![]() |
صاحت كايسي بغضب :
" أنت مقزز ,وسرعان ما ستتباهى أنت أيضا بمغامراتك وغرامياتك , أفهم أنه لا يهتم فلينت بسمعة المرأة , لكنكما يجب أن تحترسا وتحترما سمعتها". فنظر اليها جوني بأستغراب كبير وقال: " ماذا قلنا حتى نستحق كل هذه الثورة؟". فهز سميتي رأسه وقال: "لا تلتفت اليها , فما عليك ألا ذكر أسم ذلك الرجل حتى تثور , فأول مرة رأته كانت مسرعة في الطريق العام وأنفجر أطار سيارتها فاّنبها وأعطاها درسا في أصول القيادة , ومنذ ذلك الوقت وهي ثائرة عليه ". فقالت كايسي وهي تحتج على كلامه: " لا علاقة لذلك الحادث بشعوري نحوه". وألقت بالفوطة على المائدة , وفتحت حقيبة يدها وأخرجت منه بعض النقود وأعطتها لسميتي وهي تقول: " سأعود لأبي في المستشفى ,ها هو ثمن عشائي , ويمكنكما البقاء هنا كما يحلو لكما". منتديات ليلاس وحضر فلينت في الساعة الثامنة تماما ليصحبهم الى المنزل , ولم يعلق على ركوب سميتي معهم , بل حياهم وهو يفتح باب السيارة الخلفي لسميتي وكايسي ومارك ثم عاون السيدة غيلمور ف الركوب في المقعد الأمامي قبل أن يجلس هو أمام عجلة القيادة , وبسرعة أشتركت السيدة غيلمور في الحديث معه عن زيارته لوالديه , بصوت خافت لم تشرك به ركاب الجزء الخلفي من السيارة , الأمر الذي سرت له كايسي كثيرا أذ جنبها أضطرارها للحديث معهما. جلست كايسي خلف السائق بجانب النافذة , بينما جلس سميتي في الوسط ومارك في الجانب الآخر , ولاحظت كايسي أن سميتي كان صامتا بصورة غريبة , فيما أخرج مارك الراديو من جيبه وأداره بصوت خافت , مستندا على الباب وواضعا الراديو على أذنه , وأخذت كايسي تنظر من النافذة وترقب الشمس بلونها البرتقالي وهي تقترب من المغيب , وشعرت بالحزن والضيق لسبب لم تفهمه , تحولت عيناها الى الرجل الجالس أمامها , وأخذت تنظر الى شعره البني بخصله التي وصلت الى ياقة سترته الزرقاء , وشعرت بذراع سميتي تلتف وراءها ,وألتفتت اليه والأبتسامة الحلوة تضيء وجهها وقالت: " عزيزي الحبيب سميتي!". ثم أخذت يده التي أستقرت على كتفها ومست أطراف أصابعه ,ولسبب غير معروف ألا لعقلها الباطن , حوّلت نظرها الى المرآة المثبتة بجوار السائق , فرأت فلينت يحدّجها بعينيه الداكنتين اللتين تبعثان شرر الغضب , مثل سحب العاصفة العاتية وأدهشها العنف الذي رأته فيهما , وفي تلك اللحظة قالت الأم شيئا للسائق لم تتبينه كايسي , فأحتجبت النظرة التي كانت في عينيه وهو يلتفت ليرد عليها , أما نظرة الغضب التي بدت في عينيه , عندما رأى مداعبتها البريئة لسميتي جعلت كايسي تتعمد ألتصاقها أكثر بصديقها , وبعد ذلك ببضعة دقائق كانت تختلس النظر في المرآة من خلال أهدابها المرتخية ورأسها يستند على كتف سميتي ..... وهذه المرة رأت عيني السائق , وهما تلتقيان بعينيها , كانتا بلون رمادي فاتح , ترتسم فيهما نظرة تدل على عدم الأهتمام. وسرعان ما أنتاب كايسي حالة تشبه النوم بسبب دفء ذراعي سميتي وظلام الليل المنسدل ,وعندما غيّرت السيارة صوت أيقاعها الرتيب , وخفّضت من سرعتها لأقترابها من المنزل , تنبّهت كايسي وشعرت بما حولها ودار فلينت في مقعده وقال: " أتريد أن أوصلك للبيت الآن يا سميتي؟". فكتمت كايسي تثاؤبها وأعتدلت في جلستها وقالت: " سأوصله بنفسي الى المنزل عندما نصل الى هناك". فال فلينت وهو يحاول أن تبدو نبرة صوته طبيعية : " الساعة الآن بعد العاشرة , وننوي الأستيقاظ مبكرا لضم التبن". تنبهت كايسي تماما لما يحمله صوته من أنتقاد , لذا لم تجنبه أستهزاءها فقالت: " لا تقلق , مرة سهرت أكثر من الآن , ومع هذا أستيقظت عند الفجر". " تصرفي كما تشائين". وبعد لحظات وصلوا الى الطريق المؤدي الى المزرعة , وقفت السيارة تحت عامود نور الفناء وتبادل الجميع تحية المساء , فقبلت كايسي أمها , وتمنت لمارك ليلة مريحة , وأبتسمت بتثاقل لفلينت ,ثم جلست في مكان القيادة في السيارة التي نزل منها فلينت. ورفع فلينت أصبعه لتحية سميتي وقال له: " حاول أن تجعلها تقود السيارة بحذر". وبعد ثلاثة أرباع الساعة عادت كايسي , وكان المنزل مظلما ألا من مصباح الشرفة , وتسلّلت كايسي الى المنزل بهدوء حتى لا تزعج أحدا , ورأت خطا من النور منبعثا من تحت باب غرفة المكتب التي كانت تستخدم الآن كغرفة نوم ومكتب لفلينت , وأحدث أحد الألواح الخشبية المثبتة تحت المشمع قرقعة عالية وهي تحاول أن تخطو بحذر فوقها , وفجأة أمتلأت الغرفة بالنور فيما عدا المكان الذي وقف فيه فلينت بالباب , ففوجئت به كايسي وبادرته قائلة: " ما كانت هناك حاجة لكي تنتظرني". منتديات ليلاس وكانت غاضبة , لكن لم يكن ذلك هو السبب في أحمرار خديها بل كان السبب نظرته التي تفحصت وجهها بدقة وكأنه يرى آثار عناق سميتي , وتوتّرت عضلات خديه وهو يقول: " نعم ما كان يجب أن أفعل ذلك , لكنني أنتظرتك لأنني رأيت نموذجا من قيادتك للسيارة , كما أن أمامي أعمالا كتابية يجب الأسراع بأتمامها". فردت عليه بحنق قائلة: " أن أهتمامك رقيق يستحق الشكر , لكنه غير مرغوب فيه , طاب مساؤك يا سيد ماكاليستر". ترك أنتقاده الذي لا داعي له , مرارة أظهرتها في كلماتها , ألا أن فلينت هز رأسه في نوع من الغضب والتبرم قبل أن يغلق باب غرفته. |
7- كل عضلة تئن
كان اليوم شديد الحرارة حتى بالنسبة لأول شهر يونيو ( حزيران) , وأقسمت كايسي أن الحرارة لا بد ستتجاوز الأربعين درجة قبل الظهر بكثير , وتنهدت بقلب كليل وهي تفكر أهي الشمس التي تنصب على رأسها طيلة النهار , أو عدم جدوى غضبها هو الذي سلبها ثقتها بنفسها , وأدارت السوار حول معصمها لتنظر الى ساعتها , فربما يرفّه عنها أن الساعة الرابعة وأن معظم التبن كان قد تم حصاده , ودلّكت مؤخرة رقبتها من حدة التوتر الذي أخذ يتزيد في الأيام الثلاثة الماضية. ففي السنوات الماضية كانت تستمتع بموسم التبن برغم ما فيه من عمل شاق , فبالنسبة الى كايسي كانت أحب رائحة اليها هي رائحة التبن وحديث الحصاد , ثم ضمّت شفتيها من الغضب وقالت في نفسها أنها في هذه المرة لم تلحظ موسمه , وذلك بسبب هذا المستبد فلينت ماكاليستر , فكل أمر يصدره كان يثير أعصابها حتى أصيبت بالقلق , كانت عيناه ترقبان كل شيء تقوم به , وكان مستعدا لمهاجمتها على أي تقصير يصدر منها بسبب أنوثتها , لكنها أثبتت له عكس ظنه , لأنها أستيقظت مبكرة وخرجت قبل أي شخص آخر , وبقيت في الحقول بعد عودة جميع العمال , كما تشهد على ذلك كل عضلة تئن في جسمها وكل ما تتمناه وقتئذ هو أن تترك المزرعة , لذا جرّت قدميها بتثاقل وصعدت درج الشرفة الأمامية ونادت على أمها وهي تدفع الباب المؤدي الى المطبخ , سمعتها أمها فردّت عليها قائلة: "أنني هنا يا حبيبتي ". وأستدارت لوسيل غيلمور من أمام الفرن وقالت: " هل أتيت من عملك ؟ تبدين منهكة". "ضعي لي بعض الطعام في كيس , أريد الذهاب الى البحيرة". وحاولت كايسي أن يبدو صوتها طبيعيا , لكنها أخفقت في ذلك , فقالت الأم بعد أن نظرت اليها مليا: " بكل سرور". منتديات ليلاس ثم أضافت قائلة: " ألم تتقبلي وجود فلينت بعد؟". فنظرت كايسي الى أمها وهي تشعر بأخفاقها في أخفاء حقيقة مشاعرها , وقالت في نفسها أن الوالدين لا يجب أن يعرفا ما يدور بخاطر أبنائهما بهذه الصورة , وبدلا من أن تجيب على سؤال أمها قالت لها أنها ستصعد الى غرفتها لتغيّر ملابسها. وعند نزولها وجدت كيسا من الورق على المائدة وبجانبه ترموس مملوء بعصير الليمون , فأبتسمت كايسي لرقّة أمها التي لبت طلبها بدون أن تحرجها بمزيد من الأسئلة ,حملت الكيس وخرجت مسرعة لتركب حصانها آخذة معها صنارة الصيد. وبعد قليل أسقرت كايسي بجوار البحيرة , وفرشت زادها أمامها بينما أخذ حصانها يرعى العشب بالقرب منها , وكانت الحجارة التي أستخدمتها في أشعال النار قبل ذلك , ما زالت مرصوصة في دائرة حول الرماد القاتم , كما كانت فروع القطن الجافة ملقاة جنبا , وبعد قليل أوقدت نارا وألقت بسنارتها في مياه البحيرة , وجلست فوق بطانية سرج حصانها وقد ضمّت ركبتيها الى صدرها لتسند ذقنها عليهما في أسترخاء , وأمتلأت عيناها بدموع لم تسكبها , دموع الغيظ والغضب معا , ولم تسمح حالتها النفسية بالأستمتاع بمنظر العصافير التي أخذت تحوم فوقها في السماء الصافية. وقررت كايسي عدم الأستسلام لهذه الدموع الصبيانية , وبينما هي تحبس عبرة من عبراتها أقسمت أنها لن تدع فلينت يتسبّب في مضايقتها بعد الآن , لكن المشكلة لم تكن فيه هو , بل في كونها تقف ضدّه بمفردها , بعد أن تخلّت عنها أسرتها في موقفها معه , ثم تبعهم سميتي , والآن لحق بهم سام , فكيف لها أن تحاربه وحدها؟". وبينما هي تتأفف من مضايقته , سمعت صوت حوافر حصان يقترب فقالت في نفسها أذا كان مارك قد تبعني الى هنا , فأنني سأقتله. وفيما هي تمسح الدموع من عينيها سمعت صوتا يقول لها: " هل أصطدت شيئا؟". لم يكن مارك بل فلينت! وعادت اليها نوبة الغضب وهبّت واقفة وهي تصرخ فيه قائلة: " هل من الضروري ملاحقتي في كل مكان؟ لماذا لا تتركني وشأني؟". " رأيت دخان النار ولم أعلم بوجودك هنا , فأول خاطر طرأ بذهني هو أن حريقا قد أندلع في الأعشاب , فجئت لأرى ما يحدث". غير أن صوته المتزن وأرتجاف عضلات صدغيه لم تقتنع كايسي بسبب مجيئه فأرتجف جسدها من الغضب وهي تقول: " عندما تأكدت من أنه ليس حريقا , كان يجب أن تعود من حيث أتيت". وشعرت به يقترب منها لكنها لم تر الغضب في عينيه ألا عندما صاربجوارها ,كانت عيناه الرماديتان تبعثان الشرر , وأمتدت يده تمسك بمعصمها , وأدارها نحوه بعنف ودفع بها للأمام. " أترين هذا النبات؟". وتابعت عيناها أصبعه الممتد ,وبلا أرادة أطاعت صوته ونظرت الى النبات المليء بالشوك , والى الزهرة البيضاء التي تعلو وتتوجه بلونها الناصع. " هذه؟". وكان سؤالها بنبرة هازئة ,وهي تنظر الى الزهرة التي تشبه زهرة الخشخاش لولا بياضها , وأمرها فلينت قائلا: " أذهبي وأقطفي لي هذه الزهرة ". " هل أنت مجنون؟". وحملقت فيه بدون أن تصدق ما تسمعه: " أنها زهرة شائكة يعلو الشوك عنقها". |
لم تعجبها صرامة وجهه أو توتر جسمه وحدّة كلماته , وهو يعلو قامتها بثبات وعناد , ومع ذلك لم تتراجع عن موقفها المتحدي وسمعته يقول بأنفعال شديد:
" أما أنا, فعليّ أن أتحمل أشواكك لمدة عشرة أيام , أيتها الزهرة الشائكة المسماة بكايسي , أنني لم أطلب هذه الوظيفة , كما لم أتمنى الحادث الذي وقع لأبيك , لكنني هنا وسأبقى هنا". وظل يمسك بمعصمها وقد غرس أصابعه في عظامها ألا أن الألم الجسماني لم يكن هو الذي بعث فيها رجفة الخوف , بل الطريقة الآمرة التي كان يتكلم بها فلينت بهدوء ينذر بالعاصفة. فردّت قائلة وصوتها يتهدج: " أنني أحصي الأيام حتى ترحل". " والدك علّمك الكثير عن الزراعة وتربية المواشي , لكن من الواضح أنه يعلمك أصول المعاملة المهذبة". ثم ترك يدها بحركة تقزز وأستدار بعيدا عنها . " لا تتكلم هكذا عن والدي". وهذه المرة كانت يد كايسي هي التي أمتدت لتوقفه في مكانه , وأخذت الدموع التي كانت تحبسها تتجمع وتحجب عنها الرؤية , وقالت له: " أنه خير والد في الدنيا , فأنني مستعدة للقيام بأي شيء من أجله , وهو أيضا مستعد لأن يفعل أي شيء لي". ونظر اليها فلينت ببرود وقال: " أنك مخطئة يا كايسي , فأنت أنانية ولا يمكنك آداء أي خدمة لأحد". فأنكرت قوله بقوة وأنفجرت باكية وهي تقول: " هذا كذب وأفتراء". منتديات ليلاس " أتظنين ذلك ؟ أنت لا تستطيعين حتى أن تكوني مؤدبة معي , أو ودودة ,ولو ترك الأمر لوالدك لرضي بأدارتك للمزرعة ,لكن يعلم كلانا أن هذا ليس صوابا , أنك لا تسمعين شكواه , لكنك الخاسرة يا كايسي , وما من أحد يحب أن يكون خاسرا". ولم تستطع مواجهة نظراته , وأستقرت عيناها على حذائه المخدوش وحاولت بشجاعة أن تواجه الموقف مؤكدة بأن ما يقوله لا يمت الى الصواب بصلة ,وشعرت كأنها حشرة صغيرة لا فائدة منها , ولم يعد هناك مجال للمغالطة , أنها فعلا فتاة مدللة , أنانية لا تستحق الأشياء التي تنعم بها , وأفاقت من أفكارها لترى فلينت فوق صهوة جواده يمسك باللجام يتجه نحو المزرعة ....فنادت عليه قائلة: " فلينت!". كان صوتها ضعيفا , ألا أنه سمعه , فأوقف حصانه ونظر اليها , ألا أن كايسي مشت نحو فلينت ببطء , ولم تهتم بتجفيف دموعها من وجنتيها وهي ترفع وجهها لتنظر أليه في أنكسار: " أنني آسفة لطريقة تصرفي معك!". وقبل أن تتم عبارتها خفضت رأسها لتنظر الى الأرض , وأنتظرت أن يرفض فلينت أعتذارها وأن يلقي به في وجهها قائلا لها :" أن فرصة أصلاح ما حدث قد ولّت...." وبدلا من أن يفعل ذلك , أمتدت يده اليها مرحبة بصداقتها ,وقال فلينت: " قد لا نكون أصدقاء , ولكن يجب ألا نكون أعداء". قالها وهو يمسك باليد التي وضعتها برفق في يده , فأومأت برأسها وسحبت يدها في خجل ظاهر , ورفع ذقنها بأصبعه حتى أضطرت كايسي للنظر في وجهه , كان يبتسم تلك الأبتسامة الساحرة التي يحتفظ بها دائما , وحبست أنفاسها من قوة سحر جاذبيته. " لم يكن ما قلته بالأمر الهين , لقد أعترفت بخطئك لي بالذات ,والدك رجل عنيد وألا ما أشتغل بالزراعة وتربية المواشي , ألا أنه عادل وأمين , ولم أتصور أن أبنته تختلف عنه في أخلاقه , ربما أكثر منه عنادا". وتعجبت كايسي كيف لم تلحظ من قبل بريق عينيه , أو الخطوط المرتسمة على وجهه , وأصطبغت وجنتاها بحمرة الخجل عندما لاحظت أنها تحملق فيه وأنها معجبة به , فتراجعت وهي تتردد بدون أن تدري ما تقوله , وشعرت بخجل غريب . وجاء اليهما صوت صهيل جواد من فوق الجبل سرعان ما ردده جواد فلينت , ومسحت كايسي الدموع من وجنتيها ,وحولت نظرها نحو مصدر الصهيل , وأبتسمت أبتسامة عريضة وهي ترى الحصان الأبيض وهو يهز رأسه على بعد مائة ياردة منهما , وقال فلينت: " أنني لم أر هذا الحصان في المزرعة من قبل". فردت كايسي وهي تضع أصبعها في فمها وتصفر للحان : " هذا هو جوادي ميركوري". |
ض يلمع في صحة واضحة , ولم تظهر عليه سنه الكبيرة ,وتوقف أمام كايسي فربتت برفق على عنقه , بينما وضع أنفه في جيوب ردائها , فضحكت وأخرجت قطع السكر وقدمتها له.
" أنه يقرب من سن السابعة عشرة ولا تبدو عليه سنّه". ونظرت كايسي الى فلينت لتعرف رأيه وأستطردت قائلة: "كان أول حصان لي , أول حصان لا يحتاج للسوط حتى يجبر على العدو بسرعة , كان سريعا كالريح لذا أسميته ميركوري كأسم البطل اروماني ذي الأجنحة في قدميه". ونظرت كايسي الى فلينت مترددة خشية أن يعتبرها تافهة أو بلهاء لكثرة كلامها , لكنه كان يرقبها بأهتمام كبير , وأستطردت تقول: " لقد كنت كالصبي الشقي". فضحك وقال: " كنت............؟". لكنها كانت ضحكة رقيقة أمكنها أن تشاركه فيها . " كنت أتصور أن ميركوري هو هندي , فكنت أركبه بدون سرج أو لجام ,بل كنت أوجهه بركبتيّ وأنجح في ذلك معظم الوقت". " أن شكله رائع بالنسبة لسنه". " بدأت أسنانه تتآكل". وظهرت في صوتها نبرة حزن وهي تقول : " قال أبي هذا الربيع أن ميركوري سيفقد كل أسنانه بأنتهاء الصيف القادم , فستتآكل كلها حتى تصل للّثة". ثم قالت بحماس رغم تقطيبة بدت في جبينها : " أنه يحب الجري بحرية , لكنني متألمة لليوم الذي سيضطر فيه ميركوري الى تناول الأكل بدلا من حشائش المراعي الوارفة". وعاد الحصان يقترب من جيوبها بحثا عن مزيد من السكر , وعندما تأكد من عدم وجود السكر أبتعد وجرى نحو التلال من حيث أتى. وقال فلينت: " يجب أن يحدث ذلك يوما ما". منتديات ليلاس وشعرت كايسي بأنه يشاركها شعورها ومخاوفها. " نعم , أعلم ذلك , أذ أنه عاش حياة عريضة". وأبتسمت وهي تقول عبارتها الأخيرة , فقد علّمتها الظروف في المزرعة أن دورة الحياة لا نهاية لها , وأن أحدا لا يستطيع أيقافها أو التعرض لها , كما تعلمت أن تتقبّل الأشياء التي ليس في وسعها تغييرها , رغم أن ذلك لم يجعلها تتقبل الأمور بسهولة. كانت تجربة جديدة بالنسبة لها أن تكلمه بهذه الحرية وهذه السهولة , حرية سببت لكايسي الأضطراب لكنها وجدتها ممتعة , فقد أشعرها فلينت بأهميتها في هذه اللحظات القليلة , وربما كان هذا هو السبب لشعورها بالوحدة عندما تركها وأنصرف. صعدت كايسي درج الشرفة كل درجتين معا , أنها أخيرا وبعد مقاومة طويلة , تقبّلت فلينت كزميل لها في المزرعة , ووما ساعد في ذلك توافق أهتمامه مع أهتمامها في العمل لمصلحة المزرعة , وأكتشفت كايسي متعة جديدة في العمل جنبا الى جنب معه , وهو شعور بالرضى لم تعرفه من قبل , كما لاحظت أن أعجابها بفلينت يتزايد , ولكنها ظلت تحاول أن تخفيه , لكنه أخذ في الظهور شيئا فشيئا , وعندما فتحت باب المطبخ سمعت أخاها مارك يقول بحدة: " كلا...كلا....هذا مستحيل". وكان واقفا أمام المائدة وفي يده ورقة أخذ يقرأها ويهز رأسه بشدة , ونظر بوجهه المضطرب الى كايسي وهو يقول عند سماعه وقع أقدامها: "كيف تفعل أمي بي ذلك؟". " ما الذي بالورقة؟". ومدت كايسي يدها للورقة , وبطرف عينيها رأت فلينت يدخل الى الغرفة وقال شارحا الموقف بينما أخذت كايسي تقرأ الرسالة: " حضرت السيدة جراسيك ظهر اليوم وعرضت على والدتك أن تصحبها الى سكوتسيلاف لزيارة والدك بالمستشفى , وتركت هذه الرسالة تشرح فيها سبب عدم وجودها بالمنزل لعشاء الليلة". وأـلقى مارك نفسه في كرسي المطبخ قائلا: " لا يمكنني أن آكل الطعام الذي تعده أختي , لقد تحملته أسبوعا كاملا أثناء غياب أمي في المستشفى مع أبي , وأعتبرها معجزة أنني لم أمت من التسمم". فصاحت فيه كايسي قائلة: " مارك.....". |
وبرقت عيناها بالفخر وهي ترقب الحصان يقترب منهما بخطوات واسعة متهادية رافعا أنفه ليشم رائحة الرجل الغريب , أما ذيله فرفعه في خيلاء , وكان جلده الأبي
ولم يمكنها التغلب على حمرة الخجل التي علت وجهها وهي تنظر الى تعبيرات الرضى التي تجلت على وجه فلينت وهو يستمع الى ما يقوله مارك. " أؤكد لك يا فلينت أنك لم تصادف في حياتك طاهية أسوأ من كايسي ". وتمنت كايسي لو أمكنها أن تسد فم أخيها لتوقف سيل كلماته المتدفقة المحرجة لها . " حدث مرة أنها حاولت أن تعد لنا جيلو فوضعت فيه كثيرا من الماء بحيث أضطررنا لنشربه!". وعندما لاحظ فلينت الحرج والغضب المرتسمين على وجه كايسي ضحط وقال: " يحسن أن نغيّر الموضوع يا مارك , قبل أن تضطر للدفاع عن نفسك , فقد قررت أنه بدلا من تعرّض أختك للوقوف أمام الموقد الساخن بعد عملها الشاق طول النهار , أن نذهب الى فورت روبنسون لتناول العشاء في الخارج". ففرح مارك وقال: " فكرة هائلة". وسألها فلينت قائلا: " هل هذا الأقتراح يناسبك يا كايسي؟". منتديات ليلاس ولأول مرة في حياتها تمنت كايسي لو أنها أتقنت الطهي مثل أمها , لكنها أومأت برأسها موافقة , وتمتمت أنها تريد تغيير ملابسها , وهربت من الغرفة قبل أن تفضحها دموع الخجل , وتمنت كايسي لو أنها أهتمت أكثر بأختيار ملابسها , حقا كان منظر بنطلونها الأبيض وبلوزتها ذات المربعات الحمراء والياقة ذات الكرانيش , جميلا , لكن شكلها بصفة عامة كان يشبه فتاة ريفية ساذجة , وتنهدت شاعرة بالندم لأنها لم تظهر بمنظر يليق بها كما ظهر فلينت , وأراحها أنها تركت حذاءها الطويل ولبست عوضا عنه صندلها الأبيض الوحيد. وبينما كان مارك يتقدمها الى المبنى الذي كان في وقت من الأوقات ثكنات للجند , ثم تحول الى نزل ومطعم للسياح , أخذ يقص على فلينت تاريخ الحصن القديم. " كان هذا المبنى الأبيض الكبير مقرا للقيادة , لكنهم يستخدمونه الآن كمتحف , وكان هذا الحصن مشهورا ليس فقط أثناء أستقرار المستوطنين في الغرب , بل في أثناء الحرب العالمية أيضا". عرفت كايسي أن مارك أصبح مبهورا بتاريخ ( فورت روبنسون) ولم يأبه أذا كان فلينت مهتما به أم لا , فقد أصر على أن يعرفه بتاريخ الحصن لذا أستمر مارك يقول: " هلى الجاني الآخر من الطريق , أي عند دخولنا لفورت روبنسون يوجد المكان الذي قتل فيه الزعيم كريزي هورس وهو يقاوم الجنود الذين حاولوا وضعه في السجن , كما أنه المكان الذي لجأ اليه الهنود عندما هربوا من مستوطناتهم , وعندما رفضوا العودة وعاقبوهم بتجويعهم لأرغامهم على الرجوع شتاء , حاربوا أعداءهم وخرجوا من الحصن , وهي معلومات معروفة لمعظم الناس". وضحك فلينت متجها نحو كايسي وهو يفتح الباب الكبير المؤدي للمطعم. " كيف توقف سيل كلماته؟". " لا تستطيع ...... ألا أذا نفذ وقوده!". وألقت الى أخيها نظرة كلها أنتقام ومداعبة. وبمجرد دخول ثلاثتهم المطعم وجلوسهم , أنقضّ على مارك صبيان أضقران وقال أطولهما وهو يضرب مارك على ظهره مداعبا: " كنا نتكلم عنك". وضحك مارك وهو يحاول أن يتفادى ضربة أخرى من الصبي الآخر وقال: " ماذا تفعلان هنا؟". " أقنعنا والدنا أن يصحبنا الى السينما بعد أن فضلت أمنا الذهاب الى سكوتيسلاف". وحاولت كايسي جاهدة أن تخمّن من من توأمي جراسيك هو المتحدث . وقال مارك وعيناه تضحكان: " لقد أخذت والدتي معها , وتركتني تحت رحمة طهي أختي , حتى أنقذني فلينت". " بعد أن تنتهي من الطعام ... أو الأفضل أن تأتي لتأكل معنا......". وجذب أقصر التوأمين ذراع مارك ليأخذه الى مائدتهم , مؤكدا دعوته له , وأضاف قائلا: " يجلس أبي هناك , وقد طلبنا ما نريد من طعام , وتستطيع أن تذهب للسينما معنا بعد العشاء". منتديات ليلاس فنظر مارك الى كايسي مستأذنا في الذهاب مع صديقيه ,واللهفة تلمع في عينيه , فأومأت له قائلة: " لا مانع طالما يوافق السيد جراسيك على توصيلك للمنزل". فطمأنها أطول التوأمين قائلا لها: " أنه لن يمانع". ودام الصمت خلال الجزء الأول من العشاء بعد أنصراف الصبية ,وبالرغم من غضبها من أخيها , تمنت كايسي لو كان معهما ليبدد حدة السكون الذي أثار قلقها. وأخيرا قال فلينت وهو يرقب الأحمرار المفاجىء في وجنتيها : " أنت صامتة الليلة صمتا مطلقا , أرجو ألا تكوني ضقت ذرعا بمداعبة مارك , فأنت تعلمين أن كل الأخوة يمرحون هكذا فهم يحبون مشاكسة الأكبر منهم سنا". " كلا لم أضق به , فهو يداعبني هكذا طوال الوقت". وكان هذا التردد في أنكار حقيقة شعورها هو السبب في صعوبة مواجهة نظراته. " فعلا...... الواقع أنني لا أعرف الطهو , ولا حتى كيف أغلي الماء". " وهل يعرف سميتي كيف يطبخ؟". " سميتي؟ كيف لي أن أعرف ذلك؟". وواجهت نظراتها المندهشة نظراته بصرامة . " وما علاقة ذلك بي؟". " فهمت مما سمعته أن المتفق عليه هو أنكما ستتزوجان , ومن الأوفق أن يعرف أحدكما كيف يطبخ". وأرتفع جانب من فمه في سخرية واضحة وعلقت كايسي على كلامه بتهكم: " أذا كنا ننوي الزواج , الأمر الذي لن يحدث , فليس من شأنك أذا كان أحدنا يجيد الطهي أم لا". ولم تقبل كايسي دعابته بخصوص عدم أتقانها لفن الطهو , ومما أثار رغبته في مضايقتها تهكمها الذي بدا في كلماتها. " ما رأيك في قدرة صديقاتك على الطهو؟". " في أستطاعتهن جميعا أعداد وجبات لذيذة نأكلها أمام شاشة التلفزيون". |
الساعة الآن 11:09 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية