات مصرف صهري هاورد , هكذا تم التعارف بين هاورد وشقيقتي , هي كانت تساعد والدي في المحاسبة أيضا , بعد زواجهما بفترة قصيرة , مرض والدي واحتاج الى رعاية شديدة.كانت أني تهتم به في حين أنا أتولى شؤون المنزل , وطهي الطعام".
" ألم تذهبي الى الجامعة؟".
" في تلك الفترة تركت الجامعة مدة سنة, ولكن ألح صهري على مساعدة أهلي ماليا وتمكينهما من التقاعد في بلدتهما في ولاية أريزونا , وهو ساعد أيضا في تكملة دراستي في الجامعة والسكن في غرفة مرفَهة في الجامعة, بالمقابل, ساعدت هاورد في العلاقات العامة مع زبائنه , أي في تسلية رواد حفلاته " وابتسمت وهي تضيف," بما فيهم أنت , أن دورين كانت تأمل دائما أن ألتقي بزبون غني من زبائن البنك ونتزوج"
غريغ بقي صامتا لفترة قصيرة , راح يمضغ بهدوء , ثم قال:
" وأين موقع روجر من هذا كله؟".
" روجر؟".
سألت مستغربة وهي تحدق في الصحن أمامها , وأضافت:
" لا موقع له في محيط هاورد , دورين كانت أسعد أنسانة في العالم عندما أنفصمت الخطوبة , كانت تريد رجلا أغنى وأهم لي".
" ولكنك أنت أردت أن تثبتي أن أي شخص عادي , مثل والدك , يلائمك تماما".
" ربما ... لا أعرف".
كان جوابها بطيئا ومترددا , قال :
" حسنا, لنأكل الطعام الشهي أمامنا , هو جيج جدا وألذ أن يؤكل ساخنا".
وساد الصمت وهما ينهيان الطعام أمامهما , ورن الهاتف في القاعة المجاورة فقام غريغ يرد على المخابرة في حين كوري قامت تعد القهوة , عندما عادت مع القهوة الى غرفة الجلوس سمعته يقول على الهاتف:
" سأسأل كوري , لحظة من فضلك يا بيل".
وحضر غريغ الى غرفة الجلوس يسأل كوري :
" أصدقاء لي , بيل وجوديت أندرسون يحتفلان بعيد زواجهما السادس في عطلة نهاية الأسبوع المقبل , وهما يدعوانا لنذهب اليهم, هل ترغبين في ذلك؟".
" أين هو المكان؟".
" لا يبعد كثيرا عن بلدة وليمس ليك نستطيع أن ندمج الزيارة مع رحلة شراء حاجيات أن كنت ترغبين في أي شيء".
" نعم , أحب ذلك, وأحب أن ألتقي بأصدقائك أيضا".
وقبل أن يعود الى الهاتف قال لها مترددا:
"أن الموضوع يعني أننا سنقضي يومي نهاية الأسبوع هناك".
" هل يستطيع بوبي أن يحضر؟".
" طبعا, عندهم ولد في الخامسة من العمر, وهم يتوقعون أن يحضر بوبي أيضا".
" حسنا , أعتقد أن ايلين تستطيع أن تذهب في عطلة نهاية الأسبوع عند والدها أيضا".
على الهاتف سمعته يقول:
" يا بيل , تعم أن كوري تحب أن تلتقي بكما , أنها تعلَم في المدرسة هنا , وتنتهي من السنة الدراسية قبل نهاية الأسبوع المقبل , وهكذا...".
لم تستمع الى باقي المحادثة وهي تسكب القهوة في الفناجين , أخذتها الأفكار بعيدا , لم تصدق أنها في المزرعة منذ خمسة أسابيع , وأن الأسبوع المقبل سيكون آخر أسبوع لها في التعليم , هي بدأت تتعلَق عاطفيا بأطفال المزرعة , ومع أنها ستكون ما تزال في المزرعة عندما تبدأ السنة الدراسية المقبلة , الا أن غريغ أتفق مع معلمة ستأتي مع زوجها الذي سيعمل في المزرعة أيضا, وسيقيمان في البيت الصغير الجميل قرب المدرسة , وربما يجلسان معا في باحته الخارجية يراقبان هبوط المساء وفي الوقت الذي سيأتي الثلج تكون كوري عادت الى فانكوفر تأتيها ذكريات المزرعة وكأنها حلم وليست واقعا.
" أعتقد أنك ستعجبين بعائلة أندرسون".
جاءها كلام غريغ من الخلف يقاطع حبل أفكارها ويتناول فنجان القهوة .
" هل تعرفهم منذ زمن بعيد؟".
" كنا رفاق الصف الواحد في المدرسة ثم الجامعة , أنا كنت عرَاب زواجهما وعرَاب أبنهما البكر".
" يبدو أنهما زوجان ناجحان".
" نعم , جدا".
وأرادت أن تعلق على الموضوع من زاوية جديدة , قالت:
" اذا هما يثبتان نظريتي في الحب الرومانسي".
نظر اليها باستغراب وبرود وقال:
" أنهما الشواذ الذي يثبت القاعدة".
نهاية الأسبوع أقتربت , وقاد غريغ الطائرة بكوري وبوبي الى بلدة وليمس ليك , حيث أستأجروا سيارة وأمضوا النهار في التنزه , وقامت كوري بشراء بعض الحاجيات الخاصة وكذلك هدية لمضيفتهم, طاقما من أكواب زجاج الكريستال.
.
منزل عائلة أندرسون يقع على طرف بحيرة صغيرة, مبني على الطراز القديم ومفعم بالحب العائلي , وفوجئت كوري عندما رأت جوديت حاملا بالولد الثالث.
علَقت جوديت على الموضوع ضاحكة:
" أليس مضحكا أن ندعو الى حفلة وأنا في هذا الوضع؟ أن بيل قال انه سيطلقني أن لم أنجب له ابنة, ففكرت أن أفعل شيئا قبل فوات الآوان ".
فأجابت كوري ضاحكة أيضا:
" ظننت أن رجال المزارع يرغبون في صبيان أكثر من البنات ".
" هذا صحيح ولكن بيل يقول أن صبيين يكفيان لمكان ضيق مثل بيتنا".
والتفتت الى غريغ وأضافت:
" الآن جاء دورك يا غريغ, أنت تحتاج الى ستة صبيان على الأقل حتى تملأ بيتك الكبير, انتبهي للموضوع يا كوري".
شعرت كوري أن غريغ لاحظ خجلها فعلق منقذا:
"أعتقد أن أربعة صبيان يكفي".
وأحاط ذراعه بكتفي كوري وقال:
" لا أحب أن ينافسني أولادي في أخذ أهتمام زوجتي".
ضحك بيل وقال:
" هذه حكمة جيدة , أنا حتى مع ولدين لا أستطيع أن أحصل على وقت من جوديت تلتفت فيه اليَ".
وأخيرا قالت جوديت:
" أن الموضوع تعقد كثيرا هكذا ودخل في التفاصيل".
والتفتت الى كوري قائلة:
" تعالي معي الى الطبقة العليا لأريك غرفتك, أن غريغ يعرفها منذ زمن بعيد, ولا أظنه يحتاج الى أن يصعد ليراها".
شعور بالأرتباك بدأ ينتابها وهي تتبع جوديت نحو الغرفة , شعرت أنها بلهاء لأنها أعتقدت أنه سيكون لها غرفة مستقلة , الا عندما رأت سريرا منفردا أدركت أن عليها أن تشارك غريغ فيه لأنهما في نظر الآخرين زوجان سعيدان.
واعتذرت جوديت على حجم السرير.
" ليس كبيرا جدا, ولكن أهلى أخذوا الغرفة المجاورة مع سريرين منفصلين, على كل حال لا أظن أن عريسين متزوجين حديثا سيتضايقان من سرير ضيق".
" كلا, طبعا".
أجابت كوري محاولة أن ترسم الأبتسام على وجهها , وكم تمنت لو كان من نصيبها الغرفة المجاورة حيث السريران منفصلان, ثم سألت:
" وأين سينام بوبي؟".
" في الغرفة المواجهة مع أبني تيم".
وتابعت جوديت بابتسام :
" جميل منك أن تهتمي ببوبي, أن أمه لا يبدو أنها مهتمة به".
" بل أعتقد أنها تهتم , الا أنها... لموهبتها الموسيقية ... عليها أن تكون بعيدة وتسافر كثيرا".
" أنا بالحقيقة كنت أفضل أن تكون في مصلحة رعاية ابنها ".
وتابعت مترددة:
"أخبريني , هل ماريزا تعرف عن زواجكما أنت وغرغ؟".
" لا أعتقد ذلك , غريغ قال أنها مسافرة حول أوروبا , كل يوم أو يومين في مدينة".
وشعرت كوري بانزعاج بسيط لذكر ماريزا , فكرت أن كان أحد يعرف عن العلاقة الحقيقية بين غريغ وماريزا فسيكون بيل وجوديت , طرحت سؤاى محاولة أن لا تبدو أنها مهتمة كثيرا بالجواب:
" لماذا تسألين؟ هل تعتقدين أن ماريزا قد تعترض على زواجنا؟".
بدا الأمتعاض على وجه جوديت وقالت:
" من يعرف ماريزا مثلي يعرف أنها ستعترض في شدة على خروجها من أهتمامات غريغ, ولكن لا تهتمي بالموضوع يا عزيزتي , أن غريغ يعرف جيدا كيف يتصرف ويعرف أنه أختار الزوجة الملائمة له , هل يمكن أن تتصوري ماريزا مايسون زوجة مزارع؟".
ولوجود ضوضاء في الخارج همت جوديت بمغادرة الغرفة تاركة كوري وحدها, وقبل أن تفعل قالت لكوري:
"أنا سأنزل الى الضيوف, لا بد أن جميعهم حضروا , اذا كنت تحتاجين الى أي شيء أرجو أن تخبريني , أن الجميع متعطش لمقابلة زوجة غريغ . كلنا أعتقدنا أنه لن يتزوج أبدا, رغم محاولات العديد من الفتيات , الا أنه لا يبدو أنه كان مهتما بالموضوع قبل أن يلتقي بك".
وبقيت كوري في الغرفة مع حيرتها , وشعرت بغضب لمرأى السرير المنفرد, لا بد أن غريغ كان يعلم أو يتوقع أنهما سينامان معا في غرفة واحدة, كان يمكن أن ينبهها الى الموضوع فيكون أختيارها للمجيء واضحا , لكنها تذكرت تردده عندما قال لها أنهما سيقيضان يومي نهاية الأسبوع هناك, وكم شعرت أنها بلهاء لأنها لم تستوعب توقفه عند هذه النقطة.

وقفت أمام النافذة تراقب المناظر الطبيعية في الخارج, بحيرة محاطة بالخضرة, بيوت متفرقة هنا وهناك , وأناش يمشون في اتجاه البي , لا بد أنهم المدعوون الى الحفلة, وبدا غريغ وبيل في الخارج يرحبان بالضيوف , وبدا غريغ أنه يعرفهم جيدا ويبتسم ويرحب بهم بحرارة, لاحظته يسأل جوديت عن شيء, ثم التفت الى النافذة حيث وقفت كوري , ابتعدت عن النافذة فورا متجنبة نظراته, وبعد دقيقة وجدته على باب الغرفة عندها يقول:
" لماذا تختبئين هنا؟ الجميع يريد مقابلتك والتعرف اليك".
" يريدون التعرف اليَ أو التعرف الى زوجة غريغ مايسون؟".
بدا مستغربا كلامها, دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه وقال:
" أليس الأمر نفسه؟".
" أنت تعرف أن الأمر ليس نفسه".
قالت ذلك وهي تكاد تنفجر غضبا, توجهت الى النافذة وأشارت الى الناس في الخارج وقالت:
" هؤلاء سيعرفون الحقيقة عندما سأنزل الى جوديت وأسألها عن غرفتين منفصلتين لي ولك, لأننا ... لأننا...".
" لأننا لا ننام معا, أليس كذلك؟".
وتابع من دون أنفعال " اذا كان السرير الواحد يزعجك , لا تخافي فأنا أنام على الأرض".
ونظرت الى الأرض الخالية من السجاد وقالت:
" لا تستطيع أن تنام على الأرض الخالية".
" أنا نمت في أماكن أسوأ من هذه , لا تشغلي بالك في الموضوع , هل أنتهى غضبك؟ هل تنزلين معي الى تحت؟".
نظرت اليه في صمت قليلا ثم قالت:
" علي أن أكتب بضع كلمات مجاملة على البطاقة المرفقة مع الهدية التي جلبناها لأصحابك, هل تريد أن تكتب أنت الكلمات؟".
" أفضل أن تفعلي أنت ذلك. ومهما كانت ترتيبات النوم بيننا , فأنت ما تزالين زوجتي".
وبينما هي أنحنت على الطاولة الصغيرة في الغرفة تكتب بضع كلمات على البطاقة , غادر غريغ الغرفة ليحضر حقائبهماا من الطبقة السفلى , سرحت كوري شعرها , ووضعت أحمر الشفاه الذي يلائم ثيابها, وعاد غريغ حاملا حقائبهما ووضعهما في اتجاهين مختلفين من الغرفة ليتجنب تقاربهما , وسلمها الهدية التي أحضراها معا.
ونزلا معا الى الطبقة السفلى وسلمت كوري جوديت الهدية, فقالت الأخيرة شاكرة:
" نحن توقفنا عن أبلاغ أصدقائنا عن الأمتناع عن جلب الهدايا , لأن لا أحد يرضخ لرغباتنا , وأنا في كل حال أرفض أن أكون مخادعة , أنا أحب الهدايا".
طوأنا كذلك".
أجابتها كوري مبتسمة , والتفتت الى غريغ لترى على وجهه تفكيرا عميقا, وقالت جوديت:
" أنا وعرستك يا غريغ سنكون صديقتين , أشكركما كثيرا على الهدية, ولن أفتحها الا في حضور بيل , الآن أرجو أن تنتقلا الى الباحة الخارجية حيث الضيوف مجتمعون, وأنا سأدخل المطبخ لأستعد للضيافة".
ورفضت عرض كوري في مساعدتها في المطبخ بل قادتهما الى الخارج وتركتهما ناك حيث يتحلق بعض المدعوين ويتحدثون ويتبادلون النكات , الحديث توقف لحظة ظهرت كوري وغريغ, ومن أجل أن تعطي نفسها دفعا من الثقة بالنفس وضعت يدها تحت ذراع غريغ وشعرت بتشجيعه المباشر لها عندما ضغط على يدها بيده الثانية.
مخاوفها ما لبثت أن تلاشت وشعرت بارتياح وانسجام مع المحيطين بها , ولكن بين وقت وآخر كانت تشعر بالذنب لأنها كانت تخدع أصدقاء غريغ بصدق زواجها , هم قبلوها وأحبوها لأنها زوجة رجل أحبوه وأحترموه , وقد يكرهونها في المستقبل عندما سيعرفون بالخدعة.

أحدهم قال مشيدا بكوري:
" الآن فهمنا لماذا أقفلت عليها في المزرعة من دون أن تدع أحدا يراها, أنها رائعة الجمال".
فعلَق بيل على الموضوع:
" ليس هذا هو السبب الذي جعله يتزوجها , لقد علمت منذ فترة قصيرة الهدف الحقيقي لزواجه منها".
فوجئت كوري بالملاحظة , التفتت الى غريغ لتلحظ الأطمئنان في عينيه فارتاحت وعادت تنظر الى بيل وتقول:
" يبدو أنك تعرف شيئا لا أعرفه أنا, لماذا لا تخبرني ما هو هدفه من الزواج مني؟".
" أراد معلمة في الألحاح ذاته الذي أراد فيه زوجة, فاصطاد عصفورين بحجر واحد".
"أليس ذلك؟".
ابتسمت كوري وقالت:
"ليس في الموضوع مديح أطلاقا ".
فتدخل الرجل الذي أعطى الملاحظة الأولى عن جمال كوري وقال:
" أعجب بك كزوجة , أن المعلمات يمكن أن يعثر عليهن بالعشرات , أما الزوجات مثلك فهن نادرات جدا".
كور لم تزعجها ملاحظات الأطراء , ولاحظت أن الزوجات كنَ أكثر تحمسا لأطراء أزواجهن مما كانت تتوقع, وبدا أن الجميع كانوا مسرورين أن آخر العزاب في الشلة تزوج واستقر أخيرا.
وعندما أعد الطعام على الطاولات تحت الأشجار وبدأ الجميع يتناوله,شعرت كوري وكأنها تعرف الجميع منذ وقت طويل , ولكن شيئا في داخلها كان دائما يذكرها أنها بعد شهرين أو ثلاثة تنتهي علاقتها مع غريغ وتنتهي معرفتها بهذه المجموعة الصديقة , وحتى ظهور بوبي بين وقت وآخر مع الولد تيم , كان يذكرها بزواجها غير الحقيقي مع غريغ.
وفي آخر السهرة نحو منتصف الليل وجدت كوري نفسها متجاوبة بحماس مع دعوة مقترحة بحفلة مقبلة في مزرعة مايسون.
وغادر المدعوون المكان مجموعة خلف أخرى , والدا جوديت صعدا الى غرفتهما للنوم , وبقي الأربعة أصحاب البيت وكوري وغريغ يتبادلان الحديث على مقاعد في الباحة , بيل أحاط زوجته وكذلك فعل غريغ , لم يزعج كوري التصاق غريغ بها, ولكن غريغ تمادى في تصرفه ربما ليقنع الآخرين بحميمية علاقته مع كوري , همس في أذنها بعدما شدَ رأسه الى كتفه:
" لا ترتعدي مني ... بعد لحظات ينتهي التصاقنا".
تركت رأسها يسترخي على كتفه ومن هناك راحت تنظر الى البحيرة الممتدة والأشجار الوارقة , والصمت يخيم على المنطقة ولا يقطعه الا نعيق غراب من بعيد, ووجدت كوري نفسها تقول:
" ليت قرب بيتنا توجد بحيرة مثل هذه".
" أستطيع أن أفعل واحدة, أستطيع أن أحول مجرى النهر وأنشىء بحيرة صغيرة".
" هل حقا تستطيع ذلك؟".
قالت وهي ترفع رأسها وتنظر اليه برجاء , وجدته يفكر جديا في الموضوع , وتذكرت فورا أنها قد تكون تركت المزرعة عندما يبدأ العمل الجدي في البحيرة , ولاحظت أنه هو لم يبد منتبها الى هذه النقطة.
وفي تلك اللحظة صعد صوت بكاء ولد من النافذة العليا, فحاولت جوديت أن تقوم قائلة:
"لا بد أنه تيم, مؤخرا صار يحلم أحلاما مزعجة".\فقالت كوري:
" بل أعتقد أنه بوبي , سأصعد أنا الى فوق وابقي أنت نا يا جوديت".
وصعدت كوري بسرعة الى غرفة بوبي وتيم من دون أن تلاحظ أن غريغ يتبعها الا عندما سمعته يهدىء من روع تيم الذي انزعج من بكاء بوبي , احتضنت كوري بوبي بين ذراعيها وجعلت رأسه على كتفها وراحت تقول له كلمات مهدئة , أبلغها عن حلمه وهو يبكي ويشد عنقها , قالت له مهدئة:
" أنه حلم يا حبيبي وانتهى , الآن اذهب الى النوم من جديد وعندما ستستيقظ سيكون الصباح مشمسا وجميلا , وسنذهب نستحم في البحيرة , ثم نعود الى بيتنا في المزرعة , أنا وعمك غريغ في الغرفة المجاورة اذا أحتجت الينا".
وبحثت عن منديل تمسح دموع بوبي وأنفه فناولها غريغ منديله , وبعدما أرتاح بوبي واطمأن عاد الى النوم , فقامت كوري وناولت غريغ منديله , فمسك يدها وقادها الى خارج الغرفة وأراد أن يقول لها شيئا عندما بدأ :
" كوري, أنا....".
ثم توقف عن المتابعة وبدأ جملة ديدة:
" أشكرك لأنك تهتمين ببوبي, ما كنت سأقوم بالمهمة مثلك".
وسحبت يدها من يده تاركة المنديل معه, ولم تتعب نفسها في التفكير بماذا كان يريد أن يقول.
عادت كوري وغريغ الى الخارج , وبعد وقت قليل أنتقل كل زوجين الى غرفتهما, وشعرت كوري أن الأنزعاج عاد يلفها لحظة أدركت أن الليلة ستقضيها مع غريغ في غرفة واحدة , المشكلة هذه المرة لم تكن في أنها غير معجبة به, بل على العكس , شعرت أن شيئا ما يشدها الى الرجل, وأن تلامسهما طيلة السهرة أيقظ في داخلها أحساسا بالرغبة, وهذا ما أزعجها وجعلها تهرب الى الحمام لترتدي قميص النوم وتستجمع الأمان بعض الوقت.
وعندما خرجت من الحمام مرتدية قميص النوم ورداء أحاطت به جسمها حتى عنقها وجدت غريغ جالسا على الكرسي يقرأ والى جانبه ثياب النوم سحبها من حقيبته , وعندما رآها قام من مكانه قائلا:
" هل غطاء واحد يكفيك أن أخذت تلآخر؟".
" نعم... ولكن...".
وأخذت نفسا عميقا وأضافت:
" ولكن لا أظن أنه من المستحسن أن تنام على الأرض , أولا لأن الأرض غير مريحة ... وثانيا أنا قلت لبوبي أن يأتي الينا اذا احتاج الى أي شيء , وأذا فعل , فأن جوديت وبيل قد يستيقظان أيضا, ويأتيان الينا أعتقد أن شكلنا منفصلين واحد على السرير وآخر على الأرض سيكون مثيرا للأستغراب".
نظر اليها مستمعا بهدوء حتى النهاية ثم قال موافقا:
" حسنا, اذا كنت أنت لا تعترضين أن ننام معا على السرير فأنا لا أعترض".
وأخذ ثياب نومه ودخل الى الحمام.
لا مبالاته بالموضوع أثارتها , تساءلت: تر ألا يثيره شيء ما فيها؟ لماذا بدا غير مكترث لا سلبا ولا ايجابا؟ ونظرت الى المرآة تحدق في مظهرها في ثياب النوم ولم تفهم لماذا لا يجدها جذابة , راحت تدقق بتفاصيل شكلها , في عينيها وأنفها وشفتيها وجسمها , وتذكرت روجر كان دائما يقول لها أن تسمن قليلا , أن تضيف كيلوغرامين أو ثلاثة الى جسمها النحيل .
روجر ... واستغربت كيف أتى الى تفكيرها من دون أي ألم , شعرت أنها تكاد تنساه , هو الذي كان سبب جرح قلبها قبل بضعة أسابيع , نزعته من رأسها مثلما دخل تفكيرها, وعادت تفكر بغريغ , ذهبت الى زجاجة عطور ووضعت بضع نقاط هنا وهناك , وفكرت أن غريغ مهما وجدها غير جذابة , فأنها غير مستعدة أن تمضي أول ليلة لها في سرير مع رجل من دون أن تكون معطرة.
كانت في السرير تقرأ كتابا جلبته معها من المزرعة , عندما خرج غريغ من الحمام , بدا أنه حلق ذقنه, وتساءلت هل هو يحلق ذقنه عادة قبل النوم؟ استغربت كيف يمكن أن تكون متزوجة من رجل منذ ستة أسابيع وتجهل شيئا بدائيا كهذا!
قال لها وهو يقترب من السرير:
" مررت على بوبي ووجدته غارقا في النوم, ويبدو مطمئنا".
ودخل في السرير من الجهة المقابلة مما جعلها تنكمش الى طرف السرير, وتركز على الكتاب في يدها.
" ماذا تقرأين؟".
سألها بلا شديد مبالاة .
"كتابا سحبته من مكتبتك".
وأرته اياه فقرأ العنوان( أدارة المزارع).
وضحك قائلا:
" هل تفكرين في الدخول في منافسة؟".
" كلا, فأنا لا أفهم كلمة منه, ظننت أن الكتاب شيء آخر".
" هل توقعت أن تعثري على رواية غرامية؟ في مكتبي لا وجود لمثل هذه الكتب".
" أنا أعرف ذلك تماما".
قالت ذلك واستدارت قاصدة أن تنهي الحوار بينهما ومصممة أن لا تنام قبل أن يغرق هو في النوم, ولكن عينيها بدأتا تثقلان من هذا الكتاب الذي اختارته ببلاهة معتقدة أنها ستفهم شيئا من أشغال غريغ , ولماذا يهمها الموضوع؟ بعد أسابيع قليلة , سيكون غريغ مايسون جزأ من الماضي.

زونار 19-06-09 04:16 PM

7- أمرأتان بينهما رصاصة!
أستيقظت كوري في انزعاج وهي تقاوم ثقلا فوقها, لا تستطيع أن ترفع رأسها ولا تفهم الوضع الذي هي فيه الى أن تذكرت الحفلة , ونومها ببيت جوديت وبيل, و... غريغ الى جانبها , رأسه ملقى على شعرها الممتد على الوسادة وذراعه عليها , ومع اعتياد نظرها على الظلام وظهور الخيوط الأولى من الفجر وجدت أن غريغ غارق في نوم ثقيل , وأن شيئا ما يزعجه فيقول كلمات غير مفهومة , ثم بدأت تتضح كلماته:
" ماريزا! أرجوك ماريزا!...".
شدَت كوري شعرها من تحت رأسه , وشعرت بانكماش في قلبها وهي تسمعه يردد اسم ماريزا , حدَقت فيه محاولة أن تفهم شعورها نحو الرجل , ولم تشعر بما شعرت نحو بوبي عندما استيقظ خائفا من كابوسه, نحو بوبي شعرت بالشفقة , هنا بدأت تشعر بالحب نحو الرجل, حب لم تعرف مثله من قبل, عميق, وقوي وثابت, حب بدأ ينكسر قبل أن يتفتَح , أن غريغ مايسون أظهر لكوري عبر اللاوعي أن ماريزا مايسون هي أمرأة أحلامه, وهي المرأة التي يحب, عاد يصدر أصواتا تظهر انزعاجه وسقوطه تحت ضغط وكابوس , فحاولت أن توقظه:
" غريغ... غريغ... استيقظ أن الأمر مجرد حلم".
فتح عينيه ونظر اليها مباشرة.
عادت تقول:
" أنك تحلم يا غريغ".
فأجاب بصوت متعب:
" نعم, كنت أحلم".
حدق فيها , في وجهها , في عنقها , وأكمل نحو ما ظهر من ملابس نومها, ثم عاد ينظر الى عينيها , فرأت في عينيه رغبة فيها, أقترب منها وعانقها, أرادت أن تتجاوب معه , شعرت أنها تحبه كثيرا , وأنها ترغب في أن تكون بين ذراعي رجل عمرها , ولكن شيئا في داخلها منعها, شيئا جعلها تصرخ عندما التصق بها:
" لا, لا يا غريغ".
وهطلت الدموع في عينيها , أنها ليست المرأة التي يحب , أن رغبته فيها هي آنية, أن المرأة التي يرغب فيها فعلا هي تلك التي كان يحلم فيها.
فقام غريغ غاضبا , ولم يفه بكلمة, حمل ثيابه , وخرج من الغرفة وأقفل الباب وراءه, ولم تشعر في حياتها بالتعاسة والوحدة مثلما شعرت في تلك اللحظة حتى الصباح.
الرحلة في طريق العودة الى المزرعة في الطائرة تم أكثرها في صمت, حتى بوبي بدأ يسترجع أحداث عطلة نهاية الأسبوع في رأسه, وعندما كان غريغ يضطر أن يقول شيئا كانت جمله قصيرة تظهر مزاجه المنزعج منذ الصباح

منتديات ليلاس
كوري جعلت نظراتها بعيدة نحو المناظر الظاهرة من الطائرة, تصرف غريغ حيَرها , هي أمضت النهار مع الأولاد في البحيرة , مع بوبي وتيم تلعب معهم وتسبح, وشعرت في حواراتها القصيرة مع غريغ أنه مصدوم من تصرفها, وتساءلت لماذا؟ كان يمكن أن تفهم انزعاجه لو كان زواجهما طبيعيا وحقيقيا, ولكن هي تعرف وهو يعرف أن زواجهما للمظاهر ومحدود الأهداف وقصير, وغريغ سبق أن أوضح لها مرارا أن الجاذب الحسي هو الوحيد الذي يفسر العلاقة بين الرجل والمرأة , ولهذا لا يجب أن يصدم من تصرفها لأنها ترفض أن تقبل بمنطقه للعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة, خصوصا من تصرفه وأنجذابه لها جاءا نتيجة حلم بأمرأة أخرى هي المرأة التي يحب.
وقطع بوبي الصمت بعد وقت طويل قائلا:
" أقتربنا من البيت, أليس كذلك يا عمي؟".
" خمس دقائق ونصل".
وبدأت تظهر بيوت المزرعة المصنوعة من جذوع الأشجار, علَقتكوري على الموضوع:
" من المهم أن تقطع الأشجار".
فالتفت اليها غريغ فأسرعت في سحب نظرها منه , قال:
" نحن نختار الأشجار التي نقطعها بحيث تنوع الأمكنة , فلا نجعل مكانا واحدا عاريا من الأشجار".
وفكرت كوري أن غريغ لا يسمح أن يشوه الطبيعة لأنها حبه الأساسي , وهي له أهم من أي أمرأة حتى ولو كانت تلك المرأة .... ماريزا مايسون".
بعد دقيقتين لاحظ الجميع أن طائرة ثانية تحط على أرض المزرعة, فصرخ بوبي:
" هل جاء أحد يزورنا؟ ربما تكون أمي؟".
فأجاب غريغ:
" لا أستطيع أن أفكر بأحد غيرها يمكن أن يأتي الينا".
وبدأ غريغ يهبط بالطائرة , وكان الهبوط غير مريح لأن الطائرة أهتزت كثيرا , وفكرت كوري أن غريغ ربما يكون مضطربا لأن ماريزا مايسون قد تكون في أنتظاره.
وحطت الطائرة في مكان ليس بعيدا عن الطائرة الأولى, وبوبي لم يتمكن أن يضبط نفسه , فأسرع يساعد عمه نحو الأرض , وبدأ يركض في اتجاه المرأة التي نزلت من الطائرة الأخرى ويصرخ:
" ماما... ماما...".
حتى لو لم تسمع كوري نداءات بوبي, كانت ستعلم أن المرأة الأخرى هي ماريزا , شعرت كورير باضطراب وبرغبة في التوقف وعدم السير في اتجاه المرأة التي تعني كثيرا لغريغ.
ولكن غريغ وضع يده تحت ذراعها وشدَ عليها قائلا:
"تذكري أنك زوجتي".
وفيما غريغ يشدها الى الأمام , كانت أفكارها مشتتة , أنَ سبب وجودها في المزرعة وهدف زواجها من غريغ هو لمواجهة المرأة التي تهدد أن تأخذ الصبي, ذلك الصبي الذي بدأ يعني لكوري الكثير مثلما يعني لغريغ تماما.
وما أن أقتربا من المرأة التي بدت حادة الجمال , لاحظت كوري أن ماريزا لم تنظر اليها بل الى غريغ وعانقته مدة بدت لكوري أطول من أي عناق يمكن أن يتم بين رجل وزوجة أخيه, وما لبث أن ابتعد غريغ عنها وقال:
"ماريزا , أريدك أن تتعرفي الى كوري.... زوجتي".
وبعينيها الكستنائيتين وبوجهها الذي لم تتحرك فيه عضلة قالت للمفاجأة:
" هي , ماذا؟".
فأكد غريغ:
" هي زوجتي".
وشعرت كوري في تصرف غريغ أنتصارا على المرأة الأخرى خصوصا عندما التفت الى كوري قائلا:
" كوري, أنها زوجة شقيقي , ماريزا, والدة بوبي".
فقالت كوري مجبرة:
" كيف.... حالك؟".
ولم تعرف كوري ماذا تفعل , هل تمد يدها تسلم؟ ولكن المرأة الأخرى تابعت بصوت بدا فولاذيا وهي تضحك:
" " الآن فهمت لعبتك يا غريغ , ولكنك لن تنجح".
" حتى الآن كل شيء ناجح, والتفت الى كوري قائلا:
" أليس كذلك يا حبيبتي؟".
ابتسمت كوري وهي تهز رأسها , وهو يحيط بخاصرتها بذراعه , هذه المقابلة مع ماريزا هي الأصعب في كل محاولات أظهار نجاح زواجهما, هي أيضا أحاطت بخاصرة غريغ وأحنت رأسها على كتفه وهي تبتسم بأغراء وصدق وتقول:
"ناجح جدا يا حبيبي".
وظهرت من بعيد سيارة اللاندروفر وهانك يقودها لينقلهم الى البيت , وقال بوبي:
" هذا هانك والسيارة... هل أستطيع أن أجلس الى جانبك يا أمي؟".
فأجابته:
" ليس الآن , تستطيع أن تجلس في المقعد الخلفي مع ما أسمها".
ولم تضف شيئا يرفع من تحقيرها لكوري ... وعندما وصل هانك بالسيارة وملأ المكان بالغبار , نزل ورحب بماريزا بحماس بدا مصطنعا لكوري, ومشت كوري لتجلس في المقعد الخلفي, الا أن شخصا رفعا وأجلسها في المقعد الأمامي هو غريغ الذي قال :
" أنا الذي أنظم الأمور هنا , ومكانك الى جانبي".
وذهب غريغ يتحدث قليلا مع قائد الطائرة الأخرى ثم عاد الى السيارة ووجد ماريزا في المقعد الخلفي مع بوبي صامتة وباردة كالصقيع, علائم عدم أمتنانها ظاهرة علنا , حتى أمام أبنها المشتاق , لم تتجاوب مع حديثه الأمر الذي جعله يخفف من حماسه ويصمت مقدرا أن في الأجواء توترا.
وقاد غريغ اللاندروفر في صمت, وشعرت كوري أن عيني ماريزا تخرقانها من الخلف, وحاولت أن تعتبر أنها تتصور الأشياء عدائية, ربما لأن علاقتها مع المرأة بدت غير ما توقعت.
في البيت حمل غريغ حقائب الجميع بما في ذلك حقائب ماريزا , وهذه الأخيرة سألت في صوت عال أول دخولها القاعة:
" أين ايلين؟".
فأجابت كوري:
" ذهبت عند والدها المريض في قريتها, نحن كنا خارج المزرعة في عطلة نهاية الأسبوع, ووجدنا أن من الملائم أعطاءها فرصة هي أيضا...".
فعلقت ماريزا منزعجة:
" صحيح أن طبخها ليس مغريا , الا أنه على الأقل يملأ المهدة , أنا جائعة جدا".
فأجابت كوري:
" أستطيع أن أحضر لك شيئا".
فقالت ماريزا باستهجان:
" أذن أنت زوجة طباخة؟".
ولم تجب كوري , بل صعدت السلالم الى الطبقة الثانية مارة بالقرب من غرفة الضيوف حيث وجدت غريغ يضع حقائب ماريزا, راقبته منفعلا , احدى عضلات وجهه تتحرك في عصبية , أذن وجود ماريزا يؤثر فيه في العمق, وشعرت كوري أنها مجروحة في الصميم , وعندما استدار ولاحظ وجودها قالت:
"أنا سأعد الغرفة , أذهب أنت عند زوجة أخيك".
وتوقفت قليلا ثم قالت:
" هل تتوقع ماريزا أن يقوم أحد بفتح حقائبها وتعليق ثيابها؟".
" تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها".
قال ذلك في حدة , وصمت قليلا ثم قال:
" كوري , أنا.... أعرف أن الأمر لن يكون سهلا مع وجود ماريزا في البيت, ثمة أشياء كثيرة... لم أخبرك أياها , أشياء ربما يجب أن تعرفيها".
لاحظت أنفعاله , وعقدة جبينه الحادة , فقالت مدَعية اللامبالاة :
" لا بأس, أن أتفاقنا لم يتضمن أن يفرغ الواحد منا أسراره أمام الآخر".
بدا وكأنه لم يتوقع أجابتها اللامبالية , فشد فمه وقال:
" نعم, صحيح ... هل يمكنك أن تعدي طعام العشاء بسهولة مثلما تعدين أي شيء آخر؟".
" أنا واجهت معك كل الظروف , ولا أظن أن هذه ستكون أصعبها".
وتوجهت الى الخزانة وسحبت شراشف نظيفة وبدأت تعد السرير عندما لاحظت أن غريغ غادر الغرفة, بعد ذلك أنشغلت كوري في أعداد طعام العشاء الذي رغبت في أن يكون ممتازا , ماريزا أسكتت جوعها بعض الوقت بقطعة خبز مع جبنة, وأمضت هي وغريغ المساء يتحدثان في صوت منخفض في غرفة الجلوس.
بوبي بدا غير سعيد عندما دعته كوري لتناول طعام العشاء من أجل أن ينام باكرا , قال لها:
" أمي لا تريد أن ترى لعبتي الجديدة التي صنعتها وبركة السمك".
فقالت له كوري:
" بالطبع أنها تريد أن ترى كل شيء , ولكنها فقط متعبة الآن بعد سفر طويل, غدا سترى كل شيء".
نظر اليها بوبي بعتاب وأبعد صحن الطعام من أمامه وقال:
" لو كان عندك ولد صغير ولم تشاهديه منذ زمن بعيد , هل تكونين متعبة عندما تلتقيان فلا تعطيه وقتا لمشاهدة أغراضه الحميمة؟".
شعرت كوري بالجرح الذي يتألم منه بوبي, لو كان عندها ولد صغير من غريغ, سيكون يشبه بوبي تماما بعينيه السوداوين وشعره الأسود ووجنتيه المستديرتين , أجابته:
" أنا سأتوقع من أبني أن يفهم لماذا أريده أن ينتظر حتى أرتاح , من بعدها أرى أشياءه الحميمة".
وتناولت الشوكة وأرادت أن تطعمه فقال:
" وهل أبنك سيفهم ذلك؟".
واذ بغريغ يدخل غرفة الطعام ويجلس الى جانب بوبي ويأخذ الشوكة من يد كوري ليطعم بوبي ويقول:
" نعم يا بوبي, أن ابن كوري سيفهم أن أمه تحبه كثيرا , تحبه الى حد يسمح لها أن تنتظر قبل أن ترى أشياءه الثمينة".
وراح بوبي يمضغ الطعام الذي وضعه غريغ في فمه ويبلعه ثم يقول:
"اذا كان عند كوري ولد صغير , فسوف يكون أبنك أنت أيضا , أليس كذلك يا عمي؟".
وللحظة ألتقت أعين الكبار , ثم قال غريغ:
" نعم , أعتقد ذلك, مثلما أنت أبني يا بوبي".
فهز بوبي رأسه بالنفي وقال:
" كلا, أنت لست والدي ولكنك ستكون والده هو... أليس كذلك؟".
فاستمر غريغ يطعم بوبي وهو يقول:
" هذا صحيح , ولكن والدك كان شقيقي , وهكذا أنت لي مثلما كنت أنت لوالدك".
ابتسم بوبي وقال:
"أذن كوري يمكن أن تكون مكان أمي , أليس كذلك؟".
وقف غريغ فجأة , من دون أن تجرؤ على النظر الى غريغ قالت كوري لبوبي:
" أنت عندك أم يا بوبي , لذلك أنت لا تحتاج اليَ كأم , أنا خالتك , ويجب أن لا تنسى ذلك".
هز رأسه موافقا , وأمسك بالشوكة محاولا أن يأكل بقية الطعام.

السهرة صارت تضم غريغ وكوري وماريزا في غرفة الجلوس , ماريزا على البيانو تعزف أشهر المقطوعات الموسيقية , وكوري في ركنها المفضل تشرب الشاي وغريغ على كرسي الى جانبها.
أسبوع مرَ منذ حضرت ماريزا الى المزرعة, وأصبحت شبه عادة أن يلتقي الثلاثة الكبار في غرفة الجلوس في الليل , أثنان يستمعان الى عزف الثالثة, وفي كل ليلة كانت كوري تؤخذ بالعزف المتفوق للعازفة المشهورة, وكانت تلاحظ شيئا في قسمات ماريزا تتغيَر كلما جلست على البيانو, شيئا فيه سعادة ولذة يختفيان لحظة تتوقف فيها عن العزف, وحتى غريغ كانت تلاحظه مأخوذا بالعزف , ولكن قسماته تعود حادة لحظة تتوقف الموسيقى.
تلك الليلة , بعد أسبوع من مجيء ماريزا , تركت كوري الموسيقى تتغلغل فيها لتمنع أفكارها من التشتت والأنزعاج , كانت تعرف أن هدنة بينها وبين ماريزا قامت رغم عدم ثقة الواحدة بالأخرى , وأنهما مجبرتان على تبادل الأحترام والجلوس معا, كانت ماريزا خلال أوقات النهار تجلس الى جانب بركة السباحة تتشمس, معطية القليل جدا من أهتمامها لبوبي الذي يحاول جاهدا أن يلفت أمه اليه والى أنجازاته.
في الليل فقط كانت تتألق ماريزا في أناقتها المكتملة من رأسها الى أخمص قدميها, لوجود غريغ في البيت , ولاحظت كوري أن حتى ايلين أضطرت أن تحسن في طريقة طبخها بسبب ملاحظات ماريزا, وأنَ الجميع كان اقريبا مستمعا الى قصص ماريزا الطويلة عن رحلاتها الفنية ونجاحاتها, وماريزا كانت تجنبت الخوض مع كوري في موضوع زواجها المفاجىء والسريع من غريغ حتى جاءت تلك الأمسية, كانت ماريزا نزلت باكرا الى غرفة الجلوس قبل موعد العشاء.
وبعد وقت قصير دخلت كوري الى غرفة الجلوس , واذا بماريزا تقول لها:
" ها هي العروس تظهر . عروس .... وليست بعروس , كيف تشعرين يا عزيزتي في كونك زوجة لرجل لا يهتم بها أطلاقا؟ لرجل يستعملك لأهدافه الخاصة؟".
" لا أفهم ماذا تقصدين بكلامك".
كم تمنت كوري أن يظهر غريغ ويحميها من هذا الحوار , ولكن غريغ حضر الى البيت متأخرا بعد نهار متعب ودخل غرفته , وبالطبع يحتاج الى بعض الوقت ليستحم ويستعد لموعد العشاء , فأجابتها ماريزا:
" أنت تفهمين تماما ماذا أقصد , كل هذا التقارب والتلامس بينك وبين غريغ لا يخدعني أطلاقا, أنا أفهم تماما هدف غريغ من الزواج منك, ولكن ما يفوتني هو الهدف من زواجك أنت منه؟ أنت تأتين من عائلة غنية كما فهمت , ولا أعتقد أنك علقت بأول عريس غني تقدم لك".
" هل من الصعب أن أكون وقعت في حب غريغ؟ أنه رجل جذاب".
" آه, طبعا , أستطيع أن أفهم أن تكوني الآن مغرمة به, ولكن لا أعتقد أنك أحببته عندما تزوجته".
ثم قامت ماريزا من مكانها وتابعت بعصبية:
" أن الأمر لن يفيدك بشيء يا عزيزتي , غريغ لا يحبك ولن يحبك أبدا , أنت تعرفين السبب , أليس كذلك؟".
حافظت كوري على هدوئها وهي تكاد تتمزَق من الداخل , ولكن قالت:
" أخبريني أنت السبب".
فأجابتها ماريزا بعصبية أيضا وهي تحدق بها:
"لأنه يحبني أنا" وتابعت :" هو دائما يرغب بي , منذ اليوم الأول الذي أحضرني شقيقه الى هنا , جون كان يعلم ذلك, وكان يعلم أيضا أنني أرغب في غريغ أيضا".
فأجابتها كوري بجفاء:
" ألم تكن الظروف ملائمة لكما عندما مات جون؟ لماذا لم تتزوجا؟".
فعادت ماريزا الى مقعدها وأجابت:
" أنه الضمير, عندما مات جون , كان غريغ يعلم أنه هو المذنب , وأن الدب الذي هاجم جون جاء أوى الى غريغ قبل أن يلفته جون اليه , ألم يخبرك غريغ عن أثر الجرح في وجهه؟".
وشعرت كوري أن حلقها جاف وأنها تكاد تختنق , فقالت:
" هوجم الأثنان من دب , لم أكن أعلم أن شقيقه ... قتل ... في حادث هجوم الدب".
وظهرت على ماريزا مظاهر أنتصار , فابتسمت وهي تقول :
" هذا يثبت رأيي عن أزمة الضمير , كان بالطبع سيخبرك عن تفاصيل الموضوع لو لم يكن يرغب في أخفائه".
" ولماذا يخفي شيئا؟ كان حادثا وكاد غريغ يكون الضحية لو لم يكن الحظ السيء من نصيب جون".
فوسعت عينا ماريزا وقالت:
" بالطبع لم يخبرك أيضا كامل القصة, لم يخبرك أن جون مات ليس بسبب الدب... بل من رصاصة قاتلة!".

زونار 19-06-09 04:17 PM

8-خطة فاشلة
ما عادت كوري تستطيع أن تتحمل الحوار مع ماريزا , خرجت من الغرفة وتوجهت عبر الممرات الى الباب الخارجي الكبير واستقرت في الباحة الخارجية تستند الى أحد الأعمدة تراقب السماء والنجوم والتلال الممتدة.
غريغ يملك كل البقعة الممتدة , هو زوجها الذي يزداد غموضا لها , يحب الزراعة كثيرا , هل حبه هذا يكفي ليقتل شقيقه الأكبر ويرث الأرض كلها؟ هو قاسي العواطف , وهذا ما لمسته منذ تعرفت اليه , أم هل حبه لماريزا وحده يكفي ليقتل شقيقه من أجلها؟ وجاءها صوت غريغ من الخلف يجعلها تقفز من مكانها:
" كوري؟ هل ثمة شيء يزعجك؟".
" آه , كلا , لا شيء".
اقترب منها وأدارها نحوه وحدَق في عينيها , وتحت ضوء القمر المنعكس عليها فكرت وهي تنظر اليه , نعم, هو يفعل أي شيء للوصول الى أهدافه , وعدم زواجه من ماريزا لأسباب ضميرية لا يكفي ليثبت أنه أنساني.
أصرَ على أن شيئا ما يزعجها , مد يده وأراحها على كتفيها قائلا:
" ثمة شيء يزعجك , ما هو هذا الشيء ؟ هل قالت ماريزا شيئا أزعجك؟".
"كلا... فقط هي لا تصدق أننا .... حقيقة زوج وزوجة".
وضع يده الثانية على كتفها وأقترب منها وقال لها:
"أذن علاقتنا يجب أن تكون أكثر أقناعا".
وعانقها في حنان وشعرت أنها بحاجة ألى أن يكون هذا الحنان حقيقيا .
واذا بماريزا تظهر وتقول:
"أن تمثيلكما يكاد يكون مقنعا ".
رفع غريغ رأسه وقال وهو يعيد النظر الى كوري:
" أن الأمر ليس تمثيلا يا ماريزا , أنت عندك الخبرة الكافية لتعرفي الفرق بين الأدعاء والحقيقة".
واذا بماريزا تطلق ضحكة أستهزاء وتقول:
" أنا عندي الخبرة الكافية لأعرفك يا غريغ وأعرف أساليبك في أنك تفعل أي شيء لتحتفظ ببوبي هنا , هل تنفي ذلك؟".
ابتعد عن كوري قليلا وحدق أكثر بماريزا قائلا:
" كلا, لا أنفي أنني أريد بوبي في المزرعة معي , وأنت تعرفين السبب".
أجابته متحدية:
" حقا أنا أعرف السبب, هل عروستك الصغيرة تعرف السبب؟".
فأجابها:
" كوري تعرف بالقدر الذي تحتاجه".
" وهل تعتقد أنه من العدل أن لا تخبر زوجتك كل شيء عندك؟".
وشعرت كوري بألم في رأسها نتيجة الحوار اللئيم الدائر بين الأثنين , وكأن لا قيمة لوجودها, فمشت باتجاه الباب لتدخل الى البيت منسحبة.
ومع أن غريغ ناداها أن تبقى ألا أنها تجاهلت أمره ودخلت البيت وسارت مسرعة حتى غرفتها وتمددت على السرير تدفن رأسها المتألم تحت الوسادة, كثيرة هي الأشياء التي علمتها اليوم, أولا, ماريزا جعلتها تعتقد أن غريغ قتل شقيقه لأنه يريدها , وثانيا عناق غريغ لها ليوهم ماريزا أن زواجهما طبيعي , وأخيرا رغبته في أن لا يخبرها كل الحقائق كما هي.
في اليوم التالي سارت في المزرعة تسأل عن هانك , وعندما وجدته سألته:
" هل تأخذني في الطائرة الى بلدة وليمس ليك؟".
هي كانت تعلم أن غريغ ذهب الى سهل بعيد ليكشف على المزروعات الجديدة وأن هانك لم يذهب معه, ولما طلبت من هانك أن ينقلها في الطائرة خارج المزرعة , وقف أمامها محتارا , رفع قبعته الى الوراء وقال:
" أن غريغ ذاهب غدا الى هناك ليحضر البريد وحاجات أخرى ... ألا تستطيعين الأنتظا حتى الغد؟".
" كلا, لا أستطيع أن أنتظر , أن المسألة هي... أنني أريد أن أفاجىء غريغ بهدية على عيد ميلاده , ولن تكون مفاجأة أن أخذني هو غدا الى هناك ؟ أنا أعرف تماما ماذا أريد , ونحن نستطيع أن نذهب ونعود قبل المساء , وهو أخبرني في الصباح أنه سيتأخر في العودة الى البيت مساء بسبب ذهابه الى السهل البعيد, هل تأخذني يا هانك؟".

وافق ولم تعرف لماذا وافق , هل لأنها نظرت اليه بعينين واسعتين وصوت ناعم يرجوه , أم أنه رغب في أن يبتعد بضع ساعات عن المزرعة والعمل الشاق فيها؟
قال لها:
" أن استطعت أن تكوني جاهزة خلال نصف ساعة, فباستطاعتنا أن نعود في وقت أقرب بكثير من موعد عودة غريغ , سآتي الى البيت وأنقلك في اللاندروفر بعد قليل".
شكرته مبتسمة , وشعرت ببعض الذنب لأنها ستستعمل أقرب الأشخاص الى غريغ في الخدعة والفرار , ولكن ما لبثت أن تخلت عن هذا الشعور عندما تذكرت الحوار الذي دار ليلا بين غريغ وماريزا عندما غادت غرفتها ليلا في طريقها الى المطبخ , لم تستطع منع نفسها من الأستماع الى الحوار.
ماريزا كانت تقول:
" الفتاة التي لا خبرة لها لا تعني لك شيئا. خصوصا بعدما كنا نحن لبعضنا".
" وماذا كنا نحن؟ شخصين يشدنا أهتمام مشترك هو بوبي".
" أنت تعرف أن أشياء كثيرة تجمعنا غير بوبي, أو... يمكن أن تكون أشياء كثيرة تجمعنا أن أردنا ذلك ... غريغ , كنت أفكر مؤخرا أنني تعبت من السفر والتجوال حول العالم, أعزف ليلة في مكان وليلة ثانية أكون في مكان ثان وبلد مختلف, الآن قد يكون الوقت المناسب لأتقاعد ... ولكي أكون زوجة مالك مقاطعة زراعية مثلك يساعدني على الأستقرار , ما رأيك؟".
" أنا عندي زوجة".
" لا تكن سخيفا يا حبيبي , كلنا نعلم لماذا أنت تزوجتها , وهذا السبب لا يعود له أهمية أن ... أنا وأنت...".
ولم تعد كوري قادرة على متابعة الحوار خصوصا عندما لاحظت ماريزا تقترب بجسمها صوب غريغ , فانسحبت من الممر في جوار غرفة الجلوس في أتجاه غرفتها, هذه الغرفة التي أصبحي مهربها الوحيد, والمكان الذي تدفن فيه أحزانها خلف باب لا يفتحه أحد غيرها.
والآن وهي تنظر الى السهل الممتد وتنتظر هانك ليأخذها , فكرت أن لا أحد سيفتقدها في المزرعة... ربما باستثناء بوبي , وفكرت أن ابتعادها عنه سيفيده من أجل أن يعود في اعتماده على أمه, وهي في كل حال كانت ستتركه عندما تنتهي دعوى الحضانة وينتهي أتفاقها مع غريغ.
ولم تستطع أن تودع بوبي , فهو يمضي نهاره مع بعض الأصدقاء في بيتهم. ولم تشعر بوجود ماريزا في البيت, فقط كانت تسمع دندنة ايلين من المطبخ تصدر ألحانا متوازية, وفكرت كوري أن من الأفضل أن لا تقول شيئا لأيلين وتنسحب من البيت بانتظام.
منتديات ليلاس
هانك بدا سعيدا عندما جاء يأخذ كوري باللاندروفر , وفكرت كوري أنه ربما يأمل في ملاقاة صديقة على غير موعد في وليمس ليك.
لم تتجرأ كوري على أخذ أغراضها وثيابها لأن ذلك سيثير شكوك هانك وكل ما رغبت فيه في تلك اللحظة أن يكون بينها وبين المزرعة مسافة , وغريغ لن يأتي خلفها يعيدها الى المزرعة لأن كبرياءه لن تسمح له أن يسعى من أجل زوجة تخلت عنه,ثم هو لن يرضى بأن يبدو صغيرا أمام هاورد ودورين.
وفيما هي تنتظر هانك ليأتي بالطائرة من مرآبها,لاحظت غيوما من الغبار تتعالى من السهل وتقترب, ولك تكترث الا للطائرة الصغيرة تقترب من المدرج وتصعد داخلها لتجلس الى جانب هانك, وقبل أن يتمكن هانك من أدارة المحرك كان باب الطائرة يفتح وغريغ يصرخ قائلا:
" أين تعتقدين أنك ذاهبة؟".
ومد يده محاولا أن يحمل كوري من مقعدها وينزلها الى الأرض , فقال هانك:
" تبا لك يا غريغ, كنا نعد لك مفاجأة لعيد ميلادك".
فأجابه غريغ غاضبا:
" كانت ستكون مفاجأة فعلا , ارجع الطائرة الى المرآب يا هانك واركب حصاني لتعود فيه الى المزرعة, وهناك يكون لي شأن معك".
فقالت كوري لغريغ وهو يقودها داخل اللاندروفر:
" أنها ليست غلطة هانك , أنا سألته أن يأخذني من أجل أن... أشتري لك هدية... لعيد ميلادك".
فأجابها:
" أنت غير ناضجة بعد, أن عيد ميلادي ليس قبل شباط من السنة المقبلة".
واذ بها تنفجر من البكاء وتقول:
" وكيف تريدني أن أعرف , أنت لا تخبرني شيئا أبدا".
ولم يقل شيئا بل ضغط على فكه وقاد اللاندوفر في خشونة رغم المطبات والحفر في الأرض , وبعد صمت طويل قال:
" أنت كنت هاربة, أنت هربت من أتفاقنا , لماذا؟".
ونظر اليها بعينين جعلتا كوري تفاجأ بحدة غضبه , فقالت هامسة:
" أنا أعتقد أنه ما عاد هناك مبرر لزواجنا الآن".
" وما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟".
" أنني ... سمعت بالصدفة ما كانت تقوله ماريزا ليلة البارحة".
"وماذا سمعت من الحوار؟".
" ما يكفي لأن أعرف رغبة ماريزا في أن تتخلى عن عملها كعازفة وتتزوجك , وهذا ما يجعل زواجنا فارغا ولا معنى له".
" وماذا تخططين أن تفعلي؟ تعودي الى خطيبك السابق؟".
" ربما".
قالت ذلك وهي تعرف جيدا أنه لا يعلم محتويات رسالة تلقتها مؤخرا من دورين تخبرها فيها أن روجر مشغول الآن بالفتاة التي ظبطتها معه , واستغربت كيف ما عاد يعني لها شيئا , وكيف خلال أسابيع قليلة, تحولت عواطفها وأفكارها في اتجاه رجل ومزرعة صارا أكبر من الحياة كلها , ومع ذلك كذبت على عواطفها وعلى الرجل الى جانبها وقالت له:
" أن ما كنت أريد أن أفعله هو شأني أنا... ولا أعتقد أن الموضوع يهمك".
ولم يرضى بجوابها بل قال ملتفتا اليها:
" هنا أنت مخطئة جدا, أن الموضوع يعنيني جدا... على الأقل للمرحلة الحاضرة, أنت وافقت على أتفاق عقدناه معا وأنا أريدك أن تلتزمي به , وعندما تنتهي مسألة حضانة بوبي , يمكن أن تذهبي الى أي مكان ترغبين فيه , حتى ذلك الوقت , أريدك أن تبقي الى جانبي ولا تجبريني على تقييدك".
" لا أظن أنك ستجرني على ذلك, لأن لا مجال بعد اليوم لهروبي , اذ بأي وسيلة سأذهب , وكيف يمكن أن أخدع هانك بعد الذي حصل اليوم , ليتني أعرف أي تفسير يدور بذهن هانك الآن لما حصل بيني وبينك ".
أجابها بصلابة:
" أن هانك يعمل عندي ليفسر مشاكل المزرعة لا مشاكلي الزوجية".
وبعد صمت قليل شعرت أن غضبها بدأ يخف تدريجيا, التفتت اليه وقالت ما يربض في صدرها:
" لماذا لا تتزوج ماريزا وتنتهي من كل مشاكلك يا غريغ؟".
" هذه المسألة أنا أقررها وأنا الذي أختار الزوجة التي تناسبني وفي الوقت الذي يناسبني , أن بيني وبين ماريزا روابط تعود الى ماض بعيد".
" الى ماض يرتبط بمقتل شقيقك؟".
فوجىء بكلامها فاتفت اليها سائلا:
" ومن أخبرك عن مقتل شقيقي؟ ماريزا؟ وماذا قالت لك؟".
" قالت أن شقيقك ... قتل... في الحادثة نفسها... التي حصل فيها هجوم دب عليك".
" هل هذا كل ما أخبرتك أياه؟".
فهزت رأسها بالأيجاب :
" أنا آسفة يا غريغ ... أنا لم أعلم...".
" لا شيء يهم أن تعلميه , أن الذي حصل ذلك النهار يعنيني أنا وماريزا و...بوبي فقط".
وبعد قليل وصلا الى البيت , فنزلت كوري وتابع غريغ طريقه الى السهل , راقبته يقود اللاندروفر في سرعة جنونية , وراحت تفكر : ترى هل يواجه أزمة ضمير؟ هذا ما قالته ماريزا. أن عدم رغبته في الخوض في ظروف الحادث الذي أدى الى مقتل شقيقه قد يكون لسببين , أو لأنه كان يحب شقيقه كثيرا ومجرد الخوض في الموضوع يؤلمه, أو لأنه يؤلمه أن يكون رضخ للشيطان وتخلص من العقبة الوحيدة التي كانت تقف أمام حبه لماريزا , والألم يولد شعورا بالذنب جعله يتطرف في رغبته في حماية أبن شقيقه اليتيم.
دخلت كوري البيت وصعدت الى غرفتها وهي تشعر بدوار في رأسها , عاطفتها أرادتها أن تصدق السبب الأول , ولكن عقلها قادها نحو السبب الثاني , فهي لا تقبل أن تصدق أن غريغ, الذي يعرف كيف يضبط عواطفه وأنفعالاته , أن يكون ما يزال متأثرا لمقتل شقيقه.
مر أسبوع بعد المحاولة الفاشلة للهرب , وكوري تحاول أن تقبل الوضع الذي وجدت فيه, أمضت أيامها في السباحة والتمدد تحت الشمس , وماريزا كذلك, كانت تزداد أسمرارا نتيجة للمواد التي تدهنها على جسمها في حماماتها الشمسية , تصرفاتها نحو كوري توقفت عن منحاها المتعالي , ولكن بقيت غير ودودة .
بدت وكأنها أدركت خطأها في حجم تأثير كوري على غريغ , وهذا الأخير بدا كأنه يدعم هذا الأكتشاف لدى ماريزا في الأقتراب أكثر وأكثر من كوري .
يتمدد الى جانبها تحت الشمس يجلس الى جانبها في المساء ويحيط كتفيها بذراعه, كوري حاولت أن تنسى أن في الأمر تمثيلا وكانت بين وقت وآخر تجد متعة في ألقاء رأسها على كتفه.
أما بوبي فبدا وكأنه رضي بعدم أكتراث والدته بالسباحة معه في البركة, فوجد في كوري ملاذه, ووجد متعة في تعلم فنون الأنقاذ داخل الماء مع كوري.
في أحدى المرات جرح أصبع رجله في طرف البركة, فألتجأ الى كوري لمساعدته في حين أمه ممددة تقرأ مجلة , في تلك اللحظة وصل غريغ وسأل ماريزا:
" ماذا أصاب بوبي؟".
ومن دون أن تلتفت اليه أو تزيل نظرها عن المجلة قالت:
" أسأل كوري , هي أخذته أيضا".
هذا ال أيضا , بقيت عالقة في الهواء مع أنها مفهومة تماما لدى غريغ, أقترب من كوري وبوبي وسأل عن المشكلة , فقالت كوري:
" بوبي جرح أصبع رجله , لكنه الآن صار أحسن, أليس كذلك يا بوبي؟".
أراد أن يثبت ما قالته , وقف ومشى يمنة ويسرى ثم قال لغريغ:
" أن كوري تعلمني أساليب أنقاذ الغرقى, يا عمي نريد شخصا نتمرن عليه, هل تنزل معنا الى البركة؟".
لوهلة ظنت كوري أن غريغ سيرفض . ولكنه وافق وطلب دقيقة واحدة ليغير ثيابه ويعود, وخلال أقل من دقيقة عاد وسار الى أقصى البركة ثم قفز داخلها, ولمحت كوري نظرات ماريزا تنصب على الرجل الذي تتمناه , شعرت كوري بالقليل من الأنزعاج فخرجت من البركة محاولة الأبتعاد ولكن صوت بوبي أوقفها.
" يا كوري, أن عمي غريغ يغرق , يجب أن نساعده".
وأدركت كوري أن غريغ أدعى فورا الغرق وعدم القدرة على السباحة , ولم تستطع أن تتجاهل مناداة بوبي , فنزلت الى البركة وتعاونت هي وبوبي على سحبه الى خارج البركة.
وبقي غريغ ممددا يدَعي الغياب عن الوعي , وأدركت كم هو يتقن التمثيل , وأنه لم يكن في حاجة الى هذا الدور ليقنعها, سألها بوبي:
" هل علينا أن ننفخ في فمه؟".
" كلا, أولا يجب أن نتأكد من أسنانه أن كانت أصطناعية لسحبها".
ضحك بوبي للنكتة , وحتى غريغ لم يتمكن من أخفاء ابتسامة.
عندما أنتهى اللعب قامت كوري ومشت في اتجاه البيت وهي تشعر أن غريغ وماريزا يراقبانها, الأول ربما ينظر باعجاب , أما الثانية فلا بد أنها تنظر بحقد, ولكنها لم تعد تهتم , أنها لن تسأل حتى اذا أحتضن غريغ ماريزا, أن حب كوري لغريغ تفسره بأنه حاجة الى حنان تفتقده من رجل , وأنها لن تدع نفسها تقع في الغرام لأنها لن تلقى من غريغ الا رفضا للحب الرومنطيقيورابطا مع أمرأة شقيقه لا يريد أن يحوله الى زواج وفكرت أن في الأمر سببا يتعلق بغريغ ورغبته في أظهار سلطته على المرأة القوية, متسلط الطبع, لن يقبل الا بأمرأة لينة بين أصابعه.

زونار 19-06-09 04:19 PM

9-أحب شعرك الطويل
"كم ستمضي جلالتها من الوقت هذه المرة؟".
سألت شيري في صباح اليوم التالي خلال تجمع بعض السيدات في منزل جين ريبون حول القهوة وفي حضور كوري.
" هل تعنين ماريز؟".
سألت كوري وهي تستغرب استهزاء شيري من عازفة البيانو التي حتى كوري ما تزال تنظر اليها بتقدير.
" ومن غيرها؟ لا بد أنها واجهت صدمة عنيفة عندما واجهت وجودك كزوجة لغريغ , كم كنت أتمنى أن أشاهد أنفعال وجهها في تلك الحظة".
جين قاطعت شيري وبدت أنها تقول شيئا لطمأنة كوري أكثر من الرد على شيري , أذ قالت:
"توقفي عن هذا الكلام يا شيري, لم يكن غريغ يوما معجبا بماريزا مايسون".
فردت شيري راغبة في الأستمرار:
" أذن , ماذا تفسرين تلك الأوقات الطويلة التي كانا يمضيانها معا في رحلات على حصانين في الغابات ؟ بوب قال....".
قاطعتها جين غير مكترثة لرد فعل شيري:
" بوب لا بد تخيل غريغ يفعل الشيء نفسه الذي يمكن أن يفعله بوب أن وجد مع أمرأة وحدهما في فترة زمنية محددة".
فوجدت كوري من الأفضل أن تتدخل لمنع استمرار الحوار في اتجاه شخصي , فقالت:
" لا فكرة لديَ كم ستبقى من الوقت".
وأسرعت في تغيير الموضوع كي لا يتدخل أحد في التعليق فقالت:
" أفكر في قص شعري وجعله قصيرا , هل تقصيه لي يا جين؟".
وجين كانت تعمل حلاقة قبل زواجها, وفي المزرعة أصبحت الحلاقة الرسمية لزوجات المزارعين , وأحيانا تقص شعر الرجال أن دعت الحاجة, فحدقت في شعر كوري وسط أستهجان باقي النساء لأي محاولة قص , ثم قالت:
" يا كوري لا يجب أن تقصي شعرك, أن غريغ لا بد أن يعترض".
أجابت كوري:
" لا أعتقد أنه يعترض , هو يهنه أن أفعل ما يسعدني".
وجددت جين أعتراضها قائلة:
" أنا أعتقد أن غريغ مثل أكثر الرجال يحب شعر أمرأته طويلا, ربما يعود ذلك الى مبدأ توارثه الرجال منذ أقدم العصور عندما كانوا يشدون شعور نسائهم وهن ممددات على ظهورهن في عملية شدهن الى الكهوف".
وراحت كوري تتخيل غريغ يشدها من شعرها وهي أمرأة من العصر الحجري , وابتسمت في سرها , وحان موعد مغادرتها بيت جين, على الباب قالت لها جين:
"تذكري أنني لن أقص شعرك الا بكتاب خطي من غريغ , وحتى لو جاء الكتاب فأنا متأكدة أنه سيقاطعني فترة طويلة".
هل غريغ فعلا يهتم بالموضوع ؟ سألت نفسها: ربما يهتم من ناحية شكلية ولكن بالطبع لا يهتم من ناحية شخصية, وفي طريقها الى البيت سيرا على الأقدام التقت بغريغ يخرج من حديقة زجاجية للنباتات , أقترب منها وسار الى جانبها في اتجاه البيت قائلا:
" هل كنت في صحبة حول القهوة مع النساء؟".
هزت رأسها من دون أن تتكلم فقال:
" لا بد أنك صرت على علاقة جيدة معهن , أليس كذلك؟".
" علاقتي بهن أبقيها في حدود المعقول , فأنا لا أستطيع أن أبني صداقة مع أشخاص أعرف أنني سأفترق عنهن في وقت قصير".
" ربما معك حق".
وفيما هو يسير قربها كان ينظر الى السماء والأفق وقال:
" أن عاصفة كبيرة مقبلة ألينا".
" كيف تعرف ذلك؟".
سألت وهي تلاحظ قميصه لاصقة على جسمه مبللة من العرق بسبب الحر , فقال:
"" الحلقة التي تحيط بالشمس, الجمود في كل مكان .... الهدوء".
في جملة قصيرة والواضحة أدركت كم الرجل يعرف الطبيعة, وكم هو خبير في الحياة الزراعية والقروية , ونظرت اليه تدرس قوته البدنية وكتفيه وتذكرت ملاحظة جين عن أرث الرجال الذي حملوه من العصور الحجرية وتذكرت شعرها , فقالت:
" سألت جين أن تقص لي شعري ولكنها....".
" سألتها ماذا؟".
ووقف أمامها يحدق فيها في غضب ويمنعها من متابعة السير قبل أن ينهي هذه المسألة.
" سألتها أن...".
" سمعت ما قلته, وأنا أمنعك من ذلك, أنا سأبلغ جين بنفسي أن لا تفعل أبدا".
" وماذا يهمك من شعري أكان طويلا أم قصيرا؟".
" لا شيء سوى أنني أعتقد أن شعرك هو واحد من الأشياء التي تساهم في أبراز جمالك, وأنا أتحدث مثل أي رجل يمكن أن تلفتيه بشكلك الخارجي".
وشعرت بأنها غير منزعجة أطلاقا من ملاحظته.
العاصفة التي كان يتحدث عنها غريغ وصلت, وراحت تمطر في غزارة عندما كانت كوري تساعد ايلين في أعداد فطيرة.
ماريزا أنقلب مزاجها مع الطقس وبدت عصبية في شكل أجفلت حتى أبنها الذي هرب الى المطبخ يتسلى مع كوري , وبعد قليل أنتقل الى غرفته يبحث بين ألعابه عن شيء يسليه كان نسيها طيلة الأيام التي كان الطقس فيها مشمسا.

ماريزا جلست الى البيانو تعزف مقطوعة قطعتها في منتصفها بضرب أصابعها على المفاتيح , وبعد قليل حضرت الى المطبخ تقول:
"آه, يبدو أنني نسيت أن هذا البيت يتحول الى مكان ممل , ماذا تفعلين يا أيتها الزوجة؟ اللازوجة؟".
كوري أمتقعت للملاحظة, وايلين احتارت ونظرت الى ماريزا بانزعاج , ومع ذلك قالت كوري ببرود:
" أعد فطيرة , لماذا لا تذهبين الى غرفة الجلوس فأحضر مع فنجاني قهوة؟".
واذا بماريزا تتابع الأسلوب ذاته:
" يبدو أنك ناعمة جدا , ولكن لا تعتقدي أنك ستحصلين على غريغ بهذه الطريقة يا ناعمة, أن غريغ يدفع مالا للناس... من أجل خدمات مماثلة".
" نعم أعرف ذلك".
واستمرت كوري ببرودها , أحاطت بماريزا وقادتها الى خارج المطبخ في اتجاه غرفة الجلوس طالبة من ايلين أن تصنع هي القهوة , فقالت ماريزا:
" كم دفع لك حتى تلعبي دور الزوجة الطيبة؟".
سألت ماريزا مستمرة في محاولة أذلال كوري , ولكن هذه الأخيرة استمرت في هدوئها وهما تجلسان على مقاعد منفصلة في غرفة الجلوس وقالت:
"يدفع لي مبلغا كبيرا جدا".
وعادت كوري الى المطبخ لتجلب القهوة واذا ايلين تقول لها:
" ماذا قصدت عندما قالت لك: لا تعتقدي أنك ستحصلين على غريغ بنعومتك , أنت حصلت عليه هو رجلك وأنت زوجته , وأنا لم أشاهد غريغ أسعد مما هو عليه منذ الزواج منك".
لوهلة, نسيت كوري أنتظار ماريزا لها مع القهوة , وسألت ايلين:
" هل صحيح أنك تجدين غريغ سعيدا؟".
" طبعا هو كذلك , أنا لست متزوجة , ولكنني أعرف متى يكون الرجل مفتونا بأمرأته , في الليلة الأولى التي حضرتما فيها عروسين أخبرني أنكما ستنجبان الكثير من الأولاد... هل من جديد تخبرينني اياه؟".
أجابت كوري بالنفي في سرعة مخفية أنزعاجها بسكب القهوة في الفناجين, والأنتقال الى غرفة الجلوس , وبعدما شربا القهوة معا , غادرت كوري المكان الى غرفتها , وهناك راحت تفكر وهي تنظر من النافذة الى السهل الممتد , أن ماريزا مايسون هي أسوأ أمرأة يمكن أن تكون زوجة لغريغ, ولا يمكنها أن تتصور ماريزا العازفة المشهورة زوجة لغريغ المزارع مقفلة على نفسها في مزرعة كهذه, ولكن الحب أحيانا يحسب الظروف وحب ماريزا لغريغ واضح ومعلن, وان كان كلام ماريزا أهلا للثقة , فذلك يعني أنه حتى جون كان يعلم بغرامها , واغرورقت عينا كوري بالدموع من أجل حبها التاعس, وشعرت أنها تبكي أيضا جون الراحل وحبه البائس , وانهمرت الدموع على وجنتيها وشعرت أنها تريد أن تلعن ماريزا وتلعن غريغ لأفتتانه بأمرأة ستعطيه القليل القليل مما يمكن أن تعطيه كوري.
منتديات ليلاس
ومع صوت خرير المياه في الحمام, أدركت أن غريغ وصل ويستحم, بعد فترى قصيرة دخلت هي الحمام وكان بخار المياه الساخنة ما يزال يعبق في المكان, أستحمت هي أيضا وعادت ألى غرفتها ترتدي ثيابا بسيطة, ختارت سروالا وقميصا مدركة أن هذا اللباس لا يعجب غريغ في سهرات العشاء, وأن ماريزا ستكون في أفضل أناقتها.
وهوى قلبها لحظة وصلت الى الممر قبل غرفة الجلوس , حيث يدور حوار بين غريغ وماريزا, جمدت في مكانها وهي تسمع ماريزا تقول:
" لست بلهاء الى لحد الذي يمكن أن أعتقد أن ... تلك الفتاة ... يمكن أن تكون زوجتك المقنعة".
توقفت عن الكلام قليلا ثم قالت:
" أجعلها تغادر المزرعة ... ونبقى أنا وأنت مثلما كنا دائما...".
" أرجوك يا ماريزا أليس من أمر آخر يشغل تفكيرك غير هذا الموضوع , فكري ببوبي مثلا".
" أنا لا يهمني بوبي".
وتابعت بصوت عال يظهر فقدان صبرها وعصبيتها الشديدة:
" أنا لا يهمني بوبي حتى لو لم أعد أراه في حياتي , الا أنني...".
وفجأة تجد كوري أن بوبي في أسفل السلم جامدا في مكان , ثم يركض الى الباب الكبير ويخرج منه مسرعا , بوبي وصوت أمه الهستيري , لا بد أنه سمع العبارات الجارحة.
لوهلة فكرت كوري أن تبلغ غريغ وماريزا عن هروب الصبي , ولكن خوفا من ضياع الوقت , ركضت هي الى الخارج لتجد بوبي مختفيا تماما,فكرت أن تعود الى الداخل تبلغهم ماذا حصل , ولكنها توقعت أن يكون بوبي ذهب الى منزل أحد أصدقائه, ولكن ما لبثت أن سارت قليلا حتى رأت بوبي على ظهر حصان صغير يقوده مسرعا في اتجاه مباني المزرعة.
دخلت الأسطبل وهي نادمة لأنها لم تفكر في أن تتمرن على ركوب الخيل , ولأنها رفضت ترغيب غريغ لها, المطر بلل شعرها وانهمر على وجهها قبل أن تستقر على رأي أن تأخذ اللاندروفر من دون أن تقفل باب المرآب الكبير , سارت بين بيوت المزرعة وتساؤلت: هل تقف تسأل بعض المزارعين للمساعدة؟ ولكن أن فعلت فأن بوبي يكون أمعن في البعد وزاد ضلالا, حركة في منحنى تلة ومجرى نهر, أنه بوبي على الحصان , ولكن قلبها هوى عندما وجدت أنها لن تستطيع باللاندروفر أن تأخذ الطريق ذاتها التي لا تصلح الا لحصان لعبور النهر, فوقفت في مكانها لا تعرف أي سبيل تختار, هل تعود وتخبر ما حصل معها , أم تستمر؟ وكيف تستمر؟ التفتت يمنة ويسرة واذا بها تجد جسرا خشبيا يصلح لمرور اللاندروفر, وأسرعت تقود اللاندروفر عليه وتسير في الأتجاه التي لاحظت أن حصانا واقفا هناك, وماأن وصلت حتى هوى قلبها من جديد, فالحصان من دون راكب, فنزلت تصرخ:
" بوبي! بوبي!".
شعرت بخوف ورهبة ونبضات قلبها جامدة, وما عاد صوتها يخرج من حنجرتها عندما لاحظت شيئا أبيض عالقا بين الصخور على طرف النهر , وصرخت (يا الله أنه قميص بوبي!).
ومن دون أن تعبأ بسلامتها نزلت ال ضفة النهر والى الماء , وراحت تمشي غير مكترثة بالصخور والأعشاب التي تعلق بركبتيها ورجليها , وفجأة دخلت بقعة مجوفة في النهر كادت أن تسقط داخلها لو لم تتشبث بصخرة قريبة, ثم من صخرة الى أخرى , راحت تشد نفسها , الخوف على مصير بوبي تجاوز المصاعب التي تواجهها , واستمرت تدخل النهر في اتجاه الطرف الآخر حيث عارضة خشبية تتحرك وعليها بوبي ممددا , ولكن لا حركة تبدو فيه.
الخطر أعطاها دفعا جديدا, وقوة في عضلاتها ساعدتها على اقتحام الماء وصولا الى بوبي , وما أن وصلت اليه حتى أسرعت تستكشف حالته , وجدت جرحا يسيل دما على جبينه جعله يغيب عن الوعي , لا بد أنه سقط عن ظهر الحصان وضرب رأسه بالصخرة صعدت الى العارضة وراحت تجري له تنفسا أصطناعيا محاولة أعادة الحياة اليه.
مرت خمس دقائق ... وعشر دقائق ... وهي تستمر في محاولة نفخ الحياة في فم بوبي , تسرب البرد الى عظمها , وشعرت أنها تغيب هي الأخرى عن الوعي , ولا تعود الى الواقع الا وغريغ يصرخ:
" كوري؟ يا ألهي , كوري , هل أنت بخير؟".
أعتقدت أنه حضر في الحلم ولكن حشرجة في صوت بوبي أعطتها القوة لتقوم وتحتضنه في حين تولى غريغ عن ظهر حصانه المارد جر العارضة الى ضفة النهر , ونزل غريغ وخلع معطفه المضاد للمطر وناوله لكوري قائلا:
" ضعي هذا على كتفيك , سآخذ بوبي وأعود بعد دقائق لأخذك".
شعرت بالخوف لأنه سيتركها وحدها وصرخت:
" لا تتركني وحدي هنا؟".
فأجابها مهدئا من روعها:
"بضع دقائق وأعود, أريد أن آخذ بوبي أولا الى الكوخ الذي يبعد قليلا من هنا, سأعود فورا يا حبيبتي".
هزت رأسها وأحاطت جسدها بالمعطف الذي أعطاها أياه وجلست الى جانب صخرة تنتظر , فكرت أنه كان يجب أن تترك له المعطف يغطي بوبي به, هو تبلل كثرا , نسيت الوقت الذي تنتظر فيه واسترجعت ما قاله لها غريغ , هل قال حقا ( يا حبيبتي؟( وفكرت هل سيحبها غريغ يوما؟ وكيف ستعرف بهذا الحب؟.
وهي مأخوذة بهذه الأفكار وصل غريغ , وحملها بين ذراعيه , قميصه كان ملتصقا بجسده لشدة بلله وكذلك شعر رأسه , أحاطت عنقه بيديها وقالت وهي تعانقه:
" آه يا غريغ, كم أنا سعيدة لأنك عدت , أعتقدت أنني لن أراك بعد اليوم".
وفيما هو يحملها عانقها مرددا : ( كوري, كوري ...).
وأضاف " أريد أن أطمئن اليك والى بوبي ... وأن أشعل نارا تدفئكما".
وعلى ذكر بوبي سألت كوري عن حاله خائفة من الجواب ولكن جوابه جاء مطمئنا.
" سيكون بخير , كان رطبا جدا , ولكنني لففته بغطاء صوفي".
وبعدما سار بها بضعة أمتار أنزلها الى الأرض قائلا:
" يبدو أنك فقدت حذاءك؟".
"لا يهم , لا شيء يهم بعد اليوم".
ووضعها على ظهر حصانه وانطلق بها الى الكوخ الذي بدا مضيئا عندما وصلاه , على الباب مد غريغ يديه ليحملها ولكنها قالت:
" بوبي قد يخاف أن رأك تحملني , سيعتقد أنني مجروحة بسبب...".
ولكنه لم يأبه بما كانت تقوله , بل حملها بين ذراعيه ودخل بها الكوخ المؤلف من غرفة واحدة , واذ ببوبي يرتعش من الخوف والبرد تحت الغطاء الصوفي ويقول:
" قلت أنك لن تغيب أكثر من دقيقة يا عمي غريغ, وقد تأخرت أكثر مما قلت".
أقترب من عمه وطمأنه ثم توجه الى المدفأة يحاول أن يعثر على طريقة يشعل الحطب فيها قال لكوري:
" أبحثي لنفسط عن غطاء صوفي والتفي به, وأنا سأحاول أن أشعل النار هنا".
.

safsaf313 22-06-09 09:45 AM

واو زونار روايه اكتر من رائعه تسلم ايدك يا غالى دايما رواياتك زوقها عالى ومتتأخرش علينا فى التكمله بليز

زونار 22-06-09 05:25 PM

بحثت عن غطاء لها ولفت جسمها به وشعرت أن تصرفات غريغ عادت قاسية وبدا غاضبا, مسحت دمعة من طرف عينيها, وجلست على مقعد قرب بوبي, وحتى بوبي شعر أن عمه غاضب فلم يقل شيئا بل راح يتابع بنظره ما يفعله عمه لأشعال المدفأة, وأخيرا صعدت رائحة الحطب المحروق وبدأت المدفأة تصعد لهبا أصفر ثم أحمر مضفيا على الغرفة دفئا وأمانا.
وقام غريغ وحمل بوبي مزيلا عنه الغطاء الصوفي , واذا هو بملابسه الداخلية يشعر بالخجل, أجلسه على حضنه أمام المدفأة وراح يدلك جسده بمنشفة غير مكتف بأن يزيل عنه الرطوبة بل أن يدفئه الى أقصى حد ممكن الى أن شعر بوبي بأنه يكاد يتألم, فقال:
" أنك تسلخ جلدي يا عمي غريغ".
" أنا أرغب فعلا في أن أسلخ جلدك , يا ولد".
ثم وضعه على مقعد طويل ودعاه الى النوم, ولم يكن بوبي بحاجة الى ملاحظة من هذا النوع أذ أن عينيه كانتا ثقيلتين تقاومان النوم عبثا , وسأل عمه:
" هل أنت وكوري ستنامان على المقعد الآخر ؟ أنك كنت تقول أنه لا يتسع لواحد".
" سنتدبر أمرنا".
وتركه يغفو وعاد الى كوري التي كانت جالسة أمام المدفأة , فقال لها:
" الآن جاء دورك".
" استطيع أن أتدبر أمري , شكرا".
وجعلت الغطاء يلفها من عنقها حتى أخمص قدميها".
ظهرت أبتسامة على وجه غريغ وقال:
" لا تخافي , أنا لم أخطط أن أفعل بك ما فعلته لبوبي , مع أن الفكرة ليست سيئة أطلاقا".
ثم تابع يقول:
" أنا ممتن لك جدا لما فعلته لبوبي , أنا متأكد أن أمه ستكون ممتنة لك أيضا".
ونظرت اليه كوري وقالت:
"لا بد أن أمه ستكون قلقة جدا لعدم عودتنا مع بوبي".
" لا لن تكون قلقة , أنا توقعت أن بوبي سيتجه صوب الكوخ , وأنك ستتبعينه , لذلك قلت لماريزا أن لا تقلق أن لم نعد الى البيت هذه الليلة".
وتساءلت كوري في ذاتها : ترى , هل فعلا سيهمها الأمر بعد كل ما قالته اليوم؟ هل هي أم طبيعية تلك التي تصرخ بالعبارات التي قالتها ماريزا؟
واذ بغريغ يقوم ويقول أنه سيخرج ليرى الحصان ويربطه في زاوية آمنة ويطعمه.
" وعندما أعود تكونين أنتهيت من خلع ثيابك , وأحطت جسدك بشرشف تتناولينه من الخزانة".
وخرج غريغ , التفتت كوري الى بوبي فوجدته غارقا في النوم فخعلت سروالها المبلل وقميصها وثيابها الداخلية ونشفت جسدها بالمنشفة ولفته بالشرشف الذي دلها اليه غريغ, ثم سحبت كرسيا وجلست أمام المدفأة وراحت تجفف شعرها , واذ بغريغ يستأذن الدخول على الباب ثم دخل, نزع قبعته المبللة , وخلع المعطف المضاد للمطر الذي كان وضعه على كتفيه عندما خرج, واقترب من المدفأة , واذ بالبخار يخرج من ثيابه المبللة جدا فقالت كوري مهتمة:
" غريغ , أنك مبلل جدا, يجب أن تنزع هذه الثياب عنك".
" هل ألاحظ أهتمام الزوجة فيك؟".
ثم رجع الى الخلف وبدأ ينزع ثيابه عندها أدارت كوري وجهها كي لا تراه , وبعد قليل قال:
" تستطيعين الألتفات الآن".
واذ به يحيط وسطه بمنشفة , ويقول:
" سأعد قهوة لكلينا".
" قهوة؟ هل حقا توجد قهوة هنا؟".
" نعم, واذا كنت جائعة...".
" هل في الكوخ مأكولات أيضا؟ أنا جائعة جدا؟".
" توجد معلبات فول أستطيع أن أحضرها لك".
فوافقت فرحة , وقامت تساهم في اعداد القهوة واذا بالشرشف يسقط عنها فيقترب منها غريغ مليء بالرغبة ويعانقها , الا أن تحرك بوبي وصدور أصوات منه ف عمق أحلامه , ذكرت الكبار أنهما ليسا وحدهما.
شربا القهوة وأكلا الفول, وتمددا في مواجهة بعضهما هي على المقعد وهو على الأرض ,وأدركت كوري أنه لولا وجود بوبي لكانت هي وغريغ أكملا ما كان ناقصا في زواجهما.
ومع أنها كانت تعلم أن أنجذاب غريغ اليها هو حسي بحت , الا أنها ما عادت تنزعج للفكرة, فهي تعلم أنها تريده كليا, وأنها لا بد من تطور العلاقة بينهما الى أن تجعله يستسلم للعاطفة الأنسانية المتنامية بينهما

زونار 22-06-09 05:26 PM

10- أصبح الحلم حقيقة
أشعة الشمس المتسربة من نافذة الكوخ أيقظت كوري صباحا,لم تتذكر فورا أين هي, ولكن حوارا هامسا بين غريغ وبوبي , أبقاها في مكانها مغمضة العينين.
" أنا آسف يا عمي غريغ , لم أكا أدري أني سأزعجكما جميعا ... عندما .... عندما هربي".
" طبعا أنت لم ترغب في أزعاجنا يا ابني , ولكنك كدت تتسبب في مقتل كوري أضافة الى مقتل نفسك".
ولاحظت كوري أن غريغ يتحدث بحنان شديد مع الصبي الذي أجابه:
" أنا لا أتمنى الأذى لكوري أيضا, أنا أحبها كثيرا, وأنت تحبها, أليس كذلك يا عمي؟".
ولم تسمع كوري أجابة غريغ , وبعد صمت قليل , قال بوبي:
" أن أمي قالت...".
" أن أنك تقول أشياء كثيرة لا تعنيها يا بوبي, هي لم تقصد ما سمعتها تقوله أمس, كانت غاضبة من شيء آخر".
وصمت بوبي قليلا ثم قال:
" وهل تعني ما قالته أنها لا تريد أن تأخذني معها عندما تغادر المزرعة؟".
" هل تريد أن تذهب معها؟".
" كلا, بل أريد أن أبقى معك .... ومع كوري".
" أذن ستبقى معنا . والآن كن هادئا والا ستوقظ كوري قبل أن أكون أعددت القهوة".
وبعد قليل قال بوبي:
" طبعا أنت لم تنم مرتاحا على المقعد الضيق مع كوري".
" كلا, قلت لك أن المقعد ضيق".
أبقت كوري عينيها مغلقتين وهي تسمع خطوات غريغ الخفيفة في اتجاه المدفأة , وتساءلت: لماذا غريغ لم يخبر بوبي أنه نام على الأرض, وفكرت بأشياء كثيرة غيرها الى أن فاحت رائحة القهوة.
فتحت عينيها ورأت غريغ مرتديا ثيابه ويسكب القهوة في الفناجين وبوبي أيضا مرتديا ثيابه , ولاحظت أن ثيابها التي كانت بالأمس مبللة منشورة أمام المدفأة , موزعة بتنسيق بما في ذلك ملابسها الداخلية , وشعرت بخجل لأنه لا بد فعل ذلك خلال نومها , رأته يلتفت نحوها فابتسمت وجلست في مكانها وهي ترفع الغطاء اليها, تناولت منه القهوة شاكرة ثم سألته:
" هل توقف لاالمطر؟".
" أن الطقس جميل اليوم , سأخرج الآن لأرى أن كان اللاند روفر يصلح لأنتقالنا , واذا كان كذلك , فسنغادر جميعا المكان في أقرب وقت".
ثم نادى بوبي قائلا:
" تعال معي يا صبي , أقفز وكن نشيطا, ولنترك كوري لترتدي ثيابها بسلام".
قام بوبي وبدا كأنه لا يعاني كثيرا من تجربة الأمس , ولكنه يشعر ببعض الخجل من كوري , مر قرب كوري وقال لها مبتسما:
" صباح الخير يا كوري , هل أنت بخير؟".
" نعم أنا بخير يا بوبي, هل أنت بخير؟".
" نعم... أنا آسف يا كوري, لم أقصد أن... لم أفكر أنني سأؤذيك...".
" لا تشغل بالك يا حبيبي , ويجب أن تعلم أننا نحبك كثيرا".
لوهلة بدا بوبي حزينا وتكاد تغرورق عيناه بالدموع , فناداه غريغ عن قصد:
" أسرع يا ولد".
فسار في اتجاه عمه الذي وضع يده على ظهره وقاده الى الخارج, وفكرت كوري: كم يشبهان بعضهما, لا بد أن ابن غريغ سيكون يشبه بوبي تماما, وراحت تشرب القهوة وهي تشعر أن بوبي وغريغ صارا كل حياتها.
وما أن أصبحت وحدها حتى قامت تسحب ثيابها الدافئة وترتديها , ثم ترتب المكان وتجعل كل شيء في مكانه الأصلي , من أغطية صوفية وشراشف وغير ذلك, وفيما هي تتنقل داخل الكوخ , وتفكر بتصرفات غريغ في الليلة الفائتة , وكذلك في الصباح . فكرت أنها تتمنى فعلا أن تكون أم أولاده, وأنها أن كانت ستبدأ معه العلاقة الزوجية , فأن هذا المكان هو الأفضل الأمكنة للبدء بالعلاقة.
منتديات ليلاس
بعد قليل عاد غريغ مع بوبي, وبديا منزعجين , قال غريغ:
" أن اللاندروفر عالق في الأوحال ,سأحتاج الى مساعدة بعض الرجال , هل تنزعجين أن أخذت بوبي وذهبنا على ظهر الحصان الى المزرعة , لأعود بعد فترة قصيرة؟".
" كلا , أبدا, أنا سأنتظرك ".
وخرجت تراقبهما يعتليان الحصان المعد سلفا,أ صعد غريغ بوبي ثم التفت الى كوري قائلا:
" لن أتأخر كثيرا , توجد كميات من الحطب يمكن أن تبقي المدفأة مشتعلة , وأنا جلبت كمية من الماء اذا رغبت بأعداد قهو أضافية".
ثم ابتسم وهو يضيف:
" وهناك أيضا كمية من معلبات الفول اذا شعرت بالجوع".
ولاحظت أنه أراد أن يضيف شيئا ولكن عاد يصمت ويلتفت الى الحصان , فنادته كوري وقالت وهي تشعر أن حلقها جف خجلا:
" عندما تعود ... هل يمكن أن نبقى معا... بعض الوقت؟".
نظر محدقا في عينيها مباشرة محاولا أن يعكس عدة مشاعر في لحظة واحدة , ثم التفت الى بوبي وقال له:
" خذ الحصان وتنزه قليلا به, أريد أن أتحدث مع كوري على أنفراد".
ومع أن بوبي أعرب عن خوفه من أن يرميه الحصان الكبير عن ظهره , الا أنه استجاب لطلب عمه وابتعد.
أدخل غريغ كوري الى الكوخ , وقال وهو يحدق في عينيها :
" هل تقصدين بكلامك الذي أنا فهمته؟".
" نعم".
قالتها بهمس وحياء
" تريدين أن تجعلي زواجنا حقيقيا؟ هنا؟".
هذه المرة هزت رأسها , وأحنته جاعلة شعرها يغطي جانبا من وجهها , تقدم منها ورفع وجهها بيده وقال:
" ولماذا الآن تغير الوضع عما كان عليه عندما كنا معا على سرير واحد في منزل عائلة أندرسون ؟ ألن تتذكري حبيبك البعيد وتبكين عندما ألمسك؟".
ابتعدت كوري عنه غاضبة وحدقت فيه بأندهاش , لقد فكر, في تلك الليلة , أنها كانت تبكي من أجل روجر , واذ بصوتها يرتعش غضبا وهي تنفي:
" أنا لم أكن أبكي من أجل روجر".
" أذن لماذا كانت الدموع...؟".
شعرت أن لسانها لا يساعدها على أطلاق كل ما يجول في رأسها , ولكن يجب أن تخبره أنها كانت تبكي لأنه هو الذي كان يفكر بأمرأة أخرى عندما أقترب منها , أمرأة تمنى أن تكون الى جانبه في تلك اللحظة لا كوري.
نظرت اليه وقالت:
"أن الموضوع ليس كما تعتقد , في كل حال روجر خطب فتاة سيزوجها قريبا...".
" أه, الآن فهمت , أذن فكرت أن تحولي رغباتك الرومانسية نحوي أنطلاقا مما حدث بالأمس".
أبتعد في اتجاه الباب ثم قال:
" أكره أن أخيبك , ولكن عناقي لك بالأمس كان مظهرا من مظاهر أمتناني لك ليس أكثر".
" أمتنان ؟ لماذا؟".
" لما فعلته في أنقاذ حياة بوبي".
شعرت بغضب شديد وقالت:
" تستطيع أن تحتفظ بأمتنانك لنفسك".
وأضافت وهي تشعر أن شرارات حقد خرج من عينيها :
" وأرجو أن تنسى ما قلته لك في بداية هذا الحوار, أنا أخطأت في تقديري لك وأنتهى الأمر".
ابتسم بخبث وقال:
" أنت تثيرينني وأنت غاضبة أكثر مما تقدمين نفسك لي على طبق".
فصرخت وهي ترتعش غضبا:
" أنت كريه , كريه, وأنا لا أريد أن أراك بعد اليوم , اذهب ولا تعد , أنا سأمشي وحدي".
نظر الى قدميها العاريتين وقال:
" ستمشين من دون حذاء ؟ أن الأرض ملأى بالأوحال".
" أفضل الأوحال ألف مرة على الركوب معك على ظهر ذلك الحيوان".
وجاء صوت بوبي ينادي عمه من الخارج, ويقول بحماس:
" هانك حضر ومعه بعض الرجال".
فوقف غريغ قرب الباب ثم قال قبل أن يغادر المكان:
" ربما تركبين على ظهر ذلك الحيوان مع هانك, أنا أعرف أنه سيكون سعيدا جدا".
" أنا مستعدة أن أذهب مع أي أنسان غيرك".
" أنا آسف لأنني لن أستطيع أن أحقق لك ما تتمنين, لن يبدو حسنا منظر زوجتي ملتصقة بشخص غيري".
" لن يهم الأمر بعد اليوم, لأنني سأخبرهم أنني ما عدت زوجتك".
خرج غريغ من الكوخ ليتحقق بالرجال الذين حضروا , واطمأنت كوري عندما سمعت صوت محرك اللاندروفر , ورأت الرجال يحاولون تحريكه من بين الوحول في الضفة الأخرى من النهر , فكرت أن لا حاجة أن تركب فوق حصان مع غريغ , وأن اللاندروفر سيحل الأزمة.
دخلت الى الكوخ ترتاح قليلا وتتابع صوت هدير اللاندروفر تسير مبتعدة شيئا فشيئا, هبت من مكانها الى الخارج واذ بها ترى اللاندروفر تسير مبتعدة في اتجاه المزرعة, وأدركت أن الجميع رحلوا وتركوها وحدها , وبدأ الصمت يخيم على المكان ويزيد من شعورها بالوحدة والتعاسة, وتساءلت: تري , ماذا قال غريغ لبوبي والرجال الآخرين مفسرا بقاءها وحدها؟ هل أبلغهم أنه سيذهب ليجلب كمية الؤونة ويعود الى الكوخ؟ وتذكرت ما قال قبل أن يذهب : أنت تثيرينني وأنت غاضبة أكثر مما تفعلين وأنت تقدمين نفسك على طبق.
هي ستكون غادرت المكان قبل أن يعود, وان كانت محظوظة فأنها ستتمكن من الأتصال بشركة الطائات الصغيرة الخاصة التي بها جاءت ماريزا , وعندما تحضر الطائرة فحتى غريغ لن يجرؤ على الوقوف في وجهها أو يعلن للعالم عن زواج المصلحة الذي عقده مع كوري , أن أي محكمة في العالم لن تقتنع برجل مثل غريغ يعتمد أسوأ الأساليب من أجل الحصول على أبن شقيقه, أنها أحبت بوبي , ولكن مكانه الطبيعي هو مع أمه , وأن أ مه ستقوم بمجهود أفضل أن خرجت كوري من حياتهم, الأمر الذي قررته أعطاها القليل من الثقة في نفسها , نظرت الى الحشائش الغارقة في الأوحال حولها, والى السماء التي لم تنقشع فيها الغيوم تماما , مما مكَن الشمس من التسرب من هذه الغيوم وأضفاء بعض الدفء , ولما وجدت أن المسافة التي عليها أن تقطعها طويلة جدا , لا تقاس بالساعات بل بالأيام , عاد اليها اليأس , واستندت ألى باب الكوخ خلفها, وبعد قليل وجدت نفسها جالسة على الأرض , رأسها بين رجليها , والدموع تنهمر من عينيها .
أن تنتقل من مشاعر حب عميقة لغريغ الى رفض وهجر كاملين منه, لأمر أكبر من أن تستطيع تحمله, والأسوأ من كل ذلك أكتشافها أن غريغ بات الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يلمس أوتار قلبها, الكره المولود من الجرح غطى رؤيتها الصحيحة للأشياء مؤقتا, ولكن فكرة أبتعادها عن مزرعة مايسون وعدم رؤيتها لغريغ الى الأبد كانت مثل خنجر يطعنها في صدرها.

زونار 22-06-09 05:27 PM


وراحت تجهش بالبكاء ولم تلاحظ أن شخصا يقترب منها الا عندما أصبح قربها , ورفع وجهها بين يديه وقال:
" " كوري؟ لماذا تبكين؟".
" أعتقدت ... أنك ... تخليت عني".
قالت ذلك مثل طفل بين يدي والده . فأجابها بلطف:
" أنت تعلمين أنني لا أفعل ذلك".
وسحب من جيبه منديلا يمسح به عينيها ووجهها , فقالت وهي تغص بالكلمات:
" وكيف أعرف ذلك؟ خصوصا بعد كل تلك الكلمات الرهيبة التي قلتها لي ... ثم لم تعد الي بعدما رحلت اللاندروفر".
" أنا لم أعد بسرعة لأنني أحتجت الى بعض الوقت لأفكر , أضافة ألى أنني ذهبت أبحث عن حذائك".
وتابع:
" أنا أعرف تماما ماذا يعني لك أن تقدمي لي نفسك جسدا وروحا , يا كوري, صدقيني أنني أردت ذلك منذ اللحظة الأولى التي وقعت فيها عيني عليك".
فوجئت بكلامه وتوقفت دموعها في حدقتيها وهي تسترجع كلامه, ماذا يقول؟ أنه تمناها زوجة حقيقية منذ البداية؟
" ولكنك لم تعطني أي أشارة...".
وأحنت رأسها بحيث أستند الى صدر غريغ , فشده اليه بذراعيه , وقال:
" كيف لم أعط أي أشارة ؟ هل نسيت تلك الليلة عند بيل عندما أعتقدت أنك تشعرين نحوي مثلما أشعر نحوك ... ولكن عندما وجدتك فجأة تبكين لأنني ... لم أكن روجر...".
" ولكنني قلت لك هذا الصباح أنني لم أكن أبكي من أجل روجر , أنا لم أفكر فيه , الا نادرا منذ وصولي الى هنا".
" هل هذا صحيح يا كوري؟".
سألها وهو يداعب خصلات شعرها وبدا وكأنه اقتنع بكلامها , ولكنه أصر:
" أذن لماذا كنت تبكين؟ هل كنت خائفة مني؟".
" كلا".
ولم تجد الا أن تقول الحقيقة:
" أنا كنت أبكي , لأنني أعتقدت أنك كنت تخيلني أمرأة أخرى, كنت تحلم بها عندما أيقظتك".
أستنكر كلامها وقال:
" أنت مخطئة جدا, صدقيني أنا كنت أعلم تماما ماذا كنت أفعل , ومن هي المرأة التي الى جانبي, ما الذي جعلك تعتقدين أنني كنت أفكر بأمرأة أخرى؟".
" أنت كنت تردد في الحلم اسم ماريزا, وترجوها...".
" ماريزا؟ أذن أنت أعتقدت أنني ...؟ آه يا كوري أن السبب الوحيد الذي يمكن أن تكون ماريزا في أحلامي هو أن أرجوها من أجل أن تترك لي بوبي , فأتمكن من أنشائه في الشكل الذي تمناه والده".
"آه يا غريغ ... أنا أعتقدت...".
" كلانا أعتقد أشياء خطاطئة لفترة طويلة ".
عانقها في حنان, ثم حملها الى داخل الكوخ وأغلق الباب خلفهما.

زونار 22-06-09 05:29 PM

11- بوبي الأبن الحقيقي لغريغ؟
في الصباح , وعلى ظهر الحصان , تقارب الزوجان السعيدان وتهامسا وهما في طريق العودة الى المزرعة , كوري شعرت أنها في أسعد لحظات حياتها, أن رجل عمرها يحيط بها ويشعرها أنها هي أمرأة عمره بعدما أكتمل زواجهما في الليلة السابقة وأصبح حقيقيا, تبادلا النكات والهمسات والحصان يسير ببطء من دون أن يقوده أحد, بل تركه غريغ يختار طريقه من دون أن يشد له الرسن يمنة أو يسرى.
قال غريغ وفمه يلامس أذن كوري:
" أنا جائع جدا, أستطيع أن آكل الآن كل ما تعده ايلين".
" ولكنك دائما تأكل ما تعده أيلين".
" أفعل ذلك من أجل أن لا أجرح مشاعرها , الآن أشعر أن ايلين لن ترضي رغباتي بعد اليوم , أنت تطبخين أفضل بكثير منها".
فقالت كوري مازحة:
" آه , هل هذا هو الفارق الوحيد بيني وبين ايلين؟".
" لا أعتقد ذلك , أن شعرها لا يصبح ذهبيا عندما تنعكس عليه أشعة الشمس خلف طاولة الطعام عند الظهر ... جسمها لا ينافس ممثلات هوليوود ... وعيناها ليستا جميلتين مثل كتاب أرفض أن أتوقف عن قراءته".
" أنت تقول أشياء جميلة تتناقض مع نظرتك غير الرومانسية للعلاقات الأنسانية".
وتابع الحصان بهما وهما مأخوذان ببعضهما حتى بدأت بيوت المزرعة تظهر من بعد, فجعل غريغ جلسته أكثر جدية , غير راغب في أن يظهر لأحد من المزارعين سعادته الجديدة, هؤلاء قبلوا زواجه منذ البداية واعتبروه حقيقيا, أن الحب عند غريغ سيكون دائما شيئا حميما بعيدا عن أعين الفضوليين, حبه سينمو مثل برعم ويتفتح في الغرفة الكبيرة حيث تنام كوري , والتي ستكون منذ اليوم وحتى النهاية, غرفة نومهما معا.
حياهما هنك من بعيد وقال:
"كنت سأرسل فريق عمل للبحث عنكما".
فأجابه غريغ ضاحكا:
" حفظت رأسك عندما تأخرت في المشروع".
وتابعا طريقهما على الحصان حتى وصلا الى مدخل البيت , نزل غريغ أولا, ثم أنزل كوري وعانقها ثم قال في أذنها:
" مع أنني أرغب فيك الآن كثيرا , الا أنني أكون شاكرا جدا أن أحضرت قطعتي لحم أولا".
" أذن قلبك في معدتك؟ ومع ذلك أن قطعة لحم مقلية على النار مع الزبدة والفطر تبدو أشهى بكثير من ذقنك غير الحليق".
" أنا سأذهب أرى المزارعين قليلا, وأضع الحصان في الأسطبل وأعود اليك على أمل أن يكون الطعام جاهزا".
ابتسمت كوري موافقة والتفتت الى الحصان تشكره وتقول:
" أنت أعدت ثقتي بالطبع الهادىء للأحصنة". أن تذهبي معي في
" يجب أن تبدأي تعلم ركوب الخيل يا حبيبتي , أريدك أن تذهبي معي في مشاوير على ظهر الخيل أكثر وقت ممكن".
" سأفعل ذلك يا غريغ . سأتعلم ركوب الخيل وسأرافقك بالقدر الذي ترغب".
وفيما غريغ يبتعد مع الحصان, راحت كوري تراقبه وتفكر , المال لا يجلب السعادة , ولا كذلك الممتلكات المادية ولا بريق المجتمع , السعادة الحقيقية هي عندما يحب أثنان بعضهما بعضا بصدق وقوة.
وعندما دخلت الى البيت واجهتها ايلين بوجه قاق:
" أنا سعيدة جدا لرؤيتك يا كوري , السيدة مايسون تتصرف بشكل غريب منذ أن عاد بوبي , أنها تغرق في الشرب , وهي تحاول أن تتدبر أمرها مع شركة طائات خاصة لتنقلها خارج المزرعة".
واذ ببوبي يركض في اتجاه كوري يمسك بها ويقول:
" كوري, أرجوك أخبري أمي أنني لست مضطرا أن أذهب... عمي غريغ قال أنني أستطيع البقاء هنا معه ومعك".
" بوبي أهدأ قليلا وأخبرني ما الحكاية؟".
" أمي تقول أنها تريد أن تأخذني معها بعيدا من هنا, لا أريد أن أذهب الى ... نيويورك ... أو لندن... أو الى أي مكان في العالم, أرجوك يا كوري".
| أهدأ يا بوبي, اذا كان عمك غريغ قال أنك تستطيع أن تبقى هنا , فأنك ستبقى".
وانحنت فربتت على ظهر بوبي ورأسه.
ايلين سألت:
" هل غريغ سيحضر الى البيت؟".
" بعد قليل يأتي . ذهب ينهي بعض الأشغال , سيحضر لتناول الطعام, أرجو أن تخرجي قطعتي لحم من الثلاجة , وأعتقد أنه يوجد عندنا بعض الفطر , أرجو أن تحضريه أيضا".
بدت ايلين سعيدة بتعليمات معلمتها , وتابعت كوري:
" خذي بوبي معك الى المطبخ , وأنا سأصعد الى فوق لأتحدث مع السيدة مايسون".
ترددت كوري قليلا في أسفل السلالم , ثم صعدت لتواجه المرأة التي تهدد سلام غريغ وأمانه, شقيقه أراد أن ينشىء ولده هنا في المزرعة بعيدا جدا عن حياة القلق التي يمكن أن تعطيه أياها أمه , وكوري شعرت أن غريغ على حق , ولكن أقناع ماريزا مسألة أخرى.
طرقت على باب غرفة ماريزا ودخلت واذ بها تفجأ بحقائب السفر في كل مكان وأكوام الثياب هنا وهناك , وماريزا تملأ المكان بحركتها المتواصلة.
قالت كوري:
" يا ماريزا , أنا أعتقد... بل غريغ وأنا نعتقد...".
" غريغ وأنت؟ " وضحكت ماريزا وهي تضيف:
" هل تعتقدين أنك بعد ليلة مع غريغ , صار بأمكانك اعتباره لك الى الأبد؟ دعيني أخبرك يا عزيزتي أن ذلك لا يعني شيئا لغريغ مايسون , أنت لن يمكنك التعامل مع رجل مثل غريغ مايسون حتى لو قدم لك على طبق".
" أعتقد أنني أحسنت التعامل حتى الآن , ولكنني لم آت الى هنا لأتحدث عن غريغ مايسون, بل عن بوبي".
واذ بايلين تطرق على الباب وتدخل بالقهوة , فرحت كوري لمقدم ايلين , اذ أعطتها بعض الوقت لتستجمع أفكارها من أجل بوبي .
قدمت كوري القهوة لماريزا قائلة بعد أن انسحبت ايلين:
" خذي أاشربي, ستشعرين بتحسن ".
" وماذا تعرفين بماذا أشعر؟ وماذا ستشعرين عندما يتخلى عنك غريغ من أجل فتاة أصغر سنا مثلما فعل معي؟".
شعرت كوري بطرقات قلبها تتلاحق . سكبت لنفسها فنجان قهوة وتذكرت نفي غريغ لأي علاقة بينه وبين ماريزت , وهي صدقته لأنه بدا صادقا جدا , فقالت كوري لماريزا:
" أرجو أن تكفي عن ذلك يا ماريزا , لم يكن بينك وبين غريغ أي علاقة خاصة غير تلك التي في خيالك".
" هل هو أخبرك ذلك؟".
" هو لا يتحدث عادة عن هذه الأشياء , هو ليس من نوع الرجال الذين...".
" وماذا تعرفين من أي نوع هو؟ هل تعتقدين أنه يمكن أن يخبرك أنه قتل أخاه لأنه كان يشكل عائقا بيننا ؟ وأنه بعد ذلك شعر بعقدة النب ووخز الضمير وما عاد يلمسني؟".
" أنت تكذبين, أن غريغ لا يفعل شيئا كهذا من أجل أمرأة حتى ولو كانت تعني له كثيرا".
واذ بماريزا تفاجئها بجواب قاس , جعلت فيه كل غضب المرأة المطعونة وحقدها قالت:
" ربما لا يفعل شيئا كهذا من أجا أمرأة , ولكن من أجل أبنه يفعل أكثر".
وضحكت ماريزا بهستيريا عندما لاحظت وقع المفاجأة على كوري وعدم التصديق .
فتابعت ماريزا:
" ولماذا تعتقدين أن غريغ مهتم جدا بالأحتفاظ ببوبي؟ لأنه ابن شقيقه الراحل ؟ أم لأنه أبنه؟".
واذ بكوري تسأل بصوت خافت وحلق جاف:
" بوبي هو... ابن غريغ؟ أنا لا أصدق ذلك".
" في النهاية سوف تصدقين , لا بد أنك رأيت الصورة قرب سرير بوبي لوالده ولي, ألم تلاحظي عدم التشابه بين جون وبين غريغ؟ وأن بوبي لا يشبه جون بل غريغ؟".

للحظة بقيت كوري جامدة في مقعدها وهي تتذكر كيف لاحظت منذ أول مرة رأت فيها بوبي أنه يشبه غريغ , وكيف كانت تفكر أنه لو كلن لغريغ ولد سيكون يشبه بوبي , أضافة الى ألحاح غريغ للأحتفاظ ببوبي ...
قامت كوري من مقعدها وغادرت الغرفة من دون أن تنظر الى عيني ماريزا لأنها لو فعلت تعرف أنها سترى أنتصارا ساحقا.
دخلت الى غرفتها الكبيرة حيث السرير العريض الذي اعتقدت في الصباح أنه سيجمعها مع غريغ من الآن وصاعدا , توجهت الى الكرسي الهزاز وجلست تنظر عبر النافذة الى الخارج , ما عادت تشعر بجوع ولا بأي رغبة أخرى.
منتديات ليلاس
كانت خططت فور عودتها أن تأخذ حماما دافئا , وترتدي فستانا خاصا يعكس سعادتها الجديدة فستجلب الأعجاب من غريغ , ولكنها جلست جامدة في مكانها , ولم تشعر بالوقت يمر الا عندما سمعت طرقا على الباب وصوت غريغ:
" كوري! أفتحي الباب, دعيني أدخل ".
هل رأى ماريزا وأخبرته ما كان يخفي عنها؟ وهل ستسمع أكاذيب جديدة؟ قامت من مكانها وفتحت الباب, واذ بغريغ يدخل والقلق باد على وجهه , لم يلاحظ غياب أي تعبير على وجه كوري , قال:
" كوري , يجب أن أطير الى قسم بعيد في السهل, بعض الرجال اتصلوا بنا عبر الراديو وأبلغونا أن ثمة حالات تسمم بين بعضهم ويجب نقلهم الى المستشفى , سأذهب أنا وهانك في الطائرة الصغيرة".
" ولكنك لم تأكل".
" أنا قلت لأيلين أن تحضر شيئا سريعا من قطع اللحم التي كنا نتمنى أكلها مع الفطر , سننتظر يوما أو يومين الى أن أعود".
" يوم أو يومين؟".
ثم عانقها وهو يقول:
" كنت أخطط لأشياء كثيرة هذه الليلة , ولكننا سننتظر حتى أعود أليس كذلك؟".
لم تتجاوب لعناقه ولا سؤاله.
" ماذا في الأمر يا حبيبتي ؟ هل غيرت رأيك فيَ بسرعة؟".
" كلا... لا ... أنا.... فقط متعبة , هذا كل شيء".
" وجائعة أيضا , ايلين تحضر الطعام لكلينا , لنأكل بعدما أكون انتهيت م الحمام".
وغادرها متوجها ال غرفته ثم الى الحمام , انتظرت في غرفتها حتى لاحظت خروجه , فدخلت هي لتتنشق رائحة العطر الذي استعمله والعابق بين غيوم من البخار , وتحت المياه الساخنة راحت دموع كوري تنهمر من عينيها.

لماذا لم يخبرها الحقيقة عن بوبي؟ عن علاقته مع ماريزا؟ عن مقتل شقيقه؟ كان يمكن أن تفهم حبه لماريزا وواقع ولادة بوبي نتيجة ذلك الحب, وحتى قتله لشقيقه , رغم أنها لا تصدق أن يكون مات الا قضاء وقدر, أن كذبه عليها هو الذي يجعل أي زواج بينها وبينه مستحيلا".
كان يأكل في سرعة عندما حضرت كوري الى غرفة الطعام, وجلست في مكانها الأعتيادي .
" أعتذر لأنني لم أستطع أنتظارك حتى نأكل معا , الرجال ينتظرونني كما تعرفين".
" لا بأس , عندي وقت طويل".
وقام من مكانه واقترب منها واضعا يده على كتفها.
" أرجو أن تأكلي جيدا, ثم ارتاحي جيدا حتى أعود".
واذ بالدموع تملأ عينيها, هو اعتقد أنها تبكي بسبب تغيبه , فقال لها:
" سأعود حالما أستطيع ذلك يا حبيبتي, صدقيني أنني لا أريد أن أذهب".
وكيف تصدقه؟ وشعرت أن الكلام الصادق الوحيد هو ذلك الذي قاله لوبي وهو يغادر البيت.
" أهتم بأهل البيت في غيابي يا أبني".
يا أبني, هل تراه بوبي يعرف كم هي حقيقية هذه الكلمة ؟ وانه كان يستعملها لأنه يترتاح بترديدها , وأدركت كوري أنها بعد اليوم لن تهتم بالموضوع , وغياب غريغ لبضعة أيام جاء في الوقت المناسب , اذ يجعلها تهرب من المزرعة من دون مواجهته , أن أي مواجهة ومحاورة لن تنفع شيئا , بل ستزيد من الجراح , وهي تعلم جيدا أن هذه الجراح لن تلتئم أبدا .
في المساء وجدت كوري نفسها في مواجهة ماريزا على طاولة الطعام في لقاء غير مرغوب , ايلين أعدت لهما قطع اللحم بالفطر الذي كانت تنوي تحضيره في النهار لها ولغريغ , حاولت كوري أن تأكل ووجدت أن شهيتها مفقودة , وبقي الصمت مخيما حتى قطعته ماريزا بقولها:
" أخبريني . هل سألت غريغ ما قلته لك؟".
ونظرت الى عيني كوري في جرأة أعتبرتها كوري وقاحة , ومع ذلك تابعت:
" أنا لا يجب أن أكون قارئة أفكار حتى أعرف أنه نفى القصة كلها".
" كلا , لم ينف شيئا".
"لم ينف شيئا؟".
" لا , لأننا لم نتحدث بالموضوع".
وصمتت ماريزا عن غيظ ثم قالت:
" تجاهل الحقائق لا يجعلها تندثر , اسمعي يا كوري , أنت فتاة طيبة وأنت لا تستحقين أن تجرحي من رجل مثل غريغ مايسون, أنت لا تفهمين ما يمكن أن يفعله غريغ من أجل الأحتفاظ ببوبي , أنه سيزيد من ايهامك بحبه لك كلما اقترب موعد المحكمة في أيلول".
كوري أغمضت عينيها كي لا تراها ماريزا تبكي , ومع ذلك لم تستطع أن تقاوم طويلا بل أحاطت وجهها بيديها وتركت دموعها تنهمر , مدت ماريزا يدها لتربت على ذراع كوري قائلة:
" أنا آسفة يا عزيزتي, لا أحد يعرف كيف تشعرين أكثر مني , ولكن أنت محظوظة لأن ليس بينك وبين غريغ الروابط التي بيني وبينه".
وتذكرت كوري أن غريغ مرة استعمل كلمة( روابط) بوصف علاقته مع ماريزا, منذ زواج شقيقه , لا بد أن هذه الروابط تعود الى أبعد من ذلك , كم كنت بلهاء , عندما صدقت نفيه لأي علاقة حميمة معها.
ماريزا تابعت تسهل لكوري أنسحابها من حياة غريغ.
" أن طائرة صغيرة خاصة آآتية من بلدة وليمس ليك غدا, أنا طلبتها من أجلي , لماذا أنت لا تذهبين أنت ما دمت قادرة الآن على الذهاب؟ عودي الى حياتك الخاصة قبل فوات الأوان , أنسي مزرعة مايسون , وكوني شاكرة لأن الظروف ساعدتك على اكتشاف حقيقة غريغ في الوقت المناسب".
هل ستذهب في الوقت المناسب؟ وأي وقت مناسب هو هذا بعدما طبع حب غريغ في قلبها وجسمها ؟ ولكنها ستذهب في كل حال, كتبت رسالة قصيرة لغريغ , كبرياؤه سيمنعه من اللحاق بها : كتبت"
غريغ أنا آسفة لأنني خرجت عن أتفاقنا وبهذه الطريقة , ولكن وجدت أنه من الأفضل أن أخبرك بكلمات بسيطة سبب عدم أحتمالي البقاء هنا, أنا أكتشفت أن روجر ما يزال يعني لي الكثير , ربما وجودنا معا في الكوخ أحيا روجر في فكري , وأعتقد أنه من الأفضل لكلينا أن أغادر المزرعة في أثناء غيابك, أنا متأكدة أنك تستطيع أن تنهي مسألة حضانة بوبي في شكل مناسب , وأن يكون في النهاية حيث ينتمي فعلا
" كوري"
كانت خيوط الفجر بدأت تظهر عندما غرقت كوري في النوم , وعندما أستيقظت نحو الثامنة اعتقدت أنها ما تزال تحلم أذ رأت بوبي في بيجامته واقفا الى جانبها , ولكن صوته كان حقيقيا وحزينا عندما قال:
" أمي قالت أنك ستغادرين المزرعة , هذا ليس صحيحا أليس كذلك يا كوري؟".
جلست كوري في سريرها وقالت:
" نعم يا بوبي, هذا صحيح".
" ولكن لماذا؟" سأل والدموع في عينيه , وعمي غريغ يحبك كثيرا . أنتما متزوجان".
شدته كوري اليها وعانقته قائلة:
"في بعض المرات... يتزوج أثنان يا بوبي .... ويكتشفان بعد فترة... أنهما أخطآ , هذا ما حصل بيني وبين عمك غريغ".
" هل تقصدين أنك لا تحبينه بالقدر الذي يحبك فيه؟".
شدته أكثر الى صدرها , ولم تستطع أن تكون صادقة, هي تحب غريغ من أعماقها , ولكن أعماق غريغ ملأى بحب بوبي وباستعمال أي وسيلة ليصل الى غايته , ولكنها قالت:
" لا ... أنا لا أحبه".
وازداد بكاء بوبي وهو يقول:
" أنا لا أريد أن أبقى هنا من دونك , خذيني معك يا كوري".
بكت هي أيضا وقالت:
" لا أستطيع أن أفعل ذلك يا حبيبي , أمك ستكون هنا, وربما ستبقى دائما هنا معك ومع عمك غريغ".
" ولكن أمي لا تهتم بي مثلما أنت تهتمين , هي لا تقرأ القصص لي قبل أن أنام , ولا تسبح معي في البركة , ولا تحب أن تذهب الى البحيرة أو الى الكوخ...".
أبعدت رأسه قليلا وتناولت منديلا مسحت عينيه وأنفه وقالت محاولة أن تضفي أملا جديدا:
" ولكن أمك تركب معك الحصان, أليس كذلك؟ أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك, لأنني أخاف من الأحصنة , في كل حال , أن أمك ستفعل كل هذه الأشياء التي تتحدث عنها عندما أذهب أنا , وفي المستقبل يمكن أن تأتي لزيارتي في فانكوفر فآخذك تتفرج على كل الأشياء الحلوة هناك , الى الحديقة العامة ومختبر الفضاء , وغير ذلك...".
وأخيرا أقتنع أن يغادر الغرفة من أجل أن تتمكن كوري من أرتداء ملابسها , ما يزال أمامها أيلين لتودعها , بعد نصف ساعة نزلت كوري من غرفتها بثياب داكنة تتلائم مع مزاجها ذلك النهار , وتوجهت الى المطبخ مستعدة للبكاء , واذ بأيلين تواجهها بغضب:
" أنا أعتقد أشياء كثيرة عنك يا كوري , ولكنني لم أعتقد يوما أنك جبانة".
" جبانة؟".
" هذه أنت أن جعلت تلك المرأة تجرك الى مغادرة البيت ".
" وما الذي يجعلك تعتقدين أنني سأغادر البيت بسببها".
" لأنني أعرفها جيدا منذ زمن بعيد , أنها تلاحق غريغ منذ مقتل شقيقه وهي ما تزال تريده لنفسها ".
وتابعت بحدة:
" مهما أخبرتك بالأمس أشياء جعلتك تقررين السفر , تأكدي أن كل ما قالته هو بالتأكيد كذب بكذب ".
" أنت لا تفهمين يا أيلين, ثمة أشياء...".
" أنا أفهم ما يكفيني أن أعرف أن غريغ يحبك , وهو سيفاجأ برحيلك , سيحطم البيت لغيابك".
وغضبه ما عاد يهم , أنا وغريغ أرتكبنا جطأ".
" خطأ ؟ أي جطأ هذا الذي تتحدثين عنه؟ أنني أعرف غريغ جيداوأعرف أنه أسعد أنسان معك".
ووجدت كوري أنه من الملائم أن توقف الحوار في شكل من الأشكال فقالت:
" في كل حال ما بيني وبين غريغ لا يخصك , أنت تعملين هنا في البيت وليس في حياتنا الشخصية ".
وندمت فورا لأنها جرحت ايلين ومع ذلك فكرت أنه من الأفضل للجميع أن تغادر البيت في أجواء عداء لأنها لا تريد أن تعود أبدا.

زونار 22-06-09 05:31 PM

12- مواجهة ....... مواجهتان" هل تشعرين بتحسن يا أختي؟".
سألت دورين شقيقتها كوري , عندما دخلت أليها في غرفة النوم حاملة طبقا فيه طعام الفطور.
كوري نصف مغمضة, سألت عن الوقت:
" الساعة الحادية عشرة, جئت اليك قبل الآن ووجدت أنك غارقة في النوم , كيف حالك؟".
" أنا في خير".
مجيئها الى البيت , اليوم الفائت , بعد طيران مرهق من مزرعة مايسون , لم تواجه بأسئلة من شقيقتها وصهرها اللذين رحبا بها بحرارة , وأضافت كوري :
"شكرا لأنكما لم تسألاني عن سبب مجيئي , الليلة الفائتة".
" هل ترغبين في التحدث الآن ؟ لا تفعلي أن كنت غير مستعدة , أنا أتفهم".
" لا أستطيع أن أتحدث... الآن , ربما في وقت لاحق".
ربتت دورين على كتف شقيقتها ثم سكبت القهوة لكليهما , وقالت:
" أنت تحيبينه كثيرا يا كوري, أليس كذلك؟".
أغرورقت عينا كوري بالدموع وهي تهز رأسها بالأيجاب.
" أنا يجب أن أعترف أنني استغربت من تسرعك في الزواج , ولكن شعرت أنك أنت واثقة جدا مما تفعلين".
" كنت واثقة , ولكن الآن ... لم ينجح زواجنا".
" ما عاد يهتم بك؟".
" أرجوك يا دورين لنتحدث عن أي شيء آخر".
" حسنا ولكن بعد أن تبدأي بتناول الطعام".
وبدأت كوري تأكل وقالت دورين:
" في الحقيقة أنا عندي شيء آخر أريد التحدث عنه, كنت سأكتب لك عنه , أنا حامل يا عزيزتي".
" صحيح ؟ هذا خبر مفرح, لا بد أن هاورد سعيد جدا".
" نعم , هو كذلك , أنا كنت دائما غير متحمسة لفكرة أنجاب أطفال , كما تعلمين, ولكن أعتقد أن حماس هاورد جعلني أرضخ وأفرح للفكرة".
" ستكونين أما رائعة يا عزيزتي".
واقتربت من شقيقتها وقبلتها, وشعرت أن مشاكلها الشخصية أنزاحت قليلا من تفكيرها المباشر.
وقامت دورين قائلة:
" لا تستعجلي في القيام , خذي وقتك , أنا خارجة في عمل... وأعتقد أن بضعة أيام نوم لك ستفيدك".
وفيما دورين تغادر الغرفة, شعرت كورين بالفرح الممزوج ببعض الحسد لأمومة دورين المقبلة, لو هي وغريغ كانا زوجين طبيعيين لكانت الآن هي تبلغ دورين الخبر السعيد , وتساءلت: هل يمكن أن تثمر العلاقة الوحيدة مع غريغ؟
واذ بضجيج في الخارج ينهي الهدوء وصوت غريغ يتصاعد في غضب:
" في أي غرفة هي؟ أخبريني أو أكسر كل باب أمامي بحثا عنها".
" لا حاجة للخراب , تستطيع أن تفتح قبضات الأبواب".
ولا بد أنها دلته على باب كوري , اذ في لحظة واحدة فتح الباب بعنف ودخل مغلقا الباب بعنف أيضا , هجم نحو كوري وأزاح طبق الطعام من أمامها واضعا اياه جانبا".
" أنهضي".
أمرها غريغ وهو ينتزع عنها الغطاء وأمام تردد كوري ردد قائلا:
" أنهضي وقولي لي في وجهي أنك مغرمة بروجر".
ولكن من قبل أن يعطيها الوقت الكافي , رفعها من ذراعيها بيديه قائلا:
" أخبريني كم أنت مجنونة بحب روجر , دعيني أصدق".
وأضاف من دون أن تجد مجالا للرد:
"" هل تعتقدين أنني أبله لآخذ بحججك الواهية؟".
بعدما أرخى يديه عنها وجعلها تتمكن من الجلوس في سريرها , قال:
" الآن أخبريني الحقيقة وراء تركك للمزرعة".
شعرت بأن لا مجال أمامها الا البوح بالحقيقة أمام رجل شديد الثقة بنفسه , قالت وهي ترتعش:
" تركت لأنني ما عدت أحتمل العيش في بيت رجل كاذب".
" ومتى كذبت عليك؟".
" كذبت عندما لم تخبرني السبب الحقيقي وراء رغبتك الشديدة في حضانة بوبي".
" وما هو السبب الحقيقي في رأيك؟".
" أنه أبنك... أبنك أنت وماريزا".
وخيم الصمت على الأثنين وهما ينظران الى بعضهما بجمود , ولاحظت كوري أنحسار اللون من وجه غريغ , وأخيرا قال:
"ماريزا أخبرتك ذلك؟".
" نعم, هي أخبرتني, وكذلك أنك أردت شقيقك أن يرحل لأنك تريد بوبي".
قامت من السرير لتقف أمام طاولة الزينة محاولة عدم النظر الى غريغ وهي تقول:
" لا حدود لما يمكن أن تفعله من أجل الحصول على بوبي , حتى في الأدعاء بأنك تحبني , حتى في ذلك الكوخ معا فعلت كل شيء من أجل أن أبقى الى جانبك حتى دعوى الحضانة".
اقترب منها في سرعة , ولاحظت أنه كان يرفع يده عندما التفتت اليه وفي عينين يملؤهما الحقد قالت له:
" لماذا لا تنفي ذلك يا غريغ؟ ماريزا قالت أنك بالطبع ستنفي هذه الحقيقة".
" أذن بحث الموضوع لن يغير شيئا في رأيك؟".
" لن يغير شيئا".
وعادت تنظر الى طاولة الزينة والزجاجات عليها , وصرخت في داخلها : لماذا لم يحاول أن ينفي الخبر؟ لماذا لا تذهب وتتزوجها الآن؟ أنتما تستحقان بعضكما".
تحرك في اتجاه باب الغرفة وقال:
" أشكرك , ربما أفعل".
وخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء , وبعد دقائق وفيما كوري واقفة كالجماد , سمعت صوت محرك السيارة ينطلق ويبتعد .
فرمت بنفسها على السرير وهي تبكي وتردد : "آه يا غريغ".
دورين كانت تقرأ الجريدة عندما قالت لكوري:
" ماريزا مايسون ستعزف هذه الليلة في فانكوفر".
فأجابتها كوري التي مضى على وجودها نحو الشهرين:
" نعم , أعرف, سأذهب مع جويل الى الحفلة".
" وهل تعتقدين أنه من الملائم أن تذهبي ؟ أنها زوجة شقيق غريغ, أليست كذلك؟".
" نعم , أنها والدة بوبي, ألم أخبرك أنها حضرت الى المزرعة عندما كنت هناك؟ وكانت تعزف لنا في الأمسيات".
" هل حقا كانت تفعل ذلك؟ الخبر في الجريدة يقول: أنها بدأت جولة في شمال أميركا أنطلاقا من فانكوفر وأنها آخر جولة لها , سوف تتزوج مرة جديدة , ولكنها لا تقول أسم الرجل لأنه لم يتحرر بعد من زوجته , يا لهؤلاء الناس , يتزوجون ويطلقون ويتزوجون..".
ثم سألت " هل كنت تعلمين أن ماريزا مايسون ستتزوج؟".
" كلا , لم أعرف ذلك , مع أنني توقعت أن تفعل".
وقامت كوري منعا لمزيد من الحوار أضافة الى أنها بدأت عملا مؤقتا في التعليم في مدرسة خاصة للبنات وعليها أن تلتحق بعملها.
ولكن دورين عادت تسأل:
" هل غريغ هو الرجل الذي سوف تتزوجه؟".
" لا أعرف يا دورين , ربما , يجب أن أذهب".
وشعرت بالغصات تتلاحق في حلقها , وبدموعها تنهمر على وجهها , ولاحظت توقف أحدهم ناظرا بشفقة واهتمام, ولكنها لم تترك مجالا للشرح, بل أسرعت في اتجاه المدرسة , فقط تمنت لو غريغ عثر على حل لمشاكله منذ البداية , لما كان في حاجة لكوري... ولما كانت وقعت في حبه ولما كانت هي بائسة الآن.
منتديات ليلاس
منذ اللحظة التي جلست فيها ماريزا أمام البيانو في القاعة الضخمة شعرت كوري أنها تحلق بعيدا, المرأة هي ذاتها , حضورها القوي ذاته , القليل من السواد تحت العينين نتيجة التعب والسهر , ولكنها تبدو مرتاحة مطمئنة, هل السبب: المشروع الجديد في حياتها؟ جويل هندريكس أستاذ الرسم في مدرسة البنات حيث تعلم, اشترى بطاقتين في مقاعد أمامية له ولكوري , منها بدت معالم ماريزا واضحة تماما لهما, لم يعلَق جويل على شخصية العازفة , وكوري لم تقل شيئا عنها , وما جمع الأثنين هو حبهما للموسيقى الكلاسيكية.



وعندما سلطت الأضواء بعدما انتهت ماريزا من العزف في الوصلة الأولى لاحظت كوري أن جويل قال شيئا:



" عفوا , ماذا قلت؟ كنت مأخوذة بالموسيقى".



" قلت اذا كنت تحبين تناول القهوة معي في مقهى المسرح؟".



وقبل أن تجيب جاء موظف من المسرح حاملا في يده ورقة صغيرة مطوية وقال:



" سيدة مايسون؟ هذا لك"؟



أخذت كوري الورقة وقرأت:



" تعالي الى خلف الكواليس , من دون رفيقك.م".



وبقي الرجل الموظف ينتظر , ولما لاحظ تردد كوري قال:



" ليس عند السيدة وقت طويل , لأنها ستعزف الوصلة الثانية بعد استراحة قصيرة".



استغرب جويل الكلام الدائر وقال:



" تقصد ماريزا مايسون؟".



وتناول الورقة من يد كوري وقرأها حتى النهاية , بدا منزعجا , وسأل كوري:



" لم أعلم أنك تعرفينها , هل ثمة قرابة بينكما؟".



" نعم, انها زوجة شقيق زوجي".



وقامت تتبع الموظف قائلة:



" أعتذر يا جويل , ولكن عليَ أن أذهب".



كان وجه كوري عابسا وهي تتقدم نحو العالم الساحر خلف الكواليس , دخلت غرفة وثيرة حيث ماريزا تنتظرها ".



" شكرا لأنك حضرت الى الكواليس يا كوري , أنا أردت أن أراك الآن مخافة أن لا أتمكن من ذلك بعدما تنتهي الحفلة , وحتى الآن الوقت ضيق".



قالت ذلك وهي تنظر الى الباب كأنها تتوقع أحدا, هل ترا يكون غريغ مايسون؟



" وما الأمر الملح الذي جعلك تطلبين رؤيتي في منتصف الحفلة ؟".



سألت وهي تخاف أن يكون استدعاء ماريزا هو الأمعان في التشاوف واظهار أنتصارها ألأخير , ولكن ماريزا بدت حزينة ومنقبضة, فسألت كوري:



" أرجو أن لا يكون عندك خبر سيء , هل بوبي في خير؟".



" بوبي في خير , ولكن يفتقدك كثيرا , أرجوك أجلسي , أنا سعيدة لأنك حضرت الليلة, لم تكن عندي وسيلة أتصل فيها بك".



" كان بأمكانك أن تسألي غريغ".



" هذا صحيح , ولكنني فضلت أن لا يعرف غريغ عن رغبتي في مقابلتك, أنا أردت أن أابلك من أجل بوبي, أنا, كما تعرفين, لم أكن يوما أما ناجحة, ولأكن صادقة معك, بوبي لم يكن يعني لي أكثر من سبب لأرى غريغ من وقت لآخر".



"أنا لاحظت ذلك".

"أنا لا أملك هدوءك مع الأطفال , طريقتك في التصرف...".
" أنا معلمة, وقد تدربت على...".
" أنا لا أتحدث عن التدريب ... أنت عندك ملكة طبيعيىة في التعامل مع الأولاد".
وقامت من مكانها وهي تضيف:
" بوبي كان حزينا جدا, عندما غادرت البيت, ولم يتمكن لا غريغ ولا أنا من تعويض ذلك".
وكادت كوري تضحك من قهرها وهي تتساءل: ترى هل تعرض عليها ماريزا وظيفة العناية ببوبي أثناء غيابها مع غريغ في رحلة شهر العسل؟ وكأن ماريزا قرأت أفكارها , فقالت:
" لا بد أنك سمعت أن هذه آخر جولة موسيقية لي , وعن زواجي القريب, أن زواجي الأول لم يكن ناجحا , جون لم يكن قوي الشخصية, لم يكن يشبه غريغ , كنا نكون أسعد لو أظهر قليلا من السيطرة, الآن أعلم أنني كنت أحتاج الى رجل له أرادة صلبة".
ولماذا تخبرها كل ذلك؟ وهل اكتشفت في قلب غريغ حنانا جديدا؟ وتابعت ماريزا:
" الآن أنا تغيرت , فجأة شعرت أنني أريد أن أكون كل ما يمكن أن تكونه الزوجة , أريد أن أطبخ طعامه, أجعل بيته جميلا وهادئا في أنتظار عودته, حتى أريد أن أغسل جواربه... مع أن ذلك لن يكون ضروريا".
" طبعا لا , هو يدفع للناس ليقوموا بهذه الأعمال".
" ماذا قلت؟".
" لا شيء يا ماريزا , ما زلت لا أفهم لماذا طلبت مقابلتي , أن كنت تريدين تهنئتي لك بمشروع زواجك , فمبروك".
وقامت تريد أن تذهب , واذ بيد ماريزا تضغط على ذراع كوري .
" أنا لم أطلب منك أن تأتي الى هنا من أجل هذا السبب , أنا ....".
" أن الوقت ضيق ويجب أن أذهب".
" أنا لم أكن حسنة التعامل معك , وفي الحقيقة أنا كنت سيئة, أسأت اليك, وأريد أن أضع الأشياء في موضعها السليم أن أستطعت, لا أستطيع أن أتمتع بسعادتي الجديدة التي وجدتها , اذا لم أحاول أن...".
واذ بكلامها يقطعه نقر على الباب وحضور شخص قابلته ماريزا بالقول:
" يا حبيبي بكرت في الحضور, لم ننه كلامنا".
وهوى قلب كوري وهي تعتقد أن غريغ دخل الغرفة وعندما التفتت رأت رجلا أشقر في حوالي الأربعين من العمر , سمين , ولكن فيه ملامح نعومة خصوصا في نظراته لماريزا, قال:
" حان الوقت للوصلة الموسيقية الثانية يا حبيبتي".
" لا بأس , ولكن الآن تعال أعرفك الى كوري".
وضعت يدها تحت ذراعه وقالت:
" كوري, هذا فنسنت تارين الرجل الذي سوف أتزوجه , وهذه كوري, زوجة غريغ".
مدت يدها تسلم على الرجل , وهي تكاد لا تفهم ما يدور حولها.
" تصوري يا كوري , أنا وفنسنت نعرف بعضنا منذ سنوات , ولكن يبدو كأننا أكتشفنا عواطفنا اتجاه بعضنا مؤخرا".
نظر فنسنت الى ساعته , فتحركت كوري الى الخارج وتبعتها ماريزا وبقي الرجل بعيدا قليلا , فقالت كوري في صوت خافت:
" أنا أعتقدت ... أنك ستتزوجين.... غريغ".
وأجابتها ماريزا في صوت خافت أيضا :
" وماذا تعتقدين أنني أحاول أن أقول لك؟ غريغ يحبك أنت وليس أنا , هو جعل ذلك واضحا عندما عاد الى المزرعة من فانكوفر بعد مقابلتك".
" هل هو قال ذلك؟".
" ليس بالكلمات , ولكنني أعرف غريغ جيدا, كان غاضبا جدا لما قلته لك الى درج أنه طلب مني أن أحمل أغ**** وأرحل".
" وما الذي يجعلك تعتقدين أنه يحبني الآن".
" لأنه كان كالمجنون , ألا ترين أنه لو لم يكن يهتم بأمرك لما كان أهتم لما قلته لك".
وتابعت ماريزا بصوت هامس:
" جنونه , ثم فنسنت ساعداني على الشفاء من جنوني أنا , في كل حال لا تأخذي كلامي كما هو بل أذهبي وأعرفي بنفسك , على الأقل بوبي سيستقبلك بترحاب شديد".
" هل ربح غريغ دعوى الحضانة؟".
" أي دعوى هذه , أنا لم أكن أنوي اطلاقا التقدم بدعوى , كنت أعلم دائما أن بوبي موجود حيث يجب أن يكون ... مع غريغ...".
ثم ترددت قليلا قبل أن تقول:
" كوري, لم يكن صحيحا ما قلته لك عن أن ...".
واذ بفنسنت يقاطعها من بعيد بصوت حاسم لعودتها الى المسرح , وقبل أن تواجه الجمهور , قالت لكوري:
" أذهبي , حظا سعيدا ".
كوري بقيت جامدة في مكانها عندما جاء الموظف يريد أن يأخذها الى مكانها بين الجمهور , الا أنها لم ترغب في العودة , بل ناولته ورقة ليوصلها الى جويل كتبت فيها أعتذارها لأنها مضطرة أن تترك المكان.
وفي الهواء الطلق في الخارج, سحبت كوري نفسا عميقا , وأدركت أنه مهما كان صادقا أو كاذبا ما قالته ماريزا , فأن عليها هي أن تذهب لترى غريغ , وتخبره أنها تتفهمه.

زونار 22-06-09 05:32 PM

13_ الى الأبد
كوري في الطائرة الصغيرة الخاصة تحلَق فوق مزرعة مايسون , وعندما رأت المنزل الكبير على التلة بدأت تتصبب عرقا , هل صدقت ماريزا فقط لأنها تريد تصديق أن غريغ يحبها؟ وأنه قال الحقيقة عندما أبلغها في الكوخ أنه كان يريدها زوجة حقيقية منذ البداية؟ وهل التغيير الفجائي في شخصية ماريزا حقيقي أم أن تشجيعها كوري للذهاب الى المزرعة فيه خبث وهي تعلم أن غريغ سيرفضها؟ حارت كوري جوابا ولكنها أدركت أنها بعد لحظات ستعرف, وقبل أن تنزل الطائرة وتلمس الأرض , لاحظت سيارة اللاندروفر تتحرك من بين الأبنية في اتجاه المطار الصغير , هل يمكن أن يكون غريغ يسرع صوبها؟ أو هانك؟ ولكنه غريغ, بقبعته الكبيرة وكتفيه العريضين , ورجليه الطويلتين يقترب منها حيث وقف قرب الطائرة.
منتديات ليلاس
" كوري؟".
كلمته جاءت سؤاى ويقينا في الوقت ذاته , نبرة صوته أرسلت رعشة فرح في داخلها الى درجة أن صوتها جاء متعدد النبرات".
" مرحبا يا غريغ".
وكأنه لا يصدق أنه يراها, التفت الى قائد الطائرة مرحبا:
" مرحبا يا جيم, هل عندك وقت تنزل وتشرب قهوة؟".
" كلا, شكرا يا غريغ , سأتركك أنت وزوجتك تجتمعان في هدوء , فقط أحتاج الى مساعدة في أنزال حقائب زوجتك".
ونزل قائد الطائرة يفتح باب صندوق الشحن , واذ بغريغ يعود الى كوري ويسألها:
" هل ستبقين؟".
سؤاله الذي جاء خاليا من الحماس نزع كل فرحة عمرها لحظة رأته :
" أن أردتني أبقى".
" هذا يعتمد على سبب مجيئك".
قال ذلك بفم مشدود ومن دون أبتسامة , وعاد الى قائد الطائرة يساعده في الحقائب, هو لا يبدو سعيدا لرؤيتها . قبَلها على خدها في سرعة ربما من أجل أرضاء قائد الطائرة فقط , وفكرت أن تقول للرجلين أنها أخطأت في المجيء, وأنها تريد أن تعود في الطائرة الى وليمس ليك فورا , ولكنها قررت أن تبقى, أنها حضرت لتخبر غريغ أنها تتفهم كل مواقفه وتصرفاته, ومن ثم تطلب أن تعود في طائرة خاصة ثانية في وقت لاحق من النهار, شكرت قائد الطائرة , وتبعت غريغ الى سيارة اللاندروفر حيث وضع حقائبها قرب المقاعد الخلفية ثم مد يده يساعدها في الركوب, حيا جيم بتلويح يده ثم ركب خلف مقود السيارة , وأدار المحرك وسار في اتجاه البيت الكبير .
" غريغ , هل ... يمكن أن نتحدث قبل الوصول الى البيت؟".
" نستطيع أن نتحدث هناك , والد ايلين يموت وهي ذهبت لبضعة أيام".
"آه , أنا آسفة لوالد أيلين".
" هو رجل كبير عاش حياة طويلة , وهو أراد أن ينتهي منذ بعض الوقت".
وانتهى الحوار عند هذا الحد , وبقي الأثنان صامتين حتى وصلا الى البيت , وعندما نزلا من اللاندروفر قال غريغ:
" سأحضر حقائبك في وقت لاحق , لندخل البيت الآن".
هل قال ذلك لأنه توقع أن تعود من حيث أتت؟
دخلت البيت وأدركت أن مشاعرها تختلف عما كانت عندما دخلته أول مرة, أن كل شيء حولها تعرفه وتشعر بالأنتماء اليه , تنشقت رائحة السيكار في غرفة الجلوس , سألت:
" هل صرت تدخن في غرفة الجلوس؟ ما كنت تفعل ذلك في الماضي؟".
" كان عندي زوجة كنت لا أحب أن أزعجها".
خلع سترته ومد يده يساعدها في خلع سترتها أيضا , ويضعها جانبا , ثم ينحني ليشعل المدفأة , راقبته يفعل ذلك بمشاعر حب غمرتها , ولكن عادت تسرح بنظرها من النافذة صوب السهل وهي منحنية على البيانو.
" السهل يبدو الآن مختلفا عما كان عليه عندما...".
ولم تستطع أن تكمل جملتها اذ وجدت غريغ يقترب منها ويضع يده تحت ذراعها ويديرها صوبه لتنظر الى عينيه المحدقتين فيها ويقول:
" الآن أخبريني لماذا جئت يا كوري؟".
سأل بهدوء ثم سحب يده من ذراعها ووضعها في جيبه , قالت من دون أن تنظر في عينيه بل في قميصه:
" ألتقيت ب... ماريزا".
" آه؟ وماذا أخبرتك هذه المرة حتى عدت الى هنا؟ هل قالت أنني ما عدت قاتل أخي ولست والدا غير شرعي لأبني؟".
لاحظت في كلامه مرارة شديدة وفي عينيه غضبا.
" كلا, لم تقل لي هذا , بل قالت أنك ... تحبني".
لبضعة ثوان بقي جامدا , فقط عضلة في وجهه كانت تتحرك بعصبية , ثم ضحك وقال:
" وهل صدقت ذلك أيضا؟أنا لا أفهمك , أنت أمام ماريزا مثل لعبة تسيرها الخيطان, اذا أخبرتك أن القمر مصنوع من الجبنة تصدقينها. أليس :ذلك؟".
" كلا , هي كانت أخبرتني أن مقتل شقيقك لم يكن قضاء وقدرا , وأنا لم أصدقها".
" لم تصدقيها؟ هذا لم يكن أنطباعي عنك عندما جئت اليك في فانكوفر , بدا لي أنك حاكمتني وأدنتني سلفا من دون أن تسمعي وجهة نظري ولا حتى مرة واحدة".
" كنت مجروحة يا غريغ .... أعتقدت ... أنك استعملت عواطفي تجاهك ... استعملتني كلني... من أجل أهدافك الخاصة".
ونظرت اليه وهي تتابع بحب:
" أنا لم أصدق أنك أردت جون ميتا , أنا كنت متأكدة أنك لا ترتكب شيئا كهذا ".
" وماذا عن بوبي؟ هل جاء نتيجة حادث أيضا؟".
امتقع وجهها وهي تجيب:
" كلا, أنا لا أعتقد أنك وماريزا خططتما لذلك, ولكنني أفهم ماذا حدث , ولماذا لم ترغب أن تكون صادقا معي يا غريغ في هذا الموضوع بالذات , قليل من الناس يعرفون الحقيقة , الأفضل لبوبي من أن يكتشف من هو...".
" والده؟".
صمت قليلا ثم ... وكأن قنبلة قد أنفجرت , وضع يده على ذراعيها وهزها وهو يقول صارخا:
" اللعنة على تفسيراتك الخاطئة يا كوري , اللعنة عل رأيك بأهدافي الحقيقية , كيف يمكن أن تكوني ما زلت واقعة في الخطأ نفسه؟".
ثم توقف عن هزها ولاحظت الألم في عمق عينيه وهو يتابع بهدوء هذه المرة :
" لا شيء يسعدني مثل أعتبار بوبي ابني الشرعي, ولكنني لسوء الحظ لا مجال لذلك, أمه لم تكن يوما أكثر من زوجة أخي, هي أرادت العلاقة غير ذلك, منذ اللحظة التي حضرت الى هنا مع جون".
وابتعد الى المدفأة وتابع وهو ينظر الى ألسنة النار:
" جعلت حياته جحيما , جعلته يترك عمله كمهندس ويتبعها حول العالم, ويعرف عن كل علاقاتها الجانبية مع الرجال".
وضحك وهو ينظر الى السقف ويقول:
" المضحك أنها لم تكن المرأة التي تذهب بعيدا في هذه العلاقات الجانبية, كل ما كانت تفعله هو من أجل تعذيب جون , من هنا هو كان يعلم أنه الأب الحقيقي لبوبي".
وبدت كوري حزينة وانحسر اللون من وجهها , جلست على أقرب مقعد وقالت:
" ولماذا بقي الى جانبها؟".
" لأنه ... لأنه ... أحبها , أحبها في الطريقة الرومانسية ذاتها التي كنت تتحدثين عنها , الحب الذي يربط الرجل بسلاسل من حديد ولا يستطيع أن يراها الا بعدما يكون قد فات الأوان".
الآن فهمت , ولكن متأخرة جدا , لماذا غريغ كان يرفض الحب الرومانسي, وهي ساهمت في جعله يرفض أكثر وأكثر هذا الحب.
" هل أحببتني في تلك الطريقة لبعض الوقت يا غريغ؟".
وبعد صمت قصير قال موافقا:
"نعم, مثل أبله , جعلت نفسي أقع في فخ أقسمت مرارا أن لا أقع فيه, هذا كان قسمي لشقيقي عندما سقط بين ذراعيَ مضرجا بدمائه , ماريزا كانت تصرخ في تلك اللحظة...".
" ماريزا؟ هل كانت هناك؟".
" نعم, كانت هناك , هي خبيرة صيد , كانت تذهب مع والدها في رحلات صيد , عندما أطلقت النار ...".
ودلَ على الجرح في وجهه ثم تابع:
" الدب جاء اليَ أولا, ناداه جون ليبعده عني, أنقذ حياتي ولكنه خسر حياته , وقال لي وهو يفارق الحياة أن آخذ بوبي وأربيه هنا حيث هو نشأ , لم يكن يريد أن يذهب بوبي مع ماريزا حول العالم , يحطم حياته مثلما حطم هو حياته".
" أذن ماريزا هي التي أصابت جون؟".
" كان حادثا , أنا متأكد من ذلك, الرصاصة التي قتلت الدب أصابت جون أولا , كان حادثا غير مقصود".
وخيم الصمت على الأثنين , فقط أشتعال الحطب في المدفأة كان يمنع الهدوء الكامل , وأخيرا قامت كوري من مكانها وأقتربت من غريغ والدموع تملأ عينيها.
" غريغ, أنا آسفة , آسفة لجون, و ... ماريزا ... وكل شيء . والأكثر , أنا آسفة لأنني أسأت الحكم على الرجل الذي أحب كثيرا جدا , أنا لا أريد أن أتركك يا غريغ ... أريد أن أبقى معك الى الأبد . أن أكون زوجتك الحقيقية, والدة أولادك وبوبي, ولكنك أن أردتني أن أرحل فسأفعل ذلك".
لم يقل شيئا , لم ترى في عينيه ما رغبت أن ترى , نظرت الى الأرض واستدارت تريد أن تبتعد , فمد يده وعانقها وهو يقول:
" هل تنسحبين من ألتزام أعلنته؟ هل ستجعلين الهروب مني ومن ألتزاماتك عادة؟".
" كلا يا غريغ أبدا , لن أفعل ذلك ذلك أبدا".
" لأنه اذا فعلت, فأنني سأبحث عن طريقة أربطك فيها الى حدائد السرير كلما غادرت أنا البيت ".
شاركته الضحك قائلة:
" أنت ربطتني بسلاسل غير مادية يا حبيبي والى الأبد ".
" يا حبيبتي الى الأبد...".
تمت

زونار 22-06-09 05:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة safsaf313 (المشاركة 1990530)
واو زونار روايه اكتر من رائعه تسلم ايدك يا غالى دايما رواياتك زوقها عالى ومتتأخرش علينا فى التكمله بليز




مشكورة عزيزتى لك تحياتى وهى التكملة لعيونك اتمنى لك وللجميع قراءة ممتعة

ناعمة 22-06-09 09:47 PM

حييييييييل حلوة
تسلم اخوي انتظر البقيه :)

ناعمة 22-06-09 09:49 PM

الظاهر ان الصفحه ماكملت معاي واعتقدت انها ماكملت
العتب على الإتصال :$

تسلم اخوي

anysh 25-06-09 10:01 AM

يسعد ايامك روايه مرررة حلوة..

نور ^_^ سوريا 30-06-09 05:27 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً على الرواية الجميلة...دمت بود...اختك نور الوجود

raseel 03-07-09 08:12 AM


thanks a lot

زهرة الماس 08-12-09 12:17 AM

يسلمووووووووووووووووو00000زو00000000تحياتي لكي

قماري طيبة 01-01-10 08:17 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

hayam o 05-01-10 07:30 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك زوبار لك مني أجمل تحية .

الجبل الاخضر 09-01-10 03:33 PM

تسلم وننتظر جديدك

الحالمة دائما 21-01-10 12:03 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

سفيرة الاحزان 12-05-10 01:35 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الروح الهائمه 16-05-10 06:15 PM

شكراااااااااااااا
مرررررره الروااايه حلووه
يعطيك العافيه
ننتظر جديدك :D

ليلى3 26-07-10 03:48 PM

:0041:رواية رائعةوتستحق المتابعة.

بنوتهـ عسل 28-07-10 01:18 AM

يعطيك العافية ع الذوق الرائع في اختيار الروايات ،،

:flowers2:

شاهد 26-08-10 07:54 PM

يسلمو رواية روعة

بحيرة الدموع 01-10-10 07:12 PM

شكرا عاشت الايادي

صداقة للابد 02-10-10 03:21 AM

شكراعلى مجهودك الرائع
اتمنى لك التوفيق

فجر الكون 05-11-10 03:35 PM

روايه اكتر من رائعه تسلم ايدك

العنقاء الحزين 06-11-10 11:41 AM

جميلة جدا الرواية دي
فيها مواقف حلوة
انا متخيلة لو اتعملت فيلم
هيكون من أنجح الأفلام
ألف مليون شكر زونار ياقمر
وماتحرميناش من روايتك الممتعة

*mero* 25-11-10 05:01 PM

بصراحة من أجمل الروايات وانت رائعة شكرا لجهودك

هدىgb 14-12-10 02:55 AM

رووووعه روايه جميله جدا

يسلموووو على طرحها

ام الاولاد الثلاثه 18-12-10 05:25 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

ايمااان 20-12-10 01:21 AM

جميلة جدا الرواية

فيها مواقف حلوة


يسلمؤؤؤؤؤؤؤؤؤ

roro3344 06-02-11 08:18 PM

شكراااااااااااااااااااااااااااااااا

ساكنه 07-02-11 04:10 PM

:dancingmonkeyff8::mo2::dancingmonkeyff8::mo2:واااااااااااااااااااو مررررررررررة حماااااااااااااااااااااااس منتظرين التكملة ياعسل لك كل الود ودمتي لي في قلبي سكنة

ساكنه 07-02-11 07:19 PM

:mo2::mo2::mo2::mo2::friends:ههههههههههههههه رؤؤؤؤؤؤؤؤعة كاني معاهم اشوف ههههههههههههههمنتظرين الفصول التانية بلهفة تسلمين ياقمر على اختارك لرواية بجد مميزة لك كل الود ودمتي لي سكنة:flowers2:

ساكنه 08-02-11 10:32 AM

:rdd12zp1::f63::55::55::55::55::Welcome Pills4:الفشكر الك نهاية رؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤعة ودمتي لي سكنة

hamesha 03-10-11 12:39 AM

مشكورة كتتتتتتتتتير

ندى ندى 11-10-11 02:25 AM

قمة الروعه

انجلى 11-10-11 07:10 PM

الكلمات لاتستطيع ان تقول لكى كم هى رائعة والنهاية مفاجة جددددددددددددددددددددددددا شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااا:55::55::55::55::98y yyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy:

abeer_ana 26-10-11 08:08 PM

:8_4_134:شكراا على هالرواية فى زمن ضاعت فيه الرومانسية

نجلاء عبد الوهاب 27-08-12 08:49 PM

شكرا كتير الروايه حلوه كتيير
:110::110::110:
:363::363::363::363::363:
:1245456688zobj91845:1245456688zobj91845:1245456688zobj91845 :1245456688zobj91845
:rdd25hn7:

الملآك القاسي 28-08-12 12:24 PM

شكــــرياااااا يا غاليـــــــــــــــــــة

نهاد الخولى 09-09-12 09:29 PM

روايه روعه
تسلمى على المجهود

one star 09-05-13 07:12 AM

رد: 94-انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة (كاملة)
 
رااااائع تسلم ايدك يا قمر على الرواية

ام عبيده 18-05-13 06:05 PM

رد: 94-انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة (كاملة)
 
تجنن هالروايه تصوري مانظفت البيت بسببها يسلموووووو

مَلوكههْ 31-08-14 10:02 AM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
واو الروايه رووووووووووووووعه مشكورررررررره:peace:

jowayriya 20-09-15 03:15 AM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية شيقة

حنان محمد ابراهيم 26-10-15 08:13 PM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
الرواية جميلة جدا تسلم ايدك

نجلاء عبد الوهاب 28-11-15 08:03 PM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
حلوه كتيير
:55::55::55::55:
:0041::0041::0041:
:Supercool::Supercool:

نجلاء عبد الوهاب 16-02-22 10:44 PM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
:55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55::55: :55::55::55::55::55::55:

Moubel 19-02-22 05:51 PM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة شكرا لك

Maryam anas 14-06-22 03:35 PM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا القصه ررروعه

نجلاء عبد الوهاب 20-11-23 10:25 PM

رد: 94 - انين الساقية - اليزابيث غراهام - عبير القديمة ( كاملة )
 
:55::55::55::iU804754::iU804754::iU804754::congrats::congrat s::congrats::0041::0041::0041::welcome_pills3::welcome_pills 3::welcome_pills3:


الساعة الآن 03:40 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية