منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   رجل المستحيل (https://www.liilas.com/vb3/f156/)
-   -   العدد 159 الهجوم بصيغة word (https://www.liilas.com/vb3/t103233.html)

vueleve 22-01-09 03:18 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mostafaageg (المشاركة 1830100)
شيءمذهل ؛ الموضوع أتثبت قبل ما يكمل:dancingmonkeyff8:

ألف شكر ليكى يا أخت vueleve

اكيد يتثبت

كلنا على نار عايزين نقرأ القصة:dancingmonkeyff8:

mostafaageg 22-01-09 03:30 AM

3- النيران

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من الضجيج الهائل ، الذى ساد المنطقة بأكملها ، بدا رجل المخابرات البريطانى سير (ويليام) هادئاً ، إلى درجة البرود ، و هو يقتحم منطقة القتال ، مع مساعده (جون) ، قائلاً لقائد (المارينز) :
- أيوجد من يمكنه يشرح لى ، أية حماقة تلك التى ترتكبونها؟!
احتقن وجه قائد (المارينز) من شدة الغضب ، و هو يصرخ فيه :
- من أنت يا صاحب اللكنة البريطانية العفنة ، و من سمح لك بالدخول إلى هذه المنطقة المحظورة.
شعر (ويليام) بغضب هائل ، يشتعل فى أعماقه ، مع ذلك الأسلوب الفظ ، الذى وصف به قائد (المارينز) لكنته ، و همَّ (جون) بالاندفاع نحوه ، و لكن سير (ويليام) استوقفه ، و هو يقول بنفس البرود ، الذى أضيفت إليه صرامة واثقة قوية :
- رئيسك سمح لى بهذا.
هتف به الرجل :
- مستحيل.. قائد (المارينز) يعلم جيداً أننا..
قاطعه (ويليام) فى صرامة :
- أعنى رئيسه أيضاً.
تساءل القائد فى حذر قلق :
- أتعنى وزير الدفاع؟!
شدَّ (ويليام) قامته ، و هو يقول فى حزم شديد الصرامة :
- بل أعنى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
نطقها فى لهجة ، لم تترك لدى قائد (المارينز) ذرة من الشك فى صدقه ، فانخفض صوته كثيراً ، و هو يقول :
- و ما الذى تريده من هنا؟!
أجابه مشيراً إلى المنزل حيث يدور القتال فى عنف :
- أن توقفوا هذه الحماقة.. فوراً.
صعق قائد (المارينز) بالأمر ، الذى أصدره (ويليام) بكل هذه الصرامة ، و حدَّق فى وجهه لحظات فى ذهول ، قبل أن يهتف :
- مستحيل!
سأله (جون) هذه المرة فى حدة :
- و لماذا مستحيل؟!.. ألا يطيع رجالك أوامرك ، عندما تأمرهم بإيقاف قتال ما؟!
قال القائد فى عصبية :
- و ماذا عن الطرف الآخر.. هل سيطيع أوامرى أيضاً؟!
قال (ويليام) فى سرعة :
- الطرف الآخر لا يرغب فى القتال.
سأله القائد معترضاً ، فى عصبية أكثر :
- و من أدراك؟!
زمجر (ويليام) ، قبل أن يجيب :
- لو أنك قرأت ملفه ، كما فعلت أنا ؛ لأدركت أنه لا يميل إلى القتل أو إراقة الدماء ، إلا لو حتمت الضرورة هذا ، و للدفاع عن حياته أو ما يؤمن به فحسب ، و لو توقَّف رجالك عن إطلاق النار ، فسيتوقَّف بدوره فوراً.
حدَّق قائد (المارينز) فى وجهه ، كما لو أنه يتطلَّع إلى مجنون ، و هتف مستنكراً :
- هذا الذى تقول أنه يبغض القتال يقاتل كجيش من الوحوش ، فكيف يمكنك إقناعى بما تقول؟!
مرة أخرى همَّ (جون) بالتدخُّل ، و لكن (ويليام) سبقه ، و هو يقول فى صرامة غاضبة :
- كنت أحاول أن أؤمن لك انسحاباً مشرفاً.
عاد حاجبا قائد (المارينز) يتعقدان ، و هو يقول متسائلاً ، فى استنكار أكثر :
- ماذا تعنى بهذا؟!
عقد سير (ويليام) ساعديه أمام صدره ، قائلاً :
- سترى.
لم يكد ينتهى من نطق كلمته ، أو ربما حتى قبل أن تكتمل ، دوى انفجار آخر أكثر عنفاً ، داخل ذلك المنزل..
انفجار أطاح بجدار المطبخ كله تقريباً ، و أطلق معه سحابة هائلة ، من الدخان العنيف ، الذى أصاب عيون الجميع بالالتهاب..
و من داخل المنزل ، راح رجال (المارينز) يندفعون خارجاً ، و بعضهم يحمل زميلاً ، أصابه الاختناق من الدخان ، أو لامسته بعض الشظايا..
و بكل حنقه و غضبه ، صرخ فيهم القائد :
- لا تراجع أو استسلام.. عودوا إلى الداخل.. أريد هذا الشيطان.
صاح به أحدهم :
- الرؤية منعدمة تماماً فى الداخل.. لا يمكنك أن تقاتل من لا تراه.
هتف آخر :
- و البعض مصابون بالاختناقات أو الجروح ، و يحتاجون إلى إسعاف عاجل.
و دون حتى إشارة من القائد ، اندفعت سيارة الإسعاف نحو المصابين ، و قفز منها المسعفون مع أجهزة التنفس ، و راحوا يسعفون المصابين ، و ينقلون بعضهم إلى السيارة ، التى انطلقت بأقصى سرعتها ، و القائد يصرخ فى رجاله :
- لا تبتعدوا.. حاصروا المنزل.. سنرصد موقعهم عبر حرارة جسديهما ، و سنسحقهما سحقاً.
أسرع مسئول الرصد الحرارى يرصد كل ما بقى داخل المنزل ، ثم قال فى تردُّد ، و هو يشير إلى موقع المطبخ :
- ما زالا هناك ، و لكن..
هتف به القائد فى عصبية :
- و لكن ماذا؟!
أجابه فى شيء من القلق :
- يبدو أنهما قد فقدا الوعى.
أشار القائد إلى رجاله ، هاتفاً :
- هذا يمنحنا نقطة تفوق.. ارتدوا الأقنعة الواقية ، و أحضروهما يا رجال.
و بينما يندفع فريق من رجاله ، بأقنعته الواقية ، نحو المنزل ، التفت القائد فى شماتة إلى سير (ويليام) ، قائلاً :
- أظن أن الأمر قد انتهى هنا.
عقد سير (ويليام) ساعديه أمام صدره ، و هو يقول فى صرامة ، مكرراً كلمته الاستفزازية :
- سنرى.
رمقه القائد بنظرة حاقدة ، ثم شدَّ قامته على نحو عسكرى محض ، و التفت إلى المنزل ، منتظراً عودة رجاله ، دليلاً على نجاحه و انتصاره..
و لم تمض لحظات ، حتى عاد الرجال بالفعل..
و لم يكد يراهم ، حتى التفت القائد إلى سير (ويليام) مرة أخرى بنظرة شامتة ، خاصة و أن رجاله عادوا برجلين فاقدى الوعى ، فهتف بهم :
- عظيم يا رجال.
هتف به أحدهم فى عصبية :
- و لكنهما ليسا من نبحث عنهما.
و قبل أن يسأله القائد عما يعنيه ، هتف ثان :
- إنهما (ألبرت) و (كواليسكى).
اتسعت عينا القائد فى ذهول غاضب مشتعل ، مع سماعه اسمى اثنين من رجاله ، و التفت بحركة حادة إلى سير (ويليام) ، الذى ابتسم هذه المرة فى شماتة متعمَّدة ، و هو يقول :
- لقد حذَّرتك.
أشعلت الكلمة غضب قائد (المارينز) ألف ألف مرة ، و احتقن وجهه حتى بدا أشبه بكتلة من الدم، قبل أن يلتفت إلى رجاله ، صارخاً :
- ابحثوا عنهم فى أى مكان.
ابتسم سير (ويليام) فى سخرية ، و قال :
- لا فائدة.. رجلاك بملابسهما الداخلية ، و هذا يعنى أن بعضهم ارتدى ثيابهما.
هتف القائد فى عصبية :
-أتعنى أنهما يندسان بين رجالى الآن؟!
أشار (ويليام) بإبهامه خلف ظهره ، قائلاً :
- بل أعنى أنهما قد انصرفا من هنا ، تحت سمعكم و أبصاركم ، فى سيارة إسعاف ، انطلقت كالصاروخ.
اتسعت عينا القائد عن آخرهما ، حتى كادتا تقفزان من محجريهما ، و امتقع وجهه هذه المرة فى شدة ، و ارتجفت شفتاه ، دون أن ينبس ببنت شفة..
لقد فعل (أدهم) ما لم يفعله أى مخلوق حى من قبل..
لقد هزم وحده فرقة كاملة من قوات (المارينز)..
هزمها تماماً..


* * *

"توقَّف.."..
نطق (أدهم) الكلمة بالإنجليزية ، و فى صرامة قاسية ، أدهشت سائق سيارة الإسعاف ، و المسعف الذى يجلس إلى جواره ، و الذى أساء فهم الموقف كله ، فحاول أن يعيد (أدهم) إلى مقعده ، مغمغماً :
- أهدأ يا رجل (المارينز).. سنبذل قصارى جهدنا لإسعاف زميلك ، و..
نهض (هشام) فى هذه اللحظة ، و نزع قناع الأكسجين عن وجهه ، قائلاً :
- لا تقلق نفسك.. لست بحاجة إلى إسعاف فى الواقع.
هب المسعف من مكانه ، صارخاً :
- و لكن كيف..
لم يستطع إتمام عبارته ، لأن قبضة (أدهم) أخرسته بقنبلة مباشرة فى أسنانه ، طار معها جسده ، ليرتطم بمؤخرة صندوق السيارة ، و يسقط مرتطماً ببعض الأدوات داخلها..
و لم يكد السائق يرى ما حدث ، حتى ضغط فرامل السيارة بكل قوته ، و وثب منها ، و انطلق يعدو مبتعداً ، و كأن وحوش الأرض تطارده..

"ما زلت لا أصدق أنك قد فعلتها!!.."..
هتف (هشام) بالعبارة ، و هو يثب من مكانه فى انفعال شديد ، فأجابه (أدهم) فى حزم ، و هو ينزع عنه ثياب قوات (المارينز) فى سرعة :
- المهم أن تتعلَّم الدرس.
و بدأ ينزع ثياب المسعف ، مستطرداً :
- هناك دوماً وسيلة ما.
قال(هشام) ، و هو عاجز عن كتمان انبهاره :
- و لكن ما فعلته ليس مجرَّد وسيلة.. إنه معجزة.. لقد كنا محاصرين تماماً و لم يكن معنا سلاح واحد ، و ليست هناك وسيلة منطقية واحدة ؛ لخروجنا من هذا الموقف على قيد الحياة ، فما بالك بخروجنا ظافرين ، دون خدش واحد.
قال (أدهم) فى صرامة ، و هو يرتدى ثياب المسعف :
- هناك دوماً وسيلة.
هتف (هشام) بكل انفعاله :
- وسيلة مذهلة.
رمقه (أدهم) بنظرة جانبية ، وقال :
- هناك درس جديد ، ينبغى أن تتعلَّمه... أن تسيطر على انفعالاتك دوماً.. لا تنبهر بما تراه أو بما يحدث ، و لا تجعل الخوف يشل تفكيرك فى الوقت ذاته.. فعندما تخاف ، تنقطع الصلة فى أعماقنا بين المنطق و المواجهة الفعلية ، و لكن لو أمكنك السيطرة على أعصابك و انفعالاتك ، فسترى الصورة فى إطار مختلف ، و لأدركت أنه حتى الوحوش و العمالقة ، لهم نقطة ضعف دوماً ، و أن البقاء ليس أبداً للأكثر قوة أو ضخامة ، و إلا لحكمت الديناصورات الأرض.
و مال نحوه ، و هو يشير إلى رأسه ، مستطرداً :
- القوة الحقيقية تكمن هنا.
أشار (هشام) إلى عضلات ذراعه ، و هو يقول فى خفوت :
- و ماذا عن هنا؟!
اعتدل (أدهم) ، قائلاً فى حزم :
- لا نستطيع إهمال القوة ، و لكنها قد تتحوَّل إلى محفز ضخم للحماقة ، لو غاب عنها العقل.
حاول (هشام) أن يلقى سؤالاً آخر ، و لكن (أدهم) قاطع تفكيره ، و هو يتابع بلهجة آمرة :
- و الآن ستكمل لعب دور جندى (المارينز) المصاب.
سأله فى لهفة :
- و ماذا عنك؟!
اتجه (أدهم) مباشرة إلى مقعد القيادة ، و هو يجيب :
- سأقود..
و انطلق بسيارة الإسعاف ، و هو يطلق سارينتها...
بمنتهى القوة..


* * *


مرَّر الكولونيل (سميث) سبَّابته على الخريطة الكبيرة ، لشرق الولايات المتحدة ، و التى ظهرت على شاشة رقمية ضخمة ، فى حجرة اجتماعات خاصة ، داخل مبنى المخابرات المركزية الأمريكية فى (واشنطن) العاصمة ، و هو يقول لرئيسه (مولر) فى توتر ملحوظ :
- لقد انطلق بسيارة الإسعاف فى هذا الاتجاه ، و آخر ما بلغنا ، منذ عشر دقائق فحسب ، هو أنه قد استولى عليها ، مرتدياً زى (المارينز) مع زميله.
غمغم (مولر) فى سخط :
- لا يمكنهما أن يبتعدا كثيراً ، فى هذا الزى.
التفت إليه (سميث) ، فى شيء من الدهشة ، قبل أن يعتدل إلى الشاشة الرقمية ، قائلاً :
- سيتخلصان منه حتماً ، عند أوَّل فرصة.
مطَّ (مولر) شفتيه ، و كأنما لم يرق له ألا ينتبه إلى نقطة بسيطة كهذه ، أو لأن (سميث) قد نبهه إليها ، و قال فى عصبية :
- سيارة الإسعاف مسجَّلة ، و يمكننا تعقبها فى سهولة.
قال (سميث) ، و هو ينقر موضعاً من الشاشة الرقمية ، و دون أن يلتفت إليه هذه المرة :
- سيتخلصان منها أيضاً.
تضاعف حنق (مولر) ، و هو يهتف :
- أتريد أن تقول : إننا قد نفقد أثرهما إلى الأبد ، بعد كل هذا؟!
اعتدل (سميث) ، و هو يقول :
- ليس بعد.
تعاظم جزء من الخريطة ، مع نقرات سبَّابته ، ليملأ الشاشة الرقمية كلها ، مع متابعته :
- النقطة التى استولى على سيارة الإسعاف منها ، تتوسَّط هذه المساحة ، و لقد قمنا بتأمين كل الطرق المؤدية منها و إليها ، و الكل لديهم نسخة من (ريد آى) ، مع صورته الرقمية ، مع أوامر بإطلاق النار فور رؤيته.
راجع (مولر) الخريطة ببصره ، قبل أن يقول :
- أتعلم ما يعنيه هذا؟!
أجابه فى اهتمام :
- ماذا؟!
قال (مولر) ، و هو يلوِّح بيده فى حدة :
- يعنى أن خطة التحالف قد انهارت من أساسها.
صدمت العبارة (سميث) ، و جعلته يقول فى حدة مماثلة :
- ليس بهذه البساطة.
قال (مولر) ، و كأنه يتحداه :
- كانت الخطة تعتمد على ألا نهاجمه إلا فى اللحظة المناسبة ، و ها هو ذا القتال يدور علانية ، بالقرب من البيت الأبيض نفسه.
قال (سميث) ، بنفس النبرة المتحدية :
- الخطة تعتمد على مهاجمته هنا ، فى الولايات المتحدة ، و هذا ما حدث بالفعل.
قال (مولر) فى صرامة :
- قبل الموعد المتفق عليه.
تراجع (سميث) ، و تطلَّع إليه فى شيء من الدهشة و الاستنكار ، و هو يقول فى صرامة أكثر :
- معذرة يا مستر (مولر) ، و لكن فى أى جانب أنت.
هتف (مولر) فى سرعة :
- جانبنا بالطبع.
غمغم (سميث) :
- تصوَّرت أنك مبهور بالخصم.
احتقن وجه (مولر) فى غضب ، و لكنه لم يحاول مواصلة النقاش ، و إنما تجاوزه قائلاً ، فى شيء من الحدة :
- و هل تتوقَّع أن يكمل طريقه إلى (واشنطن) ، أم يبتعد عنها؟!
صمت (سميث) تماماً ، أمام هذا السؤال ، و حدَّق فى وجه (مولر) لحظات ، و كأن هذا الأخير قد ألقى أصعب أسئلة الدنيا ، قبل أن يجيب فى حذر :
- و سيكون أكثر أهل الأرض حماقة لو فعلها ، و هو يعلم أن كل شرطى فى (واشنطن) يبحث عنه.
غمغم (مولر) :
- لو أننى فى موضعه ، لاتجهت غرباً ، إلى (وست فرجينيا).
سأله (سميث) ، فى اهتمام شديد :
- أهذا ما يبدو لك أكثر منطقية؟!
أجابه (مولر) فى ثقة :
- بالطبع.
اعتدل (سميث) ، قائلاً :
- إذن فلن يفعله.
شعر (مولر) و كأن العبارة صفعة قاسية ، هوت على وجهه بمنتهى العنف ، و حدَّق فى (سميث) مستنكراً ، على نحو جعل هذا الأخير يقرأ ما يدور فى ذهنه ، فأستدرك فى سرعة :
- ملفه يقول : إنه يفعل دوماً ما لا يتوقعه الآخرون.
هتف (مولر) :
- أتعنى أنه سيكون من الحماقة ، حتى يدخل (واشنطن) ، فى ظل هذه الظروف.
أشار (سميث) بسبَّابته ، قائلاً :
- و سيحاول استغلالها لصالحه أيضاً.
حدَّق (مولر) فى وجهه لحظات مستنكراً ، قبل أن يهز رأسه فى قوة ، هاتفاً فى غضب :
- لست أصدق ما تفكِّر فيه.
مال (سميث) نحوه مرة أخرى ، و قال فى حزم :
- سنرى..
نعم.. الجميع سيرون..
سيرون ما لا يتوقعونه..
قط..

* * *

استبدل (هشام) ثياب (المارينز) فى سرعة ، بثياب المسعف الاحتياطية ، التى وجدها فى سيارة الإسعاف ، و هو يقول لـ(أدهم) :
- ليس من السهل أن نسير فى الشارع بهذه الملابس.
أجابه (أدهم) ، و هو ينتقى بعض أجهزة و أدوات الإسعاف من السيارة :
- فى (أمريكا) ، يمكنك أن ترتدى ما يحلو لك ، و لن يسألك مخلوق واحد عما تفعله.
قال (هشام) فى توتر :
- و لكن آخر ما نحتاج إليه هو لفت الانتباه ، فى موقعنا الحالى.
غمغم (أدهم) ، و هو يقفز خارج السيارة :
- أعلم هذا.
قفز (هشام) خلفه ، و تلفَّت حوله ، مغمغماً :
- أظن أنه ينبغى أن نتحاشى رجال الشرطة ، فهم حتماً يبحثون عنا ، فى هذه المنطقة من ضواحى (واشنطن).
صمت (أدهم) لحظات مفكراً ، قبل أن يغمغم :
- و ربما لا.
لم يفهم (هشام) ما يعنيه ، فالتفت إليه متسائلاً :
- ربما لا ماذا؟!
التفت إليه (أدهم) ، قائلاً :
- الناس هنا تحب رجال الشرطة و تحترمهم ، و هذا يدفعهم نفسياً و غريزياً إلى الثقة فيهم.
هزَّ (هشام) رأسه فى حيرة ، و قال :
- ما زلت أجهل ما تقصده!
أشار (أدهم) إلى سيارة شرطة ، تقف على بُعد مربعين سكنيين ، قائلاً :
- هل ترى هذه السيارة هناك؟!.. ستتجه إليها مباشرة ، و تنفذ ما آمرك به بالضبط.
اتسعت عينا (هشام) و هو يقول :
- أنا؟!.. هل تريد منى أن أتجه نحو سيارة شرطة ، يبحث راكبوها عنا حتماً ، و...
قاطعه (أدهم) بمنتهى الصرامة :
- و تنفذ ما سآمرك به.. فوراً..
لم تمض لحظات على قوله هذا، حتى كان (هشام) يندفع نحو سيارة الشرطة، هاتفاً فى انزعاج :
- النجدة.. أريد مساعدة.. لقد هاجمنا سارق ، و صديقى فاقد الوعى هناك.. النجدة.
غادر أحد الشرطيين السيارة مكانه فى سرعة، و أشار إلى زميله بالبقاء، و هو يسأل فى اهتمام :
- أين هو؟!
أسرع (هشام) يعدو إلى الناصية القريبة ، هاتفاً :
- هناك.
لحق به الشرطى الأوَّل مسرعاً ، و يده تمس مقبض مسدسه فى حذر ، فى حين بقى الثانى ليجرى اتصالاته ، و عيناه تراقبان زميله ، الذى اختفى هناك ، عند ناصية المبنى ، و غاب لعدة دقائق ، شعر أنها طالت أكثر مما ينبغى ، فضغط زر الاتصال بجهاز اللاسلكى المحدود ، المعلَّق بحزام زميله ، متسائلاً :
- (كارل).. أين أنت؟!
أتاه صوتاً مشوَّشاً ، يقول :
- هنا.. لا تقلق.. الأمر لا يحتاج حتى إلى إسعاف.. لقد عالجت كل شيء ، و أنا فى طريق العودة.
لم يرفع الشرطى الثانى بصره عن الناصية ، حتى لمح زميله يدور حولها ، عائداً إليه ، و..
و لكن مهلاً..
إنه يبدو أطول قامة ، و أعرض كتفين ، و أشد قوة..
و بحركة سريعة ، تدرَّب عليها طويلاً ، وثب الشرطى من سيارته ، و سحب مسدسه ، يصوِّبه إلى رأس القادم مباشرة ، و الذى لم يعد يبعد عنه سوى أربعة أمتار فحسب ، و صاح فى صرامة عصبية :
- من أنت؟!.. قف و إلا..
و قبل حتى أن يكمل صيحته ، كانت سبَّابته تضغط زناد مسدسه ، و فوهته مصوَّبة نحو رأس ذلك الذى ينتحل هيئة زميله..
مباشرة..


* * *

mostafaageg 22-01-09 04:01 AM

4- بصفة رسمية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تستطع دونا (كارولينا) حتى أن تبتسم ، و هى تستقبل (سونيا جراهام) ، فى جناحها الفاخر ، فى ذلك الفندق الذى تمتلكه (المافيا) فى حى (منهاتن) ، أشهر أحياء ولاية (نيويورك) و أكثرها فخامة ، و لم تستطع حتى منع حركة شفتيها ، التى تشف عن الامتعاض ، و هى تقول :
- إذن فقد نجحت لعبتنا!
لم تحاول (سونيا) بدورها مصافحتها ، و هى تتخذ أفضل مقعد فى المكان ، و تشعل واحدة من سجائرها الرفيعة ، بقدَّاحتها الذهبية الخاصة ، قائلة :
- لو أنك تعتبرينها مجرَّد لعبة.
نقلت (تيا) بصرها بينهم فى حذر ، قبل أن تقول :
- الحياة كلها مجرَّد لعبة كبيرة.
رمقتها (سونيا) بنظرة مقت جانبية ، قائلة :
- عجباً!!.. كنت أظنها مجرَّد مسرح كبير ، كما قال (شكسبير).
تراجعت (تيا) ، و بادلتها نظرة المقت ، قبل أن تقول فى استهتار :
- أنت على حق.. لا ينبغى أن أدس أنفى فى شئون الكبار.
قالت (سونيا) فى صرامة :
- بالضبط.
بدت دونا (كارولينا) شديدة العصبية ، و هى تقول لـ(تيا) :
- اتركينا وحدنا.
ابتسمت (تيا) ابتسامة شبه ساخرة ، على نحو لم يرق للاثنين ، قبل أن تنحنى على نحو مسرحى مستفز ، و هى تقول :
- بالتأكيد.. اسمحا لى.
انسحبت متراجعة إلى الخلف ، كما كانوا يفعلون قديماً ، مع الملوك و الأباطرة ، فغمغمت (سونيا) بعد انصرافها :
- حقيرة.
تمتمت دونا فى عصبية ، و هى تشعل واحدة من سجائرها الملوَّنة ، التى تحمل اسمها بحروف ذهبية :
- لقد أطلقت سراحك على الأقل.
التفتت إليها (سونيا) بحركة حادة ، قائلة :
- الأمريكيون كانوا سيفعلونها ، إن عاجلاً أو آجلاً.
نفثت دونا دخان سيجارتها ، و هى تقول ، بنفس العصبية :
- أشك.
مالت (سونيا) نحوها ، و نفثت دخان سيجارتها فى وجهها ، قائلة فى لهجة أقرب إلى التحدى :
- هذا لأنك تفهمين فى أعمال المنظمات ، بأكثر مما تعنين طبيعة السياسة و متغيراتها.
انعقد حاجبا دونا (كارولينا) ، و هى تقول فى صرامة :
- يبدو أنك نسيت أنك فى مقرى.
أشارت إليها (سونيا) ، قائلة :
- بإرادتك و ليس بإرادتى.
قالت فى حدة :
- لو أردت ، لأمرت رجالى بقتلك فوراً.
ابتسمت (سونيا) فى سخرية ، قائلة :
- و لكنك لن تفعلى.
ثم مالت نحوها أكثر ، حتى كادت تلتصق بها ، و هى تضيف :
- لأنك تحتاجين إلىّ.
رمقتها دونا بنظرة محنقة ، و توسدت أريكة أنيقة فى مواجهتها ، و هى تنفث دخان سيجارتها الملوَّنة ، قائلة :
- هناك مثل يقول : لا يوجد من لا يمكن الاستغناء عنه.
قالت (سونيا) بسرعة :
- بالضبط.
ثم أضافت فى خبث :
- حتى أنت يا دونا.
انعقد حاجبا دونا (كارولينا) فى حدة ، و هى تقول :
- الأمور عندنا تختلف ؛ فهى سلسلة وراثية ، يستحيل أن تنفصم ، إلا مع نهر من الدم.. (المافيا) منذ الأزل مقسَّمة إلى عائلات ، يحكم كل عائلة منها زعيم ، يدين له الكل بالطاعة و الولاء ، و دوماً هناك زعيم للزعماء ، فى تسلسل قيادى لم ينفصم ، منذ بدايات القرن العشرين ، و هذا الزعيم هو الأب الروحى للمنظمة كلها.
قالت (سونيا) فى سخرية :
- إذن فأنت تلعبين الآن دور الأب الروحى.
شدَّت دونا (كارولينا) قامتها فى اعتداد ، و هى تقول :
- أنا الوحيدة الباقية ، من سلالة دون (كيرليونى) ، أعظم أب روحى عرفته (المافيا) فى تاريخها كله.
شعرت (سونيا) بالملل ، من استمرار هذا الحوار ، فقالت فى صرامة ، لتحويل دفة الحديث إلى اتجاه عملى :
- لست أظنك قد بذلت كل هذا الجهد لإطلاق سراحى ، لنتحدث معاً عن تاريخ عائلتك فحسب!
لم يرق هذا الأسلوب لدونا ، التى اعتادت الزعامة و المهابة ، فقالت فى صرامة :
- لقد أحضرتك هنا من أجل (أدهم).
اعتدلت (سونيا) فى اهتمام ، متسائلة ، و نبرة القلق تفصح عن نفسها فى صوتها الناعم :
- ماذا عنه؟!
سألتها دونا بلهجة الزعامة :
- أخبرينى أوَّلاً : أأنت إلى جانبه ، أم تقفين فى وجهه؟!
كان سؤلاً حاسماً مباشراً ، أدركت (سونيا) أنه سيحدِّد مصيرها تماماً ، فى هذه اللحظة..
و كان عليها أن تستنبط فى أى اتجاه تنطلق دونا (كارولينا) و منظمتها..
مع (أدهم)..
أم ضده؟!..
هذا هو السؤال..
العسير..
للغاية..


* * *


قبل أن تكتمل ضغطة ذلك الشرطى فى (واشنطن) ، على زناد مسدسه ، و ربما لجزء من الثانية ، سمع صوتاً من خلفه ، يقول فى هدوء :
- هل ستطلق النار على زميل؟!
استدار الشرطى فى سرعة ، ليواجه ذلك القادم ، و لكنه فوجئ به على قيد خطوة واحدة منه ، و رأى قبضته تندفع نحو فكه كالقنبلة..
و كان هذا آخر ما رآه..
فقد أظلمت الدنيا بعدها بالنسبة إليه تماماً..
و فى توتر شديد ، خلع (هشام) قبعة رجل الشرطة التى يرتديها ، و قال :
- تصوَّرت لحظة أنه..
قاطعه (أدهم) فى صرامة :
- ينبغى أن تتروَّى.
قال (هشام) :
- أتحدَّث عن لحظة..
أجابه (أدهم) ، و هو ينزع ثياب الشرطى ، و يرتديها فى سرعة :
- العالم كله يمكن أن يتغيَّر فى لحظة واحدة.
راقبه (هشام) بضع لحظات فى صمت ، و هو يرتدى زى الشرطى ، ثم غمغم فى ضيق :
- أشعر معك و كأننى مجرَّد طالب صغير.
أجابه (أدهم) ، و هو يدس مسدس الشرطى فى جرابه :
- أنت كذلك بالفعل.
انعقد حاجبا (هشام) فى ضيق ، فأكمل (أدهم) فى صرامة :
- و إلا ما كان هناك سبب لوجودى هنا ، و مواجهتى لكل هذه المخاطر.
حدَّق فيه (هشام) لحظة فى دهشة ، قبل أن يغمغم :
- أنت على حق.
أشار إليه (أدهم) ، قائلاً :
- و الآن هيا إلى السيارة ، لابد و أن نتحرَّك فوراً ، فكل دقيقة لها ثمنها ، من الآن فصاعد.
دلف (هشام) إلى السيارة ، و (أدهم) يدير محركها ، و قال :
- أنت على حق.. لابد و أن نبتعد عن (واشنطن) بقدر استطاعتنا.
أجابه (أدهم) ، و هو ينطلق بالسيارة :
- خطأ.. سندخل إلى قلب (واشنطن).
هتف (هشام) فى انزعاج :
- و أنت تعلم أن كل رجل أمن فيها يبحث عنا.
أجابه (أدهم) فى صرامة ، و هو يغوص بسيارة الشرطة ، فى عمق العاصمة الأمريكية :
- لن يمكننا الفرار إلى الأبد ، و كل القوى تطاردنا على هذا النحو ، ثم أن موقف الإسرائيليين من اللعبة كلها يثير حيرتى بشدة ، و يطرح فى أعماقى ألف سؤال و سؤال.
غمغم (هشام) ، فى حذر و توتر :
- لذا...
أجابه بمنتهى الحزم و الحسم :
- لذا ، فسأنتقل من مرحلة الفرار ، إلى مبدأ (نابليون).
ردَّد (هشام) فى حذر :
- (نابليون بونابرت)؟!
أومأ (أدهم) برأسه إيجاباً ، و أجاب :
- نعم.. سننتقل إلى خير وسيلة للدفاع.
و حملت كلماته كل حسم الدنيا ، و هو يضيف :
- إلى الهجوم.
و واصلت السيارة انطلاقها ، فى قلب (واشنطن)..
فى قلب الخطر..


* * *


"مستحيل!.."..
هتف (راءول) بالكلمة فى انزعاج حقيقى ، و هو يحدِّق فى وجه (سميث) ، قبل أن يستطرد فى توتر :
- (سونيا جرهام) نجحت فى الفرار من سجنكم الحصين؟!
انعقد حاجبا (سميث) ، و هو يقول فى غضب :
- أهذا كل ما أثار انزعاجك ، من كل ما أخبرتك به.. قلت لك : إن (أدهم صبرى) خرج سالماً ، من قتاله مع قوات (المارينز) ، فخر الجيوش الأمريكية ، و أنه هناك احتمال كبير أن يكون هنا ، فى (واشنطن) ، و ربما على مسافة كيلومتر واحد من البيت الأبيض ، أو فى شارع (بنسلفانيا) نفسه ، و أن أحد رجال المخابرات السوفيتية ، الذى يتعاون مع الجنرال (ماليكوف) قد اختفى تماماً فى قلب (سيبيريا) ، دون أن يترك خلفه أدنى أثر ، فتبدى انزعاجك الشديد من فرار (سونيا جراهام).
سأله (راءول) فى صرامة :
- ألا يزعجك هذا بشدة؟!
أجابه فى عصبية :
- بلى ، و لكن بترتيب الأولويات...
قاطعة فى حدة :
- بترتيب الأولويات ، ينبغى أن يكون فرارها على المقدِّمة.
سأله (سميث) فى دهشة :
- لماذا؟!
نعم.. لماذا؟!..
هذا هو السؤال ، الذى يستحيل أن يجيب عنه (راءول) فى صرامة و وضوح..
ففرار (سونيا) ، كان الشيء الوحيد ، الذى لم يضعه فى اعتباره قط..
لقد طلب من (تيا) أن تغرى دونا (كارولينا) بمحاولة تهريبها ؛ لثقته الشديدة فى مناعة سجنها ، و فى أن محاولة الفرار ستؤدى إلى مقتل (سونيا) ، و (تيا) ، و ربما تدمير دونا (كارولينا) و منظمتها أيضاً..
حتى (فرتيواليتى) أكَّد أن هذا هو الاحتمال الأعظم..
و لكن الكمبيوتر العملاق أخطأ هذه المرة..
ربما لأن (راءول) لم يكن يعرف الإمكانيات الحقيقية لدونا (كارولينا)..
أو لـ(تيا)..
أو لأنه هناك جهة أخرى ساعدتهما على تجاوز كل العقبات..
جهة أمريكية..
و ربما رسمية أيضاً..
ربما..

"لم تخبرنى لماذا؟!.."..
كرَّر (سميث) سؤاله فى إلحاح..
و مرة أخرى ، حدَّق فيه (راءول) فى صمت..
هروب (سونيا) يمثل الخطر ، الذى حاول تحاشيه بدفعها إلى محاولة ، ستؤدى حتماً ، و كما أكَّد (فرتيواليتى) إلى قتلها..
هروبها يعنى أن تحاول استعادة قوتها..
و مكانتها..
و سلاحها..
سلاحها الذى لو أكملت معادلته الناقصة ؛ لأصبحت بواسطته سيِّدة العالم أجمع..
و هذا ما لا يمكن أن يسمح به..
أو تسمح به (إسرائيل)..
فلو أن هناك زعيمة جديدة للعالم ، فهى (إسرائيل)..
أو لا أحد..

"هل سأنتظر دهراً؟!.."..
قالها (سميث) بنفاد صبر واضح ، جعل (راءول) يقول فى سرعة :
- (أدهم).
غمغم (سميث) فى دهشة :
- أحدثك عن (سونيا).
قال (راءول) فى حدة :
- هروبها يعنى قوة إضافية له.
هتف (سميث) ، بكل دهشة الدنيا :
- (سونيا)؟!.. معلوماتنا تقول : إنها مستعدة لقتل (أدهم صبرى) فى أية لحظة ، لو أتيح لها هذا.
زمجر (راءول) ، قائلاً :
- اعملوا على تصحيح معلوماتكم إذن ، فالعلاقة بين (سونيا) و (أدهم) أعقد من أن يحتويها ملف واحد.. إنها تبغضه كل البغض ؛ فقط لأنه الرجل الوحيد ، الذى تصدَّى لها و تفوَّق عليها ، و هى غارقة فى حبه حتى النخاع للسبب نفسه.
ردَّد (سميث) فى دهشة مستنكرة :
- تبغضه و تحبه.
أومأ (راءول) برأسه إيجاباً ، و قال :
- ربما تضع آلاف الخطط للقضاء عليه ، و لكنها تفاجئك بإنقاذه فى اللحظة الأخيرة ، مما يوحى بأنها لم تحسم رأيها بشأنه فى داخلها بعد ، و لم تقرر فى أعماقها ما إذا كانت ترغب فى التخلُّص منه ، باعتباره ألد خصومها ، أم تسعى لاستعادته ، كوالد ابنها الوحيد.
هزَّ (سميث) رأسه ، قائلاً :
- زواجهما لا يعنى أنها من الممكن أن...
قاطعه (راءول) فى انفعال :
- ربما كان هذا من سيمتكم أيها الغربيون ، و لكن (سونيا) مثلى يهودية نصف شرقية ، مما يعنى أن نصفها على الأقل يتمتع بمشاعر جيَّاشة دافئة ، و أمثالنا لا يمكنك التنبؤ بردود أفعالهم قط.
تطلع إليه (سميث) طويلاً فى أمعان ، و هو يغمغم :
- أمثالكم؟!..
صمت لحظات ، و كأنما يدرس فى ذهنه أمراً ما ، ثم قال فى حزم :
- فليكن.. رئيسى (موريس مولر) يتولى أمر (سونيا) شخصياً ، أما هنا ، فوفقاً لخطة التحالف ، نحن خلف (أدهم).
قال (راءول) فى توتر :
- أخبرتك أنه لا فارق.
أجاب (سميث) فى صرامة :
- أخبرتنا أمور عديدة ، لم يتحقَّق معظمها يا أدون (راءول).. أخبرنى الآن ، ماذا يقول (فرتيواليتى) ، بشأن ما نواجهه الآن.
و انعقد حاجبا (راءول) فى شدة..
نعم.. ربما يكون هذا هو الحل..
ماذا يقول (فرتيواليتى) فى هذا الشأن؟!..
ماذا؟!..

* * *

لم يبد الجنرال (ماليكوف) فى حياته كلها عصبياً غاضباً ، مثلما بدا فى تلك اللحظة ، و هو يواجه (أبل كوربوف) فى مكتبه ، فى مبنى المخابرات الروسية ، قائلاً :
- لم أتصوَّر أن تبلغ بك الوقاحة حد القدوم إلى هنا بنفسك يا (كولوف).
ابتسم (كوربوف) فى استهتار ساخر متزلف ، و هو يقول :
- (كوربوف) يا سيدى الجنرال.. (كوربوف).. لقد استبدلت الاسم رسمياً ، و أحمل شهادة من المحكمة العليا بهذا.
زمجر (ماليكوف) ، قائلاً :
- هل تصوَّرت أن هذا سيمحو سجل جرائمك الحافل؟!
هزَّ (كوربوف) رأسه فى هدوء ، قائلاً :
- الدولة يحق لها أن تضع ملفى فى أى حجم تشاء ، و لكن تذكَّر يا جنرال أنه لا يحوى إدانة واحدة.
أجابه (ماليكوف) فى غضب :
- لأنك تلقى التهمة دوماً على أحد رجالك ، و تنجو منها كالجبناء.
اعتدل (كوربوف) ، و هو يقول فى برود حاسم :
- أياً كان رأيك ، فلست هنا لمناقشة ملفى.
تراجع (ماليكوف) فى مقعده ، و هو يقول فى صرامة :
- أنت على حق.. أين رجلنا يا (كوربوف).
لوَّح (كوربوف) بيده ، قائلاً :
- لم أسمع عنه شيئاً ، و لست هنا بشأنه أيضاً.
ضرب (ماليكوف) سطح مكتبه براحته ، و هو يميل نحوه بحركة حادة ، قائلاً :
- لماذا أتيت إذن؟!
أجاب (كوربوف) فى سرعة ، و كأنما كان ينتظر السؤال :
- بشأن عقد صفقة.
سأله فى حدة :
- أى نوع من الصفقات؟!
لوَّح (كوربوف) بيده مرة أخرى ، قائلاً :
- من النوع البسيط المباشر.
و مال بدوره نحو الجنرال ، مضيفاً :
- عندى سلاح جديد، يكفل لمن يمتلكه أن يصبح سيِّد العالم بلا منازع، و لقد تلقيت عرضاً بشأنه، و تصوَّرت أنه يهمكم دخول المزاد.
ازداد انعقاد حاجبى (ماليكوف) الكثين ، و هو يتساءل فى حذر :
- أى نوع من الأسلحة؟!
أجابه فى هدوء :
- أخبرتك أنه نوع جديد ، لا مثيل سابق له ، و سيمكنك أن تراه بنفسك ، إذا راق لى العرض.
ثم أشار بسبَّابته ، مستدركاً :
- و لن أحصل على النقود ، إلا بعد تيقنك من قوته.
صمت (ماليكوف) لحظات ، يدير الأمر فى رأسه..
زعيم (المافيا) الروسية لا يتحدَّث عن أمر بسيط هذه المرة..
بل عن سلاح..
سلاح جديد ، يمكن لمن يمتلكه أن يحكم العالم..
و هو يعرض بضاعته..
و يطلب الثمن..
و هناك احتمال أن يكون محقاً..
احتمال ضئيل..
و لكن...

"و كم تطلب ثمناً لذلك السلاح؟!.."..
ألقى الجنرال سؤاله فى عصبية ، فتألَّقت عينا (كوربوف) ، و هو يجيب :
- آخر عرض تلقيته بشأنه ، كان أربعة مليارات دولار.
ارتفع حاجبا (ماليكوف) فى دهشة بالغة ، من هول المبلغ ، و لكن ضوءاً شديد الاحمرار أضاء فى عقله ، و فى كيانه كله..
لو أن أحدهم عرض عليه هذا المبلغ الهائل ، فهو يتحدَّث عن شيء يستحق بالفعل..
شيء يمكن لصاحبه أن يسيَّطر على العالم..
على حد قوله..
و فى حذر شديد ، و عصبية أشد ، سأله :
- أهذا ما عرضه عليك الإسرائيليون؟!
هزَّ (كوربوف) كتفيه ، و قال فى حذر :
- أعترف أنهم دخلوا المزاد.
سأله (ماليكوف) مباشرة :
- و ماذا تطلب ثمناً له؟!
تألَّقت عينا (كوربوف) أكثر ، و هو يقول :
- خمسة.. خمسة مليارات.
و انعقد حاجبا (ماليكوف) أكثر و أكثر..
إذن فهذا ما يسعى إليه الإسرائيليون طوال الوقت..
و هذا ما جاءوا من أجله إلى (سيبيريا)..
أن يحكموا العالم كله..
و يسيطرون عليه..
تماماً..

"لابد من استشارة الرئيس شخصياً ، عندما يتعلَّق الأمر بمبلغ كهذا.."..
نطقها الجنرال (ماليكوف) ، بصوت أشبه بالزمجرة ، و على نحو جعل عينى (كوربوف) تتألَّقان بشدة ، و هو يقول ، فى لهفة لم يستطع إخفاءها :
- إذن فستدخلون المزاد.
زمجر (ماليكوف) مرة أخرى ، و هو يقول فى صرامة :
- لا مزاد.. هذا السلاح سيكون لنا ، أو لن يكون لأحد آخر.
نهض (كوربوف) ، دون أن يفقد تألُّق عينيه ، و هو يقول :
- بالتأكيد يا جنرال.. بالتأكيد.
لم تمض لحظات على قوله هذا ، حتى كان يغادر مبنى المخابرات الروسية (FSK) ، فى مجمع (الكريملين)، و يدلف إلى تلك السيارة السوداء الفارهة ، التى تنتظره ، أسفل لافته كبيرة ، تحظر انتظار السيارات ، و قال للسائق فى شيء من الجذل :
- انطلق.
سأله مساعده (جوركى) ، الذى يجلس إلى جواره ، فى اهتمام شديد :
- تبدو جذلاً أيها الزعيم.. هل تحقَّقت مما أتيت من أجله؟!
أجابه (كوربوف) ، و هو يسترخى فى مقعده ، و يسبل جفنيه فى ارتياح :
- بكل تأكيد.. الروس أيضاً سيدخلون المزاد ، و تقدَّموا بعرض يبلغ خمسة مليارات.
هتف (جوركى) فى انبهار :
- إنها صفقة رابحة بالتأكيد.
قال (كوربوف) فى صرامة :
- ستكون أكبر حماقة فى الدنيا أن نقبلها.
قال (جوركى) فى دهشة شديدة :
- نتحدَّث عن خمسة مليارات من الدولارات الأمريكية يا زعيمى.. ألا تدرك ما يعنيه هذا؟!
التفت إليه (كوربوف) فى شراسة ، هاتفاً :
- أتعلم أنت ما يعنيه امتلاك سلاح كهذا؟!.. أن تحكم العالم كله.. أتدرك كم من المليارات سيدرها علينا هذا؟!
و اتسعت عينا (جوركى) عن آخرهما..
نعم.. إنه لم يكن يدرك ما يعنيه هذا...
لم يكن يدركه أبداً..

* * *
"أخبرنى.. أأنا واهم ، أم أن ما نقف أمامه هو بالفعل ما أتصوَّره؟!.."..
نطق (هشام) العبارة فى خفوت متردِّد ، و كأنه لا يصدِّق نفسه ، فقال (أدهم) فى حزم :
- بل هو بالفعل ما تتصوَّره.. إننا أمام السفارة الإسرائيلية فى (واشنطن).
سأله (هشام) ، فى توتر خافت :
- و هل سنراقب السفارة الإسرائيلية ، فى سيارة شرطة أمريكية ، يمكن أن ينكشف أمرها فى أية لحظة.
هزَّ (أدهم) رأسه نفياً ، و قال :
- سنترك السيارة الآن ، و عليك أن تترجَّل منها ، و تسير فى الطرقات ، باعتبارك رجل شرطة ، فى دورية منفردة.
قال (هشام) فى توتر :
- رجال الشرطة هنا لا يسيرون فرادى قط.. كل دورية تتكوَّن من اثنين حتماً .
قال (أدهم) فى صرامة ، و هو يغادر السيارة :
- جد تبريراً.
و قبل أن ينبس (هشام) ببنت شفة ، أردف :
- اعتبره جزءاً من تدريباتك.
أطبق (هشام) شفتيه لحظة ، ثم لم يتمالك نفسه أن يسأله :
- و ماذا عنك؟!
أجابه (أدهم) فى حزم :
- سأذهب لزيارتهم.
و على الرغم من معرفته الجواب ، غمغم (هشام) بأنفاس مبهورة :
- من؟!
أشار (أدهم) إلى مبنى السفارة ، مجيباً :
- الإسرائيليين.
قالها ، و اتجه بخطوات ثابتة قوية نحو سفارتهم..
نحو بيت الذئاب..
مباشرة..



* * *

mostafaageg 22-01-09 04:13 AM

5- الذئاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"سينتحل هيئة رسمية.."..
قال رئيس (راءول) العبارة فى اهتمام متوتر ، بدا واضحاً على صورته ، التى تملأ شاشة الاتصال الكبيرة ، فى الحجرة الخاصة بالسفارة الإسرائيلية فى (واشنطن) ، فمال (راءول) نحو الشاشة ، متسائلاً :
- أهذا ما حدَّده (فرتيواليتى)؟!
أجابه رئيسه :
- نعم.. لقد غذيناه بكل المعلومات الجديدة التى أرسلتها ، فقال إن الوسيلة الوحيدة ، التى تتيح لـ(أدهم صبرى) دخول (واشنطن) ، فى مثل هذه الظروف ، هى أن يتنكَّر فى هيئة رسمية.. رجل أمن أو شرطى.
سأله (راءول) فى لهفة :
- و ماذا عن (سونيا)؟!
أجابه رئيسه ، فى توتر ملحوظ :
- (فرتيواليتى) وضع سيناريوهين مختلفين للأمر.. فى الأوَّل افترض تمرُّدها على دونا (كارولينا)، و سعيها وحدها لاستعادة سلاحها ، باعتبار أنه وسيلتها المثلى للسيطرة على العالم ، كما تحلم دوماً ، و سيبدأ هذا بمحاولتها الحصول على المعادلة الناقصة ، لتشغيل هذا السلاح ، تماماً مثلما نسعى نحن للحصول عليها.
سأله (راءول) بنفاد صبر :
- و ماذا عن السيناريو الآخر؟!
صمت رئيسه لحظة ، ثم قال :
- أن تتحالف مع دونا (كارولينا) ، حتى تبلغ هدفها.
تراجع (راءول) فى مقعده ، مغمغماً :
- ستكون كارثة!!
انطلق عقله بسرعة يرسم صورة لما يمكن أن يسفر عنه هذا..
أن تتحالف (سونيا) و دونا..
أخطر امرأتين فى العالم ، تدخلان السباق كيد واحدة...
(سونيا) بدهائها و خبرتها و قسوتها ، و دونا بقوتها و انتشارها ، و أموالها الطائلة و نفوذها اللامحدود..
و لو وضعنا كل هذا فى بوتقة واحدة ، لاستعادة ذلك السلاح الجبار ، قبل أن يحصل عليه الآخرون..
ربما تحكمان العالم عندئذ..
إلى الأبد..
حاول أن يركِّز ذهنه على هذه المشكلة الجديدة ، و اعتصر عقله فى قوة ، و لكن تفكيره قاده دون وعى إلى (أدهم)..
لقد فعل بالضبط كل ما توقَّعه (فرتيواليتى) ، حتى هذه اللحظة..
(كارولينا) أفسدت التحالف ، و دفعته للدخول فى مواجهة مباشرة ، حقَّق خلالها ما اعتاده ، و هزم الجميع على نحو باهر ، و تجاوز كل العقبات ، حتى وصل إلى (واشنطن) ، و جذب انتباه كل القوى إليه..
و هذا هو الهدف الرئيسى من كل هذا..
إقحام الجميع فى معركة ضد (أدهم) ، و سعيهم للقضاء عليه ، و مقاومته الرهيبة لهم ، و تجاوزه عقباتهم ، و كل ما سيشعله هذا فى نفوسهم من غضب و ثورة ، يدفعانهم لمزيد من القتال معه ، مما يجعلهم ينشغلون جميعاً به ، فيخلو الجو للإسرائيليين ، ليسعوا خلف سلاح (سونيا) الرهيب ، فى غفلة منهم ، بحيث لا يستفيقون جميعاً ، إلا بعد أن يصبح الإسرائيليون ملوك العالم..
و بلا منازع..
و وفقاً لتوقعات (فرتيواليتى) ، و لحظته أو برنامجه الاحتياطى الثانى ، فـ(أدهم) الآن فى قلب (واشنطن) ، ينتحل هيئة رسمية ، تتيح له التحرُّك داخلها ، بعد أن تجاوزت عقارب الساعة منتصف الليل بساعة و نصف الساعة على الأقل ، على الرغم من بحث الجميع عنهم..
فما من رجل أمن ، يبحث عن هارب ، يمكن أن يستوقف شرطى آخر ، تحت ظروف طوارئ قصوى..
الكل سينشغل بالبحث عن الهارب..
و الهارب فقط..
و لكن أين يمكن أن يكون (أدهم) فى هذه اللحظة؟!..
أين؟!
طرح السؤال على رئيسه ، عبر شاشة الاتصال الكبيرة ، فأجابه هذا الأخير فى اهتمام :
- سيسعى للحصول على أكثر ما يهم رجل المخابرات ، فى أى قتال.. المعلومات.. سيحاول معرفة ماذا يحدث ، و من دفع الجميع خلفه ، و لماذا؟!
سأله (راءول) فى اهتمام :
- و من أين يمكنه الحصول على مثل هذه المعلومات؟!
قبل أن يجيبه رئيسه ، انقطع التيار الكهربى عن شاشة الاتصال فجأة ، فى نفس اللحظة التى ارتفع فيها صوت من خلف (راءول) ، يقول فى حزم هادئ :
- هنا.
التفت (راءول) إلى مصدر الصوت فى سرعة فزعة ، و اتسعت عيناه عن آخرهما ، و كل ذهول الدنيا يتفجَّر فى أعماقه..
فأمامه مباشرة ، و داخل حجرة الاتصالات المؤقتة ، فى قلب السفارة الإسرائيلية فى (واشنطن) ، كان يقف آخر شخص يتخيل هو أو كمبيوتره الفائق (فرتيواليتى) رؤيته..
(أدهم)..
(أدهم صبرى)..


* * *

بمنتهى القوة ، هزَّت دونا (كارولينا) رأسها ، و هى تطفئ سيجارتها الملوَّنة ، فى منفضة من الكريستال النقى ، قائلة :
- مستحيل!.. لا يمكننى تصديق ما تعرضينه علىَّ يا (سونيا).
هزَّت (سونيا) كتفيها ، و هى تقول فى هدوء :
- ألأننى أعرض عليك مشاركتى حكم العالم؟!
أجابتها دونا ، فى شيء من الحدة :
- بل لأنك تتحدَّثين كما لو كنا مشهداً من فيلم سينمائى قديم و سخيف... فكرة السيطرة على العالم هذه من أكثر أفكار الأرض حماقة.. (جنكيز خان)، و (الإسكندر الأكبر)، و (نابليون) ، و (هتلر)، و حتى (أمريكا) نفسها ، كلهم حاولوا و فشلوا.. الإمبراطورية الرومانية تصوَّرت هذا أيضاً ، و زحفت من أقصى الأرض إلى أقصاها ، و كان هذا الأتساع هو السبب المباشر لتفككها و انهيارها و فى عصرنا هذا ، يصبح من الجنون أن يحلم المرء مجرد حلم ، بتحقيق ما أثبت التاريخ استحالة تحقيقه.
أشعلت (سونيا) سيجارة أخرى ، من سجائرها الطويلة ، و هى تقول فى هدوء شديد الاستفزاز :
- حتى لو امتلكت السلاح المناسب.
هتفت بها دونا :
- حتى و لو امتلكت أسلحة الدنيا كلها.. هذا ما أثبته التاريخ.
عقدت (سونيا) حاجبيها ، و نفثت دخان سيجارتها فى قوة ، و هى تقول فى صرامة :
- كنت أتصوَّر أننى أتحدَّث إلى زعيمة (المافيا) ، لا إلى معلِّمة تاريخ نمطية.
عقدت دونا حاجبيها ، و هى تقول:
- لن أقع فيما وقع فيه مَن قبلى مِن أخطاء.
رفعت (سونيا) أحد حاجبيها ، و هى تقول فى خبث :
- ألن تشعرى بالندم إذن؟!
بدت دونا عصبية على نحو ملحوظ ، و هى تتطلَّع إليها لحظات ، قبل أن تشيح بوجهها ، قائلة :
- لن أتورَّط علانية فى هذا.
أدركت (سونيا) أنها قد أصابت هدفها ، فمالت نحوها ، تقول فى لهفة :
- و أنا لا أحبذ هذا أيضاً.. ستواصلين تحالفك مع أجهزة المخابرات الأربعة ، و تستمرين فى اللعبة نفسها.. تحاربين (أدهم) معهم علانية ، و تساعدينه على النجاة منهم سراً.. المهم أن ينشغل الجميع ببعضهم البعض ، فى حين تمنحيننى أنت المال و الرجال ، و تؤمنين لى الرحيل سراً إلى (سيبيريا) ؛ لأستعيد السيطرة على الموقف هناك.
قالت دونا دون أن تنظر إليها :
- بينى و (كولوف) اتفاق غير مكتوب بعدم التدخُّل و الاعتداء.. هو ابتعد تماماً عن الغرب ، و أنا تركت له ساحة (أوروبا) الشرقية ليسيطر عليها كما يشاء، و بهذه اللعبة ، سينهار الاتفاق تماماً.
قالت (سونيا) فى استهتار :
- الاتفاقيات وُضِعَتْ لتمزق فحسب.
انعقد حاجبا دونا ، و هى تقول :
- (كولوف) ليس بالشخص الهين.
ابتسمت (سونيا) فى سخرية واثقة ، و هى تقول :
- اتركى لى أمره.. لقد أبدل اسمه ، و استبدل معه طبيعته ، و اعتاد الحياة المرفهة ، و نسى قتال الشوارع ، و أصبح (كوربوف) الثرى ، الذى يمتلك عدة قصور فاخرة ، فى أفخم مناطق (روسيا) و نسى (كولوف) ، رجل العصابات الشرس ، الذى لا يتردَّد فى قتل طفل فى العاشرة ، من أجل عدة روبلات ، و أمثاله ، ممن يتغيرون مع امتلاء جيوبهم بالمال ، هم فريستى المفضلة.
ثم اتسعت ابتسامتها ، و تألَّقت عيناها ببريق جذل ، و هى تضيف :
- اطمئنى.. إننى أتناول خمسة من أمثاله عند الإفطار.
غمغمت دونا :
- هذا لو سمح لك أن تستيقظى.
قالت (سونيا) فى استهتار :
- سأكون آخر من يغلق عينيه.. و سترين.
رمقتها دونا بنظرة لا تحمل تعبيراً محدوداً ، و هى تقول :
- سنرى.
ابتسمت (سونيا) ابتسامة غامضة ، و هى تقول :
- باعتبارك تهوين التاريخ.. هل قرأت شيئاً عن الأمازونيات؟!
أجابتها دونا فى حذر ، و هى لا تدرى سر السؤال :
- إنهن قبيلة كانت تحكمها النساء فيما مضى ، و لست أعرف عنهن أكثر من هذا!
قالت (سونيا) بنفس الابتسامة المحيِّرة :
- هذا يكفى.. هن حكمن قبيلتهن ، و نحن سنحكم العالم معاً ، ففى هذا الزمن ، لابد و أن تحكم المرأة.
أضافت دونا فى حزم :
- وتسود.
و اتسعت ابتسامة (سونيا) ، و مدَّت يدها نحو دونا ، التى تردَّدت لحظة ، ثم استقبلت يدها لتشد عليها..
الآن بدأ العد التنازلى لسباق السيطرة..
السيطرة على العالم..
أجمع..


* * *


لثوان و على الرغم مما يراه أمامه ، لم يستطع (راءول) تصديق نفسه أبداً ، و هو يحدِّق فى (أدهم) ، الذى يرتدى زى واحد من رجال أمن السفارة ، و لا يخفى ملامحه بأية وسيلة تنكُّر ، و لو محدودة..
مستحيل!!..
حتى (فرتيواليتى) نفسه ، لم يستطع التنبؤ بهذا!
إنه حتى لم يضعه ضمن السيناريوهات المحتملة ، التى يمكن أن يلجأ إليها (أدهم)..
ربما لأن ما يراه (راءول) أمامه يدخل فى خانة المستحيل!..
المستحيل التام!..

"و لكن كيف؟!.."..
هتف بها (راءول) فى دهشة مذعورة ، على الرغم منه ، و لكن (أدهم) بدا شديد الهدوء و الثقة، و هو يستند بكتفه إلى حاجز الباب ، و يعقد ساعديه أمام صدره ، قائلاً :
- هل أدهشك وجودى يا عزيزى (راءول)؟!
هتف به (راءول) :
- كيف وصلت إلى هنا؟!.. هذا المبنى مؤمَّن جيداً ، و نظم الأمن كلها إليكترونية رقمية ، و كل حارس أمن هنا يحمل (ريد آى) ، و لا يمكنك خداعه ، حتى لو تنكَّرت فى هيئة بعوضة.
هزَّ (أدهم) كتفيه فى بساطة ، قائلاً :
- و لهذا لم أحاول أن أتنكَّر فى أية هيئة.
هتف به منزعجاً :
- و لكن كيف عبرت؟!
عاد (أدهم) يهز كتفيه ، قائلاً :
- لست أظنك تطالبنى بكشف أساليبى ، فهذا لا يمكن أن يصدر عن رجل مخابرات محترف ، و لكن يكفى أن أخبرك أننى لم أبتكر شيئاً ، فالرسم الهندسى الكامل لسفارتكم هنا موجود لدينا ، مع كل ما أجريتم عليه من تعديلات و تغييرات ، و نظام أمنكم ، الذى تتصوَّرونه شديد المناعة ، يحفظه كل رجل مخابرات فى بلدى عن ظهر قلب ، و كل ما فعلته ، هو أن استغليت ثغراته ، التى درستها طويلاً ، مع ثقتى فى أن من يدير اللعبة كلها سيكون حتماً فى حجرة الاتصالات المؤمَّنة ، يتابع الموقف مع رياسته مباشرة.
قال (راءول) فى ارتباك ، و يده تتسلَّل إلى مسدسه خفية :
- أية لعبة تلك ، التى تتصوَّر أننى أديرها؟!
ابتسم (أدهم) فى سخرية ، قائلاً :
- لعبة (فرتيواليتى).. لا تنزعج يا عزيزى ، فلقد قبعت هنا لبعض الوقت ، قبل أن أفصح عن وجودى ، لأكتسب بعض المعلومات ، قبل أن أبدأ لعب دورى.
سحب (راءول) مسدسه بسرعة خرافية ، تليق برجل مخابرات محترف ، و لكن قبل أن ترتفع فوهته ، لتواجه (أدهم) ، كان هذا الأخير قد وثب عبر الحجرة وثبة مدهشة ، و قبض على معصم الإسرائيلى بأصابع من فولاذ ، و هو يقول فى سخرية :
- كنت أتمنى أن تفعلها.
ضغط (راءول) زناد مسدسه بالفعل ، فانطلقت من فوهته رصاصة ، بدوى شديد ، مرقت على مسافة سنتيمتر واحد من عنق (أدهم)، الذى لوى معصمه فى عنف، فأجبره على إفلات مسدسه، الذى سقط أرضاً ، و الإسرائيلى يصرخ فى حدة :
- دوى الرصاصة سيجذب كل رجل أمن هنا.
أجابه (أدهم) فى حزم :
- خطأ.. هذه الحجرة مجهَّزة لعزل الأصوات تماماً ؛ لتأمين كافة السرية للاتصالات ، و ليست بها أية وسائل رصد أو مراقبة ، و لن يعرف مخلوق واحد ما يحدث هنا.
ثم هوى على فك (راءول) بلكمة كالقنبلة ، مستطرداً فى صرامة :
- حتى أنت.
ارتجَّ رأس (راءول) فى عنف ، مع قوة الضربة ، و زاغت عيناه فى محجريهما لحظة ، ثم تهاوى رأسه فاقد الوعى ، فأزاحه (أدهم) بسرعة عن مقعد الاتصال ، و هو يقول :
- و الآن ، ابق هادئاً هنا ، حتى أستوعب ماذا يدور بالضبط.
قالها ، و جلس على مقعد الاتصال ، و ضغط زر تشغيل الصوت دون الصورة بعد أن أعاد التيار الكهربى ، و لم يكد يفعل ، حتى سمع رئيس (راءول) يهتف :
- أين أنت يا (راءول)؟!.. ماذا حدث عندك؟!.. لماذا انقطع الاتصال فجأة ، و لماذا لا أراك؟!
أجابه (أدهم) ، بصوت يُحاكى صوت (راءول) ، على نحو مدهش :
- عطل فنى يا سيدى.. الشاشة لم تعد تعمل.. و لكننا نستطيع مواصلة حديثنا.. كنا نتحدَّث عن (أدهم) ، و وجوده فى (واشنطن) ، و لكى يمكننى التفكير جيداً ، دعنا نلخص الأمر كله منذ البداية.
سأله رئيسه ، فى شيء من الحذر :
- أترى هذا ضرورياً.
أجابه فى خبث ، يماثل خبث (راءول) :
- إنها الحرب.
لم يكن للعبارة معنى واضح ، و لكن لسبب ما ، اكتفى بها رئيسه ، و راح يلخص الموقف كله ، فى أذنى (أدهم)..
بمنتهى الدقة..


* * *


على الرغم من كل ما تلقاه من تدريبات ، شعر (هشام) بتوتر ملحوظ ، و هو يدور حول مبنى السفارة الإسرائيلية مترجلاً ، فى ثياب شرطى أميركى ؛ فقد كان يعلم أن سيره منفرداً سيثير الشبهات و الاهتمام حتماً ، و خصوصاً فى هذه الساعة المتأخرة من الليل ، بعد أن تجاوزت عقارب الساعة الثانية صباحاً..
كانت دوريات الشرطة تجوب العاصمة الأمريكية طوال الوقت ، بحثاً عن الهاربين ، و كان عليه أن يتجنبها و يتحاشاها طوال الوقت ، و هو يتساءل : لماذا تأخَّر (أدهم) كل هذا الوقت؟!..
و هل نجح بالفعل فى دخول السفارة الإسرائيلية؟!..
و كيف؟!..
جده أخبره الكثير عن (أدهم) منذ طفولته ، و لقد انبهر به كثيراً فى صباه ، و اعتبره بطله و مثله الأعلى فى شبابه..
و لكن العمل إلى جواره أمر يختلف..
يختلف تمام الاختلاف..
إنه أشبه بمتابعة أسطورة حية..
بل إن ما واجهه معه ، يكاد يتفوَّق على الأساطير نفسها..
لقد واجها رجال العصابات..
و جيش من (المارينز)..
و مرا بأكثر من موقف ، كان الموت يبدو فى كل منها قاب قوسين أو أدنى..
أو أنهما كانا فى قلب الموت نفسه..
و لكنه تجاوز كل هذا ، و دون خدش واحد..
و هذا ، من وجهة نظر أى شخص طبيعى أمر خارق..
بل مستحيل!..
مستحيل تماماً..
الآن فقط أدرك لماذا يطلقون عليه هذا اللقب ، الذى طالما ردَّده جده على مسامعه..
لقب (رجل المستحيل)..

"معذرة أيها الشرطى.."..
استوقفه هذا النداء ، الذى انطلق فجأة ، بلكنة بريطانية واضحة ، فارتبك لحظة ، قبل أن يتمالك نفسه ، و يلتفت إلى صاحبه ، قائلاً ، و محاولاً تقمص دور شرطى أمريكى :
- بم يمكننى أن أخدمك؟!
كانا رجلين ، أحدهما شاب فى منتصف الثلاثينيات ، و الثانى كهل أشيب الشعر ، و لكنه يبدو متين البنيان ، قوى الشكيمة ، على الرغم من وجهه شبه المتغضن ، و ملامحه التى تشف عن تجاوزه الستين ، و لقد اقترب منه الشاب ، قائلاً :
- لقد ضللنا الطريق هنا ، و نبحث عمن يرشدنا إلى هدفنا.
دار الشاب حوله ، فدار بجسده معه ، و هو يغمغم فى حذر :
- فى هذه الساعة؟!
هزَّ الشاب كتفيه ، قائلاً :
- إننا سائحان.
تماسك (هشام) ، و شدَّ قامته ، و هو يسأله :
- و ما هدفكما بالضبط؟!
شعر فجأة بفوهة مسدس باردة تلتصق بمؤخرة رأسه ، و سمع صوت سير (ويليام) من خلفه ، يقول فى صرامة :
- (أدهم).. (أدهم صبرى).
و أدرك (هشام) أن اللعبة قد انتهت..
أو شارفت هذا..
بكل تأكيد..


* * *


"رجال مكتبنا فى (واشنطن) يشعرون بالقلق.."..
نطق نائب مدير المخابرات المصرية بالعبارة ، فى قلق واضح يتفق معها ، و الساعة تشير إلى التاسعة و خمس دقائق صباحاً ، بتوقيت (القاهرة)، فرفع إليه المدير عينيه ، متسائلاً :
- ألم يتم اتصالهم بـ(ن-1) بعد؟!
هزَّ نائبه رأسه نفياً ، و هو يجيب :
- لا توجد وسيلة واحدة لهذا ؛ فإما أن يجرى هو اتصاله بهم ، أو لا أمل ؛ فلم يمكنهم تحديد موقعه أبداً ، و نظراً لخبرته و مهاراته ، يستحيل العثور عليه ، ما لم يجر هو اتصاله بهم أوَّلاً ، و لكن رجالنا يؤكِّدون أنه ، و على الرغم من توقيت (واشنطن) الآن ، فهناك تحركات عديدة تجرى فيها ، على نحو مقلق... رجال (المارينز) يحاصرونها بقواتهم تماماً ، و يفحصون كل من يغادرها أو يدخلها بمنتهى الدقة ، باستخدام كاشف تنكر حديث و بالغ الدقة ، و رجال الشرطة هناك يجوبون الطرقات ، بحثاً عن كل من يشتبه فى أمره ، و هم بوسيلة غير مباشرة ، يحاصرون السفارة المصرية ، حتى لا يلجأ إليها العميد (أدهم) ، و يحصل منها على جواز سفر دبلوماسى ، يمنعهم من إلقاء القبض عليه ، وفقاً للقانون الدولى ، و هذا كله متوقَّع إلى حد كبير، و لكن ما يثير الدهشة حقاً ، هو موقف الإسرائيليين و البريطانيين هناك.
رفع المدير حاجبيه و خفضهما ، و هو يتساءل فى صرامة :
- البريطانيون أيضاً.
أومأ النائب برأسه إيجاباً ، و قال :
- مكتبنا فى (واشنطن) أكَّد أن سير (ويليام) قد وصل من (أوروبا) ، مع مساعده (جون) ، و تم الاتصال بينه و بين قوات (المارينز) ، فى حين وصل رجل (الموساد) (راءول) إلى السفارة الأمريكية ، بعد ساعة كاملة من منتصف الليل ، و هو أمر غير طبيعى ، لم يحدث حتى خلال حرب السادس من أكتوبر.
عقد المدير حاجبيه ، و هو يقول فى اهتمام قلق :
- و هل تعتقد أن كل هذا بشأن (ن-1)؟!
وضع أمامه نائبه تقريراً مطبوعاً ، و هو يقول :
- هذا التقرير وصل من (أوسلو) ، منذ أسبوعين تقريباً ، و لكن أحداً لم يربطه بما يواجهه العميد (أدهم) الآن ، إلا بعد المعلومات الأخيرة ، عن البريطانيين و الإسرائيليين.
سحب المدير التقرير ، و قرأه فى اهتمام ، قبل أن يغمغم ، و كأنه يحدِّث نفسه :
- الروس و البريطانيون و الأمريكيون و الإسرائيليون اجتمعوا معاً؟!
أضاف نائبه ، بلهجة ذات مغزى :
- و انضمت إليهم دونا (كارولينا).. زعيمة (المافيا) الإيطالية.
تراجع المدير فى مقعده ، و هو يحك ذقنه بيده فى تفكير قلق..
ترى هل اجتمعوا كلهم من أجله؟!..
من أجل (ن-1)؟!..
إنه أكثر من يدرك خطورته و قدراته ، و ربما أكثر مما يدركون هم ، و لكنه لم يتصوَّر أبداً أن يتحالفوا جميعاً للقضاء على رجل واحد!!..
حتى و لو كان (ن-1) نفسه!!..
هذا يتجاوز كل المنطق و العقل..
و كل القواعد..
إلا إذا..

"هناك هدف أكبر حتماً.."..
نطقها فى تفكير عميق ، فقال نائبه فى سرعة :
- لا أحد يعلم ماذا دار فى اجتماعهم بالضبط.
اعتدل المدير ، قائلاً فى حزم :
- و لكن من الضرورى أن نعلم..
و اتخذ مجلساً صارماً ، و هو يكمل بلهجة آمرة :
- أطلب من كل رجل لدينا أن يسعى لمعرفة سر هذا الاجتماع ، و ما أسفر عنه ، و مر رجالنا فى (واشنطن) ، مع فريق المساعدة ، الذى يقوده السيد (حسن) أن يكونوا على أهبة الاستعداد ، فبين لحظة و أخرى ، من المحتمل جداً أن نعلنها.
سأله نائبه فى حذر ، و إن توقَّع الجواب :
- نعلن ماذا؟!
رفع المدير إليه عينين صارمتين حازمتين ، و هو يقول :
- الحرب..
و كان ينطقها بكل حزم و حسم الدنيا..
و بكل معنى الكلمة..


* * *

mostafaageg 22-01-09 04:38 AM

6- الحرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقل السفير البريطانى فى (واشنطن) بصره فى قلق ، بين سير (ويليام) و (جون) و (هشام) ، فى قبو السفارة ، قبل أن يقول فى توتر :
- حتى فى الأعراف المدنية ، و على الرغم من كونك داخل سفارة بلادك ، و لا أحد يستطيع المساس بك ، ما زال ما فعلته يدخل فى نطاق الجريمة يا سير (ويليام).
قال (ويليام) فى برود :
- كل شيء مباح ، فى الحب و الحرب.
قال السفير فى حدة :
- ليست حالة حب ، و لسنا بالتأكيد فى حالة حرب ، مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أشار (ويليام) إلى (هشام) قائلاً بنفس البرود :
- لا يمكنك دوماً اختيار أرض المعركة ، و هذا الشاب مصرى ، و ليس أمريكياً.
قال السفير فى صرامة :
- هذا لا يصنع فارقاً.. ما زلنا أمام جريمتى اختطاف و احتجاز.
اندفع (جون) يقول فى حدة :
- ألا يمكنك استيعاب الموقف يا رجل؟!.. إننا أمام مسألة أمن قومى ، و نحن هنا لنحمى (بريطانيا) كلها ، و أنت تتحدَّث عن جريمة مزدوجة؟!
قال السفير فى غضب :
- كل منا يقوم بعمله يا هذا.. أنتما تقاتلان لحماية الأمن القومى ، و أنا أبذل قصارى جهدى ؛ للحفاظ على علاقات طيبة و سليمة ، مع دولة صديقة ، و حليف قوى.
كاد (جون) يندفع مرة أخرى ، و لكن سير (ويليام) أشار إليه بالصمت ، و هو يقول للسفير ، بنفس ذلك البرود المستفز :
- مع احترامى لعملك الجليل يا سيدى السفير ، فالدولة الحليفة نفسها تتآزر معنا فيما نفعله ، و يمكننى أن أوصلك مباشرة بأحد مسئوليها ؛ ليؤكِّد لك هذا.
انعقد حاجبا السفير فى صرامة ، و هو يقول :
- فى مثل هذه الظروف ، أفضِّل وثيقة موقَّعة.
شدَّ سير (ويليام) قامته ، و هو يقول فى صرامة :
- بصفتى أحد نواب مدير المكتب السادس، سأوقِّع كل ما تريده دون تردُّد.
قال السفير فى حزم :
- فوراً.
أجابه سير (ويليام) ، و هو يسحب ورقة و قلماً :
- بالتأكيد.
خط بضع كلمات على الورقة ، ثم ذيَّلها بتوقيعه ، و ناولها للسفير ، الذى طالعها فى اهتمام بالغ ، ثم طواها فى عناية ، و قال و هو يدسَّها فى جيبه :
- ما زلنا أمام جريمتى اختطاف و احتجاز.
قال سير (ويليام) فى صرامة :
- هذه الوثيقة تعفيك من أية مسئولية.
هزَّ السفير رأسه نفياً ، و قال :
- هذا يحدث داخل السفارة ، و قوانين الدنيا كلها ، لا تستطيع إعفائى من هذا.
بدا الغضب فى وضوح على وجه (جون) ، و همَّ بالاندفاع لقول شيء ما ، و لكن سير (ويليام) أستوقفه بإشارة من يده ، و هو يقول للسفير فى برود :
- فليكن.. الآن سنبدأ عملنا ، و أؤكِّد لك مسبقاً أنه لن يروق لك أبداً ، فإما أن تبقى لتشاهد ، أو تتركنا وحدنا.
انعقد حاجبا السفير فى شدة ، و بدا شديد التوتر ، و هو ينقل بصره بين (هشام) و رجلى المخابرات ، قبل أن يقول فى عصبية :
- لا دماء.
أجابه سير (ويليام) فى برود:
- هناك وسائل عديدة.
أضاف السفير ، فى عصبية أكثر :
- و لا قتل.
استلَّ سير (ويليام) مسدسه ، و وضعه على المنضدة أمامه ، و هو يسأله فى صرامة :
- هل ستبقى؟!
أدار السفير عينيه فى وجوههم للمرة الثالثة ، فى عصبية زائدة ، قبل أن يندفع مغادراً القبو ، و أغلق الباب خلفه فى قوة ، و ما أن فعل ، حتى التفت سير (ويليام) إلى (هشام) ، الذى ما زال يرتدى زى رجال الشرطة الأمريكية ، و قال فى صرامة ، و هو ينقر مسدسه بسبَّابته :
- و الآن يا فتى ، ستقص علىَّ قصة حياتك كلها ، منذ رأت عيناك الدنيا ، بعد أن تجيب سؤالى الأساسى.
نظر إليه (هشام) فى حذر ، دون أن ينبس ببنت شفة ، فمال (ويليام) نحوه ، و اكتسب صوته المزيد من الصرامة ، و هو يكمل :
- أين (أدهم صبرى)؟!
غمغم (هشام) :
- من؟!
انعقد حاجبا (جون) فى غضب ، فى حين ابتسم سير (ويليام) فى سخرية ، و هو يقول ، متراجعاً فى مقعده :
- محاولة سخيفة ساذجة ، لا تصلح حتى لأفلام السينما الهزلية ، خاصة و أننا نعرف أنه هنا من أجلك.
لم يجب (هشام) بحرف واحد ، فأمسك (ويليام) مقبض مسدسه ، و قال فى برود ، حمل نبرة مخيفة :
- لا تفكِّر أو تتردَّد كثيراً ، ففرصتك الوحيدة فى أن تحيا ، حتى تشاهد شروق الشمس ، هى أن تجيب أسئلتنا فى وضوح.
ثم رفع المسدس ، و صوَّب فوهته إلى جبهة (هشام) ، مستطرداً فى غضب واضح شديد :
- أو ننهى هذا اللقاء.. الآن.
و اتسعت عينا (هشام) ، على الرغم منه..
فالآن ، فى هذا القبو الرطب العازل للصوت ، أسفل السفارة البريطانية فى (واشنطن) ، لم يعد لديه خيار...
أى خيار...
على الإطلاق..


* * *


فى بطء يحمل الكثير من الاهتمام ، رفع مدير (الموساد) عينيه ، يتطلَّع إلى رئيس (راءول) المباشر ، قبل أن يسأله :
- طلبت مقابلتى فوراً.. فلماذا؟!
تردَّد الرجل لحظات ، قبل أن يقول :
- هناك أمر يثير قلقى ، احتجت أن أناقشه معك.
تراجع المدير فى مقعده ، متسائلاً :
- و ما هو؟!
أجابه الرجل فى حذر :
- منذ خمس دقائق فقط ، أنهيت محادثة مع (راءول) ، عبر شاشة الاتصال المؤمَّنة ، فى سفارتنا فى (واشنطن).
قال المدير ، فى بطء حذر :
- هذه الوسيلة يستحيل اختراقها أو كشفها ، مهما كانت الوسائل و السبل.
قال الرجل ، و القلق فى صوته يتزايد :
- أدرك هذا جيداً يا سيدى ، و لقد راجعت الأمر بنفسى ، و تأكَّدت من أن كل شيء على ما يرام.
تزايد حذر رئيسه بدوره ، و هو يسأله :
- ماذا إذن؟!
تردَّد الرجل أكثر هذه المرة ، فأضاف المدير فى صرامة :
- أفصح.
بدا و كأن هذا الأمر المباشر قد اخترق كبد الموقف ؛ فقد اندفع الرجل يقول :
- المشكلة تكمن فى (راءول) نفسه.. لقد انقطع الاتصال أثناء حديثنا، ثم عاد صوتياً بدون صورة، بحجة أن الشاشة أصابها عطب ما ، و لقد ميَّزت صوت (راءول) جيداً ، و لكن الأسئلة التى راح يطرحها طوال الوقت ، أثارت حيرتى بالفعل ، فقد سأل عن كل شيء و أى شيء ، كما لو أنه يجهل الأمر كله منذ بدايته ، و كانت حجته هى أنه يريد أن يستعيد معلوماته ، و ينشط ذهنه ، و يركِّز أفكاره... و ربما نجح فى إقناعى بهذا فى البداية.
اعتدل المدير ، متسائلاً فى عصبية :
- إذن فقد أجبته.
بدا الرجل شديد التوتر ، و هو يخفض عينيه أرضاً ، مجيباً :
- على كل ما سأله.
ثم رفع عينيه فى شيء من الخزى إلى المدير ، مضيفاً فى خفوت :
- إنه رجلنا على أية حال.
قال المدير فى غضب :
- و لكنك لم تسأله عن كوده الخاص ، أو شفرة الاتصال ، قبل أن تجيب أسئلته.
أجابه الرجل فى سرعة :
- لقد سألته عن كل هذا ، كما تنص القواعد.
ثم انخفض صوته بشدة ، و هو يضيف :
- قبل أن ينقطع الاتصال المرئى.
احتقن وجه المدير فى شدة ، و لم يتمالك نفسه ، و هو يصرخ فى وجهه :
- أحمق.
ثم اختطف سمَّاعة الهاتف اختطافاً ، و أدار رقماً خاصاً قصيراً ، و استمع إلى رنين الهاتف عند الطرف الآخر فى عصبية لنصف دقيقة تقريباً ، قبل أن يأتيه صوت الملحق العسكرى الإسرائيلى، و هو يقول :
- أوامرك يا سيدى.
سأله المدير فى صرامة :
- أين أدون (راءول)؟!
غمغم رئيس (راءول) ، فى خفوت من يشعر بالذنب :
- إنه داخل سفارتنا ، و من المستحيل أن..
قاطعه المدير بنظرة صامته صارمة غاضبة ، جعلته يبتلع لسانه ، و ينكمش فى مكانه ، فى حين أجاب الملحق العسكرى عبر الهاتف :
- عندما رأيته آخر مرة ، كان داخل حجرة الاتصالات المؤمَّنة ، يجرى اتصاله بكم.
صاح فيه المدير :
- خذ أقوى رجال أمنك ، و أحضره تحت الحراسة إلى مكتبك فوراً.. و افحص وجهه بجهاز (ريد آى) مرتين على الأقل.
بدا الرجل شديد الدهشة ، و هو يقول :
- أدون (راءول)؟!
صرخ فيه مدير (الموساد) :
- نعم.. أدون (راءول).
ثم أضاف فى عصبية بلغت مداها :
- لو أنه بالفعل أدون (راءول).
أنهى الملحق الإسرائيلى المحادثة ، و هو غير قادر على تصديق ما سمعه ؛ فهو يعرف (راءول) شخصياً منذ عشرة أعوام ، و من المستحيل أن يخطئ تعرُّفه..
لقد عملا معاً فى صفوف (الموساد) ، لأكثر من ست سنوات ، قبل أن يتم إلحاقه هو بالقسم الدبوماسى ، و يتم نقل (راءول) إلى قسم العمليات الخاصة..
و لكنه ، و على الرغم من هذا ، لم يحاول مخالفة أوامر المدير..
لقد اندفع خارج مكتبه ، و هو يهتف بمساعده الأوَّل :
- أحضر خمسة من أشد رجالنا ، و اتبعونى إلى حجرة الاتصالات المؤمَّنة.. لدينا أمر بإلقاء القبض على أدون (راءول) فوراً.
تفجَّرت دهشة عارمة فى كيان مساعده ، و هو يهتف :
- و لكن هذا مستحيل!
قال الملحق العسكرى بكل الصرامة :
- إنها أوامر (تل أبيب).
قال المساعد فى توتر بالغ :
- و لكن أدون (راءول) غادر السفارة ، منذ دقيقة واحدة.
توقَّف الملحق العسكرى دفعة واحدة ، حتى أن توازنه كاد يختلّ ، قبل أن يلتفت إلى مساعده ، هاتفاً فى استنكار مذعور :
- غادر السفارة؟!.. هل شاهدته بنفسك؟!
تردَّد المساعد لحظة قصيرة ، ثم أجاب :
- كان يخفى وجهه بوشاح ، و يسعل إلى حد ما ، و لكننى ميَّزت صوته جيداً ، و..
اتسعت عينا الملحق العسكرى ، و قاطع مساعده ، هاتفاً :
- مستحيل!.. هل من الممكن أن...
بتر عبارته بدوره ، و هو يندفع نحو حجرة الاتصالات ، فلحق به مساعده ، و هو يقول لاهثاً ، من فرط الانفعال :
- ماذا هناك بالضبط؟!
هتف الملحق العسكرى ، و هو يتجه نحو حجرة الاتصالات مباشرة :
- أراهنك أنه كان يختلف.
استرجع المساعد المشهد فى ذهنه ، و هو يقول ، فى تردُّد و توتر :
- ربما.. لقد بدا أكثر طولاً ، و أوفر قوة ، و لكن..
حاول الملحق العسكرى أن يفتح باب حجرة الاتصالات المؤمَّنة ، و لكنه بدا موصداً فى إحكام ، فتراجع مقاطعاً مساعده ، و هاتفاً :
- اكسر الباب.
هتف مساعده فى ذعر :
- باب حجرة الاتصالات المؤمَّنة؟!.. إننا لا نقترب حتى منها ، دون تصريح أو أوامر رسمية.
صرخ الملحق العسكرى ، بكل عصبية و قوة و انفعال الدنيا :
- اكسره.
اندفع المساعد بكتفه ، و تحطَّم رتاج الباب ، و انفتح عن آخره فى عنف..
و وقف الرجلان ذاهلين..
الملحق العسكرى الإسرائيلى..
و مساعده..
لأنه هناك ، و حيث تركه (أدهم) ، كان رجل (الموساد) الإسرائيلى ملقى أرضاً ، فاقد الوعى..
أما (أدهم) ، فقد انصرف منتحلاً شخصيته..
انصرف بعد أن حصل على كل ما يحتاج إليه من معلومات..
أو ما أتيح منها على الأقل..
انصرف لينتقل من الدفاع إلى الهجوم..
و ليبدأ حربه..
الأخيرة..


* * *


"هنا فى (واشنطن).."..
نطقها (سميث) فى انفعال شديد ، و هو يقف أمام (مولر) ، فى تلك الساعة المتأخرة ، داخل مكتب المخابرات الأمريكية فى (واشنطن) ، فقال هذا الأخير فى توتر :
- تماماً كما توقَّعت أنت.. لم يحاول الهروب ، و إنما اقتحم ميدان المعركة فى انتحارية عجيبة ، و هاجم السفارة الإسرائيلية مباشرة ، و انصرف بمنتهى الجرأة ، قبل أن يدرك طاقم حراستها حتى وجوده ، كما أبلغنا عميلنا هناك.
تألَّقت عينا (سميث) ، و هو يقول بنفس الانفعال :
- إذن فهو هنا.
قال (مولر) ، فى توتر أكثر :
- هو ، و هو يعلم أن قوات (المارينز) تحاصر العاصمة كلها ، و كل رجل شرطة فيها يبحث عنه، و فريق من المخابرات يحمل (ريد آى) ، و يسعى خلفه فى كل ركن ، و من يدرى!.. ربما عرف هناك ، فى السفارة الإسرائيلية ، كل ما يحدث بالضبط.
انعقد حاجبا (سميث) فى توتر مماثل ، و هو يقول :
- المهم أنه هنا.
لوَّح (مولر) بيده ، هاتفاً :
- و ليس وحده.. رجالنا رصدوا وصول اثنين من رفاقه ، على متن الطائرة القادمة من (أمستردام) ، و التى انطلقت من (القاهرة) إلى (نيويورك) ، عبر (هولندا) ، فتاة و رجل بدين.
تألَّقت عينا (سميث) على نحو أشد ، و هو يقول فى انفعال :
- إذن فهما فى (نيويورك)؟!
هزَّ (مولر) رأسه نفياً ، و هو يقول فى عصبية :
- بل فى (واشنطن).. لقد استقلا طائرة من طائرات (يونايتد) ، فور وصولهما إلى (نيويورك) ، و رصد رجالنا وصولهما إلى هنا ، قبل نصف ساعة فحسب من منتصف الليل.
بدا (سميث) شارداً يخاطب نفسه ، و هو يغمغم :
- فتاة و رجل بدين؟!.. إنهما هما حتماً.
و قبل أن ينظر إليه (مولر) متسائلاً ، أضاف فى لهفة :
- هل يحملان جوازى سفر دبلوماسيين؟!
هزَّ (مولر) رأسه نفياً مرة أخرى ، و أجاب فى حذر متسائل :
- بل جوازين عاديين.
سأله (سميث) فى لهفة أكثر :
- و هل يقيمان فى مبنى السفارة المصرية؟!
أجابه (مولر) ، و حذره و تساؤله يتزايدان :
- بل فى منزل صغير ، فى نهاية شارع (بنسلفانيا) ، بالقرب من (يونيون ستاشين).
بدا تألُّق عينى (سميث) أشبه بحجرتين من اللهب ، تطلان من منتصف وجهه ، و هو يقول :
- عظيم.
انعقد حاجبا (مولر) فى شدة ، و هو يهتف به فى حدة :
- و لماذا يثيرك الأمر إلى هذا الحد؟!
التفت إليه (سميث) ، مجيباً فى سرعة :
- لأنهما ليسا زميلين عاديين.. إنهما ضمن الأربعة ، الذين حارب هو نفسه الدنيا كلها لاستعادتهم من قبل ، و لو راجعت ملف (أدهم صبرى) هذا ؛ لأدركت أن نقطة ضعفه الوحيدة تكمن فى ارتباطه الشديد بهذه الأنثى المصرية ، و ذلك البدين الشره.
بدا الاهتمام الشديد على وجه (مولر) ، و هو يسأل :
- و ماذا؟!
أكمل (سميث) ، و كأنه حتى لم يسمعه :
- و هذا يعنى أن أسهل وسيلة ، لدفعه إلى الظهور ، هى أن ننقض عليهما.
و صمت لحظة ، قبل أن يرفع سبَّابته ، مضيفاً :
- و بأكبر ضجة ممكنة.
بدا التشكَّك على وجه (مولر) ، و هو يقول :
- أتظنه من الحماقة ، بحيث يجازف بالظهور و الإعلان عن نفسه ، و هو يعلم أن (واشنطن) كلها تسعى خلفه ؛ لمجرَّد أننا نهاجمهما؟!
ارتسمت ابتسامة واثقة ، على شفتى (سميث) ، و هو يقول :
- لن يمكنه المقاومة.
ثم شدَّ قامته ، مكملاً بمنتهى الثقة :
- و سترى.
كان ينطقها بمنتهى منتهى الثقة ، و لكن (مولر) عقد حاجبيه فى شك..
منتهى الشك..


* * *


على الرغم من كونها ضابط مخابرات محترف ، يحمل رتبة متوسطة ، فى صفوف المخابرات المصرية ، بدت (منى) شديدة التوتر ، و هى تتابع الاتصالات المؤمَّنة ، عبر شبكة الإنترنت ، و تهتف بـ(قدرى) ، الذى انهمك فى إعداد شطيرة لحم ساخنة :
- هل سافرنا كل هذا الوقت ، لتصنع شطيرتك ، أم لنسعى لمعاونة (أدهم)؟!
واصل إعداد شطيرته فى عناية بالغة ، و هو يجيبها ، دون حتى أن يلتفت إليها :
- و أين (أدهم) لنعاونه؟!
هتفت فى حدة :
- هذا ما أحاول معرفته.
تطلَّع إلى شطيرته فى إعجاب واضح، ثم التهم منها قضمة كبيرة، راح يلوكها فى فمه بتلذُذ قائلاً:
- ما دمت لا تجدين أية أخبار أو معلومات بشأنه ، فهو حتماً بخير.
انعقد حاجباها ، و هى تقول محتدة :
- و من أدراك؟!
قضم قضمة كبيرة أخرى ، و هو يجيب ، بفم مملوء بالطعام :
- (أدهم) ليس بالشخص العادى ، و لقد شاهدت بنفسك كيف استجوبنا رجال (المارينز) لنصف ساعة ، قبل أن يسمحوا لنا بدخول العاصمة ، و كيف استوقفتنا ثلاث دوريات شرطة على الأقل ، قبل أن نصل إلى هنا.. ألديك شك فى أن كل هذا من أجله.
غمغمت فى عصبية :
- ليس لدى أدنى شك فى هذا.
قال و هو يتناول شطيرته فى استمتاع :
- هل تتصوَّرين أن الظفر برجل مثله ، يمكن أن يتم فى هدوء ، و دون أن يشعر به أحد.
أدركت مغزى كلامه ، فالتفتت إليه ، مغمغمة :
- مستحيل!
أشار إليها ، قائلاً :
- بالضبط.
و عاد يلتهم شطيرته بمنتهى الاستمتاع ، فى حين صمتت هى لحظات لهضم موقفه و منطقه ، قبل أن تقول فى توتر :
- و لكن هذا لا ينفى أنه يتعرَّض للخطر.
أشار بيده ، قائلاً :
- بلا شك.
ثم توقف فجأة عن التهام شطيرته ، و التقى حاجباه ، و هو يضيف ، فى توتر مباغت مفاجئ :
- و كذلك نحن.
انتبهت ، فى هذه اللحظة فقط ، إلى وقع الأقدام ، التى حاول أصحابها تخفيفها بقدر الإمكان ، و التى تتسلَّل إلى منزلهما الآمن..
أو تحيط به..
و فى خفة ، و على الرغم من توترها ، التقطت (منى) مسدسها ، و أشارت إلى (قدرى) بالصمت، و هى تتحرَّك بلا صوت ، نحو باب المنزل..
لم يكن هناك أدنى شك..
هناك من يتسلَّل إليهما..
فى خفة..
و هدوء..
و دقة..
و يقترب من الباب..
و النوافذ..
و السطح..
و..
و فجأة ، حدث الاقتحام..
عبر النافذة ، حطَّم رجلان متشحان بالسواد الزجاج ، و وثبا بوساطة حبلين قويين إلى الداخل..
و فى اللحظة نفسها ، اقتحم ثلاثة رجال الباب..
و كان الخمسة يخفون وجوههم بأقنعة سوداء سميكة ، لا تُظهر سوى عيونهم ، و يحملون مدافع آلية قوية..
و سقطت الشطيرة من يد (قدرى) ، و هو يتراجع فى ذعر..
و انقضت (منى)..
بوثبة قوية ، ركلت المدفع الآلى ، من يد أقرب الرجال إليها ، ثم دارت حول نفسها فى رشاقة ، و ركلت الثانى فى فكه ، فأطاحت به فى عنف..
و لكن الثالث انقضَّ عليها فى براعة ، و ضرب صدرها بكعب مدفعه ، فى قوة شديدة ، فأسقطها أرضاً ، فى نفس اللحظة التى لكم فيها آخر (قدرى) ، الذى سقط كجوال من حجر ، دون أن يطلق سوى آهة مكتومة ضعيفة..
و قاومت (منى)..
قاومت و قاومت.. و قاومت..
و لكن ثلاثة رجال أشداء أقوياء أمسكوا بها ، و سيطروا عليها ، و جذبها أحدهم من شعرها فى قوة ، و هو يقول فى شماتة :
- خسرت أيها المصرية.. لم يكن لك أدنى أمل منذ اللحظة الأولى ، و أنتِ تواجهين خمسة من أفضل رجال القوات الخاصة.
هتفت ، و هى تواصل المقاومة فى استماتة :
- إننى أفضل الموت.
أستل الرجل خنجراً حاداً ماضياً ، و هو يقول فى شراسة :
- فليكن.
و هوى بخنجره..
بمنتهى القوة..



* * *


الساعة الآن 04:15 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية