منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   182 - على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t150437.html)

نيو فراولة 27-10-10 12:38 PM

182 - على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
182- على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبير القديمة


الملخص


يقال أن الحب كالشمس يحرق وينير, وحب سيلفاتوري ديابولو كان ناراً عاشت ثلاثين عاماً لتصل الى روزاليا روسيني . انها النار المنتقمة أشعلها سلفاتوري في قلب روزاليا التي احبته بكل جوراحها ,ـلا ان الكراهية بين العائلتين تكونت قبل مولدهما والسعي للانتقام والثأر للشرف الرفيع سبق حبهما .
منتديات ليلاس
روزاليا الجميلة كيف تغسل الأهانة وتزيل الحقد وتهنأ بحبيبها, وصقلية موطن الثأر المتوارث عن الأجداد ؟ حبها قاتلها ؟ سعادتها سبب شقائها وحزنها؟ الحب يعني الحياة , أما حب روزاليا فيعني العيش على حد السيف والموت لأفراد العائلتين المتناحرتين. هل تقبل بحب ملطخ بالدم ؟ تسعد يقلب شمسه تحرقه ؟ انها تؤمن أن الحب غفران وايمانها هذا أقوى سلاح في هذه الحرب الشرسة .

نيو فراولة 27-10-10 12:40 PM

1- جدها الثري المستبد

أقتربت أبريل من أبنة خالها الهادئة , وقالت لها بأندفاع ندمت عليه فيما بعد :
" روزالبا! ما رأيك في الذهاب معي هذا العام ألى سيتا ديل مونتي ؟".
فتحت قريبتها عينيها بأستغراب بالغ لمجرد سماعها أقتراحا للقيام بشيء خارج عن النمط العادي المألوف في حياتها , وأجابتها بتلعثم واضح:
" لا.. شكرا يا أبريل! لا أقدر على ذلك!".
قالت السمراء الجذابة لنفسها أن آخر شخص تود أختياره لمرافقتها في رحلتها السنوية المرتقبة ألى صقلية هو قريبتها المحافظة ألى حد التطرف , والتي لا تعرف عن الحساة شيئا سوى عملها وبيتها , ومع ذلك , فقد حدقت بها وقالت لها بأنفعال :
" لم لا , أخبريني بربك , لم لا؟ أنت لا تذهبين ألى أي مكان ولا تفعلين أي شيء على الأطلاق , بأستثناء مساعدة والدتك في عملها والتقوقع في البيت ثم.....ثم أن الجد روسيني يتمنى عليك القيام بزيارته.
أنتظرت أبريل رد فعل روزالبا , وهي تشعر ضمنا بخجل شديد بسبب أسلوب الخداع الذي تستخدمه مع أبنة خالها ابريئة , فهي لا توجه أليها هذه الدعوة حبا بها أو رغبة في الترفيه عنها , ولكن لأن جدهما الثري المتسلط طالبها بها في العام السابق ....بلهجة حازمة وصارمة , تذكرت كلامه فيما كانت جالسة قربه على المقعد الخلفي في سيارته الفخمة التي يقودها سائقه ومرافقه الخاص كانا متوجهين آنذاك لتعود منه ألى عملها الممل في بلاد الضباب والمطر والبرد , تاركة وراءها حياة الترف والجاه والدفء , هل يليق بحفيدة الكونت بياترو روسيني ديل سيتا ديل مونتي ذي النفوذ الهائل والثروة الطائلة , أن تعيش في هذه البلدة البريطانية المتواضعة كأي فتاة عادية لا تحصل على لقمتها ألا بعد التعب والعذاب ؟ هل يعقل أن تنسى تلك الفيللا الجميلة على شاطىء باليرمو , وتلك القلعة التاريخية التي بناها مؤسس هذه العائلة العريقة منذ أجيال عدة على أعلى قمة في الجزيرة , ووسط مساحات شاسعة من البساتين والحقول الغنية بكافة أنواع الفاكهة والخضار؟ وماذا أيضا عن تلك المبالغ المذهلة التي ينفقها عليها جدها القاسي بدون حساب , وكذلك تلك الثياب الفخمة التي يطلبها لها من أشهر دور الأزياء العالمية ؟
منتديات ليلاس
قالت لها قبل وصولهما ألى المطار ببضع دقائق أنها تتوق ألى الأقامة معه بصورة نهائية ودائمة , ولكنه أبتسم بسخرية وتجاهل السؤال بشكل تام , كريم , سخي , ومستعد لغض النظر عن معظم الأخطاء السخيفة التي قد ترتكبها في حضوره وغيابه , نعم , ولكنه بالتأكيد ليس عاطفيا أو حنون القلب أطلاقا , أنها تعرف حق المعرفة أن جدها يتمتع بوجودها معه , ويتباهى كثيرا بحفيدته الرائعة الجمال أمام جميع أصدقائه وأقرانه , ولكنها تعرف أيضا أنه يجد لذة فائقة في أستخدام قوته ونفوذه معها , ويسعد ألى درجة كبيرة في أبقائها معلقة أمامه كتفاحة حمراء شهية ..... ألى أن يحين موعد قطافها ورميها على طائرة العودة! داعب المقبض المرصع بالجواهر الثمينة لعصاه الأثرية النادرة , وسألها فجأة بصوت ناعم يرهق الأعصاب:
" هل ترين أبنة خالك كثيرا , عندما تكونين في بريطانيا؟".
تذكرت أبريل الدهشة القوية التي شعرت بها في تلك الآونة وبخاصة لأنه لم يتحدث أبدا قبل ذلك عن حفيدته الأخرى , أجابته بلهجة هادئة ألى حد ما , وهي تحاول قدر الأمكان أخفاء حيرتها وأستغرابها :
" أزورها بين الحين والآخر , ولولا ذلك لما كانت هناك بيننا أي لقاءات تذكر , فهي لا تخرج أبدا من البيت ...... ويبدو أنها سعيدة جدا بمساعدة أمها طوال النهار في أعداد الحلويات وبيعها , وبمجالستها والتحدث معها في المساء , على أي حال , لم تهتم أي منهما أطلاقا بالحياة الأجتماعية وتبادل الزيارات .....حتى عندما كان خالي أنجيلة حيا يرزق".
لاحظت أبريل فورا مسحة الألم في ملامح وجهه القاسي , لمجرد سماعه أسم أبنه الراحل , ولأنه قرر على ما يبدو تحميلها مسؤولية ذلك الضعف الذي أظهره للحظة وجيزة , فقد قال لها بنبرة باردة تحمل في طياتها القساوة والعنف اللذين تعرفهما جيدا عن هذا الرجل :
" أريد رؤية أبنة خالك معك , عندما تأتين لزيارتي في العام المقبل , أذا تمكنت من تحقيق ذلك , فلن تذهب جهودك دون مكافأة".

نيو فراولة 27-10-10 12:42 PM

أفاقتها الخسارة المحتملة لأمور عدة من أحلام اليقظة , وأعادتها ألى عالم الواقع , شبه المظلم الذي تعيشه حاليا..... بالمقارنة مع الحياة المترفة التي تصبو أليها , فناشدت قريبتها الصامتة بالقول :
" روزالبا , أنت مدينة لجدنا بزيارة واحدة على الأقل , ألست , على أي حال , الطفل الوحيد لأبنه البكر .. والحفيدة الوحيدة التي تحمل أسمه ؟ ثم ...... ثم أنه لم يرك بعد أطلاقا , وقد أصبح المسكين ....".
توقفت أبريل عن متابعة كلامها , وهي تتظاهر بأنها غصت من الحسرة والألم , ثم تنهدت ومضت ألى القول , غير عابئة بكذبها وخداعها :
" تدفعه الشيخوخة والأمراض المتلاحقة ألى حافة قبره بسرعة ودون شفقة أو رحمة , وأمنيته الوحيدة في هذه الأيام هي أن يراك ولو لمرة واحدة قبل موته , كيف يمكنك حرمانه؟".
غطت أبريل وجهها بسرعة , وكأنها على وشك الأجهاش بالبكاء , وما أن أعادت يديها ألى مكانهما وفتحت عينيها الخضراوين الساحرتين ,حتى شاهدت ما كانت تتمناه وتتوقعه , رأت الحزن والأسى يخيمان في عيني قريبتها الزرقاوين , وملامح الألم والتأثر بادية بوضوح في نظراتها وعبر جبينها وحاجبيها , تنهدت روزالبا الطيبة القلب , وقالت لأبنة عمتها بصوت يوحي بمدى الصعوبة البالغة التي تجدها في التصدي لهذا الأبتزاز العاطفي الصريح :
" يحز في نفسي كثيرا أن أكون سببا في أيلام جدنا , وبخاصة في أواخر حياته , ولكنك تعرفين الظروف التي أدت ألى هذا الوضع المؤسف , يا أبريل , ولا داعي بالتالي لذكر تفاصيل السبب الذي يجعل من أحتمال زيارتي له أمرا مستحيلا , أنها مسألة أخلاص ووفاء أتجاه والدتي , وكذلك بالنسبة لذكرى والدي , رحمه الله".
تضايقت أبريل من رفض روزالبا القاطع , وذلك بالنظر ألى الآمال الكبيرة التي عقدتها على نجاح أسلوبها الذكي المقنع في حمل أبنة خالها على تعديل موقفها من جدها , ألا أنها أصرت على أبقاء لهجتها رقيقة وصوتها ناعما , عندما قالت لقريبتها وهي تتظاهر بالأبتسام:
" أوه! أنها قصة قديمة جدا وقد حان الوقت لطي صفحتها ألى الأبد ! ".
نظرت روزالبا ألى أبنة عمتها بشكل يوحي بالرثاء والشفقة , وقالت لها مؤنبة معاتبة :
" موقفك هذا بعيد كل البعد عن حدة الطباع التي يشتهر بها أهالي صقلية , وأنت تعرفين ذلك حق المعرفة".
أغتنمت أبريل فرصة الحديث عن الأصل والأنتماء , وقالت لها بزهو كأنها حققت أنتصارا معنويا بارزا :
" ولكنك نصف بريطانية ووالدتك بريطانية مئة في المئة , ولا يجوز لك بالتالي التمسك بهذا العذر أو تطبيقه , ألا تذكرين المشاجرات العديدة التي كانت تقوم بيننا في الماضي , والمحاضرات المطولة التي كانت تلقيها علينا أمك بعد كل منها , حول حسنات الغفران وتناسي الأحقاد..... والحاجة ألى أخذ آراء الآخرين بعين الأعتبار ؟ هل تحاولين األأيحاء الآن بأنني كنت واهمة ومخطئة تماما... في أقتناعي بأن والدتك تطبق كافة القيم والمبادىء التي علمتنا أياها؟".
كانت أبريل تعلم أنها ليست قادرة على أثارة أعصاب روزالبا الهادئة , بغض النظر عما تقوله لها , ولذلك , فأنها لم تشعر بأي دهشة أو أستغراب عندما سمعت قريبتها ترد عليها بصوت رقيق ناعم:
" لم تحدثني أمي أبدا عن أقربائنا في صقلية , كل ما أعرفه عن الموضوع هو أن نزاعا نشب بين أبي والجد روسيني , وأن والديّ تعرضا نتيجة لذلك ألى معاناة شديدة وعذاب لا يطاق , وبما أن أيا من أبي أو أمي لم يكشف لي قط أي تفاصيل عما جرى , فأنا بالتالي لست قادرة على البدء بتوزيع التهم جزافا أو ألقاء مسؤولية ما حدث على هذا الفريق أو ذاك".
صمتت روزالبا برهة , فلاحظت أبريل للمرة الأولى في حياتها ملامح الأنفة والأفتخار التي يتميز بها أفراد عائلة روسيني تبرز واضحة جلية في نظرات أبنة خالها وعلى وجهها وجبينها , وسمعتها تنهي جملتها بالقول :
" أذا قررت والدتي يوما أطلاعي على تفاصيل ما جرى , فسوف أكون متأكدة وواثقة عندئذ من أن كل كلمة تقولها ستكون الحقيقة..... كل الحقيقة ودون زيادة أو نقصان , فأنا لم أعرفها يوما ألا سيدة صادقة , أمينة , وعادلة حتى التطرف , ألا توافقينني على هذا القول؟".

نيو فراولة 27-10-10 12:44 PM

شعرت أبريل بتأثر بالغ وبخجل عميق لأنها حاولت التشكك ,ولو جزئيا أو هامشيا , بسيدة أحبتها وأحترمتها أثناء طفولتها ..... ألى درجة أنها كانت تمضي الساعات الطوال بأنتظار ظهور هالة القدسية فوق رأس زوجة خالها..... أو خالتها , كما تسميها وتناديها دائما , ومما زاد في تعلقها بهذه القريبة الطيبة الكريمة , أن أمها الأيطالية كانت ولا تزال تلقى من زوجة أخيها معاملة أنسانية ورقيقة للغاية كلما أستنجدت بها أو لجأت أليها ..... وكم كانت تلك المرات عديدة ومتلاحقة ! وهل يمكنها أن تنسى الجملة المأثورة , التي كانت ترددها والدتها مرارا كتعبير عن أمتنانها اللامتناهي لزوجة أخيها؟
" شكرا , شكرا , يا أغلى أنيتا في الدنيا , أنت ملاك لتتحملي أعبائي ومتاعبي , ولا أدري ماذا سيحل بي لولا وجودك أيتها الحبيبة ".
ومع أن روزالبا ورثت عن أمها الطباع الهادئة والتعقل والحنان , ألا أنها ليست بعيدة جدا عن التفاخر والعناد أياهما اللذين حالا دون رأب الصدع القائم بين أفراد عائلة روسيني , فأذا أرادت أبريل الحصول على تلك المكاسب والمكافآت المغرية التي علقها جدها أمامها , كما يعلق الطعام أمام عيني الحمار ليركض بسرعة وأندفاع نحو الهدف , فما عليها ألا أقناع أبنة خالها بمرافقتها ... ولو أضطرت لتحقيق ذلك ألى أستخدام كافة أنواع الكذب والأحتيال , وضعت يدها على كتف روزالبا ثم تنهدت وقالت لها مناشدة متوسلة:
" أتمنى أن تعيدي النظر في موقفك هذا , يا عزيزتي , فالأمر هام جدا بالنسبة ألي كشابة في مقتبل العمر ,ذلك أن رحلة القطار من هنا ألى لندن , وبخاصة عندما تكون الشابة وحدها , مملة وموحشة ........ ومخيفة أحيانا , فبعض الرجال يعتبرون الفتاة الوحيدة لقمة سائغة وفريسة سهلة , وفي كل عام تزيد الأمور سوءا عن الأعوام السابقة , قد أقرر ألغاء رحلتي هذه السنة , أن لم توافقي على الذهاب معي , فمجرد التفكير بالذهاب وحدي وأحتمالات تعرضي للأعتداء , وربما للقتل , يرهق أعصابي ويوترها بشكل غريب.
منتديات ليلاس
أخفت أبريل الأرتياح والسرور , عندما شهقت روزالبا وسألت أبنة عمتها بأنفعال ظاهر :
" لماذا تذهبين أذن؟".
أستخدمت أبريل جميع طاقاتها ومواهبها التمثيلية والأحتيالية لأقناع قريبتها بمرافقتها ألى صقلية , فقالت لها بصوت حزين جدا وعينين شبه دامعتين :
" أذا أختبرت يوما مثلي مدى سرور الجد روسيني وسعادته أثناء ترحيبه بي وملاقاته لي , لو شاهدت نظرات التفاؤل والفرح في عينيه كلما تطلع نحوي وتحدث معي , أو سمعت كلامه الرقيق العذب ألى أصدقائه عن أقدام حفيدته كل عام على القيام بهذه الرحلة المرهقة لا لشيء ألا لرؤية جدها العجوز والتخفيف مؤقتا عن عذاب وحدته وشيخوخته , أو رأيت الحزن والألم العميقين في عينيه المتعبتين كلما حان موعد ذهابي وشعرت بالآمال الضخمة التي يعلقها على أحتمال عودتي في السنة المقبلة. .... أذا حدثت معك هذه الأمور مرة واحدة , يا روزالبا , فصدقيني أنك لن تضطري أبدا بعدها ألى توجيه سؤال كهذا!".
أزداد تفاؤل أبريل بنجاح خطتها وأسلوبها , عندما شاهدت أبنة خالها تقطب حاجبيها وتغرق في التفكير والتحليل العميقين , فعدم الرفض الفوري والقاطع ,هو , بحد ذاته , خطوة كبيرة نحو الأنتصار , لم تحاول قطع الصمت المطبق الذي خيم عليهما فجأة , بل راحت تتأمل بهدوء وروية التبدل الواضح والمتلاحق في ملامح قريبتها الجميلة , كان التمنع في بداية الأمر سيد الموقف ,ثم تحول ألى تردد وعدم قدرة على أتخاذ القرار المناسب , ومنهما ألى صراع نفسي وتأثر وأنقباض .... ثم ألى أستسلام وقبول , فحتى روزالبا نفسها كانت تجهل أنها مؤمنة كليا وحتى التطرف بمبدأ الأخلاص للعائلة , الذي يوليه أبناء صقلية أهمية فائقة ويطبقونه دون تردد , وأنطلاقا من أيمانها بالروابط العائلية القوية , وخوفها مما قد يحدث لأبنة عمتها أثناء الرحلة الطويلة , رفعت روزالبا رأسها بتمهل وقالت :
" لن أعدك بشيء, يا أبريل , ولكنني سأتحدث مع أمي بصدد الشعور ذاته بالنسبة ألى موضوع الأخطار التي قد تتعرضين لها ,أذا سافرت بمفردك ".
رقصت أبريل فرحا وبهجة , وهي تتخيل الهدايا الثمينة التي سيغدقها عليها جدها , وقالت لروزالبا بسرور بالغ:
" أنه قرار عظيم! شكرا , شكرا , يا روزالبا , أذا تمكنت من أقناع والدتك على ذهابك معي , فلن تندمي على ذلك أطلاقا ... لا بل أنك ستتمتعين جدا بهذه الرحلة , بحيث أنك ستظلين ممتنة لي طوال حياتك!".

نيو فراولة 27-10-10 12:46 PM

هزت روزالبا رأسها , دونما أي تعليق على كلام أبريل , فهي لم تكن أصلا راغبة في السفر ألى الخارج , أو ألقاء ذلك الجد الذي لا يهمها أطلاقا... على الرغم من تأثيره السلبي والمؤلم على حياة والديها , أليس جدها الرجل الذي يكفي ذكر أسمه فقط أمام والدتها , حتى تتحول البشاشة شبه الدائمة في وجهها ألى عبوس ..... والفرح والسرور في عينيها ونظراتها ألى حزن وأسى ؟ ألم يتجاهل والدها وجوده بصورة تامة , ويتجاهل بسببه كل ما هو أيطالي من عادات وتقاليد ولغة ...... وحتى أطباق الطعام اليومية ؟
أنتظرت روزالبا حلول وقتها المفضل , لمفاتحة والدتها بموضوع الذهاب ألى صقلية , تناولت وأمها طعام العشاء الخفيف , ثم نظفتا المائدة وتوجهتها ألى قاعة الجلوس الصغيرة لشرب فنجان من القهوة , جلست روزالبا في مكانها المعتد .... في الزاوية الشرقية لتلك الغرفة الجميلة , التي أرادها والدها حصنا منيعا يحمي زوجته وأبنته الحبيبتين من قساوة العالم الخارجي وشروره , قالت لأمها , بعدما تأكد لها أنها أصبحت مرتاحة تماما :
" هل ستحزنين وتتألمين , يا أمي , أذا أقترحت أمر ذهابي مع أبريل في رحلتها المقبلة ألى صقلية؟".
أعادت الأم الهادئة فنجان القهوة ألى الطاولة , وقالت :
" لن أستخدم كلمة الحزن أو الألم لوصف رد فعلي على هذه الفكرة أو شعوري أتجاها , ولكنني قد أختار كلمة القلق.... لأنها تفسير أفضل وأقرب ألى الحقيقة.
" وأنا قلقة أيضا , يا أمي , فقد أخبرتني أبريل أنها تجد الرحلة في القطار من هنا ألى لندن مخيفة ومرعبة , ويبدو أنها تعرضت في أكثر من مناسبة لمضايقات مرعبة للغاية".
حاولت أمها الأبتسام , وهي تقول لها بلهجة هادئة نسبيا:
" وأنت تريدين مرافقتها , لتأمين الحماية الضرورية لها ؟".
أحمر وجه روزالبا خجلا , لدى سماعها ذلك الأستهزاء الذي لم تألفه من قبل , وقالت بشيء من التأثير :
" لا يا أمي , فأنا أعرف قدراتي الضعيفة في هذا المجال , ولكن ألا تعتقدين بأن أحتمالات تعرض أبريل ألى مضايقات الرجال الأشرار تكون أقل بكثير , عندما تسافر برفقة شخص آخر؟".
منتديات ليلاس
أغمضت السيدة روسيني عينيها , وهي تحاول تحديد مدى سذاجة أبنتها في هذا المجال , ثم سألتها بصراحة ودون مواربة :
"هل أستخدمت أبريل فعلا مسألة الخوف من السفر بمفردها , كسبب لحملك على مرافقتها؟".
ذهلت روزالبا لسماعها تلك السخرية غير المعهودة في كلام أمها , فأكتفت بهز رأسها , ولكنها أزدادت حيرة وأستغرابا , عندما مضت والدتها ألى القول بنبرة قوية :
"لا أصدق ذلك بتاتا ! فأبنة عمتك قادرة تماما على الأعتناء بنفسها , ولا يمكن بالتالي أن يكون السفر سببا حقيقيا لهذا الطلب , لا شك في أن لديها دافعا ما نجهل حقيقته , ولا أستغرب أطلاقا أن يكون جدك المحرض على هذه الدعوة ".
أبعدت الأم وجهها بسرعة هن أبنتها , ألا أنها لم تتمكن من أخفاء الدموع التي أنسابت على وجنتيها , أحست روزالبا بتأثير شديد , فجلست على الأرض ووضعت رأسها على ركبتي والدتها , قائلة بمحبة وأخلاص :
" آسفة! آسفة جدا! يا أمي! آخر شيء أريده في هذه الحياة هو أيلامك أو ألحاق الأذى بشعورك النبيل , أنسي الجد روسيني , وصقلية , وكل كلمة قلتها بهذا الخصوص , لن أذهب ألى صقلية أو ألى أي آخر , أذا كانت الفكرة تؤلمك وتحزنك!".
وضعت الأم يدها على رأس أبنتها بحنان ورقة , وقالت بصوت رقيق ناعم عادت أليه السكينة المعتادة :
" أهدأي يا صغيرتي الحبيبة , فأنا لم أتأثر بسبب فكرة ذهابك ألى صقلية , ولكن.... لأنني تذكرت والدك الطيب كنتيجة لذلك".
ثم أضافت بصوت يرتعش تحسرا , حتى على الرغم من محاولاتها الجاهدة للسيطرة عليه :
" مضى الآن عامان على وفاته , ومع ذلك.... ومع ذلك , فلوعة خسارته وألم فقدانه لا يزالان في ذروتهما وكأن الحادثة وقعت أمس أو اليوم ".
دمعت عينا روزالبا لدى سماعها كلام أمها عن أبيها المحب , وقالت متمتمة :
" هل كان سيوافق على ذهابي ألى صقلية ومقابلة جدي؟".
" لا , يا عزيزتي , وأعتقد أن الوقت قد حان لأطلاعك على سبب ذلك ".
شعرت روزالبا بأن ما ستسمعه من والدتها لن يكون مجرد أيضاح لمشكلة عائلية معقدة , بل مشاطرة سر دفين وتخفيف عبء معنوي ثقيل.

نيو فراولة 27-10-10 02:06 PM

قالت لها الأم الرصينة :
" لكي تفهمي موقف والدك جيدا , علي أولا التحدث قليلا عن شخصية جدك وبعض صفاه , ومع أن كل ما سأقوله لك سيكون بالطبع نقلا عما سمعته , ألا أن ثقتي العمياء بصدق أبيك وعدم تحيّزه المثالي حتى ألى نفسه , تحملني على تكرار كلماته دونما أي تشكك في صحتها المطلقة".
وضعت الأم يدها على كتف أبنتها , وكأنها على وشك البدء برواية قصة لا أساس لها في التاريخ المعاصر , ثم مضت ألى القول:
" كانت عائلة روسيني منذ قرون عدة , ولا تزال حتى الآن , عائلة ثرية للغاية وذات نفوذ عظيم , وقد يفسر هذا الأمر ألى حد ما سبب طغيان جدك وتسلطه , حتى مع أفراد عائلته , لم يكن أحد يجرؤ على التردد لحظة في تنفيذ أوامره , وتلبية طلباته , وتحقيق رغباته , ونشأ كل من والدك وعمتك كاترينا منذ صغرهما على أطاعته بصورة عمياء , ودون أي أعتراض , أو مناقشة , وأعتبار كلامه قانونا صارما يجب تطبيقه حرفيا وبشكل فوري , كان حازما مع الجميع...... مع زوجته وخدمه وعماله ولكنه كان قاسيا ألى درجة مذهلة مع ولديه , أصر على أن يعملا يوميا الساعات الطوال في الحقول والبساتين , ومشاركة العمال والفلاحين أعمالهم وطرق حياتهم ومعيشتهم , حرمهما مقابلة رفاقهما القلائل ألا نادرا , لأنه لم يمنحهما سوى فترات قصيرة للراحة أو للعب".
أحست روزالبا بأشمئزاز شديد , ولكنها لم تحاول مقاطعة والدتها ...... التي بدت وكأنها تجد صعوبة في تذكر تفاصيل لم تسمعها ألا مرة واحدة قبل سنوات عديدة , هزت الأم رأسها , ومضت ألى القول:
" المعروف أن الصقليين لا يعطون أولادهم ثمن أتعابهم , بل يضعون كافة الأرباح والمداخيل في صندوق العائلة .... الذي يستخدم أيضا لتغطية جميع النفقات , بما فيها ثمن خاتم الخطوبة الذي يبتاعه الرجل لزوجة المستقبل , وهذا يعني أن الأبن لا يحق له الأنفراد بأي مبلغ من المال , مهما كد وأجتهد في عمله ".
منتديات ليلاس
" وماذا يحدث أذن عندما يريد الزواج , وتأسيس بيت خاص به؟ ".
" لا يحدث أي شيء يذكر , سوى أن والده يخصص له ولعروسه غرفة أو أكثر..... حسب كبر البيت أو صغره".
" لا للأقطاعية والتسلط!".
" ألغت الحرب عددا لا بأس به من العادات والتقاليد القديمة , وذلك في معظم المدن والقرى الكبيرة , أما الحياة في المناطق الريفية البعيدة والمنعزلة.وبخاصة في القرى الجبلية النائية , فلا تزال كما كانت منذ قرون عدة , وعلى الرغم من نفوذ جدك الكونت والمحاولات الكثيرة التي قام بها , فقد أستدعي والدك ألى الجندية خلال الشهر الثاني لنشوب الحرب وكان آنذاك في العشرين من عمره , وفي الليلة التي سبقت ألتحاقه بفرقته , أبلغه أبوه أنه أعد له كافة الترتيبات اللازمة لزواجه من فتاة لم يشاهدها في حياته ألا مرة أو مرتين فقط , وبما أن وقته كان ضيقا للغاية , فقد قرر عدم الأعتراض على كلام والده وتأجيل البحث في الموضوع حتى عودته ألى البيت , في أول أجازة يمنحها له الجيش".
" وجدتي؟ ألم تكن قادرة على التدخل والأعتراض؟".
" لم يتحدث والدك عنها سوى مرة واحدة , وذلك عندما تمنى تسميتك روزالبا ..... تيمنا بها , ولكنني أذكر جملة لعمتك كاترينا , قالت فيها أن جدتك توفيت عندما كانت هي ووالدك في سن المراهقة".
" أكملي , أكملي , يا أمي! أخبريني بربك كيف تمكن أبي من الهرب!".
تخلت السيدة روسيني عن جديتها , التي لم تفارقها منذ بداية الحديث , وضحكت بصوت عال قائلة:
" من أغرب المفارقات أنه تمكن من الهرب , كما تقولين , عندما وقع في الأسر قبل بضعة أيام من موعد أجازته الأولى , وقد أحضر ألى بريطانيا , وأرسل ألى معسكر لا يبعد ألا بضعة كيلومترات عن المكان التي كنت أعيش فيه ".
" هل أسر أبي حقا وسجن وعذّب؟".
أبتسمت أمها وقالت :
" لا , يا حبيبتي! فالسلطات العسكرية هنا كانت تعامل الأسرى الأيطاليين بكل أنسانية وتساهل , وتسمح لهم بالخروج يوميا من معسكراتهم للعمل في حقول ومزارع قريبة , وكنت أنا حينئذ أعمل في المزرعة ذاتها التي أرسل أليها والدك , فحدث اللقاء الذي غير مجرى حياتنا".
" يا له من لقاء بعيد عن الرومانسية!".

نيو فراولة 27-10-10 02:08 PM

أبتسمت الأم ونظرت ألى أبنتها بعينين حالمتين , ثم قالت :
" كم أنت مخطئة يا حبيبتي! على أي حال ,فأنا لا أنوي الأسترسال في هذا الموضوع ...... وكل ما سأقوله لك أننا أحببنا بعضنا وتزوجنا فور أنتهائها الحرب.... والآن , يا روزالبا , ما رأيك في أعداد أبريق آخر من قهوتك الطازجة اللذيذة ؟ لقد جف حلقي ولساني من كثرة الكلام".
" الآن , ولكنني أريد معرفة رد فعل جدي .... وعما حدث بالنسبة للفتاة التي كان يفترض بأبي أن يتزوجها , هل......".
" سأخبرك ذلك في وقت لاحق , يا بنيتي ! أنني أرفض الأستمرار في سرد هذه القصة , ما لم تحضري لي بعض القهوة".
هبت روزالبا واقفة , وقالت بلهجة مرحة تحمل شيئا من الجدية :
" حقا , يا أماه , هل تعرفين أنك قادرة أحيانا على أزعاج الآخرين بطريقة ذكية ...... وخبيثة ؟".
أرتاحت الأم قليلا بعد ذهاب أبنتها ألى المطبخ , ففتح الجروح القديمة مسألة مرهقة للأفكار والأعصاب , لم تكن بحاجة ألى القهوة , بل ألى فترة تأمل وراحة , أرادت تقوية القلب الذي كاد ينهار فجأة أمام أستعادة ذكريات رجل شاطرته حبا عظيما , كان عشية مماته أقوى وأعمق مما كان عليه يوم زواجهما , ولأنها لا تريد في الحياة شيئا أكثر من تحقيق سعادة مماثلة لأبنتها , فقد جاء رد فعلها عنيفا , على فكرة قيام روزالبا بزيارة قلعة الينابيع , التي عاش فيها زوجها السنوات العشرين الأولى من حياته , والتي لم يعرف بين جدرانها وفي حقولها سوى الألم والعذاب والتعاسة.
أرتجف جسمها فجأة عندما تذكرت ما قالته يوما لزوجها , بعد المصاعب والمصائب المتعددة والمتلاحقة التي تعرضا لها منذ قراره أختيار بريطانيا موطنا دائما له:
" ألى متى ستظل هكذا , يا أنجيلو , قبل أن تشعر بالندم لزواجك مني ؟ ألى أي مدى ستقبل بهذا العذاب قبل أن تتمنى العودة ألى موطنك الأصلي.. ألى بيتك الرائع تلك القلعة التاريخية التي تتوج أعلى جبل في صقلية ؟".
ضمها زوجها الحبيب بين ذراعيه , وأجابها برقة وحنان :
" لم تكن قلعة الينابيع أبدا موطني وبيتي , بل مسرحا كبيرا لوالدي يكتب نصوص رواياته ويحدد أدوارها حسب أمزجته المتقلبة ومشاعره المتضاربة , موطني هنا وبيتي هنا , حيث أنا دون سواي النجم الأول والأخير لكافة المسرحيات والتمثليات , وجمهوري العاشق المحب مؤلف من أعز شخصين على قلبي ...... أنت وروزالبا !".
منتديات ليلاس
عادت أبنتها مع القهوة التي تفوح منها رائحة طيبة ولذيذة , وصب لها فنجانا كبيرا .......ثم جلست على الأرض وأتكأت على ركبتها قائلة بلهفة واضحة:
" والآن أكملي , يا أمي , فأنا أتحرق شوقا لمعرفة المزيد من هذه التفاصيل ".
" لم يعد هناك الكثير يا عزيزتي , فكل ما في الأمر أن والدك كتب ألى جدك يبلغه بأمر زواجه وقراره البقاء في بريطانيا , أستشاط غضبا وأرسل عمتك كاترينا وزوجها ألى هنا , في محاولة يائسة لأقناع والدك بالعودة , وعندما فضلا هما أيضا فقر الحرية على ثراء العبودية , وأختارا البقاء هنا بدلا من العودة ألى صقلية , قرر جدك التنكر لولديه وحرمانهما من كل شيء...... بما في ذلك أمتعتهما وثيابهما التي تركاها في القلعة.
تعذبنا كثيرا لبضع سنوات , ولم نتمكن من جني القليل من الأرباح , ألا بعد مرور فترة طويلة , وعندما أحتفلنا بالذكرى العاشرة لزواجنا , ووجدنا أن الفرن ومعمل الحلويات يحققان دخلا جيدا وثابتا , قررنا التحول من زوجين كادحين ألى عائلة صغيرة قادرة على مواجهة تحديات الحياة ومصاعبها".
صبت الأم فنجانا ثانيا من القهوة , ومضت ألى القول:
" فوجئت عمتك كاترينا قبل حوال أربع سنوات بأستلام رسالة من جدك , يستفسر فيها عما أذا لديه أي أحفاد ويتمنى قيامهم بزيارته , ومع أنه لم يوجه أي دعوة مماثلة لأي من ولديه في تلك الرسالة التي صاغها بعبارات حزينة , فقد شعرت عمتك بالأسى والمرارة وأمضت بضعة أشهر في حالة يرثى لها من البكاء والعويل وطلب الغفران ..... لأنها أهملت والدها العجوز , والغريب في الأمر أن أباك لم يتأثر أطلاقا بتلك الرسالة , ورفض السماح لك بزيارة جدك , لم يكن قراره ذاك نابعا من حقد أو كراهية , بل من عدم ثقة بدوافع جدك , لم يكن قراره ذاك نابعا من حقد أو كراهية , بل من عدم ثقة بدوافع جدك وأهدافه , هذه هي القصة بكاملها ,أيتها الحبيبة الغالية".
" أعتقد أن الجد روسيني شخص مقيت ومثير للأشمئزاز سأبلغ أبريل بأن عليها السفر وحدها , لأن التفاصيل التي سمعتها الآن محت من نفسي أي رغبة ضئيلة كنت سأشعر بها أتجاه الزيارة المحتملة ".
" حسنا تفعلين , يا عزيزتي , لأن جدك يعد بالتأكيد خطة لعقد قرانك على أحد أبناء العائلات الثرية هناك , الأفضل لك أن تبقي هنا وتتزوجي شابا بريطانيا هادئا ,لا ........".
أختفت الأبتسامة الخفيفة من عيني الأم وشفتيها , عندما قفزت روزالبا من مكانها وقاطعتها بأنفعال قائلة قبل خروجها :
" لن أتزوج أبدا , يا أمي , وهذا قرار نهائي لا رجوع عنه".
صعقت أمها لدى سماعها هذا الكلام الخطير , الذي كشف النقاب عن أمور بالغة الأهمية , وقالت مناجية روح زوجها الغائب :
" كم كنا متطرفين ومجنونين في أنانيتنا يا أنجيلو! أنظر ألى ما فعلت بها حمايتنا العمياء لها , فهي لا تزال حتى الآن سمكة صغيرة لا تعرف العيش ألا في هذه البركة الصغيرة , ساعدني على أخراجها ألى بحر الحياة ! ساعدني , أرجوك!".

نيو فراولة 27-10-10 02:30 PM

2- لا ترسلي النعجة ألى الذئب!

أنتظرت أنيتا روسيني أنتهاء أبنتها من تناول فطورها , قبل أن تقول لها بصوت رصين هادىء :
"أعتقد..... أعتقد أنني كنت متسرعة جدا في أدانة رحلتك ألى صقلية ".
نظرت روزالبا ألى أمها بأستغراب شديد وهمّت بالأعتراض , ألا أن الوالدة عقدت جبينها وقالت :
" أسمعيني جيدا , يا أبنتي! فكرت كثيرا بهذا الموضوع , ألى درجة أنني أمضيت طوال الليل في صراع شديد مع ضميري ووجداني , للتكهن برد الفعل النهائي الذي كان سيصدر عن أبيك.... فيما لو سنحت له الفرصة الكافية لتحليل هذه المشكلة بتعقل وروية , ربما كان عليّ تشجيعه على المصالحة مع والده ... لأنني بدأت أدرك الآن أنه لو لم يكن هناك في قلبه بعض الحب نحو جدك , لما وجد تلك الصعوبة الفائقة في مسامحته , كان والدك فخورا وعزيز النفس , ولكن روابط القربى قوية جدا .... وبخاصة بين الصقليين , ولهذا السبب أشعر أن أباك ووالده كانا سيتصالحان في نهاية الأمر , فيما لو منحنا الوقت الكافي لذلك ".
أرتبكت روزالبا كثيرا نتيجة هذا الأنقلاب المفاجىء في آراء والدتها ومواقفها أتجاه موضوع بالغ الخطورة كهذا , ودفعتها الحيرة الشديدة ألى الأعتراض بلهجة تجمع بين التردد والأنفعال .
قالت لها :
" أتصور أنك... أنك مخطئة جدا يا أمي , هل نسيت أن صقلية هي أرض الثأر والأنتقام , حيث لا يسمح للصراعات بأن تموت وللكراهية بأن تخف أو تزول؟ ألا يتوارث الأبناء والأحفاد جميع الأحقاد عن الآباء والأجداد , وكأنها جزء لا يتجزأ من أرث العائلة وشرفها وعزتها ؟".
منتديات ليلاس
" ولكنها أيضا أرض روابط الدم , والتضحية أتجاه القريب حتى بالحياة والروح , أنها الأرض التي يجرح فيها رجلان ,غير قريبين عائليا , معصميهما ليمزجا دماءهما ويقسما على أخوة الدم والأخلاص طوال عمرهما , فكيف تظنين أن شجارا بين رجل وأبنه يمكن أن يظل دون حل أو تسوية , وهما من أرض تعتبر فيها نقطة الدم أغلى من بحر صداقة؟".
" أتصور أنك قد تكونين على حق! أما أنا شخصيا , فأعتقد أنني لن أفهم هذا الشعب أطلاقا وسأعتبر أفراده بعيدين كل البعد عن الحضارة والمدنية والرقي , لا , يا أمي لن أذهب ألى صقلية , لننسى الموضوع بكامله , فأنا سعيدة جدا هنا ولست مستعدة أبدا لتعكير صفاء حياتي لأجل رجل عجوز مستبد".
على الرغم من أحتجاجاتها وأعتراضاتها وتوسلاتها المتواصلة لأيام عديدة بعد ذلك الحوار , فقد أكتشفت روزالبا أن أمها مصرة على ذهابها بعناد لم تعرف له مثيلا من قبل , ولكنها ظلّت تحاول أقناعها بتعديل رأيها ,حتى في الساعات الأخيرة التي سبقت موعد السفر , قالت لها , فيما كانت تنتظر وصول أبريل للتوجه ألى محطة السكك الحديدية :
" لن تتمكني من أدارة الفرن والمعمل بمفردك , يا أمي , وأظن.......... ".
" وعدتني عمتك كاترينا بمساعدتي يوميا , وأنت تعرفين ذلك جيدا".
أتت سيدة لشراء بعض الحلويات , فقامت روزالبا لتلبية طلبها , تنهدت السيدة روسيني التي أرهقها الجدل المستمر منذ بضعة أيام , وتضارب الأفكار المزعج في رأسها حول ما أذا كان قرارها سليما وحكيما أم لا , ولكن وقت التراجع فات , لأنه تم أبلاغ الكونت روسيني بأن حفيدتيه ستصلان ألى مطار باليرمو خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة...... وكان رده على البرقية فوريا ويعكس فرحا عظيما وسرورا بالغا , على أي حال , فهي لم تفكر بأمكانية ألغاء الرحلة ألا مرة واحدة ...... وذلك عندما سمعت كاترينا كافة التفاصيل من أبريل , وهرعت أليها قائلة بصوت مرتجف يعبر عن الخوف وتوتر الأعصاب:
" أنيتا , أنيتا , أخبرتني أبريل قبل لحظات أن روزالبا ستذهب معها ألى سيتا ديل مونتي , فهل هذا صحيح ؟".
هزّت السيدة روسيني رأسها أيجابا , فرمت شقيقة زوجها بيديها عاليا وكأنها أصيبت بالجنون , وقالت لها بلهجة تدل على الهلع الشديد :
" لا , لا! يجب ألا يحدث ذلك أطلاقا! لا تسمحي للبريئة بالذهاب , فالأمر بالغ الخطورة".

نيو فراولة 27-10-10 02:56 PM

تجمدت الدماء في عروق أنيتا , ولكنها تظاهرت بالضحك وعدم القلق ثم قالت :
" ما هذا الهراء , يا كاترينا ؟ أنهما شابتان في مقتبل العمر ذاهبتان ألى صقلية , لقضاء أجازة قصيرة مع جدهما , فما هي تلك الأخطار المحتملة التي قد تتعرضان أليها؟".
أمسكت كاترينا بذراعها وهزتها بعنف , صارخة :
" هل نسيت أن والدي خطب ألى أخي أنجيلو فتاة من سيتا ديل مونتي؟ ماذا تظنين أنه حدث لتلك الفتاة , عندما تزوجك ولم يعد ألى صقلية ؟ وهل تعتقدين أنه أختار المنفى الدائم طوعا ؟ أذا كنت تتصورين ذلك , فأنت مخطئة تماما , لقد رفض أنجيلو زيارة والده , ولو مرة واحدة , لأنه كان متأكدا من أنه سيكون عرضة للقتل منذ لحظة وصوله ألى صقلية".
" وحتى لو كان ذلك ذلك الوضع السخيف واللامنطقي قائما بالنسبة لأنجيلو , فما علاقة الأمر بروزالبا ؟".
" يرث الأبناء كل شيء عن الآباء , بما في ذلك الأسم والممتلكات.....والديون , وتتتوقع عائلة ديابولو بالتالي تصفية جميع الحسابات عن طريق روزالبا , الوريث الوحيد لأبيها , أعرف , يا أنيتا , أنك تعتبرينني أمرأة سخيفة تؤمن بوجود الخرافات , ولكن , صدقيني , أن كل كلمة أقولها لك هي الحقيقة والواقع , وما يحيّرني في هذا الموضوع بشكل مذهل , هو أن أبي يعرف هذه الأمور أكثر من أي شخص آخر".
سمعت أنيتا روسيني صوت أبريل , فأستفاقت من كابوس اليقظة المنهك للفكر والأعصاب , وقامت لوداع أبنتها , عانقتها روزالبا قائلة :
" ألى اللقاء يا أمي , أعتني بنفسك جيدا , ولا ترهقي جسمك بالعمل الذي لا يكون ضروريا جدا ".
ضمتها الأم ألى صدرها بمحبة وحنان , وهي حائرة حتى تلك الآونة فيما أذا كان قرارها حكيما أم يدل على رعونة وقصر نظر , ثم قالت :
" تمتعي برحلتك , أيتها الحبيبة , أنا أعرف أنك مترددة كثيرا في الذهاب , ولكن الأسبوعين سينقضيان بسرعة وقبل أن تشعري بهما".
منتديات ليلاس
وعندما أنطلقت سيارة الأجرة بالشابتين نحو المحطة الأولى في رحلتهما , أنهارت أنيتا روسيني على مقعدها وقالت بصوت متهدج تخنقه العبارات والدموع :
" أعتن بها , يا أنجيلو , أينما أنت يا حبيبي , وأعمل على مساعدتها وحمايتها! حاول التفهم أن قراري هذا نابع من حرصي على مستقبلها , لقد بالغنا كثيرا , أنت وأنا , في أبقائها تحت أجنحتنا...... حتى أننا نسينا في خوفنا عليها ورعايتنا المتطرفة لها حقها في التنفس ... والعرق.... ورفع الأكمام لأغراق الذراعين في عجين الحياة حتى المرفقين , عليها أن تتعلم كيف تحب , أو تظن على الأقل ......... أنها أحبت!".
دخلت روزالبا ألى القطار وراء أبنة عمتها , وهي مستعدة لحمايتها والدفاع عنها .... وكأنها لبوة تحمي شبلها , وضعت الحقيبتين الصغيرتين على مقعد في المقصورة التي ستجلسان فيها من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا , وهمت بخلع معطفها وأخراج المجلتين اللتين ستقرأهما أثناء الرحلة الطويلة , ألا أنها لم تتمكن من ذلك , لأن شابين وسيمين فتحا الباب وقال أحدهما بلهجة توسل مهذبة :
" تفضلا وأنضما ألينا في المقصورة المقابلة!".
لم تعجبها نظرته التي كانت مركزة بأهتمام بالغ على جسم أبريل الرائع , فقالت له بلهجة تجمع بين الحدة والأرتباك :
" لا , شكرا , فنحن نفضل البقاء وحدنا !".
مدت يدها لأغلاق الباب , ولكنها فوجئت بقريبتها تقول لها :
" لا تكوني سخفة , يا روزالبا! أنها رحلة طويلة ومملة , وأفضل وسيلة لمواجهة الضجر والنعاس هي أجراء أحاديث شيقة مع أشخاص آخرين , وبما أن هذين الشابين المهذبين مستعدان للترفيه عنا , فسوف نكون غبيتين جدا أذا رفضنا دعوتهما اللطيفة!".
شعرت روزالبا بأشمئزاز شديد من تصرف أبريل , ولكن أحدا لم ينتبه ألى أحمرار وجهها وتوتر أعصابها ....... لأن الشابين السعيدين هبا لنقل الحقيبتين ألى مقصورتهما , فيما كانت أبريل تسبقهما أليها وهي تبتسم بزهو وأرتياح , وما أن جلستا على المقعد المواجه , حتى بدأت أبريل بالتحدث والثرثرة .... فيما ظلت روزالبا صامتة تنظر ألى الخارج , ومع أنه ثبت لها بعد قليل وبشكل قاطع أنهما فعلا شابان مهذبان وحسنا المعشر , ألا أنها لم تقبل بالتراجع عن عزلتها وتقوقعها , سمعت قصصهما عن بعض الحوادث الطريفة جدا التي وقعت معهما كطالبي طب في سنتهما الثالثة , ولكنها لم تضحك أو تبتسم ...... أو حتى أن تشعرهما بأنها موجودة في المقصورة ذاتها .

نيو فراولة 28-10-10 12:50 PM

وصل القطار ألى محطة يوستون عند الفجر , فأصر الشابان على حمل حقيبتيهما الكبيرتين الثقيلتين وحقيبتي اليد الصغيرتين ألى سيارة الأجرة التي ستنقلهما ألى محطة فيكتوريا .... حيث تستقلان قطارا آخر ألى المطار , وعندما ودعهما طبيبا المستقبل العائدان من أجازتهما في أسكتلندة, قال أحدهما الذي أعجب كثيرا بأبريل:
" ما رأيك باللقاء ثانية بعد أسبوعين من الآن ؟ أذا قبلتما تأجيل رحلتكما يضيع ساعات , فسوف يسعدنا كثيرا أن نريكما معظم المعالم السياحية والترفيهية في لندن.
أبتسمت أبريل بغنج ودهاء , فسارع الشاب ألى كتابة رقم هاتفه على ورقة صغيرة ودسها في يدها , شعرت روزالبا بأن من واجبها الأعتراض على هذا التصرف , فقالت لأبنة عمتها:
" أبريل , أنت تعرفين أنه لا يمكننا ذلك ! لقد كان هذان السيدان لطيفين وكريمين جدا معنا , ولكننا ....... ولكننا لا نكاد نعرفهما !
بدت جملة روزالبا الشديدة التحفظ وكأنها آتية من عصور ماضية وأجيال قديمة , ضحكت أبريل ومعها أحد الشابين بصوت عال , فأحست أبنة خالها البريئة بخجل عميق وأرتباك شديد , ألا أن الشاب الآخر أنبهما بهدوء وجدية , قائلا :
" لا تضحكا على العفة والأحتشام , أو تستخفا بهما , فنحن بحاجة ماسة أليهما في هذه الأيام , التي لم تعرفهما ألا نادرا , هل أصبحت الأعراف حقا تقضي بأن ترمي الفتاة نفسها في أحضان أول رجل تلتقي به ؟ أذا كان الأمر هكذا , فتبا لهذه الحضارة الزائفة ولهذه المدنية الزائلة!
منتديات ليلاس
رمت روزالبا داخل السيارة , وهي متضايقة جدا من نفسها بسبب الأحمرار الشديد الذي ظهر على وجنتيها , أحست بالأنفعال المؤلم لأصرارها على التصرف مع أي أنسان غريب كأنه ذئب مفترس , مع أن الناس كلهم ليسوا ذئابا , الحذر ضروري والحشمة واجب , ولكن الأنفتاح على البشر برصانة ليس جريمة لا تغتفر.
وصلت السيارة ألى محطة فيكتوريا , فتولت أبريل دفة القيادة بشجاعة وثقة أعجبت بهما روزالبا وحسدتها عليهما , أعطت السائق أجرته , دون أن تنسى الزيادة المفروضة في ساعات الليل وعلى الحقائب , ثم طلبت من حمال نقل أمتعتهما ألى القطار , وبدأت تشق طريقها بيسر وسهولة عبر تلك المحطة الضخمة التي تعج بالقاعات والأروقة والردهات .....دون الأستعانة بالأرشادات المتعددة التي ترشد المسافرين ألى أماكنهم ومراكزهم .
تضايقت روزالبا من الصخب والضجيج ومئات الأشخاص الذين يتراكضون من هنا وهناك , وتمنت من صميم قلبها لو أنها لم تترك هدوء بيتها وسكينته , ومما زاد من أنقباضها ورغبتها في العودة , تلك المواقف المحيرة والمستهجنة لأبنة عمتها , فقد بدا لها بوضوح تام , ومنذ بدء رحلتهما , أن أبريل منزعجة من سذاجة قريبتها .... وأنها ليست بحاجة أطلاقا ألى من يحميها أو يرد عنها الأخطار المزعومة, حاولت روزالبا جاهدة التكهن بالسبب الحقيقي الذي حمل أبريل على أقناعها بمرافقتها , ولكنها لم تصل ألى أي نتيجة مرجوة.
كانت تتبعها كظلها ودون الأهتمام بالتطلع أمامها , فلم تشعر بالعقبة التي أعترضت طريقها ألا عندما أحست بالأرض تتحرك تحت قدميها , صرخت بذعر وهلع , وقفزت ألى الوراء بحيث كادت تصطدم بسيل من الناس الذين يتدفقون بسرعة نحو السلالم الكهربائية المتحركة , وقفت جانبا بخوف وذهول بالغين تراقب أبريل وهي تبتعد عنها , وتكاد تختفي عن ناظريها , وعلى الرغم من خطر بقائها وحيدة لبعض الوقت , ألا أنها لم تجرؤ على الأقتراب من تلك السلالم المرعبة.... وتمنت لو أن أبنة عمتها تتطلع ألى الوراء لتنقذها من هذه الورطة المخجلة.
أستدارت نحوها أبريل في اللحظة التي وصلت فيها ألى أسفل السلم , فلاحظت روزالبا الغضب الشديد في عينيها والعصبية الواضحة في حركات يدها التي كانت تشير أليها بالنزول , ظلت واقفة في مكانها ترتجف خوفا وخجلا , وتحاول أتخاذ أتخاذ قرار حول أي من الشرين ستختار ... السلالم الخطرة المرعبة أو التعرض لسخط قريبتها الذي لا يقل خطرا ورعبا! وعندما أقنعت نفسها بأن ما من قوة سترغمها على الأقتراب من هذه السلالم , التي تبدو وكأنها تحمل الناس ألى حتفهم , وصلت أبريل من الجانب الآخر وهي تنظر أليها بأزدراء وأحتقار هائلين , وأن لم تكن روزالبا قد شعرت قبلا بأن قريبتها تعتبرها عبئا ثقيلا ومزعجا وغير مرغوب فيه , فقد تأكد لها ذلك بمجرد النظر ألى عينيها الغاضبتين وسماع نبرتها القوية القاسية , قالت لها بحدة وعصبية :
" هل من الضروري أن تخجليني أمام هؤلاء الناس أجمعين , بوقوفك هكذا كفتاة جاهلة ؟ هيا ! هيا بنا حالا !".

نيو فراولة 28-10-10 10:57 PM

لم تدرك روزالبا نوايا أبريل أتجاهها ألا بعد فوات الأوان , فقد أمسكت بمرفقها ودفعتها بقوة نحو السلالم وهي تقول :
" يا لك من فأرة صغيرو ضعيفة ! أنظري أمامك وورائك لتشاهدي بنفسك مدى سلامة هذه السلالم وبساطتها ! هل تشاهدين تلك الطفلة الصغيرة التي تنزل وحدها , وبأسرع من معظم الكبار , فيما أنت متعلقة بذراعي وكأنك تساقين ألى الجلاد؟".
سيطرت روزالبا على أعصابها قليلا , بمجرد وصولها ألى أسفل السلم ووقوفها على أرض صلبة , ثم تطلعت نحو أبريل محمرة الخدين خجلا وقالت لها بصوت مرتجف:
" أنا آسفة جدا , لا شك في أنك تحتقرينني الآن كثيرا , بسبب سخفي وغبائي!".
أجلساها أبريل على مقعد قريب , وقالت لها:
" أرتاحي قليلا هنا , فقد كنت على وشك الأنهيار , أعذريني على قساوتي وكلماتي الجارحة , ولكنني شعرت بأنفعال شديد عندما رأيتك تجعلين من نفسك هدفا لسخرية الناس وتندرهم , على أي حال , لا يجوز تحميلك مسؤولية هذه التصرفات , فمعظم اللوم يقع على عاتق والديك , الذين وضعاك في مدرسة للراهبات ثم أصرا على أن تعملي معهما في محل الحلويت ...... عوضا عن رميك في بحر الحياة لتختلطي مع من هم في سنك ويفكرون مثلك , ربما كان خالي مخلصا جدا في تبنيه عادات البريطانيين وتقاليدهم وطرق عيشهم , ألا أنه ظل في أسلوب معاملته لك صقليا مئة في المئة , أنت بالتأكيد طائر يحلق مختلفا جدا عن بقية سربه , وعجوز في جسم شابة , سأبذل ما بوسعي من جهود للعمل على ترميم الأضرار التي ألحقها بك والدك من غير قصد , ولكنني لن أتمكن من النجاح ألا أذا قررت أنت التعاون معي ألى أقصى درجة .
منتديات ليلاس
ثم أبتسمت وختمت محاضرتها بالقول :
" لدينا أسبوعان فقط , فتخلي عن عقلية العشرينات أو الثلاثينات من هذا القرن وأعملي على اللحاق بسربك دونما أي تردد أو تأخير !".
أرادت روزالبا في بداية الأمر التصدي لأبنة عمتها والدفاع عن والديها , ولكنها أختارت الصمت كعادتها..... لتجمع شتات أفكارها وتحاول تحليل آراء قريبتها , وعندما ظلت على صمتها المطبق لدى وصولهما ألى المطار وصعودهما من ثم ألى الطائرة المتوجهة ألى باليرمو , تذكرت أبريل لقاء عائليا جرى قبل بضع سنوات والحديث القصير الذي أجرته مع أمها على أثره مباشرة , قالت لها آنذاك , منتقدة أبنة خالها:
"ليست طبيعية أطلاقا تلك الطريقة التي تعزل فيها روزالبا نفسها في أحدى الزوايا , وتجلس ساعات دون التفوه بكلمة واحدة! وحتى عندما يتحدث أليها أحد , فأنها لا تجيب ألا بجمل قصيرة مقتضبة.... أو بكلمة واحدة فقط , وعليه , فليس من الغرابة أبدا أن يتجاهلها الآخرون , أنا شخصيا أنسى في كثير من الأحيان أنها موجودة , أو أنها ليست تمثالا مثبتا في هذه الزاوية أو تلك!".
عاتبتها والدتها حينئذ بلهجة جافة , متمنية لو أنها تتمكن من التصرف مثل أبنة خالها , وعندما لاحظت الأم أن أبنتها تتحدث بأهتمام جدي ومخلص , قالت لها بهدوء وحنان:
" أنتما من طبيعتين مختلفتين , يا عزيزتي , على الرغم من روابط القربى القوية التي تجمع بينكما , أنت تحبين أن تكوني محور الأهتمام والأنتباه , في حين أن روزالبا تحب العزلة والأنفراد , ولكنها شابة سعيدة وصمتها نابع من سكينة الروح , التي لا ينعم بها ألا ذوو الضمائر المرتاحة والصفات الحميدة , أدرسي شخصيتها جيدا , فتجدين أنها تبدي أهتماما أيجابيا وكليا بكل ما يقال لها وحولها , قد تكون بخيلة في كلامها , ألا أنها بالتأكيد كريمة جدا في أبتسامتها الرقيقة العذبة , صدقيني , أيتها القلقة الصغيرة , أن روزالبا تستحق الأعجاب والتقدير وليس الحزن أو الشفقة.... لأنها ولدت ولا تزال تعيش في جو من الحنان والطمأنينة يضحي الكثيرون بثروات طائلة للحصول على مثله أو بعضه .
أنطلقت الطائرة النفاثة بسرعة على مدرج المطار وأقلعت بقوة نحو الفضاء الفسيح ,فلاحظت أبريل أن روزالبا أغمضت عينيها وقطبت حاجبيها وأمسكت بذراعي مقعدها بعصبية وتوتر واضحين , سالتها عما أذا كانت بخير , فأكتفت بهز رأسها أيجابا ..... لأنها صممت على مواجهة الخوف بشجاعة وعزيمة , لن تكون جبانة بعد الآن! قالت لنفسها معاتبة مؤنبة :
" أذا أردت التخلي من الآن وصاعدا عن حياة الآلام الوهمية , فما عليك ألا أيجاد الشجاعة الكافية لأمساك كل ثور يهاجمك بقرنيه ويرميه أرضا ... عوضا عن الهرب منه والأختباء في ملاجىءعيدة ومحصنة!
فتحت روزالبا فمها لتقول لأبنة عمتها أنها كانت على صواب في كل كلمة قالتها في محطة فكتوريا , ألا أنها سمعت في تلك الآونة قائد الطائرة يقول للمسافرين بلهجة شاعرية عبر مكبرات الصوت الصغيرة :
" أيها السيدات والسادة , نحن الآن على أهبة الوصول ألى وجهتنا , أذا نظرتم ألى الخارج , ستشاهدون باليرمو ....... المدينة الجميلة التي تنتشر كمجموعة من اللآليء الثمينة بين أصداف من الجبال العالية ".
باليرمو! هل ستصبح هي بأختيارها أو رغما عنها , مثل تلك المدينة الساحرة , حبيسة الأصداف الذهبية؟

زهورحسين 29-10-10 01:11 PM

ياسلام00ياسلام00
روووووووووووووووووووووعة0000
:55::flowers2::55::7_5_129::55:

نيو فراولة 29-10-10 06:38 PM

3- الرجل الغامض

أقتربت أبريل من أحد الضباط المسؤولين عن جوازات السفر , وهي تحمل جوازها بيد وحقيبتها الصغيرة باليد الثانية , وفيما راح الرجل يقارن بين وجه أبريل وصورتها للتثبت من صحة الوثيقة التي تحملها , ويتأكد بعد ذلك من صلاحية الجواز لفترة غير قصيرة , ومن ثم يطبع على أحدى صفحاته الأخيرة أشارة الدخول , أحست روزالبا بأن الدماء تجمدت في عروقها خوفا من نظراته القاسية وملامحه الشرسة .
وعندما جاء دورها , أعطته جوازها بيد مرتجفة وأعصاب متوترة , ولما فتح الضابط جوازها وقارن بين الصورة ووجه صاحبتها , بدأ يتفحص كافة التفاصيل المذكورة على الجواز بدقة وعناية بالغين , وما أن أشار الضابط ألى شخص وراءها , دونما أي أيضاح أو أستفسار , حتى أحست روزالبا بتسارع ضربات قلبها وأزدياد أرتجاف جسمها , وفيما أخذ الرجل الآخر جوازها وراح يدرسه بهدوء وروية , غير آبه بتململ المسافرين الآخرين الذين يقفون صفا طويلا وراء روزالبا , شعرت حفيدة الكونت روسيني بالعرق يتصبّب من جبينها .
أنّبت نفسها على هذا التصرف اللامنطقي , لأنه ليس لديها أي شيء تخافه ولا داعي بالتالي ألى مثل هذا التوتر , ومع ذلك فقد أرعبها الرجل الأسمر الطويل القامة والمفتول العضلات الذي لا يرتدي أي زي رسمي , قد لا يكون أحد المسؤولين في المطار , ولكنه بالتأكيد رجل ذو نفوذ قوي , ماذا أوحى لها بذلك ؟ هل هي الطريقة التي يحرك بها رأسه , وتدل على هيبة وقوة شخصية , أم هي تلك النظرات الحادة التي تنطلق كالسهام القاتلة من عينيه الكبيرين السوداوين ؟ أنهى الرجل تفحصه لجواز سفرها وأعطاها أياه , قائلا لها بلهجة مهذبة أذهلتها :
" شكرا , آمل أن تتمتعي بوقتك في جزيرتنا , يا آنسة روسيني".
منتديات ليلاس
أنذرتها حاستها السادسة بأن الطريقة التي أستخدمها هذا الرجل في ذكر أسمها , وكأنه يداعبه بلسانه ويتلذذ بطعمه , تبدو كأسلوب الفهد الذي يهنىء نفسه على نجاح صيده ولكنه مستعد للأنتظار بعض الوقت قبل الأنقضاض على فريسته لألتهامها , وأشعرتها غريزتها على الفور بوجود روح من العداء أتجاهها , وراء تلك اللهجة المهذبة والأسلوب الهادىء , ولأن حيرتها كانت شديدة وذهولها أشد وأقوى , فأنها لم تتمكن من التطلع ثانية ألى وجهه ..... وأكتفت بتأمل الأبزيم الذي يربط به حزامه الجلدي , والذي يدل بوضوح تام على شراسة هذا الرجل وعنفه , فقد لاحظت روزالبا أنه حفرت بشكل نافر على هذا الأبزيم المصنوع من الذهب الخالص , صورة وحش مجهول يتهيأ للأنقضاض على أفعى مكومة على نفسها وتستعد بدورها لمهاجمته وأبتلاعه , وضعت الجواز في حقيبة يدها , وقالت للرجل متلعثمة :
"شكرا , أيها السيد و..... وداعا".
أحنى الرجل رأسه بشيء من الأستهتار , وقال لها مشددا بنعومة على الشق الأول من جملته المقتضبة :
" ألى اللقاء ,يا آنسة ".
ما أن أقتربت روزالبا من أبنة عمتها , التي كانت تراقب الموقف عن كثب , حتى سارعت أبريل ألى توجيه سيل من الأسئلة :
" من هو هذا الرجل ؟ ماذا أراد منك؟ وماذا قال لك؟".
" لا شيء يذكر , تمنى لي أقامة سعيدة في هذه الجزيرة ".
" هل أمضى كل هذا الوقت ليقول لك ذلك فقط؟".
" يبدو أنه كان مهتما جدا بجواز سفري".
" أوه! لم يكن الكتاب أذن هو الذي جذب أنتباهه , بل العنوان , فأسم روسيني له وزنه ونفوذه , حتى هنا في باليرمو! ويذكرني هذا الأسم في الوقت ذاته , بأن علينا الأسراع في أنهاء معاملاتنا وأخذ حقائبنا , فمن المؤكد أن جدنا ينتظرنا في سيارته قرب قاعة الخروج , ومن واجبنا ألا نبقيه هناك أكثر مما هو ضروري ".
خرجت الحفيدتان من القاعة بعد دقائق معدودة , لتواجها شمسا ساطعة قوية أربكت روزالبا في اللحظات الأولى , وحرمتها من التركيز على الشخص الذي لوحت له أبريل بيدها ثم هرعت نحوه لمعانقته وتقبيله , وعندما تأقلمت عيناها مع الضوء المتوهج وأتضحت لها الرؤية , شاهدت روزالبا رجلا متقدما في السن يقف أمامهما بكامل أناقته وقامته الطويلة الرشيقة ...يرحب بما باسما وفاتحا ذراعيه , تسمرت في مكانها وهي تشعر بمزيج من الأزدراء والأعجاب , أتجاه هذا الرجل الوسيم الذي يشبه والدها الحبيب ألى درجة كبيرة ... ولا يشبهه أطلاقا في الوقت ذاته , فالطول والرشاقة هما نفسهما , وكذلك الرأس والجبين والعينان العسليتان , ألا أن النظرات مختلفة تماما , ففي حين أن عيني والدها كانتا تشعان بالحنان والرقة والمحبة , فأن عيني جدها الكونت قاسيتان باردتان كالفولاذ , ولم تنتبه روزالبا ألى أن الفم هو أبرز نقاط عدم التشابه بين الوالد وأبنه , ألا عندما وجه أليها جدها أبتسامة عريضة فيما كانت أبريل لا تزال بين ذراعيه , فقد لاحظت أن فمه يتسع ببرودة جافة لا تعرف الدفء أو المحبة , وكأنه ينفذ أمرا بالأبتسام , ولما تركته أبريل لتدخل بسعادة فائقة ألى السيارة الكبيرة الفخمة , أقترب منها بهدوء وقال :
" هذه هي الحفيدة روزالبا ! أهلا بك ألى صقلية , أيتها الحبيبة".

فتاة 86 29-10-10 07:43 PM

WHERE ARE YOU ? IT'S A VERY SMOLE PART
PLEASE WE WANT THE REST
THANKS

lomboks 30-10-10 03:54 AM

مرحبا و الرواية جميلة و انت اجمل و في انتظار البقية :friends:

نيو فراولة 30-10-10 05:06 PM

لم تتحرك من مكانها أو تقل شيئا ردا على ترحيبه , فشجعها على ذلك برقة قائلا:
" ما بالك , يا ذات الوجه الملائكي ؟ ألن تمنحي جدك قبلة اللقاء ؟".
أقتربت منه بتردد وخطى بطيئة , وهي تحاول عدم الكشف عن مشاعر الأشمئزاز أتجاه هذا الطاغية الذي عرّض والديها ألى عذاب مرير , وعندما طبع قبلة خفيفة على خدها , لم تدرك السبب الذي جعلها تتذكر فجأة ذلك األأبزيم الذهبي البربري وصورة تلك الأفعى السامة المتحفزة للهجوم .
لاحظ جدها الأرهاق الذي ظهر فجأة وبجلاء على وجهها , بمجرد جلوسها على المقعد الخلفي الوثير لسيارته الأنيقة , فلم يحاول أرغامها على التحدث معه أو أليه , وما أن أنطلقت السيارة نحو مدينة باليرمو القديمة , حتى قال الرجل العجوز لحفيدتيه :
" بما أنكما متعبتان بسبب رحلتكما الطويلة والمنهكة , فقد أعددت الترتيبات اللازمة لكي نمضي هذه الليلة في العاصمة , سوف تساعدكما الراحة التي ستنعمان بها بعد قليل , على التمتع غدا برحلتكما ألى سيتا ديل مونتي".
لم تمض سوى دقائق معدودة حتى دخلت سيارة الكونت روسيني الشوارع الضيقة لمدينة باليرمو الساحرة , التي لا تزال تزيّن بعض ضواحيها وأحيائها الداخلية آثار يونانية ورومانية وعربية وأسبانية من مسارح وقصور ودور عبادة , تتحدث بوضوح عن الحضارات المختلفة التي عرفتها هذه الجزيرة , وعندما وصلت بهم السيارة ألى وسط المدينة , الذي كان كقفير نحل يكاد يختنق بالسيارات من مختلف الأحجام والأنواع والعربات التي تجرها الخيول والأمواج البشرية الهائلة التي تضيق بها الأرصفة , أحست روزالبا بأنها ستفقد حاسة سمعها , أخذت السيارة تزحف ببطء شديد بسبب الأزدحام الهائل , فيما كان معظم السائقين يطلقون العنان لأبواق سياراتهم ويتبادلون الشتائم والأهانات الفظة مع المشاة ومع بعضهم بعضا .
تنفست روزالبا الصعداء بمجرد الأبتعاد عن جو الصخب والضجيج , ودخول سيارة صغيرة ثم توقفها أمام مبنى رائع الجمال مؤلف من أربع طوابق , تأملت الطابق الأول بأعجاب شديد , وبخاصة التماثيل الأربعة التي تمثل فصول السنة , قال لها جدها , فيما كان سائقه يفتح لهم البوابة الخارجية :
" كان هذا القصر بكامله في يوم من الأيام ملكا لعائلة روسيني , ولكنني لم أعد أملك منه الآن سوى الطابق الأول والحديقة المحيطة به من ثلاث جهات , أما الطوابق الثلاثة الأخرى , فقد حولتها ألى ست شقق سكنية وأعددت لها مدخلا خاصا بها عبر الجهة الخلفية للحديقة , ثم بعتها لمالكيها الحاليين.
منتديات ليلاس
دخل الثلاثة ألى القاعة الفسيحة التي تدل بوضوح على ثراء بالغ , فيما كان المرافق القوي يتبعهم حاملا حقائب الحفيدتين الشابتين , هرعت لأستقبالهم أمرأة في منتصف العمر , وقالت بلهفة صادقة بمجرد رؤيتها روزالبا المتعبة.
" آوه ! الصغيرة المسكينة !".
أشار الكونت ألى الأمرأة قائلا :
" هذه هي ريتا , مديرة المنزل , التي تعمل في خدمتي منذ سنوات عديدة , سترشدكما الآن ألى غرفتيكما , لأنكما بالتأكيد مرهقتان جدا , أرجو ألا تترددا أطلاقا في مطالبتها بأي شيء قد تحتاجان أليه , ولا تجدانه مؤمنا لكما ".
أحست روزالبا لدى دخولها غرفتها ومشاهدتها السرير الكبير المريح , بأنها لا تريد شيئا سوى النوم , فهي لم تقم في حياتها برحلة طويلة منهكة كهذه , ولم تعرف يوما مثل هذه الأثارة السلبية المزعجة التي نجمت عن مشاعر مؤلمة مرهة كالغضب والخجل والخوف , ألقت بنفسها على ذلك السرير الذي كان يجذبها أليه بقوة عظيمة , قائلة لمدبرة المنزل ذات الأبتسامة الحارة كطقس باليرمو :
" لست بحاجة ألى أي شيء الآن سوى هذا السرير , الذي لا أنوي التحرك منه قبل أثنتي عشرة ساعة على أقل تقدير , شكرا لك يا ريتا".
أحنت مدبرة المنزل اللطيفة رأسها تأدبا وأحتراما , وخرجت من الغرفة دون تأخير أو تردد , خلعت روزالبا ثيابها على الفور وأرتدت قميص النوم , ثم تسللت كقطة صغيرة تحت الغطاء الحريري الناعم , وما أن شعرت بالنهاس الشديد يغمض عينيها , حتى قالت لنفسها بصوت هادىء :
" من الواضح أن جدي يعتقد بأن أسرع الطرق وأقصرها ألى قلب المرأة هو تأمين الراحة والرفاهية لها , يجب أن أكون حذرة جدا في مواجهة هذا الترف , الذي لم أكن لأحلم به من قبل , وأن أعتبره أمرا عرضيا سيزول خلال بضعة أيام ..... وألا فأنني سأتعلق به وأصبح أسيرته وضحيته!

نجمة33 30-10-10 06:03 PM

سلمت يداكي و شكرا لكى

101 White Angel 30-10-10 06:13 PM

شكراااا عزيزتي

بانتظارك

نيو فراولة 30-10-10 07:51 PM

نامت روزالبا نصف المدة التي وعدت نفسها بها , فأستيقظت في السادسة والنصف مساء وهي تشعر بالراحة التامة..... ولكن بشيء من التململ وعدم الأستقرار , وعندما أحست بأن المدينة تدعوها لأستكشافها ,حثها ذلك الشعور العميق بعزة النفس الموروث عن والدها بتلبية الدعوة دون تمنّع أو وجل , فهذه هي الأرض التي تم جذور عائلة والدها منذ مئلات االسنين , وهي الأرض التي بدأت تشعر نحوها فعلا بتعاطف قوي , ولو أنها توقفت قليلا لتحليل مشاعرها أتجاه هذه الجزيرة , لتبين لها أنها مماثلة لمشاعر منفي عاد أخيرا ألى موطنه بعد غياب طويل .
أستحمت وأرتدت ثيابها , ثم وضعت كافة المبلغ الذي تحمله بالعملة الأيطالية في حقيبة بيضاء صغيرة بهدف شراء هدية جميلة لوالدتها , وتسللت بهدوء ألى الغرفة المحاذية التي خصصت لأبنة عمتها , كانت تأمل في أيجاد أبريل مستيقظة وراغبة في مرافقتها خلال جولتها القصيرة المرتقبة , لكنها فوجئت بأن قريبتها لا تزال تغط في نوم عميق , ترددت قليلا , ألا أن نداء المدينة التي بدأت تستفيق من غفوة ما بعد الظهر وتستعد لسهرتها الطويلة , كان قويا جدا ويصعب رفضه.
خرجت ألى الحديقة ومنها ألى الطريق , وهي تعلم أنه كان عليها أبلاغ ريتا أو جدها نفسه عن عزمها على القيام بهذه الجولة القصيرة , ولكنها أقنعت عقلها , الذي بدأ يحذرها من مغبة الضياع في هذه المدينة الغريبة , بأنها لن تضل طريقها أطلاقا طالما بقيت قريبة من تلك الساحة الصغيرة .
منتديات ليلاس
سارت روزالبا لمدة خمس دقائق فقط , فوصلت ألى سوق شعبي يعج بالحركة والنشاط , وقفت في أحدى الزوايا , وراحت تتأمل أوجه المارة وعربات الخضار والفاكهة التي تملأ الأرصفة والشارع الضيق , المخصص بأكمله لعمليات البيع والشراء , أعجبتها تفاحة حمراء كبيرة , فأقتربت من البائع المسن ورفعت أصبعها قائلة :
" واحدة !".
أعطاها الرجل أكبر تفاحاته وهو يبتسم لها , فسألته عن ثمنها , وعندما لم يفهم ماذا قالت له , تذكرت بعض الكلمات الأيطالية التي علمتها أياها أبنة عمتها وحاولت أستخدامها .... ألا أنها لم تنجح في مهمتها الصعبة , فتحت حقيبتها أمامه وأشارت ألى الكمية الكبيرة من الأوراق النقدية الأيطالية , داعية أياه ألى أخذ ما يراه مناسبا كثمن لتلك التفاحة .
لبى الرجل دعوتها بسرور , ولاحظت أنه لم يأخذ ألا المبلغ الذي تصورته ثمنا معقولا , سارت قليلا داخل الحشد الكبير من الناس , وغرزت أسنانها البيضاء الصغيرة بقوة في تلك التفاحة الجميلة ..... لتفاجأ بكمية من العصير اللزج ينطلق منها ويغطي أنفها وفمها وذقنها , كان الناس يتدافعون حولها من كافة الأتجاهات , فتبين لها أنها لن تتمكن من فتح حقيبتها بالسهولة التي تتوخاها لأخراج منديل تنظف به وجهها , شاهدت زقاقا مهجورا في أحد أطراف السوق , فشقت طريقها نحوه بصعوبة شديدة , وعندما وصلت أليه , أسندت ظهرها ألى جدار وتنهدت بأرتياح , ثم بدأت تعبث في حقيبتها بحثا عن المنديل المطلوب.
كانت متضايقة جدا من الذباب الذي بدأ يحوم حولها , ومنهمكة في البحث عن أي شيء يمكنها أستخدامه لتنظيف وجهها , فلم تلاحظ وجود شخص بقربها ألا عندما غطى ظله عينيها , رفعت رأسها بسرعة , فتجمدت الأبتسامة على شفتيها , شاهدت مراهقا في حوالي السادسة عشرة من عمره يرتدي ثيابا وسخة , وينظر أليها بعينين شريرتين , أدركت روزالبا على الفور ما يخطط له هذا الوغد الصغير , فأغلقت حقيبتها بسرعة وضمتها ألى صدرها ..... في اللحظة ذاتها التي أمتدت فيها يداه لسرقتها , وعلى الرغم من مشاهدتها الخطر الواضح في نظراته القاسية والحادة , ألا أنها صممت على عدم التخلي عن حقيبتها دون مقاومة , حرر الفتى الفتى أحدى يديه ورفعها عاليا لصفع هذه الغريبة , التي تتصور أنها قادرة على الدفاع عن نفسها , نزلت يده على خدها كمطرقة حداد , ولكنها لم تستسلم أو تتراجع عن عزمها على الأحتفاظ بحقيبتها مهما كلف الأمر .... كما أنها لم تصرخ مستنجدة , مع أنها على بعد ثلاثين أو أربعين مترا عن سوق يعج بالناس , رفع الفتى يده مرة أخرى ليضرب بحافتها معصم الشابة العنيدة , فأغلقت فمها بسرعة وأغمضت عينيها.
ألا أن معصمها لم يتعرض للضربة القاسية المرتقبة , بل سمعت عوضا عن ذلك حشرجة في صوت مهاجمها ولاحظت أن يده الأخرى تخلت عن حقيبتها , فتحت عينيها في اللحظة المناسبة لتشاهد قبضة تنهال بلكمة قوية على فك المعتدي , الذي أطلق صرخة ألم عالية وهو يقع أرضا , ولكنه ما أن لامس الأرض , حتى هب واقفا بخفة القرود وفر مسرعا نحو الأسواق التجارية.

نيو فراولة 30-10-10 08:12 PM

أحست روزالبا , مع أنتهاء محنتها , بأنها لم تعد تقوى على الوقوف بثبات على رجليها , فقد أنهارت القوة الخارقة التي منحتها أياها غريزة الدفاع عن النفس , وأختفى اللون من وجنتيها وشعرت بأنها تكاد تتقيأ , وعندما تمكنت من رفع رأسها قليلا لتشكر منقذها , فتحت فمها دهشة وأستغرابا ثم قالت بتلعثم واضح :
" أوه..... ! هذا..... هذا أنت!".
قال لها الرجل الذي تفحص جواز سرها في المطار , فيما كانت نظراته الحادة تؤنبها على غبائها :
" نعم , هذا أنا , ألم تفكري أبدا بأن التجول وحدك في أزقة كهذه , يعرضك للخطر ؟ الأشرار كهذا الفتى الذي هاجمك هم أوبئة باليرمو وحشراتها الضارة , يظهرون بشكل مفاجىء وصامت كجرذان المجارير بحثا عن سياح بسطاء يتجولون في أسواق المدينة وشوارعها الضيقة...... ويحملون بأهمال مغر كميات كبيرة من المال في حقائب يد تسهل سرقتها , ويعرضونها كلها كلما أرادوا شراء هذا الشيء أو ذاك , ألا تشكل مثل هذه التصرفات غير الحكيمة أغراء قويا لهؤلاء الصبية الأشرار؟ لن أحاول أبدا الدفاع عن صغار المجرمين أو تبرير أعمالهم , ولكنني أجد في الوقت ذاته صعوبة في التعاطف مع سذّج وأغبياء مثلك , يفتحون حقائبهم أمام باعة الأرصفة لأخذ ما يريدون , ويتجولون وحدهم في أزقة كهذه..... لا تجرؤ على المرور فيها وحدها أي مواطنة تعيش في الأحياء القريبة ".
منتديات ليلاس
أدركت روزالبا أن الرجل على حق , مع أنه كان بأمكانه التحدث معها بلهجة أكثر رقة , أحست أن الملامة كلها تقع عليها , فقالت له بعد تردد :
" أنا آسفة!".
تأمل وجهها المضطرب بضع لحظات , قبل أن يصدمها بسؤوال لم تكن تتوقعه أطلاقا , قال لها , مستفسرا بشيء من الأنفعال الهادىء:
" هل تحاولين الأستهزاء بي , يا آنسة؟".
شهقت بأستغراب وقالت له , وهي متضايقة جدا من أتهامه لها ضمنا بقلة التهذيب :
" لا , طبعا لا!".
أمسك الرجل بمرفقها وراح يقطع وأياها الشوارع الضيقة والمتداخلة مع بعضها البعض كلعبة المتاهة , ألى أن توقف قرب أحدى الزوايا وقال لها :
" هل تذكرين هذه المساحة الصغيرة؟".
" نعم".
" أذن فلن تجدي أي صعوبة في الوصول ألى منزل جدك , ألى اللقاء مرة أخرى , يا آنسة روسيني !".
أختفى الرجل الغامض عن ناظريها , قبل أن تتمكن من أستجماع الشجاعة الكافية لتطرح عليه أسئلة تحرق شفتيها وتزعج بالها , كيف عرف أن الكونت روسيني هو جدها , وكيف علم أنها تقيم قرب هذه الساحة بالذات؟ وأكثر من ذلك كله , أرادت روزالبا أن تستفسر منه عن سبب ملاحقته لها , فمن المؤكد أنه يراقب خطواتها وتحركاتها عن كثب , وألا فكيف عرف بحادثة فتح حقيبتها أمام البائع المسن , وكيف تمكن من أنقاذها في زقاق جانبي مهجور!
شعرت روزالا بأرتياح كبير عندما لاحظت أن الصمت لا يزال مخيما على منزل جدها , وأنها لن تتعرض لأي أستجواب قد لا تقوى على تحمله , هرعت ألى غرفتها ورمت بنفسها على السرير الكبير , لترتاح من عناء أخطر مشكلة واجهتها في حياتها , وأغرب ما في الأمر أنها لن تجد تأثير ذلك الرجل الغامض على أعصابها , وأشد وأدهى من تأثير تلك الحادثة التي كادت تودي بحياتها...... أو تلحق بها على الأقل أضرارا جسدية جسيمة.
لا يمكن لتأثيره القوي هذا أن يكون نابعا من كونه رجلا أسمر اللون , طويل القامة , وذا وسامة وجاذبية ساحرتين , فقد ألتقت عددا قليلا من أمثاله , ولكن أيا منهم لم يحرك في داخلها مثل هذه المشاعر والتفاعلات القوية , كذلك فأن الأمر ليس متعلقا بعضلاته المفتولة أو شخصيته أو ثقته المطلقة بالنفس , لماذا أذن؟
لا شك في أن الجواب الوحيد عى ذلك , يكمن في رجولته الفذة , ليس كل الرجال رجالا , أما هذا الغريب الذي يعرف على ما يبدو أشياء كثيرة عنها..... فهو فنان بارع في التصرف كرجل حقيقي!

نيو فراولة 30-10-10 11:01 PM

4- أنت مرة أخرى !

تناول الجد روسيني وحفيدتاه طعام العشاء في التاسعة والنصف مساء , أي عندما تكون روزالبا عادة على أهبة التوجه ألى سريرها , ومع أنها لم تكن متعبة أطلاقا في ذلك الوقت , ولم تأكل أي شيء تقريبا منذ مغادرتها بيتها في الليلة السابقة , ألا أن الكمية الكبيرة من المعكرونة التي وضعتها ريتا على صحنها جعلتها تفقد شهيتها وتقول لمدبرة المنزل .
" تكفيني ملعقة واحدة فقط ! شكرا , يا ريتا".
أستجابت ريتا لرغبة الضيفة الشابة , وهمت بأستبدال الصحن الممتلىء , ألا أن الجد تدخل فورا ,وقال :
" هراء ! ريتا خبيرة في أعداد هذه الأنواع من المأكولات الشهية المغذية , هيا! أفرغي محتويات هذا الصحن في معدتك الصغيرة الخاوية , فأنت بحاجة ماسة أليها , لقد سمعت مرة أن البريطانيين لا يأكلون ألا القليل , وجسمك النحيل هذا يا صغيرتي , دليل قاطع على ذلك , أن لم يأكل الأنسان جيدا في المساء , فأنه لن يتمكن من التحدث أو الأسترخاء .... أو حتى النوم بطريقة جيدة , على أي حال , سنتحدث بعد الأكل لأن فراغ المعدة يشل حاسة السمع.
منتديات ليلاس
أخافها أسلوب جدها الأستبدادي , فبادرت ألى تناول طعامها دون أي تعليق أو مناقشة , لم تكن تأكل المعكرونة في بيتها ألا نادرا , لأن والدها أراد الأبتعاد عن كل شيء أيطالي أو يذكره بصقلية , لكن دعوات عمتها ألى الغداء كانت تتضمن في معظم الأوقات المعكرونة على أختلاف أنواعها وأطيافها , ربما أنها لم تكن يوما ضيفة وقحة , فقد أعتادت على تقبل كافة الأطعمة الأيطالية المشهورة ..... حتى مع كرهها الشديد لبعضها.
أستعانت بأرادتها القوية وراحت تلتهم طعامها بشجاعة , وهي تدرك تماما أن جدها يراقبها كصقر متحفز , ألا أن الجد لم يكن وحده الذي يتأمل طريقة أكلها , فقد كانت أبريل تفعل الشيء ذاته.. ولكن بمرح بريء, تحول بعد قليل ألى شفقة.
شعرت روزالبا بالأرتياح ألى حد ما , عندما بدأن أبنة عمتها حديثا لبقا وشيقا مع جدهما بهدف تحويل أنتباهه عن حفيدته الثانية ولاحظت أبريل بأسف أن موافقف قريبتها التامة والفورية على تعليمات جدها لم تنل أعجابه ورضاه , بل جعلته متضايقا ومتململا , فالعجوز بطبيعته رجل مقاتل لا يحب المستسلمين والمتخاذلين , بل الذين يعترضون ولو جزئيا على أوامره , ويفسحون له بالتالي المجال الواسع لأظهار نفوذه وشراسته .
أبتسمت له أثناء الحديث وكأنها مسرورة مما قاله لها , ولكنها في الحقيقة كانت تشعر بسعادة لا تضاهى .... لزوال مخاوفها من أن أبنة خالهاستحل محلها في قلب الجد الثري , لا داعي للقلق بعد الآن , فمن الواضح أنها وجدها يناسبان بعضهما تماما , سألهما الجد فجأة ,وهو ينظر أولا ألى أبريل ومنها ألى روزالبا :
" هل تشعران بأرتياح تام , أم أنكما متعبتان جدا للتمتع بدعوة أعتبرها أهتماما خاصا بكما؟".
جاء البريق الخاطف في عيني أبريل وملامح البهجة والسرور في وجهها ردا كافيا على دعوته , في حين أحمر وجه روزالبا خوفا وقالت له بأرتباك شديد :
" نعم....لا... أي ....... أعني.....".
هبت أبريل لمساعدتها , فقالت :
" أنها مستعدة للقيام بأي شيء يطلب منها , وهي سعيدة تماما بتنفيذ القرارات التي يتخذها الآخرون".
ظهرت ملامح خيبة الأمل والتأفف بوضوح على وجه الجد روسيني , قبل أن يتجاهل روزالبا تماما ويوجه ملاحظته التالية ألى أبريل , حتى مع أصراره على أستخدام صفة المثنّى في المخاطبة :
" أفهم أذن أنكما لن تترددا في حضور عرض للأزياء يقام هذا المساء في قصر صديقتي الأميرة أرمارينا ويعود ريعه ألى جمعية خيرية , وبما أن تكاليف هذا العرض باهظة , فقد أوضحت الأميرة أنها تتوقع من جميع ضيوفها شراء أكبر قدر من الثياب المعروضة".
تبادل الكونت وأبريل نظرات معينة , أوحت بأن كلا منهما يفهم الآخر على حقيقته , ففي حين أشار الجد ألى أنه على وشك تنفيذ الوعد الذي قطعه لها في العام الفائت , ألمحت الحفيدة بسعادة بالغة ألى أنها ستختار ما يروق لها دون تردد أو خجل.
وجه الجد روسيني نظرة أستجواب قاسية ألى روزالبا , فأنتفض رأسها وكأنما لسعته حية سامة ...... وأرغمت نفسها على توجيه أبتسامة خجولة أليه , كان واضحا جدا أنها غير مهتمة أطلاقا بدور الأزياء العالمية , وبالثياب الباهظة الثمن التي يعرض عليها جدها أختيارها لهذه الأمسية . تأمل الرجل الثري ثيابها القطنية العادية والبسيطة , ثم سألها بلهجة خبيثة :
" من هو مصممك المفضل يا عزيزتي ؟".
سنحت فرصة أخرى لأبريل كي تدعم موقفها كالحفيدة المفضلة , فتدخلت على الفور قائلة بخبث مماثل :
" ليس لديها أي مصمم مفضل , يا جدي , فهي , كما تلاحظ , تخيط ثيابها بنفسها ".

نجمة33 31-10-10 03:03 AM

تسلم الايادي على هذه الرواية الرائعة

نيو فراولة 31-10-10 01:15 PM

تأثرت روزالبا كثرا من سخريتهما الجارحة , فوجهت ألى جدها نظرة ألم أخترقت الجدران السميكة التي تحيط بقلبه , قال لأبنة عمتها بلهجة هادئة, تهدف ألى التخفيف من وقع كلامها الساخر قبل لحظات :
" مهما كان الأمر , فهي تبدو جميلة ورائعة ألى درجة كبيرة , أما أنت , يا عزيزتي أبريل , فقد أنعم عليك الخالق عز وجل بهذه الجاذبية الخلابة التي تسمح لك بالقيام بما تريدين وبأي أسلوب يعجبك ...... وتحظين مع ذلك في النهاية على الثناء والأطراء , قد تشترين ملابس عادية جدا من باعة الأرصفة , وقد ترتدين القمصان والسراويل المفرطة في البساطة , ومع ذلك يمدحك الناس على أسلوبك المميز , ولكن أبنة خالك ذات شخصية تتطلب الثياب الغنية الرائعة , وأشعر برغبة قوية لرؤيتها ترتدي سترة جدية هادئة من تصميم جيفنشي .... أو أفضل من ذلك فساتين كلاسيكية من تصميم سيرر تناسب جمالها الرصين والدافىء".
ضحكت أبريل بأستغراب , وقالت معترضة على رأيه :
" ولكن لا يمكنك تسمية هذه الملابس بعد الآن أزياء حديثة , يا جديّ ! لا يزال هناك بالطبع في عالم الأناقة بعض المصممين المتطرفين المتصلبين , كاللذين ذكرتهم لتوك , يصرون بعناد سخيف على الأستمرار في تصميم ثياب قديمة الطراز ومملة وغير مبتكرة! ويرفضون الأعتراف بأن العالم حولهم قد تغير وتبدل , وبأنهم مضطرون...... أذا هم أرادوا النجاح في دنيا في دنيا الأناقة العصرية ... ألى أن يكونوا نبهاء , ومتمشين مع التطورات المستمرة والمتلاحقة , وغير متمسكين بالتقاليد القديمة البالية ".
منتديات ليلاس
رفع العجوز الغاضب يديه عاليا , وكأن الأنتقاد وجه أليه شخصيا , وقال لها بأنفعال شديد :
" التقاليد القديمة البالية ؟ هذه جملة لا معنى لها أطلاقا بلنسبة ألي , لا! لا تحاولي مقاطعتي أو أيضاح هذه الجملة , لأنني متأكد تماما من أن التوضيح سيكون أشد سخافة وأقل ذوقا من التعبير نفسه!".
ثم وقف بعصبية , وقال لحفيدتيه كمن يصدر أوامر عسكرية :
" أذا أنتهيتما تماما ,أيتها الفتاتان , فسوف أستدعي السائق لأحضار السيارة".
ذهبتا ألى غرفتيهما , وهما في مزاجين مختلفين تماما , ففي حين كانت أبريل ترقص فرحا لحصولها على ما تريد وغير آبهة بغضب جدها طالما أنه لن يحرمها من الثياب والجواهر , كانت روزالبا تسير بتردد وكأنها سترغم عل القيام بأشياء تكرهها.
توقفت بهم السيارة بعد عشر دقائق أمام القصر الجميل المشع , الذي كانت تنطلق من داخله أصوات الموسيقى الصاخبة كلما فتحت بوابته الضخمة لأدخال الضيوف الأثرياء , وعندما أرشدهم كبير الخدم ألى القاعة الكبرى , التي كانت تعج بحوالي مئتي شخص من أفراد المجتمع المخملي يتناقشون ويثرثرون ويتسامرون بأصوات عالية تغطي على صخب الموسيقى , شهقت روزالبا بخوف وذعر شديدين , وما أن نزل الثلاثة الدرجات الأربع , حتى فتح المحتشدون طريقا في وسطهم لمرور الكونت وحفيدته السمراء المغرية الجذابة .......ثم أغلقوها فورا لأنهم لم يشعروا بوجود الحفيدة الأهرى.
صرخت روزالبا , التي أصبح يفصلها عن جدها وأبنة عمتها جسم بشري هائل , فلم يسمع صراخها أحد ... أو ربما سمعوها وظنوا أنها تصرخ كغيرها , عزفت الفرقة الموسيقية لحن الأفتتاح وخفف النور في جميع أنحاء القاعة , فيما سلطت الأضواء الكاشفة على مسرح أعد خصيصا لهذه المناسبة , وخلال ثانيتين تقريبا , بدأت أول عارضة أزياء في التمايل على أنغام الموسيقى , وأخذ عشرات الأشخاص بألتقاط الصور وتسجيل الملاحظات ..... وطلبات الشراء.
شقت روزالبا طريقها بصعوبة بالغة ألى أحد الأعمدة الضخمة في القاعة الفسيحة , وراحت تتأمل بذهول منظرا جديدا أو غريبا تماما عليها , ولكن صخب الموسيقى كاد يصيب أذنيها بالصمم , فبدأت عيناها تبحثان بلهفة عن طريق للهرب من تلك القاعة المجنونة , ولكن جميع الأبواب سدت في وجهها , ذلك أن الذين وصلوا متأخرين بعض الوقت أخذوا يتدافعون بقوة نحو الأمام لمشاهدة العارضات , والثياب الباهظة الأثمان التي ينوون أبتياعها.
وعندما شعرت باليأس من أمكانية النجاة , وضعت يديها على أذنيها لأنقاذهما من العذاب المؤلم .... وراحت تحدق مذهولة بتحول الأحتفال من عرض للأزياء الحديثة المبتكرة ألى عرض للأجسدا الممشوقة المثيرة , وجدت روزالبا الثياب نفسها مثيرة للأشمئزاز والأزدراء , وتضايقة كثيرا من الأستغلال الرخيص والتافه للملابس التي تغطي أقل مما تكشف.

نيو فراولة 31-10-10 01:39 PM

ومع أزدياد تضايقها من الثياب الفاضحة , الذي يسبب أوجاعا في الأذنين والرأس , والدخان الكثيف الذي يكاد يعمي الأبصار , بدأت روزالبا تشعر بالغثيان , والأغماء , لم تعد قادرة على التنفس بسهولة , أو حتى على الأستنجاد بأحد , وأخذت تنهار تدريجيا , ألا أن ذراعين قويتين أمسكتا بها في اللحظة المناسبة ورفعتاها عاليا , وسمعت صوتا قاسيا يأمر الموجودين بفتح طريق نحو باب القاعة.
لا شك في أنها فقدت وعيها لبعض الوقت , لأن أول شيء لاحظته بعد ذلك هو تنشقها هواء نظيفا منعشا .... ومشاهدتها ضوء القمر الساطع.... وسماعها صوت نافورة المياه القريب , ثم أنتبهت أل أنها ليست لوحدها على ذلك المقعد الحجري , في الجانب الخلفي لحديقة القصر , تطلعت نحو الشخص الذي يجلس قربها دون حراك وينظر أليها بعينين تشعان أستياء وأنفعالا ,وقالت له بأرتباك .... ولكن ليس بأستغراب أو دهشة :
" أنت.... مرة أخرى!".
ثم أضافت بلهجة , فوجئت هي نفسها بأستخدامها :
" أنت كالعقاب , يا سيد , تحلق دائما قربي وبجانبي , هل أخترت لنفسك مهمة حمايتي ؟".
أجابها بنبرة جافة , عكست بوضوح تام أنزعاجه منها :
" العقاب لا يحمي , يا آنسة , بل يلاحق طريدته وينقض عليها .... ثم يمزقها شر تمزيق !".
منتديات ليلاس
أرتجف جسمها خوفا وهلعا لدى سماعها تلك الكلمات اقاسية , التي تحمل في طياتها تهديدا عنيفا , وشعرت بأستياء شديد من لهجة الأحتقار التي ظهرت جلية في صوته , لقد أعتاد طوال حياتها على أن يتجاهلها الناس بسبب أختيارها العزلة والأنفراد , ولكنها لم تكن لتتصور أبدا أن أحدا يمكنه أن يكرهها ألى هذه الدرجة , قالت له بعزة وأنفة :
" أشكرك مرة أخرى على أنقاذي".
ثم لفت شالها حول عنقها , ومضت ألى القول :
" لا داعي لأنتظاري , فأنا بخير تماما , أرجوك ألا تضيّع على نفسك بقية الحفلة بسببي".
أطلق ضحكة قصيرة قاسية أخترقت أذنيها كالسهام المسمومة , وقال لها بأستخفاف وسخرية ... تحولا لاحقا ألى غضب شديد :
" هل أبدو لك من أولئك الأشخاص الذين يحتاجون ألى السعي وراء ملذاتهم في قاعات صاخبة تكاد تختنق من شدة الأزدحام , وفي مشاهدة عارضة عارضة نصف عارية ترقص أمام رجال المدن الذين أضعفهم رغد العيش وترف الحياة ؟ هؤلاء الأغنياء الذين يحلبون أموال بلادنا , ولا يعطونها أي شيء في المقابل ! تتكدس أرباحهم وتزداد قوتهم المالية ألى درجة مذهلة , فيصبحون بالتالي أفضل زبائن الشركات والفنادق الأوروبية ..... في حين أن الفلاحين في الأرياف والمناطق الجبلية لا يزالون يحفرون الأرض ليأكلوا منها , ويستخدمون لذلك أساليب الآباء والأجداد التي تقتصر في معظم الأحيان على الأيدي والأظافر ! لديهم في الشمال أفضل الجرارات الزراعية وأحدثها أما هنا في الجنوب فثمة كثيرون لا يعرفون أشكالها أطلاقا! حتى الخيول قليلة ونادرة , فيضطر الفلاح ألى أستخدام حماره لكافة الأحتياجات .....بما في ذلك أنتقاله هو من بيته القديم المتداعي ألى السوق الذي يتألم مثله جوعا وفقرا! البيوت والمحال التجارية الصغيرة بحاج ماسة ألى الترميم الفوري , قبل أن تهوي على من فيها ! المال قليل جدا .... الناس فقراء ويستخدمون أشياء بدائية ومن صنع أيديهم ...... والفلاح الذي يملك دراجة هوائية , يعتبر أنسانا ثريا ! ومع ذلك .... فالنساء مثلك لا يفكرن ألا بأنفاق الأموال الطائلة , على ملابس قبيحة ورخيصة كالتي تعرض هنا هذه الليلة!".

نيو فراولة 31-10-10 02:52 PM

ظلت روزالبا محدقة به , وهي لا تصدق عينيها وأذنيها! لم تقل له سوى جملة قصيرة ومهذبة , فما باله يلقي عليها المحاضرات والخطب السياسية والأجتماعية والأقتصادية ؟ ليس فيه شيء واحد يدل على أنه يستخدم يديه وأظافره في حفر التراب وأقتلاع الصخور , ومع ذلك فلهجته القاسية المتململة بأصداء الأحتقار والأشمئزاز لهذا المحيط الذي يعيش فيه , سألته عن سبب سخطه العنيف , فوجه أليها نظرات حادة أرعبتها وأخفت من وجهها الأحمرار الذي أستعادته قبل قليل , ثم قال :
" أنا مجرد رجل أنساني لم يعد يتحمل جشع الأثرياء وتعاميهم عن الفقر المدقع حولهم , ستتحسن أحوالنا وأوضاعنا ...... يجب أن تتحسن , هكذا أقول لنفسي , ولكن الصبر ليس أحدى فضائلي , فما أريده , يجب أن أحصل عليه فورا......لأنني سئمت الواقع امر الذي جعل من الأنتظار أحدى وسائل الترفيه والتسلية في بلادنا".
قالت روزالبا لنفسها أن هذا الرجل هو بالتأكيد من ذلك النوع ,الذي يتمكن من الحصول فورا على ما يريد , فنظراته الحادة الشرسة , وسطوته النافذة , ولهجته العنيفة , وقوته الجسدية الواضحة , توحي كلها بأنه على أستعداد تام للتضحية بالغالي والرخيص كي يحقق أهدافه ومآربه , أرتجف جسمها فجأة , عندما شعرت بخوف حقيقي من العنف المتأجج داخل هذا الرجل.... الذي لا يزال يتبعها كطلها منذ وصولها ألى صقلية , أحست أيضا بأنها خائفة من الجزيرة ذاتها , من هذه الأرض التي لا يحتاج سطحها ألا ألى خدش بسيط حتى يتفجر فيها العنف كثورة بركانية , تذكرت فورا العهد الذي قطعته على نفسها قبل هبوط الطائرة في باليرمو , بأنها ستقاوم الجبن وتتصدى للمهاجمين المحتملين , فأستجمعت قواها وسألته دون تردد :
" لماذا أنت مهتم هكذا بكافة تنقلاتي وتحركاتي ؟ لا تحاول أنكار ذلك , فمن الواضح أنك عقدت العزم على معرفة كل شيء عني .... بما في ذلك المنزل الذي أقيم فيه , وبأنني حفيدة الكونت روسيني , أنا ممتنة لك بالطبع لأنك أنقذتني من مأزقين كبيرين هذا اليوم , ولكن تواجدك في كافة الأماكن التي أكون فيها لا يمكن تبريره بأنه مجرد صدفة , فلماذا أنا بالذات ؟ قد أفهم أهتمامك بأبنة عمتي , لأن كل الرجال يهتمون بها. أما أنا فلست ألا فتاة عادية بسيطة!".
منتديات ليلاس
ضحك مرة أخرى , وبالشراسة ذاتها , التي لا تفارقه , وقال :
" فتا عادية بسيطة! أذا كان يناسبك الأدعاء والتظاهر بأنك لست من أنت , فلا بأس من أستمرارك في ذلك , ولكن أياك والأستخفاف بذكائي , أو التصور بأنك قادرة على خداعي.. أنت روزالبا , أبنة أنجيلو , وحفيدة الكونت بياترو روسيني دي سيتا ديل مونتي.
توقف لحظة , ثم أكمل حديثه الذي نزل على رأسها كالصاعقة ....قائلا:
" ولذلك فأنت .... بالنسبة ألي.... أهم أنسان في العالم , لقد أنتظرت وصولك طويلا ألى هذه الجزيرة بفارغ الصبر , لا بل كنت أتحرق شوقا لرؤيتك تدخلين مطار باليرمو , كي أخفف عن كاهلي عبء المهمة ونيرها المرهقين , ومن المنطقي أذن أن أبقيك تحت المراقبة المستمرة , طالما أن الشق الأول والبالغ الأهمية لأمنيتي قد تحقق ... بمجيئك ألى هنا".
وقف الرجل الغامض ثم أحنى رأسه محييا ,وقال :
" ألى اللقاء! حتى نلتقي مرة أخرى.... وأعدك بأن ذلك سيتم قريبا جداّ ! , أنت أيتها الحمامة البريطانية الوديعة , الأداة التي أنتظرها ... الطعم الذي سأستخدمه لأغراء الحية الرقطاء على الخروج من جحرها!".

نيو فراولة 31-10-10 03:21 PM

5- وريثة للأنتقام
وصلت أبريل بعد خمس دقائق , لتجد روزالبا واقفة حيث تركها شبح الأنتقام .... وقد شلّ الذعر أوصالها وأخرس الخوف لسانها , قالت لها بتأفف واضح :
" لماذا تقفين هكذا , كأحد تماثيل هذا القصر , وأنا أبحث عنك في كل مكان ؟".
وأضافت معاتبة مؤنبة :
" كنت أعلم أنك غير مهتمة بعرض الأزياء , ولكنني لم أتصور أطلاقا بأنك ستصلين ألى حد تركنا ومغادرة القاعة! تضايق الجد روسيني كثيرا , وكان على وشك الأمتناع عن شراء أي شيء لك ... ولكنني تمكنت من أقناعه بعكس ذلك".
أمسكت أبريل بمرفق أبنة خالها وبدأت تدفعها برفق نحو بوابة القصر , وهي تقول لها بزهو وفرح شديدين :
" ليس هذا وحده فقط , ولكنني تمكنت أيضا من أقناع بعض كبار المصممين العالميين ببيعنا نحن دون سوانا ملابس صممت هذه الليلة... ووقّع عليها أمام الجميع , وبمشاركة صاحبة الدعوة نفسها! هذا العرض هو الأخير خلال الموسم الحالي , وقد أوضحت للمضممين أننا لن تمضي هنا ألا فترة قصيرة جدا .. وأننا بحاجة ماسة ألى أحدث الأزياء الأنيقة والمبتكرة , وافقوا بعد تردد لم يدم طويلا , لأن الجد روسيني أصر على ذلك وعرض مبالغ سخية لا يمكن لأحد رفضها أو حتى تجاهلها !".
لاحظت أبريل الضاحكة أن ملامح روزالبا لم تتغير أو تتبدل , وكأنها لم تسمع حرفا واحدا مما قالته لها , فتوقفت فجأة عن متابعة سيرها السريع وهزت قريبتها قائلة بحدة وعصبية:
" أليس ثمة شيء في هذا العالم ,يوقظك من سباتك ويثيرك؟ أشعر الآن , يا روزالبا , وكأنني فتاة صغيرة مضطرة ألى حمل أوزان ثقيلة لا يقوى عليها الكبار والأقوياء ..... أو كزورق صغير يجر وراءه مرساة سفتية ضخمة! هيا , أستيقظي وأسرعي ! تلك الملابس الرائعة تدعوني , وأنا أريد تلبية دعوتها على الفور!".
منتديات ليلاس
تمكنت روزالبا أخيرا من أستعادة صوتها , فقالت لأبنة عمتها :
" أبريل , مهلا! توقفي دقيقة واحدة وأستمعي , لأنني سأقول لك شيئا بالغ الأهمية!".
هزت أبريل رأسها تأففا , ولكنها سيطرت على نفاذ صبرها عندما لاحظت أن أبنة خالها متضايقة بشكل جدي , قالت لها روزالبا متلعثمة :
" لا أعرف كيف ... ومن أين.... سأبدأ ,ثمة رجل .. رجل يبدو وكأنه زعيم عصابة . رجل يلاحقني منذ وصولنا ألى باليرمو! والليلة .... قال لي ... هدّدني .... رباه لا أعرف بماذا هددني , ولكنني أعرف أنه... أنه رجل يشكل خطرا كبيرا!".
أجلست أبريل قريبتها المذعورة على مقعد حجري قريب ,وهي تقول لها كمن يمازح طفلا صغيرا :
" يشكل خطرا كبيرا ... على من.... يا عزيزتي؟".
ثم وضعت يدها على جبين روزالبا , فأحست بالعرق البارد يتصبب منه , قطبت حاجبيها , وسألتها:
" هل أنت واثقة من أنك بخير ... من الناحية الصحية؟".
" طبعا , طبعا!".
لم تصدقها أبريل , بل وضعت يدها على كتف روزالبا مواسية , وقالت :
" أجلسي هنا ولا تتحركي من مكانك , فيما أذهب أنا لأطلاع الجد روسيني على حقيقة الأمر , أعتقد أنك تهذين , وبحاجة ألى طبيب يعالجك فورا , لن أغيب ألا بضعة دقائق , فلا تخافي! أؤكد لك بأنه لم يعد هناك في صقلية اليوم أي رجال عصابات ! وكيف يمكن لأحد أن يلاحقك ويهددك , طالما أنك معنا طوال الوقت ؟ أرجوك ألا تقلقي , فأنت لا تواجهين أي خطر على الأطلاق!".
راقبت روزالبا أبنة عمتها وهي تركض نحو القصر , وقالت لنفسها أنها هي وحدها المسؤولة عن الأستنتاج المنطقي الذي توصلت أليه أبريل , أنها هي وحدها المسؤولة عن الأستنتاج المنطقي الذي توصلت أليه أبريل , فهي لم تذكر لها أي شيء من الحديث الذي تبادلته مع الغريب الغامض ,ولم تطلعها أطلاقا على الحادثة التي تعرضت لها في السوق ... كما أنه لم يكن بأمكان أبريل معرفة ما حدث لها داخل القاعة وفي الفترة التي تلن ذلك , وعندما رأت جدها الكونت يهرع نحوها , ومعه أبريل وسائقه , تأكد لها بأن أي محاولة للأحتجاج أو التبرير ستكون عقيمة الفائدة... وبخاصة بعدما سمعت أبنة عمتها تقول:
" كانت تهذي عن أشياء خيالية.... عن رجال عصابات يلاحقونها ويهددونها , كانت عيناها زائغتين , وكأنهما تحدقان في المجهول .... وكانت ترتجف كورقة في مهب الريح , مع أن جبينها كان حارا عندما وضعت يدي عليه!".

نيو فراولة 31-10-10 07:30 PM

لم يضيع الكونت وقته بالأستفسار أو توجيه الأسئلة , بل بادر فورا ألى أصدار الأوامر اللازمة ألى سائقة أليسندرو:
" أحمل الصغيرة الآن ألى السيارة وخذها ألى البيت , ثم أبلغ ريتا بأن تضعها فورا في سريرها ".
" لا , يا جدي , لا داعي للحمل أطلاقا .. فأنا قادرة تماما على السير بمفردي نحو السيارة !".
صرخ بها الرجل العجوز قائلا :
" ستفعلين كما يقال لك , يا فتاة !".
ألا أنه أعتذر على الفور عن لهجته القاسية , فقال :
" آسف , يا عزيزتي , ولكنني قلق عليك......... قلق ألى درج أنني لن أشعر بأي أرتياح قبل أن يراك طبيبي الخاص , سأجده بسرعة وأطلب منه الذهاب ألى البيت فورا ".
حاولت روزالبا الأحتجاج مرة أخرى , فقالت لجدها :
" أتمنى لو أنك تصدقني , عندما أقول لك أنني بخير ! ما قلته لأبريل هو الحقيقة..... كل الحقيقة! ثمة رجل يلاحقني كظلي , منذ لحظة وصولي ألى صقلية , وعندما أغمي عليّ الليلة في القصر , حملني ألى هذه الحديقة بالذات وهددني بأنه سوف .....سوف....".
سألها بلهفة , وهو يدرك بالطبع أكثر من أبريل بأن أي شيء محتمل في جزيرة المشاعر الملتهبة والعواطف البركانية :
" بماذا هددك , يا صغيرتي؟".
" لست متأكدة بالضبط , ولكنه...".
" أوه !".
خف التوتر والتحفز في ملامح وجهه , ولكن القلق على صحتها حل محلها بسرعة , قال لسائقه بلهجة لا تقبل الجدل أو المناقشة :
" خذها ألى البيت , يا أليسندرو , وأسرع!".
أكد الطبيب بعد قليل أقوال روزالبا , بأنها لا تعاني من أي مشكلة على الأطلاق , وقال موضحا الموقف :
" أنه الأرهاق الناجم عن الرحلة الطويلة , والشعور بالأثارة لقيامك بهذه الزيارة , ومن المؤكد أيضا بأن طقسنا الحار لعب دوره في أرهاق جسمك , خذي الأمور بهدوء في البداية , وتذكري دائما أن تضعي قبعة كلما ذهبت خارج البيت".
منتديات ليلاس
قبعة! لم يعكس وجهها الشاحب أيّا من مشاعر الخوف التي تسيطر عليها , فهي ليست بحاجة ألى حماية رأسها من أشعة الشمس القوية ... بل من التلميحات البربرية والتهديدات المصاغة بلهجة باردة شرسة , لرجل برز فجأة في حياتها وكأنه آت من عالم الغيب!
هل هو من صنع خيالها؟ راحت تتأمل بدقة أوجه الأشخاص الواقفين حول سريرها .. أبريل , جدها , والطبيب .... وكانوا جميعا يحاولون أقناعها بأنه لا وجود لذلك الرجل , ولكنها متأكدة من أنهم يرتكبون خطأ فادحا , فالأشباح لا تملك أصابع فولاذية كتلك التي طوق بها ذراعها .... والتي لا تزال تشعر بوطأتها حتى الآن !
تناولوا فطورهم صباح اليوم التالي ! , وبدأوا يعدون العدة للتوجه ألى سيتا ديل مونتي , بدا أليساندرو حائرا جدا في كيفية وضع تلك المجموعة الكبيرة من الحقائب والأكياس الجلدية الأنيقة , داخل صندوق السيارة ,وبعد نصف ساعة من المحاولات المتكررة لترتيب الأمتعة وأعادة ترتيبها , بحيث يضمها كلها ذلك الصندوق الضخم , أعترف السائق المتمرس بخجل شديد أن ثمة حقيبة كبيرة يجب أبقاؤها في باليرمو , قالت له أبريل بلهجة واضحة :
" يجب أن نأخذ هذه الحقيبة بالذات , مهما كلف الأمر , فهي تضم الملابس الجديدة التي أبتعتها ليلة أمس! ضعها على المقعد الخلفي , يا أليسندرو , وسنجلس أنا وأبنة خالي على جانبيها بكل سهولة ودون أي أنزعاج ".
ما أن وصلت السيارة ألى ضواحي باليرمو ,حتى توقفت الأحاديث العادية المتفرقة التي تبادلها الكونت وأبريل , غرق الرجل العجوز في تفكير عميق , في حين جلست أبريل بأرتياح بالغ وهي تهنىء نفسها على الأنتصارات التي حققتها حتى الآن , أما روزالبا ... فقد كانت مسرورة من ذلك الصمت , الذي يتيح لها فرصة ألقاء نظرة هادئة على بلاد لم ترها من قبل..... وتبدو لها مع ذلك مألوفة ألى درجة مذهلة .
تأملت المساحات الشاسعة من كروم العنب وحقول الليمون , التي تنضج ثمارها تحت أشعة الشمس الساطعة , فغابت عن مخيلتها في تلك اللحظات صورة وطنها .... بريطانيا , وخلال فترة قصيرة من الزمن , أختفت السهول الخضراء وأزهارها الملونة الرائعة ..... وحلت محلها سفوح الجبال الجرداء , التي تكافح عليها قطعان صغيرة مبعثرة من الغنم والماعز لأيجاد الغذاء النادر.

نيو فراولة 31-10-10 07:56 PM

خفّت سرعة السيارة بعد دقائق قليلة , وهي تنطلق صعودا نحو غابة من أشجار الصنوبر الجميلة , سرت روزالبا بتلك الرائحة العطرة التي عبقت داخل السيارة , وبالنسيم العليل الذي وفرته لهم الأشجار الكثيفة وظلالها , وما أن خرجت السيارة من تلك الغابة , حتى بدت أمام عينيها أجزاء كبيرة من الطريق الحلزونية الحادة الأرتفاع ... التي تلف الجبل حتى قمته.
تطلعت نحو الأنحدار الشديد ألى يمينها , فشاهدت في نهايته البعيدة سهلا ساحليا عريضا زرعت بعض أطرافه بالملاحات وطواحين الهواء .... فيما أنتشرت حول المرفأ الصغير أبراج وبيوت مبنية على الطراز الأسباني , وعندما أمتد نظرها نحو الجزر الصغيرة , شعرت وكأنها جالسة في طائرة مروحية فوق أحدى اللوحات الفنية الرائعة للطبيعة الساحرة الخلابةز
" سنصل بعد لحظات يا صغيرتي .... أنظري! ها هي القرية أمامنا!".
تطلعت روزالبا ألى حيث أشار جدها , فشهقت بأعجاب وأبتهاج شديدين ...... فيما كانت السيارة تدخل القرية عبر قنطرة من حجر الصوان الجميل , الذي صنعت منه أيضا أسوار القلعة وجميع تحصيناتها والطرقات الضيقة المؤدية أليها , وعندما أقتربت السيارة من عش النسور...... من القلعة التي بناها أجدادها على تلك القمة الشاهقة , حبست روزالبا أنفاسها ثم تنهدت وقالت :
" رائعة! رائعة!".
ظهر الأرتياح الحقيقي لأول مرة على وجه الكونت , وسألها بسرور واضح :
" هل تعجبك؟".
" أنها خلابة ...... مذهلة , يا جدي , بحيث يستحيل عليّ الآن أيجاد الأوصاف الكافية لها!".
قال لها باسما , وهو يساعدها على الخروج من السيارة :
" لا داعي للعجلة , يا عزيزتي , أنت شابة في مقتبل العمر , ومن عائلة روسيني , وهذا هو بيتك ".
كان الأعجاب الشديد مسيطرا عليها ألى درجة كبيرة , فلم تعر كلماته ومغزاها أي أهتمام يذكر , تركته يقودها بزهو وسعادة نحو السلم المرمري , عبر ممر تظلله القناطر المقامة على أعمدة حجرية , ومن ثم ألى قاعة فسيحة جدا وذات سقف شاهق الأرتفاع , أرجع الشابة الشابة المذهولة رأسها ألى الوراء قدر أستطاعتها , لتستوعب بنظرة واحدة الجزء الأكبر من ذلك السقف .... الذي يشكل بحد ذاته لوحة فنية نادرة , كتلك المجموعة النادرة التي تغطي معظم الجدران , فقد لاحظت روزالبا أنه مصنوع من ألواح خشبية ضخمة , حفرت على كل منها أشكال هندسية ثم طلبت ألواح خشبية ضخمة , حفرت على كل منها أشكال هندسية ثم طليت جميعها بلون بني داكن , وكانت تتدلى من زواياه الأربع ثريات رائعة كبيرة , يشكل فيها الذهب والكريستال وحدهما ثروة مالية لا يستهان بها.
منتديات ليلاس
عبر أرض القاعة , التي تنتشر عليها مجموعة فريدة من التماثيل , وصعدا السلم الداخلي العريض ليرشدها جدها الكونت ألى الغرفة التي أختارها خصيصا لها , فتح الباب ,ووقف ينتظر بمرح وترقب كيف سيكون رد فعل حفيدته على تلك الغرفة , لقد أدرك منذ اللقاء الأول بينهما في مطار باليرمو , أنها شخص قليل الكلام , ألا أن كل الأمتنان الذي تمنى الحصول عليه , جاءه فجأة في صوتها ..... عندما دخلت الغرفة وقفت مشدوهة ثم همست بعد تمكنها من حل عقدة لسانها:
" أوه , جدي, جدي!".
لحق بها ألى داخل الغرفة الضخمة , وهو يسألها بصوت رقيق:
" ما رأيك بهذه الغرفة يا عزيزتي ؟ هل توافقين عليها؟".
أستدارت نحوه بسرعة لتعبر عن أعجابها وشكرها , ألا أنها لم تتمكن من التفوه بأي كلمة على الأطلاق , أبتسم لها جدها بطريقة هادئة , حاول بها عدم الأفصاح تماما عن كامل سروره وأبتهاجه , ثم ربت على كتفها وقال :
" سأتركك الآن على أنفراد , لترتاحي وتستقر بك الأمور , وبما أننا لم نجد حتى الساعة الوقت الكافي للتحدث معا , فسوف يسعدني جدا أذا نزلت لمقابلتي في مكتبي.... بمجرد أنتهائك من ترتيب أمتعتك وحوائجك , هل تكفيك مثلا ثلاثون دقيقة؟".
هزت روزالبا رأسها كدليل على الموافقة , فخرج باسما وأغلق الباب وراءه , ولم تتحرك من مكانها في وسط الغرفة , بل راحت تحدق بالجمال الذي يحيط بها.... وتحاول تفسير الخوف الذي تشعر به دونما أي سبب واضح , لماذا لا ترقص فرحا وطربا ؟ ولماذا تسمّرت عيناها القلقتان فجأة على صور العصافير الملونة الجميلة , المعلقة على الجدار المواجه لها؟ هل هي خائفة من أنها قد تصبح يوما مثل هذه العصافير ... سجينة أل الأبد داخل هذه العلقة الحصينة التي لا يمكن أختراقها؟

نيو فراولة 01-11-10 01:46 PM

نزلت بعد نصف ساعة لمقابلة جدها , فألتقت ريتا التي أرسلها في سيارة خاصة قبلهم لتعد لهم كافة أسباب الراحة والرفاهية , سألتها روزالبا وهي تشير ألى العدد الكبير من الأبواب المزدوجة الضخمة:
" أين يقع مكتب جدي , يا ريتا؟".
" لقد غيّر الكونت رأيه بالنسبة لمكان اللقاء يا آنسة , فبالنظر ألى هذا الجو الحار , قرر جدك أن تجتمعا على الشرفة الشرقية .....حيث ستكونين مرتاحة أكثر مما لو جلست في مكتبه , تفضلي معي , فسوف أرشدك أليها".
لحقت روزالبا بمدبرة المنزل اللطيفة ألى تلك الشرفة العريضة , المشرفة عبر قناطرها على باحة واسعة ومناظر طبيعية خلابة , والمعدة لأجلاس حوالي عشرين شخصا على أريكتين كبيرتين , ومجموعة تتناسب معهما من المقاعد والكراسي , وقف جدها لأستقبالها , وقال لها باسما :
" أجلس هنا , أيتها الحفيدة الجميلة".
ثم أضاف قائلا , وهو يجلس قربها على الأريكة :
" وأخيرا ...... سنحت لنا الفرصة للتحدث على أنفراد! ولكنك تبدين متوترة الأعصاب , يا عزيزتي , أرتاحي قليلا وأستمعي ألى الأنغام العذبة , التي تصدر عن نوافير الماء هذه , أنها سبع , تمثل كل واحدة منها مئة سنة من ملكية عائلة روسيني لهذه القلعة , وفي العام المقبل , تبدأ المئة الثامنة ..... وتقضي تقاليد العائلة بتشييد نافورة ثامنة , وأريدك أنت أن تكوني الشخص الذي يختار تصميمها".
" أنا!".
أمسك جدها بيدها , فكادت تقفو ألى الوراء ذهولا ورعبا .... وقد تحولت موسيقى النوافير في أذنيها ألى تنهد وبكاء وعويل , قال لها:
"نعم , يا عزيزتي , هذا هو الموضوع الذي أريد مباحثتك فيه , فأنت وريثتي والشخص الوحيد الذي يحمل أسمي , وأسم هذه العائلة العريقة , كل ما ترينه حولك هو أرثك , وحق مكتسب لك بالولادة,هذا هو السبب الوحيد في أصراري على أبريل , لأحضارك معها هذه السنة".
تذكرت روزالبا مخاوف أمها , عن وجود دوافع غامضة وراء هذه الدعوة المفاجئة لزيارة الجد روسيني , ولكنها رفضت التصديق بأن أبنة عمتها لا تبادلها المحبة والعاطفة ذاتهما , اللتين تكنهما لهما منذ طفولتهما ,تألمت كثيرا عندما أدركت أن أبريل أستغلت هذه المحبة , للتمكن من خداعها وحملها على مرافقتها.
" سيكون من واجبك بالطبع أن تقيمي هنا , في سيتا ديل مونتي".
أنتفضت روزالبا في مكانها وقالت :
" لا يمكنني القيام بذلك , فأمي لن تقبل أطلاقا بالتخلي عن بيتها ".
منتديات ليلاس
قال لها الجد روسيني ببرودة قاسية جدا , جعلتها تتصور أن المياه توقفت عن التدفق أو تحولت فجأة ألى جليد :
" لا مكان لأمك هنا , يا روزالبا روسيني!".
ثم مضى ألى القول بلهجة أكثر هدوءا , مع أنه ظل ينقر على مقبض عصاه بشيء من الحدة والعصبية :
" كان والدك أبني الوحيد , فقد أبلغني الطبيب بعد ولادته أمرا مؤسفا للغاية , وهو أن زوجتي ....جدتك... لم تعد في وضع صحي يسمح لها بأنجاب أي طفل آخر".
لم تجد الكلمات المناسبة للتعليق على جملته , فتابع حديثه قائلا:
" لا شك في أنك تعرفين عن الصدع الذي حدث بيننا.... الصدع الذي لم يكن لي يد في أحداثه , والذي حاولت مرارا عديدة العمل على رأيه , أنني ألقي بمسؤولية ذلك , ورفض أبني المستمر لكافة محاولات التهدئة وأقامة الجسور التي بذلتها معه , على التأثيرات الخارجية ".
" هل تلمح ألى أن أمي....".
" أنا لا ألمح أبدا , بل أحدد الوقائع والحقائق الثابتة , ولكننا لن نجادل في هذا الموضوع , لأن وفاة والدك جعلت منه مسألة لا أهمية لها , على أنني قادر على القول بكل جدية وثقة وأمانة , أن أباك كان أبنا عظيما...... ورجلا يتحمل كافة مسؤولياته بكل شجاعة وضمير حي , ولو أنه منح الفرصة الكافية , لأصبح بالتأكيد الخلف الناجح والمناسب لوالده .... ولبقية رجال عائلة روسيني العظماء الذين سبقوه , أنا أعرفه أكثر بكثير مما تعرفينه أنت , يا عزيزتي , لقد تدرب أبوك طوال حياته , رضيعا وصبيا ومراهقا , على العيش كالنبلاء , صحيح أنه عمل في الحقول والمزارع بناء على تعليماتي وأصراري , ولكن ذلك كان ضروريا جدا بالنسبة له ولمستقبله , كان عليه أن يعمل مع عماله وفلاحيه ليصبح على معرفة تامة بهم , ولكي يحترموه هم بدورهم .. ليس فقط كسيدهم , بل أيضا كرجل لا يطلب منهم القيام بشيء لا يقدر هو على القيام به , نعم ,يا عزيزتي , فعباءة الزعامة قد تشكل عبئا ثقيلا على من يرتديها , ولهذا خلعتها عليه في سن مبكرة جدا , حتى يصبح مع مرور السنين معتادا على وزنها وثقلها , ولكن تلك العباءة , ويا للأسف الشديد , سحبت عن كتفيه ومزقت شر تمزيق..... رغما عنه وعن أرادته".

نيو فراولة 01-11-10 05:35 PM

أحست روزالبا بوقع النظرات الفولاذية القاسية على وجهها , فرفعت رأسها نحو ذلك الرجل الذي قال جملته الأخيرة بصوت حزين متألم , شعرت أن جدها ينظر أليها ولكنه لا يراها , لأنه يحدق بالماضي الذي لا يزال حيا في ذاكرته ومخيلته , لم تجرؤ على التحدث أليه , فقد بدا لها بوضوح أنه مستاء جدا وهو يحاول العودة ألى الحاضر لأكمال حديثه.
" لم أقدر أن أتصور أبني خبازا وصاحب محل صغير لبيع الحلوى , وقد يكون من الصعب عليك أنت بالقدر ذاته تخيله هنا بين أتباعه يحمل مشاكلهم , يلبي مطالبهم الحقة , يشاطرهم ضحكهم وفرحهم , ويمزج دموعه بدموعهم!".
رمى عصاه الثمينة على الأرض بقوة كادت تحطمها , ثم ضرب حافة الأريكة بقبضته وهب واقفا كشاب في العشرين من عمره.
" من العار أن يحرم أبني من ثرائه ووطنه وشعبه , بسبب.... بسبب أمرأة !".
منتديات ليلاس
شعرت روزالبا بأن السموم التي حملتها كلماته وصلت ألى أعماقها , وكادت تصيبها بالغثيان , أتضحت لها فجأة دوافعه , فيما كانت كلمة الأنتقام ترن كالأجراس في أذنيها , لم يستدعها ألى صقلية بسبب حبه لأبنه , أو لأنه يحتاج أليها لتحتل محله بعد وفاته , بل لأنه أراد الأنتقام من أمها , لا شك في أنه يحتقرها ويكرهها ألى درجة هائلة , لأنها حرمته أولا من أبنه ثم من أبنته.
لاحظ الرجل العجوز , وهو ينظر في عينيها المذعورتين , أنه تسرّع كثيرا في الكشف عن حقيقة مشاعره ..... وتمادى في ذلك ألى حد بعيد , أستخدم أرادته القوية , فتمكن بعد جهد من السيطرة على سخطه ونقمته وأرغم ملامحه القاسية المتحجرة على التحول ألى نظرات ندم وأسى , قال لها معتذرا عن أدخال الرعب ألى قلبها , ومحاولا التأثير على عواطفها :
" أنا آسف , يا عزيزتي , لأنني سمحت لمشاعري وأحاسيسي بالتفجر أمامك على هذا النحو القاسي , أرجوك .... أتوسل ألك .... حاولي التغاضي عن أخطاء الشيخوخة وأنفعالاتها , الأشجار تزداد قوة وصلابة كلما تقدم بها الزمن , والأنهار تزداد أتساعا , ولكن الرجال المتقدمين في السن يغرقون في وحدتهم وأحزانهم , أبقي معي , يا روزالبا! أنا متأكد من أن والدك كان سيحب ذلك ويتمناه , فدمه يجري في عروقك وطبيعته تعيش في أعماقك! سيحيا ثانية بك , وعبرك !".

نيو فراولة 01-11-10 06:07 PM

6- بعض الحنان الفظ

أمضت روزالبا بقية ذلك النهار بعيدة عن جدها , لتتحاشى مواجهته أو الأصطدام به , خرجت من القلعة لتتفقد الأراضي المحيطة بها , فلاحظت أنها مزروعة في معظمها.....ولكنها توحي في الوقت ذاته بأن الفضل الأكبر في منحها هذا الجمال الساحر الخلاب يعود ألى الطبيعة , وليس ألى الأنسان.
المياه غزيرة في القلعة وجوارها , ولكنها لا تستخدم للشرب والسباحة والري فحسب .... بل أيضا كأنغام موسيقية عذبة , ومرايا تعكس أشعة الشمس الذهبية لوحات فنية رائعة , راحت تبحث عن مصدرها , فتبين لها أنها تتفجر من أحد الينابيع الجبلية القريبة , تابعت خط تدفقها بين الصخور , فأكتشفت لاحقا أن قسما يصب في مستوعب زجاجي ضخم تسبح فيه مجموعات كبيرة من الأسماك وتظلله غابة من الأشجار القديمة .... في حين يخترق المجرى الآخر الجهة الجنوبية للغابة وينهمر شلالا قويا فوق الجنائن والحدائق , التي تبدأ من تلك النقطة وتنتهي حول باحة القلعة.
جلست روزالبا على حافة البركة التي تتجمع فيها مياه الشلال , وتتوزع منها ألى النوافير السبع في حديقة القلعة , أغمضت عينيها لحظة لتسمع خرير المياه بروحها وقلبها , فشعرت بعد فترة قصيرة بعودة السكينة والطمأنينة ألى أفكارها المشتتة وأعصابها المتوترة , تطلعت ألى يمينها , فشاهدت تمثالين نصفيين للرمزين الحاميين للأنه , كانا ينظران ألى جهتين معاكستين , وكأنهما يرفضان الأعتراف بوجود بعضهما , تنهدت روزالبا وتساءلت بأسى ومرارة عن سبب هذا الهوس المجنون بعزة النفس والتفاخر , في مثل هذه البلاد الجميلة والطبيعة الساحرة ! الملامح تصورهما , العيون تعكسهما كالمرايا , الكلمات والأشارات تضج بهما , وحتى التماثيل الحجرية تتحدث بعنف عنهما ! نظرت ألى أحد التمثالين , الذي يبدو أقل شراسة وقساوة , وخاطبته بالقول :
" أخبرني , كيف يمكنني الهرب من هنا ؟ أليس من السخافة والسخرية , في عصر حرية الفرد هذا , أن أتخوف من أن جدي يريد أبقائي في صقلية رغم أرادتي؟ أنت وأنا نعرف تماما أن الكونت روسيني لا يزال يعيش في قلعته الجبلية الحصينة كما عاش أجداده في القرون الماضية , عندما كان كل منهم حاكما بأمره وذا سلطة مطلقة , لا فائدة ترجى من أي محاولة للحوار معه أو أستخدام العقل والمنطق , وليس من الحكمة أطلاقا التصدي له أو الأعتراض على أوامره".
منتديات ليلاس
أنتظرت برهة وكأنها تأمل في الحصول على رد أو أقتراح من التمثال , ولكنها أنتبهت ألى أنه لم يتزحزح من مكانه أو تتبدل معالمه ولو بنسبة ضئيلة ,ما أغباها! أذا كانت المياه المتدفقة عليه منذ مئات السنين لم تتمكن من تحريكه وأثارته , فكيف ستنجح في ذلك كلمات فتاة غريبة ضعيفة؟ هزت روزالبا رأسها , وقالت له:
" يبدو أنه ليس لدي أي خيار , غير اللجوء ألى السرية , سأحاول الأبتعاد عن جدي وأبنة عمتي قدر الأمكان , لأفكر بطريقة ما , يجب أن أفعل ذلك , وألا فأنني سأجد نفسي عما قريب لعبة خرساء صماء في يديه... يضيفها ألى مجموعته الكبيرة التي يحتفظ بها منذ عشرات السنين!".
تجنبت في المساء مرافقة جدها وأبريل ألى العشاء , بحجة أنها تشعر بصداع شديد , قبل الكونت عذرها فورا وتمنى لها الشفاء عاج , ثم أستدعى ريتا ووجه أليها بعض التعليمات المعينة , وبعد نصف ساعة من ذلك , حضرت مدبرة المنزل ألى غرفة روزالبا ووضعت صينية طعام على الطاولة القريبة منها , ثم أبتسمت وقالت :
" أحضرت لك عشاء خفيفا , يا آنسة , وسأعود في وقت لاحق لآخذ الصينية ,وفيما عدا ذلك فأن أوامر الكونت تقضي بعدم أزعاجك أطلاقا , أتمنى لك نوما هادئا , وتصبحين على خير".
أكلت روزالبا معظم الطعام الذي أحضرته ريتا وشربت كوبين من العصير , وذلك كيلا تتعرض لأستجواب جديد حول فقدانها الشهية وحاجتها ألى زيادة وزنها , خلعت ملابسها وأرتدت ثياب النوم ثم أستلقت على السرير الكبير , تتمتع بالنسيم المنعش الذي يأتيها عبر نافذة عريضة.
شعرت وهي نصف نائمة بأن ريتا تسللت ألى الغرفة بحذر شديد ,ثم غادرتها بالطريقة ذاتها حاملة معها صينية الأكل , أبتسمت روزالبا بأرتياح لتصرفات هذه السيدة اللطيفة , وأدارت وجهها نحو النافذة لتتأمل الستائر الرقيقة التي تتراقص بهدوء مع هبات النسيم الخفيفة , وما أن مرت لحظات معدودة , حتى أغمضت الشابة المرهقة الأعصاب عينيها ..... وأستسلمت ألى النوم العميق.

صوت البحر 02-11-10 10:10 AM

شكرا على هذه الرواية الرائعة

ايمااان 02-11-10 07:58 PM

جآآآآآآري الانتظآآآآآآآآر

نيو فراولة 02-11-10 09:55 PM

وفي وقت متأخر جدا , وبينما كان الصمت والظلام يخيمان على القلعة ومن فيها , أستيقظت روزالبا وشاهدت شبحا ضخما مرعبا يقترب منها , شهقت بذعر وحاولت أن تصرخ مستنجدة , ولكنها أحست بيد قوية تطبق على فمها وبصوت بارد قاس يهمس في أذنها :
" لا تكوني غبية , يا آنسة! أذا ألتزمت جانب الصمت والهدوء , فلن تتعرضي لأي أذى , أما أذا حاولت القيام بأي شيء آخر , فلن أرحمك بتاتا!".
أبعد الرجل يده عن فمها , ليحل محلها فورا شريط لاصق غطى شفتيها المطبقتن بشكل محكم جدا , ثم أمسك بذراعيها ورماها على كتفيه العريضتين , كأنها كيس من الخضار , أنساها الذعر ةالهلع أنذاره وتهديده , فحاولت الصراخ .... فيما كان الخاطف يخرج بها ألى شرفة غرفتها , ولكن الرباط المحكم بدقة كتم صوتها بنسبة كبيرة , فلم يصدر عنها ألا الأنين المتألم الذي أنطلق من أنفها.
رفع خاطفها رجله فوق حافة الشرفة الشاهقة الأرتفاع , فأحست روزالبا بالدماء تتجمد في شرايينها وطوقت عنقه بذراعيها , ثم رفع رجله الثانية .... وقفز برشاقة وخفة يحسده عليها الفهود والقردة , نحو أحد أغصان شدرة باسقة يبعد جذعها بضعة أمتار عن جدار القلعة , توقف قلبها عن الخفقان , فيما كان الغصن يتمايل بعنف ويكاد ينوء تحت حمله الثقيل..... الذي تضاعف بسبب قوة الأندفاع , نظرت روزالبا ألى أسفل , فشعرت بأنه سيغمى عليها .... وبخاصة عندما بدأ خاطفها بالقفز من غصن ألى آخر , حتى وصل ألى الأرض.
أنزلها الخاطف عن كتفيه وأوقفها على قدميها , فتخيلت أن محنة النزول التي لم تدم في الواقع أكثر من عشرين ثانية ... قد أستغرقت دهرا , وأفقدتها نصف ما تبقى من حياتها , حاول الرجل أبعاد ذراعيها اللتين تضغطان بقوة خانقة على عنقه , ولكن صدمتها كانت أقوى من خجلها .... فلم تتمكن من الأبتعاد عنه , ألا بعد أن قال لها بخبث ودهاء:
" أحذري مما تفعلين يا آنسة , فألتصاقك بي ألى هذه الدرجة مثير جدا , وأنا لست من الرجال الذين يضعون أحاسيسهم ورغباتهم في ثلاجة".
منتديات ليلاس
حققت سخريته اللاذعة والتهديد الصريح الذي تضمنته , هدفهما بسرعة البرق ....وكأنهما صفعتان قويتان وجهتا ألى وجهها وجبينها , أستفاقت فورا من صدمتها وذهولها , وقفزت ألى الوراء مرتجفة الجسم ومحمرة الوجنتين , أحست في تلك اللحظة بعزاء وحيد , وهو أن الظلام يحجب عن عينيه مشاعر الخوف التي تنتابها ..... وثياب النوم الرقيقة التي ترتديها , ولكنها فوجئت بأنه لم يحاول الأمساك بها , كما كانت تتصور وهي تبتعد عنه تلك الخطوة العريضة.
مرت بضع لحظات قبل أن تدرك أنها وحدها , وأن شبحه الطويل لم يعد قربها , حاولت نزع الشريط اللاصق عن فمها , لتصرخ طالبة النجدة , ولكن الألم الشديد حال دون أتمامها هذه المهمة , ركعت بسرعة وراحت تتلمس الأرض حولها , علها تجد حجرا تقذفه على أحدى النوافذ ...... لأحداث ضجة قد توقظ أحدا في الداخل , وجدت حصاة صغيرة فرمتها نحو نافذة قريبة , ألا أنها أرتطمت بأوراق الشجرة التي تقف تحتها.... ووقعت على بعد خطوات قليلة منها , بدأت تركض مذعورة نحو بوابة القلعة , ولكنها شاهدت فجأة ذلك الرجل اللعين يقفز أمامها من الشجرة ويمسك بها , أقترب منها ألى درجة تسمح لها برؤيته ثم رفع أمامها حقيبتها التي أحضرتها لتوه من غرفتها ,وقال :
" سوف تحتاجين ألى بعض الملابس !".
حدقت به , ألا أنها لم تتمكن من التحدث أليه.... ليس فقط بسبب الكمامة اللاصقة , ولكن أيضا نتيجة لصدمتها وذعرها وأستغرابها! أنه الرجل نفسه الذي حاولت أبلاغ جدها وأبريل عنه.... الرجل الذي تخيلته كزعيم عصابة بسبب أفكاره المتطرفة وروحه العدائية .... الرجل الذي يرى فيها طبقة يحتقرها ويريد معاقبتها ! ولكن... كيف سيفعل ذلك؟ كيف سيكون شكل أقتصاصه من المجتمع الثري المميز , ممثلا بها؟ هل سيكتفي بحرمانها من الترف والرفاهية ؟ هل سيحتفظ بها كرهينة , ويطالب بفدية لأطلاق سراحها؟ وهل سيقتلها , أذا لم يحصل على مطالبه ؟ أم أنه يخطط لأشياء أعظم وأدهى , كأن يحاول مثلا..........

نيو فراولة 02-11-10 10:41 PM

تمكن الرجل من قراءة أفكارها ومخاوفها , عبر نظراتها المذعورة والزائغة , فأبتسم وقال لها بسخرية قاسية:
" ما تفكرين به الآن , يا آنسة , أمر رائع جدا.... بالنظر لنعومتك ورقتك وجمالك , ومع أنني أتمنى ذلك ألى درجة كبيرة , ألا أن الوقت لا يسمح لنا أطلاقا بمثل هذه الأمور".
أمسك بذراعها , وبدأ يبتعد بها سريعا عن القلعة , تألمت قدماها الحافيتان كثيرا , ولكن أصوات التوجع والأنين لم تصل ألى أذنيه .... أو أنها وصلت ولم يأبه بها ! برزت أمامهما فجأة سيارة لاندروفر مخبأة بطريقة ذكية بين مجموعة من الأشجار والصخور , فأمرها بالصعود أليها , أدار محرك السيارة القوية المخصصة للطرقات الجبلية الوعرة , ثم خلع سترته وأعطاها أياها قائلا:
" هيا , أرتدي هذه السترة! فخططي بشأنك لا تشمل أضاعة الوقت بتمريضك والأعتناء بك , أذا تعرضت لأي نزلة صدرية".
وجدت روزالبا بعض العزاء في ذلك الحنان الفظ .... فأي رجل شرير يخلو قلبه تماما من أي عاطفة ورقة , كان سيتركها كما هي لتتجمد من البرد , ولكن صوتا داخليا نبّهها ألى أن مصلحته , كخاطف يسعى وراء الفدية المالية , تقضي بالمحافظة على صحتها وسلامتها ... على الأقل ألى أن يحصل على مطالبه.
شكلت رحلة السيارة على تلك الطرقات الضيقة والملتوية , والتي تنحدر بشكل حاد , أمتدادا لذلك الكابوس المرعب الذي بدأ منذ ظهور هذا الرجل في غرفتها , تمسكت ببابها جيدا كيلا ترمى خارج السيارة المنطلقة بسرعة جنونية , وأغمضت عينيها مرات عديدة خوفا وهلعا لدى تجاوزهما منعطفات بالغة الخطورة , ولم تشعر بأي أرتياح يذكر , ألا بعد أن أسوت الطريق بعض الشيء وأخذت خيوط الصباح تشق بسرعة سحب الظلام الدامس , وما أن أشرقت الشمس , حتى أصبح الجبل الذي تتوج قمته قلعة النوافير بعيدا عنهما ألى درجة كبيرة.
منتديات ليلاس
مضت ساعتان تقريبا قبل أن تبدأ السيارة صعودا حادا نحو أحدى قمم الجبال الجرداء , التي بدت كأنياب شرسة تحاول قضم قطعة من تلك السماء الصافية , شعرت روزالبا بأنها خائرة القوى ومحطمة الأعصاب , وبأن عقلها وجسمها أصبحا أكثر جمودا من هذه الصخور الضخمة , القادرة على أخفاء جيش بأكمله.
خرجت السيارة فجأة من غابة الأحجار والأتربة ألى سهل صغير , وبدا أن خاطفها ينطلق بها سريعا نحو مجموعة من الصخور الضخمة الواقعة على الجانب الآخر , أزداد توترها بسبب هذا التصرف الأنتحاري , ثم غرقت في مقعدها وأغمضت عينيها عندما أنعطف بسرعته الجنونية حول تلك الصخور ..... ودخل كهفا كبيرا مظلما.
أطاعت أوامره بالخروج , فتعثرت وكادت تهوي على الأرض ... لو أنه لم يقفز من مكانه بسرعة البرق ويمسك بكتفيها , وقبل أن تلاحظ تماما ما يجري حولها , أنتزع الرجل بخفة ولباقة فائقتين الشريط اللاصق الذي يغطي فمها , أحست بوخزة ألم بسيطة , ولكنها لم تصرخ أو تصدر أي أصوات تنم عن معانتها وأحزانها , كانت شفتاها الناعمتان متورمتين وجافتين , ومعنوياتها ضعيفة ومهشمة , نظر أليها بقساوة وكأنه سعيد بعذابها وألمها , ثم قال لها:
" أهلا بك ألى عالمنا يا آنسة ...... ألى عالم الفقر والبؤس والأسى , وألى جميع الأشباح الذين سيبقون معك أثناء أقامتك غير المريحة!".
سألته بصوت يخنقه الحزن والهلع :
" من.... من أنت ؟ وماذا .... ماذا تريد مني ؟".
" أسمي سلفاتوري ديابولو !".
راقب رد فعلها بدقة , وهو يتوقع على ما يبدو مشاهدة نوع من الأستغراب والدهشة , وعندما ظلت ملامحها على حالها , مضى ألى القول بصوت قاس ينم عن السخط والغضب :
" أنا , شخصيا , لا أريد أي شيء منك , فأنت مثلي مجرد أداة في يد القدر... القدر الذي يقضي بأن الموتى لا يمكنهم أيجاد الراحة الأبدية , ما لم يتم تطبيق العادات والتقاليد وأطفاء المشاعر المتفجرة والملتهبة بالأنتقام وأخذ الثأر".
هزت رأسها بذهول وحيرة , وتمتمت قائلة :
" أنا آسفة......! لم أفهم ماذا تقول .....! هل يمكنك أن تشرح لي حقيقة ما يجري؟".
لم يصدق أذنيه , فبصق بعصبية وتململ فائقين وقال :
" أنت من عائلة روسيني.... وأنا من عائلة ديابولو , هل يحتاج ذلك ألى أي أيضاحات أو تفسيرات أضافية؟".

ايمااان 03-11-10 01:51 AM

يــــآآآآ الهي

كم هي راائعه واحداثها تستحق المتااابعه

نحن بانتظاارك يااغاليه

نجمة33 03-11-10 11:01 AM

تسلم الايادي
القصه رائعه شكرالك

نيو فراولة 04-11-10 07:05 PM

لم تجد روزالبا الكلمات المناسبة فورا للكشف عن حقيقة مشاعرها ومخاوفها , ولكن الذعر والأرتباك دفعاها ألى القول:
" نعم , أنا من عائلة روسيني .... ولكنني ولدت في بريطانيا وعشت فيها طوال حياتي , ولم أكن أعرف جدي قبل يوم أمس! أما بالنسبة لأسمك , فأنه لا يعني لي أي شيء على الأطلاق , وأذا كان هناك أي سبب لذلك , فأنني أجهله تماما ".
دخلت أشعة الشمس ألى الكهف المظلم فأنارته بشكل كاف , بحيث تمكنت روزالبا من مشاهدة التحول المفاجىء في ملامح الرجل ونظراته , فقد بدت في تلك اللحظة أكثر رقة وأقل قساوة وعنفا ... ربما بسبب مواجهته وضعا لم يكن يتوقعه أو يتصور حدوثه , وفيما كان يتأمل القلق في وجهها , تذكرت روزالبا تعهدها لنفسها بأنها ستتحلى بالشجاعة في التصدي للأخطار والمصاعب المحتملة , أرغمت عينيها على التطلع نحوه ومواجهة نظراته الحائرة المشككة , فلاحظت أنه هو أيضا يتذكر شيئا ما , وفجأة , وضع يده اليسرى على ذلك الأبزيم الذهبي البرونزي الذي يربط به حزامه الجلدي , وأشار بيده الثانية نحو صندوق خشبي قائلا:
" أجلسي , أيتها البريئة حتى أشرح لك بعض الأمور المتعلقة بعائلتينا ... فمن المؤكد أنك تجهلين تماما نظرة عائلة ديابولو ألى المشكلة القائمة منذ فترة طويلة , لم تبدأ عمليات الثأر والأنتقام أصلا بين عائلتي روسيني وديابولو , بل بين روسيني وبيشيوتا.....".
" الثأر والأنتقام !".
منتديات ليلاس
" نعم ,هاتان هما الكلمتان الوحيدتان اللتان يمكنني أستخدامهما في هذا المجال , لدينا نحن ماض بعيد من الوحشية والقساوة , وأكثر ما نقبل الأعتراف به أن أصلنا يعود ألى تلك الفترة التي بدأ فيها تحول البشر من البربرية ألى المراحل الأخرى , ومع أننا , نحن سكان صقلية , نصر على بلوغنا مراحل التقدم والرقي والحضارة , ألا أننا لا نزال متطرفين جدا في حساسيتنا أتجاه الأهانات وردود فعلنا العنيفة عليها , ولهذا , فأن مبدأ الثأر لا يزال ضروريا وينفذ على نطاق واسع , ففي مجتمع يفتقر ألى السلطة العادلة وغير المنحازة , تصبح سياسة الأنتقام الطريقة العملية الوحيدة للحيلولة دون تفجر المزيد من السخط والغضب , وبكلام آخر , يا آنسة , فأن أرغام أي رجل.... حتى كجدك المنتقم الذي لا يعرف الشفقة والرحمة ...... على المعاناة من أعمال شريرة مماثلة لتلك التي قام بها مع الآخرين , قد يفهمه في نهاية الأمر أن العنف لا يجدي على المدى الطويل ".
توقع سلفاتوري ديابولو أن تهب روزالبا للدفاع عن جدها , ولكنها ظلت صامتة.... وهي تشعر بالأشمئزاز مما سمعت لتوها , وتتخوف من أن الأسوأ لم يأت بعد , وعندما أبعدت وجهها عنه , هربا من نظراته القاسية والمشبعة بالعداء والكراهية , مضى ألى القول بنبرة حاقدة :
" خطبت ماريا بيشيوتا ألى رجل يدعى أنجيلو روسيني , وتمت كافة الترتيبات الضرورية للزفاف .... الذي حدد موعده قبل ألتحاق أنجيلو بالجيش , وفيما كان خطيبها يخدم فترته في الجندية , راحت ماريا تعمل بجد ونشاط مذهلين وبسعادة بالغة , حتى أعدت جميع الأشياء الأساسية والثانوية للبيت الذي ستتشاطره مع أنجيلو لدى عودته , ولكن أنجيلو روسيني , كما تعرفين , بالطبع لم يعد".
كانت نظرات الأتهام عنيفة جدا في عينيه , وتدعوها ألى مناقضته أو الأعتراض عليه , ولكن روزالبا لم تكن على أستعداد للقيام بذلك... قبل أطلاعها على مجمل المعلومات التي تريدها.

نيو فراولة 04-11-10 07:26 PM

"سرت الشائعات بسرعة أن أنجيلو روسيني تخلى عن ماريا ونبذها , فعانت هذه المسكينة من المضاعفات المحتمة , تلطخت سمعتها وأصبحت موضع شفقة وأستهزاء الآخرين , فبرز دور باولو ديابولو على مسرح الأحداث ! كان يحبها منذ فترة طويلة , ولكنه لم يجرؤ على البوح بحبه أو حتى على التلميح أليه....... لأنه كان يدرك مدى أهتمامها وتعلقها بأنجيلو روسيني , ويعرف بالتأكيد أنها ستذيقه مرارة الخيبة والهوان بمجرد أشارته ألى ما يشعر به أتجاهها , عرض عليها ال زواج منه فلم تتردد لحظة في قبول ذلك , لأن الرفض كان سيعني بالنسبة بالنسبة لها آنذاك , حكما نهائيا ومبرما ببقائها عانسا طوال بقية عمرها , وكان من الطبيعي , بمجرد زواجهما , أن ينضم باولو ديابولو ألى والد ماريا , وأشقائها في عملية الأنتقام للأهانة والأذلال .....من الشخص الوحيد في عائلة روسيني الذي لم يغادر الجزيرة , ألا وهو الكونت , ولكنهم لم يكونوا سوى مجموعة من الفلاحين الفقراء , تقتصر مهارتهم في الحياة على أقتلاع لقمة عيشهم من الأرض التي يعيشون عليها , أما خصمهم ذو الثروة والنفوذ الهائلين والحاكم المطلق في مملكته الصغيرة , فقد كان دائما محاطا بحراس مدججين بالسلاح وقابعا بسلام وطمأنينة وراء أسوار قلعته الحصينة .... التي يحميها جيش من القتلة المأجورين , وقضت أوامر الكونت الحاقد لرجاله الأشرار بمطاردة جميع الذكور من أقرباء ماريا وقتلهم.... وبخاصة زوجها ديابولو ".
صرخت روزالبا بصوت عال:
" لا أصدقك, لا أصدقك ! قد يكون جدي متسلطا ومستبدا وحاكما بأمره , ولكنه ليس قائلا!".
" أؤكد لك , يا آنسة , أن جدك لم يلوث يديه مرة واحدة بأستخدام خنجر أو مسدس أو بندقية , ولكن الأوامر صدرت ألى رجاله من المرتزقة المتعطشين للدماء , أدت ألى مقتل جميع الذكور في عائلة بيشيوتا .... الأب , الأبناء , الأعمام , وحتى الأقرباء الذين يعود أرتباطهم بالعائلة ألى بضعة أجيال خلت , لم يسلم من تلك الحملة الدموية الشنيعة والمجزرة الرهيبة , ولو لفترة وجيزة يا للأسف , ألا ماري الحامل وزوجها , هربا ألى هذه الجبال للأحتماء بأبن عم باولو , توريدو ديابولو الذي كانت تعتبره السلطات زعيم عصابة ومن قطاع الطرق .... فيما أعتبره الفلاحون الفقراء فارسا شجاعا وبطلا أسطوريا يحميهم ويدافع هنهم ويزودهم بمعظم ما يحتاجون أليه".
منتديات ليلاس
جال بنظره في أرجاء الكهف , ثم أضاف قائلا بتحسر مرير :
" ولد طفل ماريا في هذا الكهف بالذات , وفتح عينيه على جدرانه القاسية ثم بدأ يدب ويزحف على أرضه الخشنة وحجارته المسننة , أعرف الشقاء والعذاب الذين عاشهما , وأعرف المرارة والوضاعة اللتين عانى ذلهما ! أعرف هذه الأمور جيدا , يا آنسة , لأنني أنا هو ذلك ذلك الطفل! نعم , أنا سلفاتوري ديابولو السمكة الوحيدة التي أفلتت من شباك جدك الرهيب ....... ليس لأنني بطل مغوار وقائد عرمرم , بل لأنه حتى الآن لا يعلم بوجودي !".
حدقت روزالبا بوجهه الذي بدا وكأنه قدّ من هذه الصخور , حيث ولد وعاش شقيا يائسا ويتيم الوالدين , أحست بالشفقة على ذلك الطفل , الذي دفعته حياة العنف والقتل ألى الأحتماء منذ حداثة سنه بالخارجين على القانون ليتمكن من البقاء حيا , هل يمكنها الأستغراب بعد ذلك , أن يتحول طفل كهذا ألى رجل يضج قلبه حقدا وكراهية؟ علمه أولئك الذين ساعدوه , وتحولوا في نظره ألى مثل عليا , على الجسارة الفائفة وعدم الخوف من الموت.... وعلى أحتقار المتسلطين والمستبدين , والسعي ألى الأنتقام منهم , زرعوا في قلبه منذ الصغر بذور العداوة والحقد , فأصبح مقتنعا بأن الثأر والأنتقام هما طعامه وشرابه ووسيلته الوحيدة للبقاء.

نيو فراولة 04-11-10 10:23 PM

أرتجف جسمها وهي تلقي الآن , عبر هذه التفاصيل المذهلة والمرعبة , نظرة جديدة على نفسية جدها البغيضة , لم تكن أمها مخطئة أطلاقا في وصفه بالطاغية المستبد , ولكنه ليس وحده المسؤول عن تلك الأحداث الدموية التي أوصلت سيلفاتوري ديابولو ألى هذه المرحلة المتطرفة والمذهلة من الحقد الأعمى والسعي المجنون ألى الثأر والأنتقام , لا شك في أن ماريا بيشيوتا كذبت وشوهت الحقائق لتنقذ ما تبقى من كرامتها وعزة نفسها , ولكن , كيف يمكنها أن تقول ذلك لأبنها المصمم على الأنتقام .... والقادر على حرمانها من الحياة واحدة؟ ستحاول , وألا فأين أخلاصها وحبها لوالدها !قالت له بلهجة هادئة:
" أذا أحبت المرأة وأكتشفت أن الرجل الذي تحبه لا يبادلها الشعور ذاته , فأنها تلجأ في كثير من الأحيان ألى خداع نفسها.... وألى السماح لقلبها بالأحتيال على ضميرها , لم يعلم أبي أطلاقا بموضوع الخطوبة , ألا عشية دخوله الجندية , أتخذ جدي القرار وأعد الترتيبات اللازمة , دون أستشارته أو مباحثته في الأمر ..... لا بل أن أبي وجد صعوبة في معرفة صاحبة الأسم الذي ذكره له جدي , كان والدي أنسانا طيب المعشر حسن السيرة , ويأخذ دائما مشاعر الآخرين بعين الأعتبار , أنت مخطىء تماما أذا كنت تفترض بأنه ورث طبيعة الكونت روسيني ونفسيته , فقد كانا مختلفين تماما .... و ....".
قاطعها بصوت أقوى من الرعد , قائلا:
" هذا كلام فارغ .... هراء , فالشر لا يلد ألا الشر... والذئاب لا تلد ألا الذئاب!".
منتديات ليلاس
تنهدت روزالبا عندما لاحظت أنه لا فائدة ترجى من محاولة أقناعه بشيء , أو حتى بمناقشته في هذا الموضوع , فسألته بصوت يرتعش خوفا:
" ماذا تنوي أن تفعل بي ؟".
" سأجعلك تعيشين كما عشنا نحن ".
" نحن...؟ ماذا.... ماذا تعني .... بذلك؟".
" أعني نفسي , ووالديّ المسكينين , والعائلة الوحيدة التي أعرفها.... تلك المجموعة الصغيرة من الرجال الشجعان الأشداء الذين أرغمهم طغاة مستبدون أمثال جدك على اللجوء ألى هذه الجبال وهذه الكهوف , دفاعا عن كرامتهم وطموحاتهم وأفكارهم , ستشعرين بالبرد كما شعرت أمي , وتعانين من قساوة الحياة والوحدة والخوف مثلما عانت هي , أن لم يعجبك الطعام الذي ستعدينه بنفسك على نار الموقد , فسوف تجوعين! وأن لم تحضري بذاتك الكمية التي تحتاجين أليها من مياه الشرب والغسيل , فستعطشين وتصبح رائحتك قذرة ونتنة , وأذا وجدت أثناء النوم أن الأرض قاسية جدا تحت ظهرك , فسوف تستيقظين متوعكة متألمة ....أو يصيبك السهاد والأرق فتشعرين كل صباح بالتعب والأرهاق الشديدين ! ولكن مهمتك الأساسية تكمن في حمل تلك الحية الرقطاء السامة على الخروج من جحرها , حتى يتم أنتزاع أنيابها".
" ماذا؟ هل تنوي أن تقتله؟".
" " لا , لا يمكن أن أقتله ... مع أنني أحب ذلك من صميم قلبي , ألا أن أشخاصا آخرين يقدرون على القيام بهذه المهمة .... وسيقومون بها , أما أنا , فسوف ينتهي عملي بمجرد تسليمهم أياه".
" لا ! لا يمكنك أن تفعل ذلك ! أنت توحي بأنك لست قادرا على قتل أنسان ببرودة أعصاب وعن سابق عمد وتصميم , فكيف تقبل بتسليم جدي ألى من سيقتله بصورة أكيدة؟ ألا تعلم بأن ذلك يجعلك شريكا كاملا في الجريمة , مثل الرجل الذي يغمد الخنجر ؟ مهما حاولت جاهدا أقناع نفسك بأن الأنتقام على هذا النحو عمل وواجب شريفان , فأنك في الواقع تغرق نفسك في مزيد من الحقد والكراهية ولذة الأنتقام , لا يصح تبرير عمل أي أنسان يحاول تطبيق القانون بنفسه , فمثل هذه الحالات تؤدي ألى أنتشار الجرائم والعنف والسموم , أرجوك! حاول أن تغفر لجدي ما قام به , والأفضل من ذلك أن تغفر له فورا وبشكل نهائي! أذا مضيت قدما في خطتك هذه , فستكون من الناحيتين المعنوية والخلقية مسؤولا عن أرتكاب جريمة قتل.... لا بل جريمتين , لأن عملية الثأر والأنتقام لن تحقق نتائجها التقليدية المعتادة ما لم يعمل رفاقك على قتلي أنا أيضا ! وهل سأظل عندئذ مجرد أداة لأستدراج جدي , أم تحول ألى ضحية بريئة لا ذنب لها سوى أنها حفيدة الكونت روسيني ... الذي لم تكن تعرفه حتى يوم أمس؟".
لم يكن لتدفق كلامها بتلك الطريقة غير المعتادة أي صدى في أذنيه , أو أي رد فعل في عينيه الفولاذيتين المتحجرتين غير النادمتين , ثم قال بصوت هادىء ألى درجة الكسل والبرودة:
" من المؤكد أن الرجال الفقراء الذين يتضورون جوعا , يرحبون بالتغييرات التي قد تحدث في نمط حياتهم بين الحين والآخر .... أكثر من ترحيبهم بالطعام , وبما أن غريزتهم البدائية سترفض بعناد وأصرار شديدين فكرة أهدار مواهب شابة نشيطة وقوية وذكية مثلك".

نيو فراولة 05-11-10 05:15 PM

7- كأنها طيف أبتسامة

كانت الحرارة خارج الكهف شديدة ألى درجة لا تطاق , فيما كان الجو في الداخل خانقا ويعج بالذباب , تطلعت روزالبا حولها , فلاحظت أن أرض الكهف مسرح لمجموعات هائلة من النمل الكبير الحجم وعدد مختلف من الحشرات ذات الأشكال المفزعة .
وضع ديابولو حقيبتها قرب قدميها , ثم أمرها بأن ترتدي ثيابها وغادر الكهف , ألا أنه عاد فجأة لدى سماعه صراخها , الناجم عن رؤيتها سحلية تزحف قربها , ضحك بأستهزاء عندما شاهد ملامح الخوف والرعب في وجهها , وقال لها:
" أنها ليست من الزواحف المؤذية , كنت أمضي في صغري الساعات الطوال , ألهو بملاحقتها والأمساك بها , أنظري , سأريك الآن كيف كنت أفعل".
غادر الكهف على عجل , ثم عاد ومعه أحد الأغصان الصغيرة المرنة , ربطه كعقدة , ثم أمسك بطرفيه وركع على ركبته قائلا:
" تزحفين نحوها ببطء وهدوء شديدين , وتقتربين بالعقدة فوق رأسها برقة ونعومة... هكذا.... بحيث يظل أنتباهها مركزا عليك , وليس على العقدة ,وفجأة .... تضعين العقدة حول الجزء الأسفل من رأسها .... وتجذبين طرفيها بقوة .... على هذا الشكل .... حتى لا تعود قادرة على التملص منها!".
رفع ديابولو السحلية , التي كانت تنتفض بعنف وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة , ووضعها أمام أنف روزالبا , أقشعر بدنها قرفا وأشمئزازا من تصرفه , وأبعدت وجهها عنه بعصبية قائلة:
" أنت رجل قاس متحجر القلب , تتمتع بتعذيب هذه المخلوقات المرعبة ..... التي قلت عنها أنها غير مؤذية".
منتديات ليلاس
" أعترض فورا على قولك أنها مخلوقات مرعبة , وأؤكد لك بالتالي أنني لم أقتلها لأجل المتعة , ففي هذه المناطق الجبلية الجرداء , لا يذهب أي شيء هباء.... لأن كل ما هو قابل للأكل يستخدم للطعام , وكل ما يمكنه أن يخدم غرضا أو يحقق هدفا يستغل ويستعمل , والمعروف عندنا هنا أن جسم السحلية عندما يجفف ويطحن , يشكل دواء جيدا جدا".
غادر ديابولو الكهف مجددا , فعادت روزالبا مرة أخرى ألى وحدتها .... وذبابها.... وزواحفها , فتحت حقيبتها وراحت تقلب محتوياتها بذهول وأستغراب , ثم صرخت بصوت متألم :
" أوه , أبريل! كيف تصورت أنني سأقبل مثل هذه الثياب الرهيبة!".
لا شك في أن أبنة عمتها تطرفت كثيرا في تشجيعها على أرتداء الملابس العصرية .... الجريئة , فأختارت لها من بين الأزياء التي عرضت الليلة السابقة أكثر جرأة وأقلها حشمة , ماذا ستفعل الآن بفساتين السهرات هذه , التي قد تتردد بعض شابات المجتمع المخملي في أرتدائها؟ تكشف عن الكثير ولا تستر ألا القليل , فكيف ستواجه بها هذا الرجل الحاقد على الأثرياء وتفاهة هذه المجتمعات ... وفي مثل هذه المناطق الجبلية النائية بالذات؟
تضايقت كثيرا من جحافل النمل والذباب وبقية الحشرات الصغيرة الكبيرة , فأختارت بسرعة سروالا جلديا أسود اللون وقميصا قطنيا ضيقا بدون أكمام وسترة حمراء رقيقة وخالية من الأزرار ,اللعنة! أنها تبدو في هذه الملابس السخيفة التافهة , وكأنها تتعمد أغراء خاطفها وأغواءه! ولكن.... ماذا يمكنها أن تفعل غير ذلك , وهذه هي الثياب الأقل جرأة في هذه المجموعة القبيحة .... الوحيدة ؟ تنهدت بحسرة وألم شديدين وخرجت من الكهف , وهي تعد نفسها لهجومه الساخر والقاسي , كان يجلس في مكان يشرف على السهل بصورة تامة , بحيث لا يتمكن أنسان أو حيوان من التسلل نحو الكهف دون أن يراه .... تماما كما كان رفاقه يفعلون في السابق للدفاع عن هذا المعقل الحصين , أحس بوجودها فور خروجها , فهب واقفا ثم أبتسم بسخرية لاذعة جارحة وأقترب منها ... وهو يتأملها بأستهزاء مشبع بالحقد والكراهية , قال لها , بعد أن خلع سترتها ورماها على كتفه بأزدراء واضح :
" أوه , ما هذا! لم أتصور أبدا أنني مضطر لتحديد نوع الملابس التي سترتدينها أثناء أقامتك غير المريحة هنا , لأنني أعتقدت أنك ذكية ألى حد كاف وستختارين الثياب المناسبةلوضعك الحالي , وماذا فعلت عوضا عن ذلك ؟ خرجت من الكهف وكأنك ذاهبة ألى حفلة تنكرية , لا يحضرها ألا الذين يصفون أنفسهم بالمحتررين من القيود الأجتماعية والرافضين للقيم الأخلاقية , هل أنت حقا ساذجة ألى هذه الدرجة , أم أنك قررت على ما يبدو القيام بحملة أغراء .... تتعمدين فيها تعذيبي , وتأملين من خلالها في أن يكون لجاذبيتك وجمالك تأثير على عقلي ومخططاتي ؟ أذا كان ذلك صحيحا , فأنك تلعبين بالنار وتسعين ألى أحراق نفسك".

نيو فراولة 05-11-10 07:59 PM


ذعرت من تهديده الصريح , فسارعت ألى نفي التهمة .... مرتبكة متلعثمة :
"لم ....لم يكن لدي.... أي خيار , فهذه الثياب ..... ليست لي! أعني... أنها لي , ولكنني.... لم أخترها بنفسي , كما....".
" حقا؟ كانت هذه الملابس في حقيبة تحمل أسمك وموضوعة في غرفتك وقرب سريرك , ومع ذلك فأنك تحاولين أقناعي بأنها ليست لك!".
جذبها نحوه بقوة , ومضى ألى القول :
" لا ترتدي الثياب الرخيصة ألا المرأة الرخيصة , وقد ورثنا عن أسلافنا نظرية تقول أنه يمكن لليد أن تلمس كل شيء تراه العين!".
تسللت يداه فجأة نحو ذراعيها , أذهلتها الصدمة العنيفة الممزوجة بالرعب الشديد , فتسمرت في مكانها دون حراك ..... وهي تعلم علم اليقين بأن سلفاتوري سيعتبر جمودها نوع من اللامبالاة , أو .... دعوة صريحة للمضي قدما , ومما لا ريب فيه أن الرجل أختار الأحتمال الثاني , ذلك أنه أحنى رأسه فوق وجهها وعانقها .
أشتعلت دماؤها في شرايينها ثم أرغمت نفسها بعد قليل على دفعه بيديها غير المطوقتين بذراعيه , ولكنه ضمها فورا ألى صدره بقوة وقساوة شديدتين , كادت تذوب من حرارة عواطفه , فأرتجفت .... ولكن ليس بسبب الخوف والذعر وحدهما , أحست بالأشمئزاز , ولكن ليس نتيجة تصرفاته فقط .... بل أيضا بسبب تلك المشاعر التي أحياها بها , لم تبادله عناقه لأنها لم تكن تعرف كيف تفعل ذلك , أغرقتها المشاعر والأحاسيس الجديدة في دوامة مرهقة , فتعلقت بقميصه .... وكأنه خشبة النجاة والخلاص , كادت تهوي على الأرض , عندما أبعدها عنه بأنزعاج بالغ وهو يقول:
" النار تتأجج داخلك وتصرين مع ذلك على حرماني من التنعم بدفئها , أليس كذلك , يا آنستي الجميلة ؟رغبتك لا تقل عن رغباتي , ولكنك تمثلين دورا معينا ! تحاولين أقناعي بأن أبنة عائلة روسيني ليست بالضرورة حية سامة , ولكن قد تكون هادئة .... لطيفة .... رقيقة.... ومسالمة كالحمامة , ليكن لك ما تريدين يا ذات الوجه الملائكي ! أستمري في لعبتك هذه , فلن....".
منتديات ليلاس
" أنا لست ملاكا , ولا أحاول التظاهر بذلك , أنا شابة عادية بسيطة كنت حتى يوم أمس , أعيش حياة عادية بسيطة , أما أنت , فلست ألا مجرد حيوان متوحش ومتعطش للدماء! أنت.... أنت شيطان , أسما وفعلا!".
ضحك بصوت عال تردد تردد صداه في تلك الجبال العالية , وقال :
" وأنت , يا ذات الوجه الملائكي , هل تعرفين بماذا سيصفك الناس بعدما يسمعون بوجودك معي هنا لفترة طويلة.... بمفردنا .... وفي هذه المناطق النائية ؟ ستصبحين في نظرهم ملاك الشيطان .... وهو اللقب المهين الذي أطلقه جدك العزيز على والدتي , فور زواجها من أبي , أعذريني لأن قلبي يرقص فرحا لتألم الكونت المتوقع , عندما يعرف أن سمومه وأحقاده هي التي ستدمر شخصية حفيدته وتشوه سمعتها ".
أدخل السيارة ألى الكهف ودحرج صخرتين كبيرتين ألى مدخله , ثم غطى الفتحة المتبقية بكمية كبيرة من أغصان الشجر ليخفي معالم الكهف بصورة تامة ,وبعد ذلك أخذ مجموعة أخرى من الأغصان وأزال بها آثار عجلات السيارة من ذلك السهل الصغير وصولا ألى المدخل ذاته , وعندما أنتهى من عمله هذا , أمرها بالسير على الصخور .... ليتأكد من عدم تركهما أي آثار لأقدامها , وفجأة , برز أمامهما ممر ضيق يتجه صعودا بشكل شبه عامودي .... وكأنه سلم يربط الأرض بالسماء .
" هيا بنا!".
" ماذا؟ هل تتصور أنني قادرة على الصعود بهذا الحذاء , الذي لم أستخدم مثله من قبل... حتى داخل البيت؟".
" أنا لا أتصور شيئا , ولكنني أطالبك بالصعود , وعندما تجدين صعوبة بالغة في متابعة طريقك , فسوف أساعدك".
كيف يمكنه أن يفعل ذلك , وهو يحمل هذا الكيس الجلدي الثقيل على ظهره وحقيبتها في يده ؟ على أي حال , لا جدوى من معارضته أو محاولة عصيان أوامره.... فهي في وضع لا يسمح لها بذلك أطلاقا , رفعت رأسها بشموخ وأصرار لم تعهدهما في نفسها من قبل , وبدأت تسير .... لا بل تصعد وراءه نحو قمة الجبل.

نيو فراولة 05-11-10 11:31 PM

ولم يلتفت أليها ألا نادرا , وكانت تحاول في كل من تلك المرات القليلة أن تتظاهر بأنها غير مرهقة الجسم ومتوترة الأعصاب , ولكنه لاحظ عذابها على رغم محاولاتها اليائسة , وبدا أنه سعيد بذلك , لم يتوقف لمنحها قسطا من الراحة , ألا بعد مرور ساعة كاملة على صعودهما , أنزل الكيس الجلدي عن ظهره وأخرج منه قنينة ماء , ثم جلس على صخرة كبيرة ملساء وأعطاهاالقنينة التي فتحها لتوه قائلا:
" نقطة ماء في مثل هذا الوقت أفضل من ثروة طائلة ".
أنتزعت روزالبا القنينة من يده بسرعة , ووضعتها على شفتيها اللتين كادتا أن تجفا من شدة الحر... وبدأت تشرب حتى أرتوت , آه , كم هي لذيذة هذه المياه .... حتى على الرغم من سخونتها ! قالت له , وهي تعيد القنينة أليه :
" شكرا , شكرا جزيلا ! كنت أشعر بأنني سأموت من العطش!".
شرب جرعة صغيرة وأعاد القنينة شبه الفارغة ألى الكيس , ثم قال لها بأحتقار وأزدراء :
" يا لك من مخلوقة ضعيفة لا نفع منها! لدى الأنسان عضلات ليستعملها , وجسم ليحافظ على رشاقته وقوته .... ويبقيه في ذروة اللياقة البدنية , ولكن معظم أبناء المدن يهملون أجسامهم وعضلاتهم , ويتحولون ألى كتل هشة من اللحم والعظم ".
رفع نظره ويده نحو قمة الجبل , ومضى ألى القول :
" تعيش فوقنا هناك نساء ينزلن ويصعدن هلى هذه الطريق خمس أو ست مرات في اليوم الواحد , لمساعدة أبائهن أو أزواجهن أو أولادهن في الحقول القليلة المنتشرة على هذه السفوح , وبينهن بالطبع من هن أكبر من والدتك سنا , ولم يحصلن طوال حياتهن حتى على جزء يسير من الرفاهية التي تنعمين بها... ولا تعرفين العيش بعيدا عنها".
أبتعدت عنه حوالي خطوتين , لأن قربه منها أعاد ألى نفسها ذلك الحنين القوي الغريب وتلك المشاعر الجياشة , خافت من أن تتمكن نظراته الحادة من سبر أعماق تفكيرها وأكتشاف سرها المخجل , فرفعت رأسها نحو القمة وسألته بكثير من الأرتباك:
" هل يعيش بعض الناس حقا في تلك المناطق الشاهقة الأرتفاع؟".
" نعم.... وهم يشكّلون قرية بكاملها , وقبل أن توجهي السؤال التقليدي السخيف... لماذا , دعيني أؤكد لك بأن الأشخاص الذين يولدون ويعيشون في الجبال يفضلون العزلة على ما يسمى الحضارة والمدنية , وأؤكد لك أيضا بأنهم لا يشعرون بتاتا بالغيرة والحسد من أخوانهم المرتاحين ماديا أكثر منهم , بل يتمتعون قولا وفعلا بعملهم اليومي الشاق والمرهق ويرفضون أختيار رفاهية المدن بديلا عنه".
سألته بخجل شديد :
" هل سنقيم في القرية ؟".
" لا , فسكانها عانوا الأمرين في الماضي لأيوائهم الخارجين على القانون وأنا لا أنوي بتاتا أفساح المجال أمام جدك للتمتع مرة أخرى بالأنتقام من أهلي وأصدقائي".
" أين.....".
" ستعرفين قريبا , هيا بنا , فوجودنا في هذا المكان بالذات ليس آمنا أطلاقا , لا شك في أن الرسالة الخاصة بموضوع غيابك وسببه قد وصلت ألى جدك منذ بعض الوقت , وأنه نظّم فورا أكثر من فرقة للبحث عن الفاعلين ومطاردتهم , هيا أسرعي , قبل وصول رجاله ألى هذه المنطقة".
توقفا مرة أخرى عند الظهر لتناول غداء بسيط جدا مؤلف من قطعتي جبن ورغيف خبز لكل منهما , لم يتحدثا أطلاقا أثناء الأكل , لأن روزالبا كانت مرهقة جدا وتعاني من آلام وأوجاع كثيرة ومختلفة , تمنت لو أن بأمكانها النوم هنا بضع ساعات , أو أطلاق العنان لدموعها .... للتخفيف قليلا عن حزنها وعذابها , ولكن كرامتها رفضت ذلك بشموخ وأباء , فحبست الدموع في عينيها وظلت جالسة بشكل مستقيم كأنها في بيتها , وعدها بأنها ستتعذب كما تعذبت أمه , ويبدو أنه رجل يفي بالوعد , ألا أنها وعدت نفسها أيضا بألا تمنحه لذة أكتشاف مدى عذابها , وستعمل بالتالي على الوفاء بذلك.

نيو فراولة 06-11-10 12:38 AM


وصلا ألى وجهتهما في وقت متأخر من بعد الظهر , فأرتمت روزالبا على ركبتيها دون خجل أو حياء .... وغير عابئة بالحشرات والزواحف الكبيرة والصغيرة التي كانت تسرح وتمرح داخل ذلك الكهف الفسيح , تجاهل محنتها وبؤسها بصورة تامة , وأبتسم بأرتياح شديد لدى رؤيته في أحدى الزوايا كمية من المؤن تكفي بضعة أشخاص لأيام عديدة , وعندما أختفى في عمق الكهف ولم تعد تسمع وقع قدميه , تأكد لها أن ثمة نفقا يربط بين كهفين أو أكثر , لا بد أذن من أنها منطقة تعج بالكهوف , التي تتصل معظمها بأنفاق أخرى وبذلك تمنح الأشخاص الذين يعرفون طبيعتها جيدا حرية التنقل بأمان وطمأنينة .غاب عنها فترة طويلة , كانت ترتجف في نهايتها تعبا وبردا , شاهدها لدى عودته تحضن ركبتيها وتضع رأسها عليهما , طلبا لبعض الدفء والراحة ,فقال لها :
" سأشعل نارا".
نظرت أليه بشيء من الأستغراب واللهفة , ثم وجهت أليه سؤالا لم تكتشف مدى سذاجته في مثل هذه الظروف بالذات ... ألا بعدما أنتهت من توجيهه , قالت له :
" ألا يشكل ذلك خطرا , لأن الدخان سيكشف عن وجود هذا الكهف؟".
لاحظ الرجل أرتباكها بعد الأنتهاء من كلامها , فقال لها مهنئا بلهجة تقل سخرية عن أسلوبه المعتاد :
" أنت حقا , يا آنسة , أفضل شخص يمكن أختطافه , وقد يحملني أهتمامك هذا على الظن بأنك لا تريدين التحرر من الأسر!".
أحمرت وجنتاها خجلا وحياء , وسارعت ألى نفي التهمة بالقول :
" طبعا أريد ذلك , وبأسرع وقت ممكن , ولكنني لم أكن أفكر بنفسي ".
" أوه ! وهل أمر أكتشافي يقلقك ألى هذه الدرجة؟".
" لا.... بالتأكيد لا .... ولكنني أكره العنف أشمئز منه ! لقد أعترفت بأنك تنوي أستدراج جدي ألى هذه المناطق , كي يقضي عليه رفاقك المتعطشون ألى الدماء , ألا أن النتيجة قد تأتي عكس ذلك , وتؤدي هذه العملية ألى مقتلك أنت , أليست هناك وسيلة أخرى؟ ألا يمكنكما , أنت وجدي , التوصل ألى حل وسط؟".
منتديات ليلاس
جحظت عيناه غضبا وحنقا , وصرخ بها قائلا بحدة بالغة :
" أي حل وسط تتكلمين عنه , يا هذه؟ أنت تطلبين مني السعي ألى أجراء مصالحة , مع رجل قضى على جميع الذكور في عائلتي ؟ لا , لن يتم ذلك أطلاقا .... ولن أقبل أبدا بالتخلي عن دعمي لأولئك الذين يحاربون الظلم والطغيان ! من الطبيعي أنني أريد لنفسي الطمأنينة والسكينة , والعيش بهدوء وأمان وراحة بال , ومن المؤكد أيضا أنني لا أنوي تمضية بقية حياتي , وأنا أتعذب بفكرة الأنتقام وأكتوي بنارها , أليس هذا وحده سببا كافيا لأنهاء مهمتي بالسرعة القصوى , وأفساح المجال أمام عدالة الثأر لتأخذ مجراها ؟ لن تشعر نفسي بالراحة التامة , يا آنسة , ألا بعد وضع حد نهائي لحكم الرعب والطغيان الذي يفرضه جدك على أهلي وصحبي منذ أكثر من ثلاثين عاما !".
حل الظلام بسرعة , فأختار الرجل أبعد نقطة داخل الكهف وأشعل نارا قوية للتدفئة والأنارة , لاحظت روزالبا أن الضوء لا يتسرب ألى الخارج , بسبب تلك الصخرة الكبيرة التي أقامتها الطبيعة أمام مدخل الكهف.... وكأنها تريد حجبه عن أعين الأنسان والحيوان , أحست بشيء من الراحة الجسدية والنفسية , وهي تنعم بالدفء وبوجبة الطعام التي لم تكن تحلم بها.... والمؤلفة من نصف دجاجة مشوية وبعض الخضار الطازجة.
كان يجلس على بعد خطوات قليلة منها , فراحت تتأمل وجهه الوسيم القاسي وتحاول تخيّل ما يجول في رأسه وأفكاره , رفع وجهه فجأة نحوها , فأنتبه ألى أنها تحدق به. أرتبكت كثيرا.... ولكن عينيها ظلتا جامدتين , بسبب نظرة معينة لم تفهم مغزاها... ولم تدم أكثر من ثانية واحدة , هل تصورت أن نظراته وملامحه أتسمت في تلك اللحظة الوجيزة بالرقة والنعومة , وبأن نصف أبتسامة حقيقية ظهرت على شفتيه كدليل على حلول الصداقة محل العداوة ؟ سألها بلهجة قاسية بددت أوهامها وأعادتها ألى عالم الحقيقة المؤلمة :
" كم تبلغين من العمر , يا آنسة؟ أسألك ذلك, لأنك تبدين في هذه اللحظات كفتاة صغيرة ربطت شعرها وراء رأسها وبدأت تشعر بالنعاس الشديد..... حتى في مثل هذه الساعة المبكرة ".
أجابته بأنفعال وحدة , كمراهقة تسعى جاهدة ألى التظاهر ببلوغ سن الرشد:
" أنا في الثانية والعشرين , يا سيد ديابولو!".

نيو فراولة 06-11-10 12:41 AM

" قال أحد الحكماء مرة أن النبتة في بعض الأحيان تورق ولا تزهر , وأنها في أحيان أخرى تزهر ولا تثمر , أنت تحيرينني , يا فتاة ! فهل أنت نبتة صغيرة منطوية على نفسها ولم تتفتح براعمها بعد , أم أنك أصبحت نبتة مثمرة؟".
أحرجها هذا التشكك الوقح بعذريتها , فأحمر خداها خجلا وحياء , بحثت عن الكلمات المناسبة للرد عليه , ولكنه مضى ألى القول وكأنه يفكر بصوت عال... أو يتحدث ألى نفسه:
" قيل لي أن الشابة البريطانية تعتقد أعتقادا راسخا , بحرية الحصول على أكبر عدد ممكن من العلاقات المتنوعة والمختلفة , وأفترض بالتالي أنها تعتبر نفسها فتاة متحررة , وماهرة جدا في العلاقات ,ومع ذلك , فأنا لا أحب هذا النوع من الفتيات .... ولا أقبل بأي منهن شريكة لي , أنا أعتبر ممارسة الحب تصرفا خاصا جدا وأمرا بالغ الجدية , لا سلعة تعرض بصورة علنية وتنتقل من يد ألى أخرى , ولهذا السبب فأنني أتوقع من الفتاة التي سأختارها زوجة لي , أن تنتظر مني أنا دون سواي أرشادها وتعليمها , هل تعرفين أنه كلما أزدادت المرأة خبرة ومهارة , أزدادت الصعوبة في أيجادها الشريك المناسب ؟ نعم , هذه هي الحقيقة المجردة التي لا غبار عليها , وأغرب ما في الأمر أصرار هذه المرأة التي تسمس نفسها متحررة وماهرة , على أن تكون لعبة في يد الرجل .... يهيمن عليها ويلهو بها".
منتديات ليلاس
أقترب منها فجأة , وقال لها بلهجة أرعبتها بشكل مذهل :
" أعترفي , يا آنسة , بأنك تشعرين في قرارة نفسك برغبة جامحة لكي يمسك رجل بشعرك ويجرك ألى عالمه!".
شعرت روزالبا بأن سلفاتوري ديابولو هو الشيطان بعينه , فأقشعر جسمها وتجمد الدم في عروقها , ولكنها فوجئت بأنها ظلت محافظة على رباطة جأشها , وبدت هادئة الأعصاب , وكأنها غير مكترثة بتلميحاته وتهديداته الضمنية , أبتسم فجأة , وقال لها بصوت بصوت ينم عن خيبة أمل وأستياء بالغين:
" حان وقت النوم , يا آنسة ".
فتحت الكيس الصوفي الذي ستنام فيه , كما يفعل الكشافة في مخيماتهم , وقالت له:
"تصبح.... تصبح على خير ".
وما أن أدخلت جسمها حتى العنق في ذلك الكيس الكبير , حتى وجدت نفسها تردد له جملتها المعتادة في مثل هذا الوقت :
" أتمنى لك.... أحلاما سعيدة!".

الجبل الاخضر 06-11-10 04:10 AM

تسلمين وننتظر التكمله بليز ماتتأخري:dancingmonkeyff8:

صوت البحر 06-11-10 03:07 PM

عاشت الايادي ناطرينك على نار

زهورحسين 06-11-10 03:09 PM

يعطيك الف عافية00
التكملة بليييييييييييييييييييز؟؟؟
:friends::friends::friends:

نجمة33 06-11-10 07:13 PM

تسلم الايادي

ام الاولاد الثلاثه 06-11-10 11:02 PM

اين بقية القصة ؟؟؟؟....فالقصة مشوقه جداااااااااا
اتمنى ان ارى فصول كثيرة لأعرف النهايه .....
وشكرآآآآآآآآآآآ

نيو فراولة 08-11-10 10:32 PM

8- مشاعر تشبه الغيرة

أغمضت روزالبا عينيها بحذر شديد , وكانت تفتحهما لدى سماعها أضعف صوت أو أدنى حركة من الرجل الجالس على مدخل الكهف.... أشار ألى البندقية السريعة الطلقات التي يصوبها نحو الخارج , وقال موضحا سبب وجودها :
" ذكر لي بعض الأصدقاء أن ثمة كلابا مسعورة تتجول على هذه السفوح , كما أن الثعالب المتواجدة هنا بكثرة تشكل خطرا دائما".
يا له من رجل غريب الأطوار وكثر التناقضات !ساعة يكون باردا كالجليد , وفي لحظة غير متوقعة يتحول ألى نار متأججة .... مثل بركان أتنا , الذي سلطته الطبيعة فوق رؤوس أهالي صقلية منذ زمن بعيد , بدا كأنه غير مرتاح ألى المهمة التي أنيطت به.... كأن ثمة شخصيتين مختلفتين تتصارعان في داخله .... بحيث يهددها أحيانا بعواقب وخيمة مرعبة ولا ينفذ شيئا منها , كما أنه في أحيان أخرى لا يتصرف بالرقة والنعومة اللتين بدأت تظن أنه يتحلى بهما!
لم تتمكن روزالبا من المضي في تحليل شخصية خاطفها ونفسيته , لأنها شاهدت فجأة أنسنا ينحني فوق رأس سلفاتوري ويهمس في أذنه بعصبية ظاهرة جملا سريعة ومتلاحقة , لم تفهم شيئا بالطبع , ولكنها لاحظت ترداد كلمة طبيب بكثرة ملفتة للأنتباه , لا شك أذن في أن أحد الأشخاص بحاجة ماسة ألى طبيب!
" هل أنت مستيقظة ؟".
منتديات ليلاس
ردت عليه بالأيجاب ثم رفعت رأسها قليلا , فتبين لها أن الذي تصورته رجلا قصير القمة لم يكن ألا بيا في حوالي الثالثة عشرة من عمره.
" أرتدي ثيابك أذن , لأننا سننزل فورا ألى القرية ".
" ماذا؟ في مثل هذا الوقت المتأخر؟".
أجابها بشيء من الحدة والعصبية , قائلا :
" نعم! كم من الوقت ستحتاجين لأرتداء ملابسك؟".
" أنا جاهزة , لأنني لم أخلع ثيابي ".
فوجىء بجوابها , فصمت ثم سارع ألى القول :
" حسنا , حسنا! هيا بنا حالا , وحاولي ألا تحدثي أي ضجة على الأطلاق , لقد أرسل جدك عددا كبيرا من الرجال لتعقب أثرنا , ولذلك فمن الضروري جدا تجنّب أي صدامات متسرعة وغير مخطط لها... وقد تؤدي ألى ما لا تحمد عقباه , أريد عنقك الأبيض الناعم الجميل أن يظل سليما , على الأقل ألى أن يلبي جدك مطالبي".
منتديات ليلاس
أوه! أنه يسعى أيضا ألى المال , بقدر سعيه وراء الثأر والأنتقام ! تألمت كثيرا , عندما تأكد لها أنها كانت واهمة في تحليلها لأمكانية وجود بعض الرقة والحنان في قلب هذا الرجل , كادت تتعثر مرات عديدة , وهي تتبعه في ممرات مظلمة تربط بين كهف وآخر ..... تصعد حينا وتهبط أحيانا , وبعد فترة قصيرة نسبيا , أنتبهت روزالبا ألى أنهم أصبحوا خارج تلك الممرات والأنفاق , حدقت نحو الوادي السحيق , فلاحظت بصعوبة مجموعة من البيوت الصغيرة تفصل بينهما طريق واحدة , كانت جميع المنازل غارقة في الظلام , ألا أن مصباحا صغيرا كان يلمع بصورة سريعة متقطعة من نافذة أحداها , ثلاث مرات متتالية يعقبها توقف لبضع لحظات , ثم يعود الضوء ألى مراته الثلاث , تحدث سلفاتوري مع مرافقه الصغير , فهز الصبي رأسه وأنطلق كالسهم نحو القرية , وبعد حوالي خمس دقائق , أخترق الصمت المخيم بكثافة على تلك المنطقة صوت عصفور , فأمسك سلفاتوري بمرفق روزالبا وقال لها:
" كل شيء على ما يرام , وقد أصبحت طريقنا الآن آمنة , هيا بنا! ".
" لماذا؟".
أخرسها بحدة , قائلا لها بصوت كفحيح الأفاعي :
" سأشرح لك الموضوع في وقت لاحق , سيري الآن قربي , وألتزمي جانب الصمت التام ".
أطاعته دون أي أعتراض أو مناقشة , وراحت تقفز وراءه في محاولة يائسة للتخفيف من الآلآم المبرحة التي حلّت بقدميها , وعندما أرتطمت ركبتها بحافة صخرة ناتئة , أحست بوجع شديد ولكنها أرغمت نفسها على عدم الصراخ أو التفوه بكلمة واحدة , وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها لأخفاء ضعفها وألمها , ألا أن الدموع كانت تنهمر بغزارة من عينيها لدى وصولهما ألى البيت الصغير الذي يقصدانه.
جففت دموعها وأخذت تتأمل النوافذ المغلقة , فيما أقترب سلفاتوري من الباب الخشبي الصلب ونقره بأصبعه ثلاث مرات متتالية , سمعت روزالبا بعد هنيهة صوت باب داخلي يفتح , وشاهدت عبر فتحة صغيرة في الباب عينين تتفحصانها بدقة وعناية , ثم فتح الباب بطريقة أضطرا معها ألى الدخول بشكل جانبي , قبل أغلاقه مجددا وأحكام أقفاله, وما أن دخلا ألى قاعة الجلوس الصغيرة , حتى تكررت العملية ذاتها بالنسبة للباب الداخلي.

ام الاولاد الثلاثه 09-11-10 11:50 PM

هذا جزء صغير جدااااااااا ....كنت اتمنى كتابه جزء اكبر
يعنى فصلين ولا ثلاثه وشكرآآآآآ لك على مجهودك

نيو فراولة 10-11-10 07:45 PM

رأت روزالبا , على ضوء المصباح الضعيف , سريرا في أحدى الزوايا عليه أمرأة عجوز يبدو عليها الوهن والأعياء , تطلعت المرأة المريضة نحو سلفاتوري , فلاحظت روزالبا مدى الحب العميق الذي تكنه له , ولكنها أحست بمزيج من السعادة والتحفظ في نبرة صوتها , عندما سمعتها تقول له :
" توتو ! كانوا مخطئين تماما في أرسال الصبي لأحضارك ألى هنا , وقد توسلت أليهم ألا يفعلوا ذلك , يجب أن تذهب فورا ! ألا تعرف مدى الخطر الذي تواجهه هنا؟".
" هراء , يا عمتي جيوسبينا ! أنت تعرفين جيدا أنني كنت سأغضب كثيرا , لو أنهم لم يبلغوني عن مرضك ".
جلس على حافة سريرها وأمسك بمعصمها , ثم تابع كلامه قائلا:
" الآن , أريدك أن تصفي لي تماما كيف تشعرين ".
حاولت السيدة العجوز أن تقلل كثيرا من أهمية مرضها , على الرغم من ملامح الألم والعذاب التي تظهر بوضوح على وجهها المتعب والكثير التجاعيد , أستغربت روزالبا نوعية الأسئلة التي يوجهها سلفاتوري لمعرفة الداء وأسبابه , وكذلك كيفية أنتقال يده وأصابعه برقة وحنان لتحديد مصدر الألم وأكتشاف مداه , ومع أنه بدا عابس الوجه مقطب الحاجبين عندما أعاد الغطاء فوق جسم السيدة العجوز , ألا أنه تعمد أدخال الطمأنينة ألى نفسها بالقول:
" لست بحاج ألا لبضعة أيام من الراحة والعناية , يا عمتي".
ثم أشار ألى قنينة قرب رأسها , ومضى ألى القول:
" أريدك أن تأخذي هذا الدواء , وسأجد لك في الصباح من يهتم بك بطريقة جيدة ,وفي غضون ذلك , حاولي أن تنامي وترتاحي ....... وسأكون في مكان قريب , أذا شعرت أنك بحاجة ألي".
أخذت جرعة من ذلك الدواء وأعدت نفسها للنوم , فيما كانت نظراتها تشع ببريق السرور والأرتياح , ظل سلفاتوري قربها حتى تأكد أنها تغط في نوم عميق , ثم أستدار نحو روزالبا التي جلست على مقعد خشبي قاس ساعدها قليلا على التخفيف من أعيائها الشديد , وقال لها :
" يسرني أنك وجدت هذا المقعد لترتاحي عليه".
همّت بالنهوض , فقال لها على الفور:
"لا....أريدك أن تظلي حيث أنت , فالعمة جيوسبينا لا يمكن أن تترك وحدها , سنبقى هنا حتى الصباح".
فركت عينيها لتطرد النعاس الثقيل وتبدو أكثر تحفزا وأنتباها , ثم سألته بأهتمام جدّي:
" ما هي مشكلتها بالضبط؟".
" أنها تعاني من داء مزمن يعذبها ويقض مضجعها منذ سنوات عديدة , لأنه لم تجر لها عملية جراحية في الوقت المناسب".منتديات ليلاس
سألته عن سبب ذلك فأزعجتها نظرته القاسية الحاقدة التي وجّهها أليها , وكأنه يحمّلها مسؤولية محنة السيدة العجوز بطريقة أو بأخرى , ثم قال لها:
" لأنه لم يكن هناك أي طبيب لتشخيص المرض.... ولم يكن ثمة أحد يهتم كفاية بصحة أبناء الجبال ورعايتهم الأجتماعية ! وأكثر من ذلك كله , كما قيل لي مرة بأسلوب فلسفي جاف يتميز به أهلي وصحبي , لأن المال قليل جدا ويكاد لا يكفي الأحياء وأصحاء الأجسام ....ولا يجوز بالتالي أهداره على الذين سيموتون عاجلا أم آجلا ".
شهقت بصوت عال , بسبب الصدمة النفسية التي شعرت بها , فقال لها بحنق شديد وسخرية تتسم بالمرارة والألم :
" آه , نعم , لك كل الحق بأن تشعري بالأشمئزاز .... يا حفيدة الكونت! ففي بريطانيا , التي أختراها والدك موطنا لكم , تقتطع الدولة نسبة معينة من المداخيل والأرباح .... لتستخدمها , من بين أمور أخرى , في تأمين الرعاية الطبية المجانية لكل من يحتاج أليها , أما في موطني أنا , فثمة رجل أنتهازي أستغلالي يعتبر أن من حقه المكتسب جمع الثروات الطائلة عن طريق أستبعاد الفلاحين الفقراء والعمال المعدمين .... ليبني نافورة جديدة في قلعته , بهدف تخليد أسم أصبح رمزا وعنوانا للوحشية والأنانية والجشع, ولكن.... أي جدوى من هذا الكلام كله , وأين الفائدة منه!".
وقف فجأة , ثم قال لها بلهجة أقل حدة ... ولكنها تحمل تهديدا واضحا :
" سأتركك الآن وحدك لبعض الوقت , لا تكوني غبية وتحاولي الفرار,فسوف تجدين نفسك وحيدة في هذه الجبال وتحت رحمة الكلاب المسعورة والثعالب .... والأفاعي".

نيو فراولة 10-11-10 07:47 PM

أرتجف جسمها خوفا من الفكرة الرهيبة وحدها , فحملت مقعدها الثقيل ووضعته قرب سرير السيدة العجوز ... ذلك أن وجودها , حتى على الرغم من مرضها ونومها , يطمئن النفس ويريح الأعصاب ألى حد ما , هزت رأسها حزنا وألما , وهي تقارن بين وحشية خاطفها وتلك الحيوانات البرية الشرسة , ألن تكون بين تلك الحيوانات التي لا تشكل ألا تهديدا جسديا , أكثر أمانا من وجودها مع هذا الرجل الذي تضطر ألى تحمل تعذيبه المعنوي والنفسي لها.... أضافة ألى أحتمال تصرفه في أي لحظة كأسوأ من أسوأ تلك الحيوانات؟ أحست فجأ بأنها لم تعد قادرة على مقاومة النعاس الشديد , فقامت بمناورة مرهقة ... تمكنت على أثرها من أبقاء جسمها على المقعد , ووضع رأسها وذراعها قرب قدمي السيدة المريضة , أستيقظت بعد حوالي ساعتين , عندما شعرت بالسيدة العجوز تتحرك في سريرها , جلست روزالبا في مقعدها , ثم سألت ربة البيت بصوت رقيق ناعم :
" كيف تشعرين الآن ؟".
" أفضل بكثير , أين توتو ؟".
رددت روزالبا الأسم بأستغراب , قبل أن تتذكر أنها سمعت السيدة تستخدمه لدى وصولهما للترحيب بقريبها , لا شك أذن في أنه أسم الدلال , الذي يستعمله المقربون جدا من سلفاتوري أثناء مناداته أو التحدث عنه , أجابتها بسرعة :
" ليس بعيدا من هنا , هل تريدين أن أحاول أيجاده؟".
وضعت السيدة المريضة يدها الضعيفة على ذراع روزالبا , وقالت :
" لا..... لا, فأنا مرتاحة ولست بحاجة أليه الآن , كل ما في الأمر أنني أريد الأطمئنان على سلامته".
" ربما ذهب لأحضار طبيب ".
حدقت بها المرأة العجوز بذهول واضح , وقالت :
" طبيب؟ ولكن توتو هو طبيب... وهو أذكى وأفضل طبيب في العالم ! ألم تعرفي أنه طبيب ؟".
حملقت فيها روزالبا بأستغراب مماثل , ولم تتمكن على الفور من أستيعاب ذلك الكلام , وعندما تأكد لها بأنها لم تكن تحلم , أبتسمت لجارتها بشكل يوحي بأنها كانت تمازحها , فقد تذكرت أشياء عدة تثبت فعلا أنه طبيب .... منها أستخدام الصبي هذا اللقب بأستمرار لدى التحدث معه , والخبرة الواضحة في أسئلة سلفاتوري العلمية الذكي للسيدة المريضة , وأسلوب فحصه المهني والدقيق لها , وأهم من ذلك , أمتناعه المحير عن القيام شخصيا بتنفيذ عملية الثأر والأنتقام حتى النهاية ... والأكتفاء بتسليم جدها ألى جلاديه , أليس من الطبيعي في مجتمع كهذا أنه , كآخر رجل في عائلة لاقى فيها جميع الذكور حتفهم بناء على أوامر جدها , سوف يسعى بنفسه لقتل القاتل ؟ ولكنه طبيب أقسم على تكريس حياته لأنقاذ الناس , لا ألى قتلهم , وهذا يفسر الصراع النفسي الذي يتفاعل في داخله... فهو يشعر برغبة جامحة لأخذ الثأر بيده , ولكن رسالته تمنعه من القيام بذلك .
" لقد سمعت بالتأكيد عن توريدو ؟ أبني توريدو ؟".
منتديات ليلاس
لاحظت روزالبا أن السيدة العجوز تريد التحدث معها , على أمل تناسي عذابها وآلامها , فهزت رأسها أيجابا لتشجيع المرأة المريضة على متابعة الكلام , تحولت ملامح التعب والأرهاق في الوجه الحزين ألى أشراقة فخر وأعتزاز , وهي تتابع حديثها بالقول:
" لم يكن توريدو زعيم عصابة من الأشرار وقطاع الطرق , كما يريدك البعض أن تصوري! ولكنه كان شهما شجاعا , متفانيا في أخلاصه , مفرطا في رقته وحنانه متدينا جدا , ووسيما للغاية , كانت قلوب الفتيات جميعهن تخفق أعجابا وهياما , كلما تطلعت أي منهن ألى عينيه الساحرتين وأبتسامته الخلابة , كان خطأه الوحيد كرهه الشديد للظلم والأستبداد, وأعجابه القوي بالنبل والكرم والشهامة , كان أصغر أبنائي وأكثرهم وسامة وجمالا , وتوتو هو الشخص الوحيد الذي يذكرني به كثيرا , فهو يشبه أبني من حيث الملامح والتصرفات , أكثر مما يشبه والده".
ظلت روزالبا صامتة , وأكتفت بهز رأسها وتوجيه أبتسامة خفيفة كدليل ضعيف واه على الموافقة , أحست العجوز بأن ثمة أمرا ما غير طبيعي , فسألتها فجأة بلهجة حادة:
" من أنت؟ من المؤكد أنك تعرفين توتو جيدا , وألا لما كان أحضرك ألى هنا ".
لم تجرؤ روزالبا على ذكر أسم روسيني الذي يكرهه الجميع في هذه المنطقة , فأختارت الكذب على التهور وقالت بأرتباك :
" نعم.... أعرفه جيدا , وتربط بيننا .... صداقة قوية !".

نيو فراولة 10-11-10 07:49 PM

أكتفت العجوز المريضة بهذا القدر من الأستجواب وقالت لها :
" أذن , فمن المؤكد أن توتو أخبرك كيف أمضى أبني حياته القصيرة مطاردا في هذه الجبال ومحكوما عليه بالقتل .... بسبب مخالفة تافهة كان المئات يرتكبونها في ذلك الوقت ".
أحست روزالبا بأن حب الأستطلاع يدفعها ألى معرفة المزيد , فقالت لجارتها التي بدت على أتم الأستعداد للرد على كافة الأستفسارات .
" أخبريني ماذا حدث بالضبط , فلربما نسي .... توتو ... بعض التفاصيل المعينة أثناء حديثه لي عما جرى".
" حسنا ! أصبحت معظم المواد الغذائية في نهاية الحرب العالمية وبعدها , قليلة لا بل نادرة ... وبخاصة لأن الجنود الأميركيين بالذات كانوا قادرين على دفع أي ثمن يطلب منهم للحصول على المواد الضئيلة المتوفرة في الأسواق , أرتفعت الأسعار بصورة جنونية , بحيث لم نعد قادرين أطلاقا على تحملها , وعندما تزايدت العمليات الوسخة التي كان أثرياء الحرب يقومون بها , كجمع كميات هائلة من القمح والدقيق والسكر لبيعها في السوق السوداء صدر قانون يحرم نقل أي مواد غذائية من منطقة ألى أخرى وراحت دوريات الشرطة العسكرية تفتش كل شخص يخرج من قريته أو يعود أليها , بحثا عن أي مواد مهربة , ولكن الأغنياء لم يعانوا كثيرا من جراء تطبيق القانون , بسبب الرشاوى التي كانوا يدفعونها لرجال الشرطة .... المتلهفين لقبضها والمستعدين للقيام بأي شيء لقاء المال , أما الفقراء المساكين الذين تمكنوا بشق النفس من شراء بعض المواد الغذائية وجازفوا بتهريبها لمجرد أطعام أولادهم المتضورين جوعا , ولم يقدروا بعد على دفع الرشوة , فكانوا يسجنون ويعذبون.... بعد أن يصادر منهم رجال الشرطة مشترياتهم لبيعها سرا ألى جنود الحلفاء ".
تنهدت السيدة العجوز بألم , ومضت ألى القول:
"لم يتحمل أبني توريدو رؤية أطفال قريتنا يموتون من الجوع , فذهب وضقيقة الأكبر ألى أحدى القرى البعيدة وأقنعا مزارعا صديقا ببيعهما كيسين من القمح , حملا الكيسين وسارا مسافة شاسعة في مناطق جبلية وعرة للوصول ألى هنا , ولكن أحدى الدوريات المنتشرة في كافة أنحاء المنطقة ألقت القبض عليهما , ومع أنه كان بحوزتهما مبلغ قليل من المال , ألا أن كرامتهما وعزة نفسهما أبتا عليهما اللجوء ألى الرشوة , أخذ الجنود منهما بطاقتي هويتهما وصادروا كيسي القمح , ثم هددوهما بالضرب بأعقاب البنادق أن لم يكشفا عن أسم الشخص الذي باعهما القمح , رفضا بالطبع خيانة صديقهما , وراحا شرحان عوضا عن ذلك الظروف الصعبة لأطفال قريتنا ... ويناشدان الجنود السماح لهما بمتابعة طريقهما لأيصال القمح ألى من هم بحاجة ماسة أليه , ظهر فجأة رجل ومعه بغل محمل بثلاثة أكياس من القمح , فهجم ثلاثة من الجنود عليه ... فيما ظل رابعهم واقفا قرب الشقيقين الأعزلين وهو يصوب عليهما بندقيته السريعة الطلقات , وبشجاعة ورشاقة منقطعي النظير , قفز توريدو بأتجاه الجندي ... موجها أحدى قدميه ألى صدر الرجل والأخرى ألى البندقية , ثم ركض وشقيقه نحو الغابة القريبة , أطلق الجنود النار عليهما فأصيبا بجراح مختلفة , ولكنهما تمكنا من الوصول ألى منطقة الكهوف العالية...التي أصبحت بعد ذلك ملاذهما وملجأهما الدائم".
منتديات ليلاس
نظرت العجوز ألى روزالبا بعينين حزينتين , كأنهما تتوسلان تفهمها وتعاطفها , ثم مضت ألى القول :
" كان توريدو آنذاك فتى مراهقا متهورا , أشتعل قلبه غضبا وسخطا بسبب المعاملة السيئة المهينة التي يتعرض لها المزارعون والفلاحون الشرفاء , ولكنه كان ذا طبيعة حنونة ورقيقة جدا , وهذا ما دفع بوالد توتو ألى أن يضع زوجته الحامل في حماية أبن عمه وتحت رعايته.
كادت الدموع تنهمر من عيني روزالبا حزنا وتأثرا , فوجهت ألى السيدة العجوز سؤالا كأنه يهدف ألى أيجاد المزيد من الحجج والأثباتات التي تؤيد رغبة عائلة ديابولو في الأنتقام , قالت لها:
" كانا يهربان من شخص ما يريد ألحاق الأذى بهما؟".
" طبعا! من الكونت روسيني".
لاحظت روزالبا أن ربة البيت أجابتها بعفوية ودون تردد , فشعرت بأنها مضطرة لتصديقها , ومع أنها لم تكن راغبة في أرهاق المرأة المريضة , ألا أنها أرادت معرفة الحقيقة .... وبخاصة لأن هذا الحديث هو فرصتها الوحيدة لتحقيق ذلك .

نيو فراولة 10-11-10 07:51 PM

سألتها بهدوء:
" لماذا أراد رجل متعجرف وواسع الثراء والنفوذ مثل الكونت , أن يزوج أبنه بفتاة لم تكن أكثر من مجرد فتاة عادية فقيرة ! ألم يكن مناسبا له مثلا , أختيار أبنة أحدى العائلات الثرية والعريقة؟".
" كان الثعبان مستاء من نساء طبقته الغنية ومجتمعه المخملي , ويعتبرهن غير صالحات للأنجاب ... وذلك لأن زوجته لم تكن قادرة على منحه أكثر من طفلين فقط , أما الفتاة القروية التي تعيش في هذه الجبال , فهي قوية وصحيحة الجسم .... حتى على الرغم من عدم حصولها طوال حياتها على جزء يسير من الرعاية الصحية والأجتماعية , التي تتمتع بها فتاة المدن , وعليه , فليس من غير المألوف أطلاقا هنا أن تلد المرأة أربعة أو خمسة عشر طفلا ... وتظل قادرة على مساعدة زوجها في مختلف أعماله اليومية الشاقة".
" هل تعنين أن الكونت أختار ماريا كزوجة لأبنه , لمجرد قدرتها على أنجاب عدد كبير من الأولاد ؟".
" وهل يمكنك تصور أي سبب آخر ....؟ على أي حال ... كانت ماريا مأخوذة كليا بفكرة أنها ستصبح يوما ما الكونتيسة روسيني , فرفضت أن تصدق ما حدث لها أو تذعن للأمر الواقع !".
منتديات ليلاس
تنهدت العجوز بندم وألم , ثم قالت بصوت حزين ضعيف:
" يا ليتها صدقت أن الهدف من أختيارها , لم يكن ألا لأنجاب الأطفال! فلو فعلت ذلك , لما كنا اليوم نبكي مثل هذا العدد الكبير من خيرة شبابنا وأبنائنا !".
" أنت تعترفين أذن , بأن ماريا لم تكن غير مخطئة بصورة تامة؟".
جاءها اجواب من ناحية الباب , عندما قال لها سلفاتوري ديابولو بصوت قوي قاس:
" هل أنت بدون ضمير أطلاقا , لتوقظي هذه السيدة المريضة وتزعجيها؟".
نظرت أليه المرأة العجوز بعينين تتوسلان الصفح وهدوء الأعصاب , وقالت :
" أنا المخطئة , يا توتو , صديقتك شابة لطيفة وحساسة جدا , وقد تحمّلت بكل رحابة صدر ثرثرة ثرثرة أمرأة عجوز وكلامها الفارغ , كنت سعيدة بوجودها معي , لأنني غير قادرة على النوم".
أنّبها بلهجة رقيقة حنونة , قائلا:
" أذن سأرغمك على ذلك ".
أخرج من كيسه علبة صغيرة تحتوي على كمية من الحبوب , وأخذ منها حبتين , ثم ملأ كوبا من الماء ووضع ذراعه تحت كتفيها , قائلا لها وهو يرفعها برفق ومحبة :
" هيا , يا عمتي , أبتلعي هاتين الحبتين".
رقص قلب روزالبا فرحا عندما خطرت ببالها فكرة جريئة قد تساعدها على الفرار من خاطفها , تأملت بدقة كافة التفاصيل الخاصة بتلك العلبة , والمكان الذي وضعها فيها داخل كيسه الكبير , ستستخدم بعض هذه الحبوب المنومة في الوقت المناسب , لأنها أملها الوحيد في الخلاص من هذا الرجل .... الذي لا يسعى ألا الأنتقام فقط , بل أيضا ألى ملء جيوبه بأموال جدها!
لم تشأ روزالبا أن تسأل نفسها عن سبب تألمها من رغبته في الحصول على فدية مالية , في حين أنها بدأت تجد له بعض المبررات للكره الشديد الذي يكنه لجدها ! وأبت أيضا أن تحاول تفسير تلك الوخزة الموجعة الشبيهة بمشاعر الغيرة , التي أحست بها عندنا أمسك بيد المرأة العجوز و...... طبع قبلة خفيفة على خدها!

نيو فراولة 10-11-10 07:55 PM

9- اللحظة السحرية


حاولت روزالبا تجنب هذا العذاب اليومي , الذي يفرضه عليها منذ أسبوع كامل , ولكنه أمسك بقدميها وصرخ بها قائلا :
" ضعيهما في الماء , ولا تتحركي!ّ".
أطاعته بتردد واضح , فبدأ على الفور بتنظيفهما من بقايا القروح التي أصيبتا بها .... عندما ركضت وراءه ليلة أستدعائه ألى بيت عمته , تذكرت كيف أرتمت على مقعدها فجر ذلك اليوم وهي تصرخ من الألم , بمجرد نهوضها والوقوف على قدميها , وتذكرت أيضا العذاب الذي تشعر به منذ ذلك الحين , كلما لامست يداه قدميها لتنظيفهما ومداوتهما , أنهى الطبيب عمله , فوقف وقال لها بأرتياح ظاهر :
" أتصور أنك لن تشعري بعد اليوم بأي أوجاع في قدميك , فقد شفيتا تماما ".
أكدت له بأمتنان صحة كلامه , وشكرته على كل ما قام به أتجاهها , قال لها ببرودة تكشف ألى حد ما عن أعتراف ضمني بالمسؤولية :
" معظم الفتيات كن سيتهمنني بأن قصر نظري هو الذي أدى في المقام الأول , ألى وقوع هذه المشكلة".
حبست روزالبا أنفاسها دهشة , لدى سماعها هذه الجملة التي تصل ألى حد الأطراء , وعندما ألتفت سلفاتوري نحوها وتلاقت نظراتهما , شعرت وكأن الزمن توقف ألى ما لا نهاية في تلك اللحظة الخاطفة , الخطر محدق بهما من كل حدب وصوب .... رجال مسلحون ومتعطشون للدماء يجوبون الوادي والسفوح , ويقلقون راحة أبناء القرى المشتبه في أنهم متعاطفون مع ديابولو ! ومع ذلك .... فقد نسيت روزالبا تماما في هذه اللحظة الوجيزة السحرية سبب وجودها في هذا الكهف , وأحست بأنها .... ولدت من جديد , ثم .... أفاقا معا من ذهولهما وغيبوبتهما , ولكن بطريقتين مختلفتين جدا , ففي حين كانت روزالبا سابحة في بحر الخيال وأحلام اليقظة , سمعته يقول لها بأزدراء ... قطع به ذلك الخيط الرفيع من العلاقة الحميمة القصيرة:
" حان الوقت لزيارة العمة جيوسبينا".
منتديات ليلاس
أرادت أن تعرف المزيد عنه , فتجاهلت لهجته القاسية وسألته ببرودة مصطنعة :
" كيف تمكّن صبي يتيم , ولد فقيرا وعاش مشردا ,من دراسة الطب؟ ألم تقل بنفسك أن المال كان نادرا بصورة دائمة ؟ أليست الدراسة الجامعية , وما يليها من مراحل التخصص , باهظة التكاليف؟".
لم يتضايق أطلاقا من أسئلتها , التي تحاول من خلالها معرفة أمور شخصية جدا عنه , بل بدا مسرورا لتمكنه من التحدث عن هذا الموضوع , قال لها :
"كنت سعيد الحظ , لوجود بعض الأثرياء المحبين والمخلصين في في الولايات المتحدة , فقد شاءت الظروف أن يهاجر الشقيق الأكبر لوالدي قبل أندلاع الحرب , ويتحول خلال فترة قصيرة نسبيا ألى رجل أعمال ناجح , أستدعاني عمي عندما بلغت العاشرة من عمري , وبقيت معه حتى تخرجي وحصولي على كافة شهادات التخصص التي كنت أطمح أليها , وعندها .... شعرت بأنني مضطر للعودة ألى وطني".
" ألم تعجبك الولايات المتحدة ؟".
تردد قليلا , ثم قال لها بهدوء لم تكن تتوقعه :
" يحلم كل فلاح صقلي بالهجرة ألى هناك , حيث الثروة والصداقة والمساواة والعدالة و......".
شجعته على متابعة كلامه , بالقول :
" ومع ذلك...".
أستدار نحوها وهو يوجه أليها أبتسامة جعلت قلبها يتوقف عن الخفقان , ثم قال لها :
" ومع ذلك , كنت أمضي أوقات الفراغ القصيرة والمتباعدة .... في حدائق الحيوانات .... شعرت بتعاطف قوي مع تلك المخلوقات التي أبعدت عن بعضها ووضعت في أقفاص حديدية .... محرومة من حريتها وأدغالها! ".
سارا ألى القرية تحت جنح الظلام , فدفعها سكون الليل ألى تركيز تفكيرها بكامله على الرجل الذي يسير أمامها بخطى بطيئة للحؤول دون تعثرها أو وقوعها , تألم قلبها لدى تصورها ذلك الصبي ... أبن الصخور والجبال... يشحن في سن مبكرة ألى أرض غريبة .,.... ويعاني من زجّه داخل سجون من نوع آخر , هي غرف البيوت وقاعات الجلوس .... ألى أن يتم تدجينه وتعليمه ومنحه في نهاية الأمر شهادة موافقة وقبول من الحضارة والمدنية ! لا شك في أنه تحمل عذابا لا يطاق, وبكى بقلب جريح ليلة بعد ليلة ...وهو يشرب الحليب المجفف ويأكل اللحوم المعلّبة ويتنشق الهواء الملوث , ولا يعرف طعم النوم والراحة بسبب الضجيج والصخب!

نيو فراولة 11-11-10 12:05 AM

بدت العمة جيوسبينا في وضع جيد , فقد قفزت فجأة ألى حافة سريرها , فور دخولهما الغرفة , وقالت لقريبها:
" أطالبك بأصرار شديد , يا توتو , بأن تسمح لي بمغادرة الفراش..... وبأن تبلغ تلك الغبية جينا , التي أخترتها لي كحارس ... لا بل كسجّان , بأن تحضر لي ثيابي حالا!".
أبتسم لها بمحبة وحنان , ولكنه لم يجبها حتى جس نبضها وأجرى كشفا طبيا عليها , قال لها , مستسلما لرغبتها , ولكن بلهجة توحي بأنه يفعل ذلك عن أقتناع لا عن ضعف أو أذعان :
" حسنا , يا عمتي , أنا لست متأكدا تماما من أنك تعافيت بالشكل الذي تصورينه لي , ولكنني سأطلب من جينا أن تساعدك على أرتداء ملابسك ..... شريطة حصولي على وعد قاطع منك بعدم مغادرة مقعدك ألا نادرا , وبالعودة فورا ألى فراشك بمجرد أحساسك بالتعب والأرهاق ".
ظهر العناء جليا في ملامح السيدة العجوز , وبدا التمرد واضحا في عينيها الصغيرتين السوداوين , ألا أنها قررت الرضوخ لأوامر الطبيب وأرشاداته , قائلة :
" حسنا , يا توتو , أعدك بذلك ".
منتديات ليلاس
ثم أنتفض رأسها بشموخ وعنفوان , ومضت ألى القول .... وكأنها تصر على الأحتفاظ بالكلمة الأخيرة :
" ولكنني لا أزال أظن بأن أوامرك الصارمة تتسم بالغباء والسخافة , سيتصور جميع جيراني بأنني أصبحت في المراحل الأخيرة للشيخوخة والعجز , جسديا وعقليا , أنا قادرة تماما على الأعتناء بنفسي , ولا أريد أي معاملة خاصة".
قبل تأنيبها بجدية وهدوء , قائلا:
" أعرف ذلك , يا عمتي , وأذا نسيت هذا الأمر يوما , فلا تترددي أطلاقا في تذكيري به".
ظنت في بداية الأمر , أنه يتحدث معها بشيء من السخرية , ولكن وجهها أشرق فجأة بأبتسامة حارة , ثم ضمته ألى صدرها بمحبة وحنان قائلة /
" أنت شاب طيب جدا , يا توتو , مع أنك تتطرف أحيانا في جرأتك ولكن...".
نظرت بطريقة فرحة نحو روزالبا , التي تقف على بعد خطوات قليلة , وأضافت قائلة :
"ولكن الجريء وحده هو الذي يظفر عادة بقلوب الحسناوات الجميلات , كما ستوافقني على ذلك بالتأكيد صديقتك الشابة ".
" صديقتي الشابة!".
أحمرت وجنتاها روزالبا حياء , وهي تسمعه يشدّد بشكل مذهل على كلمة صديقة .
" ولكنك تعرفين بالتأكيد , يا عمتي , من......".
توقف فجأة عن أتمام جملته , وكأنه تخوف من الكشف عن هويتها , ثم هزّ كتفيه وحمل كيسه قبل أن ينهي كلامه بالقول :
" سنضطر للذهاب الآن قبل هبوب العاصفة , لا تقلقي , يا عمتي , أن لم أقم بزيارتك خلال الأيام القليلة القادمة ... ذلك أنني سأنهمك في أعمال كثيرة ".
أوقفته السيدة العجوز قائلة له , وهي تشير نحو الباب :
" قبل أن تذهبا , أود أن أعطي صديقتك هدية صغيرة , هل تسمح بأنتظارها خارجا , لأني أريد أعطاءها الهدية على أنفراد ".
بدا أنه على وشك الأعتراض أو التمنع , ولكنه غيّر رأيه وتوجه نحو الباب قائلا :
" كما ترغبين , يا عمتي , ولكنني أريدك أن تسرعي قدر الأمكان ".
ثم ألتفت نحو روزالبا , وقال لها :
" لا تشجعي عمتي على أرهاق نفسها , فهي تتحدث كما تعزف على القيثارة ...... دون توقف .... ألى أن تغرقها النشوة في موسيقى كلامها !".

نيو فراولة 11-11-10 12:07 AM

لم تعلق العجوز على كلامه, ولكنها أشارت نحو صندوق خشبي وقالت لروزالبا بصوت يرتعش حماسة وتلهفا :
" أذهبي ألى ذلك الصندوق , يا عزيزتي , وأحضري لي منه الكيس الأخضر الصغير الموجود في الجانب الأيمن ".
فعلت روزالبا كما طلب منها , وهي تشعر بالحيرة لحماسة السيدة العجوز ... وتتوق لمعرفة محتويات الكيس , قالت لها السيدة السعيدة , فيما كانت تفتح كيسها الذي يبدو عزيزا جدا على قلبها :
" أريدك أن تأخذي هذه الثياب , أيتها الشابة الجميلة , أنني أحتفظ بها منذ ما قبل زواجي , لأعطيها لأولى بناتي , وبما أنني لم أرزق أبنة , فسوف أكون في غاية السعادة أذا قبلت بأرتدائها".
شهقت روزالبا دهشة وأعجابا , عندما أخرجت السيدة العجوز فستانا طويلا رائع الجمال وسترة و..... و.......
أرتدي هذه الثياب , يا عزيزتي , لأرى كيف تبدو عليك ".
خلعت روزالبا السروال الجلدي الضيق الذي بدأت تزدريه وتشمئز منه , ثم أرتدت بسرعة الفستان الأصفر المزركش والسترة المخملية السوداء , وعلى أثر ذلك , ألقت على كتفيها الشال الحريري المطرز وربطت شعرها بمنديل يتناسب مع الثياب الرائعة لونا وأناقة.
أستدارت نحو السيدة الطيبة لتسمع تعليقها , فصرخت والدة توريدو بسرور بالغ :
" يا لجمال البراءة ! يا لهذا القوام الرائع! لم يبد زينا القومي أبدا من قبل بمثل هذه الروعة , أذهبي , يا آنسة, وأسألي توتو عما أذا كان لديه أي أعتراض .... على أن صديقته الصغيرة هي الآن أجمل فتاة في جميع أنحاء صقلية !".
منتديات ليلاس
قبّلتها روزالبا على وجنتيها بمحبة خالصة وأمتنان مخلص , ثم ركضت ألى الخارج لتبحث عنه وتتباهى أمامه بثيابها الساحرة , كانت واثقة من المعلومات التي أفادت بأبتعاد مطارديهما عن هذه المنطقة , فقطعت المسافة القصيرة الفاصلة بينهما وهي تقفز فرحا وسعادة , شعر بأقترابها منه لكنه لم يستدر نحوها , لأنه كان يحدق بأهتمام كلي بنافذة تنبعث منها أنوار قوية وأنغام موسيقية صاخبة وأصوات غناء وضحك وطرب , سألته هامسة:
" ماذا يجري هنا؟ هل ثمة حفل زواج , أو أحتفال عائلي؟".
أجابها دون أن يلتفت أليها :
" بما أن يوم غد مخصص للصيام والتأمل , فأنهم يقيمون الليلة حفلة ويملأون بطونهم أستعدادا لمواجهة جوع الغد".
" أنها تبدو حفلة رائعة ".
وصلا بعد لحظات ألى مدخل ذلك المنزل , الذي بدا منفصلا بعض الشيء عن بقية منازل القرية , فخرج رجل طويل القامة ووقف أمام الباب يحدق بالشخصين القادمين , وما أن أعتاد نظره على التحول المفاجىء من النور ألى الظلمة , حتى قفز نحو سلفاتوري بسعادة بالغة وصرخ قائلا:
" توتو , يا صديقي العزيز , أدخل وأنضم ألينا , أنت هنا في أمان تام , فقد أبتعدت عنا منذ بعض الوقت ذئاب الكونت الجائعة .... كما أننا لا نزال محتفظين بعدد من المراقبين في كافة النقاط الأستراتيجية , وبما أن هذه قد تكون المرة الأولى التي يمكنك فيها الشعور بالراحة والأطمئنان الكاملين , فأنني أتمنى عليك أن تتمتع بوقتك ألى أقصى درجة .... وتنسى جميع همومك ومشاكلك ........ ولا تتذكر ألا أنك بين أصدقاء".
سمع بعض الساهرين ذلك الترحيب , فتدفقوا ألى الخارج لمقابلة صديقهم الذي لا يرونه ألا نادرا , وخلال لحظات وجيزة , أصبح سلفاتوري ديابولو محاطا بجميع الرجال الذين كانوا موجودين في الداخل , ظلت روزالبا واقفة في مكانها تتأمل أولئك الرجال , وهم يدفعونه ألى الداخل .... دون منحه أي مجال للأعتراض أو المناقشة , أو حتى للألتفات نحوها ومشاهدة ثيابها الرائعة , وفجأة .... أرتجف جسمها ذعرا وهلعا عندما سمعت صوتا أجشا قاسيا يقول لها ببرودة مرعبة من مكان ما وراءها :
" وأنت أيضا يمكنك الدخول ,يا .... آنسة روسيني ! أجلسي في الزاوية المواجهة للباب , حيث يمكننا مراقبتك طوال فترة وجود ديابولو هنا".

ايمااان 12-11-10 01:26 PM

ننتظر البقيه بكل شووووووووق

وتسلم الاياادى ع مجهودك ربي يوفقك ويسعدك

نجمة33 12-11-10 06:21 PM

تسلم الاياادى ع مجهودك ربي يوفقك ويسعدك

ايمااان 13-11-10 12:54 AM

نجمة لاتقلدين يااقلوووده8_8

ترا امزززح لبى رووحك

نيو فراولة 14-11-10 08:00 PM

جلست روزالبا في الزاوية التي حددت لها , فأكتشفت أنها تحتلها بمفردها .... حتى على الرغم من الأزدحام الشديد في بقية أنحاء القاعة, ولكنها شعرت بأنها ليست منعزلة تماما عن الآخرين , فعشرات الأعين المعادية توجه أليها نظرات حادة أشبه بالسهام الفتاكة , أنها أبنة عائلة روسيني , التي يكرهونها ألى درجة مذهلة ويتحرقون للأنتقام من أي شخص يحمل أسمها , أحست روزالبا فجأة , وللمرة الأولى في حياتها , بالخجل من أسم كان دائما موضع فخرها وأعتزازها.
تجرأت بعد قليل على رفع رأسها والتطلع حولها , فلاحظت أن جميع السيدات في تلك الحفلة يرتدين الزي القومي , أحست بشيء من الراحة النفسية , وأخذت تنسى , تدريجيا , نظرات الحقد والكراهية .... وتركز أهتمامها على دراسة بعض الصقليين وتقاليدهم , لاحظت كيف يقترب الرجل بتهذيب مبالغ فيه من الشابة التي يود دعوتها ألى الرقص , ثم ينحني أمامها ويتوجهان معا ألى الحلبة الكبيرة .... وهما يمسكان بطرفي منديلها , عندما تنتهي الرقصة الشعبية , التي تضج حركة وحياة , ينحني الرجل مرة أخرى أمام مرافقته .... ويبتعد عنها , ليكرر العملية ذاتها مع شابة أخرى , وفي غضون ذلك , تسير هي بغنج ودلال داخل تلك الدائرة ألى أن تجد رجلا يعجبها .. فتدعوه ألى الرقص.
أستمر الوضع على هذا المنوال , ألى أن أصبح الجميع داخل الحلبة ... الجميع بأستثناء روزالبا وأمرأة لم تشعر بوجودها , ألا عندما سمعتها تقول لها من الوراء:
" كان يجدر بنا الآن , أثناء وجودك بيننا يا أبنة عائلة روسيني , أن نرقص تلك الرقصة الشعبية المشهورة ... الترنتيلة ! فهي راقصة ذات صلة وثيقة بالعنكبوت الذئبية الكبيرة .... الترنتولة , التي يقال أنه لا يمكن الشفاء من سمومها المميتة ألا عن طريق الرقص بشكل عنيف ومرهق .... لكي تخرج سمومها مع العرق المتصبب من جسم الشخص المصاب!".
منتديات ليلاس
أقشعر جسم روزالبا ذعرا وهلعا , فيما كان ذلك الصوت البارد الحاقد الذي يشبه فحيح الأفاعي يخترق أذنيها ويطعنها في الصميم , ولكنها أرغمت نفسها على الأحتفاظ برباطة الجأش , وقالت لصاحبة الصوت المزعج بلهجة لطيفة ... دون أن تلتفت أليها :
" أنا آسفة ..... لأن وجودي يضايقك ألى هذه الدرجة".
" يضايقني فقط ؟ ألا تعرفين يا حفيدة الكونت , أننا جميعا نكره عائلة روسيني .... وأسمها ...... وكل من ينتمي أليها؟".
هزت روزالبا رأسها أعترافا منها بهذا المرير , وقررت أن تقدم غصن الزيتون ..... آملة في التوصل ألى نوع من المصالحة أو الحل الوسط مع هذه الأمرأة , قالت لها بهدوء:
" لا يمكن لأي نزاع أو صراع أن يستمر , ألا بوجود أخصام وأعداء من الجانبين , أنا لا أشعر بأي خصومة وعداء أتجاهك أو أتجاه أهلك وأقربائك , وأتمنى قيام صداقة فيما بيننا".
تحطمت آمالها وأوهامها بسرعة على صخرة الحقد والكراهية , وسمعت تلك الأمرأة تضحك بطريقة مرعبة وتقول لها :
" أذا كنت تأملين في أنقاذ رأسك , يا آنسة , فأنت واهمة وتضيعين وقتك سدى , فالثأر والأنتقام لن يتوقفا , قبل أن يلفظ كل روسيني أنفاسه الأخيرة , ثمة وسيلة واحدة فقط لوضع حد نهائي لسفك الدماء , وهي زواجك من أحد رجالنا العازبين , ولكنني لا أرى أي أمل في ذلك أطلاقا ......لأنه أذا لم يكن هناك رجل واحد في هذه القاعة يقبل بدعوتك ألى الرقص أو حتى بالأقتراب منك , فهل يعقل أذن أن يريدك أحد زوجة له!".

نيو فراولة 14-11-10 08:02 PM

تدخّل القدر في تلك اللحظة الحاسمة , ليثبت أن تلك المرأة لم تكن على صواب..... وأن الرد على الدعوة للسلام بالأصرار على الكراهية الحاقدة مناف لجميع مبادىء الأخلاق والمثل العليا , فقد أقترب منهما شاب في مقتبل العمر , وهو في ذروة نشوته وأبتهاجه , وأنحنى أمام روزالبا .... موجها أليها الدعوة التقليدية للرقص , أدركت فورا أنه لا يعرفها أو أن النشوة العارمة أنسته أسمها الذي يكرهه الجميع , فهبّت واقفة ورافقته ألى الحلبة... آملة في الأختفاء مؤقتا داخل ذلك الحشد الكبير من أبناء القرية , ولكن خطتها أخفقت منذ اللحظات الأولى , لأن نظرات الأستغراب والأستهجان والأشمئزاز تسلطت عليهما كأنوار كاشفة.... فيما أتسعت الدائرة حولهما بسرعة , ألى أن أصبحا وحيدين تماما في وسط الحلبة.
" روسيني ! روسيني! روسيني!".
سمع الفتى هذا الأسم البغيض يتردد على شفاه الموجودين حوله , فتسمّر مكانه..... وأخذ يحدق بوجه روزالبا , توقف العازفون عن العزف.... وخيم على القاعة صمت رهيب مروع , أحست بأن مشاعر الحقد تحيط بها من جميع الجهات , وتبدأ بشد الخناق حول عنقها , كذلك شعر الشاب الطري العود بوطأة النظرات القاسية وفداحة الخطأ الذي أرتكبه , فأبتعد عنها وكأنها حية سامة , ثم برقت عيناه ووجنتاه معا بأبتسامة ماكرة , وأنحنى أمامها بأستهزاء وسخرية قائلا :
" أحييك ...... يا مليكة أريكس!".
منتديات ليلاس
ضجت القاعة بالضحك والتصفيق , فأرتاح الشاب لتبرئة ساحته وبدا كأنه سيرقص وحده طربا وسعادة , أما روزالبا التي لم تفهم مغزى التحية المرحة , فقد شلت الصدمة القوية قدرتها على التفكير بهدوء وروية .. فظلت واقفة دون حراك , لا تعرف كيف تتصرف أو ماذا تفعل , وفي تلك الأثناء , كان ذلك الفتى المتحمس يتذوق طعم الأنتصار المفاجىء والشعبية غير المتوقعة.... ويتحول من شاب رقيق خجول ألى رجل قاس جسور .
هجم عليها فجأة ودون سابق أنذار , وبدأ يعانقها بعنف ووحشية , قررت أن تدافع عن نفسها بقوة وشراسة ,وبغض النظر عن المضاعفات التي قد تواجهها كنتيجة لعدم الأستسلام الفوري.
لكمته على وجهه ورأسه .... ركلته على قدميه ورجليه.... غرزت أظافرها في خديه وعنقه وظهره ....بينما كانت تحاول طوال الوقت أبعاد وجهها عنه , ألا أن الراعي المفتول العضلات لم يأبه بتلك المقاومة المستميتة من جانب فتاة ضعيفة , بل أزداد عشقا وهياما وضمها ألى صدره بقوة شديدة كادت تحطم أضلعها وتحبس أنفاسها .
ساعدته الروائح الكريهة , المنبعثة من فمه وبقية أنحاء جسمه , على توجيه الضربة القاضية ألى روزالبا ..... فأحست أنها ستصاب بالغثيان والأغماء , أدرك الآخرون مدى ضعفها , فأخذوا يحثون مهاجمها على ألحاق المزيد من الذل والهوان بها.... ويقترحون عليه القيام بأعمال فظة وحقيرة معها , لأشباع نهمهم وتعطشهم ألى الثأر والأنتقام .
" لويجي , أيها الأرعن الأحمق! أتركها .... أتركها حالا!".
لم تشعر طوال حياتها بمثل هذه السعادة لسماعها صوتا مألوفا , وبخاصة عندما تصحبه خطوات فورية لأنقاذها من محنة أليمة مروعة , شق صوت سلفاتوري صراخ الحاضرين وضحكهم كسيف قاطع .........فأخرسهم , وأرغم الشاب المهاجم على تركها دون تردد , دفعه نحو الآخرين المذهولين .... بقوة وعنف بالغين , جعلاه يتعثر ويهوى قرب أقدامهم , ثم أطبقت يده بقساوة مماثلة على ذراعها , وصرخ بالفلاحين المنصاعين لأوامره أنصياع الأغنام للرعيان .... قائلا بلهجة غاضبة ساخطة:
" أهم شيء في عمليتنا هو ألا تصاب هذه الفتة بأي أذى , طالما أننا لم نحصل على الفدية التي نريدها".
رفع كيسه بيده الأخرى وأندفع نحو الباب بعصبية فائقة , عبر الممر الواسع الذي فتحه له فورا الفلاحون الصاغرون , ظل يجذبها وراءه بحدة حتى أبتعدا مسافة طويلة عن المنزل , ثم توقف بصورة مفاجئة .... وأخذ يتنفس بسرعة ويهز رأسه بتململ ظاهر وبشكل غير طبيعي , أستغربت هذا التصرف الذي لم تكن تتوقعه بتاتا , فرمى كيسه أرضا وقال لها :
" أشعر بصداع قوي يكاد يفقدني توازني , أحملي هذا الكيس عني لئلا أتعثر وأقع , أنها بلا شك حالة مؤقتة , أرجو التغلب عليها بمجرد وصولنا ألى الكهف".
أستغرقت رحلتهما ضعف الوقت الذي يحتاجان أليه عادة , لأن روزالبا لم تكن تحمل كيسا خفيفا ..... ولأنها كانت تفكر طوال الوقت بما قد يحدث لها تلك الليلة , فمن المؤكد أن وجود سلفاتوري في تلك الحفلة الصاخبة , ولو لفترة وجيزة , جعله يشعر بنشوة كبيرة .... وينظر أليها بعينين تشعان بأفكار جهنمية.

فتاة 86 15-11-10 05:23 PM

نيو فراولة كثير حلوة
يعطيك العافية
بس هيك كثير قليل يا ريت تنزلي البارت كامل
بعرف أنو الكتابة صعبة بس نحنا منطمع على الكرمة يلي مثلك
موفقة

نيو فراولة 19-11-10 09:41 PM

دخلت الكهف بخطى خائفة متعثرة , وأختارت أحدى زواياه البعيدة ... فيما راح سلفاتوري يبحث بعصبية واضحة عن أعواد الثقاب لأشعال نار خفيفة , وقعت العلبة الصغيرة من يديه وتبعثرت الأعواد , فأرتمى على ركبتيه لأيجادها , وهو يشتم بصوت عال , تكومت روزالبا بذعر حول الكيس الكبير , وحضنته بين ذراعيها كأنها تحتمي به , وبينما كانت تفعل ذلك , وقعت يدها على شيء صغير أسطواني الشكل قرب فتحة الكيس... فتذكرت فورا علبة الحبوب المنومة !
أخرجتها من الكيس بحذر بالغ , وهي ترغم أصابعها على عدم الأرتجاف ..... مخافة أحداث أي أصوات تلفت أنتباهه , حبست أنفاسها وبدأت تفتحها ببطء شديد , بينما كان العرق البارد يتصبب من جبينها... وضربات قلبها تبدو لها كقرع الطبول , نجحت في محاولتها , ألا أن مشكلة كبرى أشد خطرا لا تزال قائمة , فهي تريده أن ينام , ولكن .... ليس ألى الأبد , هل ستختار حبة؟ أو أثنتين ؟ أو ثلاثا .......؟ أذا كانت العجوز المريضة بحاجة ألى حبتين لتنام فترة طويلة , فمن المؤكد أن رجلا قويا في بداية الثلاثينات من عمره مثل سلفاتوري ديابولو يحتاج ألى ضعف ذلك , أخذت أربع حبوب ووضعتها في جيب مئزرها , ثم أعادت العلبة ألى الكيس وأحكمت أغلاقه .
وفيما كانت تسند ظهرها ألى الحائط وهي ترتجف خوفا وذعرا , أنار المشعل أرجاء الكهف وشاهدت قدمين على بعد خطوة واحدة منها , رفعت رأسها بهلع شديد نحو سلفاتوري , فبدا وجهه عبر ألسنة اللهب كشيطان خرج لتوه من جحيم دانتي , قال لها ضاحكا بعصبية:
"أحييك ....... يا مليكة أريكس! هل تعرفين الأسطورة القائلة أن أفروديت .... رمز الحب والجمال , كانت تتزعم مجموعة من العاشقات التافهات اللواتي كن يمنحن الحب الرخيص لكل بحار ومسافر وطالب متعة ؟ وهل تعلمين أن أفروديت , حسب تلك الأسطورة , كانت تقيم مع فتياتها على قمة جبلنا أريكس .... واسمى مليكته ؟ أليس من الممكن أن صديقك الراعي الشاب حظي منك على تشجيع ما أثناء الرقص , ليشبّهك بها...... ويهجم عليك بعد لحظات , سعيا وراء المتعة؟ أنه أحتمال قوي جدا , لأن تحرر الفتاة الصقلية اليوم لم يعد ألا جزءا يسيرا مما كان عليه أثناء وجود أفروديت المزعوم".
أبتعدت عنه بسرعة , عندما تأكد لها أن نشوته أنسته ضميره وترفعه ..... الذين حافظ عليهما بقوة تستحق الأعجاب والتقدير طوال فترة أقامتها معه , رمى المشعل جانبا ... ثم أقترب منها مجددا وأنحنى فوقها , مهددا متوعدا :
" أريد أمرأة... أمرأة ... أمرأة! أريدها كقطعة حلوى , أتلذذ بطعمها وحلاوتها ببطء .... قبل مضغها وأبتلاعها!".
منتديات ليلاس
رفعها عن الأرض دون عناء وضمها بين ذراعيه , فكادت تصرخ وتستغيث , ولكن الحكمة تغلبت على ردود الفعل العفوية والمتهورة , فقررت أن سبيلها الوحيد للخلاص هو تلك الحبوب المنومة ..... وأيجاد الفرصة المناسبة لأعطائها لها , أرغمت نفسها على التظاهر بالمرونة والقبول , وقالت له بغنج ودلال تحسدها على براعتهما أي أمرأة متمرسة :
" أليس من الأفضل لنا أن نشرب فنجانا من القهوة القوية المنعشة , لكي نطرد أشباح التعب والأرهاق والنعاس......".
" فكرة عظيمة ... رائعة! يبدو أننا الآن نتحدث باللغة ذاتها , ونطرب للأنغام نفسها! خذي المشعل , فناره قوية ألى درجة كافية ... ولكن لا تتأخري كثيرا !".
هرعت نحو الزاوية التي يضع فيها المؤن , والأدوات المنزلية المتواضعة التي لا تستخدم ألا في بيوت الفقراء المعدمين , وهي تمنّي النفس بأمكانية وضع احبوب في فنجانه , وعندما أصبحت القهوة جاهزة بعد دقائق معدودة , صبتها في الكوبين اللذين يستعملانهما ... ثم وضعت الحبوب الأربع في كوبه , وهي ترتجف خوفا وقلقا , أخذت ملعقة صغيرة لتحرك قهوته وتذيب الحبوب بسرعة , فأستدار وصرخ بها قائلا :
" لا أريد أي كمية من السكر مع القهوة , فحلاوتك تكفيني ! أفرغي الكوب حالا , وأعدّي لي فنجانا آخر من القهوة القوية المرة !".
أرتبكت روزالبا بشكل لم يسبق له مثيل , كاد الكوب يقع من يدها , لا شك في أنه لاحظ خلال وجودها معه , بأنها لا تشرب قهوتها مع السكر , فماذا ستفعل ؟ لجأت ألى الحيلة والخداع مرة أخرى , فقالت له متظاهرة بالأبتسام والمرح :
" لا داعي لذلك أطلاقا! فأنا سأشرب القهوة المحلاة , كي أصبح ...... حلوة اللسان ! سأعطيك الكوب الآخر".
أستلقى على ظهره من شدة الضحك , فسارعت ألى أستبدال الكوبين مرة ثانية... وأعطته الفنجان الذي قد ينقذها من محنتها الأليمة , شرب القهوة الساخنة جدا .... جرعة واحدة , وكأنه يريد أستعادة نشاطه بصورة فورية , حاولت القيام بالشيء ذاته , لتثبت له أستعدادها وتجاوبها , ولكنها لم تتمكن من شرب قهوتها ألا على ثلاث دفعات مضنية ومؤلمة.

نيو فراولة 19-11-10 09:43 PM

وفيما كانت تعيد كوبها ألى مكانه , تسلل ورائها بخفة مذهلة وأنقض عليها كنمر شرس جائع , أمسك بذراعيها ثم تركهما فجأة ليضمها ألى صدره ... وراح يعانقها برقة لم تكن تتوقعها , أحست ..... رغما عنها .... بمشاعر محرجة , وعندما أنطفأ المشعل وغرق الكهف في سواد الليل احالك , قال لها بصوت هامس أذاب عظامها خوفا وهلعا :
" يبدو أن الظلام يريد أحتضانك وضمك , ومداعبة وجنتيك .. ولكنني لن أدع الظلام يسبقني أليك!".
زحفت أحدى يديه ببطء ألى شعرها تلامسه فحاولت أن تقاومه , فضحك وأدارها نحوه قائلا :
" ألم نتمكن بعد من طرد أشباح التعب والأرهاق والنعاس , كما أقترحت قبل قليل ؟".
حملها فجأة وسار بها نحو الكيس الذي يستخدمه للنوم , ووضعها عليه برفق لا يتناسب مع قساوته المعتادة , لن تتمكن من المقاومة ...... أنهمرت دموع الحزن واليأس من عينيها , وقالت له متوسلة :
" توتو, أرجوك لا..........".
" توتو ! يسعدني جدا , يا آنسة , بأنك أنت أيضا بدأت تشعرين بالحاجة ألى تطور صداقتنا ..... على هذا النحو الطبيعي ".
تصورته , وهو يعانقها , بأنه يحاول تطهير نفسه من الحقد المرير .... الذي يشعر به أتجاه أي شخص يحمل أسم روسيني , لو أنها أحد رجال العائلة ,لكان الآت يستخدم خنجره عوضا عن فمه ..... وسوطه بدلا من يديه! ولكن كونها أمرأة , حمله على الأستعاضة عن التعذيب الجسدي أو القتل الفوري ...... بعذاب من نوع آهر أكثر أذلالا ومهانة ! كان يعانقها بعنف لا يعرف الشفقة والرحمة , وبقساوة تجهل معنى الرقة والحنان والأحساس .
منتديات ليلاس
لم تتوقف عن المقاومة , ألا عندما أدركت أن تمنعها وأعتراضها يزيدانه حماسة وأندفاعا , هل كانت العمة جيوسبينا تتوقع أن ترمي هذه الثياب الرائعة وذات القيمة المعنوية الكبيرة , على أرض أحد الكهوف .. كخرق بالية؟ تنهدت بأسى بالغ , عندما شعرت بأرتخاء مفاصلها وبعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها , سمعت ضحكة أرتياح وأنتصار خافتة , فأرعبتها الخطوة المروعة التي سيقدم عليها , وما أن شعرت ببوادر الأغماء , حتى توقفت يداه العابثتان فجأة عن الحركة .... وأرتمى كجثة هامدة فوق صدرها .
أستعادت قوتها بسرعة مذهلة , فدفعته عنها وأعدت نفسها لمقاومته مرة أخرى , ولكنه أرتمى قربها دون حراك..... وبدا أنه يغط في نوم عميق , يا لسعادتها! لقد أنقذها الدواء الذي أختارته دون أستشارة الطبيب , من مرض أسمه..... الطبيب المنتقم!

نيو فراولة 19-11-10 09:51 PM

10 - ستتزوجها أو أقتلك


فتحت روزالبا حقيبتها وأخرجت منها أول فستان أمسكت به يدها , ثم أرتدته على الفور , كان الظلام الشديد يمنعها من رؤية ملابسها , كما أن أفكارها المشوشة والقلقة لم تكن لتسمح لها بأختيار هذه الثياب أو تلك.
جلست على مدخل الكهف بأنتظار حلول الفجر لتتمكن من أيجاد طريقها نحو السهول , كانت مطمئنة البال ألى أن سلفاتوري سيظل فاقد الوعي بضع ساعات أخرى , ولن يتمكن من اللحاق بها , ولكن الخوف من لقاء أحد أصدقائه أو أقربائه أثناء محاولتها الهرب منه , كان يقلقها ويثير أعصابها , ولذلك, فقد بدت لها تلك الساعات الثلاث التي أمضتها في ذلك الجو البارد والمتوتر ... أطول بكثير من الأيام الثمانية التي مضت على أختطافها.
بزغ الفجر وبدأت خيوط الصباح الفضية تقتحم ستائر الظلام , فوقفت روزالبا وألقت نظرة أخيرة على الكهف وسيده .... اللذين دخلا حياتها فجأة وأحدثا فيها تغييرات هائلة , تأملت الملامح القوية والوسيمة للرجل , الذي يحمل منذ طفولته عبء الثأر والأنتقام .... والذي تتفجر في داخله حمم بركانية من العواطف الجياشة والمشاعر العنيفة , لم تعرف لماذا دمعت عيناها وتألم قلبها , وهي على وشك الخلاص نهائيا من محنة لم تكن لتتصور حدوثها حتى في كابوس مزعج !
سارت بالأتجاه المعاكس للقرية , آملة في الوصول ألى مكان آمن يمكنها منه الأتصال بجدها , وما أن أبتعدت قليلا عن الكهف وجواره , حتى أحست ببعض التحركات في السهل القريب , لا شك في أن هؤلاء هم الرجال الذين يبحثون عنها! ألم يحذرها سلفاتوري مرات عديدة من أحداث أي ضجة في هذه المناطق , بسبب أحتمال وجودهم على مسافة قريبة؟ أسرعت الخطى بأتجاههم , فكادت تقع أكثر من مرة لشدة فرحها وتلهفها , وفجأة ..... سمعت صوتا يتردد صداه بين الصخور والحجارة , فأدركت أن أحد الرجال شاهدها , ولم تمر عشر دقائق على ذلك , ألا وكان عشرات الرجال المسلحين يحيطون بها من كل جانب لاحظت أن معظمهم لم يكن من رجال الشرطة , بل من عمال جدها ومرافقيه , أقترب منا بعض المسؤولين الذين أقلقهم منظرها المحزن , وراحوا يمطرونها بأسئلة متلاحقة.
منتديات ليلاس
" هل أنت بخير يا آنسة ؟".
" أين كان يخفيك ذلك الوغد الحقير؟".
" كيف تمكنت من الهرب؟".
" أين هو ديابولو؟".
أثارذكر أسمه موجة من السخط والغضب لدى كافة الرجال المتعطشين للدماء , وأخذوا يصيحون بأصوات عالية :
" ديابولو! ديابولو! خذينا حالا ألى مخبأه!".
أشمأزت روزالبا من هذا النهم المرعب ألى الأنتقام , ورفعت يديها بأرتباك قائلة :
" آسفة... لا أعرف , ثمة كهوف عديدة قرب القمة , وليست لدي أي فكرة عن .......".
وفيما أرتفعت جميع الأعين نحو قمة الجبل , مد رجل يده ألى مكان ما وصرخ قائلا :
" هناك , هناك!".
شهقت روزالبا بخوف وذعر شديدين عندما رأت الشال الأبيض والأحمر , الذي أعطته أياها العمة جيوسبينا وألقته على كتفيها قبل هربها بلحظات معدودة , عالقا بأحد أغصان شجرة برية صغيرة أمام الكهف..... ويرفرف كأنه علم تعمدت وضعه هناك للأرشاد ألى مخبأ سلفاتوري , قال الضابط لأحد رجاله , بلهجة قائد عسكري على وشك تحقيق أنتصار ساحق :
" رافق الآنسة ألى منزل جدها فورا , وأبلغ الكونت بأن ديابولو سوف يسلم أليه خلال ساعة واحدة".
طلبت منه روزالبا باكية ألا يؤذي الرجل الذي يتعقبه , ورجته أن يسمح لها بمرافقة الرجال ألى الكهف , فأعتبر الضابط أن تصرفها هذا غير طبيعي وناجم عن الصدمة التي لحقت بها , وقال لها بحزم:
" أرجوك , يا آنسة , بأن تسمحي لسائقي بأخذك حالا ألى بيتك , فجدك لن يغفر لي أطلاقا أذا وافقت على زيادة عذابك ....... بأفساحي المجال لك لمشاهدة عملية ألقاء القبض على كلب مسعور ومجرم محترف!".

نجمة33 20-11-10 04:25 AM

مشكورة علي الجهدالمبذول
و كل عام وانتي بخير

ام الاولاد الثلاثه 20-11-10 08:07 PM

حقيقى روايه جميلة جدااااااااااا
ومشوقه ايضا فى احداثها
شكرآآآآآآ لك جزيل الشكر لأختيارك المميز
ولكن اتمنى ان لا تتأخرى علينا بمزيد من الاحداث
نرجو كتابه اجزاء كثيرة وشكرآآآآآ لمجهودك وتعبك

ام الاولاد الثلاثه 20-11-10 08:11 PM

http://i47.tinypic.com/2q37sqf.jpg

ام رسيم 24-11-10 01:46 AM

جااااااااااااااااااااااااااااري الانتظااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااار

بين الكلمات 24-11-10 07:09 AM

طاااااااااااااااال الانتظااااااااااااااااااار

الرواية جدا ممتعة ومميزة مشكورة ولا تطولي علينا رجاااااااااااااااااااااااء

الجبل الاخضر 24-11-10 08:08 AM

روعه وننتظر التكمله على احر من الجمر لاتتاخري بليزززززززززززززززززززززززززز:flowers2:

فتاة 86 24-11-10 04:17 PM

كيفك نيو فراولة
عسى هذا التأخير على خير
شغلتيلنا بالنا متعودين عليكي ما طولي علينا
نشالله كل شي يكون تمام

ايمااان 26-11-10 04:26 AM

كل عاام وانتم بخيررر


كيفكممم

وحشتوووونى

:flowers2:

نيوو فراااولة ننتظر التكمله على احرر من الجمرررررر

لا تتاخري بلييييز:8_4_134:




:rdd12zp1:


_____________

نيو فراولة 27-11-10 04:33 PM

بكت طوال الطريق ألى سيتاديل مونتي , وهي تؤنب نفسها على تصرفها الأرعن والأحمق .... الذي سيعرض حياة سلفاتوري للخطر , وما أن أقتربت السيارة من القلعة , وبدأ السائق يطلق بوقها بشكل متواصل فرحا وأبتهاجا بالعودة المظفرة , حتى أصبحت عينا روزالبا متورمتين من التعب والبكاء ....... ووجنتاها حمراوين حزنا وتأثرا ....... وشفتاها ترتجفان خوفا وهلعا , وعندما أوقف السائق سيارته العسكرية داخل باحة القلعة , فتحت البوابة الضخمة على مصراعيها وخرج منها في وقت واحد كل من الكونت وأبريل , صرخت أبنة عمتها بأرتياح شديد , وهرعت نحوها للترحيب بها وضمها ألى صدرها , أما جدها , الذي وقف يتأملها بعينين تقدحان شررا ويتمتم بشتيمة تلو الأخرى , فقد بدا لها كالحية الشريرة السامة .
" رباه! سيدفع البعض ثمنا غاليا لهذه الجريمة النكراء !".
تذكر بعد لحظات بأن الأولوية ليست للأنتقام , فركض نحوها وعانقها قائلا بصوت خافت:
" حفيدتي..... حفيدتي الحبيبة! كنت سأقبل بالتخلي عن كل شيء لدي , لأوفر عليك الوقوع في هذه الورطة الأليمة والمرعبة , تعالي لنأخذك ألى غرفتك , ثمة أمور كثيرة يجب التحدث بأمرها , ولكن عليك أولا الأخلاد ألى الراحة".
ثم تطلع نحو حفيدته الثانية , وقال لها بلهجة آمرة:
" أبريل , أعتني بأبنة خالك , تأكدي من أنها ستأخذ حماما ساخنا , وتتناول طعاما جيدا , وتحصل على كل شيء تحتاج أليه .... قبل وضعها في السرير".
منتديات ليلاس
فك الرعب عقدة لسان روزالبا , فقالت بلهفة ظاهرة :
" ولكنني لا أرغب في الذهاب ألى النوم! أريد أن أعرف ماذا سيحل بسلفاتوري , أرجوك يا جدي .... عدني بأنه لن يتعرض ألى أي أذى, وبأنك لن تحمله المسؤولية كاملة عن.......".
قاطعها قائلا بلهجة حادة , توحي بالتوتر الشديد وبممارسة ضبط النفس ألى أقصى درجة ممكنة :
" أصمتي! أختطفك ديابولو من بيتي , وتجاسر على دخول غرفتي بوقاحة منقطعة النظير , وترك قرب سريري رسالة قصيرة حدد فيها بعنجهية وغرور بالغين الفدية التي يريدها ! ومع ذلك ...... يصل بك الغباء ألى درجة ألتماس العفو عنه , ومحاولة تبرئته من مسؤولية جريمته ! ماذا دهاك ,يا صغيرة ؟ هل دخل الشيطان ألى رأسك ونفث سمومه في عقلك وأفكارك؟".
شعرت بوطأة اليأس والأسى تثقل كاهلها , وتكاد تحطم البقية الباقية من أعصابها , فقد أدى تدخلها لمصلحة سلفاتوري ألى صب الزيت على النار , وزاد من تفاقم الوضع الحرج والمتفجر , كان عليها أن تنتظر بعض الوقت , حتى تهدأ الخواطر وتخف حدة الأنفعالات المتفجرة سخطا وحقدا , ألا أنها لم تجرؤ على التريث طويلا , فالضابط الشرس وعد بأحضار سلفاتوري ألى القلعة خلال أقل من ساعة ......مكبلا بالأصفاد ويجر وراءه أذيال الخيبة والذل والعار ! يجب أن تكون موجودة عندما يحضرونه , لأنها الوحيدة القادرة على أنقاذ حياته .... والراغبة في ذلك من صميم قلبها , قررت اللجوء ألى الحنكة والدهاء فقالت للكونت بصوت هادىء:
" آسفة , يا جدي , سأذهب فورا ألى الحمام , ثم ألتهم كمية كبيرة من الطعام..... حسب أقتراحك , وأعود بعد ذلك ألى هنا للتحدث عن أي موضوع تريده".
رفض فكرتها بأصرار ودون تردد , قائلا:
" لن نتحدث أطلاقا قبل أن ترتاحي بصورة تامة , أبريل , رافقي أبنة خالك ألى غرفتها!".
جلست روزالبا حزينة يائسة على أحد المقاعد , فيما كانت أحدى الخادمات تعد لها الحمام..... وأبريل تغرقها بأسئلة متعددة ومختلفة عن الخاطف , والمكان الذي أقامت فيه , وطبيعة الحياة في تلك المناطق البدائية الوعرة , لم تقدم لأبنة عمتها ألا أجابات قصيرة وسطحية , لأن تفكيرها مركز بكامله على سلفاتوري وعما حدث له , ليته تمكن من الهرب! ليتها لم تقدم على مثل تلك الخطوة!

نيو فراولة 27-11-10 04:37 PM

" ما بك , يا روزالبا؟ لماذا لا تجيبينني ألا بجمل مقتضبة ومبهمة ؟ كنت مفقودة طوال الأيام اثمانية الماضية , بعد أن خطفك من داخل هذه القلعة الحصينة ربيب أشرس قطاع الطرق في صقلية , وسجنك في أحد الكهوف الجبلية البعيدة ! شن عدد كبير من رجال الشرطة ومكافحة الأرهاب حملة واسعة النطاق للبحث عنك , وكان يساعدهم في ذلك كل رجل يعمل في سيتاديل مونتي ! تعرض الجد روسيني ألى الذل والهوان , أضافة ألى قلقه البالغ على حياتك , وكنت أنا مذعورة جدا وأكاد أصاب بنوبة عصبية شديدة الخطورة خوفا عليك ! ومع ذلك ...... فعندما تعودين ألينا بعد هذه المحنة الرهيبة , وأحاول الأستفسار منك عن بعض ما حدث لك , لا أسمع منك ألا كلمات قليلة مبهمة ! من هو هذا الوغد الشرير ديابولو , وكيف كان تصرفه معك؟ لا أصدق حتى الآن أن هذه الحادثة وقعت فعلا! كان علينا أن نصغي أليك , عندما قلت لنا بأصرار شديد أن ثمة رجلا يتعقبك ويطاردك من مكان ألى آخر , ولكن القصة بدت خيالية بعض الشيء , ولا يمكن تصديقها بسهولة".
ثم تنهدت ومضت ألى القول :
" أعدك بأنني لن أسخر من أي كلمة تقولينها بعد الآن , وسوف أتذكر دائما ما قاله لي جدنا عندما أستبعدت بشيء من الأستهزاء فكرة أختطافك ....... قائلة له أن طلب الفدية ليس أكثر من دعابة , قال لي آنذاك بمرارة وأنزعاج أن مثل هذه الأعمال قد تكون نادرة في بريطانيا , ولكن كل شيء محتمل في صقلية".
شعرت روزالبا بأرتياح بالغ عندما أصبح الحمام جاهزا , وتمكنت من الأبتعاد عن أبنة عمتها وتعطشها ألى معرفة كل شيء عما جرى لها..... منذ لحظة دخول الخاطف ألى غرفتها , وحتى عودتها ألى القلعة ,ولما أختلت بنفسها , أخذت تفكر فورا بأفضل وسيلة لحمل جدها على القبول بأنهاء هذا الصراع الدامي الشرس...... الذي لم يعد له وجود بين الناس المتحضرين , فمع أن الكونت والطبيب غير منطقيين في تصرفهما أتجاه بعضهما , ألا أن أيا منهما ليس غبيا أو جاهلا , وبالتالي , فما عليها ألا مناشدة ذكائهما لحملهما على الأقتناع بأن الحقد الأعمى ليس من شيم الرجال الشرفاء........ وبأن الأنجراف وراء المشاعر البدائية وعدم التحكم أل الروية والحكمة ليسا دليلا على القوة والشجاعة , بل على الضعف والجهل , نعم , ستجعل الذكاء يتغلب على الحماقة.... والعقل يسيطر على الغباء...... والواقعية تنتصر على الخيال ..... والمصالحة والمحبة تحلان محل العداوة والكراهية! أنهما لا يحتاجان ألا ألى القليل من ضبط النفس , فهل يستحيل عليها أقناعهما بذلك؟ لا, فسوف تقنعهما بدفن أحقادهما ألى الأبد! ومن يدري, فقد يتحولا يوما ما ألى صديقين!
منتديات ليلاس
جففت جسمها وشعرها ثم أرتدت فستانا قطنيا خفيفا , وجلست أمام النافذة لتأكل الطعام الذي أحضر لها قبل دقائق قليلة , ولكن القلق على مصير سلفاتوري وحياته , حرماها الشهية التي كانت تتوقعها , وشعرت روزالبا بأن أهتمامها كله , منصب على سماع أي صوت قد يوحي بوصوله ألى القلعة.
لم تضطر للأنتظار طويلا , فما كادت تأكل اللقمة الأولى , حتى سمعت أصوات آليات تقترب من القصر ...... وشاهدت بعد لحظات معدودة رتلا من السيارات والشاحنات المكتظة بالرجال المسلحين , كانت تتقدم القافلة سيارة عسكرية مكشوفة , يحتل الضابط السعيد مقعدها الأمامي قرب السائق..... فيما يجلس سلفاتوري على المقعد الخلفي وألى جانبه رجلان شرسان يصوبان رشاشيهما ألى صدره ورأسه.
تحطم صحن الطعام عندما أرتطمت يدها به , وهي تهب واقفة وتركض كالمجنونة بأتجاه الباحة الخارجية , وما أن وصلت ألى القاعة الكبرى , حتى فوجئت بجدها يخرج من مكتبه ... ويمسك بها على عتبة البوابة , وكان أول شيء يشاهده سلفاتوري , وهو يدفع بأعقاب البنادق نحو الداخل , الطريقة التي يمسك بها الكونت المتعجرف حفيدته المرتجفة , لن يعرف ديابولو أطلاقا , أن الذراع واليد القويتين تضغطان بعنف على كتف روزالبا ....... لمنعها من الركض نحوه , تألمت لدى رؤيتها آثار الضرب والتعذيب على وجهه وصدره , وقالت هامسة :
" هكذا فعلوا بك , أيها المسكين!".
ولكن أحدا لم يسمع جملتها , لأن كلام الضابط الفخور غطى على صوتها وأغرقه ..... عندما قال لجدها , وهو يدفع سلفاتوري ألى الأمام بقساوة ووحشية :
" هذا هو المجرم الفار ديابولو , يا سيدي الكونت!".
لاحظت روزالبا مدى سعادة جدها وسروره العظيمين بما يعتبره أنتصارا رائعا على آخر أعدائه , وذلك عندما سمعته يقول بلهجة باردة مرعبة :
" أذن أنت ديابولو ! لم أكن بحاجة ألى من يخبرني أسمك , لأعرف أنك من حثالة القوم .... ومن تلك العائلة الفاسدة ذاتها التي أنجبت ذلك المجرم الشرير توريدو , فالملامح نفسها , والبربرية نفسها , وكذلك الغباء نفسه..... الذي جعلكما تتمردان عليّ وتحاولان شن حرب يائسة ومعروفة النتائج سلفا , وبما أنك تبدو مصمما على التمثل بعمك الراحل , فسوف أكون سعيدا جدا للتأكد من ملاقاتك مصيرا مماثلا!".

نيو فراولة 27-11-10 04:50 PM


سلّط سلفاتوري نظراته الحادة على روزالبا لبعض الوقت , قبل أن يقول للكونت :
"هل تعني بأنني سأتعرض مثله ألى الأغتيال غدرا وخيانة ؟ هل تعني بأنك ستعد لي مكمنا مسلحا , وتأمر أحد رجالك الجبناء بأطلاق النار على ظهري؟".
أنتفض رأسه بشموخ وأباء, ثم مضى ألى القول بلهجة ساخرة لاذعة ... غير آبه بالعواقب الوخيمة التي سيواجهها من جراء ذلك :
" أنت أيضا , أيها الكونت , تتصرف تماما كالأفعى السامة التي تتشبه بها! ألست مثلها غدارا وحاقدا , وتقتل ببرودة أعصاب..... ولأجل لذة القتل فقط؟".
لم تعد روزالبا قادرة على تحمل المزيد , لأن هذا اللقاء جاء على عكس ما كانت تتوقعه وتتمناه , فقد أزداد الحقد عوضا عن تخفيفه بواسطة العقل والمنطق , وتضاعف التعطش ألى الأنتقام بدلا من تطويقه وتناسيه عن طريق الحوار والتفاهم , أفلتت من يد جدها ووقفت في منتصف الطريق بين الرجلين , صارخة بأعلى صوتها :
" كفى , كفى, توقفا عن أستخدام مثل هذه الكلمات العنيفة والحاقدة !".
ثم نظرت أليهما , كل على حدة , وقالت لهما مناشدة متوسلة بصوت رقيق حزين :
" ألا تعتقدان أن حرب الأنتقام السخيفة والمروعة هذه , قد طال أمدها وحان أيقافها؟ أنتما مسؤولان أتجاه أولئك الذين يتطلعون أليكما لقيادتهم وأرشادهم ! فكيف يمكنكما أساءة أستخدام مركزيكما , والثقة العمياء التي يمنحكما أياها أتباعكما بأعطاء هؤلاء الأميين الجهلة مثل هذه الأمثولة الرهيبة المروعة ؟ ألا تعرفان أن أتباعكما لن يصبحوا أكثر علما ومعرفة , طالما أنكما مصران على تغذية الكراهية والعداوة بين هذه العائلة وتلك.... لا لشيء ألا لأرضاء نهم الحقد والأنتقام الشخصيين , اللذين يأكلان قلب كل منكما ؟ ليس قائدا وزعيما , من لا يعرف كيف يتحمل المسؤولية , فكونا رجلين مسؤولين وأعترفا بأنكما كنتما على خطأ في الماضي , قررا الآن , وقبل أي شيء آخر , أن تزيلا من رأسيكما جميع أفكار الثأر والأنتقام , حتى يمكنكما أن تفتحا صفحة جديدة كصديقين!".
أدركت روزالبا فورا أنها خسرت معركة الوفاق والمحبة , عندما حدقا بها معا وكأنها شخص فقد عقله ,ثم قال لها جدها ببرودة مرعبة :
" أعترف بخطأ واحد فقط , وهو أنني لم أتأكد بنفسي من القضاء على جميع رجال عائلته بصورة تامة , ولحسن الحظ , فأنه خطأ يمكن تصحيحه فورا ودون تأخير أو تردد , الشيء الوحيد الذي يجب أتخاذ قرار بشأنه , هو أختيار الطريقة والأسلوب المناسبين ".
منتديات ليلاس
تطلع نحو خصمه , الذي ينظر أليه بأحتقار شديد , وسأله بأستهزاء صارخ :
" هل من أسلوب معيّن تفضله , يا ........ سيد ديابولو؟".
أنتفض ديابولو سخطا وغضبا , وتحدّاه صارخا بعنفوان وفخر :
" أفعل ما تريده ويحلو لك , فقلبي لا يخاف الطغاة المستبدين مهما بلغ بأسهم وبطشهم .... ومهما حاولوا النيل من كرامتي وعزة نفسي!".
هز الكونت رأسه وقال له بلهجة , كتلك التي يستخدمها الحاكم المطلق في تلبيته الرغبة الأخيرة لسجين حكم عليه بالأعدام :
" حسنا ! سنستخدم أعقاب البنادق !".
ثم تطلع نحو الضابط وخاطبه بعنجهيته المعتادة , وكأنه يأمر أحد رجاله أو أتباعه :
" لقد قمت بمهمتك على أحسن وجه , أيها الضابط المقدام , ولم يعد هناك أي داع لتوريطك أكثر من ذلك في هذا الموضوع , عد الآن ألى مركزك , وأبلغ رئيسك بأن القضية طويت نهائيا , سيتولى رجالي الأهتمام بالأمر , ويتأكدون من أن العدل سيأخذ مجراه بطريقة مناسبة ".
لم تصدق روزالبا أن مثل هذا الخرق الفاضح للقانون والعدالة والقيم الأخلاقية يمكن حدوثه , ألا عندما رأت رجال الشرطة يحييون جدها بأحترام بالغ ويغادرون القاعة بهدوء وأنتظام , وفيما بدأت السيارات التي تقل العسكريين بالأبتعاد قليلا عن باحة القلعة , أنتبهت روزالبا ألى أن الرجال الذين يطيعون جدها بطريقة عمياء .... وألى درجة أنهم يقبلون بتعذيب رجل لا يعرفونه حتى الموت , هجموا على سلفاتوري وأخذوا يجرونه ألى الخارج , صرخت بصوت مرتجف :
" مهلا ! أنتظروا!".
توقف الرجال في أماكنهم , وقال لها جدها باسما :
"نعم , هل لديك ما تقولينه , قبل معاقبة هذا الوغد الشرير بالطريقة التي يستحقها ؟".

نيو فراولة 27-11-10 04:52 PM

لم تستخدم الحيلة والخداع أطلاقا قبل مجيئها ألى صقلية , كما أنها لم تلجأ مرة واحدة في حياتها ألى الكذب.ولكن .... أذا كان الكلام الذي سمعته ليلة أمس من المرأة القروية الحاقدة صحيحا , فأنها لن تتردد في اللجوء ألى الكذب لأنقاذ سلفاتوري , وأنهاء هذا الصراع الدامي بين عائلة روسيني والفلاحين , سألت جدها بصوت خافت , وهي تتظاهر بالخجل العميق :
" ماذا سيحدث لو أنني حامل , يا جدي؟ كيف ستشعر مستقبلا , فيما لو أمرت الآن بقتل والد طفلي الذي سيلد يتيما بعد تسعة أشهر؟".
وقعت كلماتها القليلة كالصاعقة على رؤوس الجميع , فأحمرت وجوه العمال وبدأوا يتحركون بخوف وتململ شديدين ..... وهم لا يعرفون ماذا يفعلون , هل يفرون ألى الخارج هربا من تعرضهم لغضب الكونت المرعب , أم يظلون في أماكنهم لحين تلقيهم أمره بمغادرة القاعة؟ أما جدها , فقد شحب وجهه سخطا وألما ....... وهو يحاول جاهدا السيطرة على صدمته وذهوله , الناجمين عن عدم رغبته في تصديق هذه الفضيحة المروعة.
لم يخفها سخطه , ولم تأبه لما يشعر به في هذه اللحظات الحرجة , أخافها كثيرا في اليومين الأولين لوصولها ألى الجزيرة , ولكن مواجهته الآن ..... بعد المحنة الأليمة والمرعبة التي عاشتها في الجبال .... تبدو سهلة للغاية , علّمتها تلك الفترة القصيرة نسبيا أن كل أنسان , مهما كان ضعيف الأرادة والشخصية , قادر على أن يكون شجاعا ... عندما يصبح بحاجة ماسة ألى الشجاعة , أرعبتها الحشرات والسحليات والأفاعي في بداية الأمر , ولكنها دربت نفسها على مواجهتها بشجاعة وأعتبارها مجرد مخلوقات صغيرة لا تسبب أي خطر حقيقي أو أزعاج جدي , ألا أن أنتصارها الأعظم تمثل في تغلبها على الخوف من الأتصال المباشر بالأنسان عامة ..... وبالرجال خاصة , وفي تحول ذلك الرعب المسيطر عليها ألى عواطف ومشاعر فياضة أسمها ..... الحب.
منتديات ليلاس
تطلعت نحو سلفاتوري بحب ظاهر , فلاحظت أختفاء اللون من وجهه الوسيم..... وحلول الذهول والأستغراب محل الغضب والتمرد , أرادت أن تركض أليه وتبلغه بأنه لم يتصل بها في الليلة الماضية , على الرغم من عزمه على ذلك , ولكنها لم تجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوة , لأن من المهم جدا .... في الوقت الحاضر على الأقل ..... أن يظل الرجلان مقتنعين بصحة كلامها.
بدت الشيخوخة لأول مرة بوضوح تام على وجه الكونت , عندما رفع يده نحو رجاله وحركها بطريقته المعتادة كي يغادروا القاعة , ولو أن النظرات قادرة على جرح الأنسان جسديا , لكان سلفاتوري الآن مضرجا بالدماء التي تنزف من قلبه , قال الكونت للذئب الذي يعتقد بأنه أفترس حفيدته البريئة , أو غرر بها:
" سوف تتزوجها بالتأكيد!".
شعرت روزالبا بأن هذه الجملة القصيرة , التي قالها جدها كقاض يلفظ حكما مبرما ونهائيا , أثارت حفيظة سلفاتوري وجعلته يرفض الروخ للتهديد والوعيد , أجابه بأحتقار ظاهر :
" لن أقبل أبدا بالزواج من أي شابة تحمل أسم روسيني , ما لم يكن لدي حافز قوي للغاية".
قال له الكونت ببرودة تقطر سما قاتلا:
" لديك الآن حافز قوي , فأما أن تتزوجها ..... أو أن تموت !".
حاولت روزالبا يائسة لفت أنتباه سلفاتوري , لتفهمه بالنظرات عدم جدوى هذه المبارزة الكلامية .... وبأنها أختلقت هذه القصة لأنقاذ حياته , ولكنه بدا أنه يتجنب النظر أليها عمدا , وبخاصة عندما أجاب عدوه اللدود ببرودة مماثلة :
" ليس هذا بالأمر الصعب أطلاقا , ويمكن تحقيقه خلال دقائق قليلة , ومع ذلك ..... فعلى الرغم من ثقتي التامة بأن رجالي لن يبوحوا أطلاقا بالمعلومات التي سمعوها اليوم , فأنني لا شك بتاتا في أن سكان القرية كلها... أو حتى الجزيرة بكاملها .... سوف يعرفون خلال أيام أن حفيدتي حامل , وعليه..... فمع أنني سأشعر بالألم الشديد والأحتقار الذاتي لحمل أحد أحفادي أسمك اللعين , ولكنني أعترف بأن أسم ديابولو هو أفل بقليل من تلك التسمية المرعبة الأخرى ... أبن زنى !".

نيو فراولة 27-11-10 04:56 PM

أشمأزت روزالبا من هذا الوصف البغيض , ولكنها كانت أكثر قلقا بسبب تدهور الأوضاع بين العدوين العنيدين , ألتفتت نحو سلفاتوري , فبدا أنه لا يزال محافظا بقوة وصلابة على أعصابه الحديدية , وسمعته يقول بهدوء مذهل :
" ليس هناك أي ضمان أكيد بأن ثمة جنينا ينمو في أحشائها ".
" هذا صحيح تماما , ومع أنني أرفض دائما وبشكل قاطع الأخذ بتعهدات رجل شرير مجرم , ألا أنني مستعد في هذه الحالة بالذات ألى قبول ذلك , فهل يمكنك أن تقسم أمامي الآن , بأن هذا الأحتمال غير وارد أطلاقا؟".
شحب وجه سلفاتوري قليلا وتردد لحظة وجيزة , ثم نظر بسرعة نحو روزالبا وقال بأنزعاج ظاهر:
" لسوء الحظ , لا يمكنني ذلك".
" سأقول لك أذن ماذا سأفعل , كانت الفدية التي طالبت بها , مقابل الأفراج عن حفيدتي , بناء مستشفى مجهز تماما بأحدث المعدات الطبية ... ومخصص فقط لأبناء مناطقك الجبلية , كما طالبتني بتأمين مبلغ كبير من المال , يوضع في أحد المصارف المعروفة بأسم أدارة المستشفى , لأستخدامه في أبقاء المستشفى عاملا بشكل طبيعي....... بغض النظر عن العجز الذي سيواجهه في تغطية نفقاته , أعدك الآن بأنني سأصدر تعليماتي للبدء في بناء هذا المستشفى , في اللحظة التي يتم فيها زواجكما".
شاهدت روزالبا بريق الأرتياح في عيني سلفاتوري , فتضايقت لشعورها بأنها أصبحت موضع مقايضة ومساواة .
منتديات ليلاس
" والمال .....؟ لن يكون المستشفى أكثر من مجرد بناء حديث مجهز بمعدات متطورة , ما لم نحصل على المال لتأمين عمله وتقديم الخدمات المجانية للمحتاجين أليها!".
" سأخصص لكم مبلغا أكبر من الذي طلبته .... يوم أصبح أنا الجد الأكبر لطفل روزالبا".
أحمرت وجنتا روزالبا حياء وخجلا , فيما بدا سلفاتوري وكأنه يحلل الوضع بجدية قبل أتخاذ القرار الأخير , لن يهمها قبوله أو رفضه , لأنها لن لن تتزوج رجلا لا يقبل بها ألا كنتيجة للأبتزاز والتهديد ,ولكن...... على الرغم من أن الموضوع ليس أكثر من مجرد فكرة أفتراية بحتة , ألا أنها شعرت بلذة مرعبة وذعر ممتع عندما سمعت سلفاتوري يقول موافقا..... بتردد طعن كرامتها وأثار أشمئزازها:
" حسنا , أيها الكونت روسيني , أذا ألتزمت بالشروط المتفق عليها , حسب تعهدك الآن , فسوف أتزوج حفيدتك".

نيو فراولة 27-11-10 05:12 PM

11- حزينة كجدتها

تحولت الأيام التالية في حياة روزالبا , ألى كابوس لا يصدق , فبعد لحظات من موافقة سلفاتوري على الزواج منها , أبعده حراس الكونت عنها ولم يسمح لها منذ ذلك الحين بألقاء نظرة واحدة عليه.... حتى عن بعد , وقد فهمت من أبريل أنه وضع في مكان ما من القلعة , وتحت حراسة مشددة ليلا نهارا لئلا يغيّر رأيه ويحاول الفرار.
لم تكن أبنة عمتها على علم بأي من التفاصيل , سوى أن زواجا ما قد تم أعداده , وعلى الرغم من شعور روزالبا بالحاجة الماسة ألى التحدث عن مشكلتها وسرها مع شخص موثوق به,ألا أنها لا تثق بطبيعة أبريل الثرثارة.... ولا تجرؤ بالتالي على المجازفة بأبلاغها عما حدث , مخافة وصول الحقيقة المميتة ألى مسامع جدها.
تحمست مرات عديدة للأعتراف بكذبها , وبخاصة عندما أكتشفت مسارعة جدها ألى تحديد موعد قريب جدا للزواج , وقد فوجئت بأنه يعالج المشكلة بصورة شبه طبيعية وبشيء من الأرتياح الكلي , ولكنها تخوفت من أنه يعمل سرا على أعداد خطة جهنمية ما تتناسب وطبيعته القاسية المتحجرة , تأكدت مخاوفها , عندما حضر فجأة ألى غرفتها وبدأ يشرح لها خطته , كانت تسير في الغرفة على غير هدى , وهي تحاول جاهدة التفكير بوسيلة تسمح لها بأجراء حديث بالغ الأهمية مع سلفاتوري , سمعت طرقة خفيفة على الباب , فسمحت للطارق بالدخول , وبعدما حياها الجد روسيني باسما , وجلس على أحد المقاعد تلبية لدعوتها , أستهل حديثه بالقول :
" أتيت الآن , يا عزيزتي روزالبا , لأطلاعك على التطورات الحاصلة في خطة الزواج , لقد حدد موعد الزفاف بعد ثلاثة أيام , وأعددت له كافة الترتيبات القانونية ... سيتم الزواج في كنيسة العائلة , ولكنني لم أوجه دعوة ألى أحد بسبب....... الظروف الحالية , أما العمال والفلاحون الذين منحتهم أجازة في ذلك اليوم , فسوف يحتشدون بالتأكيد خارج الكنيسة لتحية العروسين , آمل في ألا يزعجك ذلك , يا عزيزتي".
منتديات ليلاس
شعرت روزالبا بأن جدها لا يعير مشاعرها وآراءها أي أهتمام يذكر , وأنه لا يطلعها على هذه التفاصيل ألا من قبيل المجاملة.
" وبما أنه لم يعد أمامنا وقت كاف لخياطة فستان عرس خاص بك , فقد أمرت ريتا بأيجاد الفستان الذي أرتدته جدتك يوم زفافنا ...... وأرجو ألا يؤدي هذا الأختيار ألى مضايقتك بأي شكل أو آخر , أذا لم تخني الذاكرة بعد , فأن جسميكما متشابهان ألى درجة مذهلة ...... وسيبدو فستانها وكأنه أعد خصيصا لك , وبما أن جدتك كانت صاحبة ذوق مرهف ورفيع , فمن المؤكد أن الفستان سيعجبك كثيرا".
هبت روزالبا واقفة بعصبية , لم تتمكن من السيطرة عليها أو أخفائها , صحيح أن تصرفها هو الذي أدى ألى وقوع هذه المشكلة , ولكنها لم تلجأ ألى أستخدام الكذب ألا لأنقاذ حياة أنسان بريء , لم يكن لديها الوقت الكافي آنذاك للتفكير بعواقب الأمور , وبالمضاعفات الجدية التي ستنجم عن مثل ذلك التصريح الخطير , تصورت أنها ستع حدا نهائيا للصراع الدامي الناشب منذ سنوات عديدة , وتتحمل بالتالي أياما قليلة من الأزعاج النفسي كزوجة صورية لسلفاتوري ديابولو , وتخيلت في تلك الآونة أيضا أن سلفاتوري سيجد بعد الزواج فرصة مناسبة للهرب.... وستتمكن هي بالتالي من العودة ألى بريطانيا , حيث تنسى تدريجيا آلام الأسبوع الفائت وعذابه , قالت للكونت المتسلط ,وهي تقطع أرض الغرفة جيئة وذهابا بعصبية واضحة :
" جدي....... أنا بحاجة ألى مزيد من الوقت , أعرف أن طلبي هذا قد يبدو مستهجنا , ألى حد كبير , بالنظر ألى مدى ....... الصداقة والود القائمين بيني وبين سلفاتوري , ولكن حقيقة الأمر هي أن الرجل لا يزال كشخص غريب بالنسبة ألي".
فتح ذراعيه بتململ وأستغراب ظاهرين قائلا:
" الوقت...... هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك الحصول عليه , يا عزيزتي".
علمت فورا أنه يشير بذلك ألى موعد الولادة المزعوم , فلم تجد بدا من المجادلة والأعتراض , قررت أن تجابهه بمنطق لا ترفضه فحسب , بل وتشعر أتجاهه أيضا بكثير من الأزدراء والأستخفاف , قالت له:
" لم يعد الزواج قبل ولادة الطفل , شرطا أساسيا وروريا في المجتمعات العصرية والحديثة , ففي أيامنا هذه , ينتظر المرأة والرجل بعض الوقت..... وأحيانا لمدة سنوات ...... قبل أتخاذ القرار المناسب فيما أذا كانا صالحين لبعهما كزوجين أم لا".

ايمااان 28-11-10 12:38 AM

تسلمين حبيبتى ع التكمله

اموووواح

نيو فراولة 28-11-10 10:35 PM

نظر أليها بعصبية ,وقال لها ببرودة مرعبة :
" لم يلد بعد في عائلتنا أي طفل قبل زواج والديه , ولن يحدث مثل هذا الأمر أطلاقا ..... طالما أنني قادر على منعه".
ثم أاف بأمتعاض شديد :
" لم أكن يوما أعتبر ديابولو صهرا مثاليا أو محتملا , ولكن صحته الممتازة وقدرته على الأخصاب تجعلانه زوجا مقبولا ألى حد ما".
أستاءت روزالبا كثيرا من هذه الملاحظة الفظة والوقحة , وتأكد لها بشكل قاطع ونهائي مدى هوس جدها الجنوني بالأستمرارية عن طريق الدم , قالت له بلهجة حزينة متأثرة:
"ألم تتعلم بعد يا جدي , من الأخطاء التي وقعت فيها سابقا؟ حاولت مرة في السابق أرغام أبي على الزواج من والدة سلفاتوري , فماذا كانت النتيجة؟ ألم تتتطور الأمور بسرعة وتتحول ألى حرب دموية شعواء , لا تزال مستعرة حتى هذا اليوم؟".
قفز الرجل العجوز من مكانه , وقد أنساه الحقد والغضب تظاهرة المستمر بالأبوة والحنان والأخلاص , ثم قال لها بنبرة جافة جدا :
" كان أبوك شابا غفيا ......... كان بسيطا ورقيقا كوالدته , التي سيطر قلبها دائما على عقلها ودماغها , أما ديابولو ... فعلى الرغم من جميع مساوئه وشروره , فأنه يجسد طبيعة أبناء جنسه الحادة والقوية والمتوقدة , وبما أنه تجري في عروقك أنت دماء عائلة أرستقراطية عظيمة , حافظت على عراقتها وأمجادها منذ أجيال عديدة ..... فأن ثمرة زواجكما ستمنحني حفيدا أفخر بأنه يمثل عظمة عائلة روسيني وصلابتها".
ها هو جدها المتعجرف القاسي يكشف القناع عن وجهه مرة واحدة , لأنه سئم على ما يبدو أضطراره للتظاهر بالعاطفة والمحبة ...... اللتين لم يعرفهما أطلاقا في حياته , كرهت عنجهيته وظلمه , وتضايقت كثيرا من تجاهله المتعمد والتام لمشاعر الآخرين , فتجاسرت على مواجهته والأعتراض على مشيئته , قالت له متلعثمة بعض الشيء:
" لن أتزوج مكرهة أو رغما عني , يا جدي!".
منتديات ليلاس
وجه أليها نظرة باردة شريرة , وقال لها بلهجة هادئة تحمل في طياتها تهديدا جديا :
" بعد ثلاثة أيام , ستقفين مع ديابولو أمام الكاهن ليعقد قرانكما , وسوف تغادرين الكنيسة أما كزوجة له , أو كشريكة في جريمة قتله ... كما تصرين على تسمية العقاب العادل الذي يستحقه!".
ظل الذهول المرعب مسيطرا عليها لأكثر من نصف ساعة بعد مغادرة جدها , وهي تحاول أيجاد وسيلة للهرب من هذه المحنة البالغة التعقيد , كيف يمكنها القبول ب الهزيمة , دون مقاومة؟ لقد عاشت طوال حياتها في عالم , أصبحت فيه حرية الفرد أمرا أساسيا ومضمونا , فكيف يمكن لعقلها أستيعاب ما يجري الآن في هذه الجزيرة الصغيرة البعيدة , والرضوخ بالتالي لأوامر رجل عجوز قاس يتصور أنه يعيش في القرون الوسطى ؟ يقرر مصير مجموعة كاملة من الناس الأميين البسطاء , الذين دحنهم بأستبداده وطغيانه ...... وأرغمهم على أعتبار أنفسهم عبيدا له وجزءا من ممتلكاته ! ويبدو أيضا أن الجريمة مسألة عادية جدا بالنسبة أليه , وألا فكيف يمكن تفسير الأمر الذي أصدره ببرودة مذهلة لضرب سلفاتوري بأعقاب البنادق .... حتى الموت! ولكن جدها ليس الشخص الوحيد في صقلية الذي لا يعذبه ضميره في أمور كهذه , ألم يسمع ذلك الضابط وجنوده أن الكونت سيقتل ديابولو , وقبلوا مع ذلك بمغادرة القلعة باسمين ؟ ألم تقل لها العمة جيوسبينا , في معرض تبريرها أعمال أبنها الشقي توريدو , أن أرتكاب الجرائم في صقلية أمر عادي؟ لقد سارعت تلك العجوز آنذاك , عندما لاحظت دهشة روزالبا وأستغرابها , ألى القول مؤكدة:
" لا تقلقي يا آنسة , فالأجانب مثلك آمنون تماما , نحن لا نقتل ألا للثأر والأنتقام , أو أثناء عراك ..... أو مشاداة كلامية فيما بيننا ".

نيو فراولة 28-11-10 10:42 PM

هل حاول جدها خداعها , عندما هددها بقتل سلفاتوري ؟ هذا الأحتمال وارد في مكان آخر , ولكنه غير ممكن أطلاقا في جزيرة .... قال هو بنفسه لأبريل عنها , أن أي شيء يمكن حدوثه فيها , أذن....... فليس أمامها سوى السبيل الوحيد الذي حدد لها , فأذا كانت تريد أنقاذ حياة سلفاتوري....وهذا ما تريده بالطبع , فما عليها ألا القبول بمراسم الزواج , ستشرح له لاحقا بأنها وافقت على ذلك , كنتيجة للضغط والتهديد .... وبأنهما سيفترقان دون خصام , بمجرد أبتعادهما قليلا عن جدها وسيفه المسلط عليهما , شعرت روزالبا فورا بأرتياح نفسي , وذهبت لتبحث عن ريتا , وعندما وجدتها , قالت لها:
" أبلغني جدي بأنك....".
قاطعتها مدبرة المنزل بتةتر ظاهر , وهي تحمل مفتاحا كبيرا بيدين مرتجفتين .... وتبدو على أتم الأستعداد للتخلص منه بصورة فورية:
" نعم , يا آنسة , وكنت أنتظر مجيئك على أحر من الجمر , هذا هو مفتاح غرفة الكونتيسة الراحلة , التي لم يدخلها أحد بتاا منذ وفاتها".
" ألم يدخل أحد حتى لتنظيفها طوال هذه السنين ؟ ولكن... لماذا؟ أوه , ريتا , لا تقولي لي أنك خائفة من الأشباح ؟".
تمتمت ريتا بكلمات مبهمة , وهي تبتعد عن الباب خائفة مذعورة , ثم قالت بأرتباك وتلعثم شديدين:
" يقال أن أرواح التعساء والحزانى , تظل موجودة في أماكن أقامة أصحابها لفترات طويلة بعد مماتهم , ما من أحد أبدا شاهد الكونتيسة المسكينة الراحلة وهي تبتسم , حتى في يوم عرسها وحورها ألى القلعة".
أرتعش جسم روزالبا وهي تسمع تلك الجملة الأخيرة , وتفهم على الفور السبب الوحيد لذلك الحزن الدائم , أخذت المفتاح من يد المرأة المتقدمة في السن , وقالت لها لتهدئة خواطرها:
" لا بأس , يا ريتا , فأنا سأجد فستان الزفاف بنفسي".
منتديات ليلاس
أنحنت مدبرة المنزل أمامها بسرور وأرتياح كبيرين , وهمّت بالهرب بعيدا عن هذه الغرفة المخيفة , ألا أن فكرة جريئة خطرت ببال روزالبا في تلك اللحظة بالذات , فأوقفتها قائلة :
" هل تحملين معك مفاتيح جميع غرف القلعة , يا ريتا؟".
" نعم..... ! نعم , يا آنسة ".
هذه هي فرصتها الوحيدة للتحدث مع سلفاتوري! سيطرت على أرتباكها وتوتر أعصابها , وسألتها بلهجة عادية جدا :
" هل يمكنك أذن , أن تعطيني مفتاح غرفة السيد ديابولو ؟".
ظهر الرعب الحقيقي في نظرات ريتا وأرتجاف جسمها ويديها , ثم أجابت بعد مرور بضع لحظات على سماعها السؤال :
" لا أجرؤ على ذلك , يا آنسة , فالكونت سيقتلني أذا علم بالأمر ! ".
حثتها روزالبا على القبول , قائلة:
" ولكنه لن يعرف بهذا الأمر أطلاقا , كما أنني مضطرة للتحدث مع السيد ديابولو , لن أحتاج ألا ألى دقائق معدودة ... أعدك بذلك".
غرقت ريتا في دوامة من الأفكار المتناقضة , وظهرت دلائل عذاب التردد والحيرة في عينيها وتحركات يديها , تطلعت بسرعة نحو نهاية الممر الذي تقفان في بدايته , وكأنها تخشى خروج روح سيدها المنتقم من أحد تلك الجدران الصلبة , تأكد لروزالبا عندئذ بشكل جازم , بأن ما من أحد يطيع الكونت حبا به وأخلاصا له .... ولكن خوفا منه ومن بطشه وأنتقامه , أقتربت منها ريتا , وهمست في أذنها بصوت يرتعش ذعرا وهلعا :
" سألبي طلبك , يا آنسة , لأنك تشبهين الكونتيسة.... التي كنا جميعا نحبها ألى درجة لا يمكن وصفها , ولكنني أتوسل أليك بألا يستغرق أجتماعكما أكثر من خمس دقائق , فجواسيس الكونت في كل مكان.... ومعاقبته للذين يحاولون عصيان أوامره ولو في أمورثانوية وتافهة , عنيفة جدا , وقد تبلغ حد التصفية الجسدية! عديني بأنك ستتوخين أقصى درجات الحيطة والحذر , يا آنسة .... لأن الكونت سيعرف فورا في حال أكتشافك , أنني أنا التي أعطيتك المفتاح !".
عانقتها روزالبا بحرارة وأخلاص , قائلة :
" لا تقلقي , يا ريتا , فأنا لن أرى أبدا بأن تتعذبي بسببي ,ولو قليلا".

hoob 29-11-10 10:16 AM

فرولايه من فضلك كمليها بسرعه

صاصا 83 29-11-10 04:37 PM

رواية رائعة واختيار موفق :55:
في انتظار التكملة

نيو فراولة 29-11-10 08:26 PM

أرتاحت ريتا ألى حد ما , وقالت لحفيدة الكونتيسة وشبيهتها :
" سيذهب الكونت هذه الليلة لتناول العشاء مع بعض أصدقائه , وبمجرد خروجه من القلعة , يشعر جميع العاملين هنا بالراحة النفسية والجسدية ويجتمعون في المطبخ للأكل وتبادل الأحاديث , وعندها , سيكون الوقت مناسبا لك لكي تتسللي ألى غرفة السيد ديابولو وتعودي منها .... دون أن يراك أحد , غرفته هي الثانية قرب المطبخ , سأحضر لك المفتاح , فور أطمئناني ألى وجود الجميع حول مائدة الطعام ".
" شكرا لك , يا ريتا , أنا.....".
لم تتمكن روزالبا من أكمال كلامها , لأن مدبرة المنزل ركضت بأقصى سرعتها .... وكأن الشجاعة والجرأة اللتين أظهرتهما قبل قليل , تحولتا خلال لحظات وجيزة ألى خوف وجبن مرعبين , فتحت الشابة المتفائلة باب الغرفة , ودخلت ألى تلك المنطقة المحرمة... . التي كانت فيما مضى الجناح الخاص بجدتها , فوجئت بذلك الجو القاتم الموحش , وندمت على أستغرابها تصرف ريتا وخوفها من الدخول .
ترددت بضع لحظات , ثم أرغمت نفسها على السير بسرعة بين قطع الأثاث المتعددة التي يعلو الغبار الكثيف أغطيتها الواقية , فتحت النافذة الكبيرة , فدخلت أشعة الشمس ألى معظم أنحاء الغرفة وحولتها من حجرة تشبه القبور ألى قاعة رائعة الجمال...... لا تحتاج ألا ألى تنظيف الغبار المتراكم بكثافة , بدأت ترفع الأغطية واحدا بعد الآخر , وتتخيل كيف كانت جدتها ذات الذوق الرفيع تحيط نفسها بمثل هذه الثروة المادية الهائلة... للتعويض عن المجاعة المعنوية المذهلة التي واجهتها طوال الوقت .
منتديات ليلاس
لاحظت روزالبا فورا العدد الكبير من الصور والتماثيل لأنواع مختلفة من العصافير والحيوانات , توحي جميعها برغبة جدتها في التحرر من سجنها الكبير والأنطلاق نحو الفضاء أو البراري الشاسعة , تمتمت بصوت حزين , قائلة:
" مسكينة , يا جدتي! لماذا لم تبتسمي أبدا؟".
أقتربت من صندوق خشبي متعدد الأدراج , فتبين لها فورا أنه مصنوع بأتقان شديد ومن أجود أنواع الخشب في العالم , أمسكت بالمقبض الذهبي للدرج الأعلى وجذبته بقوة نحوها , ظنا منها أنه قد لا يفتح أطلاقا لشدة قدمه , أنزلق الدرج بسهولة مذهلة كادت توقعها أرضا , وظهرت في داخله مجموعات ضخمة من المناديل الجميلة المطرزة تحمل جميعها شعار عائلة روسيني وحرف الراء مكررا , ذهلت في بادىء الأمر , ولكنها تذكرت بسرعة أن والدها أختار لها أسم روزالبا تيمنا بجدتها الراحلة , وما أن أخرجت أحد المناديل ورفعته بهدوء وأحترام نحو وجهها , حتى أفلتت منه بقايا وردة مجففة وتبعثرت غبارا فوق بقية المناديل , تذكرت شعرا جميلا ورقيقا للغاية عن الورد ..... ومنظره الرائع .... ورائحته العطرة ..... وشرابه اللذيذ المنعش , تنهدت بحزن وتمتمت قائلة:
" ألم تشعري بأي سعادة على الأطلاق أثناء زواجك , يا جدتي المسكينة؟".
شاهدت محفظة جلدية رقيقة في أحدى زوايا الدرج , فدفعها شعور مني قوي ألى فتحها , وبمجرد أن فعلت ذلك , برزت أمام عينيها صورتان داخل أطارين من الفة لصبي وبنت في سنواتهما الأولى , لم تجد روزالبا أي صعوبة في معرفة أن هذين الطفلين الصغيرين ليسا ألا والدها وعمتها , أعادت المحفظة ألى مكانها وأغلقت الدرج برفق وحنان بالغين , ثم توجهت ألى الجانب الآخر من الغرفة وفتحت الباب الجرار لخزانة تغطي ذلك الجدار بأكمله .
كانت جميع الملابس معلقة ..... ومعبأة بعناية فائقة داخل أكياس حريرية درزت أطرافها بأحكام , فأدركت , أن ما من سبيل أمامها لمعرفة ثوب الزفاف ألا بواسطة اللمس ...... أو بتمزيق تلك الأطراف , أختارت الفكرة الأقل ضررا , وبدأت تشع جانبا كل كيس تعتقد بأنه يحتوي على الثوب المطلوب , وعندما تجمعت لديها بعد أنتهاء عملية البحث والأختيار خمسة أكياس , بدأت تفتح أطرافها ..... الواحد تلو الآخر..... بمقص صغير وجدته في علبة للخياطة والتطريز.

نيو فراولة 29-11-10 08:30 PM

أخرجت ثوب الزفاف من الكيس الثالث ووضعته على السرير الكبير , ثم تراجعت بضع خطوات ألى الوراء لتتمكن من التمتع بمنظرة دفعة واحدة , أوه ........! شهقت روزالبا بصوت مرتفع , وهي تتأمل النوعية الممتازة للقماش .... والجمال الرائع الأخاذ للشكل الأجمالي ........ والأتقان المذهل في التطريز والخياطة , ولكنها شعرت فجأة بحزن وألم شديدين لمجرد تفكيرها بأنها سترتدي هذا الثوب ذاته بعد ثلاثة أيام فقط , هل يمكن لهذه الأناقة الساحرة أن تخفي تماما أرتباكها وتوترها وأرتجاف جسمها , وهي تواجه تلك النظرات القاسية لعريس لا يشعر نحو عروسه ألا بالحقد والكراهية ؟ خرجت من الغرفة راكضة ودون الألتفات مرة أخرى ألى ثوب يرفض القدر على ما يبدو أن ترتديه عروس سعيدة يحبها فارس أحلامها ويعشقها!
حل المساء , فجلست روزالبا في غرفتها تنتظر ذهاب جدها بتلهف بالغ , تصورت أنها أمضت دهرا قبل سماعها صوت الكونت , وهو يشكر سائقه على مساعدته في الدخول ألى السيارة الكبيرة الفخمة , أنطلقت من غرفتها كالسهم وأخذت تقفز على درجات السلم العريض بسرعة , لتصل ألى الباب الأمامي الضخم ,وتتأكد عبر فتحة صغيرة فيه من أختفاء الأضواء الخلفية لتلك السيارة , وعلى أثر ذلك , بدأت تسير في القاعة الفسيحة بعصبية ...... وهي تشكر الظروف التي أتاحت لها هذه الفرصة الذهبي , جدها موجود مع أصدقائه ...... أبريل في باليرمو ..... والخدم كلهم في المطبخ!
وفجأة .... فتح أحد الأبواب وظهرت منه ريتا , وهي تع أصبعا على شفتيها لتحذير روزالبا من أصدار أي أصوات ملفتة للأنتباه , أشارت أليها لكي تتبعها بهدوء , وبدأت تسير في الممر المحاذي لمنطقة المطبخ , وقفت أمام باب منفصل بعض الشيء عن بقية الأبواب , وأومأت ألى قفله الخم ... الذي لم تشاهد روزالبا مثله ألا في صور بوابات السراديب أو السجون القديمة , ثم أخرجت المفتاح الكبير , الذي كانت تخفيه تحت مئزرها , وهمست بصوت ينم عن الأعتذار والأسف:
" أنها غرفة مهجورة وغير مريحة أطلاقا , ولكنني تأكدت بنفسي من أن السيد ديابولو يتناول طعاما لائقا وكافيا".
أخذت روزالبا المفتاح بيد مرتعشة , قائلة لمدبرة المنزل الخائفة:
" شكرا لك , يا ريتا , لن أمضي في الداخل أكثر من فترة قصيرة".
منتديات ليلاس
كان سلفاتوري مستلقيا على الأر بكامل ثيابه , ويقرأ كتابا على ضوء شمعتين صغيرتين , ومع أنها لم تحدث أي جة أو حركة لدى دخولها , ألا أنه رفع رأسه فجأة وحدق بهذا المتطفل الذي لم يكن يتوقع حضوره , وفيما كانت تتأمل بأشمئزاز بالغ الوضع السيء جدا لهذه الغرفة الخالية من كل شيء بأستثناء طاولة ومقعدا خشبيين قديمين , قفز سلفاتوري نحوها وأمسك بكتفيها , قالت له بصوت متأثر حزين :
" أنا آسفة جدا , لم أكن لأتصور أبدا أنك تعيش في مثل هذه الأوضاع المزرية المروعة".
كان على وشك أن يصب عليها جام غبه , ولكنه تردد لحظة ثم تطلع حوله وهز كتفيه بأستهزاء , قائلا:
" لقد عشت في أماكن أكثر تعاسة , وأنت أيا , ألم يكن الكهف مثلا.....".
شعرت روزالبا بأن وقتها لن يسمح لها بالتحدث أليه طويلا , وأطلاعه على كل ما يجول في خاطرها , ولكن كلمة الكهف أضطرتها للتحول قليلا عن المووع الهام , الذي تحملت وريتا مخاطرة كبيرة لمجرد أبلاغه أياه , قالت له , وهو يتركها ويبعد وجهه عنها:
" لم أخبر رجال الشرطة عن مكان وجودك ,ولم أكن راغبة أطلاقا في وقوعك في الأسر , ولكن أحدهم شاهد الشال الذي لم أشعر بفقدانه أثناء هربي , معلقا على غصن شجرة أمام الكهف , أنا.........".
" لا داعي للأعتذار , كنت محقة تماما في الأنتقام مني , لأنني تصرفت معك بأسلوب حقير وتافه".
تصورته طوال الوقت رجل مجرد تماما من العواطف والأحاسيس الرقيقة , ولكن صوته بدا مشبعا بمرارة الأدانة الذاتية , حاولت أيجاد الكلمات المناسبة للتخفيف من عذابه النفسي المؤلم , ولكنه أستمر في تقديم الأعتذار ..... البالغ الصعوبة بالنسبة لرجل مثله.

نيو فراولة 29-11-10 08:36 PM

" لا أجد أي تبرير أو تفسير , لما حدث معي تلك الليلة ! كنت أشعر بنشوة بالغة على أثر خروجنا من تلك الحفلة اللعينة , ولكنها كانت المرة الأولى في حياتي التي تدفعني فيها نشوتي ألى التهور الأرعن والتصرفات الطائشة , لا أتوقع منك تصديقي أذا قلت لك , أن آخر شيء كنت أنوي القيام به هو ألحاق الأذى بك ...... وبخاصة على ذلك النحو المشين!".
غمرها الحزن والأسى وهي ترى العذاب النفسي الشديد الذي ألحقته به , بسبب بضع كلمات سخيفة حمقاء قالتها بنية طيبة وصافية لأنقاذ حياته , لقد طعنت شرفه وأحترامه لنفسه , وجميع مبادىء الأخلاق والشهامة التي يؤمن بها! شهقت بتأثر شديد , وقالت :
" توتو ......! أرجوك , لا تعذب نفسك , فأنت لم تفعل شيئا .......".
" لم أفعل شيئا!".
أستدار نحوها بحدة وعصبية بالغتين , وأضاف قائلا بصوت يرتجف سخطا وغضبا :
" هل علمك مجتمعك المخملي المتحرر أعتبار جريمة نكراء كالأغتصاب , أمرا عاديا لا أهمية له أطلاقا!".
منتديات ليلاس
أنهمرت الدموع من عينيها وهي تسمع تلك الكلمات القاسية , وترى الأحتقار الشديد في نظراته الملتهبة , فضربت الأرض بقدمها وصرخت به باكية :
" ولكنك لم تفعل أي شيء على الأطلاق , فقد....".
قاطعها بلهجة قاسية جدا , قائلا:
" أعترف بأنني كنت في ذروة النشوة ...... مجنونا ....... طائشا , وقد أغمي علي لأول مرة في حياتي! هناك أمور لا أزال أذكرها بوضوح تام .... أمور ستظل ألى نهاية عمري عبئا ثقيلا مرهقا على ضميري, كيف سأنسى مثلا العناق التي أرغمتك على تحمله , وأصوات الأستغاثة الحزينة والباكية التي كنت تطلقينها , وثوب عمتي الذي رميته بعيدا عنك ؟ لا أذكر أي شيء آخر بعد ذلك , ولكن المنطق يقول أن ما من رجل طبيعي يصل ألى ذلك الحد ...... ويتوقف بشكل تام وحتى النهاية!".
ثم وجه أليها نظرات حزينة , ومضى ألى القول:
"لو أنني فعلا من الأشخاص المؤمنين حقا بمبادىء الأنتقام , لكنت الآن أسعد أنسان في العالم .... بعد أنتقامي بتلك الطريقة الوحشية البربرية من حفيدة عدوي , ولكنه يبدو أن السنوات الطوال التي أمضيتها مع أناس متحضرين , قد تركت في نفسي وشخصيتي أثارا أكبر مما كنت أتصور , أصبحت رقيقا ألى حد ما , بعد أن تم تدشين الوحش في داخلي , ولكنني لست داجنا بشكل كاف , لكي أذعن لأوامر جدك وأرخ أليها ....... كلما رفع سوطه وهددني به".
عاد أليه فجأة بعض عنفوانه ,فرفع رأسه بشموخ وأضاف قائلا:
" حكم علي الشرف بأن أتزوجك بعد تلك الحادثة , ولكن جدك لم يعرف أني كنت قد قررت ذلك فعلا قبل أذعانه لمطالبي".
ثم أبتسم بزهو وأنتصار , وقال :
" لقد نلت منه أخيرا , ذلك الثعبان العجوز ! أرغمته على الرضوخ ألى مطالب الفدية , حتى يستفيد أبناء قومي...... وهذه النتيجة الرائعة وحدها ستخفف عبء قيودي".
تذكرت روزالبا قولا مأثورا عن الزواج , وكيف يعتبر رجل الزوجة سلاسل تقيده ... فيما يراها الآخر جناحا ثانيا يساعده على التحليق بسعادة وهناء , أساء سلفاتوري فهم الأأبتسامة الخفيفة التي ظهرت على محياها , فقال لها:
" يبدو أنك مصرة على القيام بدور ملاك الشيطان ! لدينا أعتقاد في هذه البلاد , بأن جميع الزيجات الناجحة تبدأ بمشكلة أو خصام , عزي نفسك بهذه الفكرة , لأنها أذا كانت صحيحة.......فسوف تتحول أشواكنا ألى ورود ويتطور زواجنا ألى سعادة".
أرادت أن تعلق على كلامه , ولكنها سمعت طرقة خفيفة متوترة على الباب ..... أنها ريتا..... تحثها على اخروج فورا! سارت بهدوء نحو باب سجنه , دون الألتفات مرة واحدة ألى الوراء .... بسبب تأثرها وأنزعاجها , حاولت أطلاعه على الحقيقة , ولكنه رفض الأصغاء أليها! أما الآن , فيبدو أن ينبوع كلامها قد جف , هل حدث هذا الجفاف المفاجىء لأنها لا تهتم به ألا قليلا , أم لأن أمره يهمها ألى درجة فائقة؟

بنت طي 29-11-10 09:43 PM

مشكورة جدا على هذه الرواية الممتعه والشيقه ننتظر التكمله

نجمة33 29-11-10 11:29 PM

شكرالك فرولة
ارجو منك الا تتاخري علينا
علي نار لمعرفةالنهايه
جزاكي الله خيراااااااااااااااااااااااا

روزينه 30-11-10 01:17 PM

شكرا حبيبتى على الرواية الرائعة وننتظر التكملة

ايمااان 01-12-10 08:51 AM

شكرالك فرولة
ارجو منك الا تتاخري علينا
علي نار لمعرفةالنهايه
جزاكي الله خيرااااااااااااااااااااا:8_4_134:

:dancingmonkeyff8:

ربماس 02-12-10 09:18 AM

شكرا اختي
على الرواية الرائعة وننتظر التكملة
:rdd12zp1:

ام الاولاد الثلاثه 07-12-10 12:39 AM

نحن فى الانتظااااااااااار لا تتأخرى علينا
نتمنى معرفه المزيد والمزيد ومن احداث هذه القصة
المشوقه جدااااااااااا ....وششكرآآآآآآآآآآآآ لك

نيو فراولة 07-12-10 07:04 PM

12- مأدبة الصمت!

تلاحقت أسئلة أبريل بشكل مزعج ومرهق , بعد أن أقتحمت غرفة أبنة خالها صبيحة يوم زفافها ...... صارخة متهمة بعصبية بالغة:
" قيل لي الآن أن زواجك سيتم اليوم ....... هذا اليوم بالذات! لم يصدر عنك أي شيء يوحي بذلك , ويبدو أنني أنا آخر من يعلم بمثل هذا الأمر , كيف يمكنك معاملتي بهذا الشكل...... أنا أبنة عمتك وصديقتك المفضلة ؟ ألم تفكري أيضا بوالدتك ؟ ألا يجب أن تكون موجودة هنا , لحضور حفل زفافك؟".
كانت روزالبا قد فضّلت الأنتظار حتى اللحظة الأخيرة , لأبلاغ قريبتها عن الموعد المحدد للزواج ...... وذلك مخافة أن تؤدي المجادلات المحتمة ألى أعاف وضعها النفسي القلق والمتداعي , وبما أن المجابهة التي كانت تخشاها حدثت الآن , فقد قررت مواجهتها بهدوء وشجاعة , أرغمت نفسها على التحدث برباطة جأش مدهشة , وقالت :
" آسفة , يا أبريل , لأن تحفظي القلق آلمك وأغبك , أردت أطلاعك على كل شيء , ولكنني كنت أدرك تماما صلابة الأعتراات التي ستواجهني".
تظاهرت بالأبتسام , ثم أضافت قائلة:
" أنت تعرفين بالطبع أنك خصم قوي وبارع , وهذا هو وحده سبب ترددي في التحدث أليك عن هذا الموضوع الهام حتى الآن , أقترح عليك بأن تجلسي , لأنني على وشك أبلاغك حقائق مذهلة قد تصيبك بصدمة عنيفة".
منتديات ليلاس
أحست أبريل بأن أبنة خالها تعاني من عذاب وتوتر مرهقين , وضغوطات نفسية هائلة , فأطاعتها فورا ودون تردد , كما أنها أرغمت نفسها على عدم الأعتراض أو توجيه مزيد من الأسئلة , طوال الفترة التي أشتغرقتها رواية روزالبا لما حدث معها ..... أبتداء من اللقاء الأول مع سلفاتوري في مطار باليرمو , وأنتهاء بالكذبة الكبيرة التي أطلقتها لأنقاذ حياته , وع أنها تحدثت بصورة سطحية فقط عن الأيام الثمانية التي أمضتها معه في الكهف , ألا أن بقية التفاصيل كانت كافية لشحوب وجه أبريل وأصابتها بذهول شديد أخرسها بعض الوقت.
حدقت بها طويلا وهي تأمل في مشاهدة حركة أو سماع كلمة , توحي بأن روزالبا تمازحها , وعندما تأكد لها أن قريبتها جادة تماما في حديثها , أخذت نفسا عميقا وبطيئا وقالت :
" يشعر سلفاتوري بأنه مضطر للزواج منك , لأنك أوحيت له بأحتمال كونك حاملا , وهذا يعني بالتأكيد أن ثمة علاقة قامت بينكما , وألا لكان قد سارع ألى نفي كلامك جملة وتفصيلا ..... ورفض بالتالي تحمل المسؤولية ".
أحمر وجه روزالبا حياء وخجلا , وقالت لأبنة عمتها:
" لقد خدعته ,كانت الظروف ماتية له لكي يقدم على ما أراد الأقدام عليه ........ وكان على وشك تحقيق ذلك .....".
تلعثمت وأرتبكت , وقررت الأكتفاء بهذ القدر من التفاصيل الحساسة المحرجة , ثم سارعت ألى القول:
"ولكنه لم ينجح ! أغمي عليه بسبب الحبوب المنومة , التي كنت قد وضعتها خلسة في قهوته".
" لا شك في أنه تعرض للأغماء .... في اللحظة الأخيرة ! يا للرجل المسكين! لو لم أكن مستاءة منه ألى هذه الدرجة الكبيرة , لشعرت الآن بتعاطف قوي معه , فهو مستعد لتحمل المسؤولية والعقاب , مع أنه ليس متأكدا أطلاقا من ذنبه , هل خطر ببالك ماذا سيحدث لك , عندما سيكتشف كذبك ...... ولم يعد يفصله عن ذلك سوى وقت قصير ؟ أنت لا تتعاملين مع رجل بريطاني هادىء الأعصاب , يا روزالبا! ديابولو ذو هوس برجولته حتى التطرف! أنه يخيفني ....... وكنت أتصور أن مجرد التفكير بالزواج من رجل كهذا , سوف يرعبك أنت بالذات".
ظهرت أبتسامة غريبة على شفتي روزالبا , فعيل صبر أبريل وأستشاطت غضبا , هبّت واقفة بأنفعال بالغ نتيجة سذاجة أبنة خالها , ولأحساسها ضمنيا بأنها تتحمل قسطا وافرا من مسؤولية هذه التطورات المخجلة , قالت لها بتلهف صادق:
" روزالبا ! أرجوك أن تكوني واقعية ! أعرف جيدا أنني طالبتك بالتخلي عن تحفظاتك الشديدة والتمتع بأجازتك ألى أقصى درجة , ولكنني لم أتصور أطلاقا أن الأمور ستصل أل هذا الحد! هيا بنا ....... لنعد الآن ألى بريطانيا , حتى دون جمع أمتعتنا أو توضيب حقائبنا ! كل ما نحتاجه الآن هو جواز السفر ..... وسنجد وسيلة نقل ألى المطار , بطريقة أو بأخرى!".
رفضت روزالبا عرض أبريل , قائلة بهدوء:
" لا أقدر , فسوف تتعرض حياة سلفاتوري ألى الخطر".

نيو فراولة 07-12-10 07:09 PM

فار الدم الصقلي في عروق أبريل , فصرخت بحدة فائقة:
" اللعنة على سلفاتوري! اللعنة أيضا على الجد روسيني , وكل شخص آخر من بني قومه الذين لا يعرفون ألا لغة العنف! ليقتلوت بعضهم بعضا أذا كانوا يريدون ذلك , فعمليات الأنتقام البدائية والسخيفة لا تهمنا ....... ولا علاقة لنا بها أطلاقا!".
ظهر الأصرار والعناد بجلاء في وجه روزالبا وملامحها , فأطلقت أبنة عمتها السهم الأخير في جعبتها ... بعد أختيارها له هدفا ضعيفا ,قالت لها:
" كيف تتصورين شعور أمك , عندما تكتشف أن أبنتها الوحيدة والحبيبة سارعت ألى الزواج من رجل غريب ... دون أبلاغها أو أنتظار مجيئها لحضور حفل الزفاف؟".
أبعدت روزالبا وجهها بسرعة لأخفاء معالم الحزن والألم في محياها وعينيها , وقالت :
" كفى .......! الأمور سيئة بما فيه الكفاية.......".
قاطعتها أبريل بلهجة عنيفة قاسية :
" وستصبح أكثر سوءا .... صدقيني ! هل توقفت لحظة للتفكير جديا بطبيعة الحياة التي ستواجهينها , بين أولئك الناس الذين لا يتمكن أحد غيرهم من فهم عاداتهم وتقاليدهم الغريبة؟ كلمة الحب مفقودة من قاموسهم , والزواج بالنسبة أليهم مجرد صفقة تجارية ... أهم ما فيها المبلغ التي ستدفعه العروس أو أهلها , أعرف ذلك جيدا , لأن أمي حدثتني مرارا عديدة عن هذه العادات الغريبة والمستهجنة , هل تتصورين أن الوقاحة تصل بأهل العريس , ألى درجة أرسال مخمن محترف لتقييم المساهمة غير النقدية ؟ نعم , يا آنسة .... فخلال هذه اللحظة بالذات توجد مع الجد روسيني في مكتبه , عجوز محتالة وصلت قبل قليل , زاعمة أنها عمة ديابولو ..... وتريد التفاوض بشأن الزواج عوضا عن والدته الراحلة ! تقضي العادة في الأوضاع الطبيعية بأن تكون الزيارة لأمك ..... للحصول على الموافقة , والمباشرة فورا بالأستفسار عما ستقدمه العروس ..... وبالنظر ألى غياب والدتك فقد وافقت العجوز المحتالة على التفاوض مع جدك , أنها تبدو أقوى منه , وأشد حنكة ودهاء!".
" أنها العمة جيوسبينا , أو , كم أنا سعيدة لتمكنها من الحضور!".
منتديات ليلاس
أستغربت أبريل سرور أبنة خالها , فألقت بنفسها على السرير وقالت بصوت ضعيف يوحي بعدم القدرة على متابعة النضال :
" يبدو أنك مصممة على المضي في هذه المسألة حتى النهاية أليس كذلك ؟ رباه.... ماذا حدث لك , يا روزالبا ؟ ألم تسمعي أي كلمة قلتها لك؟ ألا يهمك بتاتا أن الصفة الأساسية والأهم في الزوجة الصقلية , هي القدرة اللامتناهية على العمل الشاق والمتواصل؟".
" ولكنني أحب العمل الشاق والمتواصل".
ثم أضافت بلهجة رقيقة وحنونة , عندما لاحظت أن أبنة عمتها أخذت مزاحها على محمل الجد :
" أنت التي لم تسمعي كلامي , يا أبريل , فلو أنك أصغيت ألى ما قلته لك في البداية , لفهمت أن الزواج الذي يتم نتيجة الضغط والأكراه ليس ملزما , سأتزوج سلفاتوري على نحو صوري , ولمجرد التظاهر بتلبية مطالب الجد روسيني , وفي مثل هذا الوقت في يوم غد أن شاء الله , قد أكون وأياك في بريطانيا..... بعيدتين عن جميع هذه المحن العصيبة والرهيبة , كوني على أستعداد تام للهرب معي ألى المطار , فور تأكدي من سلامة سلفاتوري".
أرتاحت نفسية أبريل بشكل ملحوظ , وبدأت تحدث أبنة خالها على الفور عن العربة التي أتت بها عمة ديابولو , قالت لها , وكأن روزالبا لم تشاهدها من قبل:
" أنها من ذلك النوع الغريب , الذي لا يستخدمه بالتأكيد ألا القرويون , تصوري أنه رسمت على جانبيها ومؤخرتها مناظر من القصص الشعبية , مثل بعض المعارك القديمة الوهمية وأبطال الأساطير والروايات الخيالية".
لم تعلّق روزالبا على كلام أبريل الساخر , لأنها تعتبر تلك العربة وعجلاتها قطعة فنية رائعة ..... وبخاصة لأنها من صنع عمال مهرة , لم يستخدموا في عملهم سوى المعدات البدائية البسيطة التي كانت متوفرة لديهم في ذلك العصر , وتذكرت لدى مغادرة أبريل , أن سلفاتوري أخبرها مرة عن الطريقة الرائعة التي يزيّن بها حصان العربة , أثناء الأعياد ةالأحتفالات والمناسبات الخاصة .
أرادت أن تنزل ألى القاعة , لمقابلة العمة جيوسبينا والترحيب بها , ولكن ريتا المخلصة شعرت بأنهما قد تريدان التحدث على أنفراد , فأحضرت السيدة العجوز ألى غرفتها , لاحظت روزالبا فورا أن العمة جيوسبينا خلعت ثياب الحداد السوداء , وأرتدت بدلا منها تنورة طويلةذات ألوان زاهية وقميصا ناصع البياض ... كما وضعت على رأسها شالا مطرزا يتدلى على كتفيها.

نيو فراولة 07-12-10 07:11 PM

ظلت واقفة في مكانها تترقّب بأنفعال صامت , رد فعل أمرأة أعتبرتها صديقة ومنحتها ثوبا كانت تحتفظ به لأبنة لم ترزق بها .... وهي لا تعلم أنها أبنة عائلة روسيني المكروهة , ولكن العمة جيوسبينا نفسها بدت مرتاحة جدا , ولا تشعر بأي حرج أو دهشة مما يحيط بها من مظاهر الترف والثراء , أقتربت منها بثقة وهدوء ووضعت يديها على رأس صديقتها الشابة , دونما أي تفسير أو أياح , ثم تراجعت ألى الوراء خطوة واحدة , وقالت لها بلهجة آمرة:
" أعطني يدك".
أطاعتها روزالبا دون تردد , ولكن بأستغراب وحيرة شديدين , ألبستها العجوز فورا خاتما ذهبيا ودست في يدها منديلا صغيرا مطرزا , ثم قالت بعنفوان وشموخ :
" كان من الضروري القيام بهذه المراسم التقليدية , أثناء الأحتفال بخطوبتك ,ولكن بما أن توتو لم يذكر لي شيئا عن مخططاته , ولم يتصرف أي منكما بطريقة توحي بأنكما على وشك أعلان خطوبتكما , فقد أضطررت ألى تأجيل القيام بواجبي حتى اليوم , على أي حال , فسوف يسمع مني توتو الخبيث تأنيبا قاسيا على هذه السرّية التي لم يكن لها ضرورة أطلاقا , لو أنه قدم لك آنذاك وردة حمراء أو شريطا أحمر لتربطي به شعرك , لكنا أدركنا جميعا نواياه أتجاهك , ولكنه لم يفعل شيئا من هذا القبيل , ففوجئنا كلنا بما حدث".
منتديات ليلاس
ثم تنهدت , ومضت ألى القول :
" علمت في وقت متأخر من مساء أمس أنكما ستتزوجان اليوم , فأستيقظت مع الفجر وبدأت رحلتي فورا كي أصل قبل الأحتفال , يجب ألا تتم مراسم بالغة الأهمية كهذه , دون حضور شخص واحد على الأقل من أفراد العائلة!".
وجّهت فجأة ألى عيني روزالبا نظرات حادة كالأبر , وقالت لها :
" أخبريني , يا صغيرتي ... هل أنت متأكدة من أنك تهتمين به ألى درجة كافية , بحيث تتمكنين من التخلي عن كل هذه الرفاهية وهذا الترف؟ هل أنت قوية بما فيه الكفاية لتتركي هذا المكان الذي يؤمن لك كل ما تحتاجين أليه , كي تعيشي في قمم الجبال الوعرة الصعبة؟".
ثم أضافت بلهجة حازمة وقاسية :
" لن يتخلى توتو عن أبناء قومه , وسيظل دائما الرجل الذي يتوقع خضوعا تاما من زوجته ".
لم يكن لدى روزالبا الوقت أو الكلام الكافيان , حتى تشرح للعمة جيوسبينا بأنها لا تتزوج سلفاتوري ألا لأنقاذ حياته ومنحه حريته , فأختارت جوابا يحمل معنينن , وقالت لها بصدق تام:
" سأقوم بكل ما هو ضروري لأجل سعادته ".
بدا الأرتياح على وجه السيدة العجوز , وقالت:
" سأذهب الآن أذن , لأنني متأكدة من أن لديك أعمالا كثيرة تحتاج ألى كل دقيقة من وقتك".
سارت نحو الباب بخطوات سريعة , ولكنها توقفت فجأة ثم وجهت ألى روزالبا نظرة تحمل الكثير من الأمتنان ........ وقالت :
" يحتفل بالزواج عادة كبداية جديدة .... أما زواجكما فسوف يحقق هدفا أضافيا بالغ الأهمية , وهو أنهاء حرب ثأرية وأنتقامية مريرة , فبمجرد أن يتزين أصبعك بخاتم توتو ..... يتوقف النزاع فورا وتنتهي الفترة الدموية التي طالت كثيرا , لا تكوني خجولة مع زوجك , يا حبيبتي..... فهو ليس شيطانا , بل ملاكا حولته الظروف القاسية اللعينة ألى ما هو عليه الآن , تمسكي جيدا برسن الزوجية الصالحة , وسيتمكن قلبك الطاهر من أبعاده عن الجحيم وحمله ألى النعيم!".
وصل الجد روسيني في تمام العاشرة لمرافقة حفيدته , ألى حيث ينتظرها عريس متردد ومتوتر الأعصاب , وعندما خرجت روزالبا من الغرفة الداخلية , حيث كانت ترتدي ثوب الزفاف , تسمر الجد في مكانه وأخذ يتأملها بذهول وأعجاب منقطعي النظير , لا شك في أنه تذكر تلك اللحظة التي خفق فيها قلبه الأقل قساوة وتحجرا , لدى مشاهدته عروسه الجميلة تقف أمامه بخجل وحياء , ظهرت الرقة في عينيه ,وقال لحفيدته بصوت يرتجف تأثرا :
" تبدين رائعة جدا , يا حبيبتي ... أكثر بكثير مما يستحقه ديابولو ".
وكأن ذكر أسم عدوه اللدود كان كافيا لأيقاظه من أحلام اليقظة والذكريات , فقد مد ذراعه بعصبية نحو روزالبا وقال لها مقطبا حاجبيه :
" تعالي , فعريسك ليس رجلا صبورا وهادىء الأعصاب!".

نيو فراولة 07-12-10 07:14 PM

وصلا ألى الكنيسة الصغيرة التي بنيت قبل مئات السنين , فبدا سلفاتوري كحيوان شرس قيّد بسلاسل حديدية موجعة ووع لتوه داخل قفص صغير ضيق , أحس بدخولهما , فتوقف فورا عن الحركة وأخذ يحدق بروزالبا .... فيما كانت تسير نحوه بخطى بطيئة عبر الممر القصير , كانت نظراته قاسية جدا , فشحب وجهها ولم تعد ترى أحدا أو تسمع شيئا , وعندما بدأت ترد على أسئلة الكاهن المعتادة بكلمة نعم , أحست روزالبا بأنها في عالم آخر يلفه الظلام الدامس والصقيع المميت , ولكن .... ما أن أمسك سلفاتوري بيدها وألبسها خاتمه , حتى شعرت بنار حارقة تشتعل في داخلها وبدأت تسمع أصوات أجراس وأنغام ملائكية حنونة وناعمة .
لم تنتبه ألى أنتهاء المراسم , ألا عندما أصبحت في منتصف الطريق نحو الخارج , ولاحظت أنها تتعلق بذراع ...... زوجها بقوة , لم يعد هناك وجود لروزالبا روسيني , أصبحت الآن السيدة ديابولو .... الأمرأة التي تجمدت على وجها ملامح السكينة والهدوء , وبدا أن قلبها الذي يخفق بقوة جنونية هو الجزء الوحيد الذي لا يزال حيا في جسمها !
خرجا ألى باحة الكنيسة , فركض نحوهما الصبية الصغار وأخذوا ينثرون الورود والرياحين أمامهما .. فيما كان أهلهم الواقفون كحرس شرف حتى أولى الدرجات المؤدية ألى القلعة , يحييونها ويصفقون لهما , توقفت روزالبا قبل دخول القلعة , وأستدارت نحو المهنئين لتوجه أليهم تحية شكر وأمتنان , كانت تأمل في أن تؤدي هذه البادرة , وما رافقها من أبتسامات توحي بالفرح والسعادة والهناء , ألى أخفاء الصدمة القاسية والحزن الشديد اللذين تشعر بهما.
منتديات ليلاس
لقد قالت لأبنة عمتها أن مراسم الزواج ستكون صورية بحتة , ولن يضطر أي من العروسين ألى الشعور بالألتزام بها , ولكنها تحس الآن بأنها ربطت نفسها بشكل تهائي لا رجوع عنه , وهي ترد بجدية تامة قسم الزواج والمحبة والأخلاص ........ وتسمع سلفاتوري يقول الكلام ذاته , ولو بلهجة قاسية وحادة , بدا لها آنذاك , وكأنه يتقبل العقاب على خطاياه... أو كأن زواجه منها حكم صارم للغاية يرحب به كثمن لأنتصاره , ومع ذلك .... فأن الكلمات الأولى التي وجهها أليها , أثناء أنفرادهما لفترة وجيزة في القاعة الكبرى , لم تنم عن أي شعور بالمصالحة والوفاق ...... بل ببقاء أحساس قوي بالحقد والأحتقار في أحدى زوايا قلبه , فقد أمسك ذقنها بأصابع شرسة وحدق بوجهها الشاحب لحظات مطولة , قبل أن يقول لها :
" والآن.... هل ستتمكنين أيتها الزوجة العزيزة ,من أقناعي بأنك بديل عادل وثمن معقول لحريتي ؟ أظهر الثعبان العجوز تصميما على التخلص منك , لا يشكل أي أطراء لك ! ولكنني لا أستغرب ذلك , لأنه من الأشخاص المستعدين لبيع حصتهم من الشمس والهواء بغية تحقيق أغراضهم وأهدافهم البعيدة المدى !".
تجرأت على مواجهة غضبه الحاقد وسخطه المؤذي , بالقول:
" أنا لست قطعة أثاث يملكها جدي!".
أجابها قائلا , بلهجة ثابتة وأكيدة جمدت الدماء في عروقها :
" لا , طبعا لا , فالملكية الكاملة والتامة أصبحت لي دون سواي! ولكن.... لماذا أشعر بأن الصفقة لم تكن لصالحي , وبأنني وقعت فيها ضحية خداع شرير؟ هل لأنني حصلت على الطريدة بطريقة سهلة , وحرمت لذة المطاردة والصيد؟".
ساد التوتر الشديد أجواء المأدبة , التي أقامها الكونت في قاعة الطعام الكبرى , لم تتحدث أبريل ألا قليلا , وأكتفت بتوجيه نظرات العداء الصامت ألى سلفاتوري ..... الذي تجاهلها بصورة شبه تامة , وركز أهتمامه كاملا على عمته , وفي حين جلست العمة جيوسبينا كأبي الهول ورفضت تناول أكثر من لقمة واحدة من كل طبق طعام يقدم أليها , حاول الكونت التظاهر بتناسي الفوارق الكبيرة بين الطبقتين الأجتماعيتين ...... وأخذ يتحدث بمرح عن مواضيع مختلفة ومتعددة , ولكن حديثه لم يدم طويلا , لأنه هو نفسه وقع بعد دقائق قليلة حية الصمت المطبق الناجم عن التوتر البالغ والنظرات القاسية.
ظل هذا الوضع على حاله لبعض الوقت , فأحس سيد القلعة بأن تقاليد اليافة تفرض عليه القيام بخطوة مجاملة نحو عمة ....صهره ! قال لها, مشيرا ألى أبريق عصير أحضر للتو :
" هل تودين مشاركتنا بكوب من هذا العصير النادر , الذي أحضرت منه كمية محدودة من روما ... للمناسبات الخاصة فقط؟".
" ر شكرا..... فنكهته وطعمه يليقان بالمتحضرين الأثرياء ..... وليس بالفلاحين الفقراء مثلي , أنني أفضل العصير العادي , البدائي الذي نصنعه نحن بأيدينا ومن فاكهة أرنا وجبالنا ,والذي يشبه بحدته وعدم رقته طبيعة أبناء قومنا وشعبنا".

نيو فراولة 07-12-10 07:19 PM

لاحظت روزالبا فورا مدى أنزعاج جدها , وأنفعاله الصامت , فهو يفضل التحدث مع أمثاله من أفراد الطبقة الأرستقراطية الثرية , الذين يتمتعون بقدرة فائقة على التخاطب بذكاء ودهاء في أي موضوع يطرح عليهم , أما رد العجوز القروية , المتسم بالصدق والصراحة المتناهيين , فقد أثار سخطه وأزعجه ألى درجة كبيرة , وظهرت معالم الأستياء في نبرة صوته , عندما وجه حديثه ألى سلفاتوري قائلا:
" أعطيت أوامري قبل يومين لتجهيز قصري الواقع على شاطىء البحر , بكافة وسائل الراحة والرفاهية , لتمضيا فيه شهر العسل بسعادة وهناء , يمكنكما البقاء فيه ألى ما شئتما , والحصول على أي شيء أضافي تريدانه , وعندما تصبحان مستعدين للذهاب , سأطلب من أليساندرو نقلكما بسيارتي".
ضرب سلفاتوري الطاولة بيده , بقوة أفزعت روزالبا وأذهلتها , ثم قال بحدة بالغة:
" لا , أيها الكونت , لن أفعل ذلك أكلاقا! فزوجتي ستذهب ألى حيث أريد أنا , ومتى أريد , وبوسيلة النقل التي سأختارها بنفسي !".
منتديات ليلاس
وجّه الرجلان ألى بعضهما نظرات مشبعة بالحقد والعداء , في أول مجابهة عنيفة تحدث بينهما بعد المصاهرة , أصر سلفاتوري على ممارسة حقه كاملا , في التصرف كرجل يتمتع بسلطة مطلقة في بيته .... وعلى زوجته , ومع أن الكونت لم يوافق على ذلك بصورة فورية , ألا أن التقاليد الصقليّة الصارمة التي يتقيد بها... جعلته يعترف بالهزيمة أمام سيد عائلة ديابولو , ولكن رضوخه لم يأت عاديا وأنهزاميا , بل قال لعدوه الشاب بلهجة مشبعة بالحقد والكراهية .... أثارت أزدراء روزالبا وأشمئزازها :
"تسللت ألى قصري في بداية الأمر , كخفاش يستعين بظلام الليل وظلاله , عرفت عندئذ أن وجودك نذير شؤم وشر , وبأنك ستحدث الكثير من المتاعب والمشاكل , أعتن بحفيدتي جيدا , يا ديابولو .... لأنه لو مست شعرة في رأسها بأذى , فسوف أجد لذة بالغة وسعادة فائقة في معاملتك بالطريقة ذاتها .... التي يطبقها رفاقك المتوحشون مع الخفاش الذي يحتقرونه , سوف يلقى القبض عليك ... وتقتل بعد تعذيب مرير , ثم تدق ألى باب حظيرة الحيوانات بالمسامير ... ورأسك نحو الأسفل!".

الجبل الاخضر 08-12-10 03:58 PM

ننتظرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر ررررررررررررررررررر على احر من الجمر:dancingmonkeyff8:

ام الاولاد الثلاثه 09-12-10 04:28 PM

نحن فى الانتظااااااااااااااار وشكرآآآآآآآآآ لك

نيو فراولة 09-12-10 06:19 PM

13- هديل الحمام

لم تتوقف أبريل , حتى في اللحظات الأخيرة , عن القيام بمحاولة يائسة لتثني أبنة خالها عن الذهاب مع سلفاتوري ديابولو , قالت لها , وهي تودعها على بوابة القلعة:
" وعدت بأن تكون مراسم الزواج نهاية لهذه اللعبة السخيفة , فلماذا تذهبين معه الآن ؟ ألا تعرفين أنك ستصبحين ملكه , ولن يسمح لك بعد ذلك أطلاقا بمغادرة صقلية ؟".
حثّت روزالبا أبنة عمتها على فهم مشكلتها بصورة أكثر جدية , قائلة بلهجة هادئة :
" لست مضطرة للمي قدما في هذه التمثيلية المزعجة , ألا لفترة قصيرة جدا , فهذان الرجلان يكرهان بعضهما ألى درجة مذهلة .... ولن أشعر بالأطمئنان التام لأعود ألى بريطانيا , قبل التأكد من وجود سلفاتوري بعيدا عن متناول جدي , لا تقلقي , يا أبريل فسوف أعود خلال ساعات قليلة".
أحست روزالبا في تلك اللحظة , بأن سلفاتوري ديابولو يتعمد أثارة غضب الكونت وسخطه .
برقت عيناه بالأرتياح والرضى التامين , عندما تطلع نحوها وقال بلهجة ساخرة :
" أبتسمي لجدك , يا ذات الوجه الملائكي ! أكّدي له بأنك سعيدة ولست ذاهبة ألى الجحيم , كما يتصور ويعتقد !".
أغضبتها تلك العبارة الهازئة القاسية , ولكنها سيطرت على أعصابها وجلست في مؤخرة العربة .... فيما قفز سلفاتوري ألى مقعد القيادة , بعد أن أجلس عمته قربه , أما الكونت , الذي لم يتفوه بكلمة واحدة , أو يرفع يده مودعا , فقد بدا في وضع بالغ الصعوبة .... لأنه يحاول جاهدا كبح جماح حنقه وحقده.
وصلت العربة ألى الطريق العام , فبدأ الحصان يعدو بسرعة مذهلة , تقوقعت روزالبا المنهكة القوى والمرهقة الأعصاب , في زاوية العربة الصغيرة... وغطت في نوم عميق , ذلك لأنه لم يغم لها جفن طوال الأيام الثلاثة الماضية , هل نامت خلال تلك الفترة الوجيزة , لأنها شعرت بالأرتياح لتجاوز العقبات الأكثر صعوبة وخطرا في مهمتهما الدقيقة والحاسمة ؟
أنتفضت جالسة في مكانها , بعد مي ساعتين على مغادرتهم القلعة , لتفاجأ بتوقف العربة على أحد المنعطفات القاسية , شاهدت سلفاتوري , عبر عينيها شبه المغمضتين , وهو يقفز من العربة .... بعد أن سلّم الرسن ألى عمته وقبّلها على خديها , ثم أقترب من روزالبا ورفعها من العربة , قائلا:
" هيا بنا , أيتها الزوجة الناعسة !".
منتديات ليلاس
تثاءبت رغما عنها , قبل أن تسأله بصوت ضعيف هادىء:
" ألى أين سنذهب؟".
" ألى عش الغرام وشهر العسل , أيتها العروس الطفلة! وهل من أي مكان نذهب أليه , يا صغيرتي؟ سنفترق هنا عن العمة جيوسبينا , لأننا سنتابع رحلتنا بالسيارة".
لم يبد على عجلة من أمره لأنزالها ألى الأرض , فتصارعت الأفكار في رأسها وتضاربت المشاعر في قلبها , لاحظت أنها طوقت عنقه بذراعها , بصورة عفوية وغبية , عندما رفعها من العربة... وبأنها تشعر بأرتياح لا يمكن تفسيره أو تبريره , وهي مستلقية بين ذراعيه القويتين , كان وجهه قريبا جدا منها ,بحيث راحت أنفاسه الدافئة والناعمة تداعب وجنتيها , أحنى رأسه فوق وجهها وأخذ يحدق بها , فيما أختفت أبتسامته الساخرة بسرعة مخيفة.
أنتبهت روزالبا فجأة ألى النظرات المرحة التي وجهتها العمة جيوسبينا , فتملصت من بين ذراعيه وأبتعدت عنه بسرعة ... وهي تعاتب نفسها بعنف شديد على هذا الشعور الغريب المستهجن , أمسك بيدها وسارا نحو اللاندروفر , فرفعت العجوز السعيدة يدها مودعة وقائلة بسرور واضح :
" تمتعا بشهر العسل , ألى أقصى درجة ! لا تتوقفا عن أغضاب بعضكما , فغضب الحبيبين يجدد حبهما ويعزز قوته وثباته !".
أطلق سلفاتوري العنان لسيارته , دون أي تعليق على كلام عمته , تصورته روزالبا في تلك اللحظات الحساسة , كأنه خفاش ينطلق من الجحيم , أمسكت بباب السيارة بكل قوتها , كيلا يرتطم رأسها أو جسمها بأي مكان .... نتيجة السرعة الجنونية التي لا مبرر لها , وبخاصة على تلك الطرقات الجبلية الوعرة.

نيو فراولة 09-12-10 06:27 PM

لم يتحدث أي منهما ألى الآخر , طوال الساعات الثلاث التي أستغرقتها رحلتهما نحو الطرف الآخر من الجزيرة , كانت شمس المغيب تودعهما بأشعتها البرتقالية الخلابة , عندما وصلا ألى منطقة ساحلية جميلة ... يشرف عليها بهيبة وقوة مخيفتين جبل أتنا , لاحظت روزالبا فورا تلك القرى الصغيرة وأراضيها الزراعية الخصبة , على السفوح المنخفضة لجبل البركان ,ولكنها شعرت بالرعب والهلع , عندما أمتد نظرها ألى المناطق العالية.... وشاهدت تلك الصحارى الشاسعة التي لا يغطيها ألا الرماد , لا شك في أن الحمم البركانية الحارقة والمدمرة , التي يطلقها البركان الثائر بين الحين والآخر , تحرم تلك المنطقة بكاملها من أي أشجار أو نباتات .
توقفت السيارة ... أخيرا! النجوم البراقة منتشرة في السماء الصافية , كحبيبات اللؤلؤ التي سلطت عليها أنوار قوية كاشفة , شمّت رائحة البحر , وسمعت صوت أمواجه الخفيفة تتراقص على شاطىء قريب جدا , ثم لاحظت أن البيت الذي توقفا أمامه , يقع على حافة خليج صغير يعج بزوارق صيادي الأسماك وقواربهم , نزلت من السيارة ولحقت به نحو ذلك المنزل المربع الشكل , فكادت تتعثر في الرمال الناعمة ... بسبب توتر أعصابها وذهولها , فتح سلفاتوري الباب وأضاء القاعة , ثم أشار أليها لكي تدخل.
تأملت روزالبا ذلك المنزل الصيفي الصغير , الذي أثث بطريقة عادية جدا وبمفروشات قليلة لا تتطلب أكثر منها أي أجازة قصيرة قرب الشاطىء , ولاحظت أن البيت مؤلف من تلك القاعة المتوسطة الحجم وغرفتين صغيرتين محاذيتين لها , بالأضافة ألى مطبخ وحمام صغيرين وفجأة .... سمعته يقول لها , لأول مرة منذ بضع ساعات :
" أنه منزل صغير , أعارني أياه أحد الأصدقاء , ومع أنه لا يشبه أطلاقا القصر الذي حاول جدك أرغامنا على الأقامة فيه , ولكنه يكفينا ويفي بحاجاتنا".
منتديات ليلاس
أرتجف جسمها خوفا , وسألته بعصبية وأنفعال :
" هل تعني بأننا سنمضي الليلة هنا؟".
هز كتفيه ببرودة , وقال :
" سنمضي ليلة , أو أسبوعا , أو شهرا! من يدري!".
ثم أبتسم , وأضاف قائلا:
" ستعتمد فترة أقامتنا هنا , بصورة كلية , على مدى تجاوب كل منا مع الآخر".
حبست أنفاسها لحظة , ثم تنهدت وقالت له :
" أحاول منذ أيام , يا سلفاتوري , أن أشرح لك أمرا بالغ الأهمية ... ولكنك رفضت الأصغاء ألي , فهل تسمح الآن , بأن تستمع ألى ما سأقوله لك؟".
أستدار بسرعة نحو المطبخ , وهو يقول لها:
" أنا الآن جائع جدا , بحيث أنني لست قادرا على الأستماع ألى أي ثرثرة سخيفة , لماذا التسرع؟ ألا يمكننا التحدث بعد تناولنا الطعام؟".
لا! فأي تأخير بسيط سيزيد من صعوبة أيجاد مكان آخر , لأقامتها بقية هذه الليلة! ولكنها قررت التصرف بحكمة وروية لدى مرورها قرب السرير المزدوج , وتأجيل الحديث أل ما بعد العشاء ... ذلك أن الرجل المتعب والجائع لن يكون هادئا ومنطقيا ! ستنتظر حتى يأكل ويرتاح , ويصبح في وضع أكثر تقبلا لسماع معلوماتها المذهلة.
تبعته ألى المطبخ الضيق , وهي تفكر بالأسلوب الذي ستستخدمه في أبلاغه الحقيقة المرعبة , أحتكت أكتافهما في تلك الفسحة الصغيرة , فشعرت بخجل عميق ... وبتسارع مدهش في ضربات قلبها , تطلّع نحوها في تلك اللحظة الحرجة , بعينين ساحرتين أشعلتا النار في جسمها , وسألها :
" هل تحبين البيض المقلي بالزبدة , أم بزيت الزيتون؟".
أجابته بصوت مرتعش ألى حد ما , وهي تحاول السيطرة على مشاعرها :
" بالزبدة ..... شكرا".
" عظيم! هذا دليل خير وعافية بالنسبة ألى زواجنا ... فثمة شيء واحد على الأقل , مشترك فيما بيننا !".

نيو فراولة 09-12-10 06:30 PM

وضعت صحنين على الطاولة الصغيرة , وزودت كلا منهما بسكين وشوكة , وعندما جلسا , هاجم سلفاتوري طعامه وأخذ يلتهمه بنهم واضح , سألها عما أذا كانت تريد رغيفا من الخبز فرفضت عرضه شاكرة , صب لكل منهما كوبا كبيرا من عصير الليمون , وشرب حصته جرعة واحدة , وعندما لاحظ أنها لم تأكل ألا قططعة واحدة من طعامها , أو تشرب شيئا من عصيرها , سألها بلهجة أدهشتها وأزعجتها:
" ما بك؟ هل تشعرين بالتوتر , لأنها الليلة الأولى؟ لا, لا أصدق ذلك!".
ثم أبتسم , وأضاف قائلا:
"بما أنك أجريت أختبارا حقيقيا في الكهف , فمن المؤكد أن هذه الليلة ستحمل مفاجآت كثيرة ومذهلة!".
" هذا... هذا ما أود التحدث اليك... بصدده! منذ أيام وأنا أحاول...".
" لنذهب من هذا المكان الضيق".
لحقت به غاضبة بشكل لم يسبق له مثيل , ثم صرخت:
" متى ... متى ستستمع ألى ما سأقوله لك؟".
أستدار نحوها فجأة , وقال لها بحدة:
" أوه! يبدو أن صاحبة الوجه الملائكي عصبية المزاج!".
فقدت شجاعتها وجرأتها , , عندما شاهدته يقف أمامها بقامته الممشوقة ووجهه الوسيم الساحر.
كانت أبريل على حق .... فهو ليس رجلا عاديا ! أنه عنوان الرجولة ورمزها...متوحش بربري مثل ذلك الأبريم الذهبي , الذي لم تتمكن من رفع نظراتها عنه.
" هيا... هيا! أخبريني بما تريدين!".
" أريد التحدث أليك عن... عن تلك الليلة... التي... التي...".
لم تعرف كيف تنهي جملتها , بسبب خوفها الشديد من رد فعله القاسي , فقال لها بلهجة هادئة جدا:
" لا تخجلي من التحدث عنها , فعلى الرغم من التشدّد المذهل في عاداتنا وتقاليدنا , ألا أن العلاقة السرية ليست أمرا نادرا في محيطنا ومجتمعنا , كما أن نسبة هذه العلاقات في فترة ما قبل الزواج , أصبحت مرتفعة بعض الشيء , أعرف الآن , كما كنت أعرف آنذاك , أنك شابة متحررة لا بد وأنها واجهت أمورا كهذه مرات عديدة في السابق!".
منتديات ليلاس
أستعادت روزالبا شجاعتها , لترد على النار بالنار وعلى الحديد بالحديد , قالت له بلهجة حازمة:
" لم تتمكن من تحقيق غايتك معي , يا سلفاتوري! فقد وقعت مغميا عليك , بسبب الحبوب المنومة التي ذوبتها في قهوتك!".
سقطت كلماتها هذه على رأسه كالصاعقة , فحدق بها مذهولا لبعض الوقت , ثم سألها بحدة فائقة:
" ماذا فعلت بي؟ هل لديك الجرأة الكافية لتعترفي أمامي الآن , بأنك أوقعتني ضحية أقدم حيلة تعرفها النساء؟ هل تقولين أنني تخليت عن حريتي , لأجل جنين لا وجود له؟".
أمسك بكتفيها وراح يهز جسمها بعنف بالغ , ثم أضاف قائلا بسخط وتأثر شديدين:
"لماذا؟ لماذا فعلت ذلك؟".
" لأنقذ حياتك , يا سلفاتوري... ولكي أع حدا نهائيا لحرب الأنتقام المجنونة , التي حصدت أعدادا كبيرة من الأبرياء!".
رماها على السرير بوحشية فائقة , قائلا:
" اللعنة! هل تظنين أنني من أولئك الرجال الضعفاء الخانعين , الذين يسمحون لزوجاتهم بالتدخل في شؤون الرجال؟".
" أنا لست زوجتك ! ما من محكمة في العالم ستقبل بهذا الزواج , الذي فرض علينا ! سوف أعود ألى بلادي بمجرد أن تسنح لي الفرصة المناسبة , وستنسى بعد ذلك أنني موجودة .... حتى في مخيلتك أو تصوراتك!".

نيو فراولة 09-12-10 06:33 PM

أنحنى فوقها , فأرتجف جسمها ذعرا وهلعا , قال لها بلهجة تتسم بالقساوة والبرودة:
" لقد عقدت صفقة مع جدك , تنص على بنائه مستشفى حديثا في منطقتنا ...مقابل موافقتي على الزواج منك , ولكن المستشفى لن يكون ذا فائدة , أن لم تتوفر له المبالغ الكافية لدعمه , بطريقة مجدية , وأذا كانت راحة أبناء قومي معتمدة على أنجابك حفيدا للكونت , فسوف تفعلين ذلك ... شئت أم أبيت!".
أطفأ نور الغرفة ,فتصورت روزالبا بأنها ترى النار مشتعلة في عينيه ... وكأنه ذئب متوحش أو نمر جائع , أنقض عليها بقساوة بالغة , فحاولت مقاومته والتملص منه , ألا أن جسمها الضعيف لم يقدر على مواجهة التفجر البركاني , الذي حدث في داخلها , تألمت .... بكت.... ذعرت .... توسلت , ولكنه رفض الأصغاء ألى أنينها , بدا وكأنه شيطان مصمم على جرها ألى أعماق الجحيم ... ألا أن ما بدأت تشعر به خلال لحظات وجيزة , لم يعد جحيما بالمعنى الصحيح , تخيلت نفسها معلقة فوق بركة ضخمة من الحمم البركانية...
منتديات ليلاس
تسللت من السرير بعد بضع ساعات , فيما كان سلفاتوري ينعم بنوم عميق هادىء , وخرجت لتتأمل شروق الشمس , شعرت وكأنها قد أستفاقت لتوها من..... حلم جميل , ولكن كل جزء في جسمها كان يؤلمها , لم يكن سلفاتوري حنونا أو رقيقا معها , كما تصورته في وقت سابق , كان معها , وكأنه حيوان لا يهمه سوى أستمرار ذريته , لم يهمس في أذنها أي كلمة حب ناعمة ودافئة.
تصورت الزواج دائما على أنه علاقة طيبة ورقيقة , وأنشاء عائلة مع رجل مستعد لحمايتها ورعايتها , أرادت أن تصرخ وأن تحك في الوقت ذاته , ولكنها سيطرت على أعصابها المتوترة وأبعدت نفسها عن حافة الجنون القريبة , ومع ذلك , فأنها لم تتمكن من كبح جماح الغضب الذي أحست به أتجاه والديها .... الذين أبعداها طوال حياتها عن كل شيء , وحبساها في ذلك البرج العاجي ... البيت , أنحنت بعد فترة لتلتقط زهرة برية رائعة الجمال , فشاهدت ظلا أمامها ... مع أنها لم تسمع أي حركة أو وقع أقدام , خفق قلبها بسرعة وعاد التوتر ألى أعصابها , ألا أنها لم ترفع رأسها نحو وجهه الحزين.
" لماذا لم تخبريني بأنك.... بأنك...".
" لأنك لم تحاول الأصغاء ألى أي شيء قلته لك! ثم... هل كنت ستتصرف بطريقة مختلفة , لو أنك عرفت الحقيقة مسبقا؟".
مد يده وكأنه يريد مداعبة شعرها برقة وحنان , ثم سحبها بعد تردد ملحوظ وقال معترفا بصراحة تامة:
" ربما لا ! على أي حال , أعتقد أنني كنت أعرف في قرارة نفسي .... أنك شابة بريئة لم يلمسها رجل طوال حياتها".
تأملت ملامح الندم والأدانة الذاتية في وجهه وعينيه , فتأكد ها أنه يشعر بخيبة أمل مريرة وأسف شديد , وفيما كان ينتظر هجومها الحاقد عليه , حظت قربهما حمامة بيضاء جميلة وأخذت تهدل برقة وحنان .... وتنادي حبيبها ورفيقها , أحس سلفاتوري فورا بتأثير هذا المنظر العاطفي الرقيق على قلب روزالبا , فأقترب منها بحذر وقال لها بصوت هادىء ناعم يخفي وراءه مشاعر أذلال لم يعرفها من قبل:
" هل تسمحين لي بالجلوس قربك؟".
أرادت أن تفر من وجهه هاربة ألى المجهول , ولكنها تنهدت وهزت كتفيها غير مبالية بما سيفعل , جلس الرجل قربها , وأخذ يتحدث أليها بشكل مطول ومفصل , لم تفهم منه شيئا في بداية الأمر , لأن عقلها كان مشلولا وغير قادر على الأستيعاب , ولنها بدأت تشعر تدريجيا , بوجود رسالة يتحتم عليها سماعها واألأصغاء أليها :
" حاورت نفسي مرارا عن أسباب تعرض جزيرتنا الجميلة هذه ألى لعنة الحقد والكراهية والفقر , ولكنني لم أجد جوابا شافيا على ذلك , لقد أنعم عليها الخالق عز وجل بكميات ضخمة من المعادن , وبأرض خصبة غنية , وبطقس رائع مثالي , ومع ذلك .... فالفلاح ينوء تحت نير الفقر المدقع , ويعيش في وضع مؤسف للغاية , ليست جزيرتنا أصلا بحاجة ألى الصناعة ورؤوس الأموال فحسب , بل وأيضا ألى قادة أذكياء يخرجون أفراد شعبها من كهوف الماضي المظلمة ويعلمونهم على الأساليب الحديثة والمتقدمة للزراعة ... عوضا عن السماح لهم بالألتحاق بأشقائهم وأبناء أعمامهم في بلاد المهجر , أنهم يحققون هناك ثروات لا بأس بها أطلاقا , في أنتاج أنواع جيدة من الفاكهة والعصير ... من أرا لا تختلف أبدا عن أرضنا وفي مناخ ليس أفضل من مناخ جزيرتنا".

نيو فراولة 09-12-10 06:36 PM

وضع يده برفق على خدها وأدار وجهها نحوه , قبل أن يمي ألى القول بلهجة حنونة مخلصة:
" لن أتمكن أبدا من التخلي عن هذه الأرض , يا روزالبا , لأن قدري يحتم علي البقاء مع هؤلاء الذين يحتاجون أليّ وألى مساعدتي , لو ذهبت ألى أي بلد آخر , لنعمت بالثراء وتمتعت عائلتي ... زوجتي وأولادي .... بفوائد المستويات العالية للمعيشة , التي يعتبرها الآخرون أمرا عاديا جدا , أما هنا , فلا يمكنني أن أعد بأكثر من حياة قروية بسيطة....".
شعرت روزالبا في تلك اللحظة الوجيزة , التي سبقت سماعها جملته الأخيرة , بأن عصفور السعادة الصغير الذي تسجنه في أعماق قلبها .... بدأ ينتفض ويتململ طالبا حريته , نظرت ألى سلفاتوري بعينين صادقتين , وقالت له:
" ليست الثروة المادية شيئا يذكر بالنسبة ألى... ألى....".
منتديات ليلاس
أقترب منها فجأة , وبدأ يحثها بلهفة واضحة .... قائلا :
" بالنسبة ألى ماذا, يا روزالبا ؟ هيا , أخبريني ! هل كن على وشك التفوه بكلمة الحب , يا روزالبا ؟".
ثم همس في أذنها بصوت دافىء للغاية :
" أذا كان الأمر هكذا , وهذا ما أنا متأكد منه, فالحب .... يا حبيبتي .... هو الشيء الذي يمكنني منحك أياه بوفرة! أحبك , يا روزالبا ... أحبك من صميم قلبي!".
رمت نفسها عليه دون حياء أو خجل , فضمها ألى صدره بقوة وهو يتمتم قائلا:
" ما أروع قلبك الحنون الكريم , يا حبيبتي الطيبة الجميلة! أنت حبي الأول والأخير ......!".
تمتعت روزالبا لبعض لحظات بين ذراعيه , ولكنها لاحظت أنه يمتنع عن القيام بأي شيء .... كيلا يخيفها أو يزعجها , رفعت وجهها نحوه وأغمضت عينيها , كانت الدعوة واضحة , فلم يتردد في تلبيتها ..... وأطلق سراح النمر الثائر الذي يحبسه في داخله.
حملها بين ذراعيه وتوجه بها ألى غرفة النوم , فشعرت بأن الأر والسماء تموجان بها , وعندما توقف لحظة لفتح الباب , وقع نظرها على بركان أتنا المجاور , وما أن مددها على السرير , حتى ظهرت على وجهها أبتسامة خفيفة.. ماكرة , فزوجها البركاني , مثل أتنا , لا يظل نائما طوال الوقت .... ولكنه ينتفض ويثور مرات عديدة , وكما يجرؤ هؤلاء القرويون على العيش فوق سفوحه المهددة بالدمار , ويعرفون متى يفرون طلبا للنجاة ومتى يكونون آمنين قربه, هكذا ستفعل هي في حياتها مع سلفاتوري .
وقبل مي دقائق قليلة على دخولهما ذلك المنزل الصغير , بدأت مشاعرها وأحاسيسها تحذرها وتنذرها ...... بأن الفرار الآن جحيم , والبقاء نعيم.....

تمت

hoob 09-12-10 08:27 PM

اخيرا خلصت نبدأ قراءة بقى

ام الاولاد الثلاثه 09-12-10 09:29 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
حقيقى جمييييلة جدااااا ولكن كنت اتمنى ان تكون احداثها اكثرررر
وشكرآآآآ على مجهودك ودمتى بخير

hoob 10-12-10 12:53 PM

بصراحه حلوة اوى بس خلصت بسرعه وعرفناش ايه حصل بعد كده
بس المهم انها خلصت بسلام

اماريج 10-12-10 04:09 PM

يعطيك العافية على تكملة الرواية يالغلا

ننتظر جديدك ياعسل:flowers2:

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_12919900701.gif



Rehana 12-12-10 01:20 PM

تسلمى اناملك عزيزتي امل
دمتي بكل الوود

http://elsmt.com/photo/data/media/10...loon-1-300.gif

الجبل الاخضر 25-12-10 12:37 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :flowers2:تسلمين وشكرالك على الروايه الروعه :flowers2:وعلى مجهودك :flowers2:وننتظر جديدك:7_5_129:

sara00 05-02-11 02:18 PM

مشكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورة

manshe 03-03-11 11:12 PM

قصة جميلة بس النهايةمش معقولة بالسرعة دى

قماري طيبة 06-03-11 09:12 PM

Thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

ربي اسالك الجنة 08-03-11 08:52 AM

يسلمو على الرواية بصراحة احداثها شيقة وروعة0:liilase:

ندى ندى 08-03-11 08:40 PM

روووووووووووووووووعه

انجلى 06-04-11 07:32 AM

شكراااااااااا الراوية رائععععععععععععععععععععععععععععععععععععععة جدااا:Welcome Pills4::55:

فجر الكون 07-04-11 04:46 PM

رواية رائعة جدا

يعطيكم العافية

نجلاء عبد الوهاب 17-10-11 09:17 PM

:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1:
:Supercool::Supercool::Supercool::Supercool::Supercool:
:ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam:
:1245456688zobj91845:1245456688zobj91845:1245456688zobj91845 :1245456688zobj91845:1245456688zobj91845:1245456688zobj91845 :1245456688zobj91845
:kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::kjhj hjhjk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk::kjhjhjhjk:
:51(1)::51(1)::51(1)::51(1)::51(1)::51(1)::51(1)::51(1)::51( 1)::51(1)::51(1)::51(1)::51(1)::51(1):

fadi azar 04-09-15 06:43 PM

رد: 182 - على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكورة على الرواية الرائعة

راية الاحزان 06-10-15 06:03 PM

رد: 182 - على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكوورة جداا

حنان محمد ابراهيم 25-10-15 10:14 PM

رد: 182 - على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
الرواية غاية فى الرووووووووووووعةشكرا على مجهودك الرائع


الساعة الآن 01:43 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية