منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   أنثى العنكبوت للكاتبة قماشة العليان (https://www.liilas.com/vb3/t110272.html)

dali2000 04-05-09 03:30 PM

الجزء العاشر




أشرقت السعادة في بيتنا وانبثقت السحابة الغائمة عن مطر غزير اكتسح طريقه كل شئ حتى أحزننا... فوجئت حينما عدت ظهراً من المدرسة بحركة غير عادية في البيت... أخواتي متأنقون في ملبسهم تعيق من أعطافهم رائحة العطور... في المطبخ عدة أصناف من الطعام لم تحدث في بيتنا سوى في المناسبات... البيت مرتب نظيف يفوح برائحة البخور في أرجائه... همست لزوجة أبي مازحة:
- أم بدر... ماذا حدث؟ هل تزوج أبي مرة أخرى... أم ماذا؟
ابتسمت برقة وهي تقول:
- أليس في وجودي كفاية؟
ثم أردفت قائلة:
- أخوك خالد... لقد حضر من تبوك اليوم صباحاً...
صرخت فرحة:
- حقاً... هل حضر بمفرده... أم بصحبة عائلته... هل.. أين هو الآن؟
ضحكت زوجة أبي قائلة:
- رويدك... رويدك فأنا لا أستطيع الإجابة على جملة أسئلة... عموماً هو الآن يخلد للراحة... فقد حضر متعباً من رحلة طويلة بالسيارة مع بعض رفاقه كما أخبرنا بذلك...

رغم تعبي وجوعي الشديدين فقد صممت ألا أرتاح ولا أكل شيئاً حتى أراه أولاً.

صرخت فرحاً حين رأيته باتجاهي... ألقيت نفسي في أحضانه مبتهجة وأمطرته بوابل من الأسئلة عن زوجته وأولاده وعمله ومدينته الصغيرة وحتى جيرانه وأصدقائه... ضحك وهو يقول:
- أمهليني قليلاً حتى أتنفس.

تناولنا الغداء مع أبي في جو من السعادة والحبور... علمنا منه أنه سيمكث معنا يومين فقط ثم يعود إلى مدينته وعمله...

بعد الغداء وخلود أبي وزوجته للنوم جلست مع خالد نشرب الشاي ونتحدث... تحدثنا كثيراً في كل شئ وحكى لي عن زوجته وطفليه " عبد الرحمن وريان" والقادم الجديد الذي يأمل أن تكون بنتاً يسميها على اسمي...

لاحظت ارتجاف صوته وهو يحكي عن طفليه، خمنته الشوق لهما واللهفة على لعبهما وشقاوتهما... ثم تطرق إلى عمله ومشاكله مع زملائه ... ومدينته الرائعة الصغيرة ثم سألني أن أحضر لزيارتهم... كان سؤالاً غير جاد لأنه يعرف أبي وأنه لا يحق لي الخروج من بيت أبي إلا لبيت زوجي ومن ثم إلى القبر... أعتقد أنه يذكر جيداً تلك الزوبعة التي أثيرت منذ سنوات خلت، حينما دعتني شقيقتي بدرية لأنام في بيتها ليلة واحدة معها وأطفالها فقد كانت أرملة... يومها قامت الدنيا ولم تقعد ولم يترك أبي كلمة من قاموس الشتائم والكلمات النابية إلا وأطلقها على شقيقتي بدرية... أرغى وأزبد هدد وتوعد ثم حلف وأقسم ألا أخرج من البيت أبداً في حياته...

سألت "خالد" إذا كان يحمل صوراً لأطفاله... اهتزت رموش عينيه ثم اكتسى وجهه بحزن شديد... ارتجفت يداه وهو يخرج الصورة الوحيدة من حافظته الجلدية...

بهرتني البراءة المرسومة في الأحداق الصغيرة والجمال الطفولي المميز. كانا يجلسان على مقعد خشبي في حديقة جميلة... عرفت الأكبر عبد الرحمن فقد كان صورة طبق الأصل من خالد بعينيه الواسعتين وفمه الصغير ولونه الخمري بشعر أسود حريري... ريان كان يختلف عن شقيقه كثيراً، فقد كانت ملامحه دقيقة صغيرة وشعره فاتح اللون أجعد... ابتسمت برقه وأنا أقول:
- ريان يشبه والدته أليس كذلك؟
ضحك خالد قائلاً:
- أنت ذكية يا أحلام...
أجبته بابتسامة واسعة:
- أيهما تحب أكثر؟
فوجئت ... بل صعقت... التمعت عيناه بالدموع وبصوت ليس صوته قال:
- كما قالت أعرابية حينما سئلت يوماً: أي أطفالك أحب إليك؟ فأجابت: الصغير حتى يكبر والغائب حتى يعود والمريض حتى يشفى...
ازدادت دهشتي وأنا أساله...
- وهل لك غائب ليعود؟
قاطعني:
- بل لي مريض أتمني شفاءه...
صمت... وصمت هو أيضاً... لم يكن صمتنا متطابقاً أو متشابهاً أبداً...
صمت خالد لأنه بكى.. بكى بحرارة وألم ... بكاء الرجل الذي انهار أخيراً بعد مقاومة جلد... بكاء يأس وحيرة وضياع...

بكاء لمريض لا يرجى برؤه.. بكاء منبعث من نفس صدئة من أعماق مبعثرة. دموع غالية تخرج من نفس ممزقة، كالبترول يخرج من الصحراء الخاوية...

صمتي كان خوفاً أكثر منه تقديساً... رهبة تفوق الاحترام... هلعاً يعلو على أي كلام... هل هو السرطان المخيف؟ كلمات وشت بها عيناي الدامعتان لأرى في انهياره ألف نعم ونعم ... وعلى واحد من حبتّي قلبك، وضع الوحش رحاله؟! أيهما البراءة المخطوفة ببراثن المجهول... ترى من منهما يحلق طائر الموت على رأسه ويترقب لحظته الدانيه، هل هو الأسمر ذو الوجه الحبيب أم الآخر الشقي الأجعد الشعر؟ لهفي عليك يا أخي وهذا الحزن المرير يعتصر قلبك عصراً... لكن ... أما من شفاء... أما من دواء ولو كان في آخر الدنيا.. أما من أمل ولو بعيد ضئيل لطرد شبح هذا المرض القاتل وقمعه للأبد...

سألته وفي صوتي رجفة وفي عيني دمعة وفي قلبي انطلقت طيور الأحزان:
- خالد... بالتأكيد يوجد دواء... ليس هناك داء ليس له دواء...
ابتلع دموعه الكثير وأجابني بصوت مخنوق:
- إنه سرطان الدم يا أحلام... هذا المريض الوحشي الغادر... لقد أصيب به عبد الرحمن من أشهر مضت...
تعالت الشهقات داخلي... إذن هو عبد الرحمن ذو الوجه الأسمر الحبيب الطفل ذو السنوات الأربع وخيبات سنوات مقبلة لا ندري كم عددها...
تابع خالد بأسى:
- لقد انتابته حرارة مفاجئة، في البدء ظنناها حمى عابرة أو مرضاً طارئاً كغيره من الأمراض... احترنا واحتار معنا الأطباء حتى أدركنا تشخيص مرضه الحقيقي... ومنذ ذلك اليوم ونحن ندور في حلقة مفرغة من العلاج بدون جدوى...
ابتلعت غصة ألم وأنا أقول:
- بالتأكيد يوجد أمل ...
برقت عيناه... لا أدري أكان أملاً، أم دمعاً... ثم قال:
- هناك أمل ... ولكن في جراحه صعبة بالخارج تتكلف مبالغ طائلة...
قاطعته بفرحة:
- خالد... لايهم. أجمع نقوداً.. بع كل شئ لديك حتى ملابسك ... استدن... تسول .. المهم أن يشفى عبد الرحمن...
وأد فرحتي حين قال:
- أنا محدود الإمكانات يا أحلام... تعرفين بأنني قد بنيت نفسي بنفسي ولم يساعدني أحد... درست ... عملت ... تزوجت .. وقد خسرت الكثير في علاج ابني ... خسرت كثيراً لدرجة قد لا تصدقينها... أنت لا تعرفين أنني لا أملك بيتاً خاصاً بي وإنما أستأجر سنوياً بمبالغ كبيرة... لقد بعت يا أحلام ... بعت من أجل شفاء ابني كل ما أملكه حتى مجوهرات زوجتي القليلة وأشيائي الصغيرة ... استدنت.. كل أصدقائي أنا مدين لهم ولا أدري متى سأسدد هذه الديون وقد تسولت يا أحلام. نعم فقد وصل بي الأمر إلى التسول وعقد أحد الزملاء ندوة تبرع لأجلي... ماذا أفعل أكثر من ذلك؟ إن ابني يذبل أمامي ونهايته المرتقبة تقض مضجعي والأمل موجود، لكنه بعيد بعيد كبعد شطحات أحلامي عن واقعي التعس... وزوجتي حامل وبحاجة إلى كل رعاية ومساندة... ولا أدري كيف أتصرف؟
أطرقت والحزن يعتصرني ثم أجبته داعية:
- خالد أبي لن يتخلى عنك وسيساعدك حتماً... أنا واثقة من هذا ... نحن معك يا أخي في معركتك ضد هذا المرض الشرس وسينصرك الله حتماً... وأبي سيساعدك بكل ما يملك... فأنت ابنه وطفلك حفيده الذي يحمل اسمه...
أجاب خالد بوجوم:
- من أجل هذا أنا هنا يا أحلام... سأطلب من أبي المساعدة.

خفق قلبي بجنون وأنا أري خالد شقيقي ينتحي بأبي جانباً... وأسرعت كيلا أراهما ، أرى الانكسار في عيني أخي خالد، وربما الدهشة والألم في عيني أبي.. ترى هل يتقاعس أبي عن مساعدة خالد ابنه في ظرف كهذا ... ويحي كلا .. كلا ... يستحيل أن يرفض أبي إنقاذ حفيده من الموت كن أجل حفنة من النقود، وهو من يملك الموال الطائلة والعقارات في كل مكان من بلادنا الشاسعة... ولأول مرة أتساءل ... ترى ما علاقة أبي بأبنائه أو علاقته بخالد بالتحديد؟

إن علاقة أبي بنا جميعاً علاقة الملك برعيته... الحاكم بالمحكومين، ومن يتمرد عليه أو يخرج عن طاعته فقد انتهى من رعايته إلى الأبد... وهذا ما حدث من خالد من زمن ليس ببعيد.. فبعد أن عصفت المشاكل بيتنا وفقدنا الأمن والاطمئنان وأصبحنا نعاني الغربة في بيت ولدنا فيه تقدم أخي خالد لأبي يطلب منه أن يتم دراسته في كلية المعلمين بتبوك... غضب أبي واربد وجهه ثم رفض أن يدع أحداً من أولاده يغادره إلى أي مكان... تمسك خالد برأيه وصمم عليه مقنعاً أبي أنه سيجد راحته هناك مع صديقه الوحيد الذي رحل مع أهله إلى تلك المدينة... اعتصم في حجرته رافضاً الأكل والشرب ... ابتعد وانزوى حتى رضخ أبي لقراره، وقال له بغضب: اذهب إلى تلك المدينة كما أردت، لكن لا تنتظر مني أي مساعدة في أي شئ تطلبه ولو قرشاً واحداً... أتفهم؟ وقد فهم أخي ولم يعترض على شئ ، بل لم يهمه من أمر أبي شئ فسافر سعيداً مبتسماً آملاً مستقبلاً زاهراً بعيداً عن أبي وزوجته ومشاكل تغص بها قلوبنا الصغيرة... لكن أخباره المطمئنة بدأت تسكن حروق القلب وجروح النفس، فقد درس في كلية المعلمين ثم تخرج فيها معلما وتعين في المنطقة نفسها... ثم تزوج فتاة متعلمة من عائلة مرموقة ، وأنجب منها...

وقد لحق به شقيقي حمد بعد عامين من رحيله دون معارضة جدية من أبي، وشق هو الآخر طريقه، فدرس ثم عمل وتزوج... ولم يدر بخلدي أن شقيقي خالد ممكن أن يتعرض لمحنة قاسية كهذه المحنة التي تعصف به وتكاد تقضي عليه....

طال الوقت به وبأبي وأنا أتشبث بحلم وردي.... حلم الأبوة الحانية الذي يضم أولاده تحت جناحه مهما كانوا ومهما فعلوا... إن أبي لن يتأخر في موقف كهذا ولن يقسو ويتجبر، فهو أب ويعرف جيداً مشاعر الأب الملكوم المهدد بفقد أحد أبنائه... لكن أبي لم يشعر بفقد ندى، بل ألقاها في مستشفي الصحة النفسية دون مشاعر واستلمها جثة دون أن يطرف له رمش، وواراها الثرى بلا إحساس. حتى أمي لم يذرف دمعة واحدة على فقدها، بل لم يشعر بأنه فقد شيئاً ذا بال كأنما تعطل لديه جهاز التلفاز فاستبدله بآخر، فقد أحضر زوجته الأولي في نفس ليلة وفاة أمي دون أدني تأثر أو حزن!! ترى هل مثل هذا الرجل القاسي الجبار المتبلد الإحساس سيشعر بمصيبة فلذة كبده وسيسارع بمد يد العون له بكل ما يستطيعه من جهد وأموال، أم ... لا... لا .. أرجوك يا أبي.. أتوسل إليك ألا تخذل خالد وهو في قمة احتاجه لك... لا تخذل رجلاً إنساناً كسيراً ممزقاً أجبرته الدنيا على أن يمد يده لأي إنسان... لا تخذل رجلاً أغلقت دونه الأبواب سوى رحمة الله... لا تخذل بائساً ضاقت في وجهه السبل حتى ولو كان ابنك!! أبي أبتهل إليك ألا تتركه يصارع العالم بمفرده ويدخل حرباً غير متكافئة؟؟؟ هو والفقر وطفله المريض أحد طرفيها؟ وعلى الطرف الآخر مرض قاس لا يرحم. أ[ي إنك لو تخليت عنه في عز احتياجه لك فلن ينسي لك هذا طوال حياته ولن أنساه لك أنا أيضاً...
سمعت صرخة قوية آتية من جهة صالون الجلوس، حيث أبي وأخي خالد. انقبض قلبي بشدة وأنا أستشعر شراً ما قادماً. أسرعت لأجد خالد منكفئاً على وجهه بحالة انهيار تام وأبي يردد غاضباً:
- ما شاء الله هذه آخر تربيتي وتعبي... يقول لي أعطني ميراثي منذ الآن...
صرخت بهلع:
- هل صفعته يا أبي؟
- إنه يستحق أكثر... إنه يستحق القتل...
- إنه مهزوم يا أبي... هزمته الدنيا والظروف... وهو بحاجة إليك بحاجة إلى حنانك وعطفك ووقوفك إلى جواره ... إنه بأزمة يا أبي... إن ابنه يموت...
صرخ بحدة:
- فليموتا كلاهما... ما شأني أنا... فليرثني بعد أن أموت وليس وأنا على قيد الحياة...
- أبي إنه بحاجة إلى مبلغ بسيط لعلاج ابنه وسيرده إليك بإذن الله عندما يشفى عبد الرحمن...
هدر بقوة وهو يغادر المكان:
- ليس عندي نقود له ولا لابنه...
- أبي... أبي...
ثم التفت إلى خالد وهو يحاول النهوض بصعوبة... حزن الدنيا يرتسم على وجهه اليائس وعيناه دامعتان مقتولتان... إنسان مهزوم بكل ما تعني هذه الكلمة...

مد يده إليّ وهو يرتجف قائلاً:
- مع السلامة يا أحلام ... سلامي إلى بدرية وصالح، فلن أستطيع زيارتهما...
صرخت في وجهه..
- بل تستطيع... لا تيأس يا خالد زر أخوتك وسيساعدونك... لن يتأخروا عن المساعدة، وأنا سأرسل لك كل مدخراتي المالية وما أملكه... صدقني يا خالد سيشفى عبد الرحمن بإذن الله...

ابتسم بمرارة وهو يودعني خارجاً، ودموعه تحفر أخاديد من الأحزان داخلي وتخضر بذرة الحقد على أبي في نفسي لتنمو زهرة وأنا أراه يمرغ كرامة أولاده في الوحل حفنة من النقود... لقد خذلتني يا أبي!

dali2000 04-05-09 03:31 PM

الجزء الحادى عشر




أدرت قرص الهاتف بأصابع مرتجفة، وما إن وصلت لسادس رقم حتى وضعت السماعة مكانها... الساعة كانت تقترب من التاسعة وخمس دقائق مساء... تباً لي ... أين الشجاعة... أين القوة التي أستمدها من كرامتي كامرأة لا ترضى لأي كان أن يمسها بنظرة أو بكلمة؟ إن صمتي ليس له سوى معنى واحد أنني أطمع بالمزيد، وما المزيد إلا خدش لسمعتي كفتاة وإهانة لمكانتي كمعلمة محترمة... كلا... يجب أن أستجمع شجاعتي وألقنه درساً لن ينساه طوال حياته. نظرت للدفتر الوردي بحنق ثم أدرت قرص الهاتف للمرة العاشرة ربما ... جاءني صوت دافئ واثق يسألني من أكون ... تلجلجت بالكلام قبل أن أقول :
- لو سمحت أريد أن أحادث الأستاذ سعد عبد الله .
سمعت آهة ارتياح من الطرف الآخر قبل أن يقول :
- أهلاً ... أنا سعد ... من يتحدث ؟
اشتد غيظي وغضبي للثقة العالية في صوته ، وكأنني انسقت إليه ووقعت تحت سحره ... فقلت له بنبرة عالية :
- أنت تعتقد يا أستاذ سعد أن الفتيات متماثلات ... لكن لا أنا لست مثلهن .... أنا بنت ناس تربيت تربية عالية وأخلاقي فوق مستوى الشبهات ، لذلك أرجوك أن تحفظ أدبك معي وأن تلتزم بأدب الحوار ... لقد قبلت كتابك الأول لأنني كنت في حالة نفسية يرثى لها ، وكتبك الأخرى فوجئت بها رغم أن وضحى قد وعدتني أن تهديني إياها ... وذلك الشعر السخيف الذي أرسلته ماذا تقصد به ؟ والله لو وقع في يد أبي لمزقك إلى قطع صغيرة ... ثم الطامة الكبرى تعطيني موعداً على الهاتف ... يا إلهي ... من تظن نفسك ، وماذا تظن بي ؟ إنني لست فتاة عابثة ولا لاهية ... وأنت ماذا أقول عنك ... إنك بلا ضمير بلا إحساس أنت ... ألا تشعر ؟ ماذا لو حاول أحدهم التحرش بوضحى ماذا تفعل بالتأكيد ستقتله ... إذن لماذا تعاملني هكذا لماذا ؟
أجهشت بالبكاء رغماً عني ... جاءني صوته الدافئ كشمس تخترق الغيوم لتظهر ...
- كلا... لا تفهميني خطأ أرجوك... لست عابثاً بدوري ولا أتسلي... لي أخت وأعرف كيف أحترم بنات الناس... لكن هل تسمحين لي بأن أعبر لك عما في داخلي بصراحة تامة...
خفت بكائي شيئاً وأنا أستمع لكلماته... ثم غرقت في الصمت إزاء سؤاله، فلم بماذا أجبته... هل من الصواب أن أرد بلا فأجرح مشاعره بدون أن أعرف ماذا يريد قوله، أو أجيب بنعم فأبدو كالمتواطئة معه الراضية بكل شئ وأي شئ...
تابع قائلاً:
- آسف جداً يا آنسة ولا أعرف كيف أعبر لك عن عمق أسفي لجرح مشاعرك وكرامتك. لكن الحقيقة إن سمحت لي بإبدائها سوف تبين لك كل شئ وبأنني لا أقصد سوءاً من وراء ذلك.
قلت بصوت خافت:
- ماذا تريد أن تقول؟
علت نبرة الشجن في صوته وهو يقول:
- هل تصدقينني عندما أقول لك بأنني صعقت عندما رأيتك للمرة الأولى في بيتنا... لا أقول أحببتك من أول نظرة... كلا... فمشاعري أكبر من ذلك بكثير، كيف أعبر لك... كنت الفتاة التي أريدها إلي جواري طوال حياتي زوجة ورفيقة درب... صديقة وحبيبة... أماً لأطفالي وربة بيتي وأولاً وأخيراً ملهمتي التي لا أستغني عنها أبداً...
قاطعته بخجل:
- أرجوك!
تابع:
- بل أرجوك أنت... لا تظني بي السوء... فأنا لست من شباب المدن اللاهين العابثين... إنني قروي ابن البدو الذي لا يعرف
إلا الصدق والحقيقة وقد أحببتك وأردتك زوجة لي منذ أول لحظة رأيتك فيها...
صمت، وصمت بدوري... كان لصمتنا لغة أقوي من أي لغة في العالم... كنا لا نسمع سوى دقات قلوبنا وأصوات أنفاسنا اللاهبة...
همس:
- أحلام...
نبض قلبي بجنون وأنا أهتف:
- أرجوك... دعني الآن ... مع السلامة.
رد بصوت خافت وكأنما قد استنفد قواه...
- آسف مرة أخرى... مع السلامة...

ألقيت برأسي على الوسادة وجسدي كله يرتجف بعنف... ماذا حدث... وهل هذا ما أردته من مهاتفته... أن يسقيني حبه وعشقه وولهه كما تسقى الزهرة العطشى بالماء... أن يبث في أعماقي سمه الزعاف فلا يبقي ولا يذر... هاتفته لأقرعه وأشتمه وأصرفه عن طريقي بكرامة وكبرياء... فماذا حدث؟ وكيف أخطأت المهاتفة هدفها وأصبحت لقاء غرامياً وبذرة حب تلقى في أرض مهيأة لتنمو وتخضر... ويحي، إنه لم يطلب علاقة غرامية بلا هدف، أو لهواً ينذر بمأساة... بل أحبني وأرادني زوجة له على سنة الله ورسوله، وأنا... ألم شراييني وسار مع الدماء باتجاه القلب ليستوطن كل جزء به... إنني أشعر بصدق كلماته، بتلقائية بوحه، بدفء عباراته وهذا ما دك حصوني واقتحم قلاعي المشيدة، فبت بالعراء معرضة لأية عاصفة أو سحابة عابرة تقصف أجوائي... رباه ماذا دهاني وما الذي غير الدنيا في عيني فبدت أجمل والسماء أشد زرقة والنجوم أكثر لمعاناً؟ ما هذه الفرحة الغريبة الطارئة على عالمي؟ ما هذا الإحساس بالخفة والانتعاش الخدر والذهول وكأنني قد ابتلعت شريطاً كاملاً من الأقراص المهدئة...؟ غابت من ذاكرتي كل المآسي العالية، ودموعي التي ذرفتها لأجلها... لتبقي صورته الوحيدة في تلك الدار العتيقة عالقة بوجه ذاكرتي، تأبي الزوال وكلماته الناعمة تشنف آذاني كمعزوفة موسيقية رائعة أهدتني نوماً هادئاً قلما يتكرر مثله...

صباح السبت فوجئت بصباح تجلس إلى جواري في السيارة التي تقلنا إلى القرية. تبعثرت كلمات العزاء في جوفي، فلم أدر ماذا أقول لها ولا كيف أعبر لها عن ألمي وحزني لمصابها... بادرتني قائلة:
- لقد وجدت رقم هاتف أبي راشد مع إحدى زميلاتنا فهاتفته البارحة ليمر علي اليوم... لقد غبت عن المدرسة بما فيه الكفاية... أليس كذلك يا أحلام؟
ابتلعت ريقي بصعوبة باحثة عن كلمات رقيقة مواسية... لكنها تابعت قائلة:
- أتدرين يا أحلام... أن وفاة خطيبي عادل غريبة... فهل تعتقدين أنها عين شريرة عرقلت موضوع زواجي؟
قبل أن أتفوه بحرف أردفت برنة حزن دخيلة على صوتها:
- كان يجهز شقة الزوجية في ذلك اليوم المشؤوم... تقول أمه إنه كان يرتب غرفة النوم الجديدة ومعه عاملان وفجأة سقط على رأسه المكيف الذي لم يتم تثبيته جيداً... ونقل إلى المستشفي لكنه مات في الطريق. أليس هذا عجيباً؟!
فتحت فاهي لأنطق لكنها قاطعتني قائلة:
- الأعجب والأغرب من هذا ... أن والدته تعتبرني شؤماً ووجه نحس، فلم يمت إلا حينما خطبني! أحلام أليس هذا قدراً مكتوباً... أليس هذا قضاء الله وقدره... ما ذنبي أنا...؟ لقد انتظرت طويلاً طويلاً، وحينما فرحت خنقت فرحتي وقتلت داخلي... أتدرين أن ثوب زفافي الأبيض معلق في دولاب ثيابي أراه ليل نهار يسخر مني... يهزأ بي، يثبت لي أني لن أتزوج مدى الدهر...
ثم بكت صباح... مضت تنشج بصوت مسموع وشهقاتها تكاد تمزق صدرها اليائس... ثم خرج صوتي وأنا أقول:
- صباح... ما هذا ... ألست مؤمنة بالله... ما هذا اليأس والقنوط؟ مات خطيبك لأنه ليس من نصيبك... ونصيبك آت بلا ريب، فما زلت صغيرة وجميلة، كما أنك متعلمة ومئات يرغبون بالزواج منك...
قالت بصوت متهدج بالبكاء:
- إنني يائسة يا أحلام... يائسة وحزينة ومحطمة، ولا أري حولي سوى السواد... لا أمل في ماض ولا مستقبل ولا حاضر... إنني ..

وانهارت في بكاء حاد مرة أخرى لتجتمع عليها زميلات الدرب ما بين مواسية ومعزية... لا أدري لماذا دمعت عيناي أنا أيضاً؟ أكان تجاوباً مع دموع صباح ومشاطرة لأحزانها، أم حزناً آخر بدأ ينبثق من داخل أضلعي وقد دفنته الأحداث الأخيرة لكنها لم تمحه أبداً... خالد وقد ودعنا مثقلاً بالأحزان ومترعاً بالخيبة ومحملاً بالهزيمة عاد إلى ابنه المريض خالي الوفاض إلاً من حقد ومرارة وآلام لا توصف بعد أن ودعه والأمل يحلق به إلى أحلام ورؤى وأطياف رائعة من وهج المستقبل، لكن أباه قد خذله وأعاده بخفي حنين... الدموع عصية في عينيه والقلب تعصف به أحزان أقوى من القدرة على الاحتمال... أحزان الفشل والخيبة وضياع الحلم وفقدان الأمل... أحزان من يكتشف فجأة أن لأسوار العالية من حوله ليست سوى جدران هشة من زجاج تتحطم لأقل حركة فتصيب الشظايا نفوسنا بجروح لا دواء لها ولا شفاء... أحزان الخذلان المرير فيمن كنت تعلق عليه أكبر الآمال... أحزان العودة بأيد خاوية لطفل يموت وأم تنتظر على حافة الانهيار... أحزان الضعف والضآلة لقلة الحيلة وانعدام الرجاء...

لكن الأمل في الله كير، وقد بعثت إلية كل مدخراتي القليلة مع ما تملكة شقيقتي بدرية وما تبرع به صالح، مع اعتقادي بأنها غير كافية لكننا نطمح بالمشاركة بكل ما استطعنا لعل وعسى أن يقدر الله أمراً ويشفى هذا الصغير من أجل أبويه...

همست لي إحدى الزميلات:
- إن صباح منهارة تماماً... المفروض أن تحصل على إجازة حتى تنسي أو تسلو أو حتى تعود لحالتها الطبيعية..
التفت لأجد صباح تهتف غير مبالية بصوتها العالي الذي يصل إلى السائق أ[ي راشد:
- شئ غريب... بالتأكيد هي عين وأصابتني... مات... مات فجأة... وأنا .. لن أتزوج أبداً أبداً... وثوب العرس.. وجهازي الذي ابتعته من أفخم الأسواق...

تعاونا على إنزالها من السيارة إلى المدرسة وأجلسناها في حجرة المعلمات مع إحدى الزميلات، ثم جلسنا مع المديرة نتباحث في شأنها ، فقررت المديرة تحويلها للوحدة الصحية لتتمكن م الحصول على إجازة رسمية ترتاح فيها وتعود كما كانت، صباح المرحة المازحة المتفائلة دائما...

بعد أن اطمأنت على صباح ذهبت لإعطاء الطالبات درساً، وما إن كتبت عنوان الدرس حتى صرخت إحدى الطالبات:
- أبله... اليوم هو اختبار مادة القواعد...

ابتسمت وأنا أمسح ما كتبت على السبورة لأبدلها بكلمة اختبار... وقع نظري على وضحى وأنا أكتب أسئلة الاختبار للطالبات، اندفع الدم إلى وجهي وارتجفت أطرافي، تذكرت ذلك القابع في أعماقي... بل إنني ما نسيته لحظة واحدة، كلماته الدافئة لا تزال ترن بأذني، عاطفته الصادقة أيقظت حنيني الغافي، حبه الصريح فجر ينابيع مشاعري فتدفقت كسيل جارف لا يحده شئ... رباه إنني أحبه... أحبه بكل ما في هذه الكلمة من معنى... أحبه بصورته الرقيقة بصوته الواثق الحنون... بكلماته المعبرة الشجية وحتى بخطه الدقيق الأنيق... أحبه كما لم أحب بشراً في حياتي... وأحببت لأجله قريته النائية ومدرستي العتيقة، وبيتهم الطيني القديم، و سكان القرية، أيضاً طريقي اليومي إلى المدرسة... سبحان الله كم كنت أمقت هذا الطريق الوعر وأشعر بالخوف والوحشة حينما أصحو صباحاً، ثم أشعر بضيق في الصدر وغثيان شديد حينما أنضم لزميلاتي في السيارة وأمضي بقية الطريق في قلق لا يسرقني منه النوم كزميلاتي حتى عودتي إلى بيتنا مرة أخرى... لقد تبدلت الأحوال في لمح البصر فأصبحت أصحو دون منبه بنشاط وحيوية وبهجة وأركب السيارة مع زميلاتي بفرحة زاعقة كفرحة الطفل بنزهة في مدينة الملاهي وأغيب في نشوة الطريق حتى نصل للقرية الحلم فيدق قلبي بجنون، وأرقب الطرقات البسيطة لعله يكون في أحدها سائراً... أتابع بعيني المارة لعله يكون بينهم... أحدق في وجه شقيقته أمامي بحثاً عن ملامح حبيبة غائبة أو بالجوار... قالت وضحى باسمة:
- لقد انتهيت يا أبله من حل الاختبار...

أخذت منها لورقة لتنهال عليّ بقية الأوراق من باقي الطالبات . في نهاية اليوم وقبل أن تبدأ رحلة المغادرة اقتربت وضحى منني لتبلغني سلام والدتها وتعطيني وعاء صغيراً من السمن البلدي الذي تبرعت والدتها في صنعه...

في السيارة قلبت الوعاء في يدي لأفاجأ برسالة ملتصقة أسفل الوعاء... كانت أول رسالة حب أتلقاها في حياتي...

dali2000 04-05-09 03:33 PM

الجزء الثانى عشر



أول مرة في حياتي أركب طائرة... أشعر بأنني أحلق بين السماء والأرض بلا ثوابت أو رواس، أتعمق داخل السحب وتبتعد عني الأرض شيئاً فشيئاً حتى تغيب عن ناظري، فلا أرى سوى سماء زرقاء من مختلف الجهات وقطع ضخمة من السحب، ترى ه لمعنى هذا أنني قريبة من الله... أيكون دعائي وأنا على الأرض... إذن فلأدع وأتوسل إلى ربي أن يشفيني عبد الرحمن ابن أخي خالد ويزيح هذه الغمة من صدره... سألني شقيقي صالح الراكب بجواري في الطائرة وكأنه يقرأ أفكاري:
- هل تعتقدين أن عبد الرحمن سيشفى؟
تنهدت بقوة وأنا ألملم أطراف عباءتي السوداء...
- أرجو ذلك... فلندع الله يا صالح أن يشفيه والله لا يخيب رجاء عبد إذا دعاء.
بسمل صالح وتمتم بمناجاة طويلة لم أسمعها ثم غرق كل منا في أفكاره....

تداعت ذكرياتي القريبة حينما هاتفني خالد قبل ليال. سألته بلهفة إذا قد استطاع تدبير السفر إلى الخارج لأجراء الجراحة لابنه عبد الرحمن... أجابني بصوت يخيم عليه اليأس والقنوط:
- أحلام أنا بحاجة إليك، بل في أمس الحاجة لوجودك إلى جوراي، فبعد الرحمن في حالة صحية حرجة جداً ولم أتمكن من تدبير المبلغ اللازم للسفر.. زوجتي أيضاً مريضة وترقد الآن في المستشفي، فهي حامل بالشهر الثامن كما تعلمين، لكنها تعاني من نزيف حاد وهبوط في الضغط وحالتها حرجة أيضاً فهي تعلم حال جيداً وتعلم أنه يموت...
صرخت هلعاً:
- لا يا خالد... لا تقل هذا... إن عبد الرحمن سيعيش عمراً مديداً بفضل الله ورحمته فلا تتشاءم يا أخي رجاء...
أجابني بهدوء:
- إنك رقيقة يا أحلام، وتحاولين تجميل الحقائق، لكننا نعلم جيداً أنه لا أمل... أحلام هل تستطيعين أن تحضري إلى تبوك وتمكثي لفترة بسيطة حتى تتحسن الأحوال أو يأخذ الله أمانته..؟
امتلأ قلبي بالأحزان فلم أعرف بماذا أجيب... أردف خالد قائلاً:
- أعرف أن أبي سيعارض مجيئك لكن هل ستحاولين...؟ لا أحد إلى جوارنا هنا، فزوجتي ليس لها شقيقات، وأمها متوفاة كأمي ولا صداقات قوية تتيح لنا أن نثقل على الآخرين...إنني وحدي في البيت مع الأطفال وإجازتي التي أخذتها من مدير المدرسة قاربت على الانتهاء وأنا مضطر أن أعود خلال أسبوع...
حاولت إخفاء نبرة الحزن من صوتي وأنا أقول:
- عموماً الإجارة الصيفية على الأبواب... أسبوعان على الأكثر وتبدأ الإجازة... خالد أعدك بأنني سأحاول مع أبى ولن يرفض مساعدة إنسانية كهذه...
أحسست به يبتسم في سخرية على الطرف الآخر لكنني تابعت:
- لن أتأخر يا خالد في مساعدة بسيطة، سأحاول بكل جهودي...
قامت زوبعة في البيت ليس لها أول ولا آخر منذ أخبرت أبي بطلب أخي خالد... انتفخت أوداجه وبرزت رقبته نافرة جلية وهو يصرخ:
- أنت فتاة... ألا تعلمين ما معني فتاة... يعني أي شئ يخدشك ويقضي على سمعتك وسمعة أهلك...
- لكنني يا أبي سأذهب عند أخي وليس عند أحد غريب...
- ولو .. أي مكان تغادرين فيه بيت أهلك هو خطر عليك وأي خطر... لن تخرجي من هذا البيت إلا لبيت زوجك، وليتصرف خالد كما كان يتصرف دائما بدوننا... ألم يشعر بالحاجة إلينا سوى الآن... الآن فقط...
- إننا أهله يا أبي... لمن يلجأ إذا لم يلجأ الابن إلى أهله... فالظفر لا يخرج من اللحم...
- إنسي هذا الموضوع واغربي عن وجهي وإلا حرمتك من التدريس...

انكفأت أبكي بحرارة وأنا أتصور خالد يواجه الدنيا بمفرده، بلا أب ولا أم ولا أخوة وكأنه يتيم لا حول له ولا قوة... أتق الله يا أبي وقف إلى جوار ابنك ولو مرة واحدة في حياتك ليذكروها لك بعد الممات...

لقد رفضت مساعدته وهو في أحلك الأوقات وأتعس الظروف وقبضت يدك عنه وأدرت ظهرك له... لا تقض عليه يا أبي بهذه الضربة القاصمة بأن تمنع أخوته من مساعدته، فلن يضيرك في شئ أن سافرت له ووقفت إلى جواره في مأساته المزدوجة باسمك وتحت رعايتك... وتأكد أنني شريفة طاهرة سأحفظك في أي مكان أحل فيه فوق أي أرض وتحت أي سماء فلا تخذلني يا أبي..

عجزت عن النطق بحرف مما يدور في أعماقي ومضيت أنهنه في بكاء خافت يحمل عجزي وضعفي ويأسي... حتى تدخلت زوجة أبي... سمعتها تناقشه وتقنعه ثم تقترح أن يرافقني أخي صالح في غدوي ورواحي... علا صوته في البداية حتى ملأ فضاء الحجرة من حولي ثم تضاءل شيئا فشيئاً حتى خفت، فترقبت قدومه ليعلن لي موافقته المشروطة... إنها ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها زوجة أبي لصالحي، فقد تدخلت مرات كثيرة أذكر منها حين رفض أبي تعييني في مدرسة بعيدة عن مدينتنا، فأقنعته حتى وافق... وقتها أيقنت بأن الأب لا يحب أولاده إلا إذا كان يحب والدتهم، وربما بل بالتأكيد أبي يحب زوجته...

جاءني بعد لحظات قائلاً:
- استعدي للسفر قريباً... لكن مع أخيك صالح ولمدة قصيرة فقط... أفهمت؟

مرت أيام قبل أن يستأذن صالح من عمله وأستأذن من مديرتي في إجازة اضطرارية قصيرة ثم نحلق في الطائرة...

سمعت صوت الميكرفون يعلن وصول الرحلة إلى تبوك... نزلنا مع أفواج المسافرين وأنا أقبض يد شقيقي بقوة شديدة وكأنه سيهرب مني...
لفحتني الأجواء الحارة بمجرد خروجي من جو الطائرة المكيف... إن الأجواء متشابهة في بلادي، لكن إحساس المرء قوي بما هو غريب عنه أكثر من القريب...

رأينا خالد في المطار... غصة ألم في حلقي شعرتها حينما اقترب منا، لقد نحل عوده وشحب وجهه وذبلت عيناه، بيد أن الألم الأكبر أحسست به حينما رأيت طفله عبد الرحمن في المستشفي... لم أشعر إلا بدموعي تجري حارة على خدي، لقد هالني مرآه لدرجة كبيرة... فقد كان كومة عظام ملقاة على سرير، لم يبق فيه سوى عينين سوداوين كبيرتين... خالد كان على حق... إن عبد الرحمن يموت لكن ببشاعة وبطء...

استقبلتني زوجة أخي خالد بنواح أفزعني رغم أنني توقعته... هي الأخرى ترقد على سرير المرض هزيلة ناحلة إلا من حزن كبير تشي به عيناها... رباه ألهذا الحد تنهار الأسرة وتتحطم... رباه إنني ابتهل إليك أن تشفي عبد الرحمن لتعود أسرة أخي كما كانت وتعود الابتسامة إليهم من جديد... لكن أحقاً كنت أمل؟ أكان لدي رجاء بأن تحدث معجزة في هذا الحطام البشري؟ لكنه يحيي العظام وهي رميم وهو قادر على كل شئ سبحانه... الوحيد الذي كان لاهيا مبتسما غير عابئ بشي هو ريان.... إنه لا يدري بالمأساة المروعة التي تحيط بالأسرة... لا يدري شيئا عن نعيق البوم وعن طيور الموت القادمة لتخطف شقيقة. أحسست بألم شديد يعصف بكياني... لماذا بخلت عليه يا أبي بحفنة من النقود لينقذ حياة ابنه أو حتى ليلقيها في البحر أو ليحرقها إن شاء، فمهما يكن من أمر تكون قد فعلت ما يجب على أي أب أن يفعله وضميره مرتاح... لكن ما فعلته يا أبي يخالف كل الشرائع والقوانين وسنن الحياة وضمائر البشر... لقد قتلت ابنك مرتين... مرة برفضك مساعدته والمرة الأخرى بتنكرك لإحساس الأبوة داخلك وكأنه ليس ابنك ولست أباه...

حادثت شقيقتي بدرية عبر الهاتف وأنا أبكي... وما لا تعبر عنه الكلمات ولا تفي به العبارات أحسست به بدرية بأعماقها تدعمه قوة الترابط بيننا. همست لي بأن أتماسك ولا أنهار أمام خالد حتى لا يفقد هو الآخر رباطة جأشه، أوصتني أن أدعمه بالأمل رغم غيابه وأبدد طائر الموت بالوهم والرجاء وأن أعين زوجته المحطمة على تقبل أعباء الحياة... ويحك يا بدرية إن ما تطلبينه منى هو المستحيل بعينه، كيف أبدو رزينة هادئة أمام براءة يغتالها وحش كاسر، أبوه يتمزق لوعة وأمه تتلوى حسرة وألماً... كيف أري الحياة وهي تسلب منه رويداً رويداً ولا أصرخ... أبكي... وانتحب بجنون... أعذريني يا أختاه فالموقف أكبر مني والوضع لا طاقة لي بالتجمل أمامه... لقد نسيت نفسي وقريتي وحبي الوليد... ضاعت قيمة الأشياء وازدادت تفاهتها أمام رهبة الموت القادم...

تحاملت على نفسي ومضيت أرفع من معنويات أخي وزوجته... فوجدت بي زوجته متنفساً لحزنها المكبوت، وعذابها الصارخ ودموعها الحبيسة، فبدأت شيئا فشيئا تتخفف من همومها وتتماثل للشفاء حتى استطاعت العودة إلى البيت على قدميها والصغير لم نملك إزاءه إلا الدموع وآيات من القرآن الكريم أتلوها عليه بصمت شفيف وعينين دامعتين...

حينما تخف وطأة المرض قليلا ينظر لي بعينيه الواسعتين ثم يبتسم بوداعة قائلا بصوت خافت:
- أريد أن ألعب بالكرة...
شئ ما يجثم على صدري.... خالد يختنق بالدمع فلا يجيب فأقول له ببشاشة:
- ستلعب بالكرة إن شاء الله قريباً....
- وريان...؟
- ريان سيلعب معك لكنك ستفوز عليه...
- لكنني متعب ورأسي يؤلمني...
- ستشفى إن شاء الله ولن يعود رأسك يؤلمك...
ثم أدير رأسي إلى الحائط وأبكي... أبكي بصمت وحسرة تجاوبني عيون أخوي خالد وصالح... يهتف خالد بمرارة وهو يضرب الحائط بقبضة يده:
- أشعر بالعجز الشديد... لماذا لم يساعدني أبي وهو يملك الأموال الطائلة... ما نفع أمواله إذا لم تسعد أولاده في حياتهم... تبا لها من أموال...
أتبادل وصالح نظرات صامته حائرة... يتابع بأسي:
- كان هناك أمل كبير بالشفاء بعد العملية الجراحية أخبرني الأطباء أن نسبة الشفاء عالية تصل إلى 90% لكن ماذا أفعل؟ لقد فعلت كل ما في وسعي ولم أستطع استكمال بقية المبلغ... إلهي إنني عاجز... عاجز...
وجلس على أرضية المستشفي الباردة يبكي بمرارة.

حادثنا أبي بضرورة العودة إلى الرياض، قال بأن الحاجة انتفت لوجودي، فقد خرجت زوجة خالد من المستشفي ولم يعد هناك مبرر لبقائي...

ودعتهم وأنا أتجلد وأقاوم كيلا أسفح الدموع كلأنهار... ثم مررنا بالصغيرة في المستشفي... كان يعيش نوبة قاسية من ارتفاع الحرارة الشديد وجسده يتفصد من العرق...

قبلته على جبينه قبلة انحدرت على أثرها الدموع لتبلل وجهه الحبيب وعينيه وفمه الصغير... انتزعني صالح من بين أحضان الطفل وهمس لي بأن أتجلد من أجل خالد الذي ينتظرنا بالخارج...
ودعنا خالد وقد بدا مذهولا ضائعا...

وفي الطائرة بكيت كثيرا لدرجة أنني لم أر الناس من حولي ولا المضيفات ولا أدري أين أجلس وبجوار من؟!

بعد وصولنا البيت بفترة قصيرة، رن جرس الهاتف... لا أدري لماذا شعرت بانقباض النفس... تناولت سماعة الهاتف وأنا أقاوم غثياني.... جاءني صوته.... خالد.... وكأنه قادم من عالم آخر... تماسكت بصعوبة كيلا أتهاوى سألته ونذير الشؤم يقترب أمام عيني....
- كيف حال عبد الرحمن؟
بصوت معدني بارد أجاب:
- لقد أنجبت طفلا...
قبل أن أبارك له، أردف قائلا بنبرات الصوت البارد القاتل:
- وأسميناه عبد الرحمن...
شهقت برعب وأنا أهتف...
- هل تعني ... تعني... أن...؟
- لقد مات عبد الرحمن منذ نصف ساعة فقط...
صرخت بلوعة وأنا أسقط في عالم من فراغ...

dali2000 04-05-09 03:34 PM

الجزء الثالث عشر




إلى أحلام
عيناك عيناك... ماذا أقول؟ فجر يضئ سمائي وبدء أفول...
عشقتك دهراً... أريد الحلول... حصوني دكت ليلي نهار وجبالي سهول...
أحلام...
أعذريني فلن تلجمي لسان محب فصيح عن التعبير... اعذريني إن أحرجتك أو جرحتك أو آلمتك بأية كلمة أو حركة أو عبارة... لكن المشاعر تمور في صدري، فلا أجد لها متنفساً سواك... أتدرين أنني أقف صباحا أراقبك حين قدومك إلى المدرسة وما إن أطمئن عليك حتى أعود راضيا إلى مدرستي... أتحسبين أنني لا أعرفك وأميزك من بين ألف فتاة أخرى... أنت مخطئة، فقلبي يدلني عليك أينما كنت وحيثما حللت...
أحلام... أشعر بأن حبي لك نادر الوجود، ليس مثل أي حب في هذا العالم...
إنه حب متفرد يسري مع الدماء ليأخذ بمجامع قلبي وعقلي وكياني... وهذا الحب نهايته الطبيعة هي الزواج فهل توافقين؟ هل تحلمين بي كما أحلم بك ليل نهار؟ هل تحبينني كحبي الأهوج لك؟ هل أنا فتى أحلامك مثلما أنت فتاة أحلامي... أنتظر ردك لأحضر على جناح السرعة خاطباً وأخطفك على الحصان الأبيض...
متى ستعرف كم أهواك يا أملا أبيع من أجلك الدنيا وما فيها لو تطلب في عينيك أسكبه أو تطلب الشمس في كفيك أرميها

أسير هواك
سعد
الرياض 9 مساء ت: 4776234 كل أربعاء

إلى أحلام ...
لا أدري لماذا أسطر لك هذه الكلمات... أهي رغبة في البوح أم هو احتياج للمشاركة، أم هي أخوة وصداقة لا أكثر... وأياً كان السبب فإنني أتألم... أتألم بكل ما في هذه الكلمة من معنى... في صحوي ومنامي، غدوي ورواحي، تطاردني عينان سوداوان لجسد ناحل أصفر... يغلبني إحساس المهانة والضعف بأنه كان في مقدوري عمل شئ ما لإنقاذ ولم أفعله... كان بإمكاني أن أبيع كليتي، أعضائي كلها واحداً واحداً.... نفسي حتى... لأنقذه من المصير المحتوم... كان يجب أن أفعل شيئا، أسرق أقتل ولا أتخلى عنه بهوان كما تخلى عني والدي... ما الفرق يا أحلام بيني وبين أبي... أحدنا باع ابنه من أجل حفنة نقود، والآخر باع ابنه لأنه ضعيف... كلانا أنذال جبناء... كلانا لا يستحق سوى الازدراء والمقت... لكن ماذا أفعل أكثر من ذلك... لقد ازدريت نفسي ومقتها وقتلتها حزنا وندما... ماذا أكثر؟
أتعرفين أنني أتحاشي النظر إلى عبد الرحمن الجديد... عبد الرحمن الصغير أشعر بأنه قد سلب أخاه روحه كما سلبه اسمه وسيسلبه حب أمه وأبيه وعطف شقيقه ريان، ومن ثم الاهتمام والرعاية ثم نسيان الراحل شيئا فشيئا حتى يهال على ذكراه التراب كما أهلناه على جسده ذات يوم...
أحلام ... سامحيني، إنها تداعيات أب ملكوم ونفثة من غليان تكاد تفجر صدري.

أخوك
خالد... أبو عبد الرحمن


خطابان قرأتهما في اليوم ذاته، الأول أقرأه للمرة الثالثة على التوالى، وتنتابني الأحاسيس نفسها و المشاعر الفياضة ذاتها.... إحساس غريب بأنني أحلق فوق السحب خفيفة منتشية أشعر بأنني مختلفة عن بقية البشر متفردة بذاتي، لي كينونتي الخاصة وأحلامي التي ليست كأحلام... إنني أحبه بالفعل وهو أول حب يتفتح عليه قلبي ويزهر، أحببت كل شئ فيه، شخصيته العبقرية التي تشفها كتبه بنبوغه، تميزه، وسامته وصوته أهفو إليها بك لكياني... صورة بيت الزوجية المقبل المملوء حبا ودفئا وحيوية وزوجا يأسرني بعاطفته وحنانه الدافئ وعينيه الآسرتين وأطفال كأزهار صغيرة يانعة...

تري هل يوافق أبي على زواجي من سعد؟ أم يحطم أحلامي كما فعل مع أشقائي من قبل... لكن سعد رجل لا يرفض أبداً... شاب متعلم مثقف طموح من عائلة مرموقة محترمة، فبأي مبرر يرفضه ويقضى على مستقبلي... كلا إنه لا يستطيع ولو حاول، فسعد لي وأنا له... ارتبطنا بخيوط لا مرئية تشابكت فيها أحلامي مع أحلامه، طموحي وطموحه، ورسمنا مستقبلا باسما نرغب في تحقيقه. لا يهم أن انتقل هو إلى مدينتي أو انتقلت إلى قريته البعيدة أو أقمنا خيمة في الصحراء هي عش الحب المأمول، ما يهمني أن نكون معا يدا بيد في أي مكان وزمان يجمعنا الحب والود ويدفعنا الطموح لتحقيق كل ما يمكن تحقيقه. سأهاتفه في موعده المرتقب ولن أخيب رجاءه لا لأبثه لواعج حبي بل لأطلب منه كفتاة محترمة تقدر وضعها جيدا وتحافظ على سمعتها أن يلج البيوت من أبوابها ولن يخيب رجاؤه أبدا بإذن الله...

بيد أن خطاب أخي خالد أحبطني ونشر في داخلي مشاعر الأسى والإحباط فتذكرت الصغير الراحل بعينيه السوداوين المتسائلتين وقبلتي الأخيرة التي اختطلت بالدموع على جبينه الملتهب... رجفة شديدة تسري في كياني وأنا أتصور ذلك الجسد الصغير تحت الثري.... هل كانت نقود أبي ستساعده وتمنع شبح الموت عنه... إنه مقدر ومكتوب ولا مفر منه لكن أبي بقسوة قلبه لم يدرك فائدة الأمل وبث الرجاء في نفوس من حوله وكسب أولاده إلى صفه بجزء تافه لا يذكر من النقود بالنسبة لثروة أبي الكبيرة... لكنه- سامحه الله- يتفنن في أبعاد أولاده وقتلهم واحدا بعد الآخر حتى صغاره من زوجته الثانية لم يشملهم بعطفه وحنانه سوي فيما ندر، وكأنه يخشي أن تضيع هيبته حينما يلاعبهم أو يضمهم إلى صدره... أخي خالد تجلد فأنت تعاني مرارة الخذلان أكثر منها مرارة الفقد... الإحساس البشع المريع بأنه لا حائط تتكئ عليه وأن ذلك الجبل الصامد في حقيقته ليس إلا بئراً جافة هاوية، فخاً أكثر منها نقطة حماية... لست الوحيد يا خالد الذي عاني خذلان أبي له فواقع أخوتك يشهد على ذلك... لا تيأس يا أخي الحبيب، فعزاؤك أننا دائما معك بقلوبنا وأرواحنا وكل ما نملك، وأحمد الله أنه عوضك بسرعة عن عبد الرحمن بعبد الرحمن آخر، وما أراده الله هو الخير دائماً، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم... قبّل عبد الرحمن بالنيابة عني وابعث لي صورة له وهو يبتسم... لا تيأس أخي فالدنيا قادمة.

بعثت له الرسالة ليجاوبني بعد أيام قليلة بصورة للصغير الذي كان لدهشتي صورة طبق الأصل من أخيه الراحل بعينيه الواسعتين وشعره الأسود الحريري، وحتى ابتسامته الرائعة، وقد كتب خلف الصورة إلى عمتي الحلوة... شكراً. فرحت بتخفف أخي من أحزانه رغم المرارات العالقة بوجدانه وانتظرت الساعة التاسعة من يوم الأربعاء بفارغ الصبر لأسمع الصوت الذي لا يفارقني دفئه، وقد استعددت استعداداً حقيقياً، كأنني سألتقي معه وليس مع صوته فقط، فارتديت ثوباً أبيض ناصعاً بلا أكمام وأطلقت شعري من أسره وقيوده، فتهادى على ظهري بفوضاوية محببة معلنا الفرح باستقبال حبيب العمر وزوج المستقبل. ما إن خرج أبي من البيت حتى اختطفت الهاتف وقلبي يدق في خوف... ثم أدخلته حجرتي وأغلقت الباب بالمفتاح...

انتظرت لحظات ليتوقف قلبي عن الخفقان ثم أدرت قرص الهاتف وشوقي يسبق الأرقام...
جاءني صوته مضخماً باللهفة:
- أحلام... أخيراً... لقد انتظرتك دهراً...
أغمضت عيني وكأنني أختزن صوته الرائع في ذاكرتي قبل أن أجيب:
- لقد انتظرت أبي حتى يخرج... رغم أنني أعرف أن ما أفعله هو الخطأ بعينه لكنني لا أدري لماذا أفعله... إنني لم أحادث رجلاً في حياتي، ولا أتصور تلك العلاقات القائمة بين الفتيات والشبان، فإنها في عرفي محرمة وممنوعة ومستحيلة أيضا...
- أحلام... أنت تعرفين جيداً بأنني لا ألهو ولا أعبث... إنني أحببتك لأتزوجك ... لا لأي غرض آخر... وقد أخبرت أمي بذلك ولا تتصوري مقدار سعادتها وفرحها، فقد أثنت عليك كثيراً وقالت إنني لن أجد أفضل منك جمالً وأخلاقاً وتديناً. حتى وضحى... إنها تحبك كثيراً يا أحلام... كلنا نحبك يا أحلام...
ضحكت على الرغم مني... وأنا أقول:
- نسيت أن أبارك لك نجاحها... ماذا تفعل وضحى بالعطلة الصيفية؟
خيّل لي أنه ابتسم قبل أن يقول:
- لا شئ... تقرأ أحياناً... تجتمع مع بنات الجيران أحياناً أخرى... ونادرا جدا آخذها معي الرياض وأمي بالطبع، كما أنا الآن ربما لا تدرين أنني أحادثك من بيتنا في الرياض، فنحن نملك عمارة كبيرة تتكون من 12 شقة...
أعطاني أبي هذا السكن لأتزوج فيه فيما بعد، لأنني أنوي جادا الاستقرار في الرياض.
ثم أردف قائلا:
- متى تريدين أن أتقدم لوالدك يا أحلام؟
تلعثمت وتلجلجت قبل أن أهتف:
- كلا... ليس الآن.. وقت آخر...
صاح بحزن:
- أحلام ... أشعر بأنك غير راغبة في الزواج مني... تحاولين التأجيل أو المماطلة... لماذا؟ هل هناك آخر؟
شهقت بفزع:
- أبدا أبدا... مستحيل... لا يوجد سواك في حياتي.. لكن...
ومر طيف عبد الرحمن الصغير بخيالي كما رأيته آخر مرة بعينيه السوداوين ووجهه الشاحب المودع... فتابعت بأسي:
- إننا نمر حالياً بظروف سيئة... لقد توفي ابن أخي منذ أيام وهو في حالة يرثى لها...
- أنا آسف... لم أكن أعلم... عموماً أحببت إبلاغك بأن هناك قصيدة ستنشر لي في جريدة الرياض... ربما بعد غد... أرجوك أقرأيها ، فهي موجهة إليك بالدرجة الأولى...
- حسنا أعدك بقراءتها.. وداعاً فأبي على وشك الحضور...
- إذن سأنتظر كل أربعاء في الموعد نفسه... ألن تعطيني رقم هاتفك؟
- بلى في المرة القادمة... وداعاً...

أعدت الهاتف إلى مكانه وحمدت الله أن أحدا لم يلحظ غيابي... ثم عدت إلى فراشي هائمة في عالم آخر لا يمت لعالمي بصلة... لقد أصبح هذا الرجل جزءاً لا يتجزأ من حياتي، بل أضاف معنى بريقاً لوجودي، فقبل أن أعرفه كانت حياتي عادية باهتة تكر كما حبات سبحة عتيقة... أو كالماء النقي بلا لون ولا رائحة ولا طعم... وبمجيئه تغيرت الأشياء وارتدت لون البهجة والفرح، تبدل الماء الصافي إلى ألوان وألوان وسلب شتى النكهات والروائح... غدوت أدرك معنى الحياة وسر السعادة والبهجة... إن الاهتمام بشخص ما معناه أن أدور في فلكه كقمر تحركه الأرض بجاذبية لا تقاوم وأستمد السعادة من وجوده وعطائه... سبحان الله... كانت حياتي السابقة كئيبة جافة بلا روح فأشرقت الأنوار بوجوده وبت أجد السعادة في أشياء صغيرة لم ألتفت إليها سابقاً حتى ابتسامة طفل من أخوتي تمدني بعاطفة حسبتني لا أملكها... لماذا صددته حينما عرض التقدم لخطبتي... أهو حقا من أجل أخي أخي خالد أم خوفا من أن يصده أبي وتوارى أحلامي الثرى... أردت أن أعطي نفسي مجالا أكبر للأمل.. فسحة أكبر للرجاء... أحلاماً أطول وأطول... ترى ماذا يكون موقفي لو رفضه أبي؟ هل سأقف في وجهه رافضة ساخطة معارضة أم سأنكس رأسي باستسلام مرير وأنسي كل شئ...؟ وهل أستطيع أن أنسي...؟ وهل مثل سعد ينسى....؟ إن أبي لن يرحم ضعفي ودموعي... لن يأبه لألمي وانكساري... لن يثنيه رجائي واسترحامي... إنه أبداً سادر في غيه ماض في حكمه دون النظر لأي اعتبارات أخرى حتى لو كان من يتكسر تحت قدميه هي قلوب أبنائه وليست أوراقا خريفية صفراء...

قلبي يؤلمني وأشعر بضغط شديد على صدري حتى أنني لا أقوى على التنفس حينما أتخيل أبي وهو يجهض حلمي الوحيد... أشعر أنني في حاجة لإنسان ما ... إنسان قريب حبيب أفضي إليه بما يقض مضجعي دون عقد ودون حياء.... فوجئت بنفسي أسرع لأجلب الهاتف... وفي لحظات أدرت رقم هاتف شقيقتي بدرية...
- أهلاً يا أحلام... هل أنت متعبة؟
- لا ... لا شئ...
- هل يؤلمك موت عبد الرحمن؟
- كثيرا.... كثيرا جداً....
وأجهشت بالبكاء... سمعت صوتها على الطرف الآخر رقيقاً مواسياً لا يحتمل آلاما أكثر... يكفيها ما تعانيه...
- شكراً يا بدرية... لقد ارتحت الآن...
- هل هناك شئ آخر يزعجك؟
- إنه مغص لا يلبث أن يزول....
أغلقت سماعة الهاتف ودموعي عالقة بالسماعة....

dali2000 04-05-09 03:36 PM

الجزء الرابع عشر



مرض أبي... نعم سقط الجبل الشامخ الصامد في نوبة حمى طويلة.... أحالته سهلا منخفضا منبسطا بلا ارتفاعات أو التواءات... سقط بلا حول ولا قوة كرضيع ما زال يتلمس خطواته الأولى عبر الآخرين...

ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي دخل فيه أبي البيت مرتبكاً مهزوزاً على غير العادة، سألته زوجته إذا كان يريد الغداء فوراً لكنه أبلغها بأنه متعب ورف كل شئ ودخل لينام، لتصرخ أم بدر بعد ساعات: أسرعي.. أسرعي يا أحلام إن أباك لا يفيق ولا يتحرك ولا يتكلم...

تجمدت في مكاني لحظات لأستوعب المفاجأة، ثم أسرعت ركضاً لجهاز الهاتف أطلب شقيقي صالح ليحضر طبيباً على وجه السرعة...

عايشنا قلقاً رهيباً واحتمالات مخيفة وتوجسات وأوهاماً حتى طلب الطبيب نقله فورا إلى المستشفى وطمأننا أنها حالة عارضة وستزول خلال أيام.

انتقلنا جميعاً إلى المستشفي ليرقد أبي على السرير الأبيض لمدة يومين عاد بعدها إلى البيت ناجيا من ذبحة صدرية كادت تخسره حياته، فقد اكتشف الأطباء أنه يعاني من ضيق في الشرايين التاجية يلزمه علاج دوائي طويل الأمد وراحة نفسية وجسدية...

وقفت بمحاذاة فراش أبي أغالب دموعي... فقد كان ضعيفاً... في منتهى الضعف والخوار... لم أره إلا قاسياً مستبداً يبطش بلا رحمة ويقبض عطفه حتى عن أقرب المقربين إليه... يغتال الدمعة ويجهض الفرحة.. أبي ليس أبي...

فقد تحول إلى إنسان آخر لا يمت لأبي بصلة... أبي الجديد إنسان كسير مهزوم لا يملك سوى دموع شفافة تترقرق بها عيناه كل حين... أثارتني المفارقة واستدرت عطفي ودموعي، فوقفت إزاءه مواسية... قال بصوت خافت متهافت:
- أحلام.. هل تهاتفين سعاد؟؟

فغرت فاهي دهشة... سعاد... يا إلهي ما الذي جعلها تخطر في باله بعد كل هذه السنوات الطويلة؟ سعاد المتهورة المندفعة التي تتحدث بلا تفكير وتعمل بلا عقل يحركها الجنون والطيش، سعاد الجميلة الجريئة ذات الابتسامة المميزة واشعر الأسود الغجري، سعاد التي أخرجتها يا أبي من مدرستها، ودفعت بها في زواج غير متكافئ من أجل خلافات تافهة مع زوجتك على كل شئ، أتذكر سعاد يا أبي بشقاوتها وعنادها وحركتها السريعة التي لا تهدأ، وكأنها تريد إنجاز كل شئ في وقت واحد، فيضيع الوقت ولا تنجز شيئاً أبدا، سعاد يا أبي فتاتك المميزة بكل شئ فيها، حتى جنونها المستعر وحرائقها الدائمة... لقد بكت طويلاً يا أبي ليلة أحضرت فيها زوجتك الجديدة إلى بيتنا.. بكت حتى تقرح جفناها من كثرة البكاء، ثم قالت كلمتها التي لم تحد عنها أبدا" لن أدع هذه المرأة تأخذ مكان امي في البيت بسهولة... لن أدعها ترتاح... إما هي في البيت وإما أنا". بالتأكيد كانت هي، وليست سعاد... هي بريئة يا أبي رغم شراستها، طيبة رغم جنونها، لم تكن تدري لسذاجتها أنك قد دفنتنا وقتما واريت أمي التراب، فمتنا معها في نظرك لتبدأ حياة جديدة وأولاداً جدداً... لم تكن تدري أنك لم تحب سوى نفسك، وأنك لا تتورع أن تبيع أبناءك من أجل راحتك وطمأنينة بالك...

لم تكن تدري أن خلافها الدائم مع زوجتك سيؤدي بها إلى هذا المصير... وأي مصير؟؟ إنه قتل بطئ متعمد مع سبق الإصرار والترصد... لقد حرمتها من الدراسة التي عشقتها ووهبت فيها وأحبت مجتمعها من صميم قلبها، ولم تكد تصحو من هذه اللطمة الموجعة حتى فاجأتها باللطمة التالية الأشد قسوة ومرارة لتموت سعاد واقفة!! ما زلت أذكر ذلك اليوم البعيد حينما قلت لها بصيغة الأمر: غداً زواجك فاستعدي...

كانت الصدمة قاتلة فلم تحر جواباً... المتكلمة كانت شقيقتي الراحلة ندى حينما سألت بذهول:
- ومن هو يا أبي؟!
قلت بلا اهتمام وأنت تدير ظهرك لنا:
- إنه رجل عاقل توفيت زوجته ويعيل أولاداً...
هتفت ندى بلا وعي...
- مثلك يا أبي...
فوجئنا بالصفعة المدوية التي هوت على صدغ ندى لتهتز لها دران البيت وتتحطم نفس ندى إلى الأبد ... عاد صوتك حاداً متحدياً من جديد:
- وماذا يعيبني.. ماذا في الأمر إذا كان مثلي... ألست بقادر عليكن؟ ألا أملك المال والجاه...؟
بكت ندى وتقوقعت سعاد وصرخت أعماقي... لا يا أبي الحياة ليست مالاً وجاهاً إنها أشياء أخرى... أشياء لا تشترى بالمال ولا تعوضها الجاه وإن كثر...

تركتها تتزوج يا أبي... خطفت شمعة الدار المتوهجة لتزفها إلى رجل في سنك لا يملك سوى المال وعقلية متحجرة وحفنه من الأولاد.... أي مستقبل باسم يعدها به هذا الرجل وأي قبر دفنتها فيه حية...؟ اقترن الشباب بالفناء، الربيع ببرودة الخريف، وفعلاً كما توقعنا أحاطها بأسوار وأغلال من الغيرة والشك والعذاب وخطفها إلى منفاه البعيد بلا أية صلات وكأنها زهرة ربيعية اقتلعت من جذورها إلى صحراء بلا ماء ولا غذاء... لقد اغتلتها يا أبي...
- أحلام ... أين سعاد؟؟
أعادني السؤال من غفوتي مع طيف سعاد التي تملك ما يفتقده الكثيرون من الجمال والشباب والصحة... أشفقت عليه فلم أجب... وبماذا أجيبك يا أبي؟ لقد بدأت في أبعادها عن محيطها فأكمل زوجها ما بدأته بكل همة ونشاط. إنني لا أعرف عنها يا أبي سوى أنها أنجبت ثلاث فتيات وولداً واحدا من زواجها ولا أدري عنها شيئا آخر...
جاءني صوت أبي فيه رجاء وإلحاح:
- أحلام... ابحثي عن سعاد بأية طريقة... يجب أن أراها قبل...

لا .. لا يا أبي لا تقلها. أنت لن تموت، لن تموت قبل أن ترى بعينيك ما فعلته بزهرات فؤادك، لن تموت قبل أن تتجرع كؤوس الندم والألم على أنانيتك وظلمك... إني لا أحقد عليك يا أبي ولا أتمنى لك الموت، بل إنني مشفقة عليك لكن رغبة قوية جامحة تجعلني أهفو إلى رؤيتك وأنت تحصد ما بذرت...

أن أرى دموع الندم تنسكب من عينيك ونشيد الغفران والتسامح ينطق به لسانك ولمسات التعاطف تشي بها يداك... فما حال أولادك أبتي وماذا جنيت عليهم؟

بدرية مع أطفال يتامي... وقضبان لا ترى، بدون بارقة أمل في مستقبل زاهر.. وصالح وحياة باهتة بلا طعم ولا لون يعيش فيها مجبراً خاضعاً كرجل يعيش على الهامش... وندى التى لم تعرف السعادة طوال حياتها وماتت غلية على يديك... ويعاد التي دفنتها مع رجل طاعن في السن دون وازع من ضمير، فعاشت محنطة في بيت لا تريده، كسلعة لا ترد ولا تستبدل... خالد الذي فر من بين أصابعك ليشكل مستقبله بنفسه تركت طفله يموت أمام عينيه وأعيننا دون أن تمد له يد المساعدة، رغم أنه لم يطلبها منك يوماً، لكنك كنت قاسيا متحجر القلب حينما أدرت ظهرك ليده الممدودة وقتلته ألف مرة قبل أن يموت ابنه الذي يحمل اسمك ويرجوك بعينين بريئتين أن تنقذه من حتفه... وحمد الذي غادرنا شابا يافعا هاربا من غربة تسكن خلايا جلده لائذا بأخيه من قسوة متعمدة للهروب القسري ولا ندري بعدها عنه شيئا سوى بعض الأخبار المتطايرة يتناقلها الرواة... ألم تلحظ أبي مواسم هجرة أولادك، اختيارا أو قسرا، هربا من القسوة أم تعطشا للحنان... لقد قتلتنا يا أبي وحان دورك لتتلقى الحصاد...

أسرعت إلى أخي صالح ليحاول البحث عن سعاد وإبلاغها بالحضور على وجه السرعة... و دونما استشارة أبي اتصلت بحمد وخالد للحضور...

اكتمل عقد الفل، واجتمع شمل العائلة الممزقة حول فراش الرجل الذي مزقهم وشتتهم ولم يسعدهم يوما... بدرية بوجهها الشاحب الذابل الذي أخذ يذوي شيئا فشيئا مع ذوبان شموع الأمل وانطفائها التدريجي... وحدتها القسرية أكسبت عينيها حدة لا تتناسب مع رقة ملامحها وقوامها فبدت أشبه بشبح أسطوري لا يرى منه سوى عينيه... سعاد الشقية... سعاد الجميلة... سعاد الجريئة وقد سحقتها أيام البؤس والتعاسة في ظل شبه رجل أذلها حتى النخاع، فتحولت الجرأة إلى جبن والشقاوة إلى جمود والمرح إلى عبوس، وتمزقت روحها الحلوة الشفافة تحت أقدام جاهلة بغيضة لا ترى من الحياة غير رنين الذهب... تعاودني شهقتنا المشتركة ونحن نحتضن بعضنا بعد غياب طويل قائلة لي:
- لقد أصبحت فتاة رائعة...
تحولت شهقتي إلى غصة بكاء وألم وأنا أحتضن جسدها النحيل المتهاوي... كبت دموعي الغزيرة لتنساب داخلي دون حساب ولم أصارحها بما يدور في خلدي من أنها قد أصبحت عجوزاً في الثلاثينات من عمرها حتى يخال إلى من يراخا بأنها تكبر شقيقتي بدرية بعشرة أعوام على الأقل.

صالح وعينان كسيرتان... بيأس متغلغل في الوجدان ضارب في جذور الذات لا يرى من الحياة سوى أن يأكل ويرى وينام ويربي أولاده بلا أحلام أو أمنيات أو فرح آت....

وخالد الذي جاء مرغما من أجلي بدموع حائرة في عينيه وحزن عميق مرتسم على وجهه البائس، همس لي بضحك كالبكاء:
- لقد كبر عبد الرحمن الصغير وبدا شبيهاً بأخيه الراحل بدرجة غير معقولة...
بعد أن أنهى كلماته البسيطة أدركت بأنه لم ولن ينسى وأن الجرح يملأ فؤاده ويفيض به...

لم يأت حمد وربما لن يأتي، فأبي لم يهتم به في حياته حتى يهتم هو به عند اقتراب النهاية...

ولكنها ليست النهاية كما اعتقد أبي واعتقدنا... فبعد يومين من اجتماعنا معاً، نهض أبي من فراشه صباحا وهو أكبر نشاطا وحيوية، ثم بدأت جحافل المرض تنهزم أمام قوة الإرادة ورغبة الحياة، فبدأ بتحسن شيئا فشيئا، فأمر الطبيب بتخفيض كمية الأدوية التي يتناولها يومياً والاكتفاء بدواء واحد يتناوله مدى الحياة، وبهذا خلع أبي رداء الضعف والمسكنة والحنان المزيف ليظهر على حقيقته مارداً جباراً لا يحنو ولا يلين... انسحب الأخوة تباعاً هرباً من المخالب التي بدأت تظهر مع عودة الصحة تدريجيا إليه... لم يتفوه بكلمة عزاء لخالد بل قال له بسخرية أصابتني في مقتل:
- هل تتفاءل باسم عبد الرحمن لدرجة أن تطلقه على طفلك الجديد وقد مات لك طفل بهذا الاسم من قبل... لا تسمّ أولادك باسمي.
غلالة رقيقة من الدمع غشت عيني خالد وهو يقول:
- انتهي الأمر يا أبي... والله كريم... لن يخيب رجاؤنا إن شاء الله...

ثم غادرنا غير آسف ليترك في قلبي غصة وألم ونهراً من الأحزان... ليأتي دور سعاد في الرحيل، تشبثت بها راجية أن تطيل المكوث لدينا فترة أخرى لأفاجأ بها تنخرط في بكاء مرير اهتز معه جسدها النحيل الصغير...
وقفت أتأملها برهة قبل أن أشاركها البكاء بكل تعاسة الدنيا التي اختزنتها داخلي سألتها ودموعي عالقة بأهدابي:
- ألست سعيدة في حياتك؟
أجابتني بعاصفة من الدموع... لأعيد لها السؤال بشكل آخر:
- مملكة أنت ملكتها الموتوجة وأطفال هم أولادك زهر قلبك. لا بد أن تكوني سعيدة حتى لو لم تتبادلي عاطفة صادقة مع زوجك...
بقيت الحجرة غارقة في صمت لا يقطعة سوى صوت شهقاتها الباكية، وكأنها لم تبك منذ أمد طويل... قلت لها مواسية:
- المهم أن تتفاءلي وتنظري للحياة بمنظار وردي حتى ولو كان زوجك طاعنا في السن، المهم أن تتعاونا على تربية الأطفال وتكونا سندا لبعضكما فى الحياة...
ردت أخيراً بزفرة حرى:
- إنه ليس معي يا أحلام... لقد رضيت به ولم يرض هو بي... تحملت من أجل أطفالي كل شئ، قسوته وبخله وجفاءه وتعذيبه لي، ورغم هذا أزاحني من حياته بقسوة ليتزوج بأخري ويهجرني...
قلت مندفعة:
- ألم تطلبي الطلاق يا سعاد؟
ردت بهدوء أنكرته فيها:
- ولمن أذهب بعد الطلاق... أبوك سيطردني بالطبع... وزوجي بعد الطلاق لن يبقيني في بيت دقيقه واحدة، فهو أبخل رجل في الوجود. إنه يستبقيني الآن لأنني أمثل له خادمة بدون أجر ومربية لأطفاله...
قاطعتها بحماس:
- كلا.. كلا يا سعاد إنها ليست حياة تلك التي تعيشينها، إنها موت بطئ يجب أن تثوري على أوضاعك وأن تتطلبي الطلاق، لتبدأي حياة جديدة مع رجل آخر يقدرك حق قدرك... سعاد...
همست ودموع جديدة تلوح في عينيها:
- أحلام .. أرجوك... دعيني أرحل بسلام...
عانقتها بحرارة وأنا أبكي...


الساعة الآن 10:16 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية