منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148587.html)

نيو فراولة 17-09-10 12:09 PM

115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
115- الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة


الملخص


للظروف أحكامها كما يقول المثل ........ وجانيت لم ترض الأستسلام للحكم الصادر بحق والدتها بأنتزاع ممر المنزل الصغير الذي تملكه في أسبانيا , بل هبّت للدفاع عن حقوقها ضد المحامي بروس والبروك الضليع في القانون ... منتديات ليلاس
رفضت التسليم بالأمر الواقع ورفضت الخضوع لسحره عليها ...... خسرت قضية الممر وقضية قلبها خانها في حقها وعواطفها ...... وكذب عليها ..... وضعت حدا فاصلا للأمور وهربت ولكن ألى أين؟

زهورحسين 17-09-10 12:20 PM


بص شوف امل بتعمل ايه!
:liilas::liilas::liilas:

نيو فراولة 17-09-10 01:24 PM

1- رحلة مفاجئة

وأخيرا رحلت آخر رياح آذار ( مارس) وعادت الخضرة لتلوّن أشجار الصفصاف في الساحة الواسعة ذلك الفجر من شهر نيسان ( أبريل).
مزّقت سيارة توزيع الحليب الصمت الصباحي , وأزداد ضجيجها عند المنعطف وكأنها تريد أن توقظ الذين لم تنفع معهم محاولتها الأولى.
وفي غرفة الأستحمام المزدحمة بالمناشف وشراشف السرير والملابس التي تنتظر الغسيل , أنهت جانيت أغتسالها , ثم أرتدت بلوزة خضراء اللون تحت فستان زيتي , وأخيرا أنتعلت حذاء عاديا لامعا.
منتديات ليلاس
ألقت نظرة أخيرة ألى المرآة لوضع بعض الماكياج , ثم أرخت شعرها البني الفاتح على جانبي وجهها مما أبرز جمال عينيها العسليتين وأبتسامتها الساحرة..... لا شك أنها جذابة جدا , لكن لا وقت لديها الآن للتفكير في ذلك .
عليها أن تكسب عيشها وتؤمن نصف أجرة الشقة التي تسكنها أسبوعيا .... المهم أن تذهب ألى العمل لكسب ما يكفي لسداد حاجاتها المعيشية.
ومع أن وظيفتها في وكالة السكرتيرات تدر عليها مبلغا معقولا , وبالرغم من أنها وضعت ميزانية دقيقة لمصاريفها ..... ألا أنها لم تستطع أن توفر الكثير وبالتالي لا تستطيع أن تهمل عملها ولو مؤقتا .
دست فرشاة الشعر في حقيبة يدها بعد أو وضعت اللمسات الأخيرة على تسريحتها ثم توجهت ألى المطبخ , وفي طريقها أصطدمت بفتاة شبه نائمة تتعثر في خطواتها نحو الحمام , وسمعت من بين الركام المناشف وأدوات التجميل والملابس الكثيرة صوتا يقول :
"آسفة أيتها العزيزة , فأنا لم أسمع جرس المنبه".
أبتسمت جانيت لشريكتها في الشقة وقالت:
" لا بأس سأغلي الماء تمهيدا لشرب القهوة".
كانت نونا ذات الشعر الأسود والعينين الزرقاوين في الثانية والعشرين من العمر , تماما مثل جانيت , وقد عرفت الأثنتان بعضهما البعض منذ الطفولة , وعندما تركتا المدرسة جاءتا ألى لندن معا , في البدء سكنتا مع ثلاث صديقات أخريات في شقة كبيرة في منطقة كلابهما الشعبية , ولكن عندما قصرت الفتيات الأخريات عن دفع حصصهن من أجرة الشقة , قررتا الأنتقال والسكن على أنفراد .
أنتقلت جانيت ونونا ألى هذه الشقة في فولهام وهي منطقة شعبية أيضا , وسرعان ما وجدتا أنهما على خير ما يرام أذ أن كلا منهما تقوم بنصيبها من العمل والترتيب المنزلي.
لم تكن الشقة فاخرة , بل هي أقل من عادية , وميزتها الوحيدة أن لها بابها الخاص وقريبة جدا من المواصلات العامة , وهي تتألف من صالة واسعة تطل على الخارج بواسطة سلم حجري صغير , ومن غرفتين تستعملان كغرفتي نوم بالأضافة طبعا ألى الحمام في أحدى الزوايا , والمطبخ وغرفة الطعام الصغيرة في زواية أخرى.
وأنبعث من الحمام صوت نونا يصدح بأغنية ناعمة كدليل على أن صاحبته قد أستيقظت تماما , فأخذت جانيت تتساءل بأرتياح وطيبة عن أسباب فرح صديقتها هذه الأيام , دون أن تتوقف عن تجهيز فناجين القهوة , أذ لم تفتها النظرات الحالمة في عيني نونا منذ أسابيع قليلة , وهي تعرف أيضا أن صديقتها تخرج مع مدير شاب في المخزن الذي تعمل به.
ومع أن جانيت كانت تحسد نونا على حياتها هذه , ألا أنها لم تكن منزعجة , لأن حياتها هي خالية من أية أرتباطات عاطفية , لقد خرجت مع أصدقاء كثيرين , وذهبت ألى العديد من الحفلات ولكنها لم تلتق بعد بالرجل الذي يهز مشاعرها من الأعماق ...... وعلى كل حال , فهي ليست مستعجلة أبدا.
صحيح أنها تعمل بجد وتعب من أجل العيش في لندن , لكنها ليست مجبرة بل أختارت الأمر عن قناعة تامة , أختاها المتزوجتان تعيشان على الشاطىء الأنكليزي الجميل في سافون , وأخوها الثالث المتزوج أيضا يعيش في كامبردج .... ولأن أمها الأرملة تعيش في الخارج , فأن أيا من أخوتها كان سيرحب بها لو أنها أرادت العيش معهم , ولكنها تحب الأستقبال وتريد أن تهتم بنفسها وحدها.... وفي جميع الأحوال , لندن مليئة بفرص العمل.
هيأت فناجين القهوة ووعاء السكر , وبأنتظار غلي الماء , عبرت القاعة بأتجاه الباب الخارجي لأحضار البريد اليومي.
كانت هناك الفواتير المعتادة , فاتورة الهاتف كل ثلاثة أشهر , ومذكرة تشير ألى أن موعد دفع فاتورة الغاز قد حان , وأيضا فاتورة موزع الحليب.
ووسط هذه الرسائل المزعجة , أحست جانيت بفرح طاغ , عندما لمحت رسالة تحمل طابعا أسبانيا والعنوان مكتوب بخط يد والدتها , وكانت هناك أيضا رسالة ألى نونا من أخيها الذي يعمل في سلاح الطيران في كندا.
منتديات ليلاس
حملت جانيت الرسائل بيدها اليسرى , طبعا رسالة أمها فوق الكل , وفتحت الباب لأحضار قنينة الحليب , لم تر جانيت البيوت السوداء المتراصة على طول الشارع , كما لم تحس بلسعة البرد التي لفحت خديها ....... فعقلها كان سارحا مع خيالات تركزت حول سماء زرقاء صافية وبيت أبيض ريفي في مدينة أيبييزا الغافية تحت الشمس الأسبانية.
فأمها التي تحب الشمس , والتي لم يتبق لها شيء في أنكلترا , قررت أن تجعل من الجزيرة مسكنها الدائم , وقد شجعها كل أفراد العائلة على قرارها ,وعندما وجدت الأم البيت الذي يناسب الأرث الذي تركه زوجها قبل وفاته , ذهبت نونا وجانيت الصيف الماضي وساعدتاها على ترتيبه والأستقرار فيه.
وبأستثناء فيللا مجاورة مغلقة بأحكام معظم الوقت , فأن البيت الذي أشترته الأم كان وحيدا في الريف الشاسع , وأستطاعت الأم أن تتدبر شؤونها معتمدة على مدخول صغير مناسب , وكانت سعيدة للغاية في وطنها الجديد , وجانيت سعيدة أيضا لأنها تستطيع أن تتصل هاتفيا بأمها وتطمئن على أحوالها , وظلّت ذكرى ذلك الصيف حية في ذهن جانيت , بحيث ظلت تشعر بالرغبة الدائمة لسماع أخبار الجزيرة في رسائل أمها.

نيو فراولة 17-09-10 01:48 PM

عادت ألى المطبخ لتجد اماء يغلي , صبت لنفسها فنجانا من القهوة وتناولت أربع شرائح من الخبز , لحظات ودخلت نونا المطبخ لتصب فنجانا من الشاي وتقطع بعض شرائح الخبز , وعندما أستقرت في كرسيها , تناولت رسالة أخيها وبدأت في قراءتها وهي تمضغ طعامها , أبتسمت لها جانيت بحنان ومحبة , فالرجل الشاب , الذي تحتل صورته مكانا بارزا في الصالة , هو كل عائلة نونا , وهي تعرف أن علاقتهما عميقة للغاية.
أما هي فلم تفض رسالة والدتها على طاولة الطعام, فقد فضلت أن تقرأها في وقت لاحق وتتمتع بمحتوياتها , وعندما أنتهت من فطورها أكتشفت أن أمامها عشر دقائق كاملة قبل التوجه ألى العمل , ولذلك قررت أن تتصفح الرسالة بسرعة.
كانت نونا قد أنهت قراءة رسالة أخيها بنهم , وأخذت تطويها مجددا وهي تقول بفرح :
" أخبار حسنة , بيتر يقول أنه ربما يعود ألى أنكلترا في أيار ( مايو) ".
منتديات ليلاس
" ممتاز".
قالت جانيت هذه الكلمة بدون وعي, وعيناها مسمرتان على الكلمات التي خطتها أمها في الرسالة .
أتسعت أبتسامتها عندما بدأت القراءة , ثم أستقرت بعد أن غابت وسط الكلمات , لكن هذه الأبتسامة أختفت عندما قلبت جانيت الصفحة الثانية , وفي النهاية , كانت شفتاها مزمومتين بغضب واضح , أنفجرت الكلمات من شفتيها وغرقت عيناها العسليتان في ثورة عارمة:
" يا لهم من أناس".
" ماذا حدث؟".
سألتها نونا وهي تحتسي بعض الشاي , قالت جانيت بهدوء حذر:
" لقد بيعت الفيللا المجاورة لمنزل والدتي ,والناس الذين أشتروها هم من النوع الأجتماعي الغني , ويبدو أنهم يقيمون الحفلات لمعظم سكان الجزيرة".
ردت نونا بأشفاق:
" مسكينة السيدة كيندال , لا شك أن الضجيج بات كثيرا هناك ".
ألقت جانيت أبتسامة حزينة على ارسالة وقالت:
" المشكلة ليست هنا , فأمي تحب هذه المغامرات".
ربتت على المغلف بحنان وتابعت تقول :
" أن أسوأ ما في الرسالة يتعلّق بخطة سكة الحديد المهجوز الذي يمر أمام المنزل".
أتسعت عينا نونا الزرقاوان وهي تتساءل بدهشة :
" الخط العتيق ؟ أتقصدين الجزء الذي يمر أمام البيت تماما؟".
هزت جانيت رأسها موافقة وأجابت:
" أمام البيت وأمام الفيللا أيضا , ويظهر أن هذا الخط قد شهد كثافة سير أخيرا بحيث طالب أصحاب الفيللا بجعله ملكا لهم".
أنتصبت نونا واقفة وهي تقول:
" ماذا؟ أنهم لا يستطيعون ذلك ؟ أقصد أن المدخل الوحيد لبيت أمك يمر من هناك".
" هذا صحيح , والحقيقة أن أصحاب البيت القدامى قالوا لأمي عند أبرام عقد البيع , أن ذلك الجزء سيكون لها مقابل بضع مئات من الليرات بمجرد الأنتهاء من الأجراءات القانونية".
ردت نونا بلهجة حادة:
" ألم يكن هذا منذ زمن بعيد؟".
" منذ سنتين , ولكن الأمور تسير ببطء روتيني في تلك البلاد , أبتلعت جانيت ريقها وتابعت تقول :
"بأستثناء عربة زراعية يجرها حصان كانت تستعمل الطريق بين فترة وأخرى , فأن أحدا لم يمر من هناك , وعلى هذا الأساس كانت أمي تعتبر أن الممر ملكا لها عمليا".
سألت نونا وعلى وجهها علامات الأهتمام والقلق:
"هل تعتقدين بأن أصحاب الفيللا الجدد يمكن أن يتقدموا لشراء الممر متجاوزين حق والدتك ؟".
ردت جانيت وهي تتنهد:
" أذا كان المال سيقرر المسألة , فهم يستطيعون بالتأكيد , وبما أن لمنزلهم مدخلا على الممر , فأن شيئا لا يمكن أن يقف في طريقهم ".
منتديات ليلاس
قالت نونا معترضة :
" لكن لو أن أمك كانت هناك أولا , لطالبت بالممر كله ,أليس كذلك؟".
" أعتقد ذلك".
أجابت جانيت بتعب والمرارة تلتمع في عينيها , وفجأة أصطدم نظرها بالساعة فأنتفضت وهي تقول :
" يا ألهي , أنظري ألى الساعة سوف أتأخر عن الباص".
تناولت معطفها وحقيبة يدها , ودست رسالة أمها في جيبها وهي تركض بأتجاه الباب وسط صرخات نونا الفرحة التي ما زال عندها متسع من الوقت قبل الذهاب الى العمل :
" أركضي أيتها افتاة , أركضي وسوف تلحقين الباص".
عندما وصلت جانيت ألى الباص المزدحم كانت أنفاسها متقطعة , وهكذا بدأ يوم عمل جديد في حياتها , وطوال النهار كانت محتويات رسالة أمها تلح عليها.

نيو فراولة 17-09-10 04:42 PM

عند الظهر تناولت غداءها في مطعم منزو بالرغم من عدم شهيتها للأكل , الشيء الذي ضايقها كثيرا هو الظلم الذي لحق بوالدتها , ظلت تقلب المسألة وسط المطر الغزير والأزدحام البشري المعتاد .
أعتادت أن تصل ألى الشقة قبل نونا.
وما أن سمعت خطوات صديقتها على الدرج , حتى كانت صينية القهوة جاهزة وأى جانبها طبق البسكويت في الصالة الدافئة المريحة .
دخلت نونا لاهثة حاملة معها المطر والريح.
" أوه , أنها تمطر بغرازة , وقد نسيت أن آخذ معطفي الواقي من المطر عند الصباح ".
ردت جانيت من مقعدها :
" أنزعي عنك الملابس المبتلة وتعالي نتناول بعض القهوة , لقد وضعت البطاطا على النار حتى تنضج".
منتديات ليلاس
" حسنا جدا , وأنا أحضرت معي اللحم وعلبة البازيللاء".
تابعت نونا طريقا ألى غرفتها حيث تخلصت من الملابس المبللة وأرتدت كنزة صوفية دافئة.
أبتسمت جانيت للصديقتها , لكن عينيها كانتا مليئتين بالحزن والتعب.
أحست نونا بالمشاعر التي تتضارب في رأس جانيت , لكنها أنتظرت حتى أستقرتا قرب المدفأة وصبتا فنجانين من القهوة , ثم قالت :
" هيا , أخبريني بكل ما في نفسك , أنا متأكدة أن أشياء كثيرة تعتمل في فكرك".
وضعت جانين الفنجان من يدها وقالت:
" هل الأمر واضح ألى هذا الحد؟".
أخذت نفسا عميقا وكأنها تفكر من أين تبدأ ثم قالت وهي تنظر مباشرة ألى عيني صديقتها :
" أنا ذاهبة ألى أبيبيزا ".
لم تبد على وجه نونا أي تعابير ,بل هزت رأسها بهدوء وقالت:
" وذلك بسبب الرسالة التي وصلتك هذا الصباح ؟".
أسترجعت جانيت محتويات الرسالة وهي تقول:
" لا يمكنك ذلك , لو كنت مكانك لفعلت الشيء نفسه".
نظرت جانيت ألى صديقتها , ثم أطلقت تنهيدة أرتياح عميقة:
" كنت أعرف أنك ستقدرين الوضع يا نونا , أنني مرتاحة لأنك وافقت على فكرتي".
ثم سحبت من الطاولة ورقة عليها بعض الأرقام وقالت:
" لقد سجلت كل ما يجب معرفته عن حصتي من الفواتير وغيرها...... لكن المشكلة أنني لن أعود قبل أن أتأكد من أن أمي ستحصل على كافة حقوها , وهذا يخلق مشكلة الأستمرار في دفع أيجار الشقة !".
ردت نونا بسرعة :
" غيابك لن يؤثر , فأنجيلا ستكون هنا في نهاية الأسبوع المقبل".
أنتعشت جانيت وقالت:
" هل أقترب موعد حضورها ألى هذا الحد؟".
أنجيلا , صديقتهما المشتركة , آتية ألى لندن لقضاء الصيف في بعض الأعمال المتعلقة بعملها , وقد حاولت كثيرا أيجاد مكان للسكن يكون قريبا من عملها بدون جدوى , لذلك وافقت جانيت ونونا في النهاية أن تسكن معهما .
قالت نونا بمرح :
" لست أدري كيف كنا سنستقبل أنجيلا ونحن لا نملك سريرا ثالثا ؟ في كل حال , ستستعمل الآن غرفة نومك ...... بالأضافة ألى أنها كانت تصر على المشاركة في دفع الأجرة".
" هذا صحيح".
هزت جانيت رأسها موافقة , وقد أخذت ترتاح قليلا بعد أن أخذت المشاكل المحلية تزول الواحدة بعد الأخرى , ثم تابعت مراجعتها للأرقام المسجلة على الورقة , قالت نونا وهي تراقبها في عملها:
"هناك شيء واحد فقط , كيف ستتدبرين أمرك مع المال ؟ أن ثمن التذكر ألى أبيبزا مكلف أليس كذلك؟".
ورفعت جانيت نظرها ألى نونا وعلى وجهها تعبير الأعتذار والأسف :
" هذا هو أسوأ ما في الخطة كلها , الحقيقة أنني سأستعمل كل مدخراتي لفصل الصيف , وما لم تحدث معجزة بعد عودتي , فسأكون عاجزة عن تدبير المال لرحلتنا المشتركة ألى اليونان".
منتديات ليلاس
ربتت نونا على كتفها بحنان وقالت مؤكدة :
" لا تهتمي لذلك الأمر , أنا أعرف الكثيرات من الصديقات في العمل وهنّ على أستعداد للحلول مكانك ...وفي أي حال ....".
وفجأة جاءت النظرة الحالمة ألى عينيها وهي تقول:
" لست متأكدة أذا كنت سأذهب شخصيا أيضا".
حلّ صمت ثقيل , بينما كانت كل منهما تتابع خيط أفكارها , ثم سألت نونا فجأة :
" هل أخبرت أمك أنك ذاهبة؟".
" كلا".
نهضت جانيت وبدأت تجمع فناجين القهوة على الصينية :
" سأتصل بها بعد الساعة السابعة , فالمخابرات آنذاك تكون أرخص".
بعد أن أنتهت من غسل الأطباق وترتيب المائدة والمطبخ , توجهت جانيت ألى الصالة للأتصال بوالدتها , طلبت الرقم الذي حفظته عن ظهر قلب ,وقبل أن تستطيع قراءة درجة الحرارة في البارومتر المعلّق قبالتها , أنفتح الخط وجاءها صوت والدتها المعهود.

نيو فراولة 17-09-10 05:15 PM

أمتلأ صوت السيدة كندال بالفرح والسرور :
" أنها مفاجأة حلوة , هل أستلمت رسالتي؟".
" أجل , وأعتقد أن أصحاب الفيللا يرتكبون خطأ بالغا في محاولتهم أنتزاع العمر منك ".
ودون أن تتيح لأمها فرصة الرد تابعت تقول :
" لهذا السبب أتصلت بك , أنا ذاهبة أليك قريبا".
تلعثمت السيدة كيندال وهي تقول :
"لكن يا عزيزتي , هل من الضروري ذلك ,أعني......... ماذا يمكن أن نفعل؟".
منتديات ليلاس
" سوف نتحدث عن ذلك عندما أصل أبيبيزا ".
ردت عليها جانيت بهذه العبارة أولا لتوفير الوقت والمال على الهاتف , وثانيا لأنها بالفعل لم تكن تدري ماذا ستفعل هناك , الشيء الوحيد الذي تعرفه أن كل أفراد العائلة لهم أرتباطات في أنكلترا , وحيث أن أمها ليس لها أحد للأعتماد عليه , فمن واجبها هي الأبنة المستقلة أن تذهب ألى هناك وتقف في مواجهة الذين يريدون أستغلال أرملة وحيدة لا عائل لها , قالت لأمها بنعومة :
" لا تهتمي بسفري , سآخذ سيارة تاكسي عندما أصل ألى المطار , هناك مقعدجاهز على طائرة الغد ,وسأكون في أيبيزا بعد الظهر أو قبيل المساء".
" كما تريدين يا حبيبتي ".
ردت السيدة كيندال بأذعان , أستطاعت بين كلمات الوداع السريعة أن تقول لأبنتها :
" أن رؤيتك ستبعث في نفسي السعادة ".
أستقلت جانيت سيارة المطار بعد ظهر اليوم التالي وشعور الأرتياح يملأ نفسها , فلقد حزمت حقيبتها مساء أمس , ثم أمضت صباح اليوم في المكتب للحصول على أذن أجازة , وبعد ذلك ذهبت ألى المصرف لسحب بعض المال من أجل تسوية أوضاعها مع نونا...... وقد فعلت ذلك ووضعت المبلغ المطلوب في مغلف تحت المنبه في المطبخ , وعندما أنتهت من هذه الترتيبات توجهت ألى وسط المدينة بالقطار لشراء تذكرة السفر في أحدى الوكالات السياحية .وبما أن موسم السياحة لم يكن قد بدأ بعد , فقد كانت هناك رحلتان في الأسبوع فقط ألى أيبيزا ...... ولحسن حظها صادفت أحدى الرحلتين هذا اليوم في الثالثة بعد الظهر .
أمتلأت السيارة بسرعة , فأخذت جانيت مكانها بين أناس يبدو هليهم الثراء ذاهبين بحثا عن أشعة الشمس في أسبانيا , أحست بنوع من المتعة كونها ذاهبة لرؤية والدتها , ولكن كانت الأمور ستختلف لو أنها ذاهبة في ظروف غير سيئة كما هي الحال الآن .
وعندما وصلت السيارة ألى المطار حيث زئير محركات الطائرات يصم الآذان ويملأ الجو هواء ساخنا قويا , جاهدت جانيت بحقيبتها للوصول ألى مكتب شركة الطيران...... لكن فكرها كان في الجزيرة , والأحداث المتوقعة فيها .
أنها تعرف تماما نوعية الناس الأغنياء مثل أصحاب الفيللا , فلمجرد كونهم من الأثرياء , فهم يعتقدون أن بأستطاعتهم تحقيق كل ما يريدون حتى على حساب الآخرين , حسنا , سوف يكتشف هؤلاء أن الأمر مختلف تماما معها هي , فليس لأحد أن يتجاوز حقوق والدتها وحقوقها أيضا.
وفي الصف الطويل من البشر المنتظرين أمام مكتب شركة الطيران , تجولت عيناها في أرجاء القاعة لتحطا على مجموعة من الحقائب الفاخرة هي ملك لرجل واحد يقف خارج طابور الأنتظار , رمقت جانب الرجل بنظرة حادة وثابتة مقررة أن لا تزيحها ألا عندما تريد هي . ورد الرجل بنظرة باردة ألى أن جاء أحد موظفي المطار ومعه حمان , راقبت جانيت بسخرية واضحة الحمالين وهما يأخذان الحقائب في حين رافق الموظف الرجل بأدب وخشوع.
جاء دورها لوضع الحقيبتين على الميزان , وكم كانت راحتها كبيرة عندما رأت أن ما جزمته جاء ضمن الوزن المسموح به مجانا , تركت الموظف المسؤول ليلصق البطاقات على الحقيبتين وتوجهت ألى قاعة الأنتظار أستعدادا للسفر.
منتديات ليلاس
قلة من الناس توجهوا ألى قاعة المغادرة عندما أعلن المذيع عن الرحلة وموعد أقلاعها , ولأنها كانت مستغرقة في قراءة أحدى المجلات , فقد وجدت نفسها في آخر الطابور السائر ألى السيارة التي ستقلهم ألى الطائرة , وهكذا أنحشرت حشرا في المؤخرة , وأحست بالأبواب تغلق على بعد سنتيمترات قليلة من وجهها.
هذا الموقف غير المريح تحول ألى موقف مناسب تماما عندما توقفت السيارة تحت جناح الطائرة التي كانت محركاتها تزأر بصوت يصم الآذان , فالذي ركب السيارة في الآخر كان الأول للنزول منها , ولم تضع جانت وقتها , بل ردت عل أبتسامة المضيفة الواقفة على سلم الطائرة بأبتسامة مماثلة , وأسرعت تهرب من الرياح العاصفة في الخارج.
ألتقت في داخل الطائرة المزيد من المضيفين والمضيفين , هذه هي المرة الثانية التي تطير فيها , وبما أن الطائرة كلها ( ملكها) الآن , فلماذا لا تختار مقعدا في الصفوف الأمامية ,لاحظت أن هناك ستارة بنية اللون تفصل القسم الأمامي من بقية جسم الطائرة , كما لاحظت أن المقاعد في ذلك القسم أكثر فخامة وراحة من باقي المقاعد , هذا أفضل بكثير...... ثم أختارت مقعدا منها ورمت نفسها فيه بأرتياح.

نيو فراولة 17-09-10 05:52 PM

المضيفة التي تعمل في هذا القسم كانت على سلم الطائرة لأستقبال المسافرين , وقد أعطت أهتمامها لأمرأة مقعدة أنزلتها سيارة سوداء فخمة وأتجهت ألى مقعدها المتحرك ألى السلم , ومن خلال النافذة المطلة على المدرج راقبت جانيت المضيفة وهي تقدم يد المساعدة لتلك المرأة , وشاهدت جانيت سيارة سوداء فخمة أخرى تتهادى ببطء لتقف عند سلم الطاءرة , ثم ترجل منها أحد الأشخاص ليفتح الباب الخلفي ...........لمن؟ من غير الرجل الأنيق صاحب الحقائب الباهظة والذي رأته في قاعة المطار قبل قليل , ألقت نظرة متفحصة ألى بدلته الأنيقة ذات الحياكة الخاصة قبل أن تعاود قراءة المجلة ,كان المقال يتحدث عن أمرأة ذهبت ألى أدغال البرازيل لدراسة عادات نوع من السمك القاتل الذي يعيش هناك , وكانت المرأة الباحثة تروي ما حدث بعد أصطدام قاربها المطاطي بصخرة في أحد الأنهار.........عندما سمعت صوتا عميقا آليا يخاطبها قائلا:
"أعتقد أنك تجلسين في مقعدي!".
منتديات ليلاس
رفعت رأسها لتفاجأ بالرجل الذي ترجل من السيارة السوداء قبل لحظات وهو يقف ألى جانبها.
مقعده! نظرت أليه بحدة , فحسب علمها , كل الركاب الذين أتوا بعدها قانعون بالمقاعد التي حصلوا عليها.
أجابته ببرودة واضحة :
" هناك العديد من المقاعد الأخرى , ولست أرى سببا يدعوني ألى ترك هذا المقعد وقد كنت الأولى التي صعدت ألى الطائرة!".
كانت عينا الرجل زرقاوين وباردتين , أنتصب ألى جانبها ثم أستدار ليأخذ مقعدا بالقرب من جناح الطائرة , وبدون أن ينظر أليها مجددا , وضع قدما فوق الأخرى ثم فتح حقيبة يده الجلدية وأخذ يبعثر بعض الأوراق.
عادت جانيت مسرورة ألى مجلتها , لا شك أن جوابها وضعه في مكانه الطبيعي , أنها تريد الأستغراق مجددا في مغامرات الأدغال البرازيلية , لكن مشاعرها المتضاربة كانت تخفق في صدرها مثل عشرات الفراشات الأسيرة , ولذلك وجدت نفسها تحملق في الكلمات بدون أن تراها.
جذب أنتباهها الباب الأمامي حيث كانت المرأة المقعدة تسير بمساعدة المضيفة , وكان مع المرأة رجل عجوز أشيب الشعر , بعدهما دخل رجل وأمرأة يبدو عليهما اثراء الشديد , ثم أسرعت المضيفة التي كانت تهتم بالمرأة المقعدة ألى داخل الطائرة مجددا .
وعلى الفور حدقت المضيفة بجانيت , ثم نقلت نظرها ألى الرجل الأنيق بالمقعد المجاور , سارت ببطء نحو جانيت ثم طلبت منها بأبتسامة هامسة أن تريها بطاقة السفر الخاصة بها.
أبتسمت المضيفة مجددا بعد أن رأت البطاقة وقالت:
" طبعا يا آنسة كيندال , هناك مقعد محجوز لك في الخلف".
رفعت المضيفة الستارة البنية وأشارت ألى الخلف , فأدركت على الفور أن القسم الأمامي ليس لها , أسرعت بلملمة حوائجها وتراجعت ألى الوراء وقد علت الحمرة خديها .
عادت المضيفة نحو الرجل الأنيق تعتذر , وتطلب منه الأنتقال ألى مقعده في الدرجة الأولى :
" أنا متأسفة جدا يا سيدي , لست أدري كيف حدث ذلك , لقد كنت مشغولة جدا بركاب الدرجة الأولى الآخرين....".
" لا بأس , أنتهى الأمر على كل حال".
منتديات ليلاس
نه الرجل من مقعده وسار بأتجاه المقعد الذي كانت تحتله جانيت , دون أن يرفع عينيه الزرقاوين الجامدتين عن الأوراق التي بين يديه , في حين كانت جانيت ترخي الستارة خلفها وقد شعرت بالخجل حتى تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها .
كانت الطائرة قد أمتلأت ما عدا بعض المقاعد المتباعدة.
" هذا مقعدك, ما زال بأمكانك الجلوس قرب النافذة".
ساعدتها المضيفة التي لحقت بها بعد الأهتمام بالرجل على الجلوس وربط حزام الأمام ثم قالت:
" سنحضر القهوة والشاي والمرطبات بعد الأقلاع بقليل , فهل تريدين شيئا؟".
وبسبب خبرة المضيفة وكياستها , عادت جانيت ألى هدوئها المعهود , ولكنها ظلت تحس , حتى بعد أقلاع الطائرة ودخولها الغيوم البيضاء المتناثرة , بوجود ذلك الرجل قويا ومؤثرا وكأن لا ستارة تفصل بين قسمي الطائرة.
جاهدت جانيت لتنقل تفكيرها من الرجل ألى متعة الطيران والسفر , ففي كل حال , يجب أن يفهم أنها غير مهتمة على الأطلاق بمقعده الوثير .....المريح.

نيو فراولة 17-09-10 11:54 PM

2- الوصول ألى أرض المشاكل!

أختفت الغيوم البيضاء المتناثرة , وأستطاعت جانيت أن تلمح محيطا شاسعا يترامى تحت الطائرة , كانت من الشجاعة , بحيث ركّزت نظرها على بعض الأمواج المتلاطمة , لكن ما أن عكست الشمس ظل الطائرة على ابحر حتى أضطرت لسحب نظرها مرة أخرى ألى الطائرة.
جاء الشاي والقهوة والمرطبات في منتصف الرحلة تقريبا , وعندما عاودت جانيت النظر من النافذة كانت الطائرة قد وصلت ألى جبال البيريف , حدّقت بذهول في الثلوج المترامية التي غطت رؤوس الجبال , بعد ذلك بدأت تشاهد مجموعة من لقصور والقلاع المتباعدة وسط البساتين التي لا حدود لها , لكن هذا المنظر غاب عن عينيها عندما دخلت الطائرة في غيوم رمادية كثيفة .
عند الساعة الخامسة تقريبا أعلن الطيّار أن الطائرة تقترب من أبييزا وأن الهبوط سيكون بعد عشر دقائق , أحكمت جانيت حزام الأمان , وألقت برأسها ألى الخلف بنوع من القلق عندما غيّرت الطائرة أتجاهها وغاصت في قلب الغيوم الكثيفة.
منتديات ليلاس
ومن خلال فتحات متباعدة بين الغيوم أستطاعت جانيت أن تشاهد الجزيرة تماما كما تتذكرها من الرحلة الماضية ..... وقد أخذت معالمها تزداد وضوحا كلّما أقتربت الطائرة من المطار , وادارت الطائرة , بأنتظار أذن الهبوط في حين كانت جانيت تحاول عبثا العثور على بيت أمها وسط الحقول والبساتين المترامية , وقبل أن تعيد نظرها ألى الداخل , كانت الطائرة قد حطت عجلاتها على مقدمة المدرج .
للحظات , لم تسمع غير صوت المحرك وأزيز العجلات , وتدريجيا خفّت سرعة الطائرة ثم ظهرت مباني المطار بوضوح.
وبمجرد وقوف العجلات وصمت المحرك , دبّت الحياة مجددا داخل الطائرة , عاود الناس أحاديثهم التي قطعوها أثناء الهبوط وهم يجهزون حقائبهم اليدوية , وأغراضهم الخاصة تمهيدا للنزول , في حين جابت المضيفة الطائرة لتقديم المساعدة للذين يحتاجون أليها .
أدارت جانيت ظهرها للستائر البنية الفاصلة بين قسمي الطائرة وأندمجت مع الجمع المتحرك , في الخارج كانت الباصات تنتظرهم لتعبر بهم المسافة القصيرة نحو مبنى المطار , بعد لحظات قليلة كانت جانيت في قاعة وصول المسافرين , للوهلة الأولى أحست بجو الوحدة والحزن الذي يميّز الأماكن التي تكثر فيها عمليات الوداع واللقاء , فقد كان الركاب يلوحون بأيديهم بأتجاهات مختلفة , في حين جاب الحمالون المكان وهو يدفعون عرباتهم أمامهم لنقل حقائب المسافرين ألى موقف سيارات الأجرة وأخيرا وصلت حقيبتاها و وقد فضلت جانيت أن تحملهما بنفسها لتوفر بعض النقود , في الخارج كانت سيارات التاكسي موجودة , لكن السائقين لم يكونوا مستعجلين لنقل الركاب .
منتديات ليلاس
وكما كانت جانيت تتوقع , فقد أصيب السائق الذي أقترب منها بخيبة أمل عندما علم أن بيت أمها يقع في الريف البعيد , ذلك أن السائقين لا يحبون الذهاب في رحلات بعيدة بل يفضلون الفنادق القريبة ثم يعودون ألى أحاديثهم التي لا تنتهي أمام المطار , فهم غير مهتمين بالمال , المهم عندهم أن يظلوا في الظل يتسامرون ويتضاحكون .
ظلت جانيت حازمة مع هذا السائق وطلبت منه أن ينقل الحقيبتين ألى السيارة , وعندما خرجا من محيط المطار وأخذا الطريق المؤدي ألى الريف , قبل السائق مصيره برضى وعادت السعادة ألى وجهه...... ثم أطلق صوته على مداه بأغنية أسبنية شعبية , وفي مثل هذا الجو , أستغلت جانيت الفرصة لتأمل الطبيعة الساحرة التي كانت تظهر بوضوح , رغم أن الظلام كان قد بدأ يحل على الجزيرة , ومع ذلك , كانت السماء صافية وفي كبدها ألتمع القمر البدر بأشعته الفضية , وقد أعطى هذا الضوء غير الطبيعي البساتين لونا أخضر غامقا , بحيث بدت البيوت البيضاء المتناثرة وكأنها قناديل في بحر من الخضرة الساكنة.

نيو فراولة 18-09-10 04:37 PM

عبرت بهما السيارة في وسط مدينة أيبيزا بشوارعها الضيقة وأبنيتها البيضاء القديمة التي تتذكرها جانيت من زيارتها الماضية , ومن هناك أخذا الطريق الرئيسية الممتدة بين البساتين ثم أنعطفا على الطريق الساحلي الذي يمر بالقرب من شواطىء سانتا أولاليا المشهورة ..... بحيث أصبحت المناظر الآن بحرا متراميا يسبح بهدوء تحت أشعة القمر الفضية.
وعندما أنعطفت السيارة مجددا بأتجاه الريف الساحلي , أستعدت جانيت لأرشاد السائق على الطرقات , فمع أن سان غبرييل , القرية التي تسكنها أمها , معروفة تماما لدى سكان الجزيرة , ألا أنهم بحاجة لمن يرشدهم على الدروب المتعرجة التي تؤدي ألى البيت , وجانيت أدرى من الجميع بهذه الدروب.
لاحت القرية الوادعة لجانيت التي أخذت تدل السائق على الطرقات الواجب عليه السير فيها , وعلى طول الطريق أخذت تفتش عن شجرة الحور الكبيرة القائمة على مدخل الممر المؤدي ألى بيت أمها , وكما تتذكر , فأن الشجرة تقع على مسافة عشر دقائق من وسط القرية..... وبالفعل وصلا أليها بعد قليل.
قطب السائق المسكين حاجبيه عندما طلبت منه جانيت الأنعطاف يمينا في طريق غير معبد , لكنه فعل بدون تردد وقاد سيارته ببطء شديد.
وبينما كانت السيارة تتابع رحلتها المزعجة , أمعنت جانيت النظر في التلال والسهول كي تشاهد الفيللا التي سرعان ما ظهرت بجدرانها الوردية العالية , فخلال الصيف الذي أمضته هنا قبل سنتين , لاحظت جانيت أن الفيللا ظلّت مغلقة ومهجورة معظم الوقت ولذلك لم تعرها أي أهتمام , أما الآن فقد عبرت من أمامها وفي نفسها غضب عارم , فالفيللا مضاءة ومسكونة بأناس يحاولون سلب أمها حقوقها المشروعة.
منتديات ليلاس

وكأنما أرادت أن تؤكد حق أمها في الممر , فقد أمرت جانيت السائق بالدخول في الممر المهجور أمام الفيللا , تردّد السائق أمام الطريق المعبد بحصى صغيرة , لكنه واصل السير على مضض أمام ألحاح جانيت ........ ووصل أخيرا ألى البيت الأبيض الصغير الذي أضاءت مدخله أنوار خافتة.
وقبل أن تتوقف السيارة أمام الباب , سمعت جانيت نباح دال , الكلب الذي تملكه أمها , وسرعان ما فتحت أمها الباب وهرعت نحوها لأحتضانها بشوق واضح , وأضطرت جانيت لأنتزاع نفسها من بين ذراعي أمها كي تدفع الأجرة للسائق الذي كان يراقب المنظر بأهتمام وعطف , أعطته الأجرة المطلوبة وأضافت أكرامية خاصة قبلها مبتسما , ثم ودّع السيدتين بلغته األأسبانية وركب سيارته عائدا من حيث أتى.
حملت جانيت حقيبتها وتبعت والدتها ألى داخل المنزل , خطت فورا ألى غرفة جميلة مضاءة ثم عبرت الممر بأتجاه غرفة النوم الثانية , في حين كان دال يقفز بين قدميها مرحا , فتحت لها أمها الباب , وأنتظرتها حتى دخلت ثم قالت بمحبة وحنان:
" سوف أعد لك عشاءك , فلا بد أنك جائعة تماما!".
أمسكتها جانيت قبل أن تذهب وطبعت على خدها قبلة عميقة حارة , فأحست بنعومة بشرتها ورائحة عطر الورد التي أعتادت عليها مذ كانت طفلة ........ ثم تركتها ودخلت لترتب أغراضها .
غرفة النوم صغيرة ومرتبة ترتيبا جيدا , كما أنها مصممة لأعطاء أكبر قدر من الأنتعاش والبرودة , فالأرض مغطاة بسجاد خفيف مصنوع من خيوط قطنية سوداء وبيضاء , في حين كان السرير المزدوج غطاء عريض ينتهي بشراريب خضراء اللون , أما الجدران فقد كانت مطلية باللون الأزرق السماوي و بينما غطت الستائر الخضراء المزينة بزهور بيضاء كبيرة , الجدار الذي يضم النافذتين الوحيدتين في الغرفة.

نيو فراولة 18-09-10 05:05 PM

أنها تتذكر تفاصيل الغرفة منذ أن أستعملتها هي ونونا في الزيارة السابقة أما الآن فهي وحدها , ولذلك لا بأس من أستعمال كافة الخزائن والأدراج المصنوعة من الخشب الطبيعي ,ليست لديها أية فكرة عن الوقت الذي ستقضيه هنا , ومهما كان الأمر فلا بد أن تعد نفسها لكافة الأحتمالات , سرعان ما أنهت عملية الترتيب لأنها لم تحضر معها ألا بعض الثياب الصيفية الخفيفة , بعد ذلك توجهت ألى الحمام لتغسل وجهها طلبا للأنتعاش , ثم عادت ألى غرفة الجلوس , ومع أن هذه الغرفة مصممة على الطراز الأسباني الذي يبدو جليا في المدفأة الممتدة حتى السقف ألا أن الطابع الأنكليزي , وبالتحديد طابع أمها كان يبدو في صور العائلة المتناثرة على الجدران وفي الأرائك الكبيرة ذات الحياكة اليدوية...... وأيضا في السلة الخاصة بالكلب دال.
وأحست جانيت بأنها في بيتها فعلا وهي تتجول في الغرفة تتأمل الأباجورات المضيئة والعديد من التحف الصغيرة التي عرفتها منذ الطفولة ...... وقالت لنفسها بهدوء وحرارة:
" هذا هو بيتي ........".
نادتها أمها من المطبخ الذي يقع ألى الشمال من غرفة الجلوس , جلست جانيت ألى طاولة صغيرة محاطة بعدّة كراسي وأقبلت على الطعام بنهم ملحوظ , ومع أن الطعام الأسباني الذي أعدّته لها أمها بدا غريبا مقارنة مع الطعام الأنكليزي الذي أعتادت عليه في لندن , ألاّ أنها وجدته لذيذا للغاية.
أنهمكت السيدة كيندال في تقديم كل ما لذّ وطاب من طعام لأبنتها الجائعة بعد أن قررت تأجيل كل الأسئلة التي تختلج على شفتيها حول كافة أفراد العائلة لما بعد العشاء.
" خذي المزيد من الخضار يا حبيبتي , بل يجب أن تنهيها , سأجهّز لك المزيد من الجبنة أذا أردت!".
منتديات ليلاس

" أمي الحبيبة , أنا لست حصانا شرها".
ألقت جانيت هذه العبارة ألى أمها مازحة ثم قامت عن الطاولة وأخذت بذراعها وتوجهتا سوية ألى غرفة الجلوس , كان جو الغرفة دافا , وفي المدفأة أشتعلت بعض الأخشاب بألق خفيف في حين كان دال يغط في نوم عميق بعد أن أنتهى دوره في الترحيب بالضيفة العزيزة.
جلست جانيت في كرسي! منفرد وأسندت ذراعها ألى أريكة جلدية كبيرة ومضت تحدث أمها عن كافة شؤون العائلة والعمل في لندن , أخبرتها أن أخاها أيان لن يترك عائلته في لندن بهدف العمل في بروكسل فقد وجدت الشركة شخصا بديلا للذهاب ألى هناك , وهذا يعني أن فرصته في الترقية باتت مضمونة , وأخبرتها أيضا أن أبنة أخيها , الصغيرة أيما أصبحت طفلة جميلة جدا , وأن أدريان حفيدها من أبنها الثاني , سيبدأ الذهاب ألى المدرسة بعد عطلة الربيع الحالية .
وبمشاعر من أشتاقت ألى أبنائها وأحفادها , أستمعت السيدة كيندال بكل خبر حدثتها به أنبتها , كانت سيدة جذابة رغم التجاعيد التي غزت وجهها , والتغضن الذي أصاب جبينها لم يخف لمعان عينيها البرّاقتين , ومن عادتها أن تثرثر في أمور كثيرة حتى عندما لا يكون الآخرون يستمعون أليها , وفي كل الأحيان تختم حديثها بضحكة خافتة , وما عدا ذلك فهي أمرأة طيبة القلب جدا وعلى أتم الأستعداد لمساعدة كل محتاج.
وبعد أن أنتهت أخبار العائلة والوطن , تركت جانيت فاصلا زمنيا من الصمت يمر قبل أن تنتقل ألى المسألة الأساسية وتقول بنبرة جدية رصينة:
" والآن ماذا عن سكان الفيللا؟ أرجو أن تحدثيني بكل شيء عنهم!".
" ليس هناك الشيء الكثير يا عزيزتي".
لكنها مضت في حديث طويل عن أصحاب الشقة السابقين :
" كما تعرفين , أخطر السيد والسيدة ويستون للبيع , لقد كان الزوج تاجر مجوهرات ويملك العديد من المنازل في مختلف أنحاء الجزيرة , وكما تعرفين , بنيا بيتنا هذا كي يشرفا من خلاله على أعمال البناء في الفيللا الأساسية , وعندما باعاني أياع رفضا أن يربحا أي قرش أكثر من التكاليف الأساسية , لقد كانا شخصين رائعين بالرغم من أنني لم أرهما كثيرا".
توقفت الأم قليلا عندما لاحظت على وجهه أبنتها تعبيرا يشير ألى أنها أطالت في مقدمة حديثها , ثم أبتلعت ريقها وبدأت من جديد:
" في كل حال , يظهر أن الزوج المسكين أصيب بأضطرابات قلبية , وقد أبلغه الأطباء بخطورة السفر على حياته , وهكذا باعا كل ممتلكاتهما في الخارج وأستقرتا في لندن نهائيا ".
أرادت جانيت أن تحدد الكلام أكثر فقالت :
" وماذا عن أصحاب الفيللا الجدد , هل ألتقيت بهم؟".
ردت السيدة كيندال بسرعة:
"طبعا , طبعا , أنهما السيد رالف فورد وزوجته أليزابيت أو أزميرالدا أو ما شابه , أنهما غنيان جدا , يقولون أنه يعمل في حقل النقل البحري , في ضيافتهم الآن عدد من الأصدقاء , بالأضافة ألى أناس آخرين يأتون ويذهبون , بسياراتهم الأنيقة الباهظة الثمن , من البر الأسباني على ما أعتقد , ويوقفونها في هذا الممر الضيق".
سألت جانيت بنفاد صبر:
" لكن , لم تحاولي الشكوى؟".
أتسعت حدقتا السيدة كيندال وهي تقول :
" بالطبع , قلت لهم أن هذا العمل سيء للغاية خاصة عندما يأتي موزع الغاز أو عندما يريد سائق صهريج الماء الوصول ألى البئر لملهئا ".

نيو فراولة 18-09-10 05:37 PM

وعادت جانيت ألى التساؤل وهي تحاول كبت مشاعرها :
" وماذا قالو لك؟".
" قال السيد فورد أنه على علم من خلال عقد البيع أن الممر جزء من الفيللا , وبما أنه بحاجة ماسة أليه كموقف لسيارات ضيوفه , فقد ذكر أنه سينظر في الجانب القانوني لتأكيد ملكيته , الحقيقة أنه كان لطيفا جدا ".
وترددت السيدة كيندال قبل أن تضيف:
" الواقع أنهم كلهم لطفاء ".
أنتفضت جانيت غضبا وهي تقول:
" أعتقد أن واجبهم يحتم عليهم اللطف , ومن الواضح أنهم يتوقعون أن تقفي مكتوفة اليدين أمام محاولاتهم ".
تنهدت الأم بهدوء بدون أن تقول شيئا , وقد تأكدت جانيت أن والدتها ستترك الأمور تجري بدون أن تفعل شيئا ".
تابعت الخوض في تفاصيل الوضع قائلة :
" منذ متى جاء الناس الجدد ألى هنا؟".
ردت السيدة كيندال بمرح:
"منذ أسبوعين أو ثلاثة فقط , المرة الأولى التي عرفت فيها أن الملكية أنتقلت ألى أناس جدد كانت عندما رأيت شاحنات النقل أمام الباب , لم أر الكثير من هنا , لكن أعتقد أنهم كانوا يحضرون أغراضهم الشخصية , لقد علمت أن عائلة ويستون باعت الفيللا بكل ما فيها , وعلى ما أظن الأثاث كان رائعا ومكونا من قطع نادرة , صحيح أنني لم أزر البيت أبدا , ألا أنني سمعت عن غناه الكثير".
قاطعت جانيت أسترسال أمها في الحديث قائلة:
" ألم يكن السيد ويستون هو الذي أكّد لك أن بأمكانك شراء الممر في وقت لاحق ؟".
منتديات ليلاس
" أجل , فلم يكن هو وزوجته مهتمين به , بل لم يكونا يستقبلان هذا العدد الكبير من الضيوف وسياراتهم , لقد أبلغت أن الممر كان يستعمل في الماضي لنقل الملح , وأنه ملك للحكومة أو أحدى البلديات العامة ,وهذا يعني أنه حسب التخطيط سيباع بسعر رخيص للذين تقع بيوتهم على جانبيه ".
همهمت جانيت مسرورة عندما سمعت كلمات أمها الأخيرة وقالت:
" حسنا أن بيتك يقع على الممر تماما!".
ردّت السيدة كيندال بهدوء:
" أعرف ذلك يا حبيبتي , لكن الفيللا تقع عليه أيضا".
" هذا صحيح , لكن مقدمة بيتك تطل على الممر , بينما يطلون هم من مؤخرة الفيللا ".
وافقت الأم قائلة :
"طبعا , ذلك أن السيد ويستون بنى هذا البيت بهذا الشكل كي يكون على بيّنة من أعمال البناء في الفيللا".
تنهّدت جانيت بعمق:
" أعتقد أنهم لم يفكروا في المشاكل التي خلقوها للناس الذين جاؤوا بعدهم".
أسرعت السيدة كيندال للدفاع عن عائلة ويستون :
" هذا غير صحيح , فدائما كانوا يعتبرون الممر ملكا لي , ولا أذكر أنني شاهدتهم يستعملون الممر حتى ولا مرة واحدة , بينما كانوا يستعملون الطريق الجانبي الذي يتفرع من الشارع الرئيسي , أما السكان الجدد فهم يستعملون الممر دائما".
علّقت جانيت بغضب:
" لا شك أنهم أكتشفوا أن الممر ليس ملكا لأحد , لذلك قرروا أن بأمكانهم أبتياعه".
وبدا على السيدة كيندال الملل من هذا الموضوع , لكن جانيت ألحّت مجددا :
" يجب ألا نسمح لهم بذلك , سيصبح بيتك بدون مدخل أذا حصلوا على الممر ,وهذا يعني أن سعره سيهبط أيضا , في كل حال لن أقف مكتوفة اليدين أمام محاولاتهم هذه".
تنهدت السيدة كيندال مجددا وقد بدت عليها الحيرة :
" لكنني لا أعرف ما يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟".
قالت جانيت وكأنها تفكر بصوت عال :
" لا شك أن السيد ويستون قام ببعض الترتيبات الخاصة للسؤال عن أمكانية شراء الممر , تماما كما فعل الناس الجدد!".
وتذكرت أمها على الفور بعض المعلومات التي كانت قد غابت عن ذهنها :
" أجل , لقد أخبرني بأنهم تحدثوا مع عمدة مدينة سان غبرييل , فالأرجح أن كل منطقة تتبع أقرب مدينة أليها ".
أظهرت جانيت علامات الأنشراح وهي تقول :
" هكذا أذن , سنبدأ من هناك , فأذا كان السيد ويستون قد قدّم طلبا لشراء الممر عندما كان يقيم في البيت , فلا شك أن الطلب ما زال موجودا , وما علينا ألا أن نحرّك المسألة ونقنع المسؤولين في القرية بأن حصولك عل الممر أمر حيوي بالنسبة أليك وألى بيتك".
" لا مانع , أذا كنت تعتقدين ذلك يا عزيزتي ".
عانقت جانيت أمها لتشجعها عندما لاحظت النظرة المتشككة في عينيها :
" لا تقلقي أبدا , سأهتم أنا بكل ما يلزم , ولن تكوني مضطرة للقيام بأي شيء".

ayaegypt 18-09-10 10:34 PM

بسم الله ماشاء الله عليكي ياأمل وعلي نشاطك موفقة دايما وربنا معاكي

نجمة33 19-09-10 07:07 AM

سلمت يداك
شكرا

زهورحسين 20-09-10 01:54 PM

:flowers2:روووووووووووعة:flowers2:

نيو فراولة 20-09-10 05:15 PM

قالت الأم وهي تعبث بغطاء الموقد:
" لكن هذه الأمور تأخذ وقتا طويلا!".
طبعت جانيت قبلة حارة خلى وجنة أمها وقالت:
" هذا لا يهم و ألغيت عطلتي في اليونان , ولدي من المال ما يكفي مهما طالت مدة أقامتي هنا".
" كم أشعر بالأمتنان لوجودك معي".
ثم أردفت في محاولة لتغيير الموضوع :
" ما رأيك الآن بفنجان شاي قبل النوم؟".
عندما أوت جانيت ألى فراشها , ولم تعد تسمع ألا أصوات العصافير والسكون المطبق الذي أصبح غريبا عن أذنيها بعد الضجيج المستمر في أزقة لندن وشوارعها , عادت ألى ذهنها طريقة رد فعل أمها على الموضوع برمته , فهذه السيدة الطيبة القلب تكره المشاكل وتحاول دائما تجنبها , وليست من النوع الذي يخوض المعارك.
لكن جانيت قادرة على ذلك , وهي مصممة على فعل أي شيء من أجل أن تحصل أمها على حقها في الممر .
أستيقظت جانيت على الأصوات المألوفة في الطبيعة عندما أنفتح باب غرفة النوم ودخلت أمها حاملة صينية الطعام , وأقتربت من السرير .
منتديات ليلاس
أنتصبت في سريرها وألقت نظرة خاطفة على الساعة, كانت قد تجاوزت التاسعة , تلقت الصينية من أمها وخاطبتها بهجة لطيفة:
" أماه , كان يجب أن توقظيني قبل الآن".
بدأت بتناول طعامها المكوّن من البيض المسلوق وبعض الزبدة والمربيات والخبز , بالأضافة ألى الشاي بالحليب.
" أعرف أنك متعبة بعد سفر أمس , لذلك أرتأيت أن أتركك ترتاحين قليلا".
أستمتعت جانيت بطعامها في حين كانت الشمس تتسلل من بين الستائر لتملأ الغرفة بضياء ساطع , مبشرة بيوم دافىء جميل , أليس من الرائع أن ترتاح بقميص نومها القطني في سريرها الهانىء بدون أن تضطر ألى حشر نفسها في قميص صوفي ثقيل درءا للبرد.
أبتلعت آخر رشفة من فنجان الشاي وتمنت أن تظل في السرير طيلة النهار , لكنها لاحظت أن والدتها غير مستقرة على حال فهي تارة ترتب غطاء السرير ,وطورا تفتح الستائر ثم تعيد أغلاقها , وتارة أخرى تضع منفضدة السكائر في مكانها المعتاد ..... وهذه حالها عندما تكون حاملة بعض الأنباء الجديدة .
لم يطل أنتظار جانيت , أذ سرعان ما قالت وهي ترتب الستائر للمرة العشرين تقريبا:
" سمعت أن ضيفا جديدا حلّ في الفيللا مساء أمس".
أبتسمت جانيت وهي تتابع تناول فطورها , ثم قالت:
" لم أعرف أنك أصبحت ضليعة باللغة الأسبانية بحيث تشاركين في الأحاديث والشائعات في هذه المنطقة".
فجانيت تعرف أن أمها قادرة على تدبير أمورها البسيطة باللغة الأسبانية , أذ أنها لم تكن راغبة وهي في مثل هذا العمر في تطوير معرفتها بهذه اللغة.
أعترفت السيدة كيندال بخجل :
" ما زلت كما أنا , لكن جوانا , وهي أمرأة تعمل في الفيللا وتعرف بعض الأنكليزية أخبرتني , فأنا أحادثها في بعض الأحيان عندما تجمعنا الصدفة".
تمهلت الأم في ترتيب بعض الأغراض , وعندما مضت دقائق على جو الصمت قالت :
" أحزري هذا الضيف الجديد !".
ردّت جانيت بترقب:
" ليس لدي أدنى فكرة!".
أنشغلت السيدة كيندال في سكب فنجان من الشاي لنفسها , ثم أنحنت على أبنتها وكأنها على وشك أبلاغها بسر خطير :
" أنه بروس والبروك!".
وعندما لم تبد جانيت علامات الدهشة والأستغراب التي توقعتها الأم , تابعت السيدة كيندال تقول :
" أنه بروس والبروك المحامي المشهور! أسم معروف جدا في أنكلترا!".
فكرت جانيت في الأسم ثم قالت بلا مبالاة:
" أعتقد أنني سمعت بالأسم , هل قلت أنه محام ؟".
وفجأة وجهت نظرة حادة ألى أمها وقالت:
" ماذا يفعل في الفيللا؟ هل تعتقدين أنه جاء لقضاء الأجازة ؟".
أجابت الأم بلهجة مليئة بالشكوى:
" كلا , أعتقد أن رالف فورد أحضره كي يتابع له مسألة الحصول على الممر.

أتذكر ما قاله عن مراجعة حقوقه في الفيللا وما جاورها , وكما تعلمين فالأغنياء يوكلون المحامين لمتابعة قضاياهم , أليس كذلك؟".
" لكن وجود المحامين لا يحقق لهم دائما ما يرغبون".
شدّدت جانيت على جملتها الأخيرة , ثم أنهت أرتشاف فنجان الشاي قبل أن تتابع بغضب مكتوم :
"محام أو بدون محام , عليهم جميعا أن يواجهونا معا".
أنهت جانيت أستحمامها وعادت ألى غرفتها كي تقلّب المسألة من كافة وجوهها بعد التطور الجديد الذي حدث اليوم , لكن سرعان ما أبعدت الموضوع كلّه عن ذهنها عندما أرتدت ملابسها وتوجهت نحو الباب الخارجي , فقد عملت من أمها أن القضايا الرسمية في هذه الجزيرة تأخذ وقتا طويلا , وهذا يعني أن وجود محام بريطاني لن يعجل في الأمر أبدا .

نيو فراولة 20-09-10 05:42 PM


لفحتها أشعة الشمس عندما أصبحت في الخارج , لكنها واصلت جولتها في البرية المجاورة , وكما في كل مرة , أحست جانيت برعشة فرح تجتاح نفسها للمناظر اخلابة المحيطة بها , وأدركت أكثر الأسباب التي دفعت عائلة وبستون ألى أختيار هذه المنطقة لبناء الفيللا.
فالجبال القريبة المغطاة بأشجار الصنوبر , وخلفها السماء زرقاء صافية , تعطي الفيللا منظرا أخاذا يزيد في جاذبية البساتين المزروعة الممتدة ألى الجهة الأخرى , ولأعطاء لمسة جمالية أخيرة , كانت هناك ثلاث شجيرات نخيل نمت داخل أراضي الفيللا بحيث أصبحت علامة مميزة في المنطقة.
غضّت جانيت بصرها عن منظر الفيللا , وعادت للتفكير في مشاغلها وذلك بالتمعن في هندسة بيت أمها وموقعه من الفيللا والممر , كان البيت مستطيل الشكل ومن دور واحد مع أمتداد صغير ألى اليمين , أي ألى جهة الممر , وعلى طول أمتداد البيت يقع بستان واسع طرفه يشكل جزءا من الممر المتنازع عليه , وبأستثناء جدار قديم شبه منهار , وبعض الأسلاك الشائكة لمنع الكلب من الضياع في الحقول , فأن شيئا لا يميز الأرض الملحقة ببيت الأم عن الممر والحقول المجاورة.
نقلت جانيت نظرها الآن ألى الفيللا بجدرانها المرتفعة , كانت الفيللا تمتد بمحاذاة الممر من الجهة المقابلة وتضم قطعة من الأرض بطول القطعة التي يضمها بيت الأم , وأستطاعت جانيت من مكانها أن ترى الباب الأسباني الطراز المؤدي أليها عن طريق الممر , لكن هذا الباب كان المدخل الجانبي , فهي تعرف أن هناك مدخلا رئيسيا مماثلا يطل من الجهة الأخرى.
منتديات ليلاس
مرة أخرى عادت جانيت لتدرس هندسة بيت أمها وموقعه , فوجدت أنها مضطرة للأعتراف بأن باب البيت مثل باب الفيللا يطل على الحديقة من ناحية , وعلى الطريق الزراعي من الناحية المجاورة , لكن من الواضح أن البيت صمم ليكون الممر هو المدخل أليه...... وهذا الأمر واضح للعيان تماما.
كان دال يدور حولها منذ أن غادرت البيت , أما وقد أنتهت من مقارنتها بين الفيللا والبيت , فقد أخذت تداعبه وتلاعبه في حين أنهمكت أمها في ري الزهور التي تحتفظ بها أمام المنزل , كانت هناك شجرة ياسمين نمت لتتسلق الجدار الأمامي بمعظمه , وعلى الجدار المجاور تسلّقت نبتة ذات زهور حمراء قانية..... أما غرسة العنب التي زرعتها قبل سنتين فقد أصبحت كرمة وارفة الظلال .
لم تكن قادرة على فعل الكثير في الحديقة الكبيرة , لكن النباتات والزهور البرية التي تنمو في الصيف أعطت الحديقة طابعا خاصا وجذابا بالأضافة ألى شجرتي التين المثمرتين.

نيو فراولة 20-09-10 08:41 PM

جلست جانيت في المقعد الموجود على الشرفة وألتفتت ألى والدتها , فأذا بنظرها يقع على سلة صغيرة من النوع المخصص للقطط , فسألت أمها على الفور:
" لم أكن أعرف أن عندك قطة !".
توقفت السيدة كيندال عن ري زهورها وألتفتت ألى جانيت التي حملت القطة وراحت تداعبها :
" لقد حصلت عليها من المزرعة , كانوا يريدون التخلص من عدة قطط , ورأيت من واجبي أن أنقذ واحدة على الأقل ".
أطلقت ضحكة قصيرة وتابعت تقول:
"كانت ذات أطراف طويلة عندما حصلت عليها , ولذلك أطلقت عليها أسم تويجي ".
أبتسمت جانيت لأمها وتركت القطة التي راحت تتلمس قدميها بكسل.
أضافت السيدة كيندال تقول:
" عمرها الآن ثمانية أشهر , والواقع أنها أصبحت عزيزة جدا , وهي مفيدة من حيث قدرتها على طرد جرزان الحقول".
ردّدت جانيت كلمة – مفيدة – بتعجب وأستغراب , وفي الوقت نفسه ألتفتتا معا بأتجاه الشخص الذي ظهر من باب الفيللا الجانبي وبدأ السير بأتجاه الممر ,كان طويل القامة متناسق الجسم ويرتدي ثيابا فخمة تعكس وضعه الأجتماعي .
ولا شك أنه ضيف في الفيللا , وكادت جانيت أن تبعد نظرها عنه عندما جذبها شيء في وجهه , حدّقت مجددا في الوجه الذي أتضحت معالمه أكثر , فأذا بها تتذكر أين ومتى شاهدته , سألت أمها بلهفة:
منتديات ليلاس
" من هو هذا الرجل ؟ هل تعرفينه؟".
أشرق وجه السيدة كيندال كدليل على معرفتها للشخص المعنى :
" طبعا , أنه الرجل الذي أخبرتك عنه صباح اليو م يا عزيزتي , أنه المحامي الذي جاء ألى الفيللا مساء أمس".
وألتقت عينا جانيت بعيني الرجل الزرقاوين , فأذا بهما العينان اللتا جمدتاها في مقعدها بالطائرة , أو الأصح مقعده , راقبتاها بأرتياح وهي تبتعد ألى مقعدها الخلفي , همست في أذن أمها بينما نظرها يتابع الرجل :
" هل تقصدين أن هذا الرجل هو بروس والبروك؟".

نيو فراولة 21-09-10 10:12 PM

3- العدو اللدود


كانت السيدة كيندال منشغلة بتوزيع أبتسامتها على الرجل الذي يسير على مقربة منها بحيث لم تقدّم لأبنتها الأجوبة التي تريدها , والحقيقة أن جانيت لم تكن تنتظر أي جواب , فقد أحست منذ أن رأته في مطار لندن أنها أمام عدو لدود , وها هي أحاسيسها تتأكد الآن , ومرة أخرى سمعت الصوت العميق الهادىء الذي سمعته في الطائرة , عندما حيّا الرجل أمها قائلا:
" صباح الخير , أنه يوم دافىء وجميل ".
ردت السيدة كيندال :
" أهلا وسهلا , فعلا أنه نهار جميل ".
أما جانيت التي لم تكن متأثرة بأدب ولطافة هذا الرجل , فقد أستطاعت التسلل من المكان بحجة أخذ الكلب في نزهة قصيرة عن طريق الحقل الصغير المحيط بالبيت.
في منتصف الحقل , كان هناك ممر يؤدي ألى شجرة اللوز العتيقة التي تشكل حدود البيت , ركزت جانيت نظرها على الشجرة البعيدة وأنشغلت بملاعبة الكلب كي تخفي خجلها وأضطرابها من لقاء شخص تمنت قبل يوم واحد فقط أن لا تراه أبدا , وأزداد أضطرابها الآن لأنها أدركت كم كانت جاهلة عندما لم تفطن لنواياه منذ اللحظة الأولى , أذ لا يكفي أنها مضطرة لأحتمال وجوده في الغرفة المجاورة , بل هو هنا للعمل على نزع حق والدتها في الممر وأعطاه لأصحاب الفيللا .
أزدادت مشاعر الغضب في نفسها وحثّت خطاها مبتعدة عن البيت واللتمنيات التي تبودلت قبل لحظات بين الرجل وأمها , فهي لا تريده أن يفكر بأنها ستتصرف كما لو أن حادث الطائرة لم يقع أبدا .
وصلت جانيت ألى أطراف الحقل وهي غارقة في أفكارها لتخوض في مساكب من الخضار التي زرعتها أمها لأستعمالها البيتي , وألى جانب المساكب سياج حديدي صغير يخص عدة دجاجات وبطات ومجموعة من الأرانب , بل وعنزة أيضا.
فتحت جانيت باب السياج الحديدي ودخلت لتبحث عما أذا كان هناك بيض طازج , بعد أن تركت الكلب في الخارج , وجدت بالقرب منها سلة من القصب ,فحملتها وراحت تبحث تحت الدجاجات التي تراكضت في كل أتجاه , وجدت ثلاث بيضات وضعتها في السلة وتركتها في مكان أمين قبل أن تواصل جولتها .
منتديات ليلاس

في نهاية الحفل كان هناك كوخ صغير وضعت فيه الأم كل الأغراض التي لا تريد رؤيتها في البيت , وفي الوقت نفسه لا تريد التفريط فيها , شاهدت جانيت ساعة حائط قديمة , مكنسة كهربائية معطلة ,والعديد من الأشياء التي غطاها الغبار.
وقعت عينا جانيت على الدراجة الهوائية التي كانت الأم تستعملها للتسوق في أنكلترا , ثم أحضرتها معها ألى الجزيرة للهدف نفسه ........ لكن من الواضح أنها لم تفعل.
بعد جولة قصيرة , غادرت جانيت الكوخ حاملة سلة البيض وأخذت تبحث عن الكلب , كانت قد تركته للحظات فقط , لكنه أختفى الآن بدون أن يترك أثرا , خفق قلبها خوفا عندما خطر في بالها أن يكون قد غادر الحفل غير المسيج , ولم تطل حيرتها , أذ ظهر دال ألى جانبها خارجا من خلف الكوخ .....حيث كان يلعب مع الرجل غير المرغوب فيه السيد والبروك.
" دال , تعال ألى هنا فورا".
صرخت بصوت مكتوم وهي تحاول أ تركض خوفا من أن تكسر البيضات , لكن الكلب تجاهل أوامرها كليا ومضى يلاعب اليد الممتدة أليه بعطف , حثت جانيت خطواتها أكثر وهي تتميز غضبا لعصيان الكل أوامرها ,ولعل الكلب أحس طبيعة مزاجها المتعكر , فأستدار تاركا الرجل .
لكن رفض الكلب لأوامرها للوهلة الأولى أصابها بصدمة جمدتها في مكانها ,وكانت على وشك أن تتجاهل الشخص الواقف قبالتها عندما ألتقت عيناه الزرقاوان بعينيها وسمعت صوته العميق يقول :
" أرى أن طبعك لم تتحسن بعد!".
تضرج خداها بالدم , ولاحظت أنها كانتفظّة معه في أكثر من مناسبة , ولكنها لم تكن قادرة على الأعتراف بهذا الأمر :
" أذا كنت تقصد أنني لم أقف صباحا لتحيتك عندما ظهرت أمامنا خاصة أنني أعرف لماذا أنت هنا , فأن طباعي لن تحسن".
كان من الواضح أنه خرج هذا الصباح ليدرس وضع المر بالنسبة ألى البيت والفيللا , لكنه أخذ أطراف الحديث متجاهلا عبارتها الأخيرة وقال :
" من الأفضل أن نتعارف , أنا بروس والبروك , وكما قلت , فأنت تعرفين سبب وجودي هنا".
عدلت جانيت من وقفتها وردّت عليه بهدوء :
" أنا جانيت كيندال , وأظنك تعرف أنني هنا للسبب نفسه , فأنا لا أنوي الوقوف مكتوفة اليدين وأراقب والدتي وهي تتعرض للأحتيال ".
" أعتقد أنا سنترك تعابير الأحتيال خارج قاموسنا , أليس كذلك يا آنسة كيندال؟".
كان صوته باردا وكأنه تكسر الجليد تحت تدفق مياه قوية.
أحست جانيت برعشة خوف بسيطة عندما تصورته بزي المحاماة الرصين , لكنها أستردت رباطة جأشها وتذكّرت أنها ليست في قفص الأتهام الآن.
" ماذا يمكن أن تقول أذن؟ لعلك لا تعرف أن أمي سبقت الجميع في المكالبة بهذا الممر طيلة السنتين الماضيتين , بينما وصل أصحاب الفيللا قبل أسابيع قليلة , فكيف يمكن أن يطالبوا بحقوقهم في الممر ".
ردّ المحامي بأبتسامة ساخرة:
"من أجل أيضاح الصورة القانونية يا آنسة كيندال , أقول لك أن قطعة الأرض التي قام عليها بيت أمك جزء من الفيللا , والبيت الذي قرر السيد ويستون بناءه على تلك القطعة ليس ألا أضافة حديثة , وهذا يعني تلقائيا أنه بات في المرتبة الثانية من حيث المطالبة بالممر مقارنة مع الفيللا القائمة هنا منذ أكثر من قرن كامل".

نيو فراولة 21-09-10 10:43 PM


قالت جانيت بعدم أكتراث :
" هذا صحيح بالنسبة ألى الفيللا القديمة التي هدمت بالكامل ".
" هذا لا يغير شيئا من وجهة نظر القانون".
ثارت جانيت لتعابيره الباردة الحاسمة وصرخت قائلة:
" قانون من؟ ليس قانون أبييزا , فالسيد ويستون أكد لأمي أن تصميم بيتها يضم الممر كمدخل أليه , وعلى هذا الأساس رتب الوضع مع المسؤولين في القرية ".
تمعن بروس والبروك بجانيت من رأسها حتى أخمص قدميها وهو يبتسم الأبتسامة الساخرة نفسها وقال:
" لو كنت مكانك لما أعتمدت على هذا أبدا , فالتدابير الشفهية عادة تسقط دون أدنى تأثير".
ردّت جانيت مستعملة أسلوبه :
" بالتأكيد ,. ولهذا لا سبب يدعوك للتفاؤل الزائد..... أليس كذلك؟".
أعاد بروس التحديق فيها بحدة , ثم حوّل نظره ألى الممر معبرا عن نفاد صبره وقال:
" لست أدري لماذا يحتاج بيت صغير ألى ممر , يبدو لي أن أمك يمكن أن تحصل على ممر خاص يشق من الطريق الزراعي عبر الجدار القديم ثم ألى الحديقة التي يمكن أن تستوعب موقفا لسيارة أو سيارتين".
منتديات ليلاس

لجأت جانيت ألى المنطق نفسه لترد على الرجل الذي يحاول التقليل من أهمية بيت أمها :
" والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الفيللا!".
أجابها برودة قاتلة :
" الواقع أن معظم أراضي الفيللا حدائق هندسية جميلة بحيث لم يتبق مكان لممر صغير من البوابة الرئيسي , وبما أن أصحاب الفيللا يستقبلون الكثير من الضيوف , فالأمر بالنسبة أليهم لا يحتمل".
ردت جانيت بعنف شديد:
" وهل تعتقد أن ذلك يكفي للأستيلاء على أملاك أرملة وحيدة ؟".
أجابها بلهجة قاسية :
" الممر ليس ملكا لأحد بعد يا آنسة كيندال".
ولم تعر جانيت كيندال أهتماما لنظراته الباردة المتحدية , بل أستمرت في هجومها قائلة:
" حسنا , ففيما يخصني أعتقد أن الممر ملك لأمي , وسأفعل كل ما في وسعي لضمان حصولها على حقوقها".
تبادل المحامي وجانيت نظرة عدائية مكشوفة , في حين حافظ هو على أبتسامته القانونية الباردة وتابع قائلا:
" من المفيد أن يعرف الأنسان مواقف الطرف الآخر".
في هذه الأثناء كان الكلب دال قد ملّ من لدوران في الحلقة التي تجمع الشخصين وبدأ ينبح بصوت خافت , لذلك أنتهز بروس الفرصة وقال :
" أستودعك الله يا آنسة كيندال".
" وداعا يا سيد والبروك".
أطلقت جانيت هذه العبارة ببرودة واضحة ثم أستدارت عائدة ألى البيت , ولم تلحظ جانيت , بسبب الأحاسيس المتضاربة التي تخنق صدرها بعد هذه المعركة الكلامية , أن بروس كان يسير بمحاذاتها من الجهة الأخرى للبيت , بل تابعت سيرها بلا مبالاة وتشاغلت بملاعبة الكلب عن خفقان قلبها الشديد وأعصابها المتوترة , وعندما وصلت ألى باب البيت الخلفي عبرته بسرعة وهي تتنفس الصعداء لتخلصها من ذلك الظل المزعج.
كانت الأم تغني أحدى أغنياتها المفضلة وهي تعد بعض الطعام في المطبخ , وعندما دخلت جانيت بادرتها بالسؤال :
" ماذا كنت تتحدثين مع السيد والبروك يا عزيزتي ؟".
" لا شيء , فقط وضعته في الصورة التي نراها للبيت والممر ".
وأنتظرت حتى هدأت أعصابها وتوقفت قدماها عن الأرتعاش ثم قالت :
" أبلغته أننا لن نوافق على أي شيء لا يعطينا ملكية الممر بالكامل ".
لكن الوالدة كانت قد نسيت السؤال الذي طرحته قبل قليل , ومضت تعمل بنشاط متنقلة بين الطاولة والفرن ألى أن رأت البيض الذي أحضرته جانيت فقالت بسرور :
" أنا سعيدة جدا لما أحضرته , وأفكر بأعداد صينية لحم بالبيض للغداء , فما رأيك بذلك؟".
" وجدت أنني لا أعرف ماذا خلف السياج , لذلك قررت البحث وعثرت على ثلاث بيضات ".
وضحكت جانيت بسعادة لأنها أستطاعت أن تشغل فكرها في أمور غير المحامي والممر , ومع أنها شاركت بنشاط في عملية أعداد الطعام وراحت ترنم بعض الألحان الخفيفة وهي ترتب الطاولة , ألا أن أحساسا بالضيق ظل يراودها لعلمها بأن المعركة من أجل الممر قد بدأت فعلا , صدامها مع بروس والبروك بات المسألة الواضحة للغاية , ولما فكرت بهذا المحامي شعرت برغبة عارمة للخروج أليه ومهاجمته بعنف بدلا من الأنشغال بأعداد الأطباق والشوك والسكاكين , فلا شك أنه يخطط الآن لخطواته التالية ........ وعند هذا الحد من التفكير أحست أنها في سباق مع عدوها الذي يستعد بكل قواه....
وعلى المائدة سألت جانيت أمها قائلة:
" على فكرة , لقد شاهدت الدراجة الهوائية في الكوخ , ألا تستعملينها حاليا؟".
" الواقع أنني لست بحاجة أليها ".
صبت السيدة كيندال قدحين من الماء المثلج لها ولأبنتها وتابعت قائلة:
" أن ميغل الذي يعمل في المزرعة يحضر لي يوميا الخبز والحليب وأية أغراض أخرى أحتاجها من القرية , وفي نهاية الأسبوع أستقل الباص كي أتسوق من سوق المدينة".

نيو فراولة 21-09-10 11:22 PM

وشغلت الأم نفسها بتقليب عدة أغراض على الطاولة قبل أن تطرح السؤال الذي يلح في ذهنها:
" لكن لماذا تسألين يا حبيبتي؟".
حبست جانيت أنفاسها قليلا ثم قالت :
" فكرت في أستعمالها للتنقل ما دمت أنا هنا الآن".
وعندما شاهدت علامات الموافقة على وجه أمها أضافت :
" الحقيقة أنني أفكر في أستعمالها بعد الغداء للتوصل ألى القرية ومقابلة رئيس البلدية على الفور".
ضحكت السيدة كيندال وهي تنظر لأبنتها بعطف :
" هذه أبييزا يا حبيبتي , لا شيء يتحرك على الأطلاق قبل الساعة الرابعة ,وحتى ساعة البلدية تنام في هذا الوقت ".
جلجلت ضحكة الأم في الغرفة قبل أن تتابع :
" فهم دائما يعيدون تحركها عند حلول الساعة الرابعة".
أذن جاء وقت الملل , لقد نسيت جانيت كل ما عرفته في رحلتها الماضية و والآن بات عليها الأنتظار حتى تتحرك الحياة مجددا في القرية.
منتديات ليلاس
ولكن جانيت كانت مصرةعلى شغل وقتها كي تتناسى أحداث اليوم , فقامت بجلي الصحون وترتيب المائدة , ثم أنكبت على كتاب تعلم اللغة الأسبانية لزيادة معرفتها بهذه اللغة , وبينما هي منشغلة في حفظ جمل أسبانية تعني أين مقر البلدية ؟ أو أريد أن أقابل رئيس البلدية , كان البيت قد دخل في الجو الأسباني الكامل , فالأم في سريرها تمضي قيلولة بعد الظهر , والكلب نائم ألى جوارها , أما القطة تويجي فقد غرقت في سلتها الوثيرة المكشوفة للشمس الحادة .
أمضت جانيت وقتا طويلا وهي تراجع عن ظهر قلب ما علق من جمل أسبانية في ذهنها , كانت الفيللا المقابلة غارقة في الشمس والصمت أيضا , تساءلت جانيت عما يمكن أن يقوم به بروس والبروك الآن ! وتبيّن لها أن الشيء الوحيد له الآن هو أن يذهب لرؤية رئيس البلدية , كما ستفعل هي تماما.
وخوفا من أن يسبقها المحامي ألى موعد مع رئيس البلدية , قامت جانيت بغسل وجهها بسرعة ثم وضعت بعض لمسات من الماكياج ............. ومع أن الساعة لم تكن قد تجاوزت الثالثة والنصف فقد صمّمت على الخروج فورا , أخرجت جانيت الدراجة الهوائية من الكوخ , وقادتها عبر البيت محاولة ألا توقظ الكلب فيكشف عن رحيلها المبكر , وعندما وصلت ألى الطيق الزراعي أمتطت الدراجة وراحت تقودها بصمت وهدوء , كانت أبواب الفيللا مشرعة , ألا أن جانيت لم تلحظ سوى الحدائق الداخلية الجميلة وسيارتين فخمتين متوقفتين في الداخل .
الطبيعة الريفية الجميلة كانت نائمة مثل أي شيء آخر في الجزيرة , وكل الأصوات الممكنة غابت في الأفق البعيد بأستثناء طنين نحلة أو زقزقة عصفور شارد.
أضفت عجلات الدراجة صوتا خفيفا على الصمت عندما وصلت ألى الطريق المعبد , وأستغربت جانيت شدة حرارة الشمس مع أنهم ما زالوا في نيسان ( أبريل ) المعروف بأعتدال حرارته ,كانت الشمس تضربها على رأسها بحدة , ووجدت عيناها صعوبة في التركيز على الطريق لأنعكاس الأشعة على الأسفلت الساخن , لذلك فكرت أن تشتري قبل أي شيء قبعة قش واسعة ونظارات شمسية .
أضطرت جانيت ألى بذل مجهود عضلي أكبر عندما وصلت ألى الطريق ألذي يصعد نحو التلة القائمة عليها القرية , لكنها عجزت مما دفعها ألى التوقف والصعود مشيا وهي تدفع العجلة ألى جانبها ............ وأخيرا قررت التخلي عنها فتركتها قرب شارع فرعي على أمل أن تأخذها عندما تعود.
كانت المدينة خالية تماما وكأنها مدينة أشباح بالفعل , فالبيوت البيضاء الغافية مغلقة بأحكام ويبدو أن أصحابها هجروها ألى الأبد . واصلت جانيت التقدم داخل شوارع القرية بدون أن يخطر ببالها األألتفات ألى الخلف ........ ولكنها عندما فعلت وجدت نفسها أمام منظر طبيعي مذهل , فقد شاهدت السهول الخضراء التي لوحتها أشعة الشمس تمتد ألى ما لا نهاية حتى تلتقي بسفح سلسلة الجبال عند الأفق البعيد.
منتديات ليلاس
كان الرجل الذي ألتقته جانيت داخل مبنى البلدية يقرأ صحيفة الظهيرة بدون أدنى أهتمام , خاطبته بالمفردات الأسبانية التي حفظتها عن ظهر قلب , لكنه لم يجب , بل أكتفى برسم علامة أستفهام كبيرة على وجهه , وبعد جهد جهيد أستنزف من جانيت كل ما ما تعلمته من الأسبانية بالأضافة طبعا ألى صبرها غير المحدود , أبتسم الرجل ولم يقل سوى :
" نعم ............".
وجن جنون جانيت التي وجدت نفسها عاجزة عن الفهم, خاصة أن الجواب الذي أعطاها أياه الرجل كان يخص رئيس البلدية , وأضطرت ألى الأستعانة بالقاموس الأسباني مع تحريك اليدين والأصابع وكل تقاطيع الوجه , وأخيرا فهمت أن رئيس البلدية يرحب بكل الناس , لكنه لن يستطيع مقابلها الآن لأنه موجود في فالنسيا لبعض الأشغال التي تتعلق بالبلدية , وأنه لن يعود قبل عشرة أيام .
صرخت جانيت :
" عشرة أيام !".
" أجابها الرجل بهدوء :
" تقريبا ,ويمكن أقل ".
وعندما ألحت جانيت في مقابلة من ينوب عن رئيس البلدية في غيابه لأمور ضرورية وعاجلة , واجهها الرجل بالنفي الحازم , وطلب منها أن تعود بعد عشرة أيام أذا كانت تريد حل مشكلتها .
خرجت من المبنى الحجري وهي تندب حظها السيء , عشرة أيام كاملة من الأنتظار ؟ لو أنها حضرت قبل يوم لكان من المعقول أن تلتقي رئيس البلدية وينتهي الأمر.

نيو فراولة 23-09-10 09:07 PM



في الخارج , كانت الحياة قد بدأت تعود تدريجيا ألى القرية أذ فتحت الحوانيت أبوابها , وأمتلأ الشارع الرئيسي بالأطفال الذين غادروا قبل قليل المدرسة الكبيرة الوحيدة , وفكرت جانيت أن غياب رئيس البلدية ليس سيئا ألى هذا الحد , فعل الأقل لنن يستطيع بروس والبروك أن يلتقيه أيضا .
وما أن ورد أسمه على فكرها , حتى لمحته في سيارة فخمة يتوجه ألى مبنى البلدية الذي غادرته قبل لحظات , رمقته جانيت بنظرة حادة وكأنها تعلمه أنها تعرف تماما ماذا يريد , ولكنه لن يحصل عليه أبدا .
وعندما وصلت ألى المكان اذي تركت فيه دراجتها الهوائية , وجدت الضحكات خمدت على الفور بمجرد أقترابها منهم , أبتسمت جانيت في محاولة لكسر طوق العزلة , فرد الأطفال الأبتسامة بأحسن منها , ومع ذلك كان من الصعب عليها التحدث أليهم بسبب عائق اللغة , وأخيرا لوحت لهم بيدها مودعة وأمتطت دراجتها عائدة ألى البيت.
وعند تقاطع الطريق خارج القرية سمعت خلفها صوت محرك سيارة , فأدركت أن بروس والبروك عاد من البلدية صفر الدين .
وفاجأها عندما توقف بالقرب منها وسألها قائلا:
" هل تريدين أن أوصلك ألى البيت؟".
" لا شكرا , هذه الدراجة تفي بالحاجة ".
منتديات ليلاس

تسللت السيارة ببطء متابعة طريقها نحو الفيللا , في حين بذلت جانيت جهدا للأحتفاظ بتوازنها بعد هذه المفاجأة غير المتوقعة , وأخيرا وصلت ألى البيت مبللة بالعرق والغبار ....... وسرعان ما أنطلق عواء دال وكأنه يريد أن يخبر العالم أنها عادت ألى البيت بعد غياب.
كانت الأم قد أنهت للتو قيلولة الظهر , وبدت في منظر محبب وهي ترتدي فستانا أبيض اللون يناسب أيام الصيف الحارة , فأستغربت جانيت كيف أن أمها أستقبلت نبأ غياب رئيس البلدية بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيها , بل أكتفت بالقول:
"حسنا يا حبيبتي , ما رأيك بفنجان من الشاي مع الليمون ينعشك بعد هذه الرحلة المتعبة ........ ونتناوله في الباحة الخلفية؟".
ورغم الضيق الذي أحست به جانيت أتجاه رد فعل أمها و ألا أنها وجدت الجلوس في الباحة الخلفية مريحا للأعصاب , كانت الشمس قد بدأت أنحدارها نحو المغيب وقد خضبت الجبال البعيدة بلون ناري , وبدا كل شيء مغطى بطبقة من الذهب والنحاس .
وفجأة , قطعت جانيت حبل الصمت قائلة:
" هذه المناظر مريحة تماما يا أمي , ولكنني لم أقصد أبييزا للسياحة بل جئت من أجل حل مشكلة الممر بأسرع وقت ممكن".
ردت السيدة كيندال بهدوء:
" ما الأمر يا جانيت ؟ لا فائدة في أستعجال أمور خارج أرادتنا , وبما أنك هنا , فلماذا لا تستمتعين بهذا الجو المنعش الجميل ؟ لقد قلت عندما وصلت أمس أن الأستعجال غير ضروري".
تنهدت جانين بعمق وهي تدرك المنطق الصحيح في كلام أمها , فبعد رحلتها ألى القرية عند الظهر , تأكدت أن لا شيء يمكن أن يغيّر دورة الحياة الروتينية هناك , حتى ولو حدث زلزال مدمر , المهم الآن أن تتمتع بهذه الأيام بأنتظار عودة رئيس البلدية , لذلك قالت :
" أعتقد أنك محقة في كلامك , فلن يحدث شيء قبل عودة رئيس البلدية...... والأفضل أن أستفيد من هذه الأيام ".
أجابت السيدة كيندال وقد طفح وجهها بالسرور :
" هذا ضروري جدا , سنذهب ألى المدينة غدا للتسوق ويمكننا تمضية بعد الظهر هناك".
ولم تستطع جانيت وهي في غرفة نومها ذلك المساء أن تخلد ألى النوم عملا بنصيحة أمها , فقد ظلت ساهرة تراقب الأضواء المتلأألئة المشعة داخل الفيللا والعديد من الضيوف يتضاحكون ويتسامرون على أصوات الموسيقى الهادئة.
أقتربت من النافذة وحدقت في الظلام ناحية الأضواء العامرة , لا شك أن أصحاب الفيللا يلحون في طلب الممر بناء على نصيحة قانونية قدمها لهم المحامي المشهور .......... ووجدت جانيت خيالها يتصور بروس والبروك في هذه الحفلة الساهرة , ولم يزدها التفكير فيه ألا رغبة في تحقيق أنتصار باهر عليه.

نيو فراولة 23-09-10 09:52 PM

4- لا تلمسي الزهور

كان من المفروض أن يغادر باص الركاب ألى قرية أبييزا في تمام الساعة الثالثة , لذلك أنتظرت السيدة كيندال وأنبنتها عند مفترق الطرق بحدود الساعة الثالثة والدقيقة العاشرة ..... لكن الباص كالعادة لم يصل ألا عند الساعة الثالثة والدقيقة العشرين .
توقف الباص عند المحطة مثيرا الغبار في ذلك الصيف اللاهب , لم يكن هناك أحد لفتح الباب , لذلك جاهدت السيدة كيندال التي باتت تعرف معظم العادات تقريبا كي تسحب مقبض الباب الجرار..... وعندما أنفتح أخيرا كادت قوة الدفعة أن تلقي السيدتين أرضا .
أندمجت السيدة كيندال وجانيت وسط وجوه غريبة كانت تركب الباص , ويظهر أن القرويين هنا لا يبدأون علاقات عابرة ألا بعدالتمعّن في الأشخاص الجدد .
وقد لقيت السيدة كيندال ترحيبا حارا من الذين باتوا يعرفونها , أما جانيت الغريبة فقد باتت محط أنظار الركاب كلهم.
أقلع الباص منطلقا بسرعة كبيرة وراح يجتاز المنحدرات والمنحنيات متوجها ألى المدينة البعيدة , وشعرت جانيت بالخوف عندما أحست أن سرعة الباص جعلته يبدو في بعض الأحيان وكأنه يسير على عجلتين , لكن الهدوء والسكينة وعدم المبالاة المسيطرة على الركاب , ومن بينهم أمها , جعلتها تدرك أنها وحدها الخائفة من السرعة التي لم تتعوّد عليها في بريطانيا .
وأخيرا وصل الباص ألى المدينة القديمة في الوقت نفسه الذي بدأت فيه الحوانيت والمقاهي تعيد فتح أبوابها بعد قيلولة الظهر المعتادة .
تكونت لائحة مشتريات السيدة كيندال الأساسية من الأطعمة والخضار , لذلك راحت الأم وأبنتها تتجولان في أسواق السمك واللحوم والخضار والفاكهة , ثم أنتقلتا ألى سوبر ماركت كبير متفرّع من الشارع الرئيسي.
وبعد أن أكتملت بضائع السيدة كيندال وأشترت جانيت قبعة من القش ونظارات شمسية , توجهتا معا ألى أحد المقاهي لتناول بعض المرطبات التي جاءت في وقتها تماما , ثم عادتا ألى التجوال مجددا , لكن هذه المرة في سوق المنتوجات الشعبية المصنوعة من الجلد والخشب والخزف ....... بدون أن تشتريا أي شيء.
منتديات ليلاس

وأخيرا قررتا الخلود ألى فيء أحد مقاهي الرصيف بأنتظار أن يحل موعد عودة الباص ألى القرية , وعند أحد المنعطفات المؤدية ألى الشارع الرئيسي تمهلتا في سيرهما لأختيار المقهى المناسب ....... وكانت السيدة كيندال الأولى في رؤية رأس بروس والبروك وهو يعبر الشارع المقابل , فقالت :
" أنظري هناك , أنه صديقنا المحامي من الفيللا , ترى ما الذي يفعله في المدينة؟".
كانت جانيت قد لمحت بروس قبل أن تتكلم أمها , لكن نظرها كان مركزا على حقيبة يده وعلى البناء الذي خرج منه للتو...... فهو بناء رسمي كما يدل العلم المرتفع أمامه , ويبدو شبيها بمبنى البلدية في القرية , وأن كان أكبر حجما ..... وكأنها فوجئت بوجوده في ذلك المكان , فقد أمسكت ذراع أمها بقوة قائلة:
" أراهنك أنه جاء لمقابلة مسؤولي المدينة حول الممر , ليرى ما أذا كان قادرا على تجاوز السلطات المحلية بدل الأنتظار طيلة هذه الفترة ".
لم تجب السيدة كيندال وهي تسير بفعل جذب أبنتها.
" لكن ألى أين نذهب يا عزيزتي؟".
ردّت جانيت وهي تحث الخطى شاخصة ببصرها ألى حيث وقف بروس يحادث أحد الأشخاص .
" أذا كان قادرا على المحاولة ....... فنحن نقدر أيضا ".
أشتكت الأم بصوت متوسل :
" وهل من الضروري ذلك؟ أنني متعبة وفمي متقق من العطش!".
" سنتناول المرطبات عندما ننتهي, فأنت تعرفين الأسبانية أفضل مني".
جذبت جانيت أمها عبر الساحة وهي تلاحظ أن بروس شاهدهما , وقبل أن تستطيع السيدة كيندال الرد على سلامه , كانت جانيت قد أدخلتها بسرعة ألى المبنى الكبير.
الروتين الذي واجهته جانيت في هذه الدائرة كان مماثلا لما واجهته في مبنى البلدية في القرية , والأختلاف الوحيد هنا , أن موظف األأستقبال أدخلهما ألى غرفة جانبية حيث أستقبلهما موظف آخر .
ولم تنفع الجمل القليلة التي تعرفها الأم في أيجاد جو من التفاهم مع الموظف , وأضطر الثلاثة ألى أستعمال لغة الأشارات ممتزجة بما يعرفه الرجل من اللغة الأنكليزية وما تعرفه السيدتان من الأسبانية .
ويبدو أن موضوع الممر أثير من قبل مع الموظف نفسه , لذلك أستطاع أن يوضح لجانيت وأمها أن كل القضايا المحلية هي من أختصاص السلطات المحلية فقط , وعليها بالتالي متابعة مسألة الممر مع مسؤولي قرية سان غبرييل.
وحاولت جانيت أن تشرح له , بصعوبة طبعا , أن رئيس بلدية القرية لن يعود قبل عشرة أيام ..... لكنه أبتسم بدون أن يجيب وكأن هذه الفترة بالنسبة أليه لا تعدو كونها عشر دقائق فقط , ثم ودعهما على الباب بأبتسامة عريضة.
تركز أهتمام السيدة كيندال , عندما خرجت مع جانيت من المبنى , حول الحصول على شراب منعش وكرسي مريح في أقرب مقهى , ولم تنتبه جانيت الغارقة في أفكارها ألى أن المقهى الذي أختارته الآن كان مستقرا لبروس والرجل الذي معه ,وقد فوجئت بوجوده هناك بحيث لم تعد قادرة على التراجع.

نيو فراولة 24-09-10 08:19 PM

أقتربت السيدة كيندال مبتسمة , فهبّ بروس والرجل الآخر واقفين , ثم قال :
" هل تتفضلان بمشاركتنا هذه الجلسة؟".
كانت جانيت تريد أن تقول له أنها تفضل الجلوس ألى طاولة أخرى , لكن أمها أسرعت تقول بحماس:
" هذا لطف شديد منك".
كانت جانيت تريد أن تقول أنها تفضل الجلوس ألى طاولة أخرى , لكن أمها أسرعت تقول بحماس :
" هذا لطف شديد منك ".
أنضمت جانيت أليهم عابسة , في حين تولى بروس مهمة التعريف بالرجل الثاني , قائلا:
"هذا زميلي المحامي فرانسيسكو كافانيلاس".
مدّت جانيت يدها تصافح المحامي الأسبني الذي يبلغ السادسة والعشرين من العمر تقريبا .
منتديات ليلاس
سألهما بروس ماذا تشربان؟ فأختارت السيدة كيندال عصير التفاح بينما أختارت جانيت الكوكا كولا المثلجة , كانت قد خلعت النظارات الشمسية في داخل المبنى و أما الآن فهي تشعر بحاجتها أليها أتقاء للشمس الساطعة , وأيضا تهربا من نظرات بروس المتمعنة ...... بالرغم من أن أنتباهه كله كان مركزا على الأم لتي أخذت تعدد مصاعب التسوق في هذه الأيام.
فكرت جانيت أن الفرصة مناسبة الآن لدراسة شخصيته الخارجية عن كثب , وبعد أن تفحصت ملابسه الزرقاء التي تناسب لون عينيه الفولاذيتين , وجدت نفسها تخمن عمره...... وأخيرا أعتبرت أنه تجاوز الثلاثين من العمر , وألا لما وصل ألى هذا المركز المرموق في الحياة.
أستدارت جانيت ألى المحامي الأسباني الذي كان يحاول مد حديث معها ....... فأنتهز الفرصة قائلا بلغة أنكليزية راقية لوّنتها لكنة أسبانية محببة :
" هل أنت هنا منذ مدة طويلة ؟".
أبتسمت جانيت بلطف :
" ليس أكثر من يومين , وهل تعيش أنت هنا؟".
هز رأسه موافقا :
" أنا من أبييزا , لكنني أعمل في مناطق أخرى أيضا ".
أستمر الحديث لعدة دقائق أخبرها خلالها عن مهمة المحامي وحياة طالب القانون وكيف أنه بدأ العمل في أحد المكاتب منذ بلغ الثالثة والعشرين من العمر , وأخيرا قررت جانيت التلميح ألى ضرورة الذهاب كي لا يفوتهما الباص الأخير المتوجه ألى القرية , وقفت وهي تحث أمها على النهوض:
" هذه الأغراض ستتعبنا في الرحلة و من الأفضل أن نتحرك الآن ".
لم تبد الأم حماسة للنهوض , لكن بروس والبروك قال مؤكدا :
" ليس من الضروري أن تعودا ألى سان غبرييل بالباص , فأنا وفرانسيسكو ذاهبان ألى الفيللا قريبا , ويمكنكما أن ترافقانا في طريق العودة".
أرادت جانيت أن تعلم أمها برغبتها في الرحيل , لكن ركلاتها من تحت الطاولة لم تقدم ولم تؤخر ....... بل عادت السيدة كيندال ألى جلستها المريحة قائلة :
" طبعا , هذا لطف منكما , وعلى كل لم أنته بعد من كأس الشراب".
وأضطرت جانيت ألى الجلوس مجددا , المهم أن فرانسيسكو محدّث لبق , وهي لن تهتم ببروس على الأطلاق.
وأخيرا أنتهى شراب السيدة كيندال , فنهض الجميع مغادرين بعد أن دفع بروس فاتورة الحساب , وقادهم ألى حيث أوقف سيارته في شارع فرعي مجاور.
جلست السيدة كيندال في المقعد الأمامي ألى جانب بروس , في حين أحتلت جانيت وفرانسيسكو المقعد الخلفي.
وما أن خرجت السيارة المكشوفة من حدود المدينة , حتى أدركت جانيت أن النزهة ممتعة فعلا , فقد أختفت زحمة السير , وأمتزجت الحقول الخضراء بالشواطىء الرملية الممتدة ألى ما لا نهاية , وطيلة الطريق لم تتوقف السيدة كيندال عن الحديث كعادتها , وبدا لجانيت أن بروس يتمتع بحديث أمها و أذ لاحظت أنه كان يلتفت من وقت لآخر متابعا حديث السيدة كيندال بأبتسامة عريضة.
ومع أنها أحبت النزهة كثيرا , ألا أنها شعرت بالأرتياح الطاغي عندما لاحت القرية في آخر الطريق , وأنعطف بروس بسيارته شمالا عبر الطريق الزراعي المؤدي ألى الفيللا والبيت , لم تتوقف السيارة أمام الفيللا , بل عبرتها حتى وصلت ألى الباب الخلفي للبيت..... حيث نزلت السيدة كيندال وهي تضحك وتشكر بروس على الرحلة الجميلة .
منتديات ليلاس

ترجلت جانيت من السيارة معتمدة على ذراع فرانسيسكو الذي أنحنى بلطف وقبّل يد الأم ثم يد الأبنة مودعا , أما بروس فقد دسّ مفاتيح السيارة في جيب سترته وغادرهما قائلا:
" أتمنى لكما نهارا سعيدا ".
ردّت السيدة كيندال بحماسة :
" ولك أيضا".
ساررت الأم والأبنة بأغراضهما داخل الحديقة , وما أن وصلتا ألى الباب الخلفي حتى قالت الأم :
" يا له من رجل جذاب ".
نظرت الأم بهدوء قائلة :
" أعرف يا عزيزتي , ومع ذلك فهو رجل جذاب وساحر".
وما أن فتحتا الباب حتى أندفع دال ألى الخارج قافزا بين الأغراض والأقدام , ثم أنطلق في الحقول بعد سجن أستمر عدّة ساعات , وضعت جانيت الأغراض في المطبخ , وألقت نظرة سريعة على الرجلين اللذين أختفيا للتو في الفيللا ........ قد يكون بروس والبروك قد أثر على أمها ألى حد ما , لكنه لن يخدع جانيت أبدا.

نيو فراولة 25-09-10 02:31 PM

طيلة اليومين التاليين لم تلحظ أي نشاط في ما يتعلق بالممر , بأستثناء وصول شاحنة صغيرة تحمل بعض النباتات للسيدة كيندال , ولكن في اليوم الثالث , وبينما كانت تحاول أصلاح ماكينة الخياطة الموضوعة في الكوخ , لمحت شخصا طويل القامة يغادر البيت , لم تكن متأكدة من هويته , لكنه عندما دخل بوابة الفيللا تبين أنه فرانسيسكة كافانيلاس .
أستنفرت جانيت كل قوتها وأسرعت عائدة ألى ابيت وهي تفكر في أسباب الزارة .
فوجدت أمها تجهز أدوات الشاي في الباحة الخلفية كعادتها كل يوم في مثل هذا الوقت.
قالت وهي تجلس في كرسيها:
" هل شاهدت زائرا في بيتنا قبل قليل".
" أجل , أنه المحامي الأسباني اللطيف الذي ألتقيناه في المدينة قبل يومين ".
لم ترفع السيدة كيندال عينيها عن الصينية وعلبة البسكويت...... لكن من الواضح أن لديها الكثير من الأنباء , وأنتظرت جانيت , حتى كشفت الأم عن كامل التفاصيل.
قالت السيدة كيندال:
" أصحاب الفيللا , آل فورد , دعونا لقضاء بعد ظهر الغد معهم , وهم يقولون أن الجيرة الحسنة ضرورية , والواضح أن الدعوة موجهة ألى عدد من الأصدقاء أيضا".
أحست جانيت وكأن شلال ماء بارد صبّ عليها فجأة وهي تستمع ألى كلام أمها .
هل تدخل ألى معسكر العداء ؟ مجرد التفكير بالأمر يجعلها تشمئز وتنفر. أنها لا تستطيع تصور أي فائدة من لقاء أصحاب الفيللا , وفي الوقت نفسه سيبدو موقفهما ضعيفا ومهتزا أذا ما رفضتا الدعوة , أتخذت الأم موقفا مماثلا لموقف الأبنة , ولكن لأسباب مختلفة , قالت وهي تصب الشاي في الكوبين :
" سأرتدي فستاني المصنوع من الحرير الدمشقي الذي لم تتح لي المناسبة بعد كي أرتديه , طيلة السنة لا نجري ألا حفلة واحدة تقيمها جمعية السكان الأجانب ....... وهي تقام على شاطىء البحر , دائما كنت أتمنى السهر في الفيللا , ولا بأس من أن يلامس الفرو المخبأ في الخزانة منذ سنوات كتفي في هذه السهرة".
منتديات ليلاس
ومع أن جانيت متأكدة من أن موقف أمها ليس سليما , ألا أنها عاجزة عن فعل أي شيء لتغييره , وهكذا وجدت نفسها في اليوم التالي تتزين تمهيدا للدعوة , وقررت أن لا تبالغ في التجميل , بلأختارت ثوبا عاديا بلون أخضر فاتح مزين بعدة ورود بيضاء , ثم أكتفت بلمسات خفيفة من الماكياج , وتركت شعرها البني ينسدل بحرية على كتفيها..... وأخيرا أنتعلت صندلا أبيض وتوجهت لترى كيف أستعدت أمها , لم تكن السيدة كيندال جاهزة فحسب , بل هي على أحر من الجمر للذهاب ألى الفيللا ,وما أن رأت جانيت حتى أبلغتها أن السيارات بدأت تصل منذ عشرين دقيقة , وألحّت عليها بالسير فورا , راقبت جانيت السيارات الفاخرة التي توقفت أمام الفيللا , وراحت تشرح بصبر وأناة الحكمة من الأنتظار حتى تكون الحفلة قد أكتملت.
بعد الثالثة بقليل تحركت جانيت والسيدة كيندال ألى الباب الرئيسي.
وهناك أعترضهما الكلب دال الذي راح يدور قرب الباب وذيله لا يكف عن الحراك وكأنه يعبر عن أنزعاجه لأنهما ستتركانه وحيدا في البيت , ربتت السيدة كيندال على رأس الكلب وكأنها ترفّه عنه , ثم غادرتا معا بعد أحكام أغلاق الباب وقطعتا الطريق الفاصل بين البيت والفيللا في لحظات قليلة .
لاحظت جانيت أولا أن السيارات بمعظمها كانت فاخرة وغالية الثمن ,ولا يمكن أن يمتلكها ألا أصحاب الثروات والمناصب , كان الباب الخارجي مفتوحا , والشمس الساطعة تنعكس على السلم الرخامي الذي تسلقته جانيت وأمها وولا ألى الحديقة الخلفية حيث كان الحضور مجتمعين.
وما أن أجتازتا نهاية السلم الرخامي حتى ألتقتا بأحد الخدم وهو يحمل مجموعة من الأقداح والمرطبات المنعشة , حيّاهما الخادم بأبتسامة مؤدبة , ثم دلّهما ألى مصدر الأصوات والضحكات التي كانت تملأ المكان .
سارت جانيت وأمها في الأتجاه الذي أشار أليه الخادم فعبرتا الجهة اليمنى نحو الحدائق التي تمتد ألى الطريق الزراعي , ولفت نظر جانيت على الفور حوض السباحة المصنوع من البلاط الأزرق الصافي , والذي أتخذ شكلا بيضاويا , على أحد طرفي الحوض توزعت مقاعد سباحة مريحة , بينما أصطفت على الطرف الآخر طاولات أزدحمت بأنواع الطعام المختلفة.
أنتبهت جانيت ألى أن الجو العام لم يكن ذا طابع رسمي , فالناس موزعون جماعات وأفرادا حول الحوض وفي الحديقة الملحقة به .
وحتى السيد فورد كان طبيعيا عندما نهض من كرسيه لأستقبال السيدة كيندال وأبنتها , ثم نادى زوجته قائلا:
" أيمالينا , تعالي أستقبلي ضيوفك".
كان رالف فورد يرتدي ثوبا حريريا يظهر أمتلآء جسمه وطوله قامته , ومع أن عينيه تبدوان حادتي النظرة للوهلة الأولى , ألا أنه صاحب وجه طيب تحت شعر رمادي دلّ على الخمسين سنة التي عاشها.
وضع رالف فورد ذراعا في يد كل من جانيت والسيدة كيندال وقادهما ألى أحدى الطاولات عارضا عليهما الطعام والشراب , وما هي ألا لحظات حتى أنضمت أليه السيدة فورد التي كانت مشغولة مع ضيوفها في مكان آخر , صافحت السيدة فورد جانيت وأمها وهي ترحب بهما بحرارة...... لكن جانيت لاحظت أن فكر أيمالينا بالرغم من تعابيرها المرحبة , كان يحلّق في أجواء مختلفة تماما, واصل السيد فورد عملية تقديم السيدة كيندال وأبنتها ألى الضيوف الذين كانوا بالقرب منهم , ولم تستطع جانيت أن تستوعب كل الأسماء التي قيلت أمامها , ألتقت أناسا عديدين منهم رجل طويل القامة شعره طويل منسدل , وآخر معتدل البنية يبرز في في وجهه شاربان كثيفان وأقتربت منها أمرأة غريبة وصافحتها مبتسمة , ولمحت أبتسامات لطيفة على وجوه عدد من النسوة........ بحيث لم تمض دقائق حتى كانت قد أندمجت مع المجموعة بشكل طبيعي.

نيو فراولة 25-09-10 05:06 PM

كانت الأم قد أستغرقت في حديث لا ينتهي مع شخص ما , وتركها السيد والسيدة فورد بعد أن أكدت السيدة فورد قائلة:
" يمكنك أن تأتي ألى حوض السباحة في أي وقت تشائين , أرجوا أن تتصرفي على راحتك , فالبيت والحدائق ملك لك".
شكرتها جانيت بلطف وهي ترتشف شرابها المنعش , شعرت بالأرتياح لأن أحدا لم يشر خلال الوقت الذي مر ألى موضوع الممر .
أحتارت جانيت بما تفعل بعد أن أنهت كأسها بالقرب من أحد الطاولات .
كانت ترى فرانسيسكو مع أشخاص آخرين عند الطرف الآخر من الحوض , وتمنت أن تشاركه الحديث لما لمسته فيه قبل يومين من طباع حسنة ...... لكنها كانت تشعر بالحرج في أن تسير وحيدة , وأخيرا تسللت بهدوء ألى الجانب الخلفي , فوصلت ألى الحديقة الصغيرة التي تمر بمحاذاة بيت أمها عند الممر , وهناك لمحت غرفة ملحقة بالفيللا ذات نوافذ مشرعة ولما لم تشاهد أحدا , قطعت الممر الضيق ودخلت أليها لألقاء نظرة سريعة , ورويدا , رويدا وجدت نفسها تتنقل من غرفة ألى أخرة ألى أن وصلت أحدى القاعات الكبيرة المزينة بالرسوم واللوحات والتماثيل من مختلف الأحجام.
في أحدى الزوايا , أنتصب تمثال بالحجم الطبيعي لرجل ذي شلرب كثيف وأبتسامة عريضة , ويد ممتدة تحمل منشفة مستطيلة الشكل ,وقفت جانيت تتأمل هذا التمثال وهي تاءل عن معنى اليد والمنشفة ....... وفجأة جاءها صوت عميق بارد من مكان ما خلفها:
" التمثال يعود ألى بداية القرن الثامن عشر ونحت في فرنسا".
منتديات ليلاس
أستدارت جانيت بسرعة لتجد بروس والبروك واقفا خلفها وهو يحمل مجموعة من الأوراق كان في طريقه ألى أيداعها في المكتبة المجاورة , فأضطربت بشدة لأنها شعرت أنه أعتقلها بالجرم المشهود , بالرغم من محاولتها أقناع نفسها بأن السيدة فورد سمحت لها بالتجول في أروقة الفيللا والحدائق الملحقة بها .
أستجمعت جانيت قوتها وواجهت عيني بروس الفولاذيتين وهي تقول:
"كنت أنتهز فرصة وجودي هنا لمشاهدة الفيللا ....... أنها رائعة جدا كما تخيلتها دائما ".
وأدهشها جوابه الهادىء عندما قال :
" ستشاهدين معالمها أفضل أذا ما رافقك أحد , فما رأيك أن أرافقك شخصيا بعد أن أتخلص من هذه الرسائل؟".
لم يكن بوسع جانيت الرفض , بل وقفت تنتظر بهدوء , ألى أن وضع بروس الرسائل في المكتبة المجاورة , وعندما أقترح عليها البدء في الغرف الداخلية , أضطرت للكذب قائلة بأنها شاهدت معظم الغرف , وكانت في طريقها ألى الحدائق عندما ألتقاها في القاعة الكبيرة , وأستغربت كيف أن أنفاسها عادت أليها عندما خرجا ألى الهواء الطلق.
رافقها بروس عبر القاعة ألى الممر العشبي المؤدي ألى الحدائق , وعلى طول الطريق كانت أشجار النخيل والبرتقال والتفاح تحف بهما من الجانبين , وسعان ما أنطلق نظر جانيت يتأمل تمازج الألوان التي تعطيها أشجار الفاكهة المتنوعة من خلال ثمار الزيتون والبلح والبرتقال والتفاح وغيرها , وغرقت جانيت في هذه الجنة الساحرة , بحيث فوجئت عندما خاطبها بروس قائلا:
" لا تلمسيها , فهذه الزهرة تحتوي على أشواك خفية تسبب ألاما لمن يلمسها".
وبدون تردد أنحنى للحظات ثم أنتصب حاملا مجموعة من الأزهار , قدمها لها قائلا:
" هاك الزهور , يمكنك تأملها كما تشتهين الآن ".
كانت جانيت على وشك أن تأخذ الزهور شاكرة ثم تستدير عائدة ألى الحفلة , لكن عينيه الفولاذيتين ألتقتا عينيها , فتسمرا في مكانهما للحظات .
وأستغربت جانيت كيف أن عينيه الحادتين يمكن أن تصبحا خارج نطاق العمل عينين يعشعش الصيف فيهما بدفء وحنان.
أستأنفا السير مجددا وقد سقطت من بينهما مجموعة من الحواجز والرسميات .
قال لها بهدوء:
" أعتقد أنك ألتقيت السيد والسيدة فورد".
" أجل , يبدو أنهما معروفان على صعيد واسع في الجزيرة".
وكعادة كل المحامين , تمهل بروس قبل أن يقول بأسلوب عملي واضح:
" أذن أنت توافقين على ضرورة حصولهم على الممر؟".
فوجئت جانيت بسؤاله , لكنها تمالكت نفسها وردت على الفور:
" أذا كنت تقصد حصولهم على الممر أضافة ألى كل هذه الحدائق بيما أمي لا تملك ألا تلك المساحة الصغيرة , فطبعا أنا لا أوافق , ولا أعتقد أن هناك أكثر ظلما من هذا المنطق ".
أجابها بهدوء بارد :
" أنت تبالغين في كلامك , فأمك تستطيع شق ممر خاص بها يصل الطريق الزراعي بواجهة البيت".
قالت جانيت بغضب:
" لست أرى سببا يدفعها ألى هذه الخطوة ما دامت قد أشترت البيت مع الممر!".
صحح بروس معلوماتها بلهجة قانونية قائلا:
" لقد أشترت البيت , أما الممر فما زال معروضا للبيع".
وأجهته جانيت بقسوة:
" لم يكن معروضا للبع قبل مجيء السيد والسيدة فورد ,فكل الناسهنا كانوا يعتبرون الممر جزءا من بيت أمي".
قال لها بهدوء وهو يأخذ ذراعها بيده:
" هذه ليست الطريقة القانونية الصحيحة يا آنسة كيندال , ففي ما يتعلق بنا و نحن نرى أن هذه القطعة مطروحة للبيع حاليا".
قالت جانيت وهي تدرك أن القانون سيقف ألى جانب أمها التي أمضت السنتين الماضيتين تستعمل الممر في حين لم يصل السيد والسيدة فورد ألا مؤخرا .
" أما ما يتعلق بي شخصيا , فمهمتي تقتصر فقط على وضع أسم أمي على أوراق التمليك الرسمية".
أبتسم بروس والبروك بهدوء وهو يقودها عائدا ألى البيت.

نيو فراولة 26-09-10 04:33 PM

5- هدنة مؤقتة

على عتبة السلم الرخامي المؤدي من الحديقة ألى البيت , لمحت جانيت وبروس السيدة كيندال وهي خارجة من أحدى القاعات برفقة فرانسيسكو , وما أن شاهدت السيدة كيندال أبنتها حتى هتفت :
" ها أنت أخيرا , لقد أخذني فرانسيسكو في جولة داخل الفيللا ...... أنها رائعة حقا ".
أقترب فرانسيسكو مسلما وخاطب جانيت قائلا :
" أين كنت مختفية طيلة هذا الوقت؟".
تدخل بروس في الحديث بلهجة جافة :
" من الأفضل أن ننضم ألى المجموعة قرب الحوض".
كانت المجموعات قد تفرقت في كل أتجاه حول الطاولات العامرة بالطعام والشراب , وقفت جانيت في أحدى الزوايا بأنتظار فرانسيسكو الذي ذهب ليحضر لها مرطبا منعشا وبعض الطعام , كان يبدو عليه عدم الخجل بعكس اللقاء قبل يومين , أخبرها أنه قرر السباحة , لكنه عدل عن رأيه لأن مياه الحوض باردة أكثر من اللزوم , وأخبرها أيضا أنه من هواة السباحة اليومية في البحر حتى خلال فصل الشتاء , وأنها مياه دافئة أكثر من مياه الحوض .
أستمعت جانيت ألى أحاديث فرانسيسكو وأبتسامة عريضة تحتل شفتيها , لكنها لم تستطع ألا أن تركز أهتمامها حيث وقف بروس والبروك يتحدث ألى أمها , وأستغربت كيف أن مظهره يتغير تماما عندما يكون مرتاحا في تصرفاته , فالثوب الحريري الذي يرتديه يظهره نحيفا بشكل غير عادي .... وهي تعرف تمام المعرفة من خلال لمسته العابرة في الحديقة أن أعصابه مقدودة من فولاذ.
وعند حوالي الساعة الخامسة بدأ الحضور في الأنصراف تباعا , فأنتهزت جانيت الفرصة وأنتزعت أمها بصعوبة من وسط الدائرة التي كانت هي محورها , ثم غادرتا الفيللا بصحبة بروس وفرانسيسكو اللذين أوصلاهما حتى الباب الخارجي .
علا عواء الكلب دال عندما وصلتا ألى البيت وطغى على أصوات تحركات السيارات التي كانت تقل ضيوف الفيللا , وفي الداخل أندفع نحوهما وكأنهما غابتا يومين كاملين وليس ساعتين فقط , أحتضنته السيدة كيندال بحب وحنان , لكن فكرها ما زال في تلك الحفلة الرائعة , قالت وهي تمسح على رأسه:
" كانت حفلة ممتازة حقا , لقد سررت كثيرا للقاء جيراننا , أليس هذا شعورك أيضا يا جانيت؟".
منتديات ليلاس
هزت جانيت رأسها موافقة , وقد وجدت صعوبة في الأعتراف بأن السيد والسيدة فورد كانا مضيفين ممتازين.
تابعت السيدة كيندال تقول وهي تنتزع العقد من عنقها :
" والمحاميان لطيفان أيضا!".
ردت جانيت بدون أن ترفع عينيها عن الزهور التي قدمها لها بروس :
" أعتقد أن فرانسيسكو كافانيلاس لطيف جدا ".
أجابت الأم مبتسمة :
" وكذلك السيد بروس والبروك يا عزيزتي ......فقط , يجب أن تتعرفي أليه أكثر".
سارت جانيت نحو مزهرية قريبة لوضع الزهور فيها ..... وفجأة وجدت نفسها تطرح سؤالا غريبا:
" هل هو متزوج في أنكلترا ؟".
" ليس على حد علمي , يظهر أنه كان مشغولا عن الزواج ببناء شهرته العريضة في عالم المحاماة ".
أستبدلت السيدة كيندال فستان السهرة بقميص النوم المريح , ثم سألت أبنتها قائلة:
" لماذا تسألين يا عزيزتي ؟ لقد لاحظت أنكما ذهبتما في جولة طويلة ألى الحدائق والبساتين !".
وأدركت جانيت على الفور أن أمها تراقبها من طرف خفي , لذلك وضعت الزهور من يدها بسرعة , ثم ألتفتت أليها متظاهرة بالتعب والأستغراب وهي تقول:
" لا تكوني ساخرة هكذا يا أمي ".
وبدون أن تنتظر جوابا , تجاهلت أبتسامة أمها ذات المعاني وأسرعت عائدة ألى غرفة نومها .
ويوما بعد يوم , غرقت جانيت في حياة الجزيرة الهانئة بأنتظار عودة رئيس البلدية من رحلته ألى المدينة , خاصة أن أمها لم تدعها تقوم بالأعمال العادية التي هي من أختصاصها وحدها , وقد أكتفت جانيت بالحفاظ على ترتيب ونظافة غرفة نومها , وفي بعض المرات غسل الثياب التي تكون قد تجمعت في الحمام ...... أما باقي الوقت فقد أمضته خارج البيت حيث الشمس الدافئة تلون كل شيء بأشعتها الذهبية الساطعة , وبرفقتها الكلب دال والقطة تويجي التي تجمع بين حركات الهريرة الصغيرة ومتطلبات القطة الكبيرة , وكم تمتعت جانيت بالمعارك السلمية التي كانت تدور بين القطة والكلب بدون أن تصل ألى مرحلة الجدية والأذى وفي كثير من الأحيان كانت توف على أمها مهمة أخذ دال في نزهته اليومية المعتادة , عبر الحقول الخضراء المترامية في كل أتجاه.
وفي مثل هذا الجو الساحر والراحة التي لا تشوبها شائبة , باتت جانيت تخشى أن تصبح فريسة للمناخ المتوسطي الموحي بالدعة والسكينة , ومع كل يوم مشمس جميل , كانت تزداد قناعة أن أبييزا تملك سحرا لا يقاوم وتأثيرا كبيرا على الذين يعيشون فيها , وأخيرا تملك سحرا لا يقاوم وتأثيرا كبيرا على الذين يعيشون فيها , وأخيرا حل موعد رئيس البلدية , لكن لسوء الحظ كان اليوم السبت ,ولا عمل في الدوائر الرسمية الأسبانية حتى يوم الأثنين .

نيو فراولة 26-09-10 06:41 PM

صباح الأثنين هبت جانيت من فراشها بحيوية ونشاط وكأنها تتأهب لجولة جديدة من معركة طويلة قاسية , وعلى مائدة الأفطار , حدثت أمها عن رحلتها ألى القرية , وكأنها ذاهبة للتبضع وليس لمقابلة رئيس البلدية في أمر مهم وعاجل سيقرر مصير المر , ولم تكن جانيت لتغضب من مواقف أمها , خاصة أنها تدرك رغبتها في تمضية بقية حياتها بعيدا عن المشاكل والمنغصات .
بعد أنهاء كوب القهوة الثاني , أغتسلت جانيت وأرتدت فستانا ربيعيا مريحا ...... ولم تنس طبعا قبعة القش والنظارة الشمسية قبل أن تأخذ الدراجة الهوائية وتنطلق في رحلتها الطويلة , وعندما وصلت ألى محاذاة الفيللا و تمهلت قليلا لألقاء نظرة خاطفة ألى الباحة حيث تتوقف والسيارات , ولأرتياحها الشديد وجدت أن سيارة بروس والبروك ما زالت في مكانها , وعلى الفور أجتاحتها رغبة في الأنطلاق بأقصى سرعة كي تلتقي رئيس البلدية قبل بروس , ولكنها كانت تريد في الوقت نفسه أن تتمتع برحلتها فتصل ألى اللقاء مرتاحة ومستعدة لكل الأحتمالات .
ولم تكن جانيت مضطرة للأختيار , فقد أجبرتها الشمس الحادة على الأنطلاق بسرعة معتدلة خاصة أن الغبار بات يهدد منظرها وثيابها ,وعندما وصلت ألى سفح التلة التي تقوم عليها القرية , تركت الدراجة في المكان نفسه حيث تركتها المرة السابقة وراحت تصعد الطريق الضيق تحت الشمس التي أزدادت سطوعا وحرارة , وفي منتصف الطريق عثرت على سبيل ماء فاتتها رؤيته في الرحلة الماضية ,لذلك أنتهزت الفرصة لترطيب وجهها وعنقها وذراعيها وواصلت سيرها وهي تشعر بالأنتعاش المتجدد.
كانت القرية مهجورة كعادتها في مثل هذا الوقت , لكن روائح الطهي المنبعثة من عدة أماكن كانت تؤكد أن الحياة تجري طبيعية خلف الجدران البيضاء الصامتة , أجتازت جانيت الساحة العامة وتمهلت قبل أن تدخل مبنى البلدية الواسع.
منتديات ليلاس

ألتقت في قاعة الأستقبال الموظف نفسه الذي ألتقته في المرة الأولى , حيّاها الموظف بلطف وكأنه عرفها على الفور , لكنها أضطرت ألى تذكيره بالممر ورئيس البلدية قبل أن يهتف قائلا بالأسبانية :
" آه رئيس البلدية ........ في المدرسة".
وعندما أستغربت جانيت علاقة المدرسة برئاسة البلدية , تابع الموظف شرحه قائلا:
" البروفسورة هناك".
" أذن رئيس البلدية هو الأستاذ أيضا , وما أن أستدارت ذاهبة ألى المدرسة حتى تذكرت أن كلمة البروفسورة تعني الأستاذة وليس الأستاذ , فعادت على الفور تستفسر من الموظف عن أسم رئيس البلدية....... فقال لها :
" السينيورة كاسيلا غارسيا!".
شكرت جانيت الموظف وغادرت المبنى متجهة ألى لمدرسة , لم يخطر في بالها أن يكون رئس البلدية أمرأة , لكن ما الفرق في أن يكون رجلا أو أمرأة , بالنسبة ألى أنهاء مشكلة الممر .....
أجتازت عدة شوارع خالية قبل أن تصل ألى ما بدا لها أنه المدرسة حسب وصف الموظف , وكي تتأكد من ذلك أوقفت فتاة صغيرة وسألتها فأجابت الطفلة بالأيجاب وهي تهرب خجلا , عند السلم الحجري الناصع البياض , ألتقت مجموعة من الأولاد بأزيائهم الرسمية , أخذ هؤلاء يتصايحون ويقفزون حولها وقد أستغربوا وجودها , ويبدو أن المعلمة سمعت جلبتهم فخرجت تستطلع الأمر , فأذا بها وجها لوجه مع جانيت.
سألتها جانيت:
" السيدة غارسيا؟".
أجابت المعلمة بأبتسامة عريضة :
" نعم".
رحبت بها بحرارة وقادتها عبر أحدى قاعات الدرس الخاصة بالمقاعد والطاولات والكتب لتي تركها الأولاد على جوانب المقاعد , ألى قاعة أخرى مرتبة ونظيفة للغاية.
وما أن سحبت السيدة غارسيا كرسيين لها ولجانيت ,حتى دخلت مجموعة من الأولاد وأتجهوا ألى المغسلة المجاورة بحجة تنظيف أيديهم.
أستعدت جانيت لعرض قصتها على رئيسة البلدية , ولكن ليس شفهيها , فقد عمدت طيلة العشرة أيام الماضية ألى أستنفار كل ما أتقنته من الأسبانية وكتبت رسالة مطولة تعرض فيها مشكلة الممر من أولها ألى آخرها , مستعينة بكتاب لتعليم الأسبانية وأيضا بما تعرفه أمها من هذه اللغة الصعبة .
تناولت السيدة غارسيا الأوراق وأخذت تقرأها بتمعن , في حين راحت جانيت تتفحص رئيسة البلدية بأنتظار حصولها على جواب شاف , كانت السيدة غارسيا جذابة للغاية بشعرها الأسود الاحم المنسدل على كتفيها , وترتدي فستانا أزرق يكشف عن ذراعين سمراوين ممتلئتين , وقد تزينت بعقد من الذهب وخاتمين ماسيين .بلأضافة ألى ساعة يد ذهبية .
وبين الحين والآخر , كانت السيدة غارسيا تبتسم لنفسها , وفكرت جانيت أنها تضحك على أسلوبها في كتابة الرسالة باللغة الأسبانية.... لا بأس في ذلك ما دام مضمون الرسالة واضحا ومفهوما , وفي النهاية رفعت رئيسة البلدية رأيها قائلة:
" فهمت المشكلة".
وأنتظرت جانيت بفارغ الصبر جواب رئيسة البلدية , ولكنها لم تفهم شيئا على الأطلاق عندما راحت السيدة غارسيا تتكلم وتشرح بلغة أسبانية سريعة , بحيث أحست جانيت بأنها تغرق في خضم لا قرار له , وأحاطت الجمل والعبارات المتسارعة بجانيت بدون أن تكون قادرة على الوقوف في سبيلها ..... ولم تستطع بعد جهد جهيد ألا الأعتذار قائلة:
" أنا آسفة.... لم أفهم شيئا".
فوجئت السيدة غارسيا بجواب جانيت , لكنها أستدركت وهي تنهض قائلة:
" لم تفهمي؟ لحظة فقط".

نيو فراولة 26-09-10 06:56 PM


نادت السيدة غارسيا بأحد الأسماء وسرعان ما أطلت فتاة صغيرة من الغرفة المجاورة , تبادلت المعلمة وتلميذتها حديثا سريعا باللغة الأسبانية , ثم ألتفتت ألى جانيت شارحة لها أن شقيق الفتاة الصغيرة يعمل موظف أستقبال في أحد الفنادق وهو يتقن الأنكليزية , ولذلك من الأفضل أن تذهب جانيت وتحضره من بيته الرقم 46 في الشارع المجاور كي يساعد في الترجمة بين الطرفين.
شكرت جانيت المعلمة وأبتسمت بلطف للفتاة الصغيرة ثم غادرت المدرسة متوجهة ألى البيت رقم 46 , قطعت ساحة اللعب وهي تفكر بأن وجود مترجم سيساعد كثيرا على بت المشكلة بسرعة , دخلت ألى الشارع المقصود , فأكتشفت من أرقام البيوت أنه كان من الأفضل لها أن تبدأ من الجهة الأخرى , لكن الأمر ليس مهما الآن , فالمطلوب الوصول ألى البيت والتعرف ألى بارتولومي وهو أسم الموظف , وأحضاره ألى المدرسة للتفاهم مع رئيسة البلدية.
وتبين لجانيت عندما وصلت ألى نهاية الشارع , أن بيت بارتولومي عبارة عن مزرعة واسعة تحتل أحد التلال المتناثرة حول القرية , قطعت البساتين المحيطة بالبيت , وأقتربت من الباب الرئيسي فأذا بها تلمح أمرأة بثياب سوداء خرجت لتوها من غرفة مجاورة , سألتها جانيت عن بارتولومي , فكان الجواب صرخة أطلقتها السيدة ناحية المنزل , ثم عادت من حيث أت.
أنتظرت جانيت أمام الباب للحظات قبل أن يطل عليها شاب قد لف حول خصره منشفة تستعمل لحماية الثياب عند الجلي أو الغسيل , أبتسم الشاب الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من العمر بلطف فأنكشفت أسنانه غن فراغ نتيجة كسر أصاب أحداها.
سألته جانيت مبتسمة:
" هل أنت بارتولومي؟".
رد قائلا:
" أجل , وهم يطلقون عليّ لقب تولو!".
شرحت له جانيت سبب زيارتها , وسألته أذا كان يوافق على أن يقوم بدور المترجم بينها وبين رئيسة البلدية .
منتديات ليلاس

قال لها:
" طبعا , لحظات فقط وأنتهي من أرتداء ملابسي , تفضلي وأستريحي في الداخل".
أنتظر بارتولومي حتى دخلت جانيت أحدى الغرف العادية , ثم ذهب ألى غرفته لأرتداء ملابسه وهو يردد أغنية أسبانية معروفة, وكم تمنت جانيت لو أنه يسرع في الذهاب معها , فقد مضى وقت غير قليل على مغادرتها المدرسة , ولكن لا فائدة مع هذا الشاب , لذلك بحثت عن مقعد في الغرفة العارية التي تضم طاولة مستديرة الشكل مغطاة بستار أحمر وحولها ثلاثة كراسي, بعد قليل بدأت تشعر بالضيق لهذا الأنتظار غير المتوقع , وفوجئت ببارتولومي يعود ولم يكن قد غيّر سوى قميصه الصيفي , قال لها أنه جاهز لمرافقتها ألى المدرسة , ثم وجه عبارات مختصرة بالأسبانية ألى أشخاص مجهولين يعملون في المطبخ.
وعند السلم الحجري أستمهل بارتولومي جانيت للحظات , وأختفى خلف البيت, وما هي ألا لحظات قليلة حتى سمعت صوت محرك سيارة مهلهلة يقودها بارتولومي , الذي ترجل أمامها ليفتح الباب بكل فخر وكبرياء
وأضطرت جانيت ألى حبس أنفاسها طيلة الطريق بفعل الأسلوب المجنون السريع الذي أستعمله بارتولومي في قيادة السيارة , فقط عندما توقفت العربة أمام المدرسة , أستطاعت جانيت أستجماع أنفاسها لتقول :
" لغتك الأنكليزية ممتازة يا تولو! ".
هز كتفيه بلا مبالاة وهو يقول :
" ليست جيدة كما ينبغي , في الصيف أتعلم الكثير من المفردات .......... لكنها تختفي بمعظمها عندما يحل فصل الشتاء!".

نجمة33 26-09-10 07:01 PM

يعطيك العافية وتكملينها لنا

نيو فراولة 26-09-10 08:48 PM

وكانت جانيت على وشك أن تطرح سؤالا آخر على بارتولومي , عندما لاحظت وجود مدخل آخر للمدرسة ربما الذي يستعمله الأساتذة فقط ..... والسبب الذي لفت نظرها هو وجود السيارة الزرقاء التي تعرف صاحبها تماما , خفق قلبها بشدة لهذه المفاجأة , مع أنها كانت تتوقع مجيئه في أيى لحظة , وتساءلت عن الوقت الذي أمضاه هناك.... وحثت خطاها مسرعة بدون أن تغيب البسمة عن شفتيها وهي تستمع ألى أحاديث بارتولومي.
في الداخل , كان أحد التلامذة يشرف على قاعة الصف التي غابت عنها المدرسة , سارت جانيت بخطى واثقة نحو غرفة الطعام وهي مدركة أن بروس والبروك موجود هناك , وفي تلك اللحظات لم تكن لتهتم بما أذا كان المفروض فيها أن تدخل الخلوة أم لا.
لمحته جالسا قبالة رئيسة البلدية وقد غرق معها في حديث طويل , وعندما شاهدها لم تتراجع , أنه مخطىء أذا كان يعتقد أنها ستضطرب وترتد على عقبيها لمجرد وجوده في هذا المكان , ومهما كان الأمر , فقد جاءت قبله وستستمر حتى ولو كان حاضرا.
منتديات ليلاس

وقفت جانيت وبارتولومي في الممر المؤدي ألى غرفة الطعام وفي حين أنشغل تولو بملاعبة أخته في الصف بالأشارة من بعيد , ركزت جانيت أهتمامها على رئيسة البلدية وبروس الذي كان يتحدث الأسبنية بأرتياح وطلاقة , وأحست بكراهية شديدة أتجاهه عندما أحست أنه سحر السيدة غارسيا بشخصيته وتصرفاته المدروسة.
ولم تكن السيدة مهتمة بوجود جانيت وتولو قرب الباب , فكل تركيزها كان منصبا على ذلك الرجل الأنكليزي الجالس قبالتها بكل أعتداد وكبرياء.
وأخيرا أنتهت المحادثات , عندما نهض بروس مصافحا رئيسة البلدية بأحترام ولطف , فردت عليه بأبتسامة عريضة , وهنا أشارت السيدة غارسيا ألى جانيت وتولو داعية أليهما ألى الدخول بدون أن تبدي حرجا لأنها كانت تستقبل العدو اللدود قبل لحظات.
وجه بروس تحية مؤدبة ألى جانيت عندما مر بها عند الباب , لكن جانيت تجاهلته وأسرعت هي وتولو ألى أتخاذ مقعدين قرب الطاولة التي كان بروس يحتلها قبل قليل , وما أن أستقر المقام بالثلاثة حتى طلبت جانيت من تولو أن يشرح للسيدة غارسيا بالتفصيل مشكلة الممر , آخذة بعين الأعتبار أن بروس بلا شك عرض موقف أصحاب الفيللا من هذه المسألة.
طيلة الوقت كانت رئيسة البلدية تهز رأسها موافقة في حين أستمر تولو في عرض المسألة بلغته الأسبانية السريعة , وأنتظرت جانيت على أحر من الجمر جواب السيدة غارسيا التي أخذت تتحدث الآن , بينما يقوم تولو بالترجمة الفورية , كل نقطة وحدها , قال:
"السيدة غارسيا تتفهم المشكلة , فهناك عديدون يريدون شراء أجزاء من الممر بالقرب من بيوتهم , وقد ناقش مجلس البلدية هذا الوضع وقرر أن لا صلاحية لديع للتعاطي فيه.
قاطعته جانيت بسرعة:
" لكنني أعتقدت أن السلطات المحلية هي صاحبة القرار".
وضع تولو السؤال بالأسبانية , ثم ترجم جواب السيدة غارسيا قائلا:
" أنها تقول أن يديها ...... ".
وأستعمل يديه للأشارة ألى ما يعنيه .
قالت جانيت:
" تقصد أن يديها مقيدتان! لكن كيف سنحصل على الممر ؟".
نقل تولو الجواب على سؤالها قائلا:
" تقول أن عليها الكتابة لمدريد للحصول على أذن حكومي ببيع الممر!".
أجابها تولو مترجما:
" ستكتب الرسالة هذا اليوم".
منتديات ليلاس

شعرت جانيت أنها حققت شيئا ما , فسألت:
" كم من الوقت سيمضي حتى نحصل على جواب؟".
ردت السيدة غارسيا بالأسبانية , ففهمت جانيت جوابها على الفور...... شهر كامل ؟ أنه وقت طويل جدا! لكن جانيت عادت وقبلت بالواقع , على أعتبار أن الشهر فترة معقولة أذا ما عولجت القضايا بواسطة البريد.
نهضت السيدة غارسيا وقد أدركت أنها أبقت تلامذتها وحيدين لفترة طويلة , ولم تشأ جانيت أن تؤخرها أكثر , لذلك صافحتها شاكرة وغادرت المدرسة برفقة تولو الذي تبادل ورئيسة البلدية عدة عبارات بالأسبانية.
أمتلأت نفس جانيت بالأرتياح لهذه المقابلة , فعلى الأقل , أبدت السيدة غارسيا تفهما لمطالبها وتعهدت بالكتابة ألى مدريد نيابة عنها . وهذا يعني أن رئيسة البلدية لم تحسم المسألة بالرغم من لقائها المطول مع بروس والبروك.
في ساحة المدرسة ودع تولو جانيت قائلا:
" يجب أن أذهب الآن , فقد أقترب موعد دوام العمل!".

نيو فراولة 26-09-10 09:09 PM


شكرته بحرارة للخدمات التي قدمها , ثم راقبته وهو يدخل سيارته المهلهلة ........ ولوحت له بيدها مودعة وسارت عائدة ألى حيث وضعت دراجتها , وعندما وصلت ألى المنعطف , أحست بقدميها عاجزتين عن السير ........ لقد أختف الدراجة , نقلت نظرها بقلق في كل أتجاه , لكن لا شيء أبدا , أقتربت من المنعطف أكثر .......... وفجأة عثرت على ضالتها , كانت الدراجة تحتل صندوق سيارة بروس والبروك الذي غرق في مقعده الوثير ينتظر عودتها من لقاء رئيسة البلدية , ألتفت أليها عندما أقتربت منه وقال:
" لقد سمحت لنفسي بوضع دراجتك في الصندوق ".
ردت جانيت ببرود :
" لم يكن ذلك ضروريا , فأنا أراها مفيدة جدا ".
مال ألى الباب يفتحه متجاهلا عباراتها , وهو يقول :
" هيا أدخلي , أنك تبحثين عن التعب بأستعمالك الدراجة في مثل هذا الطقس اللاهب!".
وقفت جانيت في مكانها وهي لا تدري ماذا تفعل , لم تكن بحاجة لمن يخبرها عن صعوبة العودة ألى البيت على الدراجة , فقد جربتها عندما جاءت هذا الصباح , ومع ذلك كانت تجد حرجا في الأذعان لطلبه , وماذا تستطيع أن تفعل بعد أن حزم دراجتها في صندوقسيارته؟
منتديات ليلاس

دخلت ألى السيارة الفاخرة وهي تلوم نفسها لعجزها عن مواجهة طباعه المتعجرفة ولكن ما أن أنطلقت السيارة , وهبت النسيمات المنعشة من كل أتجاه , حتى أرخت جانيت نفسها وسرحت بنظرها في الطبيعة الهادئة الممتدة في كل أتجاه , وكادت أن تستمتع بالرحلة لولا وجود بروس والبروك ألى جانبها , فهي دخلت معه في معركة حامية ولا مجال للتراجع الآن.
وبدا أن بروس غير مستعجل للوصول ألى الفيللا , فالسيارة تسير بسرعة معتدلة بالرغم من أن الطريق مفتوح أمامها ولا وجود للسيارات ألا ما ندر , ولم تبد جانيت أنزعاجا من هذا التباطؤ , بل أنتهزت الفرصة لتتأمل عن كثب تفاصيل الطبيعة الخلابة في هذه الجزيرة الرائعة.
وصل بروس ألى الطريق الزراعي , وعبره متجها ألى الممر الذي يقع بين الفيللا والبيت , أبتسمت جانيت في سرها وهي تلاحظ أنه يستعمل الممر وكأنه أصبح جزءا من أراضي الفيللا , وما أن توقفت السيارة حتى غادرتها جانيت بسرعة في حين تولى بروس مهمة نقل الدراجة ألى أحد الجدران , وفي هذه اللحظة ظهرت السيدة كيندال ,فعلت الأبتسامة وجهها عندما شاهدت بروس وقالت:
" السيد والبروك هنا!".
قال بجفاء واضح وهو يضع الدراجة:
" لقد توليت نقل الدراجة , وأستطعت أقناع أبنتك بمرافقتها!".
" هذا لطف منك , فما رأيك بشراب منعش بعد هذه الرحلة المتعبة؟".
ضاعت نظرة جانيت العاتبة في خضم ترحيب أمها بالزائر العزيز , كما أن بروس لم يعرها أي أهتمام ب أبتسم للأم قائلا:
" أن الفكرة رائعة جدا".
لحقت جانيت بالأثنين ألى الحديقة الخلفية ووجهها يقطر غضبا , ولشدة دهشتها لاحظت أن تويجي الخائنة أسرعت ألى حضنه بينما ربض دال عند قدميه بسكون وأرتياح.
عادت السيدة كيندال بعد لحظات وهي تحمل أبريقا من عصير الفواكه البارد مع ثلاثة أكواب , راقبت جانيت بروس وهو يتقبل الكوب من أمها , وعندما جاء دورها قالت:
" لا, شكرا , لست عطشانة على الأطلاق".
منتديات ليلاس

تناولت السيدة كيندال كوبها وراحت تحادث السيد والبروك بدون أن تغرق في ثرثرة لا معنى لها , فهي تعرف متى يكون الأنسان محتاجا ألى بعض الهدوء والسكينة بعد عناء نهار صيفي طويل , أما بروس فقد كان يتصرف وكأنه في بيته , وللحظات أحست جانيت بأنه يتمتع بكل شيء على حسابها الخاص , كل حركة أو أبتسامة أو كلمة يطلقها.
وأستغربت كيف شعرت بنوع من الندم عندما نهض واقفا للعودة ألى الفيللا , ولم تعرف كيف رافقته ألى الباب الخارجي بعد أن ودع أمها في الداخل.
أخرج بروس سيكارة من جيب سترته , وقال:
" وداعا يا آنسة كيندال , وبما أن مشكلة الممر أصبحت بين يدي المسؤولين في مدريد , فعلينا أن نقيم هدنة بيننا .... على الأقل هدنة مؤقتة .
ولم تعرف جانيت ما أذا كان جادا أو مازحا في كلماته , لكنها كانت متأكدة من شيء واحد عندما قابلت نظرته العميقة بنظرة مماثلة , أن معركة الممر قائمة بينهما حتى أشعار آخر.

نيو فراولة 26-09-10 11:47 PM

6- غضب غير مبرر

جاء أيار ( مايو ) أخيرا حاملا معه أشعة الشمس اللاهبة , بحيث تحوّلت السهول الخضراء ألى اللون الذهبي الأصفر , وبدأت نباتات الذرة تعطي ثمارها التي جذبت العصافير المختلفة من كل مكان .
شعرت جانيت أنها بحاجة ألى هواء البحر المنعش ومياهه الباردة في مثل هذا الحر , وكانت تدرك أن ممر سكة الحديد كان يستعمل في السابق لنقل الملح , وهذا يعني أنه يمتد مباشرة ألى الشاطىء الذي يبعد بضع كيلومترات فقط , وذات يوم سألت أمها عن هذه المسألة , فردت السيدة كيندال قائلة:
" هذا صحيح يا عزيزتي , فسكة الحديد تأخذك مباشرة ألى شاطىء رملي صغير , وقد أستعملتها مرة أو مرتين بصحبة الكلب دال ".
سألتها جانيت :
" هل يمكنني أستعمال الدراجة على هذه السكة؟".
" أعتقد ذلك , فهناك ممر للمشاة على جانبها , ولن تستغرق الرحلة أكثر من نصف ساعة وهي أفضل من الذهاب مشيا على القدمين".
تشجعت جانيت بالمعلومات التي حصلت عليها , وأسرعت ترتدي ثياب السباحة وفستانا صيفيا خفيفا , ووضعت في حقيبة يدها منشفة متوسطة الحجم ...... ثم أتجهت ناحية الكوخ لأخذ الدراجة . ومع أن أشعة الشمس كانت حارقة , ألا أن جانيت تمتعت بالرحلة خاصة وأن الممر كان ممهدا أمامها , وعلى طول الطريق الممتد بين البيوت والمزارع , أعطت الأشجار الباسقة ظلالا وارفة حجبت في أماكن كثيرة حرارة الشمس .
منتديات ليلاس

ولم تجد جانيت نفسها ألا وهي على الشاطىء , كان المكان يحتل نصف دائرة صغيرة من الرمال الذهبية , قام على أحد طرفيه مقهى صغير وعلى الطرف الآخر عدة غرف لتغيير الملابس والأستحمام . بينما ظهرت في جانب منه مجموعة من القوارب الصغيرة.
وأسرعت جانيت تتخلص من الحذاء والدراجة لتلقي نفسها في أحضان الموج الهادىء متمتعة بأنتعاش الماء وصفائه , ولم يكن عدد السابحين ليتجاوز أصابع اليد الواحدة..... لذلك أستسلمت جانيت للبحر الذي أنساها كل حرارة الرحلة من البيت ألى الشاطىء .
بعد وقت قصير خرجت من البحر تتمدد بكسل فوق المنشفة التي أحضرتها معها , ثم طلبت شرابا منعشا من المقهى المجاور وراحت تتأمل حركة الموج الأبدية , بينما الشمس تلوح جلدها الأبيض , وما أن أنهت شرابها حتى حزمت أغراضها تمهيدا للعودة ألى البيت , لأنها لم ترد أن تعرض نفسها للشمس بكثرة في المرة الأولى , طالما أن بأمكانها المجيء ساعة تشاء , وفي المرة المقبلة ستحضر معها كتابا لقراءته في أحدى الزوايا المنعزلة.
كانت حرارة النهار قد خفّت عندما بدأت جانيت رحلة العودة , وهكذا قادت دراجتها ببطء وهي تتمتع بكل مشهد من مشاهد هذه الطبيعة الساحرة , وفجأة أحست بنوع من تأنيب الضمير لأنها تمضي أيامها براحة وأستجمام بينما المفروض أن تكون في لندن لكسب لقمة عيشها , وتذكرت صديقتها نونا التي لم تنقطع المراسلة بينهما طيلة الوقت , فقد كانت رسائل نونا تتحدث عن نمو علاقتها بأحد مدراء المحل الذي تعمل فيه , وأيضا عن مشاكل وطرائف أنجيلا التي حلّت محل جانيت في الشقة حتى عودتها من أسبانيا.
لم تكن الساعة قد تجاوزت الرابعة بعد الظهر عندما وصلت جانيت ألى البيت , وكانت تتصور أن أمها تعد الآن , ولا شك , الشاي والبسكويت بأنتظار عودتها , ولكنها أكتشفت أن الباب الأمامي مغلق وهو أمر لا يحدث ألا نادرا عندما تذهب الأم للتسوق في نهاية الأسبوع , فتحت الباب ودخلت ألى القاعة الرئيسية منادية على أمها , ألا أن الصوت الوحيد الذي سمعته هو عواء دال الذي أسرع من المطبخ لأستقبالها , فكرت جانيت أن أمها قد تكون ذهبت في نزهة قصيرة ألى الحقول المجاورة , لذلك قررت أن تستحم بعد رحلة العودة ريثما تحضر السيدة كيندال ألى موعد الشاي.
أنهت جانيت جمامها ثم وضعت بعض الماكياج على وجهها الذي ظهرت عليه آثار الشمس , وعادت ألى المطبخ وهي تتوقع أن يكون الشاي قد جهز.
ولكنها فوجئت بأن الصمت ما زال مخيما على البيت , ولاحظت أن المطبخ على الحالة نفسها التي تركته فيها بعد الغداء عندما ذهبت ألى البحر.
بدأ القلق ينهشها وهي تفتش الغرف واحدة واحدة , ثم ألقت نظرة متفحصة على الحقول والبساتين المجاورة , ولم تهتم جانيت بالسيارات الفارهة المتوقفة أمام الفيللا , كما لم تلحظ القطة تويجي التي جلست على أحد الجدران المطلة على الفيللا تتأمل شيئا ما يجري في داخلها.
وعندما عجزت عن رؤية أمها في أي مكان , بدأت الشكوك تأخذ شكلا محددا ...... لكن هل هذا معقول؟ أسرعت تحث خطاها بأتجاه الفيللا وما أن عبرت السلم الرخامي وأطلت على الحديقة المحيطة بحوض السباحة حتى وجدت مجموعة من الناس في كل أتجاه , وهناك كانت أمها تتحدث بسرور وأرتياح ألى عدد من الأشخاص .
تصرفت جانيت وكأنها جزء من المدعوين , وأقتربت من أحدى الطاولات متظاهرة بأنها تبحث عن شراب منعش بينما أرادت في الواقع أن تلفت نظر أمها ألى وجودها , ولكن أهتمام الأم كان مركزا في أتجاهات أخرى .
وأخيرا أستطاعت أن تقترب منها , ثم همست في أذنها متعمدة أخفاء فمها خلف كوب الشراب :
" أمي ماذا تفعلين في هذا المكان؟".
منتديات ليلاس

ردت السيدة كيندال هامسة:
" ولم لا يا عزيزتي , لقد طلب منا السيد والسيدة فورد أن نشارك في كل حفلة تقام في الفيللا ........ وأنا لا أمانع في اللقاء مع الآخرين والتحدث أليهم!".
قالت جانيت وهي تحاول المحافظة على هدوئها:
" ولكن لا يمكن أن نتوقع الضيافة من الذين نخوض ضدهم معركة قانونية!".
" كلام سخيف يا عزيزتي , فالسيد والسيدة فورد شخصان رائعان".
وأضطرت جانيت ألى التخلي عن الحديث , بعد أن أستدارت أمها لتتابع طرفة يرويها أحد الحضور , فهي تدرك أن السيدة كيندال تفضل أن تتصرف وكأن مشكلة الممر غير موجودة على الأطلاق ,وهكذا وقفت في مكانها تتابع المشاركين في الحفلة وهي تحتسي شرابها الملج , وفي كل شربة ألف غصة.
لم تكن السيدة كيندال وحدها سبب أنزعاج جانيت , بل كان هناك شخص آخر شاهدته فور دخولها الحديقة , وقد لاحظت أنه لم يرفع عينيه عنها منذ أقتربت من الحوض ..... وعندما ألتقت نظرته بنظراتها أحست أنه أدرك ما حدث بينها وبين أمها قبل لحظات.

نجمة33 27-09-10 04:47 PM

شكررررررررا لك

نيو فراولة 27-09-10 05:48 PM

وتمنت جانيت أن يكون أنزعاجها بسبب النظرات التي وجّهها أليها بروس , وليس لأنه كان بصحبة أمرأتين رائعتي الجمال وقفتا تصغيان أليه بكل أهتمام , وأرادت أن تهرب من نظراته التي ظلت تلاحقها بدون رحمة , لكنها أصرت على البقاء كي تريه أنها غير مهتمة حتى ولو كان بصحبة عشرات النساء الجميلات.
أعترفت داخليا أنها كانت تتألم وهي ترى أبتسامته المترفة كلما تحدثت أليه أحدى المرأتين ووجدت نفسها تجاهط كي لا تغادر الحفلة راكضة وباكية وكانت على وشك أن تقدم على عمل طائش , عندما لامست كتفها يد من الخلف فألتفتت لتجد أمام فرانسيسكو.
قال لها:
" لم أكن أعرف أنك هنا يا جانيت !".
أرتاحت جانيت لأبتسامته الدافئة , ووجدت الفرصة سانحة للرد على بروس بالمثل , فقالت متضاحكة:
" أهلا فرانسيسكو , الواقع أنني وصلت قبل قليل ".
أجابها ضاحكا:
" باكو....... هكذا يناديني الأصدقاء المقربون , فكلمة باكو تصغير لأسم فرانسيسكو".
قالت بفرح :
" لا بأس أذن باكو".
نظر أليها مليا ثم قال :
"هيا نذهب ألى السباحة".
ردت عليه بنعومة وهي تلاحظ أن نظرات بروس الساخرة قد أختفت .
" لا أستطيع يا باكو , لقد عدت قبل قليل من الشاطىء !".
حدق فيها متسائلا:
" ذهبت ألى الشاطىء وحدك؟ لكن كيف؟".
منتديات ليلاس
أجابته ببساطة:
" أستعملت الدراجة ".
صاح متسائلا:
" ذهبت كل المسافة على الدراجة؟".
سرّت جانيت لتعابير فرانسيسكو المندهشة , فقد باتت تدرك أن الأسباني الحديث هو أكثر الأوروبيين أعتمادا على السيارة , وهو يفضل أن يستقلها حتى ولو كانت المسافة مجرد أمتار قليلة.
تابع قائلا :
"أنه أمر لا يصدق , أريد وعدا منك بأن تتركيني أنقلك ألى الشاطىء كلما خطر ببالك ذلك!".
أعتذرت مبتسمة :
" لا أريد أن أزعجك دائما يا باكو , فربما أرغب بالذهاب كل يوم! ".
أجابها بحماس قائلا:
" أذن سأذهب كل يوم أيضا فأنا متفرغ أبتداء من الساعة الثانية حتى الخامسة , أرجوك قولي أنك تقبلين مرافقتي ؟".
لم تكن جانيت متأكدة مما تريد , فهي من ناحية , لا ترغب بالأختلاط بأحد وتفضل أن تبقى وحيدة على الشاطىء ...... ولكنها من ناحية أخرى تدرك أن بروس منزعج من وجود فرانسيسكو معها , لذلك قالت بعد تردد:
" حسنا يا باكو , سأكون مسرورة أذا ما رافقتني".
تابعت جانيت وفرانسيسكو حديثهما فتناولا مختلف المواضيع كالطقس والطعام والجزيرة وعادات السكان , بحيث أندمجت جانيت كليا بالدور الجديد الذي أتخذته لنفسها , وكما توقعت فعلا , تجاهل فرانسيسكو كل الحضور وظل يلازمها حتى بدأ الآخرون ألأستعداد للرحيل.
كان بروس والبروك قد غاب عن ناظريها , فآخر مرة لمحته فيها كانت الأبتسامة الساخرة ما تزال تحتل زوايا شفتيه , ولكنها بعد لحظات , عندما وجهت نظرة خفية أليه , فوجئت بأن مرافقتيه الجميلتين وحدهما بينما أختفى هو عن الأنظار.
ولم تره مجددا ألا عندما رافقها باكو نحو الباب الخارجي مودعا , كان بروس والبروك يرافق الأم ألى الخارج أيضا , وعند السلم الرخامي وقفت جانيت وفرانسيسكو يخططان لرحلة الغد ألى الشاطىء , وأستغرق وجودهما هناك أكثر من عشر دقائق كان بروس خلالها قد أوصل الأم ألى البيت وعاد مارا بهما بدون أن يلتفت أليهما .
في البيت , كانت الأم على وشك أن تبدل ملابسها الرسمية عندما وصلت جانيت ألى الغرفة , وعلى الفور قالت السيدة كيندال :
" لقد طلبت من السيد والبروك أن يبقى قليلا لتناول فنجان من الشاي, لكنه كان منزعجا جدا ...... وأعتذر بحجة أن لديه أعمالا هامة يجب أنجازها سريعا".
تجاهلت جانيت كلمات أمها وأنشغلت بملاعبة القطة التي أستجابت سريعا.
فقد أمضت طيلة بعد الظهر في معركة خفية مع عدوها اللدود , ولا تريد الآن أن تدخل في نقاش غير مفيد مع أمها.
جاء فرانسيسكو لأصطحابها ألى البحر عند الساعة الثانية بعد الظهر في اليوم التالي , كانت قد أعدّت حقيبة يدها في حين أسترخت الأم مع القطة والكلب في قيلولة بعد الظهر , بدا فرانسيسكو جذابا في قميص أبيض مفتوح الصدر على سروال حريري ناعم , أما جانيت فقد أرتدت سترة خفيفة فوق تنورة زرقاء اللون.

نيو فراولة 27-09-10 06:24 PM

أستغربت جانيت , عندما وصلت ألى حيث سيارة فرانسيسكو الصغيرة , أن يكون بروس قد أوقف سيارته في عرض الممر وذلك لأول مرة منذ مجيئه ألى هنا , وبينما فرانسيسكو منهمك في ترتيب أغراضه وأغراض جانيت في المقعد الخلفي , سمعت جانيت صوت باب سيارة يغلق بقوة ....... وما هي ألا لحظات معدودة حتى كان بروس ينطلق بسرعة جنونية نخلفا وراءه عاصفة من الغبار والحصى الصغيرة , وعلى طول الطريق الزراعي المؤدي ألى الشارع الرئيسي , كانت جانيت تحاول أن تبين ألى أين ذهبت سيارة بروس , وأخيرا قررت أن تبعد ذلك الشخص عن ذهنها وتتمتع بهذا النهار الصيفي حيث الشمس تلون كل الطبيعة بأشعتها الذهبية الساطعة.
وبعد أن أجتازت السيارة قرية سان غبرييل وأتخذت الطريق الساحلي المؤدي ألى الشاطىء , ألتفت فرانسيسكو ألى جانيت متسائلا:
" كيف أصبحت لغتك الأسبانية هذه الأيام ؟".
ردت جانيت مبتسمة :
" تتحسن ببطء شديد , في بعض المرات أفكر أنني صرت ممتازة ....... ولكن في مرات أخرى أشعر أنني مغفلة كبيرة !".
ضحك قائلا:
" لا تهتمي بذلك , عليك الأختلاط بالناس المحليين , فهذه أسرع طريقة لتعلم اللغة".
قاطعته قائلة:
" هذه هي المشكلة , أنني أتعمّد الذهاب ألى القرية كلّما أرادت أمي شراء بعض الأغراض , لكن لغتكم تتضمن الكثير من المفردات المتشابهة ذات المعاني المختلفة , فلفظة الخميس بالأسبانية مماثلة لكلمة البيض , وهكذا أراني أطلب عدة ( خميسات) أذا أردت شراء البيض , أو أتفق مع أحد الناس على موعد يوم ........ البيض!".
منتديات ليلاس

أنفجر فرانسيسكو ضاحكا بصوت عال , لكن جانيت تابعت تقول :
" والشيء نفسه ينطبق على كلمتي ( تسعة ) و ( جديد) بالأمس تحدثت ألى أحدى النساء القرويات وقلت لها أنك ترتدين تسعة أحذية !".
ورد فرانسيسكو مازحا:
" ولكن اللغة الأنكليزية ليست أفضل , ففيها من التعقيد الشيء الكثير!".
قالت وهي تبتسم :
" أنت تتكلم الأنكليزية بطلاقة ......".
أجاب قائلا:
" لقد أضطررت للعيش سنة كاملة في بريطانيا حتى تمكنت من ذلك ".
ضحكت جانيت وقالت:
" أذن عندي أمل كبير , أذ لم يمض على وجودي هنا سوى شهر واحد ".
وصلا ألى الشاطىء في وقت أقل بكثير مما أستغرقته رحلتها على الدراجة , ولحسن حظهما , كان عدد السابحين قليلا , وسرعان ما خلع فرانسيسكو قميصه وأندفع ألى الماء برشاقة , في حين ذهبت جانيت ألى غرفة محاذية لأرتداء ملابس البحر..... ثم توجهت ألى المياه.
أنطلق فرانسيسكو ألى عرض البحر بكل قوته , لكن جانيت لم تستطع مجاراته لذلك فضلت البقاء قريبة من الشاطىء , وبعد وقت قصير أنضم أليها في سباحة قصيرة , ثم خرجا معا للتمتع بأشعة الشمس بعد غياب اللعب والسباحة.
أنهمكت جانيت بمد المناشف العريضة في حين تولّى فرانسيسكو مهمة أحضار المرطبات المنعشة من المقهى المجاور , بعد ذلك أستلقيا بكسل وصمت يراقبان السابحين والسابحات , ألى أن حان موعد الرحيل.
خيّم الصمت عليهما طوال الطريق ألى البيت , فقد كانا يتمتعان بالهواء العليل يلامس وجهيهما اللذين لوحتهما الشمس , ولم يحاولا بذل مجهود لأفساد هذه المتعة , وعندما وصلا ألى افيللا , ودعها فرانسيسكو على أمل اللقاء في يوم آخر.
ويوما بعد يوم توثقت عرى الصداقة بين فرانسيسكو وجانيت التي عرفت أن بروس والبروك يتعامل مع زبائن آخرين في الجزيرة غير السيد والسيدة فورد وأن المحاميين الشابين ينتقلان بين نكتبهما في المدينة وآخر مؤقت في الفيللا .
وبات من المعتاد رؤية سيارة المحامي الأسباني الشاب تتوقّف يوميا أمام بيت جانيت ,التي لم تعد تجد حرجا في مرافقته طالما أنه يتمتع بالسباحة برفقتها في آن واحد , وكانت الرحلة تستمر من الساعة الثانية بعد الظهر وحتى آخر دقيقة يستطيع فرانسيسكو أن يظل فيها خارج المكتب ودوام العمل.

نيو فراولة 27-09-10 06:27 PM

أمضيا ساعات طويلة رائعة على ذلك الشاطىء المنعزل , كانا يغطسان بحثا عن الأصداف في المياه غير العميقة , وفي بعض الأحيان كانا يشاركان في ألعاب رياضية مسلية على الرمال الدافئة , دائما كان فرانسيسكو ألى جانبها , وقد باتت جانيت تشعر أن معظم اللواتي يرتدن ذلك الشاطىء المنعزل يحسدنها لوجودها مع هذا الشاب الوسيم..... لكنها لم تشعر بأي شيء خاص أتجاهه , مرّات كانت تبتسم بسرها وهي مستلقية على المنشفة , ترى ماذا تقول صديقاتها الأنكليزيات في هذه المسألة؟ لا شك أنهن سيسخرن منها.... فهن على أستعداد لدفع تكاليف باهظة مقابل يوم واحد على الشاطىء مع شاب أسباني مثل فرانسيسكو !
أما هي فيكفيها أن تشعر بالرفقة فقط , ولا شيء آخر غير ذلك , ومن هنا سبب نجاح صداقتهما , فكل منهما كان يكتفي بالرفقة والراحة التي يؤمنها الشاطىء , بدون أن يعي ذلك عدم الدخول في نقاشات وجوارات ظلت في أطار الأحترام المتبادل.
وعلى حين غرة حدث شيء غير متوقع وضع حدا لرفقتهما اليومية ألى الشاطىء .
منذ البدء , شعرت جانيت أن بروس والبروك منزعج من صداقتها مع فرانسيسكو.
ولعل هذا السبب وحده يدفعها ألى الأستمرار في ترسيخ العلاقة وتنميتها , وفي أحدى المرات , لاحظت أن المحامي الأنكليزي كان يزرع شرفة علوي ذهابا وأيابا بأنتظار عودتهما من الشاطىء , وكي تزيد من حدة الموقف , تعمدت أن تقف مطولا مع فرانسيسكو بل وأن تضحك بصوت عال حتى يسمعها بروس الموجود في مكان ما داخل الفيللا.
وصارت جانيت تقصد أثارة بروس في مثل هذه التصرفات الطفولية , ألى أن حدث ذات يوم ووجدت نفسها وجعا لوجه معه أمام باب الفيللا , لم تكن الساعة قد بلغت الخامسة بعد , لكن بروس خاطب فرانسيسكو بلهجة جافة وحازمة قائلا:
" أتمنى أن تعطي العمل أكثر مما تعطيه حاليا يا فرانسيسكو , وأذا كنت راغبا في تحقيق النجاح في عالم القانون , فأقترح عليك أن تهتم بالقضايا والدعاوى أكثر من أهتمامك بالنزهات والسباحة".
منتديات ليلاس

خيّم صمت ثقيل للحظات , قطعه بروس متابعا:
" أوراق دعوى هاملين غير موجودة على مكتبي, لو كنت موجودا في الفيللا لعرفنا ما حدث لها !".
ومع أن فرانسيسكو فوجىء بلهجته الجافة , وأستغرب طباعه الحادة في مثل هذه المناسبة .. ألا أنه هز رأسه قائلا:
" حاضر".
وأسرع ألى الداخل.
وجدت جانيت نفسها منبوذة بعد أن رحل فرانسيسكو , بينما أستدار بروس لمراقبة زميله الأسباني وهو يغيب في أحدى القاعات , وأحست بتوتر الشديد يخيم على المكان , خاصة وأن قسمات وجه بروس عبّرت بصراحة عن الغضب والضيق والأنزعاج , ولم تنتظر جانيت حتى يأخذ بروس المبادرة , بل أسرعت تغادر المكان بدون أن تنطق بأية كلمة.

نيو فراولة 28-09-10 02:50 PM

7- سبب اللقاء ......... حادث

بعد ذلك الحادث , لم تعد جانيت ترى فرانسيسكو كثيرا , أنها كانت تلمح بين الحين والآخر سيارته متوقفة داخل الفيللا , ألا أنه كان يقضي معظم وقته في مكتب المدينة .
وأزداد كرهها لبروس والبروك الذي يملك قوة طاغية , وكان غضبها يصل بها ألى حد لم تعد قادرة على أحتماله , وبالرغم من محاولة أقناع نفسها بأن الحقد عليه يرجع ألى موقفه المشين من فرانسيسكو , ألا أنها كانت تدرك أنها منزعجة لأنه حرمها من لذة اللعب على أعصابه بواسطة زميله المحامي .
وباتت تنتظر على أحر من الجمر الحصول على قرار يمنح أمها الحق الكامل في الممر , وأخذت تصور في سرها قيام سور يحيط بالممر .
وبوابة خاصة بالبيت تمنع أهل الفيللا من أيقاف سياراتهم ألا داخل أملاكهم ......... فهذا وحده سيقنع السيد والبروك العظيم بأن هناك قضية مهمة قد يخسرها .
وما أن أنتهى الشهر المحدد حتى أسرعت متجهة ألى سان غبرييل لمعرفة آخر التطورات من مدريد , وفوجئت بأن أحدا لم يتذكر تفاصيل القضية , فأضطرت مجددا ألى الشرح المسهب مع كل صعوبات التفاهم باللغة ........ ومرة أخرة فوجئت بأن شيئا جديدا لم يحدث على صعيد الممر .
وأنتظرت أسبوعين آخرين قبل أن تقصد سان غبريل مجددا , لتحصل على الجواب السابق : لا جواب , وقد رفضت تصديق الكلام ...... جوانا الي تساعد أمها أحيانا في أعمال المنزل , قالت يوما أن القضايا العقارية تأخذ سنوات عديدة قبل البت بها .
ولم تعرف جانيت ما أذا كانت زياراتها المتكررة ألى مبنى البلدية هي التي دفعت رئيسة البلدية ألى مفاجأتهم بزيارة ألى البيت , شاهدتها تقترب بسيارتها الحديثة ذات يوم بدون أن تستعمل الممر , بل توقفت عند طرف الطريق الزراعي وعبرت الحديقة بأتجاه البيت , خرجت السيدة كيندال عند سماعها صوت توقف السيارة , ولكنها عادت ألى المطبخ بعد أن لوحت بيدها للسيدة ارسيا مفضلة أن تشغل نفسها بأعداد الطعام بدلا من الدخول في مناقشات لا تنتهي حول الممر .
سلمت السيدة غارسيا على جانيت التي توجهت لملاقاتها في منتصف الطريق وهي تفكر في الأسباب الداعية ألى هذه الزيارة غير المتوقعة , توقفت رئيسة البلدية للحظات كي تتأمل بيت السيدة كيندال , ثم أبدت أعجابها بنظافة المكان وتنوع الزهور المزروعة في الحدائق المحيطة , وأخيرا سارت هي وجانيت بأتجاه الممر , وعندما وصلت ألى ناحية الفيللا أشارت بيدها ألى الممر وقالت :
" هكذا".
منتديات ليلاس

خفق قلب جانيت بشدة لأنها أدركت أن السيد والسيدة فورد يريدان شراء المساحة التي أشارت أليها السيدة غارسيا , وبواسطة القليل من الأسبانية سألت رئيسة البلدية عما أذا كان بأستطاعة أصحاب الفيللا شراء كل الممر .
أجابت رئيسة البلدية بالأيجاب , وشرحت لجانيت أن الممر كله ملك للحكومة , وأن أي شخص يستطيع شراءه أذا أراد ضمه لأملاكه المجاورة.
ولم تنتظر جانيت كثيرا بل أسرعت تؤكد أن أمها تريد شراء الممر كله , فذلك سيضع حدا لجبرةت بروس.
أكتفت السيدة غارسيا بهذا القدر من الحديث عن الممر , فألتفتت ألى الجبال الممتدة في الأفق تتمتع بجمال الطبيعة الخلابة , لكن جانيت أرادت الحصول على جواب أكثر تحديدا ,فأشارت ألى أن الرسالة أرسلت ألى مدريد في نيسان ( أبريل ) الماضي , وقد مضى شهران بدون جواب.
أجابت السيدة غارسيا بما يفهم منه أن الشهرين ليسا شيئا في عمر الزمان , خاصة في فصل الصيف .
كبتت جانيت رغبة أعترتها في أن تقول بأن الموعد كان شهرا واحدا فقط , وعادت لتسأل عن الوقت الذي تتوقع فيه رئيسة البلدية الحصول على الجواب النهائي.
هزت السيدة غارسيا كتفيها علامة على أنها لا تعرف تماما , ثم أستدارت عائدة ألى سيارتها , وكان على جانيت أن تكتفي يهذا الجواب , فأذا كانت رئيسة البلدية لا تعرف فأن أحدا غيرها لا يعرف أيضا.
وودعت رئيسة البلدية وهي تشعر بنوع من الأحباط , لقد جاءت السيدة غارسيا خصيصا لأظهار أهتمامها بمسألة الممر , ولكنها ستنسى كل شيء بمجرد عودتها ألى سان غبرييل ...... أو هذا ما تعتقده جانيت على الأقل .
عادت جانيت ألى مقعدها وراحت تراقب السيدة غارسيا التي تجاور الآن السيارة الزرقاء المعروفة , خرج بروس والبروك من سيارته وتوجه للسلام على رئيسة البلدية التي رحبت به بحرارة .
ومن مكانها المنزوي أخذت جانيت تنظر بطرف عينيها ألى الشخصين اللذين راحا يتحدثان بالأسبانية , وشيئا فشيئا بدأت تشعر بالضيق للمدة الطويلة التي قضياها معا , وتساءلت عما يمكن أن تتحدث به السيدة غارسيا كل هذا الوقت , وطبعا لم يفتها أن تلحظ القوام الرشيق الذي بدا عليه بروس خاصة في قميصه الحريري الأبيض الذي كشف عن ذراعيه القويتين وصدره العريض.
وبعد وقت ظنته جانيت ساعات طويلة , سمعت صوت باب سيارة يغلق فرفعت عينيها لتجد أن رئيسة البلدية قد تحركت عائدة ألى سان غبرييل.
وكعادتها كلما وصل بروس ألى الفيللا , أختفت جانيت داخل البيت , لكنها راقبته من خلف ستارة النافذة الأمامية ألى أن غيّبه الجدار العالي القائم عند طرف الممر , أستدارت جانيت ألى الداخل وهي تشعر بضيق في صدرها , فمع أن رئيسة البلدية جاءت لتفقد الممر ألا أن المسألة ما تزال بعيدة عن الحل.

نيو فراولة 28-09-10 03:26 PM

وأخيرا حل شهر حزيران ( يونيو) بحرّه الشديد وشمسه الساطعة التي لوّنت الحقول بلونها الأصفر الذهبي و وأدخلت الألوان المفرحة كالأحمر والزهري والبنفسجس على الورود البرية المختلفة , ومع حزيران ( يونيو) خلت الطرقات والساحات , وأختفى الناس داخل بيوتهم أو على شواطىء البحر , ورغم ذلك , كانت الطبيعة تبدي سحرها في أشكال كثيرة ....... وخاصة في قرية سان غبرييل التي أزدادت بياضا في ظل الشمس اللاهبة , وعلى عكس الحدائق والسهول التي لوّحتها الشمس , كانت جنائن الفيللا تزداد أخضرارا وتألقا , وأشجار الفاكهة تتثاقل بالثمار التي أينعت أو تكاد , وكم أشتاقت جانيت للسير في ممرات الفيللا , كي تتمتع بأنتعاشة الجو وسط أشجار النخيل والحور , ألا أن كبرياءها كانت تمنعها من الذهاب ألى هناك.
والأسباب نفسها كانت تدفعها ألى أستعمال الدراجة قاصدة شاطىء البحر , ومع أزدياد حرارة الصيف , أزداد عدد ضيوف الفيللا ,وداومت على الذهاب ألى الشاطىء رغم أن رحلة الدراجة باتت مزعجة ومتعبة في الوقت نفسه , وأكثر ما كان يزعجها رؤية النساء الجميلات المرفهات يقصدن الفيللا حيث تقف السيارة الزرقاء ... ولذلك كانت تهرب يوميا ألى ملاذها الأخير في البحر .
منتديات ليلاس

كانت تعرف أن أمها تقصد الفيللا للمشاركة في الحفلات كلّما كانت هي على الشاطىء , وفي مرات كثيرة كانت تعود ألى البيت أبكر من العتاد لتجد أن الباب الأمامي ما زال مغلقا ورائحة عطر أمها المفضل تملأ أرجاء البيت , ولم تكن هناك فائدة من الكلام , فالسيدة كيندال مأخوذة بترف الفيللا وحفلاتها فلم تعد تجد أي حرج في المشاركة في كل حفلات السيد والسيدة فورد كلما أستطاعت ذلك .
وزاد موقف الأم هذا من صعوبات جانيت التي باتت تشعر بأنها تخوض المعركة وحيدة ضد كل سكان الفيللا وأصدقائهم , ألى أن حدث في أحد المرات وعادت من البحر باكرا لتجد أمها في البيت رغم أن حفلة عارمة كانت تجري هناك ,ولم تكن جانيت في مزاج معتدل , ذلك أن الجو كان ثقيلا كئيبا حتى أنها لم تتمتع بالسباحةة كعادتها كل يوم.
فوجئت بأمها جالسة في كرسيها تبكي بحرقة , فسألتها بفزع:
" ماذا حدث ؟ ما الأمر؟".
مسحت السيدة كيندال دموعها بمنديل قائلة:
"أنها القطة تويجي!".
سألتها جانيت وهي تركع ألى جانبها:
" ماذا حدث لها؟".
أجابت الأم بحزن عميق :
" لقد ماتت!".
صرخت جانيت بصوت عال :
" ماتت؟ كيف حدث الأمر؟".
ردت اليدة كيندال من خلال دموعها :
" كنت ذاهبة للأنضمام ألى الحفلة عندما شاهدتها , مرمية وسط الممر , ولا شك أن أحدى السيارات دهستها".

نيو فراولة 28-09-10 03:28 PM

وبدون أن تدري , نهضت جانيت غاضبة وغادرت البيت مسرعة ,أتجهت ألى الممر وعيناها تبحثان هناك , عند الصباح كانت تويجي تلاعب الأم وتطارد الفراشات والذباب في كل أتجاه , وأخيرا وجدتها , كانت مرمية ألى جانب السلم , وفمها المفتوح يظهر أسنانها البيضاء الصغيرة ....... وأنهمرت الدموع حارة على وجنتي جانيت التي أتجهت بدون تردد ألى الفيللا , يجب أن يدفع أحدهم ثمن مصرع القطة الصغيرة , تسلقت السلم الخارجي الرخامي وأجتازت الباحة الأمامية وهي تبحث من وسط الدموع عن السيد والسيدة فورد بين الجموع , وكما توقعت وجدت صعوبة في رؤيتهما وسط هذا الحشد , ولكنها لن تيأس , يجب أن تواصل البحث حتى تعثر عليهما.
وكانت على وشك أن تتغلغل بين الناس بحثا عن صاحبي الفيللا عندما لمحها بروس الذي كان يأخذ زاوية منعزلة في الشرفة , توجه أليها على الفور بعدما لاحظ حالتها العاطفية ولاحظ عينيها المحمرتين الدامعتين , وقبل أن يلحظ وجودها أحد أخذها من ذراعها بحزم وأبعدها عن المكان قائلا:
" ماذا حدث؟ ما الأمر؟".
كانت جانيت تريد أن تقذف في وجهه كل الكلمات القاسية التي ردّدتها في فكرها مرارا , ولكنها عجزت , وأكتفت بأغلاق عينيها على الدموع التي أزدادت أنهمارا.
رفع بروس يده ألى كتفيها وقادها بلطف ألى أحدى قاعات الفيللا المجاورة , ومنها ألى مكتبه الخاص في الداخل , وعندما أصبحا في المكتب أغلق الباب خلفه متسائلا:
" والآن ما المشكلة؟".
منتديات ليلاس

أستردت جانيت شجاعتها التي ضاعت بمجرد رؤيته , ومع الشجاعة عاد الغضب ينفجر في كلمات قاسية:
" قطتنا تويجي , لقد قتلت دهسا من قبل أحدى السيارات المجنونة التي قصد الفيللا , أنها ترقد الآن وسط الممر , لقد شاهدتها أمي وهي في طريقها ألى الحفلة , والآن حدث ما كنت أتوقعه دائما.......".
جاهدت جانيت لمنع دموعها الغزيرة , لكن الحزن غلب على مشاعرها فأرتمت على أقرب كرسي تبكي وتنتحب .
فات أوان التظاهر بالشجاعة الآن ... وهكذا غرقت جانيت بأحزانها , وباتت تتمنى لو أنها لم تأت ألى أبييزا ولم تخض هذه المعركة من أجل الممر .
ولم تعد جانيت ألى تركيزها ألا عندما قدم لها بروس كأسا من الشراب المنعش قائلا:
" هيا أشربي , فهذا سيجعلك ترتاحين .
هزت رأسها بقوة :
" لا أريد منك شيئا ".
قرب الكأس قائلا بحزم :
" أفعلي ما أقول لك , أشربيه ببطء وسأعود بعد دقائق".
سمعته يغلق الباب بهدوء عندما غادر المكتب , وبما أن الكأس في يديها قد راحت تشرب ببطء , وسرعان ما هدأت نفسها , وفكرت بأنها تصرفت بغباء وسذاجة أمام عدوها اللدود.
أنهت شرابها ومسحت الدموع عن وجنتيها وهي تفكر بالمصير الذي آلت أليه القطة الصغيرة , عاد بروس بعد لحظات وهو يمسح يديه بمنشفة صغيرة , وعلى الفور عرفت ماذا خرج يفعل قبل قليل .
مسحت آخر دموع في عينيها قائلة:
" يجب أن أذهب ألى البيت الآن".
فتح لها الباب قائلا :
" سأرافقك ألى الباب الأمامي".
أجابته بصوت منكسر :
" لا ضرورة لذلك فأنا على ما يرام".
أخذ ذراعها وكأنه لم يسمع عبارتها الأخيرة وقادها عبر القاعة ألى الساحة الخارجية , ومنها ألى السلم الرخامي المؤدي ألى الممر , ومع أنها حاولت ألا تنظر ألى حيث كانت القطة تويجي و ألا أن عينيها سبقتاها و فلم يكن هناك الآن سوى بقعة من الدم تدل على ما حدث .
وبدون أن تنطق , سحبت جانيت ذراعها من يد بروس وأسرعت راكضة ألى البيت.

نيو فراولة 28-09-10 03:56 PM

8- دعوة ألى نزهة

وصل فصل الصيف ألى ذروته وأمتلأت الجزيرة بالمصطافين والسيّاح من كل حدب وصوب , وكان صوت الباصات الكبيرة وهي تنقل الناس بين المدينة والشاطىء وبالعكس , يسمع حتى البيت .... في حين ظلت الفيللا صامتة ساكنة ألا في ما ندر.
أمضت جانيت أيامها سارحة في الحقول المجاورة , بدون أن تجرؤ على الخروج ألى الممر , فقد كان وجه القطة تويجي يملأ عليها كل المشاهد , خاصة منظرها الأخير وهي غارقة في الدم , ومع أنها تدرك أن أحدا لم يعط المسألة كل هذا الأهتمام , بل وأن الأم نسيت الموضوع كليا بعد فترة قليلة..... ألا أنها ظلت مرتبطة بالبقعة التي شهدت الحادثة.
وفي أحد الأيام , بينما كانت مشغولة بتأمل أحدى النباتات في الحديقة , سمعت وقع أقدام خلفها فألتفتت لتجد فرانسيسكو يقترب نحوها وهو يحييها بالأسبانية , ردت تحيته بحرارة , فهي لم تعد تراه ألا قليلا بعد أن تركز عمله في المدينة منذ الموقف السلبي الذي أتخذه يروس من ذهابهما معا ألى الشاطىء .
سار أليها عبر الأعشاب اليابسة والأرض غير الممهدة , وهو يبتسم بحرارة وشوق , ثم قال :
" جئت أبلغك أننا ذاهبون في نزهة".
لم تبد جانيت أهتماما جديا بما قاله , لذلك تابع قائلا:
" سنكون أربعة فقط , بروس وأمك وأنا وأنت , هيّا يجب أن تستعدي".
منتديات ليلاس

تركته جانيت يقودها عبر الحقل ليس لأنها راغبة في الذهاب في النزهة , بل لأنها لم تكن راغبة بالرفض , فقد أعتقدت أن فكرة النزهة من صنع بروس الذي طلب من فرانسيسكو أن يقنع جانيت بها , ولا شك أنه راقبها طويلا من مكتبه داخل الفيللا ولاحظ أنها تطيل الوقوف قرب البقعة التي أصبحت المثوى الأخير لتويجي.
في البيت , كانت الأم تخفي فرحتها وأندهاشها وهي تقول :
" أنها فكرة رائعة ...... سيأخذنا بروس في نزهة طويلة ".
فتشت السيدة كيندال في خزانتها قليلا ثم أضافت :
" سأرتدي الفستان الأخضر".
ردت جانيت بلا مبالاة :
" أما أنا فسأكتفي بغسل وجهي".
أستدارت الأم نحو أبنتها وعلامات الأستفهام على وجهها :
" ما هذا؟ عليك أن ترتدي شيئا جميلا أمام هذين السيدين اللطيفين ".
ومن أجل أرضاء أمها فقط , أرتدت جانيت ثوبا أبيض اللون لم يسبق لها أن ظهرت به في الجزيرة ,لأنه لم يكن مناسبا للزيارات المحلية ورحلات التسوق المعتادة , أما الآن , فلا شك أنه يناسب السيارة الفاخرة والنزهة التي يعدّها بروس.
أستغربت جانيت كيف أن معنوياتها أرتفعت , وشعرت بالتحسن والأنتعاش بمجرد أن أستحمت وتعطرت وأرتدت الفستان الأبيض , فقد كانت الشمس قد لوحت بشرتها تماما مما أعطاها لونا ناريا دافئا زاد من تألقها وأنوثتها.
وفوجئت , عندما عادت ألى غرفة الأستقبال , أن بروس والبروك كان ينتظر هناك , بأناقته المعتادة سلر بروس نحوها مسلما , ثم ألتفت ألى الخلف قائلا:
" جاهزون؟".
نظرت جانيت ألى الكلب دال الذي شعر بالجو العام في البيت , فراح يتنقل من مكان ألى آخر وكأنه يريد مرافقتهم في النزهة , لاحظ بروس نظرات جانيت , فألتفت ألى الكلب قائلا وهو يحرك أصابعه بطريقة معينة :
" يمكنك أن ترافقنا أيضا أيها الكلب العجوز !".
وقبل أن يغير أحد رأيه أسرع الكلب دال يقود الطريق , فتبعه الجميع ألى السيارة في حين كانت ضحكات السيدة كيندال تملأ المكان .
شاهدت جانيت فرانسيسكو يقف قرب سيارته البرتقالية الصغيرة , وبدون تردد توجهت نحوه في حين كان بروس يفتح باب سيارته الفارهة للسيدة كيندال وكلبها , وبعد أن أستقر الجميع أنطلقت السيارتان , وسيارة بروس في المقدمة , وأتجهتا نحو الشاطىء .
لم تكن جانيت قادرة على الأستمتاع بالمناظر الجميلة والهواء المنعش الذي كان يلفح وجهها , وطوال الطريق , كانت عيناها مركزتين على السيارة الأمامية , وبالتحديد على الرجل الذي يقود الطريق , وأحست في أعماقها بحدس ينبئها بأن هذا النهار سيكون مختلفا بشكل أو بآخر .

نيو فراولة 28-09-10 06:17 PM


وصلت السيارتان ألى الساطىء الذهبي المزدحم , ومن هناك أنعطفتا بأتجاه بلايا أيسكانا , نحو الريف الزراعي حيث التربة الحمراء مزروعة بأشجار الزيتون والصنوبر والمطلة على الخليج الصغير الذي يمهد الطريق لشبه جزيرة صغيرة تدعى سانتا أيلاليا , كانت المنطقة هادئة , ريفية الطابع , تحيطها الخضرة من جميع الجوانب , أما شوارعها فكانت صغيرة , وفيها العديد من محلات بيع الهدايا والملابس الوطنية , عبرت السيارتان هذه القرية المنعزلة , ثم سلكتا الطريق المؤدي ألى أبييزا.
وعلى مدى ساعة جابت السيارتان مدن وقرى الجزيرة , وعبرتا مناظر متنوعة من الشواطىء والجبال والسهول , والملفت للنظر أن كل قرية أو مدينة كانت تتمتع بمميزاتها الخاصة التي تجعلها قبلة الأنظار من قبل السيّاح والمصطافين , وأخيرا توقف بروس أمام فندق ريفي , يطل مقهاه على الشاطىء الصخري , وأنتظر حتى أنضم أليه فرانسيسكو , وتحت خيمة بيضاء تكشف الريف والبحر معا , أحتل الأربعة مقاعدهم وطلبوا مرطبات منعشة بعد هذه الرحلة الطويلة .
جلست جانيت قبالة بروس على الطاولة وهي تفكر بالتغيير الذي طرأ عليها منذ أن غادرت البيت هذا النهار , أذ كان من الصعب عليها ألا تشعر بالحياة المتجددة بعد هذه النزهة والمناظر الخلاّبة ...... وجدت نفسها مع كل مشهد جديد تزداد أقتناعا بأن الحياة مستمرة ............ ورائعة أيضا .
ولم تستطع جانيت أن تجلس طويلا قبالة بروس الذي راح يحدق فيها بعينيه الزرقاوين الحادتين , لذلك تركت أمها تحدثه عن موقع الفندق الجميل والناس الذين ينزلون فيه , وأنضمت ألى فرانسيسكو الذي كان يقف على الشرفة يتأمل البحر , وعلى الفور بدأ المحامي الأسباني الشاب يشرح لها مواقع الجزيرة , ويشير ألى الموانىء العديدة المنتشرة حيث القوارب الشراعية تتحرّك بكسل فوق المياه الهادئة الصافية.
منتديات ليلاس

أنتهى الأربعة من مرطباتهم , وأستعدوا للعودة ألى البيت عن طريق الأستمرار في خط مستقيم ذلك أنهم في شبه دائرة حول الجزيرة , وهذا يعني أنهم سيصلون ألى سان غبرييل أذا ما أستمروا ألى الأمام , وليس من الضروري أن يعودوا من حيث أتوا .
وفجأة , وجدت جانيت نفسها في سيارة بروس , لم تعرف كيف حدث الأمر , ولكن يبدو أن الكلب قفز ألى السيارة البرتقالية فلحقته السيدة كيندال.
وهكذا أخذ فرانسيسكو والسيدة كيندال الطليعة , في حين لحقهما بروس وجانيت في السيارة الزرقاء الفاخرة , وشعرت جانيت بالفرق الكبير بين هذه السيارة والسيارة التي أستقلتها من قبل , ولذلك راحت تتأمل فرانسيسكو وأمها اللذين يقودان أمامهما , وهي تستمتع بالراحة في مقعدها الوثير , وعلى حين بغتة أنتصبت في كرسيها بتوتر وقلق , أذ أدركت بعد فوات الأوان أن بروس أنعطف في طريق ضيق تاركا السيارة البرتقالية تتابع سيرها ألى البيت , ولم يشرج بروس لجانيت معنى خطوته المفاجئة هذه , بل أكتفى بالقول:
" يجب أن أرى أحد الزبائن".
وأكتفت جانيت بأطباق شفتيها بشدة , بدون أن ترد عليه بكلمة , وسرعان ما وجدت نفسها تتمتع بالمناظر الريفية الخلابة وهما يخترقان الطبيعة الصامتة الهادئة.
وبعد عشر دقائق تقريبا ظهرت أمامها المدينة التي يقصدها بروس , وهي تقع في أسفل واد متوسط العمق , تحيط به الأسجار والغابات من كل النواحي , وما هي ألا لحظات حتى كان بروس يقود سيارته في شوارع المدينة الضيقة ,ثم توقف أمام أحد البيوت قائلا:
" علينا أن نسير الآن , فالسيارة لا تصل ألى المكان الذي أقصده ".
عبرا عدة أزقة ضيقة , على جوانبها تقوم بيوت صغيرة مطلية باللون الأبيض الناصع , وتطل عليها نوافذ خشبية تتدلى منها زهور مختلفة , ثم وصلا ألى شارع أوسع , تبدو البيوت القائمة على جانبيه كبيرة وثمينة , وأمام أحد هذه البيوت وقف بروس وقرع الجرس , بعد لحظات أطلت أمرأة ترتدي ثيابا سوداء , تناولت منه بطاقة تعريف وألقت نظرة فاحصة عليهما , ثم فتحت الباب الحديدي وطلبت منهما الدخول والأنتظار ريثما تبلّغ صاحب البيت.
أنتظرت جانيت وبرو في ردهة واسعة يدل الأثاث الذي يملأها على أن أصحاب البيت من ذوي الثروات الكبيرة , فقد كانت هناك لوحات فنية لعدد من الأسماء اللامعة في دنيا الفن , بالأضافة ألى تماثيل ومنحوتات كثيرة , وبعد لحظات أطلّ رجل عجوز ذو شعر أشيب غزير لوحت الشمس بشرته , وقد أرتدى ثوبا أسود اللون , عرّفها عليه بروس بأنه الدون أيغتازيو ....... ثم راح يحادثه بالأسبانية.
أستغربت جانيت كيف يأتي بروس ألى موعد عمل بدون أن يجمل معه حقيبة يده , لكنها فكرت أن المناقشة الشفهية بين الرجلين الآن قد تكون الخطوة الأولى نحو التعامل الرسمي فيما بعد , وهكذا أمضت عدة دقائق تتأمل اللوحات والمنحوتات بينما الرجلان غارقان في شؤونهما الخاصة , بعد ذلك أصرّ الدون أيغنازيو على أظهار ضيافته الأسبانية العريقة , ألا أن بروس رفض كل العروض ...... لكنه قبل عرضا واحدا مما أسعد صاحب البيت الذي أشار أليهما بأتجاه الداخل , ومن هناك خرجوا معا ألى حديقة غناء رائعة , كانت محاطة من ثلاث جوانب بجدران عالية مغطاة بالورود المتنوعة , وبكل فخر وكبرياء قاد الدون أيغنازيو ضيفيه عبر أشجار النخيل والبرتقال والموز وقرب أنواع من الزهور والنباتات.

نيو فراولة 28-09-10 06:33 PM


وصلت السيارتان ألى الساطىء الذهبي المزدحم , ومن هناك أنعطفتا بأتجاه بلايا أيسكانا , نحو الريف الزراعي حيث التربة الحمراء مزروعة بأشجار الزيتون والصنوبر والمطلة على الخليج الصغير الذي يمهد الطريق لشبه جزيرة صغيرة تدعى سانتا أيلاليا , كانت المنطقة هادئة , ريفية الطابع , تحيطها الخضرة من جميع الجوانب , أما شوارعها فكانت صغيرة , وفيها العديد من محلات بيع الهدايا والملابس الوطنية , عبرت السيارتان هذه القرية المنعزلة , ثم سلكتا الطريق المؤدي ألى أبييزا.
وعلى مدى ساعة جابت السيارتان مدن وقرى الجزيرة , وعبرتا مناظر متنوعة من الشواطىء والجبال والسهول , والملفت للنظر أن كل قرية أو مدينة كانت تتمتع بمميزاتها الخاصة التي تجعلها قبلة الأنظار من قبل السيّاح والمصطافين , وأخيرا توقف بروس أمام فندق ريفي , يطل مقهاه على الشاطىء الصخري , وأنتظر حتى أنضم أليه فرانسيسكو , وتحت خيمة بيضاء تكشف الريف والبحر معا , أحتل الأربعة مقاعدهم وطلبوا مرطبات منعشة بعد هذه الرحلة الطويلة .
جلست جانيت قبالة بروس على الطاولة وهي تفكر بالتغيير الذي طرأ عليها منذ أن غادرت البيت هذا النهار , أذ كان من الصعب عليها ألا تشعر بالحياة المتجددة بعد هذه النزهة والمناظر الخلاّبة ...... وجدت نفسها مع كل مشهد جديد تزداد أقتناعا بأن الحياة مستمرة ............ ورائعة أيضا .
ولم تستطع جانيت أن تجلس طويلا قبالة بروس الذي راح يحدق فيها بعينيه الزرقاوين الحادتين , لذلك تركت أمها تحدثه عن موقع الفندق الجميل والناس الذين ينزلون فيه , وأنضمت ألى فرانسيسكو الذي كان يقف على الشرفة يتأمل البحر , وعلى الفور بدأ المحامي الأسباني الشاب يشرح لها مواقع الجزيرة , ويشير ألى الموانىء العديدة المنتشرة حيث القوارب الشراعية تتحرّك بكسل فوق المياه الهادئة الصافية.
أنتهى الأربعة من مرطباتهم , وأستعدوا للعودة ألى البيت عن طريق الأستمرار في خط مستقيم ذلك أنهم في شبه دائرة حول الجزيرة , وهذا يعني أنهم سيصلون ألى سان غبرييل أذا ما أستمروا ألى الأمام , وليس من الضروري أن يعودوا من حيث أتوا .
وفجأة , وجدت جانيت نفسها في سيارة بروس , لم تعرف كيف حدث الأمر , ولكن يبدو أن الكلب قفز ألى السيارة البرتقالية فلحقته السيدة كيندال.
منتديات ليلاس
وهكذا أخذ فرانسيسكو والسيدة كيندال الطليعة , في حين لحقهما بروس وجانيت في السيارة الزرقاء الفاخرة , وشعرت جانيت بالفرق الكبير بين هذه السيارة والسيارة التي أستقلتها من قبل , ولذلك راحت تتأمل فرانسيسكو وأمها اللذين يقودان أمامهما , وهي تستمتع بالراحة في مقعدها الوثير , وعلى حين بغتة أنتصبت في كرسيها بتوتر وقلق , أذ أدركت بعد فوات الأوان أن بروس أنعطف في طريق ضيق تاركا السيارة البرتقالية تتابع سيرها ألى البيت , ولم يشرج بروس لجانيت معنى خطوته المفاجئة هذه , بل أكتفى بالقول:
" يجب أن أرى أحد الزبائن".
وأكتفت جانيت بأطباق شفتيها بشدة , بدون أن ترد عليه بكلمة , وسرعان ما وجدت نفسها تتمتع بالمناظر الريفية الخلابة وهما يخترقان الطبيعة الصامتة الهادئة.
وبعد عشر دقائق تقريبا ظهرت أمامها المدينة التي يقصدها بروس , وهي تقع في أسفل واد متوسط العمق , تحيط به الأسجار والغابات من كل النواحي , وما هي ألا لحظات حتى كان بروس يقود سيارته في شوارع المدينة الضيقة ,ثم توقف أمام أحد البيوت قائلا:
" علينا أن نسير الآن , فالسيارة لا تصل ألى المكان الذي أقصده ".
عبرا عدة أزقة ضيقة , على جوانبها تقوم بيوت صغيرة مطلية باللون الأبيض الناصع , وتطل عليها نوافذ خشبية تتدلى منها زهور مختلفة , ثم وصلا ألى شارع أوسع , تبدو البيوت القائمة على جانبيه كبيرة وثمينة , وأمام أحد هذه البيوت وقف بروس وقرع الجرس , بعد لحظات أطلت أمرأة ترتدي ثيابا سوداء , تناولت منه بطاقة تعريف وألقت نظرة فاحصة عليهما , ثم فتحت الباب الحديدي وطلبت منهما الدخول والأنتظار ريثما تبلّغ صاحب البيت.
أنتظرت جانيت وبرو في ردهة واسعة يدل الأثاث الذي يملأها على أن أصحاب البيت من ذوي الثروات الكبيرة , فقد كانت هناك لوحات فنية لعدد من الأسماء اللامعة في دنيا الفن , بالأضافة ألى تماثيل ومنحوتات كثيرة , وبعد لحظات أطلّ رجل عجوز ذو شعر أشيب غزير لوحت الشمس بشرته , وقد أرتدى ثوبا أسود اللون , عرّفها عليه بروس بأنه الدون أيغتازيو ....... ثم راح يحادثه بالأسبانية.
أستغربت جانيت كيف يأتي بروس ألى موعد عمل بدون أن يجمل معه حقيبة يده , لكنها فكرت أن المناقشة الشفهية بين الرجلين الآن قد تكون الخطوة الأولى نحو التعامل الرسمي فيما بعد , وهكذا أمضت عدة دقائق تتأمل اللوحات والمنحوتات بينما الرجلان غارقان في شؤونهما الخاصة , بعد ذلك أصرّ الدون أيغنازيو على أظهار ضيافته الأسبانية العريقة , ألا أن بروس رفض كل العروض ...... لكنه قبل عرضا واحدا مما أسعد صاحب البيت الذي أشار أليهما بأتجاه الداخل , ومن هناك خرجوا معا ألى حديقة غناء رائعة , كانت محاطة من ثلاث جوانب بجدران عالية مغطاة بالورود المتنوعة , وبكل فخر وكبرياء قاد الدون أيغنازيو ضيفيه عبر أشجار النخيل والبرتقال والموز وقرب أنواع من الزهور والنباتات.

نيو فراولة 28-09-10 06:40 PM


وبين الحين والآخر كانت يد بروس تلامس ذراع جانيت وهو يقودها في هذه الجنة الرائعة , وتذكرت نزهتهما في حديقة الفيللا , وخفقات قلبها الشديدة الغريبة التي كانت ترافق كل لمسة منه.
بعد الأنتهاء من مشاهدة الحديقة , أستأذنا الدون أيغنازيو بالأنصراف وعادا سيرا على الأقدام من حيث أتيا , كانت الحياة قد بدأت تعود تدريجيا ألى المدينة بعد أن خفّت حدّة الشمس , ولاحظت جانيت أن العديد من النوافذ فتحت وأخذت تظهرمنها أوجه سمراء بفضول واضح , وعند أحد المنعطفات أوقفها بروس في مكانها للسماح لعدد من الحمير المحملة بأشياء كثيرة بالمرور في الزقاق الضيق , كان المنظر رائعا ....... وعندها أدركت لماذا أحضرها بروس ألى هنا , فهو يريدها أن ترى مباشرة قطعة أسبانية صميمة وليس مدنا أو قرى تغي!رت كثيرا من أجل السياح والزائرين , ولعلّه فعل ذلك من أجل أن يساعدها على نسيان مأساة موت قطتها الصغيرة , فبما أنه محامي السيد والسيدة فورد فهو مسؤول بشكل أو بآخر عن أي ضرر يحدثه ضيوف الفيللا بحق الآخرين .
وبالرغم من هذه الأفكار , لم تنكر جانيت السعادة الغامرة التي كانت تشعر بها , وهكذا , عندما وصلا ألى ساحة مفتوحة تفصل مجموعة من الأزقة الضيقة , وجدت نفسها تتوقف بدون سبب واضح , ومع أن المكان كان عبارة عن جدران بيضاء ونوافذ مغطاة بالورود , ألا أن جانيت كانت تسمع أصواتا طبيعية بعيدة لا علاقة لها بكل ما يحيط بها , وراحت تدور في الساحة وحدها , وأقتربت من نافورة مياه قديمة محت السنوات معالم التماثيل فيها ....... ووسط هذا الصمت شعرت جانيت بأنها تقف في قلب الحياة الأسبانية الأصيلة , أو لعلّ مزاجها الخاص سبّب هذه الأحاسيس والمشاعر؟
كانت قد أبتعدت عن بروس الذي عاد وأقترب منها , وكأنه يحس بما يخفق في صدرها من مشاعر وأفكار , ومرة أخرى أوجد هذا الرجل الخفقات الغريبة في قلبها , جاء صوته ليقطع الصمت الطاغي قائلا:
" هل نذهب؟".
" أجل".
أدركت وهي تسير ألى جانبه أنها المرة الأولى التي تتكلم فيها أليه طيلة بعد الظهر.
أنطلقت السيارة عائدة بهما ألى سان غبرييل وظلّ الصوت الوحيد المسموع هو ذلك الذي تتركه الريح تنزلق على نوافذ السيارة ,وعندما وصلا ألى البيت , أرادت جانيت أن تنطلق بأقصى سرعتها بعيدا عنه........ لكنه كان ألى جانبها يفتح لها الباب ويساعدها على النزول , أضطربت عندما واجهتها نظراته الحادة الباردة , لكن عواء الكلب وظهور أمها أمام البيت أنقذاها من أضطرابها وأحراجها, أستقبلتها السيدة كيندال بالضحكات العالية وهي تقول بلهجة ذات معنى :
" ماذا حدث لكما؟ لقد عدنا أنا وفرانسيسكو منذ وقت طويل جدا !".
أجابتها جانيت بهدوء:
" ذهبنا لرؤية أحد الزبائن".
وبدون أن تنتظر جوابا , توجهت مسرعة ألى غرفة نومها وهي تريد الأنفراد بنفسها وأفكارها وخفقات قلبها الغريبة.
لعل خيالها هو الذي جعلها تعتقد أن اللحظات التي أمضتها قرب نافورة المياه لم تكتف بتغييرها فقط , بل أثرت كثيرا ببروس نفسه.....

نيو فراولة 28-09-10 08:30 PM

9- صدمها تجاهله!

لم تكن هناك خدمة بريدية منتظمة خارج قرية سان غبرييل , فالبريد يأتي ألى القرية كل يوم بعد الظهر بواسطة الباص الذي يربط المنطقة بمدينة أبييزا , وكل من يتوقع رسالة عليه مراجعة مقهى القرية أو محل السمانة الأساسي فيها .
وقد أعتادت السيدة كيندال الأعتماد على الذين يصدف مرورهم قرب بيتها لنقل البريد أليها , وبما أن جانيت كانت متفرغة بين السادسة والسابعة مساء كل يوم , فقد تعودت زيارة المقهى أو محل السمانة لأحضار البريد بنفسها .
عادت جانيت مساء أحد الأيام ووضعت البريد أمام أمها التي كانت تجهز طعام العشاء ,تركت السيدة كيندال كل ما بين يديها وأسرعت تقلب الرسائل كعادتها , أبتسمت وهي تقول:
" هذه رسالة من أيّان الذي لم أسمع عنه منذ مدة , ورسالة أخرى من جين , وأعتقد أنها كلها حول دروس الباليه التي تتابعها الصغيرة جان .
وتوقفت فجأة عندما وصلت ألى الرسالة الثالثة ذات المغلف الأبيض السميك :
" ما هذه الرسالة ؟ أنها تحمل طابعا بريديا محليا ؟".
ردّت جانيت التي كانت تغسل يديها أستعدادا للطعام :
" لست أدري لا شك أنها مرسلة من أحد سكان القرية!".
قلبت السيدة كيندال المغلف بين يديها والحيرة ترتسم على وجهها قائلة:
"لكنني لا أعرف أحدا في الجزيرة يا حبيبتي .... فقطبعض سكان سان غبرييل !".
منتديات ليلاس

أبتسمت جانيت وكأنها لا تصدق أمها التي كثيرا ما تعقد صداقات عابرة , ثم قالت :
" لماذا لا تفتحين المغلف حتى نعرف مصدر الرسالة؟".
وضعت السيدة كيندال الرسائل جانبا ريثما تنتهي هي وأبنتها من طعام العشاء الذي كان قد أعدّ من قبل , وبعد الأنتهاء أنهمكتا في ترتيب المطبخ وجلي الصحون ..... ثم أنتقلتا ألى غرفة الجلوس حيث عمدتا ألى الأطلاع على الرسائل , فبدأتا بالرسالتين العائلتين , وكان من الطبيعي أن تنشغلا في مواضيع عائلية مختلفة , بحيث لم تصلا ألى الرسالة الرسمية ألا في وقت متأخر من الليل .
سحبت السيدة كيندل بطاقة مذهبة الأطراف من المغلف الرسمي , فسألتها جانيت بفضول :
" ما هذا؟".
" أنها ما ينتظره كل سكان المنطقة يا عزيزتي , أنها حفلة الموسم الساهرة".
أطلعت جانيت على البطاقة التي تحمل دعوة ألى السيدة كيندال وأبنتها للمشاركة في الحفلة التي تقام بعد ظهر اليوم الأخير من شهر تموز ( يوليو) .
أعادت جانيت البطاقة ألى أمها قائلة:
" يبدو أنها ستكون حفلة مليئة بالأحداث والناس ".
هزت الأم رأسها موافقة :
" لا شك في ذلك أبدا يا عزيزتي , فالسيد فورد يحتل منصبا بارزا في دنيا التجارة البحرية , وقد سمعت أن الحفلة ستضم العديد من أثرياء البحر ..... أنه لطف بالغ من السيد والسيدة فورد أن يوجها ألينا دعوة خاصة".
أبتسمت جانيت قائلة:
" دعوة بالبريد أيضا ".
فكرت السيدة كيندال للحظات بعبارة أبنتها الأخيرة ثم قالت :
" لماذا لا تحضرين الحفلة هذه المرة يا عزيزتي ؟ أنا متأكدة من أنك ستكونين مسرورة للغاية".
لم تجب جانيت على الفور , ولكنها كانت تقلّب الفكرة في ذهنها منذ قرأت الدعوة ..... ولأسباب تختلف كليا عن أسباب أمها , كان قد مر أسبوع على نزهتها مع بروس , ومنذ ذلك الحين لم تعد تراه ألا نادرا , أما في سيارته أو في داخل الفيللا , وهذا الشيء لا يريحها على الأطلاق , فهي تريد أن تراه أكثر , أن تفتعل المناسبات لتزوره في الفيللا وتكون معه تماما كما حدث في حديقة الدون أيغنازيو وقرب نافورة الماء الساحرة .
حفلة يوم الجمعة ستعطيها العذر للذهاب ألى الفيللا , فماذا تتوقع أكثر من دعوة رسمية على بطاقة مذهبة الأطراف ؟
وأخيرا رفعت رأسها وقد حسمت أمرها قائلة بسرور:
" حسنا , لكنني سأجد صعوبة في التعامل مع أناس معظمهم من أثرياء البحر!
شجعتها السيدة كيندال وهي تضحك بسعادة لقرار أبنتها الأيجابي:
" لا تهتمي بذلك أبدا , فالسيد والسيدة فورد يرغبان بوجود جيل الشباب قربهما ....... وهذا يعني أن التوازن سيكون قائما ".
والحقيقة أن جانيت لم تكن قلقة أبدا , فبروس سيكون هناك , ومن المشكوك فيه أن تنظر ألى أحد سواه طالما أنه موجود .
وفجأة هتفت السيدة كيندال محركة يديها بعصبية وقلق :
" يا ألهي , لقد تذكرت الآن أنني لا أملك شيئا أرتديه لهذه الحفلة الخاصة".
نظرت جانيت أليها مبتسمة وقالت :
" لا بأس , أنا متأكدة أنك سترتبين أمورك!".
بدأت السيدة كيندال التفكير في ما تضمه خزانتها وأدراجها , وهي تقول :
" حسنا , هناك الشال الحريري الذي يحتاج ألى قطبة أو قطبتين ..... لكنه رائع وعصري ".
وفجأة تركت كل شيء ونهضت قائلة:
" سأذهب لأرى ما يمكن أن أفعل به".

نيو فراولة 28-09-10 08:53 PM


وخلال اليومين التاليين أنغمست جانيت بحماس يشابه حماس أمها في الأستعداد لحفلة الفيللا , فقد كانت ترغب في الظهور بأجمل حلة وأروع منظر , ولذلك أخرجت كل فساتينها وراحت تستعرضها , وبدا لها أن شيئا لا يصلح للسهرة , ومع ذلك فهي مجبرة مثل أمها على التعامل مع الموجود , وهكذا أختارت فستانا ليلكي اللون لم تستعمله في الجزيرة بعد.
وفي اليوم الموعود , غسلت شعرها ثم أمضت ساعات طويلة أمام مرآتها كي تضع على وجهها الماكياج الذي يناسب الفستان , وعلى الرغم من جهودها المضنية , فأن منظرها الأخير كان عاديا ..... لكنها متأكدة من أن شعرها الحريري المناسب واللون الذهبي الذي وهبتها أياه الشمس الصيفية سيجعلانها محط أنظار الجميع .
منتديات ليلاس

وكالعادة ألحّت السيدة كيندال في الذهاب ألى الفيللا عندما أزف الموعد المذكور على البطاقة , لكن جانيت أستطاعت تأخير اللمسات النهائية من الماكياج حتى أمتلأ الممر بالسيارات من مختلف الأنواع , عندها سارتا بأتجاه الفيللا محاولتين تجنب الغبار والأعشاب ....... وكم كانت سعادة جانيت كبيرة عندما لاحظت أن السيارة الزرقاء متوقفة في مكانها المعهود.
وما أن قطعت السيدة كيندال وأبنتها الردهة الأمامية حتى تناهت أليهما أصوات الحضور , ومع أن جانيت كانت تتوقع زحمة كبيرة في الحدائق حول حوض السباحة , ألا أن ما رأته عندما وصلت ألى المكان فاق كل توقعاتها , فالحدائق كانت مكتظة بأشكال وألوان من البشر والملابس , وزاد في أزدحام المكان شتلات الورد التي وزعت في كل مكان خصيصا في هذه المناسبة , ووسط الألوان المختلفة , كانت الملابس البيضاء التي يرتديها الخدم تظهر بوضوح وهم يسيرون بين المدعوين حاملين صواني الأكل والمرطبات , وعلى الفور راحت السيدة كيندال تستكشف المحيط والحضور , وبرفقتها جانيت التي شعرت بنوع من الخجل , وبعد لحظات ألتقتا السيد فورد الذي رحب بهما بحرارته المعهودة ثم عرّفهما ألى حلقة من أصدقائه أتخذوا ظل أحدى الأشجار مكانا خاصا لهم .
أمضت جانيت وأمها عدة دقائق مع هذه المجموعة تستمعان ألى نوادر وطرائف مرّت بهم في أعمالهم وحياتهم , ثم تابعتا تجوالهما في الحدائق , وفي كل مكان منزو أكتشفتا وجود خيمة كبيرة بداخلها ساحة للرقص وفرقة موسيقية من خمسة أشخاص تعزف الألحان المختلفة لمجموعة من الراقصين وهكذا دلفت جانيت وأمها ألى داخل الخيمة تراقبان الجو الحماسي الراقص.
وألى جانب هذه الخيمة , أنتصبت خيمة أخرى أقل حجما , في داخلها راقصو وراقصات الفلامنغو , وقفت المرأتان تستمتعان بالرقص الأسباني الشعبي ..... ولكن السيدة كيندال التي أشتاقت ألى الكلام مع الآخرين , أنسحبت بعد دقائق وتوجهت ألى الموائد العامرة بالطعام , في حين سارت جانيت ببطء نحو حوض السباحة بدون أن تبحث عن شيء محدد . فمنذ أن وطأت هذا المكان وأحاسيسها تنتظر ساعة تلتقي بروس , وما زالت تترقب حتى الآن لأنه لم يظهر بعد , وراحت تتساءل عن الأسباب التي جعلته يبقى داخل الفيللا في مثل هذا الوقت , وتمنت أن يخرج وينضم ألى الحضور فورا , ولاحظت بعد وقت قصير أن
منتديات ليلاس
فرانسيسكو غير موجود أيضا , ولكن لم تشعر بالوحدة لأن المكان مليء بما يسلّي ويلفت الأنظار , وسرعان ما وجدت نفسها جزءا من مجموعة من الشابات والشبان يتدافعون بالقرب من الحوض , وقد أنقذ رجلان سويديان جانيت من مغبة السقوط في الحوض, وذهبا برفقتها ألى أحدى الطاولات لتناول بعض الطعام والشراب , ثم توجه الثلاثة مع آخرين ألى مكان منعزل للمشاركة في لعبة الغولف.
تبين بعد شوطين أو ثلاثة أن الرجال أقدر في اللعبة من النساء , ولكن أحدا منهم لم يكن في وارد المنافسة , بل حتى لم يهتموا بقواعد وأصول اللعبة التي تحولت ألى مناسبة للتسلية والضحك ورواية النوادر والطرائف , وكانت جانيت على وشك أن تضرب المضرب عندما لمحت وجها مألوفا لديها بالقرب من أحدى الموائد , خفق قلبها بشدة , وأزداد التوتر الذي رافقها طيلة بعد الظهر ...... وبدت في عينيها تعابير الفرح الشديد , أرادت أن تترك كل شيء وتنطلق نحوه , لكن زملاءها في اللعبة ألحوا عليها في البقاء لأن ذهابها سيلغي النتائج , وأضطرت للبقاء مرغمة ألى أن توجه الجميع نحو موائد الطعام.

نيو فراولة 28-09-10 09:22 PM


قادها أحد زملائها في اللعبة ألى المائدة , على بعد خطوات من المكان حيث بروس , وقد لاحظت أنه يرتدي زيا رسميا مما أكد أنطباعها بأنه كان يعمل , ولكن كل هذا غير مهم الآن فهو موجود في الحفلة وعلى بعد خطوات منها.
لم تتناول شيئا من صحنها المليء بما لذّ وطاب , ففكرها مشغول بأمور أهم , كيف تستطيع أن تبتعد هي وبروس عن هذا الأزدحام؟ أنها تعرف أنه شاهدها ..... والنظرة التي وجهها أليها الآن جعلت قلبها يزداد خفقانا وأضطرابا.
وباتت متشوقة للحظة التي ينهي فيها بروس حديثه مع المجموعة التي تحيط به , وقد أستعدت لأستقباله بالبقاء بعيدة عن زملاء اللعب حيث تكون وحيدة عندما يأتي أليها.
وأخيرا لاحظت من طرف خفي أن مجموعة بروس قد أبتعدت عنه , وراحت تعد الثواني بأنتظاره وهي تتظاهر بأنها تشارك في أحاديث زملاء اللعب وطرفهم , بينما التوتر يستوطن كل خلايا جسمها متوقعة لمسة ذراعه في أي لحظة , أستدارت بعد قليل عندما أحست بأنها سمعت وقعه , لكنها فوجئت بسيدة عجوز تسألها أن كان من الممكن أن تناولها بعض السمك من المائدة المجاورة لها .
أبتسمت جانيت للعجوز وهي تسمها الصحن , في حين بحثت عيناها عن الشخص الذي تتوقعه , وقد صدمها أن تجد مكان بروس فارغا , والمحامي الشاب غير موجود في مجال نظرها , تلفتت من جديد بأمعان أكثر , ففوجئت به مع مجموعة أخرى في الطرف الآخر من الحديقة.
وأحست جانيت بأن قلبها كان يحلّق عاليا , خانته أجنحته وهوى ألى الأرض محطما , ووجدت صعوبة في الأحتفاظ ببسمتها العريضة , ولحسن حظها , أقترب منها أحد الأشخاص وراح يلقي على مسامعها النكات والطرائف , جاهدت جانيت للأندماج بالمجموعة المحيطة بها , على الأقل حتى تتدارك المرارة القاسية التي تعتمل في داخلها .
منتديات ليلاس

هذا درس قاس لها ,وعليها في المستقبل أن تلتزم حدود الأمور الرسمية فقط , فقد تركت قلبها يسيطر عليها ويكبل عقلها حتى أنها تخلت عن فكرة خوض المعركة للحصول على الممر , يا لها من مغفلة لأعتقادها بأن بروس والبروك يمكن أن ينسى الممر حتى ولو للحظة واحدة ! لقد أختار أن يعمل هذا اليوم بالذات ليريها أنه محام بارع , وأن الشيء الوحيد الذي يعنيه هو كسب القضايا لزبائنه , أنها تعرف أنه كان يراقبها من بعيد , ولكنه أرادها أن تعرف أيضا أن هذا هو الحد النهائي لها , أنضمت جانيت مجددا ألى المجموعة تشاركهم طرائفهم وضحكاتهم وهي تشكر ربها أنها لم تظهر أتجاهه أي أهتمام على الأطلاق , ومن حسن حظها أنها أبقت مشاعرها لنفسها , بحيث تستطيع الآن أن تندمج في حديث متنوع مع الرجل الواقف ألى جوارها .
وأخيرا أنتهى ذلك اليوم بدون أن تدري كيف أستطاعت أن تمضي بقية الحفلة في الفيللا , لعلها شاركت في رواية الطرائف , أو لعلها ثرثرت كثيرا , المهم بالنسبة أليها كان أن تظهر فرحها وسعادتها حتى تنتهي الحفلة على سلام , وما أن أقلعت السيارات مبتعدة عن الفيللا حتى أحست بالتعب الشديد.
وعندما أستعدت مجموعتها للأنصراف , أنتهزت جانيت الفرصة لمغادرة الفيللا بصمت دون أن تلقي نظرة أخيرة على بروس , بالرغم من شعورها بأن عينيه لاحقتاها حتى الباب , وفي الخارج وقفت تلوح بيديها مودعة الأصدقاء والزملاء , ثم وجهت نحو البيت بدون أن تترك لنفسها فرصة التفكير في الفشل الذريع الذي أصيبت به اليوم.
كانت جانيت في المطبخ تجهز لنفسها فنجانا من الشاي , عندما عادت أمها من الحفلة وهي تكاد تطير من الفرح والسرور بالرغم من التعب الجسدي الذي حل بها , وعلى الفور راحت تقص على أبنتها كل التفاصيل التي جرت لها في الحفلة دون أن تغفل طبعا التعريف بالأشخاص الذين ألتقتهم ..... وأخيرا جلست في مقعدها لتريح قدميها قليلا ثم سألت جانيت :
" وأنت , هل أمضيت وقتا جميلا ؟".
أجابت جانيت وهي تخفي مشاعرها خلف لأبتسامة مشرقة :
" كانت حفلة رائعة !".
وجعت السيدة كيندال نظرة متمعنة ألى جانيت ثم قالت :
" ما رأيت بروس في الحفلة كثيرا , فهل شاهدته أنت ؟".
تشاغلت جانيت بالبحث عن ملاعق الشاي في أحد الأدراج , ثم قالت محاولة أن يبدو صوتها طبيعيا :
" أعتقد أنه كان في مكان ما في الحفلة".
وفكرت جانيت أن أمها , مثلها تماما , واقعة في خطأ الأعتقاد بأن بروس مهتم بأمور أخرى..... غير الممر!

نيو فراولة 29-09-10 11:57 AM

10- لا تكرهوا شرا.........بات الشاطىء الصغير , الذي ترتاده دائما , مزدحما بالرواد بعد أن وصل الموسم السياحي ألى ذروته , ومع ذلك أحست جانيت بضرورة الذهاب ألى البحر والأبتعاد لبعض الوقت عن البيت .
وفي معظم الأحيان كانت تغادر البيت بعد الظهر حاملة معها أدوات البحر وبعض المرطبات في صندوق مثلج صغير , وفي أحدى المرات , وبينما كانت تتجول في الحدائق المجاورة , أكتشفت طريقا زراعيا في الجهة الأخرى من الممر يلتف حول البيت من الجهة اليمنى , والحقيقة أن الطريق كان يمتد ألى جبل غير مرتفع مغطى بأشجار الصنوبر والسرو , ويدل المكان على أن الجبل مقصود من قبل سكان المنطقة والسياح على حد سواء.
وبما أن الجبل كان الأكثر أرتفاعا في القرية , فقد كانت المناظر المطلّة خلاّبة وساحرة , وعلى قمته قام الأهالي بأنشاء نصب تذكلري يعلم الله وحده متى أقيم ولماذا؟ ومن الجهة الأخرى من النصب ,ينحدر الجبل بحدّة ليشكل مع تلة مجاورة واديا عميقا وضيقا , وفي أماكن عديدة من الجبل والتلة كانت تبدو المغاور المحفورة بالصخر الكلسي الناصع البياض.
منتديات ليلاس

وكثيرا ما أمضت جانيت ساعات طويلة في هذه المنطقة , لا يعكر السكون العميق ألا صوت عصفور أو غناء عندليب ....
وحدث في أحدى المرات , عندما كانت تعبر الطريق متجهة ألى الجبل , أن ألتقت تولو ........ أو الأصح كاد أن يصطدم بها , كانت جانيت ألتقته مرة أو مرتين في القرية بعد ذلك اليوم الذي قام به بدور المترجم , لكنها تراه الآن للمرة الأولى على الطريق الرئيسي , أستطاع تولو أن يوقف سيارته على بعد مسافة قليلة من جانيت , ثم ترجل مسلما عليها , وعلى شفتيه أبتسامة عريضة .
" مرحبا يا جانيت".
ردت جانيت بأبتسامة مشابهة :
" أهلا بك يا تولو!".
أسند تولو يده على مقدمة سيارته قائلا:
" هل تريدين أن أوصلك ألى المدينة ؟".
أجابت مبتسمة :
" شكرا لك , لست ذاهبة ألى المدينة الآن , بل أنا أتمشى قليلا قرب البيت , ثم أضافت بعد لحظات وكأنها تريد فتح حديث معه:
" هل أنت ذاهب ألى العمل؟".
هز رأسه موافقا:
"نعم , فقط لثلاث ساعات , ثم أصبح حرا طيلة النهار ".
ترددت جانيت للحظات وهي تفكر , لماذا لا تذهب ألى المدينة لتغير الجو قليلا ؟ فبأستثناء رحلات التسوق التي تقوم بها مع أمها , لم يحدث أن زارت المدينة بمفردها ...... وثلاث ساعات من السياحة هناك لن تكون أصعب من التجول في الجبل.
سألته بهدوء:
" هذا يعني أنك ستعود ألى البيت فور الأنتهاء من العمل؟".
رد تولو بحماسة وكأنه قرأ أفكارها:
" طبعا....... طبعا وأذا أردت يمكنني أن أعيدك معي من حيث أخذتك !".
قلبت جانيت الفكرة برأسها سريعا , صحيح أنها غير مستعدة من حيث الهندام لزيارة المدينة ..... لكن الموسم موسم سياحة , ومن يهتم بالملابس في مثل هذه الظروف؟ أنها تحمل حقيبة يدها التي لا تتخلى عنها أبدا , وليس هناك أي سبب يدعوها ألى رفض عرض تولو , بالأضافة ألى أنها تريد الخروج من الروتين اليومي الذي دأبت عليه مؤخرا , وبدون تردد هزت رأسها موافقة وقالت:
" حسنا يا تولو ....... هيا بنا ألى المدينة!".
فتح الأسباني الباب بسرور , لتجلس جانيت على المقعد الذي تمزف قماشه في أكثر من مكان , وسرعان ما أكتشفت جانيت أن تولو سائق مجنون بالسرعة , فقد أخذ يجتاز الطريق بسرعة كبيرة , وراحت ىجانيت تترحم على رحلات الباص المزعجة , ولولا أن الطريق شبه مهجورة في مثل هذا الوقت من النهار , لكانت سيارة تولو الصغيرة قد واجهت كل السير القادم من الجهة الأخرى ....... لكن حظها جيد لأن معظم الناس لا يسافرون في هذا الحر اللاهب , ومما أشعر جانيت بالأطمئنان ألى حد ما , أن تولو تعود أستعمال هذا الطريق يوميا , ذهابا وأيابا.
كانت المدينة في قيلولة الظهر عندما وصلا أليها , فالحوانيت مغلقة , والمقاهي مهجورة , والسياح أما قابعون في فنادقهم أتقاء لأشعة الشمس وأما يبردون على الشواطىء الرملية القريبة سعيا وراء الأنتعاش واللون البرونزي .
قاد تولو سيارته وسط شوارع المدينة بعناية وحذر , خاصة وأن رجال شرطة السير كانوا موزعين في كل مكان وأخيرا وصل ألى مكان عمله في الفندق الذي يقع على الجهة اليمنى من الساحة الرئيسية , وأضطر ألى أيقاف سيارته بعيدا بسبب زحمة مواقف السيارات ......... ثم دعا جانيت ألى شراب مرطب بعد عناء الرحلة الطويلة.

نيو فراولة 29-09-10 03:09 PM

وبما أنها لم تفكر بعمل شيء محدد الآن , فقد وافقت جانيت على الفكرة ودلفت معه ألى الفندق حيث يقوم مقهى مكشوف تغطي طاولاته شمسيات ضخمة ملونة , أنهت شرابها , توجهت ألى ردهة الأستقبال لرؤية تولو وهو يعمل , كان منهمكا في تقليب مجموعة من الشيكات السياحية والفواتير وعملات مختلفة أخرى.
أقتربت منه وأودعت عنده الثلاجة الصغيرة , وأبقت معها حقيبة يدها , ثم أتفقت على أن يلتقيا عند طرف الساحة بعد أن ينتهي دوام عمله في الفندق , لم تكن تفكر كيف ستمضي هذه الساعات القليلة لكن لا شيء يمنع من أن تتمشى في الشوارع الرئيسية لمشاهدة معروضات المحلات ودور الأزياء حتى يحين موعد عودتها ألى البيت.
سارت جانيت على غير هدى وقتا غير قصير ألى أن أنهكها التعب والعطش , لذلك قررت العودة ألى الساحة وأنتظار تولو في أحد مقاهي الرصيف , وعندما وصلت ألى هناك أدهشها التغيير الذي شاهدته , فقد أزدحم المكان بالناس وملأ الضجيج الساحة التي كانت نائمة قبل ساعات قليلة .
منتديات ليلاس

أمتلأت المقاهي برجال الأعمال الذين كانوا ينجزون قضاياهم السريعة حول كؤوس المرطبات وفناجين القهوة , وفي الساحة نفسها تجمع عدد من الأطفال , وراحوا يتسلقون الأشجار الكثيفة الأغصان , وقد طغى على الجو كله خليط من أصوات البعة وأحاديث رواد المقهى وثرثرات العجائز اللواتي توزعن على مقاعد الأرصفة العامة .
وصلت جانيت ألى المكان المحدد متأخرة عدة دقائق , فوجدت أن تولو أوقف سيارته في مكان تسهل رؤيته , ويظهر أنه أستأخرها قليلا , لذلك ترك السيارة هناك وعاد ألى الفندق لأمور عاجلة , ألقت جانيت نظرة فاحصة على الفندق فوجدته غاصا بالسياح , لذلك فضلت الأنتظار قرب السيارة ريثما يعود تولو .
وبعد عدة دقائق لمحت تولو يشق طريقه وسط الساحة المزدحمة متجها صوبها , لم يكن وحده , بل كان برفقة عدد من الشبان الذي يبدو أنهم يعملون معه في الفندق , وعندما وصل الشبان ألى السيارة تحلقوا حولها وراحوا يطلقوا يطلقون العبارات التي تسخر من تولو وسيارته العتيقة , وبينما جانيت تنتظر وسط الصخب والضحكات العالية بأنتظار ذهاب الشبان في حال سبيلهم , أذا بقلبها يخفق خفقات سريعة عندما لمحت من بين الزحام بروس والبروك حاملا حقيبة يده وسائرا بأتجاه سيارته المتوقفة قرب الرصيف المقابل , وعلى الفور تذكرت أن مكتب المحاماة الخاص به يقع في هذه المدينة بالذات , وسرعان ما لاحظت أن نظراته الزرقاء الحادة مركزة عليها , فأستدارت مضطربة .
كيف سيبدو الأمر وهي في ملابسها القديمة العادية ألى جانب تولو في سيارته اقديمة المهلهلة وسط مجموعة من الشبان اللاهين الضاحكين ؟ لم تجرؤ جانيت على مجرد التفكير بالأمر , بل حاولت التهوين على نفسها بالقول أنها حرة في تمضية وقتها كيفما تشاء......... لذلك أنخرطت في الضحك مع الشبان الأسبانيين وأندمجت معهم في المزاح وأطلاق النكات.
وأخيرا أستطاع تولو الأنسحاب من شلته اللاهية , ودخل هو وجانيت السيارة أستعدادا للعودة ألى البيت , وقد عمدت جانيت للتشاغل بالحديث مع تولو كي لا تلتفت ألى العينين الزرقاوين اللتين كانت تحدقان بها عندما أقلعت السيارة العتيقة بأتجاه مخرج الساحة .
وكالعادة , قاد تولو سيارته بسرعة جنونية في قلب المدينة , وأكثر من مرة أعتقدت جانيت أن رجال شرطة السير سيوقفونه عند حده من جراء المخالفات العديدة التي أرتكبها ...... ولكنها لاحظت أن معظم السائقين هنا يقودون سياراتهم بالطريقة الجنونية نفسها .
ولم تدر جانيت هل تشعر بالراحة أو بالحزن عندما خرجت السيارة من حدود المدينة وسارت بأتجاه سان غبرييل , وفي هذه الأثناء كان تولو يحدثها عن ساعات العمل التي أمضاها في الفندق بعد الظهر وخوفا من أن يفقد السيطرة على السيارة , راحت جانيت تستمع ألى كلماته بأبتسامة صامتة .
منتديات ليلاس

كان الأثنان قد قطعا مسافة طويلة من الطريق عندما ألقت جانيت نظرها ألى الخلف بواسطة المرآة الموضوعة أمامها , وفوجئت عندما رأت السيارة التي تسير غير بعيدة عن سيارة تولو .
أمتلأت عينا جانيت بالسرور والأرتياح لمرأى سيارة بروس فقد أكتشفت أن المحامي العنيد لحق بها فور مغادرة سيارة تولو الساحة , ولا شك أنه أضطر ألى المخالفة وتجاوز الأشارات الضوئية الحمراء للحاق بتولو المجنون , وعلى الرغم من أنهما كانا يسيران بسرعة كبيرة , ألا أن السيارة الزرقاء ظلت على ظلت على مسافة قريبة منهما بدون أن يحاول سائقها التجاوز .
لم يكن تولو منتبها لوجود سيارة بروس خلفه , فهو من هواة عدم النظر في المرآة لمعرفة أوضاع السير خلفه , لذلك تركته جانيت بسرعته الجنونية وعمدت ألى تجاهل الشخص الذي يلاحقها ... في كل حال , لماذا هي مهتمة ألى هذا الحد بملاحقة بروس لها ؟
كانت جانيت قد أتفقت مع تولو على أن ينزلها في المنطقة نفسها حيث أخذت عند الظهر , وعندما توقفت سيارته على حافة الطريق , تعمدت جانيت أطالة الحديث معه ألى أن تجاوزتهما السيارة الزرقاء وأختفت في الزقاق المؤدي ألى الفيللا .
تظاهرت جانيت بأنها لم تلمح السيارة أبدا وظلت غارقة في الحديث مع تولو , الذي أعلمها أن دوام عمله طيلة الأسابيع المقبلة سيكون ساعتين عند الصباح وثلاث ساعات بعد الظهر.

نيو فراولة 29-09-10 03:53 PM

قال لها قبل أن يودعها :
"غدا يوم عطلتي , لكنني أستطيع أصطحابك معي أذا أردت في الوقت نفسه بعد غد".
فكرت جانيت في العرض قليلا , صحيح نها لم تجد شيئا غير أعتيادي في المدينة , لكن لا شيء يمنع من تغيير الجو يوما بعد يوم .
شكرته ضاحكة :
" لا بأس في ذلك , سأنتظرك هنا في الموعد نفسه!".
ودعته بحرارة , ووقفت ألى جانب الطريق محاذرة الغبار الذي أثارته السيارة عند أقلاعها الجنوني .
وفي طريقها ألى البيت , فكرت أنه من الأفضل ألا تخبر أمها عن خططها للأيام القليلة المقبلة , فالسيدة كيندال ستشعر بالقلق لأن أبنتها تذهب ألى المدينة مع سائق أرعن وفي سيارة فانية .
وعندما دخلت جانيت الممر المؤدي ألى البيت لمحت السيارة الزرقاء متوقفة أمام باب الفيللا ...
وأخيرا أختفت داخل البيت وهي تشعر بالراحة لأشياء كثيرة فعلتها اليوم .
منتديات ليلاس
وفي يوم موعدها مع تولو , كان من الضروري أن تحافظ على المظاهر الخارجية للنزهة الجلبية المعتادة , لذلك أرتدت قميصا قطنيا عاديا وجهزت معدات النزهة كما في كل يوم .
وصلت جانيت ألى طرف الطريق الزراعي قبل دقائق من موعد مرور تولو , ووقفت تنتظر مجيء السيارة المهلهلة وخلفها عاصفة من الغبار , لكنها أضطرت بعد دقائق أن تلجأ ألى ظل شجرة هربا من الشمس الحادة خاصة وأن تولو تأخر عن موعده , وأنتظرت جانيت أكثر وهي تتساءل عن سبب تأخر تولو , بدون أن ترفع عينيها عن الطريق الذي يظهر أمامها بوضوح أبتداء من طرف القرية .
ظلت جانيت تترقب وصول تولو لمدة ربع ساعة أخرى لعل عوائق غير متوقعة أخرت مجيئه , وأخيرا حملت معدات النزهة وقصدت قمة الجبل لتمضية بعد الظهر هناك , فالأمر سيان عندها , سواء رافقت تولو ألى المدينة أو تمتعت بالمناظر الطبيعية التي يطل عليها الجبل........ المهم أن تمضي وقتها بعيدا عن البيت.
وفي اليوم التالي تعمدت أن تأتي الى المكان الموعود قبل عشرين دقيقة من الموعد , لتتأكد من أنها في الوقت المناسب , ومرة أخرى وجدت نفسها تنتظر , بينما مرت الدقائق بطيئة مملة بدون أن يظهر أثر لسيارة تولو .
وراحت جانيت تتساءل في نفسها عما حل بتولو فحتى لو كان قد نسي وعده لها , لا بد أن يمر عبر هذا الطريق متجها ألى المدينة و لكن هناك طريقا فرعيا يربط القرية بالطريق الرئيسي بدون أن يمر من خلال الجبل ...... لماذا لا يستعمل تولو ذلك الطريق؟ وأخيرا توجهت ألى الجبل بعدما قررت أن تثير الأمر معه عندما تراه في المرة المقبلة.
وسرعان ما جاءت المرة المقبلة في مساء اليوم نفسه , أذ أعتاد أهل القرية الأختفاء في منازلهم خوفا من الشمس , ثم الأنطلاق مساء عندما تدب الحياة في كل أنحاء المنطقة وكان النوم لا يعرف طريقه ألى العيون .
كانت جانيت قد أعتادت هذه الحقيقة , بل أصبحت جزءا منها , لأنها تولت منذ مجيئها ألى الجزيرة الذهاب ألى سان غبرييل لأحضار البريد اليومي , وحدث هذا المساء أن شاهدت تولو مع جمع من الشبان , فور خروجها من مكتب البريد المحلي .
لم يبد على تولو الأنزعاج لرؤيتها , بل توجه نوها وعلى وجهه الأبتسامة التي لا تغيب أبد , ردت جانيت بأحسن منها , ثم رفعت أحد حاجبيها قائلة:
"ماذا حدث لك هذا الوم وأمس ؟ كنت أعتقد أنك ستقلني معك ألى المدينة؟".
هز تولو كتفيه بهدوء وقال :
" آه ...... أنا متأسف , لم يكن ذلك ممكنا !".
أبتسمت جانيت وقالت :
" لا بأس بذلك ".
منتديات ليلاس
ثم ألتفتت ألى سيارته المتوقفة في الساحة , وأضافت :
" لكن سيارتك غير معطلة , أليس كذلك؟".
بدا الأضطراب على تولو , وغابت الأبتسامة عن شفتيه وهو يقول معترفا:
" السيد في الفيللا هددني ".
ثم أشار بأصابعه على عنقه أشارة على الذبح!".
لوهلة الأولى لم تفهم جانيت معنى كلمات وأشارة تولو , لذلك نظرت أليه بدهشة وسألته:
" لكنني لا أفهم .... لماذا يتدخل هذا السيد بالأمر ؟".
وجاءها الجواب المفاجىء :
أنه المحامي الذي يقود السيارة السريعة يوميا ألى المدينة ".
أنه بروس! وعلى الفور أدركت جانيت كل القصة , لكنها سألته بغضب :
" حسنا , ماذا قال لك ؟".
طأطأ تولو رأسه حرجا , ثم أجاب:
" قال لي بوضوح أنه سيدق عنقي أذا أقدمت على أخذك مرة أخرى ألى المدينة ".
أنفجرت جانيت غاضبة وأحتقن وجهها بالدم وهي تقول :
" يا لهذا الأسلوب الفظ! ".
ثم قالت للشاب الأسباني المحرج :
" عليك أن تعرف يا تولو أن شيئا لا يربطني بهذا المحامي الأنكليزي بروس والبروك , وهو غير معني على الأطلاق برغبتي في مرافقتك ألى المدينة ".
ثم أضافت بتحد وغضب:
" أريدك أن ترافقني غدا , أذا كنت مستعدا ".
رد تولو وقد أربكه الموقف :
" حسنا لكن ماذا أقول للمحامي أذا قصدني في القرية مرة أخرى؟".
أجابته بقسوة :
" يمكنك أن تبلغه عن لساني أن الأمر لا يعنيه أبدا ".
ثم خففت من لهجتها القاسية وهي تودع تولو , وعند المنعطف ألتفتت أليه مجددا وصرخت:
" أراك غدا بعد الظهر في المكان نفسه ".

نيو فراولة 29-09-10 04:21 PM


لم يطل أنتظار جانيت في اليوم التالي أذ سرعان ما أطلت سيارة تولو ترافقها عاصفة من الغبار الكثيف , فتح لها الباب دون أن يغادر مقعده , فجلست ألى جانبه بصمت ..... ثم أقلعا بأتجاه المدينة .
وصلا ألى المدينة في الوقت المحدد , فتركها تولو متجها ألى عمله , في حين أتخذت هي أحد المقاعد في مقهى رصيف يطل على الساحة وراحت تتصفح مجلة نسائية قديمة , بعد ذلك أمضت حوالي نصف ساعة تتجول أمام واجهات المحلات , أحست جانيت بالتعب والحرارة بعد أن أنهت جولتها , ولم يساعدها أنتظار تولو على التخلص من أحاسيسها تلك , لذلك عرضت عليه عندما وصل أخيرا أن يتناولا كأسا من المرطبات لأنها تكاد تموت عطشا ......... وبالطبع لم يمانع الأسباني الشاب , وحول كأسين من عصير الليمون , راحا يتأملان الناس والوجوه والسيارات في تلك الساحة المزدحمة , ومن حيث لا تدري , شاهدت جانيت مجموعة الشبان الذين تحلقوا قبل أيام حول سيارة تولو , وهو يتوجهون ألى المقهى مثيرين الجو الأحتفالي نفسه الذي أثاروه من قبل , ولم تكن جانيت مهتمة بوجود تولو والشلة , فعيناها , منذ جلست في المقهى و تبحثان عن شخص محدد وسط الزحام والوجوه المختلفة , كانت مشاعرها متضاربة , فهي خائفة من رؤية بروس لهما ومن ناحية أخرى تريد أن يرى كيف تتحداه في هذه المسألة بالذات , وبينما هي تدلف ألى سيارة تولو بعد حيل الشلة على وشك أن تفقد الأمل برؤية بروس أذ بها تفاجأ به على بعد أمتار قليلة منها .
ولم تتمكن جانيت من معرفة الأشخاص الذين كان بروس معهم , ألا أنها متأكدة أنه لم يسحب نظره الحاد عنها , وحتى من هذه المسافة , كان من الواضح أن الغضب يلتمع في عينيه الزرقاوين الباردتين , وأمعانا في التحدي , أندمجت جانيت في الضحك مع تولو....... مما يؤسف له أن بروس لا يحب أن يراها برفقة أحد , لكنها تحب ذلك وستستمر فيه!
وكم كانت راحتها كبيرة عندما أنهى مرافقها الأسباني أستعداداته , وأطلق العنان لسيارته في شوارع المدينة المزدحمة عائدا ألى القرية , وكما توقعت ما أن وصلا ألى ضواحي سان غبرييل حتى ظهرت السيارة الزرقاء خلفهما تماما , كانت متأكدة أن تولو لم يلمحها , فهو غير مهتم بالطريق الذي أجتازه با بالمسافة الباقية أمامه.
منتديات ليلاس

ظلت السيارة الفاخرة خلفهما تماما بدون أن تحاول تجاوزهما مع أنها قادرة على ذلك بسهولة , وبعد قليل بدأت جانيت تحس بأن يروس يقود سيارته على أعصابها , لذلك طلبت من تولو أن ينعطف في ممر فرعي ويتوقف للحظات بحجة أنها تريد بعض الهواء النقي........ وكم كانت راحتها كبيرة عندما رأت السيارة الأخرى تواصل طريقها بأتجاه الفيللا.
ولشدة أستغرابها , أحست جانيت أن أعصابها ما زالت متوترة ومتعبة ...... ومع ذلك تواعدت على لقاء تولو في اليوم التالي أيضا , وطيلة المساء ظلت تفكر في ما سيكون عليه رد فعل بروس أتجاه تولو , هل تراه يتوجه ألى القرية لمعاقبته على عصيانه أمره؟ مهما كان الموقف , فأن تولو لم يظهر أي تغيير في اليوم التالي , وفكرت جانيت بأنه أبلغ بروس الرسالة التي كلفته بنقلها , وتوقعت أن تولو كان صلبا مثلها تماما.
وهكذا مرت الأيام , وبات من المعتاد أن تذهب جانيت وتولو بعد كل ظهر ألى المدينة , ويعودان ألى القرية عند العصر تقريبا , وقد كانت جانيت تلاحظ أن العينين الزرقاوين تراقبانها دائما..... لكنها حاولت أن تقنع نفسها بأن صاحبها هو مجرد شخص بين آلاف الأشخاص في المدينة.
كما أعتادت جانيت على رؤية سيارته ترافقهما كظلهما في طريق العودة ألى البيت ... بل ولاحظت في بعض المرات أن بروس كان يحاول مجاورة سيارة تولو عند المنعطفات الواسعة.
كانت تعتقد في أحيان كثيرة أن خيالها يزين لها هذه التصورات , خاصة وأن أعصابها صارت متعبة للغاية أخيرا و وعلى عكس ما توقعت باتت الرحلات اليومية ألى المدينة تزيدها توترا وأحتراقا , ومع أن التظاهر بقضاء وقت ممتع من أجل تحدي بروس كان يعطيها بعض الأرتياح , لكن أن تراه يوميا فهذا فوق الأحتمال , ولم تعد تدري ألى متى ستظل قادرة على ممارسة هذه اللعبة الخطيرة جدا .
ةالغريب أن ملامح وجه بروس كانت تشير ألى أنه يمر بالحالة نفسها المتوترة التي تمر بها جانيت و وفجأة حدث أمر غير متوقع أوصل الأمور ألى نقطة الصفر ..... والسبب في ذلك قيادة تولو المجنونة قبل كيلومترات قليلة من سان غبرييل .
كانت جانيت مسترخية في مقعدها تستمع ألى تعليقات تولو على فيلم سينمائي شاهده بالأمس , وقد دبّ الحماس في عروقه وباتت السيارة بين يديه الحصان الفائز الذي كان يمتطيه بطل الفيلم , وفي محاولة لأخفاء خوفها من القيادة المجنونة , ركزت جانيت كل أنتباها على التفاصيل التي كان يرويها تولو .

نيو فراولة 29-09-10 08:19 PM

وعند المنعطف الضيق حدثت المفاجأة , فقد فوجئا بوجود عربة نقل يجرها حصانان تحتل القسم الأكبر من الطريق , وبما أن سرعة تولو كانت عالية جدا , فقد عجز عن كبح السيارة أو حتى تجاوز العربة أمامه .......وهكذا وجدت جانيت نفسها في سيارة عجز صاحبها عن أيقافها , فأنحرفت عن الطريق , وراحت تصطدم بالنباتات والأعشاب والصخور .... ولحسن الحظ لم تنقلب السيارة , بل أنحرفت عدة مرات قبل أن تتوقف بمحاذاة جذع شجرة كبيرة على طرف الطريق , بل أبتسم بغرور لأنه أستطاع تجاوز العربة بدون أن يصطدم بها وتركها خلفه بمئات الأمتار , لكن جانيت لم تشعر مثله أبدا , فهي تعرف أن الحظ وحده جنّبهما الوقوع في حادث خطير للغاية .
وعاد ألى ذهن جانيت صوت الفرامل الحاد قبل أن تنحرف السيارة وفكرت أن بروس الذي كان يتبعهما عن كثب لا بد أنه سمع الصوت وشاهد الحادث ..... ولا شك أنه الآن خلف العربة لأنه ليس مجنونا مثل تولو ليقدم على تجاوزها بالشكل الذي فعله الأسباني الشاب.
تنفست جانيت بعمق وأرتياح عندما وصلت ألى البيت قبل أن يلحقهما بروس , وما أن توقفت السيارة قرب الطريق الزراعي , حتى غادرتها جانيت وهي تحس بضعف عام في قدميها , وبعد أن ودعت تولو , توجهت ألى البيت بأسرع ما يمكن أن تسمح لها قدماها المرتجفتان .
عند بداية الممر سمعت صوت محرك سيارة بروس يزأر خلفها , كانت قد وصلت ألى مدخل البيت , طغى صوت الفرامل على كل شيء , لكنها واصلت سيرها نحو الحديقة الداخلية , أحست بوقع أقدام صلبة وقاسية تتبعها , لم تلتفت , لكن خفقات قلبها أزدادت وهي تسرع ألى الداخل , هاربة ألى أمها التي كانت تعد الطعام في المطبخ .... ومع ذلك ظلت الأقدام تلاحقها , فقالت لأمها بأنها ستذهب لجمع البيض من الكوخ ....... وغادرت المطبخ تاركة السيدة كيندال في دهشة من أمرها.
لم تدر جانيت كيف عبرت الحديقة الخلفية , لا شك أن توترها العصبي جعلها تقطع المسافة بسرعة , خاصة وأنها ما زالت تسمع وقع الأقدام خلفها , وعندما وصلت ألى الكوخ أنحنت تبحث عن البيض دون أن تحاول جمعه لئلا تفضحها أصابعها المرتجفة ...... ثم وقفت تتظاهر بتأمل مناظر الطبيعة , بينما كان وقع الأقدام يقترب منها .
منتديات ليلاس

وبدون مقدمات قال لها بروس بعصبية:
" أذا كنت تخططين لمرافقة تولو في سيارته المهلهلة مرة أخرى , فالأفضل لك أن تنسي الموضوع!".
ردت جانيت بحدة:
" ومنذ متى يحق للناس أن يقرروا عني ما يجب أن لا أفعل".
خفق قلب جانيت بشدة عندما لاحظت أنها لم تكن وحدها المضطربة والمرتجفة , بل أن وجه بروس أظهر توترا شديدا بدا واضحا من خلال اللون الأصفر الذي طغى على ملامحه القاسية ,وفي محاولة لأخفاء مشاعرها , أضافت بخفة:
" يا للمصادفة , فأنا ذاهبة ألى المدينة غدا.... وأنتظر رفقة تولو بفارغ الصبر".
تقدم بروس عدة خطوات أجاهها , فتوقعت أنه سيضربها أو على الأقل يهزها بعنف , لكنه قال بهدوء ولطف :
" أنت تعرفين أن الحادث الذي تعرضت له قبل قليل كان يمكن أن يؤدي بك ألى التهلكة؟".
شاهدت جانيت ما يشبه شرارات الغضب في عينيه , فواجهته بحدة وقالت :
" لكننا لم نفعل , في كل حال لست أدري ما علاقتك بشؤوني الخاصة؟".
" لأنك أيتها الغبية الصغيرة.....".
لم يكمل بروس كلامه بل أمسك بها بقبضتيه القويتين , فأحست بأصابعه تغرق في لحم ذراعها ...... وقبل أن تطلق صرخة ألم , كان قد غيّبها بين ذراعيه بحنان , للوهلة الأولى شعرت جانيت بالأضطراب من هذه الخطوة المفاجئة , لكنها سرعان ما تجاوبت بدون أرادة وهي تتمنى أن يتوقف الزمن عن الدوران .
وفجأة أدركت أن يديها أحاطتا بعنق بروس بحنان ومحبة , فأندفعت بعيدة عنه وقد علت الحمرة وجهها كله , وظلت للحظات تحاول أستجماع أعصابها قبل أن تقول:
" أعتقد أنه من الضروري أن أعود ألى البيت الآن ".
راقبها بروس وهي ترحل , ولعله أكتشف شيئا خاصا به جعله يبتسم ويمسك سلة البيض قائلا:
" لا تنسي البيض الذي جئت من أجله ".
أخذت جانيت السلة من يده وطارت عائدة ألى البيت , في حين ظل صوت وقع أقدام بروس يترد خلفها ببطء وهدوء.
كانت السيدة كيندال تقف عند الباب الخلفي وآثار المطبخ ما تزال بادية عليها , بعد أن تركت عملها في المطبخ لمعرفة سبب ملاحقة بروس لأبنتها وهرب جانيت منه , والآن أخذت الأبتسامات ذات المعاني الكثيرة تحتل قسمات وجهها بدلا من علامات التعجب التي كانت هناك قبل قليل , وعندما شاهدت جانيت تعود ألى البيت , أرتسمت على وجهها أبتسامة كبيرة , ولم تستطع أن تعبر عن شعورها أتجاه ما حدث قرب الكوخ ألا بكلمة واحدة .
" هكذا أذن؟".
أرتبكت جانيت أمام نظرات أمها المتمعنة وردّت بحياء :
" أرجوك يا أمي........".
ثم أنطلقت هاربة ألى غرفة نومها , لم تكن تسير بل كانت تحلّق على بساط سحري يرقص على موسيقى ساحرة تعزف في قلبها .
لقد عانقها فعلا.....بروس والبروك عانقها فعلا , وبحرارة واضحة.

نيو فراولة 29-09-10 09:21 PM

11- لن أراك أبدا!

آب ( أغسطس ) هو شهر الراحة في جزيرة أيبيزا , وبسبب أرتفاع درجة الحرارة توقفت الحفلات في الفيللا حتى أشعار آخر , وأصبحت العادة أن يتوجه الجميع في الأمسيات الباردة ألى أية قرية تقيم أحتفالا خاصا بها ...... ولم يكن صعبا الأندماج مع الأهالي الذين كانوا يرحبون بكل السياح والمصطافين .
كانت القرية الأسبانية تتزين بالأعلام وأقواس النصر أستعدادا للأحتفال في حين تعزف الموسيقى الأغاني الشعبية الراقصة , وكانت الساحة الرئيسية مرتعا لكل الناس من الراقصين أو المغنين أو المتفرجين , وألى مثل هذه القرى كان السيد والسيدة فورد يتوجهان لقضاء الأمسيات برفقة عدد محدود من الأصدقاء , وقد رافقهما السيدة كيندال مرة أو مرتين في هذه السهرات.
وفي اليوم التالي لحادثة الكوخ , عادت جانيت من رحلتها الى القرية لتجد أمها أمام البيت تنتظرها على أحر من الجمر .
قالت الأم بأبتسامة ماكرة :
" جاء بروس وأنت في القرية , لكنه أضطر للذهاب بسرعة ألى المدينة , وقد ترك لنا دعوة للأنضمام ألى السيد والسيدة فورد اللذين يريدان الذهاب ألى حفلة هذا المساء.
خفق قلب جانيت بشدة , فقد قصد بروس البيت ولكنها لم تكن موجودة لأستقباله , كانت تعرف أن خجلها سيمنعها من النظر مباشرة ألى عينيه عندما تراه , وأستقبلت جانيت أخبار الدعوة بمشاعر متضاربة , هل سيكون بروس موجودا ؟ بالطبع , وألا لما جاء يوجه الدعوة بنفسه!
ولكن أفكارها هذه لم تنقذها طيلة النهار من تقليب الأمور على أوجهها المتخلفة , وعندما حلّ المساء , أمتزج شوقها للحفلة بخوفها من أن يتخلّف بروس عن هذه السهرة , أنهت جانيت أستحمامها وأرتدت الفستان الأبيض الحريري الذي كانت ترتديه عندما أخذها بروس لزيارة حديقة الدون أيغنازيو , كان شعرها نائما متمايلا ويلامس وجنتيها البرونزيتين اللتين وضعت عليهما بعض الماكياج الخفيف , ثم أنهت أستعداداتها بقليل من العطر الخاص بها ..... وشعرت بالأرتياح الشديد لأن ملابسها أظهرت أنوثتها بعد أيام طويلة من أرتداء الجينز والقمصان القطنية البيضاء! وعند حلول الظلام بدأت سيارات أصدقاء السيد فورد بالتجمع قرب الفيللا أستعدادا للسير في موكب واحد ألى القرية , وعندما خرجت جانيت وأمها من باب البيت , أحست بقلبها يغوص بين أضلعها أذ رأت سيارة بيضاء فاخرة غاصة بالركاب تنتظرهما لأخذهما ألى الحفلة , ومع ذلك أندمجت مع ركاب السيارة المتضاحكين وهي تحاول أن تقنع نفسها بأن بروس رجل مشغول جدا وربما أضطرته بعض الظروف الطارئة ألى التأخر قليلا.
منتديات ليلاس

كانت الساحة تغص بالناس والنشاطات عندما وصل الموكب السهر أليها .
فالألعاب النارية تغطي السماء بألف شكل ولون في حين تجمهر أهل القرية صغارا وكبارا في حلقات مختلفة الأحجام وعيونهم شاخصة ألى السماء الصافية , أما السيّاح فقد أندمجوا مع السكان بدون أية صعوبات على الأطلاق.
قاد موكب آل فورد السيارات ألى جانب منعزل من الساحة وتوقف بالقرب من منصة خشبية عالية أحتلت نصف الساحة وخصصت للرقص على أنواعه , وفي أحد أطراف المنصة جلس أفراد فرقة موسيقية محلية يعزفون لمجموعة من الشبان والشابات , لكن أهم ما ستشهده المنصة هذا المساء هو أحتفال الرقص الشعبي الذي تقدمه فرقة فولكلورية محترفة.
وعلى الرغم من أن الساحة مليئة بالمقاعد المتراصة , ألا أن شلة آل فورد أتجهت ألى مقهى مطل على الساحة , حيث أعدت لهم زاوية خاصة , وتعمدت جانيت أن تجلس في طرف المقهى لكي تستطيع متابعة ما يجري من نشاطات , أما أمها فقد أحتلت مقعدا مجاورا لمقعد السيدة فورد وغرقت معها في أحاديث لا تنتهي.
كان فرانسيسكو من ضمن الشلة , ومع أن جانيت كانت تراه من حين لآخر قرب الفيللا وتلوّح له من بعيد , ألا أن علاقتهما الحميمة التي نشأت في مطلع الصيف أصبحت شيئا من الماضي الآن , وما أن أستقر الجميع ,, حتى أنضم فرانسيسكو أليها ليخبرها أن سانتا مارغاريتا هي مسقط رأسه ...... وأخبرها أيضا أنه يعرف كل من في الساحة , بل أن سكان القرية كلهم أقرباؤه , خاصة أولئك الذين أقتربوا من المقهى ليسلموا عليه بحرارة وشوق , وبعد دقائق معدودة أعتذر فرانسيسكو وغادرها لينضم ألى مجموعة من الشبان قرب منصة الرقص.
راقبت جانيت مجموعة الشبان الراقصين وهي تشعر بالفراغ الداخلي الكبير ....
كانت تعرف منذ البداية أنها لن تكون في مزاج جيد هذا المساء , كان من المفروض أن تنضم ألى شلة الفيللا في لهوهم وطرائفهم وألعابهم .
لكن نظرها ظل مشدودا ألى حيث توقفت السيارات الفاخرة تحت الأشجار الكثيفة الأغصان , وبدأت تشعر بأنها ستخرج من هذه السهرة صفر اليدين ...... وفجأة أطلّت السيارة الزرقاء الداكنة باحثة عن مكان لتتوقف فيه , ولم ينتبه أحد غيرها ألى الرجل الرشيق الأنيق الذي خرج من السيارة ثم أغلقها , وأتجه صوب المقهى المزدحم بالرواد , وظلّت عينا جانيت تلاحقانه وهو يقترب من الطاولة الخاصة ثم يسلم على السيد والسيدة فورد وآخرين من أعضاء الشلة..... كانت مشيته الواثقة وحركاته الرصينة وأبتسامته العذبة تترك بصماتها السحرية على قلب جانيت الذي كاد يخرج من صدرها .

نيو فراولة 29-09-10 10:00 PM


توقف بروس للحظات مع بعض الأصدقاء , ثم طلب كوبا من العصير البارد قبل أن يتابع سيره بأتجاه جانيت , التي ما أن رأته مقبلا حتى حولت عينيها ألى الساحة وأنفاسها تكاد تنقطع .
عرفت أن بروس أصبح خلفها , فشعرت على الفور بأن قدميها غير قادرتين على حملها , وأن نبضاتها تسارعت بشكل جنوني ..... ثم لامست يده ذراعها وأدارها نحوه , وعلى الفور حلّت السكينة في نفسها , ومع أنهما وقفا يراقبان حلقات الرقص التي تتسع لحظة بعد أخرى , ألا أن جانيت لم تكن ترى ألا سعادتها الخاصة طاغية على كل شيء , وبالطبع لم يكن حال برو بأفضل من حالها , أذ وقف ألى جانبها واضعا رأسها على كتفه وسرح في البعيد البعيد.
بعد دقائق معدودة همس في أذنها قائلا :
" هناك مكان جميل أريدك أن تريه , فهل عندك مانع ؟".
هزت جانيت رأسها موافقة , وسارت معه بعيدا عن الساحة ,وصخبها , وما هي ألا لحظات قليلة حتى كانا معا في سيارته الداكنة يغادران ساحة مارغاريتا متوجهين ألى ظلمة الريف في ذلك المساء الساحر .
ولم يطل الأمر حتى بدت أمامهما أضواء خافتة , وسرعان ما ظهر الشاطىء بوضوح , وبالقرب منه مبان متفرقة تشعشع فيها الأنوار , أحد هذه المباني كان فندقا حديثا يضم مرقصا ومقهى وبركة سباحة , وألى هناك توجه بروس وجانيت , وبعد راحة قصيرة في المقهى قاما ألى الرقص على أنغام عاطفية هادئة تغنيها فرقة أسبانية مختلطة .
منتديات ليلاس

شعرت جانيت أن السعادة تحيط بها من كل جانب وهي تراقص بروس في الحلبة وكانت تصرف كأنها تعرفه منذ زمن بعيد , حتى أنها فقدت الأحساس بالوقت , ولم تدر ألا وهو يقودها بأتجاه الشاطىء الرملي الحالم , وهناك , حيث لا أحد على الأطلاق , وقفا يدا بيد يتأملان حركة الموج الأزلية ويرقبان النجوم التي أزدادت تألقا وكأنها تشاركهما سعادتهما الطاغية , وسط هذه الطبيعة الساحرة , أحاط بروس خصرها بذراعيه القويتين وغيّبها في عناق طويل ورائع , أحست جانيت أن الدنيا كلها ترقص , والزمن توقف عن الدوران , وأن الحياة مجرد لحظات تقضيها مع هذا الرجل الجذاب , لكن صوته أعادها ألى دنيا الواقع قائلا :
" الأفضل أن نعود ألى الشلة الآن , فلا شك أنهم يستعدون لمغادرة القرية في مثل هذا الوقت !".
أذعنت جانيت بهدوء وسارت معه عائدة ألى الفندق ومن هناك ألى السيارة .
وعندما وصلا ألى ساحة سانتا مارغريتا , كان المكان ما يزال مزدحما بالساهرين والراقصين , فالألعاب النارية والرقصات الشعبية ستستمر حتى الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل ...ولكن , كماتوقّع بروس , كانت شلة الفيللا تعد نفسها للعودة .
ولاحظت جانيت بأرتياح أن المجموعة أنقسمت ألى مجموعات , كل منها منهمكة في نشاط ما , وهذا يعني أن أحدا لم يلحظ غيابها هي وبروس.
وفور وصولهما ألى المقهى , وجد بروس نفسه منشغلا بمساعدة السيد فورد على أصلاح الكاميرا السينمائية التي أستعملها لتصوير الحفلات , في حين أنضمت جانيت أليهما وعدد من النسوة الأخريات اللواتي كن رفيقات الطريق هذا المساء , وأخيرا , غادرت المجموعة المقهى , على أن يعود كل شخص في السيارة التي أقلته ألى السهرة , وأضطر بروس ألى أخذ عدد من الأشخاص بسيارته , أما جانيت فقد أحتلت مقعدها في السيارة البيضاء الفاخرة والدنيا لا تكاد تسعها من الفرح والسعادة .
ومع أنها تظاهرت بالأصغاء ألى أحاديث رفقة الطريق ومن بينهم أمها , ألا أن شيئا لم يسرق منها أحلامها الوردية التي صورتها هي وبروس في عناقهما .
أستيقظت جانيت في صباح اليوم التالي وهي تشعر بالأنزعاج لأن اليوم هو موعد رحلة التسوق الأسبوعية التي تقوم بها أمها ألى مدينة أبييزا , فهي لم تكن راغبة في تمضية وقتها أمام محلات بيع السمك والخضار واللحوم , لكنها تعرف أن أمها تحب رفقتها ألى السوق وترغب بوجودها معها كي تساعدها في حمل الأكياس والأغراض.
منتديات ليلاس
وعلى طاولة الأفطار تحدثتا عما سترتديانه في رحلتهما ألى المدينة , فلقد أصبح أيلول ( سبتمبر ) على الأبواب , وهذا يعني أن الطقس بات غير ثابت , بعد الأفطار بقليل أخذت جانيت الكلب دال في نزهة قصيرة كي لا يشعر بالوحدة عندما تتركانه ظهرا.
أعدت السيدة كيندال غداء خفيفا , ثم أخذت وأبنتها بعضا من الراحة قبل أن تتجها ألى المحطة لأخذ الباص ألى المدينة , وعند الباب الخارجي ترددت جانيت قليلا عندما شاهدت سيارة بروس متوقفة أمام الفيللا , لكن أمها حثتها على السرعة كي لا تتأخر عن الباص.
وكالعادة , كانت المدينة مزدحمة بالمتسوقين والسياح والمصطافين , ولحسن حظهما , لم تأخذ عملية شراء اللحوم والخضار وقتا طويلا مقارنة مع الأيام السابقة , وعندما أصبحت كل طلباتهما في الأكياس , ألقت السيدة كيندال وأبنتها نفسيهما في أقرب مقهى للتمتع بشراب منعش , وفي الوقت نفسه مراقبة الناس في الساحة المزدحمة , وظلت السيدتان في مقعديهما ألى أن حان موعد عودة الباص ألى القرية الساعة السادسة والنصف مساء , ووصلتا ألى البيت في تمام الساعة لسابعة والربع , وحتى قبل أن تصلا ألى الممر المؤدي ألى البيت , راح عواء دال يعلو وكأنه يرحب بهما , فأسرعت جانيت لتفتح له الباب وتطلقه في الحديقة المجاورة.

نيو فراولة 29-09-10 10:44 PM

ساعدت جانيت أمها في ترتيب الأغراض والأطعمة في أماكنها , ثم جلستا معا في الشرفة تتأملان غروب الشمس , قبل أن تعدا وجبة العشاء الخفيفة لتمضية السهرة حولها , وبينما هما غارقتان في الشفق الأرجواني الذي زحفت عليه الظلمة من الأعلى , أذ بصوت دراجة نارية تعبر الممر الزراعي يسترعي أنتباههما , وأخيرا أتضح لهما أن الرجل في الزي الرسمي يقصدهما تحديدا , وعندما أقترب أكثر عرفت جانيت أنه الموظف الذي يعمل في مبنى البلدية في المدينة .
نهضت جانيت لأستقباله بعد أن شرحت لأمها أنه آت من قبل رئيسة البلدية , فأسرعت السيدة كيندال ألى دعوته للجلوس ومشاركتها في فنجان قهوة ساخن في هذه الأمسية الهادئة , وافق الرجل على الدخول ألى البيت , لكنه رفض الجلوس قائلا أنه مضطر للعودة بسرعة , ثم أخبرهما أنه قصد البيت بعد الظهر لكنه لم يجد أحدا , لذلك أضطر للعودة مساء ليسلمها رسالة رسمية ... وعليه أن يعود بسرعة ألى البيت .
أصغت جانيت بأهتمام وتركيز ألى ما يقوله الموظف , خاصة وأن الأشهر التي أمضتها في الجزيرة أعطتها القدرة على أستيعاب الكثير من المفردات الأسبانية حتى الآن وبعد أن شرح الرجل مضمون الرسالة التي يحملها , مشددا على أيضاح بعض العبارات التي لم تستوعبها جانيت في البدء , أستأذن بالأنصراف وودعهما بأدب .
كانت السيدة كيندال , التي لم تتحسن لغتها الأسبانية على الأطلاق و قد فقدت القدرة على متابعة شرح الموظف في منتصف الحديث تقريبا , لذلك سألت أبنتها فور أبتعاد الدراجة النارية قائلة:
" هل هناك أمر مهم يا عزيزتي؟".
لم تشأ جانيت أن تشرح كل شيء لأمها على الفور , بل أرادت أن تداعبها قليلا فقالت :
" ألى حد ما!".
نظرت السيدة كيندال ألى أبنتها وقد أزداد فضولها , وقالت ضاحكة :
" ما هي الرسالة التي حملها الرجل ألينا ؟".
منتديات ليلاس
ترددت جانيت للحظات ثم قالت بسرعة :
" حسنا , لقد تلقت رئيسة البلدية رسالة من مدريد حول مسألة الممر , ويبدو أنه لا صلاحية للبلدية في البت بهذه القضية".
تنهدت السيدة كيندال :
" والآن ما هي المشاكل الجديدة التي يجب أن نواجهها ؟".
ردت جانيت بهدوء:
" لا توجد مشاكل على الأطلاق , والظاهر أن أي أنسان يستطيع شراء الممر شرط أن يتعامل مباشرة مع المسؤولين في العاصمة ".
فكرت الأم في ما قالته أبنتها للحظات , ثم قالت :
" هل تقصدين أن الذي يريد شراء الممر , أنما يستطيع ذلك بمجرد الذهاب ألى العاصمة؟".
هزّت جانيت رأسها موافقة:
" أنها أرض حكومية , وهي برسم البيع".
ولاحظت جانيت أن نظر أمها سرح خارج النافذة , ليتوقف عند السيارة الداكنة أمام باب الفيللا ....ثم قطعت السيدة كيندال الصمت قائلة:
"أذن , الذي يصل ألى مدريد أولا هو الذي يحصل على الممر".
قالت جانيت ضاحكة وهي تتذكر عناقها مع بروس :
" لا يمكن لبروس أن يسبقنا ألى هناك , فهو يعرف أننا لا نستطيع تكليف محام بالمهمة , وحتى لو تأمن المال , فأنني أجهل كل شيء عن وسيلة الحصول على الممر".
وافقت السيدة كيندال على كلام أبنتها , ونهضت بأتجاه المطبخ لأعداد وجبة العشاء ...... وألتفتت ألى جانيت متسائلة :
" أذن , ما هي الطريقة الأفضل للتصرف حسب رأيك يا جانيت ؟".
" يجب أن لا نفعل شيئا قبل أن أرى بروس , والأرجح أنه عرف جواب مدريد مثلنا تماما وهو يعكف على دراسته الآن , لذلك من الأفضل الأنتظار حتى الغد ".
في صبيحة اليوم التالي , أنهمكت جانيت في ترتيب وتنظيف غرفة الجلوس دون أن تبعد نظرها عن سيارة بروس , فهو يعمل هذا الصباح في الفيللا , ولا بد أن تراه عندما يغادر المكان في طريقه ألى مكتبه في المدينة , والأرجح أن يكون ذلك بعد الظهر .
أخلدت الأم ألى قيلولتها المعتادة بعد الغداء , في حين أحتلت جانيت الكرسي الهزاز على الشرفة بأنتظار خروج بروس من الفيللا , ولمّا طال بها المقام هناك , أستغربت أن يكون بروس ما زال منشغلا في الفيللا على الرغم من أن الساعة قاربت الرابعة بعد الظهر , وهو الموعد التقريبي لذهاب بروس ألى المدينة.
نهضت جانيت من كرسيها وراحت تزرع حديقة البيت جيئة وذهابا وهي تفكر في ما يجب عليها أن تفعله , فهي لا تجرؤ على التوجه ألى الفيللا للسؤال عنه , ولعله يكون في أجتماع مع السيد فورد ...... وعندها تحدث الطامة الكبرى , لكنها تستطيع أن تتمشى أمام البوابة الخارجية , فلربما تلمحه وحده وتستطيع التحدث أليه .

نيو فراولة 29-09-10 11:11 PM

وعندما أستقر بها هذا الرأي ,عادت ألى البيت اتأخذ دال كستار تخفي خلفه مقاصدها , وكان دال مسرورا جدا لهذه النزهة غير المتوقعة , لكن جانيت فشلت في رؤية أحد داخل أسوار الفيللا , خاصة وأن سيارة آل فورد الضخمة تحجب الساحة الأمامية كلها , ولذلك قررت أن تسير حتى شجرة الصفصاف عند مدخل الممر ثم تعود ألى البيت , وما أن أستدارت عند الشجرة حتى سمعت صوت محرك خلفها ,فخفق قلبها بشدة وأسرعت بأتجاه الفيللا , لكنها فوجئت بوجود فرانسيسكو بدلا من بروس , فلوحت له بيدها ردا على تحيته , وقبل أن يقله بسيارته بأتجاه المدينة رأت أن تسأله عن بروس , فقالت :
" أنني أنتظر بروس للبح معه في مسألة مهمة , هل هو مشغول جدا هذا اليوم ؟".
خفف فرانسيسكو من سرعته وهو يحاذبها ثم قال بأستغراب :
" بروس ؟".
أصيبت جانيت بما يشبه الجمود عندما سمعت جواب فرانسيسكو , الذي أضاف مبتسما دون أن يدري عمق الجرح الذي أحدثه في نفس جانيت.
منتديات ليلاس
" لقد أوصلته بنفسي بعد ظهر أمس ألى المطار!".
شكرته جانيت بأبتسامة شاحبة وأستدارت عائدة ألى البيت وقدماها لا تحملانها من الأضطراب والتوتر , فقد أحست وكأنها طعنت في الظهر من الأقرب ألى نفسها.
داخل البيت , كانت الأم منشغلة بأعداد فنجان من الشاي ,وعندما لمحت أبنتها سألتها بلطف :
" أهلا أيتها الحبيبة , هل كنت في نزهة؟".
لم تهتم جانيت بالأجابة على سؤال أمها, بل تبعتها ألى المطبخ مطأطأة الرأس مكسورة النفس ثم قالت بصوت بارد لا أثر فيه لأي أنفعال :
" بروس في مدريد".
تمهلت قليلا وكأنها تترك الفرصة لأمها كي تستوعب ما تقول , ثم أضافت :
" لقد ذهب لشراء الممر لصالح السيد فورد!".
كانت عاجزة عن فعل أي شيء بعد ذلك , بأستثناء التوجه ألى غرفتها ودفن وجهها في الوسادة الباردة..... وظلت هناك حتى أظلمت السماء , وفي وقت متأخر قرعت السيدة كيندال باب غرفة النوم وقالت بصوت قلق:
" العشاء جاهز يا حبيبتي ....... أرجوك أن تخرجي وتأكلي ما يسند نفسك".
نهضت انيت بصعوبة , وجاهدت كي تحمل جسمها المتعب ألى المطبخ , كانت السيدة كيندال زيّنت المائدة بزهور متنوعة في محاولة لرفع معنويات أبنتها..... لكن مشاعر التعاطف والأسى لم تستطع أن تغير من الواقع شيئا , لذلك قالت وكأنها تريد أن تساعد أبنتها :
" في كل حال , برو رجل أعمال وعليه.......".
قاطعتها جانيت بحدة :
" أرجوك يا أمي , لا أريد الخوض في هذا الموضوع الآن".
ولم تعد السيدة كيندال ألى أثارة الموضوع , وظلّ الصمت مخيما عليهما سواء في المطبخ أو في غرفة الجلوس عندما أنتقلتا أليها بعد أنتهءالعشاء.
جلست جانت في مقعدها المعتاد وعيناها مركزتان على كرة الصوف التي تذهب يمنة ويسرة بين يدي والدتها , لم تستطع أن تبعد عن ذهنها وقع المفاجأة التي سمعتها اليوم , فقد كان عليها أن تتوقع هذه الخطوة منه , لكنها كانت متأكدة من أن بروس سيناقش المسألة معها قبل الأقدام على أي عمل في مدريد , لا شك أن أمها تفهم الطبيعة البشرية أكثر منها , فهي التي قالت أن بروس قد يسبقها أل العاصمة للحصول على الممر , عند الساعة العاشرة تقريبا , بدأ دال يتمسح بقدميها في أشارة تذكير ألى أن موعدنزهته الليلية قد حان .
ولم يكن هناك مجال لأفهاه بأنها غير مرتاحة لمثل هذه النزهة , لذلك أضطرت مرغمة أخراجه من البيت لبعض الوقت , ثم عادت ألى غرفة نومها تدفن أحزانها في ظلمة الليل الحالك , أصرّت السيدة كيندال على جانيت أن تستيقظ في صباح اليوم التالي وتصرف وكأن شيئا لم يحدث الليلة الماضية وقد حاولت جانيت جاهدة أن تشارك أمها أحاديثها ومخططاتها لهذا اليوم وهما تتناولان طعام الأفطار في الشرفة.
منتديات ليلاس
أقترحت السيدة كيندال أن تقوما ببعض الترتيبات عند طرف الحقل من جهة الممر بأعتبار أن فصل لصيف مر دون أجراء أية تحسينات , مما أدى ألى أن يغطي العشب الياب والنباتات البرّية السياج الذي يحيط الكوخ والدجاجات ........ ووافقت جانيت على الفكرة بدون أي حماس.
وفور الأنتهاء من أعمال البيت المعتادة , أرتدت كل منهما أقدم ثياب لديها وتوجهتا ألى طرف الحقل , وبرفقتهما دال الذي أنتهز الفرصة للقفز واللعب بين الزهور والأشجار .
عملت السيدة كيندال وأبنتها بجد ونشاط طيلة قبل الظهر , وعندما حل موعد الغداء , أقترحت الأم أن تحضر الطعام ألى الحقل..... وهكذا كان , ومع أن جانيت وجدت صعوبة في أبتلاع الطعام المكوّن من السمك والخضار الطازجة , ألا أنها ظلّت محتفظة بأبتسامتها في محاولة لأرضاء أمها التي لم تترك شيئا ألا وجربته لكي ترفه عن أبنتها الحزينة .
عادتا ألى العمل حتى وقتمتأخر من بعد الظهر , ألى أن أصبحت المنطقة المحيطة بالكوخ والسياج الذي يحجز الجاجات نظيفة تماما , وكانت الساعة قد قاربت السادسة مساء عندما أعادتا المعدات الزراعية ألى الكوخ , وقد توجهتا ألى البيت للأستحمام من آثار الغبار والأتربة التي علقت بهما .
توجهت السيدة كيندال فورا ألى الحمام , أبتسمت جانيت لأمها وهي تدرك أن السيدة العجوز عمدت ألى شغلها بهذا العمل الشاق من أجل أبعاد ذهنها عن الأمور التي تقلقها , أنها تشعر بالعرفان لأمها التي أستطاعت أن تفهم أبعاد المشكلة وتعقيداتها.

نيو فراولة 30-09-10 02:43 PM

غسلت جانيت ذراعيها ووجهها ثم توجهت ألى المطبخ لأعداد وجبة كي تكون المائدة جاهزة عندما تخرج أمها من الحمام . وبعد الأنتهاء من تنول العشاء , أصرت على أن تقوم هي بغسل الأطباق وترتيب المائدة , وأخيرا ألقت على أمها تحية المساء , ثم أستحمت بسرعة وذهبت ألى فراشها على الفور.
وقعت في صبيحة اليوم التالي مفاجأة غريبة , فقد جاء ميغيل عامل المزرعة المجاورة ألى البيت حاملا بيده صرة ملفوفة , وعندما فتحتها السيدة كيندال عثرت في داخلها على هريرة صغيرة جدا , وقد سرّت كثيرا بهذه الهدية لأن ألوان الهريرة تماثل ألوان القطة التي فقدتها قبل مدة..... ولذلك أطلقت عليها فورا أسم تويجي .
أنهى ميغيل كأس المرطبات الذي قدمته أليه السيدة كيندال , ثم قال أنه ذاهب ألى سان غبرييل وسألهما أذا ما كانتا تحتاجان ألى أي شيء من هناك.
فطلبت منه الأم أن يحضر البريد معه خاصة وأن جانيت لم تذهب ألى القرية طيلة الأيام الثلاثة الماضية , رحّب بطلب السيدة كيندال وأبلغها أنه سيعود بعد الظهر.
مضى اليوم هادئا وعاديا , فقد عمدت جانيت ألى غسل الملابس ثم كيّها بعد تناول الغداء على الشرفة الأمامية , وبينما كانت تعيد ترتيب أدراجها , أذ بصوت يناديها آت من ناحية الطريق الزراعي .
كان ميغيل واقفا عند طرف الحديقة وهو يلوح بمجموعة من الرسائل ويظهر أنه كان مستعجلا للعودة ألى البيت لذلك لم يكلفنفسه عناء الوصول ألى البيت بنفسه.
قالت السيدة كيندال لأبنتها المنهمكة بترتيب ملابسها .
" سأحضر الرسائل بنفسي".
أنهت جانيت تعليق ملابسها في الخزانة قبل أن تعود السيدة كيندال حاملة عدّة رسائل سلمت واحدة منها ألى جانيت , وبعد لحظات قالت بلهجة حادة :
" لقد عاد بروس , شاهدته منذ هنيهة وهو يترجل من سيارة تاكسي أمام باب الفيللا".
منتديات ليلاس
توترت أعصاب جانيت فجأة , وأحتارت ماذا تفعل الآن , وبدون وعي توجهت ألى الحديقة لعلها تستطيع أن تفكر في طريقة لمواجهة بروس هذا المساء , ولكن الوقت كان قصيرا , فما أن ألتفتت بعد دقائق ناحية الفيللا حتى شاهدت بروس يعبر الممر الضيق متجها ألى البيت .
أسرعت صوب البيت تريد الأختفاء في غرفتها لئلا تراه , لكنه فاجأها في المطبخ قبل أن تتمكن من الهرب , وقف كل واحد منهما يحدّق في الآخر عبر المطبخ , بينما ظلّت السيدة كيندال في كرسيها صامتة تراقب الأثنين معا .
خفق قلب جانيت بعنف وهي تلمح وجه بروس المتعب من جراء السفر , فهو لم يأخذ قسطا من الراحة بعد عودته بل جاء على الفور لرؤيتها , لكنها سرعان ما طردت عواطفها أتجاهه ووضعت على وجهها نظرة قاسية جافة , فلماذا يجب عليها أن تهتم به طالما أنه قرر بنفسه التصرف منفردا خلال اليومين الماضيين بهدف تحقيق أهدافه الخاصة؟
لم تكن جانيت ترغب في الحديث أليه ,لولا أنه فرض عليها المواجهة بدخوله عليها بهذا الشكل , فقالت :
" هل تمتعت برحلتك؟".
" ألى حد ما!".
تجاهلت جانيت الأرهاق البادي عليه وقالت :
" أعتقد أنك سترتاح في مدريد !".
حدق فيها بعينيه الزرقاوين وأجاب :
" لقد عدت للتو...... وأول شيء فعلته هو المجيء لزيارتك".
" أتمنى لو أنك لم تفعل".
وغصت جانيت بالعبارة الباقية , فأضطرت ألى التراجع كي تخفي دمعة أنسكبت على وجهها دون أرادة منها , أقترب بروس منها , وقال بصوت حاد:
" مهلا يا جانيت ".
أنتفضت في وجهه قائلة :
" ولماذا أتمهل؟ هل تريد أن توضح لنا طبيعة رحلتك ألى مدريد؟ أنا أعرف لماذا ذهبت , لقد أشتريت الممر لصالح أصحاب الفيللا , أليس كذلك؟".
أجابها بهدوء بارد :
" نعم ".
أحست جانيت أن أجابته حطمتها حتى العمق , لكنها أستطاعت أن تقول من خلال دموعها المنهمرة :
" حسنا , شكرا لأنك أخبرتني , لقد تناسيت لبعض الوقت أنك محام لامع وناجح , وكان عليّ أن أدرك منذ البداية أنك لن تسمح لشيء أن يقف بينك وبين عملك!".
أقترب بروس نحوها وقد أصفرّ وجهه من الغضب :
" أرجوك يا جانيت أن تستمعي أليّ".
لكن جانيت لم تكن قادرة على مواجهته أكثر , لذلك قالت :
" لقد أستمعت ما فيه الكفاية , والآن لا أريد أن أتحدث أليك أو أراك بعد اليوم ..... أبدا أبدا".
ثم غادرت المطبخ دون أن تنتظر جوابه , فالعاطفة التي كانت تربط قلبيهما أنتهت ألى الأبد ....... وهي لن تغفر له أبدا كل ما أرتكبه بحقها .

نيو فراولة 30-09-10 03:07 PM

12- غدا نطير ......

جلست السيدة كيندال في مقعدها تراقب جانيت وهي تضع كل ملابسها في حقيبة السفر , وبعد لحظات , تنهدت بعمق وقالت بصوت حزين :
" هل أنت مضطرة للذهاب يا حبيبتي ؟".
هزت جانيت رأسها بدون أن ترفع عينيها عن حقيبتها وقالت :
" أجل يا أمي أذ علي أن أعمل كي أعيش , في كل حال لم يعد من الضروري وجودي هنا!".
ردت السيدة كيندال بصوت متهدج :
" أعتقد أنك محقة في قولك هذا".
تابعت جانيت وهي تحاول الأبتسام للتخفيف عن أمها :
" بالأضافة ألى ذلك , فأن الرسالة التي وصلتني أمس هي من نونا التي تشير أنها ستتزوج قريبا وتغادر الشقة ,كما وأن أنجيلا ستعود ألى بيتها بعد أسابيع.... فأذا لم أعد سريعا , سأجد نفسي دون مأوى".
أتسعت عينا السيدة كيندال تعجبا وقالت :
" لكنك لن تستطيعي دفع أجرة بيت كبير كبيتكم الحالي وحدك !".
ضحكت جانيت قائلة :
" عليّ أن أعثر على زميلة جديدة تشاركني الشقة ".
تنهدت الأم بأسف :
" يا له من وضع سيء".
وبعد لحظات من الصمت تابعت تقول :
" لقد سمعت أن بروس قطع كا علاقاته المهنية مع لندن , وأنه يعمل الآن في أبييزا مع أحتفاظه بمكتب رئيسي في مدريد".
تصلّب وجه جانيت لدى سماعها أسم بروس , وقالت بمرارة واضحة :
" لا شك أنه سينجح في أعماله الجديدة , أذا ما تصرّف دائما كما بالنسبة ألى أصحاب الفيللا!".
وعندما حان موعد الرحيل , أحست جانيت كم أن السفر مزعج , فقد أدركت متأخرة أن حياة القرية أمتزجت بحياتها , حتى بات من الصعب نسيان البيت الصغير والحدائق الشاسعة وقرية سان غبرييل , ولا شك أنها ستفتقد جمال الطبيعة الأسبانية بعد عودتها ألى مدينة الضباب .
وظهر كأن الطبيعة أرادت أن تزيد من أحزان السفر , فقد أشرقت شمس أيلول ( سبتمبر ) بحدة في اليوم المحدد للسفر وبدت لجبال خضراء داكنة .
كانت جانيت قد طلبت سيارة من القرية لتقلها ألى المطار , هكذا لم يعد أمامها ألا الأنتظار على الشرفة وألى جوارها أمها الحزينة لفراقها , وللمرة المئة تقريبا تعود لتسأل السيدة العجوز :
" هل أنت متأكدة من أنك ستكونين على ما يرام ؟ وكيف ستتدبرين أمرك بدون الممر؟".
أجابتها السيدة كيندال متعمدة الأأبتسام والضحك :
" لا تشغلي بالك بذلك , سوف أفتح بوابة للبيت عند الطريق الزراعي , وسأطلب من موزعي الغاز نقل القوارير عبر الحديقة .... ولا أظنهم سيمانعون ".
منتديات ليلاس
هزت جانيت رأسها وتابعت :
" وستتصلين بي هاتفيا بمجرد شعورك بوجود مشاكل غير طبيعية ؟".
ردت السيدة كيندال متضاحكة :
" لا تبالغي في القلق يا حبيبتي , فأنت تعرفين أنني قوية جدا ..... وسوف أذهب في عطلة رأس السنة لرؤية جميع أفراد العائلة".
وظلت جانيت وأمها على هذا المنوال ألى أن جاء التاكسي , فقام السائق بنقل حقائب جانيت التي قبلت أمها مودعة , ثم جلست في المقعد الخلفي وألقت نظرة الوداع على البيت والفيللا والقرية كلها , وعندما أخذت السيارة الطريق الساحلي بأتجاه المدينة , ألقت جانيت نظرة أخيرة ألى الخلف....... ثم أستقامت في مقعدها وأقسمت أنها لن تعود ألى أبييزا أبدا , ألا أذا كانت أمها بأمس الحاجة لوجودها معها .
أضطرت جانيت للذهاب ألى المطار مبكرة من أجل الحصول على تذكرة السفر على أساس أنها حجزت مقعدها هاتفيا , وكالعادة , وجدت القاعات مزدحمة بالناس من مختلف الجنسيات , فأحست بالضيق وهي التي كانت تتمنى أن تدخل الطائرة فورا كي تقطع علاقتها نهائيا بالجزيرة وأهلها , وبعد تزاحم وتنافس أمام مكاتب الحجز والجمارك والأمن العام , أعلن في المذياع عن قيام الرحلة المباشرة ألى لندن.
كانت الخدمة في الطائرة ممتازة , فالمضيفات والمضيفون عمدوا ألى تلبية كل طلبات المسافرين وسط جو من المرح العام , ولاحظت جانيت أن الجميع مسرورون من عطلتهم في أسبانيا أو بعودتهم ألى لندن... أما هي فقد غرقت في مقعدها فريسة الهموم والأحزان .
ولسوء الحظ , أجلست المضيفة جانيت في المقعد الذي يلي الستارة ذات اللون البني التي تفصل الدرجتين الأولى عن الثانية ,وراحت جانيت تتساءل بألم وحرقة عن الشخص الذي يجلس خلف الستارة : هل يمكن أن يكون رجلا أنيقا مثل رجال القانون , يضع حقيبته الرسمية أمامه منهمكا في مراجعة بعض أوراقه المهمة؟ وخلال الرحلة نهضت مرة واحدة فقط , أستطاعت خلالها أن ترى خلف الستارة , لم يكن هناك رجل بهذه المواصفات , بل مجرد أمرأة سمينة ترتدي ثيابا باهظة الثمن وتحتسي فنجانا من القهوة بالحليب !

نيو فراولة 30-09-10 03:32 PM

حطت الطائرة في مطار لندن مساء , كانت أجراءات الجمارك سهلة جدا , وسرعان ما أستقلت جانيت الباص قاصدة قلب المدينة , كانت لندن غارقة في الظلام , والشوارع خالية تماما , والمحلات مغلقة أبوابها , فقد أختارت جانيت يوم الأحد للعودة كي تكون مستعدة غدا الأثنين لأستئناف عملها فورا .
عندما ترجلت من التاكسي , الذي أقلها من محطة الباصات ألى الشقة ألتي تقيم فيها , أحست للحظات بأنها تقصد هذا المكان لأول مرة في حياتها , ساعدها سائق السيارة في حمل حقائبها حتى الباب الخارجي , ثم تركها هناك وعاد من حيث أتى ..... أما هي فمضت ألى الداخل وكأنها مدفوعة بغير أرادتها , كان كل شيء مختلفا , الروائح , البرودة , الرطوبة........ وحتى الفوضى حلت بالشقة بعد رحيل أنجيلا منها .
شعرت جانيت بالأشمئزاز من منظر غرف النوم والمطبخ والحمام , خاصة الغرفة التي كانت تحتلها أنجيلا , ولحسن حظها وجدت أن غرفة نونا مقبولة نوعا ما لقضاء الليلة فيها , ألى أن تقوم غدا بحملة تنظيف وترتيب شاملة تعيد البيت ألى ما كان عليه سابقا , ومن حسن الحظ أيضا أن السيدة كيندال أعدت لأبنتها بعض المأكولات الخفيفة وهكذا وجدت جانيت عشاء جاهزا أغناها عن الغرق في أجواء المطبخ غير المقبولة ..... وبعد العشاء كان النوم هو الملاذ الأخير من عناء السفر والمشاعر التي رافقته.
أستيقظت باكرا في صباح اليوم التالي وأستقلت الباص ألى العمل كالعادة , وبما أنها تعمل في أحدى الوكالات الخاصة بتأمين السكرتيرات المؤقتات للشركات ورجال الأعمال , فقد تم تعيينها فورا في مكتب يبعد مسيرة عشر دقائق عن عملها ..... وعند الساعة العاشرة تماما كانت جانيت منهمكة في طبع مجموعة من الرسائل والفواتير وغيرها , لم يكن هناك أحد يعرفها في المكتب ليسألها عن رحلتها ألى أبييزا أو يعلق على شحوب وجهها المفاجىء ...... فهي هنا مجرد طابعة على الآلة الكاتبة لا أكثر ولا أقل.
تناولت جانيت غداءها عند الواحدة , ثم عادت ألى العمل , بعد ذلك ذهبت ألى الششقة لتناول العشاء ...ثم خرجت في نزهة قصيرة عادت على أثرها ألى البيت لتنام , وهكذا مضت الأيام . وعلى الرغم من أنها كانت تشمئز من منظر الشقة ألا أنها كانت عاجزة عن فعل أي شيء لتنظيفها , وظلت تؤجل العمل يوما بعد الآخر.
في مساء الخميس , أستقلت جانيت الباص قاصدة نونا التي لم كن زواجها مفاجأة لأحد , فطيلة أشهر الصيف كانت رسائلها تؤشر في هذا الأتجاه , وحسب آخر رسالة تلقتها منها قبل موعد عودتها ألى لندن , فقد حصر روبرت على ترقية في عمله , وهكذا بات بأستطاعتهما الزواج وشراء شقة متواضعة في أحدى ضواحي لندن , وعندما تزوجا لم يذهبا في رحلة شهر العسل , لكنهما يخططان لذلك في الصيف المقبل.
منتديات ليلاس
قرعت جانيت جرس الباب , وأنتظرت ريثما سمعت وقع أقدام في الداخل.. ثم فتح الباب , فأذا بها وجها لوجه مع صديقتها نونا التي هتفت قائلة :
"أنها جانيت! أهلا بك أيتها الصديقة العزيزة .... هيا أدخلي".
تعانقت الصديقتان مطولا , ثم نادت نونا جانيت ألى غرفة داخلية حيث كان روبرت يراجع بعض المجلات والكتب فعرفته عليها قائلة :
" أنها جانيت زميلتي في الشقة السابقة , لقد سبق لي وأخبرتك أنها أضطرت للذهاب ألى أبييزا كي تساعد أمها في بعض الأمور ".
ثم ألتفتت ألى جانيت قائلة :
" وهذا روبرت , أنه منهمك في عمل يجب أن ينجز قبل الصباح".
وأنحنت على زوجها قائلة :
" لن نزعجك طويلا يا حبيبي ".
قالت جانيت وهي تغادر الغرفة بصحبة نونا :
" فرصة سعيدة أن أتعرّف أليك يا روبرت!".
سألتها نونا بفرح :
" هل تريدين رؤية الشقة ؟".
وقبل أن تجيب جانيت , كانت نونا قد أخذتها من يدها وراحت تدور بها على المطبخ والحمام وغرفة الجلوس وغرفة النوم الرئيسية والشرفة التي تطل على الشارع الخلفي , أبدت جانيت أعجابها الشديد بالشقة والمفروشات وقالت بصوت حنون :
" أنه مكان جميل وحميم يا نونا ".
ردت نونا بصوت هو مزيج من السعادة والشكوى :
" سوف نضطر ألى دفع القسم الأكبر من مدخولنا طيلة السنوات المقبلة كي نوفي أقساط البيت , لكن من الرائع جدا أن يكون للأنسان بيته الخاص.
أبتسمت جانيت وهي تقول :
" من الواضح أنك تحبينه جدا".
لكن نونا لم تتابع الحديث عن البيت , بل أنتقلت ألى موضوع آخر بعد أن لاحظت شحوب وجه جانيت :
"دعينا من أخباري وأخبار البيت , ماذا عنك أنت ؟ كيف كانت أبييزا ؟".
أغتصبت جانيت أبتسامة وقالت :
" لا يمكن مقارنة لندن الآن بأبييزا الساحر ".
سألتها صديقتها بمرح :
" هل حصلت على الممر ؟".
هزت جانيت رأسها وأجابت بأقتضاب "
" كلا ".
تنهدت نونا بأسى وقالت :
" يا له من حظ سيء , ماذا جرى هناك؟".
أبتلعت جانيت ريقها وأجابت :
" كان عند أصحاب الفيللا محام ذكي وماهر أستطاع أن ينتصر علينا ".

نيو فراولة 30-09-10 04:43 PM

لم تفت نونا ملاحظة لهجة جانيت عندما جاء ذكر المحامي , وربطتها على الفور بشحوب صديقتها وحزنها فير الطبيعي وقالت :
" أنه عقل قانوني ,أليس كذلك؟".
وقبل أن تسمع الجواب أضافت قائلة:
" هل هو متزوج؟".
" كلا".
عادت نونا لتسأل من جديد :
" كيف شكله وطبيعته؟".
" بروس ؟ أنه طويل ممشوق القوام .....".
ولم تستطع جانيت أن تكمل , أذ كيف يمكنها أن تقول أن عينيه أكثر صفاء من سماء أبييزا في الصيف ؟ وأن أبتسامته الساحرة تخترق القلب بسرعة رهيبة ؟ أنها تحبه كما لن تحب رجلا بعده؟ وأنه خانها رغم كل هذا الحب ؟ وفي خضم أفكارها هذه , أنقذها صوت روبرت فجأة وهو يقول :
" حسنا أيتها البنات , لقد أهيت عملي ويمكنكما الأنضمام أليّ الآن ".
نهضت نونا مبتسمة وقالت :
"ممتاز و يمكننا أن ندخل الآن ونتحلق حول المدفأة ".
أستقبلهما روبرت في غرفة الجلوس قائلا:
" والآن , ما رأيكما بفنجان من القهوة ".
أجابت نونا ضاحكة :
" طالما أنني قمت بالجلي قبل قليل , فقد حان دورك لصنع القهوة! ".
أنحنى روبرت أمام زوجته مازحا وقال :
" هذا من دواعي سروري , في كل حال أنت مضيفة سيئة للغاية , حتى أنك لم تطلبي من جانيت أن تخلع معطفها بعد!".
ضحك الجميع بصوت عال , في حين أخذت جانيت تفك أزرار المعطف , وبينما كان روبرت منهمكا في المطبخ , جلست جانيت ونونا في مقعدين مجاورين للمدفأة لمواصلة ما أنقطع من أحاديث بينهما .
سألتها نونا :
" كيف كانت الشقة عندما عدت ألى لندن؟".
منتديات ليلاس
أجابت جانيت بخجل :
" الفوضى ضاربة أطنابها .... وما زالت كذلك حتى الآن , أذ لا رغبة عندي في القيام بأي عمل !".
وكانت نونا تتوقع مثل هذا الجواب , لذلك تنهدت على الفور بصوت حاد :
" كانت أنجيلا مزعجة للغاية , فقد أستغربت كيف أنها تقوم بدور عارضة أزياء وأدوات التجميل وغيرها بينما هي على عدا سافر مع النظافة في حياتها البيتية!".
قالت جانيت مبتسمة :
" وجدت قرب سريرها عدة صحون وملاعق ..... والظاهر أنها كانت تتناول عشاءها في السرير !".
سألتها نونا :
"هل عثرت على شريكة جديدة للشقة ؟".
ردت جانيت مبتسمة :
"كلا , فقدت الأتصال بمعظم السكرتيرات اللواتي أعرفهن , ويبدو أنني سأضطر للأعلان في الصحف مع أنني أكره السكن مع أنسانة غريبة تماما .... ربما تكون أسوأ من أنجيلا".
قالت نونا بعد تفكير , ونبرة مفاجئة :
" ما رأيك لو تأتين وتسكنين معنا في هذه الشقة , فهناك غرفة أضافية يمكنك أستعمالها ريثما تتدبرين أمرك؟".
أبتسمت جانيت وقد فاجأها العرض:
" لا يمكن أن أقبل ذلك ..... على كل أشكرك على دعوتك".
أصرت نونا على فكرتها وراحت تشرحها مفصلا :
" ولم لا ؟ فهذا سيعطيك متسعا من الوقت لتدبير أمورك , وعندها يمكنك البحث بدون أستعجال عن شقة أفضل وأصغر من الشقة الحالية.... وأذا أضطررت لمشاركة أحد , فأن ذلك سيتم حسب رغبتك وليس بدافع الضرورة ".
قالت جانيت بهدوء :
" أشكرك على عرضك مجددا ..... لكنني لا أستطيع ".
أستنجدت نونا بزوجها الذي كان يستمع ألى الحديث من المطبخ .
دخل عليهما الزوج حاملا ركوة القهوة وقال بكل جدية :
" أعتقد أن نونا على حق يا جانيت , لقد زرت الشقة القديمة مرة أو مرتين ولا أرى أنها مناسبة على الأطلاق , وبالأضافة ألى ذلك فأن وجودك هنا سيساعدنا , ذلك أنني منهمك هذه الأسابيع في أنهاء بعض الأمور العاجلة قبل رأس السنة , ولا أريد أن تبقى نونا وحدها مساء ".
فكرت جانيت مليا بالعرض , كان عليها أن تعترف بأن الرجوع ألى الشقة القديمة يثير في نفسها الأشمئزاز , ولعلها في البيت الجديد تقطع كل علاقاتها مع الحياة الماضية وتبدأ من جديد , وطبعا ستدفع لنونا الأجرة التي تدفعها أسبوعيا ألى أن تعثر على شقة جديدة , وحتى لو رفضت صديقتها وزوجها فأنها ستصر عل الذفع فذلك سيساعدهما قليلا في دفع أقساط القرض.

نيو فراولة 30-09-10 05:09 PM


وأخيرا قالت بأبتسامة ماكرة :
"أذا كنما متأكدين من أنني لا أسبب أزعاجا فسوف أنزل عندكما لأسبوع أو أثنين ".
هز روبرت رأسه مرحبا ثم عاد ألى المطبخ لأكمال القهوة وهو يقول :
" هذا قرار عاقل تماما".
سرت نونا لأنها أستطاعت أن تساعد صديقتها ألى حد ما , وقالت بفرح :
" سوف أساعدك على حزم أغراضك في الشقة القديمة , والآن لنرى , اليوم الخميس , غدا أنا مشغولة جدا , أما السبت فليس عندي سوى التسوق , أذن سأحضر السبت بعد الظهر لننظف الشقة سوية ثم يتولى روبرت أستئجار شاحنة صغيرة لنقل الأغراض عندما ننتهي من حزمها".
أعترضت جانيت قائلة :
" هذا لطف زائد منك , ولكن لا ضرورة لأن تتعبي نفسك معي في تنظيف الشقة!".
ردت عليها نونا بهدوء:
" ولم لا؟ مسؤوليتي أتجاه الشقة توازي مسؤوليتك تماما ..... أم هل نسيت أنني كنت أعيش فيها أيضا؟".
ووافقت جانيت مرغمة بعد أن لاحظت أصرار صديقتها على تقديم كل مساعدة ممكنة في هذا الشأن , ثم دخل الزوج بالقهوة , فجلس الثلاثة يتسامرون في مواضيع مختلفة ألى أن حان موعد عودة جانيت ألى البيت , وقد أضر الزوجان على مرافقتها حتى محطة الباصرغم أعتراضها الشديد على ذلك.
طوال الطريق كانت جانيت تفكر بملامح السعادة التي كانت ترتسم على وجه صديقتها نونا , لقد ذاقت هي نفسها جزءا من طعم السعادة الحقيقية ... لكن الحب الذي وقعت فيه كان محكوما عليه بالفشل سلفا , غرقت جانيت في أحزانها العميقة وراحت تتساءل عن الأوضاع في أبييزا , لقد مضى عليها أسبوع في لندن , ترى كيف سيكون الأمر بعد أسبوعين ؟ بعد شهر ؟ بعد سنة ؟ هل ستظل مشاعرها كما هي الآن بعد عشرين سنة؟
أضطرت جانيت للتأخر في عملها نهار السبت بسبب بعض الأمور المستعجلة , وعندما وصلت أخيرا ألى الشقة وجدت أن نونا سبقتها قبل لحظات قليلة فقط , وسرعان ما غرقتا في أعمال التنظيف والترتيب وحزم الأغراض , كانت جانيت قد عمدت في الليلة السابقة ألى حزم أغراضها الخاصة في مجموعة من الحقائب والعلب الكرتونية , بحيث لم يعد هناك سوى تنظيف كل غرفة على حدة , ثم ترتيبها تمهيدا لتسليم الشقة ألى أصحابها .
حل الظلام في الخارج , وكانت الصديقتان قد أنتهتا تقريبا ولم يعد أمامهما سوى قاعة الجلوس والمطبخ , أتجهت جانيت لأضاءة النور لكن المصباح بقي مظلما قالت بهدوء :
" لقد أحترق هذا المصباح , وعلينا أن نتدبر أمرنا بدونه".
منتديات ليلاس
أطلت نونا من أحدى الغرف المجاورة وحاولت أضاءة النور هناك , لكن بدون جدوى , فقالت :
" غريب , لا ضوء هنا أيضا".
ثم راحت تدور على كل الغرف , لتعود أخيرا وتقول :
" الكهرباء كلها مقطوعة ".
وبعد تردد أضافت :
" هل يمكن أن تكون أنجيلا قد نسيت دفع الفواتير , مع أنني تركت لها المال في المطبخ فوق علبة البسكويت؟".
أسرعت الصديقتان ألى المطبخ فوجدتا أن الأوراق ما زالت في مكانها , فأنفجرت نونا غاضبة:
" يا لها من فتاة حمقاء , لقد ذكرتها أكثر من عشر مرات كي تدفع الفاتورة !".
علقت جانيت قائلة :
" لا شك أن صاحب البيت سمح لموظف الكهرباء بالدخول هذا الصباح لقطع التيار ".
وقفتا في القاعة لحظات تفكران في ما يجب عمله الآن , وأخيرا قالت نونا بهدوء :
" في أي حال , نحن أنتهينا تقريبا , وهناك بعض الشموع الصغيرة التي يمكننا أستعمالها لأنجاز العمل في المطبخ".
وهكذا كان , فعلى ضوء الشموع حاولتا جهدهما تنظيف وترتيب المطبخ , وقبل أن تنتهيا قرع جرس الهاتف , فأسرعت جانيت لترد عليه وحدسها يؤكد لها أن أمها على الطرف الآخر من الخط .
وبالفعل كانت السيدة كيندال على الطرف الآخر :
سألتها جانيت بقلق ممزوج بالفرح :
" أمي هل أنت على ما يرام؟".
أجابت الآم بصوت ضاحك :
"طبعا .. طبعا يا حبيبتي , أنني في أحسن حلالاتي هذا الأسبوع , لقد تم تمهيد وتزفيت الممر كله فصاء جزءا من حديقة البيت الأمامية , كما تم وضع بوابة كبيرة على الطراز الأسباني عند مدخل البيت , وسألني العمال أذا كنت أريد أن أطلق أسما على البيت كي ينقش على لوحة تعلق في البوابة فأسميته( كازا كونتنت ) هل تحبين الأسم يا جانيت ؟ أعتقد أن له رنة خاصة.....".
قاطعتها جانيت وقد طغت عليها الدهشة:
"أمي , أنني لا أفهم شيئا مما تقولين , هل تقصدين أن الممر أصبح ملكك؟ أنني لا أفهم كيف يكون ذلك بعد أن أشتراه بروس لصالح الفيللا؟".
راحت السيدة كيندال تشرح الموضوع بتؤدة :
" هذا صحيح يا أبنتي , لقد تم شراء الممر لصالح الفيللا , لكن من هو صاحب الفيللا؟ كنت أعتقد أن السيد والسيدة فورد يملكانها , لكنني أكتشفت أنهما أستأجراها هذا الصيف فقط".

نيو فراولة 30-09-10 05:29 PM


تمهلت السيدة كيندال قبل أن تتابع بحماس :
" أن بروس هو مالك الفيللا الحقيقي ,وبالتالي فهو يستطيع أن يفعل بها ما يشاء , ولا شك أنه كان يعرف ما يفعل عندما ذهب ألى مدريد لشراء الممر ... لكن من كان يتوقع ذلك.. أنني لم أفكر.......".
عادت جانيت تقاطع أمها بصوت ضعيف واهن :
" مهلك قليلا , هل تقصدين أن بروس كان يملك الفيللا منذ البداية , وأنه أنما ذهب ألى مدريد كي يشتري الممر لنا نحن؟".
أعترفت السيدة كيندال قائلة :
" أجل , ولكنه لم يسمح لي بالأتصال بك قبل أن ينتهي كل شيء ... لقد طار ألى لندن اليوم ظهرا ....... فقد أردت..".
وأختلطت الأصوات على الهاتف , وراحت جانيت تردد عبارة :
" مستحيل لا يمكن أن أصدق ذلك ".
لكن عينيها كانتا تشعان ببريق السعادة والفرح .فبروس والبروك لن يخنها أبدا , وكل الأتهامات التي وجههتها أليه باطلة من أساسها .
وفجأة قرع الباب , فأحست جانيت بالتوتر الشديد الغامض , كل شيء يحدث بسرعة هذا المساء , والمفاجآت تتوالى بشكل لا يصدق , قالت لأمها بصوت متهدج :
" أمي, أنني أسمع قرعا على الباب......".
أجابتها السيدة كيندال مودعة:
" حسنا يا حبيبتي سوف أتركك الآن , فقد أردتك أن تعرفي الحقيقة....".
أغلقت الخط , وضعت جانيت السماعة وهي ترتجف .
لم تكن تريد أن تذهب ألى الباب , لكن قدميها قادتاها ألى هناك بدون أرادة , وعند المدخل المظلم , أنفتح الباب عن رجل طويل القامة يرتدي معطفا واقيا من المطر...... وبعد تردد أنفجرت مشاعر جانيت في كلمة واحدة :
" بروس.....".
منتديات ليلاس
ثم ألقت نفسها بين الذراعين المفتوحتين على أتساعهما , طال العناق بينهما , ألى أن أستجمعت جانيت أنفاسها وأبتعدت عنه لتتأمل الوجه الذي أشتاقت أليه كثيرا خلال الفترة الماضية , حدق بروس في عينيها مبتسما وقال :
" هل يمكنني أن أدخل؟ أن المطر غزير في الخارج".
كانت نونا قد جاءت ألى القاعة حاملة بيدها أحدى الشموع , ولما شاهدتهما قالت بمكر :
" عندما سمعت القرع على الباب , فكرت أن أفتحه بنفسي لأعتقادي بأن جانيت مشغولة على الهاتف ".
قالت جانيت بحياء :
" هذا بروس.....".
ثم ألتفتت أليه قائلة :
" وهذه نونا شريكتي في الشقة , أننا نعمل على ضوء الشموع لأن الكهرباء مقطوعة".
سلم بروس على نونا ثم خلع معطفه هو يقول لجانيت :
" هل نستطيع أن ندخل ألى هذه الغرفة؟".
أستأذنت نونا بالعودة ألى المطبخ وهي توجه ألى جانيت نظرات ذات معنى وقالت :
" سوف أنهي تنظيف المطبخ في هذه الأثناء".
وعندما أصبح بروس وجانيت داخل الغرفة , ضمها في ذراعيه بحنان وقال :
" أحسست أن الأسبوع الماضي كان أطول من سنة في غيابك".
قالت جانيت وهي تريح رأسها على كتفه :
" لقد كان مثل عشر سنوات بالنسبة ألي .. لماذا لم تخبرني عن الممر؟".
أجابها بجفاء:
" لم تكوني مستعدة للأصغاء ذلك اليوم , لقد ذهبت ألى مدريد فور سماعي جواب رئيسة البلدية لأنني أعرف أنك ما كنت قادرة على الخوض في القضايا القانونية وحدك, كنت قد خططت لشراء الممر بأسم أمك على أن أخبرك الحقيقة بعد عودتي ... لكن يظهر أن المفاجأة أعطت مفعولا عكسيا".
أعترفت جانيت بلطف :
" أنني أستحق كل العذاب الذي أحاط بي هذا الأسبوع ......".
ثم سألته قائلة :
" هل صحيح ما قالته أمي من أنك تملك الفيللا ؟".
هز بروس رأسه قائلا:
" أن السيد ويستون صديقي منذ زمن , وعندما قرر بيع ممتلكاته خارج بريطانيا , قمت بشراء الفيللا على سبيل الأستثمار فقط , بعد مدة تلقيت رسالة من السيد فورد يشتكي فيها من صعوبة أستعمال الممر كموقف لسيارات الضيوف , لذلك توجهت ألى أبييزا لأرى ما يمكن فعله بهذا الشأن".
وبعد تردد قليل تابع قائلا :
" كنت مصمما على شراء الممر لألحاقه بالفيللا , لكنك كنت لي بالمرصاد دائما ".
أبتسمت في وجهه قائلة :
" لاحظت أنك كنت تريد أبعادي عنك في معظم الأحيان".

نيو فراولة 30-09-10 05:52 PM


شدها ألى صدره وهو يقول :
" لقد حاولت فعلا , لكن الأمر أنتهى بي ليس فقط ألى الأستقرار في أبييزا , بل وبت في خطر خسارة كل القضايا القانونية التي أتولاها , وأخيرا قررت أن الأمر الوحيد المناسب هو أن أتزوجك لئلا أجن وأخسر مهنتي ألتي أحبها ".
" وبهذه الطريقة تكون قد أحتفظت بالممر ضمن ممتلكات العائلة !".
أجابها باللهجة الساخرة نفسها :
" لا أعتقد أننا سنمضي أوقاتنا في أستقبال الضيوف , والأصدقاء القلائل الذين سيزوروننا يمكنهم أستعمال المدخل الصغير ".
سألته جانيت بحنان :
" هل سنقيم في الفيللا فعلا؟".
هز رأسه موافقا وقال :
" هذه هي خططي للمستقبل , لقد رتبت أموري كي أستطيع ممارسة المحاماة في أسبانيا بشكل دائم , أنا سأغطي أعمال أبييزا والمناطق المجاورة , أما فرانسيسكو فسيتولى مسؤولية مكتب مدريد لأنه يحب حياة المدن".
ألتفتت أليه مبتسمة وقالت :
" أتذكر أنه كان يحب حياة الشواطىء أيضا ...... ألى أن وضعت حدا لنزهاتنا المشتركة ".
أزداد ألتصاقا بها وهو يعترف بهدوء:
" لم أكن أتصورك مع أحد آخر غيري ..... كنت أغار عليك من كل الناس".
رمت جانيت رأسها على صدره وأغمضت عينيها لتحلم بالحياة الحلوة الجديدة التي تنتظرها في أبييزا , لكنها أنتفضت فجأة وقالت :
" أنك مبتل تماما!".
أجابها :
" أستقليت الباص ألى مكان قريب ثم قطعت المسافة الباقية سيرا على الأقدام......".
ألتفت ألى الغرفة وقال :
" لا أعتقد أنها مكان مناسب للعيش".
شرحت له جانيت الوضع قائلة :
" كنت على وشك مغادرتها , فقد عرضت علي نونا التي تزوجت أخيرا أن أنتقل للأقامة معها ريثما أتدبر أمري".
حدق فيها مبتسما وقال :
" لن أتركك تغيبين عن نظري بعد اليوم , سآخذك الآن ألى الفندق المجاور لمكتبي في لندن , ثم سنطير غدا صباحا عائدين ألى أبييزا ...... هذا أذا كنت راغبة فعلا بالزواج في أبييزا !".
ردت جانيت بأبتسامة مليئة بالسعادة :
" أعتقد أن أمي تتمنى ذلك ".
منتديات ليلاس
أحاطها بذراعه القوية وقال :
" بلا شك , على فكرة هل عندك مانع في أن ينشأ أطفالنا في الريف الأسباني فيتحدثون الأنكليزية ألى جانب الأسبانية ؟".
ضحكت وقد علت حمرة الخجل وجنتيها :
" وكيف لي أن أمانع في هذا الأمر الرائع ؟".
سمعا قرعا قويا على الباب , أعقبه دخول نونا التي قالت :
" أنا آسفة لأزعاجكما بهذا الشكل , لكننا يجب أن نذهب , فالمطبخ أصبح نظيفا وروبرت ينتظر في الشاحنة ".
قامت جانيت برفقة بروس وأتجها ألى القاعة , ثم ألى الباب الخارجي حيث وقفت الشاحنة تنتظر , أبتسمت جانيت لصديقتها قائلة :
" لن أذهب معك الآن يا نونا".
ردت نونا وهي ترتدي معطفها السميك :
" لا أستغرب ذلك.. أتمنى أن تكتبي لي عما قريب!".
صاحت جانيت بفرح :
" كوني على ثقة من ذلك يا صديقتي العزيزة ".
أقتربت نونا من الحقائب والصناديق الموضوعة قرب المدخل وقالت :
" لقد أطفأت الشموع في المطبخ , ولم يعد عليكما سوى نقل الحقائب".
رد بروس مبتسما :
" لا تهتمي بهذا الأمر يا نونا , فسوف نعود غدا صباحا لنقلها ألى المطار!".
لوحت نونا بيدها مودعة وأستقلت الشاحنة ألى جانب زوجها , في هذه الأثناء كانت جانيت تتولى مهمة أطفاء الشموع المتبقية , قبل أن ترتدي معطفها أستعدادا لمرافقة بروس ألى الفندق , وعندما أطلت مرة أخرى , سألها بروس قائلا :
" أنت جاهزة ؟".
هزت جانيت رأسها أيجابا ثم أقفلت الباب ووضعت المفاتيح في حقيبة يدها , سارا معا يدا بيد في ظلال الشارع الذي بلله المطر الغزير , ولأول مرة في حياتها لم تشعر جانيت بالأنزعاج من المطر المنهمر , فذراع بروس المحيطة بخصرها أنستها كل شيء .... ألا السعادة التي لا توصف.




تمت

زهورحسين 01-10-10 12:18 PM

:flowers2::flowers2:شكررررررررررررررررررررا:flowers2::flower s2:

اماريج 02-10-10 08:31 PM


يعطيك الف عافية على كتابة هذه الرواية الحلوة
اختيار حلو كتيررررر وموفقة فيه حبيبتي ننتظر جديدك دوما
تحيااااااااتي العطرة لك
:flowers2:
http://www.liilas.com/upp//uploads/i...d52385fbe3.gif

Rehana 04-10-10 12:59 PM

يعطيك العافية حبيبتي امل

http://www.dazzlejunction.com/greeti...-you_2-1-1.gif

نجمة33 04-10-10 08:38 PM

جزاكي الله خيراااا

شاهد 05-10-10 08:07 AM

la;,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,vm

قماري طيبة 25-11-10 04:29 PM

thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa aaaaaaaaaanks

فجر الكون 25-11-10 11:35 PM

يعطيك الف عافية .....

الجبل الاخضر 09-02-11 06:40 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::flowers2::friends: تسسسسسسسلمين :8_4_134::55::dancingmonkeyff8:الروايه مرررررره روعه:110: اختيار يجنن :23_28_116:وشكرا لمجهودك :party::welcomepirate1:وننتظر جديدك:55::0041::f63::yellow:

نجلاء عبد الوهاب 04-03-11 09:55 PM

حلوة كتير:dancingmonkeyff8:

تتعب معاي 04-03-11 10:47 PM

سلمت اناملك على هذه الروايه الرائعه

بنيتي بنيه 04-03-11 11:15 PM

:8_4_134::rdd12zp1::rdd15gx7:

غيمة في الصباح 09-04-11 03:33 PM

يعطيك الف عافيه على الروايه جميله

زهرة منسية 15-04-11 07:03 PM

:55::55::55: يعطيكى الف الف الف عافيه الروايه روووووعه يسلموا ايديكى حبيبتى:55::55::55:

بنوتة مسلمة 20-05-11 05:10 AM

شكرا علي المجهود الرائع

ندى ندى 20-05-11 11:13 PM

رووووووووووووووووووووووووعه

بنيتي بنيه 21-05-11 12:14 AM

يعطيك الف عافية حبيبتي امل اختيار جميل تحيااااااااتي لك:winking_doll::winking_doll::winking_doll:

شمس المملكة 21-05-11 11:37 PM

شكررررررااااا

سماري كول 24-02-13 09:51 PM

رد: 115- الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة(كاملة)
 
تسلمين ع الروايه الحلوه

نجلاء عبد الوهاب 07-05-17 11:09 PM

رد: 115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:liilas::liilas::liilas:
:8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134:
:110::110:
:9jP05261::9jP05261::0041:

SHADA002 12-09-21 07:22 PM

رد: 115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرا يعطيك الف عافية

SHADA002 12-09-21 07:23 PM

شكرا يعطيك الف عافية

نجلاء عبد الوهاب 16-06-23 12:40 AM

رد: 115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041::0041: :congrats::congrats::congrats::congrats::congrats::congrats: :congrats::f63::f63::f63::f63::f63:

Moubel 17-09-23 10:28 AM

رد: 115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
فعلا رواية جميلة جدا شكرا

munaahmed 21-09-23 08:30 PM

رد: 115 - الحد الفاصل - روميليا لاين - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية ممتازة


الساعة الآن 06:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية