اقتباس:
اكيد يتثبت كلنا على نار عايزين نقرأ القصة:dancingmonkeyff8: |
3- النيران ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ على الرغم من الضجيج الهائل ، الذى ساد المنطقة بأكملها ، بدا رجل المخابرات البريطانى سير (ويليام) هادئاً ، إلى درجة البرود ، و هو يقتحم منطقة القتال ، مع مساعده (جون) ، قائلاً لقائد (المارينز) :- أيوجد من يمكنه يشرح لى ، أية حماقة تلك التى ترتكبونها؟! احتقن وجه قائد (المارينز) من شدة الغضب ، و هو يصرخ فيه : - من أنت يا صاحب اللكنة البريطانية العفنة ، و من سمح لك بالدخول إلى هذه المنطقة المحظورة. شعر (ويليام) بغضب هائل ، يشتعل فى أعماقه ، مع ذلك الأسلوب الفظ ، الذى وصف به قائد (المارينز) لكنته ، و همَّ (جون) بالاندفاع نحوه ، و لكن سير (ويليام) استوقفه ، و هو يقول بنفس البرود ، الذى أضيفت إليه صرامة واثقة قوية : - رئيسك سمح لى بهذا. هتف به الرجل : - مستحيل.. قائد (المارينز) يعلم جيداً أننا.. قاطعه (ويليام) فى صرامة : - أعنى رئيسه أيضاً. تساءل القائد فى حذر قلق : - أتعنى وزير الدفاع؟! شدَّ (ويليام) قامته ، و هو يقول فى حزم شديد الصرامة : - بل أعنى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. نطقها فى لهجة ، لم تترك لدى قائد (المارينز) ذرة من الشك فى صدقه ، فانخفض صوته كثيراً ، و هو يقول : - و ما الذى تريده من هنا؟! أجابه مشيراً إلى المنزل حيث يدور القتال فى عنف : - أن توقفوا هذه الحماقة.. فوراً. صعق قائد (المارينز) بالأمر ، الذى أصدره (ويليام) بكل هذه الصرامة ، و حدَّق فى وجهه لحظات فى ذهول ، قبل أن يهتف : - مستحيل! سأله (جون) هذه المرة فى حدة : - و لماذا مستحيل؟!.. ألا يطيع رجالك أوامرك ، عندما تأمرهم بإيقاف قتال ما؟! قال القائد فى عصبية : - و ماذا عن الطرف الآخر.. هل سيطيع أوامرى أيضاً؟! قال (ويليام) فى سرعة : - الطرف الآخر لا يرغب فى القتال. سأله القائد معترضاً ، فى عصبية أكثر : - و من أدراك؟! زمجر (ويليام) ، قبل أن يجيب : - لو أنك قرأت ملفه ، كما فعلت أنا ؛ لأدركت أنه لا يميل إلى القتل أو إراقة الدماء ، إلا لو حتمت الضرورة هذا ، و للدفاع عن حياته أو ما يؤمن به فحسب ، و لو توقَّف رجالك عن إطلاق النار ، فسيتوقَّف بدوره فوراً. حدَّق قائد (المارينز) فى وجهه ، كما لو أنه يتطلَّع إلى مجنون ، و هتف مستنكراً : - هذا الذى تقول أنه يبغض القتال يقاتل كجيش من الوحوش ، فكيف يمكنك إقناعى بما تقول؟! مرة أخرى همَّ (جون) بالتدخُّل ، و لكن (ويليام) سبقه ، و هو يقول فى صرامة غاضبة : - كنت أحاول أن أؤمن لك انسحاباً مشرفاً. عاد حاجبا قائد (المارينز) يتعقدان ، و هو يقول متسائلاً ، فى استنكار أكثر : - ماذا تعنى بهذا؟! عقد سير (ويليام) ساعديه أمام صدره ، قائلاً : - سترى. لم يكد ينتهى من نطق كلمته ، أو ربما حتى قبل أن تكتمل ، دوى انفجار آخر أكثر عنفاً ، داخل ذلك المنزل.. انفجار أطاح بجدار المطبخ كله تقريباً ، و أطلق معه سحابة هائلة ، من الدخان العنيف ، الذى أصاب عيون الجميع بالالتهاب.. و من داخل المنزل ، راح رجال (المارينز) يندفعون خارجاً ، و بعضهم يحمل زميلاً ، أصابه الاختناق من الدخان ، أو لامسته بعض الشظايا.. و بكل حنقه و غضبه ، صرخ فيهم القائد : - لا تراجع أو استسلام.. عودوا إلى الداخل.. أريد هذا الشيطان. صاح به أحدهم : - الرؤية منعدمة تماماً فى الداخل.. لا يمكنك أن تقاتل من لا تراه. هتف آخر : - و البعض مصابون بالاختناقات أو الجروح ، و يحتاجون إلى إسعاف عاجل. و دون حتى إشارة من القائد ، اندفعت سيارة الإسعاف نحو المصابين ، و قفز منها المسعفون مع أجهزة التنفس ، و راحوا يسعفون المصابين ، و ينقلون بعضهم إلى السيارة ، التى انطلقت بأقصى سرعتها ، و القائد يصرخ فى رجاله : - لا تبتعدوا.. حاصروا المنزل.. سنرصد موقعهم عبر حرارة جسديهما ، و سنسحقهما سحقاً. أسرع مسئول الرصد الحرارى يرصد كل ما بقى داخل المنزل ، ثم قال فى تردُّد ، و هو يشير إلى موقع المطبخ : - ما زالا هناك ، و لكن.. هتف به القائد فى عصبية : - و لكن ماذا؟! أجابه فى شيء من القلق : - يبدو أنهما قد فقدا الوعى. أشار القائد إلى رجاله ، هاتفاً : - هذا يمنحنا نقطة تفوق.. ارتدوا الأقنعة الواقية ، و أحضروهما يا رجال. و بينما يندفع فريق من رجاله ، بأقنعته الواقية ، نحو المنزل ، التفت القائد فى شماتة إلى سير (ويليام) ، قائلاً : - أظن أن الأمر قد انتهى هنا. عقد سير (ويليام) ساعديه أمام صدره ، و هو يقول فى صرامة ، مكرراً كلمته الاستفزازية : - سنرى. رمقه القائد بنظرة حاقدة ، ثم شدَّ قامته على نحو عسكرى محض ، و التفت إلى المنزل ، منتظراً عودة رجاله ، دليلاً على نجاحه و انتصاره.. و لم تمض لحظات ، حتى عاد الرجال بالفعل.. و لم يكد يراهم ، حتى التفت القائد إلى سير (ويليام) مرة أخرى بنظرة شامتة ، خاصة و أن رجاله عادوا برجلين فاقدى الوعى ، فهتف بهم : - عظيم يا رجال. هتف به أحدهم فى عصبية : - و لكنهما ليسا من نبحث عنهما. و قبل أن يسأله القائد عما يعنيه ، هتف ثان : - إنهما (ألبرت) و (كواليسكى). اتسعت عينا القائد فى ذهول غاضب مشتعل ، مع سماعه اسمى اثنين من رجاله ، و التفت بحركة حادة إلى سير (ويليام) ، الذى ابتسم هذه المرة فى شماتة متعمَّدة ، و هو يقول : - لقد حذَّرتك. أشعلت الكلمة غضب قائد (المارينز) ألف ألف مرة ، و احتقن وجهه حتى بدا أشبه بكتلة من الدم، قبل أن يلتفت إلى رجاله ، صارخاً : - ابحثوا عنهم فى أى مكان. ابتسم سير (ويليام) فى سخرية ، و قال : - لا فائدة.. رجلاك بملابسهما الداخلية ، و هذا يعنى أن بعضهم ارتدى ثيابهما. هتف القائد فى عصبية : -أتعنى أنهما يندسان بين رجالى الآن؟! أشار (ويليام) بإبهامه خلف ظهره ، قائلاً : - بل أعنى أنهما قد انصرفا من هنا ، تحت سمعكم و أبصاركم ، فى سيارة إسعاف ، انطلقت كالصاروخ. اتسعت عينا القائد عن آخرهما ، حتى كادتا تقفزان من محجريهما ، و امتقع وجهه هذه المرة فى شدة ، و ارتجفت شفتاه ، دون أن ينبس ببنت شفة.. لقد فعل (أدهم) ما لم يفعله أى مخلوق حى من قبل.. لقد هزم وحده فرقة كاملة من قوات (المارينز).. هزمها تماماً.. * * * "توقَّف..".. نطق (أدهم) الكلمة بالإنجليزية ، و فى صرامة قاسية ، أدهشت سائق سيارة الإسعاف ، و المسعف الذى يجلس إلى جواره ، و الذى أساء فهم الموقف كله ، فحاول أن يعيد (أدهم) إلى مقعده ، مغمغماً : - أهدأ يا رجل (المارينز).. سنبذل قصارى جهدنا لإسعاف زميلك ، و.. نهض (هشام) فى هذه اللحظة ، و نزع قناع الأكسجين عن وجهه ، قائلاً : - لا تقلق نفسك.. لست بحاجة إلى إسعاف فى الواقع. هب المسعف من مكانه ، صارخاً : - و لكن كيف.. لم يستطع إتمام عبارته ، لأن قبضة (أدهم) أخرسته بقنبلة مباشرة فى أسنانه ، طار معها جسده ، ليرتطم بمؤخرة صندوق السيارة ، و يسقط مرتطماً ببعض الأدوات داخلها.. و لم يكد السائق يرى ما حدث ، حتى ضغط فرامل السيارة بكل قوته ، و وثب منها ، و انطلق يعدو مبتعداً ، و كأن وحوش الأرض تطارده.. "ما زلت لا أصدق أنك قد فعلتها!!..".. هتف (هشام) بالعبارة ، و هو يثب من مكانه فى انفعال شديد ، فأجابه (أدهم) فى حزم ، و هو ينزع عنه ثياب قوات (المارينز) فى سرعة : - المهم أن تتعلَّم الدرس. و بدأ ينزع ثياب المسعف ، مستطرداً : - هناك دوماً وسيلة ما. قال(هشام) ، و هو عاجز عن كتمان انبهاره : - و لكن ما فعلته ليس مجرَّد وسيلة.. إنه معجزة.. لقد كنا محاصرين تماماً و لم يكن معنا سلاح واحد ، و ليست هناك وسيلة منطقية واحدة ؛ لخروجنا من هذا الموقف على قيد الحياة ، فما بالك بخروجنا ظافرين ، دون خدش واحد. قال (أدهم) فى صرامة ، و هو يرتدى ثياب المسعف : - هناك دوماً وسيلة. هتف (هشام) بكل انفعاله : - وسيلة مذهلة. رمقه (أدهم) بنظرة جانبية ، وقال : - هناك درس جديد ، ينبغى أن تتعلَّمه... أن تسيطر على انفعالاتك دوماً.. لا تنبهر بما تراه أو بما يحدث ، و لا تجعل الخوف يشل تفكيرك فى الوقت ذاته.. فعندما تخاف ، تنقطع الصلة فى أعماقنا بين المنطق و المواجهة الفعلية ، و لكن لو أمكنك السيطرة على أعصابك و انفعالاتك ، فسترى الصورة فى إطار مختلف ، و لأدركت أنه حتى الوحوش و العمالقة ، لهم نقطة ضعف دوماً ، و أن البقاء ليس أبداً للأكثر قوة أو ضخامة ، و إلا لحكمت الديناصورات الأرض. و مال نحوه ، و هو يشير إلى رأسه ، مستطرداً : - القوة الحقيقية تكمن هنا. أشار (هشام) إلى عضلات ذراعه ، و هو يقول فى خفوت : - و ماذا عن هنا؟! اعتدل (أدهم) ، قائلاً فى حزم : - لا نستطيع إهمال القوة ، و لكنها قد تتحوَّل إلى محفز ضخم للحماقة ، لو غاب عنها العقل. حاول (هشام) أن يلقى سؤالاً آخر ، و لكن (أدهم) قاطع تفكيره ، و هو يتابع بلهجة آمرة : - و الآن ستكمل لعب دور جندى (المارينز) المصاب. سأله فى لهفة : - و ماذا عنك؟! اتجه (أدهم) مباشرة إلى مقعد القيادة ، و هو يجيب : - سأقود.. و انطلق بسيارة الإسعاف ، و هو يطلق سارينتها... بمنتهى القوة.. * * * مرَّر الكولونيل (سميث) سبَّابته على الخريطة الكبيرة ، لشرق الولايات المتحدة ، و التى ظهرت على شاشة رقمية ضخمة ، فى حجرة اجتماعات خاصة ، داخل مبنى المخابرات المركزية الأمريكية فى (واشنطن) العاصمة ، و هو يقول لرئيسه (مولر) فى توتر ملحوظ : - لقد انطلق بسيارة الإسعاف فى هذا الاتجاه ، و آخر ما بلغنا ، منذ عشر دقائق فحسب ، هو أنه قد استولى عليها ، مرتدياً زى (المارينز) مع زميله. غمغم (مولر) فى سخط : - لا يمكنهما أن يبتعدا كثيراً ، فى هذا الزى. التفت إليه (سميث) ، فى شيء من الدهشة ، قبل أن يعتدل إلى الشاشة الرقمية ، قائلاً : - سيتخلصان منه حتماً ، عند أوَّل فرصة. مطَّ (مولر) شفتيه ، و كأنما لم يرق له ألا ينتبه إلى نقطة بسيطة كهذه ، أو لأن (سميث) قد نبهه إليها ، و قال فى عصبية : - سيارة الإسعاف مسجَّلة ، و يمكننا تعقبها فى سهولة. قال (سميث) ، و هو ينقر موضعاً من الشاشة الرقمية ، و دون أن يلتفت إليه هذه المرة : - سيتخلصان منها أيضاً. تضاعف حنق (مولر) ، و هو يهتف : - أتريد أن تقول : إننا قد نفقد أثرهما إلى الأبد ، بعد كل هذا؟! اعتدل (سميث) ، و هو يقول : - ليس بعد. تعاظم جزء من الخريطة ، مع نقرات سبَّابته ، ليملأ الشاشة الرقمية كلها ، مع متابعته : - النقطة التى استولى على سيارة الإسعاف منها ، تتوسَّط هذه المساحة ، و لقد قمنا بتأمين كل الطرق المؤدية منها و إليها ، و الكل لديهم نسخة من (ريد آى) ، مع صورته الرقمية ، مع أوامر بإطلاق النار فور رؤيته. راجع (مولر) الخريطة ببصره ، قبل أن يقول : - أتعلم ما يعنيه هذا؟! أجابه فى اهتمام : - ماذا؟! قال (مولر) ، و هو يلوِّح بيده فى حدة : - يعنى أن خطة التحالف قد انهارت من أساسها. صدمت العبارة (سميث) ، و جعلته يقول فى حدة مماثلة : - ليس بهذه البساطة. قال (مولر) ، و كأنه يتحداه : - كانت الخطة تعتمد على ألا نهاجمه إلا فى اللحظة المناسبة ، و ها هو ذا القتال يدور علانية ، بالقرب من البيت الأبيض نفسه. قال (سميث) ، بنفس النبرة المتحدية : - الخطة تعتمد على مهاجمته هنا ، فى الولايات المتحدة ، و هذا ما حدث بالفعل. قال (مولر) فى صرامة : - قبل الموعد المتفق عليه. تراجع (سميث) ، و تطلَّع إليه فى شيء من الدهشة و الاستنكار ، و هو يقول فى صرامة أكثر : - معذرة يا مستر (مولر) ، و لكن فى أى جانب أنت. هتف (مولر) فى سرعة : - جانبنا بالطبع. غمغم (سميث) : - تصوَّرت أنك مبهور بالخصم. احتقن وجه (مولر) فى غضب ، و لكنه لم يحاول مواصلة النقاش ، و إنما تجاوزه قائلاً ، فى شيء من الحدة : - و هل تتوقَّع أن يكمل طريقه إلى (واشنطن) ، أم يبتعد عنها؟! صمت (سميث) تماماً ، أمام هذا السؤال ، و حدَّق فى وجه (مولر) لحظات ، و كأن هذا الأخير قد ألقى أصعب أسئلة الدنيا ، قبل أن يجيب فى حذر : - و سيكون أكثر أهل الأرض حماقة لو فعلها ، و هو يعلم أن كل شرطى فى (واشنطن) يبحث عنه. غمغم (مولر) : - لو أننى فى موضعه ، لاتجهت غرباً ، إلى (وست فرجينيا). سأله (سميث) ، فى اهتمام شديد : - أهذا ما يبدو لك أكثر منطقية؟! أجابه (مولر) فى ثقة : - بالطبع. اعتدل (سميث) ، قائلاً : - إذن فلن يفعله. شعر (مولر) و كأن العبارة صفعة قاسية ، هوت على وجهه بمنتهى العنف ، و حدَّق فى (سميث) مستنكراً ، على نحو جعل هذا الأخير يقرأ ما يدور فى ذهنه ، فأستدرك فى سرعة : - ملفه يقول : إنه يفعل دوماً ما لا يتوقعه الآخرون. هتف (مولر) : - أتعنى أنه سيكون من الحماقة ، حتى يدخل (واشنطن) ، فى ظل هذه الظروف. أشار (سميث) بسبَّابته ، قائلاً : - و سيحاول استغلالها لصالحه أيضاً. حدَّق (مولر) فى وجهه لحظات مستنكراً ، قبل أن يهز رأسه فى قوة ، هاتفاً فى غضب : - لست أصدق ما تفكِّر فيه. مال (سميث) نحوه مرة أخرى ، و قال فى حزم : - سنرى.. نعم.. الجميع سيرون.. سيرون ما لا يتوقعونه.. قط.. * * * استبدل (هشام) ثياب (المارينز) فى سرعة ، بثياب المسعف الاحتياطية ، التى وجدها فى سيارة الإسعاف ، و هو يقول لـ(أدهم) : - ليس من السهل أن نسير فى الشارع بهذه الملابس. أجابه (أدهم) ، و هو ينتقى بعض أجهزة و أدوات الإسعاف من السيارة : - فى (أمريكا) ، يمكنك أن ترتدى ما يحلو لك ، و لن يسألك مخلوق واحد عما تفعله. قال (هشام) فى توتر : - و لكن آخر ما نحتاج إليه هو لفت الانتباه ، فى موقعنا الحالى. غمغم (أدهم) ، و هو يقفز خارج السيارة : - أعلم هذا. قفز (هشام) خلفه ، و تلفَّت حوله ، مغمغماً : - أظن أنه ينبغى أن نتحاشى رجال الشرطة ، فهم حتماً يبحثون عنا ، فى هذه المنطقة من ضواحى (واشنطن). صمت (أدهم) لحظات مفكراً ، قبل أن يغمغم : - و ربما لا. لم يفهم (هشام) ما يعنيه ، فالتفت إليه متسائلاً : - ربما لا ماذا؟! التفت إليه (أدهم) ، قائلاً : - الناس هنا تحب رجال الشرطة و تحترمهم ، و هذا يدفعهم نفسياً و غريزياً إلى الثقة فيهم. هزَّ (هشام) رأسه فى حيرة ، و قال : - ما زلت أجهل ما تقصده! أشار (أدهم) إلى سيارة شرطة ، تقف على بُعد مربعين سكنيين ، قائلاً : - هل ترى هذه السيارة هناك؟!.. ستتجه إليها مباشرة ، و تنفذ ما آمرك به بالضبط. اتسعت عينا (هشام) و هو يقول : - أنا؟!.. هل تريد منى أن أتجه نحو سيارة شرطة ، يبحث راكبوها عنا حتماً ، و... قاطعه (أدهم) بمنتهى الصرامة : - و تنفذ ما سآمرك به.. فوراً.. لم تمض لحظات على قوله هذا، حتى كان (هشام) يندفع نحو سيارة الشرطة، هاتفاً فى انزعاج : - النجدة.. أريد مساعدة.. لقد هاجمنا سارق ، و صديقى فاقد الوعى هناك.. النجدة. غادر أحد الشرطيين السيارة مكانه فى سرعة، و أشار إلى زميله بالبقاء، و هو يسأل فى اهتمام : - أين هو؟! أسرع (هشام) يعدو إلى الناصية القريبة ، هاتفاً : - هناك. لحق به الشرطى الأوَّل مسرعاً ، و يده تمس مقبض مسدسه فى حذر ، فى حين بقى الثانى ليجرى اتصالاته ، و عيناه تراقبان زميله ، الذى اختفى هناك ، عند ناصية المبنى ، و غاب لعدة دقائق ، شعر أنها طالت أكثر مما ينبغى ، فضغط زر الاتصال بجهاز اللاسلكى المحدود ، المعلَّق بحزام زميله ، متسائلاً : - (كارل).. أين أنت؟! أتاه صوتاً مشوَّشاً ، يقول : - هنا.. لا تقلق.. الأمر لا يحتاج حتى إلى إسعاف.. لقد عالجت كل شيء ، و أنا فى طريق العودة. لم يرفع الشرطى الثانى بصره عن الناصية ، حتى لمح زميله يدور حولها ، عائداً إليه ، و.. و لكن مهلاً.. إنه يبدو أطول قامة ، و أعرض كتفين ، و أشد قوة.. و بحركة سريعة ، تدرَّب عليها طويلاً ، وثب الشرطى من سيارته ، و سحب مسدسه ، يصوِّبه إلى رأس القادم مباشرة ، و الذى لم يعد يبعد عنه سوى أربعة أمتار فحسب ، و صاح فى صرامة عصبية : - من أنت؟!.. قف و إلا.. و قبل حتى أن يكمل صيحته ، كانت سبَّابته تضغط زناد مسدسه ، و فوهته مصوَّبة نحو رأس ذلك الذى ينتحل هيئة زميله.. مباشرة.. * * * |
4- بصفة رسمية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لم تستطع دونا (كارولينا) حتى أن تبتسم ، و هى تستقبل (سونيا جراهام) ، فى جناحها الفاخر ، فى ذلك الفندق الذى تمتلكه (المافيا) فى حى (منهاتن) ، أشهر أحياء ولاية (نيويورك) و أكثرها فخامة ، و لم تستطع حتى منع حركة شفتيها ، التى تشف عن الامتعاض ، و هى تقول :- إذن فقد نجحت لعبتنا! لم تحاول (سونيا) بدورها مصافحتها ، و هى تتخذ أفضل مقعد فى المكان ، و تشعل واحدة من سجائرها الرفيعة ، بقدَّاحتها الذهبية الخاصة ، قائلة : - لو أنك تعتبرينها مجرَّد لعبة. نقلت (تيا) بصرها بينهم فى حذر ، قبل أن تقول : - الحياة كلها مجرَّد لعبة كبيرة. رمقتها (سونيا) بنظرة مقت جانبية ، قائلة : - عجباً!!.. كنت أظنها مجرَّد مسرح كبير ، كما قال (شكسبير). تراجعت (تيا) ، و بادلتها نظرة المقت ، قبل أن تقول فى استهتار : - أنت على حق.. لا ينبغى أن أدس أنفى فى شئون الكبار. قالت (سونيا) فى صرامة : - بالضبط. بدت دونا (كارولينا) شديدة العصبية ، و هى تقول لـ(تيا) : - اتركينا وحدنا. ابتسمت (تيا) ابتسامة شبه ساخرة ، على نحو لم يرق للاثنين ، قبل أن تنحنى على نحو مسرحى مستفز ، و هى تقول : - بالتأكيد.. اسمحا لى. انسحبت متراجعة إلى الخلف ، كما كانوا يفعلون قديماً ، مع الملوك و الأباطرة ، فغمغمت (سونيا) بعد انصرافها : - حقيرة. تمتمت دونا فى عصبية ، و هى تشعل واحدة من سجائرها الملوَّنة ، التى تحمل اسمها بحروف ذهبية : - لقد أطلقت سراحك على الأقل. التفتت إليها (سونيا) بحركة حادة ، قائلة : - الأمريكيون كانوا سيفعلونها ، إن عاجلاً أو آجلاً. نفثت دونا دخان سيجارتها ، و هى تقول ، بنفس العصبية : - أشك. مالت (سونيا) نحوها ، و نفثت دخان سيجارتها فى وجهها ، قائلة فى لهجة أقرب إلى التحدى : - هذا لأنك تفهمين فى أعمال المنظمات ، بأكثر مما تعنين طبيعة السياسة و متغيراتها. انعقد حاجبا دونا (كارولينا) ، و هى تقول فى صرامة : - يبدو أنك نسيت أنك فى مقرى. أشارت إليها (سونيا) ، قائلة : - بإرادتك و ليس بإرادتى. قالت فى حدة : - لو أردت ، لأمرت رجالى بقتلك فوراً. ابتسمت (سونيا) فى سخرية ، قائلة : - و لكنك لن تفعلى. ثم مالت نحوها أكثر ، حتى كادت تلتصق بها ، و هى تضيف : - لأنك تحتاجين إلىّ. رمقتها دونا بنظرة محنقة ، و توسدت أريكة أنيقة فى مواجهتها ، و هى تنفث دخان سيجارتها الملوَّنة ، قائلة : - هناك مثل يقول : لا يوجد من لا يمكن الاستغناء عنه. قالت (سونيا) بسرعة : - بالضبط. ثم أضافت فى خبث : - حتى أنت يا دونا. انعقد حاجبا دونا (كارولينا) فى حدة ، و هى تقول : - الأمور عندنا تختلف ؛ فهى سلسلة وراثية ، يستحيل أن تنفصم ، إلا مع نهر من الدم.. (المافيا) منذ الأزل مقسَّمة إلى عائلات ، يحكم كل عائلة منها زعيم ، يدين له الكل بالطاعة و الولاء ، و دوماً هناك زعيم للزعماء ، فى تسلسل قيادى لم ينفصم ، منذ بدايات القرن العشرين ، و هذا الزعيم هو الأب الروحى للمنظمة كلها. قالت (سونيا) فى سخرية : - إذن فأنت تلعبين الآن دور الأب الروحى. شدَّت دونا (كارولينا) قامتها فى اعتداد ، و هى تقول : - أنا الوحيدة الباقية ، من سلالة دون (كيرليونى) ، أعظم أب روحى عرفته (المافيا) فى تاريخها كله. شعرت (سونيا) بالملل ، من استمرار هذا الحوار ، فقالت فى صرامة ، لتحويل دفة الحديث إلى اتجاه عملى : - لست أظنك قد بذلت كل هذا الجهد لإطلاق سراحى ، لنتحدث معاً عن تاريخ عائلتك فحسب! لم يرق هذا الأسلوب لدونا ، التى اعتادت الزعامة و المهابة ، فقالت فى صرامة : - لقد أحضرتك هنا من أجل (أدهم). اعتدلت (سونيا) فى اهتمام ، متسائلة ، و نبرة القلق تفصح عن نفسها فى صوتها الناعم : - ماذا عنه؟! سألتها دونا بلهجة الزعامة : - أخبرينى أوَّلاً : أأنت إلى جانبه ، أم تقفين فى وجهه؟! كان سؤلاً حاسماً مباشراً ، أدركت (سونيا) أنه سيحدِّد مصيرها تماماً ، فى هذه اللحظة.. و كان عليها أن تستنبط فى أى اتجاه تنطلق دونا (كارولينا) و منظمتها.. مع (أدهم).. أم ضده؟!.. هذا هو السؤال.. العسير.. للغاية.. * * * قبل أن تكتمل ضغطة ذلك الشرطى فى (واشنطن) ، على زناد مسدسه ، و ربما لجزء من الثانية ، سمع صوتاً من خلفه ، يقول فى هدوء : - هل ستطلق النار على زميل؟! استدار الشرطى فى سرعة ، ليواجه ذلك القادم ، و لكنه فوجئ به على قيد خطوة واحدة منه ، و رأى قبضته تندفع نحو فكه كالقنبلة.. و كان هذا آخر ما رآه.. فقد أظلمت الدنيا بعدها بالنسبة إليه تماماً.. و فى توتر شديد ، خلع (هشام) قبعة رجل الشرطة التى يرتديها ، و قال : - تصوَّرت لحظة أنه.. قاطعه (أدهم) فى صرامة : - ينبغى أن تتروَّى. قال (هشام) : - أتحدَّث عن لحظة.. أجابه (أدهم) ، و هو ينزع ثياب الشرطى ، و يرتديها فى سرعة : - العالم كله يمكن أن يتغيَّر فى لحظة واحدة. راقبه (هشام) بضع لحظات فى صمت ، و هو يرتدى زى الشرطى ، ثم غمغم فى ضيق : - أشعر معك و كأننى مجرَّد طالب صغير. أجابه (أدهم) ، و هو يدس مسدس الشرطى فى جرابه : - أنت كذلك بالفعل. انعقد حاجبا (هشام) فى ضيق ، فأكمل (أدهم) فى صرامة : - و إلا ما كان هناك سبب لوجودى هنا ، و مواجهتى لكل هذه المخاطر. حدَّق فيه (هشام) لحظة فى دهشة ، قبل أن يغمغم : - أنت على حق. أشار إليه (أدهم) ، قائلاً : - و الآن هيا إلى السيارة ، لابد و أن نتحرَّك فوراً ، فكل دقيقة لها ثمنها ، من الآن فصاعد. دلف (هشام) إلى السيارة ، و (أدهم) يدير محركها ، و قال : - أنت على حق.. لابد و أن نبتعد عن (واشنطن) بقدر استطاعتنا. أجابه (أدهم) ، و هو ينطلق بالسيارة : - خطأ.. سندخل إلى قلب (واشنطن). هتف (هشام) فى انزعاج : - و أنت تعلم أن كل رجل أمن فيها يبحث عنا. أجابه (أدهم) فى صرامة ، و هو يغوص بسيارة الشرطة ، فى عمق العاصمة الأمريكية : - لن يمكننا الفرار إلى الأبد ، و كل القوى تطاردنا على هذا النحو ، ثم أن موقف الإسرائيليين من اللعبة كلها يثير حيرتى بشدة ، و يطرح فى أعماقى ألف سؤال و سؤال. غمغم (هشام) ، فى حذر و توتر : - لذا... أجابه بمنتهى الحزم و الحسم : - لذا ، فسأنتقل من مرحلة الفرار ، إلى مبدأ (نابليون). ردَّد (هشام) فى حذر : - (نابليون بونابرت)؟! أومأ (أدهم) برأسه إيجاباً ، و أجاب : - نعم.. سننتقل إلى خير وسيلة للدفاع. و حملت كلماته كل حسم الدنيا ، و هو يضيف : - إلى الهجوم. و واصلت السيارة انطلاقها ، فى قلب (واشنطن).. فى قلب الخطر.. * * * "مستحيل!..".. هتف (راءول) بالكلمة فى انزعاج حقيقى ، و هو يحدِّق فى وجه (سميث) ، قبل أن يستطرد فى توتر : - (سونيا جرهام) نجحت فى الفرار من سجنكم الحصين؟! انعقد حاجبا (سميث) ، و هو يقول فى غضب : - أهذا كل ما أثار انزعاجك ، من كل ما أخبرتك به.. قلت لك : إن (أدهم صبرى) خرج سالماً ، من قتاله مع قوات (المارينز) ، فخر الجيوش الأمريكية ، و أنه هناك احتمال كبير أن يكون هنا ، فى (واشنطن) ، و ربما على مسافة كيلومتر واحد من البيت الأبيض ، أو فى شارع (بنسلفانيا) نفسه ، و أن أحد رجال المخابرات السوفيتية ، الذى يتعاون مع الجنرال (ماليكوف) قد اختفى تماماً فى قلب (سيبيريا) ، دون أن يترك خلفه أدنى أثر ، فتبدى انزعاجك الشديد من فرار (سونيا جراهام). سأله (راءول) فى صرامة : - ألا يزعجك هذا بشدة؟! أجابه فى عصبية : - بلى ، و لكن بترتيب الأولويات... قاطعة فى حدة : - بترتيب الأولويات ، ينبغى أن يكون فرارها على المقدِّمة. سأله (سميث) فى دهشة : - لماذا؟! نعم.. لماذا؟!.. هذا هو السؤال ، الذى يستحيل أن يجيب عنه (راءول) فى صرامة و وضوح.. ففرار (سونيا) ، كان الشيء الوحيد ، الذى لم يضعه فى اعتباره قط.. لقد طلب من (تيا) أن تغرى دونا (كارولينا) بمحاولة تهريبها ؛ لثقته الشديدة فى مناعة سجنها ، و فى أن محاولة الفرار ستؤدى إلى مقتل (سونيا) ، و (تيا) ، و ربما تدمير دونا (كارولينا) و منظمتها أيضاً.. حتى (فرتيواليتى) أكَّد أن هذا هو الاحتمال الأعظم.. و لكن الكمبيوتر العملاق أخطأ هذه المرة.. ربما لأن (راءول) لم يكن يعرف الإمكانيات الحقيقية لدونا (كارولينا).. أو لـ(تيا).. أو لأنه هناك جهة أخرى ساعدتهما على تجاوز كل العقبات.. جهة أمريكية.. و ربما رسمية أيضاً.. ربما.. "لم تخبرنى لماذا؟!..".. كرَّر (سميث) سؤاله فى إلحاح.. و مرة أخرى ، حدَّق فيه (راءول) فى صمت.. هروب (سونيا) يمثل الخطر ، الذى حاول تحاشيه بدفعها إلى محاولة ، ستؤدى حتماً ، و كما أكَّد (فرتيواليتى) إلى قتلها.. هروبها يعنى أن تحاول استعادة قوتها.. و مكانتها.. و سلاحها.. سلاحها الذى لو أكملت معادلته الناقصة ؛ لأصبحت بواسطته سيِّدة العالم أجمع.. و هذا ما لا يمكن أن يسمح به.. أو تسمح به (إسرائيل).. فلو أن هناك زعيمة جديدة للعالم ، فهى (إسرائيل).. أو لا أحد.. "هل سأنتظر دهراً؟!..".. قالها (سميث) بنفاد صبر واضح ، جعل (راءول) يقول فى سرعة : - (أدهم). غمغم (سميث) فى دهشة : - أحدثك عن (سونيا). قال (راءول) فى حدة : - هروبها يعنى قوة إضافية له. هتف (سميث) ، بكل دهشة الدنيا : - (سونيا)؟!.. معلوماتنا تقول : إنها مستعدة لقتل (أدهم صبرى) فى أية لحظة ، لو أتيح لها هذا. زمجر (راءول) ، قائلاً : - اعملوا على تصحيح معلوماتكم إذن ، فالعلاقة بين (سونيا) و (أدهم) أعقد من أن يحتويها ملف واحد.. إنها تبغضه كل البغض ؛ فقط لأنه الرجل الوحيد ، الذى تصدَّى لها و تفوَّق عليها ، و هى غارقة فى حبه حتى النخاع للسبب نفسه. ردَّد (سميث) فى دهشة مستنكرة : - تبغضه و تحبه. أومأ (راءول) برأسه إيجاباً ، و قال : - ربما تضع آلاف الخطط للقضاء عليه ، و لكنها تفاجئك بإنقاذه فى اللحظة الأخيرة ، مما يوحى بأنها لم تحسم رأيها بشأنه فى داخلها بعد ، و لم تقرر فى أعماقها ما إذا كانت ترغب فى التخلُّص منه ، باعتباره ألد خصومها ، أم تسعى لاستعادته ، كوالد ابنها الوحيد. هزَّ (سميث) رأسه ، قائلاً : - زواجهما لا يعنى أنها من الممكن أن... قاطعه (راءول) فى انفعال : - ربما كان هذا من سيمتكم أيها الغربيون ، و لكن (سونيا) مثلى يهودية نصف شرقية ، مما يعنى أن نصفها على الأقل يتمتع بمشاعر جيَّاشة دافئة ، و أمثالنا لا يمكنك التنبؤ بردود أفعالهم قط. تطلع إليه (سميث) طويلاً فى أمعان ، و هو يغمغم : - أمثالكم؟!.. صمت لحظات ، و كأنما يدرس فى ذهنه أمراً ما ، ثم قال فى حزم : - فليكن.. رئيسى (موريس مولر) يتولى أمر (سونيا) شخصياً ، أما هنا ، فوفقاً لخطة التحالف ، نحن خلف (أدهم). قال (راءول) فى توتر : - أخبرتك أنه لا فارق. أجاب (سميث) فى صرامة : - أخبرتنا أمور عديدة ، لم يتحقَّق معظمها يا أدون (راءول).. أخبرنى الآن ، ماذا يقول (فرتيواليتى) ، بشأن ما نواجهه الآن. و انعقد حاجبا (راءول) فى شدة.. نعم.. ربما يكون هذا هو الحل.. ماذا يقول (فرتيواليتى) فى هذا الشأن؟!.. ماذا؟!.. * * * لم يبد الجنرال (ماليكوف) فى حياته كلها عصبياً غاضباً ، مثلما بدا فى تلك اللحظة ، و هو يواجه (أبل كوربوف) فى مكتبه ، فى مبنى المخابرات الروسية ، قائلاً : - لم أتصوَّر أن تبلغ بك الوقاحة حد القدوم إلى هنا بنفسك يا (كولوف). ابتسم (كوربوف) فى استهتار ساخر متزلف ، و هو يقول : - (كوربوف) يا سيدى الجنرال.. (كوربوف).. لقد استبدلت الاسم رسمياً ، و أحمل شهادة من المحكمة العليا بهذا. زمجر (ماليكوف) ، قائلاً : - هل تصوَّرت أن هذا سيمحو سجل جرائمك الحافل؟! هزَّ (كوربوف) رأسه فى هدوء ، قائلاً : - الدولة يحق لها أن تضع ملفى فى أى حجم تشاء ، و لكن تذكَّر يا جنرال أنه لا يحوى إدانة واحدة. أجابه (ماليكوف) فى غضب : - لأنك تلقى التهمة دوماً على أحد رجالك ، و تنجو منها كالجبناء. اعتدل (كوربوف) ، و هو يقول فى برود حاسم : - أياً كان رأيك ، فلست هنا لمناقشة ملفى. تراجع (ماليكوف) فى مقعده ، و هو يقول فى صرامة : - أنت على حق.. أين رجلنا يا (كوربوف). لوَّح (كوربوف) بيده ، قائلاً : - لم أسمع عنه شيئاً ، و لست هنا بشأنه أيضاً. ضرب (ماليكوف) سطح مكتبه براحته ، و هو يميل نحوه بحركة حادة ، قائلاً : - لماذا أتيت إذن؟! أجاب (كوربوف) فى سرعة ، و كأنما كان ينتظر السؤال : - بشأن عقد صفقة. سأله فى حدة : - أى نوع من الصفقات؟! لوَّح (كوربوف) بيده مرة أخرى ، قائلاً : - من النوع البسيط المباشر. و مال بدوره نحو الجنرال ، مضيفاً : - عندى سلاح جديد، يكفل لمن يمتلكه أن يصبح سيِّد العالم بلا منازع، و لقد تلقيت عرضاً بشأنه، و تصوَّرت أنه يهمكم دخول المزاد. ازداد انعقاد حاجبى (ماليكوف) الكثين ، و هو يتساءل فى حذر : - أى نوع من الأسلحة؟! أجابه فى هدوء : - أخبرتك أنه نوع جديد ، لا مثيل سابق له ، و سيمكنك أن تراه بنفسك ، إذا راق لى العرض. ثم أشار بسبَّابته ، مستدركاً : - و لن أحصل على النقود ، إلا بعد تيقنك من قوته. صمت (ماليكوف) لحظات ، يدير الأمر فى رأسه.. زعيم (المافيا) الروسية لا يتحدَّث عن أمر بسيط هذه المرة.. بل عن سلاح.. سلاح جديد ، يمكن لمن يمتلكه أن يحكم العالم.. و هو يعرض بضاعته.. و يطلب الثمن.. و هناك احتمال أن يكون محقاً.. احتمال ضئيل.. و لكن... "و كم تطلب ثمناً لذلك السلاح؟!..".. ألقى الجنرال سؤاله فى عصبية ، فتألَّقت عينا (كوربوف) ، و هو يجيب : - آخر عرض تلقيته بشأنه ، كان أربعة مليارات دولار. ارتفع حاجبا (ماليكوف) فى دهشة بالغة ، من هول المبلغ ، و لكن ضوءاً شديد الاحمرار أضاء فى عقله ، و فى كيانه كله.. لو أن أحدهم عرض عليه هذا المبلغ الهائل ، فهو يتحدَّث عن شيء يستحق بالفعل.. شيء يمكن لصاحبه أن يسيَّطر على العالم.. على حد قوله.. و فى حذر شديد ، و عصبية أشد ، سأله : - أهذا ما عرضه عليك الإسرائيليون؟! هزَّ (كوربوف) كتفيه ، و قال فى حذر : - أعترف أنهم دخلوا المزاد. سأله (ماليكوف) مباشرة : - و ماذا تطلب ثمناً له؟! تألَّقت عينا (كوربوف) أكثر ، و هو يقول : - خمسة.. خمسة مليارات. و انعقد حاجبا (ماليكوف) أكثر و أكثر.. إذن فهذا ما يسعى إليه الإسرائيليون طوال الوقت.. و هذا ما جاءوا من أجله إلى (سيبيريا).. أن يحكموا العالم كله.. و يسيطرون عليه.. تماماً.. "لابد من استشارة الرئيس شخصياً ، عندما يتعلَّق الأمر بمبلغ كهذا..".. نطقها الجنرال (ماليكوف) ، بصوت أشبه بالزمجرة ، و على نحو جعل عينى (كوربوف) تتألَّقان بشدة ، و هو يقول ، فى لهفة لم يستطع إخفاءها : - إذن فستدخلون المزاد. زمجر (ماليكوف) مرة أخرى ، و هو يقول فى صرامة : - لا مزاد.. هذا السلاح سيكون لنا ، أو لن يكون لأحد آخر. نهض (كوربوف) ، دون أن يفقد تألُّق عينيه ، و هو يقول : - بالتأكيد يا جنرال.. بالتأكيد. لم تمض لحظات على قوله هذا ، حتى كان يغادر مبنى المخابرات الروسية (FSK) ، فى مجمع (الكريملين)، و يدلف إلى تلك السيارة السوداء الفارهة ، التى تنتظره ، أسفل لافته كبيرة ، تحظر انتظار السيارات ، و قال للسائق فى شيء من الجذل : - انطلق. سأله مساعده (جوركى) ، الذى يجلس إلى جواره ، فى اهتمام شديد : - تبدو جذلاً أيها الزعيم.. هل تحقَّقت مما أتيت من أجله؟! أجابه (كوربوف) ، و هو يسترخى فى مقعده ، و يسبل جفنيه فى ارتياح : - بكل تأكيد.. الروس أيضاً سيدخلون المزاد ، و تقدَّموا بعرض يبلغ خمسة مليارات. هتف (جوركى) فى انبهار : - إنها صفقة رابحة بالتأكيد. قال (كوربوف) فى صرامة : - ستكون أكبر حماقة فى الدنيا أن نقبلها. قال (جوركى) فى دهشة شديدة : - نتحدَّث عن خمسة مليارات من الدولارات الأمريكية يا زعيمى.. ألا تدرك ما يعنيه هذا؟! التفت إليه (كوربوف) فى شراسة ، هاتفاً : - أتعلم أنت ما يعنيه امتلاك سلاح كهذا؟!.. أن تحكم العالم كله.. أتدرك كم من المليارات سيدرها علينا هذا؟! و اتسعت عينا (جوركى) عن آخرهما.. نعم.. إنه لم يكن يدرك ما يعنيه هذا... لم يكن يدركه أبداً.. * * * "أخبرنى.. أأنا واهم ، أم أن ما نقف أمامه هو بالفعل ما أتصوَّره؟!..".. نطق (هشام) العبارة فى خفوت متردِّد ، و كأنه لا يصدِّق نفسه ، فقال (أدهم) فى حزم : - بل هو بالفعل ما تتصوَّره.. إننا أمام السفارة الإسرائيلية فى (واشنطن). سأله (هشام) ، فى توتر خافت : - و هل سنراقب السفارة الإسرائيلية ، فى سيارة شرطة أمريكية ، يمكن أن ينكشف أمرها فى أية لحظة. هزَّ (أدهم) رأسه نفياً ، و قال : - سنترك السيارة الآن ، و عليك أن تترجَّل منها ، و تسير فى الطرقات ، باعتبارك رجل شرطة ، فى دورية منفردة. قال (هشام) فى توتر : - رجال الشرطة هنا لا يسيرون فرادى قط.. كل دورية تتكوَّن من اثنين حتماً . قال (أدهم) فى صرامة ، و هو يغادر السيارة : - جد تبريراً. و قبل أن ينبس (هشام) ببنت شفة ، أردف : - اعتبره جزءاً من تدريباتك. أطبق (هشام) شفتيه لحظة ، ثم لم يتمالك نفسه أن يسأله : - و ماذا عنك؟! أجابه (أدهم) فى حزم : - سأذهب لزيارتهم. و على الرغم من معرفته الجواب ، غمغم (هشام) بأنفاس مبهورة : - من؟! أشار (أدهم) إلى مبنى السفارة ، مجيباً : - الإسرائيليين. قالها ، و اتجه بخطوات ثابتة قوية نحو سفارتهم.. نحو بيت الذئاب.. مباشرة.. * * * |
5- الذئاب "سينتحل هيئة رسمية.."..ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال رئيس (راءول) العبارة فى اهتمام متوتر ، بدا واضحاً على صورته ، التى تملأ شاشة الاتصال الكبيرة ، فى الحجرة الخاصة بالسفارة الإسرائيلية فى (واشنطن) ، فمال (راءول) نحو الشاشة ، متسائلاً : - أهذا ما حدَّده (فرتيواليتى)؟! أجابه رئيسه : - نعم.. لقد غذيناه بكل المعلومات الجديدة التى أرسلتها ، فقال إن الوسيلة الوحيدة ، التى تتيح لـ(أدهم صبرى) دخول (واشنطن) ، فى مثل هذه الظروف ، هى أن يتنكَّر فى هيئة رسمية.. رجل أمن أو شرطى. سأله (راءول) فى لهفة : - و ماذا عن (سونيا)؟! أجابه رئيسه ، فى توتر ملحوظ : - (فرتيواليتى) وضع سيناريوهين مختلفين للأمر.. فى الأوَّل افترض تمرُّدها على دونا (كارولينا)، و سعيها وحدها لاستعادة سلاحها ، باعتبار أنه وسيلتها المثلى للسيطرة على العالم ، كما تحلم دوماً ، و سيبدأ هذا بمحاولتها الحصول على المعادلة الناقصة ، لتشغيل هذا السلاح ، تماماً مثلما نسعى نحن للحصول عليها. سأله (راءول) بنفاد صبر : - و ماذا عن السيناريو الآخر؟! صمت رئيسه لحظة ، ثم قال : - أن تتحالف مع دونا (كارولينا) ، حتى تبلغ هدفها. تراجع (راءول) فى مقعده ، مغمغماً : - ستكون كارثة!! انطلق عقله بسرعة يرسم صورة لما يمكن أن يسفر عنه هذا.. أن تتحالف (سونيا) و دونا.. أخطر امرأتين فى العالم ، تدخلان السباق كيد واحدة... (سونيا) بدهائها و خبرتها و قسوتها ، و دونا بقوتها و انتشارها ، و أموالها الطائلة و نفوذها اللامحدود.. و لو وضعنا كل هذا فى بوتقة واحدة ، لاستعادة ذلك السلاح الجبار ، قبل أن يحصل عليه الآخرون.. ربما تحكمان العالم عندئذ.. إلى الأبد.. حاول أن يركِّز ذهنه على هذه المشكلة الجديدة ، و اعتصر عقله فى قوة ، و لكن تفكيره قاده دون وعى إلى (أدهم).. لقد فعل بالضبط كل ما توقَّعه (فرتيواليتى) ، حتى هذه اللحظة.. (كارولينا) أفسدت التحالف ، و دفعته للدخول فى مواجهة مباشرة ، حقَّق خلالها ما اعتاده ، و هزم الجميع على نحو باهر ، و تجاوز كل العقبات ، حتى وصل إلى (واشنطن) ، و جذب انتباه كل القوى إليه.. و هذا هو الهدف الرئيسى من كل هذا.. إقحام الجميع فى معركة ضد (أدهم) ، و سعيهم للقضاء عليه ، و مقاومته الرهيبة لهم ، و تجاوزه عقباتهم ، و كل ما سيشعله هذا فى نفوسهم من غضب و ثورة ، يدفعانهم لمزيد من القتال معه ، مما يجعلهم ينشغلون جميعاً به ، فيخلو الجو للإسرائيليين ، ليسعوا خلف سلاح (سونيا) الرهيب ، فى غفلة منهم ، بحيث لا يستفيقون جميعاً ، إلا بعد أن يصبح الإسرائيليون ملوك العالم.. و بلا منازع.. و وفقاً لتوقعات (فرتيواليتى) ، و لحظته أو برنامجه الاحتياطى الثانى ، فـ(أدهم) الآن فى قلب (واشنطن) ، ينتحل هيئة رسمية ، تتيح له التحرُّك داخلها ، بعد أن تجاوزت عقارب الساعة منتصف الليل بساعة و نصف الساعة على الأقل ، على الرغم من بحث الجميع عنهم.. فما من رجل أمن ، يبحث عن هارب ، يمكن أن يستوقف شرطى آخر ، تحت ظروف طوارئ قصوى.. الكل سينشغل بالبحث عن الهارب.. و الهارب فقط.. و لكن أين يمكن أن يكون (أدهم) فى هذه اللحظة؟!.. أين؟! طرح السؤال على رئيسه ، عبر شاشة الاتصال الكبيرة ، فأجابه هذا الأخير فى اهتمام : - سيسعى للحصول على أكثر ما يهم رجل المخابرات ، فى أى قتال.. المعلومات.. سيحاول معرفة ماذا يحدث ، و من دفع الجميع خلفه ، و لماذا؟! سأله (راءول) فى اهتمام : - و من أين يمكنه الحصول على مثل هذه المعلومات؟! قبل أن يجيبه رئيسه ، انقطع التيار الكهربى عن شاشة الاتصال فجأة ، فى نفس اللحظة التى ارتفع فيها صوت من خلف (راءول) ، يقول فى حزم هادئ : - هنا. التفت (راءول) إلى مصدر الصوت فى سرعة فزعة ، و اتسعت عيناه عن آخرهما ، و كل ذهول الدنيا يتفجَّر فى أعماقه.. فأمامه مباشرة ، و داخل حجرة الاتصالات المؤقتة ، فى قلب السفارة الإسرائيلية فى (واشنطن) ، كان يقف آخر شخص يتخيل هو أو كمبيوتره الفائق (فرتيواليتى) رؤيته.. (أدهم).. (أدهم صبرى).. * * * بمنتهى القوة ، هزَّت دونا (كارولينا) رأسها ، و هى تطفئ سيجارتها الملوَّنة ، فى منفضة من الكريستال النقى ، قائلة : - مستحيل!.. لا يمكننى تصديق ما تعرضينه علىَّ يا (سونيا). هزَّت (سونيا) كتفيها ، و هى تقول فى هدوء : - ألأننى أعرض عليك مشاركتى حكم العالم؟! أجابتها دونا ، فى شيء من الحدة : - بل لأنك تتحدَّثين كما لو كنا مشهداً من فيلم سينمائى قديم و سخيف... فكرة السيطرة على العالم هذه من أكثر أفكار الأرض حماقة.. (جنكيز خان)، و (الإسكندر الأكبر)، و (نابليون) ، و (هتلر)، و حتى (أمريكا) نفسها ، كلهم حاولوا و فشلوا.. الإمبراطورية الرومانية تصوَّرت هذا أيضاً ، و زحفت من أقصى الأرض إلى أقصاها ، و كان هذا الأتساع هو السبب المباشر لتفككها و انهيارها و فى عصرنا هذا ، يصبح من الجنون أن يحلم المرء مجرد حلم ، بتحقيق ما أثبت التاريخ استحالة تحقيقه. أشعلت (سونيا) سيجارة أخرى ، من سجائرها الطويلة ، و هى تقول فى هدوء شديد الاستفزاز : - حتى لو امتلكت السلاح المناسب. هتفت بها دونا : - حتى و لو امتلكت أسلحة الدنيا كلها.. هذا ما أثبته التاريخ. عقدت (سونيا) حاجبيها ، و نفثت دخان سيجارتها فى قوة ، و هى تقول فى صرامة : - كنت أتصوَّر أننى أتحدَّث إلى زعيمة (المافيا) ، لا إلى معلِّمة تاريخ نمطية. عقدت دونا حاجبيها ، و هى تقول: - لن أقع فيما وقع فيه مَن قبلى مِن أخطاء. رفعت (سونيا) أحد حاجبيها ، و هى تقول فى خبث : - ألن تشعرى بالندم إذن؟! بدت دونا عصبية على نحو ملحوظ ، و هى تتطلَّع إليها لحظات ، قبل أن تشيح بوجهها ، قائلة : - لن أتورَّط علانية فى هذا. أدركت (سونيا) أنها قد أصابت هدفها ، فمالت نحوها ، تقول فى لهفة : - و أنا لا أحبذ هذا أيضاً.. ستواصلين تحالفك مع أجهزة المخابرات الأربعة ، و تستمرين فى اللعبة نفسها.. تحاربين (أدهم) معهم علانية ، و تساعدينه على النجاة منهم سراً.. المهم أن ينشغل الجميع ببعضهم البعض ، فى حين تمنحيننى أنت المال و الرجال ، و تؤمنين لى الرحيل سراً إلى (سيبيريا) ؛ لأستعيد السيطرة على الموقف هناك. قالت دونا دون أن تنظر إليها : - بينى و (كولوف) اتفاق غير مكتوب بعدم التدخُّل و الاعتداء.. هو ابتعد تماماً عن الغرب ، و أنا تركت له ساحة (أوروبا) الشرقية ليسيطر عليها كما يشاء، و بهذه اللعبة ، سينهار الاتفاق تماماً. قالت (سونيا) فى استهتار : - الاتفاقيات وُضِعَتْ لتمزق فحسب. انعقد حاجبا دونا ، و هى تقول : - (كولوف) ليس بالشخص الهين. ابتسمت (سونيا) فى سخرية واثقة ، و هى تقول : - اتركى لى أمره.. لقد أبدل اسمه ، و استبدل معه طبيعته ، و اعتاد الحياة المرفهة ، و نسى قتال الشوارع ، و أصبح (كوربوف) الثرى ، الذى يمتلك عدة قصور فاخرة ، فى أفخم مناطق (روسيا) و نسى (كولوف) ، رجل العصابات الشرس ، الذى لا يتردَّد فى قتل طفل فى العاشرة ، من أجل عدة روبلات ، و أمثاله ، ممن يتغيرون مع امتلاء جيوبهم بالمال ، هم فريستى المفضلة. ثم اتسعت ابتسامتها ، و تألَّقت عيناها ببريق جذل ، و هى تضيف : - اطمئنى.. إننى أتناول خمسة من أمثاله عند الإفطار. غمغمت دونا : - هذا لو سمح لك أن تستيقظى. قالت (سونيا) فى استهتار : - سأكون آخر من يغلق عينيه.. و سترين. رمقتها دونا بنظرة لا تحمل تعبيراً محدوداً ، و هى تقول : - سنرى. ابتسمت (سونيا) ابتسامة غامضة ، و هى تقول : - باعتبارك تهوين التاريخ.. هل قرأت شيئاً عن الأمازونيات؟! أجابتها دونا فى حذر ، و هى لا تدرى سر السؤال : - إنهن قبيلة كانت تحكمها النساء فيما مضى ، و لست أعرف عنهن أكثر من هذا! قالت (سونيا) بنفس الابتسامة المحيِّرة : - هذا يكفى.. هن حكمن قبيلتهن ، و نحن سنحكم العالم معاً ، ففى هذا الزمن ، لابد و أن تحكم المرأة. أضافت دونا فى حزم : - وتسود. و اتسعت ابتسامة (سونيا) ، و مدَّت يدها نحو دونا ، التى تردَّدت لحظة ، ثم استقبلت يدها لتشد عليها.. الآن بدأ العد التنازلى لسباق السيطرة.. السيطرة على العالم.. أجمع.. * * * لثوان و على الرغم مما يراه أمامه ، لم يستطع (راءول) تصديق نفسه أبداً ، و هو يحدِّق فى (أدهم) ، الذى يرتدى زى واحد من رجال أمن السفارة ، و لا يخفى ملامحه بأية وسيلة تنكُّر ، و لو محدودة.. مستحيل!!.. حتى (فرتيواليتى) نفسه ، لم يستطع التنبؤ بهذا! إنه حتى لم يضعه ضمن السيناريوهات المحتملة ، التى يمكن أن يلجأ إليها (أدهم).. ربما لأن ما يراه (راءول) أمامه يدخل فى خانة المستحيل!.. المستحيل التام!.. "و لكن كيف؟!..".. هتف بها (راءول) فى دهشة مذعورة ، على الرغم منه ، و لكن (أدهم) بدا شديد الهدوء و الثقة، و هو يستند بكتفه إلى حاجز الباب ، و يعقد ساعديه أمام صدره ، قائلاً : - هل أدهشك وجودى يا عزيزى (راءول)؟! هتف به (راءول) : - كيف وصلت إلى هنا؟!.. هذا المبنى مؤمَّن جيداً ، و نظم الأمن كلها إليكترونية رقمية ، و كل حارس أمن هنا يحمل (ريد آى) ، و لا يمكنك خداعه ، حتى لو تنكَّرت فى هيئة بعوضة. هزَّ (أدهم) كتفيه فى بساطة ، قائلاً : - و لهذا لم أحاول أن أتنكَّر فى أية هيئة. هتف به منزعجاً : - و لكن كيف عبرت؟! عاد (أدهم) يهز كتفيه ، قائلاً : - لست أظنك تطالبنى بكشف أساليبى ، فهذا لا يمكن أن يصدر عن رجل مخابرات محترف ، و لكن يكفى أن أخبرك أننى لم أبتكر شيئاً ، فالرسم الهندسى الكامل لسفارتكم هنا موجود لدينا ، مع كل ما أجريتم عليه من تعديلات و تغييرات ، و نظام أمنكم ، الذى تتصوَّرونه شديد المناعة ، يحفظه كل رجل مخابرات فى بلدى عن ظهر قلب ، و كل ما فعلته ، هو أن استغليت ثغراته ، التى درستها طويلاً ، مع ثقتى فى أن من يدير اللعبة كلها سيكون حتماً فى حجرة الاتصالات المؤمَّنة ، يتابع الموقف مع رياسته مباشرة. قال (راءول) فى ارتباك ، و يده تتسلَّل إلى مسدسه خفية : - أية لعبة تلك ، التى تتصوَّر أننى أديرها؟! ابتسم (أدهم) فى سخرية ، قائلاً : - لعبة (فرتيواليتى).. لا تنزعج يا عزيزى ، فلقد قبعت هنا لبعض الوقت ، قبل أن أفصح عن وجودى ، لأكتسب بعض المعلومات ، قبل أن أبدأ لعب دورى. سحب (راءول) مسدسه بسرعة خرافية ، تليق برجل مخابرات محترف ، و لكن قبل أن ترتفع فوهته ، لتواجه (أدهم) ، كان هذا الأخير قد وثب عبر الحجرة وثبة مدهشة ، و قبض على معصم الإسرائيلى بأصابع من فولاذ ، و هو يقول فى سخرية : - كنت أتمنى أن تفعلها. ضغط (راءول) زناد مسدسه بالفعل ، فانطلقت من فوهته رصاصة ، بدوى شديد ، مرقت على مسافة سنتيمتر واحد من عنق (أدهم)، الذى لوى معصمه فى عنف، فأجبره على إفلات مسدسه، الذى سقط أرضاً ، و الإسرائيلى يصرخ فى حدة : - دوى الرصاصة سيجذب كل رجل أمن هنا. أجابه (أدهم) فى حزم : - خطأ.. هذه الحجرة مجهَّزة لعزل الأصوات تماماً ؛ لتأمين كافة السرية للاتصالات ، و ليست بها أية وسائل رصد أو مراقبة ، و لن يعرف مخلوق واحد ما يحدث هنا. ثم هوى على فك (راءول) بلكمة كالقنبلة ، مستطرداً فى صرامة : - حتى أنت. ارتجَّ رأس (راءول) فى عنف ، مع قوة الضربة ، و زاغت عيناه فى محجريهما لحظة ، ثم تهاوى رأسه فاقد الوعى ، فأزاحه (أدهم) بسرعة عن مقعد الاتصال ، و هو يقول : - و الآن ، ابق هادئاً هنا ، حتى أستوعب ماذا يدور بالضبط. قالها ، و جلس على مقعد الاتصال ، و ضغط زر تشغيل الصوت دون الصورة بعد أن أعاد التيار الكهربى ، و لم يكد يفعل ، حتى سمع رئيس (راءول) يهتف : - أين أنت يا (راءول)؟!.. ماذا حدث عندك؟!.. لماذا انقطع الاتصال فجأة ، و لماذا لا أراك؟! أجابه (أدهم) ، بصوت يُحاكى صوت (راءول) ، على نحو مدهش : - عطل فنى يا سيدى.. الشاشة لم تعد تعمل.. و لكننا نستطيع مواصلة حديثنا.. كنا نتحدَّث عن (أدهم) ، و وجوده فى (واشنطن) ، و لكى يمكننى التفكير جيداً ، دعنا نلخص الأمر كله منذ البداية. سأله رئيسه ، فى شيء من الحذر : - أترى هذا ضرورياً. أجابه فى خبث ، يماثل خبث (راءول) : - إنها الحرب. لم يكن للعبارة معنى واضح ، و لكن لسبب ما ، اكتفى بها رئيسه ، و راح يلخص الموقف كله ، فى أذنى (أدهم).. بمنتهى الدقة.. * * * على الرغم من كل ما تلقاه من تدريبات ، شعر (هشام) بتوتر ملحوظ ، و هو يدور حول مبنى السفارة الإسرائيلية مترجلاً ، فى ثياب شرطى أميركى ؛ فقد كان يعلم أن سيره منفرداً سيثير الشبهات و الاهتمام حتماً ، و خصوصاً فى هذه الساعة المتأخرة من الليل ، بعد أن تجاوزت عقارب الساعة الثانية صباحاً.. كانت دوريات الشرطة تجوب العاصمة الأمريكية طوال الوقت ، بحثاً عن الهاربين ، و كان عليه أن يتجنبها و يتحاشاها طوال الوقت ، و هو يتساءل : لماذا تأخَّر (أدهم) كل هذا الوقت؟!.. و هل نجح بالفعل فى دخول السفارة الإسرائيلية؟!.. و كيف؟!.. جده أخبره الكثير عن (أدهم) منذ طفولته ، و لقد انبهر به كثيراً فى صباه ، و اعتبره بطله و مثله الأعلى فى شبابه.. و لكن العمل إلى جواره أمر يختلف.. يختلف تمام الاختلاف.. إنه أشبه بمتابعة أسطورة حية.. بل إن ما واجهه معه ، يكاد يتفوَّق على الأساطير نفسها.. لقد واجها رجال العصابات.. و جيش من (المارينز).. و مرا بأكثر من موقف ، كان الموت يبدو فى كل منها قاب قوسين أو أدنى.. أو أنهما كانا فى قلب الموت نفسه.. و لكنه تجاوز كل هذا ، و دون خدش واحد.. و هذا ، من وجهة نظر أى شخص طبيعى أمر خارق.. بل مستحيل!.. مستحيل تماماً.. الآن فقط أدرك لماذا يطلقون عليه هذا اللقب ، الذى طالما ردَّده جده على مسامعه.. لقب (رجل المستحيل).. "معذرة أيها الشرطى..".. استوقفه هذا النداء ، الذى انطلق فجأة ، بلكنة بريطانية واضحة ، فارتبك لحظة ، قبل أن يتمالك نفسه ، و يلتفت إلى صاحبه ، قائلاً ، و محاولاً تقمص دور شرطى أمريكى : - بم يمكننى أن أخدمك؟! كانا رجلين ، أحدهما شاب فى منتصف الثلاثينيات ، و الثانى كهل أشيب الشعر ، و لكنه يبدو متين البنيان ، قوى الشكيمة ، على الرغم من وجهه شبه المتغضن ، و ملامحه التى تشف عن تجاوزه الستين ، و لقد اقترب منه الشاب ، قائلاً : - لقد ضللنا الطريق هنا ، و نبحث عمن يرشدنا إلى هدفنا. دار الشاب حوله ، فدار بجسده معه ، و هو يغمغم فى حذر : - فى هذه الساعة؟! هزَّ الشاب كتفيه ، قائلاً : - إننا سائحان. تماسك (هشام) ، و شدَّ قامته ، و هو يسأله : - و ما هدفكما بالضبط؟! شعر فجأة بفوهة مسدس باردة تلتصق بمؤخرة رأسه ، و سمع صوت سير (ويليام) من خلفه ، يقول فى صرامة : - (أدهم).. (أدهم صبرى). و أدرك (هشام) أن اللعبة قد انتهت.. أو شارفت هذا.. بكل تأكيد.. * * * "رجال مكتبنا فى (واشنطن) يشعرون بالقلق..".. نطق نائب مدير المخابرات المصرية بالعبارة ، فى قلق واضح يتفق معها ، و الساعة تشير إلى التاسعة و خمس دقائق صباحاً ، بتوقيت (القاهرة)، فرفع إليه المدير عينيه ، متسائلاً : - ألم يتم اتصالهم بـ(ن-1) بعد؟! هزَّ نائبه رأسه نفياً ، و هو يجيب : - لا توجد وسيلة واحدة لهذا ؛ فإما أن يجرى هو اتصاله بهم ، أو لا أمل ؛ فلم يمكنهم تحديد موقعه أبداً ، و نظراً لخبرته و مهاراته ، يستحيل العثور عليه ، ما لم يجر هو اتصاله بهم أوَّلاً ، و لكن رجالنا يؤكِّدون أنه ، و على الرغم من توقيت (واشنطن) الآن ، فهناك تحركات عديدة تجرى فيها ، على نحو مقلق... رجال (المارينز) يحاصرونها بقواتهم تماماً ، و يفحصون كل من يغادرها أو يدخلها بمنتهى الدقة ، باستخدام كاشف تنكر حديث و بالغ الدقة ، و رجال الشرطة هناك يجوبون الطرقات ، بحثاً عن كل من يشتبه فى أمره ، و هم بوسيلة غير مباشرة ، يحاصرون السفارة المصرية ، حتى لا يلجأ إليها العميد (أدهم) ، و يحصل منها على جواز سفر دبلوماسى ، يمنعهم من إلقاء القبض عليه ، وفقاً للقانون الدولى ، و هذا كله متوقَّع إلى حد كبير، و لكن ما يثير الدهشة حقاً ، هو موقف الإسرائيليين و البريطانيين هناك. رفع المدير حاجبيه و خفضهما ، و هو يتساءل فى صرامة : - البريطانيون أيضاً. أومأ النائب برأسه إيجاباً ، و قال : - مكتبنا فى (واشنطن) أكَّد أن سير (ويليام) قد وصل من (أوروبا) ، مع مساعده (جون) ، و تم الاتصال بينه و بين قوات (المارينز) ، فى حين وصل رجل (الموساد) (راءول) إلى السفارة الأمريكية ، بعد ساعة كاملة من منتصف الليل ، و هو أمر غير طبيعى ، لم يحدث حتى خلال حرب السادس من أكتوبر. عقد المدير حاجبيه ، و هو يقول فى اهتمام قلق : - و هل تعتقد أن كل هذا بشأن (ن-1)؟! وضع أمامه نائبه تقريراً مطبوعاً ، و هو يقول : - هذا التقرير وصل من (أوسلو) ، منذ أسبوعين تقريباً ، و لكن أحداً لم يربطه بما يواجهه العميد (أدهم) الآن ، إلا بعد المعلومات الأخيرة ، عن البريطانيين و الإسرائيليين. سحب المدير التقرير ، و قرأه فى اهتمام ، قبل أن يغمغم ، و كأنه يحدِّث نفسه : - الروس و البريطانيون و الأمريكيون و الإسرائيليون اجتمعوا معاً؟! أضاف نائبه ، بلهجة ذات مغزى : - و انضمت إليهم دونا (كارولينا).. زعيمة (المافيا) الإيطالية. تراجع المدير فى مقعده ، و هو يحك ذقنه بيده فى تفكير قلق.. ترى هل اجتمعوا كلهم من أجله؟!.. من أجل (ن-1)؟!.. إنه أكثر من يدرك خطورته و قدراته ، و ربما أكثر مما يدركون هم ، و لكنه لم يتصوَّر أبداً أن يتحالفوا جميعاً للقضاء على رجل واحد!!.. حتى و لو كان (ن-1) نفسه!!.. هذا يتجاوز كل المنطق و العقل.. و كل القواعد.. إلا إذا.. "هناك هدف أكبر حتماً..".. نطقها فى تفكير عميق ، فقال نائبه فى سرعة : - لا أحد يعلم ماذا دار فى اجتماعهم بالضبط. اعتدل المدير ، قائلاً فى حزم : - و لكن من الضرورى أن نعلم.. و اتخذ مجلساً صارماً ، و هو يكمل بلهجة آمرة : - أطلب من كل رجل لدينا أن يسعى لمعرفة سر هذا الاجتماع ، و ما أسفر عنه ، و مر رجالنا فى (واشنطن) ، مع فريق المساعدة ، الذى يقوده السيد (حسن) أن يكونوا على أهبة الاستعداد ، فبين لحظة و أخرى ، من المحتمل جداً أن نعلنها. سأله نائبه فى حذر ، و إن توقَّع الجواب : - نعلن ماذا؟! رفع المدير إليه عينين صارمتين حازمتين ، و هو يقول : - الحرب.. و كان ينطقها بكل حزم و حسم الدنيا.. و بكل معنى الكلمة.. * * * |
6- الحرب نقل السفير البريطانى فى (واشنطن) بصره فى قلق ، بين سير (ويليام) و (جون) و (هشام) ، فى قبو السفارة ، قبل أن يقول فى توتر :ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - حتى فى الأعراف المدنية ، و على الرغم من كونك داخل سفارة بلادك ، و لا أحد يستطيع المساس بك ، ما زال ما فعلته يدخل فى نطاق الجريمة يا سير (ويليام). قال (ويليام) فى برود : - كل شيء مباح ، فى الحب و الحرب. قال السفير فى حدة : - ليست حالة حب ، و لسنا بالتأكيد فى حالة حرب ، مع الولايات المتحدة الأمريكية. أشار (ويليام) إلى (هشام) قائلاً بنفس البرود : - لا يمكنك دوماً اختيار أرض المعركة ، و هذا الشاب مصرى ، و ليس أمريكياً. قال السفير فى صرامة : - هذا لا يصنع فارقاً.. ما زلنا أمام جريمتى اختطاف و احتجاز. اندفع (جون) يقول فى حدة : - ألا يمكنك استيعاب الموقف يا رجل؟!.. إننا أمام مسألة أمن قومى ، و نحن هنا لنحمى (بريطانيا) كلها ، و أنت تتحدَّث عن جريمة مزدوجة؟! قال السفير فى غضب : - كل منا يقوم بعمله يا هذا.. أنتما تقاتلان لحماية الأمن القومى ، و أنا أبذل قصارى جهدى ؛ للحفاظ على علاقات طيبة و سليمة ، مع دولة صديقة ، و حليف قوى. كاد (جون) يندفع مرة أخرى ، و لكن سير (ويليام) أشار إليه بالصمت ، و هو يقول للسفير ، بنفس ذلك البرود المستفز : - مع احترامى لعملك الجليل يا سيدى السفير ، فالدولة الحليفة نفسها تتآزر معنا فيما نفعله ، و يمكننى أن أوصلك مباشرة بأحد مسئوليها ؛ ليؤكِّد لك هذا. انعقد حاجبا السفير فى صرامة ، و هو يقول : - فى مثل هذه الظروف ، أفضِّل وثيقة موقَّعة. شدَّ سير (ويليام) قامته ، و هو يقول فى صرامة : - بصفتى أحد نواب مدير المكتب السادس، سأوقِّع كل ما تريده دون تردُّد. قال السفير فى حزم : - فوراً. أجابه سير (ويليام) ، و هو يسحب ورقة و قلماً : - بالتأكيد. خط بضع كلمات على الورقة ، ثم ذيَّلها بتوقيعه ، و ناولها للسفير ، الذى طالعها فى اهتمام بالغ ، ثم طواها فى عناية ، و قال و هو يدسَّها فى جيبه : - ما زلنا أمام جريمتى اختطاف و احتجاز. قال سير (ويليام) فى صرامة : - هذه الوثيقة تعفيك من أية مسئولية. هزَّ السفير رأسه نفياً ، و قال : - هذا يحدث داخل السفارة ، و قوانين الدنيا كلها ، لا تستطيع إعفائى من هذا. بدا الغضب فى وضوح على وجه (جون) ، و همَّ بالاندفاع لقول شيء ما ، و لكن سير (ويليام) أستوقفه بإشارة من يده ، و هو يقول للسفير فى برود : - فليكن.. الآن سنبدأ عملنا ، و أؤكِّد لك مسبقاً أنه لن يروق لك أبداً ، فإما أن تبقى لتشاهد ، أو تتركنا وحدنا. انعقد حاجبا السفير فى شدة ، و بدا شديد التوتر ، و هو ينقل بصره بين (هشام) و رجلى المخابرات ، قبل أن يقول فى عصبية : - لا دماء. أجابه سير (ويليام) فى برود: - هناك وسائل عديدة. أضاف السفير ، فى عصبية أكثر : - و لا قتل. استلَّ سير (ويليام) مسدسه ، و وضعه على المنضدة أمامه ، و هو يسأله فى صرامة : - هل ستبقى؟! أدار السفير عينيه فى وجوههم للمرة الثالثة ، فى عصبية زائدة ، قبل أن يندفع مغادراً القبو ، و أغلق الباب خلفه فى قوة ، و ما أن فعل ، حتى التفت سير (ويليام) إلى (هشام) ، الذى ما زال يرتدى زى رجال الشرطة الأمريكية ، و قال فى صرامة ، و هو ينقر مسدسه بسبَّابته : - و الآن يا فتى ، ستقص علىَّ قصة حياتك كلها ، منذ رأت عيناك الدنيا ، بعد أن تجيب سؤالى الأساسى. نظر إليه (هشام) فى حذر ، دون أن ينبس ببنت شفة ، فمال (ويليام) نحوه ، و اكتسب صوته المزيد من الصرامة ، و هو يكمل : - أين (أدهم صبرى)؟! غمغم (هشام) : - من؟! انعقد حاجبا (جون) فى غضب ، فى حين ابتسم سير (ويليام) فى سخرية ، و هو يقول ، متراجعاً فى مقعده : - محاولة سخيفة ساذجة ، لا تصلح حتى لأفلام السينما الهزلية ، خاصة و أننا نعرف أنه هنا من أجلك. لم يجب (هشام) بحرف واحد ، فأمسك (ويليام) مقبض مسدسه ، و قال فى برود ، حمل نبرة مخيفة : - لا تفكِّر أو تتردَّد كثيراً ، ففرصتك الوحيدة فى أن تحيا ، حتى تشاهد شروق الشمس ، هى أن تجيب أسئلتنا فى وضوح. ثم رفع المسدس ، و صوَّب فوهته إلى جبهة (هشام) ، مستطرداً فى غضب واضح شديد : - أو ننهى هذا اللقاء.. الآن. و اتسعت عينا (هشام) ، على الرغم منه.. فالآن ، فى هذا القبو الرطب العازل للصوت ، أسفل السفارة البريطانية فى (واشنطن) ، لم يعد لديه خيار... أى خيار... على الإطلاق.. * * * فى بطء يحمل الكثير من الاهتمام ، رفع مدير (الموساد) عينيه ، يتطلَّع إلى رئيس (راءول) المباشر ، قبل أن يسأله : - طلبت مقابلتى فوراً.. فلماذا؟! تردَّد الرجل لحظات ، قبل أن يقول : - هناك أمر يثير قلقى ، احتجت أن أناقشه معك. تراجع المدير فى مقعده ، متسائلاً : - و ما هو؟! أجابه الرجل فى حذر : - منذ خمس دقائق فقط ، أنهيت محادثة مع (راءول) ، عبر شاشة الاتصال المؤمَّنة ، فى سفارتنا فى (واشنطن). قال المدير ، فى بطء حذر : - هذه الوسيلة يستحيل اختراقها أو كشفها ، مهما كانت الوسائل و السبل. قال الرجل ، و القلق فى صوته يتزايد : - أدرك هذا جيداً يا سيدى ، و لقد راجعت الأمر بنفسى ، و تأكَّدت من أن كل شيء على ما يرام. تزايد حذر رئيسه بدوره ، و هو يسأله : - ماذا إذن؟! تردَّد الرجل أكثر هذه المرة ، فأضاف المدير فى صرامة : - أفصح. بدا و كأن هذا الأمر المباشر قد اخترق كبد الموقف ؛ فقد اندفع الرجل يقول : - المشكلة تكمن فى (راءول) نفسه.. لقد انقطع الاتصال أثناء حديثنا، ثم عاد صوتياً بدون صورة، بحجة أن الشاشة أصابها عطب ما ، و لقد ميَّزت صوت (راءول) جيداً ، و لكن الأسئلة التى راح يطرحها طوال الوقت ، أثارت حيرتى بالفعل ، فقد سأل عن كل شيء و أى شيء ، كما لو أنه يجهل الأمر كله منذ بدايته ، و كانت حجته هى أنه يريد أن يستعيد معلوماته ، و ينشط ذهنه ، و يركِّز أفكاره... و ربما نجح فى إقناعى بهذا فى البداية. اعتدل المدير ، متسائلاً فى عصبية : - إذن فقد أجبته. بدا الرجل شديد التوتر ، و هو يخفض عينيه أرضاً ، مجيباً : - على كل ما سأله. ثم رفع عينيه فى شيء من الخزى إلى المدير ، مضيفاً فى خفوت : - إنه رجلنا على أية حال. قال المدير فى غضب : - و لكنك لم تسأله عن كوده الخاص ، أو شفرة الاتصال ، قبل أن تجيب أسئلته. أجابه الرجل فى سرعة : - لقد سألته عن كل هذا ، كما تنص القواعد. ثم انخفض صوته بشدة ، و هو يضيف : - قبل أن ينقطع الاتصال المرئى. احتقن وجه المدير فى شدة ، و لم يتمالك نفسه ، و هو يصرخ فى وجهه : - أحمق. ثم اختطف سمَّاعة الهاتف اختطافاً ، و أدار رقماً خاصاً قصيراً ، و استمع إلى رنين الهاتف عند الطرف الآخر فى عصبية لنصف دقيقة تقريباً ، قبل أن يأتيه صوت الملحق العسكرى الإسرائيلى، و هو يقول : - أوامرك يا سيدى. سأله المدير فى صرامة : - أين أدون (راءول)؟! غمغم رئيس (راءول) ، فى خفوت من يشعر بالذنب : - إنه داخل سفارتنا ، و من المستحيل أن.. قاطعه المدير بنظرة صامته صارمة غاضبة ، جعلته يبتلع لسانه ، و ينكمش فى مكانه ، فى حين أجاب الملحق العسكرى عبر الهاتف : - عندما رأيته آخر مرة ، كان داخل حجرة الاتصالات المؤمَّنة ، يجرى اتصاله بكم. صاح فيه المدير : - خذ أقوى رجال أمنك ، و أحضره تحت الحراسة إلى مكتبك فوراً.. و افحص وجهه بجهاز (ريد آى) مرتين على الأقل. بدا الرجل شديد الدهشة ، و هو يقول : - أدون (راءول)؟! صرخ فيه مدير (الموساد) : - نعم.. أدون (راءول). ثم أضاف فى عصبية بلغت مداها : - لو أنه بالفعل أدون (راءول). أنهى الملحق الإسرائيلى المحادثة ، و هو غير قادر على تصديق ما سمعه ؛ فهو يعرف (راءول) شخصياً منذ عشرة أعوام ، و من المستحيل أن يخطئ تعرُّفه.. لقد عملا معاً فى صفوف (الموساد) ، لأكثر من ست سنوات ، قبل أن يتم إلحاقه هو بالقسم الدبوماسى ، و يتم نقل (راءول) إلى قسم العمليات الخاصة.. و لكنه ، و على الرغم من هذا ، لم يحاول مخالفة أوامر المدير.. لقد اندفع خارج مكتبه ، و هو يهتف بمساعده الأوَّل : - أحضر خمسة من أشد رجالنا ، و اتبعونى إلى حجرة الاتصالات المؤمَّنة.. لدينا أمر بإلقاء القبض على أدون (راءول) فوراً. تفجَّرت دهشة عارمة فى كيان مساعده ، و هو يهتف : - و لكن هذا مستحيل! قال الملحق العسكرى بكل الصرامة : - إنها أوامر (تل أبيب). قال المساعد فى توتر بالغ : - و لكن أدون (راءول) غادر السفارة ، منذ دقيقة واحدة. توقَّف الملحق العسكرى دفعة واحدة ، حتى أن توازنه كاد يختلّ ، قبل أن يلتفت إلى مساعده ، هاتفاً فى استنكار مذعور : - غادر السفارة؟!.. هل شاهدته بنفسك؟! تردَّد المساعد لحظة قصيرة ، ثم أجاب : - كان يخفى وجهه بوشاح ، و يسعل إلى حد ما ، و لكننى ميَّزت صوته جيداً ، و.. اتسعت عينا الملحق العسكرى ، و قاطع مساعده ، هاتفاً : - مستحيل!.. هل من الممكن أن... بتر عبارته بدوره ، و هو يندفع نحو حجرة الاتصالات ، فلحق به مساعده ، و هو يقول لاهثاً ، من فرط الانفعال : - ماذا هناك بالضبط؟! هتف الملحق العسكرى ، و هو يتجه نحو حجرة الاتصالات مباشرة : - أراهنك أنه كان يختلف. استرجع المساعد المشهد فى ذهنه ، و هو يقول ، فى تردُّد و توتر : - ربما.. لقد بدا أكثر طولاً ، و أوفر قوة ، و لكن.. حاول الملحق العسكرى أن يفتح باب حجرة الاتصالات المؤمَّنة ، و لكنه بدا موصداً فى إحكام ، فتراجع مقاطعاً مساعده ، و هاتفاً : - اكسر الباب. هتف مساعده فى ذعر : - باب حجرة الاتصالات المؤمَّنة؟!.. إننا لا نقترب حتى منها ، دون تصريح أو أوامر رسمية. صرخ الملحق العسكرى ، بكل عصبية و قوة و انفعال الدنيا : - اكسره. اندفع المساعد بكتفه ، و تحطَّم رتاج الباب ، و انفتح عن آخره فى عنف.. و وقف الرجلان ذاهلين.. الملحق العسكرى الإسرائيلى.. و مساعده.. لأنه هناك ، و حيث تركه (أدهم) ، كان رجل (الموساد) الإسرائيلى ملقى أرضاً ، فاقد الوعى.. أما (أدهم) ، فقد انصرف منتحلاً شخصيته.. انصرف بعد أن حصل على كل ما يحتاج إليه من معلومات.. أو ما أتيح منها على الأقل.. انصرف لينتقل من الدفاع إلى الهجوم.. و ليبدأ حربه.. الأخيرة.. * * * "هنا فى (واشنطن)..".. نطقها (سميث) فى انفعال شديد ، و هو يقف أمام (مولر) ، فى تلك الساعة المتأخرة ، داخل مكتب المخابرات الأمريكية فى (واشنطن) ، فقال هذا الأخير فى توتر : - تماماً كما توقَّعت أنت.. لم يحاول الهروب ، و إنما اقتحم ميدان المعركة فى انتحارية عجيبة ، و هاجم السفارة الإسرائيلية مباشرة ، و انصرف بمنتهى الجرأة ، قبل أن يدرك طاقم حراستها حتى وجوده ، كما أبلغنا عميلنا هناك. تألَّقت عينا (سميث) ، و هو يقول بنفس الانفعال : - إذن فهو هنا. قال (مولر) ، فى توتر أكثر : - هو ، و هو يعلم أن قوات (المارينز) تحاصر العاصمة كلها ، و كل رجل شرطة فيها يبحث عنه، و فريق من المخابرات يحمل (ريد آى) ، و يسعى خلفه فى كل ركن ، و من يدرى!.. ربما عرف هناك ، فى السفارة الإسرائيلية ، كل ما يحدث بالضبط. انعقد حاجبا (سميث) فى توتر مماثل ، و هو يقول : - المهم أنه هنا. لوَّح (مولر) بيده ، هاتفاً : - و ليس وحده.. رجالنا رصدوا وصول اثنين من رفاقه ، على متن الطائرة القادمة من (أمستردام) ، و التى انطلقت من (القاهرة) إلى (نيويورك) ، عبر (هولندا) ، فتاة و رجل بدين. تألَّقت عينا (سميث) على نحو أشد ، و هو يقول فى انفعال : - إذن فهما فى (نيويورك)؟! هزَّ (مولر) رأسه نفياً ، و هو يقول فى عصبية : - بل فى (واشنطن).. لقد استقلا طائرة من طائرات (يونايتد) ، فور وصولهما إلى (نيويورك) ، و رصد رجالنا وصولهما إلى هنا ، قبل نصف ساعة فحسب من منتصف الليل. بدا (سميث) شارداً يخاطب نفسه ، و هو يغمغم : - فتاة و رجل بدين؟!.. إنهما هما حتماً. و قبل أن ينظر إليه (مولر) متسائلاً ، أضاف فى لهفة : - هل يحملان جوازى سفر دبلوماسيين؟! هزَّ (مولر) رأسه نفياً مرة أخرى ، و أجاب فى حذر متسائل : - بل جوازين عاديين. سأله (سميث) فى لهفة أكثر : - و هل يقيمان فى مبنى السفارة المصرية؟! أجابه (مولر) ، و حذره و تساؤله يتزايدان : - بل فى منزل صغير ، فى نهاية شارع (بنسلفانيا) ، بالقرب من (يونيون ستاشين). بدا تألُّق عينى (سميث) أشبه بحجرتين من اللهب ، تطلان من منتصف وجهه ، و هو يقول : - عظيم. انعقد حاجبا (مولر) فى شدة ، و هو يهتف به فى حدة : - و لماذا يثيرك الأمر إلى هذا الحد؟! التفت إليه (سميث) ، مجيباً فى سرعة : - لأنهما ليسا زميلين عاديين.. إنهما ضمن الأربعة ، الذين حارب هو نفسه الدنيا كلها لاستعادتهم من قبل ، و لو راجعت ملف (أدهم صبرى) هذا ؛ لأدركت أن نقطة ضعفه الوحيدة تكمن فى ارتباطه الشديد بهذه الأنثى المصرية ، و ذلك البدين الشره. بدا الاهتمام الشديد على وجه (مولر) ، و هو يسأل : - و ماذا؟! أكمل (سميث) ، و كأنه حتى لم يسمعه : - و هذا يعنى أن أسهل وسيلة ، لدفعه إلى الظهور ، هى أن ننقض عليهما. و صمت لحظة ، قبل أن يرفع سبَّابته ، مضيفاً : - و بأكبر ضجة ممكنة. بدا التشكَّك على وجه (مولر) ، و هو يقول : - أتظنه من الحماقة ، بحيث يجازف بالظهور و الإعلان عن نفسه ، و هو يعلم أن (واشنطن) كلها تسعى خلفه ؛ لمجرَّد أننا نهاجمهما؟! ارتسمت ابتسامة واثقة ، على شفتى (سميث) ، و هو يقول : - لن يمكنه المقاومة. ثم شدَّ قامته ، مكملاً بمنتهى الثقة : - و سترى. كان ينطقها بمنتهى منتهى الثقة ، و لكن (مولر) عقد حاجبيه فى شك.. منتهى الشك.. * * * على الرغم من كونها ضابط مخابرات محترف ، يحمل رتبة متوسطة ، فى صفوف المخابرات المصرية ، بدت (منى) شديدة التوتر ، و هى تتابع الاتصالات المؤمَّنة ، عبر شبكة الإنترنت ، و تهتف بـ(قدرى) ، الذى انهمك فى إعداد شطيرة لحم ساخنة : - هل سافرنا كل هذا الوقت ، لتصنع شطيرتك ، أم لنسعى لمعاونة (أدهم)؟! واصل إعداد شطيرته فى عناية بالغة ، و هو يجيبها ، دون حتى أن يلتفت إليها : - و أين (أدهم) لنعاونه؟! هتفت فى حدة : - هذا ما أحاول معرفته. تطلَّع إلى شطيرته فى إعجاب واضح، ثم التهم منها قضمة كبيرة، راح يلوكها فى فمه بتلذُذ قائلاً: - ما دمت لا تجدين أية أخبار أو معلومات بشأنه ، فهو حتماً بخير. انعقد حاجباها ، و هى تقول محتدة : - و من أدراك؟! قضم قضمة كبيرة أخرى ، و هو يجيب ، بفم مملوء بالطعام : - (أدهم) ليس بالشخص العادى ، و لقد شاهدت بنفسك كيف استجوبنا رجال (المارينز) لنصف ساعة ، قبل أن يسمحوا لنا بدخول العاصمة ، و كيف استوقفتنا ثلاث دوريات شرطة على الأقل ، قبل أن نصل إلى هنا.. ألديك شك فى أن كل هذا من أجله. غمغمت فى عصبية : - ليس لدى أدنى شك فى هذا. قال و هو يتناول شطيرته فى استمتاع : - هل تتصوَّرين أن الظفر برجل مثله ، يمكن أن يتم فى هدوء ، و دون أن يشعر به أحد. أدركت مغزى كلامه ، فالتفتت إليه ، مغمغمة : - مستحيل! أشار إليها ، قائلاً : - بالضبط. و عاد يلتهم شطيرته بمنتهى الاستمتاع ، فى حين صمتت هى لحظات لهضم موقفه و منطقه ، قبل أن تقول فى توتر : - و لكن هذا لا ينفى أنه يتعرَّض للخطر. أشار بيده ، قائلاً : - بلا شك. ثم توقف فجأة عن التهام شطيرته ، و التقى حاجباه ، و هو يضيف ، فى توتر مباغت مفاجئ : - و كذلك نحن. انتبهت ، فى هذه اللحظة فقط ، إلى وقع الأقدام ، التى حاول أصحابها تخفيفها بقدر الإمكان ، و التى تتسلَّل إلى منزلهما الآمن.. أو تحيط به.. و فى خفة ، و على الرغم من توترها ، التقطت (منى) مسدسها ، و أشارت إلى (قدرى) بالصمت، و هى تتحرَّك بلا صوت ، نحو باب المنزل.. لم يكن هناك أدنى شك.. هناك من يتسلَّل إليهما.. فى خفة.. و هدوء.. و دقة.. و يقترب من الباب.. و النوافذ.. و السطح.. و.. و فجأة ، حدث الاقتحام.. عبر النافذة ، حطَّم رجلان متشحان بالسواد الزجاج ، و وثبا بوساطة حبلين قويين إلى الداخل.. و فى اللحظة نفسها ، اقتحم ثلاثة رجال الباب.. و كان الخمسة يخفون وجوههم بأقنعة سوداء سميكة ، لا تُظهر سوى عيونهم ، و يحملون مدافع آلية قوية.. و سقطت الشطيرة من يد (قدرى) ، و هو يتراجع فى ذعر.. و انقضت (منى).. بوثبة قوية ، ركلت المدفع الآلى ، من يد أقرب الرجال إليها ، ثم دارت حول نفسها فى رشاقة ، و ركلت الثانى فى فكه ، فأطاحت به فى عنف.. و لكن الثالث انقضَّ عليها فى براعة ، و ضرب صدرها بكعب مدفعه ، فى قوة شديدة ، فأسقطها أرضاً ، فى نفس اللحظة التى لكم فيها آخر (قدرى) ، الذى سقط كجوال من حجر ، دون أن يطلق سوى آهة مكتومة ضعيفة.. و قاومت (منى).. قاومت و قاومت.. و قاومت.. و لكن ثلاثة رجال أشداء أقوياء أمسكوا بها ، و سيطروا عليها ، و جذبها أحدهم من شعرها فى قوة ، و هو يقول فى شماتة : - خسرت أيها المصرية.. لم يكن لك أدنى أمل منذ اللحظة الأولى ، و أنتِ تواجهين خمسة من أفضل رجال القوات الخاصة. هتفت ، و هى تواصل المقاومة فى استماتة : - إننى أفضل الموت. أستل الرجل خنجراً حاداً ماضياً ، و هو يقول فى شراسة : - فليكن. و هوى بخنجره.. بمنتهى القوة.. * * * |
الساعة الآن 04:15 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية